سلسلة تزكية النفوس يهدى ولا يباع
(5)
اعرف دينك
تأليف
الفقير إلى عفو ربه
أبي أنس
ماجد إسلام البنكاني
حقوق الطبع لكل من يريد طبعه وتوزيعه مجاناً
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
إنه من واجب المسلمين معرفة دينهم، حتى يتسنى لهم عبادة ربهم على بصيرة، فال تعالى على لسان نبيه: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } يوسف(108) ، فبالعلم يصل العبد إلى الطريق المستقيم وهو طريق رسول الله @ ومن تبعه، وهو طريق النجاة والسعادة في الدارين، فمن سلكه كان من المفلحين، ومن سلك طرقاً غيره كان من الخاسرين الضالين .
فعلى العبد معرفة ربَّه ودينَهُ ونبيهُ محمداً @، وعبادة الله تعالى توحيده وطاعته، وطاعة نبيّه @ واتباعه .
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتوفانا مسلمين، وأن يجعلنا من الذين يسقون من حوض النبي الكريم @. والله أسأل أن يجعل عملي هذا وعمل من يقرأه وينتفع به خالصاً لوجهه الكريم، ولا يجعل لأحد فيه نصيباً، وأن يجعل له القبول في الأرض وأن ينفعني في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إنه ولي ذلك
والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وكتب
ماجد إسلام البنكاني
أبو أنس العراقي
16/3/1428هـ
4/4/2007م
تمهيد(1/1)
عن عمر بن الخطاب >قال: "بينما نحن جلوس عند رسول الله @ ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي @ فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله @: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن تري الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، ثم انطلق فلبث ملياً، ثم قال: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم".رواه مسلم.(1/2)
قال النووي: هذا أصل عظيم من أصول الدين، وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين، وهو عمدة الصديقين، وبغية السالكين، وكنز العارفين، ودأب الصالحين، وتلخيص معناه: أن تعبد الله عبادة من يرى الله تعالى ويراه الله تعالى، فإنه لا يستبقي شيئا من الخضوع والإخلاص وحفظ القلب والجوارح ومراعاة الآداب ما دام في عبادته، وقوله: فإن لم تكن تراه فإنه يراك يعني أنك إنما تراعي الآداب إذا رأيته ورآك لكونه يراك لا لكونك تراه، وهذا المعنى موجود وإن لم تره لأنه يراك، وحاصله: الحث على كمال الإخلاص في العبادة ونهاية المراقبة فيها، وقال: هذا من جوامع الكلم التي أوتيها رسول الله، وقد ندب أهل الحقائق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعاً من تلبسه بشيء من النقائص احتراماً لهم واستحياء منهم فكيف بمن لا يزال الله تعالى مطلعاً عليه في سره وعلانيته، وقال القاضي عياض: قد اشتمل على شرح جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان وأعمال الجوارح وإخلاص السرائر والحفظ من آفات الأعمال حتى أن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه .اهـ. عمدة القاري (1/288).
الإسلام: هو الاستسلام والانقياد لله عز وجل وحده إخلاصا وتوحيدا, ومحبة, وإنابة. قال الله تعالى: { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } أي: إخلاصا وتوحيدا, ومحبة, وإنابة، فكان توحيد الله عقيدته، وأوصى به بنيه وذريته من بعده, وجعلها كلمة باقية في عقبه, وتوارثت فيهم, حتى وصلت ليعقوب فوصى بها بنيه.تفسير السعدي.(1/3)
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب: الإسلام وهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، وهو ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان، وكل مرتبة لها أركان. الأصول الثلاثة .
وهو دين الله تعالى الذي ارتضاه لعباده. قال الله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًاً } المائدة(3).
والذي يبتغي ديناً غير الإسلام فلن يقبل منه أي عمل ويكون من أهل النار والعياذ بالله، وهو من الخاسرين، قال الله تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } آل عمران (85) قال ابن كثير في التفسير: إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام, وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى ختموا بمحمد @ الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد @, فمن لقي الله بعد بعثة محمد @ بدين على غير شريعته فليس بمتقبل, كما قال تعالى: { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه } .. وقال السعدي: أي من يدين لله بغير دين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده، فعمله مردود غير مقبول، لأن دين الإسلام هو المتضمن للاستسلام لله، إخلاصا وانقيادا لرسله فما لم يأت به العبد لم يأت بسبب النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه، وكل دين سواه باطل.اهـ.
وكل من يدين بدين الإسلام عليه أن يأتي بأركانه وجميع شرائعه، وإلا يكون كاذباً في دعواه . قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .البقرة (208 - 209).(1/4)
قال الشيخ السعدي: هذا أمر من الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا { فِي السِّلْمِ كَافَّةً } أي: في جميع شرائع الدين, ولا يتركوا منها شيئا, وأن لا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه, إن وافق الأمر المشروع هواه فَعله, وإن خالفه تركه، بل الواجب أن يكون الهوى, تبعا للدين, وأن يفعل كل ما يقدر عليه, من أفعال الخير, وما يعجز عنه, يلتزمه وينويه, فيدركه بنيته، ولما كان الدخول في السلم كافة, لا يمكن ولا يتصور إلا بمخالفة طرق الشيطان قال: { وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } أي: في العمل بمعاصي الله { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } والعدو المبين, لا يأمر إلا بالسوء والفحشاء, وما به الضرر عليكم .تفسير السعدي.
أركان الإسلام
لقد بيّن لنا رسول الله@ أركان الإسلام كما في حديث جبريل عليه السلام . فعن عبد الله بن عمر { قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "بُني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة،والحج، وصوم رمضان". أخرجه البخاري في كتاب الإيمان برقم (8)،ومسلم في الإيمان برقم (16).
شهادة لا إله إلا الله .
فدليل الشهادة قوله تعالى: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ آل عمران(18).
ومعناها: لا معبود بحق إلا الله وحده (لا إله) نافياً ما يعبد من دون الله.
إلا الله مثبتاً العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته، كما أنه ليس له شريك في ملكه.
وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ الزخرف(26-28).(1/5)
وقوله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ آل عمران(64)، ودليل شهادة أن محمداً رسول الله قوله تعالى: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ التوبة(128).
ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع. الأصول الثلاثة.
فأصل دخول الإسلام بشهادة لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله. فمن ترك الشهادتين فهو كافر بلا شك، كيف يكون مسلماً ولم يأتي بهما؟.
فعن رفاعة الجهني - رضي الله عنه - قال : أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كنا بالكديد أو بقديد فحمد الله وقال: خيراً، وقال: "أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صدقاً من قلبه ثم يُسَدِّدُ إلا سلك في الجنة". صحيح الجامع برقم (7062) .
وفي رواية لمسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرم الله عليه النار". وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم،وروحٌ منهُ،والجنة حقٌ، والنارَ حق، أدخله الله الجنة على ما كانَ من العمل". رواه البخاري في أحاديث الأنبياء(3435)، باب صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّار، ومسلم في الإيمان(28)، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً .(1/6)
والأمر بالتوحيد يقتضي النهى عن الشرك، ولا يكون العبد موحداً لله إلا إذا ترك الشرك كله، فشهادة أن لا إله إلا الله تقتضي نفي كل شريك مع الله، وإثبات الألوهية لله وحده .
قال النووي: هذا حديث عظيم الموقع، وهو أجمع أو من أجمع الأحاديث المشتملة على العقائد، فإنه - صلى الله عليه وسلم - جمع فيه ما يخرج عن جميع ملل الكفر على اختلاف عقائدهم وتباعدها، فاختصر @ في هذه الأحرف على ما يباين به جميعهم، وسمى عيسى عليه السلام كلمة لأنه كان بكلمة كن، فحسب من غير أب، بخلاف غيره من بني آدم. قال الهروي: سمي كلمة لأنه كان عن الكلمة فسمي بها، كما يقال للمطر رحمة. قال الهروي: وقوله تعالى: { وروح منه } أي رحمة، قال: وقال ابن عرفة: أي ليس من أب إنما نفخ في أمه الروح. وقال غيره: وروح منه أي مخلوقة من عنده، وعلى هذا يكون إضافتها إليه إضافة تشريف كناقة الله، وبيت الله، وإلا فالعالم له سبحانه وتعالى ومن عنده، والله أعلم.اهـ.شرح النووي على صحيح الإمام مسلم .
قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم: باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد من استيقان القلب - هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان. وأحاديث هذا الباب تدل على فساده. بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها. ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح. وهو باطل قطعاً. أ.هـ. كتاب المفهم شرح صحيح الإمام مسلم .
وقال القاضي عياض: ما ورد في حديث عبادة يكون مخصوصاً لمن قال ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - وقرن بالشهادتين حقيقة الإيمان والتوحيد الذي ورد في حديثه، فيكون له من الأجر ما يرجح على سيئاته ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول الجنة لأول وهلة. أ.هـ.
والركن الثاني: الصلاة في قوله وإقام الصلاة .(1/7)
اعلم أخي الحبيب إن من أوجب ما أوجب الله عليك بعد الشهادتين الصلاة ، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، قال الله تعالى: { والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سيؤتيهم أجراً عظيماً } .النساء (162).
قال القرطبي: قوله تعالى: ويقيمون الصلاة معطوف جملة على جملة ، وإقامة الصلاة أداؤها بأركانها وسننها وهيئاتها فى أوقاتها، يقال قام الشيء أى دام وثبت وليس من القيام على الرجل وإنما هو من قولك قام الحق أى ظهر وثبت. وقيل يقيمون يديمون وأقامه أى أدامه، وإلى هذا المعنى أشار عمر - رضي الله عنه - بقوله:من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع . تفسير القرطبي(1/164).
وقال تعالى: { والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون } . سورة المؤمنون الآية (9-11). والآيات في هذا الباب كثيرة.
ودليل الصلاة قوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ . البينة (5).
واعلم أن ترك الصلاة كفر، ويستحق تاركها العقاب يوم القيامة . قال تعالى: { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) } . سورة المدثر .
قال القاضي: إقامتها تعديل أركانها وإدامتها والمحافظة عليها والصلاة فعلة من صلى إذا دعى .(1/8)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكذلك قوله تعالى: { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ tûüإزح !$sƒّ:$# (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) } فوصفه بترك الصلاة كما وصفه بترك التصديق ووصفه بالتكذيب والتولي و المتولي هو العاصي الممتنع من الطاعة كما قال تعالى: { سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيد تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) } . الفتح وكذلك وصف أهل سقر بأنهم لم يكونوا من المصلين.مجموع الفتاوى(7/613).
وعن بريدة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر". أخرجه أحمد(5/346)، والترمذي(2623)، والنسائي المجتبى (1/231)، والحاكم (1/6-7) ، وابن أبي شيبة في الإيمان(46)، صحيح الجامع رقم (4143).
قال المناوي : "العهد الذي بيننا وبينهم" يعني المنافقين هو "الصلاة" بمعنى أنها موجبة لحقن دمائهم كالعهد في حق المعاهد .
"فمن تركها فقد كفر" : أي فإذا تركوها برئت منهم الذمة ودخلوا في حكم الكفار فنقاتلهم كما نقاتل من لا عهد له .
وقال في الكشاف : والعهد الوصية وعهد إليه إذا وصاه .
وقال القاضي: الضمير الغائب للمنافقين شبه الموجب لإبقائهم ، وحقن دمائهم بالعهد المقتضي لإبقاء المعاهد والكف عنه ، والمعنى : أن العمدة في إجراء الأحكام الإسلام عليهم تشبههم بالمسلمين في حضور صلواتهم ولزوم جماعتهم وانقيادهم للأحكام الظاهرة ، فإذا تركوها كانوا وسائر الكفار سواء .فيض القدير .(1/9)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة". رواه مسلم برقم (82) ، وأبو داود في السنة برقم (4678)، والترمذي برقم(2622).
وفي رواية : "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة".رواه مسلم الإيمان والنسائي والترمذي وأبو داود. وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من فاتته صلاة العصر حبط عمله".رواه البخاري في مواقيت الصلاة برقم (553).
انظر أخي إذا كان ترك صلاة واحدة يحبط العمل فما بالك بمن ترك الصلاة بالكلية.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كلام نفيس في هذه المسألة أحببت أن أنقله هنا لأهميته ولكي تتم الفائدة لأحبتنا القراء حيث قال : ومن أحب الأعمال إلى الله وأعظم الفرائض عنده الصلوات الخمس في مواقيتها ، وهى أول ما يحاسب عليها العبد من عمله يوم القيامة ، وهى التي فرضها الله تعالى بنفسه ليلة الإسراء والمعراج لم يجعل فيها بينه وبين محمد - صلى الله عليه وسلم - واسطة وهي عمود الإسلام الذي لا يقوم إلا به ، وهى أهم أمر الدين كما كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يكتب إلى عماله إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها كان لما سواها من عمله أشد إضاعة ، وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة" . وقال: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "، فمن لم يعتقد وجوبها على كل عاقل بالغ غير حائض ونفساء فهو كافر مرتد بإتفاق أئمة المسلمين ، وإن إعتقد أنها عمل صالح وأن الله يحبها ويثيب عليها وصلى مع ذلك وقام الليل وصام النهار وهو مع ذلك لا يعتقد وجوبها على كل بالغ فهو أيضا كافر مرتد حتى يعتقد أنها فرض واجب على كل بالغ عاقل " . مجموع الفتاوى (10/ 433) .(1/10)
ثم قال رحمه الله تعالى: "ومن اعتقد أنها تسقط عن بعض الشيوخ العارفين والمكاشفين والواصلين أو أن لله خواصا لا تجب عليهم الصلاة بل قد سقطت عنهم لوصولهم إلى حضرة القدس أو لإستغنائهم عنها بما هو أهم منها أو أولى أو أن المقصود حضور القلب مع الرب أو أن الصلاة فيها تفرقة فإذا كان العبد في جمعيته مع الله فلا يحتاج إلى الصلاة بل المقصود من الصلاة هي المعرفة ، فإذا حصلت لم يحتج إلى الصلاة فإن المقصود أن يحصل لك خرق عادة كالطيران في الهواء والمشي على الماء أو ملء الأوعية ماء من الهواء أو تغوير المياه واستخراج ما تحتها من الكنوز وقتل من يبغضه بالأحوال الشيطانية فمتى حصل له ذلك استغنى عن الصلاة ونحو ذلك، أو أن لله رجالا خواصا لا يحتاجون إلى متابعة محمد بل استغنوا عنه كما استغنى الخضر عن موسى ، أو أن كل من كاشف وطار في الهواء أو مشى على الماء فهو ولى سواء صلى أو لم يصل ، أو اعتقد أن الصلاة تقبل من غير طهارة أو أن المولهين والمتولهين والمجانين الذين يكونون في المقابر والمزابل والطهارات والخانات والقمامين وغير ذلك من البقاع وهم لا يتوضئون ولا يصلون الصلوات المفروضات ، فمن اعتقد أن هؤلاء أولياء الله فهو كافر مرتد عن الإسلام باتفاق أئمة الإسلام ولو كان في نفسه زاهدا عابدا فالرهبان أزهد وأعبد وقد آمنوا بكثير مما جاء به الرسول وجمهورهم يعظمون الرسول ويعظمون أتباعه ولكنهم لم يؤمنوا بجميع ما جاء به بل آمنوا ببعض وكفروا ببعض فصاروا بذلك كافرين كما قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ(1/11)
وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152) } . النساء ، إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى . مجموع الفتاوى (10/435) ، والفتاوى الكبرى (2/263) .
وفي فتوى اللجنة الدائمة عن حكم ترك الصلاة أجابت: الصلاة ركن من أركان الإسلام فمن تركها جاحداً لوجوبها فهو كافر بالإجماع، ومن تركها تهاوناً وكسلاً فهو كافر على الصحيح من قولي العلماء في ذلك، والأصل في ذلك عموم الأدلة التي دلت على الحكم بكفره ولم تفرق بين من يتركها تهاوناً ومن تركها جاحداً لوجوبها. أ.هـ. فتاوى اللجنة الدائمة (1/37) .
وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ترك الصلاة فقد كفر".
قال محمد بن نصر المروزي : سمعت إسحاق يقول : صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تارك الصلاة كافر ، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر".ا.هـ.
الركن الثالث: الزكاة في قوله: وإيتاء الزكاة .
ودليل الزكاة قوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ . البينة (5).
وقال تعالى: { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } . سورة التوبة (103).
و عن أبي هريرة >: أن أعرابياً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال: "تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان" قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا، فلما ولى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا".رواه البخاري في كتاب الزكاة(1396)، وفي الآدب (5982)،ومسلم في كتاب الإيمان برقم (106).(1/12)
وعن معاذ بن جبل > قال: قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال: "لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت". وقال الألباني: صحيح لغيره، ، المشكاة رقم (29)، وصحيح الترغيب برقم (739).
وعن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب في حجة الوداع فقال: "اتقوا الله وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا أمراءكم تدخلوا جنة ربكم". السلسلة الصحيحة برقم (867).
والركن الرابع: حج بيت الله الحرام في قوله: والحج .
ودليل الحج قوله تعالى: ولِلَّهِ عَلَى الناسِ حِجُّ البَيِت مِنَ استَطَاعَ إلَيهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإنَّ الَّلهَ غَني عِن العَالَمِينَ [آل عمران:97].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور".أخرجه البخاري في الإيمان برقم (26) وفي كتاب الحج برقم (1447) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (244).
المبرور: المقبول لأنه لم يخالطه شيء من الإثم ولم يقع فيه معصية.
وقد جاء من حديث جابر مرفوعاً:"إن بِرَّ الحج إطعام الطعام وطيب الكلام".
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفضل الأعمال الإيمان بالله وحده ثم الجهاد ثم حجة مبرورة، تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس ومغربها".، صحيح الجامع رقم(1104)، وصحيح الترغيب رقم (1103).
وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "جهاد الكبير والضعيف والمرأة الحج والعمرة". صحيح الترغيب رقم (1100).(1/13)
و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه". رواه البخاري في كتاب الحج برقم (152)، ومسلم في كتاب الحج برقم (1350).
ورواه الترمذي إلا أنه قال: "غفر له ما تقدم من ذنبه".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه". أخرجه البخاري برقم (1449)، باب فضل الحج المبرور، ومسلم برقم(1350)،باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة .
الرفث : الجماع ، ويطلق على التعريض به وعلى الفحش في القول وهو أسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة .
الحج المبرور من مكفرات الذنوب والخطايا .
فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة". (1)
حج البيت: اسم جنس غلب على الكعبة وصار سلماً لها كالنجم للثريا والسنة لعام القحط، إن استطعت إليه سبيلاً: أي طريقاً بأن تجد زاداً أو راحلة بشرطهما وقيد بها في الحج مع كونها قيداً فيما قبله اتباعاً للنظم القرآني وإشارة إلى أن فيه من المشقة ما ليس في غيره على أن فقدها في نحو صلاة وصوم لا يسقط فرضها بل وجوب أدائه بخلاف الحج ثم المراد الإسلام الكامل فتارك ما عدا الشهادتين ليس بمسلم كامل؟ لا كافر .
الركن الخامس: الصوم في قوله: وصوم رمضان".
ودليل الصيام قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ َ [البقرة:183].
__________
(1) رواه الترمذي وحسنه وابن خزيمة وابن حبان، وصححه الألباني، المشكاة (2524، 2525) الصحيحة (1200)، صحيح الترغيب رقم (1105).(1/14)
الصيام لغة : هو الإمساك، قال الله تعالى: { إني نَذَرتُ للرَّحمن صوماً أي إمساكاً عن الكلام } . والمقصود به شرعاً هو الإمساك عن المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، مع النية والصيام فرض على كل مسلم بالغ عاقل، وهو من أركان الإسلام.
فعن طلحة بن عبيد الله ، أن أعرابياً جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثائر الرأس فقال : يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الصلاة ؟ فقال: الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئاً، فقال: أخبرني ما فرض الله عليَّ من الصيام؟ فقال: شهر رمضان إلا أن تطوع شيئاً، فقال: أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة؟ فقال: فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرائع الإسلام، قال والذي أكرمك لا أتطوع شيئاً ولا أنقص مما فرض الله عليَّ شيئاً فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أفلح إن صدق - أو دخل الجنة إن صدق - رواه البخاري برقم(1792)، ومسلم برقم (11).
والشاهد من الحديث قوله: "ماذا فرض الله عليَّ من الصيام".عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب في حجة الوداع فقال: "اتقوا الله وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا أمراءكم تدخلوا جنة ربكم".السلسلة الصحيحة برقم(867).
قال الشيخ ابن عثيمين: الصيام له ركن وهو: التعبد لله عزوجل بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولما كان المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات، وفِطامها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية، لتستعد لطلب ما فيه غايةُ سعادتهما ونعيمها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الجوع والظمأ من حدّتها وسَوْرتِها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين. اهـ. فقه العبادات لابن عثيمين (ؤص172، 173) .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الصَّوم جنَّة". أخرجه البخاري (4/87) في كتاب الصوم.(1/15)
وأمر من اشتدت عليه شهوةُ النكاح، ولا قدرة له على الزواج عليه بالصيام، وجعله وجاء هذه الشهوة. عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا معشر الشباب من استطاع منك الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.أخرجه البخاري(4/101)،ومسلم (1400). الوجاء: الخصاء والمراد أنه يقطع شهوة الجماع.
وكان للصوم رُتب ثلاث، إحداها: إيجابُه بوصف التخيير.
والثانية: تحتُّمه، لكن كان الصائم إذا نام قبل أن يَطْعَم حرُم عليه الطعام والشراب إلى الليلة القابلة، فنسخ ذلك بالرتبة الثالثة، وهي التي استقر عليها الشرع إلى يوم القيامة، وهي الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
أركان الإيمان
الإيمان : هو أن نؤمن بالله تعالى، وَمَلآئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، واليوم الآخر والبعث، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره .
الإيمان: وهو بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان.
وأركانه ستة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره شره. والدليل على هذه الأركان الستة قوله تعالى: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } البقرة (177)
ودليل القدر قوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ القمر (49) . قال الله تعالى: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } البقرة(285).(1/16)
أي: على المؤمن أن يؤمن بجميع الرسل ولا يكفر بأحد منهم ولا يفرق بينهم كما فرقت اليهود والنصارى .
فالإيمان بالله: يقتضي الانقياد والحب والطاعة والاتباع، والإيمان بأسماء الله وصفات كماله ونعوت جلاله على وجه الإجمال والتفصيل، وتنزيهه عن التمثيل والتعطيل وعن جميع صفات النقص
والإيمان بالملائكة: هو الإيمان بهم الذين نصت عليهم الشرائع جملة وتفصيلا .
والإيمان بالكتب والرسل أي: بكل ما أخبرت به الرسل وتضمنته الكتب من الأخبار والأوامر والنواهي، وأنهم لا يفرقون بين أحد من رسله، بل يؤمنون بجميعهم، لأنهم وسائط بين الله وبين عباده، فالكفر ببعضهم كفر بجميعهم بل كفر بالله .
قال الشيخ السعدي: يخبر تعالى عن إيمان الرسول والمؤمنين معه، وانقيادهم وطاعتهم وسؤالهم مع ذلك المغفرة، فأخبر أنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، وهذا يتضمن الإيمان بجميع ما أخبر الله به عن نفسه، وأخبرت به عنه رسله من صفات كماله ونعوت جلاله على وجه الإجمال والتفصيل، وتنزيهه عن التمثيل والتعطيل وعن جميع صفات النقص، ويتضمن الإيمان بالملائكة الذين نصت عليهم الشرائع جملة وتفصيلا، وعلى الإيمان بجميع الرسل والكتب، أي: بكل ما أخبرت به الرسل وتضمنته الكتب من الأخبار والأوامر والنواهي، وأنهم لا يفرقون بين أحد من رسله، بل يؤمنون بجميعهم، لأنهم وسائط بين الله وبين عباده، فالكفر ببعضهم كفر بجميعهم بل كفر بالله { وقالوا سمعنا } ما أمرتنا به ونهيتنا { وأطعنا } لك في ذلك، ولم يكونوا ممن قالوا سمعنا وعصينا، ولما كان العبد لا بد أن يحصل منه تقصير في حقوق الله تعالى وهو محتاج إلى مغفرته على الدوام،قالوا { غفرانك } أي: نسألك مغفرة لما صدر منا من التقصير والذنوب، ومحو ما اتصفنا به من العيوب { وإليك المصير } أي: المرجع لجميع الخلائق فتجزيهم بما عملوا من خير وشر .اهـ. تفسير السعدي.(1/17)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث جبريل عليه السلام قال: يا رسول الله! ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والقدر خيره وشره".رواه البخاري في الإيمان(50)، ومسلم برقم (6) .
وعن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويؤمن بالبعث ويؤمن بالقدر". صحيح سنن الترمذي برقم (2145).
الإحسان
{ إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } (128) سورة النحل
الإحسان: ركن واحد، وهو: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
والدليل قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ النحل:128. وقوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ الشعراء:217 ـ220]. وقوله تعالى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ يونس:61.(1/18)
والدليل من السنة: حديث جبريل المشهور عن عمر بن الخطاب> قال: ( بينا نحن جلوس عند النبي @ إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، فجلس إلى النبي@ فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقا ل: يا محمد أخبرني عن الإسلام. قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا . قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: أخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره قال: أخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال أخبرني عن الساعة. قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: أخبرني عن أماراتها. قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان قال: فمضى. فلبثنا ملياً. فقال: يا عمر أتدرون من السائل قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم .
الرضا بالله تعالى رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولاً
على المسلم أن يرضي بالله تعالى رباً وخالقاً ومدبراً، وإلهاً، وأن محمداً مرسل من عند الله، مصدقاً لما جاء به، وأن دين الإسلام هو الدين الحق، ولا يقبل الله من عبده ديناً غيره .
فعن أبي سعيد >، قال رسول الله @: "يا أبا سعيد! من رضي بالله رباً، و بالإسلام ديناً، و بمحمدٍ نبياً، وجبت له الجنة".رواه مسلم .
وعن العباس بن عبدالمطلب، "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا" . رواه مسلم(1/19)
وخرج البخاري ومسلم برقم (43/67) من حديث: أبي قلابة وأنس، عن النبي @ قال: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" .
وعن سعد بن أبي وقاص - صلى الله عليه وسلم - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال حين يسمعُ المؤذن : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
وأن محمداً عبدُهُ ورسولهُ ، رضيت بالله رباً ، وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - رسولاً ، وبالإسلام ديناً ، غُفِرَ لَهُ ذَنبُهُ".رواه مسلم في الصلاة برقم (849)، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يسأل له الوسيلة ، ورواه أبو داود (525)،باب ما يقول إذا سمع المؤذن، والترمذي(3520) ،والنسائي في الصغرى(677).
وفي رواية لمسلم: "غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه".رواه مسلم في الصلاة (849).
قوله : "رضيت بالله رباً" : أي رضيت بربوبية الله تعالى وحده لا شريك له ، ورضيت بقضائه وبقدره، ويلزم من ذلك الاتباع بما شرع .
و(وبمحمد رسولاً) أي مبلغاً، ويلزم كذلك الاتباع بما جاء به @ عن ربه.
و(وبالإسلام ديناً) أتدين بأحكامه دون غيره من الأديان، فإذا قال ذلك بلسانه أجريت عليه أحكام الإيمان من عصمة الدم والمال، وغير ذلك من الأحكام الدنيوية، فإن اقترن بذلك التصديق القلبي صار مؤمناً إيماناً حقيقياً موجباً لدخول الجنة بإذن الله عز وجل .(1/20)
قال ابن رجب: فهذه الثلاث خصال من أعلى خصال الإيمان، فمن كملها فقد وجد حلاوة الإيمان وطعم طعمه، فالإيمان له حلاوة وطعم يذاق بالقلوب كما يذاق حلاوة الطعام والشراب بالفم، فإن الإيمان هو غذاء القلوب وقوتها كما أن الطعام و الشراب غذاء الأبدان وقوتها، وكما أن الجسد لا يجد حلاوة الطعام والشراب إلا عند صحته فإذا سقم لم يجد حلاوة ما ينفعه من ذلك، بل قد يستحلي ما يضره وما ليس فيه حلاوة لغلبة السقم عليه، فكذلك القلب إنما يجد حلاوة الإيمان من أسقامه وآفاته، فإذا سلم من مرض الأهواء المضلة والشهوات المحرمة وجد حلاوة الإيمان حينئذ، ومتى مرض وسقم لم يجد حلاوة الإيمان، بل يستحلي ما فيه هلاكه من الأهواء والمعاصي.اهـ. شرح صحيح البخاري، ابن رجب الحنبلي
وأخيراً وبعد أن عرفنا دين الله تعالى والغاية التي خلقنا الله من أجلها، فنسأل أنفسنا هل نحن حقاً ندين بدين الله سبحانه وتعالى؟ وهل نتبعه حقاً، وهل نصرنا دينه عز وجل؟! حيث إن نصرة دينه سبحانه وتعالى بتطبيق شرعه، واتباع أوامره .
فهذه دعوة لك أخي المسلم، وهي لك أختي المسلمة بأن تراجعوا أنفسكم، هل ننحن حقاً نأتمر بأوامر الله تعالى وأوامر رسوله @، وهل أنتهينا عما نهانا عنه سبحانه وتعالى، ونهانا عنه رسوله @ .
فنقول: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ @ نبياً ورسولاً، نسأل الله أن نعمل بها، وأن نلقاه عليها .
هذا ونسأله سبحانه وتعالى أن يملأ قلوبنا خشية منه، ويرزقنا الاتباع ونصرت دينه، كما نسأله الإخلاص في القول والعمل.
وبهذا تم البحث، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
وكتب الفقير إلى عفو ربه
الناصح لإخوانه ماجد البنكاني
أبو أنس العراقي
هذه الصفحة تكون على الغلاف من الخلف(1/21)
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } . قال الشيخ السعدي: هذا أمر من الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا { فِي السِّلْمِ كَافَّةً } أي: في جميع شرائع الدين, ولا يتركوا منها شيئا .
وقال تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } آل عمران (85). قال ابن كثير في التفسير: إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام, وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى ختموا بمحمد@ الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد@, فمن لقي الله بعد بعثة محمد@ بدين على غير شريعته فليس بمتقبل, كما قال تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ .. } ، وقال الشيخ السعدي: أي من يدين لله بغير دين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده، فعمله مردود غير مقبول، لأن دين الإسلام هو المتضمن للاستسلام لله، إخلاصا وانقيادا لرسله فما لم يأت به العبد لم يأت بسبب النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه، وكل دين سواه باطل.اهـ.(1/22)