المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى جعل أمة محمد خير الأمم وقدمها في الخصائص والفضل فجعلها كما أخبر: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 110].
وتكرم الله عز وجل على هذه الأمة فأنزل عليها أفضل كتبه وضمن لها حفظه من التحريف والتعديل والتبديل وجعله معجزة خالدة على مر العصور والأزمان فقال الله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) } [الحجر: 9].
ولما كان سبحانه وتعالى وعد بحفظه سخر الله لهذا الكتاب العزيز أقوامًا منذ نزوله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - لحفظه والعناية به في الصدر وكتابته في السطور قال تعالى: { بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } [العنكبوت: 49].(1/1)
وكان لصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضل في حفظه والتسابق والتنافس في حفظه وفهمه منذ نزوله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقد كانوا يحفظونه خمس آيات خمس آيات كما أنزل على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فعن عمر رضي الله عنه قال: (تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فإن جبريل كان ينزل بالقرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسًا خمسًا) (1)، وسار على هذا المنهج التابعون حيث أن أبي عبد الرحمن السلمي وهو أحد أئمة الإسلام وأعلام التابعين كان يشغل معظم حياته بتعليم القرآن بعد أن تعلمه فمن أدرك من الصحابة رضي الله عنهم فقد بدأ يعلم الناس القرآن منذ خلافة عثمان رضي الله عنه إلى أيام الحجاج وكان مقدار ما مكث في تعليم القرآن سبعين سنة وكان يقول كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) (2).
وتتابع الزمان والمكان على الأمة المحمدية وكتابها مقدس معتنى به حفظًا ودراسة؛ ولأن كان لدولة من الدول ميزة فهي لهذه الدولة المباركة منذ تأسيسها على يد المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز آل سعود إلى وقتنا الحاضر وخاصة على يد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود فهي تعمل جاهدة على الخدمة العظيمة لكتابه العزيز سواء في طباعته ونشره أو دراسته وفهمه فكان لها أذن عام بتدريس هذا الكتاب وحفظه وتفسيره في المدارس الحكومية والأهلية وفي دور التحفيظ التي عمت كل أقطار بلادنا تلهج بتلاوة الآيات القرآنية صباحًا ومساءًا بل عملت على إقامة المسابقات الحكومية السنوية لحفظة كتاب الله ورصدت المكافآت المالية والعينية لهذه المسابقات المباركة وجهودها قد يعجز المداد على كتابته ويطول الوقت في ذكره.
__________
(1) …أخرجه البيهقي في الشعب (2/331) حديث (1959).
(2) …أخرجه البخاري في كتاب: فضائل القرآن، باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه (6/594).(1/2)
فنسأل الله لها الحفظ والتوفيق والسداد ونسأله جلت قدرته أن يجعلنا متعاونين على البر والتقوى لخدمة القرآن الكريم خير كتاب أنزل على أفضل نبي بعث، والصلاة والسلام على أفضل خلق الله.
- - -
إصلاح السجناء
شرعت الحدود صيانة للمجتمع من الشذوذ والإنحراف لا إكراهًا على الفضيلة وحسن الخلق، فهو مجتمع يقوم على عقيدة ينبع منها خلق ويصونه نظام، وهذه الثلاثة مجتمعة متضامنة متناسقة تعمل على تربية المجتمع وتطهيره وصيانته ففي جريمة الزنا مثلاً يتخذ القرآن خطوات متكاملة لتطهير المجتمع منها فيبدأ بالارتفاع بمقاييس الجمال وتنظيف الإحساس به وتذوقه، ويفسح مجاله حتى يشمل الكون كله بعقيدته وناموسه وآياته، فيحسن المؤمن بجمال العقيدة، وجمال الحق والخلق الكريم، ويتذوق جمال التناسق والكمال والتقدير، فيرقى ذوقه الجمالي، ولا يظل حبيسًا في محيط الجنس، وينفر بحسه وكيانه وذوقه من الخلاعة والابتذال.
وصور الزنا في صورة منكرة كريهة { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) } [الإسراء: 32] وقرنه بالشرك والقتل { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) } [الفرقان: 68].
واتخذ الوسيلة العملية للوقاية، فأمر بمعاونة الفقراء على الزواج { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ ِNà6ح!$tBخ)ur إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) } [النور: 32].
وحارب عوامل الغواية والإغراء، وسدد منافذ الشيطان إلى النفس.
{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } [النور: 3].
وحذر من مجرد الرغبة في إشاعة الفاحشة في المجتمع.(1/3)
{ إِن الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ } [النور: 19].
وصان الأعراض من الإفك، لهذا لا يصح أن تقال كلمة عن عرض إلا إذا كانت جريمة عليها بينة، ولهذا جاء حد القذف حازمًا شديدًا { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) } [النور: 4].
وبعد هذه الخطوات، وبعد تطهير المجتمع من كل الشبهات يأتي حد الزنا صيانة لهذا المجتمع من كل الشواذ والمنحرفين { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا ×pxےح!$sغ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) } [النور: 2].
وعلى هذا المنهج الذي تتداخل فيه أدب النفس وأدب المجتمع، وتتضامن العقيدة والخلق والتشريع طهر القرآن المجتمع من كل الجرائم والآثام(1).
وإن الإنحراف عن الحق والوقوع فيما يضاده لا تعد وأسبابه الفتن التالية:
1 - فتنة الشبهات.
2 - فتنة الشهوات.
3 - فتنة الجمع بين الشبهة والشهوة، لبس الحق بالباطل.
وكل انحراف أو ضلال أو خطأ - صغيرًا كان أو كبيرًا - لا يخرج في دوافعه عن الأسباب السابقة، فإذا وقع العبد في مخالفة شرعية، فإما أن يكون السبب في هذه المخالفة هو الجهل بها، وعدم العلم بحرمتها أو اشتبه الأمر عليه فحسبها مكروهة فقط فهذا الخطأ سببه الشبهة الناتجة عن قلة العلم، وضعف البصيرة.
__________
(1) …منهج القرآن في التربية، محمد فريد، (ص164 - 168)، مؤسسة الرسالة، 1397هـ - 1977م.(1/4)
وأما إذا كان لدى العبد الواقع في المخالفة علمٍ وبصيرة من دين الله أنها محرمة ومخالفة للشرع، ومع ذلك وقع فيها عمدًا، فإن السبب الدافع لهذه المخالفة إنما هو الشهوة وضعف النفس، ومثل هذا يقر ويعترف بمخالفته ومجانبته للصواب كما يعترف بذنبه وتقصيره.
وهناك شخص آخر قد لا يعترف بذنبه وتقصيره وإنما نراه قد راح يبحث عن شبهة في دليل وتفسير خاطئ، أو تأويل متعسف للأدلة ليبرر بها خطأه، ويمرر بها ضعفه وشهوته مع علمه بخطأ تصرفه هذا في قرارة نفسه، فهذا هو الهوى، وهذه هي المغالطة، وهذا هو لبس الحق بالباطل، وهو أشنع أنواع الانحراف، لأنه مكر وتحايل على شرع الله وخداع للناس.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "والفتنة نوعان: النوع الأول فتنة الشبهات وهي أعظم الفتن، وفتنة الشهوات وقد يجتمعان للعبد، وقد ينفرد بإحداهما".
فتنة الشبهات:
من ضعف البصيرة، وقلة العلم، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد، وحصول الهوى، فهنالك الفتنة العظمى، والمصيبة الكبرى، فقل ما شئت في ضلال سيء القصد الحاكم عليه الهوى لا الهدى، مع ضعف بصيرته، وقلة علمه بما بعث الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين وفتنة أهل البدع، على حسب مراتب بدعهم، فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اتنتبه عليهم فيها الحق بالباطل، والهدى بالضلال.
وهذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد، وتارة من نقل كاذب، وتارة من حق ثابت خفي على الرجل فلم يظفر به، وتارة من غرض فاسد وهوى منيع، فهي من عمى في البصيرة وفساد في الإرادة.
أما فتنة الشهوات:
قد جمع سبحانه من ذكر الفتن في قوله: { كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً } [التوبة: 69] أي تمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها والخلاق هو النصيب المقدر ثم قال: { وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا } فهذا الخوض بالباطل وهو الشبهات.(1/5)
فأشار سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان من الاستمتاع بالخلاق والخوض بالباطل؛ لأن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به، أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح.
فالأول: هو البدع وما والاها، والثاني: فسق الأعمال.
فالأول: فساد من جهة الشبهات، والثاني: من جهة الشهوات، ولهذا كان السلف يقولون: احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه.
وإن أشد هذه الفتن من جمع بين الشبهة والشهوة، وتحايل على شرع الله بأن غطى مخالفته وانحرافه بتأويل غير سائغ أو بشبهة دليل، وهو يعلم أنه متحايل ومخادع.
ومثل هؤلاء الملبسين عقوبتهم عند الله عز وجل أشد من الذين يقعون في المخالفات الشرعية، ولكنهم يعترفون بتقصيرهم وذنوبهم ولا يكابرون ويبررون.
إذن الدافع الحقيقي للانحراف هو الهوى والشهوة وحب الدنيا، ولكن بدلاً من أن يعترف بضعفه هذا وشهوته ويقر بذنبه في مخالفته للشريعة، فإنه يستدل لشهوته هذه بشبهة أدلة شرعية يعلم هو في قرارة نفسه أنها غير صالحة للاستدلال، لكن هواه يوحي إليه أنه لابد من غطاء يغطي به هذا الضعف والهوى(1).
__________
(1) …وقفات تربوية في ضوء القرآن الكريم، لعبد العزيز الجليل (405 - 408)، دار طيبة، ط2، 1419هـ - 1998م.(1/6)
فعندما يحدث الانحراف ويقع السوء فلابد من عقاب لهذا المنحرف أو الضَّال طريق الحق والهدى وليس هناك مربي ومهذب إلا كتاب الله سبحانه وتعالى وليس هذا مجرد اجتهاد للأمة بل هو نعم العلاج والعقار الشافي بإذن الله تعالى وتثبت الوقائع والأحداث هذا الأمر فكما لاحظت شخصيًا هذا الأمر فنحن في لجان التأديب في الكلية عندما تأتينا قضية أخلاقية تمس شرف الفتاة ويكون لزامًا علينا إصدار عقوبة لهذه الفتاة التي غُرر بها ذئب من ذئاب البشر ووجدت رفقة سيئة صاحبتها فترة من الزمن ثم كان هناك غفلة من الأهل فحدث مالا يحمد عقباه فكان لزامًا علينا أن نصدر عقوبة لهذه الفتاة ومع هذه العقوبة يكون مطالبة الطالبة بحفظ أجزاء من كتاب الله سبحانه وتعالى فقامت الطالبة بحفظ هذه الأجزاء في دار من دور التحفيظ ورجعت لنا لكي يشفع حفظها لكتاب الله لكي نعيد قيدها في الكلية فشاهدنا فتاة أخرى غير التي جاءتنا من قبل فتاة فيها من الوقار والحشمة بل والنور الذي في محياها بل بحسن عبارتها وألفاظها وتعاملها معنا لم يكن العقاب وحده هو الذي أثر على بنتنا الطالبة بل هو كتاب الله سبحانه وتعالى ولم يحدث ما حدث إلا بفضل الله سبحانه ومن ثم فضل هذه الدار التي أشادت الطالبة بها وبفائدة وما يُعطى فيها من توجيه وإرشاد وأيضًا من خلال زيارتي واتصالي بالأخوات المشرفات على السجينات في سجن الرياض واللاتي يقمن بتحفيظ القرآن داخل السجن للسجينات اللاتي عليهن قضايا متنوعة ما بين قضية السحر والشعوذة وقضايا المخدرات والقتل وغيرها كان للقرآن دور عظيم على السجينات من جميع النواحي النفسية والاجتماعية والأخلاقية وقبل ذلك الدينية.
وكثيرًا ممن يدخلن السجن وهن يجدن القراءة فور دخولهن وبعد المناصحة يطلبن نسخة من القرآن الكريم والتي لا تجيد القراءة تطلب تعلم القرآن وذلك لشعورهن بالراحة والطمأنينة التامة مع هذا الكتاب العظيم.(1/7)
أما تأثرهن بالقرآن فنحن نلمس أثره البالغ العجيب بعد التحاقهن بحلقات التحفيظ، التي هي ليست حلقات تحفيظ فقط بل يتخللها التفسير المشوق الهادف للآيات وذلك لجذبهن وليساعدهن على تثبيت الحفظ.
أثر القرآن الكريم على السجينات:
1 - من الناحية النفسية، التقبل الشديد للحفظ والشوق واللهفة للقرآن والتعلق به. ونرى ذلك في الهدوء والسكينة عليهن وخاصة اللواتي يعانين من الأمراض النفسية وحالات الاكتئاب فالقرآن علاج لهن من هذه الأمراض.
2 - ومن الناحية الأخلاقية: فإنه لابد من القرآن حتى يهذب خلق صاحبه فنجد أن أغلب السجينات قد تحسنت أخلاقهن بسبب حبهن وتعلقهن بالقرآن، فالسجينات يتركن المشاكل والمضاربات بسبب تهذيب القرآن لسلوكهن.
3 - ومن الناحية الاجتماعية: فإن أهالي السجينات أو أقاربهن عند علمهم بسجينتهم أنها التحقت بحلقات القرآن وحفظت بعض أجزاءه ساعد ذلك على تقبلهم لها وتسهيل إجراءات خروجها.
4 - وأما من الناحية الدينية فنجد أن السجينة ولله الحمد والمنة والفضل لديها الرغبة في معرفة أمور دينها ومجاهدة نفسها بالعمل به بعد مناصحتها وإلحاقها بحلقات القرآن وحثها على حضور المحاضرات والدروس حتى أن بعضهن أصبحن داعيات للإسلام وداعيات للخير في وسط العنابر لأخواتهن الأخريات ويشجعن على الالتحاق بحلقات الذكر بل تعدى ذلك إلى أهليهم وأقاربهم في خارج السجن.
وقد عالج القرآن هذه النفوس بالتوبة الصادقة التي نلتمسها بتصرفاتها ورجوعها إلى ربها المنان على عباده، فأصبحت تلك النفوس سوية هادئة يربيها القرآن ويذكرها بتقصيرها في جنب الله وظلمها لنفسها الأمارة بالسوء فترتفع بهذا الكتاب إلى النفس اللوامة لصاحبها.
ومن النماذج هذه الأمثلة الواقعية لبعض من منّ الله عليهن بفضله العظيم وجوده الكريم فهذا الرحمن الرحيم.(1/8)
1 - قضية من القضايا تأثرت صاحبتها بالقرآن ومعانيه فأصبح شغلها الشاغل داخل السجن، حفظت القرآن لدرجة أنها عند تسميع الآيات لا تستطيع تكملتها من كثرة بكائها وتأثرها وكانت حريصة جدًا على المحاضرات والدروس الشرعية وكانت سباقة للاشتراك في المسابقات الدينية خصوصًا مسابقات حفظ القرآن الكريم وكانت كثيرة الصيام والتهجد في جوف الليل ولم يشغلها هم وجودها في السجن ولاهم السؤال عن معاملتها بل كانت كثيرة الندم على ما فرطت في جنب الله عز وجل مع أن لها أولاد في سن المراهقة يحتاجون قربها وانتباهها وخوفها عليهم ومع هذا شغلها حفظ القرآن والإبحار في تفسيره لدرجة أن أخواتها في العنبر يقلن لا نراها إلا وهي تحفظ القرآن وتنصح أخواتها داخل العنبر وتتحمل تطاولهن عليها بالكلام بل ويقبلن عليها لضربها وتقسم هي بنفسها أنهن يقفن ولا يستطعن مد أيديهن عليها بسبب خلقها وتسامحها من شدة تأثرها بالقرآن بل كانت مصدر رزق لأولادها بسبب القرآن والمكافأت التي تأخذها على حفظ الأجزاء التي ترفع عنها. وقد سخر الله لها عباده داخل السجن وخارجه فتيسرت أمورها بإذن الله المنان عليها، وقد حفظت في السجن خمس وعشرين جزءًا من القرآن الكريم، والتحقت بعد خروجها من السجن بمدارس التحفيظ لتواصل حفظها حتى أتمت حفظ القرآن كاملاً وبأحكام التجويد وقد احتضنتها أيدي الخير من عباد الله الصالحين الصادقين واهتموا بها حتى أصبحت معلمة في مدارس التحفيظ وصارت مثل أعلى في حفظ القرآن وإتقانه وفي العلوم الشرعية وفي الحشمة والستر وفي الصبر والتحمل وفي التدبير.(1/9)
2 - قضيتها من قضايا السحر والشعوذة وحكمها طويل وعندما التحقت بحلقات التحفيظ تغير حالها وحفظت من كتاب الله ما يقارب نصفه وعرفت أن هذا الكتاب نزل لتذكير الطائعين وتبشيرهم.. وتنبيه وتحذير العاصين والمذنبين فاهتمت بنفسها وامتثلت أمر ربها واهتمت بأخواتها النزيلات بالمناصحة والدعوة إلى الإسلام فأسلم على يدها الكثير من الجنسية السيرلانكية داخل عنبرها مع أنها من بلد النيجر وهي نعمّ الأخت في حسن الخلق والأدب والحياء.
وقد قالت إن شاء الله إذا خرجت من السجن سوف أذهب إلى بلد سيرلانكا للدعوة إلى الإسلام ولكن بعد سفرها إلى بلدها لم يكتب الله لها الذهاب لتلك البلاد لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى وهي الآن موجودة في مكة المكرمة وقد أدت فريضة الحج عام 1426هـ. ثم التحقت بمدارس التحفيظ لتواصل حفظها في كتاب الله، وتحضير الدروس الشرعية مع المشايخ في الحرم المكي لتتزود بالعلم ولا زالت تتواصل مع المسؤولين في السجن هاتفيًا لتبلغهم عن أحوالها الطيبة وخاصة في القرآن الكريم ومقدار حفظها.
3 - قضيتها من قضايا المخدرات الكبيرة وحكمها طويل وبعد دخولها السجن رغبت الإسلام واعتنقته وكما هو الحال في السجن مع من يعتنقن الإسلام يقمن المسؤولات بتحفيظهن بعض السور من القرآن للصلاة بها ثم حثن على حلق القرآن وحلق الذكر سواء باللغة العربية إن كانت تفهمها أو بلغتها فحفظت من كتاب الله ما يقارب نصفه بطريقة الكتابة بلغتها حتى أتقنت لفظ الآيات وربط السورة كاملة اتقانًا جيدًا مع شيء من التجويد لحرصها الشديد على حضور الحلقات وعدم تغيبها حتى أصبحت داخل عنبرها داعية للإسلام مع بنات جنسها وصارت تقوم بتحفيظهن القرآن وهي شعلة من الجد والاجتهاد والحرص على حضور المحاضرات والدروس وقد خرجت من السجن وهي قمة في الصدق والخلق والأدب والحياء ومثل للمرأة المسلمة وجميع أولادها دخلوا في الإسلام بسببها.(1/10)
4 - قضيتها من القضايا الكبيرة في ترويج المخدرات ومدة حكمها عشرين عامًا وبعد مضي عشرة أعوام من مدة حكمها نُقلت من سجنها إلى سجن الرياض وبعد فترة وجيزة دخلت الإسلام بسبب كتيب عن الإسلام بكت عليه إحدى الداخلات بالإسلام عندما فقدته ثم بعد ذلك التحقت بحلقات القرآن فحفظت سورة الفاتحة وسورة أخرى لتصلي بها، بعدها أصبحت حريصة جدًا على حضور الحلقة ولم تتغيب قط فحفظت الثلاثة أجزاء الأخيرة من القرآن مع سورة البقرة كاملة وسورة الكهف وسورة النور وسورة ق وحرصت على إتقان القراءة الصحيحة لتثبيت حفظها إضافة إلى ذلك سلكت طريق الدعوة إلى الإسلام داخل العنبر وتحولت تلك الإنسانة بمنة الله وفضله عليها بعد الإسلام وحفظ القرآن إلى إنسانة ذات خلق وأدب رفيع وحياء جميل... وتقول إن شاء الله بعد سفري إلى بلدي سوف أدعو أهل بيتي بل وأهل مدينتي إلى هذا الدين العظيم دين الإسلام.
وقد حضرت عام 1426هـ إلى المملكة لأداء فريضة الحج وقد اتصلت بالمسؤلات في السجن من جوالها من عرفات لتقول وهي تبكي الحمد لله الذي منّ عليها بالإسلام وبحفظ القرآن وبمعرفة أمور هذا الدين العظيم.
وهناك الكثير ممن كان القرآن العظيم سببًا في هدايتهن وتغيير أحوالهن.
وبعد هذه الأمثلة التي هي من الواقع وليست نسجًا من خيال بل هو واقع لأخواتنا السجينات وغيرهن ممن رجعن للقرآن فكان الهادي والمرشد لهن في ظلمات الليل الحالك السواد الذي كن يعشن فيه.(1/11)
وبعد هذا فإن هناك قناعة عظيمة وكبيرة لكي نعمل على إشادة دور التحفيظ في كل حي وكل منطقة بل وكل مدينة في بلادنا الحبيبة لكي تساعد بعد الله سبحانه وتعالى في إيجاد مناخ مناسب وتربة خصبة لاحتضان ليس الذي عليه عقوبة أو وقع في سوء أو شر بل لتربية وتحصين شبابنا وشابتنا في ظل هذا الانفتاح الكبير للعالم الخارجي الذي يبث سموم وشر وإجرام لكل مبادئ الخير والدين فعلينا أن نساعد على توفير هذه الدور بل والمشاركة فيها بكل ما لدينا من وسائل وإمكانات ووضع البرامج والخطط التي من شأنها الرقي بالدور وحسن الاستفادة منها بشكل كبير.
هذا وبعد فهو جهد قليل قمت به خدمة لكتاب الله أولاً ثم وضع بعض الأفكار التي قد تساعد على المحافظة على كتابنا العزيز والعمل على توفير هذه الدور والقيام بإنشاء أكبر عدد منها على أسس قوية لكي تخدم أجيالنا التي تحتاج لهذا الكتاب العظيم كمبراس ومنهج في حياتها.
والعمل على توفير أسباب حفظه ومدارسته، ثم تدبره وتطبيق ما جاء فيه من الأوامر والنواهي، أسوة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبمنهجه في تربية أصحابه رضوان الله عليهم.
هذا وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
- - -(1/12)