الآداب الإسلامية
للناشئة
شبكة مجاهد مسلم الإسلامية الدعوية
www.islammi.jeeran.com
www.geocities.com/moujahedmouslem
إعداد
محمد خير فاطمة
دار الخير
بسم الله الرحمن الرحيم
{ ومن أحسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}
الإهداء
إلى كل أب وكل أم.... في عنق كل منهما أمانة تربية الأبناء..
وإنها لأمانة.. وأية أمانة..
فإن أدّيت كانت خيرا وبركة وسلامة..
وبها تمام السعادة.. والكرامة..
وإن ضيّعت عادت خزيا وحسرة وندامة..
في هذه الدنيا، ويوم القيامة..
* * * * *
وإلى كل مرب ومعلم ومؤدب..
يقوم على تربية القلوب على التقى والهدى والإيمان..
ويعمل على تغذية العقول بالعلم والعرفان..
ويشرف على سقاية النفوس الظمأى للآداب ومكارم الأخلاق..
قدوته في ذلك.. مهمة النبي صلى الله عليه وسلم القائل:
" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"..
* * * * *
وإلى كل قائم على الدعوة الى الله على بصيرة من ربه..
دائب في تحصيل مواد هذا البناء مادة مادة..
ليجعلها أركانا في شخصية المسلم لبنة لبنة..
يبني الرجال وغيره يبني القرى ... ... شتان بين قرى وبين رجال
هذه مادة في بناء الشخصية التي تسعى لاستكمال فضائلها..
مستمّدة، من المثل الأعلى في كل فضيلة وكمال..
النبي الأمي الذي قال:
" أدبني ربي فأحسن تأديبي"..
* * * * *
إلى كل هؤلاء نهدي هذا الكتاب..
ليقوموا بدورهم بتقديمه الى من يعولون ويرعون ويربون..
وليقوموا بأنفسهم بتدريسه درسا درسا.. وليلمسوا بأيديهم ثمراته عطاء بعد عطاء..
ولا يعين على ذلك إلا القدوة الحسنة، والواقع المشاهد الملموس، من قبل كل مشرف على تدريسه..
* * * * *
هؤلاء الأبناء.. صفحة بيضاء.. نسجل فيها ما نشاء..
وما نسجله فيها نسجله في صفحات أعمالنا ذكرا خالدا، وعملا لا ينقطع..
هؤلاء الأبناء تربة خيّرة معطاء.. نزرع فيها ما نشاء..
وحصادها امتداد لنا في الأرض.. وذخر لنا في السماء..(1/1)
وباستخراج هذه الطاقات.. وقطاف هذه الثمرات..
يكون الأبناء فلذات الأكباد.. وقرة العيون..
وأمل الأمة في الحاضر والمستقبل...
* * * * *
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
فإن الإسلام دين يهتم بشؤون الإنسان الخاصة، كما يهتم بشؤونه العامة. ويتتبع الإرشاد والتقويم تفاصيل حياته الصغيرة، كما يوجهه في كبيرها. ويتدخل في دقائق أموره الشخصية تهذيبا وتجميلا، كما يهتم بأمور الإنسانية عموما وشمولا.. سواء بسواء.. ويقينه في ذلك أن المجتمع الفاضل أساسه الفرد الفاضل. والأمة الراقية أفرادها ـ لا شك ـ هم الذين أقاموها على الرقي والحضارة والازدهار.
ولذلك فقد حظي الطفل في الإسلام بحصته من الرعاية والعناية والتأديب. وأعطي الفتى ما يناسبه من التربية والتعليم، ونالت الفتاة حظها من الهداية والإرشاد والتهذيب..
وهذا كتاب الله تعالى يقول عن سيدنا يحيى عليه السلام:
{وآتيناه الحكم صبيا} إشارة لتعليم الصبية الكتاب والحكمة، ويقول عن أصحاب الكهف: { إنهم فتية آمنوا بريهم وزدناهم هدى}، لفتا لأنظار الفتية المتفتحين على الحياة ليتزودوا من الإيمان والهدى في مسيرة حياتهم. ويوقل عن السيدة مريم:{ واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا} تنبيها لتربية الفتاة في حداثة سنها على العفة والطهارة والعبادة والتقوى..
ولقد حث الإسلام أولياء الأمور، والقائمين على شؤون الأطفال والفتية واليافعين، أن يقوموا بدورهم في رعاية هذه القلوب الصافية، وفي العناية بهذه العقول النقية، وفي تربية هذه النفوس الرضية خير قيام..(1/2)
فهؤلاء الصبية الأطفال هم رجال المستقبل، وهؤلاء الفتية الأغرار هم عدة الأمة في دينها ودنياها، وأملها في قوتها وعزتها، وهؤلاء الفتيات الطاهرات هن مربيات النشء وأمهات العلماء والعباقرة والعظماء. فإذا ما كانت التربية على الحب والحق والخير والفضيلة، استقام أمر المجتمع على هذه المعاني المجيدة..
وإذا ما أهملت نبت في تربتها أشواك الشرور والانحراف والبطالة والرذيلة؛ فأتى النخر على البنيان من القواعد والجذور، وآذن المجتمع بالانهيار والسقوط قال تعالى:
{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}، وقال علي كرّم الله وجهه في معنى هذه الأية:
"علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدّبوهم".
وقال صلى الله عليه وسلم:" ما نحل والد ولده نحلة أفضل من أدب حسن". وهو بذلك يشير الى أن مهمة الوالد ليست في تقديم الطعام والشراب لولده، ورعاية شؤونه الجسدية والصحية فحسب.. بل في تقديم العلم المفيد، والأدب الجميل، والسلوك القويم لولده في كل خطوة من خطوات حياته التي هي كالعجينة بين يديه يشكلها كيف يشاء.. وفي اغتنام كل فرصة للتربية والتأديب، فإذا ما غفل عن ذلك كان الواقع كما في قول الشاعر:
إهمال تربية البنين جناية ... ... عادت على الآباء بالويلات
ولقد أعان الإسلام الأولياء على ذلك فجعل للإنسان منذ طفولته آدابا في حركاته وعاداته ومعاملاته، وأوجب على الأولياء متابعتها وتعليمها ومراقبتها والتدريب عليها حتى تصبح ملكة راسخة في خلق الفرد، وبذلك يشبّ على محاسن الآداب، ومكارم الأخلاق، وجميل العادات والصفات..(1/3)
وهذه الباقة الأولى من هذه الآداب الإسلامية الرفيعة خصّصناها للناشئة من الصبية والفتيان، وحرصنا في جمعها على ما يناسب برنامجهم اليومي الاعتيادي كتلاميذ يبتدؤون يومهم بالاستيقاظ ويؤدون واجبهم في المدرسة، ويعيشون في معاملاتهم مع أصدقائهم وذويهم ويختتمون يومهم بالنوم.. ولكل ذلك آداب إسلامية عطرة.. كتبت بما يلائم تكوينهم الاجتماعي، وقبولهم النفسي والعقلي، وجعلنا قوامها تبسيط افكرة، ويسر اللغة ليسهل فهمها وتمثلها، تمهيدا لتسهيل تطبيقها وتنفيذها..
ولا ندّعي أننا في هذه الباقة من الآداب، وما يتبعها من هذه السلسة الخيّرة الإيمانية قد أتينا بشيء جديد، فالكنوز منها مودع في بطون الكتب القديمة والحديثة، وفيها بذل العلماء والمربون جل حياتهم فأعطوا عصارة تجاربهم في التربية والأخلاق ولم يتركوا منها فتيلا ولا قطميرا، وإنما جمعنا ورتبنا، وبسطنا وبوّبنا ما نحن فيه بأمس الحاجة ليكون ميسرا لسد حاجة الأولياء والآباء والمربين المهتمين بتربية الجيل على أساس من الآداب والخلق القويم وليكون مرجعا يفهمه الطفل الصغير إذا ما أهدي إليه، وجعل مآله بين يديه..
" وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".
... ... ... ... ... ... ... ... ... المؤلف.
-1-
آداب الاستيقاظ
الاستيقاظ بعد النوم آية من آيات الله الباهرة الدالة على قدرة الله تعالى وهي تشبه آيات البعث بعد الموت، وقد سمى الله تعالى النوم وفاة والاستيقاظ من بعده بعثا ونشورا قال تعالى:{ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)} الزمر.
وقال سبحانه:{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً (47)} الفرقان.(1/4)
والاستيقاظ بعد النوم استئناف للحياة بعد تعطيلها. وفتح صفحة بيضاء جديدة يسطرها المرء خلال نهاره، يبدؤها باستيقاظه ويختمها بمنامه، ويودعها كتاب أعماله لتعرض عليه يوم الحساب قال تعالى:{ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (60)} الأنعام.
وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: ( ما من يوم ينشق فجره إلا ومناد ينادي يا ابن آجم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود الى يوم القيامة).
وقال أحدهم: ( ابن آدم إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك)، وإذا كان الاستيقاظ ابتداء للحياة اليومية الرتيبة فينبغي على المسلم أن يجعل افتتاح يومه، وابتداء عمله، صلة بخالقه، وذكرا لرازقه، وشكرا لولي نعمته الذي تولى حفظه ورعايته خلال نومه، قال تعالى:{ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ (42)} الأنبياء.
وخلال هذه الساعات الأولى من نهاره، والتي يكون فيها ذهنه صافيا، وعقله متوقدا وجسمه نشيطا، يخطط لنهاره وما ينبغي أن يعمله من عمل صالح يرضي الله تعالى، ويعود بالخير والصلاح عليه، وعلى الناس أجمعين.
وهذه جملة من الآداب الإسلامية المتعلقة بهذا الموضوع:
1- الاجتهاد في أن يكون الاستيقاظ باكرا قبل طلوع الفجر، وذلك لتحصيل الفوائد الروحية، واكتساب العادات الصحية، واغتنام أوقات الصفاء والنقاء للعبادة أو الدراسة.
قال الله تعالى في وصف عباده المتقين:{ كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} الذاريات.(1/5)
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" باكروا في طلب الرزق والحوائج، فإنّ الغدوّ بركة ونجاح". رواه الطبراني.
2- أن يكون أول ما يجري على القلب والفكر واللسان ذكر الله تعالى وتوحيده، والدعاء بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى:{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25)} الإنسان.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ما من عبد يقول عند ردّ الله تعالى روحه: لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، إلا غفر الله تعالى له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر". رواه ابن السني.
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى الى فراشه قال:" باسمك اللهم أحيا وأموت، وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" رواه البخاري.
3- المبادرة بعد الاستيقاظ الى الطهارة والوضوء والصلاة، وجعل هذه الأعمال فاتحة النهار بعد الذكر والدعاء، وتجنّب الانشغال عنها بأي عمل آخر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نائم ثلاث عقد يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ وذكر الله تعالى انحلّت عقدة، فإن توضأ انحلّت عقدة، فإن صلى انحلّت عقدة، فأصبح نشيطا طيّب النفس، وإلا أصبح حبيث النفس كسلان" متفق عليه.
4- تجنّب المكوث في الفراش والتقلب فيه بعد الاستيقاظ، استجلابا للأفكار والأحلام، واستغراقا في الخيال والأوهام.
5- تجنب التكاسل عن القيام الى الصلاة لبرد أو تعب أو نعاس، لأن ذلك كله شعور كاذب تسوله النفس الأمارة بالسوء، ويزول بمخالفتها.
6- تجنب العودة الى النوم بعد طلوع الفجر، أو التسويف في أداء الصلاة لوجود متسع من الوقت، لأن ذلك من وحي الشيطان ليضيع على المسلم صلاة الفجر.(1/6)
قال تعالى في وصف عباده المؤمنين:{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16)} السجدة.
7- غسل الفم وتنظيف الأسنان بالطريقة الصحيحة المفيدة بعد الاستيقاظ من النوم، وتكون إما بالسواك وهو الأفضل، أو بالفرشاة والمعجون، وهي عادة تطيب الفم، وتحافظ على الأسنان.
عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من النوم يشوص فاه بالسواك. متفق عليه.
8- التزام الهدوء والسكينة أثناء الحركة بعد القيام، وتجنب إزعاج أحد من الأهل أو الجيران.
9- الحذر من الخروج المفاجئ من المكان الدافئ الى المكان البارد، وخاصة بعد الاستيقاظ مباشرة، إلا بعد الاحتياط في اللباس.
10- التزام الرقة واللطف وخفض الصوت أثناء إيقاظ الآخرين، وذلك بالتذكير بتوحيد الله وأن الصلاة خير من النوم، فإن أبى أحد القيام تركه وأعاد عليه بعد قليل.
11- فتح الأبواب والنوافذ المغلقة في غرفة النوم بعد الاستيقاظ، لتجديد الهواء وجريانه فيه.
12- إعادة ترتيب السرير، وطيّ الفراش بعد تهويته وذكر اسم الله عليه، وتجنب ترك السرير ولوازم النوم مبعثرة بشكل غير لائق، إذ ليس من الأدب والمروءة اعتماد المسلم على غيره وخاصة في إنجاز أعماله اليومية، وأموره الشخصية.
* * *
-2-
آداب قضاء الحاجة
التخلي هو طرد فضلات الجسم الضارة المؤذية عن طريق التبول أو التبرز وهو نعمة من الله تعالى ليبقى الجسم خاليا من الأمراض والأسقام، ولذلك كان حريّا بالمرء أن يشكر الله على هذه النعمة كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا خرج من الخلاء قال:" الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى فيّ قوته، ودفع عني أذاه" رواه الطبراني وابن السني عن ابن عمر.(1/7)
الاستغفار بعد الخروج اعتراف بالقصور عن بلوغ حق شكر نعمة الطعام والاستفادة من منافع الغذاء وتسهيل خروج الأذى لسلامة البدن من الآلام..
وفي كل شيء للمسلم عبرة وذكرى تورثه خشية من الله وحياء منه، ومحبه له وشكرا..
روت السيدة عائشة عن أبيها الصديق رضي الله عنهما أنه قال:" استحيوا من الله فإني لأدخل فأغطي رأسي استحياء من ربي عز وجل..".
وبذلك يكون دخول المسلم لقضاء حاجته تفكرا وعبرة، وإماطة الأذى عنه فضلا ورحمة..
هذا ولدخول الخلاء آداب كثيرة فصلتها كتب الفقه، وهي تقسم الى قسمين: قسم فيما لو كان في البنيان وقسم فيما لو كان في الصحراء.
ونكتفي أن نتناول بعض ما أتى من الآداب الخاصة بالتخلي في البنيان:
1- الاستئذان قبل الدخول الى بيت الخلاء، وعدم الدخول إلا بعد التأكد من خلوه، وذلك بقرع الباب والانتظار لبعض الوقت، وخاصة في دورات المياه العامة.
2- تقديم الرجل اليسرى في الدخول، وتقديم اليمنى في الخروج، والدعاء بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال:" اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" متفق عليه.
3- الدعاء بعد الخروج بقوله:" غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني".
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الغائط قال:"غفرانك" رواه الخمسة.
وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال:" الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" رواه ابن ماجه.
4- التخفف من الثياب قبل الدخول الى الخلاء، والانتباه الى طهارة ما يلبسه أثناء التخلي والتحرز من إصابتها بالنجاسة.
5- تجنّب استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة تعظيما لها.(1/8)
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولّها ظهره، شرّقوا أو غرّبوا" متفق عليه.
6- تجنّب استصحاب شيء عليه اسم الله تعالى أو القرآن الكريم أو آيات منه.
7- التأكد من إغلاق باب بيت الخلاء، وعدم تركه مفتوحا، والإشارة لمن أراد الدخول بقرع الباب من الداخل لينتظر.
8- تجنّب كشف الثياب قبل الانتهاء الى موضع قضاء الحاجة وإغلاق الباب.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض". رواه أبو داود.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من أتى الغائط فليستتر"رواه أبو داود.
9- غض البصر وتجنب النظر الى العورة، فإن الله تعالى أحق أن يستحيا منه
10- تجنب الكلام أثناء التخلي أو السلام أو رده أو الذكر الجهري.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:" مرّ رجل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبوّل فسلم عليه فلم يرد عليه" رواه مسلم.
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا تغوّط الرجلان فليتوار كل واحد منهما عن صاحبه ولا يتحدثا فإن الله يمقت على ذلك" رواه أحمد.
11- تجنب البول لئلا يصيبه رشاش البول.
عن عائشة رضي الله عنها قالت:" من حدّثكم أن رسول الله بال قائما فلا تصدّقوه" رواه الترمذي.
وهناك رخصة في البول قائما لضرورة أو عذر أو مرض.
عن حذيفة رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائما فأتيته بوضوء فتوضأ ومسح على خفيه" متفق عليه.
12- غسل اليد قبل البدء بالاستنجاء بها لئلا يتشرب مسام الجلد الماء النجس.
13- القيام بالاستنجاء والطهارة باستعمال اليد اليسرى.
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يمسّنّ أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسّح من الخلاء بيمينه" متفق عليه.(1/9)
14- الاطمئنان الى زوال النجاسة، واستكمال الطهارة الشرعية.
قال تعالى:{ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} البقرة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" رواه الدارقطني.
15- تنظيف مكان الخلاء بعد قضاء الحاجة حتى لا يبقى أثر ولا رائحة.
16- غسل اليدين بالماء والصابون بعد الخروج مباشرة.
* * *
-3-
آداب الوضوء
الوضوء شرط لصحة الصلاة قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} المائدة 6.
وهو تطهير للأعضاء الظاهرة بالماء تمهيدا للدخول في الصلاة، واستعدادا لمناجاة الله تعالى، وعلامة على تطهير الجوارح من الخطايا والذنوب، وتنظيف القلب مما يشغل عن الله تعالى من الغفلات والمحرمات، ويحجب عن تلقفي أنواره وفيوضاته وعلومه اللدنية وحكته الالهية..
قال أحد العلماء: اعلم أنك إذا توضأت فإنك ستزور ربك عز وجل فعليك أن تتوب إليه، لأنه جعل الغسل بالماء مقدمة للغسل من الذنوب. فإذا تمضمضت فطهر لسانك من الكذب والغيبة والنميمة، فإنما خلق لسانك لذكر الله تعالى وتلاوة القرآن، ولترشد به خلقه وتظهر به ما في نفسك من حاجات دينك ودنياك، فإذا استعملته في غير ما خلق له فقد كفرت نعمة الله فيه، فإن جوارحك نعمة، والاستعانة بالنعم على المعاصي غاية الكفران، فإذا استنشقت فطهر أنفك من أن تشم محرما، فإذا ظهرت وجهك فطهر نظرك من ثلاث: أن تنظر الى محرم، أو الى مسلم بعين الاحتقار، أو الى عيب أحد فإنما خلقت العينان لتهتدي بهما في الظلمات، وتستعين بهما في الحاجات، وتنظر بهما الى عجائب ملكوت الأرض والسموات، فتعتبر بهما بما تراه من الآيات..(1/10)
وإذا طهرت يديك بالماء فطهرهما من أن تؤذي بهما مسلما، أو تتناول مالا محرما، أو تكتب بهما ما لا يجوز النطق به، فإن القلم أحد اللسانين فاحفظه عما يجب حفظ اللسان عنه، وإذا مسحت رأسك فاعلم أن مسحه امتثال لأمر الله، والخضوع لجلاله، والتذلل بين يديه، وإظهار الافتقار إليه، وإذا طهرت بين رجليك فطهرهما من المشي الى حرام فقد قال صلى الله عليه وسلم:" ما من عبد يخطو خطوة إلا سئل عما أراد بها". رواه أبو نعيم في الحلية.
هذا هو الوضوء الصالح، الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم:" من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من أظفاره" رواه مسلم عن عثمان.
وهذه طائفة من الآداب الإسلامية في الوضوء.
1- ابتداء الوضوء بتسمية الله تعالى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى" رواه أبو داود.
2- الهدوء وحضور القلب أثناء الوضوء، لأن السكينة والخشوع في الوضوء مقدمة للخشوع في الصلاة.
3- استعمال السواك عند كل وضوء، لأنه مطهرة للفم، مرضاة للرب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء" رواه البخاري.
4- تجنب الكلام والضحك واللعب بالماء أثناء الوضوء.
5- تجنب لطم الوجه والرأس بالماء لطما.
6- تجنب نفض اليدين بعد الوضوء ورش الماء.
7- الحرص على إسباغ الوضوء زيادة على الفرائض، الى العضدين وأنصاف السوق، وخاصة في أوقات البرد، لأنه نور المؤمن وحليته يوم القيامة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا الى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط، فذلكم الرباط" رواه مسلم.(1/11)
وعنه قال: سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول:" تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء" رواه مسلم.
8- الانتباه الى تبليغ الوضوء، وإيصال الماء الى ثنايا الجلد والأعقاب وبين الأصابع.
عن أنس رضي الله عنه قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا وفي قدمه مثل الظفر لم يصبه الماء. فقال له:" ارجع فأحسن وضوءك" رواه أبو داود والنسائي.
9- الدعاء بما ورد عن السلف الصالح أثناء غسل كل عضو.
فيقول بعد التسمية: الحمد لله الذي جعل الماء طهورا.
ويقول عند المضمضة: اللهم اسقني من حوض نبيك صلى الله عليه وسلم كأسا لا أظمأ بعده.
ويقول عند الاستنشاق: اللهم لا تحرمني رائحة نعيمك وجناتك.
ويقول عند غسل الوجه: اللهم بيذ وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.
ويقول عند غسل اليدين: اللهم اعطني كتبي بيميني، اللهم لا تعطني كتابي بشمالي.
ويقول عند مسح الرأس: اللهم أظلني تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك.
ويقول عند مسح الأذنين: اللهم اجعلني ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
ويقول عند غسل الرجلين: اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزلّ الأقدام.
10- الدعاء بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:
عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقول حين يفرغ من وضوئه: أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيّها شاء" رواه الترمذي.
11- يستحب صلاة ركعتين بعد كل وضوء إن لم يكن وقت صلاة راتبة.
عن عقبة بن عامر رضي الله ععنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة" رواه مسلم وأبو داود.
12- الاعتدال في استخدام الماء، وتجنب صب الماء من غير حاجة، أو الزيادة في الغسل على ثلاث مرات. فهو إشراف.(1/12)
عن سعد رضي الله عنه قال: مرّ عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أتوضأ فقال: لا تسرف. قلت: يا رسول الله أفي الماء إسراف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جار. رواه ابن ماجه.
13- المحافظة على الوضوء بعد كل حدث، لأن الوضوء هو السلاح الروحي للمؤمن، فهو يستديم عليه ليدفع عن نفسه الشرور والغفلات، والآثام والمحرمات، وليكون مستعدا للصلاة وتلاوة القرآن.
عن أنس رضي الله عنه مرفوعا قال: إن استطعت أن تكون أبدا على وضوء فافعل.
* * *
-4-
آداب الصلاة
الصلاة عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين، وهي العبادة اليومية لكل مسلم يدخل بها على ربه كل يوم خمس مرات في صلة وثيقة، وارتباط عميق، وولاء كامل، مناجيا خالقه مقبلا عليه إقبال العبد الفقير على سيده الغني الكبير، مستمدا منه المعون والرحمة والهداية والعطاء، قائما وراكعا وساجدا بين يديه في لحن سماوي خالد. تتجاوب مع أصدائه جنبات الكون كله ليصبح للمسلم معبدا ومصلى يرجّع معه ذكر الله عز وجل {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ} الإسراء 44. {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} النور 41.
هذه هي الصلاة التي أرادها الله عز وجل ووصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فيما يرويه عن ربه عز وجل:
" ليس كل مصل يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي، ولم يستطل على خلقي، ولم يبت مصرا على معصيتي، وقطع نهاره في ذكري، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب، أجعل له في الجهالة حلما، وفي الظلمة نورا، ذلك نوره كنور الشمس أكلؤه بعزتي، واسستحفظه ملائكتي، ومثله في خلقي، كمثل الفردوس في الجنة" رواه البزار.
وهي أول ما يحاسب عليه العبد فقد قال صلى الله عليه وسلم:
" أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله" رواه الطبراني.(1/13)
وهي آخر وصية وصّى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته وهو يفارق هذه الدنيا لاحقا بالرفيق الأعلى قائلا:
" الصلاة.. الصلاة.. وما ملكت أيمانكم".
وهي أول صفت المتقين:{ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} البقرة 2-3.
وهي الحد الفاصل بين الإيمان والكفر قال صلى الله عليه وسلم:" بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة" رواه أحمد ومسلم.
وهي دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام:{ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي} إبراهيم 40.
ووصية الأنبياء والمرسلين:{ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31)} مريم.
روي أن عليا رضي الله عنه كان إذا حضر الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه فيقال له: ما بك يا أمير المؤمنين فيقول: جاء وقت الأمانة التي عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملتها.
وقد أوحى الله الى بعض النبيين:[ إذا دخلت الصلاة فهب لي من قلبك الخشوع، ومن بدنك الخضوع، ومن عينيك الدموع. فإني قريب مجيب].
هذا وللصلاة آداب نجمل بعضها فيما يلي:
1- الإقبال على الصلاة برغبة ومحبة، وبهمة ونشاط، وبشوق لمناجاة الله عز وجل.
2- تحسين الهيئة قبل الدخول في الصلاة، باختيار الملابس النظيفة والتعطر والتسوك.
قال تعالى:{ يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الأعراف31.
3- قضاء الحوائج الهامة والأعمال الضرورية قبل الصلاة، لتفريغ القلب مما سوى الله عز وجل.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان" رواه مسلم.
4- لزوم السكينة والوقار، والهدوء والأناة عند الاقبال لأداء الصلاة.(1/14)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" متفق عليه.
5- الدخول في الصلاة بتوجه القلب الى الله عز وجل، وسكون الأطراف والجوارح، ولزوم التواضع والخشوع بين يدي الله تعالى، والتذلل والهيبة والخضوع لعظمة الله عز وجل.
قال تعالى:{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} المؤمنون.
6- تجنّب الالتفات والشرود، والضحك والعبث بالثوب أو باليدين أثناء الصلاة.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة؟ فقال:" هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد" رواه البخاري.
7- النظر الى موضع السجود مطرقا مفكرا، وتجنب رفع البصر الى السماء.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما بال أقوام يرفعون أبصارهم الى السماء في صلاتهم؟ فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهنّ عن ذلك أو لتخطفنّ أبصارهم" رواه البخاري.
8- التعقل والتفكر والتدبر لمعاني الآيات والأذكار، وتجنب الغفلة والسهو في الصلاة.
قال تعالى:{ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} الماعون.
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها" رواه أحمد وأبو داود.
9- الإطمئنان في أداء الصلاة، وتجنب العجلة في أركانها وحركاتها.
عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفار لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله" رواه مسلم.(1/15)
10- مدافعة السعال والتثاؤب والعطاس والجشاء، أثناء الصلاة ما استطاع وخفض الصوت بها إن صدرت.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" التثاؤب في الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع" رواه البخاري.
11- الإسراع في أداء الصلاة أول الوقت، وعدم تأخيرها الى آخر الوقت تكاسلا بلا عذر.
قال تعالى في وصف المنافقين:{ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (54)} التوبة.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: برّ الوالدين قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله". متفق عليه.
12- الجلوس في المصلى عقب كل صلاة للاستغفار والذكر والدعاء.
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الأخير، ودبر الصلوات المكتوبات" رواه الترمذي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من سبّح لله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبّر الله ثلاثا وثلاثين، وقال تمام المائة، لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" رواه مسلم.
وعن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: يا معاذ والله إني لأحبك. ثم قال أوصيك يا معاذ لا تدعنّ في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" رواه أبو داود والنسائي.
13- يستحب إنتظار الصلاة بعد الصلاة، كانتظار صلاة العشاء بعد أداء صلاة المغرب واغتنام هذا الوقت بالذكر أو قراءة القرآن وحفظه أو طلب العلم وحضور مجالسه.(1/16)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب الى أهله إلا الصلاة" متفق عليه.
14- المحافظة على أداء السنن التابعة للفرائض، وعدم التهاون بها والترخيص في تركها، لأنها زيادة في التقرب الى الله تعالى، وجبران لما نقص من الفرائض.
عن رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير الفريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة" رواه مسلم.
15- المحافظة على أداء الصلوات مع الجماعة وفي أقرب مسجد.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذّ بسبع وعشرين درجة" متفق عليه.
16- تحصيل ثمرات الصلاة من ذكر الله على الدوام، ومراقبته وخشيته في جميع الأحوال، والانتهاء عن الفحش في القول، والمنكر في العمل.
قال تعالى:{ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} طه.
وقال عز وجل:{ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} العنكبوت 45.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا" رواه الطبراني.
* * *
-5-
آداب الطعام
الطعام نعمة إلهية كبرى. لفت الله سبحانه نظر الإنسان إليها في كثير من الآيات القرآنية لينظر فيها ويعتبر، ويعرف قدرها ويشكر الرازق الكريم:{ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29) وَحَدَائِقَ غُلْباً (30) وَفَاكِهَةً وَأَبّاً (31) مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)} عبس.
{(1/17)
وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)} يس.
قال سيدنا عليّ رضي الله عنه:
" اذكروا الله عزّ وجل على الطعام ولا تغلوا فيه فإنه نعمة من نعم الله، يجب عليكم شكره وحمده، فأحسنوا صحبة النعم قبل فراقها فإنها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها، وإذا جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد وليأكل على الأرض".
هذا وإن الكافر يعيش ليأكل ويعب من اللذائذ والشهوات ويحصل على المتع الجسدية الفانية، أما المؤمن فإنه يأكل ليعيش، وليتقوى على طاعة الله، ويعيش ليعبد ربه ويعمل الصالحات، ولذلك فقد أمر الله رسله فقال:
{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} المؤمنون 51.
وأمر عباده المؤمنين بمثل ذلك فقال:
{أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} البقرة 172.
هذا وللطعام آداب كثيرة نذكر منها ما يلي:
1- غسل اليدين قبل الطعام وبعده:
عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده" رواه الترمذي.
2- التسمية في أول الطعام ثم استحضار النية من الأكل، والدعاء بالمأثور، فيقول:" بسم الله الرحمن الرحيم، نويت التقوي على طاعة الله تعالى، اللهم بارك لنا في ما رزقتنا، وقنا عذاب النار".
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى، فإذا نسي أن يذكر الله تعالى في أوله فليقل:" بسم الله أوله وآخره". رواه أبو داود والترمذي.(1/18)
3- الأكل من الطعام الحلال الطيب، والحذر من الطعام الحرام كالمسروق والمشبوه والمأخوذ حياء.
قال تعالى:{ فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)} النحل.
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" كل لحم نبت من الحرام فالنار أولى به" رواه الترمذي.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لأبي بكر غلام، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوما بشيء فأكل منه، فقال له الغلام أتدري ما هذا؟ فقال: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لقوم فأعطوني. فأدخل أصابعه في فمه وجعل يقيء حتى ظننت أن نفسه ستخرج، قم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما حملت العروق وخالط الأمعاء. رواه البخاري.
4- الأكل من الطعام الجيد النظيف، والحذر من تناول الطعام الملوث أو المكشوف، أو تناول الخضار والفواكه إلا بعد غسلها بشكل جيد.
5- الأكل باليد اليمنى، وبثلاث أصابع منها يلعقها قبل مسحها أو غسلها.
عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع، فإذا فرغ لعقها. رواه مسلم.
6- الأكل مما يلي من الطعام، دون مد اليد الى ما كان في جوار الآخرين، أو الى وسط الإناء.
عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت يدي تطيش في الصّحفة فقال لي:
" يا غلام، سمّ الله تعالى، وكل بيمينك، وكل مما يليك" متفق عليه.
7- تصغير اللقمة، وإجادة المضغ، وعدم تناول لقمة أخرى قبل الفراغ من تناول اللقمة السابقة وابتلاعها.
8- تجنب النفخ في الطعام الحار، وعدم تناول الأطعمة شديدة الحرارة وشديدة البرودة.
9- تجنب الاقتراب بالفم فوق الإناء، لئلا يسقط فيه من الفم شيء.
10- الجلوس الى الطعام باعتدال، وتجنب الأكل متكئا أو مائلا أو واقفا أو مضطجعا أو ماشيا.(1/19)
عن وهب بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا آكل متكئا" رواه البخاري.
11- تجنب ذم شيء من الأطعمة، فهي من نعم الله تعالى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه. متفق عليه.
12- تجنب الاستهتار بالنعمة مهما قلت، والمحافظة عليها مهما دقّت، والحذر من إلقاء ما بقي منها بعد الطعام كع القمامة في سلة المهملات.
عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصّحفة، وقال:" إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة" رواه مسلم.
13- تجنّب الإكثارمن الطعام والإسراف في تناوله إلى حد التخمة، لأن البطنة تذهب الفطنة وتورث الأمراض.
قال الله تعالى:{ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} الأعراف.
وعن المقداد بن معد يكرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن لم يفعل فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه" رواه الترمذي.
14- تجنب التفاخر في أنواع الأطعمة، والتباهي في أطايبها، لأن في ذلك كسر لقلب الفقير، وتشبه بالكفار الذين لا يعرفون من الدنيا إلا اللذائذ والشهوات.
قال الله تعالى:{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ (12) } محمد.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كل واشرب، والبس وتصدّق في غير سرف ولا مخيلة" رواه أبو داود.
15- التحدث على الطعام بما يفيد من حكايات الصالحين، والأمر بالمعروف والخير.
16- تجنب الضحك والقهقهة أثناء الطعام، أو الاستهزاء بأحد أو استغابته، أو النظر في وجوه الحاضرين.(1/20)
17- تجنب إدخال الطعام مهما كان كان قليلا، لضرره الصحي البالغ.
18- تجنب النوم بعد الأكل مباشرة، أو الاستحمام أو القيام بأعمال جسدية أو فكرية مجهدة إلا بعد نيل قسط من الراحة.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أذيبوا طعامكم بذكر الله والصلاة، ولا تناموا عليه فتقسوا له قلوبكم" رواه ابن السني.
19- تجنب استخدام أواني الذهب والفضة وصحونها وملاعقها لحرمة استخدامها.
20- تجنب الابتداء بالطعام وفي المجلس من هو أكبر سنا أو أفضل علما وقدرا.
عن حذيفة رضي الله عنه قال: كما إذا حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده" رواه مسلم.
21- تجنب الانفراد بالطعام إذا كان هناك إمكان للاجتماع عليه، فهو أكثر بركة ومحبة وجمعا للقلوب.
عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" طعام الواحد يكفي لاثنين، وطعام الاثنين يكفي لأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية" رواه مسلم.
وعن وحشي بن حرب رضي الله عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله، إنا نأكل ولا نشبع. قال: فلعلكم تفترقون؟ قالوا: نعم. قال: فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه. رواه أبو داود وابن ماجه.
22- الحمد لله تعالى وشكره والثناء عليه في نهاية الطعام.
عن أب سغيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال:" الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين" رواه أبو داود والترمذي.
* * *
-6-
آداب الشرب
الشراب مثل الطعام. بل هو أكثر منه ضرورة، وأشد خطرا، فقد يصبر المرء على الجوع ولكنه لا يصبر على الظمأ قال تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)} الأنبياء.(1/21)
ولقد منّ الله على عباده في كثير من آياته بعملية إنزال الماء من السماء وما تتطلبه من ظواهره معجزة.
قال تعالى:{ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69)} الواقعة.
وقال:{ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)} الحجر22.
والمؤمن يأكل ويشرب من رزق الله وفي كل ذلك يشعر أنه عل مائدة الله، محتاج الى فضله، وعاجز عن أداء شكره، وذاكر لجوده وكرمه على الدوام:
{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)} الشعراء.
وهذه بعض آداب الشراب.
1- التسمية في أوله، والحمد في آخره، كأن يقول:
"الحمد لله الذي جعله عذبا فراتا برحمته، ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبنا".
2- يستحب الشرب في حالة القعود، فهو أفضل صحيا، وأكمل أدبا.
عن أنس رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرب الرجل قائما. قالوا: فالأكل؟ قال: ذلك أشر. رواه مسلم.
3- تناول الكأس باليد اليمنى والشرب بها.
عن حفصة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه، ويجعل يساره لما سوى ذلك. رواه أبو داود والترمذي.
4- مص الماء مصا، وعدم عبه أو صبه في الحلق صبا، لأن المصّ أثناء الشرب أهنأ وأمرأ.
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" مصّوا الماء مصّا، ولا تعبّوه عبّا" رواه الديلمي.
5- الشرب على ثلاث دفعات، يبدأ كلا منها بالتسمية، ويختم بالحمد.(1/22)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تشربوا كشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى وثلاث، وسمّوا إذا أنتم شربتم، واحمدوا إذا أنتم رفعتم" رواه الترمذي.
6- تجنّب النفخ في الإناء أو التنفس فيه.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنّفس في الإناء أو ينفخ فيه" رواه الترمذي.
7- تجنب الشرب من فم الإبريق أو السقاء، ولكن يصب منها في كأسه ويشرب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرب من فيّ السقاء أو القربة" متفق عليه.
8- تجنب الإسراف في شرب الماء، وخاصة أثناء الطعام لأنه يعيق عملية الهضم، ويكون الشرب قبل الطعام بنصف ساعة أو بعده بساعة على الأقل.
9- تجنب الشرب في أواني الذهب والفضة لحرمة استعمالها.
عن أمّ سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم" رواه مسلم.
10- يمسك الساقي الإناء أثناء توزيع الشراب باليد اليسرى، ويعطي الكوب باليد اليمنى، ويبدأ أولا بسيّد القوم أو أفضلهم علما وقدرا، ثم يعطي الأيمن فالأيمن.
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بلبن قد شيب بماء، وعن يمينة أعرابي، وعن يساره أبو بكر رضي الله عنه فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال: الأيمن فالأيمن". متفق عليه.
11- يكون ساقي القوم آخرهم شربا.
عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ساقي القوم آخرهم" رواه الترمذي.
* * *
-7-
آداب اللباس
اللباس من نعم الله تعالى التي خصّ بها الإنسان من بين المخلوقات ليتقي بها العوامل الطبيعية من حر وبرد وشمس ومطر.. وليستر بها عورته ويواري سوأته، ويحفظ كرامته، ويتجمل بها في حياته.. قال تعالى:
{(1/23)
وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)} النحل.
وقد علم الله تعالى الإنسان صناعة الثياب بمختلف أشكالها وأمره أن يستتر بها ويتقي ما يواجهه خلال حياته قال تعالى عن سيدنا داود:
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ (80)} الأنبياء. ولقد أتانا فيما أتانا من ضلالات الغرب وصرعات الجاهلية الحديثة دعوة جديدة الى التعري وإظهار العورات مسخا للإنسان، وانتكاسه الى الحيوانية العجماء..
كما تصدّر لنا بيوت الأزياء اليهودية كل عام تصاميم لملابس لا همّ لها سوى إظهار المفاتن وعرض المغريات وفتن عقول الشباب والشابات، واستباحة الأهواء والشهوات.. فهي ملابس الى العري أقرب منها الى الستر..
قال صلى الله عليه وسلم:
" صنفان من أمتي لم أرهما قط: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسمنة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا". رواه مسلم والإمام أحمد.
وهذه باقة من الآداب الإسلامية في اللباس:
1- الابتداء بتسمية الله تعالى، كما تستحب التسمية في جميع الأعمال.
2- جعل النية من اللباس أمر الله تعالى في ستر العورة، لا التباهي بزينة اللباس، ومراءاة الناس بها.
قال تعالى:{ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} الأعراف.
3- الدعاء بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:(1/24)
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لبس ثوبا قميصا أو رداء أو عمامة يقول:" اللهم إني أسألك من خيره وخير ما هو له، وأعوذ بك من شرّه وشرّ ما هو له" رواه ابن السني.
4- الدعاء بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عند لبس ثوب جديد.
عن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من لبس ثوبا جديدا فقال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمّل به في حياتي، ثم عمد الى الثوب الذي أخلف فتصدّق به، كان في حفظ الله وفي كنف الله عز وجل وفي سبيل الله حيّا وميتا" رواه الترمذي.
5- اختيار أوساط الثياب، والمعتدلة منها، دون مبالغة ومغالاة، ودون تبذل وإهمال.
6- التأكد من نظافة الثوب وطهارته، لتصح العبادة به، ولأن المؤمن نظيف البدن والثوب طاهرهما.
قال تعالى:{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} المدثر 4.
7- اجتناب التفاخر بالثياب أو إطالتها حتى تمسّ الأرض تكبرا واستعلاء، بل ينبغي رفعها عن الأرض لأنه أتقى وأنقى وأبقى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا ينظر الله يوم القيامة الى من جرّ إزاره بطرا" متفق عليه.
8- القيام بإصلاح الثوب إن وجد به شقا أو ثقبا، وعدم لبسه وهو ممزق، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه بيده، ويصلح نعله بنفسه.
عن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إنكم قادمون على إخوانكم، فأصلحوا رحالكم، وأصلحوا لباسكم، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس، فإن الله لا يحب الفحش والتفحّش". رواه أبو داود.
9- الابتداء في لبس الثوب، والنعل والسراويل والجوارب باليمين، والخلع بالشمال.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمّن في شأنه كله، في طهوره وترجلّه" رواه البخاري.(1/25)
10- نفض الثياب قبل لبسها، ونفض الجوارب للتأكد من خلوها من الحشرات المؤذية.
11- طيّ الثياب بعد خلعها، وذكر اسم الله عليها عند وضعها أو تعليقها، وعدم إلقائها مبعثرة دون مبالاة.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم أن يقول الرجل المسلم إذا أراد أن يطرح ثيابه: بسم الله لا إله إلا هو" رواه ابن السني.
12- تعهد الجوارب بالنظافة وغسلها مساء كل يوم، وخاصة أيام الصيف، أو كلما تغيرت رائحتها، وكذلك تعهد النعلين بالنظافة والإصلاح.
13- يستحسن أن تكون أكمام القمصان طويلة الى الرسغين.
عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: كان كم رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الرسغ. رواه الترمذي وأبو داود.
14- إجتناب الألبسة المصنوعة من الحرير، لحرمة لبسها على الذكور.
عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" حرّم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحلّ لإناثهم" رواه الترمذي.
15- اجتناب تشبّه الرجال بالنساء في لباسهم، واجتناب تشبّه النساء بالرجال في لباسهن.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل" رواه أبو داود.
16- إجتناب الثياب المزركشة والمزينة وذات الألوان الزاهية، والتي تظهر التخنث على مظهر لابسها.
17- اجتناب الثياب الضيقة والمحجّمة والشفافة للرجل والمرأة، واختيار الثياب الساترة والمريحة، وخاصة للفتاة، والحذر من التزيّن والتبرّج.
* * *
-8-
آداب الكلام
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وشقّ له سمعه وبصره، وزوده بمعجزة العقل وآتاه وسائل التعلم والاكتساب قال تعالى:
{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (23)} الملك.(1/26)
وقال تعالى:{ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ (9)} البلد.
ومن مهمات اللسان الكثيرة التعبير عن حاجات النفس وإيصال المعلومات الى الغير عن طريق النطق والكلام. قال تعالى:
{الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} الرحمن.
وأمر الله تعالى المسلم بمراعاة أقواله كما يراعي أعماله، ولهذا قيل " من عدّ كلامه من عمله قلّ كلامه".
وأمره أن يقول الحق الذي يرضيه، وأن يراقبه عند كل كلمة تخرج من فيه، وقد ورد في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم:
" إن الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيهوي بها في النار سبعين خريفا. وإن الرجل يتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظنّ أن تبلغ ما بلغت فيرفع بها في عليّين" رواه الترمذي.
هذه قيمة الكلام في الاسلام، حتى لقد صار المسلم يتورع في النطق كما يتورع في المأكل والمشرب، فيجتنب اللغو وما لا طائل وراءه كما يجتنب المحرمات والشبهات.
كيف لا يكون ذلك وهو يتمثل قوله تعالى:{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} ق. وقوله صلى الله عليه وسلم:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" متفق عليه.
قال أحدهم:
وتجنّب الفحشاء لا تنطق بها
... ... ... ... ما دمت في جدّ الكلام وهزله
واحبس لسانك عن رديء مقالة
... ... ... ... وتوقّ من عثر اللسان وزله
وبين أيدينا باقة من آداب الكلام نبسطها كما يلي:
1- اختيار أجمل الكلام، وأحسن الألفاظ، أثناء مخاطبة الناس، كما يختار أطايب الطعام، والرد على ما يسمعه منهم بلباقة وتهذيب.
قال تعالى:{ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)} الحج.
وعن عديّ بن حاتم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" اتقوا النار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة" متفق عليه.(1/27)
2- التمهّل في الكلام وبيانه حتى يفهم المستمع المراد من الحديث ويعقل مقصوده ومغزاه.
عن عائشة رضي الله عنه قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث كسردكم هذا، يحدّث حديثا لو عدّه العادّ لأحصاه. متفق عليه.
وعنها أيضا قالت: كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما فصلا يفهمه كل من سمعه. رواه أبو داود.
3- مخاطبة المستمع على قدر فهمه، وبما يناسب ثقافته ومستواه العلمي، وإلا ساء ظنّه، وحسب الكلام استهزاء به وتنقيصا له.
4- تجنّب الخوض في أحاديث لا يعلمها، أو غير متأكد من صحتها، أو لا يعلم عنها إلا الظنّ فإن الظنّ أكذب الحديث.
5- لزوم قلة الكلام إلا إذا كان جوابا، أو نصيحة، أو أمرا بالمعروف، أو نهيا عن المنكر، أو دعوة الى الله.
قال تعالى:{ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114)} النساء.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب وإنّ أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي" الترمذي.
6- تجنب الثرثرة واللغو والكلام الذي لا طائل منه.
قال تعالى:{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)} المؤمنون.
7- تعقل الكلام قبل النطق به، والتفكر في عواقبه، وتجنب إلقاء الكلام دون روية وإستيعاب.
قال تعالى:{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} ق.
وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم بكلام فصل لا هزر ولا نزر، ويكره الثرثرة في الكلام والتشدّق فيه. متفق عليه.(1/28)
8- الصمت لمن هو أعلى مقاما، وأرفع قدرا، وأغزر علما، وأكبر سنا، وأعظم فضلا، والإصغاء لكلامه، والإقبال عليه بالسمع والبصر.
9- تجنب الكلام حتى ينتهي المتكلم في المجلس، لأن مجلس العقلاء لا يتكلم فيه إثنان معا.
10- تجنب مقاطعة أحد، أو تصحيح كلامه، أو تجريحه، أو تخطيه، أو السخرية من كلامه.
قال تعالى:{ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} البقرة 83.
وقال تعالى:{ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} العنكبوت 46.
11- خفض الصوت وعدم رفعه أكثر من الحاجة، وتجنب الصخب والضجيج، والصراخ والانفعال.
قال تعالى:{ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)} لقمان.
12- التزام الهدوء والابتسام أثناء الكلام، وعدم التجهم والعبوس في وجوه الناس.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدّث حديثا إلا تبسّم. رواه أحمد.
13- تجنّب الخبيث من الكلام، والهجين من الألفاظ، لأن المؤمن لا يكون فاحشا ولا بذيئا.
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده. متفق عليه.
14- تجنب الحلف والإكثار من القسم أثناء الكلام، وعدم الحلف إلا لضرورة.
قال تعالى:{ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ} المائدة 89.
15- تجنّب الحلف بمخلوق كالنبي والكعبة والملائكة والآباء والحياة والرأس والشرف.. إلخ.
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إنّ الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت" متفق عليه.
وعنه أنه سمع رجلا يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" رواه الترمذي.(1/29)
16- الزام اللسان كثرة الاستغفار كلما بدر منه سيئة أو صدرت عنه خطيئة.
عن حذيفة رضي الله عنه قال: شكوت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذرب لساني فقال: أين أنت من الاستغفار؟ إني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة. رواه ابن ماجه وابن السني.
17- مراقبة اللسان وحفظه، وحبسه وكفه عن المهلكات والمحرمات التالية:
أ الكذب في الجد والهزل، فهو من أعظم الذنوب وأشد الكبائر.
ب الغيبة وهي ذكر أحد بما يكره، وهي تدل على نقص فاعلها وخسة نفسه وقلة مروءته.
ت النميمة وهي نقل الأحاديث السيئة للإيقاع بين المتحابين وهي تدل على خبث النفس وضعتها وأنانيتها.
ث المراء والجدال العقيم، وقيل وقال، والخوض فيما لا طائل منه ولا ثمرة بعده.
ج تزكية النفس، والاعتداد بها، والتحدث عن أعمالها ومناقبها وأمجادها ومآثرها.
ح اللعان والسباب والفحش والشتم والطعن والولوغ في أعراض الناس وسمعتهم همزا ولمزا.
خ ذم أي شيء، واحتقار أي مخلوق، والدعاء على أي أحد.
د كثرة المزاح، وإضحاك الآخرين، حتى تصير عادة تسقط المهابة، وتذهب بالحياء.
ذ السخرية من الناس، والاستهزاء بضعفائهم، وتنقيص أقدارهم، والحط من مكانتهم.
ر المبالغة في المدح، والتكريم والتعظيم، حتى يصير تملقا ونفاقا.
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟
قال: أمسك عليك لسانك، ليسعك بيتك، وابك على خطيئتك. رواه الترمذي.
وعن سفيان بن عبدالله رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله حدّثني بأمر أعتصم به. قال: قل ربي الله ثم استقم. قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: هذا. رواه الترمذي.
* * *
-9-
آداب بيتية
يقضي الإنسان فترة راحته وخلوته مع أهله وأسرته في بيته، ولا بدّ خلال هذه الفترة في تعامله مع نفسه أو أهله أو مرافق بيته من مبادئ صحيحة وقواعد سليمة ينال بها رضاء الله تعالى، ويحقق بها سعادته وتقواه.(1/30)
وأهم ما يتزود به المسلم من بيته هو عبادة الله تعالى عندما يكون خاليا، ومراقبته له سبحانه وقيامه في الليل الى صلاته ودعائه وعرض حوائجه ومناجاته.
ويأتي في الدرجة الثانية تزوده بالمعارف والعلوم من خلال مطالعاته وقراءاته في الكتب النافعة المفيدة في أوقات فراغه وصفائه.
ثم يأتي وقت التفكير والاستعداد للقاء الناس، وكيفية صحبتهم، وخاصة في معاملاته مع أهله وإخوته وأرحامه.
ثم يتبع ذلك وقت راحته ونومه، واستعادة نشاطه الجسمي من خلال طعامه وشرابه، ونظافته واستحمامه وغير ذلك.
وهذه طائفة من الآداب البيتية نعرضها في الآتي:
1- تسمية الله تعالى عند الدخول الى البيت.
عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء". رواه مسلم.
2- الدعاء بما ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم عند الدخول الى البيت، ثم إلقاء السلام على أهل البيت، ويسلم سواء كان في البيت آدمي أم لا، قال مالك ( يستحب إذا دخل بيتا غير مسكون أن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين).
قال تعالى:{ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} النور 61.
وعن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا ولج الرجل بيته فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج، باسم الله ولجنا، وباسم الله خرجنا، وعلى ربنا توكلنا، ثم ليسلّم على أهله" رواه أبو داود.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا بنيّ إذا دخلت على أهلم فسلّم، تكن بركة عليك وعلى أهل بيتك" رواه الترمذي.(1/31)
3- تجنب التسلل الى البيت، أو الدخول فجأة على الأهل دون إشعار أو إعلام أو استئذان، لئلا يرى ما يكره أن يوقع أحدا في الحرج أو الرعب، وخاصة عند العودة من غيبة طويلة.
قال تعالى:{ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)} البقرة.
4- مراقبة الله تعالى في الوحدة، واجتناب المحرمات في الخلوة.
5- تجنب رفع الأصوات والصخب واللعب المزعج للأهل أو للجيران.
6- تجنب رفع صوت المذياع أو الرائي وخاصة في أوقات الراحة أو النوم.
7- تجنب سماع شيء أو رؤيته ما لا يليق بالمسلم إضاعة الوقت به.
قال تعالى:{ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36)} الإسراء.
8- الانتباه للستر والحياء، وتجنب كشف العورات وخاصة عند تبديل الثياب، وعند الطهارة والاغتسال، ومراعاة الحشمة والأدب أثناء الجلوس والمنام، والغض عن عورات الآخرين.
عن إبن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" نهيت أن أمشي عريانا". رواه الطبراني.
9- الرضا بما قسم الله تعالى من المسكن، وعدم التذمر من ضيقه أو سوء ظروفه، فكم من إنسان لا مأوى له يقيه حر الصيف وبرد الشتاء.
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من النهار الى بيته يقول:" الحمد لله الذي كفاني وآواني، والحمد لله الذي أطعمني وسقاني، والحمد لله الذي منّ عليّ، أسألك أن تجيرني من النار". رواه ابن السني.
10- تفقد مرافق البيت وأثاثه، والحرص على سلامته، والقيام بإصلاح ما يحتاج الى ذلك إن كان يحسن إصلاحه، وعدم إهماله حتى يكبر ويزيد.
11- الانتباه الى نظافة البيت وطهارته والمشاركة في خدماته.(1/32)
عن الأسود بن يزيد قال: سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله ـ يعني خدمة أهله ـ فإذا حضرت الصلاة خرج الى الصلاة". رواه البخاري.
12- حفظ أسرار البيت الخاصة، وتجنب عدم إذاعتها أمام أحد.
13- الاستئذان والسلام عند الخروج من البيت، وإعلام الأهل عن الوجهة التي يريد.
14- ترديد دعاء الخروج من البيت عند الخروج منه.
عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال:" بسم الله توكلت على الله، اللهم إني أعوذ بك أن أضلّ أو أضل، أو أزلّ أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل عليّ" رواه الترمذي وأبو داود.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قال إذا خرج من بيته: بسم الله توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كفيت ووقيت وهديت، وتنحّى عنه الشيطان" رواه الترمذي والنسائي.
* * *
-10-
آداب الابن مع الوالدين
لم يقرن الله تعالى الى عبادته وحده شيئا سوى الإحسان الى الوالدين، ولم يعطف شكر أحد الى شكره وهو مصدر كل نعمة وخير وفضل وعطاء سوى شكر الوالدين:
قال تعالى:{ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} النساء 36.
وقال تعالى:{ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)} لقمان.
وليس بعد ذلك الشرف العظيم، والوسام الكريم، والحكم الالهي الحكيم تفصيل لمتكلم، ولا تعقيب لمعقب، ولا زيادة لمستزيد.
إنها وصية الله جلّ ذكره {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} العنكبوت 8.
ووصية نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم القائل:
" الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس واليمين الغموس" رواه البخاري.(1/33)
ومن واقع الحياة ننظر الى الموقفين الصالحين المحبوبين المرزوقين فنجدهم بارين بوالديهم وننظر الى الأشقياء المحرومين وإلى غلاظ القلوب والمرذولين فنجدهم عاقين لوالديهم.
ومن طرائف ما يذكر أن رجلا سمع أعرابيا حاملا أمه في الطواف حول الكعبة وهو يقول:
إني لها مطية لا أذعر
... ... ... ... إذا الركاب نفرت لا أنفر
ما حملت وأرضعتني أكثر
الله ربي ذو الجلال أكبر
ثم التفت الى ابن عباس وقال: أتراني قضيت حقها؟
قال لا ولا طلقة من طلقاتها، ولكنك أحسنت، والله يثيبك على القليل كثيرا. وهذه باقة من الآداب الإسلامية مع الوالدين.
1- العلم بأن الله تعالى أوصى ببرهما، وحسن صحبتهما، والإحسان إليهما، وقرن ذلك بعبادته، وتعظيما لشأنهما، وتكريما لقدرهما، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بصلتهما وطاعتهما وخدمتهما، وجعل عقوقهما من أكبر الكبائر.
قال تعالى:{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24)} الإٌسراء.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال:" أمّك ثم أمّك ثم أمّك ثم أباك ثم أدناك أدناك" متفق عليه.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ( ثلاثا). الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور" .
2- السلام عليهما عند الدخول عليهما والخروج من عندهما، وقرن السلام بتقبيل يديهما.(1/34)
3- تعظيم قدرهما، وإكرام شأنهما وإجلال مقامها، والوقوف لهما احتراما عند دخولهما.
4- التأدب عند مخاطبتهما، ولين القول لهما، وعدم رفع الصوت فوق صوتهما.
5- تلبية ندائهما، والمسارعة لقضاء حوائجهما، وطاعة أمرهما، وتنفيذ وصاياهما، وعدم الاعتراض على قولهما، إلا إذا أمرا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
قال تعالى:{ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)} لقمان.
6- إدخال السرور على قلبيهما بالإكثار من برّهما، وتقديم الهدايا لهما، والتودد لهما بفعل كل ما يحبانه ويفرحان به.
7- المحافظة على أموالهما وأمتعتهما، وعدم أخذ شيء منهما إلا بإذنهما.
8- المحافظة على سمعتهما، والحذر من التسبب في شتمهما.
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من الكبائر شتم الرجل والديه. قالوا: وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسبّ أباه، ويسبّ أمه فيسبّ أمه". متفق عليه.
9- تفقد مواضع راحتهما، وتجنب إزعاجهما أثناء نومهما، أو الدخول عليهما في غرفتهما إلا بإذنهما.
10- تجنب مقاطعتهما في كلامهما، أو مجادلتهما، أو معاندتهما، أو لومهما، أو السخرية منهما، أو الضحك والقهقهة بحضرتهما.
11- تجنب مد اليد الى الطعام قبلهما، أو الاستئثار بالطيبات دونهما.
12- تجنب التقدم في المشي عليهما، أو الدخول أو الخروج أو الجلوس قبلهما.(1/35)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه رأى رجلين فقال لأحدهما: ما هذا منك؟ قال: أبي. فقال: لا تسمّه باسمه، ولا تمش أمامه، ولا تجلس قبله.
13- تجنب الاضطجاع أو مد الرجل أمامهما، أو الجلوس في مكان أعلى منهما.
14- استشارتهما في جميع الأمور، والاستفادة من رأيهما وتجربتهما وقبول نصائحهما.
15- الإكثارمن الدعاء لهما، والطلب من الله تعالى أن يجزيهما كل خير على فضلهما وإحسانهما وتربيتهما.
16- الإكثارمن زيارة قبريهما إن توفيا، والإكثارمن ذكرهما والترحم عليهما.
17- العمل بوصيتهما، وصلة أرحامهما، وخدمة أحبابهما من بعدهما.
عن مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من برّ أبويّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما. رواه أبو داود.
18- تجنّب الأمور المؤدية الى العقوق ومنها:
الغضب منهما، والنظر شزر لهما، والإعراض بالوجه عنهما، والتأفف من قولهما أو فعلهما، والتضجر منهما، ورفع الصوت عليهما، وقرعهما بكلمات مؤذية أو جارحة، وجلب الإهانة لهما، والاستعلاء عليهما، واعتبار الولد نفسه مساويا لأبيه أو أفضل من والديه، والحياء من الانتساب اليهما لفقرهما بعد أن يصبح ذا مركز أو نعمة أو جاه، والبخل عليهما ونسيان فضلهما، وتفضيل غيرهما عليهما، ومصاحبة إنسان غير بار بوالديه.
قال عليّ كرّم الله وجهه: لو علم الله تعالى شيئا في العقوق أدنى من كلة (أف) لحرمّه. فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة، وليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار.
* * *
-11-
آداب الأخ مع إخوته(1/36)
الإخوة ثمرات الوالدين، وهم أقرب الأرحام، وألصقهم بالنفس، وأحبهم الى القلب، وهم الذين يقضي معهم الإنسان صدر حياته، أيام الطفولة والنماء، والبراءة والنقاء جنبا الى جنب في البيت والمدرسة وعلى الطعام والشراب، وأثناء الليل والنهار.. لذلك أمر الله تعالى بالوفاء إليهم، وصلتهم، والإحسان إليهم، ونهى عن قطيعتهم والإساءة إليهم ونسيان عهد المودة والأولى.
قال صلى الله عليه وسلم:
" إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطعية. قال: نعم. أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، فال فذلك لك". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا إن شئتم".
{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)} محمد، متفق عليه.
وهذه جملة من الآداب الإسلامية الخاصة بمعاملة الإخوة والأخوات.
1- احترام الإخوة الكبار وتوقيرهم، والعطف على الصغار مع الرحمة والعناية والحنان.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا" رواه الترمذي.
2- معاملة الإخوة عموما بالعطف والرقة واللين واللباقة والإحسان.
قال عمر رضي الله عنه: إني أحب أن يكون الرجل في أهله كالصبي فإذا احتيج إليه كان رجلا.
3- التزام حسن الخلق في معاشرة الإخوة، والتحلي بالتواضع وخفض الجناح والإيثار والخدمة والمحبة والتعاون وإنكار الذات.
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي". رواه الترمذي.
4- الابتداء بالسلام عليهم عند الدخول عليهم، ومصافحتهم، والبشاشة في وجوهم.(1/37)
عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تحقرنّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق" رواه مسلم.
5- مراعاة شعور الإخوة بعدم الفرح أمام حزين، وعدم الأكل أمام صائم، وعدم الصخب أمام نائم.
6- محبة الخير لهم، والعمل على إيصاله إليهم.
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه" متفق عليه.
7- الشكر على معروفهم، بعد مكافأتهم عليه بأحسن منه.
8- الإهتمام بشؤونهم، والتعرف الى أحوالهم، وتفقد حاجاتهم، والعمل على مساعدة من يستطيع مساعدته في حاجة أو دراسة أو مال.
9- بذل النصيحة لهم، ودعوتهم الى الخير بالحكمة والموعظة الحسنة، وتذكيرهم بأداء فرائض الله بالترغيب والترهيب.
قال تعالى:{ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} طه 132.
10- الانتصار لهم إن كانوا على حق، والغيرة عليهم، والمحافظة على سمعتهم.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أنصر أخاك ظالما أو مظلوما. فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما، أرأيت إن كان ظالما فكيف أنصره؟ قال: تحجزه ـ أو تمنعه ـ من الظلم فإن ذلك نصره" رواه البخاري.
11- الاعتذار منهم عن الهفوات والزلات، والتغاضي عما يصدر منهم من هنات وسيئات، وقبول اعتذارهم وعدم معاتبتهم عليها على الدوام.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل قريب هيّن ليّن سهل" رواه الترمذي.
12- الإصلاح بين المتخاصمين منهم، وتجنب التقاطع والتدابر والتباغض والتحاسد وسوء الظن.
13- تجنب إيذاء أحد منهم باليد أو بالسب أو بالكلام أو بالمزاح غير المهذب.
14- تجنب الخصومات والمجادلات والخلافات.
15- تجنب التدخل في شؤونهم الخاصة، أو استخدام حوائجهم الشخصية دون إذن.(1/38)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إيّاكم والظن، فإنّ الظنّ أكذب الحديث، ولا تحسّسوا، ولا تجسّسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، كما أمركم، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ههنا ـ ويشير الى صدره ـ كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله، إن الله لا ينظر الى أجسادكم ولا الى صوركم ولكن ينظر الى قلوبكم" رواه مسلم.
16- مراعاة الحشمة والأدب في الكلام واللباس، وخاصة عند اختلاف الجنس، وغضَ البصر عن النقائص والعورات.
* * *
-12-
آداب الطريق
الأسواق والطرقات أماكن عامة يلتقي فيها جميع الناس ليبلغوا حاجاتهم ويصلوا الى بيوتهم، ويتعاملوا مع بعضهم..
وللمسلم في قضائه بعض وقته في الطريق سمت خاص وأدب جمّ، وهئة متميزة، وخلق رفيع عبّر عنه سبحانه بقوله:
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (63)} الفرقان.
وفصلته السنة النبوية بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في مشيه في الأسواق حيث قال ابن أبي هالة في صفته:
( إذا زال تقلعا ـ أي يرفع رجله بقوة ـ ويخطو تكفؤا ـ أي يسير مقتصدا ـ ويمشي هونا ـ أي بالوقار ـ ذريع المشية ـ أي واسع الخطوة ـ إذا مشى كأنما ينحط من صبب ـ أي من علو ـ وإذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره الى الأرض أطول من نظره الى السماء، جل نظره الملاحظة يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام) رواه الترمذي.
وما أحوج المسلم لهذه الآداب الكريمة في وقت نجد فيه الكثير من الشباب يتسكعون في الطرقات، وبجتمعون في الشوارع والمنعطفات، وعلى أبواب المدارس وفي الساحات، لا عمل لهم سوى إيذاء الناس بفاحش الكلمات، وتصيّد العثرات والزلات، ومراقبة السقطات والعورات..(1/39)
وهذه قطوف من الآداب الواردة فيما يتعلق بالمشي في الطرقات والسعي في الأسواق لعلها تكون واقعا ملموسا وسلوكا مطبّقا:
1- غض البصر عن المحرمات، وعن مراقبة المارين من الناس في أعمالهم أو تصرفاتهم أو لباسهم.
2- تجنب الجلوس في الطرقات، أو الوقوف في المنعطفات، أو على واجهات الحوانيت والمحلات.
3- بذل السلام وإلقاؤه على الآخرين وخاصة على الصالحين منهم، ورد السلام على من ألقاه بأحسن منه.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:" إيّاكم والجلوس على الطرقات. فقالوا: ما لنا بدّ إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها. قال: وما حق الطريق؟ قال: غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر" متفق عليه.
4- المحافظة على نظافة الطريق، وتجنب إلقاء النفايات والأوساخ والنجاسات في ممرات الناس ومجالسهم.
5- إماطة الأذى عن الطريق، كالقشور والزجاج والمسامير والحجارة وغيرها لئلا يتعثر بها أحد.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان" متفق عليه.
6- مساعدة المحتاجين، وإغاثة الملهوفين، وإرشاد الضالين، وإعانة أبناء السبيل والمنقطعين، ودلالة الأعمى في طريقه، والحمل مع الضعيف في حمولته..
7- تجنب الطرق المزدحمة، والأسواق المكتظة، وخاصة التي تنتشر فيها المنكرات والمحرمات، وعند الاضطرار فالإسراع في اجتيازها، وذكر الله تعالى فيها بين الغافلين فهو فضيلة عظيمة.(1/40)
عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من دخل السوق فقال: لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حيّ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة، وبنى له بيتا في الجنة" رواه الحاكم.
8- الانتباه الى مسالك الطريق لئلا يصطدم بشيء، أو يقع في حفرة، وعدم الالتفات يمن ويسرة والى الوراء أثناء المشي دون حاجة.
9- تجنب عبور الشارع إلا بعد التأكد من خلوه من السيارات والحافلات والعربات والدراجات، وعدم المخاطرة في ذلك.
10- المرور ضمن الممرات المحددة للمشاة أثناء عبور الشارع ضمانة للأمن والسلامة.
11- القصد في المشي، بعدم الإسراع والركض في الطرقات، وعدم البطء والتمهل والاختيال والتبختر تكبرا وتعاظما وإعجابا بالنفس.
قال تعالى:{ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37)} الإسراء.
وقال:{ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} لقمان 19.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من تعظّم في نفسه، واختال في مشيته، لقي الله وهو عليه غضبان" رواه البخاري.
12- رفع الأطعمة وفتات الخبز عن قارعة الطريق، وإبعاد الأوراق التي كتب فيها أسماء كريمة أو قرآنية عن ممرات الناس.
13- تجنب الأكل في الطرقات لإخلاله بالأدب والمروءة.
14- تجنب اللعب في الطرقات وجعلها أماكن للهو والتسلية وإضاعة الأوقات.
15- تجنب رفع الأصوات أثناء التعامل بالبيع والشراء.
16- اغتنام الوقت الضائع في الطريق بإشغاله بذكر الله تعالى والتفكر في آياته ومخلوقاته، أو الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو تلاوة القرآن غيبا، أو مراجعة المحفوظات واولاجبات المدرسية عن ظهر قلب.(1/41)
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ما من قوم جلسوا مجلسا لم يذكروا الله عز وجل فيه إلا كانت عليهم ترة، وما سلك رجل طريقا لم يذكر الله عز وجل فيه إلا كانت عليه ترة" رواه ابن السني، ومعنى ترة: أي نقص وتبعة وحسرة.
* * *
-13-
آداب الدراسة والمدرسة
جاء في الحديث الشريف:
" طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة" وراه ابن ماجه عن أنس.
واكتساب العلوم والمعارف في زمان التلقي والاستزادة والحفظ في بداية العمر تحتاج الى جد واجتهاد وتركيز وانتباه واغتنام لأوقات الفراغ وقد ورد عن سيدنا عمر قوله: ( تعلموا قبل أو تسودوا).
وأهم ما ينبغي أن يتزود منه الطفل متى بلغ سن التمييز حفظ القرآن الكريم، منبع العلوم، وكنز الأخلاق، وبحر الفصاحة، وأفق الكمال.
وفي الوقت الذي يقضيه الطالب في مدرسته لا بدّ له من الاحتكاك مع زملائه ومعلميه، والتعامل في دراسته مع أدوات العلم، ومرافق المدرسة..
ولكل ذلك آداب يجب تمثلها. بعد معرفتها واكتسابها، ليكون ناجحا في دراسته، محبوبا في مجتمعه، موفقا للخيرات، سائرا نحو المعالي، قال الشاعر:
لو كان نور العلم يدرك بالمنى
... ... ... ... ما كان يبقى في البرية جاهل
اجهد ولا تكسل ولا تك غافلا
... ... ... ... فندامة العقبى لمن يتكاسل
أ في المدرسة:
1- الحضور الى المدرسة باكرا قبل قرع الجرس.
2- السلام على الأصدقاء بوجه باسم، وإلقاء التحية على المعلمين.
3- المحافظة على النظام العام والهندام المدرسي والسلوك القويم.
4- إحضار الدفاتر والكتب المدرسية واللوازم الخاصة بالبرنامج اليومي.
5- الانتباه المطلق أثناء الدرس والمشاركة الفعلية في سيره، ومشاركة المعلم تدرجه في شرح الدروس.
6- تجنب الشرود أثناء الدرس، أو الانشغال بالدفاتر أو اللوازم، أو الحديث مع الطلاب.
7- تسجيل الواجبات المكلف بها في دفتر خاص، يرجع اليها في البيت لئلا ينسى أي واجب.(1/42)
8- اللعب بلطف أثناء الفرصة، والانتباه الى من هم أصغر سنا لئلا يدفعهم، وعدم اللعب مع من هم أكبر سنا.
9- الاستفادة من الوقت المخصص للفرصة لقضاء الحاجات الخاصة في أول الوقت كدخول الخلاء.
10- الانتباه الى تناول الأطعمة والأشربة النظيفة، مع غسل اليدين قبلها وبعدها.
11- الانتباه الى عدم سقوط شيء من الأطعمة في الباحة تحت الأقدام.
12- تجنب أخذ أي متاع خاص بأحد الطلاب إلا بإذنه، ولا تتم إستعارة أي شيء إلا بالاستئذان قبله، والشكر بعده.
13- تجنب التهكم بالآخرين والسخرية منهم، والتنابز بالألقاب، والمزاح المؤدي الى الخصومات والعداوات.
قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ} الحجرات 11.
14- إختيار الأصدقاء الصالحين من أصحاب الأخلاق الحميدة والسيرة الحسنة والسلوك المستقيم والذكاء والاجتهاد في الدروس.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" رواه الترمذي وأبو داود.
15- التحضير الجيد للامتحان من بداية العام الدراسي، وعدم ترك الدروس تتراكم دون حفظ أو متابعة.
16- تجنب الغش ومحاولة النقل والاعتماد على الغير في الامتحان، أو استخدام الوسائل غير المشروعة.
17- الدعاء عند بداية الامتحان يقوله تعالى:
{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)} طه.
ب في البيت:
1- المسارعة في كتابة الواجبات المدرسية بعد العودة من المدرسة وعدم تأجيلها الى الغد.
2- مراجعة البرنامج اليومي والتأكد من كتابة جميع الواجبات ودراسة مواد اليوم السابق، والتحضير لمواد اليوم اللاحق.
3- الاعتناء بالخط والترتيب، والتسطير والتبويب.
4- الاعتناء بنظافة الدفاتر والكتب وتغليفها بشكل لائق، والمحافظة عليها من التلف أو الضياع.(1/43)
5- السعي الى التفوق في جميع المواد بالمتابعة المستمرة في الدروس، وتجنب تضييع الأوقات بلا فائدة.
عن عائشة رضي الل عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله تعالى يحبّ إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه". رواه البيهقي.
* * *
-14-
آداب شخصية
للمسلم مع نفسه ىداب يلزمها بها، ويجاهدها عليها، ويقوّمها ويعتني بها، ويهتم بتزكيتها، ويسارع الى تهذيبها ومعالجتها، وضبطها ومحاسبتها، ويلتزم إستكمال فضائلها في ظاهرها وباطنها.. قال تعالى:
{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)} الشمس.
وقال صلى الله عليه وسلم:" حفّت النار بالشهوات، وحفّت الجنة بالمكاره" الترمذي.
وقال المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس عيبا
... ... ... ... كنقص القادرين على التمام
وقال البوصيري:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على
... ... ... ... حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
وجاهد النفس والشيطان واعصهما
... ... ... ... وإن هما محضاك النصح فاتهم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه
... ... ... ... إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
وراعها وهي في الأعمال سائمة
... ... ... ... وغن هي استحلت المرعى فلا تسم
وكم حسنت لذة للمرء قاتلة
... ... ... ... من حيث لم يدر أن السم في الدسم
وقد اعتنى أهل التربية بالنفس، ووقفوا على أمراضها وأداوئها، وبينوا طرق معالجتها من لهوها وبطالتها، وشهواتها وأهوائها، فوضعوا لها أسباب تربيتها، وبينوا طرق شفائها، وسبل مجاهدتها، وكيفيو تقويمها وتأديبها حتى تصبح كما ورد في الحديث الشريف:
" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به" رواه مسلم.
ولهذا البحث شروح مطوّلة، وشجون متفرعة، ونكتفي هنا أن نعرض لبعض الآداب التي ينبغي على الناشئة تعويد أنفسهم عليها. حتى تصبح ملكة راسخة وطبعا أصيلا:
1- المحافظة على النظافة العامة بالاغتسال مرة كل أسبوع، ويسن أن يكون يوم الجمعة.(1/44)
عن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل" رواه الترمذي وأبو داود.
2- قص أظافر اليدين والرجلين مرة كل أسبوع، وتجنب إطالتها أو إطالة بعضها وخاصة عند الفتيات، لأنها تصبح حقلا لتجمع الأوساخ والأقذار تحتها، وتمنع ماء الوضوء من وصله الى أطراف الأصابع، فضلا عن منظرها الحيواني القبيح.
3- قص الشعر كلما طال، وتعهده بالنظافة والترجيل، دون إفراط ولا تفريط.
4- التعوّد على التيامن، أي تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم، كالغسل والوضوء، والتحية والمصافحة، ولبس الثوب والنعال، وتقليم الأظفار، والأخذ والعطاء، والأكل والشرب، وتقديم اليسار في ما سوى ذلك، كالامتخاط والبصاق، وخلع الثوب والنعل، والاستنجاء، ومسّ العورة.
عن عائشة رضي الله عنه قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيّمّن في شأنه كله، في طهوره وترجّله وتنعّله". متفق عليه.
وعنها قالت: كانت يد رسول الله اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت اليسرى لخلائه وما كان من أذى" رواه أبو داود.
5- تجنب استقبال القبلة بالبصاق أو الامتخاط أو قذف النخامة، بل تكون الى جهة اليسار وفي منديل خاص لئلا يؤذي بها أحدا.
6- تحويل الوجه أثناء العطاس عن وجوه الناس وعن الطعام والشراب لئلا يصيبها رذاذ العطاس، ووضع اليد أو المنديل على الفم وخفض الصوت بها إذا أمكن.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده على فيه وخفض بها صوته" رواه الترمذي.
7- أن يحمد الله تعالى بعد العطاس.
8- أن يقال لمن عطس وحمد الله تعالى ( يرحمك الله) فيجيب (يهديكم ويصلح بالكم).(1/45)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا عطس أحدكم فليقل (الحمد لله)، وليقل أخوه أو صاحبه (يرحمك الله)، فإذا قال له يرحمك الله فليقل ( يهديكم ويصلح بالكم)". رواه البخاري.
9- وضع اليد على الفم أثناء التثاؤب لستر المنظر غير اللائق عند فتح الفم ومنعا لدخول شيء إليه، وخفض الصوت به، وإن استطاع أن يمنعه فليفعل، وليستغفر الله تعالى بعده، لأنه دليل على الملل والكسل، لذلك كرهه الله تعالى وجعله من الشيطان.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله يحبّ العطاس ويكره التثاؤب، فإن عطس أحدكم وحمد الله تعالى كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فإنّ أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان" رواه البخاري.
10- مدافعة الجشاء، وتجنب الأطعمة التي تسببه أو الإكثارمنها، وخفض الصوت به والاستغفار بعده.
عن أبي جحفة رضي الله عنه قال: أكلت ثريدا من خبز ولحم ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أتجشأ. فقال: أقصر من جشائك، فإن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا" رواه الترمذي.
11- ذكر الله تعالى وشكره عند النظر في المرآة، والدعاء بما رود عن النبي صلى الله عليه وسلم.
عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نظر في المرآة قال:" الحمد لله، اللهم كما حسّنت خلقي فحسّن خُلقي" رواه ابن السني.
12- استخدام الهاتف للضرورة لا للتسلية أو اللغو أو إزعاج الآخرين، والاتصال في الأوقات المناسبة، وابتداء المكالمة بالسلام والتعريف بالنفس وذكر الحاجة.
13- المحافظة على الأعمال الصالحة، والمداومة على ما اعتاده من العبادات والصدقات، والنوافل والقربات، والأذكار وقراة القرآن، وعدم تركها مللا أو كسلا أو رغبة عنها أو انشغالا بالدنيا عنها.(1/46)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أحبّ الدين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما داوم صاحبه عليه. متفق عليه.
14- ترك الفضول في كل شيء، وعدم التدخل فيما لا يعني، ولزوم الاهتمام بعيوب النفس والانشغال في إصلاحها وتقويمها وتزكيتها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" رواه الترمذي وأبو داود.
15- إسداء النصيحة لكل من يعرف بالحسنى، وبما فيه مصلحة المخاطب في دينه ودنياه.
16- قبول النصيحة ممن اسداها، والاعتراف بالحق والعودة السريعة إليه، والاعتراف بالخطأ إن كان عليه، وعدم الإصرار عليه، لأن الحقيقة هي ضالة المؤمن التي يبحث عنها ويشكر من يقدمها، ويثني على كل من أسدى نصيحة أو معروفا.
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من صنع إليه معروفا فقال لفاعله جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء" رواه الترمذي.
17- تعود التخوشن في المعيشة، والقناعة والرضا فيها، باليسير، وترك الترفه والتنعم في الدنيا، فذلك أنفى للكبر، وأبعد عن العجب، وأسلم من الزهو والصلف والخيلاء.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم حشوه ليف" رواه مسلم، والأدم هو الجلد المدبوغ.
وعن جندب رضي الله عنه قال: أصاب حجر أصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
" هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت". متفق عليه.
18- الإخلاص لله تعالى في جميع الأعمال، وجعل الهدف الرئيسي من الحياة شعار المؤمن الذي يضعه بين عينيه، ويردده على جميع الأحوال " إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي".
قال تعالى:{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} الأنعام.
* * *
-15-
آداب النوم(1/47)
النوم هو آخر محطة ينزلها الراكب بعد أن يقطع رحلة يومه، وعناء نهاره، فيأوي في بيته الى مكان هادئ ومريح ومظلم، ويسلم نفسه لخالقها الذي يتولى حفظها ورعايتها، وتصريف أمورها وعمل أجهزتها قال تعالى:
{ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73)} القصص.
والنوم آية تدل على عظمة الله وقهره، وعلى ضعف الإنسان وفقره، فلولاه لكلت عضلاته، وشلّت أعصابه، وانفجرت شرايينه، فهو راحة له لاستعادة نشاطه وشحن قوته، رحمة من الله وفضلا ونعمة وكرما. قال تعالى:
{ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً (11)} القصص.
والنوم صنو الموت، يعطل الحواس، ويفقد الوعي، ويلقي بالإنسان جثة هامدة، ليس فيها إلا قلب ينبض، ونفس يتردد، ودماء تجري بقدرة الله الواحد القهار.
وفي كل شيء له آية
... ... ... ... تدل على أنه واحد
هذا وللنوم وكيفيته ومقداره آداب إسلامية، وسنن نبوية نذكر فيها ما يلي:
1- الوضوء قبل النوم، وصلاة ما تيسر من قيام الليل، يختمها بصلاة الوتر، ولا يأخذه النوم إلا وهو على وضوء وذكر الله تعالى.
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من أوى إلى فراشه طاهرا، وذكر الله عز وجل حتى يدركه النعاس، لم يتقلّب ساعة من الليل يسأل الله عز وجل خيرا من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إيّاه" رواه ابن السني.
2- محاسبة النفس قبل النوم على ما فعله في يومه، والاستغفار من جميع الذنوب التي اقترفها.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من قال حين يأوي الى فراشه: أستغفر الله الذي لا اله إلا هو الحيّ القيوم وأتوب إليه، غفر الله تعالى له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر" رواه الترمذي.(1/48)
3- قراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين قبل النوم.
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى الى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات". متفق عليه.
4- نفض الفراش والغطاء قبل الاضطجاع فيه للاطمئنان الى خلوه من الحشرات وغيرها، ثم الاضطجاع على الجنب الأيمن، وتجنب مد الرجلين الى جهة القبلة، ثم الدعاء بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بأحد أدعية النوم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا أوى أحدكم الى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين" متفق عليه".
5- عدم استجلاب النوم تكلفا وعدم الاستلقاء على الفراش قبل الشعور بالنعاس.
6- التعوّد على النوم باكرا، فهو يعين على الاستيقاظ باكرا بهمة ونشاط للعبادة والصلاة، وهو ما تنصح به القواعد الصحية: ( نم مع الحمل واستيقظ مع العصفور).
قال تعالى:{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} السجدة16.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في أول الليل ويقوم آخره فيصلي. رواه ابن ماجه.
7- لبس الثياب اللينة والساترة والمريحة خلال النوم، وتجنب التعري والتكشف، واختيار المكان الهادئ والواسع والمريح للنوم، وانفراد كل شخص بغطاء خاص به.
8- يكون نوم الذكور في مكان مستقل عن مكان نوم الإناث.
9- تجنب النوم على البطن، لأضراره الصحية النفسية والجسدية.(1/49)
عن يعيش بن طخفة رضي الله عنه قال: قال أبي: بينما أنا مضطجع في المسجد على بطني إذا رجل يحرّكني برجله فقال: إن هذه ضجعة يبغضها الله، قال: فنظرت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم". رواه أبو داود.
10- ذكر الله عز وجل كلما استيقظ خلال النوم.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تعارّ من الليل قال: لا اله إلا الله الوحد القهار، ربّ السموات والأرض وما بينهما وهو العزيز الغفّار. رواه النسائي.
11- الاعتدال في النوم، وعدم تجاوزه ثماني ساعات، لأن النوم تعطيل للحياة.
12- إغلاق النوافذ والأبواب، وإطفاء المواقد والنيران، وتغطية الأواني والأباريق، قبل النوم.
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أطفئوا المصابيح بالليل إذا رقدتم، وأغلقوا الأبواب وأوكئوا الأقية وخمّروا الطعام والشراب" متفق عليه.
13- الاستبشار بالرؤية الصالحة، وسؤال الله تعالى خيرها، والتحدث بها الى من يحب، والاستعاذة بالله من الرؤيا السيئة وعدم التشاؤم منها، وسؤال الله تعالى صرف شرّها.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها، فإنما هي من الله تعالى فليحمد الله عليها وليحدّث بها، ـ في رواية: فلا يحدّث بها إلا من يحب ـ وإذا رأى غير ذلك مما يكرهه، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرّها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضرّه" متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: إذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فلا يحدّث بها أحد، وليقم فليصل. رواه الترمذي.
14- القيام الى الوضوء والصلاة إذا أصيب بأرق، ثم الاستعاذة بكلمات الله التامات من غضبه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين، ثم الدعاء بما علّم به رسول الله صلى الله عليه وسلم.(1/50)
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: شكوت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرق أصابني فقال: قال اللهم غارت النجوم، وهدأت العيون، وأنت حيّ قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، يا حي يا قيوم أهدئ ليلتي وأنم عيني. فقلتها فأذهب الله عز وجل ما كنت أجد. رواه ابن السني.
* * *
انتهى الجزء الأول(1/51)
الآداب الإسلامية
للناشئة
الجزء الثاني
شبكة مجاهد مسلم الإسلامية الدعوية
www.geocities.com/moujahedmouslem
www.islammi.jeeran.com
إعداد
محمد خير فاطمة
دار الخير
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
هذا هو الجزء الثاني من الكتاب، نقدمه بعد الإقبال الكبير على الجزء الأول الذي وجد طريقه، وأدى دوره في خدمة أولياء الأمور والمربين، والمتعطشين الى منهج مبسط يناسب مستوى النشء، ويسد حاجته، ويسهل فهمه وهضمه وتمثله..
والجزء الثاني من الكتاب خطوة أخرى في درج التهذيب والتأديب، نقدمها لمن هم أكبر سنا وأوسع فهما، وأقدر على إستيعاب التكاليف، وتقدير المهام، والقيام بالواجبات، ممن قدمنا لهم الكتاب الأول.. فإن كان الكتاب الأول قد أعدّ لمستوى تلاميذ المرحلة الابتدائية، فهذا الكتاب يصلح لمستوى طلاب المرحلة الإعدادية الذين يعيشون في سن المراهقة، ويستعدون للانتقال الى سن الفتوة والشباب.
وقد ارتقينا في درجة آداب العبادات، وخاصة آداب صلاة الجماعة، وما يسبقها من آداب الغسل والطهارة، وما يلزمها من آداب المساجد، وما يتبعها من آداب الجمع والأعياد، كما ركزنا على آداب طلب العلم، واغتنام هذه المرحلة في جمعه وتحصيله، وآداب المتعلم والعالم، وأكدنا على تنشئة الفتى على مراقبة الله تعالى ومحبته، وخشيته، بكثرة ذكره ومجالسته، والتأدب بين يديه بدوام الالتجاء اليه بالضراعة والدعاء، والتقرب إليه بتلاوة كتابه، ومحاولة حفظه، وتعظيم قدره، ومعرفة حقه، وتدبر معانيه، وتطبيقه في الواقع والسلوك..(1/1)
وإنه لمن الضرورة بمكان الاهتمام بزرع هذه البذور في نفس كل فتى وفتاة، وتعهدها بلعناية والسقاية، ومراقبتها، وتشجيعها بكافة الطرق والأساليب التربوية، حتى تؤتي ثمارها اليانعة جيلا قوي الإيمان، متين الأخلاق، كريم الآداب، صالح الأعمال، نافعا لنفسه وأسرته وأمته.. وهو كما قدمنا مسؤولية الآباء، وواجب الأولياء، قبل كل شيء، ثم واجب المربين والمرشدين والمصلحين..
ولا يمكن أن ننعم بمجتمع صالح، يأمن فيه كل فرد على نفسه وأمواله وأولاده، ويسعد فيه أبناؤه بالمحبة والتعاون والإيمان، ما لم نبدأ بغرس تعاليم الله، ومنهجه في النفس والحياة، والقيم التي أنزلها في كتابه، وارتضاها لدينه، في نفوس الأبناء والبنات منذ نعومة أظافرهم وعودهم غض طري، وقلوبهم نقية طاهرة، وأفكارهم متفتحة متيقظة، ونفوسهم قابلة للخير، مجبولة عليه، صالحة للتربية والنماء..
قال تعالى:{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} النساء 58. ولعل هذه المسؤولية العظيمة من أكبر المهام، وأشد الأمانات التي أمر الله تعالى بأدائها الى هذا الجيل المفتقر الى كلمة خير، أو لفتة إصلاح، أو نظرة توجيه وتقويم وإرشاد..
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يندب الآباء الى ذلك فيقول:" لأن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع" الترمذي.
ويرغب في العناية بالبنات، وإعدادهن الإعداد الصالح بما يليق بوظيفتهن كأمهات لأبناء المستقبل، فيقول:" من كانت له ابنة، فأدبها فأحسن أدبها، وعلمها فأحسن تعليمها، وأوسع عليها من نعم الله التي أسبغ عليه، إلا كانت له منعة وسترا من النار" رواه ابن ماجه.(1/2)
وهذا كتاب الله تعالى يعطينا مثلا رائعا في حرص الوالد على تغذية ولده بغذاء العقيدة والعبادة والعلم، وتحصينه بسلاح الذكر والمراقبة والأخلاق، ولهفته على تأديبه بالحكم النبوية، وتلقينه الوصايا الالهية، وبذله الوقت والجهد لإعداد الولد الصالح، كل ذاك بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالترغيب الجميل، والخطاب الرقيق، والعبارة اللطيفة، والرحمة والحنان المتدفق من قلب الوالد الرفيق..
قال تعالى:{ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)} لقمان.(1/3)
وبقيت السورة الكريمة تحمل إسم "لقمان" تذكيرا لكل أب يسعى لينشئ من أبنائه ما يكون له عزا وفخرا وشرفا في الحياة الدنيا، وحسنة ودرجة ونجاة وسعادة يوم القيامة.
وعلى الوالد بعد كل هذا الجهد في النصح والبذل والتعليم والإرشاد، التوجه الى الله تعالى بالضراعة والدعاء (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) فهو الهادي والموفق الى صراطه المستقيم.
إنه خير إرث تتركه لأبنائك، إرث تربيتهم على العقيدة الصحيحة، والأخلاق القويمة، والأدب الكريم، قال سيدنا على رضي الله عنه (التوفيق خير قائد، وحسن الخلق خير قرين، والعقل صاحب، والأدب خير ميراث).
وقال عبدالملك بن مروان ( عليكم بطلب الأدب فإنكم إن احتجتم اليه كان لكم مالا، وإن استغنيتم عنه كان لكم جمالا).
وقال السري ( الأدب ترجمان العقل) وقال أحد الحكماء ( لا ظفر مع بغي، ولا ثناء مع كبر، ولا شرف مع سوء أدب). وقال الشاعر موصيا كل والد:
عوّد بنيك على الآداب في الصغر
... ... ... ... كما تقرّبهم عيناك في الكبر
فإنما مثل الآداب تجمعها
... ... ... ... في عنفوان الصّبا كالنقش في الحجر
وقال غيره موصيا كل ولد:
كن إبن من شئت واكتسب أدبا
... ... ... بنيك محموده عن النسب
إن الفتى من يقول ها أنا ذا
... ... ... ... ليس الفتى من يقول كان أبي
والله ندعو أن يجعل في هذا الكتاب لبنة صالحة في بناء الناشئة الروحي والأخلاقي والاجتماعي، وأن ينفع به، ويجعله خالصا لوجهه الكريم..
والله هادي الى سواء السبيل..
-1-
آداب الغسل ودخول الحمام
اهتم الإسلام بجميع الشؤون التي يصادفها المسلم ويتعرّض لها خلال خطوات حياته، فهو الى جانب حرصه على بناء المسلم الكامل في عقيدته، الراجح في عقله، الزكيّ في نفسه، الفاضل في أخلاقه، الناجح في معاملاته، حرص على بناء المسلم السليم في جسده، القوي في بنيته، الطاهر في بدنه، النظيف في ثيابه، المعطر في رائحته، الجميل في هندامه.(1/4)
قال تعالى:{ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)} التوبة.
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تنظّفوا فإن الإسلام نظيف" رواه ابن حبان.
وإذا كان العقل السليم في الجسم السليم، فإن الإسلام جعل من الطهارة التي هي سبب في صحة الأجسام، ونشاط الأعضاء، جعل منها نصف الإيمان.
فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم:" الطهور شطر الإيمان" رواه مسلم.
وقد شرع الإسلام النظافة على هيئة الغسل أو الوضوء كمقدمة لأهم العبادات وأكثرها تكرارا في اليوم والليلة وهي الصلاة، وأكد على فضيلة إسباغ الوضوء وإبلاغ الغسل جميع البدن.
فعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" مفتاح الصلاة الطهور" رواه الترمذي وابن ماجه.
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من أظفاره" رواه مسلم.
وسنّ الإغتسال لكثير من العبادات أو المناسبات الدينية التي يلتقي فيها المسلمون ومنها: غسل الجمعة، وغسل العيدين، وعند الإحرام، ولدخول مكة، وللوقوف بعرفة، وللطواف، ولدخول المدينة، ولكل ليلة من رمضان، ولمن دخل في الإسلام..
هذا وللغسل والاستحمام آداب إسلامية على المسلم أن يراعيها ويتعلمها ويتقيد بها، نذكر منها الآداب التالية:
1- تسمية الله تعالى عند خلع الثياب للغسل، وتستحب التسمية ولو لجنب أو حائض دون أن يقصدا بها القرآن.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ستر ما بين أعين الجنّ وعورات بني آدم أن يقول الرجل المسلم إذا أراد أن يطرح ثيابه: بسم الله الذي لا اله إلا هو" رواه ابن السني.(1/5)
2- ستر العورة، إذ يحرم على المسلم أن يغتسل أمام أحد وهو مكشوف العورة، كما ينبغي عدم كشف العورة لغير حاجة وذلك حياء من الله تعالى، وإكراما للملائكة الحفظة الكاتبين، والانتباه الى أن عورة الرجل على الرجل، والمرأة على المرأة، من السرة الى الركبة.
قال تعالى:{ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا} الأعراف 26-27.
وعن جرهد من أصحاب الصفة قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا وفخذي منكشفغة، فقال:" أما علمت أن الفخذ عورة" رواه أبو داود والترمذي.
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك. قلت فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت إلا يراها أحد فلا يريّنها. قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: فالله تبارك وتعالى أحق أن يستحيا منه" رواه أحمد وأبوداود والترمذي.
3- تجنب الدخول الى الحمام إلا وهو ساتر لعورته بفوطة أو مئزر، والاحتفاظ بها أثناء الاستحمام وخاصة في الحمامات العامة.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دخول الحمامات، ثم رخص للرجال أن يدخلوها في المآزر" رواه أبو داود والترمذي.
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام" رواه النسائي والحاكم وصححه.
4- غض البصر عن عورته، وعن عورات الآخرين، وتجنب استراق النظر الى أحد وهو يخلع ثيابه أو يغتسل.(1/6)
قال تعالى:{ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)} النور.
وقال عليّ رضي الله عنه: ( لعن الله الناظر والمنظور إليه).
5- طلب الخلوة، والاستتار عن الأنظار، وترك الاعتماد على أحد أو مساعدته في الاستحمام، إلا ما يكون من تعليم الوالدين لأبنائهما الصغار، وقد كان سيدنا عمر رضي الله عنه يخفي غسله فلا يدع أحدا ينظر اليه وهو يغتسل، ويقول إن ذلك من الدين.
عن يعلي بن أمية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يغتسل في الفلاة بلا إزار، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:" إن الله حيي ستيّر يحبّ الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر" رواه أبو داود والنسائي.
6- تجنب الكلام والحديث مع الآخرين، والسلام أورده على أحد والذكر الجهري وتلاوة القرآن، أثناء الاستحمام، إلا ما كان من النية وأدعية الغسل، والتزام الصمت والهدوء في صب الماء.
7- تجنب تناول الطعام، أو شرب الماء البارد أثناء الاستحمام، وتجنب دخول الحمام بعد الطعام مباشرة، لأن ذلك يسيء الى عملية الهضم.
8- التفكر والاعتبار وتذكر الموت والدار الآخرة عند التجرد من الثياب، والتعوّذ بالله تعالى من النار والحميم عند صب الماء الحار.
9- تجنب الدخول الى الحمامات العامة إلا عند الضرورة، لأنه مظنة لكشف العورات، والنظر الى الآخرين، وخاصة إذا توفر الحمّام في البيت.
10- تجنب الإسراف وصب الماء بلا حاجة، فهو من مكروهات الغسل، ولو كان يغترف من نهر جار، لأن الله لا يحب المسرفين.
عن عبدالله بن مغفل أنه سمع ابنه يقول:" اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها"، فقال يا بنيّ سل الله الجنة وعذ به من النار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" يكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور" رواه الترمذي.(1/7)
11- الانتباه الى إسباغ الغسل وتبليغه جميع البدن، وإيصاله الى معاطف الجسم ومنابت الشعر، وذلك حسب الطريقة الشرعية.
قال الإمام الغزالي: إن أردت غسلا فاحمل الإناء، وضعه عن يمينك إن كنت تغترف منه، وعن يسارك إن كنت تصب منه، واغسل يديك أولا ثلاثا، وأزل ما على جسمك من نجاسة أو قذر، ثم توضأ وضوءك للصلاة، ثم صب الماء على رأسك ثلاثا مع استحضار النية، ثم على شقك الأيمن ثلاثا، ثم على شقك الأيسر ثلاثا، وأدلك ما أقبل من بدنك، وخلل الأطراف، وأوصل الماء الى معاطف البدن ومنابت الشعر ما خف منه أو كثف، واعلم أن الواجب هو النية واستيعاب البدن بالغسل.
قال تعالى:{ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} البقرة.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، حتى إذا رأى أنه قد استبرأ ـ أي ابتلّ الشعر والجلد ـ حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه" رواه الخمسة.
12- الانتباه الى أنه يحرم على الجنب خمسة أشياء: الصلاة، وقراءة القرآن، ومس المصحف وحمله، والطواف والمكث في المسجد إلا لعذر.
ويحرم على المحدث حدثا أصغر ثلاثة أشياء: الصلاة، والطواف، ومس المصحف وحمله.
13- ينبغي للمسلم أن يسارع الى ازالة الحدثين بالغسل والوضوء فور حدوثهما، وعدم البقاء على جنابة فإنه لا يدري متى يقع الموت.
-2-
آداب المسجد
المساجد بيوت الله تعالى، ومن أحب الله تعالى أحب بيوته، وأكثر من زيارته فيها. قال تعالى:{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18)} الجن.(1/8)
والضيف إذا نزل بساحة الكرماء، و منازل العظماء، أصابه جودهم وفضلهم، ونال من أعطياتهم وغنم من إكرامهم، فكيف بضيف نزل بأكرم الأكرمين، وحلّ على رب العالمين..؟
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه:" إنّ بيوتي في أرضي المساجد، وإنّ زوّاري فيها عمّارها، فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثم زارني في بيتي فحقّ على المزور أن يكرم زائره" رواه أبو نعيم.
ولا شك أن أعظم هذه الكرامات، وأفضل هذه الأعطيات، أن يذيقه الله تعالى لذة قربه وحلاوة مناجاته، وأن يمنحه شهادة الإيمان.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله تعالى:{ إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر.. الآية} رواه الترمذي.
وفي منازل القيامة، وكربات مواقفها، وأهوال مشاهدها، يكون في ظل عرش الرحمن، آمنا مطمئنا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله ـ وعد منهم ـ ورجل قلبه معلق بالمساجد" متفق عليه.
ثم يصله تعالى بنعمة الجنة، وما أعده له فيها من نعيم مقيم، وفضل عميم.. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من غدا الى المسجد أو راح، أعدّ الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح" متفق عليه.
والمساجد ليست معابد تؤدى فيها طقوس العبادات، وحركات الصلوات فحسب، فالأرض كلها جعلت لأمة النبي صلى الله عليه وسلم مسجدا وطهورا، وتصلح لأداء الأركان والواجبات، قال أبو ذر رضي الله عنه: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال:"المسجد الحرام". قلت: ثم أي؟ قال:" ثم المسجد الأقصى" قلت: كم بينهما؟ قال:" أربعون عاما". ثما قال:" أينما أدركتك الصلاة فصلّ فهو مسجد" رواه الجماعة.(1/9)
ولكن المساجد بيوت الله يأوي اليها المسلم منقطعا عن صخب الحياة المادية، ومتحررا من قيود الهموم الدنيوية، فيجد فيها مراتع من رياض الجنة، ورياحين الفردوس..
فتارة في مجلس ذكر لله تعالى، وتلاوة القرآن الكريم يصل فيها الى صفاء الروح، ولقائها بخالقها، وصلتها بمصدر الخير والكمال، ونهلها من منبع الحكمة والمعرفة والإيمان..
وتارة في مجلس وعظ وإرشاد تتزكى فيه النفس من نقائصها، وتتطهر من رذائلها، وتتحلى بفضائلها ومكارم أخلاقها..
وتارة في مجلس علم وفقه في الدين تتفتح فيه آفاق العقل على عظمة التشريع، وتتنوّر دروب الحياة بهدي التعاليم الإلهية، فيتضح صراط الله المستقيم..
كل ذلك في مجتمع إيماني كريم، يشد بعضه أزر بعض، ويحقق فيه المؤمنون قوله تعالى:{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} المائدة 2. ويجنون من الثمرات ما ورد في الحديث الشريف: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده" رواه مسلم.
وإذا كان حق الضيف إكرامه، فإن من واجبه معرفة قدر من يزور، والاستعداد لزيارته، والتأدب في حضرته بما يليق وجلال المزور وعظمته..
ومن الآداب الإسلامية لزيارة بيوت الله تبارك وتعالى نذكر منها ما يلي:
1- محبة المساجد وتقديرها، والنظر إليها بعين التكريم والتعظيم والتقديس والاحترام، لأنها بيوت الله تعالى التي بنيت لذكره وعبادته، وتلاوة كتابه وأداء رسالته، ونشر تعاليمه وتبليغ منهجه، وتعارف أتباعه ولقائهم على مائدة العلم والحكمة ومكارم الأخلاق..
قال تعالى:{ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} الحج.(1/10)
وقال سبحانه:{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)} النور.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" المسجد بيت كل تقيّ وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة والجواز على الصراط الى رضوان الله الى الجنة" رواه الطبراني والبزار.
2- العمل على إشادتها، والقيام بما يستطيع من جهد مادي أو جسدي لبنائها، وتشجيع الناس على التبرع لاستكمالها وتجهيزها بما يليق ومكانتها، وابتغاء وجه الله تعالى في كل ذلك.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها ـ أي بقدر الموضع الذي يبيض فيه طائر القطاة ـ بنى الله له بيتا في الجنة" رواه أحمد وان حبان.
وعن أنس رضي الله عنه قال: من أسرج سراجا في مسجد لم تزل الملائكة وحملة المسجد يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد صوؤه.
3- المحافظة على ارتياد المساجد ولو كانت بعيدة عن منزله، والمشي إليها ولو تحمل في سبيل ذلك الحّر والبرد، وظلمة الليل ومشقة الطريق.
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصليها ثم ينام" متفق عليه.
وعن أبي بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" بشّروا المشّائين في الظلم الى المساجد بالنور التام يوم القيامة" رواه أبو داود والترمذي.(1/11)
وعن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار لا أعلم أحدا أبعد من المسجد منه، وكانت لا تخطئه صلاة، فقيل له: لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما يسرّني أن منزلي الى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي الى المسجد ورجوعي إذا رجعت الى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قد جمع الله لك ذلك كله" رواه مسلم.
4- التهيؤ للذهاب الى المسجد بالطهارة وحسن الوضوء والتسوّك، ولبس الثياب النظيفة، وتقليم الأظافر وترجيل الشعر، والتجمّل والتطيّب.
قال تعالى:{ يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الأعراف 31.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من تطهر في بيته ثم مضى الى بيت من بيوت الله، ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداها تحطّ خطيئة والأخرى ترفع درجة" رواه مسلم.
5- إنهاء جميع الأعمال الدنيوية، وإيقاف كافة الأشغال المادية عند سماع الأذان، والمسارعة الى تلبية النداء، والتوجه الى المسجد مهما كانت الأعذار.
قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} الأنفال 24.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل اعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني الى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخّص له فيصلي في بيته، فرخّص له، فلما ولى دعاه فقال له: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال:" فأجب" رواه مسلم.
6- الدخول الى المسجد مقدما الرجل اليمنى قائلا: بسم الله، اللهم صل على سيدنا محمد، اللهم افتح لي أبواب رحمتك.
كما يستحب أن ينوي الاعتكاف فإنه يصح ولو لم يمكث إلا فترة قليلة، فيقول: نويت الاعتكاف في هذا المسجد ما دمت فيه.(1/12)
7- الخروج مقدما الرجل اليسرى واضعا حذاءه أمامه بهدوء قائلا: اللهم صل على سيدنا محمد، اللهم إني أسألك من فضلك.
عن أبي أسيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك". رواه مسلم وأبو داود.
8- صلاة ركعتين سنة تحية المسجد قبل الجلوس، إذا لم يكن وقت صلاة راتبة، ومن لم يتمكن من الصلاة لحدث أو شغل.. فليقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثلاث مرات.
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا دخل أحكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" متفق عليه.
9- خلع الحذاء وإزالة ما علق به من أوساخ خارج المسجد، وإطباقه ووضعه في أقرب مكان مخصص والحذر من رفعه فوق الرؤوس، أو تلويث المسجد به، ثم إطباق باب المسجد بهدوء عند الدخول.
10- الانتباه الى طهارة الجوارب ونظافتها، قبل المشي بها على سجاد المسجد.
11- تجنب أكل الثوم أو البصل، وما له رائحة كريهة، والدخول الى المسجد قبل إزالتها، بتنظيف الفم بالماء والفرشاة والمعجون.
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا" متفق عليه.
وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" متفق عليه.
12- تجنب تلويث المسجد بشيء من القاذورات أو النجاسات، كالمرور بأرجل عليها نجاسة، أو تلويثه بالقليل من الدم، كما يحرم البول في المسجد ولو كان في وعاء ويحرم الاستنجاء فيه.(1/13)
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي بال في المسجد:" إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله وقراءة القرآن" رواه مسلم.
13- تجنب تلويث المسجد بالبصاق أو المخاط أو النخامة، وخاصة عند عتبات المسجد أو على بابه أو في أماكن الوضوء، والقيام على إزالته إن وجد.
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها" متفق عليه.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في جدار القبلة مخاطا أو بزاقا أو نخامة فحكّه. متفق عليه.
14- تجنب اللهو واللعب والجري، واللغو والثرثرة، ورفع الأصوات ولو بقراءة القرآن على وجه يشوّش على المصلين أو الذاكرين أو المتدارسين للعلم.
عن السائب بن يزيد الصحابي قال: كنت في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أين أنتما؟ فقالا: من أهل الطائف فقال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال:" ألا كلكم مناج ربه فلا يؤذينّ بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة". رواه النسائي وأبو أحمد.
15- تجنب الخصومات والاشتغال بأمور الدنيا، والبيع والشراء، والبحث عن ضائع، وإنشاد الشعر المتضمن فحشا أو هجاء لمسلم أو ظلما أو غزلا، ولا بأس فيما تضمن حكمة أو خيرا.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشراء والبيع في المسجد وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تنشد فيه الضالة. رواه الخمسة.(1/14)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا لا ردّ الله عليك" رواه الترمذي.
وقال سعيد بن المسيّب: من جلس في المسجد فإنما يجالس ربه، فحقه ألا يقول إلا خيرا.
16- تجنب الاحتباء وتشبيك الأصابع وفرقعتها والعبث بها في المسجد وإثناء انتظار الصلاة.
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: دخلت المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رجل جالس وسط المسجد محتبيا مشبّكا أصابعه بعضها على بعض فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفطن لإشارته، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبّكنّ فإنّ التشبيك من الشيطان، وإنّ أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه" رواه أحمد.
17- تجنب الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر حتى يصلي المكتوبة.
عن أبي الشعثاء قال: كنا قعودا عند أبي هريرة رضي الله عنه في المسجد فأذّن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
18- تجنب تناول الأطعمة في المسجد وجعلها أمكنة للراحة أو القيلولة أو السمر، وتجنب الوقوع في المحرمات كالغيبة والنميمة والكذب وتنفقيص الناس.
19- تجنب الدخول الى المسجد للمرور فيه كطريق، أو الدخول والخروج منه من غير صلاة أو ذكر أو تسبيح أو عبادة أو أمر بالمعروف أو نهي عن منكر أو طلب للعلم.
20- القيام بصيانة المسجد، والحفاظ على نظافته وأناقته، وأثاثه وأمتعته، وكتبه ومصاحفه.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور ـ أي في الأماكن التي تبنى فيها البيوت ـ وأن تنظف وتطيّب. رواه أحمد وأبو داود.(1/15)
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" عرضت عليّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد" رواه الترمذي وأبو داود.
21- صيانة المسجد من الأطفال والمجانين، وتشجيع الصبية الذين تجاوزوا السابعة وإحضارهم الى المسجد تعويدا لهم على العبادة، وتحبيبهم بالمساجد مع تعليمهم آدابها قبل دخولها، والإشراف عليهم أثناء وجودهم فيها لتوجيههم وتنبيههم عند الإخلال بحرمتها أو مخالفة آدابها والحذر من إهانتهم أو طردهم منها.
22- تجنب التطيب والتزين والتبرّج للمرأة التي تشهد المساجد، ودخولها وخروجها من المكان المخصص للنساء، دون اختلاطها بالرجال أو مزاحمتهم.
عن زينب الثقفية رضي الله عنها قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا شهدت إحداكنّ المسجد فلا تمسّ طيّبا" رواه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد إذ دخلت إمرأة من مزينة ترفل في زينة لها في المسجد، فقال صلى الله عليه وسلم:" يا أيها الناس انهوا نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المسجد فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة وتبختروا في المساجد" رواه ابن ماجه.
-3-
آداب صلاة الجماعة(1/16)
الانسان اجتماعي بطبعه، يحب الجماعة التي توافقه وترعاه، وتسأل عن شؤونه وتسدي إليه النصح والمعروف، ولا بدّ للإنسان في حياته من جماعة يعيش معها، فإذا ما افتقد الجماعة التي تأمره بالخير وتعينه على التقوى، تلفقته الجماعة التي تأمره بالمنكر، وتزين له الشرور والآثام، فينساق معها الى الذنوب والعصيان، ويهوي بسببها الى النار. وقد أخبرنا الله تعالى أن المجرمين يساقون الى النار كل مع جماعته، وأن المؤمنين يحشرون الى الجنة كل مع زمرته، قال تعالى:{ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً.... وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً....} الزمر 71-73. وأمر سبحانه بالتزام الجماعة المؤمنة الصادقة فقال:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} التوبة.
والإسلام بعتباره دين الفطرة فهو دين الجماعة، يأمر بها ويحث على التزامها، ويكره الفرقة والاختلاف، وينعي على الذين يشذون عن الجماعة ويفارقونها بأنهم يشذون الى أهوائهم الذي يسوقهم الى الانحراف والى الضلال المبين.
وقد جاء الإسلام، والعرب نتفرقون لا تجتمع لهم كلمة أحدهم على كلمة فوحدهم بعد فرقة، وجمع شملهم بعد عداوة، وجعلهم إخوة كالجسد الواحد بعد طول تشاحن واقتتال. ومنّ عليهم بذلك فقال سبحانه:{ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} آل عمران 103.
ومن مظاهر الجماعة الخيّرة في الإسلام حضّه على إقامة العبادات مع الجماعة، فقد حضّ على صلاة الجماعة، وأكد على ضرورة حضورها، ورغب في عظيم فضلها فعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذّ بسبع وعشرين درجة" متفق عليه.(1/17)
ووعد الذين يلتزمونها ويحافظون عليها بشهادة في الدنيا تنفي عنهم مرض النفاق، وبشهادة في الآخرة تحميهم من دخول النار، فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى عليه وسلم قال:" من صلى أربعين يوما في جماعة لا تفوته فيها تكبيرة الإحرام كتب الله له براءتين: براءة من النفاق وبراءة من النار" رواه الترمذي.
وجعل الفرقة في الصلاة علامة على التهاون بشأنها، وهي بدورها علامة على وجود عمل للشيطان وإستيلاء له على القلوب والأعمال، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية" رواه أبو داود.
وأوعد من يتخلف عن صلاة الجماعة بتركه لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهدد بوجود علامة للنفاق فيه، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال ( من سرّه أن يلقى الله تعالى غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهنّ، فإن الله شرع لنبيّكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لضللتم، ولقد رأينا وما يتخلف عنها إلا معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) رواه مسلم.
وقد حافظ المسلمون على هذه الشعيرة المباركة على مدى الأجيال، وكان لها أكبر الفضل في محافظتهم على ركن الصلاة، وظل نداء الإيمان يصدح على المآذن حتى هذه الأيام وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وقد بلغ من محافظة السلف على حضور الجماعات حدا أشبه بالخيال، فهذا سعيد بن المسيّب يقول: ما أذن مؤذن منذ عشرين سنة إلا وأنا في المسجد.
وقد كانوا يعزون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتتهم التكبيرة الأولى، ويعزون سبعا إذا فاتتهم الجماعة.(1/18)
هذا ولصلاة الجماعة آداب كثيرة إضافة الى آداب المسجد التي ذكرناها، منها ما يختص بالإمام ومنها ما يختص بالمأموم، ومنها ما يلزمهما معا، نذكر منها الآداب التالية:
1- المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد، والاستعداد لها بالطهارة والوضوء في البيت، والحضور في أول الوقت، وخاصة إذا كان المسجد قريبا.
عن جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" رواه الدارقطني.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" صلاة الرجل في جماعة تضعّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج الى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحطت عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ما لم يحدث، تقول: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة" متفق عليه.
2- تجنب التهاون في صلاة الجماعة، والتكاسل عنها، والانشغال بغيرها عند سماع النداء.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذّن لها، ثم آمر رجلا فيؤمّ الناس، ثم أخالف الى رجال فأحرّق عليهم" متفق عليه.
3- الحرص على صلاة الفجر والعشاء مع الجماعة، لما فيهما من عظيم الأجر وجزيل الثواب، ولما في هذين الوقتين من البركات وتنزّل الرحمات، ولثقلهما على المنافقين لانشغالهم فيها في لهو أو نوم.
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله" رواه مسلم.(1/19)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا" متفق عليه.
4- التوقف عن الذكر والصلاة وقراءة القرآن عند سماع الأذان، وإجابة المؤذن فيما يقول.
عن معاوية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من سمع المؤذن فقال مثلما يقول فله مثل أجره". رواه الطبراني.
5- الإقبال الى صلاة الجماعة بنؤدة وهدوؤ وسكينة ووقار، وخشوع للقلب، وترك لشواغل الدنيا، وتجنب الإسراع أو الركض في الطريق أو في المسجد للحوق بالجماعة..
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا سمعتم الإقامة فامشوا الى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" رواه الجماعة إلا الترمذي.
6- إلقاء السلام على الجماعة المنتظرين للصلاة عند الدخول عليهم، وتفقد الغائبين منهم بعد أداء الصلاة، فمن كان مريضا عادوه، ومن كان مقصرا زاروه، ومن كان محتاجا أعانوه، ومن كان مصابا عزوه، ومن كان متوفى شيعوه.
7- السعي للوصول الى الصف الأول وذلك بالتكبير الى المسجد وتجنب تخطي رقاب المصلين للوصول إليه، فإن أحق المصلين بالصف الأول أسبقهم إليه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا" متفق عليه.
8- تجنب السير بين الصفوف، والحذر من المرور بين يدي المصلين أثناء صلاتهم.
عن عبدالله بن الحارث الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لو يعلم المارّ بين يدي المصلي ماذا عليه ـ من الإثم ـ لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه" متفق عليه. قال الرواي: لا أدري قال أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين سنة.(1/20)
9- التوقف عن أداء صلاة السنة متى أقيمت الصلاة المكتوبة، وتخفيفها إن كان قد تلبّس بها، وقصرها الى ركعتين إن كانت رباعية وذلك للحوق الإمام.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" رواه مسلم.
10- يجب متابعة الإمام في حركات الصلاة، وتحرم مسابقته، وتبطل إن سبقه بتكبيرة الإحرام.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنما جعل الإمام لؤتمّ به فلا تختلفوا عليه فإذا كبّر فكبّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون" متفق عليه.
11- إذا كان المقتدي فردا واحدا فإنه يقف عن يمين الإمام متأخرا عنه قليلا، فإن أتى آخر أشار اليه برفق بعد أن ينوي الصلاة ليتأخر، ويصفّان وراء الإمام.
عن جابر رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فجئت فقمت عن يساره فأخذني بيده فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جابر بن صخر فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بأيدينا جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه. رواه مسلم وأبو داود.
12- يتم إنشاء الصف خلف الإمام بمحاذاته، ثم يصطفّ المصلون يمينا ويسارا بالتساوي حتى يستكمل الصف، ولا يبدأ بتشكيل صف جديد حتى ينتهي الذي قبله وينبغي تسوية الصفوف لتكون على استقامة واحدة كما ينبغي رصّ الصفوف للتوجه الى الله تعالى بقلب واحد، وبذلك نحصل بركة الجماعة، إذ تتوحد القلوب في مقصدها فيغذي القوي منها الضعيف، وتفاض رحمة الله على الجميع.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" وسّطوا الإمام، وسدوّا الخلل" رواه أبو داود.(1/21)
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" ألا تصفوّن كما تصفّ الملائكة عند ربها". فقلنا: يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال:" يتمّون الصف الأول، ويتراصّون في الصف" رواه مسلم.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" سوّوا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة" متفق عليه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله" رواه أبو داود.
13- ينبغي عدم التأخر عن أول الصلاة وتكبيرة الإحرام، وعدم التباطؤ عن الصفوف الأولى.
عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرا فقال لهم:" تقدّموا فأتمّوا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله" رواه مسلم.
14- ينبغي أن يقف خلف الإمام مباشرة أكبر المصلين قدر وسنا، وأحسنهم خلقا وإيمانا، وأكثرهم تقوى وصلاحا، وأحفظهم للقرآن الكريم، وأعلمهم بأحكام الدين، وينبغي تقديمهم إذا كانوا في الصفوف المتأخرة، وإيثارهم بالصف الأول.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة يسوّيها ويقول:" استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلني منكم أولوا الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم" رواه مسلم.
15- يمبغي أن يخفف الإمام الصلاة مع إتمامها، ولا يطيل زيادة على المألوف رفقا بالضعفاء والمرضى والصنّاع والمسنين وأصحاب الحاجات والأعذار، وليطل إذا صلى وحده أو بمن يرضون الإطالة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، فإذا صلى لنفسه فليطوّل ما شاء" رواه الجماعة.(1/22)
وعن أنس رضي الله عنه قال ما صليت خلف إمام قط أخف صلاة، ولا أتمّ من النبي صلى الله عليه وسلم. متفق عليه.
16- تجنب الاستعجال في الخروج من المسجد بعد إنقضاء الجماعة، لئلا يؤدي الى مزاحمة المصلين ومدافعتهم، والحذر من إفساد ثواب الجماعة بإيذاء أحد منهم باليد أو باللسان، ويفضل إطالة الجلوس في المسجد لقراءة الأذكار المأثورة دبر كل صلاة.
17- يمكن للمرأة أن تشهد الجماعة وتصلي في المسجد إذا خرجت بإذن وليّها غير متبرّجة ولا متزينة ولا متعطّرة وصلاتها في بيتها أفضل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات" أي غير متطيبات. رواه أحمد وأبو داود.
-4-
آداب العالم
العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا من عرض الدنيا متاعا زائلا، ولا مالا فائنا، وإنما ورّثوا دين الله عز وجل القائم على العلم والحكمة، ومعرفة آيات الله في خلقه، وتزكية النفس وصلتها بخالقها، وتحليتها بمكارم الأخلاق.
العلماء ورثة الأنبياء، ورثوا عن سيدنا نوح صبره على تبليغ رسالة الله، وتحمله إيذاء قومه وإعراضهم عنه في سبيل الله، وهو قائم بالدعوة الى الله مئات السنين دون كلل ولا ملل، ولا ضجر ولا قنوط.
وورثوا عن سيدنا إبراهيم شجاعته وصموده أمام أعداء الله، وتضحيته بالحياة واستهانته بالموت في سبيل إعلاء كلمة الله.
وورثوا عن سيدنا موسى قوته وأمانته، وعفته ونزاهته، ودعوته للإنقاذ قومه من الظلم والاستعباد، ورفقه بهم ليخرجهم من الظلمات الى النور، ومن عبادة الطواغيت الى عبادة الله الواحد القهار.
وورثوا عن سيدنا عيسى روحانيته وقربه من الله، وذكره وصلته الدائمة بالله، وصدقه ورحمته، وسمونفسه ورفعتها ومحبتها لجميع خلق الله.
وورثوا عن خاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين الخلق العظيم، والرحمة للعالمين، والصفوة من الشرع والدين القويم.(1/23)
ورثوا عنه صبره وحلمه، وجهاده ونضاله، وعرض نفسه ودعوته على الناس في سبيل نشر دين الله، مقتحما الأخطار، غير مبال بتهديد ولا إيذاء ولا استنكار، غير آبه بإغراء بمنصب أو مال أو جمال، قائلا كلمته المشهورة:" والله يا عمّ، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أرجع عن تبليغ رسالة ربي ما رجعت حتى ينفصل رأسي عن كتفي" رواه البيهقي عن ابن اسحاق.
هؤلاء العلماء هم الذين عقلوا عن الله ينه، وفهموا مراده من رسالته الى خلقه { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)} العنكبوت، فاستقرّ نور الكتاب بين ثنايا صدورهم، وانطبعت معاني الآيات في أعماق قلوبهم { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} العنكبوت 49. وبذلك ارتقوا في مقامات الصالحين، وارتفعوا الى مصافّ المقربين { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} الذاريات 11، وشتان ما بين هذه المنزلة الرفيعة، ومنزلة الغفل الجاهلين، والمعرضين الزاهدين { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} الزمر 9.
هؤلاء العلماء هم مصابيح الهدى التي تدل الناس على منهج الله، وترشدهم الى دين الله، وهم منابع الخير والسعادة والفلاح، يملؤون العقول بالعلم والحكمة، ويهذبون النفوس ويزكونها بمراقبة الله وذكره على الدوام، وينشؤون الجيل القوي بعقيدته، الكريم بأخلاقه، النافع لأمته، المخلص في بناء وطنه، فهم روح المة وكنزها الأكبر. قال صلى الله عليه وسلم:" إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضلّ الهداة" رواه أحمد عن أنس بن مالك.(1/24)
وإذا كان العلماء مصادر السعادة لمن لاذ بهم وأخلص في صحبتهم في الدنيا، فهم تمام السعادة في الآخرة، يحشر أتباعهم بمعيتهم، ثم يشفعون بهم، قال صلى الله عليه وسلم:" ويشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء" رواه ابن ماجه عن عثمان بن عفان. وقال عليه السلام:" يبعث العالم والعابد فيقال للعابد: ادخل الجنة، ويقال للعالم اثبت حتى تشفع للناس بما أحسنت أدبهم" رواه البيهقي عن جابر.
وأي شرف أرفع، وفضل أكبر في تكريم العلماء من عطف شهادتهم في وحدانية الله على شهادة الله وشهادة ملائكته، قال تعالى:{ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ} آل عمران 18. ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله وملائكته، وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس خيرا" رواه الترمذي. وفي حديث آخر " فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورّثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر" رواه الترمذي.
هذا وللعلماء الحقيقيين صفات بها يعرفون، وأخلاق عليها مجبولون، وآداب بها متصفون، نذكر منها ما يلي:
1- لزوم العلم ومحبته والشغف به، وبذل الوقت للاستزادة منه على الدوام.
قال الله تعالى:{ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً (114)} طه.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتى عليّ يوم لا أزداد فيه علما، يقرّبني الى الله عز وجل فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم" رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية.(1/25)
2- العمل بالعلم، لأن العالم الحق لا يخالف فعله قوله، ومن كان قدوة للناس بفعله وسلوكه قبل كلامه وتوجيهه، ومن دعاهم الى الله بسيرته وأخلاقه، قبل دروسه وخطبه، ومن علّم الناس بحاله قبل قاله. قال أبو الدرداء: ويل للذي لا يعلم مرة، وويل للذي يعلم ثم لا يعمل سبع مرات. وقال سفيان بن عيينة: ليس العالم الذي يعرف الخير من الشر، إنما العالم الذي يعرف الخير فيتبعه، ويعرف الشر فيجتنبه.
وقال أحد الشعراء:
يا أيها الرجل المعلم غيره
... ... ... هلا لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن عيّها
... ... ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
... ... ... عار عليك إذا فعلت عظيم
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان مالك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه. متفق عليه.
قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} الصف.
وقال تعالى على لسان نبيه شعيب:{ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} هود 88.
وقال عز وجل:{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (44)} البقرة.
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم" رواه أبو نعيم في الحلية.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه موقوفا:" لا يكون المرء عالما حتى يكون بعلمه عاملا". رواه ابن حبان.(1/26)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه مثل الفتيلة تضيء على الناس وتحرق نفسها" رواه الطبراني.
3- خشية الله تعالى كلما ازداد علما، ومخافته كلما ازداد معرفة بعظمته وقدرته، قال أحدهم:
على قدر علم المرء يعظم خوفه
... ... ... فما عالم إلا من الله خائف
فآمن مكر الله بالله جاهل
... ... ... وخائف مكر الله بالله عارف
قال تعالى:{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} فاطر 28.
وقال علي رضي الله عنه:" قصم ظهري رجلان: عالم متهتك، وجاهل متنسّك".
4- الترفع عن سفاسف الدنيا، ولغوها ولهوها ولعبها، وبهرجها وزخارفها وشهواتها الرخيصة. روي أن رجلا من بني إسرائيل جمع ثمانون تابوتا من العلم ولم ينتفع به، فأوحى الله الى نبيهم أنه قل لهذا الجامع " لو جمعت كثيرا من العلم لم ينفعك إلا أن تعمل ثلاثة أشياء: لا تحب الدنيا فليست بدار المؤمنين، ولا تصاحب الشيطان فليس برفيق المؤمنين، ولا تؤذ أحدا فليس بحرفة المؤمنين".
قال تعالى:{ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)} طه.
وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من ازداد بالله علما ثم ازداد للدنيا حبا، ازداد الله عليه غضبا" رواه أبو الفتح الأزدي. وعن الحسن موقوفا:" من أراد علما ثم ازداد على الدنيا حرصا لم يزدد من الله إلا بعدا" رواه ابن حبان.(1/27)
5- التواضع لعباد الله، والشفقة على المتعلمين، والرفق بهم، والتأني في تعليمهم، ومعاملتهم كأبنائه المحتاجين، واحتمال إعرا ... ضهم وجفائهم وجهالتهم، والحرص على إنقاذهم من ظلمات الجهالة الى نور العلم والفقه في الدين. والعمل على إصلاحهم بإنتقاء العلم الذي يعالج أمراضهم، ويصلح أحوالهم وتقديم الأولى في تعليمهم والتدرج في تأديبهم، وتفهم حاجاتهم وتقدير ظروفهم، والرد على أسئلتهم، والبشاشة في وجوههم، وتأليف قلوبهم، وبذل الوقت وإنفاق المال في سبيل إرشادهم، وقد ورد في الأثر ( لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه).
قال تعالى:{ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (216)} الشعراء.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنما أنا لكم مثل الوالد لولده" رواه ابو داود وابن ماجه والنسائي وابن حبّان.
وعن أبي هرون العبدي قال: كنا نأتي أبا سعيد الخدري فيقول: مرحبا بوصية رسول الله: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الناس لكم تبع وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا" رواه الترمذي وابن ماجه.
6- الإخلاص في تعليم العلم وبذله للناس، وإرادة وجه الله تعالى به، وطلبا لرضاء الله عز وجل وقربه إليه، فلا يطلب أجرا ولا جزاء ولا ثناء ولا شكورا.
قال الله تعالى:{ وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ} هود 29.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أي جلسائنا خير؟ قال: من ذكّركم الله رؤيته، وزاد في علمكم منطقه، وذكّكركم بالآخرة عمله" رواه أبو يعلى.(1/28)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من طلب علما يبتغي به وجه الله تعالى ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" رواه أبو داود وابن ماجه.
7- التثبت من العلم والتوسع في دقائقه، واصابة لبه، وأن يبلغ فيه مداه، فلا يكتفي ببعضه ولا بقشوره، ولا يعلم بعض مسائله ويجهل ما هو من مستلزماتها ومتمماتها.
8- الالتزام بالحلم والوقار، والأناة وسعة الصدر، إذا لا يزين العلم إلا الحلم ومكارم الأخلاق، وتجنب الرعونة والحمق والطيش والخفة والغضب والتهور وسرعة الانفعال..
9- الصبر على جفاء الجاهلين، وإيذاء الحاسدين، وافتراء الكاذبين وعداوة الجاحدين.
قال الله تعالى:{ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} الأحقاف 35.
وعن أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال:" كأني أنظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" متفق عليه.
10- بذل العلم لأهله، وتبيانه وإيضاحه، وتجنب كتمان شيء منه ضنا به أو ترفعا على من يطلبه.
قال تعالى:{ وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)} آل عمران.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من سئل علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار" رواه الترمذي.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما آتى الله عالما علما إلا وأخذ عليه من الميثاق ما أخذ على النبيين أن يبينوه للناس ولا يكتموه" رواه أبو نعيم.(1/29)
11- استماع الحجة والقبول بها، والانصياع للحق وإن كان من الخصم، وتجنب الإصرار على الخطأ. قال الشافعي: وددت أن الناس انتفعوا بهذا العلم وما نسب ألي شيء منه، وما ناظرت أحدا قط فأحببت أن يخطئ.
12- الجرأة في الحق، وإظهار عزة العلم، وأن لا يخشى في الله لومة لائم أو غضبة حاقد وإن كان مرا وذلك بالحكمة والعقل والموعظة الحسنة.
قال تعالى:{ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء} الأنعام 83.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عليه وأرضى عليه الناس" رواه الترمذي.
13- إعطاء المتعلم على قدر فهمه، فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله فينفره، ثم يتدرج به من رتبة الى رتبة. قال الإمام علي:" حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله" رواه البخاري.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا إذا كان لبعضهم فتنة" رواه مسلم.
14- بذل العلم لمن يقدرونه وينتفعون منه، وإمساكه عمن غيرهم.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" طلب العلم فريضة على كل مسلم، وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب" رواه ابن ماجه.
15- إصلاح ظاهره بالاستقامة على الشريعة المحمدية، وباطنه على التقوى وتزكية النفس ومراقبة الله تعالى، لأن العلم ليس لقلقة باللسان، وكلمات جوفاء لا تتجاوز الآذان، وإنما هو نور القلب بخرج من روح متصلة بالله مستقر في القلوب والأرواح لينقلب الى عمل وسلوك.
قال الله تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)} السجدة.(1/30)
وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" العلم علمان: علم في القلب فذاك العلم النافع، وعلم اللسان فذاك حجة الله على ابن آدم" رواه الحافظ وابن عبدالبر.
16- تجنب الفتيا بغير علم أو تثبت أو تأكد من المسألة، وإحالة الباب الذي لا يعرفه إلى من هو أعلم منه، وعدم الحرج من قول لا أدري أو الأنفة من ذلك.
قال تعالى:{ وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85)} الاسراء.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه". رواه الحاكم وأبو داود.
17- تجنب المنة على المتعلمين ورؤية فضله على أحدهم إذا تعلم وتهذب وتزكى، لأن ذلك مما يحبط الأجر والثواب، ولكن يطلب ذخره عند الله، ويرى الفضل للمتعلم الذي كان السبب في رفع درجاته، وزيادة حسناته.
18- أن يتبع طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في زجر المقصرين، ومحاسبة المذنبين وذلك بالتعريض دون التوبيخ، وبالتلميح دون التصريح.. كأن يقول " ما بال أقوام".
-5-
آداب المتعلم(1/31)
كلنا يعلم أن أول ما نزل من القرآن الكريم أن أمر الله تعالى نبيه بالقراءة:{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)} العلق. ومنّ على الإنسان بالإنعام عليه بالعلم:{ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} العلق. ثم أقسم في ثاني سورة بالكتابة وأدواتها {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)} القلم، ثم تتالت الآيات في بيان فضل العلم كقوله تعالى:{ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} الأنعام 148. وفي الحث على التعلم كقوله تعالى:{ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ} التوبة 122. وفي تكريم العلماء كقوله جلّ وعلا {قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)} الرعد.
وتمت معجزة الدين الجديد بالقضاء على ظلام الجهل والخرافة والأمية، ونشر مشاعل العلم والحكمة والحضارة والمعرفة في أرجاء الأرض.
وليس هناك من دين سماوي أو نظام وضعي حض على العلم وقدسه وأمر بتحصيله وتحكيمه في كل خطوة من خطوات الحياة وفي كل ميادينها كما فعل الإسلام.
ففي وقت كان العلم محظورا على الرعاع من الناس، ومقصورا على طبقة الأشراف والنبلاء، لم يبح الاسلام العلم وإنما جعله فريضة على جميع معتنقيه، قال صلى الله عليه وسلم:" طلب العلم فريضة على كل مسلم" رواه ابن ماجه وغيره عن أنس. وتبرأ من كل جاهل فقال عليه الصلاة والسلام:" ليس مني إلا عالم أو متعلم" رواه الديلمي عن ابن عمر. وجعله بمنزلة الحيوان الأعجم فقال:" الناس رجلان: عالم أو متعلم، ولا خير فيمن سواهما" رواه الطبراني عن ابن مسعود.(1/32)
وجعل العلم طريقا الى الفوز بالجنة فقال صلى الله عليه وسلم:" من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا الى الجنة" رواه مسلم، وجعل طالبه حبيب الملائكة الذين يقومون بتأييده ومعونته، قال عليه الصلاة والسلام:" إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاء بما يصنع" رواه أبو داود عن أبي الدرداء، وبين أن القليل منه، خير من كثير العبادة فقال صلى الله عليه وسلم:" لأن تغدو فتتعلم بابا من العلم خير من أن تصلي مائة ركعة" رواه ابن عبدالبر عن أبي ذر، وقال:" فضل العلم خير من فضل العبادة" رواه الطبراني والحاكم. وجعل طلبه جهادا في سبيل الله فقال عليه الصلاة والسلام:" من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع" رواه الترمذي عن أنس، وأجره كأجر من ظفر بحجة تامة فقال:" من غدا الى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلمه كان له كأجر حاجّ تاما حجّته" رواه الطبراني عن أبي أمامة. وسببا في مغفرة الذنوب وتكفير الخطايا فقال:" ما انتعل عبد قط ولا تخفف ولا لبس ثوبا في طلب علم إلا غفر الله له ذنوبه حيث يخطو عتبة داره" رواه الطبراني عن علي، وأمر بطلبه إن فقد في بلده ولو في آخر الدنيا فقال عليه السلام:" اطلبوا العلم ولو بالصين" رواه ابن عدي والبيهقي عن أنس.
وجعل أثره بعد موت صاحبه عملا مستمرا له وأجرا باقيا وثوابا جاريا في صحيفته فقال صلى الله عليه وسلم:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم عن أبي هريرة.(1/33)
ولئلا يفهم الناس أن المقصود من العلم هو علم العبادات والمناسك فقط حث القرآن في آياته على تتبع علوم الكون كله، واستنباط أسراره وتعلم قوانينه والاستفادة من نظامه ودقة نواميسه قال سبحانه:{ أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ} الأعراف 185. وقال تعالى:{ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ} آل عمران 191. وأشار في محكم تنزيله الى بعض علوم السماء والأرض، والنبات والحيوان، والأجنة والفلك، والسياسة والاجتماع، والمعاملات الاجتماعية والعلاقات الدولية..
ومن وحي هذه التعاليم الاسلامية لم تمض فترة وجيزة إلا وصار كل بيت قبلة، وكل سوق مدرسة، وانقلبت الصحاري والمراعي الى منابع للنور والحكمة وفنون العلم والمعارف، ثم انطلق المسلمون الى أصقاع الأرض ينشرون هذا العلم بين الناس، ويبصرونهم سبل سعادتهم، ويدلونهم على حقيقة إنسانيتهم، وأسرار خلقهم.. ويبثون حضارة ما عرفت الإنسانية أعظم منها هدفا ولا أنبل منها غاية ولا أرحم منها على بني الإنسان.
إنها رسالة الإسلام التي لخصها صاحبها عليه الصلاة والسلام بقوله:" إنما بعثت معلما، إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" رواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة.
هذا وليحصل طالب العلم على ثمرات عمله على الوجه المطلوبـ،، وليبارك في جهوده، لا بد أن يطلب العلم متأدبا بآدابه التي نقطف منها هذه اللآلئ، وننظمها لكل متعلم:
1- آداب المتعلم مع العلم:
1- التماس مجالس العلم، وانتقاء اليانع من ثمراتها، والانتفاع بها على الوجه المطلوب.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا". قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: مجالس العلم. رواه الطبراني.(1/34)
2- الصدق في طلب العلم، وبذل الوقت والجهد في تحصيله، والإعراض عن كل ما يشغل عنه من لغو أو بطالة أو اقتراف لمعصية أو محرم. قال الشافعي رحمه الله:
شكوت الى وكيع سوء حفظي
... ... ... فأرشدني الى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور
... ... ... ونور الله لا يهدى لعاصي
قال صلى الله عليه وسلم:" إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ قال أنا، فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك" رواه الشيخان والترمذي.
وقد ذكر القرآن الكريم:
قال تعالى:{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (60)} الكهف.
أي مجدا مجتهدا، ومسافرا راحلا في طلب من هو أعلم مني لأزداد علما ولو استدام سفري عشرات السنين والأحقاب مسافرا في طلب العلم.
3- الإخلاص في طلب العلم، وإرادة وجه الله تعالى في تحصيله، وامتثال أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، والحذر من أن يكون حظه من العلم طلب عرض من الدنيا قليل.
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من تعلم علما لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار" رواه الترمذي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" رواه أبو داود.
4- تزكية النفس وتطهيرها من رذائل الأخلاق واتباع الأهواء قبل طلب العلم، لأن العلم إذا نزل على نفس خبيثة زادها خبثا وصار ضررا على صاحبه وبلاء على الناس. قال الشاعر:
لا تحسبنّ العلم ينفع وحده
... ... ... ما لم يتوّج ربّه بخلاق
وقال آخر:
لو كان للعلم من دون التقى شرف
... ... ... لكان أشرف خلق الله إبليس(1/35)
5- الابتعاد عن المراء، وتجنب الجدال بعد ظهور الحق، فإن المراء لا يأتي بخير، لأنه يضيع الوقت، ويقسي القلوب، ويورث الأحقاد، ويسبب البغضاء، وعلى المتعلم أن يبدي رأيه لمحدثه فإن اقتنع وإلا فليتوقف عن النقاش العقيم.
قال الله تعالى:{ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} العنكبوت 46.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من طلب العلم ليباهي به العلماء، ويماري به السفهاء، أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار" رواه ابن ماجه.
6- المحافظة على السمت الحسن، والاتزان والهدوء، ووقار العلم، وما يطبعه في النفس من خشية لله، ومعرفة بأقدار الناس. والابتعاد عن كل ما يخلّ بشرف العلم ومكانته في النطق والمشي والأمكنة والمعاملات.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والوقار، تواضعوا لمن تتعلمون منه" رواه الطبراني.
7- طلب العلم النافع المفيد في دين المسلم أو دنياه أو آخرته، وتجنب العلوم التي انقضى زمانها، أو التي لا طائل منها، أو التي تضر المسلم في دينه، أو توقعه في الشك والإلحاد.
قال تعالى:{ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} الشورى 14.
وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:" اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها" رواه مسلم.
8- تلقي العلم عن أهله الأكفاء، من العلماء الراسخين، والأتقياء الصالحين، وأخذ كل فن من المختصين به، المحسنين له.
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم" رواه الحاكم.(1/36)
9- الصبر على التعلم والحفظ والمراجعة، واستغلال الوقت واكتساب الفراغ، قبل ذهابهما بما يستطيع من الاستزادة من العلم، قال سيدنا عمر رضي الله عنه ( تفقهوا قبل أن تسودوا).
10- السؤال عن كل ما استعصى عليه فهمه، والبحث في كل مسألة حتى يتقنها، وعدم الحياء في طلب العلم. فقد قيل لابن عباس رضي الله عنهما بما نلت هذا العلم؟ فقال: بلسان سؤول، وقلب عقول. وقال مجاهد: لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهنّ الحياء على أن يتفقهن في الدين.
11- التبكير الى مجالس العلم، والحرص على كل ما يرد فيها من أفكار ومعان وبركات، وتقييدها بالكتابة، وتصنيفها وتبويبها بعد مراجعتها في البيت.
قال الشافعي:
العلم صيد والكتابة قيد
... ... ... قيّد صيودك بالحبال الواثقة
12- استكمال العدة اللازمة للدخول في عداد طلاب العلم ومنها ثمانية أشياء: الدليل: وهو المعلم الكامل، والزاد: وهو التقوى، والسلاح: وهو الوضوء، والسراج: وهو الذكر، والمنهاج: وهو الشريعة المحمدية، والهمة الصادقة القوية، والأخوة في الله المصاحبين بالصدق، وتجنب اتباع الهوى.
2- آداب المتعلم مع المعلم:
1- التواضع للمعلم ولو كان أصغر سنا، إذا ليس من الذل المكروه أن يتذل طالب العلم لمعلمه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ذللت طالبا، فعززت مطلوبا. وقال شعبة: كنت إذا سمعت من الرجل الحديث كنت له عبدا ما حييت.
2- احترام العالم وتقديره وإكرامه، والنظر اليه بعين الإكبار والإجلال والتعظيم.
قال الشافعي: كنت أصفح الورقة بين يدي مالك صفحا رقيقا هيبة لئلا يسمع وقعها.
وقال الربيع: والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر الي هيبة له.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله علي وسلم:" ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا" رواه أبو داود والترمذي.(1/37)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم. رواه مسلم.
3- القيام للعالم عند دخوله، وتقبيل يده احتراما ومحبة وتبركا وتقديرا.
قال الله تعالى:{ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} الحج.
وعن الوازع بن عامر قال: قدمنا، فقيل: ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأخذنا بيده ورجليه نقبلهما. رواه البخاري.
وعن جابر رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه قبّل يد النبي صلى الله عليه وسلم. رواه ابن المقري.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قصة قال فيها: فدنونا من النبي صلى الله عليه وسلم فقبلنا يده. رواه أبو داود.
وعن ابن جدعان قال ثابت لأنس رضي الله عنه: أمسست النبي صلى الله عليه وسلم بيدك؟ قال نعم. فقبّلها. رواه البخاري.
وعن صهيب قال: رأيت عليّا يقبّل يد العباس ورجليه. رواه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت أحد أشبه سمتا ودلا وهديا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة كرّم الله وجهها فكانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته مجلسها. رواه أصحاب السنن.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فجاء، فقال:" قوموا الى سيدكم وذكر الحديث" رواه الشيخان وأبو داود.
4- التأدب في مجلس العالم بجلسته وكلامه، وحسن استماعه وسؤاله. قال الحسن رضي الله عنه لابنه: يا بني إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول.
5- تجنب الانصراف، ومغادرة مجلس العلم إلا بإذن من المعلم، فإذا أذن له فليستغفر الله لأن الأولى أن لا يغادر مممجلس العلم قبل انتهائه.(1/38)
قال تعالى:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (62)} النور.
6- الاستئذان في الصحبة، وطلب العلم من المعلم. وطاعته في كل ما يأمره به.
قال الله تعالى:{ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69)} الكهف.
7- القيام بحقوق المعلم على أكمل وجه، وقد جمعها الكثير من السلف الصالح نختار منها ما يلي: قال الإمام علي رضي الله عنه: من حق العالم عليك أن تسلم على القوم عامة وتخصه بالتحية، وأن تجلس أمامه، ولا تشيرن عنده بيديك، ولا تغمز بعينك غيره، ولا تقولن قال فلان خلاف قوله، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا تطلبن عثرته، وإن زل قبلت معذرته، وعليك أن توقره لله تعالى وإن كانت له حاجة سبقت القوم الى خدمته، ولا تسارر أحدا في مجلسه، ولا تأخذ بثوبه، ولا تلح عليه إذا ملّ، ولا تشبع من طول صحبته، فإنما هو كالنخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شيء.(1/39)
وقال علي بن الحسن رضي الله عنهما: حق أستاذك عليك، التعظيم له، والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه، والإقبال عليه، وأن لا ترفع عليه صوتك، ولا تجيب أحدا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدث في مجلسه أحدا، وأن تدفع عنه إذا ذكره أحد عندك بسوء وأن تظهر مناقبه، ولا تجالس عدوه، ولا تعادي وليه، فإذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه لله عز وجل لا للناس.
وقال الإمام الغزالي: آداب المتعلم مع العالم أن يبدأه بالتحية والسلام، وأن يقل بين يديه الكلام، ويقول له إذا قام، ولا يتكلم ما لم يسأل، ولا يسأل أولا ما لم يستأذن، ولا يعارض كلامه، ولا يشير عليه بخلاف رأيه، ولا يشاور جليسه في مجلسه، ولا يضحك عند مخاطبته، ولا يكثر الالتفات بحضرته، بل يجلس مطرقا ساكنا كأنه في الصلاة، ولا يستفهمه عن مسألة في طريقه، ولا يتبعه بكلامه وسؤاله، ولا يسيء الظن في أفعال ظاهرها منكرة له فهو أعلم بأسراره، وليذكر عند ذلك قول موسى للخضر عليهما السلام: ( أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا أمرا) وكونه مخطئا في إنكاره واعتراضه اعتمادا على ظاهره.(1/40)
وقال بعض العلماء: من حق أستاذك عليك أن تتواضع له وتحبه حب الفناء، ولا تخرج عن رأيه وتوجيهه، وأن تشاوره فيما تقصده، وتتحرى رضاه فيما يعتمده، وتنظر اليه بعين الإجلال، وتعتقد فيه درجة الكمال، وأن تعرف حقه، ولا تنسى له فضله، وتحضر الى درسه قبل أن يأتي، ولا تتنقل أثناء درسه، ولا تتقدم في السير عليه، وأن تدعو له مدة حياته، وأن تصبر على صحبته، وتجلس بين يديه بسكون وتواضع واحترام، وأن تصغي إليه، وتنظر اليه مقبلا بكليتك عليه، غير ملتفت عنه، وأن لا تعبث بيديك أو رجليك أو أنفك أو دفترك أثناء كلامه، وأن تدفع الضحك والقهقهة والتثاؤب في حضرته، وأن تستأذن للدخول عليه وللانصراف من عنده، وأن تدخل عليه كامل الهيئة، متطهر البدن، نظيف الثياب، فارغا من الشواغل، حاضر القلب بذكر الله عز وجل وإرادة وجهه.
وقال الامام الشافعي:
أهين لهم نفسي فهم يكرمونها
... ... ... ولن تكرم النفس التي لا تهينها
وقال شوقي:
قم للمعلم وفه التبجيلا
... ... ... كاد المعلم أن يكون رسولا
أرأيت أعظم أو أجلّ من الذي
... ... ... يبني وينشئ أنفسا وعقولا
وقال غيره:
أرى فضل أستاذي على فضل والدي وإن
... ... ... نالني من والدي العزّ والتحف
فهذا مربي العقل والعقل جوهر
... ... ... وهذا مربي الجسم والجسم من صدف
-6-
آداب تلاوة القرآن الكريم(1/41)
القرآن الكريم كتاب الله الخالد، وكلامه القديم، ومعجزة نبيه الكبرى، وجامعة الإسلام العظمى، وصفه الذي أنزله بالعلم:{ لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً (166)} النساء. وبالحكمة:{ يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)} يس. وبالكرم:{ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)} الواقعة، وبالمجد:{ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)} ق، وبالعزة:{ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)} فصلت، وبالعظمة:{ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)} الحجر، وبالبركة:{ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} ص 29، وبالتذكير:{ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)} ص. وبالوضوح والتبيين:{ حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)} الدخان.
وبين آثاره في الهداية والبشرى {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9)} الإسراء. وفي الشفاء والرحمة:{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} الإسراء 82، وفي التذكير والتقوى:{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)} الزمر، وفي الثبات على الحق:{ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)} النحل، وفي زيادة الإيمان:{ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} التوبة.(1/42)
ووصفه الذي أنزل عليه صلى الله عليه وسلم وبيّن آثاره في كثير من أحاديثه الشريفة، منها ما روي عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أما أنها ستكون فتنة. قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ فقال: كتاب الله تعالى، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله تعالى، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله تعالى، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنفضي عجائبه، وهو الذي لم تنته اليه الجن إذ سمعته حتى قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي الى الرشد فآمنا به، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا اليه هدي الى صراط مستقيم. رواه الترمذي.
وعن محمد بن علي رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" القرآن أفضل من كل شيء دون الله، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، فمن وقّر القرآن فقد وقّر الله، ومن لم يوقّر القرآن لم يوقّر الله، وحرمة القرآن عند الله كحرمة الوالد على ولده، القرآن شافع مشفع، وما حل ـ أي خصم مجادل ـ مصدّق، فمن شفع له القرآن شفع، ومن محل بالقرآن صدق، ومن جعله أمامه قاده الى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه الى النار، وحملة القرآن هم المحفوفون برحمة الله، الملبسون نور الله، المعلمون كلام الله، من والاهم فقد والى الله، ومن عاداهم فقد عادى الله. رواه القرطبي في تفسيره.(1/43)
وقد أمر الله تعالى بتلاوته {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} النمل 91-92. ووعد عليها الخير الجزيل:{ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)} فاطر. كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتلاوته وبيّن ما أعد الله سبحانه وتعالى لمن قرأه من أجر عظيم منها شفاعته به فقال " اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه" رواه مسلم.
ومنها حصوله على ثروة عريضة من الحسنات التي تضاف الى رصيده عند تلاوة كل حرف من الكتاب الكريم، قال عليه الصلاة والسلام:" من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: الم حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" رواه الترمذي. ومنها ارتقاؤه الى منزلة لا تنتهي رفعتها إلا عندما ينتهي من تلاوته قال صلى الله عليه وسلم:" يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها" رواه أبو داود والترمذي. ومنها نيله شهادة نبوية بتقليده أعلى وسام إلهي:" إن لله أهلين من الناس، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته". رواه النسائي وابن ماجه.(1/44)
إنه كتاب الله تعالى الدستور الجامع لأحكام الإسلام، والمنبع الصافي للعلم والخير والحكمة والنور والوسيلة المختصرة لمعرفة الله تعالى وقربه ورضاه والوصول الى حقائق التقوى ومعادن الإيمان. وفي الحديث الشريف " إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوم ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد" رواه الحاكم. وفي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه " عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض، وذخر لك في السماء".
إنه رسالة الله العلي القدير، لهذا الإنسان الضعيف الجهول الفقير، لتأخذ بيده وتدله على سبيل النجاة، وتهديه الى صراط الله، وتمنحه السعادة في الدنيا والفوز في الآخرة.
عن جبير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أبشروا فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبدا" رواه الطبراني.
ولقد بوأ الله به المسلمين عندما تمسكوا به، وأخلصوا في تطبيق أوامره، وتنفيذ أحكامه ووصاياه، وانتهوا عن كل ما نه عنه، بوأهم مكانة الصدارة بين الأمم، وجعلهم مخلّصي الشعوب ومعلمي الأمم، وناشري الحضارة التي ما عرف التاريخ لها مثيلا، فكانوا بحق خير أمة أخرجت للناس.
وهذا كتاب الله تعالى تكفل بحفظه، وسخر عباده لتوثيقه، ليكون الدستور الخالد الى يوم القيامة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} الحجر.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول:" خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه" رواه البخاري.
قال أحدهم:
قد حوى القرآن نورا وهدى
... ... ... فعصى القرآن من لا يعقل
قل لقوم نبذوا أحكامه
... ... ... ما لكم مما نبذتم بدل
فاسألوا التاريخ عن قرآنكم
... ... ... يوم ضاءت بسناه السبل
فكأن الكون أفق أنتم(1/45)
... ... ... فيه بدر كامل لا يأفل
أو كأن الكون منكم روضة
... ... ... وعلى الأغصان أنتم بلبل
إنه كتاب الله، منزلته كمنزلة منزله، وتعظيمه من تعظيم قائله، والأدب معه أدب مع الله سبحانه وحري بالمسلم أن يتعلم هذه الآداب ليلتزمها مع كتاب الله الكريم.
1- أن يقصد بقراءته وجه الله تعالى، وتعلم أحكام كتابه، وتنيفيذ أمر ربه بتلاوة القرآن الكريم.
قال ابن عباس رضي الله عنه: (إنما يعطى الرجل على قدر نيته).
قال الله تعالى:{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} البينة 5.
وعن ابن عمران رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس" رواه الترمذي.
وعن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من قرأ القرآن يتأكّل به الناس جاء يوم القيامة ووجه عظم ليس عليه لحم" رواه البيهقي.
2- أن يكون على طهارة من الحدثين، فالطهارة من الجنابة والحيض والنفاس فرض لقراءة القرآن أو مس المصحف وحمله.
قال تعالى:{ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (80)} الواقعة.
وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة. رواه أصحاب السنن.
وعنه رضي الله عنه قال:" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن، ثم قال: هكذا لمن ليس بجنب، فأما الجنب فلا، ولا آية" رواه أحمد وأبو يعلى.
3- تنظيف الفم بالسواك وغيره، لأنه مجرى كلام الله تبارك وتعالى. قال قتادة ( ما أكلت الثوم منذ قرأت القرآن).
عن علي رضي الله عنه مرفوعا:" إن أفواهكم طرق للقرآن فطيّبوها بالسواك" رواه البزار.(1/46)
4- يستحب للقارئ أن يجلس مستقبلا القبلة إذا تمكن من ذلك، لأنه ورد ( خير المجالس ما استقبل به القبلة) رواه الطبراني.
ويجوز أن يقرأ قائما أو ماشيا أو مضجعا أو في فراشه أو في الطريق أو على غير ذلك من الأحوال وله الأجر، وإن كان دون الأول.
5- طهارة المكان والثياب ونظافتهما، والتجمل والتطيب استعدادا لمناجاة الله تعالى بتلاوة كلامه.
6- التعوذ والبسملة قبل البدء بالتلاوة.
قال تعالى:{ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)} النحل.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله فهو أجذم" رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي.
7- المداومة على قراءة القرآن، بالتزام ورد يومي وإن قلّ، وتجنب هجران القرآن ونسيان تلاوته. قال سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه:" لو أن قلوبنا طهرت ما شبعت من كلام ربنا عز وجل، وإني لأكره أن يأتي عليّ يوم لا أنظر في المصحف".
قال تعالى:{ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30)} الفرقان.
وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشدّ تفلتا من الإبل في عقلها" متفق عليه.
8- الإقبال بشغف وشوق ومحبة على كلام الله تعالى حتى يتملك عليه مشاعره وأحاسيسه، وقلبه وفكره وروحه، ويعين على ذلك طرح كل ما يشغله من أفكار أو كلام أو هموم الحياة الدنيا، وخصوصا في صلاة الليل.
قال تعالى:{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الزمر 23.(1/47)
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أحبّ أن يحبّه الله ورسوله فلينظر فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله" رواه الطبراني.
9- تحسين الصوت وتزيينه عند التلاوة، والتغني بالقرآن ليكون أشد وقعا، وأكبر تأثيرا في القلوب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به" متفق عليه.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" زيّنوا القرآن بأصواتكم" رواه أبو داود والنسائي.
وعن أبي لبابة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من لم يتغنّى بالقرآن فليس منا" رواه أبو داود.
10- قراءة القرآن حسب قواعد التجويد، وترتيله على النحو الذي وضعه علماء القرآن بتأديته حرفا حرفا، من غير استعجال، وكما ورد عن السلسلة المتصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم في تلقي القرآن الكريم، قال ابن الجزري:
والأخذ بالتجويد حتم لازم
... ... ... من لم يجوّد القرآن آثم
لأنه به الإله أنزله
... ... ... وهكذا منه إلينا وصله
وقد سئل سيدنا علي رضي الله عنه عن ترتيل القرآن الكريم فقال: هو تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف.
قال تعالى:{ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)} المزمل.
وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها نعتت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم قراءة مفسرة حرفا حرفا. رواه أبو داود.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران" متفق عليه.
11- التدبّر:(1/48)
قال السيوطي: صفة التدبر أن يشغل القارئ قلبه بالتفكر في معنى ما يتلفظ به فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهي، ويعتقد قبول ذلك، فإن كان قصر عنه فيما مضى من عمره اعتذر واستغفر، وإذا مر بآية عذاب أشفق وتعوّذ، أو تنزيه نزّه وعظّم، أو دعاء تضرع وطلب.
وقال الحسن البصري: إن من كان قبلكم ـ يعني الصحابة ـ رأوا أن هذا القرآن رسائل إليهم من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها في النهار.
وقال علي رضي الله عنه: لا خير في عبادة لا فقه فيها، ولا في قراءة لا تدبر فيها.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لأن أقرأ إذا زلزلت والقارعة أتدبرهما، أحب إليّ من أقرأ البقرة وآل عمران تهذيرا.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: من أراد علم الأولين والآخرين، فليتدبر القرآن.
وقد بات الكثير من السلف يتلو أحدهم آية واحدة ليلة كاملة، يرددها ليتدبر ما فيها، وكلما أعادها انكشف له من معانيها، وظهر له من أنوارها، وفاض عليه من علومها وبركاتها.
قال الأحنف بن قيس: عرضت نفسي على القرآن، فلم أجد نفسي بشيء أشبه مني بهذه الآية{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } التوبة 102.
قال تعالى:{ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (29)} ص.
وقال عز وجل:{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} محمد.
وقال سبحانه:{ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106)} الإسراء.
وقال عز من قائل:{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (17)}.(1/49)
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوّذ" رواه النسائي وأبو داود.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا ليلة فقام بآية يرددها وهي{إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} المائدة.
12- خشوع القلب، وإطراق الرأس، وسكون الجوارح، واستحضار عظمة منزلة القرآن، والبكاء من خشية الله تعالى، فإن لم يبك فليستجلب البكاء وليحاول ذلك عندما يكون خاليا فإنه أبعد من الرياء.. قال الحسن: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمر بالآية من ورده بالليل فيبكي حتى يسقط، ويبقى في البيت حتى يعاد للمرض..
قال تعالى:{ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} الحشر 21.
وقال عز وجل:{ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ} المائدة 83.
وقال سبحانه:{ وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109)} الإسراء.
وقال سبحانه:{ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً (58)} مريم.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه لما قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن مسعود: فالتفتّ فإذا عينا رسول الله تذرفان. رواه الشيخان.
وعن سعد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنّوا به فمن لم يتغنّ بالقرآن فليس منا" رواه ابن ماجه.(1/50)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت " أفمن هذا الحديث تعجبون، وتضحكون ولا تبكون" بكى أصحاب الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم. رواه البيهقي.
13- العمل بالقرآن، إئتمارا بأمره، وانتهاء عن نواهيه، وتنفيذا لوصاياه، ووقوفا عند حدوده.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: لقد عشنا برهة من الدهر وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة فيتعلم حلالها وحرامها، وأوامرها وزواجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها، ولقد رأينا رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب الى خاتمته لا يدري ما آمره وما زاجره، وما ينبغي أن يقف عنده، ينثره نثر الدّقل ـ أي رديء التمر ويابسه ـ.
قال تعالى:{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} البقرة 121.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا أبا ذر، لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير من أن تصلي مائة ركعة" رواه ابن ماجه.
وعن عبدالله بن عمرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اقرأ القرآن ما نهاك، فإن لن ينهك فلست تقرؤه" رواه الطبراني.
وعن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ما آمن بالقرآن من استحلّ محارمه" رواه الترمذي.
14- قراءة القرآن مع النظر في المصحف، لتجتمع له عبادتا القراءة والنظر، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: أديموا النظر في المصحف.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أعطوا أعينكم حظها من العبادة". قالوا: وما حظها من العبادة؟ قال:" النظر في المصحف، والتفكر فيه، والاعتبار عند عجائبه" رواه البيهقي.(1/51)
15- الإصغاء والإستماع والإنصات عند تلاوة القرآن، لأن ذلك أدنى للفهم والتأمل بما في آيات الله من وعد ووعيد، وتبشير وتهديد، وحكمة وموعظة، وأمر ونهي، وأقرب لإحراز رحمة الله تعالى:
قال تعالى:{ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)} الأعراف.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من استمع الى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلا آية من كتاب الله كانت له نورا يوم القيامة" رواه أحمد.
16- تجنب كل ما يخل بالخشوع مع جلال القرآن أثناء التلاوة أو السماع، كالضحك والتثاؤب والعبث بالثياب أو الأعضاء، وفرقعة الأصابع، والتحدث الى الآخرين دون حاجة.. إلخ ويمسك عن القراءة إذا غلبه التثاؤب لأنه في حضرة الخطاب الإلهي، والتثاؤب من الشيطان.
قال مجاهد: إذا تثاءبت وأنت تقرأ القرآن فأمسك عن القراءة إجلالا للقرآن حتى يذهب تثاؤبك.
17- العمل على حفظ القرآن الكريم واستظهاره، وإن من أعظم النعم الإلهية أن جعل الله تعالى قلوب عباده المؤمنين أوعية لكلامه، وصدورهم خزائن لآياته، يتلونها آناء الليل وأطراف النهار.
وقال العلماء إن حفظ ما تجوز به الصلاة فرض عين على كل مكلف، وحفظ فاتحة الكتاب وسورة واجب، وحفظ سائر القرآن فرض كفاية، وسنة عين أفضل من سنة النفل.
قال تعالى:{ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} العنكبوت 49.
وعن عليّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من قرأ القرآن فاستظهره، فأحلّ حلاله، وحرّم حرامه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار" رواه الترمذي.
وعنه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب" رواه الترمذي.(1/52)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل" رواه البيهقي والطبراني.
18- التأدب بآداب الحفظة إذا منّ الله عليه بحفظ كتابه، وإلا سلبت منه هذه الفضيلة العظمى، قال الفضيل بن عياض: حامل القرآن حامل راية الإسلام فلا ينبغي مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو، تعظيما لحق القرآن.
وقال ابن مسعود: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون هينا لينا، ولا ينبغي له أن يكون جافيا ولا مماريا ولا صياحا ولا صخابا.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يوحى إليه، ولا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من وجد، ولا يجهل مع من جهل وفي جوفه كلام الله تعالى. رواه الحاكم.
19- إن مما يعين على حفظ القرآن الكريم الابتداء بحفظه منذ الصغر، وتفريغ الذهن له باغتنام الأوقات المباركة في الأسحار، وترتيله والتغني به في صلاة الليل، وسماعه من أفواه المقرئين المجيدين ومحاولة تقليد أحدهم، وتدبر المعنى ومعرفة أسباب النزول، وتجزيء القرآن الى أرباع أحزاب ووضع برنامج محدد للحفظ، والمحافظة على الورد اليومي مهما كانت الأعذار، والتزام معلم للقرآن يسمع منه ما حفظه كل يوم، والتكرار الكثير وعدم الملل أو اليأس إذا صعبت عليه بعض الآيات، والحفظ في مصحف معين والالتزام به ويفضل مصحف الحفاظ، وسؤال الله تعالى بالصدق والعزم أن يكرمه بحفظظ كتابه، والتقوى وتطهير النفس والقلب مما سوى الله.(1/53)
عن عبيدة المليكي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يا أهل القرآن لا تتوسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وأفشوه وتغنوا به، وتدبروا ما فيه لعلكم تفلحون، ولا تعجلوا ثوابه فإن له ثوابا" رواه البيهقي والطبراني وأبو نعيم.
20 - الحرص على الحفظ من النسيان، بالتلاوة المستمرة، والتكرار اليومي للمحفوظات من القرآن الكريم، واجتناب الذنوب والمحرمات، لأن القرآن لا يستقر في القلوب الغافلة.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" عرضت عليّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها" رواه الترمذي وأبو داود.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعلقة إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت" متفق عليه.
21-إجابة بعض الآيات عند سماعها أو تلاوتها ببعض الأكار أو الكلمات الواردة ومنها بعد { يا أيها الذين آمنوا..}
يقول: لبيك ربي وسعديك
بعد الفاتحة يقول: آمين
بعد البقرة يقول: آمين
بعد كل آية { فبأي آلاء ربكما تكذبان} من سورة الرحمن يقول:
ولا بشيء من نعمك نكذب فلك الحمد.
بعد القيامة يقول: بلى هو قادر.
بعد الملك يقول: الله رب العالمين.
بعد المرسلات يقول: آمنت بالله.
بعد { سبّح اسم ربك الأعلى} يسبّح ثلاثا.
بعد { فألهمهما فجورها وتقواها} يقول: اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها.
بعد التين يقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين.
بعد إن الله وملائكته يصلون على النبي.. الآية} يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.
بعد آية سجدة يسجد إن كان متوضأ، وإلا قال ( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) ثلاثا.(1/54)
وبعد آية تنزيه: يسبح، وبعد آية دعاء يدعو وينيب، وبعد آية استغفار يستغفر ويتوب..
22-الدعاء بعد كل تلاوة بما يتناسب والآيات التي تلاها، ويتأكد الدعاء بعد ختم القرآن الكريم فهو مظنة الاستجابة، قال مجاهد: كانوا يجتمعون عند ختم القرآن ويقولون: تنزل الرحمة.
عن أنس رضي الله عنه أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا. رواه أبو داود.
وعنه رضي الله عنه مرفوعا: من قرأ القرآن وحمد الرب وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم واستغفر ربه فقد طلب الخير مكانه. رواه البيهقي.
23- يسن إذا فرغ من الختمة أن يشرع في ختمة جديدة مباشرة ليكون متواصل القراءة دون فترة أو مهلة أو تقاعس بعد الختمة..
قال صلى الله عليه وسلم:" أحب الأعمال الى الله قال الحال المرتحل الذي يضرب من أول القرآن الى آخره كلما ارتحل" رواه الترمذي.
وعن ابن عباس، وأبيّ بن كعب رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ { قل أعوذ برب الناس} فتح من الحمد، ثم قرأ من البقرة { وأولئك هم المفلحون} ثم دعا بدعاء الختمة ثم قام" رواه الدارمي.
فضائل بعض سور القرآن الكريم
1- سورة الفاتحة: عن رافع بن المعلى رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟" فأخذ بيدي، فلما أردنا أن نخرج قلت يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن؟ قال:" الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" رواه البخاري.
وتسمى سورة الفاتحة بسورة ( أم الكتاب، وسورة الصلاة، وسورة المناجاة، وسورة الكافية، وسورة الشافية)..(1/55)
2- سورة البقرة وآل عمران: عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما من طير صواف تحاجان عن صاحبهما، اقرؤوا البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة" رواه مسلم.
الغياية: هي ما أظلك من فوقك، البطلة: أي السحرة، فهي حصن منهم.
هذا ومن الآيات الفضيلة في سورة البقرة آية الكرسي أعظم آية في القرآن، وخواتيم هذه السورة. ومن الآيات الفضيلة في سورة آل عمران أولها، وآية ( شهد الله)، وآية (قل اللهم) وآيات ( إن في خلق).
3- سورة الكهف: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين" رواه الترمذي.
4- سورة يس: عن أنس رضي الله عنه أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال:" إن لكل شيء قلبا، وقلب القرآن يس" رواه الترمذي.
وعن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله تعالى غفر له" رواه مالك وابن حبان.
5- سورة الواقعة: عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا" رواه البيهقي.
6- سورة تبارك: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسام:" من قرأ سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي { تبارك الذي بيده الملك}. رواه أصحاب السنة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" هي المانعة، هي المنجية، تنجيه من عذاب القبر يعني تبارك" رواه الترمذي.(1/56)
7- سورة الإخلاص: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في:{ قل هو الله أحد}: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن" رواه البخاري.
وعن أنس رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله إني أحب هذه السورة:{ قل هو الله أحد} قال:" إن حبها أدخلك الجنة" رواه الترمذي.
8- المعوذتان: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ألم تر آيات انزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط؟ {قل أعوذ برب الفلق، و قل أعوذ بر الناس}" رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتعوذ من الجان، وعين الإنسان، حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما" رواه الترمذي.
وينبغي لمن لا يطيق حفظ القرآن الكريم كاملا، أن يحاول حفظ بعض السور الفضيلة وقراءتها في الصلوات، وعند الصباح والمساء ومنها: الكهف ويس والدخان والرحمن والواقعة والملك وجزء عم.
-7-
آداب ذكر الله تعالى
ذكر الله تعالى هو روح جميع العبادات، وهو المقصود من كل الطاعات والقربات، وهو أفضل من جميع الأعمال الصالحات، وهو منتهى حياة المؤمن ونورها وغايتها وخلاصتها في الدنيا والآخرة. قال تعالى:{ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} العنكبوت 45. وقال سبحانه { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} طه 14، وقال:{ وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} البقرة 203.
روي عن معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا سأله أي المجاهدين أعظم أجرا؟ قال:" أكثرهم لله تعالى ذكرا". قال: فأي الصالحين أعظم أجرا؟ قال:" أكثرهم لله تعالى ذكرا". ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" أكثرهم لله تعالى ذكرا". فقال أبو بكر لعمر: يا أبا حفص ذهب الذاكرون بكل خير فقال صلى الله عليه وسلم:" أجل". رواه أحمد والطبراني.(1/57)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟" قالوا بلى، قال:" ذكر الله تعالى" رواه الترمذي عن أبي الدرداء. وقال:" أحب الأعمال الى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله" رواه ابن حبان والطبراني عن معاذ.
ولكل عبادة من العبادات وقت معيبن وشروط محددة، ولكن ذكر الله تعالى لا يحدده مكان، ولا يحدده زمان، ولكنه مطلوب على جميع الأحوال، وفي كل الأوقات، قال تعالى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} آل عمران 191. (وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الله على كل أحيانه) رواه مسلم عن عائشة. وقد أوحى الله لموسى يا موسى أتحب أن أسكن معك بيتك؟ فخر لله ساجدا ثم قال: يا رب وكيف ذلك؟ فقال يا موسى: ( أما علمت أني جليس من ذكرني وحيثما التمسني عبدي وجدني).
ولم يطلب الله سبحانه من عبادة الإكثار من شيء، إلا ذكر الله فقال:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42)} الأحزاب. وقال:{ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ (45)} الأنفال، وقال:{ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35)} الأحزاب.وقال صلى الله عليه وسلم:" سبق المفردون"، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال:" الذاكرون الله كثيرا والذاكرات" رواه مسلم عن أبي هريرة.(1/58)
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله تعالى فيها. بل إنه جعل إحدى علامات المنافقين أنهم يذكرون الله تعالى ولكنه الذكر القليل الذي لا يثمر محبة، ولا يورث خشية، ولا يحدث تقوى ولا إيمانا قال تعالى:{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142)} النساء.
وإذا كان الإيمان شجرة باسقة جذورها العقيدة الصحيحة باله، وفروعها العمل الصالح النافع، وثمارها الأخلاق الكريمة الطيبة، فإن ماءها الذي تسقى به والذي فيه استمرار حياتها إنما هو ذكر الله تعالى قال عليه الصلاة والسلام:" مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت" رواه البخاري. وقال:" والذي نفسي بيده إن القرآن والذكر ينبتان الإيمان في القلب كما ينبت الماء العشب" رواه الديلمي.
ومن بين شرائع الإسلام الحقة انتقى منها معلمها الأول أنفعها وأكثرها ضرورة للتمسك به، والثبات عليه، ( فقد جاء رجل اليه وقال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، فأخبرني بشيء أتشبث به؟ قال:" لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله" رواه الترمذي). كيف لا وذاكر الله تعالى جليس ربه الذي يفيض عليه من علمه وحكمته ومراقبته بحسب صلته به وقوة توجهه إليه، قال تعالى:{ فاذكروني أذكركم}البقرة 151. وقال في الحديث القدسي ( أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه) رواه البيهقي وابن حبان عن أبي هريرة. وقال عليه الصلاة والسلام: " إن ذكر الله شفاء، وإن ذكر الناس داء" رواه البيهي، وقال أحد الصالحين: إني أعلم متى يذكرني ربي سبحانه، ففزعوا منه وقالوا: وكيف تعلم ذلك؟ فقال: إذا ذكرته ذكرني.(1/59)
وذكر الله تعالى هو العاصم من الوقوع في الخطايا، وهو الوازع للنفس يكفها عن غفلتها وميلها الى الباطل، واتباعها للهوى، قال تعالى:{ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)} الكهف. وقال عليه الصلاة والسلام:" من أصبح وأمسى ولسانه رطب من ذكر الله يمسي ويصبح وليس عليه خطيئة" رواه الأصبهاني عن أنس.
وذكر الله تعالى هو العمل المرتجى للنجاة من عذاب الله تعالى، إذ أن أشد العذاب الذي يصيب الإنسان إنما يأتيه بسبب الغفلة عن الله، وما وقع من وقع، ولا زل من زل، ولا أذنب من أذنب إلا بسبب غفلته عن الله تعالى قال الله عز وجل:{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)} الزخرف، وقال تعالى:{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126)} طه. وقال صلى الله عليه وسلم:" ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله"، قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال:" ولا الجهاد في سبيل الله إلا ان تضرب بسيفك حتى ينقطع، ثم تضرب به حتى ينقطع، ثم تضرب به حتى ينقطع" رواه مسلم.(1/60)
ومجالس الذكر التي يجتمع عليها الذاكرون، فتلتقي أرواحهم في بوتقة واحدة، ويستمد ضعيفها من قويها، وتستمد جميعها من مصدر الخير والكمال والفضل والعطاء، والنور والهدى والإيمان، هي رياض الجنة، ومجالس الرضوان قال تعالى:{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} الكهف 28، وقال صلى الله عليه وسلم:" لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده" رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فيما يرويه عن ربه: يقول الله تعالى يوم القيامة: سيعلم أهل الجمع اليوم من أهل الكرم؟ قيل: من أهل الكرم يا رسول الله؟ قال:" أهل مجالس الذكر في المساجد" رواه أبو يعلى وأحمد.
وأي شرف أعظم لهذا الإنسان الضعيف، من قول الملك العظيم، الكريم الحلي حين يخاطبه في الحديث القدسي فيقول: ( إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه، وإذا تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، وإذا تقرّب مني ذراعا تقربت منه باعا، وإذا مشى إلي هرولت إليه) متفق عليه عن أبي هريرة، ويقول: ( يا ابن آدم إذا ذكرتني شكرتني وإذا نسيتني كفرتني) رواه الطبراني والديلمي عن أبي هريرة.
ويقول: ( من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) رواه البخاري والبزار والبيهقي عن ابن عمر.
وإذا كان الذكر هو الصلة الروحية بين العبد وربه، فلا بد للوصول بها الى مرتبة القبول، ولتؤتي ثمارها على الوجه الأفضل، من آداب يلتزمها الذاكر بين يدي خالقه ومولاه نذكر منها:
1- الوضوء قبل الذكر، قال سيدنا عمر رضي الله عنه ( إن الوضوء الصالح يطرد عنك الشيطان).
2- الجلوس باتجاه القبلة ساكنا خاشعا، استعدادا لمناجاة الله تعالى.(1/61)
3- إرادة وجه الله تعالى بذكره، وامتثال أمره وطاعته، وابتغاء مرضاته، دون الالتفاف الى شيء من حظوظ النفس، أو مراءاة الناس، أو مراقبة الآخرين.
قال تعالى:{ قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ}آل عمران29.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال:" ما أجلسكم؟" قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام. قال:" وما أجلسكم إلا ذاك؟" قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذاك. قال:" أما إني لم أستحلفكم بتهمة لكم، ولكن أتاني جبريل فأخبرني ان الله عز وجل يباهي بكم الملائكة" رواه مسلم.
4- الابتداء بتطهير النفس بالاستغفار والتوبة الى الله من كل الذنوب والخطايا والغفلات.
قال تعالى:{ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)} آل عمران.
وعن الأغرّ المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة" رواه مسلم.
5- يفضل إغماض العينين، لئلا يشتغل بشيء من متاع الدنيا، ولصرف القلب والفكر الى تدبر معاني الذكر، ومراقبة الله سبحانه وتعالى.
6- إختيار الأوقات المناسبة لذكر الله تعالى، والتي يكون فيها المرء خاليا من الشواغل، ونفسه مستعدة لتلقي النور والفيض الإلهي، وقلبه مشتاق لمناجاة الله تعالى، كأوقات السحر، والأصيل، وعقب الصلوات المكتوبة، وفي الليالي المباركة، والأيام الفضيلة..
قال تعالى:{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25)} الإنسان.
وقال سبحانه:{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26)} الإنسان.(1/62)
وقال سبحانه:{ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17)} آل عمران.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه:" ابن آدم اذكرني بعد الفجر وبعد العصر ساعة أكفك ما بينهما" رواه مسلم وأبو نعيم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم يصلي ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة" رواه الترمذي وأحمد.
وعن عمرو بن عنبسة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله تعالى في تلك الساعة فكن" رواه الترمذي وأبو داود.
7- استحضار عظمة الله وجلاله، وأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، بحسب حالة الذكر والفتح الذي يفتح عليه فيه، والتفكير في كل لفظ يذكره، ومراقبة القلب يردده مع اللسان، حتى يصل الى الهيبة والتضرع والعبودية الحقة، ولا يفرغ حتى يشعر بطمأنينة القلب بذكر الله تعالى.
قال أحد العارفين: لا اعتداد بذكر اللسان ما لم يكن ذلك من ذكر في القلب، وذكره تعالى يكون لعظمته فيتولد منه الهيبة والإجلال، وتارة لقدرته فيتولد منه الخوف والخشية، وتارة لنعمته فيتولد منه الحب والشكر، وتارة لأفضاله الباهرة فيتولد منه التفكير والاعتبار، فحق للمؤمن أن لا ينفك أبدا عن ذكره على أحد هذه الأوجه.
قال تعالى:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الأنفال 2.
وقال تعالى:{ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (205)} الأعراف.(1/63)
وقال تعالى:{ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} الرعد.
وعن العباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا اقشعرّ جلد العبد من خشية الله تحاتّت عنه خطاياه كما يتحاتّت عن الشجرة البالية ورقها" رواه الطبراني.
8- يستحب البكاء مصاحبا لذكر الله تعالى، ويساعد عليه التوجه الكلي الى الله عز وجل حتى يمتلئ القلب من خشية الله، أو ذكر تقصيره في جنب الله وما مضى من عمره وهو في الغافلين.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" عينان لا تمسهما النار أبدا، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" رواه أبو يعلى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله ـ وذكر منهم ـ ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" متفق عليه.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ليس شيء أحب الى الله تعالى من قطرتين وأثرين، قطرة دموع من خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله، وأما الأثران: فأثر في سبيل الله تعالى، وأثر في فريضة من فرائض الله تعالى" رواه الترمذي.
9- أفضل الذكر ما كان خفيا في القلب، وسريّا في أعمالق النفس، وذلك بملاحظة القلب بذكر اسم الله تعالى مع كل نبضة من نبضاته، وملاحظة نور الله تعالى يتدفق إليه مع كل قطرة تفد إليه.
قال الجنيد من الأعمال ما لا يطلع عليه الحفظة، وهو ذكر الله بالقلب وما طويت عليه الضمائر من الهيبة والتعظيم واعتقاد الخوف وإجلال أوامره ونواهيه.(1/64)
وقال الشيخ محيي الدين بن العربي: واشتغل بذكر الله بأي نوع شئت من الأذكار وأعلاها ـ قدرا ورتبة ونتيجة ـ الاسم الأعظم وهو قولك: الله. الله. الله لا تزيد شيئا، ولكن ذكرك الاسم الجامع الذي هو الله الله الله، وتحفّظ أن يفوه به لسانك وليكن قلبك هو القائل، ولتكن الأذن مصغية لهذا الذكر..
وقال النووي: الذكر يكون بالقلب ويكون باللسان، والأفضل ما كان بالقلب والسان جميعا، فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل.
وقال الغزالي: اعتكفت أذكر الله تعالى بهذا الاسم: الله، الله، حتى انكشفت لي العوالم فرأيت ما أبوح به وما لا يمكن أن أبوح به.
قال تعالى:{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8)} المزمّل.
وقال تعالى:{ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ} الأعراف 205.
وقال سبحانه:{ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} الكهف 28.
وقال سبحانه:{ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)} الأنعام.
وعن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" خير الذكر الخفيّ، وخير الرزق ما يكفي" رواه البيهقي وابن حبّان.
وعن ضمرة بن حبيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" اذكروا الله ذكرا خاملا". قيل وما الذكر الخامل؟ قال:" الذكر الخفيّ" رواه ابن المبارك.
وقال أحدهم:
بقلب فاذكر الله خفيّا
... ... ... عن الخلق بلا حرف وقال
وهذا الذكر أفضل كل ذكر
... ... ... بهذا قد جرى قول الرجال
10- مطالبة النفس بثمرات الذكر بعد الفراغ منه، وذلك بالمحافظة على الطاعات، ومجانبة اللهو واللغو والإثم والمحرمات، والاستقامة في الأقوال والأفعال والمعاملات.
قال الحسن رضي الله عنه: الكر ذكران: ذكر الله تعالى بين نفسك وبين الله عز وجل ما أحسنه وما أعظم أجره، وأفضل من ذلك ذكر الله سبحانه عند ما حرم الله عز وجل.(1/65)
وقال أحد العارفين: المؤمن يذكر الله تعالى بكله، لأنه يذكر الله بقلبه فتسكن جميع جوارحه الى ذكره فا يبقى منه عضو إلا وهو ذاكر في المعنى، فاذا امتدت يده الى شيء ذكر الله فكف يده عما نهى الله عنه، وإذا سعت قدمه الى شيء ذكر الله فغض بصره عن محارم الله، وكذلك سمعه ولسانه وجوارحه مصونة بمراقبة الله تعالى، ومراعاة أمر الله، والحياء من نظر الله، فهذا هو الذكر الكثير الذي أشار الله إليه بقوله سبحانه:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42)} الأحزاب.
وقال سبحانه:{ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)} العنكبوت.
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله قال فيما يرويه عن ربه سبحانه:" من ذكرني حين يغضب، ذكرته حين أغضب، ولا أمحقه فيمن أمحق" رواه الديلمي.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أحبّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان" رواه أبو داود.
11- اختتام الذكر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبالدعاء.
12- يستحب الاجتماع على الذكر، لما فيه من حث الهمم على الطاعة، وتقوية الضعيف وإعانته على نفسه، والتقاء القلوب وتغذية ذاكرها لغافلها، وإشاعة جو الألفة والمحبة في الله، واكتساب بركة الجماعة، وإظهار لشعائر الله وأركان الدين.
قال تعالى:{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} المائدة 2.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه:" أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم" رواه البيهقي.(1/66)
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ليبعثنّ الله أقواما يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء".
قال: فجاءنا أعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله حلّهم لنا لنعرفهم، قال:" هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد يجتمعون على ذكر الله ويذكرونه" رواه الطبراني.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما قعد قوم مقعدا لم يذكروا الله ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فيه إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة" رواه الترمذي.
بعض الأذكار المسنونة
1- أستغفر الله: قال تعالى:{ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً (11)} نوح.
وقال تعالى:{ كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} الذاريات.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه الله من حيث لا يحتسب" رواه أبو داود.
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثا وقال:" اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام" رواه مسلم.(1/67)
2- لا اله إلا الله: قال تعالى:{ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} محمد. وعن عمير بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" رواه الترمذي.
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من قال لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل" متفق عليه.
3- التسبيح والتحميد والتكبير: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان الى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" متفق عليه.
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن أقول:" سبحان الله، والحمد لله ولا اله إلا الله، أحب اليّ مما طلعت عليه والشمس" رواه مسلم.
وعنه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبّر الله ثلاثا وثلاثين، وقال تمام المائة: لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" رواه مسلم.
4- لا حول ولا قوة إلا بالله: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟" فقلت بللى يا رسول الله. قال:" قل لا حول ولا قوة إلا بالله" متفق عليه.(1/68)
5- الصلاة على رسول الله: قال تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56)} الأحزاب.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه عشرا" رواه مسلم.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة" رواه النسائي وابن حبان والترمذي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي" رواه الترمذي.
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة" رواه البخاري وأحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما من أحد يسلم عليّ إلا ردّ الله عليّ روحي حتى أرد له السلام" رواه أبو داود.
-8-
آداب الدعاء
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الدعاء مخ العباة" رواه الترمذي، ويطلق المخ على الخالص من الشيء، ذلك أن كل عابد لله سبحانه ربما سما قلبه، وغفل لبه، إلا الذي يدعو ربه فإنه حاضر معه، متضرع بين يديه، خاشع له ظاهره وباطنه، وهذه غاية العبودية لله تعالى، وهي أشرف أحوال الإنسان، وأفضلها، وأسعدها..
ولقد جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه، فسكت عنه، فأنزل الله تعالى:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} البقرة.(1/69)
وقد بشّر سبحانه وتعالى عباده بسعة فضله، وعظيم جوده وكرمه، باستجابة لدعائهم، وسماعه لطللبهم، فقال:{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} غافر.
بل حذر سبحانه عباه من نسيان الدعاء، وترك التضرع، والإعراض عن الالتجاء الى الله، فقال:{ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً (77)} الفرقان.
وإذا كان الخلاف في الدعاء وهل يرد القضاء، أو يغير في قوانين الله ونواميسه شيئا، فإنه مما لا خلاف فيه أنه التجاء الضعيف الى القوي، ورجاء الفقير من الغني، وتضرع من لا يملك من الأمر سببا الى مفتح الأبواب ومسبب الأسباب. قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لن ينفع حذر من قدر، ولكن الدعاء ينفع مما نزل وما لم ينزل، فعليكم بالدعاء عباد الله" رواه أحمد والطبراني. وقال عليه الصلاة والسلام:" الدعاء يردّ البلاء". رواه أبو الشيخ عن أبي هريرة.
وامتثال أمر الله تعالى وأمر رسوله بالدعاء، والمسارعة الى ما يحبه الله سبحانه، ومما يحبه من عباده التوسل اليه والضراعة بين يديه، أفضل من الجدال العقيم، في فائدة الدعاء، وجدوى الرجاء، وهل ترد من قضاء الله شيئا، قال عليه الصلاة والسلام:" ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء" رواه الترمذي عن أبي هريرة.
والقرآن الكريم، والأحاديث النبوية، ملأى بنماذج من الدعاء، ورقائق من الاتجاء، وفرائد من مناجاة الأنبياء، وصلتهم مع ربهم، تلك الصلة التي لا تنقطع ما دام يربطها حبل الدعاء والنداء.
فهذا آدم عليه السلام يقع في الخطيئة فلا يجد موئلا ولا ملجأ إلا في هذا الدعاء الحزين:{ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} الأعراف.(1/70)
وهذا نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، حتى إذا يئس من هدايتهم، نادى ربه {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} الأعراف.
وهذا سيدنا إبراهيم يناجي ربه بهذا الدعاء المؤثر النابع من أعماق القلب المتصل بالله العارف به:{ رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} الشعراء.(1/71)
ولنتدبر هذا المقطع القرآني الرقيق يحدثنا عن أكرم رسله وهم يلوذون بخالقهم، ويلتجئون إليه:{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} الأنبياء.
وهكذا كان شأن خاتم النبيين وسيد المرسلين، فقد أتحفتنا كتب السيرة والحديث الشريفة، بباقة عطرة، من دعائه صلى الله عليه وسلم، وفيها ما تهتز له القلوب، وتتزكى به النفوس، وتفيض له العيون، وتخشع عنده الجوارح، وتلتقي بخالقها الأرواح على بساط العبودية الصحيحة.(1/72)
والله سبحانه أكرم الأكرمين، لا يخيّب راجيه، ولا يرد سائله، ولا يحرم من فضله بره وكرمه داعيه، قال سبحانه:{ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} النمل 62. وقال صلى الله عليه وسلم:" إن الله حيّ كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبين" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم عن سلمان رضي لله عنه.
وقال أحدهم:
لا تسألن بنّي آدم حاجة
... ... ... وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله
... ... ... وبنيّ آدم حين يسأل يغضب
وقد أرشد صلى الله عليه وسلم الى كيفية الدعاء وأحواله وأوقاته وآدابه في جملة تعاليمه الكريمة نختار منها هذه النفحات:
1- الإخلاص لله تعالى، والوضء، واستقبال القبلة، والجثو على الركب، والتوبة الى الله. والاستغفار ورد المظالم الى أهلها.
قال تعالى:{ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ (52)} هود.
عن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" اجثو على الركب، ثم قولوا: يا رب يارب" رواه أبو عوانة والبغوي.
2- رفع اليدين حذو المنكبين، وبسطهما مكشوفتان الى السماء، بسط التذلل والتمسكن والاستجداء، ثم مسح الوجه بهما بعد انتهاء الدعاء.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" سلوا الله ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم" رواه أبو داود والبيهقي.
وعن أنس رضي الله عنه قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه في الدعاء. رواه مسلم.
وعن عمر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه" رواه الترمذي.(1/73)
3- حضور القلب مع الله، وتحسين الظن والرجاء به سبحانه، والخضوع بين يديه، والتيقن من استجابته وكرمه وأنه سميع قريب مجيب..
قال تعالى:{ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)} الأعراف.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه:" أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي الظن الحسن" رواه مسلم والحاكم.
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب من قلب غافل لاه" رواه الترمذي والحاكم.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدّخر له، وإما أن يكف عنه من السوء بمثلها" قالوا: إذن نكثر. قال:" الله أكبر". رواه ابن عبدالبر.
4- لزوم الدعاء والإكثارمنه، والاتجاء الى الله في كل الأمور، كبيرها وصغيرها، جليلها ودقيقها.. لأن الدعاء هو غاية الاستعانة بالله، ومطلق العبودية لله، وإظهار الفاقة الى الله..
قال تعالى حكاية عن عباده الصالحين:{ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)} الطور.
وقال سبحانه:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} فاطر.
وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السموات والأرض". رواه أبو يعلى والحاكم.
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها، حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع" رواه الترمذي.
5- خفض الصوت بالدعاء، وغضّ البصر وعدم رفعه الى السماء.(1/74)
قال تعالى:{ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً (3)} مريم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت في قوله تعالى:{ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} أي بدعائك. متفق عليه.
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبرا أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر لا اله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا أيها الناس، إربعوا على أنفسكم ـ أي أرفقوا بها ـ فإنكم لا تعدون أصم ولا غائبا، وإنكم تدعون سميعا بصيرا قريبا وهو معكم" متفق عليه.
6- الإلحاح في الدعاء، وتكراره ثلاثا.
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله تعالى إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا سأل سأل ثلاثا" رواه البيهقي.
7- الجزم بالدعاء، والثقة بالله، والعلم بأنه سبحانه يجيب الدعاء مهما كان عظيما أو صعبا، فهو القادر أن يجعل من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل شدة ظفرا ونصرا.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يقل أحدكم إذا دعا اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإنه لا مكره له" متفق عليه.
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء" رواه ابن حبان.
8- عدم التكلف في الدعاء، وترك السجع فيه، وتعلم المأثور منه في الكتاب والسنة.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك" رواه أبو داود.(1/75)
9- افتتاح الدعاء بحمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله، والصلاة والسلام على نبيه صلى الله عليه وسلم واختتام الدعاء بمثل ذلك. قال أبو سليمان الداراني: من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأله حاجته ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما.
عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد الله تعالى. ولم يصلّ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" عجل هذا" ثم دعاه فقال له ـ أو لغيره ـ إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه سبحانه والثناء عليه، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليدع بما شاء. رواه الترمذي وأبو داود.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تجعلوني كقدح الراكب يجعل ماءه في قدحه فإن احتاج اليه شربه وإلا صبه، إجعلوني في أول الدعاء، وفي وسط الدعاء، وفي آخر الدعاء" رواه ابن النجار.
وعن علي رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الدعاء محجوب عن الله حتى يصلي على محمد وأهل بيته" رواه أبو الشيخ.
10- التأمين على دعاء النفس وعلى دعاء الغير.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا دعا أحدهم فليؤمن على دعاء نفسه" رواه ابن عدي.
وعن حبيب بن سلمة الفهري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم، ويؤمن بعضهم إلا أجابهم الله تعالى" رواه الطبراني.
11- تجنب الاعتداء في الدعاء، والحذر من الدعاء على النفس أو الأهل أو الولد أو أحد المخلوقات.
قال تعالى:{ وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً (11)} الإٌسراء.(1/76)
وقال عز وجل:{ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ} يونس 11، ( وهو دعاء الرجال على نفسه وماله وأهله بما يكره أن يستجاب).
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافق من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجاب لكم" رواه أبو داود.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تدعو على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمّنون على ما تقولون" رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
12- بجنب استبطاء الإجابة، واليأس والقنوط من قضاء حاجته، ثم استصغار شأن الدعاء، وعدم الاهتمام به، ثم تركه بعد ذلك.
عن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن جبريل موكل بحوائج بني آدم". فإذا دعا العبد الكافر قال الله تعالى: يا جبريل اقض حاجته فإني لا أحب أن أسمع دعاءه، وإذا دعا العبد المؤمن قال: يا جبريل احبس حاجته فإني أحب أن أسمع دعاءه" رواه ابن النجار.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يزال الدعاء يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل"، قيل: يا رسول الله وما الاستعجال؟ قال:" يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء" رواه مسلم.
13- ترصّد الأوقات المباركة والأزمان الكريمة، واغتنام المواسم والحالات الشريفة والأمكنة الطاهرة المقدسة، للتضرّع والدعاء، كأوقات السحر، والجمع، ورمضان، وعشر ذي الحجة، ويوم عرفة، وبعد الصلوات، وعند الإفطار، وفي السجود.. وحالات رقة القلب وإقباله على الله تعالى: وفي المسجد الحرام والمسجد النبوي وبيوت الله..
قال تعالى:{ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} الذاريات.(1/77)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ينزل الله تعالى كل ليلة الى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول عز وجل: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" متفق عليه.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" نفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف في سبيل الله، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلاة، وعند رؤية الكعبة" رواه الطبراني.
وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من كانت له الى الله حاجة فليدع بها دبر كل صلاة مفروضة" رواه ابن عساكر.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء" رواه مسلم.
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعد حين" رواه الترمذي.
14- الإكثار من الدعاء والتوسل الى الله تبارك وتعالى في أوقات اليسر والرخاء، ليستجيب الله تعالى له في أوقات العسر والشدة والضراء.
قال تعالى:{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} الأنبياء.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" من سرّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فليكثر الدعاء في الرخاء" رواه الترمذي والحاكم.
15- تجنّب الحرام في المطعم أو الملبس أو المسكن أو المشرب، فإن الله سبحانه وتعالى طيب ولا يقبل إلا طيبا.(1/78)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال:{ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم}. وقال الله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه الى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأتى يستجاب لذلك" رواه مسلم والترمذي.
16- سؤال الله تعالى ودعاؤه بأسمائه الحسنى، والثناء عليه وتمجيده بصفاته العليا.
قال تعالى:{ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} الأعراف 180.
وقال سبحانه:{ قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} الإسراء 110.
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ألظّوا ـ أي ألحوا ـ بيا ذا الجلال والإكرام" رواه الترمذي.
وعن مسلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح دعاؤه بسبحان ربي العلي الأعلى الوهاب" رواه الحاكم وأحمد.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله ملكا موكلا بمن يقول: يا أرحم الراحمين. فمن قالها ثلاثا قال الملك: إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك" رواه الحاكم.
17- الإكثار من الدعاء لأهله وأرحامه وإخوانه وجيرانه وأصدقائه ولمن أوصاه بالدعاء لينال مثل ما دعا به دعوة من الملك.
قال تعالى حكاية عن سيدنا موسى:{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)} الأعراف.(1/79)
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" دعاء المرء المسلم مستجاب لأخيه بظهر الغيب، عند رأسه ملك موكل به كلما دعا لأخيه بخير" قال الملك آمين ولك مثل ذلك" رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.
مختارات من أدعية القرآن الكريم
1- سورة الفاتحة.
2-{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)} البقرة.
3-{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)} البقرة.
4-{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8)} آل عمران.
5-{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192) رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)} آل عمران.
6-{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء (40)} إبراهيم.
7-{رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً (80)} الإسراء.(1/80)
8-{رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً (10)} الكهف.
9-{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)} طه.
10-{رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً (114)} طه.
11-{لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} الأنبياء.
12-{رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ (98))}الأنبياء.
13-{رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)} المؤمنون.
14-{رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (66)} الفرقان.
15-{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74)} الفرقان.
16-{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)} النمل.
17-{قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)} الزمر.
18-{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (10)} الحشر.
19-{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} نوح 28.
20- المعوذتان.
مختارات من الأدعية النبوية الشريفة
1- اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. مسلم عن ابن مسعود.(1/81)
2- اللهم مصرف القلوب، صرف قلوبنا على طاعتك. مسلم عن عبدالله بن عمرو.
3- اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء. الشيخان عن أبي هرير.
4- اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر. مسلم عن أبي هرير.
5- اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك، وجميع سخطك. مسلم عن ابن عمر.
6- اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والبخل والهرم، وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها. مسلم عن زيد بن أرقم.
7- اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأعمال، والأهواء. الترمذي عن قطبة بن مالك.
8- اللهم إني أسأل موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار. الترمذي عن ابن مسعود.
9- اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب اليّ من نفسي، وأهلي ومن الماء البارد. الترمذي عن أبي الدرداء.
10- اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا. الترمذي عن ابن عمر.
11- اللهم اجعلني شكورا، واجعلني صبورا، واجعلني في عيني صغيرا وفي أعين الناس كبيرا. البزار عن بريدة.
12- اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهوّن علينا مصيبات الدنيا، ومنعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا.البزار عن بريدة.(1/82)
13- اللهم أغنني بالعلم، وزيني بالحلم، وأكرمني بالتقوى، وجملني بالعافية. الترمذي عن ابن عمر.
14- اللهم طهر قلبي من النفاق، وعملي من الرياء، ولساني من الكذب، وعيني من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. ابن النجار عن ابن عمر.
15- اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما اعلنت، وما أنت اعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير. الشيخان عن ابن موسى.
-9-
آداب الجمعة
يوم الجمعة يوم عظيم عند الله تعالى، أفرد في القرآن الكريم سورة سميت "سورة الجمعة" بنيت أحكام صلاة الجمعة كأهم ما في هذا اليوم المبارك، وتوالت الأحاديث النبوية الشريفة تشرح قدر الجمعة، ووظائف المسلم فيه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:" سيد الأيام عند الله يوم الجمعة، أعظم من يوم النحر والفطر، وفيه خمسة خصال: فيه خلق آدم، وفيه أهبط من الجنة الى الأرض، وفيه توفي، وفيه ساعة لا يسأل العبد الله شيئا إلا أعطاه، ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم، وفيه تقوم الساعة، وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرضولا ريح ولا جبل ولا حجر إلا وهو مشفق من يوم الجمعة". رواه البخاري.
وقد خصّ الله المسلمين بهذا اليوم وجعله عيدهم الأسبوعي، وفرض فيه صلاة الجمعة، وخطبتها وأمر المسلمين بالسعي إليها جمعا لقلوبهم، وتوحيدا لكلمتهم، وتعليما لحاهلهم، وتنبيها لغافلهم، وردا لشاردهم، بعد أسبوع كامل من العمل والإكتساب، كما حرّم فيه الاشتغال بأمور الدنيا، وبكل صارف عن التوجه إلى صلاة الجمعة عند الدعوة إليها.
فإذا سلمت الجمعة كانت كفارة لما سبقها خلال أيام الأسبوع، قال صلى الله عليه وسلم:" الصلوات الخمس، والجمعة الى الجمعة، ورمضان الى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر". رواه مسلم عن أبي هريرة.(1/83)
وقد ورد الوعيد الشديد على ترك الجمعة، قال عليه الصلاة والسلام " من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر طبع الله على قلبه" رواه أحمد وأصحاب السنن، وفي رواية " فقد نبذ الإسلام وراء ظهره" رواه البيهقي في الشعب عن ابن عباس. وقال:" لينتهن أقواما عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين" رواه مسلم عن ابن عمر وأبي هريرة.
وقد أتى على بعض الناس زمن، غفلوا عن واجباتهم الإسلامية، ومنها حقوق يوم الجمعة، فحسبوه يوم الراحة الاسبوعية، ويوم العطلة بعد العمل ينطلقون فيه الى الملاعب والمنتزهات، وبأيديهم أدوات اللهو واللغو واللعب والغفلات، وصنوف الأطعمة والأشربة والملذات، في يوم قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم" أتاني جبريل عليه السلام في كفه مرآة بيضاء وقال: هذه الجمعة يفرضها عليك ربك لتكون لك عيدا، ولأمتك من بعدك. قلت: فما لنا فيها؟ قال: لكم فيها خير ساعة من دعا فيها بخير قسم له، أعطاه الله سبحانه إياه، أو ليس له قسم ذخر له ما هو أعظم منه، أو تعوذ من شر مكتوب عليه إلا أعاذه الله عز وجل من أعظم منه، وهو سيد الأيام عندنا ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد، قلت: ولم؟ قال: إن ربك عز وجل اتخذ في الجنة واديا أفيح من المسك الأبيض، فإذا كان يوم الجمعة نزل الله تعالى من عليين على كرسيه فيتجلى لهم حتى ينظروا الى وجهه الكريم". رواه الشافعي في المسند، الطبراني في الأوسط، وابن مردويه في تفسيره، عن أنس.
ولقد أخبرنا سبحانه أنه حرم العمل على اليهود يوم السبت، وأمرهم بالتفرغ لعبادته، فعملوا الحيل، استهزاء بأمر الله تعالى واعتداء على حدوده، فغضب عليهم ولعنهم وجعل منهم القردة والخنازير.(1/84)
قال تعالى:{ واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)} الأعراف.
وقال صلى الله عليه وسلم:" إن اهل الكتاب أعطوا يوم الجمعة فاختلفوا فيه فصرفوا عنه، وهدانا الله إليه وأخره لهذه الأمة وجعله عيدا لهم فهم أولى الناس به سبقا، وأهل الكتابين لهم تبع". متفق عليه عن أبي هريرة.
وقد جاء رجل الى ابن عباس يسأله عن رجل مات لم يكن يشهد جمعة ولا جماعة، فقال: في النار. فلم يزل يتردد إليه شهرا يسأله عن ذلك وهو يقول في النار.
وهذه باقة من الآداب الإسلامية والتي هي بعض من حقوق هذا اليوم الكريم:
1- الاستعداد للجمعة من يوم الخميس، بغسل ثيابه وإعداد طيبه، وتفريغ قلبه من الوساغل الدنيوية، والاشتغال بالتوبة والاستغفار، والذكر والتسبيح من عشية يوم الخميس، والعزم على التكبير الى المسجد، ويستحسن قيام ما تيسر من ليلة الجمعة بالصلاة وقراءة القرآن.
قال بعض السلف: أوفى الناس نصيبا من الجمعة من انتظرها ورعاها من الأمس.
2- الابتداء بالغتسال بعد صلاة فجر يوم الجمعة مع الجماعة، ويمتد وقت الغسل حتى النداء.(1/85)
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم" متفق عليه. المراد بالمحتلم: البالغ.
وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من توضأ يوم الجمعة، فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل" رواه أبو داود والترمذي.
وعن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من غسل واغتسل، وبكر وابتكر، ودنا من الإمام واستمع، كان ذلك له كفارة لما بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام" رواه الحاكم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل" متفق عليه.
3- النظافة العامة بحلق الشعر وقص الأظافر والسواك، والتطيب ولبس أحسن الثياب.
عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما إستطاع من طهر، ويدّهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين إثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى" رواه البخاري.
4- التبكير الى الصلاة، ساعيا إليها بالسكينة والوقار، والتواضع والخشوع، ناويا إجابة أمر الله سبحانه والمسارعة الى مغفرته ورضوانه، وليغتنم ثواب الصف الأول، ولا يكونن مع دينه أقل همة من أصحاب الدنيا إذ يبكرون الى أسواقهم.
قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله، وذروا البيع، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} الجمعة 9.(1/86)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يحضرون الذكر". متفق عليه.
5- الدخول إلى المسجد مراعيا آدابه، مجتنبا تخطي رقاب الناس، أو المرور بين أيديهم، إلا أن يرى فرجة فيأوي إليها، ويجلس حيث ينتهي الصف، ولا يفرق بين إثنين ليجلس بينهما، ويتقرب الى الخطيب ما أمكنه ليستمع إليه.
عن عبدالله بن بسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يخطب يوم الجمعة إذا رأى رجلا يتخطى رقاب الناس حتى قدم فجلس، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال له:" ما منعك أن تصلي معنا؟ فال: أولم ترني؟ قال: رأيتك آنيت وآذيت. رواه أبو داود والنسائي.
6- الاستماع والإنصات للخطبة، والانتباه واليقظة لما فيها من العلم والحكمة، وتفريغ القلب من الشواغل لما يرد من الموعظة والذكرى، والعزم على العمل بما سمع من أحكام الدين الحنيف. ولا يتكلم حتى مع من يريد أن ينبهه الى وجوب الإنصات وإنما يشير له ليكف عن كلامه، ولا يجيب مسلما، ولا يشمّت عاطسا..
قال تعالى:{ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)} الجمعة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قال لصاحبه والإمام يخطب أنصت فقد لغا، ومن لغا لا جمعة له" رواه الترمذي والنسائي.(1/87)
7- تجنب العبث باليدين أو بالسجاد أو بالسبحة أثناء الخطبة فهو من اللغو، وتجنب التغافل عن الخطبة والانشغال بغيرها أو النوم خلالها فإنه يذهب ثوابها.
8- يكره الاحتباء إثناء الخطبة لأنه يجلب النوم ويفوت استماع الخطبة ومدعاة لانتقاض الوضوء.
عن معاذ لن أنس الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب. رواه أبو داود والترمذي.
9- صلاة أربع ركعات قبل الصلاة وأربع ركعات بعدها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا صلى أحدكم الجمعة، فليصلّ بعدها أربعا" رواه مسلم.
10- الإكثار يوم الجمعة من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي" رواه أبو داود.
11- حضور مجالس العلم في الغداة أو بعد العصر، ويجمع بحضوره مجلس العلم بكرة بين خيرين، وفضيلتين هما التبكير والتفقه في الدين، قال أنس رضي الله عنه: في تفسير قوله تعالى:{ فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله}، إما إنه ليس بطلب دنيا، لكن عيادة مريض، وشهود جنازة، وتعلم علم، وزيارة أخ في الله.
12- الإكثار من قراءة القرآن وخصوصا سورة الكهف، وقد تقدم فضيلة قراءتها يوم الجمعة.
13- الإكثار من ذكر الله تعالى، وعموم العبادات الأخرى كالصلوات والصدقات والدعوة الى الله، وجعل يوم الجمعة عملا يدخره في رصيده لحساب يوم الحساب.
قال تعالى:{ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} الجمعة.(1/88)
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن لربكم في أيا دهرت نفحات، ألا فتعرضوا لها" رواه الحكيم والطبراني.
14- ترقب الساعة المباركة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها لا ترد فيها دعوة، وذلك بالإنشغال يوم الجمعة بأصناف القربات، والتزود من التقوى والنوافل والأذكار والدعوات.. قال بعض العلماء: هذه الساعة مبهمة مثل ليلة القدر، في ساعات يوم الجمعة، تتوفر الدواعي لمراقبتها.
عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن في الجمعة ساعة لا يسأل اله العبد فيها شيئا إلا أتاه الله إياه". قالوا: يا رسول الله أي ساعة هي؟ قال:" هي حيت تقام الصلاة الى الانصراف منها" رواه الترمذي وابن ماجه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال:" فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يقللها" متفق عليه.
15- يكره السفر يوم الجمعة إن استطاع تأجيله إلا لمضطر، حتى تقضي صلاة الجمعة.
عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من سافر يوم الجمعة دعا عليه ملكاه" رواه الدارقطني.
16- يكره إفراض يوم الجمعة بصوم الفضل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده" متفق عليه.
-10-
آداب العيدين
سمي العيد بهذا الإسم لعوده بالخير والغبطة والسرور على أهله بعد قيامهم بواجب دورب يتكرر كل مدة من الزمن، أو احتافات بذكرى غالية على نفوسهم، أو حصولهم على غاية عزيزة على قلوبهم.(1/89)
وللمسلمين عيدان أساسيان هما: عيد الفطر وعيد الأضحى، الأول بعد أداء فريضة الصوم في شهر رمضان ويكون يوم الفطر الأول من شوال يوم فرح وسعادة وحبور للصائمين إذ وفقهم الله لطاعته، ومنحهم شهادة التقوى بما قدموه من صيام وقيام، ومخالفة لشهوات النفس وحظوظها وأهوائها، وقد قال عليه الصلاة والسلام:" للصائم فرحتان: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه" متفق عليه.
والثاني بعد أدء فريضة الحج، ويكون يوم النحر اليوم العاشر من ذي الحجة يوم احتفال وبهجة وسرور للحجاج بما أنعم الله عليهم من أداء النسك، وتلبية أمر الله، وإكرام الله لهم بالمغفرة والرضوان، وفتح صفحة نقية من صفحات العمر، ولكافة المسلمين فرحا بما يسر الله تعالى لحجاج بيته من أداء فريضتهم، وتذكرا لعهد التضحية والفداء بالروح والنفس والمال والولد طاعة لله وامتثالا لأمره، والذي كان بطله أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام:{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)} الصابرين.
ولقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم هذين العيدين لأمته كما روي أنه قدم للمدينة ولأهلها يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذا اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال عليه الصلاة والسلام:" إن الله قد أبدلكما بهما خيرا منهما عيد الفطر وعيد الأضحى" أبو داود عن أنس.
والعيد يوم شكر لله على ما أنعم من فضله، وما وفق من طاعته، ويوم راحة نفسية بعد أداء الفريضة، ويوم مكافأة إلهية كريمة ليعرف المسلم قدر ما قدم، وقيمة ما عمل، وتشجيعا له على كتابعة أمر الله، والسير على منهجه حتى يلقى يوم عيده الأكبر بلقاء وجه ربه الكريم..(1/90)
ولقد أباح الإسلام أيام العيد إظهار الفرح، والأخذ من الطيبات، والراحة والاستجمام من عناء العمل، وشيئا من اللهو المباح الذي يكون كإعادة شحن لقوى النفس، ومحطة لمواصلة الطريق على صراط الله المستقيم.
وللعيد آداب إسلامية على المسلم أن لا يتجاوزها، وأعرافا عليه ألا يتعداها، فيطلق للنفس العنان لتستبيح ما حرم الله، ولتفسد أياما قضاها في الطاعة والعبادة من أجل شهوة رخيصة، وهوى متبع. قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)} محمد. وجاء في الأثر:" من عصاني يوم العيد، فكأنما عصاني يوم الوعيد".
ومن هذه الآداب نذكر ما يلي:
آداب عيد الفطر:
1- قيام ليلة العيد بأنواع العبادات والقربات، من ذكر لله وصلاة وتسبيح وقراءة للقرآن..
عن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من أحيا الليالي الأربع وجبت له الجنة: ليلة التروية، وليلة عرفة، وليلة النحر، وليلة الفطر" رواه ابن عساكر.
وعن عبادة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت يوم تموت القلوب" رواه الطبراني.
2- الاغتسال والسواك والتطيب والتزين ولبس أحسن الثياب وأجملها.
3- الإكثارمن التكبير عند الفجر.
قال تعالى:{ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} البقرة.
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" زينوا العيدين بالتهليل والتكبير والتحميد والتقديس" رواه أبو نعيم في الحلية.
4- إخراج زكاة الفطر قبل الصلاة، وينبغي التكبير في إخراجها احتياطا، ويجوز أول رمضان.(1/91)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرّفث وطعمة للمساكين، فمن أدّاها قبل الصلاة زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم.
5- الإكثار من الصدقات والمبرات، وجبر خواطر الفقراء واليتامى والأرامل والمساكين.
6- إظهار البشاشة والفرح والسرور، الفرح بطاعة الله، والبشاشة في وجوه المؤمنين.
7- التبكير في التوجه الى صلاة العيد في المسجد، ويستحب الذهاب اليه ماشيا من طريق، والعودة اليه ماشيا من طريق آخر ليشهد له الطريقان ومن فيهما من ملائكة الله التي تملأ الطرقات في هذا اليوم الكريم.
قال علي رضي الله عنه: من السنة أن تخرج الى العيد ماشيا.
8- تناول شيئا من الطعام قبل الذهاب الى صلاة الفطر ويستحب أن يكون حلوا كالتمر.
عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وترا" رواه البخاري.
9- شهود صلاة عيد الفطر، ويستحب تأخيرها لأجل إخراج صدقة الفطر لمن لم يخرجها، وحضور خطبة العيد والإستماع الى توجيهاتها ووصاياها.
10- السلام على الأهل والإخوة والأصدقاء والجيران والمعارف وجميع المسلمين بعد الصلاة، قائلا: تقبل الله طاعتكم، وكل عام وأنتم بخير.
11- زيارة الأرحام، والعلماء، والأصدقاء بحسب آداب الزيارة.
12- زيادة الطاعات، والإكثار من أعمال البر والخير، وتجنب المعاصي والذنوب، والملاهي المحرمة، التي تقسي القلب وتصد عن ذكر الله وتلهي عن الصلاة.
قال الله تعالى:{ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} الحج.
آداب عيد الأضحى:
أداب عيد الأضحى هي نفس آداب عيد الفطر إلا في الملاحظات التالية:
1- التكبير بعد الصلوات الخمس من فجر يوم عرفة وحتى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق.(1/92)
قال تعالى:{ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} الحج 28.
وقال:{ وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} البقرة 203.
2- تعجيل صلاة عيد الأضحى من أجل ذبح الأضاحي كما ورد في الحديث. عن أبي الحويرث مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الى عمرو بن حزم وهو بنجران أن عجل الأضحى وأخر الفطر. أخرجه الشافعي.
3- عدم تناول الطعام قبل أداء صلاة الأضحى.
عن أنس رضي الله عنه قال:" كان رسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يأكل يوم الأضحى حتى يصلي". رواه الترمذي.
4- الأضحية للمستطيع، ويرجع في شروطها الى كتب الفقه. ويسن أن لا يحلق صاحبها ولا يأخذ من اظفاره من بداية ذي الحجة حتى يذبح.
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان له ذبح فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذنّ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحّى" رواه مسلم.
5- توزيع الأضحية ثلث لنفسه وعياله، وثلث لأرحامه وأقاربه وأصدقائه، وثلث للفقراء والمساكين.
قال تعالى:{ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)} الكوثر.
وعن البراء رضي الله عنه قال:" خرج النبي صلى الله عليه وسلم الى البيقع فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه وقال: إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر" رواه البخاري.
وعن نبيشة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أيام التشريق أيام أكل وشرب، وذكر لله تعالى" رواه مسلم وأحمد.
? صيغة التكبير: الله أكبر الله أكبر لا اله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
? المعدودات: أيام التشريق.
? المعلومات: عشر ذي الحجة مع يوم النحر.
انتهى الجزء الثاني والحمد لله
الى الجزء الثالث بإذن الله.(1/93)
الآداب الإسلامية
للناشئة
الجزء الثالث
شبكة مجاهد مسلم
www.geocities.com/moujahedmouslem
www.islammi.jeeran.com
إعداد محمد خير فاطمة
دار الخير
مقدمة الجزء الثالث
هذا هو الجزء الثالث من هذا الكتاب، وهو الحلقة الأخيرة من هذه المختارات التي تبحث في موضوع الآداب الإسلامية الكريمة.
وفيه إستكمال لآداب بعض العبادات الأساسية كالصوم والحج والزكاة.
وآداب المعاملات العامة كالعمل والكسب، والآداب الإجتماعية اليومية كالصلة والصحبة والسلام والإستئذان والمجالس والنزهات.
والله أسأل أن ينفع به كاتبه وقارئه وأن يجعله لبنة في بناء شخصية المسلم الحقيقي الذي يبحث عن العلم والحكمة طوال حياته لا ليزداد علما فحسب بل ليحول العلم الى حقيقة مشاهدة وعمل ملموس، وسلوك محسوس..
إنه خير مسؤول
وهو حسبي ونعم الوكيل
-1-
آداب الصيام
الصيام ركن من أركان الإسلام، وهو عبادة قديمة قدم الرسالات السماوية، لما فيه من فوائد روحية ونفسية وصحية، ولما فيه من خير عميم، وفصل كريم، على الفرد والمجتمع.. وقد كتب الله سبحانه الصيام على الأمم السابقة، ثم بلغ به مرتبة الكمال بفرضه على الأمم المحمدية سالكا بهم درجة الإرتقاء في منازل الإيمان والتقوى..
قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} البقرة.(1/1)
وقد ارتبطت فرضية الصيام بزمن معين وهو شهر رمضان المبارك، وأبرز ما في شهر رمضان من أحداث خالدة تنزل القرآن الكريم، الدستور الإلهي الخالد، الهادي من الضلال، والعاصم من الإنحراف، والمنجي من الزيغ، والنور التام في الظلمة، والسعادة الكاملة للبشرية في هذه الدنيا ويوم القيامة، وتنزل القرآن الكريم في القلوب الواعية، والأفهام الناضجة ونقله من الصحائف والسطور، الى العقول والصدور، ثم الى الى الامتثال والسلوك، يحتاج الى تدريب وتأهيل، والصيام وسيلة من وسائل هذا التدريب والتأهيل.
قال تعالى:{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} البقرة 185.
وكل العبادات المفروضة عبارة عن عمل معيّن، وله ثواب معين، إلا عبادة الصيام، فهي ليست بعمل وإنما هي ترك العمل، ولذلك فقد اقترن ثوابه بالعطاء الإلهي المباشر. قال صلى الله عليه وسلم:" قال الله عز وجل في الحديث القدسي :{ كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به}، والصيام جنة فإذا كان أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابّه أحد، أو قاتله فليقل إني صائم، إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، إذا لقي ربه فرح بصومه" متفق عليه من حديث أبي هريرة.
وإذا كان الصيام ترك لأعمال مباحة، وهي المفطرات، فالأولى ترك الأعمال المكروهة أو المحرمة كاللغو والرفث والهزل والكذب والغيبة والنميمة والفطر الى المحرمات وسماع المعازف والقينات وصرف الوقت في الملاهي والمنكرات.
قال صلى الله عليه وسلم:" من لم يدع قول الزور، والعمل به، فليس لله حاجة في أن يضع طعامه وشرابه" رواه البخاري عن أبي هريرة.(1/2)
والصيام رحلة روحية مباركة، ومدرسة صحية مثلى، تعين الجسم على التخلص من سمومه وفضلاته، وتعلمه الحمية الصححية، والتوازن الغذائي الأفضل الى جانب الفوائد الأخلاقية والروحية كالتعود على الصبر والاحتمال، ومخالفة النفس، وكسر الشهوة، واحترام النظام، والتزام الجماعة، والإحسان الى الفقراء، ومواساة المساكين، وتقدير النعمة، والتخلص من البطر، وصفاء القلب، وتطهير الروح، والانشغال بلذة العبادة، والتزود من ذكر الله تعالى والاعتكاف وتلاوة القرآن الكريم..
إنه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، دواء مزيد، وشفاء أكيد، ووصفة نبوية ليس لها نظير.
قال صلى الله عليه وسلم موصيا أبا أمامة:" عليك بالصيام فإنه لا مثيل له". رواه النسائي وابن حبان في صحيحه.
وهذه جملة من آداب الصيام:
1- إذا رأى المسلم هلال رمضان يدعو عند رؤيته بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال:" اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربّي وربك الله، هلال رشد وخير". رواه الترمذي وقال حديث حسن.
2- الاستعداد للصوم بتبيت النية.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى". متفق عليه.
والنية فرض وتكون ليلا لكل يوم من رمضان والنذر والقضاء والكفارة وأكملها أن ينوي صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة إيمانا واحتسابا لوجه الله الكريم.
3- ابتغاء وجه الله تعالى والإخلاص له في الصوم، وطلب مغفرته ورضوانه.
قال تعالى:{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء} البينة 5.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يصوم عبد في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفا" رواه الجماعة إلا أبا داود.(1/3)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه.
4- التقوي على الصوم بالقيام الى السحور.
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" تسحّروا فإن في السحور بركة" رواه البخاري ومسلم.
وعن المقدام بن معديكرب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" عليكم بهذا السحور، فإنه هو الغذاء المبارك" رواه النسائي بسند جيد.
وسبب البركة: أنه يقوي الصائم، وينشطه، ويهون عليه الصيام.
ويستحب تأخير السحور ليزود الصائم بالطاقة والحيوية والنشاط.
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: تسحّرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا الى الصلاة، قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: خمسين آية. رواه البخاري ومسلم.
5- اغتنام وقت السخر بالصلاة والذكر والدعاء وتلاوة القرآن. قال تعالى:{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً (79)} الإسراء.
6- تعجيل الإفطار عند التأكد من دخول الوقت، ليستعيد الجسم نشاطه تقويا على القيام.
عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطور". متفق عليه.
7- الدعاء عند الإفطار بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد" رواه ابن ماجه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند فطره:" اللهم إني لك صمت، وعلى رزقك أفطرت،ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله". رواه أبو داود والنسائي.
8- الإفطار على تمرات أو سائل حلو، أو على الماء عند فقدهما ولا يكثر من ذلك، ثم يصلي المغرب، ثم يعود الى تناول الطعام بعد الصلاة.(1/4)
عن سلمان بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء، فإن الماء طهور" رواه أحمد والترمذي.
وفي الحديث دليل على أنه يستحب الفطر قبل صلاة المغرب بهذه الكيفية، فإذا صلى تناول حاجته من الطعام بعد ذلك، إلا إذا كان الطعام موجودا، فإنه يبدأ به، قال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا قدّم العشاء فابدؤوا به قبل صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم" رواه البخاري ومسلم.
9- الاعتدال في الطعام والشراب، وتجنب البطنة والتخمة، والإقلال من أصناف الأطعمة ما أمكن، لئلا يضيع على نفسه فائدة الصوم الصحية.
10- السواك قبل الإفطار وبعده وأثناء الصيام.
قال الترمذي: لم ير الشافعي في السواك أول النهار وآخره بأسا. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتسوك وهو صائم.
11- الإستزادة من فعل الخيرات، وأداء العبادات، والإكثار من الإنفاق والمبرات، فهو في رمضان أكثر تأكيدا وأعظم أدرا.. وخاصة تلاوة القرآن ومدارسته.
عن إبن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخيرمن الروح المرسلة. رواه البخاري.
وقد روى سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:"من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدّى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه". رواه ابن خزيمة.
12- كف النفس عمّا يتنافى مع حقيقة الصيام من المحارم والآثام وإطلاق الجوارح في المعاصي والذنوب كالغيبة والنميمة والكذب والغش والفحش وسوء الخلق والاضرار بالناس والنظر الى المحرمات.(1/5)
قال بعض العلماء: كم من صائم مفطر، وكم من مفطر صائم، والمفطر الصائم هو الذي يحفظ جوارحه عن الآثام ويأكل ويشرب، والصائم المفطر هو الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه للمحرمات.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابّك أحد أو جهل عليك، فقل إني صائم إني صائم" رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ربّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وربّ قائم حظه من قيامه السهر" رواه الطبراني في الكبير.
وعن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أنّ امرأتين صامتا، وأن رجلا قال: يا رسول الله! إن ههنا امرأتين قد صامتا، وإنهما قد كادتا أن تموتا من العطش، فأعرض عنه أو سكت، ثم عاد وأراه، قال: بالهاجرة. قال: يا نبي الله إنهما والله قد ماتتا أو كادتا تموتا؟ قال: ادعهما. قال: فجاءتا. قال: فجيء بقدح أو عسّ، فقال لإحداهما: قيئي! فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما حتى ملأت نصف القدح، ثم قال للأخرى قيئي! فقاءت نت قيح ودم وصديد ولحم عبيط وغيره حتى ملأت القدح، ثم قال: إن هاتين صامتا عمّا أحلّ الله لهما، وأفطرتا على ما حرم الله عليهما، جلست إحداهما الى الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس" رواه أحمد.
13- تجنب المزاح والضحك وإضاعة الوقت.
مرّ الحسن البصري بقون وهم يضحكون فقال: إنّ الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يتسابقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون، أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ( أي كان سرور المقبول يشغله عن اللعب، وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك).(1/6)
14- دعوة الأرحام والجيران والمقربين لتناول طعام الإفطار استزادة في طلب الخير والرحمة والأجر من الله تعالى.
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من فطّر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء" رواه الترمذي والنسائي.
وروي عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من فطّر صائما على طعام وشراب من حلال صلت عليه الملائكة في ساعات شهر رمضان وصلى عليه جبرائيل في ليلة القدر" رواه الطبراني.
15- من الأدب أن لا يجاهر المسلم ـ المرخص له بالإفطار ـ في إفطاره إحتراما لشعور الصائمين ولكي لا يشجع المستهترين من المفطرين بالمجاهرة في إفطارهم بحجة أو بغير حجة.
16- الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان.
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا دخل العشر الأواخر أحيى الليل، وأيقظ أهله وشدّ المئزر" رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم:" كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره".
17- استحباب طلب ليلة القدر وقيامها فليلة القدر أفضل ليالي السنة لقوله تعالى:{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} القدر.
أي العمل فيها، من الصلاة والتلاوة، والذكر، خير من العمل في ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخاري ومسلم.(1/7)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت، أي ليلة القدر ما أقول فيها قال: قولي:" اللهم إنك عفوّ تحب العفو فاعف عني" رواه أحمد وابن ماجه.
18- الاعتكاف في رمضان خاصة في العشر الأخير.
روي عن علي بن حسين عن أبيه رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من اعتكف عشرا في رمضان كان كحجتين وعمرة" رواه البيهقي.
19- آداء زكاة الفطر وهي واجبة على كل فرد من المسلمين صغيرا وكبيرا، ذكرا وأنثى، وتصح من أول شهر رمضان فهي تجبر ما وقع أثناء الصيام من زلات وهفوات، وسبب لقبول الصيام ورفعه الى مرتبة الرضا، ويتذكر فيها الفقراء والمحتاجين من الأرحام والجيران والمقربين.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقة. رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم.
20- بلوغ أعلى درجات الصوم، بالتشبه بالملائكة الكرام، الذين لا يأكلون ولا يشربون، ولا يشتغلون إلا بعبادة ربهم وامتثال أوامره، والقربة من جنابه الكريم. قال بعض العلماء: للصوم ثلاث درجات: أولها، كف البطن والفرج عن المفطرات، وثانيها: كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام، وثالثها: صوم القلب عن الأخلاق الدنيئة والأفكار الدنيوية، وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية.
وبذلك يتحقق الحديث الشريف.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه:" كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به". رواه البخاري ومسلم.
خاتمة:(1/8)
قال الإمام الغزالي في هذا الموضوع فإذا صمت فانو بصومك كف النفس عن الشهوات، فإن الصوم فناء مراد النفس، وفيه صفاء القلب، وضمور الجوارح، والتنبه على الإحسان الى الفقراء، والالتجاء الى الله تعالى، والشكر على ما تفضل به من النعم، وتخفيف الحساب.. وقال ملخصا آداب الصيام:
آداب الصيام: طيب الغذاء، وترك المراد، ومجانبة الغيبة، ورفض الكذب، وترك الأذى، وصون الجوارح عن القبائح والآثام، وتمامه بستة أمور:
1- غض البصر عن المحرمات.
2- حفظ السان وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن.
3- كف السمع عن الإصغاء الى كل مكروه.
4- كف اليد والرجل والبطن عن المكاره والشبهات.
5- عدم الإكثارمن الطعام.
6- أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقا مضطربا بين الخوف والرجاء. إذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين.
-2-
آداب الزكاة والصدقات
الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة، وقد اقترنت بإقامة الصلاة في أكثر مواضعها التي ذكرت في القرآن الكريم.
قال تعالى:{ إن الذين آمنوا وعلموا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}. سورة البقرة 277.
ولئن كانت الصلاة هي العبادة الروحية التي تقام بأركان الجسد، فإن الزكاة عبادة روحية أيضا ولكنها تؤدى من حرّ الأموال.
وقد بيّن الفقهاء شرووطها ونصابها وتوزيعها بما يكفل كفاية الفقراء من أموال الأغنياء فيما لو قام الأغنياء بأدائها كاملة غير منقوصة.
ولئن حث الإسلام أتباعه على إقامة أركان الإسلام ومنها أداء الزكاة، فإنما يحثهم على العمل الشريف، والسعي الحلال الذي يجمعون منه الأموال ليتمكنوا من القيام بهذا الركن على أفضل الوجوه.. وبمعنى آخر فإن الإسلام يحث أتباعه على محاربة الفقر، والسعي نحو الغنى، ولكنه الغنى المصحوب بالإنفاق والعطاء والسخاء...(1/9)
وقد أمر الإسلام بالصدقة فضلا عن الزكاة، وحفز الهمم للإنفاق في وجوه البر والخير، وجعل الأسلوب في ذلك بعث كوامن النفس لتخلص من البخل، بمخاطبة الغني أنه إنما يقرض ربه من ماله، والله أغنى الأغنياء، وأكرم الأكرمين، فكيف سيرد له دينه، ويوفيه أجره.
قال تعالى:{ إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم}. التغابن 17.
وهدد من يبخل بهذا الأسلوب الالهي البيلغ المؤثر:{ ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عنه نفسه، والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} محمد 38.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مانع الزكاة يوم القيامة في النار". الطبراني.
وليس للإنسان من هذه الدنيا إلا أكلة أو لبسة يفنيها ويبليها ولا يبقى له إلا ما ادّخره عند ربه.
وقد ورد في الحديث:" يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من السفلى" مسلم عن أبي أمامة.
وهذه جملة من آداب الزكاة:
1- إخراج الزكاة خالصة لوجه الله واحتساب الصدقات عند الله وحده ورجاء ثوابه ومرضاته.
قال تعالى:{ وسيجنّبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكّى * وما لأحد عنده من نعمة تجزى* إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى* ولسوف يرضى} الليل 17-21.
2- العلم بأن الزكاة حق مفروض للفقير، والتيقن بأن المال مال الله، أتاه الله إياه، فهو مؤتمن عليه، ومستخلف فيه، فهو عبد لله ينفذ أوامر سيده فيما أعطاه، والله يجزيه الأجر الكبير على ذلك.
قال تعالى:{ وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} الحديد 7.
وقال سبحانه:{ وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} النور 33.(1/10)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يقول العبد مالي مالي وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو أعطى فاقتنى ما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس". رواه مسلم.
عن علي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلا بما يصنع أغنياؤهم، إلا وإنّ الله يحاسبهم حسابا شديدا، ويعذبهم عذابا أليما" رواه الطبراني.
3- العلم بأن إخراج الزكاة من المال طهرة للمسلم من البخل والشح وتزكية وتنقية المال من الحرام.
قال تعالى:{ ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون} الحشر9.
قال تعالى:{ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} التوبة 103.
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ما خالطت الصدقة مالا قط إلا أهلكته" رواه البخاري.
4- العلم بأن إخراج الزكاة لا ينقص المال بل يزيده.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل". رواه مسلم والترمذي.
عن عائشة رضي الله عنها: أنهم ذبحوا شاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها قال: بقي كلها غير كتفها" رواه الترمذي.
5- حساب الزكاة بدقة حسب النسب المخصصة لكل نوع منها، متبعا القواعد الفقهية الشرعية، ولا يصح تقدريها على وجه التقريب.
قال تعالى:{ والذين في أموالهم حق معلوم* للسائل والمحروم}. المعارج 24.
6- إخراج الزكاة عند حلول موعدها دون تسويف أو تأخير.
7- الإنفاق من أطيب ماله، وأنفسه عنده، وأحبه إليه ومن مال حلال لا شبهة فيه ولا معصية ولا حرام.
قال تعالى:{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} آل عمران 92.(1/11)
قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه..} البقرة 267.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من تصدق ببذل تمرة من كسب طيب،ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربّي أحدكم أحدكم فلوّه حتى تكون مثل الجبل". رواه الستة إلا أبو داود.
عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة رضي الله عنه أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحلها ويشرب من ماء فيها طيب.
قال أنس: فلما نزلت هذه الآية { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قام أبو طلحة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ إن الله تبارك وتعالى يقول:{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب أموالي بيرحاء، وإنها صدقة أرجو برّها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح" رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
وقد قال أنس رضي الله عنه: طوبى لعبد أنفق من مال اكتسبه من غير معصية.
8- الحرص على صدقة السر، فهي أبعد عن الرياء وأحصن لكرامة الفقير وصون كرامته.
قال تعالى:{ إن تبدو الصدقات فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم} البقرة 271.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم يقول:" سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. وعدّ منهم.. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" رواه البخاري ومسلم.
9- تجنب المنة على الفقير، أو تذكيره بجميله عليه أو تكليفه بأي عمل مقابل صدقته ولو كانت الدعاء له.(1/12)
قال تعالى:{ الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} البقرة 262.
قال تعالى:{ قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم} البقرة 263.
قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى} البقرة 264.
وقد ورد في الحديث:" لا يدخل الجنة خب ولا بخيل ولا منان" الترمذي عن أبي بكر.
10- تقديم الأقرباء والأرحام في الصدقة والإنفاق وإن كانوا بحاجة إليهما فالأقربون أولى بالمعروف.
قال تعالى:{ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله. إن الله بكل شيء عليم} الأنفال 75.
عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح". رواه الطبراني والحاكم.
والكاشح: هو الذي يضمر العداوة لقريبه الغني.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي القربى اثنتان، صلة، وصدقة" رواه أحمد والنسائي والترمذي.
قال السيوطي:" صدقة بعشرة على الفقير القوي وصدقة بسبعين على الأعمى والعاجز وصدقة بألف على الأرحام، وصدقة بمائة ألف على الوالدين، وصدقة بألف ألف على العلم والعالم".
11- البحث عن الفقراء الأخفياء والأتقياء، أصحاب العيال الصالحين المستورين المتعففين، فهم أولى الناس بالصدقة.
قال تعالى:{ للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا} البقرة 273.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي" رواه أحمد والنسائي وأبو داود.(1/13)
12- الإنفاق على الفقراء بوجه طلق مستبشر، وبنفس راضية متواضعة، وتجنب رؤية النفس أن لها فضلا على أحد، بل إن الفضل للفقير إن قبل منك صدقتك فقد خلصك من رذيلة الشح، وأخذ منك ما هو طهرة لك وقربة عند الله سبحانه وتعالى.
13- اغتنام الأوقات المباركة، والمناسبات والأعياد والجمعات لإدخال السرور على قلوب الفقراء، فما عبد الله سبحانه بأحب من جبر الخواطر وقضاء الحوائج.
عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أيما مسلم كسا مسلما على عري كساه الله من خضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلما على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلما على ظمأ سقاه الله عز وجل من الرحيق المختوم" رواه أبو داود.
14- الإنفاق مما يجد ولو كان قليلا، وتجنب استصغار الصدقة، فالقليل منها يدفع الشرّ الكثير ويثيب الله عليها بالكثير.
قال تعالى:{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} الزلزلة 7.
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" اتقوا النار ولو بشق تمرة" رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن العبد يتصدّق بالكسرة تربو عند الله عز وجل حتى تكون مثل أحد". رواه الطبراني.
15- الشكر والدعاء لمن أسدى إلينا معروفا ولمن أدّى حق الله في ماله.
قال تعالى:{ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم} يعني ادع لهم { إن صلاتك سكن لهم}. التوبة 103.
عن الأشعث بن قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يشكر الله من لا يشكر الناس" رواه أحمد.
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من صنع معه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء" رواه الترمذي.
قال الإمام الغزالي ملخصا آداب الصدقة:(1/14)
من آداب المتصدق أداء الصدقة قبل المسألة، وإخفاء الصدقة عند العطاء، وكتمانها بعد العطاء، والرفق بالسائل، ولا يبدؤه برد الجواب، ويمنع نفسه البخل، ويعطيه ما سأل أو يرده ردا جميلا، ويلزم التواضع ويترك الكبر ويداوم الشكر، ويبحث عن أعمال البر، ويحسن للفقير ويقبل عليه، ويرد سلامه، ويطيب كلامه، ويعجل بالصدقة، ويسر بها، ولا يمن على الفقير، ولا ينهره ويستصغر عطيته، وينتقي أجودها.
ثم قال: وحافظ في زكاتك وصدقتك على خمسة أمور:
1- الإسرار، وبذلك تتخلص من الرياء فإنه غالب على النفس.
2- أن تحذر من المن، وهو أن ترى نفسك محسنا الى الفقير متفضلا عليه وعلامته أن تتوقع منه شكرا، أو تستنكر تقصيره في حقك، فذلك يدل على أنك رأيت لنفسك عليه فضلا، وعلاجه أن تعرف أنه هو المحسن إليك بقبول حق الله منك، فإن من أسرار الزكاة تطهير القلب، وتزكيته عن رذيلة البخل وخبث الشح، وإذا أخذ الفقير منك ما هو طهرة لك فله الفضل عليك.
3- أن تخرجه من أطيب أموالك وأجودها، قال تعالى:{ ويجعلون لله ما يكرهون} وقال صلى الله عليه وسلم:" إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب" يعني الحلال.
4- أن تعطي بوجه طليق مستبشر، وأنت به فرح غير مستنكر.
5- أن تتخير لصدقتك محلا تزكو به الصدقة، وهو المتقي العالم الذي يستعين بها على طاعة الله تعالى وتقواه، أو الصالح المعيل ذو الرحم، فرعاية الصلاح أصل الأمر وما هذه الدنيا إلا بلغة للعباد وزاد لهم الى المعاد.
-3-
آداب الحج والزيارة
الحج آخر أركان الإسلام، وهو عبادة روحية وجسدية ومالية، وهو رحلة يتحمل فيها المسلم ترك الوطن والتعرض للمشاق وبذل المال، وترك العيال، انقطاعا الى الله، وهجرة الى رضاه وعملا على تكفير ذنوبه وفتح صفحة جديدة من صفحات البر والإيمان.(1/15)
إنها تلبية نداء لزيارة بيته المقدّس، حيث ذكريات بناء البيت، والتضحية والفداء ومواقف النبي صلى الله عليه وسلم والمكان الذي انبعث منه صوت الحق ونبع منه ينبوع الإيمان.
قال تعالى:{ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)} الحج.
في موسم الحج هذا انقطاع الى العبادة بأنواعها المختلفة وصرف أكثر الأوقات بين صلاة وذكر وقراءة للقرآن وتهليل وتكبير وتحميد وتمجيد ودعاء وابتهال فيصفو القلب ويطمئن الفؤاد وينشرح الصدر وتجلى الهموم وتغسل الأدران وتقبل التوبة ويستجاب الدعاء.
ومن جمال الحج النظر الى الكعبة المشرّفة بيت الله الحرام فإنه عبادة، ورؤيته في صلاته قبلته التي يستقبلها كل يوم. فيرى أول بيت وضع للناس للعبادة، ويتذكر أبانا إبراهيم وإبنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام وهما يرفعان القواعد من البيت، ويتذكر إنتشار الإسلام من مكة الى أقطار الأرض فهي أم القرى.
وفي عرفات درس وتمرين على الإخلاص الكامل لله وحده في العمل والابتهال إليه بالدعاء فإن الاجتماع هناك يذكر بالمحشر والعرض الأكبر على الله تعالى يوم القيامة فيسمع هناك لغات مختلفة يضرعون بها الى خالق الأرض والسموات وقلوبهم متجهة الى بارئها بإخلاص وحب وتضرع وبكاء...
انظروا لعبادي جاؤوني شعثا غبرا أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم فالحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوا، وسألوه فأعطاهم.(1/16)
في رحلة الحج تجرد عن الوطن والأهل والمال فهو تمرين على سهولة فراق ذلك كله عند الموت فلا يصعب عليه، وتدريب على الزهد في الدنيا وأن لا يأخذ منها إلا قدر زاد الراكب وينفق في سبيل الله بسخاوة ونفس وطمأنينة فؤاد.
وفي موسم الحج دورة تدريبية لترك الرفث والفسوق والجدال فلا معاصي في الحج ولا مخاصمات وبذلك يعتادون بعده ترك المفاسد.
في الحج يلتقي المسلمون من أقطار الأرض في هذه البقعة المباركة فيتعارفون ويتآلفون وفيه يحصل التعاون والتناصر بينهم فهو أعظم مؤتمر عالمي على وجه الأرض، وفي الحج يتم التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي وفيه تتحقق المساواة بشكل عملي وتطبيقي فلا فرق بين رئيس ومرؤوس ولا غني ولا فقير، ولا كبير ولا صغير ولا أبيض ولا أسود فهم سواسية كأسنان المشط ولا كبرياء ولا عظمة فهم متواضعون لبعضهم ويؤثرون بعضهم بعضا ويساعد بعضهم بعضا.
وفي أثناء أعمال الحج يقوم الحاج بزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم، زيارة أعظم إنسان في هذا الوجود فيقف المسلم مشدوها أمام هذه العظمة المتمثلة بهذا الرسول العظيم ويستعيد ذكرى سيرة هذا النبي وكيف بلّغ الأمانة وأدى الأمانة وما تحمل في ذلك، ويكاد لا يصدق المسلم نفسه بأنه يقف هذا الموقف، فتغمر روحه أنوار المصطفى وروحانيته وكأنه يناجي رسول الله ويحادثه وعينيه تهطل دموع الفرح والسرور والغبطة فإذا به ينطق " الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله" صلى الله عليه وسلم.
ثم يتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" من زار قبري وجبت له شفاعتي". أخرجه الدارقطني وأبو بكر والبزار.
وقوله صلى الله عليه وسلم:" من حج فزار قبري بعد وفاتي، فكأنما زارني في حياتي" أخرجه الدارقطني وسعيد بن محمود.
وقوله صلى الله عليه وسلم:" من زارني كنت له شفيعا أو شهيدا، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله عز وجل من الآمنين يوم القيامة". أخرجه أبو داود والطيالسي.(1/17)
وهذه جملة من آداب الحج والعمرة:
1- الاستعداد للحج بالتوبة الصادقة، والإقلاع عن الذنوب الظاهرة والباطنة ورد مظالم الناس، بالجسم والعرض والمال والتحلل منها، وطلب المسامحة من أهلها.
2- كتابة الوصية الواجبة على كل مسلم في كل وقت وهي في مثل حال السفر أشد وجوبا فلعله لا يرجع من سفره. وذلك بأن يكتب فيها حقوق الله التي لم يؤدها مثل الزكاة والصوم ونحوهما وحقوق الناس المالية وغيرها ويوصي ورثته بأدائها.
كما يوصي أهله بترك المعاصي والمحافظة على الصلاة وأوامر الله سبحانه والابتعادعن نواهيه.
3- الإنفاق من الكسب الحلال الطيب لإنفاذ رحلة الحج، وترك ما يلزم من نفقة لمن تلزمه نفقة خلال فترة غيابه.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى:{ وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}. رواه البخاري.
4- التعجيل بالحج متى قدر عليه حسب القواعد الشرعية وتجنب تأجيله تهاونا بها. أو تكاسلا عنه.
قال تعالى:{ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} آل عمران.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من أراد الحج فليتعجل". رواه أبو داود.
وزاد ابن ماجه: فإنه قد يمرض المرض، وتضل الراحلة، وتعرض الحاجة.
5- اختيار الصاحب الصالح، والرفيق الأمين، والدليل العالم بأحكام الحج، والمواقف والشعائر ذلك الصاحب الذي إن ذكر أعانه وإن نسي ذكره، والأفضل الذهاب مع العلماء العاملين فإذا منّ الله تعالى عليه بهذا الفضل فليتمسك به فإنه يعينه على مبارّ الحج ومكارم الأخلاق ويمنعه بعلمه وعمله من سوء ما يطرأ على المسافر من مساوئ الأخلاق والضجر ويعود بحجة مقبولة لا تنسى أبدا ( إن شاء الله تعالى).(1/18)
6- الرفق بالأصحاب، وتحسين الخلق لهم، ولين الجانب معهم، وبذل المراد لهم، والقيام على خدمتهم، والبشاشة والاستبشار عند رؤياهم، وترك اللغو والمماراة والجدال معهم، والإعراض والتغافل عن زلاتهم، وإيثارهم بالراحة والمال.
قال تعالى:{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} البقرة 197.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجرا وأحبهما الى الله عز وجل أرفقهما بصاحبه".
ويسن للمسافرين معا أن يؤمروا أحدهم فذلك أولى الى انتظام أمورهم وحسم خلافاتهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم" رواه أبو داود.
ويفضل لهم إذا باتوا في الخلاء أن يتناوبوا الحراسة.
7- تعلم مناسك الحج بشكل صحيح عند العلماء الأفاضل قبل السفر وحضور دورات تدريبية توضح مناسك الحج بشكل تدريبي عملي واصطحاب كتاب بذلك حتى يحج بعلم وثقة ويعود مطمئن البال بأنه أدى الفريضة كما يحب الله ورسوله.
8- صلاة ركعتين عندما يريد الخروج من منزله للسفر عن المقطّم ان المقدام الصحابي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ما خلف أحد عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما حين يريد سفرا" رواه الطبراني.
يقرأ في الأولى بعد الفاتحة:{ قل يا أيها الكافرون}. وفي الثانية:{ قل هو الله أحد}.
وقال بعضهم يقرأ في الأولى بعدا لفاتحة:{ قل أعوذ برب الفلق}، وفي الثانية:{ قل أعوذ برب الناس}. فإذا سلم قرأ آية الكرسي، فقد جاء أن من قرأ آية الكرسي قبل خروجه من منزله لم يصبه شيء يكرهه حتى يرجع، ويستحب أن يقرأ سورة { لإيلاف قريش} فقد قال الإمام أبو الحسن القزويني إنها أمان من كل سوء.(1/19)
ثم يدعو بحضور قلب وإخلاص ومن أحسن ما يقول: " اللهم بك أستعين وعليك أتوكل، اللهم ذلل لي صعوبة أمري، وسهل عليّ مشقة سفري، وارزقني من الخير أكثر مما أطلب، وأصرف عني كل شر، ربّ اشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، اللهم إني أستحفظك وأستودعك نفسي وديني وأهلي وأقاربي وكل ما أنعمت عليّ وعليهم به، من آخرة ودنيا، فاحفظنا أجمعين من كل سوء يا كريم".
ويفتتح دعاءه ويختمه بالتحميد لله تعالى، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا نهض من جلوسه فليقل ما رويناه عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد سفرا إلا قال حين ينهض من جلوسه: اللهم إليك توجّهت، وبك اعتصمت، اللهم اكفني ما همّني وما لا أهتم له، اللهمّ زوّدني التقوى، واغفر لي ذنبي، ووجّهني للخير أينما توجهت.
9- توديع أهله وجيرانه وأصداقئه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا أراد أحدكم سفرا فليودّع إخوانه، فإن الله تعالى جاعل في دعائهم خيرا".
والسنة أن يقول له من يودعه ما روي عن قزعة قال لي ابن عمر رضي الله عنهما: تعال أودعك كما ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك" رواه أبو داود.
ويقول له: زودك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسّر لك الخير حيث كنت".
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قال ( يعني إذا خرج من بيته) بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كفيت ووقيت وهديت وتنحّى عنه الشيطان" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم.
10- يقول عند خروجه من بيته ما صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا خرج من بيته" بسم الله توكلت الله على الله اللهم إني أعوذ بك أن أضلّ أو أضل، أو أزلّ أو أزلّ أو اظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل عليّ". رواه أبو داود.(1/20)
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا خرج من بيته:" بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله يقال له هديت ولقيت ووقيت".
ويستحب هذا الدعاء لكل خارج من بيته، ويستحب أن يتصدق بشيء عند خروجه وكذا بين يدي كل حاجة يريدها.
11- يسمي الله إذا بدأ المسافر بركوب مركبته ويدعو بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله علي وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا الى سفر كبّر ثلاثا ثم قال:" سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا الى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنّا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آيبون تائلون عابدون لربنا حامدون". رواه مسلم.
12- تجنب الشبع المفرط والزينة والترفه والتبسط في ألوان الأطعمة فإن الحاج أشعث أغبر، وينبغي أن يستعمل الرفق وحسن الخلق مع جميع الناس وتجنب المخاصمة والمخاشنة ومزاحمة الناس في الطريق وموارد الماء ما أمكنه ويصون لسانه من الشتم والغيبة واللعن وجميع الألفاظ القبيحة وليلاحظ قوله صلى الله عليه وسلم:" من حجّ فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وليرفق بالسائل له والضعيف ولا ينهر أحدا منهم ولا يوبخه على خروجه بلا زاد بل يواسيه بشيء مما تيسر فإن لم يفعل رده ردا جميلا ودعا له بالمعونة.
13- التكبير أثناء الصعود والتسبيح أثناء الهبوط ويندرج ذلك على الصعود والهبوط في المطبات الهوائية في الطائرات.
فعن جابر رضي الله عنه قال: كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبّحنا" رواه البخاري.(1/21)
كما يسن الدعاء أثناء السفر لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده" رواه أبو داود والترمذي.
14- يدعو بدعاء الرسول كلما أراد دخول قرية.
عن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قا لحين يراها اللهم رب السماوات السبع وما أظللن والأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها" رواه النسائي.
15- التأدب بآداب الإحرام وهي:
أ النظافة: وتتحقق بتقليم الأظافر، وقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، والوضوء، أو الاعتسال، وهو أفضل، وتسريح اللحية، وشعر الرأس.
قال ابن عمر رضي الله عنهما:" من السنة أن يغتسل إذا أراد الإحرام، وإذا أراد دخول مكة. رواه البزار.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن النفساء والحائض تغتسل وتحرم، وتقضي المناسك كلها، غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر" رواه أحمد.
ب التجرد: من الثياب المخيطة ولبس ثوبي الإحرام، وهما رداء يلف النصف الأعلى من البدن، دون الرأس، وإزار يلف به النصف الأسفل منه.
وينبغي أن يكونا أبيضين، فإن الأبيض أحب الثياب الى الله تعالى.
قال ابن عباس رضي الله عنهما:" انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجل، وادّهن، ولبس إزاره ورداءه، هو وأصحابه" رواه البخاري.
ج- التطيب في البدن والثوب، وإن بقي أثره عليه بعد الإحرام.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت:" كأني أنظر الى وبيض [ أي "بريق"] الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم". رواه البخاري ومسلم.(1/22)
وعن عائشة رضي الله عنها أيضا قالت: كنت أطيّب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت". رواه البخاري ومسلم.
د- صلاة ركعتين: ينوي بهما سنة الإحرام، يقرأ في الأولى منهما بعد الفاتحة سورة الكافرون وفي الثانية سورة الإخلاص.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين" رواه مسلم.
16- التأدب بآداب دخول مكة والبيت الحرام وهي:
أ الاغتسال.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يغتسل لدخول مكة.
ب أن يبادر الى البيت بعد أن يدع أمتعته في مكان أمين ويدخل من باب بني شيبة ـ باب السلام ـ ويقول في خشوع وضراعة:
" أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه الكريم من الشيطان الرجيم، بسم الله، اللهم صلّ على محمد وآله وسلم، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك".
ج- إذا وقع نظره على البيت، رفع يديه وقال:
" اللهم زد هذا البيت تشريفا، وتعظيما، وتكريما، ومهابة، وزد من شرّفه وكرّمه ممن حجه، او اعتمره، تشريفا وتكريما وتعظيما، وبرا" رواه الشافعي مرفوعا.
" اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحيّنا ربنا بالسلام" أخرجه سعيد بن منصور.
د- ثم يقصد الى الحجر الأسود، فيقبله بدون صوت. فإن لم يتمكن استلمه بيده وقبله. فإن عجز عن ذلك، أشار اليه بيده. ثم يقف بحذائه ويشرع في الطواف ولا يصلي تحية المسجد، فإن تحيته الطواف به، إلا إذا كانت الصلاة المكتوبة مقامة فيصليها مع الإمام.
لقوله صلى الله عليه وسلم:" إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".
وكذلك إذا خاف فوات الوقت، يبدأ به فيصليه.
هـ- أن يستحضر عند رؤية الكعبة ما أمكنه من الخشوع والتذلل والخضوع فهذه عادة الصالحين وعباد الله العارفين لأن رؤية البيت تذكر وتشوق الى رب البيت.
17- التأدب بآداب الطواف وسننه وهي:(1/23)
أ- استقبال الحجر الأسود، عند بدء الطواف مع التكبير والتهليل، ورفع اليدين: كرفعهما في الصلاة، واستلامه بهما بوضعهما عليه، وتقبيله بدون صوت، ووضع الخد عليه، إن أمكن ذلك، وإلا مسّع بيده وقبلها، أو مسه بشيء معه وقبله، أو أشار بيده وقبلها في المكان الذي يقف فيه مقابل الحجر على خط البدء بالطواف.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر واستلمه، ثم وضع شفتيه يبكي طويلا، فالتفت فإذا عمر يبكي طويلا، فقال:" يا عمر هنا تسكب العبرات" رواه الحاكم.
وعن ابن عباس: أن عمر أكب على الركن فقال: إني لأعلم أنك حجر، ولو لم أر حبيبي صلى الله عليه وسلم قبّلك واستلمك ما استلمتك ولا قبّلتك " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" رواه أحمد.
ب- الاضطباع: وهو جعل وسط الرداء تحت الإبط الأيمن، وطرفيه على الكتف الأيسر.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فاضطبعوا أرديتهم تحت آباطهم، وقذفوها على عواتقهم اليسرى" رواه أحمد وأبو داود.
ج- الرّمل: وهو الإسراع في المشي مع هز الكتفين وتقارب الخطى وقد شرّع ذلك إظهار للقوة والنشاط.
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الأسود الى الحجر الأسود ثلاثا، ومشى أربعا. رواه أحمد.
وهذا للرجال أما النساء فلا اضطباع عليهن لوجوب سترهن ولا رمل.
د- استلام الركن اليماني:
لقول ابن عمر: لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يمس من الأركان إلا اليمانيّين، وقال: ما تركت استلام هذين الركنين (اليماني ـ الحجر الأسود) منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما في شدة ولا في رخاء. رواه البخاري ومسلم.
هـ- صلاة ركعتين بعد الطواف:
يسن للطائف صلاة ركعتين بعد كل طواف، عند مقام إبراهيم أو في أي مكان من المسجد.(1/24)
عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة طاف بالبيت سبعا، وأتى المقام فقرأ:{ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فصلى خلف المقام ثم أتى الحجر فاستلمه. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
والسنّة فيهما قراءة سورة الكافرون بعد الفاتحة في الركعة الأولى وسورة الإخلاص في الركعة الثانية، فقد ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم وغيره.
18- التأدب بآداب الوقوف بعرفات وسننه:
أ الاغتسال للوقوف بعرفة.
" وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يغتسل لوقوفه عشية عرفة" رواه مالك.
واغتسل عمر رضي الله عنه بعرفات وهو مهل.
ب المحافظة على الطهارة الكاملة، واستقبال القبلة والإكثار من الاستغفار والذكر والدعاء لنفسه ولغيره بما شاء من أمر الدين والدنيا مع الخشية وحضور القلب ورفع اليدين.
قال أسامة بن زيد: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو. رواه النسائي.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" خير الدعاء، دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" رواه الترمذي.
19- البعد في جميع أعمال الحج عن إيذاء الناس في الزحمة أو دفعهم ويتلطف بمن يزاحمه ويلحظ بقلبه جلالة البقعة التي هو فيها والتي هو متوجه إليها ويلتمس عذر من زاحمه وما نزعت الرحمة إلا من قلب شقي.
20- البعد أيضا عن الغضب أوالفحش في الكلام والسب والشتم واللعن والجدال والخصومات مع الآخرين لقول الله عز وجل:{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197)} البقرة.(1/25)
21- التذكر دائما بأنه في أعماله إنما يؤدي فرضا من فروض الله، يؤدى مرة في العمر فيتحمل المشاق ويصبر على الإيذاء ويوجه قلبه لله سبحانه ويستشعر بأن الله معه يراه ويراقبه ويلتمس الخشوع والإجلال والسكينة والطمأنينة ويكثر من التهليل والتكبير والتمجيد والتعظيم لله سبحانه وتعالى. ويشغل أوقاته بالدعاء وقراءة القرآن والذكر والبكاء والتضرع والتوبة وإخلاص العبودية لله ولا ينسى الدعاء للأقرباء والأرحام والأصدقاء ومن سألوه ولجميع المسلمين بالخير والسعادة والتوفيق وصالح أمورهم والعفو والعافية الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
22- التأدب بآداب زيارة النبي صلى الله عليه وسلم:
أ أن يكثر من الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه الى المدينة وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم.
ب أن يغتسل قبل دخوله المسجد النبوي ويلبس أنظف ثيابه متطيبا بالطيب.
ج- دخول مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالسكينة والوقار، فإذا وصل باب المسجد فليقدّم رجله اليمنى في الدخول قائلا:" أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم، بسم الله والحمد لله، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آل محمد وسلم، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك".
د- أن يأتي الروضة الشريفة،" وهي ما بين المنبر والقبر" فيصلي فيها بجنب المنبر تحية المسجد ركعتين، ويشكر الله تعالى بالثناء عليه على هذه النعمة.
هـ- يتجه الى القبر الشريف مستقبلا جداره ومستدبرا القبلة فيسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مستحضرا جلال موقفه ومنزلة من هو في حضرته قائلا بصوت خفيض:(1/26)
السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله، السلام عليك يا خير خلق الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا سيد المرسلين، السلام عليك يا رسول رب العالمين، جزاك الله يا رسول الله أفضل ما حزى نبيا ورسولا عن أمته، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنك عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده.
و- ثم يتأخر نحو ذراع الى الجهة اليمنى فيسلم على سيدنا أبي بكر الصديق، ثم يتأخر أيضا نحو ذراع فيسلم على سيدنا الفاروق عمر رضي الله عنهما.
ز- ثم يستقبل القبلة فيدعو لنفسه، ولأحبابه، ولإخوانه، وسائر المسلمين ثم ينصرف.
ح- على الزائر أن لا يرفع صوته إلا بقدر ما يسمع نفسه.
23- التأدب بآداب الإقامة بالمدينة المنورة:
أ أن يصلي الصلوات الخمس بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأن ينوي الاعتكاف فيه كلما دخله.
ب أن يخرج كل يوم الى البقيع بعد زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الفرقد، اللهم اغفر لنا ولهم.
ج- أن يزور قبور الشهداء بأحد ويبدأ بالسلام على عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبدالمطلب سيد الشهداء ثم يسلم على بقية الشهداء الأبرار ويدعو لهم قائلا:" سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار".
د- أن يزور مسجد قباء وهو أول مسجد بني في الإسلام وهو المسجد الذي أسس على التقوى وتستحب زيارته والصلاة فيه استحبابا مؤكدا. " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء راكبا وماشيا فيصلي فيه ركعتين" رواه البخاري ومسلم.(1/27)
هـ- أن يأتي سائر المشاهد بالمدينة وهي نحو ثلاثين موضعا يعرفها أهل المدينة فليقصد ما قدر عليه منها وكذا يأتي الآبار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها ويغتسل ويشرب وهي سبع آبار.
و- أن يلاحظ بقلبه في مدة مقامه بالمدينة جلالتها وأنها البلدة التي اختارها الله تعالى لهجرة نبيه صلى الله عليه وسلم واستيطانه ومدفنه وليستحضر تردده صلى الله عليه وسلم فيها ومشيه في بقاعها.
24- التأدب بآداب الرجوع من سفر الحج وسننه.
أ الاستعجال في العودة الى أهله وولده إذا قضى المسافر حاجته وغرضه من سفره ليستأنف رعايته لهم وإشرفه على تربيتهم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل الى أهله" رواه البخاري ومسلم.
ب الدعاء:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من حجّ أو عمرة كبّر على كل شرف ثلاث تكبيرات ثم يقول:" لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده". رواه البخاري ومسلم.
ج- ترتيب العودة من السفر قدر الإمكان بحيث لا يصل الى أهله في ساعة متأخرة من الليل بل يفضّل أن يدخل بيته في النهار وبعد أن يصلح شأنه.
عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرقن أهله ليلا" وفي رواية:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا" رواه البخاري ومسلم.
د- دخول أقرب مسجد الى المدينة ويصلي فيه ركعتين.
عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين" رواه البخاري ومسلم.(1/28)
هـ- إحضار الهدايا لأهل بيته وأقربائه وأصحابه بقدر الإمكان من طعام أو متاع البلدة التي كان فيها فهو من السنة كما ورد في الإحياء.
كما يسن أن يدعو الله بقوله:" اللهم اجعل لنا فيها قرارا ورزقا حسنا".
و- وقوله إذا دخل بيته ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من سفره فدخل على أهله قال: توبا توبا لربنا أوبا لا يغادر حوبا".
أي أسألك توبة لا تترك إثما.
ز- ينبغي أن يكون الحاج بعد رجوعه خيرا مما كان فهذا من علامات قبول الحج وأن يكون خيره آخذا في ازدياد.
ح- استقبال الزائرين على أحسن حال وهيئة مع البشاشة وحسن الضيافة والحديث حول مزايا الحج وفوائده وما يشعر به الحاج من طمأنينة وانشراح وزيادة في الإيمان مرغبا إياهم ومشوقا لهم ليعقدوا العزم على أداء هذه الفريضة ولا يتحدث أبدا عن المصاعب أو المتاعب التي لا بدّ أن يلاقيها كل مسافر حتى لا يثبط الهمة وحتى لا يحبط عمله وثوابه.
ط- يستحب لمن يسلم على القادم من الحج أن يدعو له.
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" قبل الله حجّك وغفر ذنبك، وأخلف نفقتك" رواه ابن السني.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج" رواه البيهقي.
-4-
آداب العمل والمعاش والبيع والشعار
الإسلام دين العمل، ولكنه العمل الصالح النافع، وإيمان بدون عمل تمنّ وإدعاء، وعمل بدون إيمان فسوق وعصيان.
قال تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} الكهف 107. والرجولة في الإسلام، وكمال النضج فيه، أن ينزل المسلم في ميادين الحياة مكافحا، وإلى أبواب الرزق ساعيا، ولكن قلبه معلق بالله، وفكره لا يغيب عن مراقبة الله وخشيته، والالتزام بحدوده والتقيد بأوامره.(1/29)
قال تعالى:{ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)} النور..
وهو بذلك يضع حدا لمن يتخشعون أمام الناس في المساجد ركعا سجدا وقياما، فإذا عاملتهم بالأموال أو التجارات تبين أنهم أفاع سامة، أو عقارب مؤذية.
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أخذ أموال الناس يريد أداءها أجى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله". رواه البخاري.
وإن نظام هذه الحياة، يتطلب السعي والعمل، وحركة الأعمال فيها تتوقف على الجد والاجتهاد ولذلك كان من الواجب أن ينهض الإنسان للعمل مستشعرا بشعار الجد والنشاط، طارحا القعود والكسل وراءه ظهريا، حتى يقوم بما فرضته عليه الطبيعة وهي سنة الله في خلقه، ويعمل بما أوحته إليه القوانين الشرعية، والعاقل لا يرضى لنفسه أن يكون كلا على غيره، وهو لا يعلم أن الرزق منوط بالسعي، وأن مصالح الحياة لا تتم إلا باشتراك الأفراد حتى يقوم كل واحد بعمل خاص له، وهناك تتبادل المنافع، وتدور رحى الأعمال، ويتم النظام على الوجه الأكمل.
قال تعالى:{ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} الجمعة.
والعمل على أنواع كثيرة فمنها ما له علاقة بالدين ومنها ما له علاقة بالدنيا فما له علاقة بالدين فهو العبادات وغيرها من الأعمال الصالحة المختلفة.
وما له علاقة بالدنيا من معاملة وبيع وشراء وتكسب وتجارة أو أي حرفة كانت فهو وإن كان بابا للرزق والسعي للتكسب والعيش والحصول على المال من أجل القيام بحاجات الإنسان الضرورية في حياته. فهو مع كل ذلك اعتبره الإسلام عملا مرتبطا بالدين بل حثّ الدين عى العمل وجعل له الثواب العظيم.(1/30)
قال تعالى:{ وجعلنا النهار معاشا} النبأ 11.
وقال أيضا سبحانه وتعالى:{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)} الملك.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده" رواه البخاري.
قال ابن عباس رضي الله عنه: كان آدم عليه السلام حراثا، ونوح نجارا، وإدريس خياطا، وإبراهيم ولوط زراعين، وصالح تاجرا، وداود زرادا، وموسى وشعيب ومحمد صلوات الله تعالى عليهم رعاة.
وأما الآثار فروي أن لقمان الحكيم قال لابنه: يا بني استعن بالكسب الحلال فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته وأعظم من هذه الخصال استخفاف الناس به.
وقيل لأحمد بن حنبل: ما تقول في رجل جلس في بيته أو مسجده وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني روقي، فقال أحمد: هذا رجل جهم العلم أما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله جعل رزقي تحت ظل روحي" وقال حين ذكر الطير:" تغدو خماصا وتروح بطانا" وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخلهم، والقدوة بهم مطلوبة وإليكم بعض آداب هذا الموضوع:
1- حسن النية في التجارة، فلينو بها الاستعفاف عن السؤال وكف الطمع عن الناس، والقيام بكفاية العيال ليكون بذلك من جملة المجاهدين ولينو النصح للمسلمين.(1/31)
عن أنس رضي الله عنه قال: مرّ بالنبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا ـ يعنون النشاط والقوة ـ في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن كان يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان" رواه الطبراني والبيهقي.
2- أن لا يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة، وسوق الآخرة المساجد فينبغي أن يجعل أول النهار الى وقت دخول السوق لآخرته، فيواظب على الأوراد والأذكار والصلوات، فقد كان صالحوا السلف من التجار يجعلون أول النهار وآخره للآخرة ووسطه للجتارة، وإذا سمع أذان الظهر والعصر فينبغي أن يترك المعاش اشتغالا بأداء الفرائض.
قال تعالى:{ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار} النور 37.
3- أن يلازم ذكر الله تعالى في السوق ويشتغل بالتسبيح والتهليل وأن لا يكون شديد الحرص على السوق والتجارة. فلا يكون أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منه.
4- أن يطلب الحلال ويجتنب الحرام ويتوقى مواقع الشبه ومواضع الريب، وطلب الحلالا فرض على كل مسلم.
عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشتبهات" رواه البخاري ومسلم.
قال الله تعالى:{ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا} المؤمنون 51.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا" رواه مسلم.
5- البعد عن الاحتكار فهو حرام.(1/32)
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من احتكر الطعام أربعين يوما فقد بريء من الله والله بريء منه" رواه أحمد والحاكم.
وقال صلى الله عليه وسلم:" لا يحتكر إلا خاطئ". رواه مسلم.
وخاطئ أي آثم.
والاحتكار هو أن يخفي التاجر ما يحتاج الناس إليه حاجة ضرورية ليتحكم بالسعر في الوقت المناسب كالمواد التموينية بشكل عام.
6- البعد عن البيع عن طريق الغش لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أنه مر برجل يبيع طعاما "حبوبا" فأعجبه، فأدخل يده فيه فرأى بللا، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام، قال: أصابته السماء " أي المطر" فقال عليه الصلاة والسلام:" فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشنا ليس منا" رواه مسلم.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا يحل لأحد يبيع بيعا إلا بيّن ما فيه، ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا بيّنه" رواه الحاكم والبيهقي.
والغش هو إظهار الشيء على خلاف حقيقته دون علم المشتري به.
7- تجنب حلف الإيمان لترويج البضاعة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب" متفق عليه.
وعن أبي قتادة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق" رواه مسلم.
ثم والذي يحلف وهو متيقن الكذب يكون حالفا بيمين الغموس.
واليمين الغموس: هو من الكبائر وسمي غموسا لأنه يغمس صاحبه في النار وليس له كفارة سوى التوبة الصادقة النصوح.
8- عدم التطفيف في الكيل والميزان وإتمام الكيل والميزان، وإرجاح الوزن زيادة في الاحتياط.
قال تعالى:{ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35)} الإسراء.(1/33)
قال تعالى:{ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)} المطففين.
وعن سويد بن قيس رضي الله عنه قال: جلبت أنا ومخرمة عبدي بزا من هجر. فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم فساومنا سراويل، وعندي وازن يزن بالأجر فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان:" زن وأرجح" رواه أبو داود والترمذي.
والتطفيف هو إنقاص المكيال والميزان أثناء التعامل التجاري ومزاولة البيع والشراء.
9- تجنب الثناء على البضاعة عند البيع ووصفها بما ليس فيها فهو كذب وتدليس وتمويه وخداع، وتجنب ذمها عند الشراء، والقيام بالتجارة بالصدق الحق والعدل والاستقامة والأمانة.
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" التاجر الأمين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء". رواه الترمذي.
10- البعد عن النجش. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تناجشوا" رواه البخاري ومسلم.
والنجش أن يكون هناك بائع ومشتري وبينهما سلعة معينة وقد أوضح البائع للمشتري الراغب في ثمنها فيأتي شخص آخر لا رغبة له في السلعة فيقول للبائع:" أنا أشتريها منك بثمن أكثر من الثمن المذكور" وقد قصد من ذلك تحريك رغبة المشتري الأول فيها.
11- تجنب الجلوس في طريق المسلمين من أجل البيع أو الشراء فيضيّق عليهم وتجنب الخوض في الباطل والإثم والخصومات ورفع الصوت والصياح أو الشتم.
12- الرضا بالربح القليل وهذا يؤدي الى محبة الناس وكثرة الزبائن وطيب المعاملة والبركة في الرزق.
13- تجنب البيع والشراء عن طريق السرقة والاغتصاب.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من اشترى سرقة ـ أي مسروقا ـ وهو يعلم أنها سرقة فقد اشترك في إثمها وعارها". رواه البيهقي.
14- تجنب التكسب عن طريق الربا والميسر.
قال تعالى:{ وأحلّ الله البيع وحرّم الربا} البقرة 275.(1/34)
ولقوله تبارك وتعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (279)} البقرة.
ولما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:" لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال هم سواء". أصحاب السنن.
15- تجنب بيع الأشياء المحرمة لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن الله إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه" رواه أحمد وأبو داود.
وعلى هذا فإن بيع الخمر وكل محرم محرم في نظر الإسلام.
16- عدم إعانة المشتري الظالم فإعانة التاجر للمشتري في الشر محرمة ويأثم منها التاجر ومثال ذلك التاجر الذي يبيع العنب أو التمر لمن يعلم أنه يتخذه خمرا.
17- الإحسان في المعاملة وفي إستيفاء الثمن إما بالمسامحة أو بالمساهلة أو بالإهمال أو بالتأخير.
قال تعالى:{ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280)} البقرة.
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" رحم الله امرئ سهل البيع، سهل الشراء، سهل القضاء، سهل الاقتضاء" رواه البخاري.
18- تجنب شراء شيء يساوم غيرنا لشرائه حتى ينتهي بشرائه أو بتركه.
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يبع بعضكم على بيع أخيه" رواه البخاري.(1/35)
19- البعد عن ترويج النقود المزيفة فقد ترد أحيانا الى يد التاجر نقود مزيفة أو نقود قديمة انتهى التعامل بها أو نقود بلد آخر لا يتعامل بها في بلده، فيجب على التاجر في هذه الحالة أن لا يروج هذه النقود بإعطائها لشخص آخر وإلا كان ظالما لأنه أضرّ بغيره من المسلمين وقد ذكر صاحب كتاب (موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين في شأن ترويج النقود المزيفة) ما نصه: قال بعضهم: إنفاق درهم زيف أشد من سرقة مائة درهم لأن لبسرقة معصية واحدة وقد تمت وانقطعت ومعصية إنفاق الزيف قد يكون عليه وزرها بعد موته الى مائة سنة أو مائتي سنة الى أن يفنى ذلك الدرهم والويل لمن يموت وتبقى ذنوبه مائة سنة أو أكثر يعذب بها في قبره ويسأل عنها الى آخر انقراضها.
قال تعالى:{ونكتب ما قدموا وآثارهم} يس 12.
20- إقالة النادم: في بعض الأحيان قد يشتري أحدهم السلعة ثم يتضح له أنه في غير حاجة لها أو يرى أنه محتاج لثمنها فيندم على شرائه ويأتي الى التاجر ليقيله ( أي يقبل السلعة ويرد إليه ثمنها) فمن حسن المعاملة الشرعية أن يقبل التاجر السلعة من المشتري النادم وله من الله في هذا الفعل ثواب كثير كما يشير الى ذلك حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أقال مسلما بيعته أقاله الله عثرته يوم القيامة". رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان.
21- أن يتجنب العامل والموظف التأخر عن موعد العمل المتفق عليه واستغلال وقت العمل بكامله لصالح العمل وعدم إضاعة الوقت والانشغال بغير العمل فهذا الوقت من حق صاحب العمل وإلا فإن الإضاعة للوقت والانشغال عن العمل المطلوب تجعل أجرة هذا الوقت موضع شبهة لأنه أخذ أجرة بدون عمل.(1/36)
22- أن يتجنب الموظف تأخير المعاملات وتأجيل أصحاب الحاجة ومماطلتهم والإسراع في أداء الأعمال وحل مشاكل الناس بوجه طلق وكلام حسن طيب لأنه يعمل في مضمار خدمة الناس وهذا عمله ولا يجوز له التصرف بما يؤذي الناس وتأخير حاجاتهم وإضاعة أوقاتهم والفرص لديهم.
-5-
آداب الصلة
الإنسان بطبعه وغريزته ميال للاجتماع بالآخرين والتعاون معهم وإنشاء الصلاة الحميمة بهم وهذا ما شجعه الإسلام أيضا وقد أنشأ العلاقات الإجتماعية الحميمة والروابط الإيمانية القوية.
هذا وقد نظم الإسلام هذه العلاقات تنظيما دقيقا فقد حدد أنواع هذه الروابط وعدد الواجبات نحوها فجعل أول هذه الصلاة مع أقرب الناس الى الفرد مع الوالدين فأمر ببرهما وطاعتهما واحترامهما ثم انتقل الى الصلة بالزوج فجعل الصلة بين الزوجين قائمة على الحب والاحترام المتبادل وأداء كل منهما لواجباته تجاه الآخر واحترام حقوقه، ثم انتقل الى الصلة بالولد وجعلها قائمة على الرعاية والتربية الحسنة من قبل الوالدين مع العطف والمساواة بينهم ثم الصلة مع الأخوة فأمر الصغير باحترام الكبير وأمر الكبير برحمة الصغير والعطف عليه كذلك عمق الصلة بالأقارب والأرحام وأمر بصلتهم وزيارتهم وتقديم المساعدة لهم. والأقربون أولى بالمعروف.
كذاك امتدت الصلة الى الأصدقاء والأصحاب فنظم العلاقة معهم وحدد الواجبات تجاههم وكذاك حدد العلاقة مع الجيران بالاحترام والتعاون والمساعدة وإبعاد الأذى والضرر عنهم.(1/37)
ووسع الصلة حتى امتدت الى هذا المجتمع الواسع فنظم هذه الصلة وحدد الواجبات تجاه هذا المجتمع وعناصره وجعل التعاون وأداء الحقوق والواجبات والعمل على رفعة هذا المجتمع أساس هذه الصلة بل امتدت الصلة بالدولة والأمة ونظم هذه العلاقة على أساس العمل على الطاعة والاحترام والتقيد بالنظام والدفاع عن الوطن ومحبة جميع أفراده وأفرد هذه الأمة والتعاون معهم جميعا على رفع مكانة هذا الوطن والافتخار بهذه الأمة:{ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} آل عمران 110.
إذا مواضيع الصلة كثيرة وقد مرّ بعضها معنا وفي موضوع هذا الأدب " آداب الصلة" أخص بالبحث آداب الصلة: أـ بالرحم، ب ـ بالجار، ج ـ بالمريض، دـ بالميت. "التعزية".
أ آداب صلة الرحم:
1- زيارة الأرحام باستمرار، وتفقد أحوالهم، وإدخال السرور عليهم ابتغاء مرضاة الله تعالى.
قال تعالى:{ وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل..} الإسراء 26.
وقال تعالى:{ واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} النساء 1.
وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من سرّه أن يمدّ له في عمره ويوسّع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء، فليتق الله، وليصل رحمه" رواه البزار.
2- تجنب قطيعة الرحم والانشغال عن برها وصلتها بمتاع الدنيا وتحصيل الأموال.
قال تعالى:{ فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقّطّعوا أرحامكم، أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} محمد 23.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك. قالت: بلى. قال: فذلك لك".(1/38)
ثم قال صلى الله عليه وسلم:" اقرؤوا إن شئتم: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقّطّعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم" رواه البخاري ومسلم.
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لا يدخل الجنة قاطع رحم" رواه البخاري ومسلم.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله عز وجل:" أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها إسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته" رواه أبو داود والترمذي.
3- صلة الرحم بالقيام بنصيحتهم وإرشاد صالهم، وهداية شاردهم، وتذكير غافلهم ودعوة معرضهم الى الله وعبادته وأداء الفرائض واجتناب المعاصي.
قال تعال:{ وأنذر عشيرتك الأقربين} الشعراء 214.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما نزلت هذه الآية:{ وأنذر عشيرتك الأقربين} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا فعم وخص وقال: يا بني عبد شمس، يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبدالمطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن رحما سأبلها ببلالها. رواه مسلم.
4- صلة الرحم بالتصدق عليهم إن كانوا فقراء ومن تصدق على أقاربه كان ثوابه عند الله عظيما لأن له أجر الصلة وأجر الصدقة.(1/39)
عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة رضي الله عنه أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب. قال أنس: لما نزلت هذه الآية { لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون}. جاء أبو طلحة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الله تعالى أنزل عليك:{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإنّ أحب مالي إليّ بيرحاء وأنها صدقة لله تعالى أرجو برّها وذخرها عند الله تعالى فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين. فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه". رواه البخاري ومسلم.
5- تجنب مقابلة السيئة بمثلها، والقطعية بمثلها، أو انتظار زيارتهم ردا على كل زيارة.
قال تعالى:{ والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل}.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عليهم، ويجهلون عليّ، فقال:" إن كنت كما قلت فكأنما تسفّهم الملّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك" رواه مسلم.
المل: الرماد الحار.
وعن عبدالله بن أوفى رضي الله عنهما: قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" لا يجالسنا اليوم قاطع رحم، فقام فتى من الحلقة، فأتى خالة له قد كان بينهما بعض الشيء، فاستغفر لها واستغفرت له، ثم عاد الى المجلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم" رواه الأصبهاني.
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ليس الواصل بالمكافئ ولكنّ الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" رواه البخاري.(1/40)
6- تجنب الخلوة بأجنبية أو مصافحتها أثناء زيارة الأرحام كبنات الخال وبنات الخالة، وبنات العم وبنات العمة، والالتزام بآداب الزيارة من غض البصر، وحفظ اللسان.
قال تعالى:{ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم} النور 30.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يخلوّن أحدكم بإمرأة إلا مع ذي رحم" رواه البخاري ومسلم.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار، أفرأيت الحمو، قال: الحمو الموت". رواه البخاري ومسلم.
الحمو: قريب الزوج كأخيه وابن أخيه وابن عمه وقريب الزوجة كذلك.
ب – آداب الجار:
1- ابتداء الجار بالسلام إذا لقيه، مع السؤال عن حاله، والبشاشة في وجهه.
2- عيادته في مرضه، والمسارعة الى إسعافه عند الحاجة أو الاستدعاء.
3- تعزيته عند إصابته بمصيبة، أو حلول كارثة به، أو وفاة عزيز عليه، وفتح بيته لذلك إن استدعى الأمر والقيام معه في عزائه، وإعانته على شدائده ونوائبه.
4- مشاركته في فرحه، وتهنئته عند حلوله ومحبة الخير له، والسرور لسروره.
5- الصفح عن زلاته وسقطاته، والتغاضي عن تقصيره وسيئاته، ومعاتبته برفق وأدب على هفواته.
6- التلطف في معاملة أبنائه، والإحسان إليهم، والرفق بهم ونصيحتهم بالمعروف.
7- غض البصر عن أهله، وتجنب متابعة أسراره، والحفاظ على حرمته، وملاحظة داره عند غيبته.
8- غض الصوت تجنبا لمضايقته. وخفض صوت المذياع والرائي خصوصا في أوقات راحته.
9- تجنب إيذائه بتضييق الطريق عليه، أو طرح الأقذار قرب داره، أو التجاوز على حدوده أو التطاول عليه في البنيان فتنحجب عنه الشمس والهواء.
عن عائشة رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه الى سبع أرضين" رواه البخاري ومسلم.(1/41)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه" رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم: لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه.
بوائقه: شره.
10- بذل النصيحة له، والإخلاص في مشوراته وإرشاده الى ما يجهله من أمر دينه ودنياه.
11- تحمل الأذى منه، والصبر على جفائه، وإعراضه.
أتى رجل الى ابن مسعود رضي الله عنه فقال له:" إن لي جارا يؤذيني ويشتمني ويضيق عليّ، قال: اذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه.
12- بذل المعروف له، وإعانته بالنفس والمال، وإهداؤه من طعام داره، وفاكهته، وتلبيته في قضاء حوائجه.
قال الله تعالى:{ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا، وبذي القربى واليتامى، والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب} النساء 36.
عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن الى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخرفليقل خيرا أو ليسكت".
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني: إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف" رواه مسلم.
13- إعطاء كل جار حقوقه التي يستحقها فالجيران ثلاثة: جار له ثلاثة حقوق وهو من لك به صلة قرابة فإن له حق الجوار وحق الرحم وحق الإسلام، وجار له حقان وهو الجار المسلم فإن له حق الجوار وحق الإسلام، وجار له حق واحد وهو الجار الكافر فإن له حق الجوار فقط.(1/42)
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه ذبح شاة فقال: أأهديتم لجاري المشرك؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" رواه البخاري ومسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال:" الى أقربهما منك بابا". رواه البخاري.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيع عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أتدرون ما حق الجار؟ إن استعان بك أعنته، وان استنصرك نصرته، وإن استقرضك أقرضته، وإن افتقر عدت عليه، وإن مرض عدته، وإن مات تبعت جنازته، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته، ولا تستعل عليه بالبناء، فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، وإذا اشتريت فاكهة فأهد له، فإن لم تفعل فأدخلها سرا، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تعرف له منها. ثم قال:" أتدرون ما حق الجار؟ والذي نفسي بيده لا يبلغ حق الجار إلا من رحمه الله" رواه الطبراني.
قال الإمام الغزالي: آداب الجار أن يبدأ بالسلام ولا يطيل معه الكلام، ولا يكثر عليه وعن حاله السؤال ويعوده في مرضه، ويعزيه عند مصيبته، ويقوم معه في عزائه، ويهنئه في فرحه، ويشاركه في سروره، ويتلطف في معاملة أولاده، ويصفح عن زلاته، ويعاتبه برفق عند هفواته، ويغض بصره عن حرمه، ويعينه في نوائبه، ولا يتطلع من السطح الى عوراته ولا يضايقه بصوته، ولا يؤذيه بوضع الجذع على جداره، ولا يصيب الماء في ميزابه، ولا يطرح التراب في فنائه، ولا يضيق طريقه الى داره، ولا يتبعه بالنظر فيما يحمله الى بيته، ويستر ما ينكشف من عوراته، ولا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته ولا يسمع عليه كلاما من عدوه، ويرشده الى ما يجهله من أمر دينه ودنياه.
جـ - آداب عيادة المريض:
1- المبادرة الى زيارته في أول المرض.(1/43)
قال الأعمش: كنا نقعد المجلس، فإذا فقدنا الرجل ثلاثة أيام سألنا عنه فإن كان مريضا عدناه.
2- تكرار الزيارة كل يومين أو ثلاثة لمؤانسته وإدخال السرور على قلبه فلقد سميت زيارة المريض ( عيادة) من العودة للزيارة وتكرارها.
عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن المسلم إذا عاد أخله لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع قيل يا رسول الله وما خرفة الجنة؟ قال: جناها". [رواه مسلم].
3- الدعاء للمريض عند قعوده عنده.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعود بعض أهله، ويمسحه بيده اليمنى، ويقول:" اللهم رب الناس، أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما". [رواه البخاري ومسلم].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من عاد مريضا لم يحضره أجله، فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافاه الله من ذلك المرض". [رواه أبو داود والترمذي].
4- تجنب تهويل المرض، وكثرة السؤال عنه، وذكر أحد توفي في مثل مرضه.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عليا رضي الله عنه خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أصبح بحمد الله بارئا". [رواه البخاري].
5- تبشير المريض، وتطبيب نفسه بالشفاء، وبث روح الثقة في نفسه، ورفع حالته المعنوية، وإدخال السرور على قلبه وتذكيره بثواب الرضا عن الله والصبر على بلائه.
قال تعالى:{وإذا مرضت فهو يشفين} الشعراء 80.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا دخلتم على مريض فنفسوا له في أجله فإن ذلك لا يرد شيئا ويطيب نفسه" [ رواه الترمذي].
6- إظهار شفقته، وعرض خدمته، وعدم التكلم إلا بخير.(1/44)
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون".
7- غض البصر عن عورات المريض أو ما يتعلق بحاجاته وأدويته الخاصة.
8- خفة الجلسة وتجنب القعود لفترة طويلة إلا إذت رغب المريض وأنس بذلك، حرصا على راحته.
9- طلب الدعاء من المريض، بعد الدعاء له، فإن المريض يكون في حالة قرب والتجاء الى الله.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا دخلت على مريض فمره فليدع لك فإن دعاءه كدعاء الملائكة".
10- ترغيب المريض بأن يصبر على قضاء الله وأن لا يلج ويستبطئ الشفاء فيدعو على نفسه بالموت.
فعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لا بد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي". [ رواه البخاري ومسلم].
11- توصية أهل المريض والذين يقومون بخدمته بحسن معاملته والصبر على ما يصدر منه من أقوال وأفعال.
12- يحسن الظن بالمريض أن يتأدب بما ورد عن الامام الغزالي.
قال الغزالي: آداب المريض الإكثار من ذكر الموت، والاستعداد له بالتوبة، ودوام الحمد والثناء على الله والالتجاء الى التضرع والدعاء، وإظهار العجز والفاقة، والتداوي مع الاستعانة بخالق الدواء وإظهار الشكر عن القوة، وقلة الشكوى وإكرام الجلساء، وترك المصافحة.
د- آداب الصلة بالميت "التعزية":
1- الدعاء للميت عند العلم بموته.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الموت فزع، فإذا بلغ أحدكم وفاة أخيه فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا الى ربنا لمنقلبون" اللهم اكتبه عندك في المحسنين، واجعل كتابه في عليين، واخلفه في أهله في الغابرين، ولا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده" [رواه ابن السني].(1/45)
2- الصلاة على الميت واتباع الجنازة حتى يفرغ من دفنها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معه حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ورجع قبل أن تدفن يرجع بقيراط" [رواه البخاري].
3- الموعظة عند القبر أثناء الدفن والدعاء للميت بعد ردم التراب.
عن علي رضي الله عنه قال:" كنا في جنازة في بقيع الفرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة، فنكس رأسه وجعل ينكس بمخصرته ( عصاه) ثم قال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا، فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له" [رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي عمرو رضي الله عنه قال:" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال:" استغفروا لأخيكم فإنه الآن يسأل" [رواه أبو داود].
وقال الشافعي رحمه الله: ويستحب أن يقرأ عنده شيء من القرآن وإن ختموا القرآن كله كان حسنا.
4- مساعدة أهل المتوفى بتقديم ما يمكن من الخدمات أثناء تجهيز الميت وخروجه ودفنه والمساعدة في إعداد الطعام لأهل الفقيد لأنهم في وضع لا يساعدهم على تحضير الطعام والانشغال به.
فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قتل جعفر بن أبي طالب قال:" اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم". [رواه أبو داود والترمذي].
5- المبادرة الى التعزية مع إظهار الحزن والتأسف لمن يواسيهم ويعزيهم ومع الترحم على الميت وتعداد مآثره.
عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من عزّى مصابا فله مثل أجره" [رواه الترمذي].
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم" [ رواه أبو داود والترمذي].(1/46)
6- التلفظ بالمأثور من الكلام والانتباه الى تجنب الزلل فيه والتجاوز الى ألفاظ لا تليق بالمسلم ويمكن أن يقول: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك.
7- بذل النصيحة لأهل الميت بالصبر والسلوان، وتذكيرهم بثواب الله، وتقبل قضائه وقدره، وبأجر المحتسب الصابر ومنعهم من لطم الخدود، وشق الجيوب، والصراخ والنحيب، وذلك بالموعظة الحسنة.
قال تعالى:{ وبشّر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون}.
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم إليه تدعوه وتخبره أن صبيا لها في الموت فقال للرسول: إرجع إليها فأخبرها أن لله تعالى ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر وتحتسب. [متفق عليه].
8- ترك الابتسام عند التعزية وتجنب الضحك أو اللغو بباطل الكلام أو قلة الاكتراث فكلها من علامات قسوة القلب، ومن لم يتعظ بالموت لم يتعظ بشيء.
9- التعزية خلال ثلاثة أيام، لا زيادة عليها.
وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يحلّ لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا" [رواه البخاري].
10- يستحب قراءة القرآن والدعاء للميت عند حضور الجنازة وعند التعزية.
قال الشافعي:
إني معزيك لا أني على ثقة
من الخلود ولكن سنة الدين
فما المعزى بباق بعد ميته
ولا المعزي ولو عاش الى حين.
ـ 6 ـ
آداب الصحبة(1/47)
اهتم الاسلام بالصحبة اهتماما بالغا، لما لها من شأن كبير، وأمر خطير، فأمر بإلتزام الصادقين، قال سبحانه:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} التوبة 116. زحض على صحبة العابدين قال تعالى:{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} الكهف 28. ورغب باتباع طريق المنيبين، قال سبحانه:{ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} لقمان 15، ونهى عن صحبة الظالمين، فرب صحبة ساعة كشفت صاحبها الى قيام الساعة، وأعقبته ندما لا ينتهي، قال تعالى:{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً (28)} الفرقان، وجعل كل صحبة لا تجتمع أواصرها على تقوى الله تعالى فمصيرها الى عداوة محققة، قال سبحانه:{ الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)} الزخرف.
ولا عجب فالصاحب ما هو إلا معلم لصاحبه من حيث لا يشعر، تنطبع صفاته في نقس صاحبه، وتنتقل أخلاقه الى أخلاقه، وتسري معاملاته الى معاملاته، بتأثير القرب، وعن طريق الحب، فلا يلبث إلا وهو نسخة عن صاحبه تتردد على لسانه كلماته، وتظهر في أعماله تصرفاته من حيث لا يدري، ولذلك فقد حذر الله تعالى من صحبة من قال فيهم{فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29)} النجم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة.
وقال عليّ رضي الله عنه:
وصاحب تقيا عالما تنتفع به
فصحبة أهل الخير ترجى وتطلب
وإياك والفساد لا تصحبنّهم
فصحبتهم تعدي وذاك مجرب
واحذر مؤاخاة الدنيء فإنه
يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب(1/48)
واختر صديقك واصطفيه تفاخرا
إن القرين الى المقارن ينسب
وإذا كان المرء ينتقي من أطيب الطعام والشراب لبطنه، ويحرص على صحة جسمه فيتقي ما يسبب مرضها وضعفها، فأولى به أن ينتقي لروحه وقلبه وأخلاقه من يغذيها بأحسن الصفات، وأجمل الآداب، وأكمل العادات، وأكرم الأخلاق، ويتقي مرضى النفوس، ويتجنب ضعيفي الإيمان خوفا على دينه، وضنا على أخلاقه، أن يصيبها ما أصابهم، قال صلى الله عليه وسلم:" لا تصاحب إلا مؤمنا،ولا يأكل طعامك إلا تقي". رواه أبو داود والترمذي وأحمد عن أبي سعيد. وقال سيدنا عمر رضي الله عنه" عليك بإخوان الصدق، تعش في أكنافهم، فإنهم زينة في الرخاء، وعدة في البلاء".
ولئن كان أشرف لقب في الإسلام هو لقب ( الصحابي)، وهو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به، وتشرف بصحبته، فإن الصحابة يتفاوتون فيما بينهم في الفضل بمقدار صدق صحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وعمق محبتهم له، وشدة إخلاصهم في خدمته، وقد حصل للنبي صلى الله عليه وسلم وعمق محبتهم له، وشدة إخلاصهم في خدمته، وقد حصل على النصيب الأوفى من هذه الأفضلية من قال الله تعالى في حقه:{إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} وكان سيدنا أبو بكر رضي الله عنه بفضل هذه الصحبة المشرفة، الخليفة الأول لسيد النبيين صلى الله عليه وسلم.
ولقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المثل في أهمية الصحبة وما لها من تأثير عظيم على مصير صاحبها فقال:" إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا منتنة" متفق عليه عن أبي موسى.(1/49)
وقال سيدنا عمر رضي الله عنه:" اعتزل عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين من القوم، ولا أمين إلا من خشي الله، فلا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره، ولا تطلعه على سرك، واستشر في أمرك الذين يخافون الله تعالى".
ويؤكد لنا الواقع العملي المنظور أنه من صحب الأبرار الصالحين صار منهم، ومن التزم الذاكرين ثوى في قلبه ذكرهم، ومن لصق بالعلماء إنتقل إليه نور العلم والإيمان، وامتد هذا النفخ الى يوم القيامة، روي أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة؟ قال: ما أعددت لها؟ قال: حبّ الله ورسوله. قال: أنت مع من أحببت. متفق عليه عن أنس. ...
كما أنه لم يصبح سارقا إلا من صاحب السارقين، ولم يشرب التبغ أو يحتس الخمر إلا من سهر مع المدمنين، ولم يتقلب شقيا إلا من صادق الأشقياء المجرمين قال الشاعر:
عدوى الشقي الى السعيد سريعة
والجمر يوضع في الرماد فيخمد
ولا يمكن للمؤمن أن يأنس بأهل الغفلة والبطالة والعصيان، أو يميل قلبه إلى مخالطتهم، أو يتخذهم أصحابا وخلانا يجتمعون على مائدة واحدة، وفي مجلس سمر واحد، ولو كانوا أقرب الأقرباء إليه.
قال تعالى:{ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} المجادلة 22.
وقال صلى الله عليه وسلم:" الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" متفق عليه عن عائشة وأبي هريرة.
وقال علي رضي الله عنه:
فلا تصحب أخا الجهـ ـل وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى حليما حين آخاه
يقاس المرء بالمر ء إذا ما المرء ما شاه
وللشيء من الشي ء مقاييس وأشباه
وللقلب على القلـ ـب دليل حين يلقاه(1/50)
وإذا كان للصحبة هذا الاهتمام، فإن لكل من المتصاحبين آداب وواجبات، كل تجاه صاحبه، وهي أشد اهتماما، لتدوم عرى هذه الصحبة، وتؤتي ثمارها من رضوان الله في الدارين..
ومنها نذكر ما يلي:
1- انتقاء الصاحب واختياره قبل مصاحبته، ممن توافر فيه الشروط التالية:
أ العقل الحصيف.
ب الدين الصحيح.
ت الأخلاق الحميدة.
قال لقمان الحكيم لإبنه: يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن القلوب لتحيا بالحكمة، كما تحيا الأرض الميتة بوابل القطر.
2- تجنب صحبة الجهلة والفسقة، والأراذل والحمقى، فالصاحب ساحب، ومن جالس جانس.
قال جعفر الصادق رضي الله عنه: لا تصحب خمسة:
الكذاب: فإنك منه على غرور، وهو مثل السراب يقرب منك البعيد، ويبعد منك القريب.
والأحمق: فإنك لست منه على شيء، يريد أن ينفعك فيضربك.
والبخيل: فإنه يقطع بك أحوج ما تكون إليه.
والجبان: فإنه يسلمك ويفر عند الشدة.
والفاسق: فإنه يبيعك بأكلة أو أقل منها، قيل: وما أقل منها؟ قال: الطمع فيها ثم لا ينالها.
وقد رود: لا تصحب من لا ينهضك حاله، ولا يدلك على الله مقاله.
3- الإخلاص في صحبة من تصاحب لوجه الله تعالى، دون النظر الى غاية دنيوية، أو مصلحة عاجلة، والصحبة لوجه الله تعالى هي أن تصاحبه لعلمه أو حسن خلقه أو صلاحه أو قربه من الله ومحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى:{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} الكهف 28.
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله قال:" ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعوده في الكفر بعد أن أنقذه الله منها كما يكره أن يقذف في النار". متفق عليه.(1/51)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي" رواه مسلم.
4- اخبار صاحبه بمحبته له في الله، ليكون تواصلهما أكبر وارتباطهما أشد وإخلاصهما أعمق..
قال تعالى:{ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} [ الحشر: 9].
وعن المقداد بن معديكرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا أحب الرجل أخله فليخبره أنه يحبه" رواه أبو داود والترمذي.
وعن أنس رضي الله عنه أن رجلا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر رجل فقال يا رسول الله:" إني لأحب هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعلمته؟ قال: لا، قال: أعلمه. فلحقه فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك في الله الذي أحببتني له" رواه أبو داود.
5- التعارف قبل الصحبة، والسؤال عن اسم صاحبه وعمله ومسكنه، وما يتبع ذلك من أصول التعارف.
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا آخيت أخا فسله عن اسمه، واسم أبيه، فإن كان غائبا حفظته، وإن كان مريضا عدته، وإن مات شهدته" البيهقي .
وعن يزيد بن نعامة الضبي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذاآخى الرجل فليسأله عن اسمه واسم أبيه وممن هو، فإنه أوصل للمودة" رواه الترمذي.
6- اعتبار صاحبه كنفسه في محبة إيصال الخير له، والحرص على ما ينفعه، وبذل الغالي والنفيس من أجله. قال أبو سليمان الداراني: لو أن الدنيا كلها لي فجعلتها في فم أخ من إخواني لاستقللتها له.
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" متفق عليه.
7- الإكثار من التواصل والتناصح والتباذل والتزاور في سبيل الله.(1/52)
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا زار أخا له في قرية فأرصد على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تريها عليه؟ ـ أي تقوم بها وتسعى فلا صلاحها ـ قال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه" رواه مسلم.
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى في الحديث القدسي ( حقت محبتي للمتحابين فيّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيّ، وحقت محبتي للمتناصحين فيّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيّ،وحقت محبتي للمتباذلين في، المتحابون فيّ على منابر من نور، يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء)" رواه الترمذي.
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا. رواه الترمذي.
8- الإسراع في المعونة بالنفس والمال، لتفريج الهم، وتنفيس الكرب، ولو كان في ذلك إيثار على النفس.
قال تعالى:{ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} الحشر 9.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" رواه مسلم.
9- الاعتدال في المحبة، والاقتصاد في المديح، والإنصاف في المعاملة، والتوسط في المعاشرة، والإلتزام بالشرع في المخالطة.
قال سيدنا عمر رضي الله عنه: لا يكن حبك كلفا، ولا تبغضك تلفا.
والكلف شدة التعلق بالشيء، والتلف: الإهمال.(1/53)
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما" رواه الترمذي.
10- تبادل الهدايا والأعطيات؛ في المواسم والمناسبات، والإبتداء في ذلك على قدر الإمكان. فإن الهدية تزيد في المحبة، وتزيل ما في الصدر من عداوة وبغضاء.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" تهادوا تحابوا" رواه أبو يعلى.
11- الابتداء بالسلام والمصافحة كلما تجدد اللقاء، مع بشاشة الوجه، وطيب الكلام.
عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر الله لهما قبل أن يفترقا" رواه أبو داود.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق". رواه مسلم.
11- تجنب السخرية والغيبة والحسد والبغضاء والظن السوء، والتماس الأعذار له في كل أمر لم يجر حسب مراده.
قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيرا منهن، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} الحجرات 11 – 12.(1/54)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا، التقوى ها هنا ـ وأشار الى صدره ـ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله" رواه مسلم.
13- تجنب إفشاء سر ائتمنه عليه صاحبه مهما كانت الأسباب، قال أحد العلماء: لا تصحب من الناس من لا يكتم سرك، ويستر عيبك، ويكون معك في النوائب، ويؤثرك في بالرغائاب، وينشر حسنتك، ويطوي سيئتك، فإن لم تجده فلا تصحب إلا نفسك.
14- أداء حقوق الصحبة، وهي كثيرة يضيق المجال لذكرها مع شواهدها، ونكتفي بعرض بعضها كما جمعها كثير من السلف الصالح:
قال سيدنا عمر رضي الله عنه ثلاث يصفين لك ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيته، وأن توسع له في المجلس وأن تدعوه بأحب الأسماء إليه.
وقال: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تظن بكلمة خرجت من أخيك شرا وأنت تجد لها في الخير محملا، ولما كافأت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، وعليك بإخوان الصدق وأكثر في إكتسابهم فإنهم زين في الرخاء، وعدة عند عظم البلاء.(1/55)
وقال أحد العلماء: آداب الأخ مع أخيه بل يظن به ظنا سيئا، ولا يظلمه ولا يستغيبه، ويرد غيبته، ويدعو له، ويطلب الدعاء منه، ويصبر في صحبته، ويوالي وليه، ويعادي عدوه، ويتفقده إذا غاب، ويعوده إذا مرض، ويزوره إذا دعاه، ويسير في حاجته، ويفرج كربته، ويدخل السرور عليه، ويستر عورته، ويسلم عليه، ويبتسم في وجهه ويوسع له في مجلسه، وينصحه في سره، ويساعده في ماله، ويكتم سره، ولا يبلغه ما يسؤوه من تانتس، ويبلغه ثناء الناس عليه، ويشكره على معروفه، ويكون صادقا في وده سرا وعلانية، ويذكره بعد موته، ويكون وفيا مع أهله وأقاربه.
وقال آخر: حق أخيك عليك أن تغفر زلته، وترحم عبرته، وتقبل معذرته، وتحفظ خلته، وترعى ذمته، وتشهد ميتته، وتجيب دعوته، وتقبل هديته، وتكافئ صلته، وتشكر نعمته، وتحفظ حرمته، وتقبل شفاعته، ولا تخيب مقصده، وتشمت عطسته، وتنشد ضالته وتطيب كلامه، ولا تقاطعه في حديثه، وأن تبر أنعامه، وتصدق أقسامه، وأن تواليه ولا تعاديه، ولا تخذله ولا تشمته، وأن تحب له من الخير ما تحب لنفسك، وتكره له من الشر ما تكره لنفسك.
وقال آخر: من حقوق أخيك: الإيثار بالمال، والإعانة بالنفس، وكتمان السر، وستر العيوب، والشكر على المعروف، والإعانة على الإحسان، والنصح عند الإساءة، والحفظ بظهر الغيب إذا غاب عنك، والمحبة الخالصة لله تعالى، وعدم إيذائه بقول أو فعل، وأن يتواضع له، ولا يتكبر عليه، ويعفو عنه، وقد أوحى الله الى يوسف: بعفوك عن إخوتك رفعت ذكرك في الدارين.
قال تعالى:{ إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون}. الحجرات 10.
وقال سبحانه:{ واخفظ جناحك للمؤمنين} .
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه" متفق عليه.(1/56)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، وإتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس" متفق عليه.
وعن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال: يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".
ـ 7ـ
آداب السلام
يبحث العالم اليوم عن السلام كأقصى ما يتمناه الإنسان، وغاية ما ترجوه البشرية، في حين نجد أن الإسلام منذ أربعة عشر قرنا قد مجد السلام وكرمه، ثم حققه ونشره، بعد أن غرسه في قلب كل مسلم وعلى لسانه وفي كل أعماله.
قدس السلام فجعله اسما من أسماء الله الحسنى التي أمر الله تعالى الناس أن يدعوه بها:{ هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام} الحشر 23.
والسلام هو تحية أبي البشر هدية زفتها له الملائكة الأبرار، قال صلى الله عليه وسلم:" لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام قال: إذهب فسلم على أولئك ـ نفر من الملائكة جلوس ـ فاستمع ماذا يحيّونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوا ورحمةالله" متفق عليه من حديث أبي هريرة.
ولما جاءت الملائكة سيدنا إبراهيم عليه السلام تبشره بإسحاق قدمت بين يديها عند الدخول تحية السلام:{ هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما، قال سلام} الذاريات 25.
وأمر الله تعالى عباده بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه:{ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} الأحزاب 56.(1/57)
وكما أن الله تبارك وتعالى كرر في ثنايا كتابه الكريم السلام على الأنبياء والمرسلين تكريما لأعمالهم، وتخليدا لذكراهم وتعريفا بفضلهم:{ سلام على نوح} الصافات 79، { سلام على إبراهيم} الصافات 109، { سلام على موسى وهارون} الصافات 120، { سلام على ال ياسين} الصافات 130، وعن سيدنا يحيى عليه السلام يقول:{ وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا} مريم 15، ويقول على لسان سيدنا عيسى { والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} مريم 33.
والإسلام هو دين السلام قال سبحانه:{ يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} البقرة 208. والسلام كلمة مقدسة يكررها المسلم في كل صلاة عدة مرات، ثم يختم صلاته بقوله" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" وهو خير ما في الإسلام فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال:" تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف". وجعله سببا مفضيا الى المحبة، فالإيمان فدخول الجنة فقال عليه الصلاة والسلام:" لا تدخلوا الجنة حنى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم عن أبي هريرة.
وليلة القدر التي نزل فيها القرآن العظيم هدى ورحمة للعالمين وصفها الله تعالى بأنها { سلام هي حتى مطلع الفجر} القدر 5. وأمر نبيه أن يعامل معارضيه وخصومه قائلا:{ فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون} الزخرف 89. كما جعل تحية أهل الجنة حين يلقون ربهم { تحيتهم يوم يلقونه سلام} الأحزاب 44، وعندما تتلقاهم الملائكة { وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} الزمر 73، وكذلك ينعم عليهم المولى عز وجل بخطابه الإلهي:{ ادخلوها بسلام، ذلك يوم الخلود} ق 34.(1/58)
وأخيرا فقد شرع الإسلام السلام تحية بين المسلمين وحض على إفشائه والإكثار من ترداده، كلما لقي المسلم فردا أو جماعة، عرفهم أم لم يعرفهم كما سبق في الحديث الشريف، وجعل ذلك أحد الطرق الموصلة الى الجنة فقال عليه الصلاة والسلام:" يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام" رواه الترمذي عن عبدالله بن سلام.
وقد بلغ من محبة السلف الصالح لبذل السلام هذه الحادثة الغريبة " عن الطفيل بن أبي بن كعب أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه الى السوق، قال: فإذا غدونا الى السوق، لم يمر عبدالله على سقّاط ولا صاحب بيعة ولا مسكين ولا أحد إلا سلم عليه، قال الطفيل: فجئت عبدالله بن عمر يوما، فاستتبعني الى السوق، فقلت له: ما تصنع بالسوق، وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السوق؟ وأقول: اجلس ههنا نتحدث، فقال: يا أبا بطن، ـ وكان الطفيل ذا بطن ـ إنا نغدو من أجل السلام، فنسلم على من لقيناه" رواه مالك في الموطأ.
وإذا كان للسلام هذه الأهمية في الإسلام، فإن له آدابا كثيرة على المسلم أن يراعيها في معرفة أحكامه، وكيفية إلقائه، وغير ذلك من الآداب الكريمة التي لا تترك نقيرا ولا فتيلا ولا قطميرا:
1- الالتزام بصيغة السلام الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: السلام عليكم ويمكنه أن يزيد ورحمة الله وبركاته، أما رد السلام فيكون على الفور وبالصيغة التالية وعليكم السلام، والأفضل أن يزيد ورحمة الله وبركاته، ولئن كان إلقاء السلام سنة فإن رده واجبا يأثم تاركه.
قال تعالى:{ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها، إن الله كان على كل شيء حسيبا}. النساء 86.(1/59)
وعن عمران بن الحصين رضي الله عنهما قال: جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" السلام عليكم، فرد عليه ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عشر، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله ، فرد عليه فجلس، فقال: عشرون، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال: ثلاثون". رواه أبو داود والترمذي.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" هذا جبريل يقرأ عليك السلام. قالت: قلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته" متفق عليه.
2- أن يأتي بضمير الجمع وإن كان المسلم عليه واحدا، وان يقصد من سلامه إمتثال لأمر الله تعالى ورسوله، وعقد وشائج المحبة والأمان والإطمئنان بين المسلمين.
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع:" بعيادة المريض، وإتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار المقسم" متفق عليه.
3- أن يبدأ بالسلام قبل الكلام إذا أتى أحدا في بيته، أو لقي أحدا في الطريق، وأن يختم مجلسه أو كلامه بالسلام أيضا.
قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} النور 27.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا انتهى أحدكم الى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم. فليست الأولى بأحق من الآخرة" رواه أبو داود والترمذي.
وعن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي أصحابه لم يصافحهم حتى يسلم عليهم. رواه الطبراني.
وعن قتادة مرسلا: إذا دخلتم بيتا فسلموا على أهله، فإذا خرجتم فودعوا أهله بسلام. رواه البيهقي.
4- السلام على أهل بيته كلما دخل البيت أو خرج منه.(1/60)
عن أنس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم تكن بركة عليك وعلى أهل بيتك" رواه الترمذي.
5- التجرؤ على ابتداء السلام وإلقائه على الآخرين، لا انتظار الناس لتلقي عليه السلام. وذلك ليكتسب الأجر الكبير الذي ينتظر من يبدأ غيره بالسلام.
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله، الرجلان يلتقيان، أيهما يبدأ بالسلام؟ قال:" أولاهما بالله تعالى" رواه الترمذي.
6- يستحب أن يكرر المسلم السلام على أخيه المسلم كلما تقرر لقاؤه به ولو كان الفاصل زمنا يسيرا.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا لقي أحدكم اخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه" أبو داود.
7- يستحب إذا أتى قوما وهم جمع كثير أن يسلم عليهم ثلاثا حتى يبلغهم جميعا.
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثا. متفق عليه.
8- يسلم الماشي على الواقف، والراكب على الماشي، والصغير على الكبير، والواحد على الجماعة، والقليل على الكثير، وهكذا..
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير". متفق عليه.
9- إذا قدم جماعة على فرد أجزأ أن يسلم أحدهم نيابة عنه، وإذا قدم أحد على جماعة فسلم عليهم أجزأ أن يرد أحدهم عليه نيابة عنهم.
عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يجزئ عن الجماعة مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم" رواه أبو داود والبيهقي.
10- يستحب خفض الصوت بالسلام ليلا، أو إذا أتى قوما بينهم نيام.(1/61)
عن المقداد رضي الله عنه قال:" كنا نرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه من اللبن، فيجيء من الليل، فيسلم تسليما لا يوقظ نائما، ويسمع اليقظان" رواه مسلم.
11-يستحب أن يسلم على نفسه إذا دخل بيته وكان خاليا قائلا:" السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين".
قال الله تعالى{ فإذا دخلتم بيوتنا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة} النور 61.
12-يسن السلام على الصبيان إذا مر بهم، مما يستجلب محبتهم، ويقوي شخصيتهم، ويمهد لنصحهم وتعليمهم، وينفي الكبر عن الذي ألقى السلام، كما يستحب إلقاء السلام على الفقراء والمساكين.
عن أنس رضي الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله" متفق عليه.
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم مر على غلمان فسلم عليهم.
13-تستحب المصافحة مع السلام، دون الانحناء أو العناق أو التقبيل.
عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا". رواه أبو داود.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا. قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا. قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم. رواه الترمذي.
14-تستحب استصحاب بشاشة الوجه، ولين الجانب، وحرارة اللقاء، أثناء إلقاء السلام أو رده.
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق" رواه مسلم.
15-يكره ألقاء السلام على من يبول، وعلى النائم، وعلى المصلي أو المتوضئ حتى ينتهيا، كما يكره السلام على تالي القرآن والمنشغل بالذكر أو الدعاء لئلا يشغلهم عن عبادتهم برد السلام، كما يكره السلام على المؤذن والخطيب والمدرس.
ـ 8 ـ
آداب الإستئذان(1/62)
الإستئذان أدب رفيع، يدل على حياء صاحبه وشهامته، وتربيته وعفته، وتزاهة نفسه وتكريمها عن رؤية ما لا يحب أن يراه عليه الناس، أو سمعا حديث لا يحل له أن يسترقه دون معرفة المتحادثين، أو الدخول على قوم وإيقاعهم بالمفاجأة والإحراج.
والإستئذان هو طلب الأذن، ويكون لدخول بيت، أو الانضمام الى مجلس، أو الخروج منه، أو التصرف في متاع غيره، أو ابداء رأي في مجتمعات الناس، أو سماع حديثهم.
أخرج ابن جرير عن عدي بن ثابت قال: جاءت امرأة من الأنصار فقالت يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، وإنه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي وانا على تلك الحال، فكيف أصنع؟ فنزلت:{ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} ولا يخفى ما في هذه الآية من معنى الإستئناس، الذي هو أبلغ من الاستئذان، إذ هو بالإضافة الى ما فيه منمعنى طلب الإذن، فيه معرفة أنس أهل البيت، واستعدادهم لاستقباله، ورضاهم عن دخوله عليهم.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث غلاما من الأنصار يقال له مدلج الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقت الظهيرة ليدعوه فوجده نائما قد أغلق عليه الباب، فدق عليه الغلام الباب ودخل فاستيقظ عمر وجلس فانكشف منه شيء، فقال عمر: وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا عن الدخول في هذه الساعات إلا بإذن، ثم انطلق الى رسول الله صلى الله عليه سولم فوجدهذه الآية:{ يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات..}. قد نزلت، فخرّ ساجدا شكرا لله تعالى.
ومع تقدم الحضارة، وصناعة البيوت المغلقة، والأبواب المحكمة، فما زال هناك من يدخل بيته دون سلام، أو يغشى غرفة غيره، أو يقتحم مجلسه دون إعلام أو إستئذان.(1/63)
وإذا ما تعود الغلام منذ نعومة أظافره أن يستأذن على والديه كما أمر الله تعالى، نشأ على هذه العادة الحميدة، وهي ملكة في نفسه وطبع كريم، يقدره عليه الناس ويحبونه، ويثقون في أمانته وكرامته.
وهذه طائفة من آداب الإستئذان التي جاء بها ديننا الحنيف قبل أن يعرف الناس، أصول الأعراف وفن المعاملات، وحسن التصرف واللباقة في البيوت والمجتمعات..
1- يجب الإستئذان لدخول بيت الناس، والإستئناس لمعرفة أنس أهل البيت بالدخول عليهم، فيأنس الداخل الى إذنهم، ويأنسون الى إستئذانه.
قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} .
2- يجب قرن الإستئذان بالسلام، بل تقديمه عليه، لأن السلام قبل الكلام.
عن كلدة بن الحنبل رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلت عليه ولم أسلم، فقال صلى الله عليه وسلم:" ارجع فقل السلام عليكم أأدخل" رواه أبو داود والترمذي.
وعن ربعي بن نحراش قال: حدثنا رجل من بني عامر إستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال: أألج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه:" أخرج الى هذا فعلمه الإستئذان، فقل له قل: السلام عليكم أأدخل؟ فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل. رواه أبو داود.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه إستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام على رسول الله، السلام عليكم، أيدخل عمر. رواه ابن عبدالبر.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سئل فيمن يستأذن قبل أن يسلم قال: لا يؤذن له حتى يسلم. رواه البخاري.
3- ينبغي على من قرع الباب مستأذنا أن يقف بجانب الباب الذي لا يظهر منه البيت عند فتحه، وظهره للباب، وعليه أن يغض بصره ما استطاع.(1/64)
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: اطّلع رجل في حجر من حجر النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي مدرى ـ آلة رفيعة من الحديد ـ يحك بها رأسه، فقال صلى الله عليه وسلم:" لو أعلم أنك تنظر لطعنت بها في عينيك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر". متفق عليه.
وعن عبدالله بن بسر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى على باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيسر ويقول:" السلام عليكم السلام عليكم" رواه أبو داود وأحمد.
4- يشمل الأمر بالإستئذان النساء كما يشمل الرجال، لأنه شرع لئلا يطلع أحد على أحد على ما يطو الناس في بيوتهم مما لا يحبون أن يطلع عليه أحد، إلى جانب عدم النظر الى ما لا يحل له أن ينظر إليه.
عن أم أياس قالت: كنت في أربع نسوة نستأذن على عائشة رضي الله عنها فقلت: ندخل؟ فقالت: لا فقالت واحدة: لا فقالت واحدة: السلام عليكم أندخل؟ قالت: أدخلوا، ثم قالت:{ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها}.
5- يكون الإستئذان ثلاثا، فينتظر بعد طرق الباب بمقدار صلاة ركعتين، ثم يطرقه ثانية وينتظر المدة نفسها، ثم يطرق الثالثة فإن لم يجب إنصرف ولو كان متأكدا من وجود أهل البيت فيه. لما روي عن ابي هريرة رضي الله عنه أنه قال: الإستئذان ثلاث بالأولى يستنصتون، وبالثانية يستصلحون، وبالثالثة يأذنون أو يردون، وينبغي أن لا يحزن أو يغضب إن لم يؤذن له.
قال تعالى:{ وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا، هو أزكى لكم، والله بما تعملون عليم}. النور 28.
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الإستئذان ثلاث، فإن أذن لك وإلا فارجع" متفق عليه.
6- ينبغي عند إستعلام صاحب البيت عن المستأذن أن يذكر اسمه، ويكره أن يقول ( أنا) لعدم كفايتها في معرفة قائلها.(1/65)
عن جابر رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فدققت الباب، فقال:" من ذا؟" فقلت: أنا، فقال:" أنا أنا"؟ كأنه يكرهها. متفق عليه.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: خرجت ليلة من الليالي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده، فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني فقال:" من هذا؟" فقلت: أبو ذر. متفق عليه.
وعن أنس رضي الله عنه في حديثه المشهور في الإسراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ثم صعد بي جبريل الى السماء الدنيا فاستفتح"، فقيل: من هذا؟ قال:" جبريل" قيل: ومن معك؟ قال:" محمد"، ثم صعد الى السماء الثانية والثالثة والرابعة وسائرهن، ويقال في باب كل سماء: من هذا؟ فيقول: جبريل. متفق عليه.
7- يطلب الإستئذان بين الأهل في الدار الواحدة، عند إرادة الدخول على غرفة أحدهم، حتى مع أقرب الأقربين إليه، كأمه وأبيه..
عن زيد بن أسامة عن عطاء أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أأستأذن على أمي؟ قال: نعم، قال: إنها ليس لها خادم غيري فأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال:" أتحب أن تراها عريانة"؟ قال: لا، قال:" فاستأذن عليها". رواه مالك في الموطأ.
8- تعليم الأطفال الذين لم يبلغوا سن التكليف أن يستأنسوا في أوقات ثلاثة: وقت الفجر، وهو وقت النوم أو التهيؤ لصلاة الفجر، ووقت الظهيرة، وهو وقت القيلولة والراحة والتخفف من الثياب، ووقت العشاء، وهو وقت الخلود الى النوم، وكلها أوقات فيها مظنة التكشف، ومحبة الخلوة، وهذا التعليم من باب التأديب والتعويد، حتى إذا بلغوا سن المراهقة والرشد إستأنسوا في جميع الأوقات.(1/66)
عن أسماء بنت أبي مرثد أنها دخل عليها غلام لها في وقت كرهت دخوله فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها فأنزل الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)} النور.
9- ينبغي للمرأة أن تتعفف في ثيابها، وتلتزم الحشمة والكمال والأدب في مظهرها في منزلها، أمام أولادها وإخوتها ومحارمها لأن الله ستير يحب الستر والعفة والحياء.
قال تعالى:{ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)} النور.
وقال تعالى:{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} النور 31.
ـ9ـ
آداب الإستئذان(1/67)
لا بد للإنسان في حياته اليومية من مخالطة الناس ومعاملتهم، ومجالستهم في مجالس عامة أو خاصة، ومن خلال هذه المجالس يمكن الحكم على المتجالسين، وبما ينفضون عن مجلسهم من نتائج وثمرات يمكن الاعتداد بهذا المجلس والإفتخار بحضوره، أو الإعراض عنه وتجنب خطره وفساده.
والمجالس مجتمعات يحضرها أناس من جميع الطبقات، ويتكلم فيها رجال من كافة المستويات، منهم الغث ومنهم السمين ومنهم المصلح ومنهم المفسد، والمسلم من يستطيع أن يدير دفة المجلس لما فيه من خير المتجالسين في دينهم ودنياهم، ولما فيه رضى الله ورسوله، فإن لم يستطع فالإعراض عن ذلك المجلس هو محض الخير وعين الصواب.
قال تعالى:{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} النساء 140.
وقد كان الأنبياء والمصلحون يغشون مجالس الناس فيقعدون معهم بتواضع وإخلاص، يأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، ويذكرونهم بما يصلحهم، ويعظونهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ويرغبونهم بالتقوى والعمل الصالح، ويرهبوهم من الكفر والإثم والمعصية والعدوان.
ولا ينبغي للعالم أو المرشد أن يجالس قوما يخوضون في باطلهم، ويرتكبون الذنوب والآثام، غافلين عن الله، ساهين عن عقابه وانتقامه، مغترين بحلمه وإمهاله، إلا كما يجالس الطبيب المريض، والعالم المعلم الغافل الجاهل، بمقدار الحاجة وبما يحقق الدعوة والإصلاح، كما لا ينبغي للمسلم أن يجلس مجلسا تنتهك فيه حرمات الله، وتدور فيه كؤوس اللهو واللغو والمنكرات، يشاركهم فيها أكلهم وشربهم، وضحكهم وبطالتهم، غير مبال بما ينزل على مجلسهم هذا من غضب الله ومقته..(1/68)
ويضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا حيا فيقول:" لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم، وذلك بما عصوا وكانوا يعتدون"، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وكان متكئا ـ وقال:" لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرا" ـ أي تعطفوهم عليه ـ. رواه الترمذي عن ابن مسعود.
واليوم قل أن نرى مجلسا يذكر فيه الله والدار الآخرة، بعد أن عمت مجالس الغفلة والمنكرات، وفشت مجالس الغيبة والنميمة والطعن في الأعراض، والإنغماس في المحرمات.
ورب مجلس يقعده المرء مع قوم أشقياء، يصنع لنفسه فيه حلة من الشقاء تلازمه الى يوم القيامة..
ورب مجلس علم أو ذكر أو نصيحة يرتع فيها الإنسان في روضة من رياض الجنة فلا يخرج منها الى يوم القيامة..
وعن الصنف الأول يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله تعالى فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة" رواه الترمذي عن أبي هريرة.
وعن الصنف الثاني يقول عليه أفضل الصلاة والسلام:" ما جلس قوم يذكرون الله تعالى فيقومون حتى يقال لهم: قوموا قد غفر الله لكم ذنوبكم، وبدل سيئاتكم حسنات." رواه الطبراني عن سهل بن حنظلة.
هذا في الحديث عن أنواع المجالس، أما ما يتعلق بآدابها ففيها تنعكس جميع آداب المسلم الإجتماعية، وتتجلى براعته في لفت أنظار الناس، وانتزاع إعجابهم، واكتساب قلوبهم، وذلك بحسن أدبه، وكرم معشره، ودماثة خلقه، ولين جانبه، وطيب كلامه، وبشاشة وجهه.
وقد نبهنا الله تعالى الى شيء من هذه الآداب في كتابه العزبز، فأمر بالتوسع والتفسح في المجالس للقادمين إليها، وإكرامهم وإيثارهم والإحسان إليهم.(1/69)
أخرج ابن جرير عن قتادة قال: كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلا ضنوا بمجلسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت:{ يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل أنها نزلت يوم الجمعة وقد جاء ناس من أهل بدر وفي المكان ضيق، فلم يفسح لهم، فقاموا على أرجلهم، فأقام صلى الله عليه وسلم نفرا لعدتهم، وأجلسهم مكانهم، فكره أولئك النفر ذلك، فنزلت الآية.
وهذه باقة من الآداب الخاصة بالمجالس:
1- السلام عند الدخول الى المجلس، وعند الخروج منه.
2- الجلوس حيث ينتهي المجلس، ولو انتهى به الى مكان متواضع وتجنب تخطي الرقاب للوصول الى صدر المجلس.
3- تجنب الجلوس في مكان أحد بعد إبعاده عنه ولو كان طفلا صغيرا أو رجلا فقيرا.
4- تجنب الجلوس بين اثنين جلسا مع بعضهما قبله إلا إذا فسحا له بينهما.
5- تجنب الجلوس في وسط الحلقة في مجلس حلق فيه الناس على شكل دائري.
6- تجنب إشغال المكان الذي قام منه صاحبه إذا علم أنه سيعود إليه، والإفساح له في مجلسه إذا عاد إليه.
7- تجنب تهامس إثنين وتناجيهما مع بعضهما في مجلس لا يضم سوى ثلاثة أشخاص لئلا يظن بهم ظن السوء، أو يحزن لانشغالهم عنه وتركه وحيدا. إلا أذا أذن لهم بذلك.
8- تجنب تنقيص أحد أو الإستهزاء به في المجلس، أو الإستهتار بالحاضرين أو الجلوس على غير هيئة الأدب بينهم كالإستلقاء وهم جلوس أو القعود في مكان مرتفع وهم على الأرض أو مد الأرجل.
9- تجنب الاحتباء وتشبيك الأصابع وفرقعتها، والعبث بالخاتم، وتخليل الأسنان، وإدخال اليد في الأنف، وكثرة التمطي والتثاؤب.
10-التيامن في الدخول الى المجلس والخروج منه وشغل الأماكن بالجلوس، وإخلائها بعد المجلس، وفي توزيع الماء أو الطعام، حيث يبدأ بسيد المجلس ثم الأيمن فالأيمن.(1/70)
11-المحافظة على نظافة المجلس، وحضوره بثياب نظيفة، ومظهر حسن، متعطرا، متسوكا، مرجلا شعره، مقلما أظافره هادئا وقورا.
12-تجنب إفشاء أسرار المجالس، وما إئتمنه عليه أصحابها، فذلك من الخيانة.
13-تجنب نقل أحاديث المجالس وتبليغها على وجه الإفساد ونشر العداوة والبغضاء.
14-تجنب مجالس اللهو واللغو والحرام وهدر الأوقات، ونهش الأعراض، وغمط الناس وهمزمهم وغيبتهم، أو مجالس المراء والجدال والكفر والإلحاد والباطل. أو مجالس الغناء والمعازف أو مجالس الإختلاط وإثارة الغرائز والشهوات.
15-أداء حق المجلس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتذكير بالطاعات والصالحات والصدقات.
16-الإصغاء الى الكلام الحسن ممن يحدث، دون طلب إعادته، والبعد عن المضاحك والمهازل، وتجنب التصنع والقطع والتكلف والتبذل.
17-إنهاء المجلس بقراءة سورة العصر والتواصي بها والتذكير بمعناها الجامع لكل خير.
ـ10ـ
آداب النزهات
1- إخلاص النية في ترويح القلب، وإراحة الجسم للتقوي على طاعة الله تعالى، والعودة لتنفيذ أوامر الله بهمة أعلى، وعزيمة اقوى.
2- السمع والطاعة للمشرف على الرحلة أو النزهة بشكل كامل ومطلق.
3- التقيد التام، والإلتزام المطلق ببرنامج الرحلة ومواقيت حركاته، وخطوات تنقلها.
4- تجنب الإبتعاد عن الركب، وترك الجماعة لأي سبب كان إلا بإذن من المشرف.
5- التحلي بالأخلاق الحسنة الخاصة بالمعاملات، كالصدق والأمانة والإيثار، والصبر والحلم والتواضع، وطلاقة الوجه، ولين الكلام.
6- إغتنام الوقت بالتفكير في بديع صنع الله، وذكر الله تعالى، وأداء فرائض الله والمحافظة عليها، وسرد الأحاديث المعينة والممتعة لجميع الحاضرين.
7- المسارعة الى الخدمة، والمشاركة في إعداد متطلبات الرحلة وتحضير لوازمها.
8- تجنب الإختلاط، والإبتعاد عن الممنوعات والمحرمات، والحرص على راحة الأصدقاء.(1/71)