العنوان: ابني كثير الأسئلة
رقم الاستشارة: 191
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
لدي ابن يبلغ من العمر خَمْسَ سنوات، وهو الابن الأكبر، أُعاني مشكلة فيه، وهي كثرة الأسئلة والكلام؛ لدرجةٍ مُزْعِجة جِدًّا تُضايق والده وأقاربه!
كيف أتعاملُ معه؟! وهل أنا ملزَمة بالإجابة عن جميع أسئلته؟!
أُخبره دائمًا أن كثيرَ الكلام لا يُحِبُّه الناس ويتضايقون منه، وهو حساس جدًّا، وكثير الخوف.
شاكرة لكم تعاونكم.
-----------------------------------------
الجواب:
حياكِ الله أختي الفاضلةُ، ونشكر لكِ ثقتَكِ..
التربية تحتاج منا إلى كثير منَ الاهتمام؛ فبالتربية نصنع جِيل الغد، وما أَصْعَبَها من مسؤولية أن يكون لنا دور في صناعة الإنسان! وأن تبقى بصماتنا واضحةً على شخصيته، تَكْبُرُ معه وتنمو، حتى تلازمه في حياته، ويكون لها أثر على ثقته ونفسيته وانطلاقته بالمستقبل.
السنوات الأولى من عمر الطفل مهمَّة جدًّا، عكسَ ما يعتقد البعض، ولها الأثر الأكبر في تكوين شخصيته بالغد.
يبدو طفلُكِ عاطفيًّا، وهذا يعني أنَّه يحتاج منك إلى المزيد منَ الاهتمام؛ لتدربيه على التعامل مع عواطفه بذكاء، دون أن يَكْبِتَها أو يخجل منها!
فالشخص العاطفي لو استطاع فَهْمَ مشاعِرِهِ وإدارَتَها؛ سيكون أكثرَ نجاحًا من غيره؛ حيث تحركه مشاعِرُ قويةٌ، تعطي روحًا لما يقوم به، المهمُّ أن يتعلم كيف يُدِيرُ مشاعره؛ لتكون مِلْكَه، ولا يكون مِلْكَها!
لمْ تُخْبِرِينا هل له إخوة بعدَهُ؟ وكيف أُسلوب تربيتكم له عامَّة؟ هل هي تربية شديدة، أو تربيةُ حمايةٍ، أم ديمقراطية، أو أَنَّكم تجيدون الحب مع الحزم في التربية؟!
وكيف شخصية والده، وتعامُله معه؟
لو أجَبْتِنا عن هذه الأسئلة سنكون أَقْدَرَ على مساعدتكِ بدِقَّةٍ أكثَرَ.
لكن بصورة عامَّة ننصحُكِ بالتالي:(1/1)
• تذكَّري أنَّ إدراكَكِ لطبيعة ولدِكِ سيُساعدُكِ كثيرًا على تربيته، ليس اليوم فقط وهو صغير؛ بل حتى حينما يَكْبَرُ ويصبح مراهقًا أيضًا، فاليوم تَبْنِينَ خيوط صداقةٍ ستستمر معكِ وتعينُكِ.
• لكثرة الأسئلة دَلالة صحّيَّة على حُبِّ المعرفة، وغالبًا يُكثر الأطفال في هذا العمر من الأسئلة بصورة طبيعيَّة، ولَرُبَّما تكون أحيانًا دالَّةً على طلب الاهتمام؛ إنْ كان الطفل يشعر ببُعد الكبار عنه، وقِلَّة اهتمامهم به.
• أعطيه وقتًا مخصَّصًا له يَشعر فيه باهتمامِكِ، تَشارَكَا معًا في قراءة قصة أوِ البحث عن معلومة.
خمس سنوات ليس صغيرًا؛ يُمْكِنُكِ أن تُوَسِّعي آفاقه وتُعَلِّمِيهِ كيف يسأل بطريقة سليمة، وكيف يمكنه البحثُ عن الإجاباتِ بين الكُتُب، أو باستشارَةِ أَهْلِ الخبرة!
• ضعي له حدودًا لأسئِلَتِه حينما يتعلَّق الأمر بالآخَرِينَ، وعلِّميه أنَّه من حُسْن إسلام المرء تَرْكُه ما لا يَعْنِيه؛ فمن الأسئلة ما يُوَسِّع الأُفُقَ، ومنها ما يدخل ضمن خصوصيات الآخرين.
• عزِّزي سُلُوكِيَّاتِهِ الإيجابيةَ، وانتبهي أن تُحبِطِي طبيعتَه العاطفيةَ؛ بالعكس ساعديه ليجيد التعامل مع مشاعِرِه، وأَشعِرِيهِ بقُربِكِ وبأنَّك تَشْعُرِين به، وفي الوقت نفسه تَثِقِينَ به، وتتوقَّعِينَ منه أن يستفيدَ من مشاعره بإيجابيَّة، ويجيد التغلب على السلبيِّ منها.
• ختامًا - وهو الأهمُّ - احتسبي دومًا الأجر بِتَرْبِيَتِك، وادْعي اللَّه كثيرًا أن يُوفِّقَكِ فيها، ويجعله من الصالحين المصلحين.(1/2)
العنوان: ابني ومستواه الدراسي
رقم الاستشارة: 216
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم،
أتوجَّهُ بالشكر لكلِّ القائمين على هذا الموقع، جعله الله في ميزان حسناتهم.
لدي استشاره أوجهها للدكتور ياسر بكار:
لديَّ ابن يبلغ من العمر خمس سنوات، ولديه أخت توءم، لكنني ألاحظ عليه ضعف التركيز؛ فهو عندما يأتي من المدرسة أسأله عما درسه، فلا يستطيع معرفة الحروف، ولا الأرقام مع أن معلمته في المدرسة تخبرني أنه يجيب على أسألتها، ولكنها تشكو عدم تفاعله؛ حيث إنه لا يجيب إلا إذا طُلِب منه.
قد أكون عصبية معه بعض الشيء، ولكني حاولت - بشتى الطرق - أن أرفع مستواه الدراسي لكن دون فائدة، فعندما أسأله وأجيب يكرر الإجابة، وأسأله بعد ثوانٍ لا يستطيع، أرجو مساعدتي، مع العلم أنه في المرحلة التمهيدية وأخته في نفس المستوى ولكنها أذكى منه.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة.. مرحبًا بك في موقع الألوكة وشكرًا لثقتك الغالية..
هناك عدة أمور قد تفسر حالة ولدك - حفظه الله - أسردها في النقاط التالية:
أولاً: أن يكون من طبع الطفل الخجل والرغبة في عدم الضغط عليه حتى يتعلم، وهذا طبع نولد به، ويمكن تغييره بالهدوء والتفهم والمساندة.
ثانيًا: قضية المقارنة مع أخته قضية مُؤلِمة للطفل، وقد تُسَبِّب له قلقًا يؤدي إلى عدم التجاوب، قد تقولين إنك تتجنَّبين المقارنة، لكن في الواقع قد تظهر المقارنة في لغة الجسد وإشاراته كما ظهرت في رسالتك هذه, والطفل لديه قدرة هائلة على التقاط مثل هذه الإشارات وفَهْمِها.(2/1)
ثالثاً: قد يعاني الطفل ضعفًا في قدراته العقلية العامة، أو قد يعاني صعوباتٍ دراسية معينة، ويمكن التأكد من ذلك بإجراء اختبار الذكاء واختبار صعوبات التعلم، ولكن بعد أن نخفف عنه الضغط في التعلم والمقارنة، وبعد أن يقضي فترة في الروضة أو في السنة الأولى الابتدائية، وأنصح بألا تقومي بذلك إلا بعد مراجعة الطبيب النفسي في مستشفى حكومي، حتى لا نقوم باختبار بشكل غير صحيح ونصمه بالتخلف وهو ليس فيه.
رابعًا: هناك مرض معروف يسمى اضطراب أو تشتت الانتباه وفرط الحركة؛ حيث يقل فيه التركيز وغالبًا ما يترافق مع فرط الحركة، ويمكن استثناء هذا التشخيص عند زيارة الطبيب النفسي، وإن كنت أستبعد ذلك.
ختامًا: أنا لست من المؤيدين للضغط على الطفل للتعلم السريع والمتقدم، الذي يقوم به الكثير من الآباء لإرضاء غرورهم هم: "أبناؤنا مميزون؛ فهذا يعني أنَّنا مُمَيَّزون أيضًا"، والصحيح هو وضعهم في بيئة غنية بالتَّعَلُّم، والتَّواصُل معهم في كل لحظة؛ لتوصيل المعلومة بأسلوب مَرِح وغير مباشر، دون أن يشعروا أنهم مُلْزَمون بالتعَلُّم إلزامًا..
استمرِّي في مُكافأته عندما يُحقق أي نجاح، ومع الصبر والتفَهُّم لطبعه - إن كانت هذه هي مشكلته فقط - ومساعدته بهدوء ودون عصبية سيتجاوز هذه المشكلة بمشيئة الله تعالى.
أسأل الله العظيم له الصَّلاح في الدنيا والآخرة، وتَقَبَّلي تحياتي ومرحبًا بكِ في موقع (الألوكة).(2/2)
العنوان: ابني يحب العورات
رقم الاستشارة: 46
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أشكر موقع الألوكة الرائع أولاً، ثم أشكر سعادة الدكتور ياسر بكار على إجاباته القيمة المفيدة.
عندي مشكلة أعانيها مع ولدي، فأنا أهتم جداً بتربيته وتوجيهه؛ كي ينشأ صالحاً، وهو - عموماً - كذلك، ومحافظٌ على الصلوات، وعمره حالياً 9 سنوات، المشكلة: هي اهتمام الولد بالعورات!! فعنده فضولٌ كبيرٌ للاطلاع عليها ومعرفتها، فيفضحنا - أحياناً - في زياراتنا لأقربائنا ببعض التصرفات، فإذا رأى فتاةً من الأقارب –مثلاً- دخلت الحمام، راح يتلصص ليراها!! وهذا الأمر من قديم، أي: منذ كان عمره 5 سنوات تقريباً، وحين بلغ عمره 6 سنوات، اكتشفنا أنه يلعب مع ابن الجيران لعبة يكشف فيها الاثنان عوراتهما!!
ونحن نسير معه بهدوء، ومن غير توبيخ؛ خوفاً من أن ينقلب الأمر معه للضد من المراد.
هو الآن واعي جدّاً، ويعرف أن هذه الأمور حرام، فما عاد يكشف عن عورته أو يدع أحدهم يراها، ولكنه ما زال يحب كثيراً أن يرى عورات النساء والرجال والأولاد، ولذلك فهو يرافق في مدرسته أسوأ الأولاد، وكل حديثهم عمَّا يرونه في التلفاز من عورات الممثلات والمطربات!!
طبعاً أنا ما عندي تلفاز؛ لأني محافظ جدّاً، ولكن المشكلة أنه إذا ذهب إلى أي مكان فيه تلفاز، يهتم أن يشاهد شيئاً من العورات.
ومنذ مدة أخبرني أن صديقه في المدرسة أخبره عن فيلم رآه، يظهر فيه رجال ونساء لا يلبسون شيئاً أبداً، وهذا الفيلم أحضرته أخته، ورأته في البيت، فرآه معها!!
أنا في حيرة، ماذا أفعل مع ولدي؛ لأنني حتى الآن أعامله بهدوء، وبلا غضب؛ حتى يخبرني بكل شيء، وأخاف إذا ما وبخته بشدة أن يخفي عنِّي ما يفعله مع الأولاد،
وكلما كلمته قال لي: "كلامك صحيح، لكني أحبُّ العورات...".(3/1)
أنا في حيرة - أيضاً -: ماذا أفعل مع صديقه الذي ينقل له - ولبعض الأولاد الآخرين - ما يراه في بيته الفاسد من أفلام دعارة؟ هل أخبر مدير المدرسة، مع أنني وعدت ابني ألاَّ أخبر أحداً في المدرسة بما قال لي؟ أم أتَّصل بوالد هذا الولد؛ فأخبره، مع العلم أنه يبدو لي أن الأسرة كلها سيئة، وليسوا ملتزمين، والله أعلم؟
أرجو أن أجد لديكم جواباً مريحاً، وشكراً للموقع المتميز، وللدكتور بكار.
-----------------------------------------
الجواب:
سيدي الكريم:
مرحباً بك في موقع الألوكة، وشكراً لاهتمامك وثنائك.
لاشك أن من التحديات التي يواجهها الآباء في كل أنحاء العالم - وليس في بلادنا فقط - انتشار سوء الخلق، والحديث عن الفواحش، وممارستها - للأسف - في المدارس ودور التعليم.
هذا التحدي أصبح واضحاً هذه الأيام، أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى، وقد نشأت حركة في بعض الدول الغربية تحثُّ الآباءَ على التعليم المنزلي؛ حرصاً منهم على تلافي تأثر أطفالهم بأقرانهم السيئين!!
ولا أظن أن هذا هو الحل؛ بل الحل - الذي نحتاج إليه جميعاً - هو خَلقُ صداقة صالحة ومقبولة للطفل، ومناسبة له؛ فمشكلة ابنك تكمن في نوعية أصدقائه الذين يصاحبهم في المدرسة، ويجب أن تجد عنهم بديلاً، مهما كلَّف الأمرُ.
اهتمام الطفل بمشاهدة التلفاز في هذا العمر هو محاولةٌ لتعويض ما قد يشعر أنه محرومٌ منه، وأنا لستُ من المتحمِّسين لحرمان الطفل من التلفاز حرماناً تامّاً؛ خاصَّةً مع وجود العديد من القنوات التلفازية الجيدة، والتي ستملأ فراغه، مع قدرتك على التحكم فيما سواها.(3/2)
من الرائع أن تبني هذه العلاقة الصريحة بينك وبين ابنك؛ فحافظ عليها، وحاول تطوير قدراته على اتخاذ الموقف الحازم، والإعلان عن رأيه بحزم وصدق وصراحة أمام عروض زملائه وإغراءاتهم، وهناك أساليب عدَّة لتنمية ذلك، منها الإقلال من استخدام أسلوب الوعظ والإرشاد, وفي المقابل؛ استخدمْ أسلوب الحوار، عبر إثارة نقاش هادئ معه، عن الطريقة التي يجب أن يتفاعل بها مع المواقف التي يمر بها:
ماذا تفعل لو عرضَ عليكَ زميلُك أن تشاهد معه أحد هذه الأفلام السيئة؟
لماذا ترفض هذا؟
طيب لو قال لك: إن الجميع يشاهدها، بماذا ستردُّ عليه؟... وهكذا.
أعطه الفرصة كاملة لتحديد موقفه الحقيقي دون مجاملة لك، دعهُ يعرف أنه ليس بالضرورة أن يوافقك الرأي في كل شيء.
من الوسائل الناجحة أيضاً: أن تدفعه إلى الكتابة عن أفكاره وآرائه، سواء عن طريق مذكرات يومية، أو قصص خيالية.
في مثل هذه الأجواء، وفي الظروف التي وصفتها, يجب الحذر الشديد من تعرض ابنكم لأيِّ تحرُّش جنسي من أقرانه، أو ممن يكبره؛ لذا أخبره صراحةً عن قلقك هذا، واشرحْ له كل العلامات التي قد تصدر من أقرانه، والتي توحي ببوادر اعتداءٍ أو تحرُّشٍ جنسيٍّ.
أما بالنسبة إلى الطفل الذي ينقل إلى زملائه ما يشاهده من أفلام سيئة؛ فلا حل سوى حثِّ ابنكم على تلافي الاختلاط به قدر الإمكان، وحثِّه على الرد عليه، وتحذير بقية الطلاب منه.
وليس من الحكمة أن تصرم عهداً قطعته لابنك, وليس منها أيضاً إخبار والد ذلك الطالب، فقد يعد ذلك إهانةً مباشرةً له، ولكن يمكن مناقشة هذه القضية خلال لقاءات أولياء الأمور مع المدرسة، والتحذير منها عموماً.
الأمر ليس بالسهل، ولكن يجب أن تولوه العناية الكاملة، حتى يخرج الولد من هذه الأزمة بسلام.
أرجو أن أكون قد قدمتُ ما يفيد،، وفَّقكم الله إلى كلِّ خير.(3/3)
العنوان: اجتماعي و أواجه الناس بمشقَّة!!
رقم الاستشارة: 179
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم
أبلغ من العمر 29 سنة، متزوج وعندي ولد، أعمل مدرِّسًا، ولي نشاطاتٌ دعويَّة واجتماعيَّة.
مشكلتي أنني لا أتصرف بارتياح أمام الناس، وأشعر أنَّ الناس يراقبون كلَّ حركة أفعلها، حتى مِشيتي! فإني أجد ضغوطًا وأنا أمشي أمام أعين الناس؛ فأبذل جهدًا كي تكون مشيتي راكزة، وكي لا تظهر هذه الضغوط، وأنا لا أشعر بهذه الضغوط عندما أمشي إلى صلاة الفجر؛ لأن أحدا لا يراني، وأفضل دائمًا استخدام السيَّارة؛ حتى للمشوار القريب.
وأشعر بهذه الضغوط عندما أكلِّم شخصًا وهو ينظر إلى عيني، مما يؤثِّر على التعبير الذي أستطيعه بالفعل، أو ربَّما يؤدِّي إلى أن أنسى أمورًا كنتُ أودُّ قولها، ويؤثِّر على سرعة البديهة، وهكذا ...
باختصار: مشكلتي أنني اجتماعي، وفي نفس الوقت أواجه الناس بمشقَّة!!.
-----------------------------------------
الجواب:
مرحبًا بك سيدي الكريم، وأهلا بك في موقع (الألوكة).
الصورة التي رسمتَها في رسالتك تشير إلى أنك تعاني مشكلةً نفسيَّةً نسمِّيها: (الرهاب الاجتماعي)، وهو اضطراب نفسي شائع للغاية؛ حيث يجد الشخص صعوبة في التعامل مع المواقف الاجتماعية المختلفة، على النحو الذي وصفتَه في رسالتك.
هناك وسيلتان معروفتان لعلاج هذه المشكلة:
أولها: العلاج الدوائي؛ حيث يتطلَّب الأمر زيارة الطبيب النفسيِّ؛ لتقويم الحالة، وإعطائك نوعًا من العلاج الذي ستداوم على استخدامه يوميًّا، وآخَر يمكن أن تستخدمه في المناسبات الاجتماعية؛ حتى يخفِّف عنك الشعور بالقلق.(4/1)
أرجو منك ألاَّ تقلق حول الدواء النفسيِّ؛ فلقد منَّ الله علينا في السنوات القليلة الماضية بمجموعة من الأدوية النفسية التي لا تسبِّب أعراضًا جانبيَّةً ضارَّة، كما لا تسبِّب أيَّ إدمان أو تعوُّد.. ولقد رأينا في العيادة النفسية العشرات من الحالات التي أبدت استجابةً رائعةً للعلاج.
الوسيلة الثانية: هي العلاج النفسي، وتحتاج لمعالِج نفسي، وسأذكر هنا بعض الأفكار حول العلاج النفسي:
- من الوسائل الفعالة: مراقبة الأفكار التي تدور في رأسك في لحظة شعورك بالقلق، وفي الأغلب ستجد أن فحوى الأفكار التي في بالك وما تحدِّث به نفسك هو: (إنهم ينظرون إليَّ .. تُرى ماذا يظنون بي؟ بماذا يحدِّثون أنفسهم عني الآن؟ لابدَّ أنهم يلاحظون خجلي .. أنا خجول وفاشل اجتماعيًّا!)، وهكذا .. طيفٌ من الأفكار التي تُضعِف الثِّقة بالنَّفس، وتسبب القلق الشديد والارتباك.
ما أهمية هذه الأفكار؟
الحقيقة أن القاعدة الذهبية المهمَّة هنا هي أنه ليس الموقف هو الذي سَبَّبَ لك الارتباك والقلق؛ بل الأفكار التي تدور في رأسك؛ أي: طريقة تفسيرك للحَدَث .. طريقة رؤيتك للموقف هي التي سببت القلق، وهنا تأتي أهمية مراجعة هذه الأفكار وتسجيلها، ومناقشة صحَّتها مع نفسك، وتغييرها إلى أفكار لا تُثير القلق، إذا لم تجد نفعًا من هذه الطريقة؛ فأنصحك بزيارة الطبيب النفسي لمناقشة العلاج.
وفقَّك الله لما يُرضيه، ومرحبًا بك في موقع (الألوكة).(4/2)
العنوان: أجد صعوبة في الكلام أمام الناس!!
رقم الاستشارة: 109
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا شابٌّ أبلغ من العمر 26 سنة، وأعاني صعوبةً في النطق أحياناً، ولمرات مُتَتَالِية، وهذا يحدث أمام الناس الذين أعرفهم أو لا أعرفهم, أما إذا كنت وحدي - أدرس أو أقرأ في المصحف الشريف - تزول عني تلك الصُّعوبة في النطق.
أرجوا أن تفيدوني بإرشاداتٍ أفعلها، أو أدوية أتناوَلُهَا؛ لمعالجة هذا المرض الذي يُقْلِقُنِي في حياتي.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم، مرحباً بك في موقع الألوكة، وشكراً لثقتك الغالية.
ما فهمته من وصفك أنك تعاني صعوبةً في النُّطق أحياناً أمام الناس، سواء ممن تعرف أو لا تعرف، وأنها تزول في غير تلك المواقف؛ فتابع معي النقاط التالية:
أولاً: الخطوة الأولى أن تحدد كون صعوبة النطق هذه عضوية أم نفسية المنشأ؛ حيث تبدأ صعوبات النطق في الغَالِب في عُمْر مُبَكِّر، وتَسْتَمِرُّ إلى سن متقدمة، في حين تتجلى صعوبة النطق نفسية المنشأ في ما تترافق معها من (قلق) عند ملاقاة الناس الغرباء، أو ممن نعرف؛ إذ تشعر وكأن الناس تنظر إليكَ وتَتَفَحَّصُكَ، ولذا تكون في غاية القلق من فعل شيء يُثِيْرُ سخرية من حولك، كما تشعر ببعض الأعراض الجسدية كالخَفَقَان والعَرَق ورَجْفَةً خفيفةً في اليد.
إذن؛ التشخيص هو الأهم وأنْصَحُكَ بزيارة طبيبٍ نفسيٍّ، أو طبيب أنف وأذن وحنجرة، أو مُعَالِجٍ للنُّطق Speech Therapist للتأكد من ذلك.(5/1)
ثانياً: من الأمور المهمة في العلاج أن يصل المرء - مهما حدث- إلى مرحلة قبول الذَّات، وبِنَاءَ الثِّقَةِ بالنفس، من خلال تقبلك لنفسك كما هي والشعور بالفخر والاعتزاز بالنفس دون تَكَبُّر وَتَعَالِي. إِنَّ شُعُورَكَ بالرِّضا عن نفسِكَ هذا سيعطيك الأمن والاطمئنان؛ وهو ما سيُتِيْحُ لك التَّقَدُّم في علاج صعوبة النطق لديك.
ثالثاً: تَذَكَّر أنك تُحسِن الكلام في مواقف كثيرة؛ فحاول أن تُرَكِّز اهتمامك على هذه الأوقات، بدل التركيز على الأوقات الأخرى التي تجد فيها صعوبة في النطق, وكافئ نفسك على الكلام الحسن، ولا تُعَاقِبْهَا على صعوبة الكلام.
كما أرجو أن تَحْذَر أولئك الذين يوجِّهُون سِهَامَ السُّخرية والنقد لصعوبة النطق لديك؛ فهذا - للأسف- يزيد المُشْكِلة ويُعَقِّدُهَا.
وفقكَ الله وسدَّد خُطاكَ، ومرحباً بك ثانيةً في موقع (الألوكة).(5/2)
العنوان: أحب خطيبتي السابقة، ومتمسك بخطيبتي الحالية
رقم الاستشارة: 198
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
السَّلام عليكم،
أنا شابٌّ مُسَافر، بعيدٌ عن بلدي بقَصْد العمل، مُنذ سنة ونصف طَلَبْتُ مِن أهْلِي أن يخطِبُوا لي الفتاةَ التي شرحْتُ لهم أَوْصَافها التي أتمنَّاها، ووَقَع اختيارُهُم على فتاة، أَتَيْتُ لبلدي ورَأَيْتُها وأعْجَبَتْنِي فطَلَبْتُ يدها، ووافَقَتْ وأهلها عليَّ.
أنا شابٌّ - بفضل الله – مُلْتَزِم، نسأل الله القَبُول، وليس لي أَيُّ مُغامرات عاطفيةٍ، أو تَجارِب سابقةٍ مع فتيات.
بعد الخِطْبَة ظَهَرَتْ بعض الأمورِ التي ما كنتُ أتمنَّاها بعائلتِها؛ لَكِنْ لَطالَما قُلْتُ: "إنَّ المُهِمَّ هو البنت وليس أهلها، وإذا كان الحبُّ بيننا عامرًا، ومَخَافَةُ الله، والفَوْزُ برِضْوَانه نحن مُتَّفِقانِ عليهما، فسَنَتَّفِق على كل شيء آخَرَ ثانويٍّ".
الأمْرُ الَّذي حدثَ لي: أنَّنِي أحْبَبْتُها كثيرًا، وأُغرمتُ بها؛ وذلك لِمُبَادَلَتِهَا لي هذه المشاعر في أول الأمر، فهي التي فَجَّرَتْ عندي منابع العَواطفِ؛ لكن بَدأتْ هذه المشاعرُ بالاختفاءِ بعد شهرينِ تقريبًا.
استمرَّتْ علاقتُنا 7 أشهُر بين قَبولٍ ونُفُورٍ، بين أُرِيدُه ولا أُرِيدُه حتَّى انْفَصَلْنا، وقد كانتِ الأيامُ الَّتي مَرَرْتُ بها خلال تلكَ الفترة مليئةً بالآلامِ الكثيرةِ لِي، فقد جَرَحَتْ مشاعري كثيرًا؛ لكنَّنِي ما كنتُ أستطيع إِلاَّ أنْ أسامحَهَا؛ لأنني أحْبَبْتُهَا.(6/1)
بعد فترة وجيزةٍ جدًّا - مُدَّة شهرٍ تقريبًا - مِن انْفِصَالِي - وأنا ما زلتُ في إجازَتِي قبل سفري لبلد العمل - اقْترحَ أهلي عليَّ فتاة أُخْرى، أمَّا أنا فكنْتُ بِوَضْعٍ مُحَطَّمٍ جِدًّا، فاقِد الثِّقَة بنفسي، وأمَّا الفتاةُ الثانية فقدْ كانَتْ لنا مَعْرِفةٌ مُسْبَقَةٌ بِأهْلِها، وهيَ فتاةٌ صغيرةٌ بعض الشيء، فبَيْنِي وبَيْنَها 9 سنوات، والحقيقة أنَّها هِيَ وأَهْلُها بِمُواصَفَات مثاليَّةٍ تقريبًا بالنسبة إليَّ.
لَمَّا ذَهَبْتُ ورَأَيْتُها، ورأيتُ قَبولَها وقَبولَ أَهْلِها لِي، تَقَدَّمْتُ لِطَلَبِها؛ فأنا في حاجة حقيقيةٍ، وبشكلٍ كبيرٍ لِمَن يقول لي: أنا أحبكَ، أنا أرغبُ فيكَ.
بدأَتْ علاقتُنا - والآن لها أكثر مِن شهرينِ تقريبًا - لكن ليْسَتِ المشاعر التي أُكِنُّ لها هي نفسُها المشاعر التي كنتُ أُكِنُّها لخطيبتي الأولى، لكنني كنتُ أُحاوِل دائمًا أنْ أُعَبِّر عَن كمِّ مشاعِرَ لم تكنْ موجودة لعلها توجد، لعلَّها تصبح حقيقيَّة، فغمرَتْنِي هي بالمشاعِر الجميلة التي كنتُ أتمنَّاها؛ لكن: أحبُّ الأولى أكثر، وأتمنَّاها هي أكثر.
نظَرْتُ للدنيا نظرةً أخْرَى، وقلتُ في نفسي: إِنَّ الزَّواجَ ليس هو القَصْدَ مِن هذه الحياة، ففي خطيبتي المُقومات التي تجعلني أَحْيا سعيدًا، وستُعِينُني على رسالتي في هذه الحياة كمسلم.
حدث وأن عَلمْتُ أنَّ خطيبتي السابقة رفضتْ عُروضًا تقدَّمَتْ لها، وأنَّها نادمة كثيرًا، وتتمنَّانِي أنا دون غيري مِن الخاطبينَ، فقد سَمِعْتُ هذا منها؛ نعم، وتكلَّمْنا عبر الهاتف بَعْد عِدَّة رسائل - للاطْمِئنان والاهتمام – تبادَلْنَاها، كنتُ عندها كَمَن كان رجلاً آليًّا بلا رُوح، ودَبَّتْ به الرُّوح مِن جديد.
اتَّفَقْنا على أنْ نتوقَّفَ عن أيِّ كلامٍ؛ لأنَّ ذلك غير شرعي.(6/2)
والقرار بيدي الآن، ماذا أفعل؟ أَأُنْهِي عَلاقتي الآن بخطيبتي وأَجْرَحها، وأُزْعِج أهلها - وهذا الأمر يعزُّ عليَّ كثيرًا - مقابل أن أعيشَ مع مَنْ أحِبُّ؛ أم أستمرُّ بتمثيليتي الحالية؛ لعلها تصبح حقيقة - أو لا تصبح فمدتها محدودة بهذه الحياة، وأتمنى أن يجمَعَنِي اللهُ في الآخرة مع مَن أحِبُّ، مع مَن حُبُّها يجري بدمي - وأتجاهل مشاعر خطيبتي الأولى ومعاناتها؟
-----------------------------------------
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
نُحَيِّي فيكَ حِرْصَكَ وتَقْواكَ، ونُبشِّركَ بوَعْد الله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3] فسيكون المخرجُ والرِّزْق - بإذن الله - ما دُمْتَ حريصًا على تقواه بأمركَ كلِّه.
لفتَ نظري حِرْصكَ على قَطْع التَّواصِل بخطيبتِكَ الأولى؛ لأنه غير شرعيّ، وحِرْصكَ على عدم جَرْح مشاعر الثانية وأهلِها، وتحرِّيكَ لبناء أُسرة مسلمة، وتحقيق رسالة بالحياة.
بقيَ الآن القَرَار الذي ستَتَّخذه، وتسعى لأن يكون القرارَ الأصوبَ، الذي يُعِينُكَ على حياتكَ، ولا تَنْدَم عليه، فمِن رسالتكَ نَنْصَحُكَ بالتَّالِي:
- تذكَّرْ أنَّ الحياةَ الزوجيةَ لِتَنْجَحَ، لا بُدَّ لها مِن قلبٍ وعقلٍ، ولا يُغنِي أحدهما عنِ الآخَر، فهي سكنٌ ورحمة ومَوَدَّةٌ قبل أيِّ شيء، تحتاج أن تَتَحَرَّى مَنْ ستكون شريكتَكَ بحياتكَ، بالصفات المناسبة، والقبول القلبي أيضًا.
- العاطفة تَزيد وتَنقص، ولا تستمر على وَتِيرَة واحدةٍ، ومشكلتها أنَّها حينما تَزيد فإنَّها تُعمِي وتُصِمُّ؛ لذلك تصبح الأحكامُ أبْعَدَ عَنِ الموضوعيَّة معها، تحتاج أنْ تُفكِّرَ بموضوعيَّةٍ حينما يتعلَّق الأمر بالعاطفة، وتَحْسِبَهُ بشكل جيدٍ لا تندم عليه؛ فالحبُّ وَحْدَهُ لا يكفي لبناءِ أُسْرَة!(6/3)
- الخِبْرات السابقةُ مَهْما كان ألَمُهَا إِلاَّ أنَّها تجعلُنا نُدْرك الحياة بصورة أفضلَ لو استفدنا منها، فخِبْرَتُكَ بالشهور السبعة التي جَمَعَتْكَ بخطيبتِكَ السابقة:
هل خرجْتَ منها بحصيلةٍ تنفعُكَ؟
هل استخرجْتَ السَّلْبيات التي أوصلتْكَ للنهاية بهذه الطريقة؟
ننصحُكَ أن تكونَ موضوعيًّا، وتُرَاجع ما حصل، وما الخِبرات التي مِنَ المُمْكِن أن تكتسبَها منه؟
وهل تغيَّرَت لديكَ القناعة القديمة بأن قلتَ: "إنَّ المُهِمَّ هو البنت وليس أهلَها، وإذا كان الحبُّ بيننا عامرًا، ومخافةُ الله، والفوز برضوانه نحن مُتَّفِقَانِ عليهما، فَسَنتَّفِق على كل شيء آخَرَ ثانويٍّ"؛ أم أنَّ الواقعَ أثبتَ لك خلاف ذلكَ؟!
- حينما يتَّفِق الزَّوْجان على أهداف مُشتركة يُحقِّقانِها بالحياة، إمَّا بشكلٍ مباشِر عبر السؤال عنها، ومعرفة النِّقاط المشتركة بها، أو بشكلٍ غيرِ مباشرٍ عبر الاختيار أصلاً مِن بيئة مشابهة وشخصية مناسبةٍ، مِن الواضِحِ التَّوافُق بالأهداف بينها وبين الطَّرَف الآخر، حينما يتمُّ هذا الاتفاق تكون نسبة النجاحِ بالزَّوَاج أكبرَ، وتنمو مشاعرُ قويةٌ راسخةٌ تصمُدُ أمام التَّيار، ليستْ مجرد مشاعر وَقْتِيَّة، تَخْبُو مع المشكلاتِ والخلافاتِ.
- الجِراح النفسية كالجراح الجسدية تحتاج وقتًا لِتَلْتَئم، وكذلكَ المشاعر ليس مِنَ السَّهْل تجاهُلها، خاصَّةً حينما تَفْرِضُ نفسها؛ لكن الوقت والرعاية كفيلة بالتخفيف منها، وأنتَ لَمْ تُعْطِ لنفسكَ وقتًا كافيًا بعد خِطْبتكَ الأولى، فمِنَ الطَّبيعي ألاَّ تكونَ مشاعرُكَ نحو الثانية بنفس القوة؛ لكن ذلك لا يعنِي أنَّها لن تَصِل، خاصةً وأنَّ حِرْصكَ واضحٌ عليها، وكذلك مِنَ الواضحِ وجود مشاعر أيضًا تُجاهها.(6/4)
- الشيطان يُؤَجِّج المشاعر حينما لا يكون هناك رباطٌ شرعيٌّ بين الرجل والمرأة، ويسعى لإغواء الرجل وفِتنتِهِ بالتَّنازُل خُطوةً فخُطوةً؛ لكن بعد العقد يتحوَّل دورُه للإفسادِ، وزَرْع المشكلات بينَ الطَّرَفَينِ؛ لذلكَ علينا الحَذَرَ مِنَ الشَّيْطان، وعدمَ الاستهانة بدَوْرِه، والإكثارَ مِنَ الدُّعاء، والحِرْصَ على التَّقْوَى.
- يساعدنا أكثرَ على الموضوعيَّة أن نَحصُرَ الإيجابياتِ والسلبياتِ، ونَتخيَّلَ الغد كيف يكون بهما؟:
- اكْتُب في ورقة الإيجابيات والسلبيات مِنَ ارتباطكَ بكل واحدةٍ مِن الاثنتين، وكُنْ موضوعيًّا بذِكْر ما يتعلَّق بالقلب والعقل معًا، وأيضًا: اكْتُب الإيجابيات والسلبيات بحال ما لَمْ يتمَّ الارتباطُ بكلِّ واحدة، وستَتَّضِح لكَ الأمورُ أكثر بإذن الله.
- تذكَّرْ أنَّ الزَّواج لا يقوم على المُجامَلات، فلا تجعل قلقكَ على مُعاناة الأولى، أو خَشْيَتَكَ مِن جَرْح مشاعر الثانية سببًا في اتِّخاذِ قراركَ، وبعد أنْ تتأكَّدَ مِنَ القرار الأنسب لكَ، يُمْكِنكَ البحثُ عن طريقة حكيمة تحزم بها الأمر بِرِفْق.
- لا تَنْسَ الاستخارة وأثرها، فصلِّ ركْعَتَي الاستخارة مع دعائها، وثِقْ بالله فهو أعْلَمُ بما يَخْفى علينا مِنَ الأمور، وسيختار لكَ الخير، ويُرَضِّيكَ به بإذن الله.
وَفَّقَكَ الله ويَسَّر لكَ الخير، وأعانكَ على تأسيس أسرة مؤمنة تعتزُّ بها.(6/5)
العنوان: أحبه، وأهلي يرفضونه!
رقم الاستشارة: 2
المستشار: د. سعد بن عبدالله الحميد
-----------------------------------------
السؤال:
أريد أن أستشيركم في موضوع شخصي مهم،
أنا فتاه أبلغ من العمر 21 عاماً، ولقد تقدم لخطبتي شخص من عائلة متوسطة الحال، وكانت لهم جارة كانت صديقة لأمي في فترة ما، وانقطعت علاقتها بها، ولما تقدم هذا الشاب لخطبتي استعانت أمي بهذه الجارة لسؤالها عن هذه العائلة، فقالت: إنها عائلة لا بأس بها،
وتمت الخطبة بعون الله، ولكنها لم تستمر أكثر من شهرين، وذلك بسبب طلبات أبي الكثيرة الثقيلة، كان يريد منه 250 ألف جنيه مؤخراً، و60 ألف جنيه مهراً مقدماً.
وتعرفون مدى صعوبة تنفيذ هذه الطلبات، في هذا الزمن.
وحدثت مشاكل كثيرة جدًّا بسبب طلبات أهلي، ولم يتدخل أهل خطيبي بالموضوع،
ولما تدخلت جارتهم لحل هذا الخلاف قامت بنقل حديث عن أهلي فيه إهانة وسب وغيرها من الأقاويل التي ظهر مع مرور الوقت والاستفسار من أهل خطيبي أن لا صحة لها من الأساس.
والآن يسعى خطيبي إلى التقدم لي مرة أخرى، علماً أنني متعلقة به جداً، وأحبه حباً عظيماً..
ولكن أهلي عادوا إلى رفضه رفضاً قاطعاً شديداً، متمسكين بطلباتهم مع زيادة أن أبي يريد المؤخر على (شيك)؛ لضمان مستقبلي معه.
ولا أعلم كيف أتصرف في هذا الموقف الذي لا أحسد عليه، وأنا الآن بين نارين؛ نار حبي لخطيبي، ونار حبي لأهلي.
مع العلم أيضاً أنني إذا لم أتزوج هذا الشخص فلن أتزوج أبداً.
دينا - من مصر
-----------------------------------------
الجواب:
من الواضح أيتها الأخت أن أهلك لايريدون هذا الشاب الذي تقدم لخطبتك، ولذلك فهم يضعون له الشروط التعجيزية التي لو استطاع تخطِّيها لما وافقوا عليه فيما يظهر.
ومن هنا أنت أمام ثلاثة خيارات:
1) إما أن تحاولي -بطريقة من الطرق- إقناع أهلك بالقبول بهذا الشاب.(7/1)
2) أو تتخذي قرارًا بترك التفكير في الزواج من هذا الشاب، والخضوع للأمر الواقع الذي لا تستطيعين معه أن تخسري أهلك بسببه.
3) أن تُقدمي على الزواج منه برغم معارضة أهلك ورفضهم له.
ولا شك أن هذا الخيار الأخير يستحيل أن تُقدمي عليه – فيما نرى – وقد لايكون في مقدورك الإقدام عليه أصلاً، فيبقى أمامك الخياران الأولان، والثاني منهما هو الأصعب على نفسك، لكنه الأقرب إلى الواقع والممكن.
ونذكرك بألا تستسلمي لشعورك الحالي، فسرعان ما يتغير حين يوفقك الله برجل آخر، ربما ترين منه ما يجعلك تتضرعين إلى الله وتحمدينه أنه لم يكتب لك الزواج بذاك الرجل، وليس هذا من باب التسلية، ولكنه الواقع، فكم من الحالات المشابهة التي حصلت لأناس آخرين، ورزقهم الله من هو خير ممن فاتهم، وربك حكيم عليم.
فاحرصي على الاستخارة، وثقي بأنه إن كان قد كتب الله لك أن يكون هذا زوجًا لك، فسيكون، ولو عارض من عارض، وإن كان العكس فوالله لو بذلت كل جهد، ولو وافق أهلك؛ فلن يتم شيء لم يكتبه الله، فأسلمي أمرك له سبحانه، واستعيني به، وتوكلي عليه، فهو حسبنا ونعم الوكيل، وفقك الله لما يحبه ويرضاه، وجعلك من إماء الله الصالحات، ونفع بك الإسلام وأهله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(7/2)
العنوان: احتقار الذات..كيفية الخلاص منه؟
رقم الاستشارة: 218
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأثابكم الله على سَعَةِ صدوركم لعلاج مشاكلنا، فلا حَرَمَكُمُ الله الأجر والمثوبة.
سؤالي: مشكلتي أني أنظر إلى نفسي نظرة دُونية، ونظرةَ احتقار، وحاولتُ مِرارًا أن أُحْيي الأمل في نفسي، ولكني - ولظروف الضغط الاجتماعية – أجد الأمل يذبُل في داخلي وينتهي.
مع أني حافظٌ لكتاب الله، ولكن - كما ذكرتُ لكم - عندي ضغوط اجتماعيَّة حطَّمت وأنْهت - إلى حد كبير - آمالي..
فما السبيل لعلاج مشكلتي؛ ضَعْفِ الأمل والتشاؤم؟
أرجو أن يجيب عن سؤالي الدكتور ياسر بكار أرجوكم ثم أرجوكم.
ولكم مني الدعاء.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم.. السلام عليكم ورحمة الله،
بدايةً: أعتذر أشدَّ الاعتذار عن التأخير الذي حدث.. وسَعَةُ صدرك وسماحتك هي الشيء الوحيد الذي قد يغفر لي ذلك.
من بين كلِّ الأحكام التي نُطلِقُها على الناس والأحداث من حولنا, نجد أن أهمَّها هو الحكم الذي نطلقه على أنفسنا، وما نشعر تجاهها.
مشكلتك - أخي الكريم - ليست غريبة ولا نادرة؛ فهناك المئات بل الآلاف من الرجال والنساء يعيشون هذه الحالة من احتقار الذات، لكنَّ الخبر الجيِّد أنَّ الأمر يمكن تغييره كما رأيتُ وسمعتُ مِرَارًا وتكرارًا؛ تابع معي النقاط التالية:
أولاً: دائما ما أؤكد على حُبِّ الذات وقَبولها كما هي، هو حُبٌّ غيرُ مشروط، تمامًا كحُبِّ الأبِ لابنه أيًّا كان هذا الابن، هذه هي البداية لبناء شخصية تمتلك الثقة بنفسها، وتنظر بإكبار إلى ذاتِها وكيانها.(8/1)
ثانياً: عندما نحاسب أنفسنا على فعل غيرِ لائق, يجب أن نَفْصِلَ بين (أنفسنا) و(سُلوكنا)، بمعنى أنه رغم ارتكابي لهذا الخطأ الذي يستوجب التصحيح والتوبة والاعتذار أحيانًا, لكن تبقى نفسي عزيزة وكريمة وغالية عليَّ، حتى لو ارتكبت خطأً كسائر البشر.
ثالثاً: راقب كيف تحدِّث نفسك في المواقف المختلفة، إن الشعور بالدُّونِيَّة هو نتيجة البرمجة التي نبرمج بها أنفسنا كلَّ يوم وكلَّ ساعة - حين نكرِّرُ عليها -: "ظروفي سيئة"، "لا يمكن النجاح فيها"، أو "أنت غبي لا تستحق النجاح"، "فاشل"، "مغفَّل"، "انظر إلى فلان، كيف نجح وبلغ ما بلغ، أما أنت ففي مكانك تراوح"... وهكذا عشرات العبارات التي تنتهي بشكل طبيعي إلى الشعور بالدونية.
والحل هو تغيير الحديث مع أنفسنا بشكل مختلف، حين تستيقظ غدًا صباحًا قف أمام المرآة وقل: "الحمد لِلَّه أنا بِخير، صِحَّتي جيدة، أو على الأقل أفضل من غيري، هناك الكثير من الأشياء التي أفتخر بها"، وهكذا بَرمِج نفسك بشكل إيجابي ومستمر.
رابعًا: الأمر لا يجب أن يتوقف على الكلام فقط، بل يجب أن ننتقل إلى الأفعال، الأشياء التي ستبدع فيها هي تلك الأشياء التي تتقنها، واعلم - أخي - أنَّ الله منح كُلاًّ منَّا موهبة في مجالٍ ما، والمطلوب منا هو أن نستكشف هذه الموهبة ونُنَمِّيَها، ونجد طريقة لتطبيقها على أرض الواقع، وهنا سنحقق النجاح الذي نريده، أبدأ بسؤال: ما الشيء الذي أُتْقِنه أكثرَ من أقراني وأَستمتِعُ بِهِ لِلغاية؟ فَكِّرْ في السؤال مَلِيًّا، وخُذْ وَقْتَكَ، واستَعِنْ بِصَديقٍ مُقَرَّب، ومِن ثَمَّ فكِّر في تنزيل هذه الموهبة إلى أرض الواقع على شكل عملٍ ما أو مِهْنةٍ ما.(8/2)
ختامًا: لابدَّ أن نتذكر دائمًا - وقبل كل شيء - أنَّ هذه الحياة هي دار مرور لا استقرار، والناجح يا أخي هو من يَبْنِي دار المقام لا دار المرور، إن ركعتين في آخِر الليل قبل الفجر تساوي عند الله الكثير، وتحقِّق لك كسبًا حقيقيًّا يفوق كل كَسْبٍ، ويمنحك من التَّمَيُّز ما لم يحصل عليه الكثير، هذه ليست كلماتٍ وعظيَّة، بل هي حقيقة يجب أن أستحضرها أنا وأنت في كل حين، وكلَّما أنْسَتْنا إيَّاها الدنيا وزِينَتُها.
وفقك الله لما يرضيه ومرحبًا بك في موقع (الألوكة).(8/3)
العنوان: أحس أنني منافقة
رقم الاستشارة: 91
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا فتاة جامعية، يشهد لي الجميع بأني محترمة ومؤدبة، لا أختلط في كليتي بالشباب، ولا حتى على سبيل الزمالة، لكنني أحس في دخيلة نفسي بأنني منافقة، فلا أشعر في داخلي بأنني مؤدبة كما يحكون عني!!
مشكلتي التي بلا حل هي أنني اعتدت ارتياد أحد مواقع المحادثة (الشات) باسم مستعار يدل على الرغبة في الجنس، فيحادثنى بذلك الكثير من الشباب، ونتكلم في الجنس عن طريق التخيلات، التي تنتهي بي إلى ممارسة العادة السرية!! وبعدها أحسُّ بتأنيب ضمير فظيع جداً، وأحس أن الله لن يبارك لي فى حياتي ولا في مستقبلي.
أشعر أني تائهة، وأذاكر من غير هدف؛ لأني واثقة من الفشل بسبب ما أصنع، حاولت كثيراً أن أنتهي عن هذا الأمر لكنني لم أفلح.
بالله عليكم، دلوني على حل يريحني مما أعانيه.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة:
مرحباً بك، وشكرا لثقتك الغالية.
بدايةً؛ فإن ما ذكرتيه هو هَمٌّ يشغل بال الكثير من الملتزمين؛ إذ هُم في الأصل صالحون ملتزمون، ولكن ينكسرون - أحياناً - تحت ضغط الشهوة والإغراء؛ فيقعون في الحرام!
هذه مشكلةٌ شائعةٌ جداً، ومسكوتٌ عنها، ولكنكِ امتلكتِ الشجاعة للسؤال والإفصاح عنها، بينما يطوي الكثيرون عليها سرَّ الكتمان!!
تابعي معي النقاط التالية:
أولاً: أنت فتاةٌ متدينةٌ، وطيبة الأصل؛ فاعتزِّي بذلك. ووقوعك في الحرام بين حين وآخر لا ينفي هذه الحقيقة؛ لأن الشيطان سيأتيك ليقول لكِ عكس ذلك؛ سيقول لكِ: "أنتِ منافقةٌ كاذبةٌ ..."، وهدفه من ذلك هو أن تنحرفي تماماً، خطوةً بعد خطوة.(9/1)
ثانياً: إن أفضل أنواع التغيير هو التغيير المتدرِّج البطيء، الذي تدعمه رغبةٌ جامحةٌ في الوصول إلى الوضع الجديد، واستشعار عدم تحمل الوضع الحالي؛ فلا يغرَّنك التغيير المفاجئ الصارخ, فمعظمه غير فعَّال، والانتكاسات بعده كثيرةٌ متكررةٌ.
ابدأي من اليوم بالتوكل على الله، واخطِ الخطوة الأولى اليسيرة، بتأجيل الإقدام على تلك المعصية بضعة أيام، وهكذا حتى يقلَّ تعودكِ عليها ويختفي.
ثالثاً: هناك الكثير من الأعمال الصالحة التي يمكنك أن تقدميها بين يدي الله – تعالى - في مقابل هذا الذنب، وهذا ما كان يوصي به سيد البشر؛ محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - حين قال: ((أَتْبِعِ السَّيئةَ الحسنةَ تَمْحُهَا)).
رابعاً: من مصائب هذا الزمان الذي نعيشه: انتشار الفساد والمغريات، مما يمثل ضغطاً على كل واحد منا لمقاومة الوقوع في الحرام.
إن المسلم يقاوم في كل دقيقة، وفي كل ساعة، وبكل ما يملك هذا الضغط؛ بغية النجاة منه, ورجاء الأجر الجزيل الذي يخبئه الله - عزَّ وجلَّ - لعباده الصالحين، إنها عمليةٌ مستمرةٌ، لا تهدأ، ولكنها مجزيةٌ وتستحقُّ المعاناة؛ ((ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة)).
خامساً: يجب أن نذكِّر أنفسَنا دائماً بالمُتَع المباحة المتيسِّرة، وأهمها: صحبة الأخْيَار من الناس، وبلوغ مراتب المميَّزين والناجحين في دراستك الجامعية, وأمور الدنيا والآخرة؛ إن الانشغال بذلك له أكبر الأثر في تصبير النفس ومساندتها.
ختاماً:
ثقي بعفو الله ورحمته، وسيري على طريق الاستقامة؛ تكوني أنت الفائزة، عاجلاً أم آجلاً.
وفَّقكِ الله إلى كل خير، ومرحباً بك دوماً في موقع (الألوكة).(9/2)
العنوان: إحساس بوعد
رقم الاستشارة: 151
المستشار: الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
-----------------------------------------
السؤال:
أنا فتاة جميلة يتقدم لي الكثير من الشباب، ولكني لي أهدافي الخاصة في الحياة، فأنا أفكر دائمًا بأشياء لا تخطر على شباب هذه الأيام؛ مثل الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر الأفكار المسلمة والعلم الشرعي، في إحدى الندوات تعرفت على شابّ داعية متديّن يحمل نفس أفكاري، أحببته في الله وداومت على حضور ندواته، كان دائما كثير النظر إلي وألمَحَ أنه يريد خطبتي، وألمح بانتظاره لحين تحسُّن ظروفه، مرت 3 سنوات وأنا وهذا الشابّ كلٌّ على حاله لم يتزوج أحدٌ منا، وفي كل مرة أحضر ندواته أجد نظراته ووعده بالخطبة على حاله.
ما حُكم انتظار هذا الشابّ علمًا بأنني لا أقابله إلا صدفة حيث يلقي ندواته من حين إلى آخر وأنا محافظة على وعدي الضمني له المفهوم بالإشارة بعيدًا عن أي شبهة أو اتصال أو كلام، علمًا بأن أغلب المتقدمين شبابٌ عادي يحمل الشهادات وعنده الشقة والمال والمركز الاجتماعي، أما في أمر الدين فحالهم حال باقي الشباب. ما حكم هذا الوعد القلبي وما حكم انتظاره؟
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فلا شك أن الوفاء بالوعد أمر محمود، وأن إخلافه مذموم، لكنه - كما قال أكثر أهل العلم -: لا يلزم الوفاء به، ولا سيما إذا منع من الوفاء به مانعٌ مُعْتَبَر، ومن المعلوم أن الخِطبة ليست عقدًا ملزِمًا؛ فمن حق الخاطب أن يفسخ الخطبة متى شاء، فمن باب أولى العِدَة بالخطبة.(10/1)
أما حضوركِ للندوات التي يلقيها ذلك الرجل، ونظرُ كل منكما للآخر، فلا يجوز؛ فممّا لا شكَّ فيه أنّ الشريعة الإسلامية قد أمرت بغضّ البصر، وسدّت كل الأبواب الموصلة إلى الفساد والشر، وحرصت على سلامة الصدور وطهارتها، وأكدت على صفاء القلب وعمارته بحب الله وتوحيده، ولذلك قال سبحانه: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]، وقال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31]، وقال عن أكرم النساء وأكرم رجال: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].
وما أحسن قول الشاعر:
وَأَنْتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا لِقَلْبِكَ يَوْمًا أَتْعَبَتْكَ المَنَاظِرُ
رَأَيْتَ الّذِي لا كُلُّهُ أَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَلا عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ
وكذلك لا ينبغي للمرأة أن تخاطب رجلاً أجنبيًّا عنها إلا لحاجة وبقدرها، وفي حدود الآداب الشرعية.
وكما أننا نحمد لك تمسكك بالدين والالتزام، والحرص على الدعوة، ولكنَّا نتمنى أن يكون الملتزمون قدوة لغيرهم، فالتجاوب مع العواطف له خطورةٌ على مستقبل العلاقة الزوجية إذا حصل الارتباط؛ حيث يتسارعُ الفتور والنفور ليخدش جذر الحياة الأسرية، وإذا لم يحصل الرباط الشرعي كانت تلك الأيام مصدر أحزان وتوترات.
واعلمي أن الفتاة العاقلة هي التي تُقنع نفسها بالحق، وإذا لاحظت ميلَ شابّ إليها دلّته على بيتها وأهلها، ورَفَضَتْ كل علاقة دون علمهم، مع ضرورة الانتباه لخطورة المخالفة الشرعية من نظرةٍ ونحوها، حيث قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].(10/2)
وأيضًا كان الواجب على هذا الشاب أن يلتزم الأدب الإسلامي مع الفتيات؛ فيغض بصره عنهن، ويجعل بينه وبينهن حائلاً حتى لا تراه النساء فتتعلق به، فضلاً عن أن يشاغل إحداهن، وكان الواجب عليه إذا أراد خِطبتكِ أن يأتي البيوت من أبوابها ويتقدم إلى أسرتكِ، لاسيما وهو الشيخ والقدوة.
ولهذا فقد نص العلماء المعتبرين على أنه من اللازم أن يكون ثمَّ حائل بين الرجال والنساء في أثناء الندات والمحاضرات، وعلى حرمت الاختلاط المذكور؛ لما يفضي إلي من مفاسد، ولمنع الفتن، فكم من امرأة فُتنتْ ورجلٍ تعلق قلبه بالنساء من جرّاء ذلك التساهل.
والذي ننصحك به أن تحرصي على الزواج من صاحب الدين والخلق الحسن، المؤدي للفرائض والمجتنب للكبائر، الذي تقر به عينكِ، فاقبلي بخطبة من يتقدم إليك، ولا تعبئي بذلك الرجل؛ فإنه لم يتقِ الله فيك؛ حيث شغل قلبَكِ بنظراته، ثم تركك كل هذه المدة ترفضين الخُطّاب، فالرجل الذي يحترم دينه، ويخشى الله، ويراعي حرمات المسلمين لا يفعل هذا.
واقطعي العلاقات بهذا الشاب، بالابتعاد عن أماكن وجوده، وانشغلي بما يعود نفعه عليك في الدنيا والآخرة، وكُفّي - أيتها الأخت الكريمة - عن التعلق به، إلا أن يأتي لبيت أهلك ويطلب زواجك؛ فإن الشرع الحنيف لا يجيز أي علاقة بين المرأة ورجل أجنبي عنها خارج نطاق الزواج، وليس في الإسلام ما يعرف بـ"الحب بين الجنسين" خارج الزواج، واقطعي ذهابك لتلك الدروس وتهيئي للخُطّاب، وانكحي صاحب الخلق والدين، وفّقك الله لكل خير، وأصلح حالَكِ ويسّر أمرَكِ،، والله أعلم.(10/3)
العنوان: أختي ترفض الزواج
رقم الاستشارة: 117
المستشار: أ. محمد الحازمي
-----------------------------------------
السؤال:
لَدَيَّ أُخْتٌ تَرْفُضُ أَيَّ شَخْصٍ يَتَقَدَّمُ لَهَا، مَعَ العِلْمِ أَنَّ جَمِيْعَ أَخَوَاتِهَا قَد تَزَوَّجْنَ - حَتَّى الصُّغْرَى - وَهي تَرْفُضُ الحَدِيثَ فِي المَوْضُوعِ وَلَا نَعْرِفُ الأَسْبَابَ؟
مَعَ الشُّكْرِ الجَزِيلِ لِكُلِّ القَائِمِينَ عَلَى هَذَا المَوْقِعِ الرَائِعِ وَالمُفِيدِ.
-----------------------------------------
الجواب:
الأُخْتُ الفَاضِلَةُ،
مَرْحَبًا بِكِ فِي مَوْقِعِ (الأَلُوكَةِ).
يُمْكِنُ حَلُّ مُشْكِلَةِ أُخْتِكِ عَنْ طَرِيقِ الآتِي:
أَوَّلاً: مُحَاوَلَةُ مَعْرِفَةِ أَسْبَابِ عُزُوفِهَا عَنِ الزَّوَاجِ بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ مُمْكِنَةٍ؛ إِمَّا عَنْ طَرِيقِ وَالِدَتِهَا أَو إِحْدَى صَدِيقَاتِهَا المُقَرَّبَاتِ مِنْهَا، فَرُبَّمَا تُعَانِي رَدَّ فِعْلٍ مُعَيَّنٍ أو مُشْكِلَةً مَا، فَإِذَا عُرِفَتِ الأَسْبَابُ، سَتُوجَد الحُلُولُ بِإِذْنِ اللهِ.
ثَانِيًا: يُمْكِنُ اسْتِخْدَامُ طَرِيقَةِ الإِقْنَاعِ المَبْنِيَّةِ عَلَى المُنَاقَشَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالعَقْلِيَّةِ الهَادِئَةِ، وَتَوْضِيحُ أَنَّ الزَّوَاجَ مِنَ الفِطْرَةِ، وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِلاسْتِقْرَارِ وَالسَّعَادَةِ وإِنْجَابِ الذُّرِّيَّةِ، وَأَنَّ الحَيَاةَ بَعْدَ الزَّوَاجِ تَخْتَلِفُ عَمَّا قَبْلَهَا اخْتِلافًا تَامًّا.
ثَالثًا: أَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ لَهَا بِظَهْرِ الغَيْبِ بِصِدْقٍ وَيَقِينٍ؛ فَإِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - كَرِيمٌ مُجِيبٌ، وَهَذَا مِنْ أَنْفَعِ الأَدْوِيَةِ الَّتِي تُفَرِّجُ الكُرُبَاتِ وَتَفْتَحُ أَبْوَابَ الخَيْرِ.(11/1)
رَابِعًا: إِذَا أَصَرَّتْ عَلَى رَأْيِهَا، وَلَمْ تَكُنْ هُنَاكَ أَسْبَابٌ ظَاهِرَةٌ فَيُمْكِنُ عَرْضُ مُشْكِلَتِهَا عَلَى إِحْدَى المُخْتَصَّاتِ الاجْتِمَاعِيَّاتِ أوِ الطَّبِيبَةِ المُخْتَصَّةِ لِدِرَاسِةِ الحَالَةِ، والظُّرُوفِ المُصَاحِبَةِ لَهَا، وَتَقْوِيمِهَا وَمِنْ ثَمَّ إِيْجَادُ الحُلُولِ المُنَاسِبَةِ.
واللهُ المُوَفِّقُ وَالمُعِينُ.(11/2)
العنوان: أخي الصغير و أسئلته المحرجة!!
رقم الاستشارة: 28
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
لي أخٌ صغيرٌ في الصف السادس الابتدائي، دائماً ما يفاجئني بأسئلته الكثيرة المحرجة، فلا أعلم: هل أجيبه عنها أو لا؟
وأكثر ما يسألني عنه: أمور الجنس، والنساء، والكلام البذيء، فإذا ما سألته: من أين لك هذا الكلام في مثل هذه الأشياء؟ أجابني بأن أقرانه من طلاب فصله الدراسي يتحدثون فيها!!.
فمن ذلك: أنه سألني يوماً عن الدم الذي يخرج من النساء؛ ما هو؟! وسألني يوماً عن معنى كلمة (مخنَّث)، وعن كلمة (جماع)، ثم سألني مرةً عن المني، ما هو؟! ومرةً عن الأبناء؛ كيف يأتون إلى هذه الحياة؟! وأخيراً سألني عن الأفلام الجنسية!!!.
أسئلةٌ كثيرةٌ يطرحها عليَّ فأستشعر بها أنه يعاني المراهقة، فأجد نفسي في حيرة وتردد: أأفسر له معنى كل شيء؟
أخاف أن أجيبه عمَّا سأل؛ فيزداد شغفاً وحبّاً في معرفة الكثير عنه، ويتحول الأمر من تثقيف وتوعية إلى تأجيجٍ وإثارةٍ لشهوته؛ فأجدني أقول لنفسي: "لن أخبره، وسيعرف هو بنفسه". ولكن؛ سرعان ما تتنازعني الهواجس: ماذا لو سأل عن هذا رفيقَ سوءٍ من أقرانه وأترابه، فأخبره بما يضريؤذيه؟. كيف لي أن أتصرف معه؟ أفتونا شكر الله لكم.
-----------------------------------------
الجواب:
أخي الكريم ... أهلاً بك في موقع (الألوكة)، ومرحباً بك في كل حين.
في البداية: لا أخفي عليك أنني شعرت بالدهشة لقوة العلاقة بينك وبين أخيك الصغير .. هذا أمرٌ رائعٌ للغاية .. تذكَّر أنه من المهم أن تحافظ على هذه العلاقة بهذا الانفتاح خلال السنوات القادمة؛ لعل الله يحفظ بها أخاك مما قد يشهده في سنوات مراهقته من خلال التواصل الدائم بينكما، دون شعورٍ بالتهديد أو السيطرة.(12/1)
يجب أن نعترف أن ما يدور بين الأطفال الكبار - أو الشباب الصغار كما أحب أن أناديهم - هذه الأيام هو مختلف تماماً عمَّا كان يدور بيننا عندما كنَّا في أعمارهم .. لقد غيَّرت العولمة كل شيء من حولنا .. والله المستعان!!
والمهم الآن هو: كيف يمكن أن نستجيب نحن لهذا الواقع الجديد المؤلم والمزعج؟.
أرى أن معظم الأسئلة التي وردت في سؤالك يمكن أن تُشرح بأسلوب مؤدب ومقبول؛ بل أن توضع في إطارٍ إرشاديٍّ جيِّدٍ ومفيد؛ ذلك أن الهروب والعمل على الكبت والقمع والإسكات - كما أشرتم - ليس حلاًّ؛ بل الحل هو أن نبادر إلى عملٍ إيجابيٍّ في سبيل حماية شاب بدأ للتو يخرج إلى الحياة!!.
ما يجب أن نناقشه جدياً هو: طبيعة الأصدقاء والزملاء الذين يحيطون بأخيك الحبيب .. صحيح أن المدارس قد امتلأت بما لا يرضينا من فساد الأخلاق، لكن ما زال هناك فئةٌ من الطلاب المحافظين، وأصحاب الخُلُق الحَسَن؛ لذا: احرص على أن تحيط أخاك بهم في المدرسة، والحيِّ، والمسجد.
ختاماً؛ أودُّ أن أكرر التنبيه على أهمية سعيك نحو المحافظة على بقاء العلاقة مع أخيك بهذه الصورة المميزة، وتذكَّر أنه من الأفضل أن يخبرك بكل ما يحدث معه، وهذا أكثر أهمية من أن يخبرك فقط بما يسرك ويرضيك.
شكرا لزيارتك لموقع (الألوكة)، وأرجو أن تمرَّ على الموقع باستمرار؛ فتجد – إن شاء الله - ما يسرُّك ويفيدك.
والسلام عليكم ورحمة الله(12/2)
العنوان: أخي متسلط!!
رقم الاستشارة: 47
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
لي أخٌ كبير يبلغ من العمر 29 سنة، منذ طفولته وهو عدواني، خاصةً معي، وفي شبابه كان مدمناً، وصاحب علاقات محرَّمة مع النساء، ولا يصلي إلا في الجمعة!!
عقليَّته كالطفل؛ بل أصغر!
متسلطٌ وعنيفٌ في البيت، لكنَّه في الخارج لطيفٌ إلى درجة الضعف!
كل حين له أصدقاء جدد، ودائماً ما يتأثر بهم؛ إن خيراً فخيرٌ، وإن شرّاً فشرٌّ، والغالب عليهم – للأسف - هو الشرُّ.
صبر عليه والدي كثيراً، كانوا يسوسونه، ويذهبون به إلى مراكز علاج الإدمان والمخدرات، ويحثُّونه على الصلاة سنوات عده، فيستجيب أحياناً، لكنه سرعان ما يعاود الكرَّة مرة أخرى، حتى أمسكه أبي منذ عامين؛ فضربه ضرباً مُبَرِّحاً، حتى إن يد أبي قد انكسرت من شدة الضرب!! وقاطعه كلُّ مَنْ في البيت، فلا أحد يكلمه، ولا يأكل معه، وبذلك ارتحنا من تسلطه!
وقبل ثمانية أشهر، حاول أخي الأصغر منه أن يساعده في ترك المخدرات؛ فذهب معه إلى جمعية مكافحة التدخين، واتفق مع الوالدين على أن يغيروا أسلوب تعاملهم معه، ففعلوا، وترك أخي أصدقاء السوء؛ فأصبح والداي يحرصون عليه، وعلى عدم إثارة أعصابه أبداً، حتى لا يرجع إلى فساده القديم.
حجَّ أخي واعتمر، وحافظ على الصلاة - ولله الحمد - ووعدوه أهلي بالزواج، وأصبح يحترم والديَّ كثيراً، ويخشى غضبهم، حتى لا يعاودون مقاطعته مرةً أخرى.
لكنه مازال يحقد عليَّ كثيراً، ويحاول استفزازي، وإثارة المشاكل معي، وهذا طبعه معي منذ صغره، وأنا أحاول أن (أهمِّشه)، ولا أردُّ عليه في أغلب الوقت.(13/1)
وحينما أشتكي لوالدي منه، يضعون اللومَ عليَّ، ويعاملون المظلوم كالظالم، ومع علمهم اليقيني أنَّ أخي هو المخطئ، فإنهم دائماً ما يردُّون على شكاتي بقولهم: إذا انحرف من جديد؛ فهو في ذمَّتك، وأنت السبب؛ لأنك تستفزِّينه؛ فيغضب، ويصبُّ جامَ غضبه في المخدِّر!!... لا حول ولا قوة إلا بالله!!
مع العلم: أن أخي مكروهٌ في البيت وخارج البيت، وكانت جدَّتي – رحمها الله - تدلِّله كثيراً في صغره، وكانت تغضب من أمي كثيراً بسببه، وتنهاها أن تغلق باب الشارع، تقول: دعيه يخرج حيث شاء؛ فتخضع أمي لأمر جدتي وهي كارهة، حتى انحرف أخي، وأصبح من أبناء الشوارع!!
كان أبي يودع راتب أخي الشهري المصرف؛ حتى لا يشتري به المحرمات، ويعطيه مصروفاً يوميّاً بين 20 و30 ريالاً، ووفَّر له مئة ألف ريال بالمصرف، لكنَّه لم يقدِّر المعروف، وكان يقول لأصدقائه: أبي يسرق نقودي!!
يغار كثيراً من أخي الذي يصغره؛ فهو محبوبٌ وناجحٌ، ومتزوِّجٌ، وكثيراً ما نعتمد عليه؛ وهو محط تقدير الجميع.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة - حفظها الله -:
السلام عليكم ورحمة الله، ومرحباً بك في موقع (الألوكة)، وشكراً لثقتك الغالية.
أتفهَّم جيداً كيف تسير الأمور في بيتكم، وذكَّرني ذلك بحال الدنيا كلها؛ فكم من مذنب يُكرَّم, وكم من صالح يُهان!
في دنيانا - يا سيدتي - تطلع الشمس الدفيئة على المحسنين والمذنبين على السواء, ويهطل المطر على الطيبين والسيئين في نفس الوقت! هكذا حال الدنيا، التي خلقها الله دار ابتلاءٍ وامتحانٍ للعالمين.
وهذا درسٌ من أهمِّ دروسها, وحقيقةٌ من أهمِّ حقائقها، لابد أن نذكِّر بها أنفسنا دوماً؛ حتى نتلافى الألم الذي يمكن أن تتركه فينا، لكني سأحاول أن أنظر إلى الأمر نظرة مختلفة؛ فاقرئي معي:
هل يمكن أن تنظري إلى أخيكِ من زاويةٍ أخرى؟(13/2)
لقد مرَّ أخوك - بسبب ظروف تربوية وشخصية- بالعديد من التجارب والذكريات المؤلمة، كانت كل تجربة تخبره أنه (شخصٌ سيئٌ، لا يستحق الاحترام)؛ ولذا نشأت هذه الفكرة لديه، وتكوَّنت كل شخصيته على أنه المؤذي المحتقَر، وأنه ليس كأخيه الصغير المحترم والمعتمَد عليه!
أنا لا أدافع عنه هنا، لكنني أعرف جيداً أن الكثير من الشباب السيئين هم في أشد الحاجة إلى العطف والاهتمام، وإعادة الثقة إلى أنفسهم.
إن ما يفعله ويقوله هو طريقته في البحث عن المساعدة!! نعم؛ هي طريقةٌ خاطئةٌ، لكن من حقه أن نقف إلى جانبه، وأن نعزِّز ثقتَه بنفسه، أن نمنحَه ما يشتاق إليه من حب وحنان، وثقة واهتمام، مع الصبر عليه.
هل يمكن أن نسأل أنفسنا: لماذا يُعنِّي نفسه بالاحتكاك بكِ، ويحاول أن يستفزَّكِ؟
ربما لأنه سيئ الطَّبع، وربما لأنه يريد منك مساعدة!
يريدك أن تتوقفي عن (تهميشه) و(تطنيشه)!!
فكري للحظة بهذا.. قومي اليوم إليه، وتغلبي على مشاعرك والذكريات المؤلمة في رأسك، اقتربي منه، واجلسي إليه، واستمعي له.. قومي بكل ما يمكنك لبثِّ روح الأمان في علاقتكما.. احتسبي أجر ذلك عند الله تعالى.. وقد تدهشك النتائج!!
ومن زاوية أخرى – أيضاً -:
دعيني أفترض أنه شخص سيئ الطبع، ميئوسٌ منه؛ فلماذا أشعر أنا بالألم؟!
إن كان هناك شخص سيئٌ في حياتي، فلماذا أدفع أنا الضريبة؟!
حاولي نسيان ذلك التاريخ المزعج معه - والذي كتبتِ عنه كثيراً! - ولا تتركي له طريقاً لأن يؤذي مشاعرك؛ فهي ملكُكِ أنتِ، وليس لأحدٍ القدرة على إيذائها أيّاً كان.
فقط: انصرفي عنه، وعيشي حياتك بصورة طبيعية، أعلم أن الأمر ليس بهذه السهولة، لكنه ممكنٌ، ومقدورٌ عليه بالتدريب والممارسة.
وفَّقكِ الله إلى كل خير، وأهلاً بك - دائماً - في موقع (الألوكة)..(13/3)
العنوان: أخي.. وكرة القدم
رقم الاستشارة: 174
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم، تحية طيبة، وأسأل اللَّه ألا يضيع جهودكم،
أخي في الثاني متوسط (14 سنة)، يَعشَقُ كرة القدم وممارستها، كان في حلقة تحفيظ القرآن الكريم، أو ما يُعرَف بـ (المكتبة)، وقد ملؤوا أوقاتِه بما يحب وينفع، بالأمس أعلن أنه سيترك الحلقة، وفِعلاً تركها، وعندما حادثْتُه قال: إنَّ أُمْنيَّتَه أن يكون لاعبَ كرةِ قَدَمٍ مشهورًا، وإنه يجب أن يَجعَل كلَّ وقته في ممارسة لعبة كرة القدم، وإن الحلقة لا تفيده في ذلك، المشكلة هنا أن أبي كان يرفض - قبل دخول الحلقة وبعدها - اللَّعِبَ في الشارع؛ لسوء البيئة، وكذلك الانضمام إلى أحد الأندية الرياضية المشهورة؛ خوفًا على أخلاقه ممن هم في النادي، أَخبَرَني أنه بترْكه الحلقةَ سيعيش وقت فراغ في البيت، وسيُسبِّب إزعاجًا لإخوانه، وبذلك سيُجبِر والدي على أن يلعب في الشارع، بحثنا له عن الأندية العادية غير الرياضية، فلا تستقبله لصِغَرِ سِنِّهِ، ماذا أفعل أرجوكم؟!
والدي - ربما مع كثرة الإلحاح - يوافق على لَعِبِهِ في الشارع، أو الأندية!! أين يمارس كرة القدم حيث إني لا أهتم بها؟
طبعًا ومِن المستحيل أن أُغيِّر هواية كرة القَدَم عنده، وهل هناك من خطورة في تعلُّقه بها؟
أشغلناكم بهمومنا، لكنني أسأل الله أن يُرِيَكُمْ ومَن تحبون كلَّ خير، والسلام.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم.. مرحبًا بك في موقع (الألوكة)، وشكرًا لثقتك الغالية..
أن يكون لأخيك الصغير هوايةٌ يعشقها، هذا أمر رائع، ولابد أن نَشُدَّ على يديه، ونُحَفِّزَهُ ونقف إلى جانبه؛ لا أن نُغيِّرها.(14/1)
في مِثل عُمْر أخيك، يبحث الشابُّ الصَّغيرُ عن ذاته.. يشعر بالتَّوَهان.. يحب أن يكون له ما يُمَيِّزُهُ عن غيره.. هذا ليس خطأ؛ بل يجب أن نقف إلى جانبه، ونُسانده ونساعده، لكن يجب أن نوجه له رسالة واضحة، ويلتزم بها الجميع: "نحن لا نمانع أن تكون لاعبًا، وأن تحقق أُمنيَّاتِك؛ بل سنساعدك إلى آخر المشوار؛ لكن هناك خطوطًا حمراءَ يجب ألا تتعداها، ويجب أن نتفق على تحقيقها، ومنها ضرورة عدم الانقطاع عن الحضور إلى (المكتبة) ونشاطاتها، ولو بصورة أقلَّ مما سبق، ومع تنظيم للوقت، والوقت المتبقي يمكن أن تقضِيَهُ في لَعِبِ الكرة في مكان معروف وآمن؛ كأن يكون في ملاعبَ عامَّةٍ، أو في نادٍ مع صديق مضمون، يومينِ أو ثلاثةَ أيام في الأسبوع، كما يجب الاتفاق بصورة واضحة وصارمة على أهمية الحفاظ على الدراسة، وعدم التقصير فيها مهما حدث.
تَذكَّرْ أنَّ الشباب في هذا السّنِّ يُحِبُّون أسلوب الحدود والقوانين المتفَق عليها مسبقًا، ومن ثَمَّ تطبيقها بحرفية، ودون تجاوُزٍ من كِلاَ الطرفين، كما يمكن أن تستخدم حُبَّهُ للكرة مُحفِّزًا لالتزامه في المدرسة والمسجد، وفي سلوكه العام.
من الأمور المهمَّة أيضًا، التي ستساعده كثيرًا، أن تجد له صديقًا طيِّبَ الخُلُق والدين، ويشاركه نفس الهواية؛ فالشباب في هذه السّنِّ يتأثرون بالأصدقاء والأقران أكثرَ مِن أيِّ علاقة أخرى.
لقد شعرتُ من رسالتكَ أنك قريب من أخيك، وهذا شيء رائع، وأَحُثُّك على أن تحافظ على هذه العلاقة، أَظهِرْ مساندتك الكاملة له دون استهانة أو إهمال، وأَبْدِ استماعَك واهتمامك، وفي الوقت نفسِه حافظْ على الحرص على ما يُصلِحه دون تراخٍ، معادلة صعبة؛ لكنه عمل جليل ولا شك.
هذه بعض الأفكار، أتمنى لك التوفيق في هذه المهمة، وتَقبَّلْ تحياتي.
ومرحبًا بك ثانيةً في موقع (الألوكة).(14/2)
العنوان: أدمنت ( الكابتجون ) ساعدوني!!
رقم الاستشارة: 181
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أرجو الرد بسُرْعة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سُؤالي هو الذي أرْهَق حياتي، وأبْعَدَنِي عن ديني وصلاتي، حيث إني أسْتَعْمل (الكابتجون) منذ 8 سنوات.
لقد أرْهَقَنِي كثيرًا، وسَبَّبَ لي متاعِب نفسية، وذهبْتُ إلي العيادة النَّفْسيّة فصرفوا لي علاجًا من أربعة أنواعٍ من الحُبُوب، وقَالُوا لي: إن العلاج الأول هو تَرْك (الكابتجون).
وأنا إلى الآن - أي منذ سنتين - أُعاوِد العيادة النفسية، وأَسْتَخْدِم علاجهم، إضافة إلى أنني أسْتَخْدِمُ (الكابتجون).
مُشكلتي هي:
أولاً: أنَّ مُعْظم سكان الحي يستخدمونه.
ثانيًا: الأعراض الانْسِحَابيّة من: كسل، وخُمُول، وكَثْرة النوم، حتى إني أُدَاوِم في عملي بالقوة، وأُحاوِل أن أتَغَلَّب على نفسي.
ثالثًا: بكلّ صراحة، يهزّني الشَّوْق عندما أسمعها تطري علي.
رابعًا: أنَّ أي صديق يطلُب مني المُشاركة: إما أن أخْجَل أو يَهْدِمُني الشوق إليها.
فأنا أُفَكِّر كثيرًا، وأُحَاوِل تَرْكها دائمًا، فأبْحَثُ عن سبب مُقْنِع لأصدقائي لكي أتْرُكها، فلا أستطيع أن أردَّ يد أحدٍ يقدمها إليّ.
وكما قلتُ لكم مُسْبقًا: فإنني أُعَانِي من مشاكل نفسية بسببها، وهي: الخوف، والرهبة من المجتمع، والخَجَل، وانْعِدَام الثِّقة بالنفس. مع العلم أنني مُتوسِّع جدًّا مع أصدقائي.
وجزاكُمُ اللهُ خَيْرًا
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم، مرحبًا بك في موقع (الألوكة).. وأهلاً وسهلاً بك..
من الرائع أن يكون لديكَ الحَماسُ والقُوَّة؛ حتى تعترف بِوُجود مشكلة مثل مشكلتكَ، وأن تَسْعَى إلى التغلُّب عليها، والعَيْش مُتَحَرِّرًا من أَسْرِها.(15/1)
عندما يُسبّب لي اخْتلاطِي بشخصٍ ما أَذِيّةً جسدية, فمن المنطقي أن أقْطَع علاقتي بهذا الشخص، أقطع علاقتي به وبأصحابه، وبكل ما يذكّرني به، وبالمرور في الشارع الذي يسكن فيه، فلا يوجد حَلّ أهم من هذا.
للأَسف ينتشر (الكابتجون) بشكل هائل هذه الأيام بين الشباب, ويعتقد بعض الناس أنه آمن، والحقيقة: أنه بالإضافة إلى الأعراض الانْسِحَابية التي وَصَفْتَها في رسالتك، والتي نعرفها جيدًا، يسبب (الكابتجون) ضررًا بالغًا لأنْسِجَة الدِّماغ على المَدَى الطويل.
وإنني أُقابِل كلَّ يوم في العيادة النفسية، وأرى في أجنحة المُستشفيات عددًا كبيرًا من الشباب، الذين أدَّى استخدامهم لهذا المُخَدر إلى ضَيَاع عقولهم، ودمار حياتهم حَمَانا الله جميعًا.
فالأمر ليس مُجَرَّد حبة، تُؤَدِّي إلى سعادتنا وفرحنا، الأمر في غاية الخُطُورة فنحن هنا أمام مادَّة كيميائيَّة تُدمِّر الدماغ بشكلٍ بطيء، وعَوَاقبها وَخِيمة على النَّفْس والعقل.
ما أنْصَحُك به ليس جديدًا عليك، وأقْصِد هنا:
- أن تَجِدَّ في البحث عن صُحْبة صالحة.
- أن تَهْجرَ (الشلة) القديمة جسديًّا ونفسيًّا.
- المُداوَمَة على مُراجَعة العيادة النفسيَّة؛ حتى تُعالِجَ آثار المُخدّر ومسبَّباته، وسيُساعدك كثيرًا تذكُّر نعمةِ الله عليك، بِأَنْ مَنَحَك الوَعْي والانتباه الذي حُرِمَه كثيرٌ من الشباب الغارق في وَحْل المُخدرات.
ومِمَّا سيُعِينُك أيضًا على الابتعاد عن هذا المُخدِّر: البَحْث عن مصادر للمُتْعَة والسعادة، عبر مُمَارسة هواية، وتطوير نفسك، والارْتِقَاء في مهنتك، والمُشاركة في الأنشطة الاجتماعية المختلفة، والأهمّ من ذلك التَّقرُّب إلى الله تعالى، وتذوُّق حلاوة قربه ومُناجاته.(15/2)
الأمر ليس يسيرًا؛ لكنَّه يحتاج في البداية إلى عَزِيمة صادقة، حتى لو زَلَّتْ قدمُكَ مرَّة أو مرَّتينِ، فلا تُخذِّلْ من عزيمتكَ، ولا تَنْسَ القُرْب من الله، والاستعانة به، ودعاءه، واللُّجُوء إلى رُكْنِه الشديد.
وَفَّقَكَ الله إلى ما يرضيه، ومرحبًا بك ثانية في موقع (الألوكة).(15/3)
العنوان: أرجو النصح
رقم الاستشارة: 113
المستشار: د. سعد بن عبدالله الحميد
-----------------------------------------
السؤال:
شكراً لكم على الرد السابق،
بالنسبة لي أجد صعوبة في أن أتزوج قبل أن أفهم خطيبتي لأنني إن كنت لا أفهمها الآن فكيف يكون التفاهم بيننا بعد الزواج، أرجو نصحي ماهي الطرق التي يجب علي فعلها لكي تتقبلني خطيبتي وللحصول على التفاهم فيما بيننا مع العلم أنني كنت أجلس معها كل أسبوع أو عشرة أيام تقريباً بعد عقد قراني عليها ولكنني الآن لا أذهب لرؤيتها خشية أن أشعر بالنفور الذي كنت أشعر به سابقاً.
ولقد أخبرني بعض المقربين من أهلها أن سبب هذه المشاكل بيننا أمها وفضلت أن لا أواجه أمها بذلك خوفاً على شعور البنت فلا أريد أن أتسبب لها بالمشاكل.
شاكراً لكم خدماتكم الجليلة التي تقدمونها من خلال موقعكم المميز.
-----------------------------------------
الجواب:
أخي الكريم،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فالجواب السابق كان بسبب أنك لم توضح أنك عقدت على مخطوبتك، فنعتذر إليك عن سوء الفهم.
والآن وقد أوضحت ذلك، وأوضحت أمراً مهمًّا آخر وهو موقف أم مخطوبتك، أود أن أذكرك بالآتي:
أولاً: أن يكون لأم مخطوبتك دور في التأثير عليها، وهذا الذي جعلك لا تجد منها تجاوباً معك، وتتخوف من مستقبلك معها.
وهنا قد يكون السبب أن بين والدتها ووالدتك إما خصومة، أو عدم مودة، أو غَيْرة، أو غير ذلك مما يحصل بين الأسر عادة.
وهذا قد يزول بالنسبة لك لو تقرَّبْت من أمها بهديَّة، وكلام جزل تمتدحها فيه، وتثني عليها، ويكون بشيء من الدعابة، ونحو ذلك مما يَسُلُّ ما في نفسها تجاهك، لكن تبقى المشكلة مع والدتك وأخواتك، فهذه ستخلق لك مشكلة مستقبلاً، وقد تتفاقم، ولذا فلعلك لا تتعجل بالزواج حتى تطمئن، حتى لا تكون هناك قطيعة بينكم.(16/1)
ثانياً: الغريب منك أنك لم تذكر في رسالتك ما تعرفه عن خُلُق هذه الفتاة الذي قد يكون هو الفاصل في الأمر. فما دامت ابنة عمك فهل هذا الذي شعرت به منها يتوافق مع ماهو معروف عنها من خُلُق، أو لا؟ وأمك وأخواتك قد يساعدونك في هذا. فإن كان هذا خلقها فحدد المصير أنت، وإن كان ليس من خلقها فهذا يدل على أنها غير متقبلة لك، إما بسبب أمها، أو لأمر آخر ليتك تتأكد منه، وهو أن لا تكون متعلقة بشخص آخر، ولكن أجبرها والدها على الزواج بابن عمها، ثم ننتظر ردك لاستكمال الجواب، وفقك الله لهداه، والسلام عليكم.
قد لا يكون للأم دور في هذه المشكلة، ولكن هكذا خلق الله مخطوبتك، فهنا أنت الذي تحدد المصير، فإما أن تقبل بالأمر الواقع؛ بأن تعيش مع زوجة يغلبها الحياء، أو في طبعها برود، ولك أن ترفض.(16/2)
العنوان: أريد اسم الدواء؛ لأني لا أثق في العيادات النفسيَّة
رقم الاستشارة: 166
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أشكر للدكتور بكَّار جوابَهُ عن سؤالي الذي عَنْوَن له: "هل أترك الدعوة من أجل مشكلة نفسية؟!" لكن بقي في نفسي سؤالٌ، وهو أني من الناس الذين لا يثقون بكثير من العيادات النفسيَّة، فهلاَّ يا دكتور، أرشدتني إلى كيفية الحصول على الحبوب، التي تمنعني من نَتْفِ الشَّعْر، خاصة أنني في شرق الرياض، فما هي الصيدلية التي تبيع ذلك؟ وما اسم هذا الدواء؟ وكيف أستعمله؟
عاجل يا دكتور!! لا حرمك الله الأجر.. آمين!!
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله،
ومرحبًا بك ثانية في موقع "الألوكة"، وأهلاً وسهلاً..
قد أتفق معك - جزئيًّا - أنَّ هناك بعض العيادات النفسية غير المعتمدة أو الموثوقة؛ ولكن في الحقيقة، وفي الآونة الأخيرة، نشأ الكثير من العيادات النفسية الموثوقة، التي يقوم عليها عددٌ من الأطبَّاء النفسيين المميزين، ومن الأعلام المعروفين على المستوى المحلي والعربي والعالمي.
مشكلةُ نتف الشَّعْر مشكلةٌ نفسيَّة، تحتاج إلى النقاش والتحليل، ودقَّة التشخيص، إضافةً إلى العلاج الدوائي ومتابعته، وهذا لا يمكن إنجازه عن طريق "الإنترنت"، وهو أمر غير مقبول في الأخلاقيَّات الطبيَّة.
أعلمُ تمامًا كم تُسَبِّب لك هذه المشكلة من ضيق وألم، وأتمنى أن تمتلك الهمة في البحث عن حل لها في عيادات الطب النفسي، دونَ التأثُّر بِمعتقدات عامَّة الناس عنه! ومما أقترحه عليك: ترتيبُ موعد في قسم الطب النفسي في المستشفى الجامعي في الرياض، ولو كان الموعد بعيدًا يمكنك أن تزور أيَّ طبيب نفسي في عيادته الخاصة، ثم تتابع في عيادات المستشفى الجامعي.
أسأل الله لك المعونة والتوفيق.
ومرحبًا بك في موقع "الألوكة".(17/1)
العنوان: أريد أن أعرف صحة حديث
رقم الاستشارة: 197
المستشار: أ. خالد بن مصطفى الشوربجي
-----------------------------------------
السؤال:
أريد أن أعرف صحة هذا الحديث: ((مَن أفطر يومًا مِن رمضان - مِن غير عذر - لم يُجْزِئْه صيام الدهر كله، ولو صامه)).
-----------------------------------------
الجواب:
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
فهذا الحديث أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (1987 و1988) من طريق شعبة بن الحجاج، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عمارة بن عمير، عن ابن المطوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أفطر يومًا مِن رمضان في غير رخصة رخَّصها الله، لم يقض عنه صوم الدهر وإن صامه)).
ولم يصححه ابن خزيمة، ولكن قال: ((باب التغليظ في إفطار يوم من رمضان متعمدًا من غير رخصة، إن صح الخبر؛ فإني لا أعرف ابن المطوس ولا أباه، غير أن حبيب بن أبي ثابت قد ذكر أنه لقي أبا المطوس)).
وهذا الحديث ذكره البخاري في "صحيحه" (2/683) تعليقًا بصيغة التمريض، فقال: "ويُذْكَرُ عن أبي هريرة رَفَعَه: ((مَن أفطر يومًا من رمضان - مِن غير عُذْرٍ ولا مَرَضٍ - لم يَقضِه صيامُ الدهر، وإن صامه!))".
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (4/161): "وَصَلَه أصحابُ السنن الأربعة، وصححه ابن خزيمة من طريق سفيانَ الثوري وشُعبةَ، كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت، عن عمارة بن عمير، عن أبي المطوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، نحوه، وفي رواية شعبة: ((في غير رخصةٍ رَخَّصَهَا الله تعالى له لم يقضِ عنه، وإن صام الدهر كله)).
قال الترمذي: "سألتُ محمدًا - يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال: أبو المطوس اسمه: يزيد بن المطوس، لا أعرف له غير هذا الحديث".
وقال البخاري في "التاريخ" أيضًا: "تَفَرَّد أبو المطوس بهذا الحديث، ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا؟".(18/1)
قلتُ: واختُلِفَ فيه على حبيب بن أبي ثابت اختلافًا كثيرًا؛ فحصلت فيه ثلاثُ عِلَلٍ: الاضطراب، والجهل بحال أبي المطوس، والشك في سماع أبيه من أبي هريرة، وهذه الثالثة تختص بطريقة البخاري في اشتراط اللقاء".اهـ كلام الحافظ ابن حجر، والظاهر أنه لم يتنبَّه لتوقّف ابن خزيمة عن تصحيح الحديث.
وقال ابن عبدالبر في"التمهيد" (7/173): "وقد روى أبو المطوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((مَن أفطر يومًا من رمضان متعمدًا، لم يجزه صيامُ الدهر، وإن صامه)).
ورُوي عن علي وابن مسعود، وهذا يَحتمِل أن يكون - لو صح - على التغليظ، وهو حديث ضعيف؛ لا يُحتَجُّ بمثله".
قال العَيْنِيُّ في "عُمدة القاري" (11/23): "... وقال مُهَنَّا: سألتُ أحمد عن هذا الحديث، فقال: يقولون عن ابن المطوس، وعن أبي المطوس، وبعضهم يقول عن حبيب عن عمارة بن عمير عن أبي المطوس، قال: لا أعرف المطوس، ولا ابن المطوس، قلتُ: أتعرف الحديث من غير هذا الوجه؟ قال: لا".
وقال ابن حبان في "المجروحين" (3/157): ((أبو المطوس رجل من أهل الكوفة يروي عن أبيه ما لم يتابع عليه لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد روى عن أبيه عن أبي هريرة))، ثم ذكر هذا الحديث.
وانظر لتفصيل طرق هذا الحديث والاختلاف فيه: "العلل" لابن أبي حاتم (674 و720 و750)، و"العلل الواردة في الأحاديث النبوية" للدارقطني (8/266-274)، و"تغليق التعليق" لابن حجر (3/169-172)،، والله أعلم.(18/2)
العنوان: أريد أن أكتب مسلسلاً يعرض في رمضان
رقم الاستشارة: 158
المستشار: أ. محمد الحازمي
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا طالبة مُقبلة على التخرج في الجامعة، وأريد أن أستشيركم في مسألة كتابة نص أو قصة، تُعرض مسلسلاً في رمضان، ما رأيكم في هذا النص، الذي سيُباع؟ وما نصيحتكم لي، علمًا بأنه الهدف الرئيس لي، وحُلم أطمح إليه منذ زمن؟! وهل المال الذي سوف أحصل علية حلال أم لا؟!
شاكرة لكم حسن التعاون!
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
الأخت الفاضلة، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن مِن نِعَم الله على المسلمة أن تحرص على تَحَرِّي طريق الحق، وتسأل عن أمور دِينِها ودنياها، وتطلب النصح، وتعملَ على معرفة سُبُل الكسب الحلال، وهذا ما لَمَسْتُه في رسالتك، التي يظهر في ثناياها حبُّكِ للخير والحرص عليه، فأسأل الله لكِ التوفيق والسداد.
أختي الكريمة: يطيب لي أن أقف مع رسالتك الوقفات التالية:
• الموهبة نِعمة مِن نِعَم الله، سواء أكانت كتابةَ القصةِ أم الروايةِ أم الشعرِ أم غيرها، والواجب على المسلم والمسلمة شكرُ الله - عز وجل - على تلك النعمة، قال - تعالى -: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7] ومِن شُكْر النِّعَم تسخيرُها في طاعة الله؛ حتى ينال المسلم والمسلمة رضا الله.
وحيث إن الله قد أنعم عليك بموهبة كتابة القصة أو الرواية؛ فاحرصي على أن تجعلي ذلك في خدمة دينه؛ حتى تنالي خيري الدنيا والآخرة.(19/1)
فمن المعلوم لدى الجميع أن شهر رمضان شهرُ عبادة وصيام وقيام ورحمة ومغفرة، قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]
ولكن للأسف!! إن جُلَّ القنوات الفضائية عَمِلَتْ على قلب الموازين والمفاهيم، وحاولت أن تبيِّن للناس أنه شهر تُعرَض فيه المسلسلاتُ والمسرحيات والأفلام، التي تفسد على الصائمين والقائمين عبادتهم، وهذا من تلبيس إبليس وكيده.
فاحذري - أختي المسلمة - أن تكوني مثل أولئك، وإن كانت نيتكِ طيبةً، وقصدُكِ الإصلاحَ، فقد يُصبح النص الذي تكتبينه أساسًا لعَرْض المحظورات، وظهور النساء المتبرجات، وسماع المحرمات؛ فيكون عليك وِزْرُ ذلك وإثمه.
وكما قال القائل:
وَمَا مِنْ كَاتِبٍ إِلاَّ سَتَبْقَى كِتَابَتُهُ وَإِنْ فَنِيَتْ يَدَاهُ
فَلاَ تَكْتُبْ بِخَطِّكَ غَيْرَ شَيْءٍ يَسُرُّكَ فِي الْقِيَامَةِ أَنْ تَرَاهُ
• لفت انتباهي قولُك: إن كتابة النص أو القصة هدفُك الرئيس، وحُلمُك الذي تحلمين به منذ زمن!
ولعلِّي أقول: أتمنى أن يكون هدفُك أعلى وأسمى من ذلك؛ بحيث تكون كتابة النصوص والقصص سبيلاً لخدمة دينكِ، والدعوة إلى الله، والدفاع عن الإسلام، وإصلاح المجتمع الإسلامي.
فانظري إلى حسَّان بن ثابت - رضي الله عنه - شاعر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي دافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم – والإسلام؛ فنال لقب شاعر النبي، عليه الصلاة والسلام.
فعَن البَرَاءِ - رضي اللَّه عنه - أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لحَسَّانَ: ((اهْجُهُمْ، أَوْ قَالَ هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ))؛ متفق عليه.(19/2)
وفي الواقع المعاصر نجد مَن سَخَّر موهبتَه في الكتابة أو الشعر في خدمة الإسلام مثل: عبدالرحمن رأفت الباشا، والدكتور عبدالرحمن العشماوي وغيرهم، فسَمَا ذكرُهم، وعلا شأنُهم، فنسأل الله أن يجزيهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
بخلاف أولئك الذين كان همُّهم الشهرةَ، أو تحقيقَ رغباتهم الشخصية، أو كسْبَ المال بأية طريقة، أو الترويجَ لبعض الأفكار المخالفة لدين الله، فلمْ يوظِّفوا مواهبهم فيما يفيدهم في دنياهم وآخرتهم، وربما خسر بعضهم الدنيا والآخرة.
• إذا كان العمل طاعةً لله أو مباحًا؛ فإن المال يكون حلالاً، وأمّا إذا كان العمل أو الكتابة تحتوي على محرَّم، أو تؤدي إليه؛ فإن المال يكون تبعًا لها، فاحرصي أن تبتعدي عن ذلك؛ فإن أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها من الشبهات، وقد ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بَشير، قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الحلال بَيِّنٌ، وإن الحرام بَيِّنٌ، وبين ذلك أمور مُشْتَبِهات، فمَن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعِرْضه، ومَن وقع في الشبهات وقع في الحرام؛ كالراعي يرعى حول الحِمَى يوشك أن يَرْتَعَ فيه)).
وحاولي استثمار موهبتك في خدمة دينك وأمتك، وسيرزقك الله، ويرفع قدرك في الدنيا والآخرة. وفقك الله وأرشدك!(19/3)
العنوان: أريد برنامجاً نافعاً لي ولأبنائي في الإجازة
رقم الاستشارة: 116
المستشار: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم، ورحمة الله، وبركاته:
كل الشكر لك - يا أخت أروى - على طرحك الرائع وأسلوبك الراقي.
أنا موظفة، وأم لأربعة أطفال - بنت في الحادية عشرة، وولد في التاسعة، وطفلة في السادسة، وولد له سنتان -.
أريد برنامجاً أقضي فيه إجازتي مع أطفالي، أجد فيه الفائدة، والمتعة، وأرتقي بأطفالي.
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
الأخت العزيزة السائلة
السلام عليكم، ورحمة الله، وبركاته.
أشكر لك ثلاثة أمور:
أولهما: حسن ظنك بي، جعلني الله عنده.
ثانيهما: شعورك بمسؤوليتك أمّاً مربية، تريدين الخير لأولادك، وتحرصين على أن يمضوا الوقت بفائدة ممزوجة بمتعة، وهذا هو عين الصواب، فبارك الله لك في وقتك، وفي أولادك، وجعلهم قرة عين لك.
أما الأمر الثالث، الذي أشكره لك: هو تزويدي بمعلومات عن أسرتكم الكريمة؛ لأنه من الأفضل للمستشار أن يلم بمعلومات عن صاحب الاستشارة وأحواله قبل تقديم مشورته.
وأزيدك من الشعر أبياتاً؛ إذ إن الأمرين الثاني والثالث - اللَّذَين شكرتك عليهما - يخبران عن سيدة مثقفة، واعية، ومطلعة، ماشاء الله، تبارك الله.
لقد طلبتِ برنامجاً نافعاً لك ولأولادك..
وأجيبك:
أنت أفضل مني في وضع هذا البرنامج؛ لأنك تعرفين أطفالك تماماً؛ تعرفين ميولهم، صحتهم، مستواهم اللغوي، ومستوى ذكائهم... وهكذا، لكنني - بعون الله - أساهم في وضع أطر عامة تدلك على الطريق.
بدايةً؛ أسألك: هل أنت مدركة لخصائص نمو المرحلة لأطفالك؟ النمو الجسماني، والعاطفي، والانفعالي، والاجتماعي؟
أولادك الأحبة يندرجون تحت المراحل التالية:
1 - الطفولة المتأخرة (11سنة و9سنوات).
2 - الطفولة المبكرة (6سنوات).
2 - نهاية مدة الحضانة (سنتان).(20/1)
وللذَكَر اختلافات طفيفة عن الأنثى في هذه المراحل؛ لذلك - بدايةً - أنصح أن تقرئي عن خصائص النمو؛ لتبدعي في البرنامج الذي ستعدينه، وستجدين - بعون الله - كتباً كثيرةً في هذا المجال في المكتبات، فاقتني ما يريحك وتجدينه مناسباً لك.
هناك خصائص متشابهة للولدين اللذين في مرحلة الطفولة المتأخرة، فلهما اهتمامات مشتركة، على سبيل المثال: من خصائص النمو العقلي: زيادة الميل إلى الاستطلاع، والجمع، والاقتناء المنظم.
وإليك هذه المعلومة الهامة: إن شركات الدعاية والإعلان تعلم عن خصائص النمو - ربما - أكثر مما نعرفه نحن الآباء عن أولادنا؛ لذلك تجدينهم يروجون لسلعهم باستخدام سياسة "اجمع واربح"؛ لأن الولد في هذا العمر يميل إلى الجمع.
لذلك لابد أن نستثمر هذه الميول، ونوجهها التوجيه الصحيح حين نعد برنامجاً للإجازة الصيفية؛ فنأخذهم إلى الحدائق، أو إلى البر - نقصد به في السعودية الصحراء - أو إلى شاطئ البحر، أو إلى الجبال و الغابات – لا أعلم تحديداً: أين تقيمين؟ - ونحضر لهم أدوات؛ ليشعروا بمتعة العمل الذي يقومون به، مثل: قفازات خاصة، ومكبر، و(برطمانات) لها أغطية بلاستيكية مثقوبة؛ لضمان دخول الهواء، وأَكياس بلاستيكية متينة، وملقط مناسب، أو عدة ملاقط؛ لالتقاط العينات، ثم نوجههم لجمع حشرات، أو حصى، أو أحجار، أو نباتات، أو صبار، أو أصداف، أو طحالب، حسب المنطقة،ثم يقومون بإعداد بحث مبسط عنها، وإن اجتمعت أسرتهم الكبيرة يقومون بالحديث عما جمعوا.
ومن الضروري بمكان أن يشارك الأبوان أولادهما، وهم يقومون بالجمع، وإن لم يرق لهما ذلك؛ لأن الأبوين قدوة أولاً، وثانياً: لأن الأولاد في هذه السن يحتاجون إلى مشاركة، وإلى جمهور مشجع ومحفز.
هذا مثال لنشاط ممتع ومفيد في الوقت ذاته ، ويناسب خصائص النمو، حتى التي هي في السادسة تستطيع المشاركة.(20/2)
والشيء الذي أؤكده لك، ولجميع الأمهات والآباء: هو عدم تسليم الأبناء للشاشات، فهم أمانة، فلابد من تقنين وإدارة الشاشات، ولا تكون هي التي تديرنا وأطفالنا - وكذلك شاشة الحاسوب - فضعي وقتاً محدداً للتلفاز، وآخر للحاسوب، وإن كان لديكم ألعاب أخرى، بحيث لا يتجاوز الوقت المخصص لهما - في مجمله - الساعتين - على أكثر تقدير - وتكون هاتان الساعتان متفرقتين.
وبما أنك في أثناء العام الدراسي، وأنت موظفة، فالإجازة الصيفية فرصة لك؛ حيث تقضين وقتاً أطول مع أولادك، أعطي لكل ولد نصف ساعة على الأقل يومياً؛ تحدثينه، وتؤكدين حبك له، واهتمامك به، ودعيه يتحدث عن مشاريعه المستقبلية وعن أهدافه، و احكي له قصص الناجحين، ويكون هذا الوقت إمَّا بالمنزل أو بمكان خارج المنزل، حديقة مثلاً.
وختاماً، أقول: إن السعودية - ولله الحمد - تزخر مدنها صيفاً بمراكز راقية، يقوم عليها نخبة من رجال ونساء المجتمع، فإن رغبت فسجليهم في هذه المراكز، التي غالباً تكون عصراً، وأربعة أيام في الأسبوع، أما في الصباح، وبقية أيام الأسبوع، فضعي لهم البرنامج الآخر الذي هو من إعدادك.
آمل أن أكون قد أجبتك على ما تريدين.
بارك الله لنا جميعاً في أوقاتنا.(20/3)
العنوان: أريد حلاًّ مقنعًا
رقم الاستشارة: 180
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
لقد تقدَّم إليَّ شابٌّ، وكان يعرفني من قبل، ولكن بطريقه غريبة، فأنا - ولله الحمد - لم أعرفه بطريقة غير جيدة.
قبل أربع سنوات كان يتصل بي صدفة، فكنتُ أجعل صديقتي تردُّ عليه بطريقة قاسية، وبعدها - ولأنه عرفني بعدها – صار يرسل لي ويحاول أن يكلمني، ولكن لم أعطه أهمية أو تقديرًا.
بعدها أرسل لي: إنني أريدك وأريد أن أتقدم لكِ، فبعدها أصبحتُ أردّ، وأعطيتُه رقم أبي فتقدَّم لي، والآن يُكَلّمني من وقت لآخَر وليس دائمًا، ولكنّي ما زلت محتارة من مستقبلي معه، هل أوافق أم لا؟
-----------------------------------------
الجواب:
أختي الكريمة:
تبدين فتاة عاقلة، مرام، وحريصة على مستقبلك.
جيِّدٌ حرصُك على السؤال؛ فالزواج هو حياتنا ومستقبلنا، ولا يجب أن نتسرَّع فيه؛ فنعضُّ أصابع الندم غدًا!
أَعَدْتُ قراءة استِشارتكِ أكثر من مرَّة، وغُصَّةٌ تلازمني وأنا أرقب حال الشَّباب!
كيف يتعرَّضون للفِتَن، وكيف يسير بهم التيَّار!!
جيِّدٌ أنَّك استطعتِ ضبطَ نفسكِ ولم تحدِّثيه، ولا زلت للآن تحكِّمين عقلكِ وتستطيعين رؤية الأمور بوضوح.
شابٌّ بدأ معك بهذه الصورة، هل تضمنينه بعد ذلك؟!
ثم أين والدُك؟ ألم يسأل عنه بعد أن خطبكِ؟ هل عَرَف عن أخلاقه وتعامُلاته ودينه قبلها؟
لنضمن نجاح الزَّواج؛ نحتاج أن نبنِيه على أُسس قويَّة:
- أن يدخل الخاطب من الباب، دون أن يتعرَّض قبلها للبنت؛ فلو كانت ضعيفة سيوقعهما ذلك بالمحظور، ووجود الأهل يجعل الأمور واضحةً، وهو أبعد عن الشُّبهة.
- السؤال عن الشَّاب بعناية؛ لمعرفة عائلته، والتزامه، وبيئته؛ فالمعرفة تجعلكِ أقدر على تصوُّر مدى الانسجام.(21/1)
- أحيانًا نشعر بعاطفة نحو شخصٍ ما، لكنَّ العاطفة وحدها ليست كافية لنجاح الزواج؛ فالحبُّ كالإيمان يزيد وينقص! وحينما تُبنى الحياة على الحبِّ - تختفي مقوِّمات النجاح حينما يخمد الحبُّ أو تغطِّيه ضغوط الحياة!
- لابدَّ أن يكون الشابُّ قادرًا على تحمل المسؤولية، وناضجًا ليكون مُعدًّا للزَّواج، وكذلك الفتاة، وعادةً يكون نضج الفتيات قبل الشَّباب.
- تبقى دومًا أمورٌ غيبيَّةٌ لا ندركها تمامًا؛ لذلك علينا بالاستخارة، ثم التَّسليم بعد بذل الأسباب، والثِّقة أنَّ ما يقدِّمه الله هو الخير بالتأكيد.
حاولتُ أن ألخِّص لكِ أهمَّ ما يمكننا الحرص عليه عند الخِطْبة، لكنني - حقيقةً - لا أرى الأمر مريحًا للاستمرار به، خاصَّةً مع محاولته السَّابقة للوصول إليك من غير الباب الصحيح، وأخشى أن يكون طلب الخِطْبة ما هو إلا وسيلة للتواصل - كما يحدث كثيرًا - وعند الجدِّ يتغيَّر الأمر!
في كل الأحوال: كوني حذِرةً، ولا تقبلي بالحديث معه قبل العَقْد، ولا تتسرَّعي في قبول العَقْد قبل السؤال والاستخارة.
وفَّقَكِ الله وأسعدكِ.(21/2)
العنوان: أريدحلاً
رقم الاستشارة: 68
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا شاب نشأت في ظروف سيئة؛ مما جعلني أهرب من مشاكلي إلى عالم الخيال، وكنت أجد في هذا العالم الحل لمشاكلي، ولما كبرت تمنيت أن أكون شخصاً أخر أرسمه في خيالي، ولي أصدقاء من خيالي، ومررت بفترة تعرضت فيها للسحر، وبعد العلاج، مازلت مريضاً، وأنا أفكر كثيراً وأشعر أنني مخنوق، هذا بعض ما عندي؛ فأنا أنطوى على نفسي، وفي نفسي ضيق من كل شيء، وأريد أن أجلس مع نفسي دائماً.
فهل لهذا علاج؟
-----------------------------------------
الجواب:
مرحباً بك سيدي الكريم.. وشكراً لثقتك الغالية..
لا أحب فكرة أن نربط ما يمر بنا اليوم بما عشنا به في الماضي؛ نحن أبناء اليوم، وأغلى ما نملك هو وقتنا الحاضر، الذي يمكن أن نصرِّفه في تطوير أنفسنا وشخصياتنا، وتحسين أوضاعنا، الماضي شيء مفقود ليس له وجود والمستقبل وهم لا ندري كنهه، وما لنا سُلطة سوى على الحاضر وهو الكنز الثمين الذي نملكه.
أما العيش في الخيال، فهو مقبول إذا كان في حدود قليلة؛ فمن الخيال نستقي الصورة المثالية، التي سنسعى إلى تحقيقها على أرض الواقع، ولكن تقع المشكلة عندما نغرق في الخيال حتى يصبح هو الأصل في حياتنا، فهذا تهديم للنفس وإضرار بها.
قرأت في رسالتك - أيضاً - سيدي الفاضل أعراض عديدة لمرض الاكتئاب الذي يصيب عدداً هائلاً من البشر هذه الأيام؛ فقد أصبح كالوباء، وأنصحك أن تراجع أي طبيب نفسي موثوق به في أقرب فرصة؛ فلقد أنعم الله - عز وجل - علينا في عصر الثورة العلمية بعدد من الأدوية المفيدة والرائعة، ودون أعراض جانبية، ولا تسبب أي إدمان أو تعود، وستشعر بالتحسن من الأعراض الذي ذكرت بعد بضعة أيام من تناولها، لا تتردد في الذهاب إلى الطبيب النفسي؛ فمن حق نفسك عليك أن تعالجها إذا مَرِضَت؛ فلا تتأخر في ذلك.(22/1)
وفقك الله إلى كل خير.. ومرحباً بك دوماً في موقع (الألوكة).(22/2)
العنوان: أسلوب محاكاة الشخصيَّات
رقم الاستشارة: 208
المستشار: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم و رحمة الله،،
قرأتُ مرةً عن طريقةٍ لتغيير أو اكتساب سلوك ما، وتكون هذه الطَّريقة بمحاكاة أسلوب شخص معيَّن؛ فعلى سبيل المثال: عند إعجابي بإعلاميٍّ بعينه، من ناحية جرأته في الكلام أمام (الكاميرا) أو أمام الضيف، فأراه يسأله أسئلةً جريئةً وواضحةً دون أدنى خشية، أو عند إعجابي بشخصيَّة دينيَّة في طريقة تجاوبها مع الموضوعات العامة أو غيرها - فإنه بإمكاني محاكاة هذه الشخصيَّة، عن طريق معرفة بعض أفكارها و تبنِّيها، وكذلك تبنِّي لغة الجسد التي يمتاز بها صاحب الشخصيَّة؛ أي: تقليده في بعض حركات جسده المؤثِّرة!.
فما صَّحة هذا القول؟ وهل بإمكاني فعلاً استخدامها؟
أتمنَّى منكم التَّعليق على هذا الموضوع مشكورين.
-----------------------------------------
الجواب:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،،
الأخ الكريم
أشكر لكَ تواصلكَ مع موقع الألوكة،،
ما ذكرته في سؤالك يبحث فيه وبإسهاب ما يسمَّى بعلم: (البرمجة اللُّغوية العصبيَّة Neuro Linguistic Programming).
وهذه المهارة أو الأداة التي ذكرتها في حديثك اسمها: (التَّأكيد والتَّرسيخ)، أو: (مولِّد السُّلوك الجديد)، والعبارة ترجمة للعبارة الإنجليزية: (Mind Rehearsal)، ويُقصَد بها: التَّدريب الذِّهني على ترسيخ - تأكيد - سلوكٍ لديكَ، أو التَّدريب الذِّهني لتوليد - إيجاد - سلوكٍ لديكَ.(23/1)
بدايةً؛ لابدَّ أن أوضِّح أنَّ البرمجة اللُّغوية العصبيَّة تؤمن بأن: "ما يمكن للآخَر ممكنٌ لي"، وبالتالي؛ فإنْ تميَّز شخصٌ ما بالجرْأة في الحديث أو الخَطابة أو بمهارةٍ ما؛ فإنها ممكنةٌ لي أنا أيضًا، وأنَّ ما يعيق ذلك هو أنا نفسي! فإن أردتُ أن أكونَ مثلَه تمكَّنْتُ، ونحن كمسلمين نعزو ذلك قبل كلِّ شيءٍ لفضل الله جلَّ وعلا، ولإحسان الظنِّ به؛ لأنَّه كما ورد في الحديث القدسي: ((أنا عند ظنِّ عبدي بي؛ فليظن عبدي ما شاء)).
وإحسان الظن هذا لابدَّ أن يحفِّزنا لاتِّخاذ الأدوات والأسباب اللازمة لتحقيق ما يجعلنا فاعلين في المجتمع بعون الله تعالى؛ إذْ مع وجود الرَّغبة الأكيدة لذلك والعزيمة - أقصد: الرَّغبة في التحدُّث بجرأة، أو الخطابة - فإن المستفيد يستطيعها - بإذن الله تعالى.
وهذه المهارة تعتمد بصورة كبيرة على التخيُّل؛ أي: أن يتخيَّل المستفيد أنه - مثلاً - وسط جمعٍ من الناس، ويتحدَّث بانطلاق وجرأة! ثم يحسِّن صورته - يدرِّب ذهنه عليها - باستمرار وفي أوقات متعدِّدة، يكرِّرها ويُحسِّنها، تمامًا كما يفعل المتدرِّبون على خشبة (المسرح)؛ يكرِّرون التَّدريب حتَّى يُتْقِنوا المشهد ... أقولُ: يكرِّرها حتى يشتاقَ أن يكونَها، وهذا الشَّوق وتلك الإرادة تدفعه إلى مُمارسة سلوك يعزِّز هذه الناحية - قد يكون هذا الاتجاه في وعيٍ منه أو بغير وعيٍ؛ إذ حدث نتيجةً لتَكرار التَّخيُّل - فنجده وقد قرأ كتبًا عن الإلقاء، أو حضر دورةً، أو استشار ... وهكذا؛ ففي داخله مشاعر ونزعة تدفعه لأن يكون النموذج الذي كرَّره في ذهنه وشَغَلَهُ.
وهناك خطوات محدَّدة لهذه التِّقنية، تستطيع العودة إليها من خلال المواقع المتخصِّصة في هذا الموضوع على شبكة (الإنترنت).(23/2)
ومن الأهمية بمكان أن أذكر أنَّ الخيال لابدَّ أن يَصْرَع الإرادة، ولأذْكُرْ لكَ قصةً حدثت معي في إحدى الدَّورات، حيث كنتُ أدرِّب إحداهنَّ، وكانت تعمل إداريَّة في مدرسة طالبات، وكانت تشكو من أنها غير قادرة على ضبط الطالبات؛ فبدأتُ باتِّباع الخطوات اللازمة لعلاج ذلك، لكنَّني فوجئت بأنها - وهي التي تشعر بالرغبة الأكيدة في ضرورة امتلاك سلوك القدرة على الضبط - فوجئت بأنها غير قادرة على التخيُّل! لأنَّ حديثها السَّلبي لذاتها يؤكِّد لها أنها لن تستطيع ذلك، وكلَّما بدأتِ المستفيدة في التخيُّل - وفق (استراتيجيَّة) معيَّنة كنتُ أتَّبعها معها - تشعر هي أنها غير قادرة على ذلك!!.
مَنْ يعاني مثل هذا الشعور فعليه أوَّلاً أن يستبدل برمجته السَّلبية لنفسه بأخرى إيجابيَّة - أيضًا وفق تقنيَّة معيَّنة أيضًا - ثم يبدأ بالتَّدريب الذِّهني على توليد سلوكٍ جديد، أو ترسيخ سلوكٍ ما لديه.
وفقَّكَ الله للخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(23/3)
العنوان: أشعر بالقلق وتأنيب الضمير هل أستجيب لهواي وأفسخ الخطبة؟
رقم الاستشارة: 155
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي الدكتور:
مشكلتي تتلخص في أنني أحببت شاباً منذ أربع سنوات وعرفته جيداً. وكان من أسباب حبي له أنه إنسان في غاية الطيبة والحنان، حيث إنني أفتقد هذه الصفة في أمي.
وكانت معرفتي به في حينٍ كثرت المشاكل مع أمي؛ فكنت أشعر عندما أراه أو أتحدث إليه أنه الدنيا التي أحيا فيها، وهو كذلك يبادلني هذا الشعور.
وقد جاء لخطبتي قبل سنتين، مسافراً إلي؛ حيث كنت في بلد أخر، وهو سافر كي يكون هو نفسه من أجلي.
وبعد سنة لبسنا (الدبل)، وبدأنا نخطط لحياتنا؛ حيث كانت النية أن نعيش في الغربة. ولكن، فجأة إحساسي تغير!! وأصبحت حزينة، ولا أرى نفسي زوجته، ولا أريده؛ بل أريد أن أفسخ الخطبة، وصارحت أهلي بذلك!!.
لكن أمي رفضت لسببين:
1- أن أترابي قد تزوجن وأنجبن.
2- ولأنها تحبه مثل أخي؛ فهو إنسان محترم، طيب، يخاف الله..
ولكن لم أستطع أن أكمل معه، وزادت المشاكل بيني وبينه مع تدخل أمي ووقوفها في صفه, ولم أجد نفسي إلا وأنا أقول له: سامحني، لن أستطيع أن أكمل معك!!.
ومنذ ذلك الحين وأمي في حالة اكتئاب، وواجهتني بالكلام الجارح والشتائم، وتغير حالها، وكثر بكاؤها، وزادت المشاكل معي ومع إخوتي.
فهي نسيت أنها حياتي أنا، وأنني أنا من سوف تعيش مع هذا الشاب باقي العمر، وفي الغربة! فكيف ترضى لي أن أعيش عمري، وأنا لست سعيدة، مع إنسان لا أحبه؟!.
نعم! أعترف أنني الآن لا أحبه. لقد قُتل حبه داخلي بعد أن اكتشفت بعض العيوب التي لا أستطيع العيش معها؛ فهو إنسان كئيب، حساس جداً، سريع البكاء على أي شيء، منتقد من الدرجة الأولى، كثير الشكوى.
لا يعرف كيف يستمتع بالحياة بدون أن يقول: (قلبي منقبض)!.
غيور من صاحباتي! يريدني أن أهتم به فقط، وليس بأي أحد آخر!.(24/1)
في بعض الأحيان ينتقدني انتقاداً حاداً في عيب هو عنده أصلاً؛ مثل العناد والسمنة والعصبية!!.
أنا أقر بعيوبي؛ لكنه لا يرى عيوبه إطلاقاً..
أرجوك، ساعدني، لا أعلم ماذا أفعل؟؟ أنا أعيش في جحيم منذ أن أخبرته وأخبرت أمي أني لا أستطيع العيش معه..
لقد قالت لي أني حطمت فرحتها. أعلم أنه يحبني أكثر من أي إنسان في العالم، وضميري يؤنبني لذلك؛ ولكني إن أكملت طريقي معه أعلم أني سوف أكون أتعس فتاة في الأرض .
أرجو الإفادة؛ إني وحيدة حزينة.
شكراً
-----------------------------------------
الجواب:
من الصعب أن نشعر بالوحدة في أشد اللحظات التي نحتاج فيها إلى من يساندنا في اتخاذ قرار مصيري!
ومن المؤلم أن نشعر بالحزن والقلق، وفوق ذلك نجد اللوم من الآخرين على قرار يتعلق بحياتنا الخاصة؛ فنتألم لألمهم، ونعجز عن التواصل معهم!
أقدر ما تعانيه الآن.. لكني أرجو منك أن تعيدي النظر في الأمر كله من زاوية مختلفة.. تخيلي نفسك الآن خارج هذه المشكلة، كأنك تشاهدينها على التلفاز مثلاً، أو تسمعينها من صديقة تشكو إليك.. وفكري معي:
• حينما نفتقد الحب في البيت، ونفتقد من يفهمنا ويشعر بنا؛ هل يكون الحل أن نبحث عن هذا الحب من مصادر أخرى؟ أولو كان فها تجاوز شرعي أيضاً؟! وهل ستغنينا العواطف التي تبهر عيوننا بوهجها -حينما نشعر بها أول مرة مع الجنس الآخر- عن عواطفنا مع أهلنا؟ أم أنه لا بد من مخرج آخر لذلك؟ وهل يعد الحب أساساً للاختيار في هذه الحال؟
• أربع سنوات من العلاقة، ذكرت في استشارتك أنها كانت كافية لتعرفيه جيداً.. ألم تكن كافية لأن تكتشفي عيوبه التي تمنعك من العيش معه قبل أن تصبري كل هذا الوقت؟
• هل الحب وحده كان الدافع للقبول به زوجاً.. وهل افتقادك لهذا الحب هو الدافع للرفض؟ أليس الحب كالإيمان يزيد وينقص، فهل يكفي دافعاً وحده؟(24/2)
• كل أم في الدنيا تسعى لسعادة أولادها، مهما قست عليهم، ومهما جهلت الأسلوب الأمثل لهذا.. لكن هل من سبب يدفعها للاكتئاب والتوتر غير محبتها وحرصها على ابنتها؟ فكيف يمكنك التعامل مع أمك، والتواصل معها بلغة الحوار؟
• المشاكل كانت بداية مع الأم لافتقادك منها الحنان والطيبة، وكان مخرجك حباً خارجياً يعوض! فهل هذا حل؟ وهل إنهاء الزواج هو الحل للمشكلة التالية؟ وكيف ستحمين نفسك من مشكلات المستقبل مع الأشخاص الآخرين؛ حيث لن تخلو علاقة من مشكلات؟
• ذكرت أن حياتك أصبحت جحيماً منذ اتخذت هذا القرار؛ فهل الذي أتعبك ردة الفعل منه ومن أمك؟ أم هو ترددك وتأنيب ضميرك خوفاً من أن يكون قراراً متعجلاً؟
• كيف عرفت أنك ستكونين أتعس إنسانة إذا استمرت علاقتكما وصرت له زوجة؟ وهل تضمنين السعادة بالبعد؟
ليس سهلاً أن نخرج أنفسنا من الموضوع لننظر إليه مجرداً، ونتخذ قراراً نرضى عنه ويريحنا؛ لكنني أثق أنك قادرة على ذلك؛ فقد وهبنا الله -سبحانه- ما يعيننا على اتخاذ القرارات، وتعلمنا بالخبرة، وقبلها بما أثر عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة كيف نتعامل مع هذه الأمور؛ فالزواج بناء أسرة، ويتحدد عليه مستقبلنا؛ لذلك يعد من أصعب القرارات!
وقد راعى الإسلام الضوابط التي تحمي كلا الرجل والمرأة من الانغماس في العاطفة، والعلاقة التي تؤثر على هذا القرار؛ فحينما تتعلق امرأة برجل؛ فهي لا ترى منه إلا ما تمليه عين المحبة، خاصة حينما تفقد العواطف وتفقد السند بحياتها، وهذا يؤثر على اتخاذ القرار السليم، خاصة إن تحولت المشاعر إلى سلوك، وبدأت العلاقة التي يساهم الشيطان في إشعال جذوتها، فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما. لكنهما غالباً ما يتنبهان فجأة ليجدا الحب قد خمد، وظهرت المشكلات على سطح علاقتهما.(24/3)
حينما نعاني مشكلة؛ فإن الحل لا يكون أن نهرب منها بحثاً عن تعويض آخر، دون أن نفكر بحلها؛ لأننا بذلك -في هذه الحالة- نزيد المشكلة، ونضيف إليها مشاكل أخرى. لقد كان الأحرى بك أن تفكري في علاقتك بأمك، وكيف تتجاوزين مشكلاتك معها أولاً.
لن يكمل بشر، ولن نجد -كما تعرض لنا الأفلام والشاشة الساحرة- شخصاً يكملنا، ويحتوينا، ويفهمنا بهذه السهولة؛ بل لا بد لكل علاقة من سعي وبناء. فلكل شخص سلبياته وإيجابياته التي تتكامل، ومع حسن العشرة يمكن تجاوز الصعوبات. لكن المهم أن يكون أساس الاختيار سليماً، وأن أعرف أنني أريد هذا الشخص زوجاً لي بما فيه من عيوب، وأرضى دينه وخلقه قبله كل شيء.
وسؤالنا عن الشخص الذي نرغب في الارتباط به مَن حولَه والحوار معه بالرؤية الشرعية ضمن الضوابط؛ كل ذلك يساعدنا أكثر في توقع طبيعته قبل أن يفوت الوقت.
يظل البشر عاجزين عن إدراك جوانب الخير في المستقبل؛ فما قد نرفضه اليوم قد يسعدنا غداً، وما قد نتحمس له لا نضمن أنه الخير لنا. لذلك علمنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- الاستخارة التي نلجأ إليها، ولنثق أن الله أدرى بما تحمله لنا الأيام في طياتها.
كلما كبرت المحبة في قلوب من حولنا؛ شاركونا في اتخاذ القرارات، سواء طلبنا منهم ذلك أم لم نطلب؛ فحياتنا تهمهم أيضاً، والمشورة تساعد في اتخاذ القرارات خاصة من الأشخاص الذين نثق بهم وبحبهم وبحكمتهم. لكن لكي تحمي نفسك من الصراع؛ عليك أن تكوني واثقة مما ترينه أنت بداية، وأن يكون لديك من الحكمة ما يجعلك تحاورين الآخرين وتستفيدين من أرائهم.. لاحظي: تستفيدين.. ليس تتأثرين فحسب، هذا يعني أنها حياتك، وأنت التي تتحملين نتيجة قرارك في النهاية؛ لذلك عليك دراسته بعناية.(24/4)
وختاماً؛ لا تنسي أثر الدعاء، وأنه مهما بلغت بك الوحدة والحزن؛ فإن الله قريب رحيم بعباده يجيب دعوة الداعي إذا دعاه. ونحن الآن في هذا الشهر الفضيل، فاغتنميه بالقرب من الله، والأنس بذكره، والثقة به.
وفقك الله، ويسر لك الخير حيث كان..(24/5)
العنوان: اضطراب نفسى شديد
رقم الاستشارة: 206
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
أنا فتاة عندي 18 سنة، أعاني اضطراباتٍ نفسيَّةً غريبةً، بدأتْ بالخوف، ثم زال تمامًا بعد المداومة على القرآن والصَّلاة، ثم تحوَّلتْ إلى القلق والتوتُّر والضِّيق الشَّديد، والإحساس بعدم الرَّاحة، معظمها يزول بالصَّلاة - والحمد لله - لكنَّني دائمًا متحيِّرة مما يدور حولي من أشياءَ، وكأني (مستغربة من الدُّنيا)!! وكثيرًا ما أفكر فيما حولي وكأنَّني في لحظة مولدي الأُولَى! وعندها تَرِدُ على خاطري أفكار كثيرة ساذجة، أفكار عن الدُّنيا والجنَّة والنَّار والأرض ونفسي وأهلي، حتى يصبح ذهني مشوَّشًا للغاية.
أحسُّ أيضًا أنَّني مستغربة من الكلام، ومن أشياء أخرى كثيرة جدًّا، لكنَّ عقلي يدرِك جيِّدًا أن هذه مجرد هواجس فحسبُ، ولكن يظل السؤال:
لماذا أشعر بهذا (الاستغراب) الشديد من كلِّ شيء، ومهما زادت الأعراض فإنَّني أصلّي وأقرأ القرآن وأتجاهلها تمامًا.
عندما يحدث لي موقف أو اُضْطَرُّ إلى أن أكلِّم أحدًا - أُحِسُّ أنَّ الكلام ليس حاضرًا في ذهني، وإنما يَرِدُ على ذهني بعدها بثانية ثم يذهب - كأن التفكير يعيد نفسه -!!.
كلُّ خوفي أن يكون هذا وَسواسًا قهريًّا، علمًا بأنَّني تعرَّضت لضغط شديد خلال العامَيْن الماضيَيْن، والآن أصبحت أحسُّ أنَّ عقلي يستنكر أو يغيب عن الواقع ... مهما تكلَّمتُ فلن أستطيع أن أصف لكم إحساسي.
وتَرِدُ عليَّ أفكارٌ غريبة، كلها في نطاق (الاستغراب)؛ فأنا دائمًا فكرةُ الاستغراب هذه في بالي، ولا تزال هذه الأسئلة تُلِحُّ على ذهني: مَن أنا؟ ما هي هذه الدنيا؟ كأني أرى نفسي لأول مرة، وكأني أعرف الدنيا والناس للمرَّة الأولى.
علمًا بأني أقوم بواجباتي، وأن هذه الهواجس لم تؤثِّر على قدراتي العقلية.(25/1)
أرجو الإفادة، وهل المداومة على العبادات والتقرُّب لله يمكن أن يبعد عنِّي هذا الإحساس الغريب الذي يجعل تفكيري ساذجًا، وكلَّما كنتُ مع النَّاس أو أتكلَّم مع أهلي - خاصةً في البيت - أحسُّ وأنا أتكلَّم أنَّني لا أستوعب المواقف الجديدة بسرعة، وطول الوقت هذه الحالة تطغى على تفكيري؟
نفسي أخلص منها!
تأتيني أيضًا أفكارٌ غريبة غير واضحة في ذهني وتتلاشى منه بسرعة؛ فهل يجب عليَّ الذهاب إلى طبيبٍ نفسي؟
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة:
مرحبًا بكِ في موقع الألوكة، وأعتذرُ عن التأخُّر في الردِّ على استشارتك.
قرأتُ رسالتكِ باهتمام، وفهمتُ تلك المشاعر الغريبة التي تمرِّين بها، وأودُّ أن أشير إلى أمرَيْن اثنَيْن:
الأوَّل: إنَّ حُسْنَ التَّعامل مع الضُّغوط النفسيَّة التي نمرُّ بها هو أمرٌ أساسٌ في الحفاظ على الصحَّة النفسيَّة، والضُّغوطُ النفسيَّة التي لا نُحسِن التَّعامل معها تسبِّب الكثير من الإجهاد والتَّعب لعقولنا وأجسامنا في نفس الوقت، ولا شكَّ أنَّ اللُّجوء إلى الله - عزَّ وجلَّ - والاستعانة به واحتساب الأجر عنده - له فائدةٌ كبيرةٌ لا غِنى عنها.
هناك العديد من الوسائل الأخرى المهمَّة في التَّعامل مع الضُّغوط؛ كمحاولة رؤية الحَدَث من زاوية مختلفة، والبحث عن دَعْمٍ من صديقٍ مُقرَّب، وتعلُّم طريقة الاسترخاء التي ستجدين شرحها في كثير من المواقع على الشَّبكة العالميَّة (الإنترنت).
ثانيًا: كثيرٌ من الأعراض التي ذكرْتِها تشير إلى وجود اضطراب نفسي مثل الوسواس أو غيره، كما يلزم أن نستثني وجود أيِّ خلل عضويٍّ في الدِّماغ.
لا تخافي، فرأيي كطبيب: أنَّ ما تعانينَهُ ليس بالأمر الخطير، ولكن يلزمكِ زيارة الطَّبيب النَّفسيّ؛ حتى يتمَّ التَّشخيص والعلاج بكيفيةٍ دقيقة.
ختامًا:
تقبَّلي تحياتي، وشكري لزيارتكِ موقع (الألوكة)، وفَّقكِ الله لما فيه خير الدُّنيا والآخِرة.(25/2)
العنوان: أطفالي مزعجون
رقم الاستشارة: 42
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أعاني مشكلة كبيرة وهي شقاوة أولادي؛ فعندما نكون في البيت لا يكفون عن اللعب والعبث بكل شيء، وإذا خرجنا نتعرض لكثير من المواقف الحرجة مع الناس بسبب شقاوتهم.
والدهم يقول إنهم صغار؛ فيجب ألا نضربهم، وأنا –أيضاً- لا أرجح أسلوب الضرب في التربية.. فما الحل؟
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة، مرحباً بك في موقع (الألوكة)، وشكراً لسؤالك واهتمامك.
أتفهَّم سيدتي قلقك ومعاناتك في التعامل مع الأطفال الأشقياء، وهي مشكلة شائعة للغاية.
لكن؛ هناك بعض الأمور يجب أن نستعرضها هنا:
كثيرٌ من شقاوة الأطفال الصغار, لا تزيد على كونها طريقتهم في لفت النظر إليهم, وذلك عندما يعجزون عن التمتع بالاهتمام بهم.
ولذا؛ علينا أن نعمد إلى منح الأطفال المزيد من وقتنا, والمزيد من الاهتمام بهم عبر اللعب معهم, والنزهات, والحديث معهم, والاستماع إليهم, ومشاركتهم اهتماماتهم.
المفتاح الأساسي في تغيير أي سلوك هو الاستخدام الحكيم لأسلوب الثواب والعقاب، وللأسف يقوم الآباء في معظم الأحيان - دون وعي - بتعزيز سلوك (الشقاوة) لدى الطفل لا القضاء عليها! ويحدث ذلك عندما نحرم الطفل كل انتباه ورعاية، إلى أن يقوم بفعل (شقي) وهنا نلتفت إليه, ونصرخ في وجهه، فالرسالة التي نرسلها إلى الطفل حينها: "إذا أردت أن نهتم بأمرك فكن شقياً"!.
والصحيح أن نعزز في كل مناسبة التزام الطفل بالسلوك المناسب؛ عبر الكلمات المشجعة واللمسات الرقيقة والهدايا المادية.
هناك وسائل عديدة للعقوبة غير الضرب؛ ومنها: الحرمان من المحبوبات, والعزل في غرفة لمدة قصيرة... وغير ذلك، ولكن قبل العقوبة يجب أن ننتبه لعدة أمور:(26/1)
(1) يجب أن يسبق العقوبة التحذير والتوضيح، وإخبار الطفل بالعقوبة المحتملة؛ كأن نقول له قبل الذهاب إلى السوق: "لو شاغبت في السوق، فلن أشتري لك أي شيء".
(2) ضعي عقوبة منطقية؛ فكثيراً ما يخطئ الآباء بوضع عقوبات مستحيلة؛ مثل: "لو شاغبت فلن أتكلم معك أبداً!".
(3) يجب أن تستشعري أن العقوبة للتربية وليست للعقوبة ذاتها، ولا لتنفيس الغضب، ولا للثأر.
(4) قومي بتنفيذ العقوبة في الحال، وبطريقة واضحة وصارمة، وأخبريه أن ذلك ما سبق أن أخبرتِه به.
(5) بعد أن تنتهي العقوبة, لا تعودي إلى لومه أو تحقيره، أو حتى تذكيره بما فعل.
نعتاد في عيادات الطب النفسي استخدامَ جدول (تعزيز السلوك)، وهو عبارة عن جدول يومي يسعى إلى تغيير سلوك محدد؛ حيث يُكتب على رأس الجدول, ثم نستخدم ملصقات صغيرة تشبه (النجوم)، تُلصق في كل مرة يقوم فيها الطفل بفعل إيجابي، وعبر اتفاق سابق؛ عندما يحقق الطفل عدداً معيناً من (النجوم) -مثلاً خمسة- يُمنح الفرصة لاختيار جائزته المفضلة؛ مثل: الذهاب إلى مطعم، أو إلى مدينة الألعاب، أو شراء لعبة... وهكذا.
بعض السلوكيات السلبية العابرة قد لا تستحق سوى صرف الانتباه عنها كأن شيئاً لم يكن.
وفي نفس الوقت أسرعي نحو تعزيز أي سلوك إيجابي فوراً؛ حتى لو كان الامتناع عن سلوك سلبي سابق؛ مثلاً: "انظروا حبيبي ما عاد يضرب أخاه!" عندما يمتنع عن ذلك، ولو لساعة واحدة, بدلاً من: "لماذا ضربت أخاك؟".
احذري من التذبذب في التربية والتوجيه؛ فمرة يُطلب منه شيء، ومرة أخرى يُنهى عن نفس الشيء.
بعض الأطفال الذين يعانون (الشقاوة) وكثرة الحركة هم في الواقع مصابون بمرض نفسي شائع؛ هو (فرط الحركة وتشتت الانتباه)، وهنا يبدو على الطفل الاندفاعية وعدم الهدوء في مكان واحد ونقص في انتباهه، هذه أعراض المرض التي عادة تنقسم إلى مجموعتين (لا يلزم وجود كل الأعراض):
أ - نقص التركيز، ومن مظاهره:(26/2)
- عدم القدرة على الانتباه، أو عدم متابعة الشيء حتى النهاية.
- عدم الرغبة في الأعمال التي تتطلب تركيزاً ذهنياً "مثل الدراسة".
- شرود الذهن عن الموضوع الأساسي المطلوب التركيز فيه.
- كثرة نسيان المهام المطلوبة يومياً.
ب - فرط النشاط الحركي والاندفاعية؛ ومن مظاهره:
- عدم الاستقرار في مكان الجلوس، وكثرة التململ، والحركة عند الإجبار على الجلوس.
- الجري بسرعة بدون انتباه، وتسلق الأشياء الخطرة، قد يصفه البعض "كأنه شغال بمحرك".
- كثرة الكلام، وعدم القدرة على الالتزام بالنظام في الطابور وفي اللعب...
- الاندفاع في الأجوبة ومقاطعة الآخرين .
لو انطبقت بعض أعراض هذا المرض على أطفالك، فأنصحك بزيارة أي طبيب نفسي؛ لتشخيص المرض وعلاجه، وهو أمر متيسر.
ختاماً: لابد أن نتذكر أن عملية غرس سلوك جديد أمر معقد ويحتاج إلى العمل على أكثر من مستوى, زمناً طويلاً, وبمشاركة جميع أفراد الأسرة ولكنه أمر يستحق العناء.
والله ولي التوفيق.
ومرحباً بكِ دوماً في موقع (الألوكة).(26/3)
العنوان: أعاني من التوتر وأعصابي مشدودة
رقم الاستشارة: 127
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا أرسلت لك من قبل، وقلت لي: إن هناك في الإسكندرية ما يحمل إليكِ خيرًا، أنا كل يوم حالتي الصحية والجسدية في انخفاض تامٍّ بسبب أعصابي وتوتري، عندما نصحتني أن أشغل وقتي وأن أشارك في أعمال تضيع وقتي بدأت أخرج من حياتي المقوقعة وأبدأ في شيء يشغلني ويفيدني، فبدأت آخذ كُرس إنجليزي لعله يفيدني وبدأت فيه لكني مللت من البيت للكُرس، ومن الكُرس للبيت لا جديد في حياتي ولا هدف ولا أصدقاء، حاولت أن أصادق أصدقاء عن طريق الكرس لكن دون جدوى؛ كل واحد له أصدقاؤه من الصغر أو أصدقاء داخل الكُرس وبِمُجرد أن ينتهي الكرس كل شخص له أصدقاؤه من الصغر أو جيرانه فلا يهتم بصداقة عن طريق الكرس، أنا مليت من حياتي ومن أيامي ومن نفسي ولست أدري يا ترى تنتهي حياتي إلى الأبد على حالي ولم ينصلح، أم أصل إلى الجنون بسبب الوحدة.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة.. مرحبًا بك في موقع (الألوكة) وأهلاً وسهلاً..
لا أظن أنك تفعلين الأفضل للتخلص من حالة العزلة التي تعيشين فيها.. هذه بعض الأفكار التي أرجو أن تقرئيها بحماس أكثر، وتقومي بالتفكير فيها لبعض الوقت..
أولاً: ما أنت بحاجة إليه بشكل حقيقي هو أن تجدي نفسَكِ.. هو أن تُنَمِّي نَفْسَكِ وتكْتَشِفي مهاراتِك.. هو أن تنخرطي في مشروعِكِ بناءِ ذاتِكِ، وذلك عبر الإجابة على السؤال الهام التالي: ما هو الشيء الذي أؤديه بشكلٍ أفضلَ من غيري وأستمتع به.. عندما تُقَوِّينَ هذا الجانبَ من شخصيتك عبر القراءة والتمرين والممارسة والعمل وحضور الدورات والمحاضرات.. ومع النُّمُوّ اليومي والبحث عن التميز ستجدين أنه لا وقت للتفكير بالوحدة والعزلة..!(27/1)
ثانياً: لا أعتقد أن كورس الانجليزي هو المكان الأفضل لإيجاد أصدقاء.. الأصدقاء الحقيقيّون هم الذين يتوافَقُونَ مع سِماتنا وما نتميَّزُ به وما نحبه.. عندما تَسلُكينَ طريق بناء نفْسِك كما ذكرتُ سابقاً، وعندما تشعرين بالتميز ستجدين على الطريق أصحابًا وأصدقاء كُثْرًا، وهم الأشخاص الأقرب إلى قلبك والذي أتوقع أن تدوم صحبتهم لك..
ثالثاً: مِنَ الأماكن الممتازة لإيجاد أصدقاء التجمعاتُ في المساجد وحلقات تحفيظ القرآن والمحاضرات العامة المفيدة.. كوني متواجدة في هذه الأماكن، وستوفقين بصديقة جيدة إن شاء الله.
رابعًا: سيدتي أرجو أن تكوني حذِرَةً فهناك العديد من الشباب الذين يبحثون بِجِدٍّ عن فتاة (تبحث عن الصداقة)!! لكيْ يَبْنُوا مَعَهُنَّ علاقات غيرَ آمِنة ويستدرجوهنَّ لتلبية رغبات رخيصة، ثُمَّ القفز للبحث عن ضحية أخرى.. مثل هؤلاء (الذئاب) منتشرون بكثرة وفي كل مكانٍ فاحذَرِي. لقد عَلَّمَتْنِي الخِبْرَةُ ألا أَقْبَلَ فكرةَ صداقة الشاب للفتاة بأي حال؛ لما فيها من محظور شرعي وحُرْمة، ولما تتركه من عواقب وخيمة.
ختاماً: لا تجعلي هاجسك البحث عن أصدقاء بل البحث عن المتعة في التميُّز وتطوير نفسك، وبشكل طبيعي سينجذب إليك الناس عندما تصِلِينَ إلى هذا التميُّز في أي شيء، أما الرَّكْضُ وراء الآخرين فهو غير مُجْدٍ .. وما زلت مقتنعًا أن العيش في المدن الكبرى له فوائدُ عديدةٌ.. حوِّلي كلامي هذا إلى برنامج عملي وستجدين نتائِجَ باهرةً.. وَفَّقَكِ اللهُ لِكُلِّ خير.(27/2)
العنوان: كيف أكون قيادياً؟
رقم الاستشارة: 144
المستشار: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كيف أكون قياديًّا؟ وما هي الصفات اللازمة للقائد؟ وكيف أدرب نفسي على القيادة؟ وهل هناك كتب معينة تنصحون بقراءتها؟
شكرًا لكم.
-----------------------------------------
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأخ الكريم،
سعدت لسؤالك؛ لأنه يدل على همة وعزيمة، على أن تضيف على الدنيا وليس أن تكون إضافة عليها، وأن تكون لك بصمة متميزة، وفقك الله وسددك.
هناك كتاب جامع للقيادة ولمفهومها وكيفية التدرب عليها، هذا الكتاب تأليف الدكتور طارق السويدان والأستاذ فيصل باشراحيل. هذا الكتاب يتضمن معلومات نظرية عن صفات القائد، ويتضمن تدريبات للقيادة، وقصص محفزة. وهو كتاب يحقق ما تصبو إليه لذلك أقترح أن تقرأه.
بقي أن أقول لك أخي أن تبدأ والنهاية ماثلة أمام عينيك؛ فالقيادة مصطلح واسع، عليك أن تقننه (تحدده) ليسهل عليك التطبيق. فأنت في أي مجال تجد نفسك قائدًا؟ اجعل لنفسك صورة ذهنية مشرقة واضحة تراها (وكأنك تراها بأم عينيك) تشتاق للوصول إليها، وتخطط بالقلم والورقة كيف تصل إليها.
وأنت إن اجتزت البداية (التي قد تكون شاقة بعض الشيء) سَهُل عليك الاستمرار بالطريق بإذن الله..
نقطة أخرى مهمة أرغب ذكرها: أننا قد نسمع من يقول (هذا الإنسان لا ينفع ولا يصلح قائدًا)، وهذه العبارات تنقصها الدقة. فقد قال – صلى الله عليه وسلم -: ((إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم))؛ أي بالاكتساب، فإذا بدأ الإنسان (الذي قد يُظن أنه غير صالح للقيادة) بهمة وعزيمة و(تكلف الصفة أو المهارة) وداوم عليها تدريجيًا يجد نفسه قد اكتسبها وأصبحت جزءًا منها.(28/1)
ختامًا: أذكرك بقول سيدنا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - "العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل عنه".. فطبق ما تقرأ و مارسه، حتى لا يغادرك وتعود لنقطة الصفر....
وفقك الله لمرضاته ،ولما فيه خير الدنيا وسعادة الآخرة.
شاكرة لك تواصلك مع موقع الألوكة ...(28/2)
العنوان: أعينوني على اتخاذ القرار
رقم الاستشارة: 99
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا امرأة عمري 41 سنة، متزوجة برجل عمره 43 سنة، تزوجنا منذ 7 سنوات ولم يُكتَب لنا الإنجاب؛ بسبب عملية جراحية فاشلة أُجريت لي وأنا في سن 13 من عمري أدَّت إلى انسداد قناة التلقيح لديَّ.
لكني لم أعرف هذا الموضوع - والله شاهد على ما أقول - إلا بعد الزواج؛ فهذه الأشياء لا يُمكن معرفتُها إلا بعد أن يتم الدخول.
المهم أنني عشت مع زوجي لمدة سنتين في بيت أهله، ولا أستطيع أن أصف لك شدة الحياة التي عشتها؛ فوصلت إلى مرحلة لم أستطع الاستمرار؛ فحملت أغراضي وذهبت للعيش مع والدتي، التي تعيش هي وأخي الصغير فقط، وليس هناك من يرعاهما، وظللتُ على هذه الحال لمدة خمس سنوات، أحاول التوفيق بين مرضاة أهلي، ومرضاة زوجي حتى أصبحت عملية عدم الإنجاب وصمةَ عارٍ أحملها في كل يوم، وأجد استهزاءً وتصغيرَ شأنٍ بسبب ذلك؛ أما موضوع الكذب المتواصل فلا أستطيع أن أثقل عليك بسرده.
وفعلاً؛ قام زوجي بخطوبة فتاةٍ بالاتفاق مع أهله الذين أعدت علاقتي بهم منذ فترة، علاقة رسمية بعض الشيء لكنها طيبة من طرفي؛ خوفاً من الله في زوجي، المهم أنه قام بخطبة الفتاة، والاتفاق على كل شيء دون علمي، ويقول لي: سأبقيكِ مُعَلَّقَةً. علماً بأنه يحاول الهجرة من العراق، وأخذ الزوجة الجديدة، وأنا مقتنعة تماماً أنكَ لو قلت لي: أبقي على زوجكِ. أنه لن يكون عادلاً بسبب ضعف شخصيته، وسيطرة أخته الكبرى عليه، ولا تنسى زهوة المرأة الجديدة، وتَكَفُّل أهله بإسكانه في شقة خاصة، ومن ثَمَّ تسفيره، علماً بأن أخته تدَّعِي أن العقد لا يتم إلا بموافقتي، لكن في بلد مثل البلد الذي نحن فيه ضاعت القيم والاعتبارات والقوانين؛ فيمكن عمل كل شيء بالنقود (الرشوة).(29/1)
فهل يجوز له إجباري على التنازُل عن حقوقي الشرعية من مُقَدَّمٍ ومُؤَخَّرٍ ونفقة ليطلقني؛ فأنا لا أستطيع أن أراه بعيني؟
نسيت أن أخبرك أني موظفة، ولديَّ معاشي الخاص بي، الذي يكفيني، وجميلةٌ خِلْقَةً وأَخلاقاً بشهادة الجميع، وهذا من فضل الله عليَّ، وفي مقدوري الزواج برجل لا يُنجِب أيضاً، وهو على علمٍ بذلك؛ لهذا يريد أن يبقيني مُعَلَّقَةً.
أفيدوني - أفادكم الله - برؤية شرعية لموضوعي؛ فالحزن الذي في قلبي يجعله يكاد ينفجر، أنا في انتظار الجواب على أحرَّ من الجمر.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة، مرحباً بك وأهلاً وسهلاً.
سؤالك يتناول موضوعين:
الأول: هو طريقة استجابتك لما يقوم به زوجك من أفعال وسلوكيات.
والثاني: قانوني بحت، عن أحقيته في إبقائك مُعَلَّقَةً، ومنع النفقة ومُؤخَّر الصَّدَاق عنك.
سيدتي الكريمة، من الواضح - من صيغة سؤالكِ - أنكِ تميلين إلى فكِّ هذا الرِّبَاط بينَكِ وبين زوجِكِ. قد لا أستطيع أن أعطي حكماً نهائيا في هذا الأمر، ولكني أعرف تماماً أن الله - عز وجل - شَرَعَ الزواج لزيادة المودة والرحمة بين عباده، وحين يكون تحقيق هذا الهدف مستحيلاً برغم كل المحاولات الجادَّةِ لإصلاح ذلك, وعندما يسبب الزوج الألم والإهانة لزوجته - فما من عاقلٍ سيلومُكِ لو تَحَلَّلتِ من هذا الرِّباط؛ ليمضي كل منكما في طريقه، وسَيُغْنِي اللهُ كُلاًّ منكما من سعته.
ولقد شعرتُ بالسعادة عندما لفتِّ انتباه نفسكِ أولاً، وانتباهنا إلى وجود خصال وسمات في شخصيتك من خلق ودين، نعتبرها الأساس في النجاح والتوفيق، الذي يمنحه الله عز وجل لعباده الصادقين؛ فإن هذا هو رأس المال الحقيقي الذي يجب أن تحافظي عليه وتستثمريه.
أما الجانب الثاني؛ فللأسف قد لا أستطيع إعطاءكِ رأياً قاطعاً فيه, وأرجو أن تزوري محامياً في الأمور الشخصية في بلدك، فهو الأقدر على توضيح الجانب القانوني في أمرك.(29/2)
مرحباً بكِ ثانيةً في موقع (الألوكة)، وشكراً لثقتك الغالية.(29/3)
العنوان: أقوال في رواية وضع اليدين تحت السرة في الصلاة
رقم الاستشارة: 157
المستشار: الشيخ سعد بن عبدالله الحميد
-----------------------------------------
السؤال:
توجد هذه الرواية في مصنف ابْنِ أبي شيبة:
حدثنا وكيعٌ عن موسى بن عمير عن علقمة بن وائل بن حُجْر عن أبيه قال: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع يَمينَهُ على شِماله في الصلاة".
بعض العلماء في الماضي ادّعى بأنّ هذه الرواية توجد أيضًا بالتعبير الإضافي: "تَحْتَ السُّرَّة" في نهاية الحديث.
سؤالي لك: يمكن أن تخبرني إذا عثر على هذا التعبير الإضافي في أيٍّ من المخطوطات نظرت فيه. إذا كان الأمر كذلك أيّ المخطوطات لها هذه الإضافة وهل هي نسخة أصيلة أو ليست؟
شكرا لك... بارك الله فيك...
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فالحديث المشار إليه رواه ابنُ أبي شَيبةَ في "المصنَّف" فقال: حدثنا وكيع عن موسى بن عمير عن علقمة بن وائل بن حُجْرٍ عن أبيه قال: ((رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع يمينه على شماله في الصلاة)).
وليس في النسخة المطبوع بين أيدينا زيادة: "تحت السرة"، إلا أن ابن أبي شَيبةَ روى بعده أثرًا عن إبراهيم النخعي؛ حيث قال: حدثنا وكيع عن ربيع عن أبي معشر عن إبراهيم قال: "يضع يمينَهُ على شِماله في الصلاة تحت السُّرَّة".
فلعلَّ مَنْ أَشَرْتَ إليه من أهل العلم قدِ انتقل بصرُه فظن أنهما حديثٌ واحدٌ.
وقد أطال المباركفوري رحمه الله في "تحفة الأحوذي" (2/74-78) في بيان أصل هذا الإشكال والجواب عنه؛ حيث ذكر أقوال الأئمة ومذاهبهم في مكان وضع اليدين في الصلاة، ثم قال:
((وَكُلُّ ذلك وَاسِعٌ عِنْدَهُمْ: أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ في الْوَضْعِ فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ السُّرَّةِ إنما هو في الِاخْتِيَارِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ.(30/1)
واعلم أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ قد وَرَدَتْ مُخْتَلِفَةً في هذا الْبَابِ وَلِأَجْلِ ذلك وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بين الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَا أنا أَذْكُرُ مُتَمَسّكَاتِهِمْ في ثَلَاثَةِ فُصُولٍ مع بَيَانِ ما لها وما عليها:
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ في بَيَانِ من ذَهَبَ إلى وَضْعِ الْيَدَيْنِ تَحْتَ السُّرَّةِ وقد تَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ على مَذْهَبِهِمْ هذا بِأَحَادِيثَ :
الْأَوَّلُ: حَدِيثُ وَائِلِ بن حُجْرٍ رضي الله عنه: رَوَى بن أبي شَيْبَةَ في "مُصَنَّفِهِ"؛ قال: حدثنا وَكِيعٌ عن مُوسَى بن عُمَيْرٍ عن عَلْقَمَةَ بن وَائِلِ بن حُجْرٍ عن أبيه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يَضَعُ يَمِينَهُ على شِمَالِهِ تَحْتَ السُّرَّةِ.
قال الْحَافِظُ الْقَاسِمُ بن قُطْلُوبُغَا في "تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ": "هذا سَنَدٌ جَيِّدٌ".
وقال الشَّيْخُ أبو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ في "شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ": "هذا حَدِيثٌ قَوِيٌّ من حَيْثُ السَّنَدِ".
وقال الشَّيْخُ عَابِدٌ السِّنْدِيُّ في "طَوَالِعِ الْأَنْوَارِ": "رِجَالُهُ ثِقَاتٌ".
قلت: إِسْنَادُ هذا الحديث وَإِنْ كان جَيِّدًا، لَكِنْ في ثُبُوتِ لَفْظِ تَحْتَ السُّرَّةِ في هذا الحديث نظر قوي.(30/2)
قال الشَّيْخُ مُحَمَّد حَيَاة السِّنْدِيُّ في رِسَالَتِهِ "فَتْحِ الْغَفُورِ": في زِيَادَةِ تَحْتَ السُّرَّةِ نَظَرٌ، بَلْ هِيَ غَلَطٌ مُنْشَؤُهُ السَّهْوُ؛ فَإِنِّي رَاجَعْتُ نُسْخَةً صَحِيحَةً مِنَ "الْمُصَنَّفِ"، فَرَأَيْتُ فيها هذا الحديث بهذا السَّنَدِ، وَبِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ، إِلَّا أنه ليس فيها "تَحْتَ السُّرَّةِ"، وَذَكَرَ فيها بَعْدَ هذا الحديث أَثَرَ النَّخَعِيِّ، وَلَفْظُهُ قَرِيبٌ من لَفْظِ هذا الحديث، وفي آخره: "في الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ"، فَلَعَلَّ بَصَرَ الْكَاتِبِ زَاغَ من مَحَلٍّ إلى مَحَلٍّ آخر، فَأَدْرَجَ لَفْظَ الْمَوْقُوفِ في الْمَرْفُوعِ. انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ مُحَمَّد حَيَاة السِّنْدِيُّ.
وقال صَاحِبُ الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّاةِ بِـ"الدُّرَّةِ في إِظْهَارِ غِشِّ نَقْدِ الصُّرَّةِ": وَأَمَّا ما اسْتَدَلَّ بِهِ من حديث وَائِلٍ الذي رَوَاهُ بن أبي شَيْبَةَ: فَهَذَا حَدِيثٌ فيه كَلَامٌ كَثِيرٌ.
قال: وَرَوَى هذا الحديث ابن أبي شَيْبَةَ، وَرَوَى بَعْدَهُ أَثَرَ النَّخَعِيِّ، وَلَفْظُهُمَا قَرِيبٌ، وفي آخر الْأَثَرِ لَفْظُ: "تَحْتَ السُّرَّةِ"، وَاخْتَلَفَ نُسَخُهُ، فَفِي بَعْضِهَا ذَكَرَ الحديث من غَيْرِ تَعْيِينِ مَحَلِّ الْوَضْعِ مع وُجُودِ الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ، وفي الْبَعْضِ وَقَعَ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ بِزِيَادَةِ لَفْظِ تَحْتَ السُّرَّةِ بِدُونِ أَثَرِ النَّخَعِيِّ، فيحتمل أَنَّ هذه الزِّيَادَةَ منْشَؤُهَا تَرْكُ الْكَاتِبِ سَهْوًا نحو سَطْرٍ في الْوَسَطِ، وإدراج لَفْظِ الْأَثَرِ في الْمَرْفُوعِ، كما يُحْتَمَلُ سُقُوطُ لَفْظِ تَحْتَ السُّرَّةِ في النُّسْخَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَكِنَّ اخْتِلَافَ النُّسْخَتَيْنِ على هذا الْوَجْهِ يُؤْذِنُ بِإِدْخَالِ الْأَثَرِ في الْمَرْفُوعِ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الدُّرَّةِ.(30/3)
وقال الشَّيْخُ مُحَمَّد فَاخِر الْمُحَدِّثُ الاله ابادي في مَنْظُومَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِـ"نُورِ السُّنَّةِ"... ))، ونقل عنه كلامًا بالفارسية، ثم ترجمه بقوله: (( حَاصِلُهُ: أَنَّ ما نَقَلَهُ الْقَاسِمُ بن قُطْلُوبُغَا عَنِ "الْمُصَنَّفِ" لَا اعْتِمَادَ عليه وَلَا عِبْرَةَ بِهِ، فإن الْكِتَابَ الذي رَأَيْتُهُ أنا وَجَدْتُ فيه خِلَافَ مَقْصُودِهِ.
قلت: ما قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامُ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ هذا الحديث رَوَاهُ أَحْمَدُ في "مُسْنَدِهِ" بِعَيْنِ سَنَدِ ابن أبي شَيْبَةَ، وَلَيْسَتْ فيه هذه الزِّيَادَةُ، فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ: حدثنا وَكِيعٌ حدثنا مُوسَى بن عُمَيْرٍ الْعَنْبَرِيُّ عن عَلْقَمَةَ بن وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ عن أبيه قال رأيت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعًا يَمِينَهُ على شِمَالِهِ في الصَّلَاةِ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا بِعَيْنِ سَنَدِ ابن أبي شَيْبَةَ وَلَيْسَ فيه أَيْضًا هذه الزِّيَادَةُ؛ قال في "سُنَنِهِ" حدثنا الْحُسَيْنُ بن إِسْمَاعِيلَ وَعُثْمَانُ بن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ الْأَحْوَلُ قَالَا نَا يُوسُفُ بن مُوسَى نَا وَكِيعٌ نَا مُوسَى بن عُمَيْرٍ الْعَنْبَرِيُّ عن عَلْقَمَةَ بن وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ عن أبيه قال رأيت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعًا يَمِينَهُ على شِمَالِهِ في الصَّلَاةِ. انْتَهَى.(30/4)
وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ ابن التُّرْكُمَانِيِّ شَيْخَ الْحَافِظِ الزَّيْلَعِيِّ ذَكَرَ في "الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ" لِتَأْيِيدِ مَذْهَبِهِ حَدِيثَيْنِ ضَعِيفَيْنِ؛ حَيْثُ قال: قال ابن حَزْمٍ: "وَرَوَيْنَا عن أبي هُرَيْرَةَ قال: وَضَعَ الْكَفَّ على الْكَفِّ في الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ، وَعَنْ أَنَسٍ قال: ثَلَاثٌ من أَخْلَاقِ النُّبُوَّةِ: تَعْجِيلُ الإفطار، وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَوَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى على الْيُسْرَى في الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ. انْتَهَى
وَنَقَلَ قبل هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَثَرَ أبي مِجْلَزٍ عن "مُصَنَّفِ بن أبي شَيْبَةَ" حَيْثُ قال: قال ابن أبي شَيْبَةَ في "مُصَنَّفِهِ": ثَنَا يَزِيدُ بن هَارُونَ نا الْحَجَّاجُ بن حَسَّانَ سمعت أَبَا مِجْلَزٍ أو سَأَلْتُهُ؛ قلت: كَيْفَ أَضَعُ؟ قال: يَضَعُ بَاطِنَ كَفِّ يَمِينِهِ على ظَاهِرِ كَفِّ شِمَالِهِ، وَيَجْعَلُهُمَا أَسْفَلَ مِنَ السُّرَّةِ. انْتَهَى.
ولم يَنْقُلِ ابن التُّرْكُمَانِيِّ عن مُصَنَّفِ بن أبي شَيْبَةَ غير هذا الْأَثَرِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لم يَكُنْ في حديث وَائِلٍ الذي أَخْرَجَهُ بن أبي شَيْبَةَ زِيَادَةُ تَحْتَ السُّرَّةِ، فإنه لو كان هذا الْحَدِيثُ فيه مع هذه الزِّيَادَةِ لَنَقَلَهُ ابن التُّرْكُمَانِيِّ؛ إِذْ بَعِيدٌ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يَذْكُرَ ابن التُّرْكُمَانِيِّ لِتَأْيِيدِ مَذْهَبِهِ حَدِيثَيْنِ ضَعِيفَيْنِ، وَيَنْقُلَ عن "مُصَنَّفِ بن أبي شَيْبَةَ" أَثَرَ أبي مِجْلَزٍ التَّابِعِيِّ، وَلَا يَنْقُلَ عنه حَدِيثَ وَائِلٍ الْمَرْفُوعَ مع وُجُودِهِ فيه بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَمَعَ صِحَّةِ إِسْنَادِهِ.(30/5)
وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا ما قال الشَّيْخُ مُحَمَّد حَيَاة السِّنْدِيُّ في رِسَالَتِهِ "فَتْحِ الْغَفُورِ" من أَنَّ غير وَاحِدٍ من أَهْلِ الحديث رَوَى هذا الحديث ولم يذكر تَحْتَ السُّرَّةِ، بَلْ ما رأيت وَلَا سمعت أَحَدًا من أَهْلِ الْعِلْمِ ذَكَرَ هذا الحديث بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ إِلَّا الْقَاسِمَ.
هذا ابن عبد الْبَرِّ حَافِظُ دَهْرِهِ قال في "التَّمْهِيدِ": "وقال الثَّوْرِيُّ وأبو حَنِيفَةَ أَسْفَلَ السُّرَّةِ، وروي ذلك عن عَلِيٍّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَلَا يَثْبُتُ ذلك عَنْهُمْ"، فَلَوْ كان هذا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ في "مُصَنَّفِ ابن أبي شَيْبَةَ" لَذَكَرَهُ، مع أَنَّهُ قد أَكْثَرَ في هذا الْبَابِ وَغَيْرِهِ الرِّوَايَةَ عَنِ ابن أبي شَيْبَةَ.
وَهَذَا ابن حَجَرٍ حَافِظُ عَصْرِهِ يقول في "فَتْحِهِ": "وقد رَوَى ابن خُزَيْمَةَ من حديث وَائِلٍ أَنَّهُ وَضَعَهُمَا على صَدْرِهِ، وَلِلْبَزَّارِ: عِنْدَ صَدْرِهِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ في حديث هُلْبٍ نَحْوَهُ".
وَيَقُولُ في "تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ": "وَإِسْنَادُ أَثَرِ عَلِيٍّ ضَعِيفٌ، وَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ وَائِلِ بن حُجْرٍ قال: صَلَّيْتُ مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى على يَدِهِ الْيُسْرَى على صَدْرِهِ، وَأَشَارَ إلى ذلك في "تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ" فَلَوْ كانت هذه الزِّيَادَةُ مَوْجُودَةً في "الْمُصَنَّفِ" لَذَكَرَهَا وَكُتُبُهُ مَمْلُوءَةٌ من أَحَادِيثِهِ واثاره.
وَقَدِ اخْتَصَرَهُ كما قال السُّيُوطِيُّ في شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ الذي شَمَّرَ ذَيْلَهُ بِجَمْعِ أَدِلَّةِ الْمَذْهَبِ لم يَظْفَرْ بها وَإِلَّا لَذَكَرَهَا وهو من أَوْسَعِ الناس اطِّلَاعًا.(30/6)
وَهَذَا السُّيُوطِيُّ الذي هو حَافِظُ وَقْتِهِ يقول في "وَظَائِفِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ": "وكان يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى على الْيُسْرَى، ثُمَّ يَشُدُّهُمَا على صَدْرِهِ"، وقد ذَكَرَ في "جَامِعِهِ الْكَبِيرِ" في مُسْنَدِ وَائِلٍ نحو تِسْعَةَ أَحَادِيثَ عَنِ "الْمُصَنَّفِ"، وَلَفْظُ بَعْضِهَا: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وَضَعَ يَمِينَهُ على شِمَالِهِ في الصَّلَاةِ، وَهَذَا اللَّفْظُ هو الذي ذَكَرَهُ صَاحِبُ "نَقْدِ الصُّرَّةِ" إِلَّا أَنَّهُ زَادَ لَفْظَ تَحْتَ السُّرَّةِ، فَلَوْ كانت هذه الزِّيَادَةُ مَوْجُودَةً في "الْمُصَنَّفِ" لَذَكَرَهَا السُّيُوطِيُّ.
وَهَذَا الْعَيْنِيُّ الذي يَجْمَعُ بين الْغَثِّ وَالسَّمِينِ في تَصَانِيفِهِ يقول في "شَرْحِهِ على الْبُخَارِيِّ": "احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ وَائِلِ بن حُجْرٍ؛ أَخْرَجَهُ ابن خُزَيْمَةَ في "صَحِيحِهِ"؛ قال: صَلَّيْتُ مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى على يَدِهِ الْيُسْرَى على صَدْرِهِ.
وَيَسْتَدِلُّ عُلَمَاؤُنَا الْحَنَفِيَّةُ بِدَلَائِلَ غَيْرِ وَثِيقَةٍ فَلَوْ كانت هذه الزِّيَادَةُ مَوْجُودَةً في "الْمُصَنَّفِ" لَذَكَرَهَا، وقد مَلَأَ تَصَانِيفَهُ بِالنَّقْلِ عنه.
وَهَذَا ابن أَمِيرِ الْحَاجِّ الذي بَلَغَ شَيْخَهُ ابن الْهُمَامِ في التَّحْقِيقِ وَسَعَةِ الِاطِّلَاعِ يقول في "شَرْحِ الْمُنْيَةِ": "إِنَّ الثَّابِتَ مِنَ السُّنَّةِ وَضْعُ الْيَمِينِ على الشِّمَالِ، ولم يَثْبُتْ حَدِيثٌ يُوجِبُ تَعْيِينَ الْمَحَلِّ الذي يَكُونُ الْوَضْعُ فيه مِنَ الْبَدَنِ، إِلَّا حَدِيثَ وَائِلٍ الْمَذْكُورُ. وَهَكَذَا قال صَاحِبُ "الْبَحْرِ الرَّائِقِ"، فَلَوْ كان الْحَدِيثُ في "الْمُصَنَّفِ" بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ لَذَكَرَهُ ابن أَمِيرِ الْحَاجِّ، مع أَنَّ شَرْحَهُ مَحْشُوٌّ مِنَ النَّقْلِ عنه.(30/7)
فَهَذِهِ أُمُورٌ قَادِحَةٌ في صِحَّةِ هذه الزِّيَادَةِ في هذا الحديث. انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ حَيَاةٍ السِّنْدِيِّ.
قلت: فَحَدِيثُ وَائِلِ بن حُجْرٍ الْمَذْكُورُ - وَإِنْ كان إِسْنَادُهُ جَيِّدًا - لَكِنَّ في ثُبُوتِ زِيَادَةِ تَحْتَ السُّرَّةِ فيه نَظَرًا قَوِيًّا كما عَرَفْتَ، فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بهذا الحديث على وَضْعِ الْيَدَيْنِ تَحْتَ السُّرَّةِ )) اهـ كلام المباركفوري، وهو تحقيق مهم لما ورد في سؤالك،، والله أعلم .(30/8)
العنوان: الإحساس الدائم بالذنب
رقم الاستشارة: 104
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
مشكلتي هي الإحساس الدَّائم بالذَّنب وتأنيب الضَّمير، والشُّعور الدَّائم بأني مقصِّرة في حقِّ زوجي ووَلَدِي، فلا أُحِسُّ أبداً بالرِّضا عن نفسي مهما عَمِلْتُ وفَعَلْتُ.
أرجو مساعدتي،، وشكراً.
-----------------------------------------
الجواب:
سيِّدتي الكريمة:
مرحباً بكِ في موقع (الألوكة)، وأهلاً وسهلاً.
من خلال عملنا في عيادات الطِّبِّ النَّفسيِّ؛ وجدنا أنَّ أهمَّ سببٍ للَوْم النَّفْس بصورةٍ دائمةٍ غيرِ مبرَّرةٍ هو الاكتئاب، وهو مرضٌ كسائر الأمراض التي تحتاج إلى زيارة الطَّبيب، وتلقِّي العلاج المناسب، والمداومة عليه لزمنٍ ما.
ولقد مَنَّ الله - عزَّ وجلَّ - علينا بمجموعةٍ من الأدوية الرَّائعة والفعَّالة، لا تسبِّب سوى القليل من الأعراض الجانبيَّة، لذا؛ أريدُ منكِ زيارةَ أيِّ طبيبٍ نفسيٍّ لطلب المساعدة.
هناك أعراضٌ أخرى مصاحبةٌ لحالة الشُّعور بالذَّنب التي قد يصاب بها الشَّخصُ، وليس بالضَّرورة أن تكون موجودةً بالكامل، ولكنَّ بعضَ الأعراض التَّالية ستشخِّص المرضَ، وسأذكرُها هنا في القائمة التَّالية:
- الحزن، والبكاء، وضِيق الصَّدْر.
- الانسحاب من الحياة الاجتماعيَّة، وعدم الرَّغبة في الاختلاط بالنَّاس ومجالستهم.
- اضطراب النَّوم؛ أي: صعوبة النَّوم، أو اليقظة المتكرِّرة في الليل، أو الاستيقاظ المبكِّر؛ أي: قبل مواعيد الاستيقاظ المألوفة بساعتين تقريباً.
- نقصُ الشَّهية، وبالتَّالي نقصُ الوَزْن.
- سرعة الغضب والتَّعصُّب.
- ضعف الذاكرة، وصعوبة التركيز.
- عدم القدرة على التَّمازح والضَّحك.
- فَقْدُ الاهتمام والاستمتاع بما كان يُمْتِع المريضَ من قبل، (بما في ذلك الجِنْس).
- التَّعب وسرعة الإنهاك من أقلِّ مجهود.(31/1)
- شعور المريض بالوِحْدَة وبتخلِّي النَّاس عنه، وفقدانه الأمل في الدنيا، وتمنِّيه الموت، وتفكيره في الانتحار.
- فقدان الشُّعور بالأهمية والفائدة.
- لوم النفس بصورة زائدة أو غير منطقية؛ كشُّعور المريض أنه ارتكب محرَّماتٍ كثيرةً لا يغفرها الله، أو أنه قصَّر في علاقته بشريك حياته، أو تربيته لأولاده.
دعيني أكرِّر: أنه لا يلزم وجود جميع الأعراض السَّابقة حتى نشخِّص المرض، وأُكرِّرُ نصيحتي لكِ بالذَّهاب إلى أيِّ طبيبٍ نفسيٍّ، وستجدين المعونة بمشيئة الله.
وفَّقكِ الله إلى كلِّ خير، ومرحباً بكِ ثانيةً في موقع (الألوكة).(31/2)
العنوان: الاكتئاب
رقم الاستشارة: 71
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
في الحقيقة كل ما أود أن أقوله هو أنني مصاب بالاكتئاب منذ سنين ولم أجد أي حل لهذه المشكلة؛ لأنني عجزت عن الذهاب إلى الدكتور لمعالجتي، وكل همي هو التخلص من هذا المرض الفتاك؛ لذلك أنا أطلب مساعدتكم - إن أمكن - والله هو المجازي، وفي الختام أشكركم على هذا الموقع الذي سيساعد الشباب في التخلص من مشاكلهم بإذن الله، وشكراً.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم.. مرحباً بك في موقع (الألوكة) وشكراً لثقتك الغالية..
لا أدري ماذا تقصد بكلمة (عجزت عن الذهاب إلى الدكتور لمعالجتي)! هل عجزت بسبب الظروف المادية أم مجرد الخوف من زيارة الطبيب النفسي؟!
أريدك أن تعرف جيداً أن (الاكتئاب) من الأمراض التي يمكن علاجها بسهولة؛ إذ منّ الله علينا في السنوات الأخيرة بمجموعة من الأدوية الرائعة التي تقضي على هذا المرض الرهيب دون أعراض جانبية، ودون خطر الإدمان عليها.
يجب ألا تنتظر أكثر من ذلك، توكل على الله، وخذ بالأسباب، واشرح ظروفك للطبيب النفسي، أو طبيب العائلة القريب منك (أي المُمَارِس العام)، وأنا متأكد أنك ستجد المساعدة والمعونة.
كن واثقاً بالله، متوكلاً عليه، وفقك الله إلى كل خير.. ومرحباً بك دوماً في موقع (الألوكة).(32/1)
العنوان: التبول الليلي اللارادي
رقم الاستشارة: 136
المستشار: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
السؤال:
طفلتي في الرابعة والنصف من العمر.. التحدي أنها تتبول ليلاً لعددٍ يَصِلُ أحيانًا إلى ثلاث مرات.
بداية المشكلة:
قمت بتدريبها على التبول بداية من عمر سنة وستة أشهر، وأخذ مني التدريب فترة طويلة جدًّا؛ بسبب أني كنت أصر عليها لفترة، ثم أترك وبعد فترة أجرب مرة أخرى، وهكذا... ولم يتم إنهاء التدريب بشكل نهائي حتى أصبح عمرها سنتين.
بالنسبة لفترة الليل في البداية لم يكن هناك مشكلة عند نزع الحفاض، ولكن بعد فترة - أجهل السبب - بدأت المشكلة؛ فقمنا بمساعدة الوالد بشكل تبادلي بأخذها للحمام خلال فترة الليل عدة مرات، وبعد فترة لم تعد هناك مشكلة، ولكن عندما أصبح عمرها تقريبًا ثلاثة ونصف نقلناها للنوم في سرير طفل كبير؛ حيث إنها حتى ذلك الوقت كانت تنام في سرير طفل (طفلتي تنام في غرفتها من عمر 3 شهور) بمجرد نومها في السرير الجديد عادت المشكلة، وعندها زاد عدد المرات إلى ثلاث مرات.
المحاولات:
1- لم نقم بضربها ولا تعنيفها.
2- قمنا بالحديث عن الموضوع معها.
3- منع السوائل فترة الليل، وأخبرناها أن ذلك بسبب عدم التبول في الليل (في البداية كانت هناك فائدة).
4- ضمها عند الصباح بمجرد استيقاظها.
للأسف جميع أفراد العائلة، الذين من سنها يعلمون الموضوع؛ بسسب النوم بشكل جماعي لعدة أسباب.
الوضع الحالي:
1- الموضوع خرج عن السيطرة.
2- شرب الكثير من السوائل.
3- عدد المرات في الليل حاليًّا مرتان.
4- عدم القدرة على أخذها قي الليل إلى الحمام؛ بسبب ظروف صحية مؤقتة للأم والأب.
5- حسب القراءات التى قمت بها ليس لديها مشكلة عضوية؛ لأن المشكلة انقطعت لفترة أطول من 3 شهور.
يرجى النصيحة مع العلم أننا بصدد سفر، وسوف يكون هناك عدد من الأطفال في نفس المنزل الذي سوف ننام فيه!!(33/1)
-----------------------------------------
الجواب:
أختي العزيزة.. أشكر لك تواصلك مع موقع (الألوكة).
قرأت سؤالك عدة مرات, واستشفَفْت قدرًا كبيرًا من القلق والتوتّر لديك! ربما هو السبب في مشكلة التبول الليلي (اللا إرادي) لدى صغيرتك بارك الله بها.
ولا أكون مبالغة إن قلت إنَّ قدر التوتر هذا موجود لدى الأب أيضًا! خاصَّة أن المسألة باتت لديكما مسألة (شخصية) خوفًا من الإحراج، الذي ربما تلاقونه من الأهل والأسرة الكبيرة، التي تسكنون بيتها أثناء سفركم. ربما القلق مرده أن تُتهمي أنت والأب من قِبَل الآخرين بالتقصير بالاهتمام بتربية الصغيرة. هذا القلق يظهر على البنت؛ فتترجمه بسلوك كالتبول الليلي.
لذلك بداية وحتى نجد حلاًّ للمشكلة آمل عدم القلق، والاسترخاء قدر المستطاع. ولا تعتبر مشكلة التبول الليلي أو اللا إرادي مشكلة عويصة، بل لها حل بإذن الله سواء نفسيًّا أو تربويًّا أو طبيًّا (بالأدوية)، المهم أنَّ مَنْ يقوم بالعلاج لديه القناعة والصبر بأنه سينجح بعون الله.
وعلينا التنبه بأن التبول الليلي هو عارض لمشكلة أعمق، وليس المشكلة ذاتها.
وسأورد المشورة بنقاط:
1- قلتِ عزيزتي إنه حسب ما قرأتِ لا يوجد لدى ابنتك مرضًا عضويًّا، وأرجعت هذا التعليل لتوقُّف التبول عندها لثلاثة أشهر.
وأقول: إنَّ توقُّفَ التبوُّل ليس دليلاً أبدًا لعدم وجود عارض عضوي لدى الصغيرة (كالتهاب البول، والديدان، الإمساك) لذلك بداية لابد من التأكد بالتحليل أنها خالية من الأعراض العضوية تمامًا، وأنها سليمة منها.
2- المشكلة عادت لدى ابنتك عندما نقلتِها من سريرها، الذي كانت تنام به (سرير طفل) إلى سرير كبير!
وأسأل هنا: هل أخبرتِها أنكِ ستنقلينها؟ أم نقلتِها بقرار فردي؟ هل شاركت (على سبيل المثال) باختيار لون مفرش السرير الكبير، الذي سَيُصبح سريرها؟ أمِ انتقلتْ إليه دون أيّ سابقِ إنذارٍ؟ (السرير يعني الكثير لدى الطفل).(33/2)
3- سؤال ملحّ هنا: لماذا نقلتِ ابنتَكِ للسرير الكبير؟ ما الذي حدث بالأسرة، وسَبَّبَ هذا النقل؟ هل هو قدوم طفل جديد؟ وهل أخذ هذا الطِّفْلُ سريرَها، الذي تراه ملكًا لها، ويَضُمّ ذكرياتها واحتوى مشاعرها؟!
4- إن كان الوضع كذلك فهنا مربط الفرس، أي: هنا الداء والدواء بإذن الله. إنها تُفَسّرُ أن الطفل الجديد كما أخذ سريرها، فإنه سيأخذ حبَّ وَالِدَيْهَا أيضًا واهتمامها، ولأنها صغيرة لا تعرف كيف تقول إنها قلقة، ومتضايقة من هذه المشاعر، تعبر عنها بالطريقة التي تعلمها فقط، وهي (التبول بالفراش). وقد نجحتْ إلى حَدّ ما لإعادة تسليط الضوء عليها، وجذب اهتمامكم لها.
لذلك أعطوها الاهتمام من غير أن تطلبه، ودون أن تجده بطريقتها الخاصة، التي تسبب لكما قلقًا.
5- عاملي ابنتك بأنها مسؤولة عن تصرفاتها، وليست (دمية) تؤخذ للحمام وتخرج منه، دون الحديث معها عما تفعلونه لها.
سأكتب لك الآن حوارًا افتراضيًّا(سيناريو)، أقترح أن تتبعيه مع ابنتك الصغيرة، لشرح المشكلة لها وجعلها تشارك بحلها.
سأفترض أنني أُحَدّثُكِ أنتِ التي تعانين المشكلة:
(حبيبتي صغيرتي.. اليوم شاهدت فراشك مبلَّلاً، لماذا؟! أنا وأبوك دائمًا نقول أن (..) نظيفة ومرتبة، وما شاء الله تهتم بنفسها. لَكِنْ ربَّما أنتِ ما انتبهت هذه المرة.
هل تحبين إن استيقظتِ من النوم تشاهدي سريرك مبللاً؟ أف قذر، ورائحته عفنة! سيلوث (..) الحلوة ، ويجعل رائحتها مقززة. لا (..) دائمًا نظيفة ومرتبة، ورائحتها جميلة).
وعلى الأم أن تتفنن بلغة الجسد، والتعبير عن الكلمات، التي تقولها بأسلوب تعبيري غير تقليدي. وعلى الأم أيضًا أن تنتبه لقسمات وجه ابنتها: هل تشعر بالارتياح؟ هل مازالت قلقة؟ هل توافق أمها أم تعارضها، ولو بدون كلمات؟(33/3)
وبناء على تعابير وجه الصغيرة تستمر الأم بالتحفيز، أو بالطمأنة، تؤكدين حبك لها غير المشروط، وأنكِ تحبينها جدًّا، لذلك تريدينها أن تتخلص من التبول الليلي.
وتكرر الأم هذا الحوار، وترقب أثره على الطفلة.
6- تسألين ابنتك (ألست تريدين التخلص من التبول بالفراش)؟ ويفترض أن تكون إجابتها بالإيجاب.
عندها تقولين لها عما تنوين فعله: عدم شرب السوائل قبل النوم بفترة كافية، الذهاب للحمام كل ساعتين، وأن عليها أن تغسل ملابسها الداخلية، وعليها تغيير مفرش سريرها بنفسها.... (أصري أنت على ذلك ولا تقولي صغيرة).
وتستطيعين أيضًا وضع جدول بأيام الأسبوع لها، بحيث هي تضع لنفسها ملصقًا ملونًا أو نجمة إذا استيقظت دونَ بَلَلٍ بالفراش، وتضع وجهًا مستاء وحزينًا إذا فعلت.. وهكذا.
7- ثبت أن جعل الطفل يتقزز من الفراش المبلل ومن الرائحة (وليس أن يتقزز من نفسه) له دور في علاج هذه المشكلة.
8- إن كان هناك طفل جديد استقبلته الأسرة (بالطبع يتم تغيير الحفاظ له) وأخته تشاهد، وقد تتساءل لماذا لا يفعل لها نفس الشيء؟! وقد تفسر هذا بأن والديها لا يحبانها ويحبان الرضيع أكثر منها!!
إن كنت يا أم أفهمتها لماذا، فذلك جيد. أما إن لم تفعلي؛ فشرحك لها الموضوع – ببساطة - يساهم أيضًا في علاج المشكلة، بل دعي ابنتك تساعدك في إحضار أدوات الغيار لأخيها أو أختها الصغيرة. وأنت تقومين بالتغيير للرضيع قولي هذه العبارات: (أنت الآن صغير لا تعرف تقرأ، أو تمشي، أو تلبس بنفسك، لذلك أنت تتبول، غدًا عندما تصبح كبيرًا مثل (اذكري اسم طفلتك) ستصبح نظيفًا، وستذهب للحمام وحدك، ليس مثل الآن صغير تعتمد على أمك، وعلى (اذكري اسم ابنتك)، وهكذا.. مثل هذه العبارات كرريها، وأنت تنظرين لوجه طفلتك، وحاولي أن تقرأي دواخلها.
9- أهم شيء مما ذكر أعلاه هو الاستمرارية في ما تقولينه وتفعلينه، فمن العبث أن نبني يومًا ونهدم بآخر.(33/4)
10- لكي تؤتى ثمار ما ذكرته نحتاج إلى شهر أو شهرين (هذا إن لم يكن هناك مرضًا عضويًّا). فإن رغبت عزيزتي الأم شرح مشكلة ابنتك ببساطة ودون قلق لأهل البيت الذين سيشاركون طفلتك النوم، والتأكيد أنها مشكلة لا ضير منها، وطبيعية لمن هم بهذا العمر. واستعيني إن شئت بمفرش بلاستيك ونحو ذلك تحت سرير ابنتك لتخفيف الضرر.
11- أذكرك أخيرًا وأذكر والدها بعدم القلق و التوتر، فهذه مشكلة بسيطة.. واستمتعا بنعمة الأبوة والأمومة.
بارك الله لكما بأطفالكم.. وبلغكما أشدهم.. ورزقكما برهم..(33/5)
العنوان: التخلص من العادة السرية
رقم الاستشارة: 165
المستشار: أ. محمد الحازمي
-----------------------------------------
السؤال:
أنا عندي مشكلة: أنني أعمل العادة السّرّيّة ثلاث مرات يوميًّا - تقريبًا -، ولا أستطيع أن أتخلَّص منها، فما الحل؟!
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فتُعَدُّ العادة السرية من الأضرار الشديدةِ الخطرِ على الشباب المسلم، وذلك لما يلي:
1- أنها تدخل في دائرة المحرَّمات الشرعيَّة عند جمعٍ من العلماء، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 5 – 7].
قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية: "وقد استدلَّ الإمام الشافعي - رحمه الله - ومَن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية الكريمة: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 5 – 6]، قال: فهذا الصنيع خارج عن هذين القِسْمَيْن، وقد قال: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7].
2- أنّ لها أضرارًا صحية وجسدية ونفسية كبيرة، منها:
- ضعف الجسد بشكل عام.
- ضعف قدرة العقل، وقلة التركيز.
- الإصابة ببعض الأمراض مثل:
- سرعة القذف.
- الإصابة بالتهاب البروستاتا.
- ضعف الحيوانات المنوية، مما قد يؤدي إلى احتمال ضعف الإنجاب أحيانًا.
- احتمال الإصابة بالتهابات الأعضاء التناسلية.
- ضعف البصر، وإدمانُها قد يؤدي إلى العمى.
3- من أضرارها الاجتماعية:
- التأخُّرُ في الزواج.
- قلة النسل.
- الالتفات إلى المحرَّمات من أجل الاستثارة الجنسية.
وبعد هذا أخي الكريم فأنصحك بالتالي:(34/1)
- التوبة النصوح، واللجوء إلى الله، ودعائه في هذه الأيام والليالي المباركة؛ عسى الله أن يتوب عليك، فربُّك رحيمٌ، واسع المغفرة، لطيف بعباده.
- الابتعاد عن مشاهدة القنوات والمواقع الإباحية، والمجلات الخليعة.
- اجعل لك برامج علميةً، ورياضية، وثقافية مفيدة، وابتعد عن الخلوة بنفسك، وابتعد عن رفقاء السوء.
- إذا ذهبتَ إلى فراش النوم فحافظْ على أذكار النوم، وإذا صحوتَ فانهض واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تطلق ذهنك وخيالك للتفكير؛ بل توضأ مباشرة.
- حاولْ أن تشغل نفسك بما ينفعك دائمًا، ولا تترك وقت فراغ إلا وتستثمره فيما يفيد.
- الحرص على متابعة الصوم بعد انقضاء شهر رمضان، مثل صيام ستٍّ من شوال، والاثنين والخميس من كل أسبوع.. وهكذا.
- اعمل على غض بصرك؛ بحيث لا تنظر إلى ما حرَّم الله، مهما كانت المغريات.
- حاول أن تجعل تفكيرك فيما يفيدك في حياتك وآخرتك.
- متى تيسر لك الزواجُ فلا تتردَّد؛ فقد وصلتَ إلى سن الزواج؛ ففيه العلاج المفيد لحالتك.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتوب عليك، ويوفقك لكل خير.(34/2)
العنوان: التصرف مع سليطي اللسان
رقم الاستشارة: 56
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أسأل الله أن يوفق الإدارة والمشرفين فرداً فرداً فيما يقومون به من جهدٍ في سبيل نشر الخير.
وسؤالي هو: كثيراً ما يكون هناك أناسٌ عديمو التربية وقليلو الحياء وسليطو اللسان، لا يحترمون الناس أيّاً كانوا، فمن المواقف التي واجهتني مع مثل هؤلاء:
كان هناك موعد سفرٍ إلى إحدى المناطق، وكان مطلوباً منِّي طبع الخرائط لمعرفة طريق الذهاب لتلك المنطقة، فنسيت أن أطبعها. فما كان من أحد الشباب إلا أن أخذ يوبِّخ ويزبد ويرعد: "لقد أخَّرتنا، لقد أخَّرتنا"؛ فاعتذرتُ، واعترفتُ أني أخطأتُ، فما كان من هذا الشخص إلا أن أخذ يزيد الكلام ويكثر اللوم. عندها أحسست أن الموضوع أخذ منحنى آخر: (الإهانة بدلاً من التوجيه والعتاب اللطيف).
لم أعلم بم أردُّ عليه، خصوصاً أن ذلك كان أمام جميع الشباب, هل أرد عليه بزبد ورعد وأنا المخطئ منذ البداية؟ أقول في نفسي: حتى إن كنت المخطئ، فليس له الحق أن يطيل العتاب! فكيف يُتصرَّف مع هذه النوعية من الناس؟
جزاكم الله خيراً.
-----------------------------------------
الجواب:
مرحباً بك سيدي الكريم في موقع (الألوكة)، وشكراً لثقتك الغالية.
ما حدث في ذلك اليوم أمرٌ مزعجٌ بلا شك، ولكن: هل تعلم أن له ميزةً أيضاً؟!
تمنحنا الحياة عبر مثل هذه المواقف الدروسَ والعبرَ, وتنمِّي فينا مهارات التعامل مع الناس على اختلاف أصنافهم، وتعلِّمنا أيضاً – وهو الأهم – مهارات التعامل مع أنفسنا، مع مشاعرنا، مع سلوكنا وتصرفاتنا، وهذه المهارات - للأسف - لم يعلمنا إيَّاها أحدٌ في المدارس أو الجامعات، ولم يلقِ لها معظم آبائنا أيَّ انتباه.
نعم، ما حدث كان سيئاً؛ لكنه حمل في طياته خيراً كبيراً.
سأناقش هنا نقطتين مهمتين:(35/1)
النقطة الأولى: في كثير من هذه المواقف قد لا يحتاج الأمر سوى الصمت، وتجاوز الأمر برمَّته، بعد اعتذار واضح وصريح.
إن أي ردَّة فعل قد تصدر نتيجة استفزاز صاحبك ستعود بأسوأ النتائج؛ لذا اقفل أذنيك، ودعه ينتهي من (زبده)، ثم اسعَ لبذل الجهد في التعامل مع نسيان الخرائط أو غيرها .. لا تعتقد أن الصمت هو فعلٌ أو موقفٌ سلبيٌّ؛ بل يحتاج منك إلى جهد كبير تبذله مع نفسك .. وما أصعبه!!
النقطة الثانية: سيمر عليك في حياتكَ - وأنتَ في مقتبلها - الكثير من الناس الذين يعلونك مرتبةً ومكانةً، ممن يتلذذون بانتقادك لأقل تقصير, ويسعون باجتهاد لإخراج ما في عملك من عيب, ولا يقدِّرون عملك مهما فعلت!! ستقابل - لا محالة - مثل هؤلاء المزعجين, ولابد أن تتدرب على التعامل معهم من الآن، وتذكر دائماً أنه لا يوجد قانون عالمي يحميك من الانتقاد اللاذع؛ بل أنت مَنْ يستطيع تحسين مهاراتك في التعامل مع هذا النقد. قال أحدهم: "لا أحد يستطيع أن يؤذيك دون رضاك"!!
وفَّقكَ الله إلى كل خير، ومرحباً بكَ دوماً في موقع (الألوكة).(35/2)
العنوان: التعريف الاصطلاحي ومصادره
رقم الاستشارة: 152
المستشار: أ. مصطفى حسنين عبدالهادي
-----------------------------------------
السؤال:
أقرأ كثيرًا عن تعريف أىِّ شيء: هو لغةً كذا، واصطلاحًا كذا، فما الفرق بين التعريفينِ، وهل نَعرِف التعريف الاصطلاحى من معاجم اللغة أو هناك مصادرُ مستقلةٌ نَعرِفه منها؟
-----------------------------------------
الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فإن لكلِّ فنٍّ من الفنون لُغتَه الخاصةَ ومصطلحاتِه الكاشفةَ عن مفاهيمِ ومعاني موضوعاته، وقضيَّة تحديد المصطلحات والمفاهيم من القضايا الخادمة لمبدأ التصوُّرات، التي لا يَصِحُّ الدخولُ في بحثٍ ما دون درايتها؛ حتى يمكن الوصولُ إلى نتيجة مقنعة في الموضوعِ محلِّ البحث؛ إذ الحكم على الشيء فرعُ تصوُّرِهِ.
والمصطلح العلميُّ يمثل اللغةَ الفنيَّةَ الخاصَّة بكل علم، والتي يستخدمها أصحابه في التعبير عن قضاياهم وأفكارهم، وربما استغلقت على غيرهم، لكنَّ ضروراتِ البحث العلمي المتخصِّص ومقتضياتِه استوجبت نشوء هذه اللغةِ القائمةِ على العُرف الخاصِّ والاتفاق والمواضعة بين أصحاب كل فنٍّ أو علم في مجال تخصصهم .
والمصطلحات العلمية إنما هي أعلام يُطلِقها أصحاب كل فنٍّ على معاني موضوعات تخصُّصِهم، ومصطلحاتُ الفنون - بهذا الوصف - مقوِّمُها قَيْدانِ:
القيد الأول: وضْعُ عَلَم على معنًى جديدٍ من المعاني المختصَّة بفنٍّ منَ الفنون، والتي هي من عوارضها الذاتية.
القيد الثاني: أن يكون واضع هذا العَلَم فئةً مختصَّةً بفنٍّ من الفنون لا يَشْرَكُهَا في إطلاقه غيرُها إلا على سبيل الاستعارة.(36/1)
ويلزم من هذين القَيْدَيْنِ أن تختص مصطلحات الفنون بأسماء المعاني دون أسماء الذوات؛ إذ إنها قائمة في أُسِّها على تمييز المعاني المجردة، والموضوعات المستحدثة التي ليس لها في العربية لفظ وضعيٌّ.
والشروع في تفسير مصطلحات كل فنٍّ يَستلزم البُداءةَ بتوضيح المعنى اللغوي؛ للارتباط بين المعنيينِ؛ فإن المصطلحاتِ أعلامٌ على المعاني المستخدمةِ في فُنونها، والأعلام منها المرتَجَل ومنها المنقول عن معنى آخرَ، والمصطلحات من جنس الأعلام المنقولة التي رُوعِيَ فيها لَمْحُ الأصل المنقولِ عنه؛ على طريقة: "سَمَّيْتُهُ يَحْيَى لِيَحْيَى"، وقد قيل لعبد المطَّلب - عندما سمى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم محمَّدًا -: "مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ سَمَّيْتَهُ مُحَمَّدًا وَلَمْ تُسَمِّهِ بِاسْمِ آبَائِهِ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ يَحْمَدَهُ اللهُ فِي السَّمَاءِ، وَيَحْمَدَهُ النَّاسُ فِي الأَرْضِ".(ذكره البيهقيُّ في دلائل النبوة بإسناد مرسل، وانظر فتح الباري: 7/163)
ولهذه العلاقةِ بين المعنى اللغويِّ والمعنى الاصطلاحيِّ كان العلماء يُرجِّحون بعض المعاني الاصطلاحيَّة على غيرها؛ لكونها أقربَ إلى المعنى اللغويِّ من غيرها؛ ومن ذلك ترجيح الجلالِ المحليِّ كونَ أصول الفقه اصطلاحا يطلق على أدلة الفقه لا على معرفة تلك الأدلة؛ "لكون الأول أقربَ إلى المدلول اللغوي؛ إذ الأصول لغةً الأدلة؛ كما في تعريف جميعهم الفقهَ بالعلم بالأحكام لا نفسها؛ إذ الفقه لغة الفهم". (انظر: شرح المحلي على جمع الجوامع مع حاشية العطار:1/47)
وأما مصادر التعريفات والمصطلحات:(36/2)
فالمعاني اللغوية مصادرها المعاجمُ اللغوية لا سيما الأُمَّهات منها؛ كتهذيب اللغة لمحمد بن أحمد بن الأزهر الأزهري الهروي، أبو منصور (ت 370 هـ)، وتاج اللغة وصِحاحِ العربية للجوهري (ت 393 هـ) ، والمحكَمِ لعلي بن إسماعيل الحافظ المعروف بابن سِيدَهْ (ت 458 هـ) ، ولسانِ العرب لابن منظور محمد بن جلال الدين مكرَّم (ت 711 هـ) ، والقاموسِ المحيط للفيروزأبادي محمد بن يعقوب (ت 817 هـ) ،،، وغيرها.
وأما المعاني الاصطلاحية: فلها نوعان من المصادر:
النوع الأول: معاجم المصطلحات: والمراد بها المعاجم المصنفة خِصِّيصَى لشرح المصطلحات وتوضيح مفاهيمها.
وهذه المعاجم منها معاجم عامةٌ غير مختصة بفن من الفنون؛ بل تشمل مصطلحات من فنون شتى؛ ومن أمثلتها:
- "مفاتيح العلوم" لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف الكاتب الخوارزمي التركي، (ت 380 هـ) .
- "التعريفات" لعلي بن محمد بن علي، الشريف الجرجاني (ت 816 هـ).
- "معجم مقاليد العلوم": لجلال الدين السيوطي (ت 911 هـ).
- "الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة"، لشيخ الإسلام زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري الشافعي (ت 926 هـ).
- "التوقيف على مهمات التعاريف" لعبد الرؤوف محمد بن تاج العارفين ابن علي بن زين العابدين الحداديِّ ثم المُنَاوِيُّ القاهريُّ الشافعيُّ، (ت 1030 هـ) .
- "كتاب الكليات" معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، للقاضى أبي البقاء أيوبَ بنِ موسى الحُسَيْنِىِّ الكَفَوِىِّ الحنفي، (ت 1093 هـ).
- "كشاف اصطلاحات الفنون" لمحمد بن علي بن محمد حامد بن محمد صابر الفاروقي السني الحنفي التَّهَانَوِيِّ الهندي، فرغ من تأليفه عام 1158 هـ، وهو من علماء القرن الثاني عشر للهجرة.
- "جامع العلوم في اصطلاحات الفنون" الملقب بدستور العلماء للقاضي عبد النبي بن عبد الرسول الأحمد نكري.
ومنها معاجمُ خاصةٌ وُضِعَتْ لشرح مصطلحات فنٍّ بعينه؛ بل وضع بعضها لشرح وتوضيح مصطلحات كتاب واحد.(36/3)
فمن معاجم المصطلحات الخاصة بفن واحد ما يلي:
أولا: معاجم مصطلحات العقيدة:
- "المبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين"، لعلي بن أبي محمد بن سالم بن محمد الثعلبي، سيف الدين أبو الحسن الآمدي، الحنبلي ثم الشافعي (ت 631 هـ) .
- "موسوعة مصطلحات علم الكلام": للدكتور/ سميح دغيم.
ثانيا: معاجم المصطلحات الفلسفية:
- "الحدود والرسوم" أبو يعقوب إسحاق بن سليمان الطبيب الإسرائيلي أبو يعقوب القيرواني ثم المصري المعروف بالكندي، (ت 320 هـ) .
- "الحدود الفلسفية": لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف الكاتب الخوارزمي التركي، (ت 380 هـ).
- "رسالة في الحدود": للحسين بن عبد الله الحسن بن علي ابن سينا أبو علي، الشهير بالرئيس ابن سينا، (ت 428 هـ).
- "الحدود الفلسفية": للحسين بن عبد الله الحسن بن علي ابن سينا أبو علي، الشهير بالرئيس ابن سينا، (ت 428 هـ).
- "الحدود الفلسفية": لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (ت 505 هـ).
ومن المراجع المعاصرة للمصطلحات الفلسفية:
- "المعجم الفلسفي": لجميل صليبا.
- "الموسوعة الفلسفية": د/ عبد الرحمن بدوي.
- "المعجم الفلسفي": ليوسف كرم ومراد وهبة (بالاشتراك).
- "المصطلح الفلسفي عند العرب": للدكتور عبد الأمير الأعسم (طبع بدار الكتب المصرية).
- "المعجم الفلسفي": لعبد المنعم حفني.
- "معجم المصطلحات الفلسفية": للدكتور خليل أحمد خليل.
- "موسوعة مصطلحات الفلسفة عند العرب": تأليف: د/جيرار جيهامي.
- "موسوعة لالاند الفلسفية": تأليف: أندريه لالاند، وتحقيق: خليل أحمد خليل .
- "الموسوعة الفلسفية العربية"، تحرير الدكتور: معن زيادة.
ثالثا: معاجم مصطلحات أصول الفقه:
لا تكاد تَجِد كتابا مختصًّا بالمصطلحات الأصولية دون غيرها في مصنفات العلماء المتقدمين، باستثناء رسالة أبي الوليد الباجي في الحدود، وإنما ظهرت المؤلفات في شرح المصطلح الأصولي حديثا ، ومن أهم هذه الدراسات والمراجع:(36/4)
- "الفتح المبين في حل رموز ومصطلحات الفقهاء والأصوليين" للدكتور/ محمد إبراهيم الحفناوي.
- "المصطلح عند الأصوليين" للدكتور عثمان المنشاوي.
- "المصطلح الأصولي" للدكتور القطب مصطفى سانو.
- "موسوعة مصطلحات علم أصول الفقه" في جزأين للدكتور رفيق العجم.
رابعا: معاجم المصطلحات الفقهية:
- "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي"، لمحمد بن أحمد بن الأزهر الأزهري الهروي، أبو منصور (ت 370 هـ).
- "طَلِبَةُ الطَّلَبَةِ" في الاصطلاحات الفقهيه على مذهب ألفاظ كتب الحنفية: للنسفي عمرَ بن محمد، (ت 537 هـ).
- "الحدود الفقهية" لابن عرفة: الذي شرحه أبو عبد الله الأنصاري، المشهور بالرصاع، - وسماه: الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة الوافية.
- "أنيس الفقهاء": لقاسم بن عبد الله بن أمير علي القونوي الحنفي، (ت 978 هـ).
ومن المراجع المعاصرة للمصطلحات الفقهية:
- "لغة الفقهاء": للدكتور محمد رواس قلعجي.
- "المعجم الفقهي" لسعدي أبو جيب.
- "معجم المصطلحات الفقهية": للدكتور محمود عبد الرحمن.
ومن المعاجم الخاصة بشرح مصطلحات كتابٍ فقهيٍّ واحد:
- "تحرير ألفاظ التنبيه": للإمام يحيى بن شرف بن مري النووي أبو زكريا (ت 676 هـ).
- "المطلع على أبواب المقنع"، لمحمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي أبو عبد الله ابن اللحام (ت 709 هـ).
- "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي": لأحمد بن محمد الفيومي (ت 770 هـ).
- "تصحيح التنبيه": لعبد الرحيم بن حسن بن علي بن عمر بن علي القرشي المصري جمال الدين أبو محمد الإسنويِّ الفقيه الشافعي، (ت 772هـ).
خامسا: معاجم المصطلحات النحوية:
- "الحدود في النحو": لعلي بن عيسى الرماني، (ت 388 هـ).
- "الحدود النحوية": لجمال الدين عبد الله بن أحمد بن الجمال عبد الله بن أحمد بن على الفاكهيِّ المكي الشافعي النحْوي، (ت 972هـ).
سادسا: معاجم المصطلحات البلاغية:(36/5)
ظهر في العصر الحديث عدة معاجم في علم البلاغة عنيت بالمصطلح البلاغي عناية كبيرة، منها:
- "معجم المصطلحات البلاغية": للدكتور أحمد مطلوب.
- "معجم البلاغة العربية": للدكتور بدوي طبانة.
سابعا: معاجم مصطلحات التصوف:
- "اصطلاحات الصوفية": لعبد الرزاق بن جمال الدين أحمد كمال الدين ابن أبي الغنائم الكاشاني الصوفي، (ت 730 هـ).
النوع الثاني من مصادر معاجم المصطلحات:
المصنفات في كل فنٍّ فنٍّ، لا سيما الأمهاتُ منها؛ ومن أمثلة المصنفات التي عُنِيَتْ بالمصطلحات ما يلي:
في علم الكلام:
• "الشامل في أصول الدين": لإمام الحرمين أبي المعالي الجويني، (ت 478 هـ).
• "الغنية في الكلام": لأبي القاسم سلمان بن ناصر الأنصاري النيسابوري، تلميذ أبي المعالي الجويني، (ت 511 هـ).
• "نهاية العقول في دراية الأصول": لمحمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي التميميِّ البَكْرِيِّ الطَّبَرِسْتَانِيِّ الرازيِّ، فخرِ الدين، المعروف بابن الخطيب الشافعي الفقيه، (ت 606هـ).
• "أبكار الأفكار": لعلي بن أبي محمد بن سالم بن محمد الثعلبي، سيف الدين أبو الحسن الآمدي، الحنبلي ثم الشافعي (ت 631 هـ) .
في علم أصول الفقه:
• "البرهان في أصول الفقه" لإمام الحرمين أبي المعالي الجُوَيْنِيِّ، (ت 478 هـ).
• "المستصفى في علم أصول الفقه": لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (ت 505 هـ).
• "البحر المحيط": لمحمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي بدر الدين المصري الشافعي، (ت 794 هـ).
في علم آداب البحث والمناظرة:
• "الكافية في الجدل": لإمام الحرمين أبي المعالي الجُوَيْنِيِّ، (ت 478 هـ)، ويتميز هذا الكتاب بأن خصَّص صاحبه الفصل الأول من الكتاب لشرح مصطلحات علم آداب البحث والمناظرة.
النوع الثالث من مصادر معاجم المصطلحات:(36/6)
الفهارس الفنية للمصنفات التي طبعت طباعة حديثة مع قيام محققيها والقائمين على طباعتها بإعداد الفهارس الفنية لها، ومنها فهرس المصطلحات المتناوَلة في الكتاب؛ ومن الأمثلة على ذلك:
• كتاب "بديع القرآن" لابن أبي الإصبع العدواني: بتحقيق الدكتور حفين شرف الدين.
• كتاب "تحبير التحرير في إعجاز القرآن" لابن أبي الإصبع العدواني: بتحقيق الدكتور حفني شرف الدين.
• كتاب "غاية المرام" للآمدي في علم الكلام: يتحقيق الدكتور حسن محمود عبد اللطيف الشافعي.
• كتاب "الصنيع البديع في شرح الحلية ذات البديع" في علم البديع من فنون البلاغة.(36/7)
العنوان: التَّفسير العلمي للحسد والعين
رقم الاستشارة: 203
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
هل هناك تفسيرٌ علميٌّ للحسد والعَيْن؟
جزاكم الله كلَّ خير.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
مرحبًا بكَ أخي في موقِع (الألوكة)، وأعتذرُ عن التأخُّر في الردِّ على سؤالكَ.
تعلمُ أنَّنا نؤمنُ إيمانًا قَطْعِيًّا بأنَّ العَيْن والحسد حقٌّ لا جدال فيهما، وأنَّ المسلم مطلوبٌ منه الاستعاذة مِنْهُما، وهذا أمرٌ نتَّفق عليه، سواءٌ وجدنا لذلك سندًا علميًّا أم بقيَ لغزًا كسائر الألغاز.
إلى حدِّ عِلْمِي: لا يوجد تفسيرٌ علميٌّ متَّفَقٌ عليه حول تفسير الآليَّة المَرَضِيَّة التي تحدث أثناء وُقوع (العَيْن) أو الحسد؛ ذلك أننا لسنا قادرين أصلاً على تحديد هذا الحَدَث بكيفية واضحة؛ لأنَّ أيَّ اضطرابٍ لا يُمكن وصفه لا يمكن دراسته.
إنَّنا نواجه في مُمارستنا للطبِّ هذا الغموض، ونقف أمامه حائرين؛ إذ يُمكن أن ترى لاعبيْن تعرَّضا لكسرٍ في الرِّجْل أثناء سباقٍ واحد أمام النَّاس، يقول الأوَّل: إنَّ السَّبب هو (العَيْن)؛ لأنَّ شخصًا نظر إليه بأسلوبٍ ما، أو قال كلمةً ما، ثم وَقَعَ وكُسِرَ, بينما لا يَعزو المريضُ الآخَرُ هذا الكَسْرَ للعَيْن، على الرِّغم من وجود مَنْ يقول وينظر إليه بأسلوبٍ ما، كما حدث في حقِّ صاحبه!! عندما تقوم بتصوير كِلا المريضَيْن لا تَجِدُ أيَّ فرقٍ، ولا تَجِدُ فرقًا في طريقة العلاج أو غيرها، عندها تقف حائرًا: كيف أعرفُ أنَّ السَّبب هو (العَيْن) أو غيرها؟!.
لقد قابلتُ منَ النَّاس مَنْ يجعل (العَيْن) سببًا وراء كلِّ كارثةٍ في حياته، حتى عندما يقصِّر في أمرٍ ما - كفشلٍ في مشروع أو في امتحان!!(37/1)
والحقيقة أنَّك لا تستطيع نَفْيَ ذلك ولا إثباتَهُ، وهنا تَكْمُن صعوبة تحديد أيِّ آليَّة مَرَضِيَّة وراء العَيْن والحسد.
بعض صور العَيْن والحسد تأتي عن طريق الإيحاء، وهي آليَّة نفسيَّة غامضة أيضًا؛ فعندما يفشل طالبٌ مُجِدٌّ في الاختبار بأن يُغمَى عليه فيه أو تَشَلَّ يدُهُ أثناء الاختبار؛ فيُقال: إن هذه (عَيْنٌ)، والحقيقة أنَّ ذلك يحدث بسبب آليَّة نفسيَّة غامضة يدافع بها الجسد عن نفسه، فلِكَيْ يقلِّل منَ القلق والألم بسبب الفشل - يقوم الجسد بفرض الإغماء أو الشَّلل على نفسه؛ حتى يجذب الانتباه من الفشل نحو العَرَض الجسدي الجديد، هذه آليَّةٌ معروفةٌ ومدروسةٌ في الطبِّ النَّفسيِّ، ونعالج منها الكثير في عياداتنا، عن طريق تخفيف القلق النَّاجم عن الفشل، عبر دَعْم المريض ومساندته لمواجهة الفشل، وبالتَّالي نقوم بتقليل الحاجة نحو هذا الإغماء أو الشَّلل، ويعودُ كلُّ شيءٍ إلى وضعه الطبيعي. وأنا أعتقدُ أنَّ كثيرًا من حالات العَيْن والحسد تقع في هذا الإطار، وأنا على قَنَاعةٍ أنَّها لا تَمُتُّ إلى (العَيْن) بصِلَة.
أرجو ألا أكون قد أَضَفْتُ حَيْرَةً إلى حَيْرَتِكَ!! ويخفِّف عليَّ وعليك قناعةُ العلماء في كلِّ أنحاء الأرض أنَّنا لا نعلم مِن جسم الإنسان ومن الآليَّات المَرَضِيَّة سوى النَّذْرِ اليسير؛ إذ لم نؤتَ من العِلْم إلا قليلاً, وإيمانُنا المطلَق بعِظَم الخالق - سبحانه وتعالى - وتدبيره المذهل لهذا الكون، إلهي وإلهَ كلِّ شيءٍ - سبحانه.
ومرحبًا بك دومًا في موقع (الألوكة).(37/2)
العنوان: التمييز بين الإخوة
رقم الاستشارة: 95
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله:
لي أختٌ أصغر مني: عندما أكون أنا مع أمي وحدنا بالبيت نكون أنا وهي على ما يرام، حتى إذا ما حضرت أختي هذه لم تعد أمي تعيرني اهتماماً، فإذا ما حدث شيء بين وبين أختي وضعت أمي الحقَّ عليَّ سلفاً، ووبختني بشدة، دون أن تفكر في أن تستمع إليَّ، فصرتُ أكرهُ أختي كثيراً، لدرجة أني أفكر في كثير من الأوقات أن أقتلها بالسكين!! لقد صرتُ أكرهُ أهلي وأختي وأحقد عليهم، أحس أني أحيا معهم في السجن، وكثيراً ما أفكر أن أهرب من البيت؛ فما عادت عندي رغبة في أن أرى أحداً منهم، كرهت نفسي، أحسُّ دوماً أني مخنوقة، لدرجة أني قلتُ لأمي: إني أكرهها، وما عدت أشعر بأي مشاعر تجاهها، وعندما تمرض أمي لا أشعر نحوها بشيء، ولا أسأل عنها، ولا يهمني إذا تعافت أو لم تتعافى.
أريد حلاً، أرجوكم.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة:
مرحباً بكِ في موقع (الألوكة)، وأهلاً وسهلاً
قرأتُ رسالتَكِ، وأشعرُ كم هو مؤلمٌ أن يلقي أقربُ الناس لومَه علينا بدون مبرر، بينما يمنح الآخرين امتيازاً بدون مبرر أيضاً!
تابعي معي هذه الأفكار، التي أتمنَّى أن تكون بناءَّةً ومفيدةً:
أولاً: الحسد والغيرة بين الإخوة - خاصةً البنات - أمرٌ شائعٌ، والخبر الجيِّد الذي أخبِّئه لكِ: أن هذه المشاعر المزعجة سرعان ما تنتهي مع تقدم العمر؛ فالتوبيخُ والسَّبُ والنقاشاتُ - مهما كانت حادة - ستتحول إلى ذكرى تضحكان عليها معاً فيما بعد, فلا تقلقي لذلك.(38/1)
ثانياً: سيدتي، مشاعرُنا مِلْكُ أيدينا؛ نحن الذين نقرِّر من سيؤلمنا ويزعجنا! نحن الذين نعطي الفرصة للآخرين لمضايقتنا، ليس بالسَّماح لهم بالكلام - لأننا لن نستطيع إيقافهم عنه - بل بترديد عباراتهم في أذهاننا، وتذكُّر أفعالهم السيِّئة! وفي المقابل يمكننا فقط أن نهمل أقوالهم دون انزعاج؛ لأنهم هم مَنْ يستحقون التعنيف والتوبيخ لأسلوبهم غير اللائق.
إنني أستغربُ: كيف يخطئ شخصٌ في حقِّي، فأعذِّب نفسي بالتفكير في قوله وفعله!! إنني أعذِّب نفسي مرَّتين، وهذا ليس عدلاً أبداً!!
قبل أن أنتقل إلى النقطة الثانية: تذكَّري أن ما قُلْتُهُ ليس سهلاً عندما نطبقه عمليّاً، ولكنَّه سوف ينمو من خلال الممارسة المستمرة، إلى أن يصل بكِ إلى حالة رائعة من الاستقلال الشعوري.
ثالثاً: لقد تعلَّمنا من ديننا الحنيف كيف نواجه الإساءة بالإحسان, وكم يترك هذا أكبر الأثر على نفوسنا أولاً؛ حيث الشعور بالسموِّ والرِّفعة والرقيِّ النفسيِّ, ويترك أثراً على الطرف الآخر - (المُذْنِب) - حين يشعر بالأسى لما فعله! قد لا تستشعر هي ذلك في المرة الأولى والثانية، ولكنها ستلمس ذلك عندما تصير هذه عادتكِ في التعامل معها.
رابعاً: أعلمُ كم هو مؤلمٌ أن نفتقد شعور المحبة من شخص قريب وعزيز كالوالدة -حفظها الله - ولكنني أريد أن أنبِّهكِ لأمر مهم: الحبُّ ليس عاطفةً!!
لقد ضلَّلَنا صُنَّاع أفلام (السينما) حينما صوَّروا الحبَّ على أنه شعورٌ داخليٌّ فحسْب؛ فالحبُّ أفعالٌ.. أن تحبي والدتك: هو أن تفعلي.. أن تستمعي لها, أن تهتمِّي بأمرها, أن تصنعي معها لحظاتٍ خاصةً في نزهة مميزة، أو تهدي لها هديةً يسيرةً.. وغير ذلك.(38/2)
قد يتمُّ هذا في البداية دون مشاعر، وقد يظهر كأنه (تمثيل)! ولكنَّ مثل هذه الأفعال - في الواقع - هي التي ستجلب الحب، وستدخُلينَ بعدها في دائرة (مميزة)؛ حيث الحب يجرُّ إلى المزيد من الأفعال, وهذه الأفعال ستمنح المزيد من الحب وهكذا.. الأمر يحتاج إلى الكثير من البذل وإن كان بلا مشاعر، وستتغير الأمور بصورة رائعة.
ختاماً:
كثيرا ما أردِّد هذه المقولة: "لا يمكن لأحد أن يؤذيكَ دون رضاكَ".. ليس لأحد السلطة على عالمنا النفسي الداخلي؛ بل هو مِلْك أيدينا, وتحت إرادتنا.
ومرة أخرى: الأمر ليس بهذا اليسر، لكنه يستحق البذل والممارسة؛ وستدهشُكِ النتائج.
وفَّقكِ الله إلى كل خير, ومرحبا بك ثانيةً في موقع (الألوكة).(38/3)
العنوان: التوتر
رقم الاستشارة: 8
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا بطبعي غير منفعل، وغير متعصب على الآخرين، ولكنني أعاني - منذ مدة قصيرة - التوتر النفسي والعصبية الزائدة، وذلك بسبب تعرضي لبعض المشاكل في خِطبتي - علماً بأنني أحب خطيبتي جدّاً - كما تعرضتُ لمشاكل في العمل؛ فأصبحت غير قادر على السيطرة على نفسي.
أريد طريقةً للسيطرة على أعصابي، أو علاجاً للتوتر النفسي؟
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم:
مرحباً بك في موقع (الألوكة)، وشكراً لثقتك الغالية.
التوتر والقلق من الأمور الشائعة، خاصةً في الظروف الحرجة التي يمر بها الشخص بين حين وآخر، أتمنى أن يساعدك ما سأذكره في النقاط التالية:
أولاً: لابد أن نذكِّر أنفسنا - دائماً - بالتسليم لقضاء الله - عزَّ وجلَّ - في كل أحداث حياتنا، ليس تسليماً سلبيّاً، يدفعنا إلى الخمول والتبلُّد، والاكتفاء بالبكاء والنواح .. لا؛ بل هو قبولٌ إيجابيٌّ، قائمٌ على مبدأ (خيرية) كل ما يقدِّر الله لنا؛ فقد أخرج الإمام مسلم في "صحيحه" قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير! وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرَّاء شكر؛ فكان خيراً له! وإن أصابته ضرَّاء صبر؛ فكان خيراً له!!)).
ثانياً: أَعْطِ انتباهك للحوار الداخلي. وأقصد هنا: ما نقوله لأنفسنا, وما يدور في أذهاننا في كل موقف؛ إذ ترتدُّ إلينا نتيجة هذا الحوار؛ لتؤثر على مشاعرنا ومزاجنا الخاص.
دعني أضرب لك مثلاً: دعوتُ أحد أصدقائك للعشاء الليلة, وتأخَّر هذا الصديق عن الموعد المحدَّد. لاحظ الآن كيف يمكن أن نجري عدداً من الحوارات الداخلية, ولاحظ كيف سيغيِّر هذا من إحساسنا ناحية هذا التأخُّر.(39/1)
1- "لماذا تأخَّر؟! كان الاتفاق على الموعد واضحاً .. اللهم سترك .. ربما وقع له حادث وهو في الطريق إليَّ .. وربما .. اللهم سلِّم العاقبة"!! .. وهكذا تحلِّل الموقف بأسوأ الاحتمالات، وربما تتَّصل بالشرطة أو المستشفيات للتأكد.
2- " لماذا تأخَّر؟! كان الاتفاق واضحاً.. هذا أفضل؛ إذ يعطيني وقتاً إضافياً لإعداد العشاء وترتيب الأمور"!! .. وهكذا تُمضي وقتك بهدوء وطمأنينة أكثر, بعيداً عن القلق والهموم.
لاحظ من الآن كيف تدير حوارك الداخلي؛ خاصةً في المواقف الحرجة, وكيف يؤثِّر ذلك على مشاعرك، ومن ثَّم؛ وجِّه الحوار ذاته توجيهاً جديداً، كما فعل صاحبنا في المثال المذكور آنفاً. وسوف ترى روعة الهدية التي قدمتها لعالمك الداخلي.
ثالثاً: ذكر الله - عزَّ وجلَّ - هو مفتاح الطمأنينة؛ قال تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]
وما أعنيه هنا ليس ترديد محفوظات معينة من الأذكار المعروفة؛ بل الذكرٌ مع الاستشعار الحقيقي والكامل لقرب الله - عزَّ وجلَّ - من عبده, وإعانته له في شدَّته؛ فهو خير مَنْ يُستعان به - سبحانه.
رابعاً: ذكِّر نفسك بالثمن الفادح الذي يدفعه جسمك ثمناً للقلق, وكثرة التفكير, وانشغال البال. ولدى أطباء القلب والأعصاب الكثير ليقولوه لك عن زيادة تعرض القلقين لخطورة الإصابة بالجلطة في القلب أو الدماغ، والتي تمثِّل أكثر الأمراض فتكاً بالبشرية هذه الأيام.
خامساً: من الوسائل المساعِدة للتخفيف من التوتر: الاسترخاء، وسأتحدث هنا عن طريقة مختصرة له.
استعد لتقوم بالخطوات التالية:
- استلقِ على ظهرك في مكان هادئ، وضع يديك إلى جنبَيْك، وابدأ بالعضلات الصغيرة من القدم، صعوداً إلى أعلى، أو من اليدين والرأس، نزولاً إلى الأسفل.
- ستقوم بشدِّ كل عضلة 5 ثوانٍ، ثم ترخيها 10- 15 ثانية، واستشعر خروج التوتر العصبي مع الاسترخاء .. اترك العضلة مرتخيةً تماماً، ثم انتقل إلى الجزء التالي.(39/2)
- ابدأ الآن بأصابع القدم اليمنى، قم بشدها 5 ثواني، ثم أَرْخِهَا لمدة 15 ثانية، ثم انتقل إلى عضلات بطن الساق، وطبِّق نفس الطريقة؛ شَدٌّ ثم استرخاء .. وهكذا الفخذ، ثم الرجل اليسرى، ثم البطن .. وهكذا.
- انتقل إلى الصدر والظهر .. خُذْ نفساً عميقاًـ وادفع الأكتاف إلى الخلف، ثم أَرْخِهَا مع تنفُّسٍ طبيعيٍّ.
- ابدأ باليد والذراع الأيمن، ثم الأيسر، واتبع القاعدة العامة التي ذكرتها آنفاً.
- لكي تحصل على استرخاء الرقبة؛ قم بدفع الرأس إلى الوراء، ثم أَرْخِه.
- والآن الفم والأسنان .. اضغط على الأسنان، وادفع بزاويتي الفم إلى الوراء، ثم أَرْخِهِمَا.
- أغمض عينيك بشدَّة، ثم أَرْخِهَمَا - لاحظ أن استرخاء العيون له دور هامٌّ جدّاً في الحصول على الاسترخاء الكامل.
- والآن الجبهة .. ارفع الحاجبين إلى الأعلى لمدة 5 ثوانٍ، ثم أَرْخِهِمَا.
يستحسن أن يُمارَس الاسترخاء مرتين يومياً، وفي لحظات تزايد القلق الشديد.
تذكَّر أن الاسترخاء مهارة, وتحتاج إلى تدريب, ولن تعطي نتائجها من المرة الأولى؛ لكنَّ الماهر فيها سوف يجني ثمرةً طيبةً، وهذا مُثبتٌ علميّاً عبر دراسات أكاديمية رصينة.
ومن الوسائل المساعِدة – أيضاً -تمارين التحكم في التنفُّس.
من الملاحظ كيف تختلف طريقة التنفس عند القَلِقِين؛ حيث يصبح سريعاً وسطحيّاً، وهذا النمط يعمل على إخراج زائد لثاني أكسيد الكربون (CO2)، مما يؤدي إلى الشعور بالدوار و(التَّنْمِيل) وعدم الراحة؛ لذا كانت واحدة من الوسائل الهامة لمعالجة القلق محاولةُ التحكم في التنفس، فنطلب من مرضانا أن يقوموا بما يلي:
- ضع إحدى يديك على صدرك, والثانية على بطنك، التي سوف تتحرك إلى الداخل مع كل شهيق.
- ابدأ بأخذ شهيق عميق بهدوء، ودون أن تأخذ كمية كبيرة من الهواء, وأنت تعدّ إلى أربعة. ومن ثّمَّ زفيرٌ, وأنت تعدّ - أيضاً - إلى أربعة.
- لا يهم إن كنت تتنفس من أنفك أو من فمك؛ اختر الأنسب لك.(39/3)
- افعل ذلك لمدة 4 دقائق عندما يساورك القلق.
سادساً: إذا شعرت أن ما ذكرته - آنفاً - لم يساعدك في الأيام القليلة القادمة، وأن التوتُّر ما زال يؤثر على أدائك في العمل، وفي علاقتك الزوجية الناشئة؛ فأنصحك بزيارة أي طبيب نفسي؛ أصبح لدينا - بحمد الله وفضله - العديد من الأدوية الجيدة والمفيدة، التي لا تسبب أيَّ أعراض جانبية أو إدمان، ولقد شهدت في عيادتي العشرات من المرضى الذين استفادوا من هذه الأدوية فائدةً عظيمةً.
هذه بعض الكلمات القليلة، التي حاولت أن أَبسِطها هنا، لعلها تساعد في تجنب الشعور بالقلق والتوتر.
أسأل الله أن ييسِّر زواجك - إن كان فيه خير. ومرحباً بك - دائماً - في موقع (الألوكة).(39/4)
العنوان: الجريحة
رقم الاستشارة: 103
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أَوَدُّ أنْ أَحْكيَ لكم قِصَّتي المُحْزِنة في الحياة، وأَوَدُّ أن آخذ رأيكَ.
أنا منذ نشأتُ كنتُ سعيدةً في حياتي، حتى وصلتُ ودخلتُ الجامعة فقابلتُ شخصا كان (مُعِيداً) عندنا في الجامعة، فلاحظتُ من نظراته لي أنه معجَبٌ بى، وكان يدخل عندي اللجنة ويطمئنُّ عليَّ، ويسألني أأجبتُ جيداً أم لا. وذاتَ مرَّة سألني عن عنوان منزلنا فأخبرته. فقال لي: إنه سوف يزورنا، ثم بعد ذلك عرفتُ أنه خاطِبٌ، ويستعدُّ لزواجه، فابتعدتُ عنه، وفَضَّلْتُ أن أتجنَّبَهُ،ولكنه بعد زواجه كان يطمئنُّ عليَّ في اللجنة. ثم تخرَّجْتُ وسافرنا إلى الإسكندرية، وفي بداية السنة في بَيْتِنا الجديد كان لي جارٌ كان يُعْجَب بي، وكان خاطباً أيضاً، وفي إحدى المرَّات أفصح لي عن مشاعره، وأراد أن يترك مخطوبته من أجلي، فرفضتُ بشدة، وطلبتُ منه أن يستمر مع هذه الإنسانة؛ لأنه لا ذنبَ لها، ولا بد أنها تُحِبُّه، وبالفعل اقتنع بكلامي، وتزوَّج هذه الإنسانة. وبعد ذلك تعرَّفتُ على شخص ثالث، وعرفتُ بعد ذلك أنه متزوِّج ويريد طلاقَ زوجته ليتزوَّج أخرى، فقلتُ له: أنا أرفض أن أكون سبباً في هدم أسرة، أو خراب بيت؛ أنا إنسانةٌ ضميري يقظٌ.
لكني لستُ أدري؛ حظي سيِّئ في هذه الحياة! هل هو حظي السيِّئ أم ابتلاءٌ من ربِّي ؟!
أحياناً كثيرة أجلِس مع نفسي وأفكِّر كثيراً: هل حظِّي سيِّئ؛ لأني أخاف اللهَ، وضميري يقظ أم امتحانٌ من ربي؟! أَحْبَبْتُ أحكي لكم. ولكم خالص تحياتي.
-----------------------------------------
الجواب:
الأختُ الكريمةُ.. مرحباً بك في موقع (الألوكة) وأهلاً وسهلاً..(40/1)
قرأتُ رسالتَكِ باهتمام، وشَعرتُ بما تَشْعُرينَ به بعد كل تجرِبة... ولكنْ - أختي الكريمةُ - لاحِظِي أنه في كل التجارِب التي ذكرتِها كانت تجارِبَ وُلِدَتْ مَيتةً فاشِلةً من البداية... لم تكن تجاربَ حقيقيةً أبداً. ولو كنتُ مكانك لما أعطيتُ الفرصة لأيِّ شخص للحديث معي عن الزواج بأسلوب مباشر، ودون مقدمات تتوافق مع العرف السائد. إنه ليس من الصحيح بأي حال أن تسمحي لأحدٍ أن يتلاعب بمشاعركِ كما يشاء، ومتى ما شاء! لقد وضعت الأعرافُ حدوداً واضحة لمن أراد الخِطبة، وعليه القيام بخُطُوات معروفة؛ فالأمر ليس فوضى ولعباً بالفتيات المهذبات.
الأمر الآخر: تذكري أمراً في غاية الأهمية؛ إذا كنتِ تنتظرين السعادة من الآخرين أن يمنحوك إياها فأنت في خطر! فالسعادة أمرٌ تَصْنَعِينَه بيدكِ، وبإرادتكِ، ومن داخل قلبكِ.. عندما نضع مفاتيحَ سعادتنا في يد غيرنا - زوج أو صديقة... أو غيرهما - فقد حكمنا على أنفسنا بالشقاء! أُرِيدُكِ أن تبحثي عن السعادة في حياتكِ؛ في النشاطات المنتشرة هنا وهناك، والتي تملئين بها وقتَكِ من خيرٍ وفائدة ومرح. وعندما يأتي النصيبُ - أي: الزوجُ الحقيقي - فسيَطْرُق بابَكِ في الوقت المناسِبِ دون أن تُعَلِّقي به أملَكِ وحياتَكِ.
أرجو أن أكون قد أفدتكِ بشيء هام... انطلقي في حياتكِ عبادةً لله، وطاعةً لرسوله، وسيمنحك الله العطايا في الوقت المناسب دون ألمٍ وذكرياتٍ سيِّئَةٍ.
إنَّ كُلَّ خُطْوة تَقتَرِبينَ بها إلى الله - عز وجل - ستكون إضافةً ومكسباً لشخصِيَّتِكِ ولحياتكِ ولمستقبلكِ... ومن التجأ إلى الله فلن يَخْذُلَه.
وفقك الله إلى ما يرضيه.. ومرحباً بك ثانية ودائماً في موقع (الألوكة).(40/2)
العنوان: الجلوس ساعات طويلة أمام (الإنترنت)
رقم الاستشارة: 214
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
هل يضر الجلوس لساعات طويلة أمام (الإنترنت)؟
فأنا أجلس يوميًا 4 ساعات على الأقل، وأركز على قراءة النصوص والمقالات الطويلة الحجم، أو الدقيقة في الكتابة، وبِماذا تنصحونَنِي لتجاوز هذه العادة؟
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم.. مرحبًا بك في موقع (الألوكة) وشكرًا لثقتك الغالية..
لا أعتقد أنَّ هناك ضررًا من الجلوس أمام الحاسوب (الكمبيوتر) لمدة أربع ساعات، إذا تَمَّت مراعاة أصول الجِلْسة الصحيحة على الكرسي؛ حيث تنتصب الرقبة والظهر، كما يلزم مراعاة وضع اليد على الفارة (الماوس)، وعلى لوحة المفاتيح بشكل يكون المِفْصَل متمددًا وغير مُتَقَلِّصٍ، حتى لا يضغط على العَصَب الَّذي يمر بمِفْصَل الرسغ، وللمزيد من التفاصيل المهمة، أرجو أن تبحث في محركات البحث على (الإنترنت) عن الطريقة الصحيحة للجلوس أمام الحاسوب، والوقاية من الأشعة المنبعثة من شاشته.
أمَّا بالنسبة إلى قراءة النصوص على (الإنترنت) فأنا أتبع طريقتين أجدهما نافعتين:
الأولى: أن أنسخ المادة التي أود قراءتها إلى ملف على برنامج (مايكروسوفت وورد)، وهو البرنامج الذي نستخدمه جميعًا في الكتابة، ومِن ثَمَّ أستطيع التحكم في حجم الخط كما يناسبني للقراءة، كما يمكنني وضع خطوط تحت الأفكار المهمة وهكذا.
والطريقة الثانية - التي أجدها أفضل -: هي طباعة ما أود قراءته على ورق، هذه طريقة مريحة للرقبة والعين لكنها - كما تعلم – مُكَلِّفَة، وقد لا تكون ملائمة دائمًا.
ختاماً: أُذكِّرُك بأمور ثلاثة:
الأول: مِمَّا يُقلل من ساعات الجلوس على (الإنترنت) العودة إلى (الكتاب) كمصدر أساسي لكسب العلم، والحقيقة أنَّه وبعد سنوات طويلة قضيتُها مع (الإنترنت) - وجدت أنه لا غِنى عن الكتاب لطالب العلم الجاد.(41/1)
الأمر الثاني: التركيز؛ إذ إننا بحاجة إلى تركيز جهودِنا في كسب العلم على موضوع محدد مما يقلل من الوقت المُهْدَر في القراءة المُشتَّتة، وهذا سيحسن من نوعية الشخص ومن الفائدة التي يمكن أن يقدمها لأمته.
الأمر الثالث: هو أن أُذكِّرَك وأُذكِّر نفسي بِضرورة التوازن في توزيع ساعات اليوم؛ فلنفسك عليك حق ولأهلك عليك حق، ولمجتمعك عليك حق، فكم من شبابٍ ضيَّعوا هذه الحقوق وهم يقضون الساعات الطويلة أمام (الإنترنت)!! حتَّى لو كان في قراءة ما ينفع.
وفقك الله لما يرضيه، ومرحبًا بك ثانيةً في موقع (الألوكة).(41/2)
العنوان: الحيرة المستمرة
رقم الاستشارة: 98
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا متزوِّج ولي أولاد، وأمهم يشهد الله أنها زوجه صالحة.
لكن لها ثلاث أَخَوات، نسكن كلنا في منطقة واحدة؛ الأولى: انفصلت عن زوجها بعد علاقة آثمة مع أحد الجيران. والثانية: طُلِّقَت مرتين وتزوجت زواجاً عُرْفيّاً، والله أعلم.
أما المشكلة الكبرى فهي الأخت الكبرى لزوجتي؛ لم أر أحداً في جبروت هذه السيدة؛ إنها تعمل كل ما يحلو لها في أي وقتٍ تشاء، دون خوفٍ من أحد، ولا حتى زوجها، حتى إنها أجبرت زوجها على تجارة المُخَدَّرَات وأخذت خطيب ابنتها وأحبَّته، وسمعنا عنهم من الناس كلاماً سيئاً - والعياذ بالله –حتى من زوجتي.
أما أنا، فدائمُ الخلافِ معهن؛ لأن خط سيرهن غيري، أنا وأولادي، حتى إن أحد معارفهم قال لي: احمد ربك إنه كرَّمكَ ببنين.
السؤال - سيدي الفاضل - إن زوجتي لا تُحبُّ في دنياها غير أختها الكُبرَى، حتى لو خَسِرت زوجها وأولادها.
ولكَ أن تتخيل شدة حبها لها من موقف واحد:
إن زوجتي لا تُصلِّي، لكن عندما تَمَّ القبضُ على أختها هذه من قِبَلِ الشُّرطة، قامت على الفور بالصلاة، لكي تدعو لها.
حتى إن أختها الكُبرَى هذه أحضرت شابَّين، وقالت لنا: إنهما خطيبان لبناتها، وأنا اعتقد أنهما ليسا خطيبين، غير أنهما يجلسان معها، هي وبناتها، بحضور زوجها الموافق دائماً.
وزوجتي تذهب إلى بيت والديها المتوفيين، وتعدُّ لأختها وبناتها طعاماً وفى حضور هذين الشابين.
مع العلم أن زوجتي تعرف رأيي جيداً في أخواتها المنحلات، واللاتي يقول الناس عنهن كل شيء فاسد.
ولكن الأهم في مشكلتي، كذبهم المستمر حتى إنني لا أستطيع أن أُفَرِّق بين الكذب والصدق - إن وُجِدَ - وهذا ما يُحَيِّرُني جداً جداً.
ماذا أفعل بالله عليكم، إني لا أنام، وفى حيرة من أمري.(42/1)
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم، السلام عليكم ورحمة الله،
مرحباً بك في موقع (الألوكة)، وشكراً على ثقتك الغالية.
فهمتُ تماماً كيف تعيش هذا التضارُب في العلاقات بالقُرب من عائلة زوجتك، أودُّ أن تتابع معي النقاط التالية:
أولاً: أُقَدِّر وجهة نظرك، لكني دائماً ما أنصَحُ نفسي وكل من أحبُّ، قبل أن نأخذ أي حكمٍ على سلوك الآخرين، أن (نَتَقَمَّصَ) وجهة نظرهم، أي أن نضع أنفسنا مكانهم، ونرى العالم بعيونهم، مثل هذا الموقف سيمنَحُكَ نظرة محايدةً, ويعينك على اتخاذ القرار العادل الذي يرضي الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
ولو قمت أنا بهذه الطريقة، وبدأت أنظر كما تنظر زوجتك إلى أختها، لاتخذت موقفاً مُشَابِِهاً لموقف زوجتك؛ فهي أختها قبل كل شيء وبرغم كل شيء، وليس من السَّهل أن يَتَخَلَّى المَرءُ عن عروة الأُخُوَّةِ مهما حدث.
لعلي أتَّفِقُ معك أنها تُبَالِغُ في هذه العلاقة، وأنها تعطيهم أكثر مما هو مُتَوَقَّع؛ وهذا نراه في بعض العلاقات بين الإخوةِ وبعضهم، وبين الشخصيات القوية وغيرها.
ثانياً: لو كنت مكانك لفعلت التالي: سأمتنع عن الحديث السلبي عن أهل زوجتي, بل سأهتم بأخبارهم وأعين زوجتي على برّهم حتى تشعر بأني أقف إلى جانبها، ثم - وبعد ذلك - سأطلب منها أن تَعْدِل في الاهتمام بين بيتها وأهلها، وسوف تُقدِّر الموقِف الإيجابي الذي أحمله، وستستجيب ولا شك.
ثالثاً: تذكَّر - أخي الكريم - أنه لا يوجد شخص يقبل بأن يُهان أخوه أو أخته، حتى لو كان فاسداً ظاهر الفساد، إن مراعاة هذه الأمور الشعورية تدلُّ على نُبْلِك وطيب أصلك.
رابعاً: احذر من أن تترك الأحداث التي جرت مع أهل زوجتك أي أثر على معاملتك لزوجتك أو نظرتك إليها، احذر من أن يظهر ذلك في كلماتِك أو غمزاتِك أو لمزاتِك؛ فمن الظُّلم الشديد أن نحاسِب أحداً على أفعال غيره، مهما اقترب نَسَبُهُ.(42/2)
ختاماً: أرجو ألا تتحدَّث عن الطلاق بهذه السهولة، فما جرّ على البيوت خراباً مثل الطلاق, وإن كنت تريد لأولادك الشَّقاءَ الأبديَّ والحرمانَ والاضطرابَ النفسيَّ، فسارع في طلاق أمهم!!
وفقكَ الله إلى كل خيرٍ، وأهلاً بك ثانيةً في موقع (الألوكة).(42/3)
العنوان: الخطيبان.. وضوابط الحديث بينهما
رقم الاستشارة: 59
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
خطيبي يتكلم معي في الأمور الجنسية، وصددته كثيراً، وهو مصمم يتكلم معي في تلك الأمور؛ فهل هو معدوم الأخلاق، أم كل الشباب كذلك؟
ودائماً يدافع عن أخواته برغم أنهن في جميع الأمور مخطئات، فهل هذا دليل على ضعف شخصيته؟ ممكن تفيدوني ولكم جزيل الشكر.
-----------------------------------------
الجواب:
مرحباً بك سيدتي الكريمة، وشكراً لثقتك الغالية.
إن كنت تقصدين بأنه خطيبك بمعنى (الخِطْبَة) فقط، دون إبرام العقد الشرعي الذي يجعلك زوجةً له، إن كان هذا مقصودك؛ فلا شك أنه ليس من المقبول - أبداً - التحدُّث بأمور جنسية في هذه المرحلة.
إن لم يستجب لطلبك في التوقف عن الحديث في هذه الأمور – برغم إلحاحك في ذلك - فهذا قد يكون دليلاً على عدم احترامه للعلاقة بينكما؛ وهذه علامة سلبيَّة.
أمَّا إن كنت تقصدين بالخِطْبَة (العقد الشرعي)، الذي يحللك له؛ فمن الشائع حديث الشباب عن الأمور الجنسية في هذه المرحلة، وليس دليلاً على سوء الخلق، ولكن يجب أن يكون هذا في حدود معقولة، ويجب أن نأخذ في الاعتبار مدى احترامه لرغبة الشخص المقابل، ومدى ارتياحه للحديث عن ذلك.
سيدتي، تذكري أن فترة الخطوبة هي مقدمة مهمة، تعطي صورة واضحة عن طبيعة الحياة بعد الزواج، وقد لا يكون واضحاً لي ما قصدت في دفاعه عن أخواته، وعن عدم وجود شخصية له، لكن يجب أن تعلمي - جيداً - أن ما يحدث الآن لن يتغير بعد الزواج؛ بل قد يزيد حدَّةً؛ لذا كوني حذرة، وفكِّري ملياً؛ فأنت على بر الأمان, ولديك فرصة ذهبية بين يديك الآن لاتخاذ القرار الصحيح، فالتراجع بعد الزواج أمر صعب وغير مقبول.(43/1)
لا أستطيع أن أعطي رأياً واضحاً الآن عن خطيبك، ولو كنت مكانك؛ لاستشرت أهل الخبرة والرأي من أفراد أسرتي عن سلوكياته وأسلوب تعامله معك، ومرحباً بك لو أحببت أن تكتبي لنا عن المزيد من التفاصيل حتى تتضح الصورة أكثر.
شكراً لزيارتك لموقع (الألوكة)، وأرجو أن تزوري الموقع دائماً؛ فستجدين فيه ما ينفع ويفيد، وفَّقك الله إلى كل خير.(43/2)
العنوان: الخوف من الرياء
رقم الاستشارة: 26
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكلتي أنني عندما أقوم بأي عمل لوجه الله وابتغاءً لمرضاته ، أكون في حالة خوف ووسوسة من أن يكون لنفسي نصيب في هذا العمل، مما لا يجعله خالصاً لوجه الله، وأظل أناقش نفسي في ذلك مدة طويلة، مما يسبب لي إجهاداً نفسيّاً قد لا تسببه الذنوب نفسها، وبالرغم من أنني متواضع، لا أميل للرياء والاستعراض، فإنني أخاف من أن تكون الأعمال هباءً يوم أن ألقى الله.
فما هي الحدود المعقولة لمراقبة النفس خوفاً من الرياء، وما هو غير المعقول في هذا الإطار؟
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم محمود..
مرحبا بك في موقع (الألوكة)، وأسأل الله أن يوفقك إلى كل خير..
عندما اطلع الأخوة في إدارة الموقع على سؤالك, استشعروا المعاناة التي تشكو منها,وأرسلوا السؤال إليَّ كطبيب نفسي، ومع استشارة من أثق بهم من أهل الاختصاص, أود أن
أرشدك إلى التالي:
لا شك أن الخوف من الرياء أمرٌ محمودٌ، إذا كان مساعداً على مزيد من تجويد العمل وإخلاص النية، لكنه إذا تعدى ذلك؛ أصبح أمراً غير مقبول، يعطي نتائج عكسية.
ما يدور في خاطرك من شكوك ووساوس - أخي الكريم - هو ما نعرفه في الطب النفسي بـ (الوسواس القهري)، حيث يشكو المرء من أفكار مزعجة، يحاول صرفها عن نفسه دون جدوى, تأخذ من وقته وجهده النفسي الكثير، رغم علمه أنها ليست منطقية، وأنها أكبر من الحجم المقبول وأنها قد تسبب له الكثير من المعاناة والإرهاق.
الأمر لا يدعو للقلق بمشيئة الله، وما تعانيه من أفكار هي أمر فوق طاقتك، ولا يحاسب الله العادل - سبحانه - عباده على ما لا يطيقونه.
وهناك وسائل علاجية كثيرة للتغلب على هذه الأفكار؛ ومنها:(44/1)
- أن تحتفظ بسجل يومي تحدد فيه يومياً مساحة الوقت، ومساحة الإزعاج الذي أصابك نتيجة الشكوك والوساوس، ولتحاول أن تُقَلِّص هذا الوقت كل يوم بضع دقائق، ويوماً بعد يوم، ستحقق الكثير من الانتصارات على هذه الأفكار!.
- مع الثورة الحديثة للأدوية النفسية, أصبح هناك الكثير من الأدوية الفعالة المجربة، التي تعطي نتائج ملموسة، وتصل بالمريض إلى حالة جيدة، لكننا - في العادة - نحاول تطبيق أسلوب العلاج السلوكي، ثم ننتقل منه إلى العلاج الدوائي، ما لم تكن الحالة مزعجة للغاية.
أرجو أن تكتب لنا ثانيةً إن لم تجد وصفاً دقيقاً لما تعانيه،، وفقك الله لما يحبه ويرضاه.
وشكراً لمرورك على موقع (الألوكة)، متمنين أن تصبح زائراً دائماً، ومرحباً بك.(44/2)
العنوان: الخوف من علاج الخوف
رقم الاستشارة: 121
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته،
الأخ الدكتور، وفقك الله.
مشكلتي أني عندما أتقدم وأصلي بالناس، أصاب بخوف وارتباك، حتى إنني أكاد أسقط في مكاني، ويعرق جسمي، ويجف حلقي.
وقد ذهبت لطبيب نفساني؛ فكتب لي دواءً اسمه (سيروكسات)، ولي خمسة أشهر مداوم عليه، وقد ارتحت كثير والحمد لله عليها؛ فهل الاستمرار عليه لمدة سنه أو أكثر يُضرُّ بصحتي؟
آمل الرد علي ولكم الأجر.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم، مرحبًا بك في موقع (الألوكة)، وشكرًا لثقتك الغالية.
(السيروكسات) دواء جيد، وهو الأنسب لحالتك, وليس له مضاعفات طويلة الأمد، (أي: مضاعفات تبقى حتى لو أوقفت الدواء)، ولقد استخدمنا هذا الدواء مع عشرات المرضى، وقد استخدموه لسنوات طويلة دون أن يسبب أية مشاكل مهمة تُذكر.
ولذا؛ نصيحتي لك هي الاستمرار على الدواء لمدة سنة، ثم مراجعة طبيبك؛ لتقويم الوضع، واتخاذ القرار المناسب، ولا تتردد في المواظبة عليه، إذا رأى طبيبك ذلك.
كما أنصحك بقراءة الكتب والمقالات التي تُطوِّر الشخصية، وتزيد الثقة بالنفس، وتزيد المرء حماسًا، وتدفعه إلى الأمام.
وفقك الله لما يُرضيه، ولا تنسني من صالح دعائك.(45/1)
العنوان: الخوف من فقدان زوجي
رقم الاستشارة: 105
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا متزوجة منذ سنة ولدي طفل، والمشكلة هي خوفي من فقدان زوجي، ودائماً تراودني فكرة أنه مَلَّ مِنِّي، وأنه يحب فتاةً غيري، وعندما يُخبِرني بأنه يحبني لا أصدِّقه ولا أدري لماذا، على الرغم من أنه لم يكذب علي قط، ويحبني حباً شديداً.
ساعدوني، كيف أتخلص من تلك الأفكار السَيِّئَةِ؟
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة، مرحباً بكِ في موقع (الألوكة).
لا أدري لماذا تُرَاوِدكِ مثل هذه الأفكار، فوجودها قد يشير إلى عدم الثِّقة بنفسِكِ كزوجة وأم، وتابعي معي النقاط التالية:
أولاً: إن أفضل نصيحة لزيادة الثقة بالنفس هي: "دعي الأفعال تتحدث"، املئي حياتك وحياة زوجك بالأشياء الجديدة والجميلة، عيشي كل يوم وكأنه أجمل أيام العمر، إن الزوجة هي سكنٌ ورحمة ومودة، وما أجمل أن تتقن ذلك في بيتها.
ثانياً: إن مما يُدْخِلُ السرور على قلب زوجك هو أن يراكِ حريصةً عليه وعلى إسعادِهِ عبر الاهتمام بِمَظْهَرِكِ أولاً؛ فكم من زوجة أَهمَلَتْ أناقَتَها بعد أشهر من زواجها!
كما يظهر ذلك في العناية بنظافة المنزل، واختيار الوقت المناسب للمُطَالَبَةِ بحاجياتك دون إلحاح أو تنكيد.
وهناك العديد من المواقع على شبكة (الإنترنت) تتحدث عن فنون الحياة الزوجية، أنصَحُكِ بالاطلاع عليها، وتَعَلُّم مَهَارَات وَطُرُق جديدة لتثري حياتكما بما هو جميل روائع.
ثالثاً: إن مما يزيدُ من محبَّةِ الزوجِ لزوجته هو إحساسه بأنها تهتم بتربية أبنائهما، وهناك العديد من الكُتُب ومواقع الانترنت التي تتحدث عن أفضل وسائل تربية الأطفال، والاهتمام بهم من كل جانب، أُرِيْدُكِ أن تزوريها، وتَتَعَلَّمِي منها وتُطَبِّقِيهَا على أطفالِك حتى تُصبِحي خَبِيْرَةً في هذا الجانب.(46/1)
ختاماً: تذكَّرِي أن الأَمَانَ الحقيقيُّ يَكْمُنُ في الالتجاءِ إلى الله تعالى، والاستعانةِ به، فهو – سبحانه - رحيم بعبادِهِ كريمٌ حفيظٌ.
وفَّقَكِ الله إلى كل خيرٍ، ومرحباً بك في موقع (الألوكة).(46/2)
العنوان: الخوف والتأنيب من العادة السرية
رقم الاستشارة: 70
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
الإخوة الأفاضل القائمون على الموقع:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بدايةً؛ أودُّ أن أشكركم على ما تقدِّمونه من جهود لخدمة هذا الدين؛ فجزاكم الله خيراً.
أما عن مشكلتي:
فأنا شابٌ ملتزمٌ - ولله الحمد - ومنذ كنتُ في التعليم - سواء في المدرسة أو الجامعة - وأنا لا أخالط النساء أو أتحدث معهنَّ، وأغضُّ بصري قدر الإمكان.
وما سبق لي - ولله الحمد - أن تحدَّثت مع فتاة، أو أقمت أيَّة علاقة، بالرغم من التبرُّج والفتن التي تحيط بمثلي من الشباب في بلدنا، ولعل مما ساعدني على هذا سماعي للدروس والخطب، وإطلاق لحيتي.
ولكن؛ منذ عدة أعوام اشتدَّت عليَّ شهوتي، وخاصةً مع ما كنت أراه - أحياناً - في الجامعة من متبرجات يرتدين ملابس شبه عارية؛
فابتُليتُ - عافاكم الله - بممارسة العادة السرية! وكنت أتوب وأقلع عنها، ثم لا ألبث أن أعود.. وهكذا مرات ومرات، ولكنني تُبت منها منذ مدة ولله الحمد.
ثم قدَّر الله لي الخير؛ فعقدتُ على أخت ملتزمة، يعلم الله كم أحبها، وكم شكرتُ المولى - عزَّ وجلَّ - على أن رزقني إياها.
ومشكلتي الآن؛ أنه - ومع اقتراب موعد البناء - تطاردني هواجس الماضي؛ فأحسُّ أحياناً أن قدرتي الجنسية صارت ضعيفة، وأخشى أحياناً أني لن أستطيع أن أوفي زوجتي حقَّها في الفراش؛ كعقاب من المولى - عزَّ وجلَّ - خاصةً وأنا لم أصدُق في التوبة من هذا الذنب عدة مرات.
فهل من سبيل للتخلص من هذا؟ وكيف أعرف أن الله لن يعاقبني بذنبي هذا، وعمَّا اقترفتُ قبل توبتي؟
في انتظار ردِّكم الكريم.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الفاضل:
مرحباً بك في موقع (الألوكة)، وشكراً لثقتك الغالية.
بدايةً:(47/1)
لا يستطيع أحدٌ أن يقدِّر قوته الجنسية قبل الزواج؛ إذ تمتزج في الزواج العاطفة الجميلة مع الشعور بالاستمتاع بالحلال، وما تمنحه العلاقة الجنسية من توثيق للعلاقة الزوجية .. كل هذه العوامل تجتمع لتمنح الإنسان القوة والقدرة في العملية الجنسية, ولا شك أن التنبؤ بذلك الآن ضربٌ من الخيال والمستحيل.
أريدُكَ أن تراجع معي النقاط التالية:
أولاً: جاء في الحديث القدسي الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملإٍ، ذكرتُه في ملإٍ خيرٍ منهم، وإن تقرَّب إليَّ بشبر، تقرَّبتُ إليه ذراعاً، وإن تقرب إليَّ ذراعاً، تقرَّبتُ إليه باعاً، وإن أتاني يمشي، أتيتُه هرولةً)).
فالله – سبحانه – أكرم من أن يعاقب عبداً تاب وأناب إليه، وإن تكرَّر منه الذنب والخطيئة؛ جاء في الحديث القدسي – أيضاً -: ((يا ابن آدم, إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرتُ لكَ على ما كان فيك ولا أبالي, يا ابن آدم لو بلغت ذنوبُكَ عَنَان السماء ثم استغفرتني، غفرتُ لكَ ولا أبالي ...)) إلى آخر الحديث.
لذا؛ كن واثقاً بالله - سبحانه وتعالى - وراجياً كرمه وعطاءه العظيم.
ثانياً: إن بقاء أفكار الشك وتأنيب الضمير هو ما سيضعف قوتك الجنسية بعد الزواج وليست العادة السرية!! لذا؛ انتبه من هذه الأفكار التي تولِّدها بنفسك، وأنت أقدر الناس على تحدِّيها وطردها.
ثالثاً: أريدُ منكَ أن تصرف بعض الوقت قبل البناء في كسب قدر من الثقافة عن الزواج والعملية الجنسية؛ فلهذا أهمية كبيرة بالنسبة لك، وهي الثقافة الموجودةٌ في عدد كبير من الكتب المتاحة في المكتبات، وإن شعرت بشيء من الحرج في شرائها؛ فهناك العديد من المواقع على الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت) عن هذا الموضوع الحيوي والهام. لا تتردد في ذلك؛ فستساعدك كثيراً.
أخيراً:(47/2)
كُنْ مع الله يَكُنْ اللهُ معكَ، واجعل نيَّتك في الزواج هي قصدُ بناء بيت يعبد الله ويذكره.
وفَّقكَ الله إلى كل خير، وأهلاً بك دوماً.(47/3)
العنوان: الخوف والتردد مسيطران على حياتي
رقم الاستشارة: 32
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا امرأة متزوجة من 15 سنة، ولدي أربعة أطفال، وساكنة مع أهل زوجي، أحبهم وأحترمهم، وأحب زوجي بجنون، المشكلة أن أهل زوجي يعاملونني بكل استحقار؛ فليس لي وجود في المنزل، كل شيء مقفول عليه بالمفتاح؛ المجالس والأواني المنزلية ... وغيرها، وليس لي الحق في إدخال أي شخص إلى المنزل، المهم إنني صابرة لأجل زوجي.
لكن - للأسف - زوجي أشعر أنه لا يهتم بهذا الأمر، برغم أنني - في الفترة الأخيرة - طلبت منه سكناً مستقلاً، ومع أن ذلك من شروط الزواج لم أطلب هذا الطلب إلا من سنة واحده فقط، وكان الرد أنه سوف يبحث عن سكن خلال أشهر، ولكن؛ حتى الآن لم يتخذ أي خطوة جادَّة في البحث عن سكن، بل – للأسف - يعاملني كطفل يسكته بأي رد.
المهم؛ المشكلة أنني أخاف من كل شيء في حياتي، زوجي يتعمد إهانتي، وأهل زوجي يعاملونني أسوأ معاملة؛ ولا أستطيع الرد، حتى لو كنت على حق، حتى أطفالي؛ لا أستطيع الدفاع عنهم لو أُهينوا، وكل هذا بسبب خوفي وترددي.
أشعر أن حياتي تضيع، وأتمنى أن يساعدني أحد، أكون شاكرة له؛ فلو كتبت عن المشاكل التي أعانيها في حياتي، فلن يسعني الوقت ..
أملي في الله ثم فيكم، وجزاكم الله كل خيراً.
-----------------------------------------
الجواب:
سيدتي الفاضلة.. مرحباً بك في موقع (الألوكة).. وشكراً على ثقتك الغالية..
بدايةً: أحيي فيكِ صبركِ وحسن جواركِ وتعاملكِ مع زوجكِ، تيقَّني أن لهذا أجراً كبيراً عند الله، قد يفوق أعمالاً صالحة كثيرة؛ فالصبر من الخصال النادرة، التي تنقص الكثير من الناس.
أختي، أنت لست وحدك؛ فأكثر المشكلات التي ترد على المواقع الأسرية تدور حول العلاقة بين الزوجة وأهل الزوج؛ هذه مشكلة عامة يعانيها الكثير، والله المستعان.(48/1)
أتفهم تماماً الجو الذي تعيشين فيه، ومدى قسوته، ولكنني أرى أن الحل الأساسي لمشكلتك يكمن فيك (أنت)؛ أنت أول من يحتاج إلى الدعم والمساندة؛ إن أهم شخص يجب أن نساعده ونسانده هو (أنفسنا)، أريدك أن تعلني أن الثلاثة أشهر القادمة مدة العناية بنفسك، اقضي الوقت بالعناية بنفسك، قومي ببعض الأفعال التي تشعرك بأنك مميزة، قومي بأفعال إيجابية بنَّاءة؛ كصلاة في ليل، أو صيام تطوع، أو فعل معروف مميز ... قدمي عناية خاصة بنفسك روحاً وجسداً، قومي ببعض الابتكارات؛ لإدخال السعادة على نفسك وأطفالك.
أولاً: قومي ببث روح جديدة في علاقتك الزوجية، حتى بعد مضي خمسة عشر عاماً, هناك العديد من الأشياء الرائعة التي يمكن أن تحيي بها علاقتك مع زوجك، وهناك العديد من المواقع الممتازة على الشابكة (الإنترنت) عن العلاقة الزوجية، ستجدينها عن طريق البحث في أي محرك بحث, وستعطيك أفكاراً رائعة.. أعطي اهتماماً خاصاً لأطفالك، واجعليهم مميزين؛ لأنك أمهم.
كل هذه الأفعال ستزيد من ثقتك بنفسك، وتُخلصك من التردد والخوف في داخلك.. أنت تستحقين الاحترام والتقدير.. وأثبتي لنفسك ذلك.
ثانياً: قومي كل صباح بإرسال رسائل إيجابية إلى نفسك، تذكري أن الكلمات التي تخرج من أفواهنا لا تذهب سدى في الهواء بل تعود إلينا لتعزِّز أو تقلِّل من أهميتنا واحترامنا لأنفسنا، توقفي عن إرسال الرسائل السلبية، مثل: (أنا امرأة ضعيفة، لا أحد يحبني، لا أحد يحترمني، إنهم يعاملونني بقسوة، أنا مسكينة ...)، وغيرها.. وابدئي من الآن بإرسال رسائل التعزيز الإيجابية إلى نفسك، مثل: (الحمد لله أنا بخير، لدي أربعة كنوز يتمنى الكثير من الناس مثلهم - أقصد أطفالك - أموري طيبة، أنا قوية ولن أعطي الفرصة لأحد كي يؤذيني ...)، وغير ذلك كثير.(48/2)
ثالثاً: يجب أن نفرق بين أعضاء أسرة زوجك: أما أمه فهي كأمك، لابد أن تبدي لها كل الود والاحترام، وادفعي زوجك للبرِّ بها، وذكريه بذلك؛ فهذا مما يدخل السرور عليه، ويزيد من احترامه لك، وأما باقي أقاربه، فمنهم القريب ومنهم البعيد، وهم - بلا شك - ليسوا سواء.. قومي بتقوية علاقتك مع القريب منهم، ومع حسنة الخلق منهم، عبر المساندة والاستماع لها، وتقديم الهدايا في المناسبة الخاصة بها، وتجنبي سيئة الخلق دون أن تُظهري الضيق من أفعالها، كوني قوية أمامها، دون تجاوز لحدود الأدب, وتجنبي ذكرها بسوء أمام زوجك؛ فهذا قد يكون علامة ضعف.
رابعاً: بعد أن تشعري ببعض التحسن تجاه نفسك، كرري على زوجك حقك في الاستقلال في بيت خاص، مع التأكيد على حرصك الدائم على برِّ والديه، وأن هذا لن يؤثر على برِّه بهما، واستغلي لحظات التقارب والصفاء بينكما عبر الإشارة العابرة اللطيفة دون شكوى أو تذمر أو إصرار مزعج.
خامساً: ويبقى سلاح الدعاء، والتقرب إلى الله تعالى، والصبر، واللطف في التعامل مع الجميع، أقوى ما يمتلكه المسلم في حياته؛ فلا تتخلي عنه حتى لو سارت الأمور على غير ما تهوينه.. اسمعي قول الله عز وجل لنبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم -: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
أرجو أن أكون قد قدمت لك ما يفيد، ولا تترددي في الكتابة لنا، ومرحباً بك دوماً في موقعكم (الألوكة).
والسلام عليكم ورحمة الله..(48/3)
العنوان: الخيانة
رقم الاستشارة: 69
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
كنتُ متزوجاً من ابنة ولد عمي، واستمر زواجي منها ثلاث سنوات، أنجبنا فيها ولداً واحداً، وفي ليلة من ليالي رمضان فوجئت باتصال من جارتنا، قالت لي كلاماً كالصواعق عن سلوك زوجتي المنحرف، وعلاقتها بزوجها!! وأنها تعرفه من مدة، وأن سلوكها منحرف جداً!
أخبرتني أنها عرفت هذا من جارةٍ لنا، كانت زوجتي تحكي لها تفاصيل علاقتها الشائنة بزوجها وبغيره، وكأنه نوعٌ من المفاخرة - معاذ الله من هذا.
كاد الدم يتجمد في عروقي وأنا أسمع هذا الكلام، ولكن الله ثبتني، وقررتُ أن أنهي علاقتي بها نهائياً؛ لأن ماسمعته من تفاصيل يكاد يُخرج الإنسان من العقل للجنون.
عموماً؛ قررتُ أن يأتي أهلها ليأخذوها، واتصلت بهم بالفعل من أجل ذلك.
وقد تقول لي: لماذا لم تواجهها؟ وأقول لك: إنها كانت ستنكر انكاراً شديداً، وكانت ستتنصل من التهمة، وأظل أنا بعدها أعاني حيرتي، هل هي خائنة أم لا؟
لقد أتى أهلها وأخذوها، أتدري من أين أخذوها يا سيدي؟
لم يأخذوها من بيتي، وإنما أخذوها من عند ذلك الرجل؛ فقد كانت على موعد معه وقتها؛ على موعد معه في رمضان!!
لقد ثبتني الله وأعانني على تحمل الصدمة؛ فلم أتهور وأفقد مستقبلي ومستقبل ابني.
أما فيما يتعلق بأهلها؛ فكثيراً ما عانيتُ من أبيها وأمها؛ فقد كانوا - دائماً – في صف ابنتهم، على الرغم من شكواي المتكررة من تمرد ابنتهم واختلاقها المتواصل للمشاكل، لقد أخذ أهلها هذا الموقف على أنه انتقامٌ منهم، وأن ابنتهم كانت تعاني كل قسوة عندي، وأنها كانت ضحية بزواجها مني، ولم يذكروا للناس بعدها سبب الطلاق الحقيقي، وزادوا على هذا فذهبوا ورفعوا دعوى في المحكمة لحضانة الولد.(49/1)
وسؤالي هنا: كيف أتصرف في هذا الأمر الذي يفقدني النوم، وما هي وجهة النظر الشرعية والقانونية في حكايتي؟
أرجو الله ثم أرجوكم إيجاد حلٍّ لي. وفَّقكم الله.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم: وعليكم السلام عليكم ورحمة الله،
أشعر بمشاعرك المؤلمة .. كم هو فظيعٌ أن يتلقى المرء ضربةً من الظهر، وأن تسير الأمور على هذا النحو ...
ولعلي أستطيع أن أشاركك الأفكار التالية:
أخي، ما حدث هو خيانةٌ لعهد بين شخصين، وكانت النتيجة أن ينفضَّ هذا العهد، ويذهب كلٌّ منهما في حال سبيله، لكني شعرتُ أن رسالتك تحمل الكثير من تأنيب النفس وتقريعها!!
أنا لا أخفِّفُ من عِظَم الحدث؛ لكنني أظنُّ أنَّك تُحمِّل نفسَك أكثر مما تحتمل.
قد يكون هذا مقبولاً مع الصدمة الأولى، لكنه لا يجب أن يستمر؛ ففي الوقت الذي تعاني أنت فيه المرارة الشديدة، تجد تلك المرأة من يساندها ويدافع عنها، ويبرِّر أفعالها الشائنة، وهذا غير عادل.
أريدُكَ أن توجِّه لنفسكَ من اليوم - وكل يوم - رسالةً واضحةً: "هي المذنبة .. هي من تستحق التأنيب".
يجب أن تدركَ أن ما حدث - على ما فيه من ألم - قد يكون رحمةً من ربِّك، أن خلَّصَكَ من هذه الزوجة بعد معاشرةٍ ليست بالطويلة نوعاً، وأنها قد تكون فرصةً ذهبيةً لتختار - من جديد - الزوجة الصالحة التقية النقية، التي تشاركها بناء بيت مسلم، يعبدُ الله - سبحانه وتعالى - لتسيرا معاً في الطريق المؤدي إلى الجنة ..!!
ألا تجد أن هذه الأفكار حقيقية، ومحفِّزة لتتخلص من ألم الماضي، وتنطلق في حياتك بكل تفاؤل واطمئنان.
ختاماً:
سوف لن تكون هذه السيدة أول من يرتكب هذا الذنب العظيم، ولن تكون الأخيرة، وهذه حكمة الله - سبحانه وتعالى؛ ليميز الخبيث من طيِّب، ولله الحكمة البالغة.(49/2)
أما فيما يتعلق بالوضع القانوني؛ فأرجو أن ترسل المزيد من التفاصيل على بريد الموقع للاستشارات؛ لعرضها على متخصِّص في الشؤون القانونية.
وفَّقكَ الله إلى كل خير.(49/3)
العنوان: الزواج فى رمضان
رقم الاستشارة: 133
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا شاب مقبل على الزواج، وأريد أن أبني بزوجتي قبل رمضان بأسبوع أو 10 أيام؛ فهل في ذلك مشكلة من ناحية الممارسة الجنسية بسبب الصيام؟
فالجسم يكون مرهقًا، إضافة إلى أني سأكون في العمل طوال اليوم وأنا صائم؛ فهل هذا سيؤثر على أدائي الجنسي، خاصة وأني سأكون حديث عهد بالزواج، ومن المعلوم أن في بداية الزواج تكون الممارسة الجنسية زائدة عن المعتاد؟
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم، مرحبًا بك في موقع (الألوكة) وأهلاً وسهلاً.
أبارك لك زواجك المرتقب، وأسأل الله العلي العظيم أن يجمع بينك وبين عروسك على كل خير.
لا أعتقد أن الصيام في حد ذاته قد يُضعف من أدائك الجسني؛ وتابع معي النقاط التالية:
• التعب الجسدي بسبب العمل قد يُضعف من الأداء الجنسي، ولكن مع قليل من الراحة والاسترخاء والتخفيف من الأكل على الإفطار؛ فستسترجع قوتك بمشيئة الله.
• أكثر ما يُضعف الأداء الجنسي عند الرجل هو تعرضه للضغط النفسي لأي سبب, والقلق وحمل الهم الزائد؛ لذا كن حريصاً على الاسترخاء والراحة النفسية، فهي أكثر أهمية.
• غيابك عن البيت في نهار رمضان هو (نعمة)؛ فبعض المتزوجين - هداهم الله - يفقد السيطرة على رغبته الجنسية - خاصة مع وجود الزوجة إلى جانبك- والوقوع في المحظور الشديد ألا وهو الجماع في نهار رمضان.. فانتبه من ذلك.
• تذكر أن العلاقة الجنسية هي تعبير جميل عن المودة والرحمة بين الزوجين، إنه ليس واجبًا أو تقليدًا أو إثبات رجولة.
سيدي الكريم هناك فرق في الأداء الجنسي بين رجلين يحملان نظرتين مختلفتين للزواج.
أسأل الله أن يتمم بينكما على خير، ومرحبًا بك دومًا في موقع (الألوكة).(50/1)
العنوان: الزواج والعادة السرية
رقم الاستشارة: 36
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
إخواني الأفاضل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ حديث الزواج, لم أكمل شهراً بعد، كنت منخرطاً - كأغلب الشباب - قبل الزواج في العادة السرية ومشاهدة الأفلام الخليعة!! المهم أنني أقلعت عن ذلك قبل الزواج بزمن يسير، وآه من المصيبة.. عند معاشرتي لزوجتي يتراءى لي - في مخيِّلتي - ما كنت أشاهد من ذلك العري البذيء, ولكنني أحاول جاهداً ألا يشتت ذلك تفكيري في أثناء المعاشرة؛ لأنكم تعلمون أن التركيز مطلوب أثناءها.
المهم أني كثيراً ما أستغرق زمناً طويلاً لكي أُشبع شهوتي، مما يرهق زوجتي، وأحياناً لا أستطيع إنهاءها لطول الوقت، مما يسبب لي الإرهاق أيضاً.
ولا أخفيكم أنني قد مارست العادة السرية بعد الزواج مرتين، مستعيناً بخيالات مما كنت أشاهد!
أنا متحير، لم أعد قادراً على التفكير في حل، أعينوني بالله عليكم في إيجاد حلٍّ سريع، فمع أني أغض بصري في الشارع، وأحاول أن أكون متديناً قدر المستطاع، فإن ذلك لم يُجدني نفعاً، وهو ما يجعلني أشعر بالضياع؛ فالله يعلم أني ما تزوجت إلا لأني أريد العفاف.
جزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
-----------------------------------------
الجواب:
مرحباً بك أخي الكريم، وشكراً لثقتك الغالية ..
ما ذكرته هو نتيجة معروفة ومتوقعة لكل مَنْ يدمن العادة السرية، ويدمن مشاهدة الأفلام الإباحية قبل الزواج؛ حيث يجد صعوبةً في ممارسةٍ طبيعيةٍ للعلاقة الزوجية, ويضغط عليه ما تبقى في مخيلته من صور ومشاهد من تلك الأفلام.
أقول: إن هذا أمرٌ طبيعي، سيزول مع الوقت؛ فلا تخشَ شيئاً، ولا يستحق الأمر القلق الذي تشعر به؛ خاصةً إذا فعلت الأمور التالية:(51/1)
- يجب الإقلاع التام والكامل عن مشاهدة الأفلام الإباحية، مهما كلَّف الأمر؛ فإن عودتك لمرة واحدة فقط، تكفي لأن تعود إلى المعاناة من جديد؛ بل إلى ما هو أشد!!.
- حاول - قدر الإمكان - ألا تسترجع في مخيِّلتك أيَّ مشهد من تلك المشاهد.
- اصنع مع زوجتك لحظات خاصة من الرومانسية؛ تسترجعها في مخيِّلتك في أوقات فراغك, فتُحلَّها محلَّ تلك المشاهد السيئة، وهناك العديد من المواقع على الشابكة (الإنترنت) عن العلاقة الزوجية، تحتوي هذه المواقع على العديد من الأفكار المتعلقة بهذا الأمر؛ فاستعن بها إن وجدت صعوبةً في ذلك.
- لابد أن يكون شغلك الشاغل التوبة إلى الله، وتقوية العلاقة معه، وسؤاله المعونة؛ فهو - سبحانه - خير معين.
أكرر لك: إن الأمر لا يستحق القلق والانشغال، وبدلاً من ذلك، اشغل نفسك بفعلٍ إيجابي ودع عنك الهمّ! توجه إلى الأفعال الإيجابية التي ترضي الله – جل شأنه- واسعَ إلى أن تصنع من أيام زواجك الأولى أجمل أيام العمر، وهي - بلا شك - كذلك.
أرجو أن أكون قد قدمتُ لك ما ينفعك، ومرحباً بك في كل حين، وأرجو أن تكون من أصدقاء موقعك (الألوكة) الدائمين؛ فستجد فيه ما يفيد وينفع،، وفَّقك الله إلى كل خير.(51/2)
العنوان: الزوج المكبّل
رقم الاستشارة: 50
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
الأخ الدكتور الفاضل/ ياسر بكار
أشكر لك - أولاً - تجاوبك وكريم ردودك، وأرجو أن توجِّهني في مشكلتي!
أنا متزوج ولي - ولله الحمد - ثلاثة من الأبناء والبنات؛ وقد تزوَّجت عن حب، وسبحان الله؛ خضتُ معارك كثيرة لأتزوج مَنْ أريد، وفعلتُ ما في رأسي، ولكن واجهتني مشاكل كثيرة في زواجي، وقد كنت أتحمَّل هذه المشاكل، كي لا أُفضح بين الخلائق، ولكي لا يقول الناس: إن اختيارك كان خاطئاً، وأنت تتحمَّل نتيجة أفعالك.
مرت الأيام - والحمد لله - وأنا سعيد بزوجتي جداً، وأحبها كثيراً، وأقدِّرها وأحترمها، ولا أحمِّلها ما لا تُطيق؛ حتى إني لا أحمِّلها ما تطيق أيضاً!! وذلك لإيماني بأن المرأة ليست خادمة؛ بل لها شخصيتها، وهي إنسانٌ مثلي أولاً وأخيراً، ولا فرق بيننا في الإسلام، ولأنها ـ في نظري ـ أصبحت أحسن مني ديناً، مع أني مَنْ جذبتها إلى هذا الطريق، ألبِّي جميع طلباتها وطلبات أولادي، لم أذكر أنها طلبت مني شيئاً ولم أنفِّذه.
ولكنها - يا سيدي - تشك في تصرفاتي دائماً، وقد بلغت الوساوس منها مبلغاً عجيباً؛ صارت تفسر به تصرفاتي على مزاجها!!
ذهبتُ إلى أحد أصدقائي في عزاء عائلي، وعندما رأت أخواته في قسم النساء لابسات ما لا يليق؛ قالت لي: إنك متزوج منهن أكيد، بدليل أن البنات لم يأتين إلا بعد أن دخلتُ الغرفة بزمن طويل! يعني كلام تافه واختلاقات منها. إذا خرجت تقول لي: أين كنتَ؟ وإذا عدت تقول: من أين عدتَ؟ تقول لي: إنك تكذب وتورِّي؛ لأنكم - أنتم الملتزمون - تحلفون ولكن تورُّون!!
سيدي:(52/1)
أصبح الشك في بيتنا هو الأصل، والغريب ألا يكون هناك شك ومشاكل بسبب الشك! لقد تبلّد إحساسي، وأصبحت أضحك وهي تصرخ وتبكي، فقد قضيت عمري معها في هذا الشك، ولكني أرحمها وأحبها وأقدِّرها، إن هذا يضرُّ بأولادنا، وهي دائماً ما تحاسبني أمامهم، وألاحظ تأثير ذلك سلباً على الأولاد، أنا رجل؛ ولكن لا أشدُّ عليها، لقد بلغت إهاناتها لي المبلغ الكبير، مثلاً:
- طلبت مني أن أضع يدي على كتاب الله وأن أحلف على ما تريد هي؛ لأثبت لها أنني غير متزوِّج بغيرها، ولكنني طلبت منها أن تتصل بوالدها وأن تستشيره في ذلك؛ فإذا وافق والدها أن أحلف فأنا موافق، وكان غرضي من ذلك أن يعرف والداها بعقليتها، وألا يتهماني بأني من يصنع المشاكل إذا طلَّقتها - لا سمح الله - وفعلاً غضب والدها ولم يرض لي ذلك؛ فغضبتْ، وطلبتْ ذلك مرة أخرى أمام أخيها، الذي ساعدته في دخول الامارات والإقامة بها إكراماً وتقديراً مني لها. ولكي ترتاح، ولتقديري أن الغربة قد تكون أثرت فيها، ولأنني فعلاً بريء لا علاقة لي بأحد، إضافة إلى رجاء أخيها – وهو ملتزم وطالب علم شرعي - أن أحلف لها على ما تقول نفذت ما أرادت، وقلت لنفسي: "ليكن القَسَم هذه المرة فقط؛ لنرى هل هذا علاج لها؟"
لقد فعلت هذا – على الرغم من أنها أهانتني - في سبيل حبي لها، وفي سبيل الرحمة والمعرفة والعشرة، وفي سبيل الوصول إلى الحياة الزوجية السعيدة، وفي سبيل الأولاد، وفي سبيل الله أولاً وأخيراً.
فعلتُ ما أرادَت، وحمدت الله أننا قد انتهينا من هذا الموضوع، ولكن ويا للمصيبة؛ لم يسرِ مفعول الحلف على المصحف المعظّم الكريم الجليل أكثر من ثلاثة أيام، ثم عاد كل شيء كما كان!!(52/2)
- الأمر الآخر: أنها تدعو عليَّ كثيراً في النقاشات، وتقول: "الله لا يوفقك إذا كنت تفعل شيئاً من ورائي، وأنت سبب تعاستي"! وأنا أعتبر هذه إهانةً لا أقبلها، وإذا قالها لي أقرب الناس لي فقد أحمل في نفسي، وإذا قالها لي أخي - وهو من لحمي ودمي - فقد نتشابك أو تتفاقم الأمور بيننا، ولكنني أعرف أنها مسكينة؛ لذلك أتمالك نفسي، وأقول لها: كيف يقدر لسانك على ذكر مثل هذا الكلام لزوجك، وأنا لا أجرؤ أن أقول ذلك لكِ، فأنا أحترمكِ وأقدرك، وأعرف ما ستؤولين إليه لو جرى شيء.
- أهلي من أطيب الناس، وهم قوم مسالمون، وأبرياء، ومن بيئة علم، ومع ذلك فهي ترفع صوتها كثيراً عليَّ أمامهم، إذا ما تطرقت أنا وأحد منهم إلى موضوع يمس أي بنت أو أي موضوع مشابه - مثل الزواج بثانية، أو زواج المسيار، أو صديق تزوَّج ثانية - وتقول لي: "قلت لك ألف مرة: لا تتكلم في هذه المواضيع، ومن أين تأتي بهذه المعلومات؟ وكيف تجلس مع أناس يحدثونك في هذه الأشياء عياناً جهاراً؟"، وتقول: "إنك تخفي عني أنت وأهلك أشياء كثيرة، وهم - بالتأكيد - يعرفون أنك متزوج غيري، ولكن يخفون هذا الأمر عنِّي"!!
- تفتش في جوالي، وتحذف الاسم الذي لا ترغب به بدون استئذان، فقط أجده محذوفاً دون علمي؛ وأعرف طبعاً لماذا فعلت ذلك؟!!.
- أتنازل عن حقوق لي - لا تعدُّ ولا تحصى - تقديراً لها واحتراماً، وعلى الرغم من أننا قد عشنا معاً 6 سنوات، فإنها لا تفهم حياتي، ولا تقف على راحتي، ولا تسعى لتلبية طلباتي، وتحتقر كل معتقداتي، وكل ما أحبه وأقدِّره، من أتفه الأشياء إلى أعظمها؛ من كأس شرب الماء إلى الحياة الزوجية كاملةً، ألا يحق لي أن أستمتع بهذه الحياة ؟
إن تنازلي عن حقوقي العرفيّة أثَّر كثيراً على راحتي النفسية؛ فأصبحت كأني أنا الزوجة الكادحة في سبيل إرضاء زوجها!!
فهل من علاج لهذه المأساة؟
هل سأقضي بقية حياتي هكذا؟
هل أنا مخطئٌ؟
هل أنا متزوج من أخرى وأنا لا أعرف؟!!(52/3)
هل ارتكبتُ جريمة بزواجي ممَّن أحبُّ؟ هل هي عقوبة من الله لي؟؟
هربت من البيت كثيراً، سافرتُ، ابتعدتُ، اقتربتُ، قرأتُ عن الحب وسلبياته وإيجابياته، قرأتُ الكثير من الكتب عن فنون التعامل، تعبتُ كثيراً حتى وصلتُ إلى جمود الأعصاب بعد أن التحقت بالكثير من الدورات في البرمجة العصبية وفن التعامل وغيرها، ألَّفتُ مسوّداتٍ في مهارات التعامل مع الزوجة، استشرتُ، عرفتُ الدَّاء، وعرفت الدَّواء؟! ولكن يبدو أن الأطباء قد أخطؤوا الوصفة، ويبدو أنني وقعت ضحية الأدوية الفاسدة، أم أنّ الذيلَ أعوج والبذرة فاسدة؟!!
-----------------------------------------
الجواب:
أخي الكريم:
مرحباً بك، وأهلاً وسهلاً، وشكراً على ثقتك الغالية.
لا أدري من أين أبدأ؛ فهناك العديد من الأخطاء التي ترتكبها كل يوم، أدَّت إلى هذا الوضع المؤلم؛ فتابع معي النقاط التالية:
أولاً: تذكر أننا نحن من نعلِّم الناس كيف يتعاملون معنا - ركِّز معي جيداً - فلن يؤذيك أحدٌ دون رضاك!! صحيح أن شخصية زوجتك تحمل بعض الصفات غير السويَّة، ولكننا لا يمكن أن نضع اللوم كاملاً عليها؛ فبيدك – أنت - مفتاح التغيير، وعلى الرغم من أنك حاولت التغيير بأساليب كثيرة، لكنك لم تقم بهذا بكيفية ثابت ومستمر وحازم؛ لذا لم تحقق النتائج المرجوَّة.
ثانياً: احترام المرأة لا يقوم على إعفائها من مسؤولياتها، أو عدم تحميلها ما (تطيق) ..!! لا يقوم على التغاضي عن أفعالها غير السليمة .. التساهل في الحقوق مفسدةٌ كبيرةٌ؛ إذ نعتقد - نحن الرجال - أننا نكرمها، ولكنها - للأسف - لا تنظر إلى ذلك بنفس الأسلوب؛ بل قد تعتقد أنه إهانة أو استغناء عنها! ولذا تفتعل المشكلة تلو الأخرى؛ لتثبت أنها موجودة، بعد أن ألغيت - أنت - وجودها بإعفائها من واجباتها!!
يجب أن تبدأ التغيير من اليوم، وبأسلوب بطيئ هادئ متدرِّج ...(52/4)
أخبرها ما تريده وما تحبه بوضوح، فإن لبَّته فأكرِمْها – على الفور - ً بأجمل كلمات الثناء والتقدير، وإن أغفلته فاصمت، وأظهر كل علامات عدم الرضا على وجهك، وابتعد عنها دون صراخ أو تأنيب.
أخي، الحب لدى النساء لا يعني التساهل أو التحمل المبالغ من شريك حياتهن، فالحزم - أحياناً - هو أجمل صور الحب في أعينهن!!
ثالثاً: من الواضح انشغال زوجتك بصورة مزعجة بالقلق من فكرة الزواج من امرأة ثانية، أو علاقات نسائية أخرى، والخطأ بدأ منذ اليوم الأول، حينما طرحتْ - هي - هذا الموضوع؛ إذ كان الرد الأنسب - في ذاك الوقت - هو الرد الحاسم القاطع، الذي لا يقبل النقاش أو المساءلة، ولكنك عندما تسمح لها بمناقشة الموضوع، والأخذ والرد فيه، فهذا يعزِّز شكوكها ولا ينفيها!
فابدأ الآن .. ابدأ منذ اليوم، وأخبرها أن هذا الموضوع لا يقبل أيَّ نقاش أو حوار، ولا يقبل الحلف ولا غيره، وأنها لو طرحته أو أشارت إليه من قريب أو من بعيد؛ فسيكون له عاقبة غير مرضية لها، قل – مثلاً -: لن أسمح لك بالحديث أو الإشارة إلى الخيانة الزوجية، أو العلاقات مع النساء، بأي صورة من الصور، ولو قمت بذلك فسوف أفعل ...
وسواء حدَّدت هذه العاقبة أو لم تحدِّدها فكن واضحاً وحازماً، ونفِّذ ما وعدت به بدقة .. الأمر لا يحتاج إلى الصراخ أو الغضب؛ بل إلى الحزم والتصميم، والفرق بينهما واضح.(52/5)
رابعاً: عدم إظهارك للحب قد يكون جزءًا من المشكلة، نحن نفترض أن شريك حياتنا يفهم ما يدور في قلوبنا، وما تتحدث به عيوننا من حب ومودَّة .. هذا غير صحيح .. أظهر حبك في كل مناسبة، عبر الكلمات الرقيقة واللمسات الحانية.. قد تجد في ذلك صعوبة؛ فلا تخشَ شيئاً، فلستَ الرجل الوحيد الذي يشعر بذلك، لكن تعلُّم واكتساب ذلك ليس بالأمر المستحيل.. هل تذكر عندما كنت عاجزاً عن قيادة السيارة .. كنت تعتقد أن هذا مستحيل!! ومع بعض التمرين والتوجيه أصبحت الآن تقوم بذلك دون أدنى تفكير! نحن كائنات قابلة للتعلُّم إذا امتلكنا الرغبة والطاقة الكافية لذلك، وإذا ما حصلنا على المعلم المناسب، وهناك على (الإنترنت) العشرات من المواقع التي تدل المتزوجين على طرق عديدة لتحسين علاقاتهم الزوجية في كل الجوانب. فقط اصرف وقتاً قليلاً في البحث عن ذلك ضمن محركات البحث على (الإنترنت).
خامساً: أنت بحاجة كبيرة - مثل الكثير من الناس- إلى جرعة من تنمية الثقة بالنفس، وإكرامها، وإعزازها، وهناك أيضاً على (الإنترنت) العشرات من المقالات التي تتحدث عن هذا الموضوع المهم، أرجو أن تطلع عليها، وتطبِّق ما فيها من أفكار.
وأذكر هنا إحدى المقولات التي تناسبك؛ يقول أحد الحكماء: "اصطنع الشيء حتى تكتسبه"؛ اصطنع الثقة بالنفس، وقم بكل ما يشير إليها من أفعال وطريقة تعامل حتى تصل إليها.
ختاماً:
إياك من العدوَّين اللدودين للتغيير؛ الأول: هو اليأس، والثاني: هو الاستعجال.
فالتغيير يجب أن يكون بطيئاً، مع كثير من الصبر، وأنا على ثقة كبيرة من أنك ستحقق نتائج باهرة عبر بعض التغييرات الصغيرة في شخصيتك وأسلوب تعاملك مع الآخرين.
شكراً لمرورك على موقع (الألوكة)، وفَّقك الله إلى كل خير، ولا تتردد في الكتابة لنا.(52/6)
العنوان: الزوج أم الدراسة؟
رقم الاستشارة: 31
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
يجمعنا نحن - الطلاب المبتعثين لأمريكا - موقع وملتقى – على شبكة الإنترنت - خاص بالطلاب المبتعثين، وحقيقةً: من الملاحظ وجود عدد كبير من الشباب والشابات الصالحين والصالحات.
وفي أحد المواضيع التي تم نقاشها وهو موضوع: "هل تقدمين الزوج على الشهادة؟" - كان جواب إحدى الأخوات - التي يبدو لي أنها متعلمة ومتدينة، ومن خيار البنات التي يُفتخر بهن - أنها ستقدِّم الشهادة على الزوج.
وحقيقة: لرغبتي في عدم إحراجها ومضايقتها أمام الأعضاء،
"السلام عليكم، في البداية أخي الكريم، أنا متعجبة جداً من سؤالك، وسوف أجيب عنه؛ لسبب واحد فقط لا غير، وهو: إنني أريدك أن توصِل هذه الرسالة إلى كل الشباب الملتزمين والمحترمين.
السبب: إنه كانت لي شروط في الإنسان الذي أبغي الارتباط به،
فكلما تقدم لي شخص، كنت أرفضه، والسبب يسير؛ فأنا أريد رجلاً ملتزماً؛ يصلي الفروض في المسجد، حافظاً أجزاء من القرآن الكريم, ملتحياً، يخاف الله فيَّ.
المهم: أي شخص يتقدم، تكون أول أسئلة تتبادر إلى ذهني وأسألها: هل هذا الرجل يسمع أغاني؟ هل هو ملتزم؟ هل هو ملتحٍ؟
كانت أمي وأخواتي يراوغون في الإجابة؛ فيقولون: لا تكوني معقدة ومتزمتة، أهم شيء الأخلاق.
وطبعاً تكون هذه أجوبتهم، مع كل شخص يتقدم، وأنا أصرُّ على الرفض، المهم أخي، لا أريد أن أطيل عليك.
آخر مرة قبل أن أحضر إلى أمريكا، جاء فارس الأحلام، كان ملتزماً, ملتحياً, صلواته ليست – فقط - في المسجد، بل في الحرم النبوي, حافظاً للقرآن الكريم، في وظيفة ممتازة، راتبه مرتفع.
قلت: هذا من نصيبي، لكن فرحتي لم تكتمل؛ فأنا - بحكم وظيفتي في الجامعة - مطلوب مني إكمال دراسة الماجستير؛ لأصل إلى المركز الذي أحلم به.(53/1)
وضعت شرطاً واحداً فقط لأهل المتقدِّم، هو أن أكمل دراستي؛ حتى أستمر في وظيفتي، وأحقق أهدافي.
لكن - للأسف الشديد - لم يقبلوا شرطي؛ فازددت إصراراً، وقلت: لن أتنازل عن هذا الشرط أبداً.
فليس من العدل أن يحقق الرجل طموحه وأهدافه، ويريد زوجة تقوم بخدمته فقط، ولا تشعر بطعم النجاح مثله.
وبعد ذلك، عممت القاعدة: قلت إن معظم الملتزمين يريدون زوجة مقيمة في البيت، تطبخ وتغسل - فقط - وليس لها أي دور في المجتمع، غير بيت الرجل وأطفاله، ونسوا دور السيدة عائشة - رضي الله عنها - وهي كانت معلمة الرجال.
لكن؛ اختلف الوضع الآن، لم يعد الرجل رجلاً بمعنى الكلمة؛ أصبح كل همه، البحث عن متطلباته فقط، وإلغاء أماني الطرف الأخر، بحكم كونها امرأة، والأجدر لها بيتها.
أخي الكريم، والله الذي خلق السماء بلا عمد، إنني ما أتجرأ وأحكي هذه الحكاية لأي شخص، ولكن؛ لأني ألاحظ في كتاباتك الحكمة، والرأي السديد؛ لذلك أتمنى أن توصل هذا الرسالة إلى الرجال، وأتمنى أن يفهموا أنه كما أن لهم أحلاماً ويسعون إلى تحقيقها، فالمرأة أيضاً لها أحلامها وتسعى وتثابر لتحقيقها.
وأخيراً:
وبالتوفيق أخي".
تعليقي: في هذه الأسطر كان ردها، وفي الحقيقة أعجبتني، في كونها طموحة، وهي قليل من قليل من قليل - على ما يبدو لي - وأرسلت هذه الرسالة لعلي أجد منكم
هل هي مخطئة؟ فانصحوها. هل هي على حق؟ فأعينوها وساعدوها. جزاكم الله كل خير، وأعتذر عن الإطالة.
تعليقاً، ورسالة منكم أنا حاملها لها.أتمنى أن أعرف السبب من وراء هذا السؤال؟ وما الفائدة التي حققتها من الإجابة؟ فالنسبة لي، حققت ما أريد، وأتمنى منك توصيل هذا الرأي إلى الإخوة الكرام، أعضاء الملتقى وأصدقائك. راسلتها وسألتها عن السبب في تقديمها الدراسة على الزواج؛ فكان ردها كالتالي - دون زيادة أو نقصان -:
-----------------------------------------
الجواب:(53/2)
أخي الكريم، مرحباً بك في موقعك (الألوكة) وأشكر لك ثقتك واهتمامك.
إنه لأمر رائع أن تُثار في منتدياتكم مثل هذه الموضوعات الجادَّة التي تؤرِّق المصلحين في بلادنا, وأن تتناقشوا فيها؛ حتى يتبلور لدينا فهم أفضل لها.
ارتكبت الأخت الكريمة في رسالتها خطأين أساسيين:
الأول: إن تفسيرها لرفض الخاطب إكمالها لدراستها، بأنه (رغبة منه في إجلاسها في البيت والاهتمام بشؤون الطبخ) - تفسير غير منطقي.
فعندما كنت في مثل سنك تقدمتُ لخطبة فتاة، وأخبرتها بأني عازم على السفر إلى الخارج لإكمال دراستي؛ فرَفَضَتْ والدتها؛ معللة بأنها لا ترغب في أن تُغرَّب ابنتها بعيداً عنها؛ فلم أعتبر ذلك رغبة منها في تقييدي، أو عدم تحقيق أحلامي؛ فالزواج اختيار ومواءمة بين ظروف وأمزجة وخصال شخصين، ينجم عنه قرار الارتباط.
وعندما يتقدم شخص لخطبة فتاة ولا تسير الأمور بطريقة إيجابية؛ فهذا لا يعني - بالضرورة - أن أحدهما على صواب والآخر على خطأ.
والثاني: إنها ارتكبت خطأ من أخطر الأخطاء الفكرية، التي نقع فيها جميعاً، عند الحكم على الأشخاص، والأحداث من حولنا، ألا وهو التعميم؛ أي اقتباس حكم على حدثٍ ما له ظروفه وخصائصه، وتعميمه على جميع الأحداث، وهذا ما أشارت إليه الأخت الكريمة في حديثها، حين قالت: "عممت القاعدة: قلت إن معظم الملتزمين يريدون زوجة مقيمة في البيت، تطبخ وتغسل - فقط - وليس لها أي دور في المجتمع .. غير بيت الرجل وأطفاله ...".(53/3)
إلا أن الأخت الكريمة في رسالتها أثارت نقطة في غاية الأهمية، ففي المجتمعات الخليجية على وجه الخصوص، والمجتمعات العربية بوجه عام, توضع الفتاة - في مرحلة حسّاسة من حياتها - أمام خيار صعب؛ فعند نهاية دراسة المرحلة الثانوية وبدايات الدراسة الجامعية, يُنظر إلى الفتاة على أن وقت زواجها قد حان، وإذا يسر الله (النصيب)، أصبحت الفتاة أمام قرار هام في حياتها: أتترك الدراسة وتتفرغ لرعاية شؤون البيت، أم تؤجل الزواج لحين فراغها من الدراسة؟
أما الخيار الثالث؛ أن تتزوج وتكمل الدراسة في نفس الوقت، فأمامه العديد من الصعوبات، وغالباً ما ينتهي بتأجيل الدراسة، ومِن ثَمَّ تركها تحت ضغط الطفل الأول والالتزامات الجديدة.
وفي بعض الأحيان تكون نتيجة هذا القرار مؤلمة، فمن جهة: قد تؤخر الفتاة الزواج بحجة الدراسة إلى أن يفوتها الركب وتُحرم من الوظيفة الأساسية التي خلقها الله عز وجل لها، ولعلنا نعرف جميعاً العديد من الفتيات اللائي ندمن على مثل هذا القرار، ومن جهة أخرى قد يؤدي الزواج - في بعض الأحيان - إلى تخلف الزوجة عن ركب التعليم، وهي مربية الأجيال، ولهذا أثر سلبي واضح.
هذا إضافة إلى أنها قد تجد نفسها يوماً - في ظروف خاصة - كوفاة زوجها أو عجزه أو فراقها عنه - حائرة مكبَّلة تحت رحمة وكرم هذا أو ذاك.
وما زلت أذكر صديقاً لي في الجامعة توفي والده فجأة، ونحن في السنة الثانية من كلية الطب، ولا أذكر أن استقرار حياته قد تأثر؛ لأن والدته كانت مُعدةً بطريقة جيدة لهذا اليوم.
وواصل صاحبي دراسته؛ وهو الآن أحد الجراحين المهرة، لم تكن أسرته ثرية, لكن والدته - بما تملك من شهادة وحكمة - استطاعت أن تواصل الكفاح؛ لتأمين لقمة العيش لأولادها، وقامت بهذا الدور خير قيام.(53/4)
قد يستاء البعض من أسلوب التفكير هذا، لكننا ما عهدنا النوائب إلا خبط عشواء، لا تقيم وزناً لهذا أو ذاك؛ ولذا دعوني أسأل كل زوج: هل عائلتك على استعداد لمواجهة ظروف العيش في هذه الدنيا عندما تمضي منها، لا سمح الله؟!.
وأشارك الأخت الكريمة برأيها في بعض الأزواج، وليس المتدينين؛ لأني قريب من عالمهم الغريب؛ حيث يتفنن بعضهم في وضع العقبات الكثيرة أمام طريق زوجته نحو طلب العلم, ولا يترددون في قول: "أنا تزوجت حتى أستريح"، ومنهم من يعتقد - جازماً - أن المرأة يجب ألا تتقن أي شيء، يجب أن تبقى جاهلة، وعاجزة عن تدبير شؤونها؛ حتى تبقى مطيعة مكسورة الجناح، فهم يرون أن الزواج قائم على حاجة الزوجة للزوج؛ فما دامت محتاجة إليه, فهي خاضعة له ومطيعة، وهذا فهم سقيم؛ لأن الزواج رابطة لها أهداف عليا، لا تتحقق إلا بوجود الطرفين معاً, يقوم كل منهما بمسؤولياته؛ لتحقيق ثمرة مشتركة، دون غمط حق أحد منهما.
دعونا نعترف أنها قضية حساسة ومعقدة، ومن الصعب الوصول إلى نتيجة نهائية مرضية، لكني أشعر بالارتياح يوماً بعد يوم، مع انتشار صور مختلفة للتعليم في بلادنا؛ فقد أصبح متاحاً للفتاة أن تختار بين التعليم المنتظم، أو الانتساب، أو بالحضور الجزئي، ولا شك أن هذا سيكون له أثره الإيجابي في الأيام القادمة، كما أن هذا أصبح ينطبق على العمل؛ إذ تعلم أن نسبة من الموظفين الآن يقومون بأعمالهم وهم في البيت وهذا في تزايد في العالم الغربي المتقدم, وعندنا هنا - بمشيئة الله - كل هذا سيمنحنا خيارات أوسع؛ للتغلب على المشكلة، التي طرحتها الأخت في حديثها.
والأهم هو حماستنا وإصرارنا على تعليم الفتاة، وتشجيعها للتقدم في مدارج العلم، مع الالتزام بآداب الدين وشرائعه، هذا هو الطريق الوحيد لمحاربة الجهل، ومقاومة رغبة المفسدين في إغواء المرأة، وإشغالها بصغائر الأمور.(53/5)
أعتذر عن الإطالة، وتقبل تحياتي العطرة، وشكراً لزيارتك لموقع (الألوكة) ولا تحرمنا من مشاركاتك وطرحك المتميز في هذا الموقع.(53/6)
العنوان: الصبر
رقم الاستشارة: 192
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
على صِغَر وقِلَّةِ حروف كلمة "صبر"، إلاَّ أننا في حاجة ماسَّة إلى هذه الكَلِمة، وكثيرًا ما تتأزَّم أمورُنا؛ بسبب جَهْلِنا بماهيَّتِها وأُصُولها، وأَجِدُ نفسي مِن أحْوَجِ الناسِ إليها، وكثيرًا ما تفشل أموري بسبب قِلَّة الصبر.
وطَلَبِي منكم أن تُحَدِّثونِي عَنِ "الصبر"، أُرِيدُ كلماتٍ أقرؤها مِرارًا وتَكْرارًا؛ لعلَّ ذِهْنِي يَسْتَشْرِبُها، وتَصِيرُ "سَجِيَّةً" فيَّ، رَعَاكُمُ الرحمن.
-----------------------------------------
الجواب:
بالرَّغْم مِن قِلَّة كلمات استشارَتِكَ، إلاَّ أن إجابتها لن تكونَ سَهْلةً، ومِنَ الصَّعْب اختصارها؛ بل هي أعمق، وتحتاج إلى بحثٍ لا كلماتٍ فحَسْبُ، فهي عامَّة جِدًّا!
كعادتِي أَسْتأنِسُ بالبحث في الشبكة عنِ المواضيع التي تُطْرَحُ عليَّ، فقُمْتُ بعمل بحثٍ سريعٍ لأجد الكثير مِن المواضيع الَّتي تتحدَّث عَنِ الصبر، وتستفيض بذِكْر أنواعه، وفَضْلِه، وقِصص عنه.
بالتَّأكيد ليس هذا ما تَسْعَى إليه؛ لأنَّكَ لو أرَدتَهُ لوجدتَهُ في كلِّ مكان، تقديرُكَ لهذه الصفة وأهميتها، واعترافكَ بتَقْصِيرك فيها -: شيءٌ جميل؛ فالصبر يُعِينُنا على:
- تَقَبُّل الصَّدَمات بإيمان وقوة لا تُؤثِّر على الصِّحَّةِ النفسية للفَرْد، ويُعِين على استكمالِ رسالتنا بالحياة.
- عدم استعجال النتائج، والإنجاز بدِقَّةٍ وإتقان أكثَرَ.
- الوصول للأهداف بثِقَة يحتاج صبرًا وقوة.
- الطاعات تحتاج صبرًا عليها أيضًا؛ لنشعر بِلذَّتها، ونصلَ إلى غايتها.
- التعامُل مع الناس يحتاج إلى الصبر؛ لنَصِلَ إلى قُلُوبهم، ونَفْهَمَهُم، ونصبِرَ على أذاهُم.
- الدراسة / العمل / التربية / الزواج / الـ..... كُلُّ شيء يحتاج إلى الصبرِ حقيقةً.(54/1)
فالصَّبْر يكون فيما نحب وبما نَكْرَه، ليصلَ بنا إلى غايتِنَا التي نَسْعَى إليها، ولنصلَ إلى الصبر حقيقةً لا يكفي أن نُدْرِكَ ماهيَّتَه، ولا يكفي أن نسمعَ قِصصًا عن أشخاص صبروا فظفروا، وكَمْ هي كثيرة على الشبكة وبين طَيَّات الكُتُب! لكنَّ الصَّبْرَ يحتاج إلى تَعَوُّدٍ وتربيةٍ للنفُوس؛ لينْعَكس على سُلُوكِنا!
فما نكتبه لكَ الآن وما تقرؤه، هي أفكارٌ لابُدَّ أن تُكَوِّنَ منها قناعةً؛ لتنعكسَ على سُلُوكِكَ، وتُلامِسَ مشاعِرَكَ؛ ليُصْبح وقتَهَا الصبرُ سَجِيَّةً فيكَ حقًّا.
ننصحك للتدرُّب على الصبر بالتالي:
- أن تَعْزِمَ على ذلك مِنَ اللحظةِ الَّتي تقرأ فيها هذا الرَّدَّ، وتستعينَ بالله، وتَثِقَ به.
- أن تَسْتخْرِجَ مِنَ السيرةِ، ومِنْ صفحات الكُتُب صَبْرَ الرسول - صلى الله عليه وسلم -على كل ما لاقَاهُ في حياته، وصبرَ الأنبياء - وهم أشدُّ الناس ابتلاءً - وصبرَ العلماء، وتمتلئُ السِّيَر بصفحات عن صبرهم، ذاك الصبر الذي يجعلنا نخجل مِن أنفسنا، ونشعر أننا لا نُجِيد رُبع هذا الخُلُق!
- لتَصِلَ إلى الصبر لا بُدَّ لك منْ إيمانٍ قوي وثقةٍ بالله؛ فجَدِّد إيمانك دومًا بمجالس الذِّكْر وأصحابِ الخير، وبِمُصاحَبة القرآن الذي يدعو للصبر بقوة.
- ترتبط آياتُ الصبر بالصلاة غالبًا: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]، فاحْرِص على الصلاة، وعلى أن تسعى للخُشُوع ما استطعتَ باستشعار مُلاقاة الله، والرجْعَة إليه.(54/2)
- يسعى مُتخصِّصُو تطويرِ الذات دَوْمًا إلى تَقْنِياتٍ؛ تُساعِد على الصبر، حيث يُساعِد على النجاح، وقَبْلَهُم بِقُرُون وَهَبَنا الله مِن الأدوات ما يُعينُ كُلَّ مسلم على الصبر؛ فالصيام مَدْرَسة للصبر؛ وكذلك الحَجُّ مدرسة لتربية النفوس، والابتعادِ عَنِ الجَدَل والرَّفَث والفُسُوق، والصلاةُ يجب أن تكونَ تعويدًا للنفس كذلك؛ لتكونَ - بِحَقٍّ - كَفَّارَةً بين الصلاة والصلاة، ولتَنْهَى عنِ الفحشاء والمُنْكَر؛ فَأَكْثِرْ منَ الصيام واسْتَشْعِر به، فهذا تدريبٌ للنَّفْس على الصبر والطاعة، وأكْثِرْ مِنَ الدُّعاء بصلاتِكَ أن يجعلَنا الله مِنَ الصابرين الصادقين.
- استشعارُكَ أجْرَ الصبر؛ حيث {يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، يجعلُكَ تَطْمَع فيه أكثرَ، وتُجاهِدُ لتصلَ إليه؛ حيث يدخلون الجنة بغير حساب؛ فما أَرْوَعَهُ مِن أجْر، مهما كان الكسر الذي يَدْعُونا إلى الصبر!
ختامًا: نُحَيِّي فيكَ حِرْصَكَ على التَّخَلُّق بالصبر، ونسأل اللهَ أن يرزُقَكَ به، ويُعينَكَ على نفسِكَ، وأن يجعلكَ اللهُ وإيانا ممن يدخلون الجنة بغير حساب.(54/3)
العنوان: الضحية ابني .. والجاني أخي!!
رقم الاستشارة: 188
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أرجو من الله العليّ القدير أن أجِدَ الحل عند المختصين، وسأكون شاكرة لكم!:
والله العظيم إنَّها مصيبة لا أستطيع تحمُّلَها وحدي، وأريد منكم الحلَّ؛ فهي تؤرّقُنِي ليلَ نَهار! أُحِسُّ كأنَّني بدأت أكره ابني (شعور غريب)، وأنظر إليه بكراهية! وأحيانًا أحزن عليه، وأقول: ما ذنبه؟! فهو ضحية، ولكن لأنّي صُدِمْت بِما رأيتُ، وبما عَلِمْت!
المشكلة
ما شاء الله عندي ولد عمره 6 سنوات ونصف، وبنت عمرها 3 سنوات ونصف، الولد حركاته من يوم كان عمره سنتين وعدة أشهر لا تعجبني؛ ينام على بطنه، ويُمسك عضوه! قلت: لأنه صغير يتعرف على أعضائه! وكَبِر وكَبُرَ هَمِّي معه، دائمًا أراقِبُه، ويوم صار عمره 6 سنوات قبل 6 شهور ألاحِظُه قَبْلَ أن ينامَ يَفْعَلُ حركاتٍ غريبةً، ويظل مُدَّة لا يفعلها، ويرجع إليها مرة ثانية، ومُؤخَّرًا سألتُه بأسلوب حلو، وشجعته، وحاولتُ معه؛ حتَّى قال لي: إنه خالك (يقصد خالي)، يمسك عضوه بقصد المُمازحة، قلتُ له: ومن بعد؟! قال: خالو (يقصد أخي، أصغر مني، عمره 22 سنة، تعرَّض للتحرش وهو صغير عمره 10 سنوات!)، قال: إنَّه يُمسِك مُؤَخَّرتِي ويُقَبِّلني دائمًا، وحاولتُ أن أعرِفَ أكثرَ من ذلك؛ لكنَّه لم يَرْضَ.
أُحِسُّ أنَّه مُرتبك وخائف، وإذا سألتُه ما يدري ماذا يقول!
والآن أنا في ورطة، ماذا أفعل؟؟! كيف أتصرَّف؟؟!(55/1)
ولدي ما عاد ينام إلا ويدُه تحت مؤخرته، ويجلس في الحمام يُمْسِكُ مُؤَخِّرَتَهُ، وأشياء ما أقدر أن أقولها! ويحاول أن يصرفني دائمًا؛ يعني يقول لي: أنا استحم وحدي، لا تدخلي معي، وهو من طبعه إذا دخل الحمام ما يغلقه؛ لكنه صار يقول لي: اذهبي أنا أجلس كثيرًا في الحمام، وأحيانًا آخُذ لي غفوة مدة عشر دقائق؛ لكن أقوم والولد واضح عليه أنَّه ما فعل شيئًا، وكان قريبًا منّي، ووضع يده قريبًا من وجهي (كان يلعب معي)؛ لكن أنا شممت رائحة كريهة في يده، وسألته، فحاول صرفي بإجابات واضح أنها كاذبة، وقلت: الأم تُحِسُّ وتعرف إذا كان ابنها يكذب أو لا، وقلت: أنتَ وضعتَ يدك في مؤخرتك؟! أنكرَ، لكن بعد ذلك قال: نعم؛ لكن كنتُ أمسكها من الخارج، وقلت له: إن فيها جراثيمَ، و.. و.. و.. و.. إلخ، واقتنع وأقلع عنها يومين، وكان كلَّ مُدَّةٍ يغسل يده، وبعد ذلك رجع مثل الأول، ويفكّر كثيرًا قبل أن ينام، وما ينام إلا بعد أن أنام؛ يعني أنام وأستيقظ وهو مستيقِظ، وأنام وأستيقظ وهو مستيقظ؛ مرة مُغَطًى بالبطانية، مرة يطالع في وجهي؛ وكأنَّه خائف أن أستيقظ وأراه!
قلتُ له: اللَّهُ يراكَ، وخوَّفْتُه، وأَرَيْتُه مُحاضراتِ الذي يعصي الله ماذا يُفعَل به! يجلس ذاك اليوم ما يفعل شيئًا، واليوم الثاني يرجع!
• أدخلته تحفيظ؛ حتى يتلهي بعض الشيء، حتى المدرسة ما سجلناه فيها من خوفنا عليه.
• ألاحِظُ على ولدي أنَّه متعلِّق بأخي، ويقلِّدُهُ في طريقة ترتيب شعره، في اختيار حذائه!
• أبوه ما أستطيع أن أقولَ له؛ لأنَّه عَصَبِيٌّ ومتهور، واللَّه مُمكن يذبح أخي!!
• وأمي مريضة عندها السكر، ماذا أقول لها؟؟ وحتَّى هي أبدًا لن تصدّق فيه شيئًا، تقول: أنتم ما تحبونه، وتَدْعُونَ عليه!!
• أبِي متوفَّى، وإخوتِي كل واحد مشغولٌ بنفسه.(55/2)
وأنا عمري ما أهملته أو تركته يذهب لأحد إلا وأنا معه؛ حتى عند أهلي، هي مرة واحدة، تركته يوم ذهبت لأَلِدَ أُخته، وكان عمره 3 سنوات؛ لأنه ما كان قُدَّامي أيّ حلٍّ آخر، وما جلست إلا يومًا واحدًا فقط!
ملاحظة: ولدي يموت على شيء اسمه (سوبرمان) - (سبايدرمان) - (قراند)؛ يجلس على البلايستيشن 2 أو 3 ساعات، وأحيانًا نَحرِمه أسابيع ما يشاهده، تغيَّرت طباعه، أصبح يكذب كثيرًا، ويحلف بالله على أتفه سبب وهو كاذب! أصبح يسرق فلوسًا من أبيه ومنّي، ويقول أُمسِكُها معي وبعد ذلك أعطيكم! يضرب أباه، ويتلفَّظ عليَّ أمام الناس، وهو أوَّلَ الأمر ما كان هكذا!
كلامي مرة متَخَبِّط، وما هو بالمُرتب، وما أدري ماذا أقول، اعذروني!!
كيف أتصرف معه؟
وكيف أتصرف مع أخي؟
إذا وافَقَ أبوه (طبعًا أقول له أي شي غير هذا الموضوع) وذهبت به إلى مختص؛ أُدخله معي أم لا؟!
اللَّهُمَّ يا ربَّ العالمين، يا حيُّ يا قيوم حقِّقْ لِكُلِّ مَن يَرُدُّ عليَّ أمنيَّاتِهِ، واجعلْ الفِرْدَوْسَ مقامه، وحرِّمه على النار يا رب!!
وجزاكم الله خيرًا مقدَّمًا، وأرجو سرعة الإجابة!!!
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة، مرحبًا بكِ في موقع الألوكة.
قرأتُ رسالتكِ باهتمام، وأعلم كم أنتِ متألمة لما يَحدُث، ولا ألومُكِ أبدًا؛ لكنَّ الخَبَرَ السارَّ هنا أنَّ الأطفال لديهم القابليَّةُ والمرونة للتغيُّر، وتجاوُز ذلك الحدث المؤلم في حياتهم، ولديهم القابلية لأنْ تتحسَّنَ سُلُوكِيَّاتُهم وتصرُّفاتهم مهما بلغ سُوؤها! لقد مَنَحَهُمُ الله - عز وجل - عقلاً مَرِنًا، قابلاً للتشكيل والتغْيِيرِ، وكلُّ وأهمُّ ما أريده منكِ أنْ تتحلَّيْ بالصبر والأَمَل؛ فالأمر ليس بهذه الخطورة كما تتصوَّرينها، وأرجو أن تُتابِعِي معي النقاط التالية:(55/3)
أولاً: يجب منْعُ أيِّ اتّصال بين ابنِكِ وأخيكِ؛ وأَقْصِدُ أيَّ خَلْوَةٍ بَينَهُما مَهْما كان الثَّمن، يجب ألا تتكرَّر عمليَّة التحرُّشِ الجنسيِّ هذه مرَّةً أُخْرى مهما كان الثمن، إنَّ آثار التحرُّش الجِنسيِّ على الطفل كبيرةٌ؛ ولذا يجب منعُه بِكُل وسيلة.
ثانيًا: بعضُ السُّلوكيَّات التي ذكَرْتِها لدى طِفْلِك ليس لها علاقةٌ بِالضَّرورة بموضوع التحرُّشِ الجنسيِّ؛ فهي شائعة، وقد تصيب أيَّ طفل، والمهمُّ هنا أن نتعامَل معها بطريقة صحيحة.
تذكَّري أنَّ أيَّ سلوك نعطيه اهتمامنا فنحن بذلك نُعَزِّزُهُ، وأيُّ سلوك نُهْمِلُهُ ولا نُعلِّق عليه فنحن نُعَرِّضُهُ للنسيان، ما يحدُث مع كثيرٍ مِن الآباء هو أنَّهم يثورون عندما يقوم الطفل بسلوك سلْبِي؛ حِرصًا منهم على تجنُّبه، والحقيقة أنَّهم بذلك يُعَزِّزُون هذا السلوكَ؛ إذ يقول الطفل لنفسه: "لقد عَرَفْتُ الطريقةَ المُمْتازة لِجَذب انتباههم، هي القيام بالسلوك السلبيِّ". ما أريده منك هو أن تُخْبِريه بصورةٍ واضحة أنَّ هذا السلوك غير مقبول أبدًا، وعندما يقوم به أَهْمِلِيهِ وكأنَّكِ لا تَرَيْنَهُ، وعندما يَمتنع عنه - ولو لنصف ساعة - فالتَفِتِي إليه، وقولِي له: "أوه حبيبي ما يفعل شيئًا سيئًا"، وضميه إلى صدرك، وأعطيه مكافأة (حلاوة أو غير ذلك).(55/4)
ثالثًا: هناك نوعٌ آخَرُ من السلوكيات الذي يحتاج إلى طريقة أخرى من التعزيز، وهي السلوكيات المقصودة؛ كالسرقة، والكذب وغيرها، وهنا لا بُد أن نستخدم طريقة وضع الحدود والقوانين؛ وأقصِدُ هنا أن يُوضَّح للطفل في جِلْسَةٍ هادئة أن قيامه بسُلُوكٍ ما (ويجب تحديده بدِقَّةٍ) سوف يُسبب له حرمانًا من شيء محبوب له، يجب أن تكون الحدود واضحة، والعقوبة واضحة، ويجب أن تُنَفِّذِيها كما وعدتِ دون تردُّدٍ، وفي المقابل لو حقَّقَ أَمْرًا مرغوبًا فيه، فلا بُد أن تَضَعِي له مكافأةً لا يَنالُها إلا بتحقيق هذا الأمر، إنَّ الاستخدام الصحيح لأسلوب الثواب والعقاب سيحقِّق تغييرًا مدهشًا في سلوك طفلك.
رابعًا: أنا ضد الحرمان والسماح باللعب بالألعاب الإلكترونية بوضعٍ متقلِّبٍ؛ أي مسموح أحيانًا، وممنوعٌ أحيانًا أخرى، والصحيح أن نضع حدودًا واضحة، ومتَّفَقًا عليها بينَكِ وبين ابنِكِ حول اللعب؛ فمثلاً: أن تسمحي له باللَّعِبِ مدَّةَ ساعتين في أيام العطلات أو غير ذلك؛ بشرط أن يكون معقولاً وواضحًا، كما يمكن استخدام اللعب هذا كطريقة للثواب، كما شرحت في الخطوة السابقة.
ختامًا: لو وجدتِ أن هذه الوسائل لم تحقق الغرض المطلوب؛ فأرجو عَرْضَهُ على طبيب نفسيٍّ متخصِّصٍ بشؤون الأطفال؛ حتَّى يتمَّ تَقْوِيمُهُ بالوضع الصحيح والمطلوب.
تذكَّري سيِّدَتِي أنَّ هُناك العديدَ من الأطفال الذين مرُّوا بِمثْلِ ما يَمُرُّ به طِفْلُكِ، وهم الآن رجالٌ صالحون ومُصْلِحون، والسبب هو الدعم والتربية التي تَلَقَّوْها من آبائهم؛ للتغلب على هذه الصعوبات.
إن مهمتك ساميةٌ، وليستْ سهلة؛ لكن الأجر الذي ستنالينه من الله - عز وجل - كبير إن شاء الله!
لك التحية وأهلاً بك في موقع "الألوكة".(55/5)
العنوان: الظهر أم العصر؟
رقم الاستشارة: 10
المستشار: د. سعد بن عبدالله الحميد
-----------------------------------------
السؤال:
كنت في جلسة علمية لبعض المشايخ يتحدثون فيها عن أدب الاختلاف في الإسلام.
فاستشهد أحدهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة).
فعلق أحد المشايخ أن الصواب: (لا يصلين أحد الظهر) ، وأن لفظة (العصر) خطأ من الإمام البخاري، وكل من روى الحديث يقول الظهر.
ولكن الآخرين رفضوا قوله، ووقع اختلاف شديد في هذا. فما الصواب في الموضوع وشكرا؟
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد :
فحديث: « لا يُصَلِّيَنَّ أحد العصر إلاَّ في بني قريظة » الذي جرى السؤال عنه: مداره على جويرية بن أسماء الضُّبَعي، يرويه عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
ورواه عن جويرية راويان: أحدهما: مالك بن إسماعيل النَّهدي، وروايته أخرجها ابن سعد في "الطبقات" (2/76)، وابن حبان في "صحيحه" (1462)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (4/6)، ووقع عندهم: «الظهر» بدل «العصر».
والراوي الثاني عن جويرية هو: عبد الله بن محمد بن أسماء، ورواه عنه البخاري في "صحيحه" (946 و4119)، وهو الذي وقع عنده: « لا يصلين أحد العصر » .
ورواه مسلم في "صحيحه" (1770) عن عبد الله بن محمد بن أسماء هذا بلفظ: « لا يصلين أحد الظهر » .
وقد رواه أيضًا أبو يعلى في "معجم شيوخه" (209)، عن عبد الله بن محمد بن أسماء مثل رواية مسلم: « لا يصلين أحد الظهر » .
ومن طريق أبي يعلى رواه ابن حبان في "صحيحه" (4719)، والبيهقي في "الدلائل" (4/6-7)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (1/480).
وكذا أخرجه البيهقي في "سننه" (10/119) من طريق إبراهيم بن هاشم البغوي، عن عبد الله بن محمد بن أسماء، به مثل رواية مسلم وأبي يعلى.(56/1)
وقد أشار البيهقي لهذا الاختلاف في "الدلائل" (4/7)، ولم يرجِّح، ونقل عن الإسماعيلي مايشعر باستغرابه للفظة الظهر.
وأخرجه أبو عوانة في "مسنده" (4/264)، فقال: « حدثنا أبو المثنى معاذ بن المثنى العنبري وأبو الأحوص صاحبنا، قالا: ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء... »، فذكره، ثم قال: « قال أحدهما: "العصر" بدل "الظهر" »، يعني أن أحد شيخيه تابع البخاري في ذكر العصر، والآخر تابع مسلمًا وأبا يعلى والبغوي في ذكر الظهر .(56/2)
وذكر الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (7/408) أن أبا نعيم الأصبهاني رواه في "المستخرج" من طريق أبي حفص السُّلمي، عن جويرية، وقال فيه: «العصر» أيضًا، ويحسن هنا نقل كلامه (أعني ابن حجر) فهو أحسن من رأيته تكلَّم على هذا الخلاف؛ حيث قال: « قوله: (لا يصلين أحد العصر ): كذا وقع في جميع النسخ عند البخاري، ووقع في جميع النسخ عند مسلم: (الظهر) مع اتفاق البخاري ومسلم على روايته عن شيخ واحد بإسناد واحد، وقد وافق مسلمًا أبو يعلى وآخرون، وكذلك أخرجه ابن سعد عن أبي عتبان مالك بن إسماعيل، عن جويرية بلفظ: (الظهر)، وابن حبان من طريق أبي عتبان كذلك، ولم أره من رواية جويرية إلا بلفظ: (الظهر)، غير أن أبا نعيم في "المستخرج" أخرجه من طريق أبي حفص السلمي، عن جويرية فقال: (العصر)، وأما أصحاب المغازي فاتفقوا على أنها العصر ، .... وكذلك أخرجه الطبراني والبيهقي في "الدلائل" بإسناد صحيح إلى الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن عمه عبيد الله بن كعب: ( ... فعزم على الناس أن لا يصلوا العصر حتى يأتوا بني قريظة) وأخرجه الطبراني من هذا الوجه موصولاً بذكر كعب بن مالك فيه، وللبيهقي من طريق القاسم بن محمد، عن عائشة- رضي الله عنها- نحوه مطولاً، وفيه: (فصلت طائفة إيمانا واحتسابا وتركت طائفة إيمانًا واحتسابًا)، وهذا كله يؤيد رواية البخاري في أنها العصر. وقد جمع بعض العلماء بين الروايتين باحتمال أن يكون بعضهم قَبْلَ الأمر كان صلى الظهر، وبعضهم لم يصلها، فقيل لمن لم يصلها: (لا يصلين أحد الظهر) ولمن صلاها: (لا يصلين أحد العصر) . وجمع بعضهم باحتمال أن تكون طائفة منهم راحت بعد طائفة، فقيل للطائفة الأولى: (الظهر) وقيل للطائفة التي بعدها: (العصر)، وكلاهما جمع لا بأس به، لكن يبعده اتحاد مخرج الحديث؛ لأنه عند الشيخين كما بيناه بإسناد واحد من مبدئه إلى منتهاه، فيبعد أن يكون كلٌّ من رجال إسناده قد حدث به على(56/3)
الوجهين، إذ لو كان كذلك لحمله واحد منهم عن بعض رواته على الوجهين ولم يوجد ذلك. ثم تأكد عندي أن الاختلاف في اللفظ المذكور من حفظ بعض رواته، فإن سياق البخاري وحده مخالف لسياق كلِّ من رواه عن عبد الله بن محمد بن أسماء، وعن عمه جويرية، ولفظ البخاري: (قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم : لا نصلي حتى نأتيها . وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك . فذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنف واحدًا منهم)، ولفظ مسلم وسائر من رواه: (نادى فينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم انصرف عن الأحزاب ألا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة، فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة، وقال آخرون : لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن فاتنا الوقت، قال فما عنف واحداً من الفريقين). فالذي يظهر من تغاير اللفظين أن عبد الله بن محمد بن أسماء شيخ الشيخين فيه لما حدث به البخاري حدث به على هذا اللفظ، ولما حدث به الباقين حدثهم به على اللفظ الأخير وهو اللفظ الذي حدث به جويرية، بدليل موافقة أبي عتبان له عليه، بخلاف اللفظ الذي حدث به البخاري، أو أن البخاري كتبه من حفظه ولم يراع اللفظ كما عرف من مذهبه في تجويز ذلك، بخلاف مسلم فإنه يحافظ على اللفظ كثيراً، وإنما لم يجوز عكسه لموافقة من وافق مسلمًا على لفظه بخلاف البخاري، لكن موافقة أبي حفص السلمي له تؤيد الاحتمال الأول، وهذا كله من حيث حديث ابن عمر، أما بالنظر إلى حديث غيره فالاحتمالان المتقدمان في كونه قال الظهر لطائفة والعصر لطائفة متجه فيحتمل أن تكون رواية الظهر هي التي سمعها ابن عمر، ورواية العصر هي التي سمعها كعب بن مالك وعائشة - رضي الله عنها - والله أعلم » . اهـ.
وهذا الذي ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله كلام قوي يوضح هذا الاختلاف، والله أعلم.(56/4)
العنوان: الفرق بين الغاية والهدف
رقم الاستشارة: 137
المستشار: سليمان أبو عيسى
-----------------------------------------
السؤال:
ما الفرق بين الهدف والغاية على المستوى الاستراتيجي؟
-----------------------------------------
الجواب:
لكل إنسان هدف في الحياة.. ولا بد أن يكون له غاية.
فالهدف هو الطريق أو الجسر الذي نحقق من خلاله غايتنا؛ فمثلاً النجاح في الدراسة أو في العمل هدف عظيم، ولكن ماذا بعد ذلك، لابد من هدف أساسي نسعى إليه.
والغاية مرتبطة بأعظم ما يتمناه الفرد والهدف مرتبط مؤقتًا بما يريده الفرد.
وبذلك نجد كثيرًا من الناس له هدف وليس له غاية.
الغاية يُعَرِّفُها المختصون في علم الإدارة بأنها كل ما يمكن أن نعتبره مبدأً ساميًا عامًّا، بعيد المدى, تحدد فيها النوعية, ويمكن الوصول لدرجات منها وليس كلها.
ويعرفون الهدف بأنه إجراء ملموس قابل للقياس, يحدد كمية, متغيّر, ويمكن تحقيقه كاملاً. وهو رغبة صادقة ضمن إمكانياتك مكتوبة محددة بوقت مجزأة بمهام تنتظر تحقيقها.
فالغاية هي الدافع والمحرك الأول لأي إنسان، أي أنها بمثابة المهمة الكبرى أو الرؤية التي من خلالها سيضع الإنسان أهدافه الخاصة، ويسعى لتحقيقها.
لكن عندما ننظر إلى الفكر الإسلامي فإننا نجد بعض الصعوبات في تحديد الفروق بين الهدف والغاية، ولم تَظْهَرْ أيَّةُ دراسات متعمقة تحدد العلاقة بين البرمجة الزمنية والأهداف والغايات؛ ففي حالات كثيرة كلما ذُكر الهدف انصرف المعنى إلى الغاية.(57/1)
ولكن في كل الحالات يؤكد الفكر الإسلامي على أن حياة الإنسان لها غاية، يجب أن يبرمج وقته على أساسها؛ فهناك ضروريات وحاجات حياتية تتطلب الكدح والعمل من أجل تحقيقها، وفي الوقت ذاته هناك واجبات دينية تعبدية روحية يجب مراعاتها أثناء البرمجة الزمنية، فالمسلم مطالب بالصلاة في أوقاتها، ومطالب بالاهتمام بالأسرة، ومطالب بالتكافل الاجتماعي لا بالعزلة والحياة الفردية الأنانية.
ويمتاز الفكر الإسلامي - على خلاف الفكر الغربي - بالقوة في الغايات، فالذي وضع الغايات للإنسان هو الله – عز وجل - خالق الإنسان، وليس الإنسان نفسه، وبذلك تصبح الغاية هي المقصد النهائي للمسلم في حياته، فكل أهدافه وأغراضه وآماله وأعماله ومشاعره تتجه نحو تحقيق الغاية وهي مرضاة الله سبحانه وتعالى ونيل الثواب في الدار الآخرة.
ونلاحظ - عند رصد النتائج - أن الفكر الغربي قد اهتم بتحديد الأهداف في البرمجة الزمنية، وازدادت الدراسات التي تهتم بها، وتحولت تلك الدراسات - المتعلقة بالبرمجة - إلى فن يُدرس وإلى طرق للتدريب.
أما في الفكر الإسلامي فلم يهتم بالأهداف كمنحى فكري في البرمجة الزمنية، وكثيرًا ما خلط الدارسون بينها وبين الغايات، كذلك ابتعدت الأهداف - في الفكر الإسلامي - عن التوجه العملي التدريبي التربوي، فبقيت مجرد كتابات عامة، وتخمينات في بعض الأحيان.. والخلاصة أن قوة الفكر الغربي - في البرمجة الزمنية - تكمن في الأهداف، وضعفه يبرز في الغايات، أما الفكر الإسلامي فقوته في الغايات، أما ضعفه فيتمثل في الأهداف.(57/2)
ونظرًا لكثرة المهامّ والأعمال في حياة الإنسان الغربي، فقد اكتشف طريقة عملية للتعامل مع تلك المشكلة، فَصَوَّبَ فكره نحو فن ترتيب الأولويات، ومارس ذلك الفن من خلال البرمجة الزمنية، وأصبح علم الإدارة يعطي أهمية خاصة لمعرفة الأولويات ومنها ترتيب الأمور حسب أهميتها وعندها يتعين وضع قائمة بالأعمال المطلوب إنجازها حسب مدة زمنية محددة يومية أو أسبوعية أو شهرية أو سنوية وهكذا.
وأكدت الدراسات والممارسة العملية أن معرفة الأولويات أكثر أهمية من الأهداف المجردة، فمن السهل تحديد الأهداف العامة أو الاتفاق عليها، ولكن من الصعب صياغة هذه الأهداف حسب أولوياتها، والعمل وفق هذه الأولويات.
وتزداد الصعوبة في تحديد تلك الأولويات كلما تعقدت الحياة، وعاش الإنسان على غير نظام بل الإنسان كثيرًا ما تشده الملذات والمتع وتصبح هي من أولوياته وإن كانت على حساب أهداف أو غايات أهم من اللذات.
وفي الغرب هناك من يجد متعته في العمل حتى يصبح مدمنًا ولا يشعر بخطورة ذلك حتى يسقط بنوبة قلبية أثناء العمل،هذا عن الناحية الإدارية.
أما الناحية العسكرية فالهدف هو تحقيق:
مكاسب عسكرية؛ مثل: الظفر على العدو أو الصمود في مواجهته أو تحرير أرض أو رهائن أو غير ذلك.
أو مكاسب اقتصادية؛ مثل: الحصول على النفط أو الذهب أو غير ذلك من ثروات.
أو مكاسب ثقافية؛ مثل نشر مبادئها، أو القضاء على مبادئ مخالفة لها.
أما الغاية فهي ما ترمي إليه الدولة التي تشن الحرب من فرض سيادتها وسيطرتها وتحقيق الأمن لها.(57/3)
العنوان: الفرق بين تخريج الحديث وتخريج الرواية التفسيرية
رقم الاستشارة: 160
المستشار: أ. خالد بن مصطفى الشوربجي
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم، أرجو من حضراتكم إفادتي في أسرع وقت ببيان الفرق بين تخريج الحديث وتخريج الرواية التفسيرية، والحكم على كلٍّ منهما, مع بيان طريقة ذلك بالشرح والتوضيح؛ وذلك لعدم معرفتي بها على الرغم من حاجتي إليها في رسالتي.
وجزيتم خيرًا .
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن الفارق بين تخريج الحديث - إذا كان في الأحكام أو غيرها - وبين تخريج الرواية التفسيرية عند أهل الشأن -: أن التَّحَرِّي في أسانيد التفسير ليس هو الطريقة المتبعة في منهج المحدثين، بخلاف أحاديث الأحكام - الحلال والحرام - والمرفوعات وغيرها، بل لقد نصُّوا على قبُول الروايات التفسيرية على ما فيها من ضعف، وعَمَلُ المحدثين والمفسرين على هذا.
ومن أمثلة ذلك تفسير الإمام أبي جعفر الطبري؛ حيث لا تجد عنده نقدَ أسانيد مرويات التفسير إلا نادرًا؛ لأن هذه الروايات مما تلقاه العلماء بِالْقَبُولِ، وعملوا بها في فَهم كلام الله، ولا يُعترَض عليها إلا في حالة وقوع نكارة، تدعو إلى تَحَرِّي الإسناد.
قال يحي بن سعيد - يعني القَطَّان -: "تساهلوا في التفسير عن قوم لا يوثقونهم في الحديث، ثم ذَكَر لَيْث بْن أَبِى سُلَيْمٍ وجُوَيْبِر بْن سَعِيدٍ والضَّحَّاك"[1].
محمد بن السائب - يعني الكلبي – وقال: "هؤلاء [لا] يُحمد حديثهم ويُكتب"[2].
قال عبد الرحمن بن مَهدي: "إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال تساهلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام تشدَّدنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال"[3].(58/1)
وإنما تساهلوا في أخذ التفسير عنهم؛ لأن تفسيرهم تشهد به لغات العرب.
قال الخطيب البَغدادي - في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" ج2/ص194 -:
"إلا أن العلماء قد احتجُّوا في التفسير بقوم لم يحتجوا بهم في مُسند الأحاديث المُتَعَلِّقَةِ بالأحكام؛ وذلك لسوء حفظهم الحديث، وشغلهم بالتفسير؛ فهم بمثابة عاصِم بن أبي النَّجود حيث احتُجَّ به في القراءات دون الأحاديث المُسْنَدَات؛ لغَلَبَة عِلم القُرآن عليه؛ فصرف عنايته إليه".
وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" ج2/ص161 -: "قال أبو قدامة السَّرْخَسي: قال يحيى القطان: تساهلوا في أخذ التفسير عن القوم لا تولعوهم في الحديث ثم ذكر لَيْثَ بن أبي سُلَيْم وجُوَيْبِر والضَّحَّاك ومحمد بن السَّائِب وقال: هؤلاء لا يُحْمَد حديثهم، ويكتب التفسير عنهم".
وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب" ج2/ص106-: "وقال أبو طالب عن أحمد: ما كان عن الضحاك فهو أيسر، وما كان يُسْنَد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مُنْكَر. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: كان وَكِيع إذا أتى على حديث جُوَيْبِر قال: سفيان عن رجل لا يسميه؛ استضعافًا. وقال الدُّورِي وغيره عن ابن معين: ليس بشيء. زاد الدُّورِي: ضعيف ما أقربه من جابر الجُعْفِي وعُبَيْدَة الضَّبِّي. وقال عبد الله بن علي بن المَدِيني: سألتُه - يعني أباه - عن جُوَيْبِر؛ فضعفه جدًا. قال: وسمعت أبي يقول: جُوَيْبِر أكثر على الضَّحَّاك، روى عنه أشياءَ مَنَاكير. وذكره يعقوب بن سفيان في باب "من يرغب عن الرواية عنهم". وقال الآجُرِّي عن أبي داود: جُوَيْبِر على ضعفه. وقال النَّسائي وعليُّ بن الجُنَيد والدارقطني: متروك. وقال النسائي في موضعٍ آخر: ليس بثقة. وقال بن عَدِي: والضعف على حديثه ورواياته بَيِّنٌ.(58/2)
قلت: وقال أحمد بن سَيَّار المروَزِي: جُوَيْبِر بن سعيد كان من أهل بَلْخ وهو صاحب الضحاك، وله رواية ومعرفة بأيام الناس، وحاله حسن في التفسير، وهو لَيِّن في الرواية".
وقال في "البدر المنير" ج4/ص442: "وقال يحيى بن سعيد القطان: الضحاك عندنا ضعيف. وقال مَرَّةً أُخرى: تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثقوهم في الحديث، ثم ذكر ليثَ بن أبي سُلَيم وجُويبِرًا والضحاك ومحمد بن السائب، وقال: هؤلاء لا يُحْمَد حَدِيثُهُم، ويُكْتَبُ التَّفسير عنهم"،، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
[1] "دلائل النبوة" ج1/ص36.
[2] "دلائل النبوة" ج1/ص37.
[3] "دلائل النبوة" ج1/ص43.(58/3)
العنوان: الكسل عند المذاكرة
رقم الاستشارة: 215
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله،
مشكلتي أني إذا أردت المذاكرة، وواجهت أي صعوبة في الفهم، ووجدت أن الموضوع يحتاج إلى تركيز كبير -: يغلبني النعاس، وأشعر بأنه أصابني خمول وفتور، فأضطر إلى أن أرمي بالكتاب؛ فهل هناك أدوية أو نشاطات أو أي شيء أعمله لتَجَنُّب هذه المشكلة؟
جزاكم الله كل خيرٍ.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم.. مرحبًا بك دائمًا في موقع (الألوكة)، وشكرًا لثقتك الغالية..
أفهم تمامًا كم هو مزعج هذا الأمر، وهي مشكلة شائعة بين الطلاب الجُدُد..
لا أعلم أن هناك أدوية مثبتة الفعالية لتحسين مستوى التركيز لمن لا يعاني مرض تشتت التركيز - وهو مرض نادر يترافق مع الشخص منذ طفولته - ولكن هناك العديد من الفعاليات التي تمكنك من تحسين التركيز وزيادة المثابرة، وهي أكثر نفعًا وفائدة:
ومن ذلك وضع أهداف معينة وملهمة لك أنت من وراء هذه الدراسة.. يجب أن يكون واضحًا لك وبكل التفاصيل ما الذي ستجنيه من خير من وراء هذه الدراسة.. إنها جزء من أحلام اليقظة التي تلهمنا وتشد من عزيمتنا.. هذه الأحلام والتصورات يجب أن تكون واضحة وعلى شكل صور ومشاعر وألوان وهكذا..
ومن الوسائل المساعدة أيضًا: أن تبحث في سِيَر المعاصرين في مجال تخصصك من الذين حققوا نجاحًا باهرًا، وأن تقتدي بهم، وتجعل من سِيَرِهم وقصصهم مَلْهَمَةً لك وطريقة لشد الهمة وشحذ العزيمة.
أنصحك أيضًا بقراءة الكتاب الشهير "العادات السبع لأكثر الناس فعالية" للمؤلف ستيفن كوفي، وقراءة مقال كنت قد نشرته في هذا الموقع بعنوان: "أربع تقنيات نفسية فعالة" على الرابط التالي: ALUKAH.NET.(59/1)
كما أنصحك - سيدي الكريم - بأن تراجع مركز مصادر التعليم Learning Resources Center في جامعتك؛ وسيمدونك بالعديد من النصائح الشائعة، التي تساعد على تحسين مستوى دراستك، كما يمكن زيارة مواقع على الشبكة العالمية؛ وستجد مرادك بمشيئة الله.
أتمنى أن أكون قد قدمت لك ما يفيد.. تَقَبَّل تحياتي، ومرحبًا بك دومًا في موقع (الألوكة).(59/2)
العنوان: المذاهب الفقهية
رقم الاستشارة: 9
المستشار: لجنة الإفتاء بالموقع
-----------------------------------------
السؤال:
نفع الله بكم . .
هل يتحتمُ على طالب العلم دراسة المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة جميعها؟
وهل يلزم العاميُّ نفسه بمذهبٍ فقهي معين ؟
وجزاكم الله عنا خيراً .
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله والصلاة، والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى تعبدنا بكتابه العزيز،وبسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعلينا أن نفهم النصوص الشرعية بفهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأتباعهم من العلماء المجتهدين المعتبرين ومن هؤلاء الأئمة المشهود لهم بالصدق والعدالة والإمامة في الدين والعلم والفضل والخير والصلاح؛ الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب الفقهية (الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد) رحم الله الجميع، وكل هؤلاء متبعون للنصوص الشرعية، وكان حرصهم وتعليمهم ونشرهم إنما هو للعلم الشرعي الصحيح، وكلهم على الطريق الصحيح، وكلهم متبعون للنبي صلى الله عليه وسلم، حريصون على ذلك، أما الخطأ فهو واقع والمعصوم منه من عصمه الله؛ وهذا لا يقدح في علمهم وعدالتهم، فكلهم يطلب الحق وينشره، وإذا أراد السائل أن يتبع إماما منهم يكون على مذهبه على سبيل الترقي في العلم والبداية بصغار العلوم قبل كبارها فيوافقه فيما قام عليه الدليل الصحيح الصريح فإن هذا هو المطلوب، ولكن لا يتعصب لأحد، ولا يجوز أن يعتقد وجوب اتباع أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يقول، والعامي الذي لا يعرف النظر في الأدلة والموازنة يقلد من يثق بدينه وعلمه من العلماء ويعمل بفتواه .(60/1)
وعلى ما سبق نقول: من يستطيع الوصول إلى القول الراجح في المسائل بأدلتها فلا يتحتم عليه دراسة أي مذهب من المذاهب الأربعة كما كان الصحابة، ولا يجوز له التقليد إلاَّ إذا ضاق عليه وقت بحث مسألةٍ بعينها فهو في حكم العامي في هذه المسألة، أمَّا العامي الذي لا يستطيع الوصول إلى الأدلة، ولا يتمكن من فهمها على الطريقة المتبعة عند أهل العلم ، ففرضه التقليد، وسؤال أهل العلم، قال تعالى: (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) (سورة الأنبياء، الآية:7)
* ولا بأس بتعلّم الفقه على مذهب من المذاهب الأربعة بشرط أن يتّبع الدليل إذا تبيّن له أنّ المذهب مخالف للدليل في مسألة ما من المسائل؛ لأن طاعة الله ورسوله مقدّمة على طاعة كلّ أحد وكذلك أن يتأدّب مع المدارس الفقهية الأخرى ولا يحمله التعصّب لمذهبه على مخاصمتهم بل يجعل الحقّ رائده ويحترم أقوال العلماء واجتهاداتهم وتكون طريقته المباحثة بالأدب للوصول إلى الحقّ والمناصحة بالحسنى للمخالفين إذا تبيّن له أنهم على خطأ .
* ولا يجب على الناس أن يقلدوا أحدا، ومن قال: إنه يجب تقليد الأئمة الأربعة فقد غلط، إذْ لا يجب تقليدهم، ولكن يستعان بكلامهم وكلام غيرهم من أئمة العلم، وينظر في كتبهم رحمهم الله، وما ذكروا من أدلة، ويستفيد من ذلك طالب العلم الموفق، أما القاصر فإنه ليس أهلا لأن يجتهد، وإنما عليه أن يسأل أهل الفقه، ويتفقه في الدين، ويعمل بما يرشدونه إليه، حتى يتأهل ويفهم الطريق التي سلكها العلماء، ويعرف الأحاديث الصحيحة والضعيفة، والوسائل لذلك في مصطلح الحديث، ومعرفة أصول الفقه، وما قرره العلماء في ذلك، حتى يستفيد من هذه الأشياء، ويستطيع الترجيح فيما تنازع فيه الناس.
* وعلى طالب العلم أن يسعى بالهمة العالية في طلب العلم، ويجتهد ويتبصّر، ويسلك مسالك أهل العلم.(60/2)
فهذه هي طرق العلم في دراسة الحديث وأصوله، والفقه وأصوله، واللغة العربية وقواعدها، والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي.
فيستعين بهذه الأمور على ترجيح الراجح في مسائل الخلاف، مع الترحم على أهل العلم، ومع السير على منهجهم الطيب، والاستعانة بكلامهم وكتبهم الطيبة، وما أوضحوه من أدلة وبراهين في تأييد ما ذهبوا إليه، وتزييف ما ردوه.
وبذلك يوفق طالب العلم لمعرفة الحق إذا أخلص لله، وبذل وسعه في طلب الحق، ولم يتكبر. مجموع فتاوى ابن باز 7/233-235.
* أما الطريق إلى نيل العلم فهي تقوى الله ومراقبته في السرِّ والعلن ، ثم الأخذ عن العلماء الموثوقين في علمهم ودينهم، والبداية بحفظ القرآن، ثم المختصرات من السنة، ثم المختصرات من سائر علوم الآلة. والله أعلم.(60/3)
العنوان: المُعالج بالقُرآن يقول: جِن؟ وأنتم يا عُلماء النفس: ماذا تقولون؟!
رقم الاستشارة: 170
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أسْعَدَكُم اللهُ في دينكم ودُنْيَاكم، وأرجو قراءة الموضوع كاملاً، وفَهْمَه، ودراسة حالتِي دِراسة عِلْمية؛ كما أرجو الإجابة الوَافية عليها، جعله الله في ميزان حسناتكم - اللهم آمين - كما أرجو أن تلتمسوا لي العُذْر إن أطَلْتُ في الموضوع، فأنا أريد أن أشرحَ القِصَّة مُفَصَّلَة؛ لتفهموا الوَضْع جيدًا.
عُمْري 21 سنة، وقد عانَيْتُ كثيرًا - فلله الحمد، والشكر على كل حال - وكلي أمل في الله أن يشفيني.
قصتي بالتفصيل: قبل سنتين تقريبًا، استَخْدَمْتُ (الكابتجون)، وكانت هذه المرة الرابعة مِن استِخْدَامي له، فأخَذْتُ تقريبًا نصف حبة، فلم أشْعُر بالشُّعور الذي كنتُ أشعر به مُسْبقًا؛ بل أحسستُ بضِيقٍ شديدٍ، فذَهَبْتُ وزدتُ الجُرْعَة، فأحْسَسْتُ بخَفَقَان شديد في القلب، مع سرعة في التنفس، فشعرت بأنها نَوْبَةُ الموت، وأنني سوف أموت، فذهَبْتُ إلى الطبيب، فقال لي: هو القولون العصبي، وأعْطَاني حُبوبًا للقَوْلُون العصبي.
مضتِ الحالة، فكنت كلما ذهبْتُ إلى مكان بعيد، أشعر أن النوبة ستعود إليَّ مرة أخرى، كما أشعر بالخَوْف، وأشعر بأَلَم شديد بالمنطقة اليُسْرَى من البطن، وثِقَل في الصدر، فحاولْتُ الذهاب إلى شيخ يقرأ عليّ، فلم أجد شيخًا.
مَرَّت عدَّة شهور وقدِ اختفى التعب، وبعدها ذهَبْتُ فأخَذْتُ حُبوبَ (الكابتجون) - وأنا قلِق جدًّا، وخائف أن تعود تلك النوبة إليَّ مرة أخرى - وبعد أخْذِها كنتُ كثيرَ التَّردُّد على المستشفى؛ لأنني كنتُ خائفًا جدًّا من أمراض القلب؛ فلله الحمد والشكر تركْتُ هذه الحبوب، فكلما عاودتُ لاستخدامها أخاف أن يحدثَ لي مثل ما حَدَث سابقًا.(61/1)
المهم: أنَّني تركْتُ الحبوب، وعشْتُ حياتي طبيعيًّا، ولا أعاني من أي شيء، فمَرّ عليَّ عام ونصف تقريبًا، أو عامان. وقبل عام - على ما أذكر - أتاني ضيق بالتنفس - عِلْمًا بأنني مُهْتم جدًّا بالمدرسة؛ لأنها آخر سنة لي (الصف الثالث الثانوي) - فاستمرَّ ضيق التنفس مع ضيق الصدر لمدة أسبوع أو أكثر؛ بعدها أصابني خوفٌ من الأمراض، فكل يوم في المستشفى أسال عن سبب هذا الضيق، وهذا التعب؟
فالبعض يقول: هذا بسبب القولون، والبعض يقول: بسبب الدخان، ولا أعرف؟!
وفي يومٍ أتيتُ من المدرسة، وأنا أشعر بتعب نفسي، فأتَيْتُ البيت، ودخلت موقع البحث الشهير GOOGLE) )، وكتَبْتُ في البحث (الخوف من الأمراض)، فوجدت رُقْية شرعية تُعالِجُ هذا المرض، فوضَعْتُ يدي على قلبي وبَدَأْتُ أقرأ فأحْسَسْتُ بضيقٍ شديدٍ في الصدر، فخرجْتُ من البيت أبحثُ عن شيخ يَقْرَأ عليّ، فذهبْتُ إلى شيخٍ - بالفعل - وكنتُ خائفًا جدًّا أن يكون بي شيءٌ، المهمّ أنَّهُ قَرَأَ عليَّ، وأتَيْتُ إلى المنزل وازْدادتِ الحالة سوءًا، وبَدَأْتُ أعاني، كنتُ في حالة خوفٍ غير طبيعي.
وهذه بعض الأعراض الذي أحسَسْتُ بِها:-
- ألم في الجانِبِ الأيسر من البطن (منطقة القولون).
- الوسواس القَهْرِي.
- ضيق في التنفس.
- خَوْف من الموت.
- الإحساس بأنني لستُ أنا؛ بل يُوجَدُ شَخْصٌ آخر.
- ألم في مُؤَخرة الرأس.
- إمساك.
- خَفَقَان بالقلب.
- ألم في وسط الظهر، وبين الكتفين، وبأسفل الظهر.
- كراهية الآخرين.
- صداع.
- انتفاخ البطن.
- دوار (دوخة)
- ضيق شديد بالصدر.
- غشاوة على العَيْنَيْنِ.
- إحساس بالمُلاحقة والمُراقبة في البيت.
- أشْعُر دائمًا أنَّ أحدًا يَمْشِي خلفي، فإذا نظرْتُ إلى الخلف لا أجد أحدًا.
- أتوهم بالأمراض: كالسرطان؛ فخَرَجَتْ عندي بُقْعة بنية في باطن يدي، فاعتقدتُ أنه مرض السرطان.(61/2)
- حركات غَريبة بالعضلات، ونَبْض في جميع أجزاء الجسم بشكل مَلْحُوظ. ولا أعلم سبب هذه الحركات التي بالعَضَلات؛ هل هي بسبب المرض النفسي، أم غير ذلك؟.
فلجأت إلى الرقية الشرعية، وقال البعض لي: بك مسّ جني، فتَعَالَجْتُ عند شيخ، وكنتُ أنْتَفِضُ عندما يَقْرَأ عليّ، فاستَمْرَرْتُ عنده حوالي 8 شُهور، فذَهَبَتْ أكثر هذه الأعراض، وبقيت عندي أعراضٌ تأتي على فترات، ومنها:-
- الحزن.
- ضيق الصدر.
- أرق، وقلق يصاحبه ضغط على الأسنان.
- انتفاخ بالبطن، وخاصة بعد الاغتسال بالماء البارد.
- ألم في الجانب الأيسر من البطن (منطقة القولون).
- حركات غريبة بالعضلات، ونبض قي جميع أجزاء الجسم بشكل ملحوظ.
- وخز في الأطراف كالإبر.
- ألم شديد بالمعدة.
- ألم شديد بالرَّأْسِ يَأْتِي على مراحل، وخاصَّةً بعد الاستيقاظ من النوم.
- أشعر بطقطقة بالحَنَك عندما أفتح فمي على فترات.
وبعد أن تخرَّجت من الثانوية العامة، اتَّصلوا بي بالإدارة الإقليمية التي كنتُ مُتَقَدّمًا إليها بطلب وظيفة - كان هذا الكلام قبل رمضان بأيام - فذهَبْتُ إليهم، (هذه الإدارة تبعد عن مدينتي حوالي 600 كيلو)، فذهبتُ إلى النوم في أحد الشقق، التي استأجرتها، فلم أستطع النوم، وأتاني ضيق شديد بالصدر، وحزن، فما نِمْتُ في ليلتي تلك، وظَلِلْتُ مُسْتيقظًا حوالي 7 ساعات على الفراش، قرأت قُرآنًا؛ لكن بدون نتيجة.
اسْتطعتُ بعد الاسترخاء الطويل والمُمِل النومَ لبضع ساعات قليلة، وذهَبْتُ إلى المُقابلة الشخصيَّة، بعدها رجعت إلى مدينتي، وذهبتُ إلى الشيخ الذي كان يقرأ عليَّ، فقال: أنا في رمضان لا أَقْرَأ على أحد، وكل المشايخ في رمضان لا يقرؤون.
المهمّ: أنني ذهبتُ وكنتُ دائمًا أفطر في رمضان بسبب المرض؛ لأنني أعاني من حزن، وأَرَقٍ، وضيق شديد عند النوم، فأرْتَاحُ عندما أفطر، وأجْلِس إلى بعد الظهر، ثم أنام لبضع ساعات.(61/3)
ذهبْتُ إلى مُعالِج آخر بالقُرآن، فقلت له: أنا يا شيخ مريض، وأريد أن تقرأ عليّ، فقال لي: هل راجَعْتَ طبيبًا نفسيًّا؟ فقلت له: نعم، في بداية الحالة، وقد وَصَف الطبيب حالَتِي بأنَّها: "توهُّم مرضي"، وأعطاني حُبوبًا للاكْتِئاب.
فقال الشيخ: هل استَمْرَرْتَ على هذه الحبوب؟
قلت له: لا؛ بل أخَذْتُها مرة واحدة فقط.
فقال لي: من الممكن أن يكون بك مرض نفسي.
فكأنني استَيْقَظْتُ من غَفْلَة، فقلت: ربما يكون هذا مرضًا نفسيًّا، وكما قال الطبيب سابقًا: "توهُّم مرضي"، وكنْتُ أتوهم عامًا كاملاً بالمرض، وأحسب أن جِنًّا مَسَّنِي.
الآن أريدُ أن أعرف ما هي حالتي بالضبط.
هل أنا مصابٌ بالجن، أم أنا مريض نفسي؟
كما أريد من حضراتكم تفسير الحركات الغريبة الموجودة بالعضلات.
وأحيانا أشعر بأن أصابعي تتحرك حركة غريبة بدون إرادة.
المشكلة: أن أي شخص يذهب إلى طبيب نفسي، وهو مصاب بالجن سوف يقول له: "هذا مرض نفسي مئة بالمئة"؛ لأنها أعراض مُتَشابِهة.
وإذا ذهب إلى مُعالج بالقُرْآن، يقول له: "مئة بالمئة أنت مُصاب بجنّ، وهذه الأعراض تدل على وجود جن في الجسد"؛ فيدخل المريض في دوامة لا ينتهي منها.
أرجوكم أن تقولوا لي ما الذي يثبت أن حالتي مرض نفسي، وليست مرضًا بالجن، كما أرجو تدعيم التفسير بالأدلة والبراهين.
آسف على الإطالة؛ لكن والله أحتاج أحدًا يُساعدُني.
وهذه بعض النقاط التي جعلتني أشك بأنه مرض نفسي:-
1- عندما ذهبتُ إلى المُقابلة الشخصية، ظَهَرَتْ عليّ سمات القلق، وضيق وحزن شديد بالصدر.
2 - استخدامي (الكابتجون) وتأثيره عليَّ.
3 - في رمضان أحْسَسْتُ أنني سوف أنْتَكِس إلى حالتي الأولى؛ كما كنت فيها سابقًا، وذلك عندما علمْتُ أنه لا يوجد معالجون في هذا الشهر فساءت نفسيَّتِي، وزاد القلق والأرق، واعتقدتُ أن هذا من الجن؛ لابتعادي عن الرقية؛ لأن قلبي كان متعلقًا بالرقية، وأحسستُ أنه مرض نفسي.(61/4)
وتقبلوا فائق الاحترام والتقدير.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم.. مرحبًا بك في موقع (الأَلُوكَة)، وأهلاً وسهلاً..
قرأْتُ رسالتك باهتمام، وأَشْعُر بِكُلّ المُعاناة والألم، الذي مررتَ به خلال المرحلة الماضية، وأودّ أن تطمَئِنَّ، فالأَمْر يسيرٌ - إن شاء الله - وأَرْوَع ما فيه أنّ لَدَيْكَ الوَعْيَ الكافي لطَرْق كل الأبواب؛ بحثًا عن حلّ مُفيد، أُبَارِك لك هذا الوَعْي، وهذه الهمة، وأسأل الله العظيم أن يشْفِيَكَ. تابع معي النقاط التالية:
أولاً: (الكابتجون): كما تعلَمُ هو نوعٌ من المُخدرات، والتي تجلب على الجسم الوَبَال - على الرغم من الراحة المُؤقَّتَة التي يسببها - لذا أرْجُو أن تبذل كل الجهد للابْتِعَاد عنها، وتَجَنُّب صُحْبَة من يروجها أو يتَعَاطَاها لأي سبب، ومهما كانت التَّبْرِيرات التي نَسْمعها بشكل مُتَكَرِّر.
ثانيًا: الأعراض التي ذَكَرْتَهَا هي أعراض لمرض نفسي معروف في الطب النفسي؛ كأحد أشكال القلق والخوْف، ونُعَالِجُ منه الكثير، وهو يستجيب بشكل رائعٍ للعلاج الدَّوائي والنفسي. ولِله الفَضْل والمِنّة فقد أصبح لَدَيْنا في الآوِنة الأخيرة عددٌ من الأدوية الحديثة التي تُعْطِي نتائج رائعة، ولا تُسبّب أي شَكْل من الإدْمَان، أو التعوُّد، وليس لها أضرارٌ جانبية طويلة الأَمَد.
ثالثًا: العلاج بالقُرْآن أمرٌ مطلوب، وسيحقّق لك الكثير من الخير والتَّحَسُّن.
رابعًا: هل هو من الجن أم هل هو مرض نفسي؟(61/5)
الدلائل العلمية تقول: إن هناك اختلالاً في بعض النَّوَاقِل العصبيَّة في مناطق مُعينة من الدِّماغ، هي التي تُسَبّب هذه الحالة من القَلَق والاكْتِئاب، وعزز ذلك استجابة المرض للعلاج الدوائي، الذي يُصَحِّح الخَلَل في هذه النواقل. الآن هل الجن السبب في ذلك؟ لا أدري، ولا يوجد أحد في العالم يمكن أن يجيب على هذا السؤال، وكما تعلم فالعين حق، ويمكن أن تسبب أي شكل من أشكال المرض العُضْوِي والنفسي، ونحن مأمُورُون بمُعالَجَة أي ضرر أيًّا كان سببه.
خامسًا: بالنسبة للحركات الغريبة في العضلات، فهذه شَكْوَى معروفة لمن يُعَانِي من القلق، فبسبب التوتُّر وانطلاق هرمون (الإبنفرين) في الدم، يؤدي إلى مثل هذه الحركات الغريبة.
ختامًا: أرجو ألا تَتَرَدّد بزيارة أي طبيب نفسي مُدَرّب، وأن تلتزم بالتعليمات التي سيخبرك بها، ولا تنسَ التوكل على الله - عَزّ وجَلّ - والإنابة إليه في أمورك كلها، والالتجاء إليه فيما حَلّ بك من مرض. وفَّقَكَ الله لما يرضيه, ومرحبًا بك في موقع (الألُوكَة).(61/6)
العنوان: الملل يقتلني .. والبكاء يلازمني
رقم الاستشارة: 139
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم، أنا مشكلتي - والحمد لله على كل حال - أشعر بالملل والاختناق، بدأ هذا الشعور ينتابني قبل الزواج، فكنت أظن أن السبب الابتعاد عن خطيبي، لأني - بفضل الله - ملتزمة وكنت لا أكلمه في فترة الخطوبة.
ثم تزوجت، ولم أشعر بالراحة، مع أني أحب زوجي كثيرًا، وهو أيضًا يحبني، وكنت أبكي بكاءً مرًّا، ويسألني عن سبب البكاء، ولا أجد إجابة؛ لأني لا أعرف السبب.
لا يمر عليّ أسبوع إلا وأبكي وأزيد في البكاء، وهذا الأمر يغيظ زوجي، مع العلم أني لا أشعر بالمعاشرة الجنسية، وأشعر دائمًا بتأنيب الضمير، وعدم الرضا عن نفسي نهائيًا، وهذا الأمر يؤلمني، وأنا متزوجة منذ عامين.
أرجوكم ساعدوني. مع الاعتذار عن الإطالة، والسلام عليكم.
-----------------------------------------
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله،،
الأخت الكريمة.. مرحبًا بك في موقع (الألوكة) وأهلاً وسهلاً..
قرأت رسالتك باهتمام، وأشعر بمشاعرك المؤلمة، أسأل الله أن يخفف عنك.
من الواضح سيّدتي أنك تعانين مرض الاكتئاب وهو مرض شائع للغاية إذ إننا نعتقد أن خُمس نساء العالم مصابات بهذا المرض، وليس لك يد في هذا المرض.
والخبر الجيد أن علاج هذا المرض سهل ومتيسر, فلقد أنعم الله عز وجل علينا - في عصر الثورة العلمية - بعدد من الأدوية المفيدة والرائعة، ودون أعراض جانبية مهمة ولا تسبب أي إدمان أو تَعَوُّد، وستشعرين بالتحسُّن من الأعراض التي ذكرتِ بعد بضعة أيام من تناولها.
يجب ألا تنتظري أكثر من ذلك، توكَّلي على الله، وخذي بالأسباب، وقومي بزيارة أي طبيب نفسي في أقرب فرصة, فمن حق نفسكِ عليكِ أن تُعالِجيها إذا مَرِضَت، فلا تتأخري في ذلك.
كوني واثقة بالله، متوكلةً عليه، وفَّقَكِ الله إلى كل خير.
ومرحبًا بك دومًا في موقع (الألوكة).(62/1)
العنوان: أنا وأبي والخاطب
رقم الاستشارة: 140
المستشار: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته،،
عندي مشكلة أرجو مساعدتي؛ فأنا والدتي متوفاه، وأنا أكبر إخوتي.
والمشكلة أنني أحببت شابًّا عندما كنت صغيرة، وقد تَقَدَّمَ لي 3 مرات، ولكن أبي رفضه.
ففي المرة الأولى قال: أنت صغيرة، وما أنهيتِ الثانوية.
وفي المرة الثانية تدخل عمَّاتي في الموضوع - وهن غير متزوجات - وأفهموا أبي أنه لا يَصْلح لي، وأهله لن يجعلوني أعيش معهم في راحة، وقالوا عنه الكثير.. وبالرغم من أن والدته تُحِبُّني، وتعتبرني ابنتها - خاصة وأنها ليس لها إلا ولدها.
أما المرة الثالثة رفض بدون سبب، وقال: "نجوم السَّما أقرب"... وعندما جلست معه، وتكلَّمنا، قال: أنا أعرف أنكِ تُحِبِّينَه، وهو يحبك. وكل هذه مُرَاهَقَة، وستزول سريعًا. وما سيصير زواجًا الآن سيصير طلاقًا بعد ذلك.... أنا لا أعرف كيف أقنع أبي بالموافقة، خاصة وأن سعادتي معه ومع أمِّه، خصوصًا أن أمي تُوفِّيَتْ عندما كنت صغيرة، وأشعر مع أمه بحنان أمي.
أرجوكم ساعدوني، جزاكم الله الجنة.
-----------------------------------------
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
عزيزتي، و(ابنتي) الكريمة،
لا أستطيع أن أُعَبِّر لك عن حجم التعاطف الذي أكنه لك..(63/1)
فكم فكرت فيك بعد أن قرأت تساؤلك الذي أرسلته لموقع الألوكة.. خاصَّةً أن تساؤلك وَصَلني، وأنا في مَمْلَكَةِ البحرين! وطنك... أحسست أنك قريبة مني، وأننا سنتفق حتْمًا بإذن الله. قد تتساءلين، لماذا هذا الإحساس وهذا التعاطف؟ أجيبك أن السبب في ذلك هو أنني كنت فتاة مثلك مَرَرْت بنفس مشاعرك الإنسانية، وأنا الآن أمٌّ لديّ ابنتان، مازالتا صغيرتين (واحدة عمرها 12 سنة، والأخرى 10 سنوات)، وأرقب وأترقب نُمُوَّهما ونضجهما، وأخشى عليهما - كثيرًا - أن تقعا في تَجَارِب مماثلة، لِمَا تسببه هذه التَّجارِب من أَلَم، ومعاناة، وحزن، وعدم تواصل مع الآخرين - خاصة أقرب المقربين لقلوبنا؛ الوالد، أو العمَّات - هذه المشاعر تعرفينها حتمًا؛ لأنها ملازمةٌ لك.. أدعو الله جلَّ وعلا أن يبدلك خيرًا منها، عاجلاً غير آجل.
اسمعي مِنّي هذه القصة: "هناك بنت تَقَدَّمَ لها شابٌّ، وَرَفَضَ أبوها، وكان رفضه في محلِّه؛ لأن البنت صغيرة ولم تُنْهِ الثانوية، خاصةً أنَّ الأب قلق عليها، وتولى تربيتها بعد وفاة أمها. وتقدم هذا الشاب مَرَّة أُخْرَى، فرفض الأب بعد استشارته لعمَّات البنت، فكان رأيهن أن هذا الشاب غير مناسب؛ لأنَّ أهله غير مناسبين، ومن الطبيعي أن العمَّات تَعْرِف أكثر من الأب بمجتمع الشابّ؛ لأنهن نساء واختلاطهن بالنساء مثلهن. وقد تَقَدَّمَ الشاب للمرة الثالثة فرفض الأب أيضًا، وقد حاور ابنته - مع أن هذا الأمر حَسَّاس في مجتمعاتنا العربية المسلمة - ولكن يبدو أن الأب مُحِبٌّ لابنته جدًّا، ويخشى عليها، والذي يؤكد ذلك أنه يعرف أن ابنته تعيش حكاية حب مع شاب، ومع ذلك حَاوَرَها، واحترم مشاعرها، وقال لها: أنا أعرف أنك تحبينه، وأنه يحبك، وكان ديمقراطيًّا معها، وبَيَّنَ لها أسباب الرفض؛ كالتالي:(63/2)
1- أن هذه مرحلة مُرَاهَقَة، تتسم بالانفعال الشديد، وتعاظم المشاعر، وغياب العقل، وهذا صحيح؛ كما تنص على ذلك الكتب المُتَخَصِّصَة في مراحل النمو والمراهقة.
2- أنَّ المجتمعَ لا يثق عادةً بالبِنْتِ التي تتعرَّفُ على شابٍّ قَبْلَ الزواج، ثم تتزوجه، وهذا واقعي في مجتمعاتنا، فالزوج إن غَضِبَ من زوجته، أو أصبح بينهما سوءُ تفاهُم من المُحْتَمَل جدًّا أن يقول لها: مثل ما عرفتني قبل الزواج، ممكن تعرفي غيري، خاصة إن كانت المرأة حين عَرَفت الشاب وأحبَّتْه صغيرة السن يغلب عليها الاندفاع العاطفي. ونادرًا ما تحسب خُطواتها، فليس بالضرورة كل البنات هكذا، ولكن معظمهن.
بقي أن أقول لك: إن البنت الآن عمرها 18 عامًا - أتمنى معرفة عمرها حينما بدأت تحبه - وأن الذي تحبه وحيد أمه، والولد الوحيد عادة مُدَلَّل، وطلباته أوامر، وأنه إن أَصَرَّ على شيء ليس بالضرورة تمسُّكه به؛ لأنه يحبه بصدق؛ بل لأنَّه غير متعود أن تُرْفَضَ طلباتُه.. وربما - أيضًا - يَنْقَهِرُ لو تَجَرَّأ أحدٌ على ذلك.. فيظل يُصِرّ ويُصِرّ، حتى يحصل على ما يريد، فإن حصل على ما أراد تركه، والتفت لغيره.
هذه البنت العزيزة، تطلب مِنِّي المشورة.. ماذا تفعل؟
أكيد أدركت أنَّ هذه البنت هي أنت.
والقصة هي قصتك، التي ذكرتها بالمشكلة.
الفرق بين روايتي وروايتك جَوْهَرِيّ وأساسي.... على الرغم من أن الأحداث والتفصيلات ذاتها لم تتغير.
الرواية الأولى: نَظَرْتِ للحَدَث بعينك أنتِ عزيزتي. حيث فسرتِ رفض والدِك للشاب، وعماتك على أنهم متحيزون ضِدَّك، ويُريدون قطع العَلاقة بينك وبين من تَقَدَّمَ لخطبتك، وأن الذي دفع بعماتك لهذا التحيز أنهن غير متزوجات. وتعتقدين - أيضًا - أنَّ والدك تأثَّر بعماتك وبرأيهن، دون أن يفكِّرَ بمشاعرك ويحترمها، ودون أن يُقَدِّرَ احتياجَكِ لحنان أمِّ الشاب التي ترين بها حنان أمك الذي فقدتِه بسبب وفاتها.(63/3)
والرِّوَاية الثانية للقصة: نظرت للحدث بعين أخرى، عين مُحَايدة تَرْوِي قصة قد تَتَكَرَّر يوميًّا في بيوتنا، شابٌّ تقدم لبنت للزواج بها، ورفضه الأب؛ لحرصه على ابنته، وقناعته أن الشاب غير مناسب لها. والبنت مازالت صغيرة، وأمامها العديد من الفُرص التي قد تكون أفضل لها، ولأسرتها ولأبنائها في المستقبل.
انتبهي أختي الكريمة:
إن المشاعر التي نشعر بها لا تأتي؛ كنتيجة للأحداث التي حدثت فعلاً، إنما كنتيجة للطريقة التي نُفَكِّر بها حول هذه الأحداث. لذلك تجدين أن هناك أكثر من تفسير لموقف واحد.
إذًا ماذا علينا فعله؟
غيّري أو حاولي تغيير ما بِذِهْنِكْ يتغير الواقِعُ في عينيك، أعيدي قراءة القصة من وجهة النظر الأخرى - الرواية الثانية -: هل تتغير بعض مشاعرك أو كلها؟ هل تَتَفَهَّمِينَ والدَكِ بطريقة مختلفة؟ هل تنظرين للشاب وحيد أمه نظرة مختلفة؟
طبعا أنا لا أطالبك بأن تَضَعِي مشاعرك في ثلاجة، وتتجاهلي ما يحدث لك.
لكنني أَقْتَرِحُ عليك، وأؤكد أنْ توسعي نظرتك للأمور. فليس الكون فقط أنت والشاب، إنما هناك الوالد الذي له حقّ الطاعة، وحق البِرّ مِنْك - خاصة أنه حريص عليك - وحسب ما فهمت أنه تَوَلَّى ترْبِيَتَكِ بعد وفاة أمك. وتعلمين عقوبة العقوق، وأن الله - جل وعلا - قد تَوَعَّدَ العاق بعقوبة في الدنيا قبل الآخرة؛ ليكون عِبْرَة لمن يعتبر. وهناك العَمَّات التي لهن حق البر والصلة، وأن صِلَة الرحم من أَوْجَب واجبات المسلم، وأن هناك نظرة وعُرْف المجتمع الذي لا نستطيع أن نُغَيِّرها في لحظة وأخرى، وأن الأولاد الذين ننجبهم يتأثرون بما يُقَال عنهم في المستقبل سلبًا أو إيجابًا.
إِنْ كُنْتِ فِعْلاً مُسْتَعِدَّة للزواج ومُؤَهَّلَة لأن تفتحي بيتًا، وتُنْجِبِي أطفالاً وتربيهم تربية صحيحة، عليك أن تتفكري بما ذكرته لك سابقًا.
وإن فكرت بجديَّة من المؤكد أن نظرتك للحدث ستتغير، ستكونين أكثر عُمْقًا وهدوءًا، وعقلانية.(63/4)
آتي لسؤالك الذي ختمت به المشكلة: كيف أقنع أبي أن يوافق، وأنَّ سعادتي معه ومع أمه؟
وأنا أسألك عزيزتي: مَنْ قال لك أن السعادة مع هذا الشاب ومع أمه؟ مِنْ أين لك هذه القناعة الجازمة؟
هذا من علم الغيب وهو مِنْ أمر الله - جل وعلا - أنت ترجين أن تكون السعادة معه، وأنا كذلك أتمنَّى لك السعادة في حياتك الزوجية، وأن تتمتعي بحياتك زوجةً وأمًّا، ولكن دون تَحَيُّز مِنْك لشخصٍ بِحَدِّ ذاته، ثُمَّ وإن كان فِعلاً لم يكن مناسبًا تكونين قد خَسِرْتِ والدَكِ وعماتِكِ وفقدت أُسْرَتَكِ.
لذلك أقترح عليك التالي:
1-أن تنشغلي بنمط حياة مختلف: مثل إتمام الدراسة، الالتحاق بالعمل التطوعي، وهو كثير في البحرين، أو الالتحاق بالوظيفة، أو الالتحاق بفصول تحفيظ القرآن في مركز أحمد الفاتح، أوالإقبال بِهِمَّةٍ على القراءة. أقترح عليك كتابًا ممتعًا ونافعًا للدكتور ياسر بكَّار بعُنوان: "القرار بين يديك"، أو تَجْرِبَة كتابة القصص.. وهكذا أتمنَّى عليك أن تتعرفي على أدوارك الفعالة بالحياة، ولا تحددينها قَطّ بمجرد فتاة تنتظر أن يتزوجها هذا الشاب.
2-اقتربي من والدك أكثر، وتَوَدَّدِي له، واعْمَلِي على بِرِّه، فهو يحبك جدًّا، واطلبي منه أن يُقْنِعَكِ أكثر برأيه - مع أنه يبدو مقنعًا - ولكنك قد تحتاجين قناعة أكثر، وربما إن غيرت سلوكك تِجاهه، غيَّر وِجْهة نَظَرِه.
3- إن كانت مازالت وجهة نظرك لم تتغير تجاه الشاب انتظري حتى يرضى والدك، وهي فرصة ربانية لك؛ لتقيسي مدى حُبّ الشابّ لك، وتمسُّكه بك؛ لأنه لن يقترن بك إطلاقًا دون رضا والدك التامّ، لأنَّ الزواج ليس بين فردين فقط؛ بل بَيْنَ أُسْرَتَيْنِ. وأنا أعتقد لو أنَّكِ قَلَبْتِ الوضع فلن تَرْضَيْ أن تتزوجي الشاب إن كانت أمه مُعَارِضَة لزواجكما، وإن كان والدك موافقًا.(63/5)
4- ختاما وهو الأكثر أهميةً: هل قُمْتِ بالاستخارة؟ افعلي إن لم تكوني فعلت قبل. والزمي الدعاء بأن يُيَسِّرَ لكِ هذا الأمر إن كان به خيرًا، وأن يَصْرِفَه عنك؛ إن لم يكن كذلك.
(ملاحظة مهمة): هل ترينه لائقًا وجائزًا أن تستخْدِمِي لفظة "حبيبي" لرجل مازال أجنبيًّا عليك؟ هل هذه الكلمة تُرْضِي الله؟ تُرْضِي والدَكِ؟ هل تسمحين أن تستخدمها بناتك مستقبلاً في نفس المناسبة؟ لست أنتظر منك جوابًا إنما أجيبي نفسك.
أخيرًا.. عزيزتي أنا مازلت في البحرين.. وتحديدًا أكتب لك هذه الأسطر التي أدعو الله - جلَّ وعَلا - أن تصل لقلبك وتَسْعَدي بها، أكتبها لك في (الدانة مول) أبحث بوجوه البحرينيات؛ لعلي أجدك!. ربما تكونين قد مررت بي، أو مررت بك..هذا علمه عند الله.. لكن ثقي أنني سأدعو لك دائمًا؛ آملةً منك أن تخبريني عمَّا سيحدث في شأنك..
ولك مَحَبَّتِي.(63/6)
العنوان: الموقف من الدعوة إلى تجديد النحو
رقم الاستشارة: 58
المستشار: د. حسن بن محمد الحفظي
-----------------------------------------
السؤال:
ما رأيكم في المدارس التي تدعو إلى تجديد النحو، مثل ما كتبه الدكتور شوقي ضيف - رحمه الله - في كتاب تجديد النحو؟
-----------------------------------------
الجواب:
هذا السؤال يحتاج للإجابة عنه إلى صفحات، وربما يحتاج إلى كتب، ذلك أن الدعوات إلى تجديد النحو متعددة ومتنوعة، فالجواب الإجمالي لا يصلح لكل الطرق المقترحة، والآراء التي قد تكون متباينة. ولكني أقول - وبالله التوفيق -.
التجديد في النحو بغرض تيسيره للدارسين، وتصفيته من الأشياء المكررة، والتقليل من الخلافات التي وقعت بين النحْويين، كلُّ ذلك مطلوب، وتهفو النفس إليه.
وقد قام كثير من الناس على مر العصور بمحاولات متعددة نجحوا في بعضها، ولم ينجحوا في بعضها الآخر.
لكن الخوف هو أن يكون التجديد المراد هو: القضاء على القديم جملة وتفصيلاً، واختراع نحوٍ جديد منفصل عن القديم في مصطلحاته وقواعده وأمثلته وشواهده، وهذا الأمر لا نستطيع الحكم بجودته ولا براءته إلا بعد رؤيته، ويغلِب على الظن أنه إلى الفشل أقرب؛ لأن من سبقنا قد بذلوا جهوداً تُذكَر وتشكر، وقدموا لنا عملاً متكاملاً يكاد يخلو من الخلل والزلل، وإذا بدأ الشخص من حيث انتهى الآخرون أتم البناء دون جهد أو عناء.
والذين كتبوا مطالبين بتجديد النحو، بعضهم يقترح طرقاً للتجديد نوافقه على بعضها، ونخالفه في بعضها الآخر، ولا يسلم كثير من الاقتراحات عند هذا وعند ذاك من الاعتراض.
والحقيقة أننا لا نشكك في نوايا أكثرهم الحسنة، ونحسبهم يرغبون في حصول المصلحة والنفع للعلم والمتعلمين، وقد يصيبون في اجتهادهم وقد يخطئون، والمجتهد على أجر إن أخطأ وعلى أجرين إن أصاب.(64/1)
والقليل من أصحاب هذه الدعوات إلى التجديد يَظهَر لنا أنهم لا يريدون الخير، ولا المصلحة، ويقترحون أشياء ربما كانت سبباً في هدم أركان اللغة، أو إذابتها، أو ضياعها.
والله غالب على أمره، وقد تكفَّل - سبحانه - بحفظ كتابه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }؛ [الحجر:9].
وهذه اللغة محفوظة بحفظ هذا الكتاب، ومن أجل هذا بقيت على مدى أكثر من أربعة عشر قرناً ندية واضحة جلية تؤدَّى بأصوات ومعان كانت تؤدى بها قبل مئات السنين، لم تتغير، بسبب محافظة هذا الكتاب العظيم عليها.
والحاصل أن الدعوة إلى التجديد في النحو، إذا كانت تجديداً في طريقة العرض، واغتناماً لما حفَلَت به وسائل (التقنية) الجديدة، دون المساس بأصول اللغة وقواعدها إلا تيسيراً وتطبيقاً وشرحاً فأهلاً بذلك وسهلاً.
أما إذا كان هذا التجديد يرمي إلى إذابة هذه اللغة أو قواعدها، أو تمييعها، أو الإضرار بها فلا وألف لا.(64/2)
العنوان: الوسواس القهرى
رقم الاستشارة: 65
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أمي مريضة بالوسواس القهري، وهذا المرض ملازم لها، وتشعر دائماً أن هناك أشخاصاً يسبونها بألفاظٍ قَذِرة، وأن هؤلاء الأشخاص من الجيران أو الأقارب.
وأنا حاولت أن أقنعها أن هذا مرض؛ فلم أستطع، فماذا أفعل معها؟ وجزاكم الله كل خير .
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم.. مرحباً بك في موقع (الألوكة) وأهلاً وسهلاً..
أسأل الله العظيم أن يَشفي والدتك الكريمة ويحفظها من كل سوء..
حسب وصفك فوالدتك ليست مصابة بالوسواس القهري، بل هي مصابة بمرض نفسي آخر مختلف تماماً.
وما أريدك أن تفعله الآن هو أن تزور طبيباً نفسيّاً بأسرع وقت ممكن، وتحكي له الأعراض التي تعانيها الوالدة، حتى لو رَفَضَتْ الذهاب معك.
وقد يعطيك الطبيب دواءً، يمكن وضعه لها في الطعام أو الشراب في الفترة الأولى، إلى أن تجد مفعوله الإيجابي بعد مضي أسبوعين أو ثلاثة، وتقتنع بجدواه، وتَقْبَل تناوله بطريقة طبيعية ومستمرة.
وفي كل الأوقات كن قريباً منها راضياً مُرضِياً لها؛ فهي الطريق إلى الفوز والنجاح في الدنيا والآخرة.
مرحباً بك أخي ثانية في موقع (الألوكة).(65/1)
العنوان: أم زوجي!!
رقم الاستشارة: 187
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أنا فتاة جامعيَّة، مُتزوّجة من سنتين ونصف، ولي ابن عمره 8 شهور، زوجي طيِّب ومُتفاهم وحنون، شخصيته مُستقِلَّة عن أهله، نسكن في سكن مستقل، أصبحتْ تأتيني حالةٌ غريبة من خالتي - أم زوجي - فهي امرأة عمرها 60 سنة - مَرَّتْ عليها ظُروف صعبة من زواجِ زَوْجٍ، وفِقدانِ ابنٍ، فهي غير متعلِّمة - أُمِّيَّةٌ - غير موظفة، ليس لديها بنات، طيِّبَة وعلى فِطْرَتِها، على السليقة؛ يعني ممكن تُعْلِمُني بكل شيء في جلسة واحدة، وبنفس الوقت تَخْدُمُني، وتَصُبُّ لي القهوة، وبنفس الوقت تتهمني بالفشل، وفي ثوانٍ تنسى ذلك وتتسامر معي.
تُعاتبنا كثيرًا، ولا بُدَّ أن نُرْضِيَها؛ ولكن هذا أمر متعب جدًّا، فأكثر عتابها على زوجي وعليَّ؛ لأن زوجي هو الابن المُحَبَّبُ لقلبها.
المشكلة أنَّ حالتي بدأت من أول يوم كُنْتُ حاملاً فيه، فبدأْتُ أُدَقِّقُ في تصرُّفاتها من عتاب، وتَشَهٍّ، وغضب على كل شيء، حتى لو لم نفعل شيئًا تتصل بي، ثم تُخْرِج ما في داخلها عليَّ أنا أو زوجي، ثم تغلق السماعة.
تسألني عن كل شيء، ومن الذي أتى لي به، وتريد أن تعرف هل زوجي هو الذي أتى به أم لا؟ وتسألني عن سِعر كل شيء، كم ثمنه؟ فهي تخاف أن آخذ مالَ ولدِها، مع أنَّ لديها خمسة أولاد، ومع ذلك فإن زوجي هو الذي يُنْفِق عليه، ولا أقول شيئًا في حقّها؛ لكن الأمر يزداد.
فالحمد لله أنا غنية، فهي ترى عندي كل شيء، وأصبح المال يذهب إليهم، وكثيرًاما أكون محتاجة أنا وولدي.
ولكن أصبح أي حوار معها يجعلني أنبش كل حواراتها القديمة التي أخطَأَتْ فيها معي، وأبدأ أناقش نفسي، وأكلم نفسي، وأحاول أن آخذ حقي مع نفسي؛ لأنني لا أستطيع أن آخذه بالواقع.(66/1)
ولا أريد أن أظلم زوجي؛ فهو يحاول إرضائي ومُصالحتي من تصرفات وعتابات أُمِّهِ، وبالرغم من ذلك فأنا أُقَدِّرُها، وأُقَدِّمُ لها الهدايا، وأُعامِلُها معاملة طيبة؛ ولكن لا أرى أثرًا لهذا التقدير، فهِيَ إِنْ رَأَتْنا نُسافر أو نذهب لمكانٍ ما، طلبتْ منَّا أن نشتريَ لها أشياءَ كثيرةً: ((فاشتَرُوا لِي هَذَا، واشْتَرُوا هذا، واشْتَرُوا هذا))..
قلت لك: المشكلة فيَّ أنا، فقد صرتُ أَشْبَهَ بـ(المهبولة)، فأنا أضيع اليوم كله، وأنا خائفة، وأقطع أظافري؛ بسبب كلمة قالَتْهَا، أو بسبب عتاب قالتْهُ لي ثم انصرفت.
كذلك أستعرض كل الأشياء التي قيلت منها قبل ذلك، وأستعرض ما قالته لي، وقهرتني به يوم الشبكة والزواج وغيره...
يعني أنبش في الماضي، ثم يأتيني صداع من كثرة هذه الأشياء، وأكَلِّمُ نفسي، وأحياناً أَسُبُّ نفسي، وأصبح قلبي حاقداً، وأصبحت متعبة.
فأنا لا أتعب من تعليقاتها أو غضبها فقط؛ بل صرْتُ أتعب من تصرفاتها التي كثيراً ما تَجْرَحُنَا بها في المناسبات الخاصة.
كيف أتعامل معها بأدب، وبنفس الوقت لا أجعلها تُؤَثِّر عليَّ؟
وهل أنا مريضة؟
-----------------------------------------
الجواب:
استشارتك جعلتني أبتسم من قلبي برغم شعوري بمُعاناتك؛ لكنني حقًّا أعجبت بطريقة وصفك للأمر، فأنت تفهمينه تمامًا، وتستطيعينَ إدراكَ جوانبه، وتُحدِّدِينَ المشكلة، وبهذا تكونينَ قد قطعتِ نصف المشوار نحوّ الحلِّ!
لفتَ نظري قولك: "إن الحالة بدأتْ معك منذ فترة الحمل فقط"، ولا أعرف كم بقيت قبله! لكن ما الرابط الذي حدث وقتها؟ هل هو تَغَيُّر الهرمونات الذي يحصل مع الحامل فيؤثر على نفسيتها - وهذا طبيعي - فنفسية المرأة تتغير مع الحمل والولادة.(66/2)
وربما تكون ضغوطًا معيَّنَةً جعلتكِ تشعرينَ بهذا، أو قد يكون تفكيرك بولدك وأن جدته تأخذ من حقوقه أيضًا؛ فقد لفَتَ نظري قولك عن الحقوق، وأن زوجك ينفق عليها أيضًا، وأنه لا ينقصك شيء فيذهب كل شيء لهم!
أما عن طبيعة حماتك وتِلْقَائِيَّتِها، وكيف تُحْرِجُكِ أحيانًا، فجيَّد أنك تُدْرِكِينَ أن هذا من طبيعتها، ولا تتعمد إيذاءكِ؛ بل تَخرج لا شعوريًّا!
نثق أنك قادرة - بإذن الله - على تجاوُز هذه المشاعر السلبية، فقط تذكَّرِي التالي:
- أيُّ تعامل لك تذكَّري دومًا أن تَحْتَسِبِي نِيَّتَكِ لِلَّه، وتُراقِبِيهِ في تعامُلكِ. وقْتَها ثِقِي أنَّ حُدود الدُّنيا الضَّيّقةَ لَن تَخْنِقَكِ؛ لأنَّكِ ستجدينَ البركة وأثرها عليك وعلى علاقاتكِ، فيكون الأَجْرُ بالدنيا قبل الآخرة بإذن الله. وتكون هناك راحة في القلب لا يعرفها إلا المؤمن.
- تذكَّري أنَّنا لا نملِكُ تَغْيِيرَ الآخرين؛ ليكونوا كما نحب، ولكِنَّنا نملك أن نبحث عن أسلوب التَّعامُل الأمثل الَّذي يوصّلنا لما نحبه.
- فهمكِ لنَفْسِكِ عُمومًا ولِخُطوطكِ الحمراء سيُسَاعِدُكِ على أن تُوَصّلي لِلآخرين ما يهمّكِ، وأيضًا فَهْمُكِ لِطَبيعة مَنْ أَمَامَكِ سَيُساعِدُكِ أكثر على إيصال ذلك بحكمة.
- أحيانا لا يُمكننا أن نصِلَ مع شخص لِمَا نُريده، ونعجِزُ عن إيقافه عمَّا يؤثّر علينا - خاصَّة لو كان الشخص كبيرًا، وله قدره؛ وكونها أم زوجك وتعرفين طِيبَتَها ومعاناتها، فإنه يُرِيحُكِ أن تتَّفِقِي مع زوجِكِ بحكمة؛ ليساعِدَكِ على برِّها معه، دون أن يؤثر ذلك على نفسيَّتِكِ سَلْبًا.(66/3)
- تذكُّرنا أنَّنا قد نكبر يومًا، ونحتاجُ أولادَنا وزَوْجاتِهم يجْعَلُنا أكثر رِفقًا وتحمُّلاً لصعوبة الكبار أيًّا كانوا؛ والآنَ أنتِ أمٌّ، وبالتَّأكيد عاطفَتُكِ قويَّة تُجاه ولدكِ، ويمكِنُكِ تخَيُّل ماذا لوِ انْفَصَل عَنْكِ، وماذا لو كنتِ بحاجةٍ له، تخيُّلكِ أنَّكِ تَبْنِينَ لِغَدِكِ، وأنَّ ولدك سيبرُّكِ كوالده مع أمِّه سَيُخَفِّفُ عنْكِ كثيرًا، وسَيَجْعَلُكِ فَخُورَةً بنفْسِك، وأنَّكِ وزوجكِ الأقرب والأكثر قدرة على العطاء لها.
- لا زال وَلَدُكِ صغيرًا؛ لكن لا تستَهِينِي بِالمواقِفِ الَّتي تحصل أمامَهُ وأَثَرِها على نفسه، فكلُّ ما تفعلينَهُ يكون بمثابة مواقِفَ تربويَّةٍ له، وسيخزنها ليقتدي بها، أو يستفيد منها بشكل أو بِآخَرَ؛ ففكّري كيف تحبينَ أن يكون، وكيف تغتنمينَ كُلَّ موقِفٍ ليكون به عبرة تربوية تؤثر عليه.
- العطاءُ وتحمُّل الآخرين لا يعني أن ننسى أنفسنا، ونتنازل عن حقوقنا، عَبِّرِي لزوجكِ بِحُب عمَّا تحتاجينه، وأَشْعِرِيهِ بثقتكِ أنه لن يقصر في حقك، وأنك تثقينَ أن مَن ليس له خير لأهله لن يكون له خير للناس، وهو له خير لأمه.. وسيكون كذلكَ معكِ بإذن الله.
- لو فعلت كل ما سبق ولم تَنْتَهِ مشاعِرُكِ السلبيةُ، فاستخدمي طريقة خطاب المشاعر بأن تكتبي خطابًا تُفْرِغينَ به مشاعِرَكِ السلبيةَ، تبدئينَ بالغضب، ثم القلق، ثم الإحباط، أو خَيْبَةِ الأمل، ثم الحزن، ثم ستصلينَ للمشاعر الإيجابية بإذن الله.
فالمشاعِرُ الإيجابِيَّة كالشمس تَحْجُبُها غيومُ المشاعر السلبية، لو تغلبتِ عليها واحدةً واحدةً سيَظْهَرُ لك نورُ الشمس جليًّا واضحًا بإذن الله.
سأوضح لك بمثال عن الرسالة: "إني أشعر بالغضب والغيظ الشديد من وضْعِي بمواقِفَ محرجة متكررة معكِ، فأنا عاجزة عن التعبير وقتها، ولا أعرف كيف أستعيدُ كرامتي.(66/4)
أخشى أنَّنِي بهذا أضيّع حقوقي، وأن زوجي بالرغم من طيبته - الآن - لكنه سيصل لمرحلة ينساني فيها وولدي، ويتخلَّى عن حقوقه معنا من شدة ضغطه بالتركيز على برّكِ..
وأنا أَفْعَلُ الكثير لأجلكِ، وأحاول أن أُشْعِرَكِ باهتمامٍ، فتطلبينَ دومًا المزيدَ، ولا تُقَدِّرِينَ أيًّا مِن جهودي هذه، أَشعر بإحباط وأَلَم، أيضًا أشعر بالإحباط من نفسي التي أشعر بعجزها عن التماسُكِ والتحمُّل، رغم أني أعرف ظروفَكِ؛ لكنني أحتاج أن تشعري أنت بي أيضًا.
يحْزنني أن نصل لهذا فأنا طالما حلمت أن تكون لي أسرة مثالية وزوج أعيش معه بحبٍّ، وحينما تزوَّجْتُ كنتُ أشعر بكِ تَمامًا، وأشعر بفَخْرٍ بزوجي الذي يتميَّز بمكانته لديكِ، حزينة أنني فقدت هذه المشاعر، وحزينة لأنني فقدت قوتي وتحملي.
أعرف أنكِ تُحِبِّينَنَا، وأشعر أنَّكِ تهتمينَ بزوجي وتخافينَ من فَقْدِهِ، أستطيع أن أشعر بكِ، وأُقَدِّرَ كم هو مُؤْلِم ما تُعانين منه. ليتني أملِكُ أن أُشْعِرَكِ بالثقة والحبِّ فلا تخشينَ شيئًا، ولا تحتاجينَ أن تتعاملي معنا بهذا القلق دومًا".
حاولتُ أن أضعَ نفسي مكانكِ، وتخيلتُ ما يمكنكِ أن تكتبيه باختصار، لكنكِ أَقْدَرُ بالتأكيد على تفريغ مشاعرِكِ الحقيقية، بعد أن تنتهي من الرسالة قَطِّعِيهَا؛ لكن ستجدينَ نفسَكِ قد فَرَّغْتِ المشاعرَ السلبية، ولن تحتاجي لكثرة التفكير، وقَضْمِ أظافركِ غيظًا بعدها بإذن الله.
المهم حينما تنتهينَ لا تعودي للتفكير بالأمر، وأَشْغِلِي نفسَكِ بأمورٍ أهمَّ، وتستطيعينَ التأثير فيها بحياتكِ.
- ختامًا: لا تنسي أهمية الدعاء وأثَرَهُ، فشعورنا بقُرب اللَّه منَّا ومعيَّتِهِ، وأنه لا يضيع لديه شيءٌ، وأنَّه القريب المجيب الرحيم، ذلك يخفِّف عنَّا كثيرًا، ويجعلنا نشعر بالقوَّة والثقة بالله التي تكفينا عن آلامنا مع العباد.(66/5)
العنوان: أموت ببطء.. ساعدوني!!
رقم الاستشارة: 129
المستشار: أ. محمد الحازمي
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أشكر لكم المجهود الذي تقومون به في هذا الموقع الطيب جعله الله في موازين أعمالكم اللهم آمين،،
أرسل لكم بعد أن شَعُرْتُ أن الدنيا أصبحت ضيقة على نفسي، والجميع حولي والناس كلهم يحبونني ويحترمونني، ولكن أنا متعبة نفسيًّا جدًّا!! فقد كنت متزوجة من 14 سنة رجلاً عصبيًّا بجنون، متقلب المزاج، أنانيًّا، ولي منه ولدٌ وبنتٌ. وبعد 13 سنة من الزواج طلبت الطلاق؛ لأنه لم يُشعِرني يومًا بالأمان، كلما كنت أقول له: تقدر على أن تبتعد عني يقول لي: نعم، عادي، وغيرُك كثير. وكان دائمًا ما يقول لي: سأتزوج غيرك، ودائمًا يستهزئ بجسمي؛ لكوني سمنتُ، ولكن شكلي كما يقول الناس فائقُ الجمال. وكان يشاهد المواقع الإباحية، والصور والأفلام الإباحية، ولكنه مع ذلك كان يصلي، وأوقاتًا قليلة كان يتوقف عن الصلاة ويعود إليها مرة أخرى، لكنه ولا مرة في حياته أعطاني أشتري هدية لأهلي، وللعلم كنت مغتربة معه في السعودية، ولا يحترم أهلي ويستهزئ بي أمامهم، ودائمًا كان يعيرني بأن والدي لم يجهزني، وأنه هو الذي قام بذلك. حاولت أن أغيِّره، وأجعله أكثر احترامًا لي، ولكن لم أستطع. وقفت معه مواقف كثيرة. كان يجلس من العمل فترات، كنت أهوِّن عليه بأنه لا مشكلة؛ فمَن خلقنا لن يتركنا. ولم يكن لدي شقة تمليك خاصة؛ فكنت أتنقل في شقق مفروشة أو إيجار عندما أنزل مصر. وللعلم هو أيضًا في عمله غيرُ محبوب؛ لأنه مغرور، ولديه كبر، ويظن أنه يفهم وكل من حوله لا يفهم؛ لذلك كان يترك العمل كثيرًا.(67/1)
ومرضت أمه منذ 8 سنوات، جلست معها ورعيتها وحدي، وكانت تحبني وتدعو الله لي، وتدافع عني إذا أهانني، وماتت وهى راضية عني وتقول لي: إني أحبك يا ابنتي والله العظيم أحبك، قالَتْها قبل وفاتها بيومين، ووصته عليَّ، ولكن لأتفه الأسباب يلعن دين البيت أو يلعن دين أبي وأمي، أو يقول لي إن أهلك لم يحسنوا تربيتك على كيفية التعامل مع الرجل، أنتِ تُريدين أن تعيشي هكذا من غير رجل.
أهملت نفسي وشعرت بالإحباط، وعدم الأمان. كنت أريد أن أجد زوجًا يَحْتَضِنُني، يدللني، يمدحني أمام أهلي وأهله، لا أن يَستهزئَ بِي ويُهينني. مرة كان يشاهد فيلمَ فيديو لنا في إجازة، فقال - والله بالحرف الواحد –: أغلقيه، أنا لماذا هكذا نَكِد، وأضيِّق عليكِ؟! والله أنت صابرة معي! لم تمر ساعة وحدثت مشكلة مع الأولاد والبيت، ووجدته يسبني وكأنه لم يقل أي شيء!!!
وذات مرة ضاع من ابنتي مفتاحُ الشقة؛ فجاء وسبني وشتمني، وقال لي بالحرف: "والله العظيم الذي عشتِه معي 13 سنة كل يوم سأُريه لك يا بنت فلان." و في النهاية خرج وعاد، فأيقظ ابنته وصالحها ولم يتحدث معي وكأني غير موجودة بالبيت، والله لم أرد عليه إلا أن قلتُ له: هل فعلت لك شيئًا لتفعل معي كل هذا؟!(67/2)
ومِن سنة أحضر الشقة التمليك الخاصة به بعد الحرمان من أشياء كثيرة؛ كل شيء يقول لي من أجل الشقة، من أجل البيت، هل أنا أعمل ذلك لأمي؟ والله لم أرها!! هل تصدقون ذلك؟! بعد هذا الصبر كله لم أرَ ثمرة صبري معه!!!، كرِهني بسبب أني قلت له - وأنا في مصر إجازة -: أريد آخذ شقة أجلس فيها إيجار، وهو لا يريد أن يزيد المبلغ قليلاً، وشتمني، فقلت له: أنت لماذا تفعل معي ذلك؟ أنا من حقي بعد 13 سنة زواج أن يكون عندي بيت (بس) انقلبت الدنيا، وأهانني بشكل لا يمكن تصوره وقال لي: لا أستطيع أن أرى وجهك، وقال لأختي نفس الكلام، ويحاسبني على أن ابنة أختي لم تخرج لتسلم عليه، ويحاسبني على أن أبي لم يجهزني، وأيضًا على أنه يدخل لينام ويتركه، رجل كبير هل أفعل معه مشكلة من أجل زوجي لكي يجلس معه؟! لا إله إلا الله!! ما ذنبي يا ناس؟!!!(67/3)
أنا سَأُجَنُّ، أكملوا معي - بارك الله فيكم - قبل أن أموت كمدًا وغيظًا. زوجي - أو طليقي الآن - كان يدخل الشات ويعمل نفسه بنت ويتحدث مع الفتيات، وتعرف على فتاة من الشات، وكنت أقول له: تعالَ نبدأ من جديد. يقول لي: لا، لا أستطيع أن أرى وجهك. وقتها كنت بإجازة قطعتها وسافرت له وهو يصرخ فيّ لا، لا تأتِ، لا أريدك، لا أطيقك، أنا سأتزوج. قلت له: نحن أعصابنا متعبة 13 سنة ظروف وسفر وعدم استقرار والعيال، تعالَ نغير الجو وحدنا، نجدد حياتنا. يقول لي بمنتهى القسوة لالالالالالالالالالالا، وبيت حماي الجديد - إن شاء الله - أنظف من بيت أبيك، تعلمون لمَ قال لي ذلك؟ لأن بيت أهلي بيت متواضع، فقط وجد ترابًا على الكرسي فما ذنبي أنا في ذلك؟، سافرت له وغيرت من شكلي وجسمي واقتربت منه حاولت أقترب، هو على الشات طول الوقت يقول للأولاد: هذه السنة لا يوجد أكل بالخارج، لا فسح، لا يوجد، لا يوجد من أجل قسط الشقة الذي أسدده. كنت أنظر إليهم بعدم الرد عليه أو التعليق، وقوْل حاضر يا أبي. ولا يوجد نزول إجازات من غيري نهائيًّا، حتى لو لم أسافر كما سوف أجلس تجلسون. أنظر إليهم بعدم التعليق، بمنتهى القسوة ينظر إلي ويقول لي: عندك مانع؟ قلت له: لا طبعًا، ومن قال إننا سنتركك ونسافر؟ نحن معك يا حبيبي. كان يتظاهر بأنه ليس معه فلوس، وأقول للأولاد: لا تحرجوا أباكم وتطلبوا منه شيئًا؛ لأنه ليس معه، يذهبون إليه: أبي لا نريد مصروفًا من أجل أنك ليس معك فلوس، وفي النهاية يقول لي: أنا معي فلوس، لكن أريد أن أعرف رد فعلك ووجهك لما تعرفين أني ليس معي فلوس.(67/4)
وضاقت الظروف ضيَّقَهَا على نفسه وعلى العيال من أجل قسط الشقة ويعاملني وكأني مخطئة، وكأن من المفروض أن أكفر عن ذنبي في حقه، وهو يجلس على الشات ليلَ نهار. كنت أعمل له كُلَّ ما يريده الرجل من المرأة، كنت أقول له اترك ذلك وتعالَ معي نتكلم يقول لي بصراخ: أنت ما شأنك؟ أنت ستأمرينني؟ وضقت ذرعًا وقلت له: أنا أريد أن أنزل إلى مصر نهائيًّا. قال لي: مع ألف سلامة، لكن ليس معي فلوس لسفرك؛ تصرفي.
وربنا رزقني بأخت سعودية - سبحان الله - عرَّفني الله بها قبل النهاية بأشهر، وهى من دفع لي تذاكر السفر والتأشيرة، ومصروف يدي بمصر أيضًا. أحبتني في الله وخاصة لما عرفت أني من آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولم يحاول معي أن يثنيني عن تفكيري أو يقول لي: أنا أحبك ولا أستطيع العيش دونك. والله إن كان قالها لكنت سأظل معه أتحمله؛ لأني أحبه، وشعرت بحبه، لكنَّه لم يقلها لي، وحاول مرة واحدة بأن أيقظني في الصباح ذات يوم وقال لي: العمر ليس فيه كثير، تقدري أن تعيشي من غيري والعيال، فسكت وقمت من السرير، قلت: عساه يقوم ورائي ويشعرني بحبه ويضمني له، لكنه نام واستيقظ نفس الشخص بل جاءني بمنتهي القسوة وقال لي: هاتي خط جوَّالك أعطه لابنتك؛ لأنه يصلح في مصر. وسافرت مصر.. متى؟ في رمضان! تخيلوا هذه القسوة كلها، وفي رمضان ولعن دين البيت وقت الإفطار بسبب اختلاف الأولاد مع بعضهم!!!(67/5)
بعد سفري أرسل إليَّ الأولاد وفي العيد الكبير فوجئت به نزل مصر بعد أن أرسل توكيلاً لمحامٍ، وطلقني على الإبراء والتنازل عن كل حقوقي والقائمة والحضانة وغيرها، كل شيء جردني منه نزل..! أتدرون لماذا؟ ليتزوج مَن عَرَفَهَا على (الإنترنت)!! وكنتُ أقرأ رسائلها له على المحمول وقتها قبل سفري، عرفها شهرين وتزوجها في أسبوع، ومَن كان يقول إنه لا فلوس معه من أجل قسط الشقة عمل فرحًا ولا في الأحلام، والفلوس تجري في يده. تزوج واحدة لا أقول أو أعيب على خلقة الله، لكن الشكل... وغير مريحة نفسيًّا، مَن يراها يقول غير مريحة سبحان الله! كانتْ غير مُحَجَّبة مُتبرجة، ولكنها تحجبت لما تزوجته على حد قولهم، وتشرب السجائر، وتركني! ولن أزكي نفسي على الله هو أعلم بمن اتقى، أعمل داعية على الإنترنت، ومعروفة في أكبر المنتديات الإسلامية الدعوية كمراقبة ومشرفة، الحمد لله، ربنا يتقبل.
وتزوج هذه!! هل يا ناس الجسم والشهوة تحكم الإنسان؟ يعني تزوجها حتى لا وجه لها مريح للنظر إليه! ولكنها رفيعة وتشرب السجائر، وتُنَمِّصُ حاجبها. هل هكذا يريد الرجل؟! الآن سدد أقساط الشقة، والراتب كاملاً أصبح مِلكًا له ولها، تتمتع به أعطاها ما حرمني منه، لكني لا أستطيع أن أنساه، وأحبه، وأتألم من الظلم، وأدعو الله عليه ليل نهار، ونفسيتى مدمرة. الظلم فظيع. لماذا وأنت معك فلوس لم توافق على أن نغير الجوّ سويًّا، ونجدد حياتنا بدلاً من الزواج من أخرى، والطلاق وخراب البيت؟!! لماذا لم يحدثني ويعرف هل أنا مصرّة على الطلاق أم لا؟! صعب جدًّا أن تشعر وكأنك كالهواء لا قيمة لك. عاش حياته، تزوج، يقول: إنه سعيد معها، وهى تدلِّله، وتعمل له ما يريد.(67/6)
والأولاد سافروا له في الإجازة، يقولون لي: يا أمي تستيقظ الساعة 3 عصرًا وتنام 6 صباحًا، تجلس على الإنترنت، وهو أيضًا. يقولون: لا نعرف ماذا تفعل له حتى لا يرى غيرها؟! ابنتي الكبيرة تقول لي لست مرتاحة إليها، أشعر بأنها لا تحب أبي وتستغله فقط، تزوجها عندها31 سنة لم تتزوج من قبل وأنا عندي 34 سنة، يعني لو تزوج فتاة صغيرة وجميلة كنت قلتُ يريد أن يعيش الحياة، لكن في سني وليست حلوة لماذا إذن؟! ماذا فيها؟! ومسيطرة عليه!! هل هو لا يريد شخصية طيبة ويريد شخصية تسيطر عليه؟! .. بالله عليكم لا تهملوا رسالتي، أعرف عنكم عدم الإهمال لأحد، جزاكم الله خيرًا، قولوا لي ماذا أفعل بحياتي؟ أشعر بأني مدمَّرة ومظلومة، والظلم لا يُنِيمُنِي، والله لا يعاقبه، وتاركه! وأنا أريد أن أحس بذُلِّه كما أذلني. وأدعو الله عليه أن تنقلب زوجتُه عليه كما انقلب هو عليَّ، وأن لا يرى خيرًا أبدًا، وأن يقلب قلبه تُجاهي؛ ليراني بصورة أفضل. أشعر أنني لن أرتاح إلا إذا عرفت أنه كان يحبني، وأنه شعر بخطئه في حقي، وأن ربنا انتقم منه. لكن أعلم أنه شخصية فيها كبر؛ لن يقول ولن يعترف، أتمنى أن أجد رجلاً صالحًا يحبني، ويعطف عليَّ، ويكون كريمًا معي، وأن ينصرني الله عليه، اللهم آمين.
قولوا لي بالله عليكم هل أنا تعجلت بالطلاق؟ أم ماذا؟ وهل الحركة أنه يطلقني وبعد شهر فقط يتزوج وبسرعة هل هي كيد فيَّ؟ أم أحبها حقيقة من على الانترنت؟! له معها الآن 6 شهور ولا مشاكل ولا شيء لا أعرف ماذا أقول؟ حسبي الله ونعم الوكيل، منتظرة ردكم بارك الله فيكم.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وأهلاً وسهلاً بك .
ويمكن إجابتُكِ بما يلي:(67/7)
أولاً: بناء على ما ورد في رسالتك فإن الطلاق قد يكون خيرًا لكِ فلا تأسَيْ ولا تحزني خاصة وأنه قد تمّ، قال تعالى: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا}[النساء: 130] قال ابن كثير: " وقد أخبر تعالى أنهما إذا تفرقا فإن الله يغنيه عنها ويغنيها عنه، بأن يعوضه بها من هو خير له منها، ويعوضها عنه بمن هو خير لها منه {وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} أي واسع بالفضل عظيم المنِّ، حكيمًا في جميع أفعاله وأقداره وشرعه ( تفسير ابن كثير / ج2/ ص431).
واعلمي أن أفضل وسيلة للتخفيف عنك هي محاولة الابتعاد عن تتبع أخبار زوجك السابق والسؤال عن حياته، وحاولي نسيان الماضي فلن يفيدك التفكير فيه شيئًا، بل سيزيدك همًّا وغمًّا، فتوكلي على الله واشغلي نفسك بما ينفعها في الدنيا والآخرة.
ثانيًا: الجئي إلى الله - عز وجل - بالدعاء لنفسك، والزمي الاستغفار؛ حتى يفرج الله همك وكربك، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: ((مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ))؛ أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
ثالثًا: احْمَدي الله الذي رزقك ذرية طيبة، فكم من امرأة تتمنى أن يكون لها ذرية ولم يتحقق لها ذلك، فتوجهي إلى الله بالشكر والطاعة والإنابة وارضَيْ بما كتبه لك.
وحافظي على أولادك واجتهدي في تربيتهم تربية صالحة، وتوجيههم إلى سلوك طريق الخير والمحافظة على الصلاة وفعل الخيرات، وأعينيهم على البر بوالدهم وطاعته والإحسان إليه - بغض النظر عمّا حدث منه تُجاهك - عسى الله أن يكتب لك الأجر والمثوبة ويفرج همك ويعوضك خيرًا منه.أسأل الله أن يعوضك خيراَ منه وأن يصلح أولادك ويفرج همك.(67/8)
العنوان: أمي تتحمل عبء البيت، دون مشاركة من زوجات إخوتي
رقم الاستشارة: 60
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا شاب أعيش بين 9 أخوة وأخوات، تزوج أحدهم منذ عامين، وتزوج الآخر هذا العام، ونحن جميعاً نعيش في بيت واحد.
وأخي الذي تزوج أولاً يستقل مع زوجته في طعامه وشرابه، غير أنه كلما اشترى فاكهة - موزاً أو تفاحاً - أو أعدَّت زوجته حلوى أو شيئاً من الأشياء تأتي لنا بالقليل؛ تشاركنا فيه.
أما أخي الذي تزوج قبل رمضان بشهر؛ فإنه يعيش في بيته وحده، ولكنه يأكل معنا، ويقول: أنا مازلت في (الدكس)!! وزوجته تشارك مرة واحدة فقط في الأسبوع في الطهي لنا، ولا تعمل شيئاً آخر!!
وهو يشتري اللذائذ، يأكلها مع زوجته ويخفيها عنا! مثلاً: في رمضان يصعد إلى غرفته، وعندما يؤذن المؤذن يأكل التمر هو وزوجته، ثم ينزل ليأكل معنا، يأكل كل شيء؛ حتى قارورة العصير التي توضع على المنضدة، يشربها – تقريباً – وحده، وعنده - والله - المبرد ملآن!!
-----------------------------------------
الجواب:
مرحباً بك وشكراً لاهتمامك بوالدتك وأهل بيتك، وهذا مما يُفرح القلب ويسرّه.
مما لا شك فيه أخي العزيز أن ما يقوم به أخوك وزوجته من إهمال وتفريط، واستئثار باللذائذ عن بقية الأسرة، أمر معيبٌ وغير مقبول؛ ولذا أنصح بالتالي:
- يجب أن تصل هذه الملاحظة بشكل واضح إلى أخيك؛ لأنه - في كثير من الأحيان - يغيب عن المرء ما يلاحظه الناس على سلوكه، وقد يكون غيرَ منتبه لما يقوم به هو وزوجته – أو أحدهما - ويعتبرانه أمراً طبيعياً، ونحن مأمورون بحمل أمور الناس على حسن الظن؛ فلعله لم ينتبه وسوف يتغير بعد أن تصل إليه هذه الملاحظة عن طريق أخيه الكبير، أو من يحترمه ويقدره.(68/1)
- الوضع المثالي في مثل حالتكم: أن يُقَسَّم العمل في البيت على الجميع بصورة متساوية، ولأجل ذلك: قم بتنظيم اجتماع أسري لكل العائلة – لا تحضره الوالدة - يسوده الود والحب والتفاهم، ولا يُشار فيه قط إلى تصرفات الأخ وزوجته؛ بل يطرح فيه موضوعاً عاماً للنقاش، وهو كيفية تخفيف العبء عن الوالدة الكبيرة، والتي تنتظر - في مثل سنها - التقدير والمساعدة والمعاملة الخاصة. ومما يدعم هذه الفكرة: كثرة عددكم - ما شاء الله - وهذا أمرٌ رائعٌ؛ فاحمد الله عليه.
- من الأفكار - أيضاً -: أن يوضع صندوق مالي عام للأسرة، يساهم فيه الجميع لتغطية مصاريف الأسرة المشتركة، ويجب أن تُقدم هذه الفكرة دون إشارة - من قريب أو من بعيد - إلى سلوك الأخ أو الزوجة؛ بل هو تنظيم للأمور؛ كي تسير بشكل أسهل.
- من الواضح أن العلاقات داخل أسرتكم – رغم أنها معقولة – لكنها تحتاج إلى العمل على تقويتها وتعزيزها. تذكر أن العلاقات الإنسانية - ومنها العلاقات الأسرية - تحتاج إلى تغذية وعناية دائمة، تماماً كما تحتاج الزهرة إلى الماء والغذاء، وإلا فستموت بدونهما!!
- البخل: طبعٌ قد يصعب تغييره بواسطتك أنت، ما لم يعترف الشخص المعنيُّ بهذه المشكلة، ويسعى للتغلب عليها، وكما تعلم: فإن بعض المشكلات يكون أفضل حل لها هو قبولها كما هي وحسب!!
- ختاماً: أرجو ألا تتوقف عن رعاية والدتك والعناية بمشاعرها، وهنيئاً لك ما يخبئه الله - عزَّ وجلَّ - لك من أجر ومثوبة، وسعادة في الدنيا والآخرة.
شكراً لزيارتك لموقع (الألوكة)، وأتمنى أن تنضم لأسرة الموقع؛ ففيه - دوماً - الجديد والمفيد، وفَّقك الله إلى كل خير.(68/2)
العنوان: أنا أب لأربعة أطفال، وعنِّين نفسيّاً
رقم الاستشارة: 88
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم
ابتُليت بظروف سيئة للغاية، عشتها في العراق العظيم، أدَّت بي إلى حالة من (العَنانة النفسية)، ولم أستطع حتى اليوم الخروج منها، على الرغم من كثرة ما جربته من علاجات، وأدهى من كل ذلك أنني صرتُ أعاني حالة (الألكسيثايميا alexithymia)، فأنا الآن مجرد آلة تعمل بصورة دقيقة، ولا تملك أيَّة مشاعر، إلا مشاعر الإحباط التي تعتريني عندما أرى أناساً يتمتعون بما حُرمت منه.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم، مرحباً بك في موقع (الألوكة)، وشكراً لثقتك الغالية.
أسأل الله العظيم أن يفرِّج عنكَ، وعن جميع أخواننا في (العراق)، وأن يبسط عليكم رحمته وعفوه وبركته.
ما فهمته من سؤالك - سيدي الكريم - أنكَ تعاني من (العَنانة) أو (الضعف الجنسي)، ونحن نعلم أن أسباب هذه (العنانة) تندرج ضمن قسمين رئيسين:
الأول - وهو الأكثر شيوعاً -: الأسباب النفسية؛ فما نتعرض له من ضغطٍ نفسيٍّ، وما نحمله في قلوبنا من هموم وغموم، تحرمنا من الاستمتاع الجنسي، وتقوِّض الرغبة فينا.
الثاني: أمراضٌ عضويةٌ عديدةٌ، يقف على رأسها (السُّكري)، و(أمراض الشرايين)، و(ارتفاع ضغط الدم) .. وغيرها. وعند وجودها يجب أن يصرف المريض كل طاقته لعلاج السبب الأصلي قبل الانتباه لمشكلة (العنانة).
أخي الكريم:
أريدكَ أن تنظر إلى مشكلة (العَنانة) – في غياب أيِّ مرض عضويٍّ، وبعد استشارة طبيب البولية والتناسلية- على أنها عرضٌ لمشكلة، وليست هي المشكلة نفسها!!(69/1)
الرغبة الجنسية هي تعبيرٌ عن مدى ارتياح الرُّوح والنفس، وانسجامهما مع الحياة والواقع المحيط؛ لذا كان من المهم أن نصل إلى هذه المرتبة من الارتياح النفسي، والقبول والسكينة والطمأنينة، ويمكن الوصول إلى هذه المعاني العظيمة عبر تعزيز العلاقة بالله - عزَّ وجلَّ - والاعتصام بركنه الشديد، وصدق التوكُّل عليه .. لا أقول هذا كمن يردِّد المواعظ والنصائح؛ بل يجب أن تحيا فيك مثل هذه المعاني العظيمة، وأن تتمثَّلها حقيقةً في قلبكَ ورُوحكَ.
ومن الوسائل المهمة أيضاً: حسن التواصل مع الناس، وتعزيز معاني التضامن والتآلف معهم، وأن تكون شخصاً مهمّاً في حياتهم، تعين ضعيفهم، وتواسي منكوبهم، ويذكركَ الجميع بخير.
أما ما ذكرته من (الألكسيثايميا alexithymia) - وهي حالةٌ من عدم القدرة على التعبير عن المشاعر، أو التعرف على مشاعر الآخرين - فأعتقد أن تشخيص وجود هذه الحالة لديك ليس صحيحاً، ولا أدري مَنْ اقترح مثل هذا التشخيص, خاصةً أن العلماء مازالوا يشكِّكون في وجود مثل هذه الحالة، ولم يصلوا لتعريفٍ واضحٍ لها، وحتى ما اقتُرح بصدد هذه الحالة، فإنه لا يناسب وصفك لها.
ما وصفته من حالة (الخُلُوِّ من المشاعر) هو حالة قابلناها كثيراً في مرضى الاكتئاب، فهم لا يشعرون بالحزن بكيفية واضحة؛ بل يشعرون بحالة (اللامشاعر)، وهذا يؤلمهم أكثر من الحزن؛ لذا أريد منكَ أن تستكشف بقية أعراض الاكتئاب، وهي على الصورة التالية:
- الحزن، والبكاء، وضيق الصدر.
- الانسحاب من الحياة الاجتماعية, وعدم الرغبة في الاختلاط بالناس ومجالستهم.
- ضعفٌ في الذاكرة، وصعوبةٌ في التركيز.
- اضطراب النوم؛ أي: صعوبةٌ في النوم، أو اليقظة المتكررة في الليل، أو الاستيقاظ المبكِّر؛ أي: قبل مواعيد الاستيقاظ المألوفة بساعتين تقريباً.
- نقص الشهية، ويترتب عليه نقص الوزن.
- سرعة الغضب والتعصُّب.
- عدم القدرة على الممازحة والضحك.(69/2)
- فقدان الاهتمام والاستمتاع بما كان يُمتع المريض من قبل - بما في ذلك الجنس - وهذا قد يفسر ما تشكو منه من (عَنانة جنسية).
- التعب، وسرعة الإنهاك من أقل مجهود.
- الشعور بآلام جسدية مختلفة، ليس لها تفسير طبيٌّ واضحٌ.
- الشعور بالوحدة, وتخلِّي الناس عن المريض, وفقدان الأمل في الدنيا, وتمنِّي الموت, والتفكير في الانتحار.
- فقدان الشعور بالأهمية والفائدة.
- لوم النفس بصورة زائدة، أو غير منطقية، كشعور المريض – مثلاً - بأنه قد ارتكب محرمات كثيرة، لا يغفرها الله له, أو أنه قصَّر في علاقته مع شريكة حياته, أو في تربيته لأولاده.
لو وجدت لديك بعض الأعراض السابقة - وليس كلها - فأرجو منك زيارة أي طبيب نفسي في أقرب فرصة؛ فهناك بحمد الله العديد من الأساليب العلاجية والأدوية الرائعة، التي تعالج هذه الحالة دون تعوُّد، ودون أيِّ أعراض جانبية مهمة.
أرجو أن أكون قد قدَّمت لك ما يفيد, وتقبَّل تحياتي وتقديري لصبركم المشرَّف في بلاد الرافدين، ومرحباً بك دوماً في موقع (الألوكة).(69/3)
العنوان: أنا عاطفية.. ولكن
رقم الاستشارة: 126
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا فتاة في الصف الثالث الثانوي، متفوقة نوعًا ما في دراستي، أشعر أني ممن يستخدمون عواطفهم أكثر من عقولهم في حل وتدبير كل شؤونهم، أحب ذلك، ولكن أشعر بأنه يؤذيني من جوانب أخرى. في بعض الأحيان أتنازل عن حقوقٍ لي (بدون جزاء أو شكور).
أشعر أني حساسة لدرجة كبيرة، حتى إن التعامل معي أصبح صعبًا، لكثرة ما أتضايق مِمَّن حولي حتى من أشياء تافهة ولكن - ولله الحمد - حاولت أن أتخلص من تلك العادة، وأصبحت أرى الأمور ببساطة أكثر وهي بالأصل بسيطة ولكن أنا من يكبرها، أحاول أن التمس العذر لكل من يخطئ أو يقصر في حقي، ولكنه لا يزال بداخلي خالدًا في الذكرى فمن المستحيل أن أنسى أي موقفٍ آلمني، دموعي دائمًا تسبق عباراتي، إذا خضت في جدال أو حوار أو حتى نقاش أرى بعض الكلمات التي تقال لي كبيره وقد تقع في قلبي دون أن يشعر من قالها، أعاني كثيرا من أُخَيَّتي وهي بنفس سني، هي جافة قليلا معي لا أحتمل عباراتها ولكن لا أملك حيلة غير الكتم، وأحيانا تبكيني عباراتها ولكن بعيدا عنها كثيرا من الأمور تضايقني وتشغل جزءا من تفكيري مع أنه لو رآها أحد لرأى أنها تافهة لا أحب أن أرى عداوة بين الناس، أحمل عواطف جياشة أعبر عنها بحرارة لمن أحب، ولكن الضيق أتعبني، فكيف برأيك أتخلص من تلك الأمور الخالدة في مخيلتي؟ ولله الحمد استطعت أن أتغاضى وأسامح فكيف أنسى وأعيش بسعادة أكثر دون تفكير.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة.. مرحبا بك في موقع (الألوكة) وأهلا وسهلا..
من الجميل أن تمتلكي هذه البصيرة وهذا الوعي بنفسك.. إنها الخطوة الأهم في طريق التغيير..(70/1)
ليس من العيب أن نكون عاطفيين، لكن المهم هو مدى قدرتنا على ضبط أنفسنا.. ضبط سلوكنا الخارجي في المقام الأول.. العاطفة قوة رائعة لكن بدون ضبطها ووضعها في المكان المناسب فهي مؤذية، وتقلل منِ احترامك لنفسك واحترامِ الناس لك.. تابعي معي النقاط التالية:
أولا: الحساسية الزائدة لنقد الآخرين وطريقة حديثهم معنا ينجم في الأساس عن فكرة خاطئة داخل أعماقنا وهي: أن حبنا لأنفسنا، واحترامنا لها هو نتيجة لقبول الآخرين لنا وحبهم لنا.. فإن أثنوا علينا شعرنا بالسعادة، وإن جفونا أو انتقدونا شعرنا بألم داخلي عميق. في الحالة هذه نحن نضع سعادتنا في أيدي غيرنا وهذه مشكلة كبيرة.
حبك لنفسك - يا سيدتي - يجب أن يكون نابعا من نفسك أنت.. من شعورك بأنك مميزة وتستحقين الاحترام.. ولزيادة حبك لنفسك وثقتك بها قومي بأعمال مميزة لا يقوم بها عامه الناس (كقيام الليل والصيام والكتابة والقراءة وغير ذلك). والنتيجة شعورك بالتميز وزيادة ثقتك بنفسك وحبك لها.
ثانيا: التسامح والعفو عن الآخرين من المهارات النفسية الراقية.. صدقيني إن الرابح من عفوك وتسامحك عن هفوات الآخرين هو أنت.. أنت أول الرابحين.. لأن التسامح .. لماذا يبقى في داخلك؟ أعود للمشكلة الأصلية وهي اعتمادك على الآخرين في الشعور الإيجابي ولذا فيسبب من يخطئ في حقك ألما رهيبا لا تَنْسَيْنَهُ. لو عالجتِ هذه المشكلة (أي انتظار الحب والقبول من الآخرين) فستشعرين بتغير كبير. وأدعوك إلى قراءة مقال كتبتُه عن التسامُح في موقع (الألوكة) تحت باب (تربية).(70/2)
ثالثا: أريدك أن تبدئي من اليوم بوضع أهداف قصيرة وطويلة الأمد لحياتك.. أنت فتاة مميزة ومع القليل من الجهد لترتيب حياتك وتنظيمها ستنطلقين من المشاعر السلبية إلى العالم الإيجابي حيثُ العملُ والإنجازُ والرضا عن النفس. إن أهم سبب لشعورنا بالضعف هو خلو حياتنا من هدف نعيش من أجله.. عندما لا يكون لدينا الحافز والدافعية التي توقظنا من الليل وتجعلنا نقفز من السرير بكل حماس.. هناك العديد من الكتب والمقالات على الشبكة الالكترونية التي ستساعدك في هذا الأمر.
رابعا: كما قلت سابقا - سيدتي - المشاعر الجياشة أمر جميل لكن يجب أن تضبطي إظهارك لها؛ فإظهارها المبالَغُ للآخرين ممن تُحِبّينَ يحرِمُكِ منِ احترام الناسِ لكِ.. تذكري أننا كما نضغط على (دواسة) الفرامل لإيقاف السيارة عند الإشارة الحمراء يجب أن تضغطي على نفسك لإظهار هذه المشاعر في الوقت المناسب والى الحد المناسب.
ختاما: أوصيك بأمرين أعتقد أن فيهما السر في تنمية الشخصية.. أولا: الدعاء الصادق وطلب التوفيق من الله – عز وجل-, والأمر الثاني: القراءة حيث تتفتح المدارك ويزيد الوعي ويُرَقِّي من النفس.. وفقكِ اللهُ لما يُرضيه.. وأهلا بك دوما في موقع (الألوكة).(70/3)
العنوان: أنا في بيئة منعزلة.. كيف أجد زوجاً؟
رقم الاستشارة: 81
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أبلغ من العمر 24 سنة، نعيش منذ 5 سنوات في مدينة الإسكندرية، وكنا - قبل ذلك - نقيم في محافظة الشرقية طوال حياتنا، وأنهينا تعليمنا فيها، والدنا صمم أن نسافر إلى الإسكندرية، لكن والدتي رفضت، وعندما هدد بأنه سيذهب وحده ويتركنا، وافقت أمي أن نسافر معه.
وحتى الآن حياتنا لم تستقر، وليس لنا علاقات اجتماعية ولا أقارب يسألون عنا، وأنا فتاة أريد أن أتزوج وأكوِّن أسرة، لكن كيف؟! أنا ليس لي أصحاب ولا أخرج من البيت منذ 5 سنوات جالسة في البيت، وخروجي قليل جداً، وأمي مريضة، وأبى أحيل إلى المعاش المبكر، خروجه من البيت إلى المسجد فقط، وليس له علاقات بأحد، وكلنا ليس لنا علاقات.
أنا على قدر من الجمال، ومتعلمة، معي جامعة عمالية، ومتدينة، وعندي أخلاق لا توجد في هذا الزمن كثيراً، ممكن تساعدوني في مشكلتي؟
وآسفة على إزعاجكم بمشاكلي.
-----------------------------------------
الجواب:
أهلا بك أختي الكريمة من مصر العزيزة على قلوب الجميع..
هل تستطيعي أن تدوري معي قليلاً؛ لنرى وضع حياتك من زاوية مختلفة؟
تعالي وانظري معي؛ لأنني أرى أشياء لا ترينها أنت، إن انتقالكم إلى (الإسكندرية) قد يحمل خيراً كبيراً، وليس هناك أي مبرر للعزلة التي تعيشين فيها؛ ففي (الإسكندرية), هناك العشرات من النشاطات المفيدة والرائعة؛ هناك فرصة ممتازة لتكوين العديد من الصداقات الجميلة مع فتيات فاضلات وصاحبات خلق ودين مثلك.(71/1)
اخرجي من القوقعة ولا تترددي، واتركي الرزق والزواج على الله سبحانه، الذي يرزق عباده دون تخطيط منهم أو انتباه، ولا يِخذِل من توكل عليه بصدق وسلّم أمره له؛ فقد جاء في الحديث الشريف عن الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خِماصاً وتروح بطانا))، أي تخرج من عشها جائعة وتعود إليه ممتلئة البطن.
أريدك أن تمتلئي حيوية وأملاً ونشاطاً, وتوكلي على الله عز وجل, وانطلقي في حياتك، اعملي عملاً صالحاً وخيراً، لك وللناس من حولك، عندما تستيقظين غداً خذي نَفَساً عميقاً واشكري الله على يوم جديد وجميل، وخذي وعداً على نفسك أن يكون أجمل يوم في حياتك.
هذه ليست كلمات تحفيزية جوفاء تذهب في الهواء سُدى، بل اجعلي منها بداية؛ لتحركي بها نفسكِ الساكنة ولتتخلصي من قيود الماضي والأوهام، التي نحبس أنفسنا فيها.
أتمنى لكِ أياماً جميلة، مليئة بالخير والفضيلة..
وفقكِ الله إلى كل خير، وسدد خطاكِ.. ومرحباً بك دوماً في موقع (الألوكة).(71/2)
العنوان: أنا في سجن
رقم الاستشارة: 93
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
منذ أن كنتُ صغيرةً وأمي وأبي يختاران لي كلَّ شيء، ويفرضان عليَّ وصايتهم، ويتحكَّمان في أدقِّ تفاصيل حياتي، والحجَّة - بالطبع - أنني لا زلتُ صغيرة، ولا أعرف ما فيه مصلحتي.
لم أحظَ يوماً بالفرصة في الاختيار؛ فلا أختار طعامي ولا شرابي ولا ملابسي، ولم أكن حتى أختار ألعابي، ولا نوعية القنوات والبرامج التلفازية التي أُشاهدها، ولو تجرَّأت يوماً فطلبت شيئاً معيَّناً؛ كان الردُّ جاهزاً: هذا الطعام ليس مغذِّياً، هذا الرِّداء ليس جميلاً، هذه اللعبة ليست مفيدةً، هذه القنوات للكبار فقط، هذه البرامج مضيعة للوقت، لا خروج بمفردكِ، لا زيارات لأحد من جيراننا ولا أقربائنا، لن تذاكري اليوم إلا هذه المادة، فإذا ما جلستُ للمذاكرة جلستْ أمي أمامي حتى أنتهي.
حتى صديقاتي وصاحباتي اللاتي يُفترض أن أختارهنَّ عن قناعة حتى أستطيع التفاعل معهنَّ لم يسلمن من تحكُّم وتسلُّط أبويَّ: لا تصاحبي سارة ولا ريهام، لا تتكلمي معهما مرة أخرى..!! هكذا يريدانني دائماً في عزلة عن الآخرين، فإذا ما سألتُ عن الأسباب؛ كانت الإجابة: لا تجادلي؛ فنحن أدرى بمصلحتكِ؛ أنتِ لا زلتِ صغيرة!
كلما أدركَ أبواي أن علاقتي بإحدى صاحباتي بدأت في التطور لجأ أبواي إلى إحراجها إحراجاً مباشراً لتبتعد عني: لا تكلمي ابنتي مرة أخرى! بل إنهما حينما لمسا تمسُّكي الشديد بإحدى صاحباتي اتهماها بالسرقة، فكرهتْني وابتعدتْ عنِّي إلى الأبد! وصار من المألوف أن يقوما بنقلي كل عام من مدرسة لأخرى جديدة، حرصاً منهما على ألا تتطور علاقتي بأحد ممن حولي.(72/1)
أشعر أنني في سجنٍ، أحيا فيه بلا إرادة، ولا أملك فيه السلطة ولا القدرة على صناعة مصيري أو أي شيءٍ مما يرتبط به، ومشكلتى الأكبر أنني طالبة في شهادة الثانوية العامة، وكلما فكرت فيما سيحدث عند انتهاء المرحلة، وتوجُّهي لاختيار الكلية التي أرغب في استكمال دراستي الجامعية بها - استشعرتُ أنني مشرفةٌ على وقت عصيب؛ فلن يدعني أهلي - كعادتهم - أختار الكلية التي أحب أن ألتحق بها، وسيفرِضون عليَّ - كما يفرضون دائماً - الكلية يرون أنها الأنسب لي، بحُجَّة أنني لا أدرِك ما يناسبني.
فكَّرتُ أن أنتحر أكثر من مرة، وفكرتُ أن أهرب من البيت، لكن إلى أين أذهب بعد أن جعلوا الدنيا ضيِّقة أمامي؟! فأنا لا أعرف أحداً ولا أحد يعرفني، ليس عندي أصحاب ولا أصدقاء، الدنيا كلها أصبحت تكرهني بسببهم، أرجوكم دُلُّوني على حلٍّ لمشكلتي - إن كان لها حلٌّ - غير الانتحار.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة:
مرحبا بك، وأهلاً وسهلاً.
أفهمُ شعوركِ جيداً، فما أصعب الحياة مع أبوين متحكِّمَيْن! هما يحبَّانِكِ بشدَّة، لكنهما يُظهران ذلك بأسلوب خاطئ، بأسلوب التحكُّم المفرِط بسبب الخوف في قلبَيْهما، والسعي الدَّائب إلى الكمال.
وبما أنك في مرحلة مبكرة؛ فيبدو أنَّ أيَّ عناد لن يُفيد، وأقترحُ عليكِ الأمور التالية:
أولاً: اختاري اللحظات الهادئة، وانفردي بأحد والديْكِ - خاصةً والدتك - وأخبريها كم تحبينها، وكم أنت ممتنَّةٌ لعنايتها بك، وليكن ذلك مع هديَّة صغيرة! وبعد ذلك أخبريها عن أملكِ في أن تصبحي كبيرة؛ حيث يُمكنكِ أن تفعلي الأشياء دون رقابة.. وهكذا يتطور الحديث، عبر ذكر قصص لفتيات مميزات - ممَّن تَعرِفُ هي - وكيف يمارسن حياتهنَّ بنجاح، دون متابعة مستمرَّة.(72/2)
ثانياً: ابدئي باتخاذ كل الإجراءات الوقائية التي تمنع من تدخُّلهم في اختيار تخصُّص الجامعة، ومن ذلك: تقوية علاقتكِ بأحد أعمامكِ أو أخوالكِ، أو أيِّ صديقٍ قريبٍ من العائلة, فستحتاجينه الآن - بلا شك - وستحتاجينه فيما بعد من أجل اختيار الجامعة.
كما أنصحك بألا تبادري بالكشف عمَّا تريدين الآن؛ بل تريَّثي؛ اسمعي قولهم، ومن ثمَّ اختاري الوقت المناسب للموافقة أو المعارضة.
ثالثاً: اهتمامي الأكبر الآن هو اهتمامي بحالتكِ النفسية، أقصد الضَّغط النفسي الذي تتعرضين له بسبب تحكُّمهم، فسوف يعطِّل - بلا شك - قدراتِك في المذاكرة, واتخاذ القرارات الهامة.
يجب أن تصلي إلى حالة من الهدوء النفسي الذي يحميك من الأثر المدمِّر للضَّغط النفسي.. كيف ذلك؟
قولي لنفسِكِ - وأنت مقتنعةٌ -: "إنهما يفعلان ذلك لأنهما يحبَّانني.. أنا بخير، على الأقل لديَّ والِدان.. سأستمتع بحياتي أيّاً كانت.." وهكذا؛ فأحاديث النفس هذه - على غرابتها لكِ - سوف تخفِّف عنكِ الكثير؛ إذ ليس من مصلحتك أن تفكري بأسلوب متشائم؛ فهذا سيزيد الأمر سوءاً.
رابعاً: أريدُكِ أن تستمتعي بحياتِكِ على الرغم من كلِّ شيء؛ فليس لأحدٍ السُّلطة في نزع المرح من حياتكِ، ولكن احذري اللجوء إلى صديقات السُّوء، أو أيِّ صداقة مع شابٍّ، حتى لو بدا عليها البراءة؛ فالكثير منهم يببحثون عن الفتاة غير المستقرَّة، ليستغلوا وضعها، ويُبدون التعاطف، وهم يريدون أن ينالوا شيئاً آخر!!
أخيراً:
لا تتوقَّعي أن يحدث التغيير بين يوم وليلة، فمثل هذه الأمور متأصِّلة في نفوسهم، ولا يسهل تغييرها بسرعة، ولكن كما يقول المثل: (مشوار الميل يبدأ بخطوة)، والتغيير البطيء هو التغيير الذي يبقى.
وفَّقكِ الله لكل خير، ولا تنسي الأجر الجزيل الذي يخبئه الله لكِ؛ بسبب صبرك على والدَيْكِ، وقد يكون ذلك سبباً لدخولكِ الجنَّة؛ فما أحلى ذلك!!!(72/3)
العنوان: أنا مطلقة ولدي طفل
رقم الاستشارة: 51
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا مطلقة، ولدي طفل عمره سنتين، قبل الطلاق كان مدللاً، وبعد الطلاق أصبح يعيش في بيت جده، وكنت مضطرةً لهذا؛ لأني كنت مريضة.
والآن عمره ثلاث سنوات، ولا يقبل أن يأتي ليسكن معي، أنا أحاول إقناعه كثيراً بلا فائدة، فهو يأتي عندي يوماً واحداً، وبعدها يطلب أن يعود إلى بيت جده، أنا خائفة جداً عليه من أن يصبح - عندما يكبر - رجلاً سيئاً؛ لأن أباه يتعاطى الخمر ويزني، ماذا سأفعل؟ وكيف أستطيع الحفاظ عليه، وأبعده عن الحرام؟ وأنا ربما أتزوج، فماذا سأفعل؟ وهل من طريقة أجعل بها ولدي رجلاً صالحاً يخاف الله؟ وهل من الأفضل إن تزوجت أن يعيش معي؟ أرجوكم ساعدوني.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة:
مرحباً بك في موقع (الألوكة).. وفقك الله ورعاك..
لابد أنك مررت بوقت عصيب - والحمد لله على كل حال - وأظن أن أمورك أكثر استقراراً الآن، أسأل الله العظيم أن يمدَّك بعون منه ورحمة.
إن غيابك المفاجئ عن ابنك الصغير - لأسباب خارجة عن إرادتك - هو صدمة نفسية لطفلك؛ فهو يشعر الآن بمشاعر متضاربة ناحيتك، فيها الكثير من الغضب، والكثير من الحب أيضاً.
كنت أودُّ أن أعرف المزيد عن وضع طفلك النفسي حالياً، وكيفية تعامل أهل والده معه؛ فهذا أمر أساسي في سبيل التغلب على المشكلة.
أفهم تماماً قلقك على طفلك من النشأة في كنف والد يرتكب المنكرات العظيمة، وإن كانت رعايته تتم بواسطة جده، ولعل هذا يخفِّف من حدَّة المشكلة؛ لذا أريد منك القيام بأمرين مهمَّيْن:
الأول: يجب أن تستعيدي مكانة الأمومة لدى طفلك، الأمر يحتاج إلى جرعات متزايدة من الحنان والعطف والاهتمام، والأهم من ذلك: الوقت؛ فكوني صبورة، ولا تتعجلي النتائج، وابدئي بالعمل على استرجاع دور الأمومة بهدوء وصبر وإصرار.(73/1)
الثاني: لا تحاولي بأي طريقة - أمام طفلك - أن تشوِّهي صورة والده أو أهل والده، لا تسلكي طريق إلغاء الآخر من أجل أن تكسبي أنت؛ فهذه الطريقة لها آثار جانبية سيئة وكثيرة. قومي بتربيته على القيم الصالحة، دون تخويفه من أبيه أو أهله، لقد كوَّنوا أرض الأمان التي نحتاج إليها في هذه المرحلة من النمو؛ فلا تهزِّيه!!
وأؤكد على اهتمامك المبكر بطفلك لتجاوز الأزمة التي مرَّت به، وبالاهتمام بمستقبله.. كوني إيجابية.. إن خلافك مع والده يجب ألاَّ يمنعك من التعاون معه ومع أهله من أجل توفير بيئة آمنة مستقرة يعيش فيها، سواء كان قريباً منك أو من والده.
إن طفلك يمر بمرحلة حرجة من حياته، وسيكون لاهتمامك ورعايتك له أكبر الأثر على مستقبله كله.
وفَّقك الله إلى كل خير، وأرجو ألا تتردَّدي في الكتابة لنا، ومرحباً بك دوماً..(73/2)
العنوان: أنا مُكتئِب من علاج الاكتئاب
رقم الاستشارة: 168
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أرجُو إيضاح الطريقة المُثْلى لإيقاف علاج (السيروكسات)، حيثُ تعودت على استخدامه مُنْذ عام، وأرْغَب في إيقافه. وقد أرْشَدني أحد الأطباء غير النفْسِيينَ أن أستخدمه يومًا، وأتركه يومَيْنِ، ثم آخُذ حَبَّة في اليوم الثالث... وذلك لمدة شهر. فهل هذه الطريقة جيدة؟ أرجُو مساعدتي، ولكم الأجرُ ودعاءٌ مني.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
مرحبًا بك في مَوْقع (الألوكة)، وشكرًا لثِقَتك الغالية.
(السيروكسات) من الأدوية الجيّدة التي نستخدمها في علاج الاكتئاب، والقلق، وأمراض أخرى كثيرة...
وكما تعلم: فهو لا يسبّب الإدْمَان أو التعود؛ ولكن يحتاج إلى شيء من الوقت لإيقافه؛ حتى نَتَلافَى الأعراض الانْسِحَابِيَّة التي قد تَنْشَأ من إيقاف الدواء بشكل مُفاجِئ أو سريع.
ومِنَ الوسائل الفعَّالة: أن تأخذَ نصف حَبَّة يوميًّا على مَدَى أُسْبُوعَيْنِ إلى ثلاثة أسابيع، ثم تأخُذ نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة أُسبوع إلى أسبوعَينِ، ثم أَوْقِف العلاج. ولو لم تُنَاسبك هذه الخُطَّة فيمكن أن تُطِيل المدة في الخُطوة الأولى إلى أن ترتاح قبل أن تخطوَ إلى الخُطوة التالية.
يجب أن تَنْتَبِهَ لنقطة مُهمَّة وهي: (التفريق بين الأعراض الانْسِحَابية الناتجة عن إيقاف العلاج) - وهي أعراض مؤقَّتة، ولا تسبّب مشكلة - وبين (عَوْدة الأعراض الأصلية التي قد تظهر مجددًا بعد إيقاف العلاج)، ويفيدك طبيبك المُعَالِج في التفريق بين كِلْتا الحالتَيْنِ حسب الحالة الأصلية المعالجة.
وفَّقَكَ الله لما يرضيه، وألبسك ثوب العافية.
ومرحبًا بك دومًا في موقع (الألوكة).(74/1)
العنوان: سألني الصغير: "من خلق الله؟"؛ فبم أجيب؟
رقم الاستشارة: 141
المستشار: أ. محمد الحازمي
-----------------------------------------
السؤال:
فاجأني أحدُ الأطفال الصّغار بسؤال غريب وهو: "مَنْ خَلَقَ الله؟" وألحَّ عليَّ في الإجابة.. فبم أجيب؟ وكيف أتعامل مع هذا النوع من الأسئلة؟
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم،
تكثر لدى الطِّفْلِ الأسئلةُ المختلفةُ مع بداية النطق والكلام، فَتَجِدُهُ يسأل عن كل شيء حوله، وقد تكون الأسئلة غريبة أحيانًا؛ نظرًا لأنَّ الطفل محدود التفكير، وفي نفس الوقت واسع الخيال، ولذا يمكن أن تجيب على سؤاله بالحكمة والتدرج، مع اتباع الآتي:
- ترك المجال له للتعبير عمَّا يدور في نفسه بِحُرِّيَّة تامَّةٍ دون مُقاطَعَةٍ أَوْ زَجْرٍ.
- الاهتمام بأسئلته والإصغاء إليه، وعدم إهمال الإجابة عليها.
• ينبغي أن تكون الإجابة:
(أ) علمية ودقيقة وصادقة وواضحة.
(ب) سهلة ومناسبة لمستوى تفكيره، دون تعقيد.
(ج) محاولة ربط الإجابة بالأشياء الملموسة.
(د) أن تكون الإجابة مقنعة وغير متناقضة.
• ومن هنا فإنَّ الإجابة على سؤاله تكون كالتالي:
1- أن تَلْفِتَ انتِبَاهَهُ إلى عظمة الله تعالى، من خلال التأمُّل والتفكر في مخلوقاته مثل خلق الإنسانِ والجبال والبحار والأنهار والشمس والقمر وغيرها من المخلوقات الكونية، قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101].
وقال تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: 17].(75/1)
وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:185]، وقال تعالى {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس: 24].
2- أن تعلّمه أن الله - عز وجل - يَخلُق ولم يخلقه أحد، لأن من صفات الله أنه "الخالق" قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 24]، ومن صفات الله الخالق: أنه الأول فليس قبله شيء، والآخر فليس بعده شيء، والظاهر فليس فوقه شيء، والباطن فليس دونه شيء، والقادر على كل شيء، وهو البارئ المصور، عالم الغيب، ليس كمثله شيء سبحانه وتعالى.
قال تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3].
ومن صفات المخلوق: أنه ليس له قدرةٌ على الخلق ولا يعلم الغيب، ومن صفاته كذلك: العجز والضعف والمرض والموت.
3- أن تشرح له سورة الإخلاص من أحد الكتب المعتمدة في التفسير مثل "تفسير ابن كثير"، قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1-4]؛ لأن فيها دليلاً جليًا على أن الله لم يخلقه أحد ولم يلد ولم يولد.
4- أن تبيّن له أن هذا السؤال قد نهى عنه النبي – صلى الله عليه وسلم - وأن الإجابة عليه قد وضحها النبي – صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل: آمنت بالله))؛ أخرجه مسلم.(75/2)
5- أن توضح له أن السؤال الصحيح هو "من خلقك أنت؟" حتى يجيبك بأن الذي خلقه هو الله سبحانه، فيعلم أن الخالق لا يخلقه أحد، والمخلوق يخلقه الله تبارك وتعالى؛ قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} [الطور: 35، 36].
6- أن تحاول أن ترشده إلى تعلُّم التوحيد والعقيدة الصحيحة من خلال الكتب الميسرة التي تناسب مرحلته العمرية حتى يثبت الإيمان في قلبه، مثل رسالة بعنوان: "القواعد الأربع"، وكتاب: "الأصول الثلاثة"، للشيخ محمد بن عبد الوهاب مع شروحها.
وفقك الله وإياه لكل خير، وثبَّتنا وإياكم على الحق.(75/3)
العنوان: أنا.. وهو
رقم الاستشارة: 183
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم، أختي الغالية: الإنسان لا بُد له من مواقفَ تَهُزُّ ثِقته بذاته، فأنا قادرة على الاسترسال معه في أي موضوع يَطرحه هو، أما أنا فليس لديَّ القدرة على فتح موضوع جديد لحوار آخر، وهناك أيضًا سبب؛ لأنه يطلب مني أن أتكلم، حينها أرتبك ولا أذكر شيئًا بتاتًا، وفي هذه الفترة يطلب مني التحدث؛ لكن ليس باستطاعتي فتح أي حوار سوى فلان فعل كذا، فلان يريد أن يفعل كذا، أما بالنسبة لشخصيتي فأنا ذات شخصية اجتماعية، حنونة، قويَّة نوعًا ما، وأحب الناس، وأحب عمل الخير، بالإضافة إلى أنني سريعة الغضب والانفعال، لدرجة أنَّني أغضب كثيرًا وخاصة معه، ولكن الآن أحاول أن أخفف من الحساسية الزائدة، وعنيدة بصورة كبيرة.
الآن أدرس بكالوريا (سنة 2)، أما هو الآن فيعمل خارج البلد، وهو ذو شخصية قوية وحساسة أيضًا؛ لكنه لا يغضب كثيرًا، يجيد الكذب والتصرف في كل المواضيع، اجتماعي متكلم حنون، يحبني كثيرًا وأحبه كثيرًا، فنحن على علاقة 3 سنوات قبل الخطوبة، خرجت معه 5 أو 6 مرات، وكنا نتعرف ونتكلم على الهاتف أو الإنترنت كما هو الحال الآن؛ لأنه - كما ذكرت سابقًا - خارج البلد، أمَّا خطوبتي فهي بعقد شرعي. لقد نسيت شيئًا: كل ما هو بقلبي على طرف لساني، فلا أفكِّر قبل أن أتكلم في بعض المواضيع، حينها يقول لي بأنّي لا أحسن أن أتكلم، وهذا أيضًا من الأسباب التي تشعرني بعدم ثقتي بنفسي، وعندما أتحدث معه وأصمت يقول لي: "منذ ساعة وأنا أحكي، وأنتِ ما حكيتِ شيئًا، هيا حدِّثيني" فأُحِسّ بأنه يحاول أن يبيِّن لي أنه يجيد الكلام أكثر مني.
-----------------------------------------
الجواب:(76/1)
رائع أنكِ تجيدين التعبيرَ عن نفسكِ بهذه السلاسة، فمَن يملكون هذه القدرة هم قلة؛ لقد شرحتِ في هذه الاستشارة كثيرًا من النقاط التي يمكن أن تساعدنا أكثر لتلافي المشكلة، ومن الواضح أنك تفهمين نفسكِ بشكل جيد.
أهم ما يلزمك لاكتساب الثقة أن تبدئي من نفسكِ، فلا تجعلي مقياسك خارجًا عنكِ، ومِن أكثر ما يَهُزُّ ثقتنا بأنفسنا أن نجعل مقياسنا شخصًا نحبه، بينما طبيعته تختلف عنا.
• اكتبي نقاط القوة ونقاط الضعف التي تميز شخصيتك بصورة عامة، وليس مع خطيبك فحسب.
• فكري بموضوعية في الصفات التي تحبينها والتي يمكن أن تساعدكِ على الوصول إلى أهدافكِ، وحددي الصفاتِ التي ترغبين في التخلص منها، وتذكري أن كل شخصية تحتوي على إيجابيات وسلبيات متقابلة، و يمكنُنَا أحيانًا أن نُحَوِّل السلبياتِ إلى إيجابياتٍ دون أن نأتِيَ بنقيضها:
فمثلاً: إذا كانت السلبية بكثرة الكلام، فيمكننا عندئذٍ تحويلها إلى إيجابية بأن نغتنمها لإيصال أفكار إيجابية، والتحدّث بما يفيد، ولا شك أنَّ الكثيرين يفتقدون القدرة على التحدث الفعال.
• رتبي أولوياتك واجعلي أكبرَ همِّكِ وأعلى أولوياتكِ رضا الله عنك؛ فاجعلي الشرعَ هو مقياسَ الصفات التي تتحلَّين بها، وحدِّدي فيما تُحبين كلَّ ما يساعدك على إرضاء الله، وكلَّ ما يجعلك تُقَصِّرين بحقِّه، وتذكَّري أنَّ رضا الله يعنى بكل جوانب الحياة، وأن مَن رضي الله عنه حبَّبه إلى خلقه.
• لِكُلِّ إنسانٍ شخصيَّتُهُ التي تُمَيِّزه والتي يستطيع تطويرها لتكون أفضل دومًا، ومن الخطأ أن نحاول وضع إطار نصل له لنُرْضِيَ الآخَرين عنا؛ بل إنّ علينا أن نفخر بأنفسنا ونسعى لأن نكون أفضلَ لأجلها هي، وليس لأجل الآخرين أيًّا ما كانوا، كثيرون يحصل لهم كما حصل للغراب الذي حاول تقليد الطاوس، فنفقد أنفسنا دون أن نتمكن من الوصول إلى ما نسعى إليه، فاحذري من هذا!(76/2)
• فَهمُنا للآخرين يُعِيننا على التعامل معهم بطريقةٍ أفضلَ؛ لا بتغيير أنفسنا، لكن بمعرفة مداخلهم، وأسلوب الحوار معهم بطريقةٍ أكثرَ فاعليةً، وأيضًا بطريقة لا تهز ثِقَتَنا بأنفسنا، ومن الرائع فَهْمُكِ لخطيبكِ ولطبيعته، فهذا سيساعدكِ على التعامل معه، لكن لا بد أن تدركي أنه حتى لو انتقد أمرًا يراه عيبًا فيكِ، فهذا لأن طبيعته مختلفة.
إن فهمنا للاختلاف بين الناس - وخاصَّةً بيننا وبين مَن نُحِب - يجعلنا أقدرَ على الاستفادة منهم بصورة إيجابيةٍ، كأن تعرفي مداخله، وأفضلَ طريقة للحوار معه، وتحدِّدي ما إذا كان يُفضِّل المنطق مثلاً أو العاطفة، أو تغلب عليه الطريقة العملية.
• ضعي لنفسِكِ أهدافًا في كل أدوارك بالحياة، سواء وأنت طالبة، وابنة، وصديقة، أو وأنت زوجة في المستقبل، وحدّدي ما ترغبين الوصول إليه لترضي عن نفسك في كل دور تقومين به، فمن المهِمِّ ألا تقتصر حياتنا على دور واحد يطغى على جميع الأدوار الأخرى
ولاكتساب الثقة: لا بد أن تضعي أهدافَكِ بطريقة جيدة، وتُرَكِّزي على تحقيقها باتباع خطوات إيجابية.
• ما الذي تطمحين في الوصول إليه من علاقتكِ مع خطيبكِ؟ أَشْرِكِيهِ في أهدافكِ، وابحثيها معه، يمكنكِ التفكيرُ في موضوع تملكين معرفةً واسعة عنه لبحثه معه بكل ثقة، حضِّري لذلك قبل اتصالكِ به؛ بأن تضعي أفكارًا يمكنك التحدث عنها بوضوح واسترسال.
• تبدين شخصية عاطفية، تدرك مشاعر الآخرين، وتسمح لها بالتأثير عليها:
إنها صفة رائعة، لكن من المهم أن تدركي أن المشكلة تتعلق في أحيان كثيرة بالآخَرِين وليس بك أنتِ، فلا تقلبي الأمور؛ بمعنى أنه لو لم يَتَقَبَّل طبيعتكِ فتِلك مشكلته هو لا أنت، وعندما تَتَّبعين هذا الأسلوبَ في التفكير، فإنك تساعدينه على تجاوز هذه المشكلة بدلا عن أن تتفاقم، إن الرجل غالبًا ما يحب المرأة التي تتصرف على سَجِيَّتِها، لا تلك التي تنتظر ردَّ فعله لتتصرف بناء عليه.(76/3)
نسأل الله أن يسعدك معه، ويعينك على بناء أسرة مستقرَّة وناجحة.(76/4)
العنوان: أنام بصعوبة
رقم الاستشارة: 24
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
لا أستطيع النوم إلا بصعوبة.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم:
مرحباً بك في موقع (الألوكة)، وشكرا لتواصلك.
لا شك أن النوم من نعم الله العظيمة على الإنسان، وأن أيَّ اضطراب فيه يسبب تعباً وإرهاقاً للمريض.
وإليك الخبر السارّ؛ وهو أننا أصبحنا نفهم أسباب اضطراب النوم، وأصبح لدينا العديد من الأدوية المساعِدة إلى حدٍّ بعيد، وأكثر من أي وقت مضى.
الخطوة الأولى والأكثر أهمية هي الإجابة عن السؤال: لماذا يضطرب لديَّ النوم؟ صحيحٌ أن بعض اضطرابات النوم ليس لها سبب على الإطلاق، لكن لابد أن نتأكد أنه لا يوجد سبب عضوي أو نفسي قد يسبب اضطراب النوم؛ فهناك أسباب عديدة، أذكر منها مختصراً:
1- أسباب طبيَّة باطنية:
الآلام المزمنة: مثل آلام المفاصل، والعظام، والسرطان، والصداع بسبب ارتفاع ضغط الدم.
كثرة التبوُّل: كما يحدث لدى مرضى السكَّري, وتضخُّم البروستاتا, وصعوبة التحكم في البول, وتناول مُدِرَّات البول.
صعوبة التنفس: كما في مرضى القلب، والداء الرئوي الانسدادي المزمن (COPD).
الحموضة في المعدة: بسبب قرحة معويَّة، أو ارتجاع الحمض المَعِديِّ إلى المريء.
بعض الأمراض العصبية: مثل داء (باركنسون) – الشلل الرعَّاش -ومرض (ألزهايمر) – النسيان المرضي.
2- أسباب نفسية:
الاكتئاب: وهو سبب هام للغاية؛ حيث يجد المريض صعوبةً في النوم، وحتى لو نام؛ فإنه يستيقظ قبل الوقت المعتاد بحوالي الساعتين، كما يترافق معه شعور بالضيق، والحزن, والبكاء.
القلق بأنواعه المختلفة: يسبب اضطراباً كبيراً في النوم؛ حيث يزيد النوم خفة؛ فيستيقظ مريض القلق مرات كثيرة أثناء النوم، كما يشغله كثرة التفكير عن النوم.
3- متلازمة انقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم:
- يكون المريض عادة سميناً.(77/1)
- يشكو من الشخير، وكثرة النعاس أثناء النهار.
- يلاحظ مَنْ ينام بجانب المريض توقف تنفسه بصورة متكررة أثناء النوم.
- تسبب هذه الحالة مشاكل صحية عديدة؛ مثل: نقص التركيز والملكات الذهنية الأخرى, الصداع في الصباح, ونقص الرغبة الجنسية.
- هناك عدد من الطرق التي يستخدمها الطبيب للتشخيص؛ منها: مراقبة تركيز الأوكسجين في وقت النوم، وقياس جريان الهواء في الفم والأنف.
- يستفيد المرضى من جهاز يدعى جهاز (CPAP )، يعمل على ضغط الهواء في مجرى التنفس بصورة مستمرة.
- إنقاص الوزن سيساعدك على التغلب على هذه المشكلة الصحية المزعجة.
- قد نلجأ للعمل الجراحي إذا لزم الأمر.
4- بعض الأدوية تسبب الأرق، ومن أهمها:
- بعض معالجات الاكتئاب.
- حاصرات بيتا (B)؛ مثل (البروبانولول Propanolol).
- موسعات القصبات.
- حاصرات قنوات الكالسيوم (أحد أنواع ضغط الدم).
- الستيرؤيد.
5- سوء استعمال الكحول، و(النيكوتين)، و(الكافيين):
يؤدِّي إلى الأرق؛ فلابد من وقف الكحول والتدخين، والتخفيف من (الكافيين) قدر الإمكان.
6- نمط الحياة:
مع ضغط الحياة وكثرة المسؤوليات، يتغير نمط حياتنا، وقد يترك تأثيراً واضحاً على نومنا.
عندما تراجع الأسباب السابقة، ومع مراجعة الطبيب؛ إذا لم تجد سبباً واضحاً لاضطراب النوم؛ فهذا يعني أنك مصاب باضطراب نوم أوَّلي؛ أي بدون سبب، وعندها فالمطلوب منك الالتزام ببعض القواعد الأساسية من أجل نوم هادئ، إذا لم تُجْدي هذه القواعد في تحسين النوم؛ فأرجو أن تزور أيَّ طبيب نفسي لمساعدتك عبر الدواء؛ خاصةً وأنه أصبح لدينا العديد الأدوية الجيدة، التي تحسن النوم، دون أن تسبب أيَّ تعوُّد أو إدمان.
أولاً: التزم بوقت ثابت للذهاب إلى الفراش.
لا تُطِلْ السهر مع الأهل والأصدقاء, وبدلاً من ذلك تعوَّد أن تذهب إلى النوم في وقت ثابت كل ليلة.
ثانياً: لا تأكل أو تشرب كثيراً قبل موعد النوم.(77/2)
احصلْ على عشاء خفيف قبل ساعتين من النوم, تجنَّب المأكولات الدهنيَّة والمُبَهَّرة؛ لما تسببه من حموضة، مما قد يعكر عليك نومك. لو شربت الكثير من السوائل؛ فسوف تضطر للاستيقاظ للذهاب إلى الحمام بصورة متكررة أثناء الليل.
ثالثاً: تجنَّب (الكافيين) و(النيكوتين).
فهما يعملان على تيقظ مَنْ يستخدمهما؛ تجنَّب الكافيين قبل وقت النوم بثماني ساعات. كما أن المدخنون بشراهة يشكون من أعراض انسحابية؛ بسبب طلب الجسم للدخان (النيكوتين) في الليل، مما يزعج نومهم، إضافةً إلى ما يسببه من سعال مستمر ومزعج لهم، ولمن ينامون بجانبهم.
رابعاً: التمارين الرياضية.
الرياضة هامة لمن يبحث عن نوم هانئ، وأفضل وقت لممارسة الرياضة هو بعد العصر، والالتزام ببرنامج منتظم لممارسة الرياضة سوف يحسِّن من نومهم.
خامساً: النوم في غرفة باردة قليلاً هو الأمثل للنوم.
فهذا سيساير الانخفاض الطفيف في درجة حرارة الجسم أثناء النوم, مما يمنحك نوماً أفضل؛ لذا أوقف أجهزة التدفئة، ووفِّر من نفقاتك!
سادساً: اجعل نومك الأساسي في الليل.
الغفوات التي تحصل عليها بين الحين والآخر أثناء النهار تسرق من ساعات النوم في الليل؛ فحاول أن تقلل النوم نهاراً إلى ساعة واحدة فقط في اليوم, وألا تنام بعد الثالثة عصراً.
سابعاً: لا تنس الأذكار المشروعة قبل النوم.
فالمداومة عليها، والتأمل في معانيها، يمنحك طمأنينة وهدوءاً رائعاً؛ فما أجمل اللجوء إلى قوة الله ورحمته وركنه الشديد!
ثامناً: احصل على حمام دفيء قبل النوم.
فهذا سيرخي من عضلاتك المتشنِّجة، ويجلب لك نوماً مريحاً.
تاسعاً: نَمْ في مكان هادئ.
الهدوء عنصر مهم للحصول على نوم جيد، البعض يستخدم مروحة أو غيره من مُصْدِرَات الأصوات الثابتة واللطيفة؛ للتغطية على أصوات الشارع، أو الأولاد، أو حتى شخير من ينام معك!!(77/3)
جهِّز سريرك بالصورة المريحة لك، لا تستخدم غرفة النوم إلا للنوم فقط - إن كان ذلك ممكناً – أي: لا تضع جهاز التلفاز في غرفة النوم، وعليه تستلقي على السرير أثناء النهار للمشاهدة.
عاشراً: لا تعتمد على حبوب النوم (Benzodiazepines)
ناقش مع طبيبك استخدام حبوب النوم قبل استعمالها، وعادةً ما ينصح الأطباء باستخدام حبوب النوم لمدة أربعة أسابيع فقط لا أكثر، خاصةً مع توفر العديد من الأدوية المفيدة، دون أي إضرار أو تعوُّد أو إدمان.
أرجو أن أكون قد أضفت إلى معلوماتك شيئاً مهمّاً، ومرحباً بك - دوماً - في موقع (الألوكة)، ولا تتردَّد في الكتابة لنا، ومشاركتنا بآرائك واقتراحاتك.(77/4)
العنوان: بعد العقد.. أشعر بالندم لموافقتي عليه
رقم الاستشارة: 202
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
أنا شابَّة عمري 19 عامًا، عُقِدَ قِرَاني على شابٍّ يغلب عليه الصَّلاح، ويبدو على أسرته المحافَظَةُ التي قد تميل إلى التشدُّد في بعض الأمور، أشعرُ الآن بنوعِ ندمٍ لموافَقَتِي عليه؛ لأني أجدُ اختلافًا كبيرًا بين البيئة التي عشتُ فيها وبين بيئته.
فنحنُ ملتزمون - ولله الحمد - إلاَّ أنَّنا نتمتَّع بكثير من الأمور الحياتيَّة؛ كالخروج للسُّوق لشراء مستلزماتنا، مشاهدة القنوات الفضائية الصَّالحة؛ كقناة (المجد)، الزيارات العائليَّة، وكثيرٍ من الأمور التي ربَّما سأفتقدُها معه؛ فما توجيهكُم لي؟ هل أطلبُ الطَّلاق وأفسخُ العَقْدَ؟
وإن كنتم ترون الاستمرار؛ فما الطريقة المُثْلَى في التَّعامل معه كي يخرج قليلاً عن هذا (التَّقَوْقُع) و(التَّشدُّد)؟ علمًا بأنه شابٌّ محافظٌ على صلاته، وطيِّب القلب، وحنون، كما أنه يُحبُّنِي بشدَّة.
-----------------------------------------
الجواب:
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
بدايةً؛ أُهنِّئُكِ على حِرْصِكِ على تحديد موقفكِ، دون أن تتجاهلي المشكلة وتتركي الأمور تسير وَفْقَ ما يُسيِّرها تيَّار الظُّروف!
لكنَّني أتساءل: لماذا بَعْدَ العَقْد؟ ألم تَكُن تلك الأمور واضحةً قَبْلَهُ؟ أم أنَّكِ بعد تعامُلِكِ معه اكتشفتِ ذلك؟ وهل هم يختلفون حقًّا عنكم، أم أنَّكِ فقط تخافين من هذا؟
الزَّواج من أهمِّ العلاقات؛ لأنَّه ليس مجرَّد علاقة بين شخصَيْن؛ بل هو شَرَاكةٌ في تكوين الأسرة، وهو المستقبَلُ لحياتِكِ، وليست شَرَاكةً عاديَّةً؛ بل هي شَرَاكةٌ قائمةٌ على الحُبِّ والتَّفاهم والثِّقة، ويقودها الحوار النَّاجح والتَّواصُل الجيِّد بين الطَّرفَيْن؛ ليصِلا لأهدافٍ مشتركةٍ يطمحان إلى تحقيقها في أسرتهما.(78/1)
ومن عظمة الإسلام أنَّه وضع لنا ضوابطَ وتصوراتٍ عن كلِّ شيءٍ في الزَّواج، حتى عن علاقة الزوجَيْن وكيف تكون، ووضع لعلاقة الزَّواج حقوقًا وواجباتٍ تضبط مسيرةَ الحياة.
من الصَّعب أن نجدَ رجلاً يتوافق معنا تمامًا؛ بل إن الاختلاف يُثْري الحياة الزوجيَّة حينما يتمّ فَهْمه والتَّعامل معه بحكمة، المهمُّ ألاَّ يكون الاختلاف في أمورٍ جوهريَّة بين الزوجَيْن، وأن يُكَمِّلَ أحدهما الآخَر، وأن يكون بينهما حوارٌ ناجحٌ، وألاَّ يسعى طرفٌ لما يريد متجاهِلاً رغبةَ الآخَر.
ولابدَّ من مرجعيَّةٍ يعودان لها حالَ الاختلاف، واتِّفاقهما على هذه المرجعيَّة يوفِّر عليهما الكثيرَ من الجهد والخلاف، ويجب أن تكون هذه المرجعيَّة بالتَّأكيد موافقةً لما نصَّ عليه الشَّرع بصورة أوليَّة، ثمَّ عامِلَةً على مصلحة الأسرة.
والأسرة كالسفينة؛ لابدَّ لها من رُبَّان كيلا تغرق، والقوامة للرَّجل؛ حيث إنه بطَبْعِه أقدرُ على ذلك، والمرأة بطبيعتها تحتاج السَّند والقوَّة التي تطمئنُّ إليها وتثق بها.
كي يتحقَّق أقصى قدرٍ من النَّجاح في حياتكِ الزوجيَّة ننصحكِ بالتَّالي:
- افهمي الطَّرف الآخَر وطريقتَهُ في النَّظَر للأمور، وطبيعة شخصيَّته؛ وهذا يتَّضح أكثر مع الاحتكاك، ولا يُغنِي الاحتكاكُ عنِ السُّؤال وجَمْع المعلومات من الأشخاص المحيطين به؛ عن بيئته وثقافته - ويكون جمع المعلومات عادةً قبل العَقْد، لكن لا بأس به بعده إذا ما أقلَقَكِ أمرٌ وشَكَكْتِ فيه.
- اغتنمي فترةَ العَقْد لتوثيق الحوار بينكما، وفي فهم اللُّغة المشتركة التي تستطيعان التَّواصل بها .. اسْمَعِيه، وافهمي وجهة نَظَره للأمور، وفي نفس الوقت وَضِّحي له مشاعِرَكِ ووِجْهَةَ نَظَرِكِ أيضًا؛ لتَصِلا معًا للتَّفاهم على ما يريحكما.(78/2)
- لا تَدخُلي حياتكِ الزوجيَّة على أملِ تَغْيِيرِهِ؛ بل عليكِ تَقَبُّلُهُ بدايةً، فما يُدرِيكِ؟ ربَّما يتغيَّر، وربما هو أيضًا يضع بذهنه أنه سيصل معكِ لما يرضيه وستتغيَّرينَ أنتِ؟!
التقبُّل والثِّقة من أهم الدَّعائم التي يقوم عليها الزَّواج، ومع التَّفاهم والحب يستطيع الزوجان الوصول لما يريحهما معًا، في حال كان التقبُّل والتقدير بدايةً.
- ضعي الهدف النِّهائي الذي تطمحين لأسرتكِ في الوصول إليه، ثم حدِّدي السَّلبيَّات والايجابيَّات في شخصية خطيبكِ، وفي الظروف، وفي العلاقة التي تربطكما معًا.
الصورة ستتَّضح أمامكِ، وما عليكِ سوى أن تَشعُرِي بمسؤولية قراركِ؛ فليس منَ الحكمة أن تتجاهلي أمورًا تقلقكِ، ثم تكبر بداخلكِ وتتفجر بعدما يأتي الأولاد وتزيد الارتباطات.
عالجي قلقكِ قبل دخولكِ بيتَ الزَّوجيَّة، وتأكَّدي من قدرتكِ على الاستمرار.
- "شابٌّ محافظٌ على صلاته، وطيِّب القلب، وحنون، كما أن يحبُّني بشدَّة"!
ما ذكرتِهِ عنه من صفات كلُّه يستحقُّ منكِ أن تَبْذُلِي منَ الجُهد ما يُوَصِّلُكِ إلى التَّفاهُم معه لبناء أسرة مستقِرَّة سعيدة، واستحْضِري أجرَ رضا الزَّوج دومًا؛ ذلك الأجر الذي قد يكون مِفتاحَكِ للجنَّة، لكن تذكَّري أنَّكِ بحاجةٍ أيضًا لأن تُقَدِّري شخصيَّته، وأن يكون بينكما لغةٌ مشتركةٌ للحوار.
- حتى في حال كونِكِ قد استخرتِ قبل العَقْد؛ كرِّري الاستخارة، وثقي أنَّ هناك أمورًا تخفى علينا، الله أدرى بها.
ولا تُقْدِمي على خُطوةٍ دون دراستها جيِّدًا، وتَدْعِيمِها بالاستخارة والدُّعاء.
أن ييسِّر الله لكِ الخيرَ.(78/3)
العنوان: بين الشوق والغيرة والملل
رقم الاستشارة: 219
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
أبعثُ إليكم رسالتي؛ لأنني أعرف أن عندكم الرأيَ الصواب؛ لتجربتي السابقة، جعله الله في ميزان حسناتكم.
مُشكلتي أنَّ خطيبي مُسافِر، وعندما كان في مصر كان يُحِبُّنِي جدًّا، وأحسستُ أنني أسعد إنسانة في فترة (كَتْبِ الكتاب) العقْد - فقد كتبنا كتابنا (عقدنا) قبل أن يسافر - ولكنْ منذ أن سافر، وأنا أحاول أن أوصِّل له أنَّني أُحِبُّه بكل الطرق، ولكنه لا يتصل بي، ولا يرسل إليَّ رسالةً، وأشعر بالغَيْرَةِ عليه، مع علمي أنه مُلتَزِم ولكن إيطاليا بلد مختلف، في جَوِّها وفي كل شيء، صراحةً أنا أخاف خوفًا شديدًا - لأنه ليس سيدنا يوسف.
المهم: هو يكلّمني أحيانًا كل يوم، ولكنني أشْعُر أن كلامه لي أداء للواجب، يعني أنه لا يكلمني في شيء مُفيد، وكذلك أشعر بتغَيُّرِهِ معي.
فأريد منكم أن تُساعدوني في معرفة المُدَّة التي يتكلَّم معي فيها؛ كي لا نشعر بالملل، وأريد أن أعرف المواضيع التي أتكلَّم معه فيها، فأنا أريد أن أتكلَّم معه عن حياتنا.
وأرجو منكم أن ترشدوني إلى أسماء كتب مفيدة عن الحياة الزوجية؛ حتى أستطيع أن أتعامل مع زوجي، وأتعرَّف على كيفية حل المشكلات، أو اتَّخاذ قرارات للمستقبل؛ فهو لا يُحِبُّ التخطيط للمستقبل، أو التفكير فيه، وأنا أحب التفكير في المستقبل، فمن منا على صواب؟
أرجوكم ساعدوني، أريد أن تكون حياتي سعيدة، فليس لي مَنْ أثق به إلا أنتم. وجزاكم الله خير الجزاء.
-----------------------------------------
الجواب:
نَعْتَزُّ بثقتِكِ، ونسأل الله أن نكون أهلاً لها، وأن تجدي معنا ما يريحكِ..
جيد أن ما بينكما لم تكن بدايته وهو بسَفَرِهِ؛ بلِ اجتمعتُما بمصرَ لتَشْعُري بحُبِّهِ، وقُربه قبلَها.(79/1)
فطبيعة الرجل تختلف عن المرأة تمامًا، فغالبًا الرجال يُركّزُون على أمر واحد، ثم ينتقلون لما تلاه. بعكس المرأة التي تستطيع أن تُحِيط بمشاعرها أكثر من أمر بنفس الوقت.
لذلك تجدين الرجل فترةَ العَقْد يُعَبِّر كثيرًا، حتى تثق المرأة، وتبدأ بالتعبير بعد أن تَثِقَ بحُبِّهِ، ويكون الرجل قد اطْمَأَنَّ لهذه النَّاحية، وانتقل تركيزُهُ لعمله أو دراسته أو ما يشغله، ويتوقَّع أن المرأة يجب أن تَثِقَ أيضًا وتُقَدِّر.
أيضًا الرجل لا يُحِبُّ كثيرًا أن يَشعر أنه محور المرأة الوحيد، يشعره هذا بالتقييد والحماية الزائدة؛ بل يُفَضِّل المرأة التي لها شخصيتها واهتمامها، وبنفس الوقت يشعر بحبها وثقتها.
ننصحك بالتالي:
- كون اختيارك كان مَبْنِيًّا على أن يكون صاحبَ خُلُق ودين فثِقِي به، وأَشْعِريه بالثقة. واسألي اللهَ أن يُوفِّق بينكما، وأن يحفظه ويحميه من الفِتَن.
- افهمي طبيعته: ففترة الخِطْبة بعد العقد تكون فُرْصة ليفهم كلُّ طَرَف الآخَرَ، افهميه أولاً، ثم ساعديه على فَهْمك بالحوار، واحْذَري من أن تَتَّهِميه، فقط عَبِّرِي له عما يهمك بوضوح، فلا تقولي له: أنتَ لا تهتمَّ بي، ولم تَعُدْ تسأل عني كالسابق؛ بل قولي: أشْتَاقُ لرسائلك، تهمني كثيرًا...
- لا تجعليه مِحْوَرَ حياتِكِ، واجعلي لنفسكِ أهدافًا أُخْرَى أيضًا، تتعلق بدِينِكِ أولاً، ثم بمجتمعك وصحَّتِكِ، واشْغَلِي نفسَكِ بإنجازات تَرْضين عنها.
- اقرئي عن طبيعة الرجل والمرأة والفرق بينهما، وأيضًا حول الحقوق والواجبات بالزواج.
- ثم ضعي لنفسك أهدافًا تَسْعَيْنَ لتحقيقها بأُسرتك المستقبليَّة؛ وتحاوري معه حولها قبل الزواج، اسْألِيهِ عن رأيه، وعن الأمور التي يرغب بها، فمعرفتك لتوقُّعاته حول الزواج، وأيضًا إخباره بتوقُّعاتك، والوصول لتوقُّعات مشتركة سيكون سببًا من أسباب نجاح الزواج مُسْتَقْبلاً.(79/2)
- لو كان من الصعب عليه تمامًا وضع الأهداف والتخطيط للمستقبل، فضَعِي أنتِ أهدافَكِ؛ وفَكِّرِي كيف ستَصِلين لها؟ مثلاً: من أهدافِكِ أن تكون أسرتُكِ قائمةً على رضا الله بداية، فاحْرِصي على البحث والاطلاع بشكل جيِّد قبل الزواج، واحْتَسِبِي الأجر بكل خُطوة، وشَجِّعِيه بحبٍّ أن يسير معكِ نحو هذا الهدف، بأسلوب التقدير، والتعزيز على ما تُريدينه.
- تذكري أن هذه المرحلة هي المُقدِّمة التي ستدخُلين بعدها لحياتكِ، وليست أيامًا رائعة؛ كما تتصوَّرها الفتاة قبل الزواج؛ بل أحيانًا كثيرة تكون بها الكثير من التحديات؛ لكن احْرِصي أن تكون فترة سعيدة؛ لتدخلي بيتك وأنت مرتاحة معه.
- اتَّفِقِي معه ألاَّ تطول فترة العقد كثيرًا، فطُولها قد يسبب الضُّغوط أكثرَ عليكما، خاصةً لو كان ببلاد الغرب حيثُ تَكْثُر الفتن.
وفقكِ الله، وأسعدكِ وزوجَكِ في الدارينِ.(79/3)
العنوان: بيننا فارق السن
رقم الاستشارة: 194
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وجزاكمُ اللهُ كلَّ الخَيْر لِمَا تُقدِّمُونه لأُمَّة الإسلام مِن نصائحَ واستِشَارَاتٍ.
أمَّا بعدُ، فإنَّنِي شابٌّ - ولله الحمد – مُلْتَزِمٌ، وقد عَزَمْتُ على الزَّواج منذُ فترةٍ، وها أنا قد وجدتُ الفتاةَ التي قد تُشرِّفنِي في مُشاركَتِي لتربية أولادٍ صالِحينَ. المُشْكِلة الأساسيَّة في هذا الموضوع أنَّ هذه الفتاة تصغرنِي بحوالي 12 عامًا، مما قد يخلُق فُرُوقًا بيننا أهمها:
1- النُّضوج العَقْلِيّ.
2- الفارق الثَّقافِي والعِلْمي.
هذه الفتاة هي أحد الأقرباء المُباشِرينَ، وتتميَّز بِحَيوِيَّتِها، وشبابها النابِض؛ ولكنَّها تعيشُ في إحدى القُرَى، وأنا أعزمُ على نقلها إلى دُبَيّ عندما يَتِمّ الزَّواج إن شاء الله. أسئلتي تتلخَّصُ فيما يلي:
1- كيف أستطيعُ هَدْم حاجِز فارق العُمر بيني وبينها؟
2- كيف أستطيع تخفيفَ فارِق الحياة بين القرية التي تَمْتَلِئ بحنانِ العائلة، والمدينة التي لا يوجد فيها أَيُّ قريبٍ؟
3- ما الصُّعوبات الَّتِي قد تواجِهُهَا إنْ أرادتْ إكمالَ تحصيلها العِلْمي بعدَ الدُّخول في جَوِّ الزَّواج؟
وجزاكمُ اللهُ خيرًا
-----------------------------------------
الجواب:
وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته،
برغم وضُوح استشارتكَ، وتَحْديدكَ لها بنقاطٍ مُفَصّلَة، إلاَّ أنَّها لا تزال غَيْر واضحةٍ تمامًا بالنِّسْبةِ لي:
- هل خطبْتَ الفتاة، أم فقط تُفَكِّر بخِطْبتها؟ وعلى أيِّ أساسٍ اخْتَرْتَها؟
- هل شاهدتَ الفتاة وجالسْتَها، وشعرتَ بفارقِ العُمر بينكما، أم فقط شُعُوركَ أنَّه سيكون لِفَرْق السَّنوات؟ وهل هذا الأمر مُسْتهْجَن بثقافتكم: أن يكونَ فارق العُمر كبيرًا، حيث يختلفُ الأمر بين ثقافة وأخرى؟(80/1)
- ما هي طبيعة عملكَ بدبي، وهل أهلكَ أيضًا يعيشون بقَرْيتِها؟ وهل سيكون هناك فَرْق بالمُسْتوى الثقافي بينكما؟
- هل أنتَ مَن يرغب في أن تُتابِعَ دِراسَتَها بعدَ الزَّواج؟ أم هي التي ترغَبُ؟ وهل بَحَثْتَ معها الأمر أو مع أهلِها؟
- ما هي طبيعةُ الفتاة؟ وهل هي مِنَ النَّوع الَّذِي يستطيع التَّكيُّف بسهولة، أم لا؟
فارِق العُمر بالزَّواج لا يكون مشكلة إلاَّ إذا ترافَق شعور أحد الزَّوجَينِ بذلكَ، وصُعُوبة تَأَقْلُمه معه، أو حينما تكون الثَّقافة السَّائدة تُقاوِم هذا، وتُؤثِّر عليهما بشكل أو بآخر.
فالرَّسول - صلى الله عليه وسلم - تَزَوَّج عائشة وهي تصغره بسنواتٍ كثيرةٍ، ولاعبها، وراعى عمرها، وساعَدَها لتَسْتَمْتِعَ به، وتسعده بنفس الوقت برُوحِها النَّابضة المتوثّبة، فكان زواجًا ناجحًا مُمَيَّزًا، ونقلَتْ لنا السَّيدةُ عائشة أثره وأحاديثه وساهَمَتْ بحِفْظ سُنَّتِه. وتَزَوَّج خديجة وهي تكْبره مِن قبلها، واستمدَّ منها الدِّفء والحنان، وأعانَتْه بِحِكْمَتِها، ورَجَاحَة عقلها بمرحلة كان يحتاجُ فيها إليها، فكان أيضًا زواجًا ناجحًا مُمَيَّزًا.
فمسألة الفارِق في العُمر تختلفُ حسب الثَّقافة، وحسب الأشخاص، ولا تُعَدُّ مشكلةً على الإطلاق. ولستَ بحاجةٍ لِهَدْم فارِق العُمر بينكما؛ على العكس ففارِق العُمر يكون مُمْتِعًا أحيانًا كثيرة، وَحَيَوِيًّا بالزَّواج.
راجِع ثانيةً قرارَكَ بالزَّواج، وادْرس الإيجابيات والسَّلْبيَّات بشكلٍ جيدٍ، واكْتُبِ الهدف الذي تسعى للوُصُول إليه بأُسْرتكَ؛ وانْظُر هل سيتحقَّقُ مع هذه الفتاة أم لا؟
عليكَ بالاستِخارَة بالتَّأكيد، والثِّقة بأنَّ الله أعلم بما يخفيه الغَد.(80/2)
لو وجدتَ نفسَكَ مُتمسِّكًا بالفتاة، وراغبًا بها، وتستطيع ألاَّ تنظرَ للعُمر على أنَّه مشكلة؛ بل تستطيع أن تَرَى الإيجابيات فيه، فلا تترَدَّد بخِطْبَتِها بعدَ الاستخارة، ولا تَقْلق بشأن العُمر، ولو وجدتَ في نفسِكَ التَّردُّد ففكِّرْ ثانيةً، ووازِن أُمُوركَ، لكن لا تَدْخُلِ الحياةَ الزَّوْجِيَّة بهذا القلق الذي سيَنْتَقِلُ إليها، ويُحبطها بعد الزَّوَاج، ويُشْعِرها بأنَّها ليستْ كُفئًا لكَ، مما يجعل الحياة أصْعَب.
أمَّا عنِ التَّخْفيف مِن حِدَّة الغُرْبَة بِالمدينة، فهذا يختلف حسب طبيعتها؛ لكنَّها في كُلِّ الأحوال لن تستغنيَ عنِ احتوائِكَ، وانخراطها بالمجتمع سيساعدها، إمَّا عبر أُسَر أصدقائِكَ وجيرانك هناك، أو مِن خلال مجتمعها الدِّراسي إنْ تابَعَتِ الدِّراسة.
ومُتابعة الدِّراسة تختلفُ صعوبتها حسب الفتاةِ نفسِها، وحسب قُوَّة دافِعِها للمُتابعة، فإن كانتْ رَغْبَتُها قويَّةً في المُتابعة، لن يكونَ الأمرُ صعبًا؛ فهي فقط تحتاجُ لِمُوازَنَة الأَوْلَوِيَّات بشكلٍ جيدٍ، ولتقدير الزَّوْج ودَعْمِه المعنوي والمادّيّ بالتَّأْكِيد، خاصَّة إن كانَ أهْلُها بَعيدِينَ عنها، وافْتَقَدَتْ دعمهم ومُساعدتهم.
ختامًا: نسألُ اللهَ أنْ يُوفِّقكَ في حياتِكَ الزَّوْجيَّة، ويُيَسِّرَ لكَ الخيْرَ حيثُ كانَ.(80/3)
العنوان: ترجمة الفاكهي وابن جريج
رقم الاستشارة: 20
المستشار: الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
-----------------------------------------
السؤال:
أولاً: الفاكهي مؤلف "أخبار مكة"، وهو محمد بن إسحاق، لم أجد له ترجمة في كتب الرجال؛ فما درجته؟ ومَن ترجم له ترجمة تكشف حاله؟
وقد قرأت للزهراني محقق "مراسيل أبي داود": "إنه ضعيف"، ولا أدري ما مرجعه، فأفيدوني.
ثانياً: ابن جريج عبد الملك؛ ذكره العلائي في "التحصيل" وقال: "إنه ممن احتمل الأئمة تدليسه"، وخالفه ابن حجر في "التقديس"، فما رأيكم ؟
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالحافظ الفاكهي مؤلف "أخبار مكة":
هو: أبو محمد عبد الله بن محمد بن العباس، وثَّقه الذهبي وابن العماد؛ فقالا: "وكان أسند من بقي بمكة"، أي: أصح إسناداً؛قال الذهبي في "العبر": "وفيها أبو محمد الفاكهي، صاحب أبي يحيى بن أبي مسرّة، وكان أسند من بقي بمكة"، وقال في "سير أعلام النبلاء": "الإمام أبو محمد ... سمع أبا يحيى بن أبي مسرة؛ فكان آخر من حدث عنه"، وقال ابن العماد في: "شذرات الذهب": "وكان أسند من بقي بمكة".
وانظر ترجمته في:
"الفهرست" لابن النديم.
و"العبر" (2/298).
و"العقد الثمين" (2/243).
و"سير أعلام النبلاء"( 16/44).
و"النجوم الزاهرة" ( 3/339).
و"شذرات الذهب" (3/13).(81/1)
أما ابن جريج؛ فإنه مجمع على ثقته، وكان أفقه أهل مكة في زمانه، ومع إمامته وثقته وضبطه؛ فإنه كان موصوفاً بالتدليس، فإذا قال: حدثنا وأخبرنا؛ قُبِلَ حديثه، ولو عنعن، أو قال: قال؛ فيُرَدّ. قال الحاكم: "يُتجنب تدليسه؛ فإنه وحش التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح، مثل إبراهيم بن أبي يحيى، وموسى بن عبيدة وغيرهما"؛ "سؤالات الحاكم للدارقطني"(1/174)، وراجع "النكت على مقدمة ابن الصلاح" (ج2/ص71)، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: "قال أبي: بعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة؛ كان ابن جريج لا يبالي من أين يأخذها؛ يعني قوله: أُخبرت، وحُدثت عن فلان" ؛ وقال الذهبي في "السير": "وقال الأثرم عن أحمد: إذا قال ابن جريج: قال فلان وقال فلان وأخبرت، جاء بمناكير، وإذا قال: أخبرني وسمعت، فحسبك به. وروى الميموني عن أحمد: إذا قال ابن جريج: قال، فاحذره، وإذا قال: سمعت، أو سألت؛ جاء بشيء ليس في النفس منه شيء ". وقال الدارقطني: "تجنب تدليس ابن جريج؛ فإنه قبيح التدليس؛ لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح، مثل: إبراهيم بن أبي يحيى، وموسى بن عبيدة، وغيرهما"؛ "التهذيب" (6/259)
أما قول العلائي - في "جامع التحصيل" -: "من احْتَمَلَ الأئمة تدليسَه، وخرجوا له في الصحيح، وإن لم يصرح بالسماع؛ وذلك إما لإمامته، أو لقلة تدليسه في جنب ما روى، أو لأنه لا يدلس إلا عن ثقة؛ كالزهري وسليمان الأعمش ... وابن جريج": فخطأ؛ لفحش تدليسه، كما تقدم عن الأئمة، وهو قو الحافظ ابن حجركما ذكر السائل،، والله أعلم.(81/2)
العنوان: تزوجت لأنتقم..
رقم الاستشارة: 185
المستشار: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا سيدة متزوجة منذ سنتين، وهذا هو زواجي الثاني، أما عن زواجي الأول فقد كُلِّلَ بولدٍ يعيش مع والدتي، الآن أشعر بالندم؛ لأنَّني أردتُ الانتقام من سوء معاملة زوجي الأوَّل لي - بِرغْمِ حُبّي الشديد له - والزَّواج بآخَرَ، فوجدْتُ أنَّنِي انْتَقَمْتُ مِنْ نَفْسِي وابْنِي معًا؛ لأنّي أَبْعَدتُه عن حِضنِي، وحِضن والده، أمَّا زوجي الحالي فلا يُفَكِّر في الإنجاب، ولا يُعِيرُ لِوَلَدِي اهتمامًا، ويرفض عيشه معنا، مِمَّا يَزِيدُ من عذابي، بِرَغْمِ أنَّني أحاول دائمًا التوفيق بين الزوج والابن، وهذا يَستهلك كثيرًا من الطاقة، وأخيرًا اتَّصل بي أبو ابني، ويُريدُ العَوْدَةَ وجَمْعَ الشَّمل! أرجو المساعدة، شكرًا!!!
-----------------------------------------
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أرجو الله - جلَّ وعلا - أن يكون في رسالتكِ عِبرةٌ وعِظَةٌ لمن يقرؤها!
لا أريد مَلامَتَكِ؛ لكنني أريدك أن تستقرئي أحداث الماضي؛ لتُقْبِلِي على مستقبَلٍ أَجْمَلَ بعَوْن الله جل وعلا.
يتَّضح من رسالتكِ أُمُومَتُكِ، فابنُكِ هو محور حياتكِ الآن.
لم تَذْكُرِي في رسالتك إن كان زوجُكِ الثَّاني مُحْسِنًا إليكِ أو لا؛ لكنك تَطَرَّقْتِ فقط لرفضه الإنجابَ، ورفضِهِ أن يعيش ابنُكِ معكِ.(82/1)
كذلك الذي يجعلُكِ تُفَكّرين في العودة لأبي الولدِ هو أنَّه يَرْغَبُ في لَمِّ الشَّمْلِ، وطلبُه هذا هو الذي جَعَلَكِ تُفَكّرين في العودة إليه، بِرَغْمِ أنَّك لم تَذْكُرِي إن كان وعَدَكِ بإحسان معاملته لكِ، أو لم تسأليه (وقد كان سيِّئَ المعاملة؛ لذلك تركتِهِ)؛ لأن همَّكِ الأساسيَّ هو العَيْشُ مع ابنِكِ؟ وإن كنتِ قد سألتِهِ فِعلاً، فكونُكِ لم يخطر ببالك أن تذكري هذا الأمر في سؤالك لموقع الألوكة يشير إلى عدم كونِه أولويَّةً لكِ؛ إنما الذي يشغلُكِ هو (أن تعيشي مع ابنكِ).
واقتراحي لك عزيزتي كالتالي:
أَعِيدِي ترتيبَ أولويَّاتِكِ، وذلك بالتَّفْكِير العميق، خاصَّةً في ساعات الصباح الأولى، فَكِّري تحديدًا ماذا تريدين، واكتبي ذلك، وكرِّرِي النظر إليه، وقراءتَهُ.
هل يتصدَّر الأولويات أن:
تعيشي مع زوج لا يسيء معاملتكِ؛ لكنَّه يرفض أن يعيش ابنُكِ معكما؟
أو مع زوج هو أبو الولد؛ لكنَّه في إساءته لمعاملتكِ قد يهدِّد كِيانَ الأسرة مرة ثانية؛ كما حدث المرة الأولى، وقد لا تستطيعين العيش معه مرة أخرى؛ فتَطْلُبِينَ مِنْهُ الطَّلاق؟!
وفكّري جيّدًا أيّهما أسهل بالإقناع: أن تُقنِعِي الزَّوْجَ الأوَّلَ بقبول ابنك، وتُذلِّلي الصعاب لذلك، أو إقناع الزوج الثاني بإحسان معاملتِهِ لكِ؟!
إن سألْتِنِي رأيي، فأنا أَرَى الثانيَ أَسْهَلَ من الأوَّل، وإمكانية تحقيقه أكبر من الأمر الأول!
وأيضًا لابد أن تتنبهي أنَّ الثاني هو زوجكِ الآن، أما أبو الولد فيُعَدُّ أجنبيًّا عنكِ، ولا ينبغي الحديثُ معه دون علم زوجكِ، ورضاه وموافقته، وأمامك إجراءات لتعودي إليه، بعضها ليس لكِ عليه سُلطة ولا سيطرة (أهمها موافقة زوجكِ الحالي على الطلاق)، وما أدراكِ بعد الطلاق من زوجكِ أنه سيتزوجكِ فعلاً؟ (قد يُغَيِّرُ رأيَهُ)!!(82/2)
الحالة المنشودة لنا نحنُ الأُمَّهات أن يعيش أولادُنا مَعَنَا ومع آبائِهم؛ لكن لابد من توفر البيئة الصحيحة نَفْسِيًّا واجتماعِيًّا، والسليمة والصحية لذلك، فكم من أولادٍ عانَوْا من كثرة خصام الأبوين ومنازعتهما!
وكم من أولاد سعدوا بالعَيْش مع أجدادهم، ومن دون وجود آبائهم!
الآنَ أنتِ مُتزوّجةٌ، وعليكِ التركيزُ على وضْعِكِ الذي أنت فيه؛ لأنَّهُ هو الوضع الذي تستطيعين به إحداثَ التغيير للأفضل.
فكري بالتأثير الإيجابي على زوجكِ.
فكِّري لماذا يرفض زوجكِ الإنجابَ؟ (وأنت وافقتِ على الزواج منه، وأنت تعلمين ذلك).
ولماذا يرفض أن يعيش ابنُك مَعَكُمَا؟ رُبَّما يخشى أن تنشغلي بابنكِ عنه! ربما علم مدى تعلُّقِكِ به، وخشي أن تُهمِليه لأجل الابن! أو ربما لا يريد أن ينفق عليه!
دورك هنا أن تَحْسِني معاملة زوجكِ، وتجعليه يتعلق بكِ، ويتمسك بكِ؛ ومن ثَمَّ تقنعيه برغبتك بِأَنْ يعيشَ ابنُكِ معكِ، وطَمْئِنِيه أنَّك لن تَبْخَسِيهِ حَقَّهُ! وأن لكل واحد منكما منزلتَهُ الخاصة.
واتَّفقي معه على نَمَطِ معيشةٍ يُرضِيكِ ويرضيه، وإن كان موضوع النفقة يشغله فطمئنيه.
وبيِّني له جمال الولد بالبيت، وكم يُضيف من أُنْسٍ، وانشراحٍ للبيت، واستشهدي بآياتٍ وأحاديثَ نبويَّةٍ، واستشهدي بقِصص من الواقع.
وبدايةً ونهايةً استعيني بالدعاء واستعيني بالاستغفار.
جعل الله لك من كلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، ومن كلِّ هَمٍّ فَرَجًا!(82/3)
العنوان: تعبت من زوجي
رقم الاستشارة: 207
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أشكركم على ما تقدِّمونه من مساعدات، جعلها الله في ميزان حسناتكم.
لديَّ مشكلةٌ، وقد احترتُ: ماذا أفعل فيها؟ لم أتحدث بها إلى أحدٍ منذ زواجنا، ولكنِّي تعبت، وأريدُ الرَّأي السَّديد.
أنا متزوجة منذ أكثر من 8 سنوات، والفارق بيني وبين زوجي 10 سنوات، ولدينا طفلان - ولله الحمد.
زوجي مشكلته الإهمال في النظافة، وهذا شيءٌ يضايقني, هو يستحمُّ يوميًّا؛ بل قد يستحمُّ مرتَيْن في اليوم، ولكنه مهملٌ لأسنانه بشكلٍ فظيع، وخلال فترة زواجي لم تجاوز المرات التي نظَّف فيها أسنانه 20 مرة على أقصى تقدير طوال هذه السنوات الطويلة!! وهذا شيءٌ ينفِّرني منه، ويجعلني لا أستطيع الاقتراب منه؛ بل أجلس بعيدًا عنه، ولا أنظر إليه، وأحيانًا إذا جلس أقوم إلى غرفه ثانية؛ لأنَّ رائحة فمه قويَّه جدًّا!!
لمَّحْتُ له مرارًا، ثم صرَّحْتُ له تكرارًا، ولكن بلا فائدة؛ فهو يوم ينظِّف أسنانه وشهر لا!.
والأمر نفسه ينطبق على رائحة قدميه، خاصة عند حضوره من العمل، وقد حاولت معه مرارًا وتكرارًا للبحث عن سبيل لتنظيفها ولكن بدون فائدة!.
كذلك تنظيف أنفه باستمرار أمامي وأمام أولاده، وحتى في الأماكن العامَّة!.
كذلك إهماله لمظهره بشكل عام، مع أنه كان في أوَّل زواجنا مهتمًّا بلباسه ومظهره!.
اتِّكاليٌّ، يحبُّ أن يأتيَه كلُّ شيءٍ على الجاهز؛ فلا يحبُّ أن يُتعِب نفسه.
يكذب عليَّ، ولا يقول لي الحقيقة، ولا يخبرني بأموره المهمَّة؛ مثلاً: إذا ما اضطرَّ إلى سفرٍ فإنه يُخبر أهله أوَّلاً، وأكون أنا آخِرَ مَنْ يعلم، وربما علمت صدفةً!! وإذا عاتبته له قال لي: "لقد قلتُ لكِ"، ويحلف بالله على ذلك أيضًا.(83/1)
ينام نومًا طويلاً يجعلني أستغرب منه، ينام طول النهار، ويجمع الصلاة أحيانًا، وأحيانًا يصلِّيها متأخِّرةً، وينام الليل وكأنه ما نام ساعةً في النهار وضيَّع الصلاة!! وأنا مع هذا على يقين من أنه لا يتعاطى شيئًا - والحمد لله – مما يكمن أن يسبِّب له هذه الحالة.
ظلَّ عامًا مداومًا على الصَّلاة في المسجد، وبعدها رجع لوضعه.
إذا ما جلس معنا فإنه لا يتكلَّم معي، فقط يشاهد (التلفاز)، وإذا فتحتُ موضوعًا تكلَّم فيه بكلمتين مقتضبتين وسكت!!.
لا يهتمُّ بنفسه ولا بأولاده، ولا يساعدني في تربيتهم.
انطوائيٌّ، لا يزور ولا يُزار، يتعصَّب لأتفه الأسباب، يسبُّ ويلعن ويتكلَّم أمام أولاده بكلام شائن ليس عنده حسابٌ للمال؛ يصرف كلَّ ما لديه سريعًا فنُعاني الإفلاس سريعًا.
أكون - أحيانًا - مقصِّرةً في حقِّه الشَّرعي، وأشعر بالذَّنب لذلك، ولكنني أجد نفسي غير قادرة على القرب منه، وهو يعلم ذلك.
قبل الزواج كنتُ هادئةً، ولكنني بعد الزَّواج لم أعد أتحكم في أعصابي، أتعصب لأتفه سبب، وأكثر ما يضايقني إهماله لبيته وأولاده، أحسُّ أن بيته لم يعد فيه أيُّ نوعٍ من أنواع الحياة!!.
إذا كنا نائمين يقوم هو ويسهر، وإذا قمنا ذهب لينام، ومهما أخطأ فإنه يستحيل أن يعتذر ولو خاصمناه شهرًا.
أحيانًا أفكِّر في الانفصال عنه، لولا أولادي لأنَّ أغلب تصرُّفاته خطأ.
والله لقد تعبت من التفكير؛ فشوروا عليَّ، ماذا أصنع معه؟
كيف أغيِّره للأحسن، مع أني حاولت، لكنني تعبتُ ويئستُ منه، أسأل الله أن يغفر لي.
آسَفُ على الإطالة، وأرجو سرعة الرَّد.
-----------------------------------------
الجواب:
أعدتُ قراءة استشارتكِ أكثر من مرَّة؛ لأخرج منها بما تطمحين في الوصول لحلٍّ له؟ هل ما تطمحين له أن نعطيك ردًّا يساعدك على تغيير زوجكِ للأفضل فحَسْب؟ وهل ترين زوجكِ هو المذنب والمسؤول وحده عن عدم الاستقرار في أسرتكما؟(83/2)
ما نثقُ به، وتزداد قناعتنا به كلَّ يوم: أنَّنا لا نملِك تغييرَ الآخَرين، ما نملكه فقط هو فَهْمُنا لهم، والسَّعي لأفضل طريقة نقوم بها لِتساعدهم على التَّغيير؛ لقد عجز الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن هداية عمِّه، على الرغم من عاطفته القوية تجاهه، وعلى الرغم من كلِّ ما قدَّمه له عمُّه من دعمٍ ومسانَدة؛ فوصلتنا الرِّسالة التي مُفادها: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]؛ فكيف بنا ونحن أقلُّ من الرَّسول – صلوات الله وسلامه عليه؟!
لينجح الزواج فهو بحاجة للتقبُّل والتَّقدير والحبِّ والتَّفاهم، ولم ألْمَس أيًّا من هذه المعاني فيما حكيتِه عن علاقتكما وعن نظرتك لزوجكِ!!.
من جهته؛ فهو يتعبكِ بالآتي:
- بإهماله لنظافة أسنانه.
- بتنظيفه لأنفه أمامك وأمام الأولاد، وحتى بالأماكن العامَّة.
- بأنه اتِّكاليٌّ، وإن كنتِ لم توضِّحي هل هو كذلك في عمله وواجباته نحو أسرته كالمصروف وغيرها أم لا.
- بأنَّه يكذب عليك أحيانًا، ويبرِّر ذلك بأنه أخبركِ!.
- بنومه الطويل طوال ساعات النهار والليل، وتقصيره في صلواته.
- تجنُّبه للتَّواجد معكم، وعدم اهتمامه بكم.
وسأبدأ بذِكْر ما عليه:
كثير من الرِّجال والنِّساء - للأسف - يهملون نظافةَ أسنانهم، رغم تأكيد السُّنة على ذلك، فيما رواه البخاري و مسلم في "صحيحَيْهما" من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال النبيُّ - صلى الله عليه و سلم -: ((لولا أن أَشُقَّ على أمَّتي؛ لأمرتُهم بالسِّواك عند كلِّ صلاة)).
والواضح من استشارتك أنَّ زوجكِ يختلف عنكِ في عدم اهتمامه بهذا الأمر وبما تلاه، لكن؛ ما الذي فعلتِه أنتِ لحلِّ هذه المشكلة؟
كثير من الزَّوجات استطعنَ أن يقلِبْنَ حالَ أزواجهنَّ بأسلوبٍ لطيف محبَّب، بأن تدلِّل زوجها، وتُشعِره باهتمامها وحبِّها له، وبأنها حريصةٌ عليه من منطلق هذا الحبِّ.(83/3)
أمَّا ما شعرتُه من أسلوبكِ؛ فهو أنَّكِ لا تتقبَّلينه، ولا تقدِّرينه؛ حيث لم تذكري أيَّ إيجابيَّةٍ من إيجابيَّاته! بل رأيتِ أنَّ أغلب تصرُّفاته خاطئة لا تعجبكِ، وكأنَّك كنت تسعين لتغييره من البداية وفشلت في ذلك!.
عزيزتي:
أنتِ أمٌّ، وتعرفين أنَّ التَّغيير والتَّربية تحتاج حبًّا وتفهُّمًا وصبرًا، ولا تأتي بالإحباط والغضب وعدم التقبُّل! فكيف بالزَّوج الذي يُفترض أصلاً أن يشعر بتقدير زوجته له، ويُفترض أن تقوم بينهما العلاقة على المودَّة والرَّحمة!.
أخشى أنَّ ما تراكم في هذه السنوات الثَّمانية يجعل حلَّ المشكلة أصعب الآن، لكنِّي أثقُ أنَّكِ لو قرَّرتِ تلافيها فسيعينك الله على ذلك بإذنه ومشيئته، وعليكِ بالانتباه لأسلوبكِ أكثر.
نومه الكثير دلالةٌ على شعوره بالاكتئاب والإحباط، وكذلك انسحابه عن مخالطتكم برؤية (التِّلفاز) وعدم المبالاة بما يحصل حوله من أمورٍ تخصُّكِ وتخصُّ الأولاد.
أمَّا كذبه عليكِ فربَّما يكون اختصارًا للمشكلات، وغضبه وتعصُّبه دلالةٌ - أيضًا - على المعاناة، وعدم موازنته للمصروف تدلُّ على تخبُّطه أيضًا.
لن تستفيدي من إشعاركِ له بتقصيره؛ لأنَّه سيزيده إحباطًا، ولن يساعده في التحسُّن.
قرِّري جازمةً مع نفسكِ: هل تختارين تركه أم الاستمرار معه؟ ابحثي بهدوء عن أفضل طريقة تريحكِ.
لو اخترتِ البقاء لأجل أولادك - وهذا هو الخيار الأفضل – فإننا ننصحكِ بالتَّالي:
- كوني منصفةً مع نفسكِ، وابحثي عن الخَلَل في أسلوبكِ أيضًا، وفكِّري: كيف يمكنك تلافيه؟
- تذكَّري أنَّكِ بيدكِ أن تتحكَّمي في نفسكِ وتصرُّفاتكِ أوَّلاً، فابدئي مع نفسكِ بضبطها، والتَّركيز على أن تتصرَّفي بطريقة ترضين عنها، واحذري أن تحمِّليه مسؤولية تصرُّفاتكِ؛ كونها ردَّةَ فعلٍ لتصرُّفه؛ بل تذكَّري أنَّ كلَّ إنسانٍ يُحاسَب عن نفسه!(83/4)
- ركِّزي على فَهْمه وفَهْم السَّبب وراء تصرُّفاته، وابحثي عن ايجابيَّاته أيضًا؛ فلكلِّ شخصيَّةٍ ايجابيَّاتٌ وسلبيَّاتٌ، حاولي أن تركِّزي على ما تجدينه إيجابيًّا في شخصيَّته.
- احصري ما يضايقكِ منه، ورتِّبيه حَسَب أولويَّته، وفي استشارتكِ وضعتِ لنظافة الأسنان الأولويَّة على الصَّلاة!! ويفترض أن يكون الأمر على العكس من ذلك؛ فتقصيره في الصَّلوات هو الأمر الذي يستدعي القلق بحقٍّ، وعليك تلافيه بحكمةٍ.
- العفَّة من أهمِّ أهداف الزَّواج، وتقصيرُكِ بحقِّه الشَّرعيِّ أمرٌ خطيرٌ؛ فكِّري في طريقة لتجاوز هذا، وحاولي معه بأسلوبٍ لطيفٍ أن تصلا للراحة معًا، واحتسبي الأجرَ في ذلك.
- تحتاجين للتَّفريغ الانفعالي دومًا، كما تحتاجين إلى الدَّعم العاطفي؛ ففرِّغي انفعالاتك، سواءٌ بالدُّعاء واللُّجوء إلى الله، أو بالشكوى لذي مروءةٍ، أو بالكتابة ... الخ.
- لا تُهملي أثرَ الدُّعاء، ولا تملِّي تكراره واللجوء لله دومًا، والحرص على رضاه.(83/5)
العنوان: تقليل رؤوس الآي في السور الإحدى عشرة
رقم الاستشارة: 204
المستشار: أحمد محمد سليمان
-----------------------------------------
السؤال:
هل هناك وجهانِ حالة الوصل - أقصد (التقليل والفتح) - في رؤوس الآي من السور الإحدى عشرة في رواية ورش من طريق الأزرق؟
نفع الله بكم وزادكم علمًا.
-----------------------------------------
الجواب:
بسم الله والحمد لله، وبعد؛
اعلم – وَفَّقكَ الله – أنَّ القرَّاءَ المشهورين بالنِّسبة إلى الفتح والإمالة على ثلاثة أقسام:
فمنهم مَن فَتَح ولم يُمِلْ شيئًا؛ كابْنِ كثيرٍ المكِّيِّ.
ومنهم مَن أمال بقِلَّةٍ؛ كحفص (لم يمل إلاَّ كلمة "مجراها" في هود)؛ وقالونَ (أَمَالَ كلمة ((هار)) من قوله تعالى: {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} في التوبة إمالةً مَحْضَةً، وأمالَ الهاء والياء من كهيعص إمالة بَيْنَ بَيْنَ).
ومنهم مَنْ أَمَالَ بكثرة؛ كحمزةَ والكِسَائِيِّ منَ الكوفِيِّينَ، وكذلك الأزرقُ عن وَرْشٍ عن نافع المَدَنِيِّ.
ولا يَخْفَى أنَّ الفتح عبارةٌ عن فَتْحِ القارِئ لِفِيه بِلَفْظِ الحَرْف، وهو فيما بَعْدَهُ أَلِفٌ أَظْهَر، ويُقال له أَيْضًا التَّفْخِيم، وَرُبَّما قِيلَ له النَّصْب.
وأنَّ الإمالةَ أَنْ تَنْحُوَ بالفتحة نَحْوَ الكَسْرَةِ، وَبِالأَلِفِ نحو الياءِ (كَثِيرًا) وهو المَحْض، (أو قَلِيلاً) وهو بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، وَيُقالُ له أَيْضًا التَّقْلِيلُ، والتَّلْطِيفُ، وَبَيْنَ بَيْنَ.
والأزرق هو أبو يعقوب يوسف بن عمرو بن يسار المدني ثم المصري، توفي في حدود سنة أربعين ومائتين، وهو الذي خلف ورشًا في القراءة والإقراء بمصر.
قال أبو الفضل الخزاعي: أَدركْتُ أَهلَ مِصرَ والمَغربِ على روايةِ أَبي يَعْقُوب - يعني الأَزْرَقَ - لا يَعْرفونَ غَيْرَها. (يعني طريق الأزرق عن ورش).(84/1)
وورشٌ هو أَبو سَعِيدٍ عُثمانُ بْنُ سَعِيدِ بنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ القُرَشِيُّ مَوْلاهُمُ القِبْطِيُّ المِصْرِيُّ، تُوُفّي بِمِصْرَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ، رَحَلَ إِلَى المَدِينَةِ لِيَقْرَأَ على نَافِعٍ فَقَرَأَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ خَتَمَاتٍ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَرَجَعَ إِلَى مِصْرَ فَانْتَهَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ الإِقْرَاءِ بِهَا.
ولورْشٍ طريقٌ أخرى؛ هي طريق الأصبهانِيِّ، وليست من طرق "التيسير" و"الشاطبية"، بل تضمَّنتْها "طَيِّبَةُ النَّشْر" فيما تضمنت من الطُّرُق.
واعلم أنَّ ما يُميلُه الأزرقُ عن وَرْش هو إمالة بينَ بينَ دائمًا؛ إلا إمالتَه الهاءَ من (طه) فهي إمالة محضة.
واعلمْ أخيرًا أنَّ ما يُميلُه الأزرقُ عن وَرْشٍ منه ما يُمال بلا خلاف ومنه ما يُمال بخلاف.
إمالة رؤوس الآي:
قال ابنُ الجَزَرِيِّ: "فمِمَّا يُميل الأزرقُ عن وَرْشٍ رُؤوسُ الآي في السُّوَر الإِحْدَى عَشرَة، وهي (طه، والنَّجْمِ، وَسأَلَ سائِلٌ، والقِيامَة، والنّازِعات، وَعَبَسَ، والأَعْلَى، والشَّمْس، واللَّيْل، والضُّحَى، والعَلَق)؛ سَواءٌ أكانَت من ذَواتِ الواوِ نحو: (الضُّحَى، وسَجَى، والقُوَى)، أم من ذَواتِ الياءِ نحو: (هُدى، والهَوَى، ويَغْشَى).
وانْفَرَدَ صاحب "الكافي" – وهو ابن شريح - فَفَرَّقَ في ذلك بَيْنَ اليائِيِّ؛ فأَمالَهُ بَيْنَ بَيْنَ، وَبَيْنَ الواوِيِّ؛ فَفَتَحَهُ". ا.هـ. بتصرف.
جاء في "شرح الشَّاطِبِيَّةِ" لأبي شَامَةَ:
"وَلكِنْ رُؤوسُ الآيِ قَدْ قَلَّ فَتْحُهَا لَهُ غَيْرَ مَا هَا فِيهِ فَاحْضُرْ مُكَمَّلاَ(84/2)
يعني أنَّ رؤوسَ الآيِ لا يجري فيها الخلافُ المذكور؛ بل قراءته لها على وجهٍ واحدٍ؛ وهو بين اللفظين، وعبَّر عن ذلك بقوله: (قد قَلَّ فتحُها)؛ يعنِي أنَّه قلَّلَه بشيءٍ من الإمالة، وقد عبَّر عن إمالة بينَ بينَ بالتَّقليل في مواضعَ؛ كقوله:
... ... ... ... ... ... ... ... وَوَرْشٌ جَمِيعَ البَابِ كَانَ مُقَلِّلا
... ... ... ... ... ... ... ... .. .. وَالتَّقْلِيلُ جَادَلَ فَيْصَلا
... ... ... ... ... ... ... ... وَقُلِّلَ فِي جَوْدٍ .... ......
... ... ... ... ... ... ... ... .. وَعَنْ عُثْمَانَ فِي الْكُلِّ قَلِّلا
وأراد برؤوس الآي جميعَ ما في السور المذكورة الإحدى عَشْرَةَ سواء كان من ذوات الواو، أو من ذوات الياء، وقد نَصَّ الدانيُّ على ذلك في كتاب "إيجاز البيان"، وإنَّما لم يجئ وجهُ الفتح فيها إرادةَ أن تتَّفِقَ ألفاظُها، ولا يختلف ما يقبل الإمالة منها، وذلك أنَّ منها ما فيه راءٌ نحو: (الثَّرَى، والكُبْرَى)، وذاك مُمالٌ لِورش بلا خِلاف، فأجرَى الباقيَ مُجراه؛ ليأتِيَ الجميع على نمطٍ واحدٍ، ثُمَّ اسْتَثْنَى من ذلك ما فيه (ها)" ا.هـ [إبراز المعاني: 1/225].
الكلام على ما فيه (ها) من رؤوس الآي
قال ابن الجَزَرِيِّ: "واخْتُلِفَ عن وَرْشٍ من طريق الأزرق فيما كان من رُؤوسِ الآيِ على لَفْظِ (ها)، وذلك في سُورَة {النّازِعاتِ}، {والشَّمْسِ} نَحْو: (بَنَاهَا، وضُحَاهَا، وسَوَّاهَا، ودَحَاهَا، وأَرْسَاهَا، وتلاها، وجَلاَّهَا)؛ سواء كان واوِيًّا، أَوْ يائِيًّا:
فأخذ جماعة فيها بالفَتْح، وهو مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِالله بن سُفْيانَ، وأبي العَبَّاس المَهْدَوِيِّ، وأبي محمد مَكِّيٍّ، وابْنَيْ غَلْبُون، وابْنِ شُرَيْحٍ، وابْنِ بَلِّيمَةَ، وغيرِهم، وبه قَرأَ الدّانِيُّ على أبي الحَسَن.(84/3)
وذهب آخَرُونَ إلى إِطْلاق الإمالة فيها بَيْنَ بَيْنَ، وأَجْرَوْها مُجْرَى غيرها من رُؤوسِ الآيِ، وهو مَذْهَبُ أبي القاسِم الطَّرَسُوسِيِّ، وأبي الطِّاهِر بنِ خَلَفٍ صاحبِ "العُنْوان"، وأبي الفَتْحِ فارِسِ بنِ أحمدَ، وأبي القاسِم الخَاقَانِيِّ، وغيرِهم.
والذي عَوَّلَ عليه الدّانِيُّ في "التَّيْسِيرِ" هو الفَتْحُ؛ كما صَرَّح به أَوَّلَ السُّوَرِ، مع أنَّ اعْتِمادَهُ في "التَّيْسِيرِ" على قِراءَتِه على أبي القاسِم الخَاقَانِيِّ في رواية وَرْشٍ وأَسْنَدَها في "التَّيْسِيرِ" من طَرِيقِهِ، وَلَكِنَّهُ اعْتَمَدَ في هذا الفَصْلِ على قِراءَتِه على أبي الحَسَن، فلذلك قَطَعَ عنه بِالفَتْحِ في "المُفْرَداتِ" وَجْهًا واحِدًا مع إِسْنادِه فيها الرِّوايَةَ من طَرِيق ابن خَاقَانَ، وقال في كِتابِ "الإِمالَةِ": اخْتَلَفَتِ الرُّواةُ وأهلُ الأَداءِ عن وَرْشٍ في الفَواصِلِ إذا كُنَّ على كِنايةِ مُؤَنَّثٍ؛ نَحْو آيِ {والشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، وَبَعْضِ آيِ {والنَّازِعَاتِ}؛ فأَقْرأَنِي ذَلِكَ أَبُو الحَسَنِ عَنْ قِراءَتِهِ بِإِخْلاصِ الفَتْحِ، وَكَذَلِكَ رَواهُ عَنْ وَرْشٍ أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، وأَقْرأَنِيهِ أَبُو القاسِمِ وأَبُو الفَتْحِ عَنْ قِراءَتِهِما بِإِمالَةٍ بَيْنَ بَيْنَ، وَذَلِكَ قِياسُ رِوايَة أَبِي الأَزْهَرِ وأَبِي يَعْقُوبَ وَداوُدَ عَنْ وَرْشٍ .
وَذَكَرَ في "بابِ ما يَقْرَؤُهُ وَرْشٌ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ ذَواتِ الياءِ مِمّا لَيْسَ فيهِ راءٌ قَبْلَ الأَلِفِ سَواءٌ اتَّصَلَ بِهِ ضَمِيرٌ، أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ": أَنَّهُ قَرأَهُ على أَبِي الحَسَنِ بِإِخْلاصِ الفَتْحِ، وَعَلَى أَبِي القاسِمِ وأَبِي الفَتْحِ وَغَيْرِهِما بين اللَّفْظَيْنِ، وَرَجَّحَ في هَذا الفَصْلِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، وَقالَ: وَبِهِ آخُذُ؛ فاخْتارَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ.(84/4)
والوَجْهانِ جَمِيعًا صَحِيحانِ عَنْ وَرْشٍ في ذَلِكَ مِنَ الطَّرِيقِ المَذْكُورَةِ".
الكلام على ما فيه (ها)، وقبل الألف راء من رؤوس الآي:
"أَجْمَعَ الرُّواةُ مِنَ الطُّرُقِ المَذْكُورَةِ على إِمالَةِ ما كان مِنْ ذَلِكَ فيهِ راءٌ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ : {ذِكْرَاهَا} هَذا مِمّا لا خِلافَ فيهِ عَنْهُ".
تعقيب على تقسيم السَّخاوي شارح "الشاطبية":
قال ابنُ الجَزَرِيِّ: "وَقالَ السَّخَاوِيُّ: إِنَّ هَذَا الفَصْلَ يَنْقَسِمُ ثَلاثَةَ أَقْسَامٍ: مَا لا خِلافَ عَنْهُ في إِمَالَتِهِ نَحْوُ {ذِكْرَاهَا}، وَما لا خِلافَ عَنْهُ في فَتْحِهِ نَحْوُ {ضُحَاهَا} وشِبْهُهُ من ذَواتِ الواوِ، وَما فيهِ الوَجْهانِ، وَهُوَ ما كان مِنْ ذَواتِ الياءِ.
وَتَبِعَهُ في ذَلِكَ بَعْضُ شُرَّاحِ "الشّاطِبِيَّةِ"، وَهُوَ تَفَقُّهٌ لا تُساعِدُهُ رِوايَةٌ؛ بَلِ الرِّوايَةُ إِطْلاقُ الخِلافِ في الواوِيِّ واليائِيِّ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ؛ كَما أَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ في غَيْرِهِ مِنْ رُؤوسِ الآيِ بَيْنَ اليائِيِّ والواوِيِّ إِلاَّ ما قَدَّمْنا مِنِ انْفِرادِ "الكافي".
وانْفَرَدَ صاحِبُ "التَّجْرِيدِ" عَنِ الأَزْرَقِ بِفَتْحِ جَمِيعِ رُؤوسِ الآيِ ما لَمْ يَكُنْ رائِيًّا؛ سَواءٌ كان واوِيًّا أَوْ يائِيًّا، فيهِ "ها" أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَخالَفَ جَمِيعَ الرُّواةِ عَنِ الأَزْرَقِ".
وقد سبق أبو شَامَةَ ابنَ الجزريِّ في ردِّ هذا التقسيمِ الذي وَضَعَهُ الإمام السخاويُّ، لكنَّ صاحبَ "إتحاف فضلاء البشر" لم يذكر إلا ابنَ الجَزَرِيِّ في هذا الموضع، رحم الله الجميع.
وجاء في باب ذكر تغليظ اللامات من "النشر":(84/5)
(وَاخْتَلَفُوا) فيمَا إِذَا وَقَعَ بَعْدَ اللاَّمِ أَلِفٌ مُمَالَةٌ؛ نَحْوُ (صَلَّى، وَسَيَصْلَى، وَمُصَلًّى، وَيَصْلاهَا)، فَرَوَى بَعْضُهُم تَغْلِيظَهَا مِنْ أَجْلِ الحَرْفِ قَبْلَهَا، وَرَوَى بَعْضُهُمْ تَرْقِيقَهَا مِنْ أَجْلِ الإِمَالَةِ.
فَفَخَّمَهَا في "التَّبْصِرَةِ"، و"الكَافي"، و"التَّذْكِرَةِ"، و"التَّجْرِيدِ"، وَغَيْرِهَا، وَرَقَّقَهَا في "المُجْتَبَى"، وَهُوَ مُقْتَضَى "العُنْوَانِ"، و"التَّيْسِيرِ"، وَهُوَ في "تَلْخِيصِ أَبِي مَعْشَرٍ" أَقْيَسُ، وَالوَجْهَانِ في "الكَافي"، و"تَلْخِيصِ ابن بَلِّيمَةَ"، و"الشَّاطِبِيَّةِ"، و"الإِعْلانِ"، وَغَيْرِهَا.
وَفَصَلَ آخَرُونَ في ذَلِكَ بَيْنَ رُؤوسِ الآيِ وَغَيْرِهَا؛ فَرَقَّقُوهَا في رُؤوسِ الآيِ لِلتَّنَاسُبِ، وَغَلَّظُوهَا في غَيْرِهَا لِوُجُودِ المُوجِبِ قَبْلَهَا، وَهُوَ الَّذِي في "التَّبْصِرَةِ"، وَهُوَ الاخْتِيَارُ في "التَّجْرِيدِ" وَالأَرْجَحُ في "الشَّاطِبِيَّةِ". وَالأَقْيَسُ في "التَّيْسِيرِ"، وقطع أَيْضًا به في "الكَافي" إِلاَّ أَنَّهُ أَجْرَى الوَجْهَيْنِ في غَيْرِ رُؤُوسِ الآيِ.
وَالَّذِي وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ رَأْسَ آيَةٍ-: ثَلاثُ مَوَاضِعَ: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} في القِيَامَةِ، {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} في سَبِّح، و{إِذَا صَلَّى} في العَلَقِ.
وَالَّذِي وَقَعَ مِنْهُ غير رَأْسِ آيَةٍ سَبْعَةُ مَوَاضِعَ: {مُصَلًّى} في البَقَرَةِ حَالَةَ الوَقْفِ، وَكَذَا {يَصْلَى النَّارَ} في سَبِّح، و{وَيَصْلاهَا} في الإِسْرَاءِ وَاللَّيْلِ، وَ{يُصَلَّى} في الانْشِقَاقِ، وَ{تَصْلَى} في الغَاشِيَةِ، وَ{سَيَصْلَى} في المَسَدِ.
إذا وقع بعد الألف الممال ساكن(84/6)
جاء في "النَّشْرِ" (ص74): "إِذَا وَقَعَ بَعْدَ الأَلِفِ المُمَال سَاكِنٌ، فَإِنَّ تِلْكَ الأَلِفَ تَسْقُطُ؛ لِسُكُونِهَا وَلُقِيِّ ذَلِكَ السَّاكِنِ، فَحِينَئِذٍ تَذْهَبُ الإِمَالَةُ على نَوْعَيْهَا؛ لأَنَّهَا إِنَّمَا كَانَتْ من أجل وُجُودِ الأَلِفِ لَفْظًا، فَلَمَّا عُدِمَتْ فيهِ امْتَنَعَتِ الإِمَالَةُ بِعُدْمِهَا، فإن وقف عَلَيْهَا انْفَصَلَتْ منَ السَّاكِنِ تَنْوِينًا كَانَ أَوْ غيرَ تَنْوِينٍ، وَعَادَتِ الإِمَالَةُ وبَيْنَ اللَّفْظَيْنِ بِعَوْدِهَا على حَسَبِ مَا تَأَصَّلَ وَتَقَرَّرَ".
ثم أفاض ابن الجَزَرِيِّ كغيره هنا في بيان الخلاف بين الوقف على المنَوَّن المرفوع والمجرور والوقف على المُنَوَّن المنصوبِ، وهو خلاف لا يعتدُّ به المحقِّقون؛ لأنه مبنِيٌّ فقط على خِلافٍ نَحْوِيٍّ، والقراءة سُنَّةٌ لا قياس.
تنبيه:
لا بُدَّ من معرفة فواصل الآيات في هذه السُّوَر الإحدى عَشْرَةَ في العَدِّ المَدَنِيِّ الأخيرِ؛ ليُعرَف ما هو رأس آية وما ليس برأس آية، فيُمالُ أو يُفتَح بحَسَبِ ذلك.
والمختلَف فيه بين العدِّ المدنيِّ والعدِّ الكوفيِّ في هذه السور؛ كما ذكر ابن الجَزَرِيِّ:
في طه: {مِنِّي هُدًى} [طه: 123]، {زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [طه: 131] كلٌّ منهما رأس آية في العَدِّ المدنيِّ.
في النَّازِعَات: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى} [النازعات: 37] ليست رأسَ آيةٍ عند المدنيِّ، وهي آية في العَدِّ الكُوفيِّ.
الخلاصة:
نخلص من جميع هذه النُّقول إلى أنَّه:
1- يُميل وَرْشٌ مِن طريق الأزرقِ كُلَّ رؤوس الآيِ في السور الإحدى عَشْرَةَ مما يَقبَل الإمالة؛ بخلاف هَمْسًا، ونَسْفًا، وعِلْمًا، وعَزْمًا.
2- لا فَرْقَ في ذلك بين الوَاوِيِّ واليَائِيِّ إلاَّ ما انفرد به في "الكافي".(84/7)
3- هذه الإمالة - بينَ بينَ - وَجْهًا واحدًا بلا خِلاف فيما لم تَنْتَهِ رأسُ الآية بـ (ها) التي للتأنيث في سورة {الشَّمْس}، وبعض آي {النَّازِعَات}.
4- إذا كان رأسُ الآية فيه (ها)، وقبل الألف راءٌ، فالإمالة بالاتفاق أيضًا؛ وذلك في (ذِكْرَاهَا) فقط. أمَّا إذا لم يكن قبل الألف راءٌ، ففيها الوجهان: الإمالة والفتح.
5- إذا كان الأَلِفُ المُمال قبلَه لامٌ حَقُّها التغليظُ نحوُ: {وَلاَ صَلَّى} [القيامة: 31]، {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15]، {عَبْدًا اذَا صَلَّى} [العلق: 10] -: فإنَّ الإمالة تَغلِب تغليظ اللام، فتُرقَّقُ اللام وتمال الأَلِفُ، هذا هو الأَقْيَسُ خلافًا لبعضهم.
6- إذا وقع بعد الأَلِفِ الممالِ ساكنٌ في أول الآية التي تليها نحوُ: {رَبِّكَ الَاعْلَى * الَّذِي خَلَقَ} [الأعلى: 1، 2]، {وَيَتَجَنَّبُهَا الَاشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ} [الأعلى: 11، 12] -: ففي الوَصْل تذهب الأَلِفُ تمامًا فتمتنع الإمالة، وفي الوقف على الأعلى والأشقى تُمال.
وكذلك إذا كان الألف في رأس الآية مُنَونًا (بالنصب أو غيره) مثل {عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا} ، {مَكَانًا سِوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ} ففي الوصل أيضا تذهب الألف فتمتنع الإمالة، وفي الوقف على رأس الآية تمال.
تنبيه:
* كلمة (طُوى) في طه والنَّازعات رأسُ آية بلا خلاف، فتمال لورش من طريق الأزرق عند الوقف بلا خلاف.
لكنَّ ورشًا يقرؤها بغير تنوين - خلافا لابن عامر والكوفيين –
وعليه؛ ففي سورة طه {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوَى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} تُمالُ أيضًا في الوصل بلا خلاف.
أما في سورة النازعات {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوَى * اذْهَبِ الَى} فلا تمال في الوصل لأن بعد الألف ساكنًا فتذهب الألف وتمتنع الإمالة،، والله أعلم.(84/8)
العنوان: حالة ولدي النفسية
رقم الاستشارة: 115
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم..
كنت قد راسلتكم من قبل، من أجل ولدي الذي عمره سنتان ونصف، وطلبتم مني أن أشرح لكم حالة ولدي النفسية بعد طلاقي من والده، وتربية أهل والده له..
إن ولدي يعاني خوفاً شديداً من كل شيء جديد يراه! ويبكي بكاءً شديداً للحظات؛ أشعر حينها وكأنه سوف يغمى عليه!!
لا أعرف ماذا أصنع! فمنذ يومين ذهبنا معاً لحضور عيد ميلاد صديقه! وهناك كان جميع الأولاد يلعبون ويرقصون إلا هو؛ فقد آثر الجلوس معي الوقت كله! طلبت منه عدة مرات أن يلعب معهم؛ لكنه رفض وهو خائف جداً..
بعد قليل جاؤوا بألعاب (التلي تبيس) لكي يلعب الأطفال بها، وعندها صار يبكي ويرتجف من البكاء!!
أرجوك! ساعدني! أنا خائفة جداً عليه وعلى نفسيته. شكراً
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة..
مرحبا بك ثانية في موقع (الألوكة)..
من الواضح أن التشتت الذي تعرَّض إليه طفلُك في مرحلة مبكرة؛ سبَّبَ له هذه الحالة النفسية التي ترينها.. أود منك أن تتابعي معي الأمور التالية:
أولاً: طفلك ما زال صغيراً، وهذا يعني أن هناك فرصة كبيرة للتغيير.. فقط مزيداً من الحنان، والقرب، والوقت؛ هو ما يحتاجه، كما ذكرت سابقاً.
ثانياً: من مثيرات القلق لدى الأطفال في هذا السن: قلقُ الأم عليهم!! إن الرسالة التي تصل إلى الطفل هي: "إذا كانت والدتي قلقة؛ فلابد أن هناك ما يبعث على القلق!).
في عملنا في العيادة النفسية؛ وجدنا أن معظم أمهات الأطفال الذين يعانون القلق؛ هنَّ قلقات أيضاً.. الأمر ليس وراثةً؛ بل انطباعٌ وسلوك مُتَعَلَّم.. فانتبهي لذلك، خاصة أنه لا يوجد ما يثير القلق على نفسيته في المستقبل.
انتبهي إلى كلماتك: (حبيبي، لا تخف!).. (ما من شي يخيف!).. (اطمئن!).. (أنا بجنبك!)... فهذا يثير القلق أكثر من كونه يخففه!!(85/1)
ثالثاً: من الوسائل التي ينصح بها المربون في التعامل مع التعلق المبالغ فيه بالوالدين: التوقف عن دفع الطفل نحو الاختلاط بالأطفال واللعب معهم.. فقط تجاهلي الأمر! وسيكون هذا دافعاً له للتفكير في الذهاب معهم.
رابعاً: اذهبي معه إلى مكان يحب أن يلعب فيه، والعبي معه قليلاً، ثم ابتعدي شيئاً فشيئاً، وهكذا بالتدريج.. وإذا أظهر الخوف فارجعي، وحمسيه على نحو إيجابي: (انظر إلى هذه الزُّحْلُوقة! هل يمكنك التزحلق عليها على بطنك؟!).. وغير ذلك.
خامساً: حدثيه مقدَّماً عما قد يشاهد من أحداث سيعيشها أو مواقف سيحضرها, وأخبريه بما قد يقع, والمدة التي سيقضيها هناك، ومن سيقابل, ومتى ستعودون.. هذا سيساعده شيئاً ما في التغلب على قلقه.
ختاماً: أؤكد لك -ثانية- أن طفلك بحاجة إلى الوقت؛ ليستعيد توازنه، بعد الذي تعرض إليه..
اصبري، ولا تقلقي، وبذلك تكونين قد أسديت إليه معروفاً كبيراً.
وفقك الله إلى ما يرضيه.. وأهلا بك دوماً.(85/2)
العنوان: حب أتعب فكري وقلبي وروحي حتى اضعفني
رقم الاستشارة: 73
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع الإسلامي الرائع.
فضيلة الدكتور والمستشار المحترم، إليك خالص احترامي وتقديري وبعد:
أنا شاب كنت أقطن في حيٍّ شعبي، وأحببت فتاة من عمري في مرحلة المراهقة، بنتَ جيران لنا، وعندما بلغتُ الثانوية طلبتها من أخيها - وهو شاب ملتزم، وكذلك أخته وجميع أهله - فرفض الأخ بحجة أن أخته تكمل دراستها، وأنني لازلت طالباً، وأمامي الجامعة.
وفي السنة الثانية من دراستي الجامعية خطبها شخص آخر، ثم بعد ذلك تزوَّجَتْ، ولكنها لم تفارقني إلى كتابة هذه الكلمات!! لقد تزوَّجَتْ وأنجبتْ طفلاً، ولكنها بقيتْ في قلبي حسرةً، وأنا الآن مدرس لمادة الديانة، أي الشريعة، ولم أستطع أن أنساها، ولا حتى التفكير في الزواج من غيرها، وعمري الآن 29 سنة، وحالي تحسَّن كثيراً عن الحال الأول، ولكن أصابني البرود في الرغبة في الزواج، علماً بأنني أدرِّس بنات المرحلة الثانوية.
أتذكرها كثيراً، وهي في فكري دائماً؛ في الشارع، وفي المدرسة!! أصبح اسمها هاجساً لي؛ فاسمها أراه في كل شي؛ في لوحات الشوارع، وفي محلات البقالين!! وفي الكتب والقصائد، ولا أخفيك سرّاً: اسمها هو نفسه اسم المدينة المنورة، ولكن بمسمى آخر ..؟!
أرجو منك توجيهي إلى ما فيه صلاح ديني ودنياي، وعذراً على الإطالة، وجزاكم الله خيراً.
-----------------------------------------
الجواب:
أخي الكريم: مرحباً بك في موقع (الألوكة)، وشكراً لثقتك الغالية.(86/1)
إذن هو الحب ..!! تلك العاطفة القديمة الجديدة .. أجمل شعور يمر على الإنسان، وأحلى ما يلمسه القلب .. ولكنَّ أغرب ما في الحب أنه بقدر ما يمنحنا من شعور جميل ولحظات رائعة, بقدر ما يؤلمنا بشدة في ظروف أخرى كثيرة، وهذا ما يحدث معك سيدي الكريم؛ فمع الحب الجميل الذي عشته، ورغم سعيك نحوه بجدٍّ وصدق، لكنك لم يحالفك التوفيق، وبين حين وآخر تشعر بالألم وتأنيب الضمير؛ أن تتعلق بفتاة متزوجة وأنت مدرس (الديانة)!!
أريد أن أذكر هنا مجموعة من الملاحظات:
أولاً: هل تعرف لماذا بقيتْ هذه الفتاة في قلبكَ وعقلكَ كل هذا الوقت؟!
إن أي سلوك بشري يحركه البحث عن المتعة، وبقاء هذه الفتاة في قلبك يعطيك الكثير من المتعة؛ لذا أبقيتَ ذكراها، وشغلتَ بها تفكيركَ!!
أريدُ منكَ أن تبدأ من اليوم في استكشاف مناطق أخرى من حياتك، تمنحك الرضا والشعور بالسعادة والحبور .. هناك نشاطاتٌ كثيرة وعديدة؛ فلا تحرم نفسكَ منها.
ثانياً: أعتقدُ أن في داخلك خوفٌ شديد من خوض غمار تجرِبة جديدة، وإقامة علاقة جديدة! أريدُكَ أن تختبر هذه الفرضية بنفسكَ أنت، وأن تراجع نفسكَ جيداً، وتحاول أن تتحدى مثل هذه الأفكار المعيقة والمعطِّلة، وأن تبادر بطردها وإثبات خطئها.
ثالثاً: لقد تعلمتُ من تجرِبتي الشخصية وتجرِبة عدد كبير من الشباب من حولي: أننا ما إن نخوض تجربة الحب الأول حتى نظن أنها نهاية الدنيا، وأن لا حب مثل هذا الحب، ولا حبيب كمثل هذا الحبيب, وندافع عن ذلك باستماتة، ولكن ما إن نبدأ من جديد، ونقابل شخصاً جديداً؛ حتى نكتشف أننا كنا مخطئين تماماً! وأن الله يعوضنا عمَّا فات بحبٍّ أكبر وأجمل، لم نكن نتخيله!!
أريدُكَ أن تبدأ الآن بقلب منفتح؛ فتبدأ حياتكَ من جديد وكلكَ ثقةٌ بالله، في أن يعوِّضكَ عمَّا فاتكَ، وستدهشكَ النتائج!!(86/2)
ختاماً: لا بد أن أذكِّر نفسي وإيَّاكَ - دائماً - بضرورة تقوى الله - عزَّ وجلَّ - والحرص على التزام شرعه في الخِطْبة والزواج، والتأكيد على تثبيت النية في قلوبنا أن يكون الهدف الأهم من ورائه بناء بيت مسلم يعبد الله.
وفَّقكَ الله إلى كل خير، ومرحباً بك ثانيةً في موقع (الألوكة).(86/3)
العنوان: حكم سب صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم
رقم الاستشارة: 19
المستشار: د. سعد بن عبدالله الحميد
-----------------------------------------
السؤال:
ما حكم سب الصحابة؟
وهل يجوز تكفير من يسبهم، مع العلم أنهم يكفِّرون أهل السنة والجماعة، فلو كان الجواب بـ"نعم"، فلماذا لا نصرح بكفرهم؟
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فمسألة سبِّ الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - من المسائل التي فيها تفصيل طويل؛ لأن السَّابَّ قد يسبُّ واحداً بعينه بسبب خصومة دنيوية بينهما – وهذا في عصره كما هو ظاهر – وقد يسبُّ عدداً من الصحابة بسبب أنه لُبِّس عليه بأنهم ارتدُّوا، أو عملوا أعمالاً يتعاظمها، وقد يسبُّهم لأنهم هم الذين نصروا هذا الدين الذي يتظاهر بالانتساب إليه، وهو في باطنه ليس كذلك، وهكذا.
ومِنْ أحسن مَنْ فصَّل في هذه القضيَّة، شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في آخر كتابه "الصارم المسلول على شاتم الرسول" (3/1055-1113)؛ حيث قال: "فأما من سب أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل بيته وغيرهم: فقد أطلق الإمام أحمد أنه يُضْرَب ضربًا نكالاً، وتَوَقَّفَ عن كفره وقتله".
قال أبو طالب: "سألت أحمد عمَّن شتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: "القتل أَجْبُنُ عنه، ولكن أضربه ضربًا نكالاً".
وقال عبد الله: "سألت أبي عمن شتم رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: "أرى أن يُضْرب، قلت له: حَدّاً؟ فلم يقف على الحدِّ؛ إلا أنه قال: يُضرب، وقال: ما أراه على الإسلام".(87/1)
وقال في الرسالة التي رواها أبو العباس أحمد بن يعقوب الإصطخري وغيره: "وخير الأمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -: أبو بكر، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان بعد عمر، وعلي بعد عثمان، ووقف قوم على عثمان، وهم خلفاء راشدون مهديون، ثم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هؤلاء الأربعة خير الناس، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئًا من مساويهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص، فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته، ليس له أن يعفو عنه، بل يعاقبه ويستتيبه، فإن تاب قُبِلَ منه، وإن ثبت أعاد عليه العقوبة، وخلَّده الحبس حتى يموت أو يراجع".
وحكى الإمام أحمد هذا عمَّن أدركه من أهل العلم، وحكاه الكِرْمَاني عنه، وعن إسحاق، والحُمَيْدي، وسعيد بن منصور، وغيرهم.
وقال الميموني: سمعت أحمد يقول: "ما لهم ولمعاوية؟! نسأل الله العافية. وقال لي: "يا أبا الحسن، إذا رأيت أحدًا يذكر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بسوء، فاتَّهِمْهُ على الإسلام".
فقد نصَّ - رضي الله عنه – "على وجوب تعزيره بالجلد، واستتابته حتى يرجع، وإن لم يَنْتَهِ، حُبس حتى يموت أو يراجع"، وقال: "ما أراه على الإسلام، وأَتَّهِمُهُ على الإسلام"، وقال "أَجْبُنُ عن قتله".
وقال إسحاق بن راهَوَيه: "من شتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يعاقب ويحبس، وهذا قول كثير من أصحابنا، منهم: ابن أبي موسى، قال: "ومن سب السلف من الروافض فليس بكفء ولا يزوج، ومن رمى عائشة - رضي الله عنها - بما برَّأها الله منه، فقد مَرَقَ من الدين، ولم ينعقد له نكاحٌ على مسلمة؛ إلا أن يتوب ويُظهِر توبتَه.
وهذا في الجملة قول عمر بن عبد العزيز، وعاصم الأحول، وغيرهما من التابعين.(87/2)
قال الحارث بن عتبة: "إن عمر بن عبد العزيز أُتي برجل سبَّ عثمان، فقال: ما حملك على أن سببته؟ قال: أُبْغِضُه، قال: وإن أبغضت رجلاً سببته؟! قال: فأمر به فجُلد ثلاثين سوطًا". وقال إبراهيم بن ميسرة: "ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب إنسانًا قط، إلا إنسانًا شتم معاوية، فضربه أسواطًا"؛ رواهما اللالكائي.
وقد تقدم أنه كتب في رجل سَبَّه: "لا يُقتل إلا من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن اجلده فوق رأسه أسواطًا، ولولا أني رجوت أن ذلك خيرٌ له لم أفعل".
وروى الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا عاصم الأحول، قال: "أُتيت برجل قد سب عثمان، قال: فضربته عشرة أسواط، قال: ثم عاد لِما قال، فضربته عشرة أُخرى، قال: فلم يزل يسبُّه حتى ضربته سبعين سوطًا".
وهذا هو المشهور من مذهب مالك، قال مالك: "من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - قُتل، ومن شتم أصحابه أُدِّب".
وقال عبد الملك بن حبيب: "من غلا من الشيعة إلى بغض عثمان، والبراءة منه، أُدِّب أدباً شديدًا، ومن زاد إلى بغض أبي بكر وعمر، فالعقوبة عليه أشد، ويكرر ضربه، ويطال سجنه حتى يموت، ولا يبلغ به القتل إلا في سب النبي - صلى الله عليه وسلم –".
وقال ابن المنذر: "لا أعلم أحداً يُوجِب قتل مَنْ سب مَنْ بَعد النبي - صلى الله عليه وسلم –".
وقال القاضي أبو يعلى: "الذي عليه الفقهاء في سب الصحابة: إن كان مُسْتَحِلاًّ لذلك كفر، وإن لم يكن مستحلاًّ فسق ولم يكفر، سواء كفَّرهم أو طعن في دينهم مع إسلامهم".
وقد قطع طائفة من الفقهاء من أهل الكوفة و غيرهم بـ"قتل من سب الصحابة، وكُفر الرافضة".
قال محمد بن يوسف الفريابي - وسُئل عمن شتم أبا بكر – قال: "كافرٌ، قيل: فيُصلَّى عليه؟ قال: لا، وسأله: كيف يُصنع به وهو يقول: لا إله إلا الله؟ قال: لا تمسُّوه بأيديكم، ادفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته".(87/3)
وقال أحمد بن يونس: "لو أن يهوديًّا ذبح شاة وذبح رافضي، لأكلت ذبيحة اليهودي، ولم آكل ذبيحة الرافضي؛ لأنه مُرْتَدٌّ عن الإسلام".
وكذلك قال أبو بكر بن هانئ: "لا تؤكل ذبيحة الروافض والقدرية؛ كما لا تؤكل ذبيحة المرتد، مع أنه تؤكل ذبيحة الكتابي؛ لأن هؤلاء يُقامون مقامَ المرتد، وأهل الذمة يُقَرُّون على دينهم، وتؤخذ منهم الجزية".
وكذلك قال عبد الله بن إدريس، من أعيان أئمة الكوفة: "ليس لرافضيٍّ شُفْعةٌ؛ لأنه لا شفعة إلا لمسلم".
وقال فُضَيْل بن مرزوق: سمعت الحسن بن الحسن - يعني: ابن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - يقول لرجل من الرافضة: "والله، إنَّ قَتْلَك لَقُرْبَةٌ إلى الله، وما أمتنع من ذلك إلا بالجوار".
وفي رواية قال: رحمك الله، قد عرفت أنما تقول هذا تمزح، قال: "لا والله ما هو بالمزح، ولكنه الجد". قال: وسمعته يقول: "لئن أمكننا الله منكم لنُقَطِّعَنَّ أيديكم وأرجلكم".
وصرح جماعات من أصحابنا بكفر الخوارج المعتقدين البراءة من علي وعثمان، وبكفر الرافضة المعتقدين لسب جميع الصحابة، الذين كفَّروا الصحابة، وفسَّقوهم، وسبُّوهم.
وقال أبو بكر عبد العزيز في "المقنع": "وأما الرافضي: فإن كان يسب، فقد كفر، فلا يُزَوَّج".
ولفظ بعضهم - وهو الذي نصره القاضي أبو يعلى -: "أنه إن سبَّهم سبّاً يقدح في دينهم أو عدالتهم، كفر بذلك، وإن كان سبّاً لا يقدح - مثل أن يسب أبا أحدهم، أو يسبَّه سبًّا يقصد به غيظه ونحو ذلك - لم يكفر".
قال أحمد في رواية أبي طالب - في الرجل يشتم عثمان -: "هذه زندقة".
وقال في رواية المرُّوذي: "من شتم أبا بكر، وعمر، وعائشة، ما أراه على الإسلام".
وقال في رواية حنبل: "من شتم رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أراه على الإسلام".(87/4)
قال القاضي أبو يعلى: "فقد أطلق القول فيه أنه يكفر بسبِّه لأحد من الصحابة، وتوقف في رواية عبد الله وأبي طالب عن قتله، وكمال الحد، وإيجاب التعزير يقتضي أنه لم يحكم بكفره"، قال: "فيحتمل أن يحمل قوله: "ما أراه على الإسلام" إذا استحلَّ سبَّهم، بأنه يكفر بلا خلاف، ويحمل إسقاط القتل على من لم يستحلَّ ذلك، بل فعله مع اعتقاده لتحريمه، كمن يأتي المعاصي. قال: ويحتمل أن يحمل قوله: "ما أراه على الإسلام" على سبٍّ يطعن في عدالتهم؛ نحو قوله: "ظلموا وفسقوا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخذوا الأمر بغير حق"، ويحمل قوله "في إسقاط القتل" على سب لا يطعن في دينهم؛ نحو قوله: كان فيهم قلة علم، وقلة معرفة بالسياسة والشجاعة، وكان فيهم شحٌّ، ومحبة للدنيا، ونحو ذلك. قال: ويحتمل أن يحمل كلامه على ظاهره، فتكون في سابِّهم روايتان، إحداهما: يكفر، والثانية: يفسق، وعلى هذا استقر قول القاضي وغيره؛ حكوا في تكفيرهم روايتين".
قال القاضي: "ومن قذف عائشة - رضي الله عنها - بما برَّأها الله منه كفر بلا خلاف".
ونحن نرتب الكلام في فصلين؛ أحدهما: في حكم سبهم مطلقاً، والثاني: في تفصيل أحكام السبِّ.
أما الأوَّل: فسبُّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرامٌ بالكتاب والسنة، ثم أخذ في سرد الأدلَّة من الكتاب والسنة في ذلك، وبيَّن دلالاتها، وأطال، ثم قال:
" فصل في تفاصيل القول فيهم "
أما من اقترن بسبه دعوى: أن عليًّا إله، أو أنه كان هو النبي، وإنما غلط جبريل في الرسالة، فهذا لاشك في كفره، بل لاشك في كفر من توقف في تكفيره. وكذلك من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات وكُتمت، أو زعم أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة، ونحو ذلك، وهؤلاء يُسَمَّون "القرامطة والباطنية"، ومنهم "التناسخية"، وهؤلاء لا خلاف في كفرهم.(87/5)
وأما من سبَّهم سبًّا لا يقدح في عدالتهم، ولا في دينهم؛ مثل وصف بعضهم بالبخل، أو الجبن، أو قلَّة العلم، أو عدم الزهد، ونحو ذلك: فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا يحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يُحمل كلام من لم يكفِّرهم من العلماء.
وأما من لعن وقبَّح مطلقًا: فهذا محل الخلاف فيهم؛ لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد.
وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا نفرًا قليلاً، لا يبلغون بضع عشرة نفسًا، أو أنهم فسقوا عامتهم: فهذا لا ريب أيضًا في كفره، فإنه مكذِّب لما نصه القرآن في غير موضع؛ من الرضا عنهم، والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا؟! فإن كفره متعيِّن؛ فإن مضمون هذه المقالة: أن نَقَلَة الكتاب والسنة كفار أو فُسَّاق، وأن هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس - وخيرها هو القرن الأوَّل - كان عامتهم كفارًا أو فساقًا، ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام؛ ولهذا تجد عامة من ظهر عنه شيء من هذه الأقوال، فإنه يتبين أنه زنديق، وعامة الزنادقة إنما يستترون بمذهبهم، وقد ظهرت لله فيهم مَثُلات، وتواتر النقل بأن وجوههم تُمسخ خنازير في المحيا والممات، وجمع العلماء ما بلغهم في ذلك، وممن صنف فيه الحافظ الصالح أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي كتابه في "النهي عن سب الأصحاب، وما جاء فيه من الإثم والعقاب".
وبالجملة: فمن أصناف السابَّة من لا ريب في كفره، ومنهم من لا يحكم بكفره، ومنهم من يُتردد فيه، وليس هذا موضع الاستقصاء في ذلك، وإنما ذكرنا هذه المسائل لأنها في تمام الكلام في المسألة التي قصدنا لها.
فهذا ما تيسر من الكلام في هذا الباب، ذكرنا ما يسَّره الله، واقتضاه الوقت، والله - سبحانه - يجعله لوجهه خالصًا، وينفع به، ويستعملنا فيما يرضاه من القول والعمل.(87/6)
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا إلى يوم الدين،، والله أعلم.(87/7)
العنوان: حكم مراسيل عِكْرِمَةَ عن أبي بكر
رقم الاستشارة: 195
المستشار: أ. خالد بن مصطفى الشوربجي
-----------------------------------------
السؤال:
ما حكم مراسيل عِكْرِمَةَ عن أبي بكر فإني وجدت له بعض المراسيل عنه؟
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد قال أبو زُرْعَةَ: "عِكْرِمَةُ عن أبي بكر الصديق مُرسَلٌ". كما في "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص158)، و"جامع التحصيل" (ص239).
وهذا يتضح إذا نظرنا في ترجمة كل منهما؛ فقد قال ابن حبان في "الثقات" (5/230): "إن عِكْرِمَةَ مات سنة سبع ومائة وقد قيل سنة خمسٍ ومائة.. وكان لعِكْرِمَةَ يوم مات أربع وثمانون سنة".
فعلى هذا تكون ولادته سنة: (23هـ)، أو سنة: (21هـ)، ومن المعلوم أنّ أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - مات في السنة الثالثةَ عَشْرَةَ منَ الهجرة، وعليه فيكون عِكْرِمَةُ وُلد بعد موت أبي بكر بحوالَيْ عشرِ سنوات أو أكثر؛ ولذا فرواية عِكْرِمَةَ عن أبي بكر منقطعة بلا شك،، والله أعلم.(88/1)
العنوان: حياتي مؤجلة
رقم الاستشارة: 178
المستشار: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
السؤال:
كل شيء مُؤَجَّل في حياتي، حتى خُطواتي الصغيرة، كل شيء مُؤجَّل أتُصدِّقُون، حتى الدعاء؟!
أرى العالم في الخارج جميلاً، وفيه ما لا تُعَد من الفُرَص ولا تُحْصَى، وأرى نفسي أرْقُب اللَّحْظة الحاسمة فلا تجيء، والحركةَ الأولى فلا تأتي، أو فلا أخْطُوها؛ فكلاهما سواء.
فكأنه لا عمل لي في هذه الحياة، إلا إِضَاعة الحياة، وكأنني مُغيَّبة عن دُنْيَاي، فماذا أفعل دلّونِي؟!
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
منذ أن تسَلَّمْتُ الاستشارة، وأنا أتَعجَّب من عُنوانِها - قبل أن أقرأها – وقُلْت: "هل السائل هو الذي وضع العُنوان، أم موقع الألوكة؟! لأنَّه عُنوان قويٌّ في لُغته.
وعندما قرأْتُ بقية السؤال أُعْجِبْتُ بِجمال اللُّغة، ففيها بيان واخْتِصار.
أنا أصدقكِ فِيمَا قلْتِه، أيَّتُها الأخت الكريمة؛ فالتأجيل والتَّسْوِيف؛ ورُبَّما التَّردُّد سُلوك بشري وَارِد، فلسْتِ وحدكِ كذلك؛ ولكنكِ ربَّما من أفضلهم، أتعرفينَ لماذا؟
لأنَّهم لا يُدْرِكُون أنهم يُضيعون الحياة! لا يُدْرِكُون ألْبتَّةَ أن حياتهم تمتلئ جعجعة دون طِحن!
وأنت - بارك الله فيكِ - تُريدين طِحْنًا.. وفقكِ الله لذلك، ونفع بكِ.
الأخت الكريمة:
مُفْرداتكِ التي استخدَمْتِها تُشير إلى أنَّكِ من (النوع البصري)، وأيضًا من النوع الذي يغلب عليه - من جوانبه الثلاثة - السُّلوك؛ فجوانب الإنسان هي: الفِكر، والمشاعر، والسلوك. والمجال لا يتَّسِع لشرح الجوانب، وبإمكانكِ الاطلاع عليها قراءةً أو من خلال المواقع المُتخصِّصة.(89/1)
ذَكَرْتُ لكِ ما سبق؛ لأقول: إنَّ أهمَّ سِمَات مَنْ نِظامُه التمثيليّ بصريّ، ومَنْ يغلب عليه من جوانبه الثلاثة السلوك: أنَّه يتحرَّك، ويُمَارِس سُلُوكًا.
وأنتِ كذلك، ولكنَّكِ طموحة - بارك الله فيكِ - ولستِ راضيةً عن نفسكِ.
تُريدينَ المزيد من الحركة، والحيويَّة، والإنْجَاز؛ لأنَّكِ (تَنْظُرينَ) إلى ما تَفْعلينَهُ فلا تجدينه ذا قيمة - وقد وضعتُ كلمة (تَنْظُرينَ) بين قوسينِ؛ لأني أعْنِيها حقيقةً، وليس مجازًا - فعندما (تَنْظُرين) إلى حياتكِ تَسْتقلّين ما فعلته.
إذًا أنتِ - والله أعلم - تشْكِين مِن عدم الاستمرار في إتْمام عمل بَدَأْتِهِ، فأنتِ تَبْدَئِين ولا تستمرّينَ. يتحكَّم فيكِ مِزاجُكِ، وتُشتِّتينَ نفسكِ بين عدة أمور، فتَخْرُجينَ منها جميعًا بإنجازٍ قليل لا يُذْكَر، فهذا ما يُزْعجكِ.
نصيحتي لكِ:
- وَضْع جدول يُنظِّم حياتَكِ: حتَّى للدُّعاء، فعليكِ أن تُحدِّثِي نفسكِ، أو توحي لها أنَّ بين كل أذان وإقامة سأدْعُو الله أن يُعِينني على الإنجاز.
- وهكذا في كل أمر (يقظتكِ، منامكِ، قراءتكِ، عملكِ الرَّسْمي أو التطوعِيّ، أموركِ الأخرى: ضعي لها أَوْقاتًا مُحَدّدة).
- إن شئتِ ابْدَئِي بأحبِّ الأعمال إليكِ، وأقربها لنفسكِ.
- الْتَزِمي مع جماعة صالِحة فَعَّالَة: اتَّخِذِي أخوات إيجابيَّات؛ تَتَناصَحْن وتَتَعاهَدْن على الإنجاز، واستثمار الوقت في نَفْع النَّفْس والآخرين.
- استمِرِّي بالجدول أُسبوعًا وأنتِ مُصمِّمَة أن تستمرِّي، ثم نهاية الأسبوع قِيسي الذي أنْجَزْتِهِ فستجِدينه - بإذن الله مُقارنةً بما كان سابقًا - أفضل بكثير.
- استمري على ذلك أَشْهُرًا، سيكون الإنجاز - بإذن الله – طبيعتَكِ، وستُقدّمينَ الكثير لنفسكِ ولمجتمعكِ.(89/2)
أنتِ - أيتها السائلة الكريمة - لا تشكينَ عدم الرغبة بالإنجاز؛ (فهذا أمر آخَرُ حلُّه نوعًا ما صعبٌ)، فهذا بحمد الله من طبيعتكِ؛ لكنكِ تشكين من صُعوبة البَدْء بالعمل، أو الاستمرار به.
وفقكِ الله لما يُحِبّ ويَرْضَى.(89/3)
العنوان: خطبة ابن الجوزي في المسجد الأموي (تنبيه جديد)
رقم الاستشارة: 64
المستشار: الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وجزاكم الله الجنة، لي سؤالي علمي:
لقد قرأت مقولة منسوبة لابن الجوزي، يقول فيها: "أيها الناس، لقد دارت رحى الحرب، ونادى منادي الجهاد، وتفتحت أبواب السماء، فإن لم تكونوا من فرسان الحرب، فأفسحوا الطريق للنساء؛ يدرن رحاها، واذهبوا، وخذوا المخامر والمكاحل، يا نساء بعمائم ولحى". وأريد أن أعرف:
أولاً- هل هذه المقولة أو الكلمة قالها ابن الجوزي بالفعل؟
ثانياً- ما اسم الكتاب أو المجلد الذي وردت فيه؟
-----------------------------------------
الجواب:
فهذه الخطبة قد انتشرت على المواقع الإلكترونية، ومنتديات الحوار، وتداولها الناس وبعض الكتاب، وهي منشورة في عدد من أعداد مجلة "الكوثر"، ولكن لم نقف عليها في كتب ابن الجوزي المتاحة لنا، ولا في ترجمته في كتب التراجم ولا في مصدر آخر، وألفاظها ليست الألفاظ المستعملة في وقت ابن الجوزي، بل ألفاظ الأعصار المتأخرة، فالذي يغلب على الظن أنها لاتصح نسبتها إليه – والله أعلم - وإليك نص هذه الخطبة:
قال ابن الجوزي على منبر المسجد الأموي: أيها الناس، ما لكم نسيتم دينكم، وتركتم عزتكم، وقعدتم عن نصر الله؛ فلم ينصركم، حسبتم أن العزة للمشرك، وقد جعل الله العزة له، ولرسوله وللمؤمنين، يا ويحكم! أما يؤلمكم ويشجي نفوسكم مرأى عدو الله وعدوكم يحط على أرضكم، التي سقاها بالدماء آباؤكم، يذلكم ويستعبدكم، وأنتم كنتم سادة الدنيا؟!(90/1)
أما يهز قلوبكم وينمي حماسكم مرأى إخوان لكم قد أحاط بهم العدو وسامهم ألوان الخسف؟! فتأكلون وتشربون وتتمتعون بلذائذ الحياة، وإخوانكم هناك يتسربلون اللهب، ويخوضون النار، وينامون على الجمر؟! يا أيها الناس، إنها قد دارت رحى الحرب؛ ونادى منادي الجهاد، وتفتحت أبواب السماء؛ فإن لم تكونوا من فرسان الحرب، فافسحوا الطريق للنساء؛ يدرن رحاها، واذهبوا فخذوا المجامر والمكاحل، فإلى الخيول وهاكم لجمها وقيودها. يا ناس، أتدرون مم صنعت هذه اللجم والقيود؟ لقد صنعتها النساء من شعورهن؛ لأنهن لا يملكن شيئاً غيرها، هذه والله ضفائر المُخَدَّرَات - النساء المستترات في خدورهن- لم تكن تبصرها عين الشمس صيانةً وحفظاً؛ قطعنها؛ لأن تاريخ الحب قد انتهى، وابتدأ تاريخ الحرب المقدسة، الحرب في سبيل الله، ثم في سبيل الدفاع عن الأرض والعرض، فإذا لم تقدروا على الخيل تقيدونها، فخذوها فاجعلوها ذوائب لكم وضفائر، إنها من شعور النساء، ألم يبق في نفوسكم شعور؟!
تنبيه وتوضيح
بعد نشر هذه الاستشارة ورد إلى موقعنا تنبيه من الأخت الفاضلة رضا من الكويت ذكرت فيه: أن الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى هو من ألف خطبة ابن الجوزي وأنه قد ذكر ذلك في كتابه ((الذكريات)) الجزء الثالث صفحة 314.
وبالعودة إلى الموضع الآنف من ((ذكريات علي الطنطاوي)) وجدنا صدق ما أوردته الأخت الكريمة، ولكن مع ملاحظة أن الخطبة نسبها الطنطاوي إلى سبط ابن الجوزي وليس إلى جده ابن الجوزي، وقد ذكر الطنطاوي وضعَه لهذه الخطبة في سياق الحديث عن التزيُّد في الأخبار، وإعمال الخيال في القصص التاريخية، وإليكم كلام الشيخ كاملاً:(90/2)
((ولي كتاب اسمه "قصص من التاريخ" آخذ فيه أسطرًا معدودة، أو حادثة محدودة, فأُعمل فيها خيالي، وأجيل فيها قلمي، حتى أجعل منها قصة. بدأت بهذا العمل من سنة 1930م، من حين كنت أشتغل في جريدة "فتى العرب"، والقصص الأولى منشورة في كتاب لي نفد من دهر طويل كان اسمه "الهيثميات".
من هذه القصص ما ذكره المؤرخون من أن امرأة من دمشق رأت انقسامَ المسلمين وتقاعسهم عن قتال الصليبيين، وأرادت المشاركة في الجهاد، فعملت ما تقدر عليه: قصَّت ضفائرها، وبعثت بها إلى سِبط ابن الجوزي (أي ابن ابنته) خطيب الجامع الأموي في دمشق؛ ليكون منها قيدٌ لفرسٍ من خيول المجاهدين.
ويقول المؤرِّخون: إنه خطب خطبةً عظيمة ألهبت الدماء في العروق، وأسالت الدموع من العيون، وأثارت الحماسة وأيقظت الهِمم، فلما كتبتُ القصة على طريقتي، ألَّفتُ أنا خطبةً قلت: إنها التي ألقاها على الناس.
وحَسِبَ الناس أن هذه هي الخطبة الحقيقية، حتى أن خطيب المسجد الحرام الرجل الصالح الشيخ عبدالله خياط نقل فقرات منها في خطبة الجمعة على أنها خطبةُ سبط ابن الجوي)).
إدارة التحرير(90/3)
العنوان: خطتي العلميَّة.. هل توافقونني عليها؟
رقم الاستشارة: 212
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الكرام:
أودُّ استشارتكم بخصوص خطَّتي العلميَّة التي أنا في صدد السَّيْر عليها.
للأسف؛ إنَّ عَدَم تنظيمي للقراءة الحرَّة والقراءة الأكاديمية للجامعة يؤثِّر كلٌّ منهما على الآخَر بالنسبة لي، وذلك يؤثِّر بالتَّبعيَّة على نفسيَّتي؛ فأنا طالبٌ مُبْتَعَثٌ لِدراسة تخصُّص التَّسويق في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، لقد وَجَدتُ أنَّ حبِّي واهتمامي بالكتب الفكريَّة التي من مَيْزاتها - في تقديري - الغَوْصَ في عُمْق الأمور، وتحليل أجزائها وفهمها - وجدتُ اهتمامي بهذه النوعيَّة مع الكتب يطغى على اهتمامي بكتبي الدِّراسيَّة في تخصُّص التَّسويق، الذي دخلتُه لكي أتمكَّن من خدمة دِيني ودنيايَ فيما بعد، عن طريق استخدام المهارات التَّسويقيَّة الجديدة في نشر الأفكار البنَّاءة في الوطن الإسلامي والعربي.
ولذلك فقدْ قرَّرتُ أن أهتمَّ بدراستي الأكاديميَّة أوَّلاً، ثَمَّ يأتي بعد ذلك الاهتمامُ بالكتُبِ الفِكْريَّة، ويُوجد لديَّ الآن عالِمان أُعجِبْتُ بهما؛ هما: أ.د. عبدالكريم بكَّار، وكذلك الشيخ بكر أبو زيد.
قرَّرتُ أن أقرأ يوميًّا مقالاً واحدً للدكتور البكَّار، ويكون تركيزي الأوَّل على الدِّراسة الأكاديمية.
وسأستفيدُ من ذلك أني لن أَهْجُرَ القراءة الحرَّة والكُتُب الفكريَّةَ، وسيزيد استيعابي للمادَّة التي تحويها.
أودُّ - بارك الله فيكم - أن تُعلِّقوا ولو بتعليقٍ يسيرٍ على فكرتي، وتصحيحها أو الإضافة إليها، وكذلك أرجو أن تُزَوِّدونِي ببعض الكتب الفكريَّة التي تنصحونني بقراءتها.
رعاكم الرحمن.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الفاضل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،(91/1)
قرأتُ رسالتكَ باهتمام، وقرأتُ فيها حِرْصَكَ واهتمامَكَ، وهذا أمرٌ مميَّزٌ، ودعني أعلِّق على الأمور التَّالية:
أوَّلاً: تحملُ رسالتُكَ الكثيرَ من التشتُّت الذي تعيشُهُ بين الغَوْص في تخصُّصكَ - الذي هو مسار حياتكَ الرَّئيس - وبين كتب الفِكر بما تحمله من لذَّةٍ في التَّحليل والتَّوجيه وتنوير العقل!!
ولا ألومكَ على ذلك؛ فهذه مرحلةٌ يمرُّ بها كلُّ شابٍّ مهتمٍّ, ولا أنسى أنَّني عِشْتُ أشهرًا طويلةً وأنا في غاية التشتُّت في تحديد مساري وتوزيع اهتماماتي.
لقد تعلَّمتُ من والدي الدكتور عبدالكريم بكَّار أهميَّة التَّخصُّص، لقد أشار في أكثر من مكانٍ إلى أهميَّة أن يختارَ الشابُّ تخصُّصًا واحدًا، أو جُزْئِيَّةً من تخصُّصٍ، ويُبدِعَ فيها غايةَ الإبداع، ويصل فيها إلى أعلى المراتب، ليس على المستوى المحلِّيّ فقط؛ بل على المستوى العالمي، وهذا ليس مستحيلاً.
تذكَّر أنَّكَ لا يُمكن أن تجمع بين مجالاتٍ عدَّة، ولذا أرى أن تُخصِّصَ 70% من وقتكَ لتخصُّصكَ المطلوب والنَّادر، و30% للاطِّلاع الفِكريِّ والعامِّ وغيره.
ثانيًا: السؤال الكبير الذي يواجِهُ كلَّ شابٍّ مهتمٍّ: أيُّ الطُرُق أَختارُ لكي أُكمِلَ فيه حياتي؟ وللإجابة على هذا السؤال يجب أن يَمزج بين الأمور التَّالية:
- قدراته ونقاط القوَّة لديه؛ أي: ما يميِّزُهُ عن أقرانه من مهارات وقدرات يتقنها أكثر من غيره.
- تخصُّصه الذي اختاره وأحبَّه.
- ما يعتقد أنه مهمٌّ وأساسيٌّ في حياته؛ أي: يُماثل سُلَّمَ القِيَم لديه.
وأقصد هنا: أن يجد الموضوع الذي يهمُّه ويلامس نقاط القوَّة لديه، ودعني أضربُ لذلك مثلاً:(91/2)
لو قابلتَ شابًّا يتمتَّع بمهارة مميَّزة في التَّعامل مع الآخَرين، مثل هذا الشاب سيُبدِع لو تابع حياته في عملٍ يتَّصل بالآخَرين؛ كالدَّعوة إلى الله، أو العمل في مجال العلاقات العامَّة، أو المبيعات، أو غير ذلك، وسوف لَن يكون مفيدًا أن يوجَّه شابٌّ مثل هذا إلى دراسة الفِكر أو الأدب أو غير ذلك.
ثالثاً: يجب أن تجد أمثلةً حيَّةً من العلماء والناجحين والمميَّزين في تخصُّصكَ ومجال اهتمامكَ, وتضعَهم أمام عينيكَ قُدْواتٍ, والبحث عن الطريقة التي أصبحوا بها مميَّزين، والسَّيْر على خطاهم، وهذا أمرٌ في غاية الفائدة.
ختامًا:
لقد أشرتُ في استشارةٍ سابقةٍ إلى أهميَّة أن تستفيدَ من كلِّ دقيقةٍ في مثل هذه الأيام، خاصةً وأنت موجودٌ في إحدى الدُّول المتقدِّمة والمميَّزة في مجال تخصُّصكَ، ولتتذكَّر دائمًا ضرورة اللُّجوء إلى الله - عزَّ وجلَّ - وطلب الهداية منه، وطلب البركة في الوقت والعمل.
أتمنَّى لكَ كلَّ التَّوفيق والسَّداد، ومرحبًا بك في موقع (الألوكة).(91/3)
العنوان: خطيبى ضعيف الشخصية
رقم الاستشارة: 85
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
حصل موقف آخر بعد ذلك: والدي طلب منه أن يحضر هو وأحد أقاربه، فرفض، وذهب إلى ابن خالة والدي، وحكا له عمَّا حدث، وراح يبحث عن أي شيء يقوله حتى لا يظهر في موقف المخطئ، فاتصل بنا ابن خالة والدي، وقال إنه سيزورنا بمفرده دون خطيبي. هل هو يهرب، أم إنه ضعيف الشخصية.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة: مرحباً بك مرة أخرى.
لا تهتمي بالمواقف الصغيرة، خذي الصورة العامة .. لماذا يفعل هذا؟ هل هناك مبرر لما يحدث؟ ما هو رأي ابن خالة والدك فيه؟
الشخص ضعيف الشخصية هو الشخص الأقل قدرة على إخفاء نفسه؛ لذا كوني واضحةً مع نفسك، واستعيني بمن حولك لتكوِّني صورةً واضحةً له، كيف ينظر إليه زملاؤه في العمل، في الحي، في النادي؟ ماذا يقول عنه أخوانه؟ ما وزنه في البيت؟ هل هو من النوع الذي يتهرَّب منه الآخرين لثقل ظله أو لضعف شخصيته؟
وانتبهي إلى ما هو أهم من ضعف الشخصية؛ كالمراوغة، وعدم الوضوح، وغير ذلك. وبعد ذلك وقبله خذي وقتك الكافي في التقييم والسؤال؛ فالزواج خطوة مصيرية، ولا خير من العجلة فيها.
وفقك الله إلى كل خير.. وأهلا بك دوما في موقع (الألوكة).(92/1)
العنوان: خطيبى يريد الرجوع إليّ
رقم الاستشارة: 66
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
اتصل بي خطيبي، وأخبرني أنه يريد الرجوع لي، لكن بشرط، هو أن أكلِّم ابن خالة أبي، وأقول له: إني أريده وأحبه.
لكنني رفضت، وقلت له: لو كنت تريد الرجوع لي من الممكن أن أكلم والدي وأقنعه؛ فرفض، وطلب مني ألا أخبر أبي، وطلب مني أن أكلم قريب والدي لتكبيره أمامه لأنه صغر في عينيه فرفضت واعتبرتها إهانة لكرامة أبي.
فهل أنا على حق أم هو على حق؟
أريد الإجابة مع العلم أنكم تتابعون معي كل المشاكل من خلال رسائلي، أريد الرد بعد مراجعة رسائلي التي أرسلتها إليكم.
وجزاكم الله خيراً.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة.. مرحباً بك دوماً في موقع (الألوكة)..
حتى مع مراجعة كل رسائلك، لا أستطيع أن أعطي رأياً قطعيّاً ونهائيّاً عن خطيبك ومشكلته، ولكني أريدك أن تراجعي أنت رسائلي؛ لأنني ذكرت فيها ما هو مهم ليساعدك في اتخاذ القرار الحالي.
مع عدم معرفتي بتفاصيل كثيرة في المشكلة الحالية، لكني أظن أن إصراره الغريب على حديثك مع قريب والدك، وجعلها أولوية له وأهم من كل شيء؛ فهذا أمر مستغرب وعلامة سلبية بلا شك.
لو كنت مكانك لبحثت عن أحد حكماء العائلة لأستشيره في الأمر، وقد ألتصق بموقف أبي الذي يُفترض أن لديه خبرة أكبر وحريص على مصلحة ابنته أكثر من أي شيء آخر، وسأتوقف عن الحديث مع هذا الشاب مهما كلَّف الأمر.
مرة أخرى أريدك أن تقفي بوضوح مع نفسك لتقييم هذا الشاب، ليس عن طريق مواقف صغيرة، بل برؤية الصورة الكاملة ووصف الناس المقربين والصادقين لأخلاقه ودينه.
وفقكِ الله إلى كل خير وهداكِ سواء السبيل.(93/1)
العنوان: درجة حديث النهي عن أن يبيت الرجل وحده
رقم الاستشارة: 201
المستشار: أ. خالد بن مصطفى الشوربجي
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أفتونا مأجورين - جزاكم الله خيرًا - حول صحة حديث النهي عن أن يبيت الرجل وحده، مع تبيين علة الحديث إن كان ضعيفًا؟
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد أخرج أحمدُ في "مسنده" (2/91 رقم 5650) عن أبي عُبَيْدَةَ الحَدَّادِ، عن عاصم بن محمد، عن أبيه، عن ابن عُمَرَ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الوَحْدَةِ؛ أن يَبِيتَ الرجلُ وَحْدَهُ أو يسافرَ وَحْدَهُ.
وهو حديث شاذ؛ تفرَّد به بهذا اللفظ أبو عُبَيْدَةَ الحَدَّادُ - عبدُ الواحدِ بنُ واصلٍ السَّدُوسِيُّ، وهو ثقة - عن عاصم بن محمد، وقد خالفه أصحاب عاصم؛ فَرَوَوْهُ بلفظٍ آخَرَ، وهو الصحيح الذي اعتمده البخاري.
فالحديث أخرجه ابن أبي شَيْبَةَ في "مصنَّفه" (26796)، (34202)، وفي "الأدب" (160) – ومن طريقه ابن ماجهْ في "سننه" (3768) - وأحمد في "مسنده" (2/24رقم 4770)، (2/60رقم 5252)، وابن حبان في "صحيحه" (2704) من طريق وكيع بن الجرَّاح.
وأحمد في "مسنده" (2/23رقم 4748)، وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ في "مسنده" (824) عن محمد بن عُبَيْدٍ.
وأحمد في "مسنده" (2/86رقم 5581)، والترمذي في "جامعه" (1673) من طريق سفيان بن عُيَيْنَةَ.
وأحمد في "مسنده" (2/120رقم 6014) عن هاشم بن القاسم.
والدَّارِمِيُّ في "سننه" (2721) عن الهيثم بن جميل.
والبخاري في "صحيحه" (2998)، والبَيْهَقِيُّ في "سننه" (5/257)، وفي "شُعَبِ الإيمان" (4401) من طريق أبي الوليد الطَّيَالِسِيِّ.
والبخاريُّ في "صحيحِهِ" (2998)، والبَيْهَقيُّ في "سُننه" (5/257) من طريق أبي نُعَيْمٍ الفَضْلِ بنِ دُكَيْنٍ.(94/1)
وابن خُزيمةَ في "صحيحه" (2569)، والحاكم في "المستدرك" (2/111) من طريق بشر بن المُفَضَّلِ.
وابن خُزيمةَ في "صحيحه" (2569) من طريق يحيى بن عبَّاد.
والدَّارَقُطْنِيُّ في "الغرائب والأفراد" (3095/أطراف) من طريق الثَّوْرِيِّ.
وابن عبدِ البَرِّ في "التمهيد" (20/9) من طريق مالك بن إسماعيلَ النَّهْدِيِّ.
جميعهم (وكيعٌ، ومحمد بن عُبَيْدٍ، وابن عُيَيْنَةَ، وهاشمٌ، والهيثمُ بن جميل، وأبو الوليد الطَّيَالِسِيُّ، وأبو نُعَيْمٍ، وبِشْرٌ، ويحيى بنُ عبَّاد، والثَّوْرِيُّ، ومالكُ بنُ إسماعيلَ) عن عاصمِ بنِ محمَّدِ بنِ زَيْدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عن أبيه، عنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم – قال: ((لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ)).
وله طريق أخرى بهذا اللفظ مُتَكَلَّمٌ فيها: وهي ما أخرجه الطَّبَرَانِيُّ في "الأوسط" (2058)، (7397) من طريق محمد بن القاسم الأَسَدِيُّ، عن زُهير بن معاويةَ، عن أبي الزُّبَيْرِ، عن جابرٍ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو يعلم الناس ما في الوَحْدَةِ ما سار راكب بِلَيْلٍ أَبَدًا، ولا نام رجل في بَيْتٍ وَحْدَهُ)).
قال الهَيْثَمِيُّ في "مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ" (8/104): رواه الطَّبَرَانِيُّ في الأوسط، وفيه محمد بن القاسم الأَسَدِيُّ؛ وثَّقه ابن مَعِين وضعفه أحمد وغيرُهُ، وبقيةُ رجاله ثقاتٌ.
قلت: محمد بن القاسم هذا مُتَّهَمٌ بالكذب؛ كما في "تهذيب الكمال" (26/301).
- وقد وردت شواهدُ للرواية الشاذةِ التي تكلمنا عليها، ولكنها لا تُقَوِّي الحديث؛ منها:(94/2)
* ما أخرجه أحمد في "مسنده" (2/287رقم 7855)، (2/289رقم 7891)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (4/362تعليقا)، والعُقَيْلِيُّ في "الضعفاء" (2/232)، والبَيْهَقِيُّ في "شُعَبِ الإيمان" (4400)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (4/327) من طريق أيوبَ بنِ النجَّار، عن طيب بن محمد، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: ((لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُخَنَّثِي الرجالِ الذين يتشبَّهُون بالنساء، والمترجِّلاتِ منَ النساءِ المتشبهينَ بالرجال، والمُتَبَتِّلِينَ منَ الرجال؛ الذي يقول: لا يتزوج، والمُتَبَتِّلاتِ منَ النساءِ؛ اللائي يقلن ذلك، وراكبَ الفلاةِ وَحْدَهُ، فاشتدَّ ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى استبان ذلك في وجوههم وقال: البائِتُ وَحْدَهُ)). [ولم يذكر بعضهم: "البائت وحده"].
قال البخاري: ((ولا يصح حديث أبي هريرة)). وقال البَيْهَقِيُّ: ((تفرد به أيوبُ بنُ النجارِ، عن طيب بن محمد)).
وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/473): ((طيب بن محمد، عن عطاء بن أبي رباح، يَمَامِيٌّ لا يكاد يُعرَف، وله ما يُنكَر، روى عنه أيوبُ بنُ النجار في لَعْنِ المُتَرَجِّلاتِ منَ النساءِ، ذَكَرَهُ العُقَيْلِيُّ)).
* وأخرجه أبو نُعَيْمٍ في "الحِلْيَةِ" (6/283): من طريق أبي سعيد، عن هِشامٍ الدَّسْتِوَائِيِّ، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَةَ، به.
قال أبو نُعَيْمٍ: ((أبو سعيد هذا قيل: إنه المُسَيَّبُ بنُ شَرِيكٍ تفرَّدَ به عن هشام)).
قلت: المُسَيَّبُ بنُ شَرِيكٍ هذا متروك الحديث. انظر: "الجرح والتعديل" (8/294)، و"المجروحين" (3/24)، و"ميزان الاعتدال" (6/429-430)(94/3)
*ومنها ما أخرجه الطبراني في "مسند الشَّامِيِّينَ" (499) عن أحمد بن مطير الرَّمْلِيِّ القاضي، عن محمد بن أبي السُّرِّيِّ العَسْقَلاَنِيِّ، عنِ الوليد بن مسلم، عن ثَوْر بن يزيدَ، عن عطاءٍ، عنِ ابن عمرَ قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني كنت في موضع كذا وكذا فمررت بمقبرة، فخرج عليَّ من قبرٍ طالبٌ ومطلوبٌ، في يد الطالب مطرقةٌ أو مِرْزَبَّةٌ من حديد، وفي عُنُقِ المطلوب سلسلة، فضربه الطالب على رأسه بمطرقته؛ فدخل في الأرض، ثم نجم من مكان آخَرَ فعادَ شعر رأس الرجل ولحيته بعد سوادٍ أبيضَ، فقال عُمَرُ: لهذا نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُسافر الرجلُ وَحْدَهُ أو يَبِيتَ في بَيْتٍ وَحْدَهُ.
قلت: فيه أحمد بن مطير لم أجد له ترجمة، ومحمد بن أبي السُّرِّيِّ مختلَفٌ فيه؛ كما في "تهذيب الكمال" (26/358). والوليدُ بن مسلم ثقةٌ لكنَّه كثيرُ التدليسِ والتسويةِ؛ كما في "التقريب" (ص584). وقد عَنْعَنَهُ، فلا يُقبلُ حديثُهُ حتى يُصَرِّحَ بالسماع.
ومما سبق يتبين لنا أن هذه الشواهدَ لا تَصلح لتقويةِ هذه الزيادةِ الشاذةِ، والله تعالى أعلم.(94/4)
العنوان: دعوت عليها ثم ندمت.. فماذا أصنع؟
رقم الاستشارة: 119
المستشار: أ. محمد الحازمي
-----------------------------------------
السؤال:
حين كنت مظلومة، وقلت: "إذا كانت أخت خطيبي السابق لها يد فيما وقع لي؛ فأسأل الله -تعالى- أن يحقق وعده، وينصر المظلوم؛ فكما فعلت بي حين أحرقت قلبي، وقتلت فرحتي؛ ألا يفرحها بابنتها، وكما كانت السبب في جعل أمي تنظر إلي -في محنتي- آسفة حزينة؛ فقد دعوت ربي أن يجعلها هي تنظر إلى ابنتها وقلبها يحترق"!!
وبالفعل، لم يحل الحول حتى مرضت ابنتها، مع أنها كانت في أتم صحة، وحتى الآن؛ لم يعرف الأطباء سبب مرضها، فندمت على دعوتي تلك، وأنا الآن أدعو لها في كل صلاة بالشفاء..
فما نصيحتك لي؟
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة..
أهلاً وسهلاً بك في هذا الموقع المبارك.
جميلٌ جداً أن تحرص المسلمة على طلب النصيحة؛ لمعرفة الحق والخير، والتمسك به. فأسأل الله -تعالى- لك التوفيق في الدنيا والآخرة.
لنا وقفات مع رسالتك، أوجزها فيما يلي:
أولاً: أسأل الله -الكريم المنان- أن يثبتك على الحق، ويكتب لك الأجر؛ لمحافظتك على الصلاة، وأن يعينك على القيام بواجباتك الشرعية، وأن يعوضك خيراً، وأن يرزقك زوجاً صالحاً، وذرية طيبة.
ثانياً: يتضح من رسالتك أنه لم يتأكد لك أن أخت خطيبك هي السبب فيما وقع؛ وإنما كان من باب الظن! وكما تعلمين، فإن الظن ربما يكون غير صحيح، ولذا تقعين في الإثم؛ يقول عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:12].(95/1)
ثالثاً: لو تأكد لك أنها السبب فيما حدث؛ فلا يحق لك أن تدعي على ابنتها؛ لأنه ليس لها ذنب أصلاً، والقياس الذي قست عليه غير صحيح؛ يقول الله سبحانه: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام:164]، يقول البغوي: (أي: لا تحمل نفس حِمْلَ أخرى، أي: "لا يُؤاخَذ أحد بذنب غيره" (تفسير البغوي، المجلد الثالث/ ص212).
كما أن الأفضل أن تدعي لها بالهداية، ولتصبري، وتحتسبي الأجر؛ قال تعالى: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}[النحل:126].
واعلمي أن الخير يكون في الدعاء لنفسك بأن يرزقك الله زوجاً صالحاً، ويعوضك خيراً؛ حتى لا تقعي في ظلم أحد، أو تتجاوزي في الدعاء.(95/2)
العنوان: دواء الرهاب الاجتماعي
رقم الاستشارة: 221
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أسعد الله أوقاتكم بكل خير.
من خلال قراءتي وبحثي في (الإنترنت) علمت أن لدي "رهاب اجتماعي"، والحمد لله على كل حال، وفيما أتذكر أنّ أعراضه كانت تأتيني وأنا في الثانوي، ولكن كانت في مواقف مُعيَّنة، مثل: عندما أقرأ أو أسمّع أو أشارك، واستمر الحال كذلك في الجامعة، وكانت مواقف أنساها بمجرّد مرورها.
ولكن لم أشعر بأنّ هنالك مشكلة حقيقية إلا عندما قررت أن لا تفوتني تكبيرة الإحرام، واكتشفت حينها أنني قد أصبح إمامًا للمصلين في الصلوات الجهريَّة إذا لم يحضر الإمام، وهذا ما لا أريده.
إذ إنني جرّبت ذلك في بعض المرّات، وكانت تسيطر عليّ أعراض الرهاب بدرجة كبيرة، والحمد لله على كل حال.
وفي يوم من الأيام قررت أن أكسر هذا الحاجز، وذهبت لكي أؤذن، ولكن – للأسف - نفس النتيجة وأصبح هنالك حاجزان بعدما كان حاجزًا واحدًا، والحمد لله على كل حال.
وبدأت أتأخر عن تكبيرة الإحرام بسبب هذا الشيء، ومع مرور الأيام قررت أن أرى لي حلاً، إذ إنَّ الأمر بدأ يمس أمرًا رئيسًا في حياتي؛ ألا وهو الصلاة، وقرأت في (الإنترنت) فوجدت جميع الحلول تنصب في أمرين:
العلاج السلوكي، الذي لا أشعر بأنّ له فائدة تُذكر في مثل وضعي.
الأمر الآخر هو: النصيحة بالذهاب إلى الطبيب النفسي.
والذهاب إلى الطبيب أمر جيّد، ولكن فيما إذا توفر الطبيب الموثوق، إضافة إلى توفر المادّة، وللأسف؛ هذين الأمرين لا أجدهما متوفرين في بيئتي.
الذي أريد أن أصل إليه هو: هل بإمكانكم إعطائي وصفة العلاج الدوائي للرهاب الاجتماعي؟
والله يحفظكم ويرعاكم.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم،
مرحبًا بك في موقع (الألوكة) وشكرًا لثقتك الغالية..(96/1)
قرأت رسالتك.. وأحيي فيك الحرص والمثابرة على فهم مشكلتك، والسعي للتغلب عليها.
الواقع أني أختلف معك في أن العلاج السلوكي غير مفيد؛ لقد ثبت أن العلاج السلوكي الذي يتم بشكل صحيح له فوائد كبيرة، ليس في التغلب على الرهاب بل في تطوير شخصيتك ككل.
أما بالنسبة للذهاب إلى الطبيب النفسي، فهناك العديد من الأطباء الجيدين في المستشفيات العامة، وحتى في العيادات الأَوَّلِيَّة في كثير من مناطق المملكة، وكثير منهم ثقات، خاصة بعد توفر الدواء الآمن والفعال، الذي لا يسبب إدمانًا أو تعودًا.
إن أخلاقيات المهنة تمنع أي طبيب من وصف دواء عن بُعد ودون رؤية المريض وفحصه، وما أستطيع فعله هو أن تخبرني بما وصف لك الطبيب النفسي بعد زيارته، حتى أخبرك بما يُصلِح شأنك.
وفقك الله لما يرضيه، ومرحبًا بك دومًا في موقع (الألوكة).(96/2)
العنوان: دواء (السيروكسات) وعلاج القلق
رقم الاستشارة: 213
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأحبة في الألوكة،،،
السَّلام عليكم ورحمه الله وبركاته، وكلَّ عامٍ وأنتم بخير.
أحبَّتي: كنتُ - ومازلتُ - إمام مسجد، أصابني في يومٍ من الأيام مرضٌ؛ إذ شعرت بارتباكٍ وخوفٍ وتَعَرُّقٍ شديد، كدتُ عنده أسقطُ على الأرض، استمرَّت معي هذه الحالة، ثم ذهبتُ لطبيبٍ نفسيٍّ صَرَفَ لي دواء (السيروكسات) وأشار بتناول قرص منه كلَّ يوم، داومتُ على تناوله عامًا كاملاً، وشعرتُ - ولله الحمد - بتحسُّن ورجعتُ إلى منبري، ولكنْ سرعان ما قرَّرتُ تَرْكَه؛ فبعد قرابة الشَّهر من تماثلي للشِّفاء عادتْ لي حالة الخوف والارتباك والقلق، ورغبتُ في الرُّجوع إلى علاجي مرَّةً أخرى؛ فهل أستطيعُ الرُّجوع له مرةً أخرى بدون أن يكون له مضاعفاتٌ أو أضرار؟ وهل صحيحٌ أنه يُتعِب الأعصاب؟
أريدُ أن أعرف أضراره، وهل له تَعارضٌ مع أي دواء آخَر؟
أفيدونا،، والله يحفظكم ويرعاكم.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم:
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
مرحبًا بك في موقع الألوكة، وأعتذرُ عن التأخُّر في الردِّ على رسالتكَ.
دواء (السيروكسات) من الأدوية الجيِّدة في علاج حالات القلق والرّهاب، ليس لهذا الدَّواء مضاعفات طويلة الأَمَد؛ أي: على المدى الطَّويل - وأنا شخصيًّا أعرفُ الكثيرَ ممَّن يستخدمونه منذ سنوات طويلة دون مشكلة تُذكر، وليس صحيحًا أنه يُتعِب الأعصاب، ولكنَّه له أعراضه الجانبيَّة المؤقَّتة، ولعلَّكَ أَخْبَرُ بها منِّي؛ كزيادة النَّوم والوزن، وأعراض جنسية، وغيرها، وهذه الأعراض إن لم تزعِجْكَ خلال السَّنة التي استخدمتَ فيها الدَّواء؛ فلن تزعِجَكَ فيما بعدُ، وعلى كلٍّ هي أعراضٌ مؤقَّتةٌ إلى أن يتعوَّد الجسم على الدَّواء.(97/1)
للسيروكسات تعارضات مع بعض الأدوية؛ كأدوية الصَّرَع والاكتئاب والمنوِّمات، وأنصحُكَ بإخبار أيِّ طبيب أنَّك تتناول (السيروكسات) قبل أن يصرف لكَ علاجًا آخَر، ولا يوجد تعارُضٌ مع الأدوية التي نستعملها بصورة متكرِّرة، كالبنادول وغيره.
أنصحُكَ بالعودة إلى الدَّواء والمداومة عليه؛ حتى تشعر بالرَّاحة وتَزيد إنتاجيَّتُكَ وعطاؤكَ.
وفقَّكَ الله لما يُرضِيهِ، ومرحبًا بك في موقع الألوكة، وأعتذر ثانيةً عن التأخُّر.(97/2)
العنوان: دين الخاطب وخلقه شرطان متلازمان
رقم الاستشارة: 125
المستشار: أ. محمد الحازمي
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم، ورحمة الله، وبركاته، أما بعد:
فأنا فتاة منتقبة، من مصر، عمري 27 عاماً، أحفظ كتاب الله، وأشرع الآن في تعلم علم القراءات، وعندي من الذنوب ما الله وحده يعلمه، وقد خطبت لشاب، ليس ملتزماً -وكنت أريده ملتزماً- لكن كل من يعرفه يثني عليه بحسن الخلق، والأدب الجم، وهو صديق أخي، وجارنا أيضاً، وعندما تقدم لي أخبرني أنه يريد أن يلتزم بالكتاب والسنة، وأنه كان يحاول الارتباط بي من قبل، وخطيبي هذا يعمل مهندساً بدولة الإمارات، منذ سنة ونصف تقريباً، وقد خطبني منذ 8 شهور، وكان يتصل بي على المحمول، أو يحادثني على الإنترنت..
وبعد خطبتي له بشهرين تقريباً؛ كنت أجد رقماً غريباًَ من الإمارات غير رقم خطيبي، وظل هذا الرقم يتصل بي دون أن تسنح لي الفرصة بفتح الخط لأعرف من المتصل، لكن منذ أيام كنت قد تركت المحمول مدة، وعندما عدت لأراه وجدت به 12 مكالمة من هذا الرقم الغريب، ورسالة باللغة الإنجليزية تقول: أريد أن أتعرف إليك، وأن أصادقك، وسأحاول مكالمتك عبر الإنترنت..
فأرسلت رسالة إلى ذلك الرقم وسألته: ومن تكونين أنت؟ في البداية كنت أعتقد أنه مزاح من صديقة لي تعمل في الإمارات! فأتتني رسالة أخرى: اسألي خطيبك عني، فأرسلت إليها أن تخبرني هي، فأتى الرد مفاجئاً، كتبت لي أنها "الجيرل فريند" أو صديقته بالمعنى الأمريكي، وتلقيت منها في ذلك اليوم 3 مكالمات، وحادثتني بهذا الأمر، وعلمت منها أنها تعمل مهندسة معه بنفس الشركة، فأعطيتها بريدي الإلكتروني لأستوضح الأمر أكثر، وكلمت خطيبي وأخبرته بما حدث، فأنكر كل هذا، وقال: إن هذا الموضوع ليس له أساس من الصحة، وقال: أنا لا أعلم: لماذا تفعل هذه الفلبينية كل هذا؟ وكنت أشعر أنه ليس صادقاً، فسكت وتركت الأمر كما قال لي..(98/1)
بعد ذلك بيومين وصلتني منها ثلاث رسائل على بريدي الإلكتروني توضح لي فيها طبيعة العلاقة التي كانت بينهما، وأنها علاقة كاملة بين رجل وامرأة!! وإنا لله وإنا إليه راجعون، فأرسلت إليه رسائلها كاملة، كما كتبتها الفلبينية، وطلبت منه أن يقرأها جيداً، وأنا في انتظار رده على كل هذا الكلام، فاعترف أن بعض هذا الكلام صحيح، وأن بعضه غير صحيح، ومنعني الحياء أن أسأله عن موضوع علاقته الجسدية معها، لكني ألححت عليه: هل كل الكلام صحيح؟؟ فعرض بكلامه، وقال لي: إن هناك كلاماً لم يحدث طبعاً، وكان يقصد هذه النقطة..
وظل يقول أنه متمسك بي جداً، ولن يتنازل عني لأي سبب، وأنه قد قطع علاقته بها تماماً من يوم خطبتنا، وأنه لم يصارحني من أول مرة؛ لأنه خاف أن يؤثر ذلك علي، وعلى خطبتنا، وأنه لا يعرف كيف سيكون رد فعلي وتفاعلي مع الموقف، وانتهت المشكلة ببداية جديدة، قلت له: إنه قد خسر من تقييمي له الكثير، وإني لن أستطيع الموافقة على توقيع عقد الزواج عندما يعود إلى مصر بعد 3 شهور؛ لما رأيته منه.
وبعد مضي عدة أيام على ذلك، وصلتني فيها من هذه الفلبينية رسالتان لم أهتم بما تقول فيهما: إنها تحبه، وتعتني به كثيراً.. إلى غير ذلك، ثم أرسلت إلي على هاتفي رسالة فيها موقع إلكتروني على الإنترنت، فلما دخلت الموقع إذا الصفحة عبارة عن ذكرياتها، وصورها مع خطيبي، منها صور لهما معاً بـ(المايوه)! ومثل هذه الصور كثير، وهما معاً بالليل والنهار، في أماكن مختلفة، ولقطات مختلفة، وقد وضعت هذه الصور بتواريخ بعد تاريخ خطبتنا، أي: إن هذه الصور التقطت بعد خطبتي له، لا كما ذكر هو من أنه قطع علاقته بها منذ أول يوم من الخطبة.
أنا الآن في صدمة، لا أستطيع التفكير، كم كنت أتمنى أن أتزوج من إنسان يتقي الله ويخشاه، ويلتزم ويتمسك بدينه، وعندما تقدم إلي خطيبي؛، قلت: عنده منبع الدين، وهو حسن الخلق، ويتحلى بالأدب العالي، الآن أشعر أني خسرت كل شيء..(98/2)
وعندما واجهته بهذه الصور؛ اعترف أن كل كلامها لي كان صحيحاً، وأنه كان على علاقة قبلها ببنتين غيرها، لكنه لم يستطع أن يقاوم هذه البنت؛ لأنها كانت كالشيطان، وأنه صدها كثيراً لكنها في النهاية نجحت.
وعندما أخبرته أني لن أستطيع أن أكمل معه، وأن كل شيء انتهى؛ انهار وظل يرجوني ألا أتركه، وأنه سيفعل أي شيء أطلبه منه، وأنه متمسك بي كثيراً، ولا يريد أن يتركني أبداً.
وعندما أخبرته أن قراري نهائي؛ قال: إنه سينتظرني، ولن يرتبط بأخرى قبل أن أتزوج أنا قبله.
أنا أشعر أنه شخصية ضعيفة، لم يستطع صون نفسه والحفاظ على عهد الله، وأنا أريد لأولادي أباً قوياً صالحاً يستطيع التأثير في غيره، والحفاظ علي نفسه، وأخشى -إن تزوجت من خطيببي- أن أكون قد أسأت اختيار الأب لأولادي؛ لأني أشعر أنه قد يعود إلى هذه العلاقة المحرمة ثانية -والله أعلم- فقد فقدت ثقتي فيه.
هل ما فعلته من فسخ خطبتي تصرف سليم؟ أنا في صدمة، أرجو منكم الرد سريعاً، معذرة فقد أطلت عليكم، جزاكم الله عني خيراً.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الفاضلة:
وعليكم السلام، ورحمة الله، وبركاته..
ومرحباً بك في هذا الموقع المبارك..
وبعد:
أجيبك عن سؤالك بما يلي:
أولاً: بناء على ما تضمنته رسالتك عن خطيبك من علاقات محرمة، وأفعال مريبة؛ فإن قرارك بعدم الزواج منه كان صائباً؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)). أخرجه الترمذي، وابن ماجه، واللفظ لابن ماجه.
ولم تتحقق في هذا الرجل صفة الصلاح والخوف من الله، فنسأل الله أن يهديه ويتوب عليه.
ثانياً: لا تحزني ولا تبأسي؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:(98/3)
((إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شيئاً للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلاَّ بَدَّلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ)). أخرجه الإمام أحمد.
فأنت لم تتخذي هذا القرار إلا من أجل الحرص على الزوج الصالح، الذي يخشى الله ويتقيه، ويبني بيته على أساس من البر والتقوى، ويعتني بتربية أولاده تربية صالحة، فنسأل الله أن يعوضك خيراً منه.
ثالثاً: احرصي على السير على المنهج الصحيح الذي ارتضيتيه لنفسك؛ من التمسك بكتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- والمحافظة على مراجعة حفظ القرآن الكريم والعمل به، وتعلم العلوم الشرعية التي تعينك على صلاح دينك ودنياك، وتفيدك في الدعوة إلى الله.
رابعاً: أكثري من الدعاء والاستغفار دائماً، وخاصة أوقات الإجابة؛ مثل: الثلث الأخير من الليل، وآخر ساعة من يوم الجمعة؛ فإن اللهَ -عز وجل- كريم، وسعت رحمته كل شيء، وستجدين ما يسرك بإذن الله.
وختاماً: أسأل الله، الرحمن الرحيم، رب العرش العظيم؛ أن يرزقك زوجاً صالحاً، تقر به عينك، وذرية طيبة، وأن يوفقك لكل خير.(98/4)
العنوان: ذكريات الحب الأول.. وزوجتي الوفية
رقم الاستشارة: 190
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
مُحتارٌ جِدًّا.. أرجوكم أشيروا عليَّ.
تَبدأ قصَّتي قبل حوالي عشر سنوات حينما تعرَّفْتُ على فتاة أُردنيَّة، أَحْبَبْتُها جِدًّا، بل لا أُبالِغُ إن قلت: إنَّني عشِقتها وأصبحتُ مَهْوُوسًا بِها؛ أفكِّر بها في كلِّ لحظة بل لقد أصبحت أوقاتي كئيبةً جدًّا وأشعر أنه لا معنى لها حين أكون بعيدًا عنها أو حينما تُسافر..(99/1)
وبعد ثلاث سنوات من هذه العَلاقة التي لم تَصِل - ولله الحمد - إلى الوقوع في الخطأ الأكبر، بل حُبٌّ وكلام ولقاءات فقط، بعد ثلاث سنوات تقدَّمت لخِطبتها من أهلها، وأبدَوُا الموافقة ولكنَّ أهلي - وأبي خاصَّة - وقف أمامَ هذا الزَّواج ورفض رفضًا قاطعًا زواجي وأنا سعودي من أجنبية كما يقول، وبعدَ مُحاولات كثيرة منِّي استسلمتُ وأطعت أبي وفارقت البنت، وعِشتُ بعدها أيامًا صعبةً، وسارع أهلي بالبحث عن فتاة سعوديَّة لتزويجي منها لمُعالَجَة سريعةٍ لِلوضع، وبالفعل تزوَّجت مِن فتاة جميلة وطيِّبة جدًّا، وأَنجَبت منها - من خمس سنوات تقريبًا - وللحق فهي فتاة مُتديِّنة ومطيعة وربَّة بيتٍ مِن الدَّرجة الأولى وتُحبُّني كثيرًا، بل أستطيع أن أقول: إنَّها مُتيَّمة في حبِّي وغاية أُمْنِيَّاتِها رِضاي، ولكنَّ المشكلة هي أنني لم أستطع أن أُحِبَّها أو أن أَعْشَقَها، حاوَلْتُ لكن لم أستطع، وزاد الأمر لدي حتى صارت حياتي روتينًا لا أشعر فيه بطعم السَّعادة، حتَّى في اللِّقاء الخاصِّ بيننا أجدني أعمل روتينيًّا لإرضائها وإسعادِها فَقَطْ دون أن أشعُرَ بِأيَّة رغبةٍ أوِ استِمْتاع، مع أنِّي لا أُشْعِرها - والله - إلاَّ بما تُحِب من الكلام وادِّعاء الرِّضا والسَّعادة؛ لأنَّها غاليةٌ جدًّا عندي، لكن أنا لا أُحِسّ بأي شيء من ذلك، أَصبَحَتْ - كما قلتُ - لقاءاتي الخاصَّة معها كالاستِمْناءِ الَّذي أَدمنتُه قبل الزَّواج: حركات جسدية فقط، وأَنْفِرُ من قُرب وجهي من وجهها أو ممَّا يُسمَّى القُبلَة الطويلة أو وقت النوم، ولا أجد أيَّ شَوْقٍ أو حرارةِ حُبٍّ عند السفر أو البُعد، لم أَجِد ما كنت أَجِده مع تلك الفتاة - التي نَسيتُها ولم أَعُد أتذكَّرُها ورُبَّما زوجتي أجملُ منها - مِن الهُيام والعشق المجنون.(99/2)
وأنا حالتي الماديَّة فوق الممتاز وأستطيع أن أتزوَّج، لكنَّ ذلك سيكون كالصاعقة لدى زوجتي الحالية خاصة أنَّها تحبني ولا يمكن أن تعيش لو تزوَّجت أخرى.
أصبحتُ أقارن نفسي بغيري من الناس فأشعر أنَّهم في سعادة أكثر وفي مُتعة أفقِدها، حتَّى إنَّ نفسي الأمَّارة بالسوء تُراودني بالسفر والزواج للاستمتاع فقط وبأي شكل؛ فصِرْتُ - دائمًا - مهمومًا حزينًا، وأخاف مِن الوقوع في الطُّرق المحرَّمة أو غير المدروسة.
أرجوكم أشيروا عليَّ.. ساعدوني!!!
-----------------------------------------
الجواب:
نشكر لك ثقتك، وصدقك بالاستشارة..
سأبدأ من حيث انتهيتَ بعَرْضِكَ لها، حيث إنكَ تَصِف حالك بالهم والحزن، وتخشى على نفسك من الحرام أو التَّخبُّط! طلبُكَ للمساعدة وخوفُك من الوقوع بالحرام يوحي ببِذْرَةِ الإيمان بقلبكَ، وبحِرصك على أن تكون أفضلَ مِمَّا أنت عليه، وأيضًا شعورُك بتأنيب الضَّمير لأجل زوجتك التي كانت نِعْم الزَّوجة ولا يَنقُصها سُوى مشاعِرُكَ نحوها، والتي لا تملك التحكُّمَ بها! رغم أني لاحظت حبًّا من نوعٍ آخَرَ برسالتك، ربما مُقارنتك بحبِّك القديم جعلتك لا تراه بوضوح! لكنك قلت: إنَّها غاليةٌ لديك جدًّا، ولربَّما توجد مشاعر حبٍّ مدفونة تحت أطلال ملامح الذِّكرى القديمة.(99/3)
مشكلتك أخي الفاضل لم تبدأ اليومَ حقيقةً، بل بدأت من عشر سنوات.. حينما اندفعت لحبٍّ وعَلاقة لم تَحْسَبْ نَتائجها بشكل جيِّد؛ نحن لا نملك مشاعرنا لكننا نملك ما يُوصل لها، والحب شعور جميل نحتاجه بحياتنا، وكذلك الرجل يحتاج المرأة كما العكس، لكن لِيَحمي الله قلوبَنا ونفوسَنا علَّمنا كيف نَضَع الضوابط ونحرِص عن البُعد عن مداخل الشيطان، وعلَّمنا أنه أيُّما رجلٍ خلا بامرأة كان الشيطان معهما؛ ليَحرِص على تأجيج هذه المشاعر؛ ليوقعهما بالحرام، وقد حماكما الله من هذه النهاية، لكن بقي التَّعب الذي يَتبَع أيَّة عَلاقة بين رجل وامرأة لم تُتوَّج بالزَّواج، وقد بدأتْ آثارُ ذلك تظهر منِ اعتيادك على الاستمناء، الذي له مِن الآثار السلبية التي ثَبتت بتأثيرها على النفس والجسم، وعلى العَلاقة الزَّوجية بعد ذلك.
ولا شكَّ أنَّك مررتَ بِصَدْمَةٍ بعد مشاعِرِك القويَّة ورَفْضِ أَهْلِك لِلزَّواج، هي التي جعلتك تَدفِن مشاعرك بشكل تلقائي.
البعض يَحسَب أنه بحاجةٍ لهِزَّة قويَّة يستعيد بها شعوره بِبَهْجَةِ الحياة التي فَقَدَهَا، فيوقِع نفسه بمآزق أخرى تجعلُه يضاعف معاناتِهِ. وقد لَفَتَ نظرَنا انتباهُك أنَّ هذا من النفس الأمَّارة بالسوء، وأنك تغالب ذلك وتخشى من الطُّرق غير المدروسة والمحرَّمة، وهذا وحده نقطة البداية، تليها طلبك للاستشارة.
وننصحك بعدها بالتالي:
حتى تستخرج مشاعرك الإيجابيةَ وتستطيع استعادة المتعة بحياتك؛ عليك أن تَعِي كلَّ أنواع الحب؛ فالحب ليس فقط ما يكون بين الرجل والمرأة، بل نحتاج بحياتنا أنواعًا أكثر، ولا تَقتَصر عليه:
1- فحُبُّ الله - بدايةً - هو الشعلة التي تنطلق منها أفعالنا وتحرِّكُها، وتُشْعِرُنا بالأمن والطُّمأنينة والثقة بأن الله معنا وأننا نسعى لرضاه.(99/4)
2- لابدَّ لنا قبلَ أيِّ حبٍّ - عدا حبِّ الله ورسوله - أن نُحِبَّ أنفسنا، وحبُّ الذات لا يعني الأنانيةَ وعدمَ التفكير بالآخَرِينَ، بل العكس؛ فحبُّنا لذواتنا يجعلنا نستطيع أن نحب الآخرين ونعرِف أننا بحاجة لهذا، بحاجة حقيقيَّة لكلِّ أشكال الحب، وبحاجة قبلها ألاَّ نفقِد أنفسنا أو نُقصِّر بها؛ حبُّنا لأنفسنا يجعلُنا نصِل للتوازن أكثر.
3- حب الوالدين يبدأ من الطفولة ثم يَخمَد فترةَ المراهقة؛ لأنَّ أشكالاً أخرى من الحب تُغَطِّيهِ، لكنَّه يعود بعدما تُنجِب لأوَّل مرة، ويؤجِّجه حبُّ الله الذي أوصانا ببرِّ الوالدين، والسعي لرِضاهما، سواء صاحَبَ ذلكَ رغبةٌ أم لم يصاحب! وتمتلئ قلوبنا بالرَّحمة والبِرِّ لهما كلما ازددنا إيمانًا.
4- حب الأصحاب: حيث نحتاج الصُّحبة الصالحة التي تُعيننا على الطاعات، وتجعلُنا نشعر بالارتباط بمجموعة تَسحَبنا متى ما زلَّت أقدامنا، وتُشعرنا بالانتماء لأهدافنا التي نتشارك بها.
5- حبُّ المرأة: ويجب الحذر به والالتزام بالضوابط الشرعيَّة بين الرجل والمرأة؛ حتَّى يكون شرعيًّا ونَشْعُرُ بلَذَّته بعد الزواج، وأن نتذكَّر أن الشيطان يؤجِّجه حينما يكون دون زواج؛ فلا يخلو رجلٌ بِامرأة إلا ويكون الشيطان ثالثهما، ويَسعى للتفريق بعد الزواج قَدْر استطاعته؛ لذلك نجد كثيرًا من عَلاقاتِ الحُبِّ التي تَفشَل بعد الزواج حينما تغيب رَقابة الله وحبُّهُ.
6- حب الولد: ويكون حبًّا لا يَعدِلُهُ حُبٌّ؛ حيث تشعر أنه جزء منك وامتدادٌ لك: ترى بملامحه وصفاته نفسَك أو جُزْءًا منها، وتشعر نحوه بالمسؤولية وواجب التربية التي تَجِد بها المتعة مع التعب.
7- حبّ الأهداف الَّتِي تَسعَى لها؛ وتَختلِف باختلاف الأشخاص والظروف، لكن لكلِّ شخص مَوهبة قد تكون مَدفونةً تجعله يشعر بالمتعة وهُو يُمارِسها ويُنجِزُها ويحقق ذاتَه من خِلالها.(99/5)
- فأنت بحاجةٍ لأنْ تَستَعيدَ استشعارَ كلِّ أشكال الحُبِّ وإشعالِ جذوتها، لا تُركِّز فقط على ما فَقَدْتَهُ منها، وتذكَّرْ أنَّ حبَّ الله وإن كان الأوَّلَ لكنه المنظِّم لها جميعها، وهو الذي يُعطيها المعنى الحقيقيَّ الذي تَمتدُّ آثاره، عَكْسَ كلِّ حبٍّ ارتبط بالدنيا؛ تَشعُرُه قويًّا لكنَّه سرعان ما يخبو ويَنقلِب تَعبًا وأَلمًا لصاحبه!
- تحتاج أن تُقاوِمَ الآثارَ السلبيَّة التي خلَّفَتْها تجربتُك الماضية، وتَكسِرَها؛ لتَصِل لمعنى الحبِّ مع زوْجَتِك التي تَشعُر لها بالتقدير والامتنان لكل ما تَفعله لك.
وبإذن الله ستكون قادرًا على هذا لو قرَّرْتَهُ، فقط لا تُقارِنْ مَشاعِرَكَ اليَوْم بِمشاعِرِ الأمس، فَهَذَا ما كَتَبَهُ اللَّهُ لك، ورُبَّما لو كانت تلك زوجتَكَ لما نَعِمْتَ معها بالرَّاحة التي تَنعمُها مع زوجَتِك وأمّ ولدك الآن.
- أحيانًا ينفع أن نعكس لِنَصِلَ إلى الحُبِّ؛ فالحبُّ شعور يَنعكِس على سلوكنا، ماذا لو جرَّبت أن تَعْكِس: تخيَّل أنَّكَ تُحبُّ زوجتك، فكيف سيكون سلوكُكَ؟ ابدأ بفعل كلِّ سُلوك كنتَ ستقومُ بِهِ لَو كُنْتَ تُحِبّها، وسترى كيف سينعكس ذلك بعد فترة على مشاعرك ويُحرِّكها!
- ضع مع زوجتك أهدافًا لحياتكما معًا، ولا تجعلِ المتعة فقط هي المحورَ الذي تَدور حوله؛ فالزواج يحتاج الكثير ليَنجَح وليكون - حقًّا - مَنشأً لأولاد متميِّزين يشعرون بالحب.
فكِّر كيف ستحمي أولادك بالغد من معاناتك اليوم؟ وكيف تُعطيهم الحبَّ والثِّقة والأمن، وتربطهم بحب الله الذي يُوجِّه حياتَهم بشكل صحيح؟(99/6)
- حينما تُساوِرك المشاعر السَّلبية اكتب نِعَمَ الله عليك، واستشعرِ الحمد والشكر عليها، واكتب إيجابيَّاتِ زوجتِكَ وأسرتك، وفَكِّرْ قبل أيَّة خطوة تَخطوها: "ماذا لو؟" قد تَحسب أن المخرج بزواجٍ آخَرَ، لكن وقتها احسبها بشكل جيد: "ماذا لو فعلت؟" هل ستنعم بالراحة وتستطيع أن تَبنيَ بَيتًا جديدًا ومسؤوليَّة (فَلَيْسَتِ الحالة المادّيَّة هي الأساس بقدر ما هي الظروف كلُّها) أم أنَّكَ ستبني بيتًا على أنقاض بيت، وستَزِيدُ من الأعباء النَّفسية التي تَزيد مِن مُعاناتِك بعد تَحرُّك مشاعِرِك مؤقتًا؟! احسب المخاطر والفُرَص بشكل جيد.
- ولا تجعل نظرتك قاصرة على حدود الدنيا الضيِّقة، بلِ اسْعَ دومًا أن تَكُونَ دُنْيَاكَ مَزْرَعَةً لآخِرَتك، وثق أن الله سيُوَفِّقُكَ وَقْتَها وسيَملأ قلبك طُمأنينةً ورضًا، وتذكَّر أنَّ الله جَعَل لنا منهجَ حياة نسيرُ عليه حينما وضَّح لنا كيف تكون العَلاقات، وما يترتَّب عليها مِن حقوق وواجبات.
- تَخيَّلْ نَفْسَكَ بعد أن تُصبِحَ جَدًّا كيف تَتخيَّل أنَّ حياتك الماضية ستكون؟ ما النَّجاح الذي تسعى لتحقيقه بكل مجالات حياتك: مع الله؛ وبعبادتك، مع مَن حولك؛ بعملك، مع أهدافك؟ وضَعْ خُطَّة تسير وَفْقَهَا؛ لتَصِل لما تَحلُم به.(99/7)
العنوان: رأيكم بخطتي .. و توجيهكم ..
رقم الاستشارة: 77
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا من الطلاب المبتعثين لأمريكا، وكان يوجد عندنا نادياً سعوديّاً، وقد حدثت بين المسؤولين في النادي - وهم طلبة في مرحلة الدكتوراه - بعض الخلافات الشخصية، نفرت جميع الطلاب الذين كانوا متواجدين من النادي، فلم نعد نجد منتدى يجمع الطلاب معاً، ولو مرة واحدة في الشهر!!
وقد ضايقني وأحزنني ما رأيتُه من الطلاب الذين يتوجَّب مني و منهم أن نكون معاً في السراء و الضراء، خاصة في مثل هذه الغربة.
الحقيقة؛ أصبح لدى الطلاب انطباع سيئ عن النادي السعودي، فبمجرد أن يأتي شخص ويقول: ما رأيكم في أن نقيم نادياً سعودياً؟! حتى يتضايق الجميع ويستاؤون ويتأففون، ويقولون: لن نتدخَّل، ولا نريد أيَّ نادٍ، ولا نريد سوى تجنُّب المشاكل.
لقد خطرت في بالي فكرة لجمعهم من جديد، وهي كالتالي:
معظم الطلاب السعوديين يحبون كرة القدم، وأفكِّر أن أَدخل لهم من هذا المنفذ، وهو أن أدعو أصدقائي – كبداية - للعب الكرة في أحد الملاعب، دون أن يكون اللعب تحت رقابة أي جهة رسمية - كالنادي السعودي مثلاً - لكي لا ينفروا، لأنهم - كما أخبرتكم سلفاً - اتخذوا موقفاً سلبياً من مثل هذه التجمعات الرسمية، فسأدعوهم للعب مباراة عادية، وسأبحث عن أقرب الناس علاقة بي في مجموعات الطلاب؛ كي يؤثر عليهم - طبعا لن أخبره بخطتي - و سيدعوهم للعب وتناول الشاي بعد المباراة، والتسامر قليلاً كأي زملاء .. و بهذه الطريقة سينكسر الحاجز الأول، وهو الاجتماع.
سأحاول أن أكرر مثل هذا الاجتماع كل أسبوعين – مثلاً - لكي لا نثقل عليهم، وستكون الدعوة مفتوحة لكل من أراد أن يأتي، ومن أي جنسية كانت.
و مع مرور الوقت سأحاول أن أخبرهم: بما أن اجتماعاتنا قد صارت أسبوعية؛ فلم لا نضعها تحت مسمى رسمي؟!(100/1)
وأتوقع - و الله أعلم – أن هذا لن يحدث إلا بعد ستة شهور من بدايات الاجتماع؛ لكي نزيل ما في أذهانهم من مشاكل.
وأنا - والله - لا أريد منصباً في هذا النادي، حتى لو رشحوني فلن أقبله، وكل همي أن يجتمع الطلاب معاً، وأن يقضوا معاً وقتاً طيباً مفيداً بدلاً من ارتيادهم للملاهي الليلية!، والحقيقة أن هذا هو السبب الرئيس الذي دعاني لهذه الفكرة، فهم لا يجدون فعلاً أماكن يصرفون وقتهم فيها غير هذه الأماكن - والعياذ بالله - فهل هناك توجيه أو اقتراح؟
وفَّقكم الله.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم، مرحباً بك في موقع (الألوكة)، وأهلا وسهلاً.
عندما كنتُ أقرأ رسالتكَ عادت إلى ذاكرتي كل الذكريات الرائعة التي صنعناها أيام الدراسة الجامعية؛ إذ قضيتُ أجمل الأوقات. والحقيقة أنه لا يبقى في الذاكرة من أيام الجامعة - بعد سنين طويلة - سوى تلك الذكريات الجميلة، ذات المتعة الخاصة في وقتها وعند تذكُّرها.
أودُّ أن أشاركك الأفكار التالية:
أولاً: لدى بعض الشباب هوسٌ كبيرٌ بتنظيم النشاطات، تحت مسميات تنظيمية معينة، (كالنادي السعودي، أو نادي الهندسة، أو غيرها) .. وتجده أكثر ما يهتم به هو المسمى الذي سيخرج به النشاط، وليس تنظيم النشاط نفسه.
وهذا خطأٌ، وأنا أقترح عليك ألا تخطط لقضية النادي الآن، ولا تسعى إلى إبرازها؛ بل تأفَّف من الفكرة وذكراها! واهتم بتنظيم النشاطات الجذابة والممتعة، ومع الوقت؛ ستجد أن النادي قد وُلِدَ ولادةً طبيعيةً، دون تخطيط معدٍّ سلفاً - إذا كان هناك حاجة له أصلاً.
ثانياً: قُمْ بتفعيل الشباب المتحمس؛ ليكونوا صوتاً لهذه النشاطات أينما ذهبوا، خاصةً أولئك الأشخاص الذين يمتلكون مهارات اجتماعية خاصة, ويحبُّهم الجميع؛ ليكونوا رسالة دعاية وترويج للنشاطات.(100/2)
ثالثاً: سيأتي يومٌ وسيتهمك الشباب بسعيك (الخفي) لمنصب قيادي أو مكسب خاص!! فكن جاهزاً لذلك اليوم، بإظهار النشاطات بطابع جماعي، وقيادةٍ وتنظيمٍ جماعي، فلست أنت المسؤول دائماً؛ بل يمكن أن يقود كل نشاط أحد الأشخاص، أو مجموعة من الشباب كمنظمين للنشاط، وليس بالضرورة أن تكون منهم طوال الوقت.
رابعاً: من النشاطات التي تجمع الشباب وتنشر الألفة بينهم احتفالات استقبال الطلاب الجدد، وتوديع المتخرجين، وغير ذلك .. مثل هذه النشاطات هي السبيل الممهد لنشر الألفة والمحبة بين الجميع، وهذا مطلبٌ رئيسٌ.
خامساً: احرص على نوعية الشباب الذين يُدعون إلى حضور النشاطات التي ترتبها؛ إن فتح الباب للجميع للحضور قد يفسد النسيج العام، وينفِّر البعض من الحضور، وهذا هو المقصد الأساس من النوادي التي تقوم على أساس الجنسيات أو المناطق، (كالنادي السعودي، أو السوري، أو غيره)، إذ يجتمع فيها شبابٌ متقاربو العادات والتقاليد والأمزجة، ولذا يحدث بينهم تآلفٌ أكبر.
أما حضور عدد كبير من جنسيات متعددة؛ فقد لا يكون مفيداً لاستمرار العمل .. أنا لست عنصرياً! ولكن الخبرة علمتنا ذلك؛ فاحرص على جعل حضور النشاطات قاصراً على السعوديين، أو مَنْ يدور في فلكهم، كمقيم في المملكة لفترة طويلة، أو مَنْ يختلط بالسعوديين منذ زمن طويل، أو من الخليجيين، أو ما شابه ذلك.
ختاماً:
أرجو أن أكون قد قدمتُ لكَ شيئاً مفيداً، وأتمنى لك كلَّ التوفيق والسداد، وحفظك الله بحفظه.(100/3)
العنوان: رمضان الفِضِّي.. وإخواني
رقم الاستشارة: 154
المستشار: أ. محمد الحازمي
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تَحِيَّة طيبة وبعد،،
فأقصد - طبعًا - برمضان الفِضِّي، رمضان الشاشة الفضية التلفاز. تبدأ الحكاية بأنني شابٌّ مستقيم على طاعة الله، أو هكذا أرجو في المظهر والمخبر - بإذن الله - ووالِدَايَ ليسا كذلك؛ لكنهما يُتِيحان لي ولإخوتي الاختياراتِ الشخصية من حيث التدين وغيره، وأنا أكبر إخوتي.
ويَعْقُبُني ذكور وإناث، وأَمْتَلِكُ سُلْطَة في البيت لا بأس بها، وقد سمح لي والِدِي - بعد كبر سِنِّه - بتربيتهم على الالتزام والعلم، ولكن المُصِيبة الكُبْرى التي تُزْعِجُنِي وجود الدِّش في المنزل، فأنا أستطيع السيطرة على التِّلْفَاز في الشهور الماضية؛ بحكم وُجُودي في البيت بكثرة، وكذلك علاقتي الطيبة مع إخوتي. ولكن الآن أَقْبَلَ رمضان ومعه حَشْدٌ كبير من المسلسلات، فأنا أخرج للتراويح مُبَكِّرًا ولا أعود إلاَّ متأخرًا، فكيف أتعامل مع هذا الموقف؟ والمشكلة الأكبر أن إخوتي يجلسون مع والِدَيَّ في سُفْرة واحدة؛ يَرَوْن القنوات الفضائية والأفلام، ومن الصعوبة أن أطفئ الجهاز، أو أن آمرهم بالخروج كذلك، وأما المصيبة الأعظم أن الإفطار يكون في صالة التلفاز، وهو يَعْرِضُ المسلسل المشوق... فماذا أفعل؟
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بداية أسألُ اللهَ أن يُوَفِّقَك ويُثَبِّتَك على الحق، ويكتب لك الأجر جزاء اهتمامك بالدعوة إلى الله، ومحاولة إصلاح والِدَيْكَ وإخوتك والاهتمام بهم.
وبعدُ: فيمكن حل مشكلتك باتباع الآتي:
1- توضيح خطر الفضائيات التي تَبُثُّ المُحَرَّمَات، وأنها من أعظم أسباب ضعف الدين والعقل والأخلاق.(101/1)
2- بيان فضل شهر رمضان وفضائله وحُرْمَته؛ وأنه شهر الرحمة والتقوى والقرآن والعبادة والطاعة والتوبة، قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 183 - 185].
يقول ابن كثير: "يمدح الله – تعالى - شهرَ الصيام من بين سائر الشهور، بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم فيه، وكما اختصه بذلك، قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تَنْزِل فيه على الأنبياء. [تفسير ابن كثير / ج1 / ص 501].
3- اللِّين والتواضع والهدوء أثناء بيان الحق، والصبر، ومُحَاولة التقرب إلى إخوتك بالهدايا مثل: الكتب؛ والأشرطة المفيدة التي تُوَضِّح خطر الفضائيات على الفرد والمجتمع.
4- التدرج في النصيحة، والمُنَاقشة الهادئة، ولتنظر إلى أقرب إخوتك لتَقَبُّل الحق فتحاول إقناعه شيئا فشيئًا، وهكذا مع الآخرين.(101/2)
5- مُحَاوَلة إيجاد البدائل المُبَاحَة مثل: إقناعهم بأن تكون قناة المَجْد بديلة عن القنوات التي تَبُثُّ المُحَرَّمَات؛ واقتراح أن تكون هناك مُسَابَقَات ثقافية، وبرامج مُشَوِّقَة، ووضع جوائز مناسبة.
6- الدُّعاء لوالِدَيْك بالصلاح والهداية، واعْلَمْ أن هذا مِنْ حَقِّهما عليك، وكذلك الدعاء لإخوتك في هذه الأيام المُبَارَكَة؛ عسى الله أن يَمُنَّ عليهم - جميعًا - بالتوبة والمغفرة.
اللهَ أَسْأَلُ أن يكتب لوالِدَيْكَ وإخوتك الهدايةَ والتوبة في هذه الأيام المُبَارَكَة، وأن يُثَبِّتَنَا وإياكم على الصراط المستقيم.
والله المُوَفِّق والمُعِين.(101/3)
العنوان: زواج في شقة ملك للعائلة
رقم الاستشارة: 37
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا فتاه أبلغ من العمر 24 سنة، خطيبي عنده شقة لكنها باسم والدته، وسوف نتزوج فيها - إن شاء الله - ولن يعيش معنا أحد. لكنه له خمسة إخوة؛ فهل من الممكن أن تحدث مشاكل على تلك الشقة بعد الزواج؟
ملحوظة: له أخت تحب المشاكل برغم معاملتي لها أحسن معاملة، فماذا أفعل؟
ولكم جزيل الشكر.
-----------------------------------------
الجواب:
مرحباً بك سيدتي الكريمة في موقع (الألوكة).. وشكراً لثقتك الغالية..
أعتقد أن حدسك صحيح؛ فاستخدام أحد الإخوة لممتلكات العائلة ربما يكون نقطة خلاف محتملة، وقد تشتعل في أي وقت، بوجود أو عدم وجود أحد المشاكسين.
ولذا؛ سيكون من المفيد أن تستكشفي بوضوح موقف أفراد العائلة من ذلك؛ ما السبب الذي من أجله يغض أفراد العائلة الطرف عن استخدام أحدهم لبيت العائلة دون حساب أو مساءلة؟ قد يكون هناك العديد من الأسباب لذلك؛ كاكتفائهم المادي، أو كرعاية خطيبك لوالدته، وحمله عبء ذلك عن بقية أفرد الأسرة، أو غير ذلك من الأسباب.
المهم أن تصرفي انتباهك إلى هذه القضية، وأن تجري حواراً صريحاً واضحاً مع خطيبك عن هذا الأمر دون أن يبدوَ عليكِ التدخل في شؤون العائلة.
واستمري في معاملة الجميع بما أمر به ديننا الحنيف، من لطف وأدب ومودة، وتذكري أن الرفق ما خالط شيئاً إلا زانه.
وفقك الله إلى كل خير.. وأتم زواجك على خير.
ومرحباً بك عضواً دائماً في موقع (الألوكة).(102/1)
العنوان: زوجة أخي تستفزني
رقم الاستشارة: 27
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أخي المستشار،، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أنا فتاة في الرابعة والعشرين من عمري، وزوجة أخي في مثل سني، لكنها تميل كثيراً لأختي الأصغر مني ذات الـ 18 عاماً، وهذه ليست المشكلة، لكن الذي يثيرني كثيراً هو تهميشهم لي ونحن في مجلسٍ واحدٍ، فمثلاً نجلس نشرب الشاي، فتنادي زوجة أخي أختي؛فتذهبان وتتركانني في انتظارهما نصف ساعة، تتماشيان فيها وحدهما!.
ومثلاً: نكون في البر، فيركب أخي سيارته ليتمشى، فتنادي زوجته أختي لتركب معهم، مهملةً لي!!.
وكثيراً ما تدعو أختي لزيارتها في بيتها، وتذهب معها للمشغل، في حين لا تعترف بوجودي!!!.
المؤلم في الأمر أننا أقرانٌ، وفي عمرٍ واحدٍ، وبالرغم من ذلك فإنهما دائماً تذهبان وتتركانني وحيدة أجالس الكبار أو الأطفال.
لم أوضح لهم أنني أتضايق من (تطنيشهم)؛ حتى لا أكون في موقع استنقاص منهم أو استرحام لهم، مع أني على يقين أنهما لو كانتا مكاني لما كان لهما أن تصبرا صبري.
لذا؛ قررت أن أكون معهما رسمية، وأن أحجِّم من صداقتي لهما - وإن كنت لن أقطعها - وألا أتعلق بهما كثيراً، لأن هذا خيرٌ لنفسيتي.
وأخيراً؛ أود أن أشير إلى أن زوجة أخي طيبة، لكنها ينقصها بعض الذوق الاجتماعي.
-----------------------------------------
الجواب:
سيدتي الكريمة..
مرحبا بك في موقع (الألوكة)، وشكراً لثقتك الغالية..
بدايةً؛ إنه لشيء هام أن نتعرف مشاعرنا ونعترف بها، ولاشك أن الشعور بالرفض والتهميش أمر مؤلم، وعليه؛ أريد أن أناقش سؤالك عبر النقاط
التالية:
أولاً: قد تكون هذه الأفعال غير مقصودة، ودون تبييت للنية (ولا أظن ذلك!)، وهنا: اقبلي الأمر بيسر ودون تعقيد.(103/1)
هل من الممكن أن تكون زوجة أخيك لا تفضل قضاء الوقت معك؟ قد يكون هذا ممكناً؛ فكونكما في عمر متقارب لا يعني لزاماً وجوب الصداقة المقربة بينكما، أليس لكلٍّ منَّا الحق في اختيار صداقاته؟ - أعتذر إذا كان هذا الكلام مزعجاً، لكنه حقيقي - فكما أن لك الحق في أن تختاري صديقاتك؛ فليَ الحق أيضاً أن أفعل ذلك، ولزوجة أخيك أيضاً الحق في أن تختار صداقاتها.
أرجو ألا يزعجك هذا، فهو ليس انتقاصاً من حقِّ أحد، ويبقى الود والألفة بينكما هو سيد الموقف.
ثانياً: قد يكون من المفيد أن تسألي أختاً أو صديقةً تثقين بها عن أي ملاحظة تلاحظها على تعاملك مع الآخرين، افعلي ذلك مرةً أو مرتين لا أكثر، ومع الشخص المناسب، فمن المؤسف أننا قد نرتكب - جميعاً - بعض الأخطاء في التعامل مع الآخرين دون أن ننتبه إليها، فأغلى ما يهديه إليَّ أخٌ: هو أن يهدي إليَّ عيوبي، وهو أمر لا يعني الانتقاص أبداً، فمهاراتنا الاجتماعية في نمو دائم لا يتوقف.
ثالثاً: لست من أنصار التخفيف من العلاقة مع زوجة أخيك؛ لأني أظن أن هذا هروب لا داعي له؛ لذا كوني إيجابية، قومي بأفعال بنَّاءة، قدِّمي لها - مثلاً - هديةً في مناسبة خاصة وعزيزة عليها, وأرفقي معها بعض العبارات الجميلة، فمثلاً: "بوجودك معنا, أصبحت حياتنا أجمل"!.
قفي إلى جانبها في مواقف الشدة عبر الاستماع والتفهم، قومي بذلك من أعماق قلبك، دون تملق أو شعور بالحاجة إليها، فإذا لم تجدي استجابةً؛ فابتعدي قليلاً -كما تفعلين الآن – ولكن ليبقَ الود والاحترام بينكما دائماً.
النقطة الهامة التي أريد أن أركز عليها - وقد قرأت في رسالتك ما يشير إليها، وهي علامة إيجابية تستحقين عليها التهنئة - هي: إن من خصائص نضج الشخصية القدرة على الاستقلال العاطفي عن الآخرين؛ أي: حرمانهم من التأثير في عالمنا الداخلي، والقدرة على تسلية أنفسنا دون الحاجة إلى أحد.(103/2)
إن الوصول إلى هذه المرتبة يحتاج إلى بذل الكثير من الجهد مع أنفسنا، يتمثل هذا الجهد في: العمل على تعزيز الذات – أي: إرسال رسائل إيجابية عبر الحديث مع النفس - والسعي إلى تكوين صداقات جديدة، واهتمامات جديدة، وتوثيق العلاقة مع الله - عزَّ وجلَّ - والانشغال بما يرضيه، فهذا يُسرِّع في نضج شخصيتنا نضجاً مذهلاً، تذكري أننا سنكون أقوى كلما قللنا من الاعتماد النفسي والعاطفي على الآخرين، لا أقول أن هذا أمر سهل، لكنه ممكن!.
مرحباً بك مرة أخرى في موقع (الألوكة)، وأرجو أن نراك دائماً معنا، ولا تترددي بالكتابة إلينا.(103/3)
العنوان: زوجة الأخ الأكبر
رقم الاستشارة: 97
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أشعر بالحرج وأنا أكتب سؤالي، لكنِّي أُعاني من حالة ضيق وحزن: أنا أسكن قريباً من أهل زوجي، وأحِبُّهم، وأَحترِمهم، لكنَّ مشكلتي أني زوجة الابن الأكبر؛ فهو مسؤول عن البيتين، مع العلم أن الأبَ موجود، وفي كامل صحته، وهناك أيضا إخوة غيره، ولكن حياتي كلها تتمَحْوَر حولهم؛ لا أشعر بالخصوصية في شيء؛ فصديقاتي إن زُرْنَني لابد أن يجلسن معهم، وجيراني جيرانهم، وخرجاتي معهم.. والآن أخذ زوجي إجازة من عمله، وسيأتون معنا، ومنذ تلك اللحظة التي علمتُ أنهم سيأتون معنا أصابتْني حالةُ بكاء لا أستطيع التوقُّف، وأشعر بالضيق في التنفُّس، وصرتُ كئيبة مع زوجي، وتغيرتُ على زوجي وعلى أهله، وأصبحتُ صامتةً طول الوقت؛ لا أضحك، ولا أتكلم، والكلُّ يعتقد أني مريضة؛ لأني ذهبتُ للطبيبة بسبب ألم في صدري؛ لأني أشعر بالحرج: كيف أفسِّر لزوجي رغبتي في السفر وحدي دون أن أَجرَح مشاعرَه أو مشاعرَهم؟ وإذا بقيتُ ولم أذهب أخاف أن يغضب زوجي..وإذا ذهبتُ معهم أخاف أن تصدُر منِّي تصرفاتٌ أندم عليها، ولا أحب أن يلاحظوا ضيقي منهم.
كيف أستطيع أن أضبط نفسي، وأرضى بما قسم الله لي، وأستمتع بهذه الإجازة؟
لا حول ولا قوة إلا بالله!
-----------------------------------------
الجواب:
الأختُ الكريمة، مرحباً بكِ في موقع (الألوكة).. وشكرا لثقتك الغالية.
ما رويتِهِ من أحداث وملابسات محيطة بكِ هي قصةٌ تتكرَّر كثيراً في مجتمعاتنا، وقد تعرضتُ لكثير منها.
وأصلها: أننا نعيش في مجتمع عائلي، وأن لدينا قيماً عميقة تؤكد أهميةَ الأسرة، ويغيب عنا كثيراً رغبةُ شريك حياتنا في الخصوصية، والشعور بالاستقلال، وهنا تكمُن أهمية التوازن في مثل هذه الأمور.(104/1)
من الوسائل الناجحة التي أرى أن بعض النساء الذكيَّات يتَّبِعْنَها لمعالجة مثل هذا الأمر أن يحدّثنَ أزواجهنَّ عن روعة الأيام الأولى، عندما كانوا يقضون الساعات في خَلَوات جميلة ورحلات وسفر وغيرها.. ويختَرْنَ للحديث في هذا الموضوع لحظاتِ صفاء خاصة. والرسالة المُتضمَّنة في حديثكِ هو استثارة الزوج لإعادة صناعة مثل هذه التجرِبة.
ولي هنا تحذيرٌ، وثلاثُ وصايا:
أما التحذير: فلابد أن تعرفي أن أي محاولة لإبعاد زوجِكِ عن أهله، أو التصريح أو التلميح إلى ضِيقكِ من عنايته وانخراطه بهم له أثرٌ سلبي غيرُ محمود. والسبب أن مثل هذه الأمور تقع ضمن قيمنا العميقة، التي لا يمكن أن نتنازل عنها مهما حدث!
والوصية الأولى: أن أي تغيير أو سعي إلى الوصول إلى هدف ما يجب أن يتم ببطء شديد، وأن الاستعجال في قطف الثمرة له مضارُّ كثيرة.
والوصية الثانية: أن عدم رغبتك في الخروج معهم ليست صحيحة، وأقصد أني أعرض عليكِ أن تغيِّري نفسَكِ أنتِ؛ تلمَّسي وجه السعادة في الخروج معهم، قوِّي عَلاقتكِ بأكثر من ترتاحين له من أهل بيته. صدِّقيني؛ يمكن أن نكتشف السعادة في أي نشاط مهما بدا لنا أنه ممِلٌّ، نحن الذين نصنع المَرَح أو التَّرَح في أي نشاط من خلال الطريقة التي ننظر بها إليه، ومن خلال ما نحدث به أنفسنا حوله.
ويمكنكِ أن تغيِّري مشاعركِ نحو هذا الانخراط الزائد ليكون متعةً لكِ أنتِ أيضاً. هذا ليس مستحيلاً.
والوصية الثالثة
ختاماً: يجب أن تستحضري دائماً السعي إلى رضوان الله - عز وجل - من خلال طاعة الزوج، ونيل رضاه بالحق. أعرف أنك تُعانِين لكنَّ استحضار الأجر الجزيل الذي يُخبِّئه الكريمُ - سبحانه وتعالى - لكِ على صَبْركِ سيخفِّف عنكِ الكثيرَ، فاحتسبي ذلك عند الله تعالى. وفَّقكِ الله إلى كلِّ خير.. ومرحبا بك ثانية في موقع (الألوكة).(104/2)
: يُسَرُّ الزوجُ عندما يرى زوجته سعيدةً بصحبة أهله؛ بل يحمل لها الامتنان لذلك. إن إظهار ذلك سوف يجعله أكثرَ رغبةً في تحقيق مطلبكِ بشيء من الخصوصية والاستقلال من خلال التعرُّف على صديقات جديدات ليس لهن علاقة بأهل الزوج.(104/3)
العنوان: زوجة خطيبي
رقم الاستشارة: 186
المستشار: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
السؤال:
هل أقبَلُه وهو أكبر مني بحوالي 20 عامًا؟ لكنه خَلُوق وعقلاني، مُحِبٌّ لأهله ولِوَصْلِهِم، مُحِبٌّ لأسرته، مُحْتَرَمٌ مَحْبُوبٌ مِنَ الجميع، جادٌّ وقتَ الجد، من أهل الخير مثل ما يقولون، يحمل درجة الدكتوراه وأنا أيضًا، له دَوْرُهُ الرِّيَادِيٌّ في المجتمع وأنا أيضًا، متزوِّج وله عدد من الأبناء المتزوِّجين، أحبَبْتُ فيه كُلَّ هذا؛ فهو يَفْهَمُنِي بِسُرْعة جِدًّا، اهتماماتُنا واحدة: نفس التخصُّص، نفس التفكير، قريبانِ من بعضنا إلى حدٍّ كبير في كل شئ، عندما خَطَبَنِي طَلَبَ مِنّي عدم معرفة زوجته في بداية الأمر؛ حتى يتم الزواج ويُخبِرُها، لكنِّي اشترطْتُ إعلامها بالأمر أولاً؛ لأنَّنِي أُحِبُّ الوُضُوحَ، ولستُ في مكانةٍ تَجْعَلُنِي أتزوَّجُ بِهذا الوضع، فأنا - ولله الحمد - ذات مركز اجتماعيٍّ كبير، وجميلةٌ، وأجِدُ أنَّنِي لا أستَحِقُّ بِدايةً كَهَذِهِ غَيْر ثابتة، إضافةً إلى أنَّنِي خفت أن يكون خائفًا منها، وخِفْتُ أنْ لو علمتْ فقد تُمارس عليه ضَغْطًا فَيُطَلِّقُنِي، فتكون النتيجة بسبب أنني رضيت ببداية خاطئة، فما رأيُكم، هل أنا على صواب؟! هو رفض أن يقول لها وأنا أصررت، في الوقت ذاته أخاف أن يغير رأيَهُ من ناحيتي، ويعتقد أنني غير مُتَفَهِّمَةٍ، بالرغم من أنني رضيت به، وهو أوَّل تَجْرِبة زواج، إضافةً لاقتناعي به، وتفهمي لوضع كونه متزوجًا؟!!
-----------------------------------------
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله،
أشكر لكِ تواصُلَك مع موقع الألوكة، عسى أن تجدي بُغْيَتَكِ.
قرأتُ رسالتكِ عدَّةَ مرات، وتسألين هل أقبله؟!
تتنازعُكِ أمورٌ عِدَّة، بعضها يجعلك تُقبِلِين، وأخرى تجعلك تُدبِرِين.
وأصْدُقكِ القول أنَّ جميعَها منطقيَّة، ولكِ الحقُّ في هذا التساؤل!(105/1)
لكنَّ الذي بدا لي أن الأمور التي تجعلك توافقين عليه أكثر من التي تجعلك ترفُضِينَهُ لأجلها.
إلا أن الأمر الذي قد ترفضين الرجل لأجله مهمٌّ، وحيويّ جدًّا للأنثى، خاصة لمن لها مواصفاتٌ مثلُ مُواصفاتِكِ التي ذكرتِها: الجمال، الدَّوْر الريادي في المجتمع، الشهادات العالية.
رُبَّما عامل العمر لديك أيضًا يُرجِّح أن تَقْبَلِيهِ (هل جاوزت الثلاثين؟)، أرجح أن فارق العمر بينكما ليس يُقْلِقُكِ، وليس يقلقك أيضًا كونه متزوجًا قبلكِ، ولديه أبناء متزوجون.
الذي يقلقكِ أنه لا يريد إخبارَ زوجته عن زواجه منكِ إلا بعد أن يتزوجَكِ.
وهنا أسألك: هل يقصِدُ أن يبقَى الزواج سِرًّا، أم فقط يؤخِّر إخبار زَوْجَتِهِ بعينها؟
إن كان الوَضْعُ الأوَّل، فلا تقبلي؛ لأنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ إعلان الزواج، وليس له مُبَرِّر أن يبقيه سرًّا.
أما إن كان الوضع الثاني: فرُبَّما له وِجهة نظر خاصة يُرجِّح فيها مصلحةً ما لَكُما، اطلبي منه أن يشرحها لكِ، وحيثُ إنَّكما مُتفاهمان، وعلى درجة كبيرة من الوعي؛ فلابد أن تصلا إلى نقطة مشتركة بينكما، وأن تُقنِعِيه أو يقنعَكِ، وأن يتم الرضا من الطرفين بإذن الله.
هذا مع الاستخارة، والدعاء.
عسى الله أن يوفّقَكِ للخير، ويتمّم عليك، ويحقّق لك ما تصبين إليه!(105/2)
العنوان: زوجتي دمَّرت حياتي وأحلامي .. ما الحل؟!
رقم الاستشارة: 1
المستشار: ليلى عبدالعزيز الهلالي
-----------------------------------------
السؤال:
الأخت الفاضلة الدكتورة/ ليلى
دافعي لكتابة هذه الرسالة سببان وليس سببًا واحدًا... فأنا أبحث عن حل لمشكلتي المعقدة التي أحالت حياتي إلى جحيم لا يطاق، ثم إني أريد أن أثبت لك وللجميع بأن المرأة ليست دومًا هي الضحية والمظلومة.. بل هناك نساء جبروتهم وقوتهم تفوق أشد الرجال شراسة، وزوجتي مع الأسف الشديد واحدة من أولئك النسوة.
سيدتي تزوجتها منذ عشرين عامًا - وكنت للتو عائدًا من بعثة دراسية - واختارتها والدتي لي لأنها من أسرة طيبة وتتمتع بجمال مقبول.. ولأنني كنت مقتنعًا جدًا بل وراغبًا بفكرة الزواج وافقت فورًا، وانتظرت اللحظة التي تدخل فيها هذه المرأة حياتي ومنزلي لنبني حياة أسرية جميلة ومستقرة، كنت أحلم أن تكون حياتي مختلفة فأنا كنت وما زلت عاشقًا لجو الأسرة ولدفئها.... رسمت صورًا جميلة لحياتي معها وعدت نفسي أن أجعل منها أسعد امرأة أدللها وأساعدها، أسافر معها في كل مكان لنبني ذكريات جميلة في كل المدن، ولكن لسوء حظي كانت زوجتي تختلف عني في كل شيء، تسخر من أحلامي وترفض كل خططي وتوسلاتي... في البداية صنعت لها عذرًا لأن والدها كان قاسيًا عليها وعلى والدتها ولكن تسامحي هذا كان دافعًا لها لتزداد قسوة وعنفًا وسيطرة.
تحملت كثيرًا خاصة بعد أن رزقني الله بأربعة أطفال يشبهون الحياة.. وربما وجودهم حولي هو ما جعلني أتحمل كل ما يصدر من هذه المرأة التي تتعامل مع الجميع بقسوة، والتي لا أذكر أن رأيت على وجهها ابتسامة رضا أو سمعت منها كلمة شكر أو امتنان على كل ما أقدمه أو أفعله بحجة أن هذا واجب علي ويجب ألا أنتظر الشكر.(106/1)
سيدتي لقد بنت زوجتي خلال عشرين سنة هي عمر زواجنا.... حواجز وأسوارًا تفصل بيننا يصعب معها أي تلاق في الأفكار بيننا، خلاصة القول: هذه المرأة أحالت حياتي إلى جحيم لا يطاق، جعلتني أنهض من السرير كل يوم وحالة الاكتئاب والحزن تسكن ملامحي وكل خطواتي. ولم يعد للحياة معنى أو قيمة، وما يزيد خوفي هو أن ابنتي الوحيدة ستتزوج خلال ثلاثة أشهر وسيلتحق ابني الأصغر نهاية هذا العام بأخويه اللذين سافرا للدراسة بالخارج هروبًا من جبروت والدتهما وتسلطها، وقد شجعتهما على ذلك لأنني كنت أرى تأثيرها المدمر على حياة جميع أبنائي وعلى نفسياتهم، أردت أن أبعدهم عنها ليعرفوا معنى الهدوء والاستقرار.
إن وجودي وحيدًا مع هذه المرأة أمر لا أكاد أطيقه وأفضل الموت على مواصلة الحياة معها، الكل يرفض أن أنفصل عنها لأنها تملك كل شيء: المنزل وجميع الأملاك، التي أصرت أن أسجلها لها، ويطلبون مني ألا أضحي بكل ما بنيته خلال سنوات عمري لتنعم به، الكل يجمع على ضرورة أن أتحملها، فقط هو قلبي الذي يرفض، فأنا متعب وحزين، أريد أن أرحل، أن أبحث عن حياة لم أعشها.
أرجوك ساعديني.. دليني على طريق ربما هو أمامي ولكنني لا أراه جيدًا، أو لا أعرف كيف أخوضه، فقط أرجوك ألا تطلبي مني أن أحاول إصلاحها فعشرون عامًا وأكثر مضت وأنا أقوم بهذه المحاولة ولم أحقق أي نتيجة، بل الأمور تزداد سوءًا عامًا بعد عام للدرجة التي لم أعد فيها قادرًا على مواصلة مشوار حياتي..
تقبلي تحياتي وخالص دعواتي بالتوفيق.
أحمد.ع
جدة
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الفاضل/أحمد:
قبل أن أتحدث عن مشكلتك أود أن أشير إلى أن فكرة كون المرأة هي الضحية دائمًا والرجل هو المتهم بالظلم والجبروت فكرة خاطئة للغاية، فكما هناك ضحايا من النساء فهناك ضحايا بلا شك من الرجال، نعم عدد النساء أكثر ولكن هذا لا يعني أن نظلم الرجل ونعمم عليه حكمًا جائرًا.
أخي العزيز:(106/2)
أنت بالفعل ضحية ولكن بصدق شديد أنت ضحية نفسك وسلبيتك وأرجو أن تعذرني لقسوة حكمي، ولكن هذا ما بدا لي وأنا أقرأ رسالتك وأعيد قراءتها مرات ومرات.
لقد سلمت نفسك وحياتك وكل أحلامك وحتى أموالك لامرأة لم تكن ملامحها تشبه فتاة أحلامك وأقصد هنا ملامحها النفسية، لا أعرف لماذا سلمتها كل شيء وأنت تعاني بسببها كل هذه المعاناة، لماذا لم توقفها عند حدها فلديك كل المبررات والأسباب، لماذا سمحت لها أن تهينك وتعذب أبناءك، فهي امرأة مريضة وبحاجة إلى علاج نفسي، خاصة أن طفولتها لم تكن سعيدة كما ذكرت أو أنها ورثت طبعها القاسي من والدها، وهذا ما جعلها تتعامل معك ومع أبنائها على هذا النحو..!!!.
تقول إنك حاولت كثيرًا أن تصلح من حالها ولم تصل إلى نتيجة!، وتقول أيضًا إن أبناءها فضلوا أن يكملوا تعليمهم في دول تبعد عن وطنهم آلاف الأميال ليتجنبوا أذاها، وتقول أيضًا إنها سيطرت على كل أموالك وأملاكك..!!!!.
ماذا تنتظر بعد..!!؟.
سيدي لم يتبق لديك سوى حياتك ستسلمها لها أيضًا..!!.
ألم تكتف بعشرين عامًا مضت في العذاب والمرارة..!!؟.
أخي العزيز:
دعك من أولئك الذين يقولون اصبر من أجل أموالك وأملاكك التي سلمتها لها بكامل إرادتك، اعتبرها ثمنًا لحياتك الجديدة، فأنت من صنع المال وليس المال الذي صنعك، ضع زوجتك أمام خيارين إما أن تعيد حساباتها في كل شيء أو أنك تتزوج وتستقل بحياتك بعيدًا عنها.
نعم أدعوك للزواج برغم أنني أرفض أن يكون حلاً أقدمه لأي رجل يشكو همه ومشاكله الزوجية.
ربما أضعه آخر الحلول، ولكن في وضعك وحالتك يتصدر هذا الحل القائمة ويفرض نفسه عليك وعلي، لأنك إنسان نبيل وراق وتحب الخير وتحملت الكثير وحرمت أيسر حقوقك وأحلامك، لذلك أنت تستحق حياة جديدة فلا تحرم نفسك منها ولا تضحي بما تبقى من عمرك كما ضحيت بما مضى على أمل لم يتحقق خلال عشرين عامًا.(106/3)
حاول مرة أخيرة معها ودعها تتيقَّن عزمك الصادق على ما تنويه، وإذا لم تجد منها استجابة على المستوى المطلوب، أدر ظهرك لها وستجد الطريق مفتوحًا أمامك، اسلكه بلا تردد ويكفي ما مضى، وتذكر أن أبناءها هربوا بأنفسهم بعيدًا عنها، ولن يلوموك إطلاقًا لو فعلت ما تراه صالحًا لنفسك وحياتك.
لي رجاء أخير أخي العزيز أختم به ردي عليك، وهو أن تكون قويًّا بما فيه الكفاية، فهذا حق نفسك وحياتك عليك، والخالق أتاح لك فرصًا لا تحرم نفسك منها.
أتمنى لك كل التوفيق والسعادة فأنت تستحقها.
الدكتورة ليلى(106/4)
العنوان: زوجتي سليطة، وشخصيتي هزيلة أمامها
رقم الاستشارة: 16
المستشار: هنادي طلال عنقاوي
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم
قرأت استشارة في موقعكم تتشابه مع حالتي، لكن مشكلتي أكبر وأشد تعقيداً، حيث إن:
1. أطفالي صغار السن؛ فإذا طلقت زوجتي، فأطفالي يخسرون؛ لأنهم يريدون العيش مع أمهم في حالة الطلاق برغم قسوة الأم.
2. نحن نقيم في المهجر – بريطانيا - وأخاف أن يحاسبني الله عندما أترك أطفالي في الغربة، وأسلمهم لامرأة لا تعرف كيف تعيش بسلام.
3. حتى الحياة الزوجية، إما معدومة شهوراً أو سنين، أو أرى نفسي كأنني أنا الطرف الوحيد الذي يفكر بهذا، وأن المعاشرة نوع من التعدي عليها؛ لبرودها وإهمالها هذه الناحية.
4. من الممكن أن تجعل البيت جحيماً لو أن مالاً قليلاً جداً أُنْفِقَ على غير رضاها.
5. لدينا بيت مسجل باسمي، وقطع من الأراضي السكنية مسجلة باسمها، وتلومني لأنني لم أضف ملكية البيت إليها، وقد حدث تسجيله باسمي عفوياً، وليس لخداعها.
6. يكثر صراخها وجدالها بين الجيران؛ لذا قد شوهت سمعتنا وسمعة ديننا، علماً بأنها ملتزمة بفرائض الإسلام، لكن خلقها مخالف لأخلاق الإسلام.
7. أنا - بوصفي رجلاً - أرى نفسي في حاجة شديدة للمعاشرة الزوجية، لكن تعدد الزوجات ممنوع قانوناً في بلدنا، والأطفال وصل بهم إلى أن يسبونني إذا تكلمت حول الزواج بامرأة ثانية.
8. فشلت في حياتي بسببها، علماً بأنني خريج جامعة، لكنني لم أوفق في أي عمل، وأصبت بعدة أمراض مثل: النسيان، ومرض السكري، والضعف العام، والحزن الدائم، ومرارة الحياة ليلاً ونهاراً.
9. جعلتني - زوجتي - أدنى شخص أمام أطفالي، فكل جدالها أمام الأطفال، إذا وجهتُ نصيحة للأطفال، أجدها تسارع بالدفاع عنهم قبل أن يرد الأطفال علي، نصَّبت نفسها محامية عنهم للجدال.(107/1)
10. مشاكل الأطفال هي: أنصحهم بأكل الطعام الكافي، والالتزام بالخلق الحسن، وتجنب عقوق الوالدين، وأيضاً أنصحهم باحترام أمهم؛ لأن هذا من واجبات الإسلام.
11. أنا رجل لا صديق لي، ولا علاقة بأحد لكي أريح نفسي بأن أذهب إليه وأبتعد قليلاً من البيت، لكنني أبقى معها في الجدال والصراخ ليلاً ونهاراً .
لا أعلم ماذا أفعل؟!
أفكر بحياة الأطفال الذين لا يعرفون مصلحتهم؛ بسبب صغر سنهم، وقلة خبرتهم في الحياة.
ولا يمكننا التحول إلى أي بلد إسلامي - يسمح فيها القانون بتعدد الزوجات - حتى أتزوج بأخرى؛ حيث إنني مريض ومنهار، ولا يمكنني منافسة السوق لإيجاد عمل يمكنني من الحصول على فيزا للإقامة، ومن ثم الزواج بثانية، إضافة إلى ذلك أنني خجول للغاية؛ فلا يمكنني أن أسرد قصتي على أحد وجهاً لوجه، كي أطلب المساعدة للحصول على فيزا لبلد إسلامي؛ للإقامة فيها.
من يتوقع أن حال أسرة مسلمة بسبب امرأة محجبة يصل إلى هذا الحد!
وبكل قناعة وحتى أطفالي مقتنعون أنني أفضل من أمهم، من حيث الخلق والمعاملة، لكنهم لا يريدون ترك أمهم على أية حال.
أتمنى أن أحصل على إقامة في بلد إسلامي مسموح فيه بالتعدد، وأدعو الله أن يفتح لنا أبواب رحمته وأبواب فضله؛ فإنه لا يملكها إلا هو.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
-----------------------------------------
الجواب:
أخي الفاضل أحمد من بريطانيا:
مشكلتك بحاجة حقيقية إلى مراجعة "متخصص علاقات أسرية"، وهذا التخصص موجود في بلاد الغرب التي تقطنها، ربما باسم:
Family counsaler؛ لأن المشكلة بحاجة إلى متابعةٍ وحلٍّ من الطرفين؛ من طرفك وطرف زوجتك، وبإمكانك أن تأخذَ منه الحلول التي تتناسب مع دينك، وتترك مالا يتناسب، ولا داعي للخجل؛ فإن الخجل وضعف الشخصيَّة - اعذرني يا أخي - هو سبب تضخُّم شخصية زوجتك؛ لأنها وجدت فراغاً في القيادة والقوامة - كما يبدو - فحلت شخصيتها فيه.(107/2)
على أية حال سأشير عليك ببعض النصائح المبدئية ريثما تراجع شخصاً مختصاً:-
أولاً: عليك بالتضرع إلى الله بالدعاء، وطلب الرزق والفرج، وطلب الهداية لنفسك وزوجتك وأبنائك، والإيمان بأن الله - عز وجل - قادر على إصلاح الأحوال في طرفة عين، ولكنه يريد منا السعي والأخذ بالأسباب.
ثانياً: عالج نفسك من الضعف والخجل؛ فإنه قد يكون سبب تسلط زوجتك. ما الذي يجعلك تخجل؟! أنت رجل، وعلى دين وخلق - كما تذكر عن نفسك - وليس نقص المال أو عدم وجود الوظيفة المرموقة عيباً إذا كنت على خلق ودين؛ ولكن عليك بأن تسعى لاكتساب العلم والمهارات التي تزيد من فرصك في الحياة.
ثالثاً: ابحث عن السبب الذي يجعل زوجتك بهذه الحالة: هل هي بحاجة لعلاج نفسي من اكتئاب قد تكون الغربة سبباً فيه، أم هناك أسباب صحية تجعلها تحجم عن المعاشرة؟
هل تهتم أنت بهندامك ورائحتك، وبكلماتك ولمساتك العاطفية؛ حتى تكون جذَّاباً لها؟
هل تمدح أي جمال أو ذوق تراه في ملابسها أو شعرها؛ فإن ذلك مما تحبه النساء؟
رابعاً: جانب آخر لابد أن تجمع أنت في شخصيتك ما بين التودد والعاطفة، وكذلك الحزم والقوامة. ولا أعني بالقوامة التسلط والصراع والشتم؛ بل الحزم عند صدور أخلاق غير مَرْضِيَّة من زوجتك، وعدم السماح لها ببذاءة اللسان، أو الصراخ عليك، أو امتهانك أمام أبنائك.
ووضح لها في جلسة هادئة - وبهدوء وتحكم تام في أعصابك - أنك لن تتقبل هذا منها، وإذا صدر ذلك منها، فاقطع الحوار معها، واخرج إلى حجرة أخرى، وأخبرها - بهدوء وحزم - أنك لن تتجاوب حتى تتحدث إليك باحترام، ولا تتراجع، ولا تثر في نفس الوقت - مهما كانت ردة فعلها - حتى توافق على الحديث معك باحترام، والتعامل بالمعروف.(107/3)
طبعاً ستواجه زوجتك شخصيتك الجديدة بثورات متعددة؛ لتختبر ثباتك، فالثباتَ الثباتَ مع الجانب الآخر، وعليك بحسن المعاملة، ومدح أي تحسن يصدر منها، وتلمس ومعالجة مشاكلها النفسية والصحية، بالاستعانة بالمختصين.
خامساً: لا أحبذ لك اللجوء إلى الزواج الثاني قبل أن تحل مشكلتك مع زوجتك الأولى؛ إنه لن يزيد الأمر إلا تفاقماً، وأنت لا تريد أن تخسرها من أجل أولادك - كما ذكرت - فاجعله آخر الحلول.
أخي الفاضل، هذه بعض النصائح، ولا غنى لك - بعد الاستعانة بالله - عن الرجوع لشخص مختص؛ يتعرف دقائق المشكلة منك ومنها، ويتابع معكما تقدمكما في اتباع الحلول. والله أعلم، وهو القادر على إصلاح الحال، وتفريج الكروب.(107/4)
العنوان: زوجتي لا تعرف معنى القوامة
رقم الاستشارة: 167
المستشار: أ. محمد الحازمي
-----------------------------------------
السؤال:
ماذا أفعل لكي تعرف زوجتي معنى القوامة؟! وما حقوقي وواجباتي نحوها؟ وما حقوقُها وواجباتها؟
لي طفلتان أريد أن أربيهما على الدِّين والخُلُق، وزوجتي لا تساعدني؛ بل ترى أني متزمت، وأنني أضغط عليها وعلى الأطفال! برغم أنني أُجبرتُ أكثر من مرة على بعض الأمور؛ لطلبها الطلاق إذا لم تُنفذ رغبتها، التي ترى فيها أنها حق شرعي لها - مثل العمل - وأرى أن ذلك راجع إلى أسرتها، التي غاب فيها الأب منذ الصغر؛ للعمل بالخارج، إلى أن تزوجت.
وفي كل مشكلة، تعترض عليَّ وتناقشني نقاشًا حادًّا، قد يصل إلى الشجار والغضب، والخروج من البيت لبيت الأهل - الملاذ لها مني - حيث تجد مَن يساندها، ويعزّز موقفها! والله المستعان!!
فماذا أفعل؟ حيث إني أحبها، وأحب أطفالي، وأريد أسرة مسلمة تدخلني الجنة؟!
قصتي طويلة، ومشاكلي كثيرة، لا يمكن التلخيص فيها؛ ولكن هذا هو الأهم!!!
-----------------------------------------
الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فيا أخي الكريم: إنَّ الزواج نعمة عظيمة، وآيةٌ من آيات الله في خَلْقِه؛ حيث جعل بين الزوجين المودةَ والرحمة والرأفة؛ حيث يقول - سبحانه وتعالى -: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
ومِن أعظم النِّعَم على المسلم أنْ يرزُقَه اللهُ الزوجةَ الصالحة، التي تُعِينه على الخير، وتُطِيعه، وتساعده على تربية أولاده، وتحفظ عِرضَهُ وماله.(108/1)
فالواجب على المرأة المسلمة، التي تخاف الله وتخشاه، أن تَعْلَم عِظَمَ حقِّ الزوج عليها، امتثالاً لأمر الله - عز وجل - حيث يقول - سبحانه -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 34 - 35]، فقد بيَّن – سبحانه - في هذه الآيات صفاتِ النساء الصالحات الطائعات، ثم بيَّن كيفية التعامل مع النساء المقصِّرات في طاعة أزوجهن فيما أمر الله به.
وعَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ((لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ؛ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا!))؛ أخرجه أبوداود، وأحمد، والترمذي واللفظ له.
وعلى الرجل أيضًا أن يعلم عِظَم حق الزوجة عليه؛ فيراقب الله في جميع تصرفاته معها.
وبناء على ذلك؛ فأنصحك أخي الكريم بما يلي:
- توضيح حقوق الزوج لزوجتك وقتَ هدوئها، وحبذا لو كان ذلك عن طريق إحدى قريباتها أو صديقاتها.
- محاولة التَّفاهُم معها، وبيان أسس الحياة الزوجية وآدابها، والاتفاق على أن القرآن الكريم والسُّنة النبوية هما الأساس في التعامل بينكما.(108/2)
- توضيح أهمية استقرار الحياة الزوجية؛ لما يترتب على ذلك من مصلحة عظيمة في تربية الأولاد؛ لأنَّ الأولاد الذين تَكُونُ حياةُ والديهم غيرَ مستقرة يعانون اضطرابات في الشخصية والتفكير والعواطف، ويؤثّر ذلك على حياتهم المستقبلية.
- إعطاء زوجتك حقوقَها جميعًا قَدْرَ استطاعتك، دون تقصير متعمَّد؛ حتى تشعر بكرامتها ومَنْزِلَتها أمامك، وأمام أولادِها والآخرين. وحاول أن تحسن إليها دائمًا ولو أساءت إليك؛ فالإحسان يأسر القلوب، كما قال القائل:
أَحْسِنْ إِلَى النَّاسِ تَسْتَعْبِدْ قُلُوبَهُمُ فَطَالَمَا اسْتَعْبَدَ الإِنْسَانَ إِحْسَانُ
- لابد أن تتغاضى عن بعض الأمور والزلات الهيِّنة؛ حتى تستقر حياتكما، فالتقصير طبيعة البشر.
- محاولة إلحاقها ببعض الدروس العلمية الشرعية، أو الدورات التدريبية التي تبيِّن حقوق الأزواج؛ لأن مِثل تلك الأمور تزيد من وعيها الثقافي في مسائل الحياة الزوجية.
- إذا اشتدَّ النّقاش بينكما فالأفضل أن تنسحب منه، أو تخرج من المنزل؛ حتى لا يتطور النقاش إلى ما لا يحمد عقباه.
- تذكيرها دائمًا بالله واليوم الآخر، وبناء بيتك على تقوى الله وطاعته، والدعاء المستمرّ بأن يصلح الله زوجتك وأولادك؛ لأنَّ للدعاء سرًّا عجيبًا في صلاح حياة المؤمن، الذي يتجه إلى ربه بصدق ويقين، وستجد تحسُّنًا كبيرًا في حياتك كلها.
- حبَّذا لو وفَّرت بعض الكتب المفيدة، والأشرطة النافعة، المختصة بالحياة الزوجية السعيدة؛ حتى تستفيدا منها في حياتكما.
وفقك الله ورعاك، وأصلح زوجك وأولادك.(108/3)
العنوان: زوجتي لا تهتم بي لانشغالها بأهلها
رقم الاستشارة: 153
المستشار: الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمه الله،
أنا شاب متزوج منذ ثلاث سنوات ونصف، ورزقني الله بطفل عمره سنة ونصف، والسؤال هو:
هل يجوز أن تذهب الزوجة إلى أهلها كل يوم؟ وهل يجوز أن تأتي أمها إليها إن لم تذهب هي؟
فأنا لا أشعر بالراحة في البيت بسبب كثرة ذهاب زوجتي إلى أمها، أو إلى أقاربها بصحبة أمها؛ هذا الأمر اضطرني إلى الكلام مع امرأة أخرى - كنت على معرفة بها قبل زواجي – أجد الراحة في الحديث معها وأشكو لها زوجتي وأفعالها، ويجعلها الشيطان في نظري أجمل من زوجتي، وعلى الرغم من أن زوجتي على قدر كبير من الجمال إلا إنها لا تحسن معاملة الزوج.
وأنا لا أقصر معها في توفير مستلزمات البيت، وتوفير كل ما تطلبه، لكن أحيانًا يتأخر ذلك لتأخر تسلم الأجر في الشركة التي أعمل بها.
فماذا أفعل مع تلك الزوجة؟!
وجزاكم الله خيرًا.
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فالحياة الزوجية تقوم - في أكمل صورها - على الود والتحابِّ والتفاهم بين الزوجين، واحترام كل منهما للآخر، وإنزاله المكان الذي أنزله فيه الشَّرع، واستقرار الحياة الزَّوجيَّة واستمرارها غَاية من الغايات التي يَحرِص عليها الإسلام ويحثُّ عليها.
لذا؛ فعلى كلٍّ من الزوجين أن يحافظ على ما يَضمَن استمرار الحياة الزوجية، ويُقوِّي أواصرها، وأن يفي لصاحبه بجميع الحقوق الواجبة له، وأن يتغاضَى عما يمكن التغاضِي عنه من حقوقه الخاصة، هذا هو ما يحث عليه الشرع ويُرَغِّب فيه.(109/1)
فالمرأة يجب أن تعلم حق زوجها عليها وتعلم أن الرجل قوَّام عليها؛ كما قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34]، فتقوم بموجبات هذه القَوامة من الطاعة له في المعروف وعدم الخروج من بيته إلا بإذنه، وحفظه إذا غاب في ماله وفي نفسها، وأن لا تُدخِل بيته من لا يَرغب هو في دخوله له … الخ.
وكثيرٌ من المشاكل تحدث بسبب جهل بعض الزوجات بما أوجبه الله عليهن تجاه أزواجهن، فطاعة الزوج واجبة على الزوجة ما لم تكن في معصية الله تعالى، بل إن طاعته مُقَدَّمَة على طاعة كل أحد، حتى الوالدين؛ فعن عائشة - رضي الله عنها – قالت: قلت: ((يا رسول الله، أي الناس أعظم حقًّا على المرأة؟ قال: زوجُها، قلت: فأي الناس أعظم حقًّا على الرجل؟ قال: أُمُّهُ))؛ رواه البَزَّار والحاكم بإسناد حسن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "المرأة إذا تزوجت، كان زوجُها أمْلَك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب".
وقد جعل الله سبحانه طاعتها لزوجها والقِيام بحقوقه تعدِل الجهاد في سبيل الله والشهادة في سبيله؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال، فإن يصيبوا أجروا، وإن قتلوا، كانوا أحياء عند ربهم يرزقون، ونحن معشر النساء نقوم عليهم، فما لنا من ذلك؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أبلغي من لَقيتِ من النساء أن طاعة الزوج واعترافًا بحقه يعدِل ذلك كله، وقليل منكن من يفعله))؛ رواه البَزَّار والطبراني.(109/2)
وجعل - سبحانه - رضا الزوج عن زوجته سببًا لدخولها الجنة؛ فقد روى الترمذي وابن ماجه والحاكم عن أم سَلَمَة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ ماتت وزوجُها عنها راضٍ دخلت الجنة))، وقال لأحد النساء: ((انظُري فإنه جَنَّتُك ونارُك))؛ رواه وأحمد والطبراني وصححه الألباني.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا صلَّتِ المرأةُ خَمسَها، وصَامت شَهرَها، وحَفظَت فَرجَها، وأطَاعَت زوجَها، قيل لها: ادخُلي الجنة من أي بابٍ شئتِ))؛ رواه أحمد عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
وعلى الزوج أيضًا أن يُحسِن إلى زوجته ويعاشرها بالمعروف، فإذا رأى منها منكرًا دعاها ونصحها بالرفق واللين والترغيب والترهيب، وأن يستعمل معها كل الوسائل التي يمكن أن تُؤَثِّر عليها، فإذا أحست أنه رجل، وصاحب مبدأ ودين، فلا بد أن تستجيب له ولو بعد حين وهذه هي طبيعة المرأة إذا رأت من زوجها صلابة في أمره فإنها تكون تابعة بطبيعتها، وإذا أحست فيه بالتهاون فإنها لا تبالي به .
فعليك - أخي الكريم - أن تنصَحَ زوجَتَك بِلُطفٍ، وتُبَيِّن لها واجبها نحوك، أو أطلِعْها على تلك الفتوى؛ فربما كانت تجهل تلك الحقوق.(109/3)
وعليك ألا تتهاون معها في الأمور التي لا ترغبها من خروج ونحوه؛ إذ ليس للزوجة أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه، سواء أمَرَها أبوها أو أمُها أو غيرهما - باتفاق العلماء - مع استعمال الحكمة، والرفق في ذلك، وعليها أن تطيعَك في المعروف، ومتى تركت طاعتك كانت ناشزاً، وفي هذه الحالة - إن لم ينفع الوعظ - جاز لك أن تهجرها في المضْجَع؛ فإن لم ينفع الهجر، جاز أن تضربها ضربًا غير مُبَرِّح حتى تطيعك - كما قال الله تعالى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيرًا} [النساء:34].
ومتى استمرت المرأة على نشوزها ولم ينفع معها الوعظ ولا الهجر ولا الضرب، ونحو ذلك مما تستصلح به المرأة الناشز -: فَوَسِّط أهل الخير؛ عسى الله أن يُصلِحَها، فإن استمرت في غَيِّهَا فأنت مخير أن تصبر أو أن تُفارِق، ولأن تصبر فهو أعظم في الأجر.
ونُنَبِّه الأخ السائل إلى أنه وقع في خطأ جسيم، عندما لجأ إلى إقامة عَلاقة مع امرأة أجنبية عنه؛ لأن ذلك من أعظم الوسائل التي قد تجرُّ إلى الوقوع في الحرام، وإن زيَّن الشيطان ذلك في أول الأمر، وأظهره على أنه عَلاقة بَرِيئة من كل ما يدعو إلى لحرام؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 21].
فعليك أن تقطع هذه العَلاقة على الفَور، وأن تتوب إلى الله توبةً نصوحًا، وأن لا تعود إليها أبدًا،، والله أعلم.(109/4)
العنوان: زوجتي لا تهتم بي
رقم الاستشارة: 21
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا من الدمام، وعندي ولد وبنت، تزوجت بنت خالي زواجاً عاديّاً تقليديّاً قبل تسع سنين، وكنا متحابَّيْن، كانت تدرس في الجامعة يوم تزوجتها، فوقفتُ معها حتى استكملت دراستها، واجتهدت في أن أبحث لها عمل؛ لأني أردتُ أن تجد ما يشغلها ويجعلها تستغل وقتها بحيث تشعر أنها مفيدة ... لقد وقفت معها في ذلك بكيفية تفوق الوصف.
عشنا معاً حياةً فيها ما في غيرها من شدٍّ وجذب، ويعتريها ما يعتري غيرها من ساعات الفرح والحزن والرضا والخصام، وعلى الرغم من ذلك فقد كان كل منا يشعر أنه يحب الآخر، ولا أدري: أكان هذا حب الألفة والعشرة، أم كان هو ذلك الحب الصادق الذي تكلموننا دائماً عنه.
ومشكلتي يا سيدي الفاضل تكمن باختصار في اهتمام زوجتي (الغير عادي) بعملها؛ فزوجتي لا تحب شيئاً في الدنيا أكثر من عملها، وهي لا تهتم من أمر بيتها إلا بالأشياء العادية العارضة، وتوكل أمره كاملاً للخادم، ولا تهتم بأولادها – مثلاً – إلا إذا مرضوا!! والأهم من كل هذا أنها ما عادت تهتم بي أو باحتياجاتي أو حتى بحقوقي الشرعية؛ فلم تعد تجمعني بها إلا لقاءات سريعة - مرة أو مرتين في الشهر!!
هذه هي مشكلتي: زوجتي لم تكن - أبداً - ربَّة بيت، ولا هي بالتي تعطيني ما يرضي الزوج من زوجته.
لقد زادت المشكلات والخلافات اليوميه بيننا، فبدأ كلٌّ منا يبتعد عن الآخر روحياً وقلبياً .. ما عادت تجمعنا مشاعر واضحة، والغريب أن الأمر بالنسبة لها (عادي) لا يشغل اهتمامها!! حتى إني بدأت أشعر - بعد كل هذه السنوات – أنها مغصوبةٌ على العيش معي، أو أنها لا تحبني.(110/1)
لقد صارت إنسانة لا تهتم بالجنس، ولا العيال، ولا حتى الطبخ وأمور البيت، كل شيء عندها (بالتياسير)، وهمّها فقط ذاتها ونفسها، لقد كنتُ أتعاون معها كثيراً - ولا زلت - لكنها لا تفهم حاجتي لها، وحاجتي لبيت وزوجة تريحني وأريحها.
وعلى الرغم من أنها طيبة وتخاف الله، فإن موقفها هذا قادني للشك فيها، وفي كل شيء يتعلق بحياتها خارج المنزل، فبدأت أشك في علاقتها بزملائها في العمل، وصديقاتها عبر (الإنترنت)، وأحسست أنها تحيا معهم حياةً غير التي تحياها معي؛ فحاولت أن أتودَّد إليها، وأن أقترب منها، وأن تجمعني بها لحظات من (الرومانسية) تشبعها عاطفياً. كل هذا من أجل بيتنا، من أجلها، وأجلي، وأجل أولادنا وأهلنا. حاولت ذلك مراراً، لكن كل هذا لم يُجْدِ معها نفعاً.
كثيراً ما صارحتها بمعاناتي معها؛ فكانت تؤكد لي دائماً أنها تحبني، لكنني لم أر منها ما يؤكد ذلك.
قلت لنفسي: قد لا تكون ممن يُجِدْن التعبير عن أنفسهنَّ؛ فاشتريت لها كتباً عن الزواج والحب والعلاقة الزوجية، لكن عقلها لم يكن معي أبداً، وأنا أخشى أن قلبها ليس معي - أيضاً.
العمر يمضي، وسنِّي يقترب من الأربعين وهي في الثلاثين من عمرها، وما شعرنا بطعم الحياة المستقرة، لا أدري ماذا أصنع؟ لا أحبُّ أن يتدخَّل أحدٌ في حياتنا، ولا أودُّ أن تستمر حياتنا باهتةً بهذه الصورة!
أحسُّ أن الحياة معها ممكنة، وأنها ستكون جميلة لو أعطتني، لكنها – أبداً – لا تعطي، وأنا لا أحب أن آخذ شيئاً دون رضا مَنْ يعطيني.
إنني أفتقدُ الحنان والحب والحياة الزوجية الدفيئة، في حين لا تشعر هي بالسعادة إلا في عملها وعلاقاتها الاجتماعية فقط!!
لقد صرتُ أخشى على نفسي الوقوع فيما حرم الله؛ فلقد سبق لي أن تهوَّرت في أوقات القطيعة، وأقمت علاقات (وهمية) مع فتيات عبر (الإنترنت)؛ لكنني تبت – ولله الحمد.
أحسُّ في نفسي أن زوجتي هي كل ما لي في هذه الدنيا، مع أن كل شيء معها فاتر بدون طعم.(110/2)
ساعدوني، لم أعد قادراً على تحمل حياتي.
لستُ كاملاً، ولي أخطائي؛ لكنني أحس أني أُصلح من نفسي يوماً بعد يوم، في الوقت الذي لا تحاول زوجتي فيه أن تتغير، هي هي؛ بل على العكس من ذلك، في كل يوم يزيد حبها لكل شيء؛ إلا أنا والبيت والعيال.
-----------------------------------------
الجواب:
مرحباً بك في موقع (الألوكة)، وشكراً لثقتك الغالية.
قرأتُ رسالتك، ولا شك أنه شعور مزعج أن نعيش مع شخص لا يبدي الاهتمام الكافي، ولا يقدِّر حساسية المشاعر التي نمر بها؛ لكن هذا الوضع له عددٌ من الحلول المقترحة، أرجو أن تتأملها، وتبدأ في تطبيقها بهدوء وتأنِّي، مع كثير من الحب والمودة والتقدير للطرف الآخر.
أولاً: في بعض الأحيان تحتاج إلى بعض (التطنيش!) أو مجرد تناسي الطرف الآخر، واشغل وقتك بعمل نشاطات ومفاجآت (حفلات, رحلات قصيرة) مع الأطفال وبقية أفراد العائلة. اجعل من حياتك معهم أمراً مسلياً، وفي لحظة ما ستشعر كم هي بعيدة عن عائلتها، وكم هي مفرِّطة، ستصل هذه الرسالة دون الكثير من النصائح والمواعظ التي لا تُجدي - كما تعلم.
ثانياً: ابذل بعض الوقت في التعرف على طبيعة عملها، لمشاركتها في أي حوار إيجابي بينكما, واهتم بالسؤال عنه، حتى تشعر أنك تقدِّر العمل الذي تقوم به، وهذا - بلا شك – سيجعلها تحس باهتمامك بها، وستقابلك بذات اهتمامك.
ثالثاً: لا تجعل الأحكام العامة تسيطر على مشاعرك، حدِّد سلوكيات معينة تريد تغييرها، كن واضحاً ومحدَّداً وحازماً: "ليس من المقبول أن تفعلي كذا .."؛ وحاسبها على أيِّ تقصير؛ فالنساء لا تحب الرجل المتراخي؛ بل الحازم الواضح.
وفي المقابل؛ حدِّد موعد محدَّد للقيام بنشاطات معينة تريدها أنت، واتَّفق معها على ذلك: "طالما أنك تحبينني، تعالي نتفق على موعد معين للخروج معاً، موعد نكون فيه وحدنا! .. تعالي نتفق على لقاء خاص كل كذا، أو في الوقت الفلاني".(110/3)
وهكذا؛ حاسبها بوضوح وجدِّية، وكافئها على الالتزام إن فَعَلَتْ.
رابعاً: في جميع الاستشارات المماثلة أؤكد دائما على ضرورة سعينا الحثيث من أجل تنمية مشاعرنا، حتى تصبح مستقلةً عن غيرنا.
الاستقلال لا يعني الإهمال .. لا يعني عدم التقدير؛ بل يعني ما يلي: "أشعر بالسعادة عندما أكون معك، ولا أشعر بالرضا عندما تكوني مشغولة عني أو غاضبة".
أعرف أن الأمر ليس بهذه السهولة على المستوى العملي، لكنك مع التمرُّس والوعي ستصل إلى مستويات متقدِّمة في ذلك، وهذا الاستقلال سيخفِّف عنكَ الكثير، وسينضج شخصيتكَ أكثر.
أتمنى أن أكون قد قدَّمتُ لك ما يفيد، ومرحباً بكَ - دوماً - في موقع (الألوكة).(110/4)
العنوان: زوجي يطالب بجوازي
رقم الاستشارة: 193
المستشار: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
السؤال:
إنني سيّدة متزوجة مدة سنة ونصف تقريبًا، ولديَّ طفلة صغيرة، مشكلتي هي في زوجي الذي يطالب بجوازي[1] من دون أي سبب مقنع في ذلك، بالرغم من أنني موظفة، وأخاف أن يتلاعب بجوازي في أشياء لا تمسه، وتفاهمت أنا وأهلي معه حول الجواز، لكنه أصر إصرار عجيبًا على ذلك، وحوَّلت موضوعي إلى الاستشارات، الذين لم يفعلوا به شيئًا. وأنا لم أعد أثق فيه؛ لأنه سبق أن ضربني، وأخذتُ عليه تعهّدًا، والآن أنا في حيرة من أمري، وإذا أعطيته الجواز؛ غدًا سيطالب بالذهب وبطاقة البنك... إلخ، وأنا على وشك أن أحوِّل موضوعي إلى المحكمة، التي ربما تُنصفني بالقانون والحق، أرفع عليه دعوى النفقة، وطردي من بيت الزوجية إلا بوجود الجواز؛ ولكنني أخاف عندما يذهب إلى المحكمة أن يُطَلّقني، فأرجو المساعدة، وتوضيح الأمر لي، وبارك الله فيكم.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الجواز: بطاقة الهوية أو إثبات الشخصية.
-----------------------------------------
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكرُكِ لتواصُلِك مع الموقع.
عزيزتي السائلة:
من الناحية القانونية:
سؤالك يحتاج إلى معرفة بقانون الأحوال المدنيَّة لديكم في قطر، وهذا بالطبع تسألين عنه المحامين لديكم، فأهل قطر أدرى بشِعَابِهَا!
أمَّا من ناحية العلاقة الزوجية، فالحديث يطول، واسمحي لي أن أتحدث معكِ بصراحة تامة.
أنا يا عزيزتي لا أعرف زوجك، ولم يسألني ولم يستشرني؛ لذلك لن أتحدث عنه؛ إنما حديثي معكِ أنتِ لأنكِ صاحبة الهدف، وأنت التي سألت.
فيبدو من طريقة حديثك، ووصْفِك للأحداث أنَّك بحاجة إلى جرعة كبيرة من الرحمة والمودَّة تشرَبِينها أوَّلاً ثم تسقينها زوجك, وإلى فَهْم وتَفهُّم كيف تكونين سَكَنًا لزوجك، وتكونين له لباسًا؛ فيكون لك لباسًا.(111/1)
تتعامَلِينَ مع زوجك (والعهدة على أسلوبك في الحديث عنه) كأنه ندٌّ لك، كأنه ينافسك وتنافسينه على مكاسب!
لم أشعر أنَّك تُعاملينه على أنَّه الزوج الذي أفضى إليك وأفضيت إليه، وأنه الإنسان الوحيد الذي أنت مأمورةٌ أن تَتَزَيَّنِي له وتتبرجي، وما يتبع ذلك من علاقة خاصة جدًّا بين الزوجين!
ولم تُدْرِكي أنَّه والدُ ابنتك، وأنَّ ابنتك ستنشأ نشأة غير سوية نفسيًّا وهي ترى وتسمع هذه المشاكل في البيت، وأنَّ ابْنَتَكِ ستكْبر يومًا لِترى نموذجًا سيّئًا من العلاقة الزوجية، تتمثَّلُ بأَحَبِّ وأقْرَبِ النَّاس إليها، وهم والداها؛ فتظنّ أنَّ هذا هو النموذج الجيّد، فتكرّره! وهكذا يستمرّ الدَّوران بحلقة مفرغة، دوران يتضرَّر منه الأجيال، ويؤثر هذا الضرر على بناء المجتمع ونهضة الأوطان!!
هل تسمحين لي يا عزيزتي أن أفترض ما السبب وراء هذه المشاكل؟
ربما شعورك أنَّك موظَّفة، وأنَّك مستقلَّة مادّيًّا عن زوجك (وأنك لست بحاجة إليه)؛ فهو يعني إضافة لك!
نصيحتي لكِ وما أُشير به عليك أن تقرئي عن حقوق الزوج، وأن تؤدي مسؤولياتك تجاه بيتك وزوجك وبنتك, والقيام بهذه المسؤوليات وأنت مستمتعة بها تمنحك سعادة كبيرة، ومتعة متجددة.
أنا معك أنَّ المال مهمّ، وأنَّه عصب الحياة؛ لكن لا يكون أبدًا على حساب أن نهمل الاستثمار الحقيقي، وهو استثمار الأبناء ليكونوا أداة للبناء والنهضة، ويكونوا لنا رصيدًا في دنيانا وآخرتنا.
نعم فالاستثمار الأمثل لك هو الاستثمار بالأبناء، ضعي هذا في بالك عزيزتي، ودعكِ من نعيق بعضهن، اللاتي يدعون لخروج المرأة للعمل دون أن تحسب خطواتها، وترتّب أولوياتها.
وأشير عليك عزيزتي بأن تثقّفي نفسك (إما بدورات، أو بقراءة كتب) عن العلاقة الزوجية، وفنّ التعامل، وما يتعلَّق بهذا الشأن.(111/2)
أخيرًا، أُذكِّرُكِ أنَّني لستُ أبرِّئ زوجَك، ولا أدافع عنه! ولا أعلم إن كان سيئًا أو حسنًا؛ لكن الذي أنا متيقّنة منه تمامًا هو أنَّ إحسانَك له، وتغييرَكِ لِنَفْسِك؛ سَيَجْعَلُه - بإذن الله - يتأثَّر فيتغيَّر للأفضل، واقرئي إن شِئْتِ قولَه – تعالى -: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34 - 35] اقرئي الآية واقرئي تفسيرًا مفصَّلاً لها، واستعيني بالله، وادعيه أن يجعلك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
عندها ستَكْتَشِفِينَ حَتْمًا أنَّ الحياة أجمل وأحلى في ظل بيت هادئ، تنبث في أرجائه السكينة والطمأنينة، وتزينه ضحكات البنين والبنات، وتنتشر في أرجائه قيم المشاركة والتكامل، أجمل وأحلى من جدران أي مكان آخر؛ حتى لو كان يدرُّ عليك المليارات!
ولك مني أحلى المنى، والدعوات الصادقة بحياة هانئة وسعيدة.(111/3)
العنوان: كيف تكون العلاقة صالحة؟
رقم الاستشارة: 142
المستشار: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
السؤال:
أنا فتاة عمري 20 عامًا، منذ أن توفي أبي من عامين، وأنا أفتقد كل شىء: الأمان، والثقة بنفسي وبمن حولي، وعدم الاستقرار، وعدم القدرة على التفكير، ولكنني منذ أربعة أشهر تعرفت إلى شاب محترم، إنه تقي، ويعرف الله، ولكن أهلي يرفضون أيَّ كلام فى موضوع الزواج قبل انتهاء الدراسة، وأيضًا لي أخت أكبر مني، أمي تصر على أنه عليَّ أن أنتظر على الأقل خطبتها، ولقد أخبرت ذلك الشاب بذلك، وأن ينتظر حتى انتهاء العام الدراسي القادم، وهي آخر سنة لي، ولكني لا أعرف كيف يكون الوضع معه إلى أن تنتهي السنة! وللعلم أنا لا أقابله، ولكن نتحادث هاتفيًّا، أشعر أنه مَن أريد.. جزاكم الله خيرًا أرجو الرد سريعًا!!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله
الأخت الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله،
أسأل الله العليّ القدير أن تكوني بخير وعافية.. أشكر لك تواصُلَكِ مع موقع (الألوكة)..
قرأت رِسالَتَكِ عِدَّةَ مَرَّاتٍ.. وجعلت فترات بين القراءة والأخرى؛ لتكون إجابتي عن مشكلتك عادلة.
لعلَّه حين تَصِلُكِ رسالتي يكون موقِعُ (الألوكة) قد نشر استشارةً لفتاةٍ من البحرين بعنوان (أنا وأبي والخاطب)، تَتَشَابَهُ مُشْكِلتُك مع مشكلتها بعض الشيء.. وفي قراءَتِكِ لجوابي عن مشكلتها الشيء الذي يفيدك بإذن الله.
فانظري لموضوعك من وجهة نَظَرٍ أكثر اتساعًا، وأكثر مرونةً، وهناك مقالٌ للدكتور ياسر بكار، منشور بهذا الموقع عنوانه "المرونة النفسية" أنصحك بقراءته، ففيه تصنيفات للأمور التي يمكن تغييرها، والأمور التي لا يمكن ذلك..
أمَّا ما يتعلق بخصوصية مشكلتك، آمُل أن تجيبيني عن هذه الأسئلة (أجيبي بها نفسك بصدق وصفاء):(112/1)
1- قلتِ إنك منذ وفاة والدك لم تعودي قادرة على التفكير الصحيح، إذًا ما أدراك أنَّ إقامة العلاقة مع هذا الشاب قرارًا صحيحًا؟
هنا أقول لك أمرين: أوَّلهما أن هذا الألم والجزع، الذي استمرَّ سنتين؛ بسبب وفاة والدك لا ينبغي لفتاة مسلمة، فالموت هو مصيرنا جميعًا، طالت المدة أو قصرت، والفرق كيف نتقبل قضاء الله: هل بالرضاء أم بالجزع و القلق المبالغ به...؟
ثانيهما: يبدو أن تعلُّقَكِ بهذا الشاب هو لاحتياجك للحنان، الذي فقدتِه؛ بسبب وفاة والدك، فلا تدعي المشاعر السلبية، و غير المتوازنة تقودك لاتجاه خاطئ.
فأنت - تبارك الله - بالعِشْرِين من عمرك، وهذا سن نضج، والتاريخ الإسلامي امتلأ بكثير من الوقائع، التي غيرت التاريخ بسبب شباب وشابات بهذا العمر.. وإني لأحسن الظن بأنك قادرة على اتخاذ قرارات صائبة.
2- ما السبب الذي تطلب من أجله أمك تأجيل الزواج إلى نهاية دراستك؟ أنا أفترض أنه مصلحتك؛ لأن للعلم قيمتَهُ، التي لا تضاهيها أخرى، خاصة أنَّكِ بالسنة النهائية! وأن والدك قد توفي - رحمه الله وغفر له - وأنتِ ماذا تظنين بأمك؟ أليس نفس الظن؟
3- أيضًا ما السَّبَبُ الذي يجعل أُمَّكِ تؤجل الزواج إلى أن تتم خطبة أختك؟ ربما أنتم في مجتمع - مثل كل المجتمعات العربية - إن تزوجت الصغيرة قبل الكبيرة، توقف الخاطبون عن خطبة الكبيرة، أو صار الخاطبون لها أقل كفاءة.
وأنت لا ترضين أن تضري بأختك. والشاب الذي تعرفت عليه، إن كان يرغب حقًّا في الزواج منك سينتظرك.
أخيًرا عزيزتي..
لا يجوز إطلاقًا الحديثُ مع شاب أجْنَبِيٍّ عنك، بدعوى الصداقة، أو الارتياح، أو نية الزواج، فأنت لا تدرين ماذا يحصل بعد ذلك.. ولا تدرين إلى أين يقودكم الحديث بعضكم مع بعض.. فاتركي الحديث معه.. واقرئِي المزيد عن هذا الأمر بكتب الفقه، أو بمواقع النت التي يشرف عليها علماءُ ثِقاةٌ، تطمئنين إليهم.. وتذكري أنه من ترك شيئًا لله عوَّضَهُ الله خيرًا منه..(112/2)
وإليك هذه العبارة الجميلة: "إن وجدتِ الله ماذا فقدتِ؟ وإن فقدتِ الله ماذا وجدتِ؟"..
ولعلك تجيبين أيضًا عن هذين السؤالين..
أدعو الله الوَدودَ الغَفورَ، أن يُعِينَكِ، ويثبتك، ويحبب إليك الإيمان، ويزينه في قلبك، ويُكَرِّه إليك الكفر والفسوق و العصيان...(112/3)
العنوان: سبب اختلاف روايات الأئمة في راوٍ واحد
رقم الاستشارة: 162
المستشار: أ. خالد بن مصطفى الشوربجي
-----------------------------------------
السؤال:
• ما سَبَبُ اختلاف رِوَايات يَحْيى بن مَعِين وغيره, وكيفَ السَّبيل إذا لم نُمَيِّزْ الرواية المُتأخِّرَة مِنَ المُتقدِّمة في حال تَعَارُضِ قوله في الروايات.
• كيف نَحْكُمُ على حديثٍ يكُونُ أحد رُواتِه ثِقَة، إلاَّ في فلان، أو ثقة وفي رِوَايتِه عن فُلان شيءٌ.
مثلاً: مَعْمَر ثقةٌ؛ وفي رِوايَتِه عن ثَابِت الْبُنَانِيِّ شيءٌ، وداود بن الحُصَيْن ثقة إلاَّ في عِكْرِمَة.
• وهل هناك فرقٌ بين اللَّفْظَيْنِ؛ بأن يكونَ أحدهما أضعف من الآخر؟
وجَزاكُمُ الله خيرًا
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، وبعدُ:
فكثيرًا ما تجد الاختلاف عن ابن مَعِين وغيره من أئمة النَّقْد في حق راوٍ، وقد يكون ذلك؛ لتَغَيُّر الاجتهاد، وقد يكون لاختلاف كيفيَّة السُّؤال، وغير ذلك.(113/1)
قال أبو الوليد الباجِيُّ في "التعديل والتجريح" (1/283-288): "واعْلَم أنه قد يقول المُعَدِّلُ: "فُلان ثقة" ولا يُريد به أنه ممن يُحْتَجُّ بحديثه، ويقول: "فلانٌ لا بأس به" ويريد أنه يُحْتَجُّ بحديثه؛ وإنما ذلك على حَسَبِ ما هو فيه، ووجْهِ السؤالِ له؛ فقد يُسْأَل عنِ الرجل الفاضل في دينه، المتوسِّطِ حديثُهُ فَيُقْرَنُ بالضعفاء، فيقال: "ما تقول في فلان وفلان؟"، فيقول: "فلان ثقة" يُريد أنه ليس من نَمَط من قُرِن به، وأنه ثقة بالإضافة إلى غيره، وقد يُسْأَل عنه على غير هذا الوجه فيقول: "لا بأس به"، فإذا قيل: "أهُوَ ثقة؟" قال: "الثقة غير هذا. يدل على ذلك ما رواه أبو عبدالله بن البَيِّعِ، قال: سمعت أبا عبدالله محمد بن يعقوب الشَّيْبَانِي، يقول: سَمِعْت أبا بكر محمد بن النَّضْر الجَارُودِيَّ، يقول: سَمِعْت عمرو بن علي، يقول: أخبرنا عبدالرحمن بن مَهْدِيٍّ، حدثنا أبو خَلْدَةَ، فقال رجل: "يا أبا سعيد أكان ثقة؟" فقال: "كان خيارًا، وكان مسلمًا، وكان صدوقًا، الثقةُ شُعْبَة وسُفْيَان. وإنما أراد عبدُ الرحمن بن مهديٍّ - رحمه الله - التَّناهِيَ في الإمامة، لو لم يُوَثَّق من أصحاب الحديث إلا مَنْ كان في درجة شُعْبَة وسُفْيَان الثَّوْرِيِّ لَقَلَّ الثقات، ولبطل معظم الآثار.
وأبو خَلْدَةَ هذا هو خالد بن دينار البصريُّ، أخرج البخاري في الجمعة والتعبير والعلم عن حَرْمِيِّ بن عمارةَ عنه عن أنس، وقال عمرو بن علي سَمِعْتُ يزيد بن زُرَيْعٍ يقول أخبرنا أبو خَلْدَةَ - وكان ثقة - ولكن عبدَ الرحمن لم يُرِدْ أن يُبَلِّغَهُ مبلغَ غيره ممن هو أَتْقَن منه وأَحْفَظ وأَثْبَت، وذهب إلى أن يُبَيِّنَ أن درجته دون ذلك؛ ولذلك قال: "كان خِيارًا، وكان صدوقًا"، وهذا معنى الثقة إذا جمع الصدق والخير مع الإسلام.(113/2)
وقد رَوَى عباس بن محمد الدُّورِيُّ، عنِ ابن مَعِين أنه قال: "محمد بن إسحاق ثقةٌ، وليس بحُجَّة"؛ وأصل ذلك أنه سُئِل عنه وعن موسى بن عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ: "أيُّهما أحبُّ إليك؟" فقال: "محمد بن إسحاق ثقة، وليس بحجة" فإنما ذهب إلى أنه أمثلُ في نفسه من موسى بن عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ.
وقد روى عثمان بن سعيد الدَّارِمِيُّ قال أحمد بن حنبل: "ذُكِر عند يَحْيَى ابن سعيد عقيلٌ وإبراهيمُ بنُ سعد فجعل كأنه يُضَعِّفهما" فهذا ذِكْرُه لعقيل ولم يَذْكُر سبب ذلك؛ ولعلَّه قد ذُكِرَ له مع مالك، ولو ذُكِر له مع زَمْعَةَ بنِ صالح أو صالحِ بنِ أبي الأخضر لوَثَّقَهُ وعَظَّم أَمْرَه، وقال عبدالرحمن الرَّازِيُّ: قيل لأبي حاتم: "أيهما أحبُّ إليك يونسُ أو عُقَيْلٌ؟" فقال: "عقيل لا بأس به"، فقد قال في مثل عُقَيْل: "لا بأس به" ويريد بذلك تَفْضِيله على يُونُس، ولو قُرِن له عبدُ الجبار بن عمر لقال: "عُقَيلٌ ثقةٌ، ثَبْتٌ، متقدِّم، مُتْقِن". وقد سُئِل عنه أبو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ فقال: "ثقةٌ صدوق" فوصفه بصفته لمَّا لم يُقْرَنْ بغيره.
وقد ذُكِرَ لأبي عبدِ الرحمن النَّسَوِيِّ تفضيلُ ابن وَهْب اللَّيْثَ على مالكٍ فقال: "وأيُّ شيء عند اللَّيْثِ، لولا أن الله تَدَارَكَهُ لكان مثلَ ابن لَهِيعَة"، ولا خلاف أنَّ اللَّيْثَ من أهل الثقة والتثبت؛ ولكنه إنَّما أَنْكَر تَفْضيلَهُ على مالك أو مُسَاوَاتَهُ به.(113/3)
قال أبو عبدالله: وسَمِعْتُ أبا العباس، يقول: سمعت عباس بن محمد، يقول: سمعت يَحْيَى بن مَعِين، يقول: قال لي يَحْيَى بن سعيد القَطَّان: "لو لم أُحَدِّثْ إلاَّ عن كلِّ مَن أَرْضَى لَمَا حَدَّثْتُ إلا عن خمسة" وهذا لا خلاف أنه أرادَ بذلك النهاية فيما يُرضِيهِ؛ لأنه قد أدرك منَ الأئمة الذين لا يُطْعَن عليهم أكثرَ من هذا العدد؛ لأنه قد سمع من يَحْيَى بن سعيد الأنصاري، ومالكِ بن أنس، وعُبَيْدِ الله بن عمر العمري، وهشامِ بن عروةَ، وابنِ جُرَيْج، وإسماعيلَ بن أبي خالد، وسعيدِ بن أبي عَرُوبَةَ، وسفيانَ الثَّوْرِيِّ، وشعبةَ، وأدرك مَعْمَرًا، وابنَ عُيَيْنَة، وهِشامًا الدَّسْتِوَائِيَّ، والأَوْزَاعِيَّ - ونُظَراءَهم كثيرًا - والأعمشَ، وحمَّادَ بنَ زيد، وابنَ عُلَيَّةَ، ووَكِيعًا، وعبدَ الرحمن بنَ مَهْدِيٍّ، وعبدَ الله بنَ المبارك، وجماعة من أئمة الحديث الذين لا مزيد عليهم.
ورَوَى ابن المُبَارك عن سُفْيان الثوري أنه قال: "أدركت - حُفَّاظَ الناس أربعة - عاصِمًا الأحولَ، وإسماعيلَ بن أبي خالد، ويحيى بن سعيد، قال وأرى هشامًا الدَّسْتِوَائِيَّ منهم". ولم يُرِدْ بهذا أنه لم يُدْرِكْ حُفَّاظًا غيرَ هؤلاءِ؛ فقد أدرك الأعمش، ومالكًا، وابن عُيَيْنَة، وشعبة، وعُبَيْدَ الله بنَ عُمَرَ بنِ حفصِ بنِ عاصمِ بنِ عمر بنِ الخطاب العدوِيَّ العُمَرِيَّ، وأيوبَ السَّخْتِيَانِيَّ، وسُليمانَ بنَ بلالٍ التيميَّ.
وقد قال سفيان مرة أخرى: "حُفَّاظُ البصرة ثلاثة: سليمان التيميُّ، وعاصمٌ الأحولُ، وداودُ بن أبي هند؛ وكان عاصم أعظمهم" ولا شك أنه أراد في حديث مخصوص أو معنى مخصوص، فإنه قد كان بالبصرة: أيوبُ السختيانيُّ، ويونسُ بن عبيدِ الله، وعبدُ الله بن عون، وسعيدُ بن أبي عَرُوبَةَ، وغيرُهم ممن هم أحفظ في الجملة، وأتقنُ من عاصم.(113/4)
وقد روى ابن مَعِين قال حَجَّاج بن محمد، قال شُعْبة: "عاصمٌ أحبُّ إليَّ من قتادة وأبي عثمان؛ لأنه أحفظهما" فبَيَّنَ شعبةُ وجْهَ تفضيله له إن ذلك مما يختص بحديث أبي عثمان النهدي، فلا يَشُكُّ أحد في تفاوت ما بَيْنَ قتادة وعاصم بن سليمان الأحول وغير أبي عثمان.
وقد قال علي بن المديني سمعت يحيى بن سعيد - وذُكِرَ عندَهُ عاصمٌ الأحولُ – فقال: "لم يكن بالحافظ" فإما أن يكون قد ظهر ليَحْيَى بن سعيد من حديث عاصم في شيخ من الشيوخ ما اقتضى مخالفة ما قاله سفيان وشعبة فيه، أو قد قُرِنَ له بمن هو فَوْقه في الحِفْظ والإتقان؛ كالزُّهْرِي، والأعمشِ، وقتادةَ، ويحيى بن أبي كثير، فقصر به عن رتْبَتِهِمْ، وقد قال أبو زُرْعَة الرازي فيه: "هو صالح الحديث" فتأمَّل تَفاوُت هذه الألفاظ في ذكره، واعْلَمْ أن مُوجب ذلك اختلافُ السؤال، والله أعلم.
وقال عبدالرحمن بن مهدي: "أئمة الناس في زمانهم أربعة: حمادُ بن زيدٍ بالبصرة، وسفيانُ بالكوفة، ومالكٌ بالحِجَاز، والأَوْزَاعِيُّ بالشام؛ يعني في الحديث والعلم"، وقد ترك اللَّيْثَ بمصر، وترك جماعة غيرَ هؤلاء؛ فهذا كله يَدُلُّ على أن ألفاظهم في ذلك تَصْدُر على حَسَبِ السؤال، وتختلف بحَسَبِ ذلك وتكون بحَسَبِ إضافة المسْؤُول عنهم بعضِهم إلى بعض.
وقد يحكم بالجَرْحَةِ على الرَّجُل؛ بمعنى: لو وُجِد في غيره لم يُجَرَّحْ به؛ لما شُهِرَ من فضله وعلمه وأن حاله يحتمل مثل ذلك؛ فقد قال علي بن المَدِينِيِّ: "كتبنا عن عبدالله بن نمير فربما لا يَذْكُر الحارث بن حصيرة الأزديَّ، ولا أبا يَعْفُورَ، ولا حلام بن صالح؛ وإنما كان لا يُحَدِّثُ عن هؤلاء الضعفاء، ثم حدث عن هؤلاء بعدُ، ثم قال لو كان غير ابن نُمَيْرٍ لكان؛ ولكنه صدوق":
فعلى هذا يَحْمِلُ ألفاظَ الجَرْح والتعديل مَنْ فَهِمَ أقوالَهُم وأغراضَهم، ولا يكون ذلك إلا لمن كان من أهل الصناعة والعلم بهذا الشأن.(113/5)
وأما من لم يَعْلَمْ ذلك وليس عنده من أحوال المُحَدِّثِينَ إلا ما يأخذه من ألفاظ أهل الجرح والتعديل، فإنه لا يمكنه تَنْزِيل الألفاظ هذا التنزيل، ولا اعتبارها بشيء مما ذكرنا؛ وإنما يتبع في ذلك ظاهر ألفاظهم فيما وقع الاتِّفَاق عليه، ويقف عند اختلافهم واختلاف عباراتهم. والله المُوَفِّقُ للصواب برحمته". اهـ. من "التعديل والتجريح". وانظر: "لسان الميزان"(1/17)، و"فتح المغيث" (1/374-376)، و"الرفع والتكميل" (ص262).
والجواب عن الشِّقِّ الثاني من السؤال وهو: كيف نَحْكُمُ على حديثٍ يكون أحد رُواته ثقةً إلا في فلان، أو ثقةٌ وفي روايته عن فلان شيءٌ؟
يُؤْخَذُ من حديثه ما كان عن غير فلان الذي ضُعِّفَ فيه فأمَّا عنه فلا؛ والدليل على ذلك ما جاء في "سُؤالات البَرْقَانِيِّ" للدَّارَقُطْنِي (ص21): "قلت له وأبو الحسن بن مظفر حاضر: "جعفر بن بَرْقَانَ؟ فقالا جميعًا: قال أحمد بن حنبل: "يُؤْخَذ من حديثه ما كان عن غير الزُّهْرِيِّ فأما عنه فلا"، قلت: "فقد لَقِيَهُ فما بلاؤه؟" قال الدَّارَقُطْنِيُّ: "ربما حَدَّثَ الثقةُ عن ابن بَرْقَانَ عنِ الزُّهْرِيِّ، ويحدِّثُهُ الآخَرُ عن ابن بَرْقَانَ عن رجل عنِ الزُّهْرِيِّ، أو يقول بلغني عنِ الزُّهْرِيّ، فأمَّا حديثه عن ميمونَ بنِ مِهْرَانَ ويَزِيدَ بنِ الأَصَمِّ فثابت صحيح".
هذا إذا تفرد هذا الراوي عن شيخه الذي ضُعِّفَ فيه، وأما إذا تُوبِعَ عليه فيُقْبَل؛ يُوَضِّحُ ذلك ما جاء في "شرح علل الترمذي" (2/783): "... قال مسلم في كتاب "التمييز":(113/6)
"اجتماع أهل الحديث من علمائهم على أنَّ أَثْبَتَ الناسِ في ثابتٍ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ؛ كذلك قال يَحْيَى القطان، ويَحْيَى بن معين، وأحمد بن حنبل وغيرهم من أهل المعرفة. وحَمَّاد يُعَدُّ عندهم إذا حدث عن غير ثابت؛ كحديثه عن قتادةَ، وأيوبَ، وداودَ بن أبي هند، والجَرِيرِيِّ، ويحيى بن سعيد، وعمرو بن دينار وأشباههم، فإنه يُخْطِئُ في حديثهم كثيرًا.
وغير حماد في هؤلاء أَثْبَت عندهم؛ كحمادِ بنِ زيد، وعبدِ الوارث، ويزيدَ بنِ زُرَيْعٍ" انتهى.
ومع هذا فقد خَرَّجَ مسلمٌ في صحيحه لحمادِ بنِ سَلَمَةَ عن أيوبَ، وقتادةَ، وداودَ بن أبي هند، والجَرِيرِيِّ، ويحيى بن سعيدٍ الأنصاريِّ، ولم يُخَرِّجْ حديثَهُ عن عمرو بن دينار؛ ولكن إنما خَرَّجَ حديثَهُ عن هؤلاء فيما تابعه عليه غيرُهُ منَ الثقات، ووافقوه عليه لم يُخَرِّجْ له عن أحد منهم شيئًا تَفَرَّدَ به عنه،، والله أعلم."
وأما قولك: "وهل هناك فرق بينَ اللفظَيْنِ؛ بأن يكونَ أحدهما أضعفَ منَ الآخَرِ؟
فلم أَقِفْ على كلامٍ لأهل العلم في الفرْقِ بينَهُما، والله تعالى أعلم.(113/7)
العنوان: سَبِيلِي إلى نفسي
رقم الاستشارة: 163
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ور حمة الله و بركاته..
أخي المُستشار أرجو أن تكون بصحة، وسلامة، وأفضل حال.
سؤالي بارك الله لك وفيك.
كيف لي أن أفهم نفسي؟ ألستُ - إذا فهمت نفسي - أستطيع أن أغيِّر كل شيء أريد؟ أستطيع التأثير فيمن حولي، ولله الحمد عندي أسلوب، وحسن استخدام الألفاظ أثناء الكلام، وأشعر أني قريب من بعض الناس، ولكن لست قريبًا من نفسي، أستطيع أن أفسر وأحث الناس على العمل، إلا أنني لا أستطيع أن أحث نفسي على المذاكرة اليومية، والدراسة أولا بأول!! كيف لي أن أفهم ذاتي، وأسيطر عليها؟
وفقكم الله.
-----------------------------------------
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
حرصك على فهم نفسك، وتطويرها يدل على وعْي وهِمَّة، ومعرفتك أنَّ نقطة البداية بالدعوة هي أنت، أيضًا رائعة؛ فلِكَي نستطيع أن نعطي الآخرين، وندعوهم لا بد لنا من فهم أنفسنا، والتصالح معها.
شخصيَّاتنا ليست أمرًا سهْلاً نستطيع فهمَهُ بسهولة، بل هي أعمق مما نتخيَّل. وفي الوقت نفسه، فهمُها ليسَ أمرًا مُستحيلاً، بل هو أَمْرٌ مَمْتِع، وستَشْعُرُ كم سيُؤَثّر فهمُك لنفسك في شخصيتك، وسيساعدك على تطويرها، وعلى مساعدة الآخرين أيضًا.
لِتفهمَ نفسك عليك أن تفهم أربعة أشياء أساسية، تؤثر كل منها في الأخرى:
• معتقداتك.
• أفكارك.
• مشاعرك.
• سلوكك.
فسلوكُنا هو بالنتيجة محصلة لمشاعرنا، وطريقة تفكيرنا التي تؤثر فيها معتقداتُنا بصورة رئيسة.
البداية تكمن بأن تفهم سلوكك من أين أتى؟
ألا تلاحظ أحيانًا أنَّ نفس المواقف يختلف تعاملنا معها تبعًا لمشاعرنا لها مثلاً.. تخيل أنَّ شخصًا اتصل بك، وأنت نائم كيف سيكون شعورك؟
ماذا لو كان هذا الشخص صديقًا قديمًا اشتَقْتَ إليه وضاع رقمُه من عندك؟!(114/1)
ماذا لو كان هذا الشخص زميلاً استَدَنْتَ منه، وتعجز عن سداد دَينه، ويطالبك به؟
ماذا لو كانت أمك مجروحة منك؟
ماذا لو كان......
ألا تلاحظ أنَّ سلوكك يختلف كل مرة تبعًا لمشاعرك، برغم أنَّ الموقف واحد: شخص يتصل بك، وأنت نائم!
أحيانًا تكون الأمور أعمق؛ إذ تتعلق بمعتقداتٍ بداخلك تؤثر في طريقة تفكيرك ومن ثمَّ في مشاعرك وسلوكك، ماذا لو ضاعَتْ عليك الصلاة! أو لم يُسْمَحْ لك بأن تصلي أثناء المحاضرات! قد يختلف سلوك شخص عن آخر بموقف كهذا حسب أولوية الصلاة عنده! فقد يغضب شخص، ويطالب بحقه بأن يُصَلّي، ولو بزاوية القاعة، وقد يرضخ آخرُ مستكينًا برغم ألمه، وربما لا يهتم آخر أصلاً لا يحرص على صلاته!
ماذا لو كنت تعتقد أنَّ الدّراسة توصّلك إلى هدفك؟ هل سَتَسْتهين بها أو تفرّط! وماذا بالمقابل يكون سلوكُكَ لو أُجبرتَ على قِسْم لا تحبه ولا تُخَطّط للعمل بمجاله!
إِذَنْ ببساطة حينما تُدْرِكُ معتقداتِكَ بصورة جيدة، وتفهم مشاعرك، فإنك ستستطيع التفكير بطريقة جيدة تساعدك على اتخاذ سلوك ترضى عنه.
وفقك الله وجعلك من الصالحين المصلحين.(114/2)
العنوان: سيلان اللعاب أثناء النوم
رقم الاستشارة: 172
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا عندي مشكلة، وهي أن لُعابي يسيل أثناء النوم ليلاً، ولا أستطيع أن أتحكَّم به، وأنا محافظ على نظافة أسناني.
أرجوكم ساعدوني؛ لأنِّي مقبل على الزَّواج.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم:
مرحبًا بك في موقع (الألوكة)، وأهلاً وسهلاً.
كثرة اللُّعاب قد تكون بسبب وجود قُرْحَة في الفم، أو بسبب استخدام بعض الأدوية، وقد تكون مجهولة السبب إذا لم يرافقها أيُّ أعراضٍ أخرى.
ولحل هذه المشكلة؛ نقوم بإعطاء المريض دواءً يقوم بالتقليل من إفراز اللعاب، عن طريق تَثْبِيط ما نسمِّيه (مستقبلات الأستيل كولبن - Anti-cholinergic)، ويلزمك مراجعة أي طبيب أعصاب أو طبيب عام للتأكد من التَّشخيص وإعطاء العلاج اللازم، كما يقوم بعض المرضى بوضع قطعة من القماش على الوسادة لامتصاص اللعاب الزائد.
الأمر لا يدعو للقلق بمشيئة الله.
وفَّقك الله لما يرضيه، وبارك لك زواجكَ.
ومرحبًا بك ثانيةً في موقع (الألوكة).(115/1)
العنوان: صراع البقاء بين اللغة العربية واللغة القبطية في مصر
رقم الاستشارة: 147
المستشار: سليمان أبو عيسى
-----------------------------------------
السؤال:
أريد أن أعرف كيف انتشرت اللغة العربية في مصر وانقرضت اللغة القبطية، برغم أنها كانت لغة الحياة للناس، وليس من السهل أن يتنازل الإنسان عن لغته؟
-----------------------------------------
الجواب:
حقيقة ثابتة:
قبل البداية نرد على من يزعم أن اللغة العربية فُرِضت على المصريين بالقوة بعد الفتح الإسلامي - بأن مصر تتابع عليها الحكام الأجانب على امتداد تاريخها الطويل من هكسوس وآشوريين وفرس ويونان ورومان.. دون أن يتمكن أحد من فرض لغته على مصر والقضاء على لغتهم الوطنية.. بل تحيا اللغة باهتمام أهلها بها، وتموت بإهمال أهلها لها؛ كما حدث مع اللغة العبرية التي أحياها اليهود في زمن قياسي؛ ومع العربية في الأندلس التي اندثرت بانتهاء العرب في الأندلس.
في البداية؛ يجب أن نعلم أن اللغة العربية لم تكن غريبة على المصريين عندما جاء الفتح الإسلامي؛ فهي تمتد إلى زمن يسبق ذلك؛ لأنَّ كثيرًا من القبائل العربية كانت تقصد مصر إما للتجارة أو للاستقرار.
فكان التجار العرب يأتون إلى مصر ويشترون البضائع اليونانية، ومن المعلوم أن عمرو بن العاص زار مصر تاجرًا قبل الإسلام، واستقرت بعض القبائل العربية في مصر قبل الفتح الإسلامي.
وبعد الفتح الإسلامي بدأ الصراع بين اللغتين العربية والقبطية..ولابد أن نشير إلى العوامل تتحكم في صراع اللغات وتؤدي إلى تفوق لغة على أخرى عند الصراع بين لغتين، وهذه العوامل هي:
- العامل السياسي.
- العامل الاقتصادي.
- العامل الديني.
- العامل الثقافي.
وكل هذه العوامل تعاونت في صالح اللغة العربية خلال صراعها مع القبطية، وعملت على تفوقها والقضاء على اللغة القبطية في مصر.
فبالنسبة للعامل السياسي:(116/1)
فقد كانت القوة في يد العرب؛ فهم الحكام، وقد بذلوا أقصى جهدهم لنشر اللغة العربية مع نشر الإسلام.. ومن الإجراءات التي قاموا بها:
- ازدياد حركة التعريب في الدولة وإحلال العرب أو المسلمين محل الأقباط[1] مما أدى إلى إهمال الأقباط تدريجيًّا دراسة لغتهم وإقبالهم على دراسة العربية لتفتح أمامهم فرص العمل.
- فرض جزية مالية على غير المسلمين نتيجة تحمل المسلمين تأدية بعض الخدمات.
- تتابع هجرات القبائل العربية إلى مصر لأسباب مختلفة بعضها سياسي وبعضها ديني وبعضها اقتصادي؛ ومن ذلك:
• قبيلة (بلي) وبطون من خزاعة وقبائل كهلانية من عرب الجنوب (قبل الاسلام).
• قبيلتا: (لخم) و(قيس عيلان)؛ انتقلتا إلى مصر بأعداد كبيرة منذ بدء الفتح.
• قبيلة (الكنز) إحدى بطون ربيعة، في خلافة المتوكل.
• قبيلتا (هلال) و(سليم) في القرن العاشر الميلادي.
• سلالة جعفر الطيار في القرن العاشر الميلادي.
وأيضا العامل الاقتصادي: الذي يقترن دومًا بالسياسة؛ فالأقباط ازداد نشاطهم التجاري مع العرب، وأيضًا كانوا يحرصون على تعلم العربية حتى ينالوا فرص العمل في وظائف الدولة.
أما العامل الديني فنجد:
1- إقبال الأقباط على الإسلام بكثرة حتى انحسرت نسبة الأقباط وأصبحت في القرن 14 الميلادي عُشر عدد سكان مصر؛ فقد رأى الأقباط حسن معاملة المسلمين لهم بعدما عانوا من ظلم واضطهاد الرومان فشجعهم ذلك على اعتناق الإسلام وتبع ذلك الحياة الإسلامية بما فيها من صلاه وتعلم القران وغير ذلك مما يستلزم تعلم اللغة العربية.
2- شعور الأقباط بالقلق نتيجة لتطاحن وصراعات الفرق المسيحية وتنازع المذاهب فلجؤوا إلى الإسلام لما فيه من طمأنينة وبساطة.
أما العامل الثقافي: فقد كان التفوق بلا شك للغة العربية لعدة أسباب:
1- كونها لغة القرآن، ولغة الحكام آنذاك، وانتشرت في كثير من أنحاء العالم، إضافة إلى ذلك أن لها رصيدًا تراثيًّا ضخمًا من شعر ونثر.(116/2)
2- قدوم الكثير من علماء المسلمين إلى مصر؛ من قراء ومفسرين ومحدثين وفقهاء؛ مما أدى إلى زيادة نشاط الدراسة والبحث بالعربية؛ ومن ذلك (هؤلاء): عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر بن عبد الله، وأبو ذر الغفاري، وسعد بن أبى وقاص؛ فبرع وتفوق الكثير من الأقباط – أي المصريين - على رأسهم عثمان بن سعيد القبطي، المعروف بـ (ورش)، تتلمذ على يد نافع أحد القراء السبعة.
3- إضافة إلى ذلك أن اللغة القبطية - في تلك الفترة - كانت في موقف ضعيف؛ فقد سيطرت عليها اللغة اليونانية واللغة السريانية؛ فقد كانت الأعمال الكتابية المهمة تكتب باليونانية، وكانت السريانية لغة الثقافة وهي المستعملة في جامعة الإسكندرية (عاصمة مصر آنذاك).
4- وقد كان المصريون (الأقباط) أنفسهم غير حريصين على لغتهم القبطية؛ فقد تخلوا عن أحرفهم الهجائية في القرن الرابع أو الخامس الميلادي، واستخدموا حروفًا جديدة معظمها من اليونانية.
أما التحديد الزمني لسيادة اللغة العربية، فكان على ثلاثة مستويات:
أولاً: في القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) أصبحت اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة (لغة الدواوين).
ثانيًا: القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) أصبحت لغة العلم والثقافة لجميع المصريين؛ من أسلم ومن لم يُسلِم.
ثالثًا: القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) أصبحت العربية لغة التخاطب العامة لجميع المصريين، وربما تأخرت بعض المناطق النائية عن ذلك التاريخ، خاصة في صعيد مصر.
وعلى الرغم من أن اللغة القبطية صارت لغة ميتة وشبه مختفية الآن – باستثناء الطقوس الدينية في الكنائس المصرية – إلا إنها تركت أثارًا على اللغة العربية ما زالت موجودة حتى الآن في اللهجة المصرية.
ـــــــــــــــــــــــــ(116/3)
[1] الأقباط مصطلح أطلقه العرب على سكان مصر ولا يدل على ديانة، لكن بمرور الزمن أصبح الآن يطلق على من يدينون بالنصرانية من المصريين.(116/4)
العنوان: صعوبة في النطق
رقم الاستشارة: 3
المستشار: د. هداية أحمد قداح
-----------------------------------------
السؤال:
أنا رجل في الأربعين من عمري، وذو مركز مرموق، ومع هذا فأنا أعاني صعوبة في النطق، خصوصاً إذا كنت تعباً أو لم أنم كفايتي. لذلك أرجو من سعادتكم المساعدة.
والله الموفق
-----------------------------------------
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تذكر أخي أنك حاصل على شهادة دراسات عليا، وأنك في مركز مرموق. ولا يصل إلى هذه المراكز إلا من وقع عليه الاختيار من الرؤساء المباشرين والإدارة العليا، بناء على صفات وسمات معينة يتميَّز بها. ومن هذه الصفات والسمات: القدرة على حسن التصرف واتخاذ القرار، وقيادة الآخرين. ويستبعد من الاختيار من كان لديه ضعف في صفة معيَّنة تؤثر على تعاملاته مع الرؤساء والمرؤوسين والعملاء. لقد وضعت بنفسك تشخيصاً واضحاً جليًّا لما تعانيه من صعوبة النطق لديك، وهو إحساسك بالتعب أو حاجتك إلى النوم. وهذا مايحدث لكثير من الناس. ومن هنا أرى أن تضع لنفسك برنامجاً يوميًّا لأعمالك؛ بحيث تعطي لعملك حقَّه ولبدنك حقه من الراحة، كذلك حاول أن تنفرد بنفسك وتقرأ بصوت مرتفع، وتمرِّن نفسك على النطق الصحيح، ويمكن أن يكون ذلك بمساعدة أخ أو صديق تثق به، بحيث تقرأ أمامه بصوت عالٍ وهو ينبهك على أخطائك في النطق، ويساعدك على تصحيحه.
ثق بنفسك وبقدرتك على التخلُّص من هذه المشكلة، وثابر على العمل بالنصيحة بهمة ودأب، مع الدعاء لله بالتيسير والإعانة.
وفَّقك الله وأعانك، وحقق أملك، وسدد خطاك.(117/1)
العنوان: صغيري 6 سنوات والعادة السِّريَّة
رقم الاستشارة: 199
المستشار: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
السؤال:
أُلاحظ أنَّ وَلَدِي البالغَ من العمر 6 سنوات يمارس العادة السِّريَّة! تكلَّمْتُ معه عِدَّةَ مرَّات، حاولتُ أن أوضِّح أن هذا الفعل يجعلكَ مريضًا، وكنتُ أنا وأبوه نَضرِبُه أحيانًا عقابًا على ذلك، وأحيانًا كنتُ أنصحه إذا شعر برغبته في ذلك أن يَخرُج من غرفته ويلعب مع إخوته، ولكنَّه صغيرٌ ولا يدرك خطورة ما يقوم به!!
وأُعلِمُكم أنَّني لا أسمح لأولادي بمشاهدة التِّلفاز، حتى أفلام (الكارتون)؛ ذلك أنَّني أَعيش في بلدٍ غَرْبِيٍّ، فقط يشاهدون الأفلام الإسلامية الكرتونية، وأنا الآن لا أعرف كيف أتصرَّف معه.
أفيدوني يرحمكم الله.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
أشكرُ لكِ تواصُلَكِ مع موقع الألوكة، وأسألُ الله أن يجعل ابنَكِ منَ الفُرسان الذين يَنصُر الله بهم دِينَه، ويُعلي بهم كِتابَه.
سألْتِنِي عن صغيركِ فارسٍ، وقلتِ: إنَّه يمارس العادةَ السِّريَّةَ, وعمره سِتُّ أعوام!
ونصيحتي لكِ كالتَّالي:
أوَّلاً: امتنعي وأبوه عن ضربه لهذا السَّبب.
ثانيًا: يبدو أنَّكِ مُنْشَغِلةٌ عنه بأمورٍ أُخرى، فوجدتِ أنَّ الحلَّ الأسرع هو ضَرْبُهُ، لذلك لابدَّ من قضاء وقتٍ (نوعيٍّ) معه، وأقصد بالنَّوعيِّ: أن يكون ممتلِئًا بالأنشطة؛ كالرَّسم والتَّلوين، واللَّعب، والقَفْز، والابتكار، وزيارة مواقع (الإنترنت) التي تُغَذِّي هذه الأفكارَ، وتقدِّم طُرُقًا سهلةً لتنفيذها.
وكَوْنكِ تعيشين في أستراليا قد يكون عامِلاً إيجابيًّا؛ فالبيئة هناك مُحَفِّزة ومُشَجِّعة جِدًّا للأطفال لِممارسة الأنشطة والرِّحلات، وتُتِيحُ لهمُ الانخراط في خدمة المجتمع بالأسلوب الذي يناسب صغار السِّن.(118/1)
ثالثًا: ذكرتِ أنَّ أطفالَكِ لا يشاهدون سِوى (الكارتون الإسلامي)، وليس بالضَّرورة أنَّ طفلك يفعل هذا الشيء تقليدًا للتِّلفاز .. تابعي ابنَكِ وانظري: مع مَنْ يَجْلِس؟!
رابعًا - وهذا الأغلب -: أنَّ ابنَكِ لا يمارس العادة السِّريَّة، إنَّما أَمْسَكَ عُضْوَهُ لِيكتَشِفَه، فشَعَرَ بشيءٍ من النَّشْوَةِ، فكرَّر هذا الفِعْل، ثمَّ وَجَدَ كَمْ أنَّه أثار اهتمامكم بهذا التصرُّف - وأنا لديَّ إحساسٌ بأنَّكم في شغلٍ عنه نوعًا ما – أقولُ: وَجَدَكُم قدِ التَفَتُّم إليه؛ فكرَّر فِعْل ذلك.
خامسًا: لا تقلقي، وأَعِيرِي ابنَكِ الاهتمام الذي يَنْشُدُهُ، ولْتُكَلِّفِيهِ ببعض المهامِّ القياديَّة التي تناسبه.
سادسًا: أَشْبِعِيه عاطفيًّا؛ ضُمِّيه إليك، قَبِّلِيهِ، ناديه باسمٍ يُحِبُّه، أَخْبِرِيهِ أنَّكِ تفتقدينه لو غاب عنكِ، هذه كلُّها بدائلُ تمنَحُهُ السَّعادة الحقيقيَّة، التي وجدها فيما أطلقتِ عليه أنتِ: (ممارسة العادة السِّريَّة).
سابعًا: نفِّذي النِّقاط السَّابقة - بالتَّعاون مع والده طَبْعًا - بتخطيطٍ ووَعْيٍ وإدراكٍ منكما، وليس بصورةٍ عشوائيَّة؛ أي: عندما تقضين معه وَقْتًا (نوعيًّا) لمدَّة أسبوع - بمعدَّل ساعة يوميًّا - تابِعِيه: هل ما زال على عادته؟ هل قَلَّلَ منها؟ هل تركها؟ وهكذا عندما تُشْبِعِينَهُ وأبوه عاطفيًّا، هل قلَّل؟ ثَبَتَ؟ زادَ؟ تَرَكَ هذه العادةَ .. لابدَّ من قياس التحسُّن أو التغْيِير، ثم لْتَنْظُرِي: أيَّ الوسائل نفعتْ معه أكثرَ، ولْتستمرِّي وتؤكِّدي عليها.
واستعيني بالدُّعاء دائمًا وأبدًا.(118/2)
العنوان: صفات أود معرفتها عن خطيبي
رقم الاستشارة: 175
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
خطيبي عنده صفات تُقلقني؛ مثل أنه يتوقَّع حدوث خلافات أو مشاكل في حياتنا، كما أنه كثيرُ التَّشاؤُم من المستقبل، كما أنَّنِي أكرَهُ أُسلوبَهُ في طريقة مِزَاحِه معي؛ فهو مزاحٌ قاسٍ، قائم على الانتقاص من شخصيَّتِي، علمًا بأننا متكافئانِ في العمر، وشهادة الدكتوراة الجامعية، والعائلة؛ غير أنَّني حاصلة على عمل وظيفيٍّ في الجامعة، وهو لم يَجِدْ حتَّى الآن، مع العلم أنه من الأوائل في الدّراسة، وقد سألتُ عليه الأصدقاء المقربين، فقالوا إنه من الرجال الملتزمين، وعلى خُلُق، ومتعاوِن مع زملائه، وبارّ بوالديه؛ غيرَ أنهم أخبروني أنَّه كثير وسريع الغضب، وهذا ما لمسته أنا أيضًا، بدأت أقلق، فهل يعاني شيئًا نفسيًّا؟!!
-----------------------------------------
الجواب:
حيَّاكِ اللَّهُ أختي، تبدين - ما شاء الله - شخصية واثقة، ناجحة بحياتك العلمية والعملية.. نسأل المولَى لكِ التوفيق والنجاح أيضًا بحياتك الزوجية المقبِلة بإذن الله.
جيّد أنكِ سألتِ عنه مَنْ حَوْله؛ فهذا يُعطيكِ انطباعًا واضحًا عن شخصيته قبل الارتباط..
يبدو من صفاته التي ذكَرْتِها أنَّه شخصٌ عاطفيٌّ، يُعطِي مَن حوله؛ ولكنَّه – بالمقابل - يتوقَّع مِنْهُم، وهو أيضًا مُحبَط بِسبب ظُروفه! وذلك طبيعيٌّ؛ حيث إنَّه الرَّجُل، ويفترض أن يكون هو الذي يعمل ليس أنتِ، ويُحبِط الرجلَ شعورُه بالعَجْزِ من أيِّ وجهٍ..
بعض الشخصيات تشعُر أن من حولها لا يفهمونها جيدًا، وهذا الشعور يجعلها تحبط سريعًا؛ ربما يعود ذلك إلى قلَّة ثِقَتِهم، أو لعدم قُدْرَتِهم على التَّعبير بِصورة كافية عن أنفسهم.
فحتَّى تستطيعي الارتباط بهذه الشخصية براحةٍ؛ ننصحك بالتالي:(119/1)
• بدايةً تَذكَّري أنه لا يوجد شخص كامل، فقط من المهم أن تعرفي شخصية الطرف الآخر، وتكوني قادرة على فَهمها والتعامل معها، وذلك يحتاج صبرًا ووقتًا بالتأكيد.. لكن المهم أن تقرري ذلك، وتكوني راغبة فيه.
• تذكري أيضًا أن لكل شخص طبيعتَه التي تُمَيّزه، وقد تتباين الطباع أحيانًا، وبالحوار الناجح والتفهُّم نستطيع الوصول لفهم الطرف الآخر؛ فحاولي فَهْمه ومعرفة مداخله، والطريقة التي تؤثر فيه بالحوار، دون أن تنْتَقِديه أو تُقَلِّلي من شأنه؛ لِتَصِلِي معه إلى ما يجعله يتفهم مشاعره بصورة جيدة، ويقلّل من توقُّعاته السلبية، وذلك يحتاج إلى أن تُشعِريه بالثقة، وأيضًا تَحاورا حول طريقةِ حياتِكُما المستقبليَّة، القائمة على رضا الله أوَّلاً، ثم الحب والتعاون ثانيًا بإذن الله.
• والأهم: أن تراعي حدود الله منَ البِداية، واتَّفِقا معًا أن يكون رضا الله غايتَكُما، فحينما نقتصر على الغايات الدنيوية؛ تكون حياتنا قاصرة ناقِصة، تحدّها أسوار الدنيا، ولا تنطلق لآفاق أوسع من الصبر والمودة، التي ننتظر عليها الأجر والمثوبة بإذن الله.(119/2)
العنوان: ضعف الشخصية
رقم الاستشارة: 72
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
دكتور ياسر بكار،
أنا شاب أبلغ من العمر 23 عاماً، وأعيش مع أسرتي، ومشكلتي هي: إنني أشعر بالضعف في أمور مهمة في حياتي، حتى وصل الأمر أن يتدخَّل أفراد أسرتي في كل صغيرة وكبيرة في حياتي؛ مما زاد الطين بِلَّة أن أصدقائي تسلَّطوا عليَّ، حتى أصبحت عُرضة للسخرية وحديث الناس، مع العلم أن كل من يعرفني يمدحني ويثني علي، ومع العلم - أيضاً - أنني أجاهد نفسي وأحافظ علي الصلاة والنوافل الأخرى، حتى لا أُصبح أكثر ضَعفاً، ولكن؛ هل مشكلتي مع نفسي أم مع الناس؟
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم، مرحباً بك دوماً في موقع (الألوكة) وأعتذر عن التأخير في الرد على رسالتك..
ما تعانيه هو مشكلة شائعة لدى الكثير من الشباب، ولكن الخبر الجيد هنا هو أنها مشكلة يمكن التخلص منها، مع العمل والصبر والاجتهاد.
سأطرح هنا بعض النقاط الأساسية في هذا الموضوع:
أولاً: أول ما تحتاجه أخي الكريم هو أن تحب نفسك؛ فحب الذات وقبولها كما هي هو البداية لبناء شخصية متكاملة. شخصية تمتلك الثقة بنفسها وتنظر بإكبار إلى ذاتها وكيانها. هو حب غير مشروط، تماماً كحب الأب لابنه أياً كان هذا الابن.
ثانياً: تَدَخُّل الآخرين في حياتك هو نتيجة لما تعانيه من تردد وضعف ثقة بقراراتك واختياراتك، أريد منك في المرة القادمة أن تكون سبَّاقاً لدراسة الأمر، واتخاذ قرار حكيم ومنع أي شخص من التدخل.. أخبرهم بوضوح: هذه حياتي وأنا حر فيها.. لكن انتبه يجب أن تتأكد من أنك تتخذ القرار الصحيح، ولا تتخلى عن مشورة من لا يعرفك ومن تثق به.
تذكر أن طلب المشورة ممن حولك - بطريقة مبالغ فيها - له آثار سلبية أحياناً؛ إذ يعطيهم الفرصة لكي يتحكموا أكثر في حياتك، وهذا أمر مرفوض.(120/1)
ثالثاً: من المهم أن تراجع بوضوح طريقتك في التفاعل مع السخرية التي يوجهها أصدقائك إليك.. لقد تعرضنا جميعاً للسخرية في فترة من الفترات ولكن السؤال لماذا استمرت السخرية مع البعض ولم تستمر مع الباقين؟؟ والجواب هو طريقة تفاعلك مع السخرية.. فلو أظهرت الغضب والحَنَق والانزعاج من سخرية الساخر، فسيكون هذا محفزاً للساخر لكي يواصل فعله. في حين لو كان تفاعلك هو الضحك وإظهار عدم الانزعاج وكأن شيئاً لم يكن، فستقل تدريجياً، وستختفي بمشيئة الله.
رابعاً: هناك وسائل عدة لكي نزيد من ثقتنا بأنفسنا. لكني وجدت أن أنفعها هو القيام بأعمال يومية إيجابية صغيرة لا يقوم بها الناس عادةً, وبطريقة دائمة ومتكررة, كقيام ليلة، أو صيام نهار، أو الالتزام بورد يومي إضافي من الذَِّكر، أو الصدقة في السر، أو القراءة المركزة في موضوع ما، أو إتقان رياضة ما، أو القيام بعمل يخدم الشأن العام، وغير ذلك كثير. ومن ثم تسجيل هذه الإنجازات في دفتر شخصي. ستصبح مثل هذه الأفعال دليلاً يومياً على أن نفسك تستحق كل الحب والامتنان.
إضافة إلى ذلك؛ يجب أن تسعى - بينك وبين نفسك - نحو التميز في مجال ما في عملك أو دراستك أو بعيداً عنهما.. هذا التميز سيمنحك الرضا عن نفسك وسوف يكسبك مكانة بين الناس.. وهنا أدعوك أخي إلى القراءة ثم القراءة ثم القراءة في الكتب النافعة والمشهورة في تطوير النفس وزيادة فعاليتها, والاهتمام بموضوع معين؛ والتركيز على القراءة فيه؛ والإبداع والتميز فيه.
خامساً: احترام الناس لك يأتي كخطوة ثانية بعد حبك واحترامك لذاتك، ومن السهولة أن تكسب الآخرين حينما تهتم بهم، وتنصت إليهم، وتستشعر ما يهتمون به.. أنصحك بقراءة كتاب الكاتب الأمريكي (دايل كارينجي) (كيف تكسب الأصدقاء؟)؛ ففيه الكثير مما تبحث عنه.(120/2)
أخيراً: تجربتي الشخصية تدلني على أهمية اللجوء إلى دعاء الله عز وجل، قد تستغرب لكني وجدت أن لها مفعولاً هائلاً وهذا أمر لا يحتاج إلى كثير بيان.
وفقك الله إلى كل خير.. ومرحباً بك دائماً..(120/3)
العنوان: طفلي عنيد
رقم الاستشارة: 78
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين،
أحبتي في الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن لدي مشكلة؛ فأنا لدي طفل له من العمر 3 سنين، ولا أدري حقيقة مشكلته، ولكن؛ سأقص عليكم المشكلة وأنتم تشخصونها:
أحياناً يكون خجولاً لدرجة كبيرة خارج البيت؛ فيكون معي لا يفارقني من شدة حيائه وخجله، وأحياناً لا يحب الأماكن المزدحمة، لخجله، وأحياناً خلاف ذلك تماماً؛ يكون شقياً ومشاكساً في الأماكن العامة.
وعند زيارتي لأحد أصدقائي واصطحابه معي يكسوه الخجل إلى أن نرجع، وأحياناً يخجل لبعض الوقت ثم يعود طبيعيّاً؛ فيقوم ويلعب مع الأطفال أقرانه، ويرد على الهاتف بكل جرأة، فإذا تقابلنا مع أحد، فإنه لا يكاد ينطق بكلمة.
أما في البيت: فإنه شقي لدرجة مزعجة؛ فمن ذلك أنه أحياناً يداعبني بشقاوته؛ فعدما يجدني أعمل على النت، يقوم بفصل سلك الهاتف ثم يهرب، ويكررها مراراً فأزداد غيظاً وهو سعيد.
أما العناد، فأحياناً يكون أعند من العناد، بل إنه ثقيل في تعامله؛ فلا يُخدع بسهولة.
فهذه الحالة مجملة، وأتمنى أن يوفقكم الله في معرفة المشكلة وحلها.
وبالله توفيقي وإياكم
وأشكر لكم رحابة صدوركم وتقبلكم مشكلتي.
والسلام عليكم..
-----------------------------------------
الجواب:
مرحباً بك أخي الكريم في موقع (الألوكة).. وشكراً لاهتمامك..
من الواضح أن ابنك يعاني بعض الخجل وهو من المشكلات الشائعة التي يواجهها الآباء في التربية.. أما شقاوته فهذا أمر مقبول للتعبير عن نفسه ولجذب انتباه الكبار إليه، ولا شك أن تنمية ثقة الطفل بنفسه هو أمر أساسي هنا..
وهذه بعض النقاط العملية السريعة التي ستساعدك على التعامل مع طفلك الحبيب:(121/1)
تجنب نقده أمام الآخرين أو الصراخ في وجهه أو إسكاته...
قم بالثناء على كل ما يقوم به من أعمال أو أقوال مميزة؛ اضحك عندما يسعى إلى إضحاكك، استمع له وامنحه الاهتمام.
لا تقل للطفل أنت خجول؛ إذ يكبر الطفل أحياناً وهو يصدق الأقاويل التي كان الأهل يقولونها عنه، مثل خجول، مشاكس، بطيء... وهكذا، لا تطلق الصفات السلبية على الطفل لأنها - على الأغلب - ستلتصق في ذهنه.
شجع الطفل الخجول على الانخراط في النشاطات الاجتماعية، ولا تسمح له طوال الوقت بالاستمتاع بالنشاطات الفردية مثل مشاهدة التلفاز أو ألعاب (الفيديو).
لا تعامل الطفل الخجول بحذر شديد ومتابعة مستمرة، بل كن متفهِّماً لمشاعره، ولكن لا تجعله شغلك الشاغل.
ساعد الطفل على التدرب على مخالطة الآخرين والتفاعل معهم، واجعله يواجه أوضاعاً لم يتعود عليها، وأناساً لا يعرفهم، وأتح له الوقت الكافي لا يتعود على هذه الأوضاع الجديدة ويرتاح إليها، وكلما ازداد تدريب الطفل الخجول على مخالطة أناس لا يعرفهم والتفاعل معهم، خف الخجل بسرعة.
اجعل من سلوكك أنت نموذجاً للسلوك المنفتح (المعشراني) كي يحتذيه طفلك فالأطفال يتعلمون بمراقبة سلوك آبائهم.
درّب أطفالك في البيت على القيام بأدوار معينة؛ فتدريبهم على التصرف الصحيح في أوضاع معينة مفترضة تزيد ثقتهم بأنفسهم؛ فمثلاً إذا كان خجل الطفل يمنعه من مقابلة طفل الجيران، فيمكنك مساعدته على ممارسة محادثات من النوع الذي قد تدور بينه وبين الطفل الآخر عندما يتقابلان.
إخبار الطفل مسبقاً: فالأطفال يجب أن يعرفوا دائماً ما الذي يتوقعونه وما الذي نتوقعه نحن منهم، فمثلاً قبل اصطحاب الطفل للتسوق يجب على الأم أن تقول لطفلها: "نحن ذاهبان الآن إلى محل تجاري، وهناك حلوى كثيرة، ولكننا لن نشتري أياً منها لأننا لم نتناول غداءنا بعد"، حينها سيتوقع ما سيحدث ويعرف أيضاً أنه يجب عليه أن ينتظر إلى ما بعد الغداء.(121/2)
أعدَّه دائماً للمواقف الجديدة من قبل حصولها، كأن تخبره عمَّن سيكون حاضراً، وماذا سيحدث، وساعده على التركيز على الجانب الإيجابي للموقف، وناقش معه ما يريد فعله عندما يصل الضَّيف.
ربما يحتاج إليك طفلك لتُرِيه نموذجاً لطريقة بدء المحادثة؛ فعندما يتجه طفل نحو طفلك يمكنك أن تقول أنت له: أهلا بك ومرحباً، ما اسمك؟ ومع مرور الوقت سيخزِّن طفلك اتجاهاتك هذه وينجح في التواصل مع الآخرين من تلقاء نفسه.
شجع عند الطفل الخجول حب الاستقلالية، والاعتماد على النفس بطريقة تدريجية، وقلل من حمايته الزائدة أو الاستمرار في تدليله، وذلك لكي يستعيد ثقته بنفسه.
إتاحة الفرصة للطفل ليقول: (لا) في المواقف التي يستطيع الاختيار فيها.
لنتعود أن نقول لأطفالنا (لا) برفق ونحن نبتسم، ونتمسك بصرامة وحنان معاً، فهذا شيء مهم جداً؛ لأن من الملاحظ أن كثرة التوبيخ وكثرة الإهانة للطفل وكثرة الصراخ في وجهه، تجعله يسيء الظن بنفسه وبقدراته؛ ولذا فإن الطفل يكرر الخطأ.
هذه بعض الخطوات العملية السريعة، التي أرجو من الله تعالى أن يكتب فيها الفائدة والبركة ومرحباً بك دوماً في موقع (الألوكة).(121/3)
العنوان: طلبي الطلاق: صوابٌ أم خطأ؟
رقم الاستشارة: 29
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا امرأةٌ عمري 33 سنة، تزوجت 13 سنة، وطُلِّقت منذ شهرين ونصف، ولديَّ ابنة عمرها 10 سنة، وابنٌ عمره 10 سنوات.
كنت زوجةً لرجلٍ متعصب، لدرجة أنه كان يكسر أي شيء أمامه في حال الغضب، وكان يهينني لأتفه الأسباب، وفي بعض الأوقات كان يسبُّ ديني صراحةً!!
وكنت في بداية الزواج قد قبلت منه أقل نفقة؛ كما قبلت قبلها الجهاز والعرس المتواضع، كنت إلى جانبه في كل الأوقات، وعندما مرضت والدته مرَّضتُها، وجلست تحت قدميها، وعند موتها أوصته بي، وقالت: "حافظ عليها؛ إنها طيبة"! وأقسمَتْ لي وهى في سكرات الموت أنها تحبني، ودعت لي ألا أرقد رقدتها هذه، والحمد لله أني قد حظيتُ برضاها.
وحتى لا أطيل عليكم، فمنذ بداية زواجي شعرت بأن التزامي يقلُّ، وكان زوجي يجعلني أشاهد معه الأفلام والصور الجنسية!!
وعلى الرغم من أنه كان يصلى الصلوات الخمس، فإنه لم يكن يصلي في المسجد، وإنما كان يصلي في البيت، وكان يؤخِّر الصلاة عن وقتها – أحياناً - ويتركها عدة أيام - أحياناً أخرى - ولا يواظب على صلاة الجمعة؛ لأنه يكون نائماً ولا يستيقظ، كما أنه كان لا يحترم أهلي، ويديم السخرية مني أمامهم؛ فكنت لا أشعر معه بالأمان، وأشعر أنه من الممكن أن يُطلقني!
نعم؛ كان يحكي لي كل شيء، ولا يكتم عني أمراً، ويعرفني كل شيء عن ماله، ولكنني كرهت إهاناته المتكررة، ولم يكن مرادي منه غير كلمةٍ حُلوةٍ، أشعر منها أنه يحبني، فإذا ما قلتُ له: ليكن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدوةً لك في معاملته لزوجاته؛ ردَّ قائلاً: وهل أنتِ مثل زوجاته؟!(122/1)
وكان من أمره معي أنه تركني ذات مرة - ونحن في السعودية - في الشارع مع ابنتي - وأنا مصرية - لأنه أحضر أصدقاءه إلى البيت، وفي اليوم الثاني خرجنا لبعض أمورنا، فقال لي - ونحن بالطريق العام: سيأتي أصدقائي اليوم أيضاً؛ فقلت: ألم يكونوا عندنا أمس؟ فخاصمني، وشتمني، وسبَّ أبي على الرغم من معرفته أن والدي من ذرِّية الحسين بن علي - رضي الله عنهما - أي أننا من آل بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - والحمد لله!!
كان يخاصمني الأيام الطوال، ومع ذلك أبدأ بمصالحته، فيأبى الصلح، ولا يردُّ عليَّ، وكل هذا قد يكون على شيء تافه من شؤون البيت الداخلية.
أُجريت لي جراحة بالمرارة، وكنت أريد أن أذهب لبيتي، فرفض وأصرَّ أن أقيم عند أمي - وهي مريضة - فطلبت مني أمي أن أذهب لبيتي، وقالت له: أريد أن تذهب ابنتي إلى بيتها. وتركني وأمي بغير طعام، وهي مريضة بالسكر، فتعبت مني فجراً، وجاء في اليوم الثاني، فأخذ حقيبتي وحدها وترك أمي ومعها حقيبتها؛ فأمسكت جُرحي، وجريت خلفه، متناسية – قهراً - أمي الكبيرة المسنة التي لم يحترمها.
كان يعيِّرُني بأن أبي لم يجهزني، على الرغم من أنه كان قد رضي بهذا؛ إذ قال – حينها - لوالدي بالنصِّ: رزقي ورزقها على الله.
وقال لي يوماً: سأتزوج عليك، أريد أن أجرب النحيفة، وأنت سمينة؛ فقلت له على سبيل المزاح: حسناً، وفِّر مالاً لجهاز ابنتك أولاً؛ فصرخ قائلاً: وكم دفع أبوك لك لأدفع أنا لابنتي؟
كان دائماً ما يتحدث مع الفتيات عن طريق شبكة المعلومات العامة، ويقدم نفسه باسم فتاة، ويتحدث مع الفتيات وغيرهن، وفي آخر حياتي معه؛ كانت له علاقة بعدة فتيات، وكان هذا يجرحني كثيراً؛ لأن العلاقة الخاصة بيننا لم يكن فيها مشكلة قطُّ، وقد اعترف بذلك بنفسه.
لم يعلِّمني حرفاً من كتابٍ شرعيٍّ، ولا من الدين؛ وإن كان في بعض الأوقات يجمعنا لقراءة القرآن.(122/2)
ولم يكن لي شقة أستقر بها، فكل سنة في مكانٍ وبيت مختلف، وسافر بي إلى السعودية، وبعد أن أكرمنا الله بالشقة والمال لم أستطع الصبر أكثر من ذلك.
كان يقول لي كثيراً: إذا فعلت كذا تكوني طالقاً، أو: إذا أكل الأولاد خارج البيت فأنت طالق، وفي آخر أيام زواجنا كان يتكلم عن الدَّين الذي يدفعه كل شهر من ثمن الشقة؛ لذلك فلا طعام خارج البيت، ولا خروج للترويح عن النفس، كل شيء يُطلب يكون الجواب عليه بالرفض!
قلتُ له يوماً: إني أحتاج إلى من يحتضنني، أريدك زوجاً محبّاً لي؛ فقال لي: لا تطمعي في سماع كلمة حلوة. أحياناً يسمعني بعض الفساق كلماتٍ معسولةً في الطريق، فأخبره بذلك - لعله يغار - فيرد قائلاً: احمدي ربك أنك سمعتِ كلمةً حلوة، لن تسمعيها من زوجك!!
كان الأولاد يسمعون إهاناته لي، وسبَّه للدين، وفي يوم من أيام شهر رمضان الماضي - وقد التففنا حول المائدة؛ ننتظر أذان المغرب - تشاجر الأولاد؛ فقلب المائدة، وسبَّ الدين!! فتعبت، ووجدت أني لم أعد قادرة على الصبر، وقد كانت الأمور بدأت تهدأ إلى حدٍّ ما، لكن نفد صبري وتعبت.
قلتُ له يوماً: إني أشعر بالضيق، وأريد الخروج؛ فقال لي: لا بأس، اضربي رأسك بالجدار!! وكان يقول دائماً: من يسمع لامرأة فليس رجلاً، بل (000)!!(122/3)
كنت قد داومت على تصفح منتدىً إسلاميٍّ، وراسلتُ رجلاً عن طريقه - وأنا أعلم أن ذلك خطأٌ - فبدأتُ أميلُ إليه، وأشعر أنه يفهمني؛ فارتحتُ له، واستشعرت نحوه ميلاً لا ذنب له فيه؛ فهو لم يتحدث معي بشيءٍ قطُّ؛ بل كان يحل مشكلات أعضاء المنتدى، وكان يساعدني على حل مشكلتي، وجعلني أكتب رسالةً جميلة لزوجي، وقال لي: لو أنه يشعر أو يفهم يا أختي؛ سيكون تحت قدميك. ولكنَّ زوجي لم يكترث، ولم يهتم، وكلما سألته: هل قرأت الرسالة؟ يقول لي: لا، لم أقرأها - وهو يجلس على الشبكة بالساعات، ويطلق لنفسه العنان في الكلام مع الفتيات؛ يتحدث ويستمع للأغاني - فوجدت إيماني في نقصان، وبدأت أميل لهذا الرجل، وأشعر بأنه العوض لي من الله؛ لأنه محترم ومتدين جدّاً، ولم يخطئ معي بالكلام، وشعرت بأني ضائعة، ولا أشعر بالأمان ولا الحب ولا الاستقرار.
وبينما كنت أتحدث مع زوجي – يوماً - إذا به يسبُّ أمي؛ فقلتُ: أريد أن أنزل مصر؛ فقال لي: "يا سلام، في ستين ألف داهية، ولكن سفرك من مالك؛ لأنني دفعت في الزواج، ولن أدفع في الطلاق"!!.
ووفقني الله - هناك - لأخت صالحة؛ أعطتني المال لسفري، ولم يعطني هو أيَّ شيء، وطلب مني التنازل عن جميع حقوقي الشرعية، حتى نفقة الأولاد؛ فقلت له: يا سيدي لم يتبق على سفري إلا أيام قلائل، اعتبرني فيها ضيفةً ثقيلةً عليك؛ فقال لي: ومن قال لك أنك غير ذلك؟ منذ زمن وأنت أقل من ذلك، على الأقل الضيف له الإكرام، أما أنت فليس لك إكرام عندي. وتركني أسافر بعد أن قال لي: احمدي ربك أني سأترك معك الأولاد؛ لأنهم يريدون ذلك. وسافرتُ دون أن يوصلني للمطار؛ بل ذهبتُ إلى هناك بليموزين، ووقَّع الطلاق على الإبراء.(122/4)
المشكلة أنه نزل مصر بعد طلاقي بشهرين، قبل عيد الأضحى، وأخبر أولاده أنه سيتزوج أخرى عرفها عن طريق الشبكة منذ طلاقي منه، وأن الزواج في هذا الأسبوع، وأنها فاضلة، وأنها كانت متبرجة وهو الذي أمرها بلبس الحجاب، واتصلت بي الفتاة، فأوقعتني في خطأ كبير؛ إذ دفعتني - بطيبة مني وحسن نية - لأن أخبرها بكل شيء عن حياتي معه، وعن سبب الطلاق، وأوهمتني - وقتها - أنها طيبة، ولكنَّها كانت قد سجَّلت المكالمة وأسمعته إياها!!
وحدثت له قبل الزفاف بيوم مشكلةٌ؛ فاتصلت به وأنا قلقة عليه، لله فقط، فإذا به يرد على مكالمتي بقوله: لا أريد سماع صوتك.
قبل الزفاف بأيام حدَّثت نفسي بأن أعود إليه من أجل الأولاد؛ فمن الممكن أن يكون قد تغيَّر، وشعرت بأني فعلاً أحبه، وأنه عشرة عمري؛ فأرسلت إلى جوَّاله بستِّ رسائل، قلت له فيها إني لا أتخيل نفسي في حضن رجل غيره، وذكَّرْته بأيامنا معاً، الصعبة والحلوة، وقلت له: تذكر أيامي ومواقفي الطيبة، وتعال نتزوج من جديد، ونفتح صفحةً جديدةً، يتقي كل واحد منا فيها ربه في الآخر من أجل الأولاد، وقلت له: تذكر والدتك ووصيتها لك في حقي، تذكر ..، وتذكر ... قلت له كلاماً يحرك الجبل، ولكنه أبداً لم يكترث، وتزوج الأخرى.
نعم؛ طلبت الرجوع إليه، على الرغم من أن الشخص الذي كنت أحادثه في مشكلتي على الشبكة طلب أن يحضر لأهلي ليتزوجني، وهو ليس مصرياً؛ بل بحريني، وظروفه قريبة من ظروفي، ولكن فضَّلت أولادي وحقهم، وألا تأتي أخرى تأخذ حقهم في أبيهم.
وبعد أن تزوج ألَّبته زوجته على أولاده، حتى قال لهم: ليس لكم عندي إلا النقود فقط لا غير.(122/5)
أما أنا فأبكي ليل نهار - ولا أدري لماذا أبكي بحرقة؟ - وأدعو الله أن ينصرني ويعزَّني، وأن يأخذ لي حقي، فبعد أن قال لي إنه ليس معه نقود لأولاده، نزل مصر وأقام حفلاً كبيراً، واشترى لزوجته ذهباً كثيراً، وأحضر لها أغلى فستان، في حين أنه لم يحضر لي شيئاً وقت زواجي، تذكرت ليلة زفافي، وكيف كان مهموماً، وكيف أنه قال لي: لست أدري كيف سنأكل في شهر العسل؟ فما كان مني إلا أن أعطيته ما كان معي من نقود!!
أبكي سني عمري، وعلى صبري، أبكي نسيانه العشرة، وكيف أنه نسي كل خير كان مني، ولم يتذكر إلا كل سيئ، لا أنكر أنني أهملت بيتي بعض الوقت، ولكنني كنت أشعر بالإحباط الشديد، وعدم الأمان.
ساعدوني كي ترتاح نفسي، هل كنت على خطأ أم على صواب في طلبي للطلاق؟ وهل إهانة الزوج - وكل ما ذكرتُ - سببٌ كافٍ للطلاق؟
جزاكم الله خيراً
-----------------------------------------
الجواب:
سيدتي الكريمة:
مرحباً بك في موقع (الألوكة)، وشكراً لثقتك الغالية.
قرأتُ بتمعُّنٍ رسالتك المطوَّلة، وعشتُ معك جميعَ أحداثها، وأعلم كم هو قاسٍ ما مررتِ به من أحداث خلال العشر سنوات الماضية، تلك التي ضاعت مع شخص لا يحترم المبادئ الأوَّلية للحياة الزوجية، ولو جاءت رسالتك هذه قبل الطلاق، لما تردَّدتُ في أن أطلب منك أن تتركيه وتلتفتي لشؤون حياتك.
عندما أمرنا الله - عزَّ وجلَّ - بإقامة رابطة الزواج والحفاظ عليها، وضع لذلك حدوداً، أمرنا بالوقوف عندها، وتوعَّد من تجاوزها، وقد تجاوزها زوجك السابق بكل المعايير؛ فلماذا الصبر عليه والبقاء معه بعد كل هذه المحاولات؟! لم البقاء في كنف شخص لا يحافظ على حدود الله، ولم يتقه أبداً؟! إن الله - عزَّ وجلَّ - لا يقبل أن نُهين أنفسنا أو نعذِّبها؛ بل خلقنا مكرَّمين، وأمرنا أن نعيش كذلك.(122/6)
قرار الطلاق هذا قد يكون فيه كل الخير للأولاد أيضاً؛ لقد أثبتت الدراسات التربوية أن نشأة الأطفال في بيت تسوده الخلافات الزوجية، وينعدم فيه الاحترام المتبادل بين الأبوَيْن، هو أشد ضرراً من العيش في كنف أحد الوالدَيْن المنفصلَيْن، ولا أظن أنَّ جوَّ بيتكم كان صحيّاً لتربية الأطفال وتنشئتهم، وهذا سببٌ كافٍ للانفصال عن زوجك السابق؛ فلا تغفليه.
أعرف أنك تشعرين بمرارة شديدة بعد زواج طليقك، وما يقدِّمه الآن لزوجته مما كان يحرمك إياه، ولكنَّ هذا اكتمال للصورة التي ترسمها أفعاله وسلوكياته الشائنة.
لا تلومي نفسك على ما حدث، بل احمدي الله - عز وجل - على فضله عليك، وخلاصك من حياة قاسية وأليمة لا يقبلها أي عاقل.
والآن نصل معاً إلى السؤال الأهم:
ماذا بعد ذلك؟ ما هو الشيء المهم الآن ..؟
أريدُ منك – سيدتي الكريمة- أن تطوي الماضي المؤلم, وأن تنظري إلى المستقبل.. أعلم أن هذا ليس بالأمر السهل، لكنه ليس مستحيلاً، لقد نجح في ذلك الكثير من قبلك الكثيرون، رجالاً ونساءً، ولابد أن تنجحي فيه أنتِ.
وأريد أن أنبهك إلى أمرين في غاية الأهمية:
الأول: إن من نعم الله – عز وجل- عليكِ ما أكرمكِ به من أطفال، هذه الهدية الغالية يتمناها المئات كل يوم! لا تفرِّطي فيهم، قومي بتربيتهم ورعايتهم وتنشئتهم كما يحب الله ورسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - ابذلي من أجلهم الغالي والرخيص، إن رعايتهم ليست بالأمر اليسير، ولكنها تستحق كل العناء والتضحية، وأبشري بالأجر الكبير عند الله.
الثاني: أنت بحاجة ماسَّة - هذه الأيام - إلى الدعم النفسي، وإلى مَنْ يقف إلى جانبك؛ وانتبهي من أي دعم قد تتلقينه عبر (الإنترنت)، أو من أشخاص لا تعرفينهم، أو عبر تكوين أي علاقات غير واضحة الهدف، وبدلاً من ذلك: مدِّي علاقات الود والاحترام المتبادل مع مَنْ تثقين به من صديقات وقريبات، وكوني خير صديقة لهنَّ.
أخيراً:(122/7)
وفَّقك الله إلى كل خير، ومرحباً بك - دائماً - في موقع (الألوكة).
قومي بترتيب حياتك من جديد، وانطلقي متوكلةً على الله، واحمديه على عونه لك في الخلاص من مرحلة مؤلمة من حياتك؛ ولتكن أيامك القادمة مليئة بالعبادة والطاعة، والمرح والسعادة، والعمل؛ لكسب قوت عيالك، وتأمين حياتك وحياتهم.(122/8)
العنوان: ظاهرة الحبوب المُنَشِّطة .. إلى أين؟
رقم الاستشارة: 132
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، أما بعد:
طُرِح عليَّ سؤال، ولم أجد أي إجابة له في أثناء البحث الذي أقوم به، ولجأت إليكم طالبًا المساعدة، والغرض منه هو إفادة الشباب لكي لا يقعوا في أخطاء، وإليكم نص السؤال الذي طرح:
لقد انتهت فترة الاختبارات في المدارس والجامعات، وهناك ظاهرة انتشرت بكثرة في فترة الامتحانات - وخاصة في السنوات الأخيرة - وهي ظاهرة تناول الحبوب المُنَشِّطَة.
فهل تستطيع أن توضح للسادة زوار الموقع ما الحبوب المُنَشِّطَة؟ وما سلبياتها وإيجابياتها؟ أرجو أن أجد الجواب الشافي والمختصر لديكم.
لكم مني أطيب التحية والسلام.
-----------------------------------------
الجواب:
أخي الكريم، مرحبًا بك في موقع (الألوكة)، وأهلاً وسهلاً.
أشكرك على الإشارة إلى هذا الموضوع، الذي انشغلنا عن التنبيه إليه في وقت الاختبارات، ومع ذلك فأظن أنك لمستَ موضوعًا في غاية الأهمية.
الحبوب المُنَشِّطَة أو ما يُطلق عليه بلغة الشارع (الأبيض)، أو (الكابتجون)، وما نسميه نحن في الطب بـ (amphetamines)، هي إحدى أنواع المخدرات التي تمنح متعاطيها اليقظة والتَّنَبُّه، والقدرة على السهر، مع شعور بالسعادة والارتياح.
ولكن - للأسف - لا تأتي هذه النتائج المُغرية دون ضريبة غالية؛ فالحبوب تتدخل في التركيب الكيميائي للدماغ، وقد تُسَبِّبُ اضطرابات دماغية ونفسيَّة حادَّة ومُزْمِنة.
فأضرار تلك الحبوب على المدى القريب:
تُسَبِّب هذه الحبوب الأعراض التالية:
- القلق والعصبية والحساسية الزائدة.
- تسارع ضربات القلب وارتفاع الضغط.
- قلة الشهية مع انخفاض الوزن.
- أفكار شكَّاكة بالآخرين (بأنهم يراقبون المُتَعَاطِي ويتجسسون عليه).(123/1)
- القيام بتصرفات غير محسوبة كالعدوانية أو الاندفاع مما يكون ثمنه غاليًا.
- زيادة في الحركة، أو الجلوس بهدوء مُبالَغ فيه.
- وقد يَتَطوَّر الأمر إلى توقُّف عمل القلب، والسكتة الدماغية وحدوث تشنُّجات وتشوش الوعي، بحيث يفقد القدرة على التَّعَرُّف على المكان والزمان, وتوقف التنفس والإغماء.
المُشكِلة الأساسية في التعاطي - إضافة إلى ما سبق - هي أن هذه الحبوب رخيصة الثمن، ومتوفّرة بكيفية كبيرة، وتُصنَع في سِريَّة تامَّة ودون رقابة، وقد لاحظ المُخْتَصُّون ظُهُور أَعْرَاضٍ لأذية دائمة للدِّماغ لدى المُتَعاطين، وهو أمر غير مُعتاد، وبعد الدراسات المُكَثَّفَة تَبَيَّن أَنَّ هُناك مَوَاد ضَارَّة للغاية، يتم خلطها مع الحبوب؛ لزيادة مفعولِهَا، كمادة (الإفدرين)، مما يُسبِّب أذية دائمة للدماغ.
وأضرارها على المدى البعيد:
- (التحمل) أي الحاجة إلى زيادة الكمية المتعاطاة، للوصول إلى النتائج المرغوبة، ومن ثم المزيد من الأضرار على الدماغ.
- أعراض مشابهة للفِصام (أو ما يعرف بين العامة بالجنون)؛ حيث تظهر على المريض الضلالات - أي الإيمان الثابت بمعتقدات غير صحيحة، كأن الناس يراقبونه ويتسببون في أذيته - والهلاوس السمعية والبصرية وغير ذلك.
وقد رأينا - خلال عملنا - الكثير من الشباب الذين أغواهم أصدقاء السوء بتناول حبة من الحبوب المنشطة، وانتهوا إلى الجنون، والحاجة إلى الإقامة الدائمة في المستشفيات النفسية.
- ما تسببه من أعراض الاكتئاب عند التوقف عن تناولها، مع ما يصاحبه من أفكار انتحارية، واضطراب في النوم.
نصائح مُهمة:
- الخطوة الأولى في طريق الإدمان تبدأ بمصاحبة أصدقاء السوء، وعادة ما يبدأ الإدمان عبر تجربة مثل هذه الحبوب في الاختبارات، أو مع السفر الطويل، أو وضعه في الشاي للشخص المراد إغوائه.(123/2)
- مع السعادة التي تمنحها الحبوب يسعى الشخص إلى تجربتها ثانية وثالثة ومن ثم الإدمان عليها والحاجة إلى زيادة الكمية لبلوغ الحالة المطلوبة وهذا بالطبع يترافق مع الأعراض سابقة الذكر.
- يقود الإدمان على مثل هذه الحبوب إلى تجربة غيرها، لمعاكسة مفعولها أو تعزيزه، وهذه هي البوابة الذهبية للإدمان على الخمر والهروين والكوكائين.
- الإدمان هو أسلوب حياة قائم على السعي إلى نيل السعادة من مصادر خارجية مهما كان الثمن، وطريقة الحياة هذه خطيرة، وتقود إلى العديد من المشكلات.
إن الحياة الصحيحة هي الحياة التي تمنحنا السعادة من الداخل، عبر الإيمان بالله وصدق التوكل عليه، وعبر العديد من الإنجازات التي نحققها ونفتخر بها، وعبر المساهمة في حياة الآخرين بطريقة إيجابية.
هذه أفكار عامَّة عن هذه الحبوب المُنَشِّطة، التي تقود متعاطيها بسهولة إلى الأمراض النفسية والدماغية، وتُدَمِّر حياة المدمن عليها.
أشكرك أخي على إثارة هذا الموضوع المهم، وتَقَبَّل تحيات موقع (الألوكة).(123/3)
العنوان: عادة كلامية أود التخلص منها!
رقم الاستشارة: 131
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أوجه سؤالي للدكتور ياسر عبدالكريم بكار
ولكن في البداية أشكرك دكتور ياسر على وقتك وجهدك وإرشادك وأشكر موقع الألوكة.
بدأت العمل مؤخراً كمتدربة ولكني أود التخلص من عادة بدأت تضايقني وهو أنني أثناء العمل عندما أخطئ أو أظن أنني أخطأت أقول بصوت عالي (توتوتو ) أو (أوبس أوبس ) وفي الحال يرد علي زمملائي لا عليك الأمور بخير. أنا اعتدت على فعل ذلك لأني أحب التعبير عن ذاتي وأحياناً أكلم نفسي أمام الآخرين ولكن هذا لا يزعجني فهذا يحدث فقط عندما اندمج جداً أو استمتع بعملي . أريد التخلص من هذه العادة لأني أخشى أن يظن زملائي بأني أفقد أعصابي ولكن الواقع أنني مندمجة جداً في عملي بحيث أضع كل حواسي فيه. قررت أن لا أقول (توتوتو ) أو (أوبس أوبس ) ولكن القرار لم يكن كافياً، أرجو أن تدلني على خطوات عملية.
وجزاك الله خير
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة، مرحبًا بك وأهلاً وسهلاً.
الشكر لله أولاً وأخيرًا ثم للإخوة القائمين على موقع (الألوكة) على مثابرتهم، وجِدِّهم، واجتهادهم، وفَّق الله الجميع لما في خير الإسلام والمسلمين.
خلال عملي في أماكن كثيرة, ألاحظ بشكل متكرر أن لدى البعض عادات كلامية وحركية خاصة بهم, ولا يمكن أن أعتبرها سيئة أو حسنة، بل هي مميزة لهم وحسب، وأظن أن ما تشكين منه يقع في هذا الإطار.
تَذَكَّرِي أنك لست بحاجة لتغيير عادة طبيعية، ومقبولة اجتماعيًّا، وتجدين أنها من طبيعتك ولا تسبب إزعاجًا لكِ، كوني على طبيعتِكِ؛ فهذا شيء رائع، لا تنشغلي بما سيقوله الناس أو ما سيعتقدونه؛ إن الإحساس بالاستقلال، والشعور بعدم الحاجة إلى إرضاء الآخرين من السمات الشخصية المميزة، والتي تدل على قوة الشخصية ونضجها.(124/1)
كما أن وجود بعض الإيماءات التي تدل على الاندماج في العمل هو أمر إيجابي؛ إذ يعتقد بعض الخبراء أن مثل هذه الإيماءات تساعدنا على الدخول في حالة الاندماج - وهو أمر إيجابي بلا شك - بشكل أسرع بمجرد تذكرها.
أما إذا شعرت برغبة خاصة بك لتغيير هذه العادة، فمن الشائع استخدام "جدول النجوم"، وهو الجدول الذي نراقب فيه مدى التزامنا بتكرار هذه العادة المراد تغييرها لعدد معين تقومين بتحديده كل يوم، نفرض أنك ستكررين هذه العادة خمس مرات فقطْ هذا اليوم، ثم قومي بتقليل هذا العدد كل أربعة أيام بالتدريج، وكافئي نفسك عند نجاحك في الالتزام بالعدد المحدد كل أسبوع، بأن تقومي بشيء محبب إليك - الخروج في نزهة أو زيارة صديقة أو..- وهكذا بالتدريج ستجدين أنك تخلصت من هذه العادة.
أشكرك ثانية على ثقتك بموقع (الألوكة)، ومرحبا بك دائمًا.(124/2)
العنوان: عقد الزواج الذي لم يوثق
رقم الاستشارة: 13
المستشار: لجنة الإفتاء بالموقع
-----------------------------------------
السؤال:
ما حكم زوجين تم عقد قرانهما بإذن الولي، وبعد عقد قرانهما سُئل والد الزوجة عن الزوج، وتابع القيل والقال - وأصل القيل ليس صحيحاً أبدًا - فرفض الأب أن يكمل إجراءات استخراج الأوراق الثبوتية للعقد، وذلك بعد أن أشهر الزواج للأهل والعامة. فماذا نفعل? أفيدونا جزيتم خير الجزاء.
رسالة من الزوجين ،الزوجة تتساءل: والدي طلب منى أن أطلب الطلاق من زوجي وإلا فلن يرضى عني. وأنا أعلم أنه بريء تماماً مما قيل عنه، ماذا أفعل؟
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر من السؤال أن عقد النكاح قد تم؛ ولكن لم يدوَّن في الملفات، فإذا كان الأمر كذلك، فالنكاح صحيح، ما دام العقد قد تم بشروطه الخمسة المعروفة، وهي:
الأول: تعيين الزوجين.
الثاني: رضا الزوجين.
الثالث: قبول الولي؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا نكاح إلا بولي))؛ رواه أحمد وأبو داود، وللحديث: ((أيما امرأة نُكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل))؛ رواه أحمد وأبو داود. وأحق الأولياء بتزويج المرأة والدها.
الرابع: الشهادة عليه؛ لحديث: ((لا نكاح إلا بولي، وشاهدَي عدل))؛ رواه ابن حبان والدارقطني والبيهقي، من حديث عائشة وابن عباس وابن مسعود.
الخامس: خلو الزوجين من موانع النكاح، من نسب أو سبب: كرضاعة، أو مصاهرة، أو اختلاف دين، أو أحدهما في عدة، أو أحدهما مُحْرِماً.
هذا؛ وعدم تدوين النكاح في السجلات الحكومية لا يؤثر في صحته، إلا أنه قد يترتب على ذلك مفاسد كثيرة.(125/1)
أما طاعة الوالد؛ فإن الأخت السائلة لم تبين لنا وجه اعتراض الوالد على توثيق العقد، وطلبه للطلاق؛ لننظر فيه، وهل هو اعتراض صحيح يقرُّه الشرع - كأن يتبين له كفر الزوج، أو أنه زانٍ، أو شارب خمر، أو ما شابه ذلك من الأسباب التي تجيز للمرأة ولأوليائها طلب الطلاق أو خلعها منه؟- فإن كان الحال كذلك فأطيعي والدك؛ فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الطاعة في المعروف)). متفق عليه من حديث علي بن أبي طالب.
وأما إن كان اعتراضه لغير ذلك؛ وإنما هو غضب لأعراف باطلة – مثلاً – لا يقرها الشرع، أو من أجل وشاية لم يتبين صحتها كما يظهر من سؤالك، أو لأمور جاهلية منكرة؛ ففي تلك الحال لا طاعة له عليك؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما ثبت في مسند أحمد: ((لا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل)). وطلب الطلاق حينئذ ليس من المعروف في شيء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير بأس؛ حرَّم الله تعالى عليها الجنة)). رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنه وابن ماجه، وصححه الحاكم عن ثوبان. والله المستعان، وهو الموفِّق لكل خير، والله أعلم.(125/2)
العنوان: علاج الوسواس القهري
رقم الاستشارة: 34
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا طالبة مدرسة، كثيراً ما تراودني وساوس الشيطان عن العذرية، وكيف تُفْقَد، وأهلي متحفظون، وأنا حقّاً أستحي من سؤال أمي أو أخواتي.
لكنني كثيراً ما أسمع أنه يمكن أن ينفضَّ غشاء البكارة بسرعة كبيرة، فأصبحت أخشى فقدانه إذا فكرت بذلك، وأخشى أن يكون ذلك صحيحاً، فماذا عليَّ أن أفعل لأتخلص من تلك الأفكار؟ أم أنه حقّاً قد يُفقد مع الاستثارة والتفكير بالأمر؟؟
شكراً، وجزاكم الله خيراً.
-----------------------------------------
الجواب:
الابنة العزيزة:
مرحباً بك في موقع (الألوكة)..
إنه من النضج والفهم أن تبحثي عن حل لمشكلة تواجهك؛ فأبارك لك هذا التميز - ما شاء الله.
أرجو أن تقرئي معي النقاط التالية:
- ليس من السهل فض غشاء البكارة، لا عن طريق التفكير، ولا عن طريق الاستثارة، ولا بغيرها من الوسائل الظاهرية؛ فكوني مطمئنة.
- أودُّ أن أسأل: هل تشعرين بضغط هذه الأفكار عليك، أي: أفكارك حول غشاء البكارة؟
بمعنى آخر: هل تحاولين جاهدةً طرد هذه الأفكار، وإقناع نفسك بكل الحجج, ومع هذا تبقى ملحَّةً عليك، وتعاودك مرةً بعد أخرى؟ هل تشعرين بصعوبة في مقاومة التفكير في هذا الأمر؟ إذا كانت الإجابة: نعم؛ فنحن هنا نتحدث عن صورة من صور مرض نفسي معروف، هو (الوسواس القهري).
السؤال الثاني: هل تشعرين بأن هذه الأفكار بدأت تؤثِّر في حياتك؟ بمعنى: أنك تشعرين بالتعب، وتصرفين وقتاً طويلاً في التفكير فيها، على الرغم من محاولتك لإبعادها عن ذهنك؟ إذا كان الأمر كذلك؛ فيجب أن تزوري أحد الأطباء النفسيين؛ للتيقُّن من التشخيص، وإعطائك العلاج المناسب.
أما إن كانت هذه الأفكار هي مجرد خواطر عابرة، وقلق وتفكير بين حين وآخر؛ فهذا أمرٌ طبيعي، وكل ما يجب فعله هو أن تطمئني؛ فلا شيء يدعو للقلق في هذا الموضوع.(126/1)
انطلقي في حياتك تعلماً وطاعةً لله - عزَّ وجلَّ - ولا تنسي أنَّ أمة الإسلام بحاجة ماسَّة إليكِ أنت؛ فلا تخذليها..!!
أرجو أن تنضمي لأسرة موقع (الألوكة)، وأن تتابعي كل جديد في هذا الموقع،، وفَّقك الله إلى كل خير، ولك كل التقدير.(126/2)
العنوان: عندي طموحات كبيرة .. لكن تحصيلي متجمِّد
رقم الاستشارة: 173
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
هناك مشكلة لا أدري حجمَها، فهناك طموحاتٌ وأهدافٌ - وبنية قويَّة - لتحقيق درجات عالية في عالمي المدرسي، فأنا لديَّ طموحٌ أن أُحصل درجات عالية؛ أنفع بها ديني فيما بعدها، وأكون قدوةً في مركزي، علمًا بأنَّ قوتي تغلب قوة مَنْ حولي في عملي، لكنَّ تحصيلي في جمود وتدنِّي، وأنا الآن في مرحلة التوجيهي، ولم تكن درجاتي في مرحلة العاشر وما قبله جيّدة، وكان قد بدأت تتحسَّن، ولكنها الآن تجمَّدتْ على الرغم من أنَّها مرحلة أخيرة، حتى إنَّنِي أضع الجداول لدوام المذاكرة، وأقُومُ بِتَحَدِّي نَفْسِي وشحْذِها، لكِنْ سُرعانَ ما تَخْتَلِفُ مشاعري وتتشتَّت أفكاري؛ فلا أستطيعُ أن أُكْمِل المُذاكرة، أوِ الدوامَ على الحفظ أو التحليل، وقد لا يكون على بدء المُذاكرة إلا قليلٌ أحيانًا. فما السبيل والحلُّ؟
جزاكم الله خيرًا.
-----------------------------------------
الجواب:
أخي الكريم:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،، حيَّاك الله، ونشكر لك ثقتك بالموقع.
وجود شبابٍ طَموحٍ حريصٍ على أن يضع بصمةً مميَّزةً تنفع الإسلام والمسلمين - يجعلنا نشعر بالفخر، ونأمل خيرًا في مستقبل الإسلام بإذن الله. حرصُكَ وطموحُكَ أمرٌ يستحقُّ الإعجاب حقًّا .. وبإذن الله تحقِّق أعلى الدَّرجات بالدَّارَيْن، ولِتَصِلَ لهذا؛ ننصحُك بالتَّالي:
- تذكَّر أنه لا توجد وصْفة سحرية ستجعلك تتجاوز المشكلة فورًا، وتصبح من المتفوقين دون جهدٍ، ودون أن تعطيها حقَّها من الوقت!
- عليك بالإخلاص دوْمًا في كلِّ أعمالكَ، وقد لفت نظري قولُكَ إنَّك ترغب بتفوُّقكَ أن تفيد دينَك .. جدِّدْ نيَّتَك دومًا، ولا تغفل الدعاء، واحرص على ألاَّ تقصِّر في عباداتك؛ فهي التي ستقويِّك أكثر.(127/1)
- ثِقْ بِنَفْسِكَ، وبِأنَّكَ قادِرٌ - بإِذْن الله - ما دمت قد وضعت هدفًا لنفسكَ، لكن في الوقت ذاته كُنْ واقعيًّا، ولا تَضَعْ هدفًا يُخالِفُ قدراتِكَ تمامًا.
- اهتمَّ بنومك وأكلك؛ أن يكون صحيًّا يقوِّي جسدك، ويعينك على أن تركِّز أكثر، واختَرِ الأوقات التي تكون بها في كامل نشاطك للدراسة؛ لتكون أقدر على التركيز.
- كُنْ واعيًا لأفكاركَ ومشاعركَ وطريقة تعاملكَ مع الأمور، فقد تشغلك أمورٌ تمرُّ بها بحياتك، وتُعيقُكَ عن التركيز في الدراسة، وتجاهلها سيجعلك لا تستطيع التركيز أيضًا، أمَّا فهمها ووعيك بها - فإنه سيساعدك على تجاوزها والتركيز على الأهم بالنسبة لك.
- ادرسْ أوَّلاً بأول، واحرِصْ على فَهْم المعلومات والاستفادة منها .. لا تجعل تركيزك على الدَّرجات فَقَطْ، ولا تخجل من السؤال عمَّا يستشكل عليك من المعلومات، والاستعانة بأهل العلم.
- ارتبط بأصحابٍ يعينونك وتتنافس معهم، الارتباط بأشخاصٍ يشاركوننا الأهداف يُعِينُنا كثيرًا؛ كمتسلِّقي الجبال حينما يرتبطون بحبلٍ واحدٍ، حينما يقع أحدهم يجذبونه ليعود للسَّيْر معهم مجدَّدًا.
- تخيَّل مستقبلكَ كيف سيكون لوِ استطعت تجاوُزَ هذه المرحلة بتفوّق؟!
- ضَعْ خطَّتك أمام عينك؛ لتسير إليها بخطًا واثقةٍ متوكِّلة على الله.
وفَّقكَ الله ونَصَرَك، وأعزَّ بك الإسلام والمسلمين.(127/2)
العنوان: غيرة أخوات خطيبي
رقم الاستشارة: 49
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا فتاة عمري 24 سنة، أهل خطيبي يشعرون تجاهي بالغيرة الشديدة - وخصوصاً أخواته البنات – علماً بأن خطيبي يحبني.
ولكن؛ حدثت مشاكل بيني وبين أخت خطيبي؛ فجاء والده إلينا، وأخبرني بأنه سينهي موضوع الخطوبة، فاتصلت بخطيبي وأخبرته بما حدث من والده؛ فأخبرني أن والده يتكلم في لحظة ضيق.
أنا محتارة أأتمم الموضوع أم أنهيه؛ لأني قلقة من المشاكل بعد الزواج؟ أفيدوني؛ فأنا في حيرة، ولكم جزيل الشكر.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة.. أهلاً وسهلاً بك في موقع (الألوكة).. وشكراً لثقتك الغالية..
إنها قصة قديمة تلك الغيرة بين الزوجة وأخوات الزوج، ولكني لا أصدق أن هذا يحدث دون سبب واضح أو خفي.. وسيكون مهمّاً – بلا شك – البحث عن السبب في كيدهم لك من وجهة نظرهم..!!
كوني موضوعية، واقبلي نقدهم، إن كان صحيحاً ومنطقياً..
هناك بعض العلامات التي ستساعدك على اتخاذ ذلك القرار المهم في حياتك:
أولاً: مدى قوة شخصية زوج المستقبل، وإلى أي حد يستمع إلى أقوال أهل بيته.. وكيفية استجابته للمشكلة التي وقعت؛ فحبه وحده لا يكفي، إن لم يكن رجلاً قوياً يدافع عن الحياة الزوجية ويحفظ إسارها.
ثانياً: طبيعة المشكلة التي ثارت مؤخراً؛ هل المشكلة على قضية مؤقتة، أم إنها على قضية قد تشتعل في أي لحظة؟
ثالثاً: سمعة أهل الزوج بين الناس؛ هل هم من صناع المشاكل، أم هذا حدث منفرد قد يحدث لسبب أو لآخر؟
برغم كل ما حدث، لكن؛ أريد أن أذكِّرُك أن هناك العديد من الأزواج الذين عانوا مشاكل مشابهة لذلك، وهم يعيشون حياة جيدة الآن، بعد أن تقاربت القلوب، أو - على الأقل - ابتعدوا وحافظوا على حياتهم الزوجية..(128/1)
ليس لأحد الحق بأن يقرر في مسار حياتك بدلاً منك؛ اختبري العلامات الثلاث التي ذكرتها، وفكري بعمق، واستعيني بأهل الرأي.
وقبل ذلك وبعده، استخيري الله - عز وجل - فهو خير هاد ومعين. والله يحفظك ويهديك.
ومرحباً بك دوماً في موقعك (الألوكة).(128/2)
العنوان: فائدة متعلقة بأحاديث الصحيحين
رقم الاستشارة: 138
المستشار: الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
-----------------------------------------
السؤال:
وقفت على فائدة حول ترجيح أحاديث الصحيحين على غيرهما يقول العراقي في التقييد والإيضاح (522/1): إنما يُرجَّح بما في أحد الصحيحين على ما في غيرهما من الصحيح حيث كان ذلك الصحيح مما لم تُضَعّفْهُ الأئمة, فأمَّا ما ضعفوه كهذا الحديث فلا يقدم على غيره لخطأٍ وقع من بعض رواته.
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فما ذكره الحافظ العراقيُّ قد ردَّهُ وخالَفَهُ فيه كثيرٌ من أهل العلم؛ حيثُ ردّوا على الدراقطني تضعيفَهُ لبعض أحاديث الصحيحيْنِ في كتابه "الاستدراكات والتتبع"، ومن أحسن ما كُتِبَ في دَفْعِ تلك الاستدراكات: الإمام النووي في شرح مسلم فدفع ما استدرك على الإمام مسلم، والحافظ ابن حجر في الفتح حيث دفع ما راعه منِ انتقادٍ للصحيحَيْنِ جُمْلةً ثُمَّ تَتَبَّع المواضع المنتقدة على البخاري تفصيلا.
قال الشيخ حافظ ثناء الله الزاهدي في رسالة "أحاديث الصحيحين بين الظن واليقين": وجملة ما استثنياه - ابن الصلاح وابن حجر- منها على نوعين:
الأول: ما انتقده الحفَّاظ كالدَّارقطنيِّ وغيرِه. بدليل أنه لم يقع عليه الإجماع المفيد للقطع.
استثناه ابن الصلاح ووافقه على ذلك ابن حجر.
الثاني: الأحاديث التي وقع التعارض بينها حيث لا ترجيح؛ لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما على الآخر.
وتفرَّدَ بإخراج هذا النوع من أحاديث الصحيحين ابْنُ حجر، ولم يُؤْثَرْ عن أحدٍ غيره منَ المحدّثينَ، حسب معرفتي.
وهذا الاستثناء بنوعيه لا نراه صحيحًا.(129/1)
أمَّا النوع الأول: فلأنَّ انتقاداتِ الدَّارقطني وغيره من الحفاظ تَتَوَجَّهُ إلى الأسانيد والمتون سالمة من النقد، كما سبق تقرير ذلك، ومحلُّ الإجماع هو المتون لا الأسانيد.
وعلى تقدير توجُّه هذه الانتقادات إلى المتون لا يلزم أيضًا إخراجُها من جملة ما وقع عليه الإجماع.
وذلك لأنَّ الدارَقطنيَّ وغيرَهُ طائفة قليلة جدًّا نسبة للمجمعين على صحة أحاديث الصحيحين، والمخالفة الضَّئيلةُ لا تَقْدَحُ في انعِقاد الإجماع عند الجمهور من الأصوليين كما صرَّحَ به الحافظُ بدْرُ الدّينِ العَيْنِيّ.
وأمَّا ما استثناه ابْنُ حجرٍ مِمَّا ظاهِرُه التَّعارُضُ مِنْ أحاديث الصحيحَيْنِ فَلَيْسَ بِصحيحٍ أيضًا في رأينا لوجوه:
أولاً: أنَّ التَّعارُضَ قَدْ حَصَلَ بَيْنَ بعض الآيات أيضًا في رَأْيِ بَعْضِ الفقهاء ولم يَحْكُمْ أحدٌ عليها بِظَنِّيَّةِ ثبوتها بمجرد هذا التعارض، بل استمرَّ الحُكْمُ بِقَطْعيَّة القرآنِ كُلِّهِ على حَسَبِ اتّفاقِ الأُمَّةِ وَإِجْماعِهَا على ذلك.
فهذا يَدُلّ على أنَّ انتزاع حكم القطعية عما وقع الإجماع على صِحَّته استنادًا على وقوع التعارض في ظاهر النظر مرفوض عند العلماء في حق القرآن.
فوجب أن يكون في حَقِّ السّنَّة مرفوضًا أيضًا لعَدَمِ وُجودِ الفارِقِ المؤثر بينهما في الوصف المذكور.
ثانيا: ذَهَبَ الإمامُ الشَّافِعِيُّ وغيْرُه من المُحَدّثين إلى أنَّ الحديث إذا كان صحيحًا على شرط المحدثين لا يكون مخالفًا للكتاب أبدًا، أمَّا التعارض بين الأحاديث فأجاب عنه الإمامُ الشافعيُّ - رحمه الله - بقوله: ولم نجد عنه حديثين مختلفين إلا ولهما مخرج، أو على أحَدِهِما دلالة بأحد ما وصفت، إما بموافقة الكتاب، أو غيره من السنة، أو بعض الدلائل.
وقال ابن خزيمة: لا أعرف أنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثان بإسنادين صحيحين متضادَّين فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما.(129/2)
فدعوى ابن حجر بالتعارض حيث لا ترجيح مرفوض بتصريحات هؤلاء الأئمة.
ثالثا: أنَّ الحافِظَ ابْنَ حجر عندما اختار استثناءَ ما ظاهره التعارض كان عليه أن يعين ذلك، ويشير إلى الأحاديث التي هي متعارضة تعارُضًا لا يمكن دفعه أصلاً، من أي وجه من الوجوه؛ لتكون بين عيني الحفاظ المتأخرين عنه، ولتجريَ عليها أسس البحوث والمناقشات كما جرت على انتقادات من انتقدها قبل، فتأتي بالنتيجة النهائية، إمَّا الحكم عليها التعارض حقيقة، وإمَّا الحكم بالذهول، والقصور، والعجز على مدى ذلك التعارض.
لأن العقول تتضاربُ، والمدارك تتباين، والمراتب العلمية تتفاوت، فرب دليل يتعارض عند أحد، مع أن غيره يجد له محملاً صحيحاً" ا . هـ،، والله أعلم(129/3)
العنوان: فسخت خطوبتى
رقم الاستشارة: 83
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
كانت خطبتي منذ أسبوعين وفسختها، خطيبي طالب المبلغ الذي أنفقه في القاعة، وفى تأجير الفستان والحذاء، وشراء الورد ... فهل من حقه أن نعطيه المبلغ؟ ويطلب قفص ببغاء وحوض سمك أعطاهما لي هديه؛ فهل من حقه طلب أشياء تافهة مثل ذلك، ودخوله وخروجه أمام الجيران بدون ثمن؟!
فهل نعطيه المبلغ أم ماذا نفعل؟!
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة.. مرحباً بك دوماً في موقع (الألوكة)..
أسأل الله العظيم أن يعوِّضك خيراً، وأن يُسَدِّد رأيكِ وخطاكِ ويهديكِ سواء السبيل..
أما عن سؤالكِ: فمثل هذه الأمور تخضع للعُرف المتَّبع والمتداول بين الناس في منطقتكم، وأفضِّل - سيدتي - أن تعيدي له كل الأغراض غير المستهلَكة، التي كان قد أهداك إياها (كالقفص وحوض السمك)، أما ما سواها فاسألي فيها كبار أسرتك وحكمائِها وسيخبرونكِ بما يجب أن تفعلي.
ختاماً.. أريدك أن تتفحصي قلبك، وما تحملينه تجاه خطيبك السابق، وكل ما يمت له بصلة؛ فليس من سمات المسلم حمل الحقد في قلبه على أي شخص مهما حدث، ويبقى التسامح هو البلسم، والعلاج الشافي لأحداث الحياة وكرباتها.
وقاكِ الله من كل سوء, ووجهك إلى كل خير في كل زمان ومكان.
ومرحباً بك دوماً في موقع (الألوكة)..(130/1)
العنوان: في بيتنا دش
رقم الاستشارة: 57
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا شاب مستقيم ولله الحمد، ولي الكثير من الصحبة الصالحة، إلا أن في بيتنا (دِش)، يشاهده جميع من في المنزل من رجال ونساء، حيث إنه يجلب الموسيقى والأفلام المحرمة، التي تبث الفحش والتبرج والسفور، ففي بعض الأحيان أحاول إنكار مثل هذه المنكرات لكني لا أستطيع، بسبب والدتي التي تمنعني، وتقوِّي الآخرين على الاستمرار في المنكر.
ففي بعض الأحيان تراودني أفكار بترك المنزل، وعدم الرجوع إليه؛ لما فيه من منكرات تُغضب الله عز وجل.
فأرجو من الله ثم منكم، التوصُّل إلى حل لمشكلتي التي قد أتعبتني كثيراً.
-----------------------------------------
الجواب:
مرحباً بك سيدي الكريم.. وأهلاً وسهلاً في موقع (الألوكة)..
عندما تأملت في رسالتك، جاءني شعور بأن الأمر في بيتكم لا يقتصر على (دِش) تريد إخراجه من منزلك وتحمي أخوتك من شره، بل إن الأمر أكثر من ذلك، ما يحدث في أسرتك هو عدم رضا من أسلوب تواصلك معهم، هناك غضب من طريقة نظرتك إليهم وتعاملك معهم.
صدقني لا يوجد أم تدعو أبناءها للمنكر، لكنها – عبر مقاومتها لك - تريد أن ترسل رسالة واضحة، مفادها: إنها غير راضية عن تفاعُلك داخل هذه الأسرة.
سيدي الكريم، لا أحد يناقشك في خطورة (الدِّش) غير المنضبط، لكن ما أريدك أن تهتم به في الشهرين القادمين هو أن تنسى أمر (الدِّش)، وتهتم بتعزيز مكانتك في البيت، وبناء صورة إيجابية لك، من خلال القيام بعشرات الأفعال الإيجابية؛ كالتعاطف مع من يمر بأزمة، والسؤال عن أحوال أخوتك بعد عودتهم من المدارس وجلب الأكلات اللذيذة، وابتكار (المفاجآت) الممتعة لجميع أفراد العائلة، والقيام بكل ما يدخل السعادة والحبور على قلوبهم وأرواحهم.(131/1)
أخيراً؛ في أعماق الناس خير كبير ونبع حب لا ينضب، وكل ما نحتاجه هو أن نفجِّره ليفيض خيراً وعطاءً، أما الهروب فلم يكن يوماً منهجاً للأنبياء والمصلحين، ومع إنه أسهل الطرق لكنه الأكثر ضرراً.
وفقك الله لكل خير، ومرحباً بك في موقعك (الألوكة) في كل حين.(131/2)
العنوان: قراءة الإمام بقراءة أخرى
رقم الاستشارة: 209
المستشار: يسري حسين محمد سعد
-----------------------------------------
السؤال:
صليت المغرب في مسجد كبير بالقاهرة، فإذا بالإمام يقرأ بقراءة غير رواية حفص، وكان يقرأ في سورة الغاشية، هكذا: (.... الغاشية، .... خاشعة، .... ناصبة، .... حامية) يقرأ الحرف الذي قبل التاء المربوطة بالكسر أو الإمالة كما يقولون، وقد تتبَّعت الشيخ؛ فوجدته فعل ذلك مع كل حرف قبل التاء التي يقف عليها في كل السورة، ولم أجده قرأ أية آية أخرى بخلافٍ عن رواية حفص؛ فما قراءة هذا الشيخ؟ وهل التزم فعلاً بهذه القراءة من كل وجه؟ وجزاكم الله خيرًا.
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،
أخي السائل: الحال التي ذكرت تُبَيِّن أنَّ الإمام كان يتلو القرآن بقراءة الكسائي، وهو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبدالله النحوي، المعروف بالكسائي، مات سنة تسع وثمانين ومائة، وذكره الشاطبي "عليّ الكسائي"، وقيل له الكسائي من أجل أنَّه أحرم في كساء، وهو من أئِمَّة الكوفة من القُرَّاء السبعة المشهورين.
ومن أصول قراءته: إمالة هاء التأنيث والحرْفِ الذي قبلها عند الوقف، وقول آخر: "إن الإمالة تكون في الحرف الذي قبل هاء التأنيث، على قولين لأهل الأداء".
وهاء التأنيث التي هي في الوقف هاء وفي الوصل تاء؛ سواء كانت مرسومة في المصحف بالتاء أو بالهاء؛ لأن من مذهب الكسائي الوقف على جميع ذلك بالهاء؛ نحو ما ذكرت في سؤالك: (الغاشية، ... ناصبة، ... حامية)، ويدخل تحت هاء التأنيث ما جاء على لفظها، نحو (بصيرة، همزة)؛ وفي ذلك مذهبان:
الأول: المذهب العام: هو إمالةُ جميع الحروف الهجائية الواقعة قبل هاء التأنيث إلا الألف.
الثاني:(132/1)
1- استثناء عشرة حروف لا تُمال، وهي مَجموعة في (حَقٌّ ضِغَاطٌ عَصٍ خَظَا)؛ نحو: (النطيحة، الحاقة، قبضة، بالغة، حياة، بسطة، القارعة، خصاصة، الصاخة، موعظة)، وكما تلاحظ أن هذه الحروف العشرة سبعة منها هي حروف الاستعلاء المفخمة.
2- استثناء حروف (أكهر): الهمزة والكاف والهاء والراء؛ إذا وقعت قبل هاء التأنيث لا تمال إلا بشرط أن يكون قبلها ياء ساكنة أو كسر؛ مثال (خطيئة خاطئة - الأيكة الملائكة – فاكهة - لكبيرة تبصرة)، وإذا وقع بين الكسر وبين حروف (أكهر) حرف ساكن فليس بحاجز يمنع الإمالة؛ نحو (لعبرة، وجهه، سدرة).
فبقي من أحرف الهجاء خمسة عشر حرفًا، حكمها الإمالة قولاً واحدًا، وقد جمعت في حروف (فجثتْ زينبٌ لذَوْدٍ شُمْسٍ)؛ فتُمال كلها بلا شرط؛ مثال: (خليفة، بهجة، مبثوثة، لمزة، خشية، جنة، زيتونة، طيبة، كاملة، لذة، قسوة، واحدة، معيشة، رحمة، خمسة).
قال الشاطبي رحمه الله:
وَفِي هَاءِ تَأْنِيثِ الوُقُوفِ وَقَبْلَهَا مُمَالُ الكِسَائِي غَيْرَ عَشْرٍ لِيَعْدِلاَ
وَيَجْمَعُهَا (حَقٌّ ضِغَاطٌ عَصٍ خَظَا وَ(أَكْهَرُ) بَعْدَ اليَاءِ يَسْكُنُ مُيِّلاَ
أَوِ الكَسْرِ وَالإِسْكَانُ لَيْسَ بِحَاجِزٍ وَيَضْعُفُ بَعْدَ الفَتْحِ وَالضَّمِّ أَرْجُلاَ
لَعِبْرَهْ مِائَهْ وِجْهَهْ وَلَيْكَهْ وَبَعْضُهُمْ سِوى أَلِفٍ عِنْدَ الكِسَائِيِّ مَيَّلاَ
وبأي رواية من الروايات المتواترة قرأ المصلي، صحت صلاته وصلاة من خلفه؛ إلا أنه إذا كان ذلك يؤدي إلى مفسدة؛ كوقوع خلاف مع المأمومين لعدم معرفتهم بهذه الرواية، فإن الأولى ألا يصلي بهم بغير الرواية التي يعرفونها؛ جمعًا للكلمة، وحرصًا على التآلف والمودة، أو يبين لهم قبل الصلاة أنه سيقرأ برواية كذا. وعلى الإمام أن يراعي حال المأمومين في ذلك.
وبالله التوفيق.(132/2)
العنوان: قراءة سعد بن أبي وقاص
رقم الاستشارة: 161
المستشار: الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
-----------------------------------------
السؤال:
أود أن أستفسر عن قراءة سعد بن أبي وقاص: {وله أخ أو أخت من أمه} بزيادة (من أمه) [النساء: 176]، وما مصادر القراءات التي أوردت هذه القراءة مع عزوها؟
وجزاكم الله خيرًا.
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد قسَّم علماء القراءات القراءة إلى قراءة صحيحة، وقراءة شاذة:
أما القراءة الصحيحة: فهي التي توافرت فيها ثلاثة أركان هي:
- أن توافق وجهًا صحيحًا من وجوه اللغة العربية.
- أن توافق القراءة رسم مصحف عثمان رضي الله عنه.
- أن تُنقل إلينا نقلاً متواترًا، أو بسندٍ صحيح مشهور.
أما القراءة الشاذة: فهي كل قراءة خالفت الرسم العثماني على المعتمد من الأقوال، أو اختل فيها ركن من الأركان الثلاثة المتقدمة.
ويدخل تحت باب القراءات الشاذة ما يسمى بـ "القراءات التفسيرية"، وهي ما زيد في القراءة على وجه التفسير، وهي تُشبه الزيادة المُدرجة في الحديث النبوي، ومثالها ما روي من قراءة سعد بن أبي وقاص قوله تعالى: {وَلَهُ أَخٌ أَو أُخْتٌ مِن أُم} بزيادة لفظ {مِن أُم} للتفسير، وقراءة ابن عباس قوله تعالى: { وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} [الكهف:79-80]؛ حيث قرأها: {وَكَانَ أَمَامَهُم مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا}. وهي بلا شك تُخَالِف الرسم العُثماني(133/1)
والمقصد من القراءة التفسيرية -: تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها؛ كقراءة عائشة وحفصة - رضي الله عنهما - قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] قرأتا الآية: {وَالصَّلاَة الوُسْطَى صَلاَةَ العَصْرِ} وقراءة ابن مسعود قوله تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيهُمَا} [المائدة:38] قرأها: ( فاقطعوا أيمانهما ) وقراءة جابر قوله تعالى: {فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُوْرٌ رَحِيمٌ} [النور:23]، قرأها: (مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ لَهُنَّ غَفْورٌ رَحِيمٌ). وكقراءة ابن مسعود (متتابعات).
قال ابن الجزري: "وربما كانوا يدخلون التفسير في القراءة إيضاحًا وبيانًا؛ لأنهم مُحققون لما تلقوه عن النبي قرآنًا، فهم آمنون من الالتباس، وربما كان بعضهم يكتبه معه، وأما من يقول إن بعض الصَّحابة كان يُجِيزُ القِراءة بالمعنى فقد كذب". اهـ.
أما حكم القراءة التفسيرية: فلا تعتبر قُرْآنا؛ لفقدها شرطًا أو أكثر من شُرُوطِ ثُبُوتِهِ، فهي من الآحاد التي فقدت شرط التواتر، فلا يجوز اعتقاد قرآنيتها، كما لا تجوز قراءتها في الصلاة، أو التعبد بتلاوتها، ولا تعليمها على أنها من القرآن، وإنما هي من قبيل التفسير فقط؛ فالصحابة كانوا يفسِّرون القرآن ويرون جواز إثبات التفسير بجانب القرآن؛ فظنها بعض الناس - لتطاول الزمن عليها - من أوجه القراءات التي صحَّت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورواها عنه أصحابه، قال الإمام الطبري في تفسيره: "لا نعلم ذلك صحيحًا من الوجه الذي تصح به الأخبار".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فهذه إذا ثبتت عن بعض الصحابة، فهل يجوز أن يُقرأ بها في الصلاة؟ على قولين للعلماء هما روايتان مشهورتان عن الإمام أحمد وروايتان عن مالك:
إحداهما: يجوز ذلك؛ لأن الصحابة والتابعين كانوا يقرؤون بهذه الحروف في الصلاة.(133/2)
والثانية: لا يجوز ذلك، وهو قول أكثر العلماء؛ لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن ثبتت فإنها منسوخة بالعرضة الآخرة؛ فإنه قد ثبت في الصحاح عن عائشة وابن عباس - رضي الله عنهم - أن جبريل - عليه السلام - كان يعارض النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن في كل عام مرة، فلما كان العام الذي قُبِض فيه عارضه به مرتين والعرضة الآخرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره، وهي التي أمر الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بكتابتها في المصاحف، وكتبها أبو بكر وعمر في خلافة أبي بكر في صحف أمر زيد بن ثابت بكتابتها، ثم أمر عثمان في خلافته بكتابتها في المصاحف وإرسالها إلى الأمصار، وجمع الناس عليها، باتفاق من الصحابة، عليٌّ وغيره".
أما المصادر التي أوردت هذه القراءة فمنها:
1- "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام ت 224هـ.
2- "التفسير" من سنن سعيد بن منصور ت 227 هـ.
3- "سنن الدارمي" ت 255 هـ.
4- "تفسير الطبري" ت 310 هـ.
5- "تفسير ابن أبي حاتم" ت 327 هـ.
6- "السنن الكبرى" و"معرفة السنن والآثار" كلاهما للبيهقي ت 458 هـ.
7- "التمهيد" لابن عبدالبر ت 463 هـ.
ونص الزيادة عن القراءة المشهورة عندهم مختلفة؛ فهي: "لأُمِّهِ" أو "مِنْ أُمِّهِ" أو "مِنْ أُمٍّ" أو "لأُمٍّ".
وفي "الدر المنثور" للسيوطي: "أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والدارمي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن سعد أنه كان يقرأ.... مِنْ أُمٍّ"،، والله أعلم.(133/3)
العنوان: قهر الرجال.. كيف تتجنبه و كيف تتخلص منه
رقم الاستشارة: 11
المستشار: عبدالله القحطاني
-----------------------------------------
السؤال:
سؤالي باختصار هو كيف تتجنب قهر الرجال الذي استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحديث المشهور: "أعوذ بك من غلبة الدين و قهر الرجال". و ما السبيل للتخلص منه إذا وقع؟.
-----------------------------------------
الجواب:
قهر الرجال ليس بالحالة المرضية التي تستدعي تدخلاً علاجياً يدفعها، ولكنه بسبب ما يعتري المرء من صروف الحياة المحيطة به، وهو مثل غَلَبَة الدَّين، فقهر الرجال: أن يصل المرء إلى حالة يصاب معها بالعجز عن دفع السوء عن نفسه أو تحصيل الخير لها، وقد يلحقه بذلك شماتة الأعداء وتجافي الأصحاب، فيصاب حينها بنوع من الاستياء والعجز، وهو ما يعبر عنه بقهر الرجال.
ويمكن أن يندفع ذلك عن المرء بقوة إرادته وصحة يقينه، فإذا قوي تعلق المرء بالله عز وجل، وتيقن وعده، هان عليه كل شيء في الحياة الدنيا، كما أن البعد عن الأسباب الموجبة لحصول القهر متعين، فإذا كان الرجل مثلاً فقيراً فلا يرهق نفسه بما يشق عليها ويثقلها، وإذا كان ضعيفاً فإن عليه ألا يكلف نفسه ما لا تطيق.
وإذا وقع المرء في شيء من الحال التي توجب قهره فإن عليه أن يلجأ إلى الله بالدعاء أن يرفع عنه هذا البلاء، فإن قهر الرجال من البلاء الذي يأتي للمرء، والمرء إن احتسب الأجر في حال القهر فقد وقع أجره على الله.
وبالجملة إن قوة النفس وكمال تعلقها بالله عز وجل يخفف عنها الكثير مما قد يصيبها ويلحقها من الأحوال الخارجة عن حد الاعتدال، إضافة إلى ذلك يجب على الشخص أن يبتعد عن موجبات قهر الرجال، كالتعرض من البلاء لما لا يطيق، وركوب الأهوال والمخاطر، مما تسبب له الوقوع في العنت والخطر.
والله أعلم،،،(134/1)
العنوان: كتاب المنتقى لابن الجارود
رقم الاستشارة: 33
المستشار: الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
فضيلة الشيخ:
كتاب المنتقى لابن الجارود ومكانته العلمية التى لا تخفى عليكم لم أجد تحقيقًا علميًّا رصينًا ودراسة مستوفاة للكتاب وفق نسخ خطية حيث أن أغلب الطبعات لم ترجع إلى الأصول الخطية فتوجد أخطاء في الطبعات.
فهل تعرفون طبعة جيدة تنصحون بها؟
وهل للكتاب نسخ خطية؟
وهل هناك من يعمل على إخراجه بصورة طيبة؟.
وجزاكم الله خيرا وحفظكم الله من كل مكروه.
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:(135/1)
فإن لكتاب المنتقى لعبد الله بن علي بن الجارود أبي محمد النيسابوري عدة طبعات منها طبعة قديمة بحيدر آباد بالهند سنة 1315 ه، في 504 صفحة، باسم: "المنتقى من السنن المسندة عن سيدنا المصطفى". وله طبعة جيدة مصححة مدققة مضبوطة قام بها السيد عبد الله هاشم يماني المَدَنِيّ، مع تخريج وجيز لأحاديثه سماه: "تيسير الفَتَّاح الوَدُود في تخريج المُنْتَقَى لابن الجارود" طَبَعَهُ بمَطبعة الفَجَّالَة الجديدة بالقاهرة، سنة 1382ه/1963م في 384 صفحة من القطع المتوسط (وقع النص فيها بين صفحتي 7: 376)، وهو من رواية محمد بن نافع الخزاعي، وأحمد بن بقي بن مخلد، وأبي بكر ابن الزيات، ومحمد بن جبرئيل، وأبي القَاسم بن مذحج عن ابن الجَارُود. وهَذه الطَّبْعَة جيدة وجَرت إحَالَة العلماء إليها واعتمادهم عليها لعُقُود، ولم يَذكر اليَمَانِي أَصْله المُعتمد في هَذه النَّشْرَة، ولا أشار إِلى نُسخة - أو نُسَخ - مَخطوطة أو مطبوعة في حواشيه على الكتاب، والغَالب أنَّه اعتمد الطبعة الهِنْدية. وللكتاب طبعات أُخَر، منها طبعة دار القلم، بيروت، ط1: 1987، في 418 صفحة، قطع متوسط، راجعها: خليل الميس، وهي طبعة تجارية.وطبعة في مؤسسة الكتاب الثقافية - بيروت، الطبعة الأولى سنة 1408هـ – 1988.وهناك طبعة أخرى قام أخرجها الشيخ أبو اسحاق الحويني وخرَّج أحاديثها، وسمَّى عمله هذا: غوث المكدود.
هذا وللكتاب نسخة إلكترونية (تجارية أيضاً) لشركة التراث بعمان الأردن نشرتها ضمن إصدارتها الحديثية (الموسوعة الذهبية)، (الفقه وأصوله)، (المكتبة الألفية)، عن طبعة مؤسسة الكتاب الثقافية، بيروت، 1408/1988، تحقيق: عبد الله عمر البارودي، ولشركة العريس ضمن أسطوانة (مكتبة الحديث الشريف) وهي تجارية أيضاً. ولا نعلم للكتاب طبعات غير هذه.
أما النسخ الخطية للكتاب فلا يحضرنا شيء منها الآن، والله أعلم.(135/2)
العنوان: كتب عن النفقة
رقم الاستشارة: 101
المستشار: الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
-----------------------------------------
السؤال:
أطلب المساعدة في الحصول على كتب تتكلم عن النفقة في الشريعة الإسلامية سواءً نفقة الزوجة، أو نفقة الأقارب، أو نفقة الأولاد.
أرجو المساعد للضرورة الملحة.
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فيمكنك مُراجَعة كتاب النَّفَقَات في أي كتاب من كتب الفقه الإسلامي، سواء من المطوَّلات؛ مثل: "المغني" لابن قدامة، و"المجموع" للنووي، و"المحلى" لابن حزم، و"نيل الأوطار" للشوكاني، أو غير ذلك: مثل "الشرح الممتع" لابن عثيمين، و"فقه السنة" للسيد سابق.
وإليكَ بعض أسماءٍ لكتبٍ تناولت الموضوع بشيء من البسط والتفصيل:
- كتاب "النفقة على العيال" لابن أبي الدنيا.
- كتاب "الصدقة و الإنفاق" لعبد الله بن أحمد العلاف الغامدي.
- كتاب "إصلاح المال" لابن أبي الدنيا.
- كتاب "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" لأبي بكر مسعود بن أحمد الكاساني.
- كتاب "البحر الرائق في شرح كَنْزَ الدَّقائق" للإمام حَافِظِ الدِّين النَّسَفِيِّ.
- كتاب "النفقة الزوجية في الشريعة الإسلامية" لمحمد بن يعقوب بن طالب عبيديّ.
- كتاب "فقه النفقات الواجبة، دراسة في المفاهيم والأدلة والآراء الفقهية" للشيخ عبد الله أحمد اليوسف.
بعض هذه الكتب تجدها على شبكة الإنترنت، على هذا الموقع: (المكتبة الشاملة).
أو يمكنك طلبه من الأخوة في (المجلس العلمي) بموقع (الألوكة).
والله تعالى أعلم.(136/1)
العنوان: كيف أتخذ القرار؟
رقم الاستشارة: 35
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم إخوتي في الله:
أنا أعاني مشكلة عويصة، لا أستطيع اتخاذ القرار في معظم الأمور، إضافةً إلى أني قد أتخذ قراراً ما، لكن يصعب عليَّ تنفيذه، حتى فيما يتعلق بالدراسة واختيار الزوج الصالح.
-----------------------------------------
الجواب:
مرحباً بك سيدتي الكريمة في موقع (الألوكة)، وشكراً لثقتك الغالية..
كنتُ أحتاج إلى بعض المعلومات الإضافية عن وضعك النفسي والشعوري، ومستواك العلمي والعملي؛ كي يتسنى لي الإجابة عن استفسارك.. وعموماً؛ سأناقش هنا قضية التردد في اتخاذ القرار في صورها المتعددة، وأرجو أن يكون هذا مفيداً لك:
يعاني المترددون في اتخاذ القرار - في كثير من الأحيان - ضعفَ الثقة بأنفسهم؛ فهم ينظرون إليها على أنها قاصرة عن اتخاذ القرارات؛ خاصةً المصيرية منها.
مثل هؤلاء يوجِّهون إلى أنفسهم في كل حين – دون وعي- رسائل سلبية، مفادها: أنتِ أقل من أن تتخذي قراراً كهذا، هذا خطر، صعب، مستحيل، غير ممكن!!!
تنشأ هذه الحالة لدى البعض منذ أيام الطفولة، عندما كان يوجَّه له - طفلاً - النقد اللاذع عند اتخاذه لأي قرار - كشراء لعبة أو ثوب أو غير ذلك - بدلاً من التشجيع والتقدير.
وقد ينشأ التردد في اتخاذ القرار - أحياناً – عن الحرص على الكمال؛ إذ يسعى المتردِّدون - بصورة مبالغ فيها - إلى أخذ كل الاحتياطات، والتنبه، والتأمل، والمراجعة، وهكذا.. دورةٌ لا تنتهي من الشك والتردد عند اتخاذ أي قرار؛ فتتعطل أمورهم، ويخسرون في مقابل ذلك الكثير.
قد ينشأ التردد نتيجة فشل سابق في اتخاذ قرار مهم، وكم قابلتُ من السيدات اللواتي مررْنَ بتجربة طلاق من أزواج سيئين، وكنَّ يلمْنَ أنفسهنَّ على قرار الزواج الخاطئ، وزرعن في أنفسهن الشك العميق من أي تجربة مقبلة!(137/1)
وعندما يُصاب الشخص بـ (الاكتئاب) – أي: بالحزن وضيق الصدر، وصعوبات في النوم، وضعف الشهية نحو الأكل - يصاحب هذه الحالة - المنتشرة كثيراً بين النساء - صعوبات كبيرة في اتخاذ القرار، ينظر هؤلاء إلى الدنيا بمنظار أسود، لا يرون فيه سوى اليأس, وفقدان القيمة, والحكم المقدَّم بالفشل.
وللتخلص من هذه الحالة؛ أود أن أطرح بعض الحلول التالية:
من أصول التدين لدينا اللجوء إلى الله - عزَّ وجلَّ - والتوكل عليه، والاستعانة به؛ فهو القوي الذي لا يغلبه شيء، وهو الهادي لمن التجأ إليه، وهو الرحيم بعباده، لا يخذلهم، ولا يتخلَّى عنهم، ولو فهمنا وطبَّقنا مبدأ التوكل على الله تطبيقاً صحيحاً وحقيقياً؛ فستتغير حياتنا كلِّياً.
لنتذكر أنه من طبيعة البشر ارتكاب الأخطاء، وهذا لا يعني قبول مستوى متدنٍّ من الأداء، وإنما يدفعنا إلى الاعتراف بالتقصير، والتعلُّم منه، بدلاً من أن نُشلَّ بكابوس الفشل، وستبقى الحياة مدرسةً تعطينا كل يوم دروسها، لنتعلم أكثر، وننمو أكثر.
كل ما يجري في هذا الكون له حكمة ربانية، لا تصدقي أن شيئاً قد يحدث عبثاً، قد لا نرى، لا نستوعب، لا نصدِّق، لا نعرف، لكنَّ ذلك بسبب قصورنا البشري المشهود؛ ولذا كان القبول والتسليم هو البلسم الذي لا شفاء بعده.
خذي بالأسباب قبل اتخاذ أي قرار، ومن ذلك: استشارة حكيم، أو صاحب خبرة، والاقتداء بمن سلك نفس الطريق، أو تعرَّض لنفس التجربة، واستخارة الله - تعالى- قبل الإقدام على أي قرار.. وغير ذلك الكثير.
الثقة بالنفس أمرٌ رئيسٌ، ليس في سبيل التخلص من التردد فحسب؛ بل من أجل العيش في هذه الحياة على نحو أفضل، وهناك العديد من الكتب والمقالات على الشابكة (الإنترنت)، تتحدث عن هذا الموضوع الحساس.(137/2)
ومن الأخطاء الفكرية الشائعة: التفكير بمنطق التعميم؛ حيث نطلق استنتاجات عامة عن أنفسنا وعن الآخرين، بناءً على حوادث فردية سابقة: لقد فشل زواجي، لن أجد زوجاً مناسباً...!! لقد حَكَمَت على نفسها وحياتها الزوجية بالفشل بسبب حدث واحد فقط، على الرغم من أن لكل حدث ظروفه وتفاصيله التي لا يمكن أن تتشابه مع غيرها!
ويبقى سلاح المؤمن الأول؛ هو الدعاء، والتضرع إلى الله، وسؤاله الهداية.. إنني على يقين أن من احتمى بهذا السلاح، حماه من أي عواقب مؤلمة، لأي قرار قد يتخذه.
مرحباً بك دائماً - سيدتي - في موقعك (الألوكة)، ولا تترددي بالكتابة لنا،، والله يحفظك.(137/3)
العنوان: كيف أتخطَّى الذكريات السيئة؟
رقم الاستشارة: 53
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
أنا فتاه عمري 22 سنة، تزوجت منذ سنه، وأنجبت فتاةً عمرها 9 أشهر، وهى آية في الجمال، ضحوكة، ومعشرانية جدّاً، وزوجي يفعل ما باستطاعته لإسعادي.
ولكن؛ لي ماضٍ مليء بالآلام والذكريات التي تلاحقني في منامي ويقظتي, لقد اعتُديَ عليَّ جنسيّاً وكان عمري – حينئذ - 14 سنة، وكان المعتدي والدي، ولم أخبر أحد - أبداً - بذلك وحمَّلت نفسي عبئاً يثقل كاهلي.
ولأن أمي كانت وقتها تسعى للطلاق من والدي؛ فقد ظننت أنني سوف أتخلص منه، ولكن أمي تصالحت معه بعد عدَّة أشهر، ولأني كنت طالبه تمريض؛ فقد سعيت لأجد وظيفة ليليه، وأستأنف الدراسة صباحاً؛ وكان أبي وقتها يتركني بالمنزل ساعات النوم فقط!! وكان لا يعمل؛ فيظل بالمنزل طوال الوقت، وأخذ يبتزني لأخذ المال مني، وإلا سوف يفضحني بقصه ملفقه؛ لأني لم أعد عذراء.
تحملته لسنوات طويلة، كانت أمي تعدني فيها أنها سوف تتركه قريباً لتعدِّيه علينا بالضرب والسبِّ والتشهير بسمعتي، ولكنها – أبداً - لم تتخذ أيَّ إجراء فعلي.
لقد أخذ أبي يقول للجميع إني لست عذراء، وأني تزوجت عرفيّاً، وإنهم عليهم الكشف عن عذريتي ليتأكدوا من ذلك!! فانفصلت – شعورياً - عن عائلتي وعن المجتمع، وتملكني شعور بالكآبة والإحباط.
كنت قد أنهيتُ مدرسه التمريض، والتحقت بمعهد، فأخذتُ أعمل وأعمل لتوفير المال لتعليم أخواتي, حتى قابلت زوجي، وتعرفت عليه، وهو من أحد الجنسيات الأوروبية، وكان غير مسلم، ولكنه تفهَّم وضعي؛ فأعلن إسلامه، وطلب يدي من أبي، ولكن أبي طلب مبلغاً كبيراً من المال ليتركني أتزوج منه؛ اعتقاداً منه أن زوجي غني، ولكن زوجي - على دخله الجيد - لم يكن قد ادَّخر مثل هذا المبلغ؛ فأخذنا نجمع المال المطلوب لأفر من سجنه الغاشم.(138/1)
ظل أبي فظّاً غليظاً معي حتى الليلة الأخيرة، فقد اعتدى عليَّ بالضرب قبل مغادرتي المنزل بليلة واحدة، وأخذ يقول للجميع إني قد تزوجت من هذا الأجنبي لأن عذريتي لا تمثل له شيئاً، أخذ يقول هذا وكأنه لم يفعل بي أيَّ شيء، وكأني قد فعلت هذا برغبتي!!!
أما بعد زواجي فقد كنت أعيش بمصر وحدي، في حين يعمل زوجي ببلد آخر، وكان يعمل على أن أنتقل للعيش معه، وبعد الزواج بشهرين علمت أني حامل؛ فأخبرت والدتي وأخواتي أني لا زلت بمصر، وأني لم أسافر بعد، وحرصت على إخبارهم بحملي لإدخال الفرحة على قلوبهم.
بعد 3 أشهر؛ اتصل بي رجل غريب فجراً، يخبرني أن معه فتاة معه منهارة، أعطته هذا الرقم ليتصل به، وكانت هذه الفتاة هي أختي، التي قفزت من شرفت بيتنا بالدور الثاني، بعد أن حاول أبي الاعتداء عليها، وبعد أن حاول طعن أمي بالسكين؛ لأنها تحاول مساعدتها في الفكاك من قبضته!!
لم يمكني حملي أن أذهب لأحضرها، وعرض على الرجل توصيلها حتى منزلي، وقد فعل - جزاه الله خيراً - ذلك, وجاءت أختي حافية القدمين، بلباس النوم، وقد بالت على ملابسها من شدة الرعب والفزع، غير قادرة على الكلام، وظلت عده أسابيع لتكون قادرة على الكلام مره أخرى.
في هذا الوقت اتصلت بوالدتي، وطلبت منها عمل محضر له في مخفر الشرطة، ولكنها لم تفعل، وقالت إنها سوف تطلب الطلاق منه، وأنها تريد مساعدتي؛ فبدأت – في نفس الأسبوع - أبحث لهم بنفسي عن شقه سكنية في منطقة جيده، وقد حدث هذا بالفعل، ودفعت 4 أشهر إيجاراً مقدَّماً لهذه الشقة، وابتعتُ لهم جميع الأجهزة الكهربائية، وكانت أمي ما زالت تسعى في إجراءات الطلاق، فدفعت أتعاب محاميها.
تدهورت حالتي الصحية في هذه الآونة، وتدهور حال جنيني؛ فذهبت 3 مرات إلى المستشفى بطلق مبكر، بسبب الاضطراب.(138/2)
كان على أن أسافر إلى زوجي في هذه الوقت؛ فوعدت أمي بأن أرسل لها مبلغاً من المال كل شهر، رصدته لدراسة أخوتي ونفقتهنَّ الشخصية، وقد فعلتُ – والحمد لله.
بعدما سافرت بزمن يسير علمت برجوعها له، فتسبب هذا في ولادتي المبكرة - كان وزن ابنتي 2 كيلو فقط عند مولدها؛ وظلت (بالحضَّانة) زمناً – فحاولت الاتصال بها، ولكنها تجنَّبتني، ولما أجابت قالت إنها كانت خائفة من أذيته لها إذا ما عثر عليهم. والآن؛ أخوتي يعيشون في الجحيم مرة أخرى، ولست قادرة على عمل شيء لهم؛ الكوابيس لا تفارقني، والاكتئاب يعتريني، فأعيش – أنا أيضاً - في جحيم، يزداد لهيباً كلما تصورت أن ما حدث لي يحدث اليوم لأخواتي، خاصة وقد علمت منذ زمن يسير أنه يعتدي على أخي!!
أرجوكم ساعدوني، أخبروني ماذا أفعل؟
-----------------------------------------
الجواب:
سيدتي الكريمة:
قرأت رسالتك بتمعُّنٍ، وأشعر بمشاعرك الأليمة، وبالقلق والخوف اللذان يراودانك ويشغلانك. كم هو مؤلمٌ أن يعيش مثل هؤلاء الوحوش بيننا دون أن نستطيع عمل شيء لهم؛ بل قد نضطر إلى العيش معهم، والأكل والنوم إلى جانبهم، كم هذا فظيع!!
لكنَّ مجرَّد الحسرة على هذا الوضع الصعب ليس حلاً، ليس الحل أن نعيش الكوابيس في منامنا ويقظتنا، ليس الحل أن نجعل الخوف يسيطر على حياتنا .. دعينا نناقش المشكلة من وجوه عدَّة:
أولاً: أول من يحتاج إلى المساعدة هو (أنت)!! يجب أن تتخلصي من تلك الذكريات المؤلمة، أريد أن أخبرك بشيء مهم: تفيد الدراسات أن ما يسبب الألم في الاعتداء الجنسي ليس الاعتداء نفسه، ولكنه تفاعلنا وتفاعل الذين من حولنا مع الاعتداء.
إن ما تقولينه لنفسك عن هذا الاعتداء يحدد - بكيفية كبيرة - كيف ستكون مشاعرك، عندما تقولي لنفسك: (أنا السبب .. أنا الذي سمحت له .. أنا التي أستحق العقوبة .. أنا المخطئة ..) وغيرها من أحاديث النفس التي تعترينا دون أن ننتبه. هذه الأحاديث تسبب ألماً رهيباً.(138/3)
سيساعدك كثيراً التحدُّث إلى صديقة مخلصة مؤتمنة، أو زيارة أخصائي نفسي، أو على الأقل كتابة مشاعرك بالتفصيل، ونشرها في بعض المنتديات؛ إن ما يحرم الكثير ممن تعرضوا لحادث مشابه لحادثتك من التعبير عن مشاعرهم هو الخوف والخجل من الحديث عنها، ولكنك إذا ما وجدت الفرصة للحديث مع شخص تشعرين معه بالأمان؛ فهذا سيساعدك كثيراً.
ثانياً: هناك الكثير لتفعليه - (أنت) - من أجل أسرتك، حتى لو كنت بعيدة عنها .. كم أقدِّر لك اهتمامك بهم، وبتصريف شؤون حياتهم وسكنهم ودراستهم .. هذا شيءٌ رائعٌ .. أريدك أن تتوِّجي ذلك بعمل أكثر أهمية .. إنهم بحاجة إليك .. بحاجة لمن يشاركهم مشاعرهم؛ فكوني قريبة منهم عبر الاتصال المتكرر بهم، وحثِّهم على الحديث إليك عما يخيفهم ويقلقهم.
في حالات الاعتداء خاصة, يكون المعتدى عليه في حاجة شديدة لأن يتحدث عمَّا حدث .. عن مشاعره .. بحاجة إلى السكينة والشعور بالأمان؛ فكوني لهم هذا الشخص؛ حتى لو كنت بعيدة عنهم.
ثالثاً: يجب أن يخرج هذا الرجل من حياتكم، يجب أن يمضي بلا عودة؛ فاستمري في دعم والدتك للخلاص منه.
يوجد في بلادكم العديد من الجمعيات والمنظمات التي تحارب العنف الأسري، والاعتداء الجنسي، واعتداء المحارم، يقوم على كثير من هذه الجمعيات أشخاص مخلصون، وقادرون على تقديم المساعدة القانونية والنفسية.
أعلم أن إخوانك وأخواتك يعيشون في كابوس مخيف؛ لكن يجب ألاَّ يشلنا هذا عن طلب المساعدة من المختصِّين، ادفعي أخوتك للقيام بشيء عملي، بدلاً من الخوف والقلق!!
رابعاً: مع كل هذه الأحداث.. لا تنسي أنك مسؤولة الآن عن أسرة يجب أن تنال منك القسط الوافي من الاهتمام والعناية، لديك طفلة رائعة وزوج حبيب ينتظران منك الاهتمام والرعاية؛ فلا تفرطي فيهما.
أعلم أن هذا سيكون عبئاً إضافيّاً عليك، لكن مع التقليل من القلق، والتوكل على الله – تعالى- والاهتمام بالعمل بدلاً من الهم والتفكير، فستقومين بعمل مميز.(138/4)
خامساً: مع كل هذه الأحداث الأليمة, يجب ألا تنسي أن تحتسبي ذلك عند الله - عزَّ وجلَّ - فالحياة دار اختبار وامتحان؛ لينظر الله - عزَّ وجل - كيف سنتصرف .. أنت الآن في عمق هذا الامتحان؛ لذا أَرِي اللهَ منك خيراً عبر الرضا والتوكل والإحسان.
لو نجحت في هذا الاختبار – وأنا واثق من ذلك بمشيئة الله- فهنيئاً لك، وسيأتي اليوم الذي تتحول كل هذه الآلام إلى خير كبير في الدنيا والآخرة، وما أجمل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما يصيب المسلم من نَصَب ولا وَصَب، ولا همٍّ ولا حَزَن، ولا أذى ولا غم, حتى الشوكة يشاكها؛ إلا كفَّر الله بها من خطاياه)).
وفَّقك الله لكل خير، ومرحباً بك دوماً في موقع (الألوكة).(138/5)
العنوان: كيف أتعامل مع أولادي؟
رقم الاستشارة: 205
المستشار: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم،
أنا أمٌّ لِثلاثة أولاد؛ (رَنْد) عمرها 6سنوات، (عاصم) عمره 4 سنوات، و(أحمد) عمره سنتان، ونحنُ أردنيّون مُقيمون بِالسّعوديَّة منذ سنة، أولادي متعصِّبون فَوْضَوِيُّون، يحبُّون التَّخريب والمشاكل ولا يحبُّون الانضباط، كثيرًا ما يتضاربون ولا يهدؤون أبدًا، يحبُّون اللَّعب، لكن سريعًا ما يتشاجرون، وقد يتلفَّظون بسَبِّ بعضهم البعض! علمًا بأني وأباهم لا نستخدم السِّباب في خطابنا لأيٍّ منهم.
حركتهم كثيرة بصورة لافِتَة للنَّظر، حتَّى لمَنْ يشاهدهم لأوَّل مرَّةٍ، إذا قمنا بزيارة أو زارنا أحدٌ أحرجوني بكثرة حركتهم وعَبَثِهم بكلِّ شيءٍ في البيت حتى في أثناء الضيافة يعملون إزعاجًا، فيبدون وكأنهم يشاهدون الشاي – مثلاً - لأوَّل مرَّة، علمًا بأنه لا ينقصهم أيُّ شيءٍ من الأكل أو الألعاب أو الملابس، إلا أنهم دائمًا ما يطلبون المزيد والمزيد من كلِّ شيء.
وَلَدَايَ أحمد وعاصم مخرِّبان بدرجة أكبر من تلك التي أستطيع السَّيطرة عليها، ولذلك لا أستطيع السَّيطرة على سلوكهما.
وابنتي رند لولا تقليدُها لأخويها ما تسبَّبَتْ في ضربهما لها.
أحمد يعبث بأغراض البيت والمطبخ، لا يهاب أيَّ شيء، يتسلَّط على إخوته ويضربهم بقوة وشراسة.
استخدمتُ كلَّ الأساليب الممكنة في تربيتهم؛ أساليب التَّرغيب والترهيب والضرب والعقاب، لكنَّهم دائمًا ما يتحسَّنون زمنًا ثمَّ يعودون أسوأ ممَّا كانوا سابقًا!!
عاصم ورند يحفظان القرآن مع مدرِّسة (خصوصيَّة)، رند تحفظ بسرعة كبيرة، في حين أنَّ عاصم يحاول التهرُّب من الحفظ مع إنَّه قادرٌ عليه، ولكنه ليس بمستوى أخته وسرعتها.
تعبتُ كثيرًا معهم ... علمًا بأنَّ هذا طبعهم حتى من قبل الغُرْبَة، وهم يعيشون بين الأهل والأقارب كانت هذه دومًا طباعهم.(139/1)
أفيدوني وساعدوني أرجوكم؛ فأنا في حَيْرَة من أمرهم، ولا أعرف: هل هذا طبيعيٌّ أم لا؟
جزاكم الله خيرًا، وأعتذر عن الإطالة.
-----------------------------------------
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
حيَّاكِ اللهُ أختي الكريمة،،،
أشكرُكِ على التواصل مع موقع الألوكة.
هوِّني على نفسكِ؛ فليس الأمر سيِّئًا كما تظُنِّينَ، كذلك لستِ أنتِ الوحيدةَ فيما تعانِينَ منه.
متغيِّرات الزَّمن والعولمة فَرَضَتْ بصْمَتَها القويَّة على تصرُّفات أولادنا، ولابدَّ من دفع ضريبة ذلك!!
كذلك: فكما أنَّ للزَّمن متغيِّراتٍ؛ فله أيضًا أدوات، فها أنتِ قادرة - بإذن الله - أن تتَّصلي مباشرةً بموقع على (الإنترنت) لإفادتكِ ومساعدتكِ بتقديم استشارة!!
نسأل الله - جلَّ وعلا - أن يكون فيما نقدِّمه لكِ الفائدة:
أوَّلاً عزيزتي: أنصحكِ بالتَّركيز على ابنكِ الكبير عاصم؛ فإنْ كَسَبْتِهِ كَسَبْتِ الباقين، فكما قلتِ: رَنْد تُقلِّد أخويها، وأحمَّد ما زال في عامِهِ الثَّاني، وهو يقلِّد فقط ما يراه من أخيه الكبير ... فصُبِّي تركيزَكِ إذًا على عاصم، الذي أراه أيضًا صغيرًا و(طفلاً بريئًا)، لا يقصد أن يُغضبُكِ بقدر ما يريد أن يلعب ويتحرَّك ويتسلَّى، وانبهارُهُ بأمور الضِّيافة - أو عند رؤيته للشَّاي - مرجِعُها أنَّه وجد في استثارتِكِ وانفعالِكِ أمرًا مَرِحًا أو مَشهدًا ممتعًا؛ فأراد تكرار رؤيته، وشجَّعه على ذلك - ربَّما - ضحكُ إخوته وسعادتهم.
إذًا تركِّزين على عاصم، وإذا هدأ سيهدأ المنزل!.
لكن يبدو عزيزتي أنكِ (أمٌّ مثالية)، من ناحية أنَّكِ تَرَيْنَ أنَّ الولد يجب أن يبقى هادئًا طول الوقت، ونظيفًا، وصوته منخفضٌ ... وهكذا!!.(139/2)
يعتقد البعضُ أنَّ أطفالَنا (دُمًى)، نصطحبهم إلى بيوت الآخَرين ليسجِّلوا إعجابهم بطريقة تربيتنا لهم، ونسُوا أنَّ أطفالنا أطفال بَشَر؛ يُخطؤون ويغضبون ويصرخون، لهم احتياجاتهم التي علينا - من مسؤولية التَّربية - أن نؤمِّنها لهم، ولا أقصد بذلك الماديَّات إطلاقًا؛ فهذه تختلف من بيئة لأخرى ومن مستوى لآخَر، وإنما أقصد احتياجهم للحب، للَّعب مع والديهم، للانطلاق، للفرح، احتياجهم لممارسة التجارب فيخطؤون مرَّات ويصيبون مرَّة ... وهكذا.
إنَّ التَّربية تصبح متعةً كبيرةً - ليس بعدها مُتعة - عندما نضع في حُسباننا ذلك.
لذلك - عزيزتي - بدايةً أنصحُكِ بضرورة القراءة في خصائص نموِّ الطفل؛ لتتعرَّفي على عاصم لابدَّ أن تقرئي عن خصائص نموِّه النَّفسي والعاطفي والجسدي، وأن تعامليه بناءً على خصائص نموِّه وليس بناءً على توقُّعاتكِ.
ثم اقرأي عن كيف تحاورين أولادكِ، وكيف تُصْغين إليهم ليُصغوا إليكِ؛ فهي عملية مزدوجة وذات خطَّيْن: الخطُّ الأوَّل منك إليهم، والثَّاني منهم إليكِ.
أنا أعلمُ يقينًا كم تتعبين على تربيتهم ورعايتهم، لكنَّهم بسنِّهم الصغير لا يُقَدِّرون هذا، وهم بحاجة إلى مَنْ يخاطبهم على قَدْرِ عقولهم.
واجعلي الدُّعاء الصَّادق المستمرَّ سلاحَكِ الذي تُشهرينَهُ في وجه كلِّ مشكلةٍ وغَمٍّ وهَمٍّ.
جعل الله أولادكِ قُرَّةَ عَيْنٍ لكِ، و متَّعَكِ ببرِّهِم، وبَلَّغَهُم أَشُدَّهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(139/3)
العنوان: كيف أتعامل مع هذا النوع من البشر؟!
رقم الاستشارة: 114
المستشار: أ. محمد الحازمي
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخوة الكرام في موقع (الألوكة)..
شكر الله لكم هذه الجهود الخيرة النيرة، وما تقدمونه من نفع للإسلام والمسلمين...
سؤالي يدور حول صديق لي، غير ملتزم، ونصحته ذات مرة لما عرفت تقصيره في الصلاة؛ فانتصح، حتى إنه كان في بعض الأحيان يوقظني لصلاة الفجر، وتوقف عن سماع الأغاني، وقد كنت عنده الصديق الموثوق به إلى حد كبير..
إلا أن هذا لم يدم؛ فما هي إلا أيام وعاد إلى سايق عهده! السبب في ذلك أصدقاؤه، الذين ما إن يسهر معهم، أو يخرج معهم؛ حتى ينقلب 180 درجة عما تركته عليه!!
حاولت أن أوفر له أصدقاء من أهل الالتزام، لكنهم ليسوا كأصدقائه الذين اعتادهم..
لقد تعبت معه كثيراً، وآلمني حاله جداً، علماً أنه شغل جزءاً كبيراً جداً من تفكيري، لكن وا أسفى، لا حياة لمن تنادي، قهرني ذلك، وتضايقت كثيراً، فماذا أفعل؟؟
أبني، ثم أجد غيري يهدم في ساعة ما أبنيه في أسبوع! فكيف أصنع مع هذا الشخص، سريع التأثر، سريع التقلب، سهل الانجذاب وراء أي شخص؟؟!!
أرشدوني.. وإن كان هناك مجموعة من الكتب في هذا الخصوص؛ فدلوني عليها.
أنتظر ردكم على أحرِّ من الجمر..
-----------------------------------------
الجواب:
أخي الكريم..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بك في موقع ( الألوكة ).
وأسال الله أن يجزيك خير الجزاء على الاهتمام بالدعوة إلى الله، والحرص على هداية الناس إلى طريق الخير؛ امتثالاً لأمر الله -سبحانه- القائل: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104].
ويسعدني الإجابة عن سؤالك بالنقط التالية:(140/1)
أولاً: صديقك فيه خير كثير، ولكنه يعاني ضعفاً في شخصيته، خاصة في هذه المرحلة العمرية، التي تطرأ على الشاب فيها بعضُ التغيّرات والتأثيرات والتقلبات المختلفة، ولذلك لابد من متابعة دعوته وحثه على طريق الخير، وعليك أن تصبر وتحتسب، ولا تيأس أبداً؛ فلربما كتب الله- سبحانه- هدايته على يديك.
ثانياً: ادع الله له بظهر الغيب، فالدعاء لأخيك المسلم بظهر الغيب مستجاب عند الله- سبحانه- كما في حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال:
(قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ؛ إِلاَّ قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ)). أخرجه مسلم.
وفي رواية صفوان بن عبد الله بن صفوان، وكانت الدّرداءُ تحته (أي زوجته)، قال:
(قَدِمْتُ الشَّامَ، فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَنْزِلِهِ، فَلَمْ أَجِدْهُ، وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ، فَقَالَتْ: أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ! قَالَتْ: فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِخَيْرٍ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ:
(دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ؛ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: "آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ").
قَالَ: فَخَرَجْتُ إِلَى السُّوقِ، فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). أخرجه مسلم.
ثالثاً: اقترب منه أكثر، بالمعاملة الحسنة، والابتسامة، وبذل المعروف له، والنصح باللين، مع الحرص على إيجاد البدائل المناسبة له، وحبذا لو أهديت له الفينةَ بعد الفينة هديةً ما -على قدر استطاعتك- ولتكن كتاباً مشوِّقاً، أو شريطاً يذكره ويرشده إلى سلوك طريق الخير.(140/2)
رابعاً: أرشده -إذا وجدت منه إقبالاً على طاعة الله- ليسلك طريق طلب العلم الشرعي، ورغِّبْهُ في هذا الأمر؛ فطلبُ العلم حصنٌ حصين من الوقوع في المهلكات، وهو سببٌ في معرفة مداخل الشيطان وطرقه.
خامساً: الجِدُّ والاجتهاد وبذل الأسباب في الدعوة إلى الله مطلب شرعي، ولكن احذر كل الحذر أن يشغلك التفكير في صديقك عن القيام بواجباتك وعبادتك وأعمالك، ويؤثر في نفسيتك ويضايقك، ويسبب لك الهم والغم.
وحاول أن تشغل نفسك بما يعود عليك بالنفع، فكما تعلم أن الهداية بيد الله عز وجل؛ يقول الله تعالى: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56]، ويقول تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:272].
سادساً: هناك بعض الكتب المناسبة والمفيدة، مثل:
1 - الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، للإمام ابن القيم.
2 - الفوائد، للإمام ابن القيم.
3 - التميّز في فهم النفسيات، للأستاذ أكرم عثمان.
4 - ترويض الشخصيات البشرية، للأستاذ أكرم عثمان.
أسأل الله أن يوفقك، وأن يفتح لك أبواب الدعوة إليه، وأن يرشد صديقك إلى طريق الخير، ويثبتنا وإياكم على الحق.(140/3)
العنوان: كيف أجعل نيتي و أعمالي خالصة لله؟
رقم الاستشارة: 82
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أشكركم كثيراً علي هذا الموقع المفيد، وأريد مساعدتي في كيفية الوصول إلي جعل كل أعمالي ونيتي خالصة لله تعالى.
فمثلاً: أنا أقوم بتحفيظ بعض الأخوات القرآن - بفضل الله - في نفس الوقت الذي أحفظ فيه، وأريد - إن شاء الله تعالي - أن أختمه، وقد قمت بالتقدُّم لمعهد إعداد الدعاة، وفي طريقي لاجتياز امتحان القبول، وأريد أن تكون نيتي في كل تلك الأعمال لله تعالي فقط، وليس للشهرة أو ليقول الناس عني إنني داعية، أو أتلقي الشكر من أحد.
علماً بأني كنت في دراستي أو عملي أحب الثناء جداً، وكنت مجتهدة ومتفوقة - ولله الحمد - ولكني أريد أن أتغير في أعمال الخير التي تتعلق بالدين، وأن تكون النية خالصة لله تعالي.
فبالله عليكم أبغي نصحكم، ولو في خطوات تشرح كيف يتسنَّى لي ذلك، وكيف أفعل ذلك؟
أنا في انتظار ردكم على البريد الإلكتروني، وجزاكم الله عني خير الجزاء.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة.. مرحباً بك في موقع (الألوكة) وأهلاً وسهلاً..
سررنا جميعاً برسالتك التي تبعث فينا الطمأنينة بأن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ما زالت بخير، بوجودك ووجود أمثالك من الفتيات الصالحات. أريد أن أعلِّق على سؤالك في النقاط التالية:
أولاً: قلقك على النية وإخلاصها دليل على حياة الإيمان في قلبك، وقد كان السلف الصالح - رضوان الله عليهم - يشغلهم ما يشغلك من إخلاص النية والعمل لله عز وجل.. فهذه علامة جيدة؛ فاحمدي الله عليها.(141/1)
ثانياً: إخلاص النية لا يأتي بطريقة عفوية، بل تحتاج النية إلى العمل عليها، عبر المراقبة اللصيقة لها ولما يصاحبها من قول أو فعل مهما صغر، ومن ثَمَّ مراجعتها قبل الإقبال على أي عمل, والعمل على تنقيتها من شوائب هوى النفس (الشهرة, والذكر الحسن, والمكاسب المادية وغيرها). فكما أن أداء الصلاة هو عمل فكذلك تنقية النية وتصويبها هو عمل أيضاً.
ثالثاً: من العلامات الواضحة للإخلاص في أي عمل، عدم تأثُّرِهِ بمدح الناس أو ذمهم، صحيح أننا جميعاً نشعر بالسرور والحماس عندما نستمع إلى الثناء, وتتثبط همتنا عندما نستمع إلى الذم، لكن أن يكون هذا هو المحرك الأساسي فهذه علامة خطيرة.
رابعاً: هناك لحظات مهمة وخطيرة يجب أن تنتبهي لها، وهي لحظات اطلاع الناس على عملك وثنائهم عليه، انتبهي في هذه اللحظات المهمة من مشاعر الكبر والغرور, واحمدي الله في نفسك على الهداية والتوفيق, وأنه لولاه سبحانه لما كان ما كان.. واسألي الله القبول واستعيذي من إحباط العمل.. ولا تفزعي ولا تخافي بعد ذلك, فقد ظهرت مثل هذه الأسئلة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسأله أصحابه عنها؛ فقد جاء في صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه ؟ قال : ((تلك عاجل بشرى المؤمن)).
عاجل بشرى المؤمن؛ لأنه لم يعمل العمل ابتداءً ولا انتهاءً من أجل أن يراه الناس؛ لكنه لما عمل العمل، أَطْلَعَ الله عليه الناس؛ فحمدوه عليه، بخلاف من يعمل العمل ليُحمد عليه.
ختاماً: من المعلوم أن الأمر ليس بهذه السهولة، لكن عندما يجد الله - عز وجل - منك الجهد الذي تبذلينه في إخلاص النية وتنقيتها فسيعينك بمشيئته، ويتقبل منك برحمته وكرمه بعباده، إنه سبحانه جواد كريم رحيم.
وفقك الله إلى كل خير، ولا تنسي أخوانك من صالح الدعاء.
ومرحباً بكِ دوماً في موقع (الألوكة).(141/2)
العنوان: كيف أحكم على تصرفات خطيبي؟
رقم الاستشارة: 87
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
حدث لي موقف مع خطيبي أودُّ أن أستشيركم فيه؛ توفي ابن عم والدة خطيبي، فسألني خطيبي: ماذا ستلبسين إذا ما قدمتِ للعزاء؟ فقلتُ له: سألبس ثوباً أسود. فردَّ عليَّ: لاتلبسي أسود، البسي فستاناً أحمر!! فاستغربتُ كثيراً لردِّه عليَّ، وقلتُ له: هذا لا يصحُّ، ولم هذا أصلاً؟ فقال لي: أبي مريض بالسرطان، ولبسُك الأسود فيه فألٌ سيئ!!
لقد سألتُ نفسي وقتها: كيف يكون بهذه العقلية وهو شابٌ متعلِّمٌ، يحمل شهادة البكالوريوس، وعمره 33 سنة!!
-----------------------------------------
الجواب:
مرحباً بكِ دوماً أختي الكريمة في موقعك (الألوكة)
كما ذكرتُ لك في سؤالٍ سابقٍ: خذي مثل هذه المواقف الصغيرة كمفتاح للصورة العامة التي يجب أن تبنيها عن خطيبك، في سبيل اتخاذ قرار الانتقال خطوة إلى الأمام – أي: الزواج - لكن أحذِّركِ من أمرَيْن:
الأول: أن يكون قبولك له هروباً من وضعٍ اجتماعيٍّ معين؛ ( مشاكل في البيت, أنا كبرت ويجب أن أتزوج ...).
الثاني: أن يكون قبولك له بسبب اليأس من أن يأتي غيره لخِطْبتك.
في كلا الحالتين تكون النتائج عادةً مؤلمة، وكم قابلتُ من الفتيات اللواتي دفعنَ ضريبة قرارهم المندفع وغير المدروس غالياً.
لا أستطيع أن أحكم على خطيبك، وكما أشرتُ سابقاً: استعيني برأي الحكماء - أقولُ الحكماء - من أفراد عائلتك، واستخيري الله – عزَّ وجلَّ - وسيوفقك الله برحمته إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة.
مرحباً بك دوماً سيدتي، وأهلاً وسهلاً.(142/1)
العنوان: كيف أختار شريك حياتي
رقم الاستشارة: 96
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
تقدم لي شابٌ أكبر مني بـ 11 سنة، وغير مهتمٍ بمظهره، فهل هذا يعني أنه بخيل، برغم أن لديه كل شيء، وأنه جاهز للزواج، فهل أقبل أم لا؟ وكيف أختار شريك حياتي؟
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة، مرحباً بكِ في موقع (الألوكة)، وشكراً لثقتك الغالية.
دعيني أولاً أذكِّر بأن اتخاذَ قرارٍ مثل هذا ليس بالأمر السهل، وهو من التحديَّات التي تواجه أي فتاة في المرحلة العُمْرِيَّةِ التي تمرين بها، وهذا يؤكد على شدة الحاجة إلى الالتجاء إلى الله - عز وجل - في هذا الأمر وغيره, واستخارته فيمن تَقَدَّمَ, والإلحاح في الطَّلَب أن يُوَفِّق في اتخاذِ القَرَارِ الصحيح.
في الواقع؛ هناك معايير عديدة تُساعِد أي فتاة على اختيار شريك حياتها، ولا شَكَّ أن الدين، والمحافظة على فروضه، وتَجَنُّب مُنكراتِهِ أمرٌ في غاية الأهميَّةِ، ولكنه - أيضاً - لا يكفي وحده؛ فالتحلي بالأخلاق ولطف المعاملة (وهي من الدين ولا شك) وطيب المعشر.. كل هذه المعايير لها أهمية كبرى.
من المعايير أيضاً: راقبي كيف يتعامل مع أَخَوَاتِهِ البنات؛ هل يكرمهن ويلبي طلباتهن؟ وكيف ينظرن إليه؟ هل هو الأخ الحنون الطَيِّب؟ هذا مؤشرٌ على كيفية تعامله معك في المستقبل؛ هو مؤشر ولا يعطي حُكْماً نِهَائِيّاً!
الاهتمام بالشكل أمر مطلوب أيضاً، ولكنِّي أعرف الكثير من الرجال الذين لا يهتمون بشكلهم لأسباب عديدة؛ ومنها غياب زوجةٍ تهتم بذلك.
على كلٍ, يجب الانتباه؛ لأن قسماً آخر تمتلئ حياتُهُ بالفوضى وقلة النظافة واللامبالاة, ويقاومون أي تغيير في ذلك. ويمكنك معرفة ذلك عبر ملاحظة التغيير الذي يقوم به بالعناية بِشَكْلِهِ بعد إعطائِهِ بعض التَّلمِيحات عن هذا الأمر.(143/1)
هناك سلاحان فَعَّالان، يمكن أن تستعين بهما المرأة أمام هذا القرار:
الأول: هو السؤال عن الشاب المتقدم, والاستفسار عن أخلاقه وتعامله من أكثر من مصدر وبأكثر من طريقه, ولكن يجب أن ننتبه إلى أن الكثير من الناس يخفون بعض المعلومات المهمة عندما يعرفون غرض السؤال وهو الزواج, من باب تيسير الزواج! فيجب الحذر.
والسلاح الآخر: هو فترة الخطوبة (أي قبل عقد القَرَان)؛ فهذه الفترة هي فترة اختبارٍ تظْهَر فيها الحسنات والعيوب (ولو بمقدار مُخَفَّفٍ), وتُعطيكِ فرصةً للتفكير والتَّرَاجُع إذا لَزِم الأمر.
من المحذورات التي قد تُعَطِّل الحكم الصحيح تَأَجُّجُ العاطفة والحب, وقولك (غداً يَتَغَيَّر) في أمور مهمة وحيوية, وغير ذلك.
ختاماً: دعيني أُكرِّر التأكيد على ضرورة اللجوء إلى الله - عز وجل - والإلحاح في الطلب بأن يهديكِ ويوفِّقَك ويفتَح عليكِ فتوح العارفين.
وفقكِ الله إلى كل خير, ومرحباً بكِ ثانيةً في موقع (الألوكة).(143/2)
العنوان: كيف أربي أولادي؟
رقم الاستشارة: 146
المستشار: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم.
أشكركم على إجابتكم، عندي مشكلة؛ هي أن طفلي - وعمره 3 سنوات - لا يأكل جيدًا؛ بل يكره الطعام ما عدا السلطة، وقليل من الفواكه مثل التفاح. وفي بعض الأحيان أضربه؛ لكي يأكل؛ فيأكل خوفًا من الضرب، وإن لم أضرب أو لم أهدّد؛ بمثل أنه لا يذهب إلى الخارج، أو سيدخل في الغرفة ولا يخرج؛ لا يأكل. وأعرف أن الضرب ليس بالطريقة الجيدة في التعامل مع الأطفال.
والمشكلة الكبرى تكمن - هنا - عندما أضربه لكي يأكل، فإن زوجي يصرخ، ويقول أمام الطفل: لا تضربيه! إذا كان جائعًا فسيأكل، دعيه وشأنه. بعد ذلك أغضب ونتشاجر أمام الطفل، وبعد أن أهدأ أشعر أنني أخطأت؛ لأني صرخت في وجه زوجي أمام ولدي؛ لأني لم أرَ أمي وأبي يتشاجران أمامنا، حتى وإن كانوا غاضبين جدًّا. وأنا أريد أن يعيش أولادي كما عشت أنا؛ فأنا عشت حياة لا مثيل لها؛ أمي الحبيبة وأبي الحبيب لم يضربا أحدًا من إخوتي. إذا أخطأنا أو لم ننجح في الاختبارات، كانوا يكلموننا على انفراد مثل الكبار، وأنا أحب أن أربي أولادي كما عشت أنا؛ ولكن..! للأسف فزوجي ليس مثل أبي؛ لأن زوجي لا يحب الحوار!! بعض الأحيان أقول لنفسي أخطأتِ الاختيار!!
إخواني، والله أنا حزينة، وخائفة، وأخاف أن يصبح أولادي بلا أخلاق مثل كثير من أولاد المسلمين، الذين يعيشون في أوروبا.
وأنا لا أريد أن يصبحوا مثلهم، أو مثل أولاد الكفار.
أريد أن أربيهم أفضل تربية، وأن أجعلهم في المستقبل مثل عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وصلاح الدين الأيوبي.
من فضلكم ساعدوني؛ لكي أحقق أغلى أهدافي لديَّ، وهي حسن تربية أولادي.
أذكركم، أنا لا أضرب كل مرة إلا عند الطعام.
وشكرًا.
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.(144/1)
السيدة الفاضلة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكر لك تواصلك مع الموقع، وعسى أن تجدي في الأسطر القادمة ما يجيبك على تساؤلاتك.
سؤالك تضمن ثلاثة محاور، أحاول ترتيبهم:
1- يضايقك أن طفلك الذي عمره 3 سنوات لايتناول الطعام؛ بل يكرهه، ولايأكل سوى السلطة، وبعض التفاح، وذلك عندما تهددينه بالضرب أو الحرمان أو الحبس.
2- هذا الأمر يسبب النزاع و الخصام بينك وبين زوجك (زوجك يريد أن تتركي الطفل وشأنه، وأنت تصرين على إجباره) ويكون هذا النزاع أمام طفلك. أنت تثورين و تغضبين، ثم تندمين على ذلك؛ لأنك ترين أن نقاش الأمور الأسرية يجب أن يتم بعيدًا عن الأطفال، وذلك كان فعل والديك الأفاضل.
3- أخيرًا تتساءلين بخشية كيف تربين أطفالك، وتجعلينهم رصيدًا للأمة؛ كما كان عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وصلاح الدين الأيوبي.
هذه محاور رسالتك الثلاثة، وقد تم التعريض بين ثنايا رسالتك أن زوجك لا يؤمن بالحوار، مثل والدك مما دفعك للتساؤل: هل أخطأت الاختيار؟! وأنا افترضت أنك تقصدين: هل أخطأت باختيار زوجك؛ لأنه لا يؤمن بالحوار؟!
وأنا أقول لك: إن زوجك يؤمن بالحوار أكثر منك، لأنكِ قلت عنه إنه يطالبك بعدم إجبار الولد على الطعام، وأنه سيأكل متى جاع، وأن الذي يجبره هو أنتِ!! إذًا من هو الذي يؤمن بالحوار؟ أنتِ أم زوجك؟!
اطمئني لقد أحسنت الاختيار..
وسأجيبك عن المحور الثالث: بداية الحمد لله أنك تفكرين وتسعين إلى تربية أطفالك؛ ليكونوا رصيدًا لأمة الإسلام، وأول ما يعينك على هذا الشيء بفضل الله - جل وعلا - هو أن تكون الأسرة أسرة هادئة، يقوم الأب فيها والأم بدوريهما التربوي الحيوي، دون نزاع أو خصام؛ بل بتكامل وتعاون وانسجام.. فكيف يتم هذا؟!
وأنتِ ذكرتِ برسالتكِ أنكِ تدركين أن الخصام لا ينبغي أمام الطفل؛ والشعور بالمشكلة هو من الخطوات المهمة لعلاجها.
علاجها: وهنا نأتي للمحور الثاني والأول في مشكلتك، وهو التالي:(144/2)
تحقيق التواصل الفعال، الذي ينبني على أمرين هامين (وما سأذكره لك سيفيدك في جميع علاقاتك: الزوجية والأسرية والوظيفية ومع أولادك، وفي جميع أدوار حياتك إن شاء الله).
لكنني سآخذ مثلاً على التواصل الفعال: تواصلك مع ابنك الصغير جعله الله قرة عين لك ولأبيه.
العنصر الأول: وضع هدف ورؤية واضحة تعيشينها يوميًّا بحواسك، وتشتاقين للوصول إليها، وجَعْلِها حقيقة ماثلة أمام عينيك (رؤيتك أنتِ أن يكون أولادك كعمر بن الخطاب - رضوان الله عليه -) هذه الرؤية عيشيها حقيقة واقعة بحواسك: كأني بكِ تنظرين لابنك وقد أصبح شابًّا، وقد زاده الله بسطة في العلم والجسم، وتسمعينه يتحدث ويخطب ويحاور ويناقش، وتسمعين مَن حوله يتأثرون به، ويدعون له لفعله الخيرات، ويدعون لوالديه لإحسانهما تربيته، فتتولد لديك مشاعر عظيمة جياشة، وقد أصبح قائدًا أو مخترعًا أو حافظًا للقرآن، مؤثرًا بمجتمعه ووطنه وأمته.
العنصر الثاني: جنبي المشاعر السلبية مهما كانت قوية؛ لكي تصلي لهذه الرؤية، وتصبح حقيقة. وكلما كانت رؤيتك واضحة كلما استطعتِ التحكم بمشاعرك، وأَدَرْتِها بنفسك، ولا تسمحي لتصرفات بسيطة؛ مثل رفض ابنك للطعام أن تعيقك للوصول للرؤية المرتقبة. فكلما شعرت أنك تغضبين أو تفقدين السيطرة على مشاعرك تذكَّري هدفَك ورؤيتك، واستحضريها لتكون ماثلة أمامك. بداية قد يكون هذا الأمر صعبًا، لكن مع الاستمرار عليه يصبح لديك عادة، وستجدين نفسك بعون الله هادئة. ولا تغضبي؛ لأنه في كل مرة تغضبين تتراجعين للخلف، وتكونين بذلك قد أضعت وقتًا وجهدًا، وأيضًا قد تفقدين مصداقيتك أمام الآخرين (زوجك وابنك).. (كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا).
وعليك إحسان الظن بالله - جل وعلا - أنه سيعينك على إدارة مشاعرك، وتحقيق هدفك فهو – سبحانه - عند ظننا به.. وهو الودود الغفور.(144/3)
وفي سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعظم مَثَل بشري عرف للتواصل الفعال، الذي نستطيع منه استخلاص العنصرين السابقين، اللذَيْن ذكرتهما لك.
فقد خرج الحببيب محمد من مكة مع صاحبه أبي بكر الصديق متخفّيًا بالليل، وكفار قريش يترصدون به. وعاد إليها مع عشرة آلاف مقاتل من قبائل العرب جميعًا. فجاءه كفار قريش فسألهم: ((ما تظنون أني فاعل بكم؟)) فأجابوه: "أخ كريم، وابن أخ كريم".
فأجابهم - صلى الله عليه وسلم -: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)).
هدف الرسول - صلى الله عليه وسلم -: نشر الدعوة الإسلامية، وتبليغ الرسالة.
لذلك جنَّب الرسولُ الكريم المشاعرَ السلبية تجاه كفار قريش وصناديدها؛ ليحقق هدفه مستعينًا بقوله – تعالى -: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].
ولعلك إن أحببت أن تقرأي استشارة سابقة بموقع الألوكة "كيف أصير أمًّا" ففيها بعض كتب تستطيعين قراءتها.
ختامًا: أدعو الله - جل وعلا - أن يعينك - وأنت بالغربة - على تربية أولادك على ما يحبه الله و يرضاه، وأن يجمع بينك وبين زوجك بخير أنه ولي ذلك والقادر عليه.(144/4)
العنوان: كيف أزيد من مخزوني الثقافي ؟
رقم الاستشارة: 67
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقةً أنا أشعر بالاستغراب عندما أجد بعض الناس يعلمون كل شيء، ويربطون الأحداث ببعضها، وأجدهم واسعي المعرفة والثقافة!!
فهل هناك طرق ووسائل تساعد على زيادة المخزون الثقافي لدى الشخص؟
جزاكم الله خيراً.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم.. السلام عليكم ورحمة الله، مرحباً بك في موقع (الألوكة).. وأهلاً وسهلاً..
المفتاح الأساسي لزيادة المخزون الثقافي لدى أي شخص هو الاهتمام، أن يشعر بالحاجة والرغبة والمتعة باكتساب ما يمر عليه من معلومات وأحداث، ومن ثَمَّ ربطها بما لديه من معلومات سابقة.
تابع معي هذه النقاط التالية عن بعض الأساليب والأفكار التي أجد أنها الأكثر أهمية في هذا الموضوع:
أولاً: أفضل مُحَفِّز لكسب المعلومة هو أن تندرج ضمن اهتماماتك وأولوياتك؛ فأنت تعلم أنه - لسبب أو لآخر- لكل منا موضوع ينسجم معه، ينشدُّ إليه، يطرب للحديث فيه أو للاستماع إليه، عندما تبدأ ببناء مخزون ثقافي متعلق بهذا الموضوع فستجد أن الأمر في غاية السهولة والإمتاع.
ثانياً: ابحث عن طريقة لتشارك بها الآخرين، ما اكتسبته من علم ومعرفة، بهذه الطريقة ستجد المحفِّز الكافي لإتقان ما تتعلمه وتقرأه، وسوف يرسخ في ذاكرتك فلا تنساه أبداً، وقد وجدت أن أفضل طريقة لذلك هي محادثة الأصدقاء المهتمين، وعن طريق الكتابة والنشر في أي مكان.
ثالثاً: من المقولات الجميلة التي تعلمتُها يوماً: "إن المثقف هو الذي يعرف شيئاً عن كل شي، وكل شيء عن شيء". لقد انتهى زمان الرجال (الموسوعيين)، الذين يعرفون كل شيء، وهؤلاء - إن وجدوا - ستجد أن ثقافتهم ضحلة وليست عميقة، اليوم هو زمان التخصص المتعمق مع الإحاطة العامة بالعلوم على اختلافها..(145/1)
رابعاً: هناك العديد من التقنيات الرائعة التي يمكن استخدامها لتقوية الذاكرة والحفظ، تذكر أن الدماغ كالعضلة تنمو وتقوى بالتدريب والرياضة والممارسة؛ ولذا أرجو أن تُراجِع أقرب مكتبة؛ لاقتناء كتاب حول تنمية المهارات الذهنية، أو الالتحاق بإحدى الدورات المفيدة في هذا الجانب.
خامساً: قم بتحفيز نفسك وربط كل جهد بهدفٍ سامٍ، وردد على نفسك: "يجب أن أتعلم هذا؛ فأمتي وبلدي وأهلي بحاجة إلى هذا العلم، بحاجة إلى من يتقنه، وأنا سأكون ذلك الشخص".
عندما نربط عملنا اليومي وسعينا لكسب أي معلومة بالنجاح الحقيقي في الدنيا والآخرة، فسوف تنبض في عروقنا طاقة قوية لا مثيل لها..
ختاماً: يبقى العامل المميز بين الناس في هذا الجانب هو الممارسة المستمرة دون كلل أو ملل، وهذه هي الطريقة المُثلَى لتعلُّم أي شيء.
وفقك الله بتوفيقه.. ومرحباً بك دوماً في موقع (الألوكة).(145/2)
العنوان: كيف استفيد من تجربة الابتعاث على أكمل وجه؟
رقم الاستشارة: 200
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،
وفَّقني الله للقبول كمُبْتَعَثٍ من قِبَل وزارة التعليم العالي في السعودية إلى الولايات المتَّحدة الأمريكية؛ للحصول على شهادة (البكالوريوس) في تخصُّص التَّسويق، وسأقيم في الولايات المتَّحدة قرابة العامَيْن لِلحُصُولِ على هذه الدرجة، وأطمَحُ بَعْدَها إلى أن أحْصُل على درجة (الماجستير) أيضًا بإذن الله.
أتَمنَّى أن أستفيد من تجربة الابتعاث على أكمل وجه، ليس دراسيًّا فحسب؛ بل حتَّى نفسيًّا وعلميًّا و فكريًّا، ولكن لا أعلم: كيف أبدأ؟
حَسَبَ ما قرأتُ في بعض السِّيَر الذَّاتية للمُستشارينَ الكِرام: أنَّ فيهم مَنْ دَرَسَ في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، ولِثِقَتِي في كوْنِهم أهلاً للاستشارة؛ أعرضُ عليهمْ هذا السُّؤال؛ طالبًا منهم توجيهي ونصيحتي:
كيف أستفيدُ من تجربة الابتعاث على أكمل وجهٍ؟
علمًا بأنَّني طالبٌ في ولاية (OHIO)، وتحديدًا مدينة (Cleveland) في جامعة (Cleveland State University)، وسأقيم هناك قرابة الأربع سنوات - بإذن الله.
رعاكم الرَّحمن
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم:
مرحبًا بكَ في موقع (الألوكة)،
سُررتُ برسالتكَ غايةَ السُّرور؛ فكم من شابٍّ ابتُعِثَ إلى الغرب وعاد دون أن يكون لذلك أيُّ أثرٍ في حياته؟! وترى أنَّها لم تكن سوى خسارة للمال والأعمار.
لم أسافر إلى الغرب، لكنِّي على اتِّصالٍ وثيقٍ بمَنْ يسافرون ويعودون؛ لذا سأقترح عليكَ الأمور التَّالية:(146/1)
أوَّلاً: دَعْنا نَتَذَكَّرُ أنَّك تعيش الآن في دولةٍ أقامت حضارةً لها وزنُها وقيمتها، ليس لديَّ شكٌّ في أنَّ الحضارةَ الغربيَّة تَحتوي على أخطاءٍ رهيبة، لكنَّها - في الوقت ذاته - قدَّمت أشياءَ إيجابيَّة كثيرة، وأنَّ هُناك الكثير من الأمور الرَّائعة التي يمكن أن تتعلَّمها وتنقلها إلى بلادنا.
أقول هذا لأنَّ هناك مِنَ المُبْتَعَثينَ مَنْ لا يرون سِوى أنَّهم يعيشون في حضارة الكُفْر التي لا قيمة لها, ومثل هؤلاء سوف لن يستفيدوا من الابتعاث شيئًا.
ثانيًا: كُنْ فُضُولِيًّا!! تحرَّرْ من كلِّ الأفكار والتَّصوُّرات التي تحملها في ذهنكَ عن هذا البلد وأهلِهِ، واقتربْ لاستكشافِهِم من جديد، والتعرُّفِ على سِرِّ قُوَّتهم والجوانب الإيجابيَّة في حياتهم، وتعرَّفْ أيضًا على موضع الخَلَل في حياتهم، ذلك الذي أوصلهم إلى الحضيض في بعض جوانب الحياة الأخرى.
لقد قام الغرب في حقبة من الأحقاب بدراسة العالم الإسلامي في أَوْجِ قوَّته والاستفادة منه، ولنا كامل الحقِّ في أن نُعيدَ نحن الكرَّة مرَّةً أخرى.
ثالثًا: عندما تَستيْقِظُ كلَّ صباح اسألْ نفسَكَ هذا السؤال: ما الشيءُ الذي يمكن أن أتعلَّمَهُ هنا، ولا يُمكن الحصول عليه في بلدي؟
ركِّزْ دائمًا على طريقة التفكير والتعامل مع الأشياء، وعلى تلك المسارات التي يسلكها المميَّزون هناك.
ركِّزْ على دراسة النُّظم والقوانين التي خَلَقَتْ وضعًا إيجابيًّا هناك.
ركِّزْ على الاتِّجاهات والأفكار الجديدة.
إيَّاك أن تَغُوصَ في تفاصيل المعلومات؛ فالوصول إلى المعلومة أصبح أمرًا سهلاً، حتى لو كنت تعيش في أدغال إفريقيا!!
كُنْ طالبًا بكلِّ ما لهذه الكلمة من معنى؛ طالبًا للعلم والحكمة، واجعل كلَّ لحظة فرصةً لأن تتعلَّم فيها شيئًا جديدًا ومفيدًا.(146/2)
رابعًا: من الوسائل المهمَّة للغاية والتي ستُغَيِّر حياتكَ: أن تحتفظ بسجلٍّ تسجِّلُ فيه - كلَّ يومٍ - أفكارَكَ وانطباعاتِكَ وملاحظاتِكَ وما تعلَّمته من أشياءَ جديدة ... اكتب ذلك دون ترتيب أو تنظيم، فقط اكتب دون أيِّ هدف، وداوِم على ذلك كلَّ يوم. صدِّقني، سيتحوَّل هذا السِّجلُّ إلى كَنْزٍ، وستتغيَّر حياتك جذريًّا لو حافظت على هذه العادة الحميدة.
ختامًا: لابدَّ أن تذكِّرَ نفسكَ دائمًا أنَّكَ لو حصلت على أعلى الشهادات؛ فهذا لا قيمة له لو ضيَّعتَ دِينكَ أو شيئًا منه؛ دِينُكَ هو سبب حياتكَ ومقوِّمُها، ولو ضاع فلا معنى لهذه الحياة ولا قيمة لها.
أشكركَ على زيارة موقع (الألوكة)، تقبَّل تحياتَّي العطرة، واعتذاري عن التأخُّر في الرَّدِّ على رسالتِكَ.
انتبه لدِينِكَ!!(146/3)
العنوان: كيف أصير أماً ؟
رقم الاستشارة: 134
المستشار: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
السؤال:
لأنني جديدة على الأمومة, ودائمًا تشغلني (التربية)، وما لها من دور وخطر في التأثير على شخصية الطفل، هكذا أصيغ سؤالي.. كيف أصير أمًّا؟
كيف أعرف أن ما أتصرَُّفُه مع طِفْلتي هُوَ الصحيح؟ ولا أَقْصِدُ هنا ما يمكن تصوُّره، ومعلوم أنه هو الصحيح لعاقل.
لكني أقصد في التفاصيل الصغيرة، التي ربما تؤثر في شخصيتها من غير ما أُحِسّ..
مثلاً.. قرأت يومًا أن التهديد الوهمي لا يَجِبُ مع الأطفال.. وهذا دائمًا أكرره مع إخوتي الصغار، وأسمعه تقريبًا عند كلِّ مَن حولي.. (كُلْ أكْلك وإلا فَسَأُنَادِي أباك) مثلاً يعني تفاصيل ربما لا نلحظها. كيف أستطيع أن أتنَبَّهَ لها؟!
وللعلم ابنتي عمرها 6 أشهر (مازالت صغيرة) وأريد نصيحتَكُم في أحسن الكتب في هذا المجال عربيةً أو أجنبيةً!!
-----------------------------------------
الجواب:
أشكُرُكِ لِتَواصُلِكِ مع موقع الألوكة، عسى أنْ يكونَ التَّواصُلُ دائمًا لدوامِ الفائدة...
وأقدِّرُ سؤالَكِ، وحرصَكِ على معرفة الطريق الصحيح؛ لتُصْبِحي أمًّا...
والأكثر جمالاً أن ابنتَكِ مازالت صغيرة، وتَحْرِصِينَ على تربيتها من هذه السن...
عسى الله - جل وعلا - أن يُقرَّ عينَكِ بابنتِكِ، وتبلغَ أَشُدَّها، ويرزُقَكِ بِرَّها...
سؤالك ممتدٌّ بامتداد عمركِ كلِّه عزيزتي... (كيف أصير أمًّا؟).....!!!!!!!!!!!!!!! والجواب لا يمكن أن يُخْتَزَلَ بأسطر..
هذه المهنة الشريفة، التي لا تُفَارِقُكِ بِنَوْم أو يقظة... ولا بِلَيْلٍ أو نهار.. ولا بأي حال من أحوالك...
الأمومة شرفٌ ما بعده شرف.. واسمحي لي أن أصيغَ سؤالك كالتالي: (كيف أصير أمًّا مربية؟)..وإلا فالأمهات (بالاسم) كثيرات، إنما الفارق هو - كما شرحت بسؤالك - كيف أربي ابنتي على الطريقة الصحيحة؟!(147/1)
ويتَّضح من المعلومات التي أوردتها أن لديك معلوماتٍ، ومهاراتٍ جيدةً عن التربية، ولكنك تَتُوقِين للأفضل..
وفي ثنايا سؤالك كتبت الجواب:
سألتِ (ما هي أفضل الكتب..؟)
نعم.. فالقراءةُ هي السبيل للمعرفة.. ولكن قبل أن أدلك على الكتب النافعة بهذا المجال، آمُل أَنْ تَكُونَ لديْكِ هذه القناعاتُ الثَّلاثة، التي تعينك أن تكوني أمًّا مربية بإذن الله:
القناعة الأولى:
إحسان الظن بالله - عز وجل -: هذا المورد العظيم لن تقرأيه بأي كتاب أنتجه الغرب؛ لأن هذا المورد العظيم حصرٌ للمسلم من كل سكان الكرة الأرضية سابقًا ولاحقًا، فالحمد لله على نعمة الهداية، ونِعمة الإسلام، والحمد لله الذي بَشَّرنا فيمَا رواهُ عَنْهُ سيدنا ونبينا محمد بن عبدالله: ((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ عَبْدِي مَا شَاءَ))، فأحسني الظن بالله بأنه يُعِينك أن تكوني أفضل أمٍّ مربية، ويعينك على تحقيق هدفك السامي.
القناعة الثانية:
الإيمان بقدراتك وإمكاناتك (الأدوات) التي أنْعَمَ الله بها عليك..
وأقترحُ عليك لتدركي هذا الكنز الذي في داخِلِكِ: أمسكي ورقة وقلمًا، واكتُبِي ما تَمْلِكينَهُ من أدوات، وأنا متأكدة بفضل الله أنَّكِ ستَكْتُبِينَ ما يزيد عن الخمسين واحدة..ولله الحمد من قبل ومن بعد..
القناعة الثالثة:
أن ترْفُضِي الرسائل السلبية التي تأتيك، سواء من داخلك لذاتك (والمقصود بها الحديث السلبي، الذي قد تُحَدثين به نفسك؛ إن صدر منك أخطاء بالتربية تِجاه ابنتك)، أو تأتيك من الآخرين (أقول لك: إنَّه مِن آفات مجتمعنا العربي أنه ينشغل بالآخر كثيرًا، وأسهلُ ما يقوم به أن يصنف الآخر، ويحكم عليه أكثر من أن ينشغل بإصلاح نفسه ومحيطه) واستبدلي هذه الرسائل السلبية مباشرة برسائل إيجابية تُوَجِّهينَها لنفسك، مستعينة بالقناعة الأولى، والقناعة الثانية التي ذكرتها أعلاه.(147/2)
أما الكتب فأفضل ما تفعلينه أن تَجُولي بنفسك في المكتبات، وتختاري الكتاب الذي يناسبك، أو تجولي في مواقع الإنترنت، وتختاري ما يناسبك (تبعًا لبيئتك، وثَقَافَتِكِ، واحتياجاتك)
وأقترح عليك مايلي من كتب:
الكتب التي تبحث في التربية بالحب، هناك أشرطة للدكتور ميسرة طاهر بهذا الشأن، وسبق واستضافني موقع "لها أونلاين" في حوار حي حول "التربية بالحب"، أنصحك بالاطلاع عليه، والاستفادة منه.
كتاب "هكذا رباني جدي الشيخ علي الطنطاوي" لمؤلفته حفيدة الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله وغفر له - وجميع علمائنا و مشايخنا، الجميل في هذا الكتاب أنه يعرض لمواقف واقعية، مرَّت على حفيدة الشيخ الطنطاوي - رحمه الله - وذكرت كيف تعامل معها الشيخ بالتحفيز، أوالتوجيه، أو العقوبة، أو الاستحسان بشكل غير مباشر..وهكذا...
كتاب "دراسات تربوية في الأحاديث النبوية" لمؤلفه الأستاذ الدكتور محمد لقمان الأعظمي الندوي، تجدينه بمكتبة العبيكان إن كنت من ساكنات الرياض.
مؤلفات الأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار في فلسفة التربية، وله أيضًا صفحة شخصية ومقالات في موقع الألوكة، وفي موقع الإسلام اليوم. فمن هذه الكتب تتفهمين الفكرة العميقة من التربية، وتتمكَّنين بذلك من اختيار المهارات اللازمة، التي تعينك على زرع هذه الفكرة. من الكتب التي تعلم وتكسب المهارات، وفيها تدريب منتظم كتاب "التدريب الفعال للتربية المنتظمة"ويختصر بـ STEP.
"The Systemic Training for Effective Parnting"
تأليف "دان دينكماير وجيري ماكي: ترجمة الدكتورة سهام الصويغ" .. الجميل بهذا الكتاب وجود جداول، وتدريب منتظم لقياس مدى تطور وتحسن الوالدين خلال تربيتهم لأبنائهم، أي نقل المعنوي الوجداني للمحسوس.
وأما استفهامك عن التهديد الوهمي، فإني أنصحك بأمرين:
اجعلي من كينونة الأب شخصًا محبوبًا، لكنه مهابٌ.. وليس وحشًا يُخشى من تواجده في البيت.(147/3)
التزمي الصدق دائمًا مع أولادك، فإن كان في ما أسميتِه (التهديد الوهمي) شيء - ولو قليل -من عدم الصدق، فأنت في غنى عنه.
آمل أن أكون قد أجبتُكِ على سؤالك... وفقك الله لحسن تربية أبنائك...(147/4)
العنوان: كيف أضبط علم النحو وأتقنه؟
رقم الاستشارة: 48
المستشار: د. حسن بن محمد الحفظي
-----------------------------------------
السؤال:
ما أسلم طريقة لطالب العلم في إتقان النحو، وتقويم اللسان؟
-----------------------------------------
الجواب:
بداية لابد من الاعتراف بأن علم النحو من العلوم الصعبة، ولكنَّ هذه الصعوبة تقل تدريجياً عند الاهتداء إلى الطريق القويم لتعلُّم هذا العلم.
والطريق القويم والمنهج السليم - فيما أرى - يكون على النحو الآتي:
أولاً: إخلاص النية عند طلب هذا العلم وغيره، فمن أقبل على هذا العلم، أو على غيره فإن عليه أن يُخلص في طلبه، ويقصد وجه الله - تعالى - وبالنظر إلى هذا العلم بالذات فإن توجيه النية للقيام بخدمة كتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبهذا القصد تسهل الصعوبات لأن طالب العلم يعرف أنه مأجور بنيته.
ثانياً: التدرج في طلب هذا العلم، فيشرَع أولاً بالنظر في المختصرات كـ"الآجرّومية"، والميسر من شروحها، ويمكن الانتقال بعد ذلك إلى "قطر الندى" و"شرحه"، ثم إلى "ألفية ابن مالك" وشروحها، ثم إلى "شرح المفصل" لابن يعيش، ثم يكون النظر بعد ذلك لمن يريد التخصص في هذا العلم فينظر في مصادره الأصيلة الكبرى كـ"شرح الرضي" للكافية، وكـ"تسهيل ابن مالك" وشرحه، كـ"الأصول" لابن السراج فـ"المقتضب" للمبرد فـ"كتاب سيبويه".
ثالثاً: ثنيُ الركب أمام العلماء الذين يقومون بتدريس هذه العلوم، وعدمُ الاعتماد على القراءة الفرديِّة، وقد قالوا قديماً: من كان شيخَه كتابُه كان خطؤه أكثرَ من صوابه. ولا بأس أن نبين السبب في هذا الاتجاه، وهو أن دقائق العلوم ونكتها، لا يستطيع الوصول إليها كل شخص بمفرده، في حين أن المتبحر في العلم قد عرَف العلاقات بين المسائل، ويستطيع الربط بينها، والموازنة بين مختلف الآراء، كما يستطيع الوصول إلى مصادر المسألة، وأماكن وجودها.(148/1)
رابعاً: بذل أقصى الجهد في سبيل التحصيل العلمي، فإن العلم يعطيك بعضه إذا أعطيته كلَّك، وإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، وهذا غير خاص بعلم النحو، بل هو عام في جميع العلوم.
خامساً: الالتزام بالمبادئ والمثل، وهذا سبب هامٌّ جداً؛ ذلك أن الالتزام يمنع من اتباع سبيل الغي والضلال، ويدفع إلى الجِدِّ، وسلوك سبيل الحق، وإذا كان طالب العلم متقياً لله – تعالى - مجتنباً ما نهى الله - عز وجل – أعانه الله على تحصيل ذلك العلم، ولعل مما يؤيد ذلك قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ}؛ [البقرة: 282].
سادساً: الحرص على الصحبة الطيبة التي تدل على الخبر وتعين عليه، وتحذر من الشر وتصرف عنه.
سابعاً: إعطاء كل ذي حق حقه، فالعلم له حقه، والأهل لهم حقهم، والنفس لها حقها.
ثامناً: العناية بالوقت، والمحافظة على كل دقيقة للإفادة من كل لحظة، فالوقت هو الحياة.
دقاتُ قلبِ المرءِ قائلةٌ له إنَّ الحياةَ دقائقٌ وثوان
تاسعاً: تنظيم الوقت ورعايته، والحرص على أداء كل شيء في وقته، وعدم تأجيل ما يمكن عمله اليوم إلى الغد.
عاشراً: علم النحو له أهداف عديدة، لعل أولها تقويم اللسانين القلم في الكتابة، واللسان في الكلام والخطابة، فكيف نستطيع تقويم أقلامنا وألسنتنا؟ لعل مما يساعد على ذلك:
أ - كثرة القراءة الصحيحة بصوت مسموع.
ب - الاستعانة - بعد الله - بأستاذك لتصويب القراءة، ولبيان ما يمكن أن تقع فيه من خطأ.
ج - الاستعانة بالزملاء الجيدين الذين تعرف أنهم يجيدون القراءة، ويحسنون الكتابة، فتسمعهم قراءتك، وتريهم كتابتك.
د - محاولة غسل الخجل، والتدرب على الجرأة في القراءة.(148/2)
هـ - المجال التطبيقي للنحو هو الإعراب، وهناك عدد من الطرق تعرِف بها نفسك، وصحة تطبيقك الإعرابي؛ كإعراب نص من النثر أو الشعر أمام أستاذك، أو زميلك المتميز الجيد، ومن ذلك اختيار آية كريمة أو آيات، والقيام بإعرابها كتابة، ثم مراجعة إعرابك الذي كتبته على أحد كتب إعراب القرآن، وبخاصة الكتب التي تُعرب جميع القرآن، ككتاب "الجدول في إعراب القرآن الكريم"، أو كتاب "إعراب القرآن الكريم وبيانه" لمحي الدين درويش، ومثله أيضاً إعراب بعض الشواهد الشعرية في الكتب النحْوية التي حققها محمد محي الدين عبد الحميد، ثم مراجعة إعرابك الذي كتبته على ما كتبه المحقق في حواشي هذه الكتب، ومن هذه الكتب التي أعرب شواهدها كتاب "أوضح المسالك" لابن هشام، وكذا "شرح قطر الندى" له أيضاً.
ثم بعد ذلك تتفكر فيما وقعت فيه من أخطاء في الإعراب، وتتبين السبب فتتجنبه.
ومع تَكْرار هذه العملية فإنك ستتقوى بإذن الله.
و - أرى أن الاطلاع على المؤلفات النحوية المعاصرة، والتمعن فيها مما يسهل تحصيل علم النحو، وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر كتاب "النحو الوافي" لعباس حسن، وهو كتاب عظيم القدر، جليل الفائدة، وهو صالح للمستويات العلمية المختلفة، وذلك أن مؤلِّفه قد جعله ثلاثة أقسام؛ قسم للمبتدئين مع اختصار واضح، وقسم للمتوسطين، وهو أوسع من سابقه قليلاً، وقسم للمتخصصين وطلبة الدراسات العليا.
وأوصي أيضاً بالاطلاع على شرح الدكتور عبد العزيز الحربي لألفية ابن مالك، ولم أر أيسر من هذا الشرح للألفيَّة؛ وذلك لحرصه على اعتماد الرأي الراجح، والدكتور مذكور بالخير، ونحسبه سليم الفكر والعقيدة، ولا نزكي على الله أحداً، وقد ذكر في أول الشرح مئة قاعدة نحْوية، أرى أنها استوعبت معظم الأمور الكلية النحْوية.(148/3)
هذا إيجاز لما أردت الحديث فيه، وأرجو أن أكون قد قلت كلاماً نافعاً، وأن أكون أول المستفيدين منه، وأسأله - تعالى - أن يُعيذني وإياكم من الخلل، والخطلن والزلل.
صلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.(148/4)
العنوان: كيف أطور شخصيتي؟
رقم الاستشارة: 211
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
كيف أطوِّر من شخصيتي وأكون محبوبًا؟
-----------------------------------------
الجواب:
أخي الكريم.. السلام عليكم ورحمة الله..
مرحبًا بك في موقع (الألوكة) وشكرًا لثقتك الغالية.
التفكير في تطوير الشخصية وتحسينها أمر ضروري لكلِّ شابٍّ؛ فأنفسنا هي أغلى ما نملك، وهي التي نواجه فيها هذه الدنيا القاسية..!!
تطوير الشخصية هو عملية طويلة الأمد تقوم على تكرار فعل العديد منَ الأفعال الإيجابية مرة بعد مرة إلى أن تتأصَّلَ في النفس، إنه استثمار في النفس وهو خير أنواع الاستثمار.
سأطرح هنا بعض النقاط الأساسية في هذا الموضوع:
أولاً: البداية تَكْمُن في حُبِّ الذات وقَبولِها كما هي، هو حُبٌّ غيرُ مشروط، تمامًا كحُبِّ الأب لابنه أيًّا كان هذا الابنُ، هذه هي البداية لبناء شخصية تمتلك الثقة بنفسها، وتنظر بإكبار إلى ذاتها وكيانها.
ثانياً: حبنا لأنفسنا لا يعني التسليم بعيوبِها والدفاع عنها؛ فالمُحِبُّ لذاته يسعى لتطوير ما هو قابل للتطوير, ويسعى للتعويض عن جوانب القُصور لديه، وتخيَّلْ معي رجلين يعاني كلاهما من عاهة مستديمة, الأول تقبَّلَ ذاته على عاهتها وانكبَّ على العمل والإنجاز حتى يتغلَّب على هذه العاهة, ويُطَوِّرَ نفسه, ويحقِّقَ النجاح والسعادة, وبذلك استطاع التعويض عن النقص الذي ابتُلِيَ به، أما الثاني فقد تملَّكه الحزن واليأس وأخذ يندُب حظَّهُ السيِّئَ فهذا الرجل اختار رفض الذات وليس العاهة.
ثالثاً: راقبْ كيف يتصرف الناجحون؟ وكيف يفكرون؟ ما سماتهم وصفاتهم وسلوكياتهم؟ هناك قاعدة يجب أن تفكِّرَ بها مليًّا: طالما أنَّ هناك شخصًا ما قد وصل إلى نجاح ما فيمكنني أن أصل على ذات النجاح.(149/1)
رابعًا: هناك وسائلُ عِدَّةٌ لكي نُطَوِّرَ بها أنفُسَنا، لكني وجدتُ أن أنفَعَها هو الالتزام بالقيام بأعمالٍ يومية إيجابية صغيرة لا يقوم بها الناس عادةً, وبشكل دائم ومتكرِّر؛ كقيام ليلٍ، أو صيام نهار، أو الالتزام بوِرْدٍ يومِيٍّ إضافي منَ الذِّكر، أوِ الصدقة في السرِّ، أوِ القراءة المركَّزَة في موضوع ما، أو إتقان رياضة ما، أوِ القيام بعمل يخدُم الشأن العامَّ، وغير ذلك كثير، ومن ثَم تسجيل هذه الإنجازات في دفتر شخصي، ستصبح مثل هذه الأفعال دليلاً يوميًّا على أنَّ نفسك تستحقُّ كُلَّ الحب والامتنان.
خامسًا: القراءة ثم القراءة ثم القراءة.. شخصيَّتُنا يا أخي سلطان في تغير دائم، وكما قال أحدهم: "إنك لا تسبح في النهر مرتين"؛ لأنه في تغير دائم، لكننا بحاجة إلى توجيه هذا التغيير ليصبح إيجابيًا نافعًا.. تذكر أنك إن لم يكن لك خطة لتوجيه حياتك وتطويرها ستكون جزءًا من خُطَطِ الآخرين..!! وأهمُّ وسائل التوجيه هي القراءة في الكتب النافعة والمشهورة.
سادسًا: حبُّ النَّاس يأْتِي خُطوةً ثانيةً بعد حبِّكَ لذاتك.. ومنَ السهولة أن تكسب الآخرين حينما تَهتمُّ بِهِم وتنصت إليهم وتستشعر ما يهتمون به؛ كما قال أحدهم: (أنا أحب الشكولاته.. والسمك يحب الدود.. عندما أصطاد سمكًا فإنِّي أقدم له دودًا وليس الشوكلاته..!!).
أنصحك بقراءة كتاب الكاتب الأمريكي دايل كارينجي "كيف تكسب الأصدقاء؟" ففيه الكثير مما تبحث عنه.
أخيرًا
وفقك الله إلى كلِّ خير.. ومرحبًا بك دائمًا في موقع (الألوكة).
: تَجربتي الشخصية هي اللجوء إلى دعاء الله - عز وجل - قد تستغرب، لكني وجدتُ لها مفعولاً هائلاً، وهذا أمر لا يحتاج إلى كثير بيان.(149/2)
العنوان: كيف أطور من شخصيتي وأكسب حب الناس؟
رقم الاستشارة: 30
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا رجل أهتم بالناحية النفسية كثيراً، وأهتم بتطوير ذاتي؛ لذا أحب أن تهدوا إليَّ نصيحة وتوجيهاً وإرشاداً؛ لكي أزيد من ثقتي بنفسي.
وكيف أكسب حب الناس؟
-----------------------------------------
الجواب:
أخي عبد الله، السلام عليكم ورحمة الله،
مرحباً بك في موقع (الألوكة) وشكراً لإعطائك الفرصة لنا لمناقشة موضوع هام كهذا الموضوع.
لقد نمت قضية تنمية الذات والثقة بالنفس في السنوات الأخيرة نمواً كبيراً؛ بسبب الحاجة التي يراها الناس في ذلك، إنه استثمار في النفس وهو خير أنواع الاستثمار.
سأطرح هنا بعض النقاط الأساسية في هذا الموضوع:
أولاً: حب الذات، وقبولها كما هي، هو البداية لبناء شخصية متكاملة، شخصية تمتلك الثقة بنفسها، وتنظر بإكبار إلى ذاتها وكيانها، هو حب غير مشروط، تماماً كحب الأب لابنه، أياً كان هذا الابن.
ثانياً: حبنا لأنفسنا لا يعني التسليم بعيوبها والدفاع عنها؛ فالمحب لذاته يسعى لتطوير ما هو قابل للتطوير, ويسعى للتعويض عن جوانب القصور لديه.
وتخيل معي رجلين يعاني كلاهما عاهة مستديمة:
الأول: تقبل ذاته على عاهتها وانكبَّ على العمل والإنجاز؛ حتى يتغلب على تلك العاهة, ويطوّر نفسه, ويحقق النجاح والسعادة؛ وبذلك استطاع التعويض عن النقص الذي ابتلي به.
أما الآخر: فتملكه الحزن واليأس، وأخذ يندب حظه السيئ؛ فهذا الرجل اختار رفض الذات وليس العاهة.
ثالثاً: عندما نحاسب أنفسنا على فعل غير لائق, يجب أن نفصل بين (أنفسنا) و(سلوكنا)، بمعنى أنه برغم ارتكابي لهذا الخطأ، الذي يستوجب التصحيح والتوبة، والاعتذار أحياناً, تبقى نفسي عزيزة وكريمة وغالية عليّ، حتى لو ارتكبت أخطاء كسائر البشر.(150/1)
رابعاً: هناك وسائل عديدة لكي نزيد من حبنا لأنفسنا، لكني وجدت أنَّ أنفعها هو القيام بأعمال يومية إيجابية صغيرة، لا يقوم بها الناس عادةً, وبطريقة دائمة ومتكررة, كقيام ليلة، أو صيام نهار، أو الالتزام بورد يومي إضافي من الذكر، أو الصدقة في السر، أو القراءة المركَّزة في موضوع ما، أو إتقان رياضة ما، أو القيام بعمل يخدم الشأن العام... أو غير ذلك كثير، ومِن ثَمَّ تسجيل هذه الإنجازات في دفتر شخصي؛ ستصبح هذه الأفعال دليلاً يوميّاً على أن نفسك تستحق كل الحب والامتنان.
خامساً: القراءة ثم القراءة ثم القراءة، شخصيتنا يا أخي عبد الله في تغير دائم، وكما قال أحدهم: "إنك لا تسبح في النهر مرتين"؛ لأنك في تغير دائم، لكننا بحاجة إلى توجيه هذا التغيير؛ ليصبح إيجابياً نافعاً.
تذكر أنك إن لم يكن لك خطة لتوجيه حياتك وتطويرها، ستكون جزءاً من خطط الآخرين، وأهم وسائل التوجيه، هي القراءة في الكتب النافعة والمشهورة.
سادساً: حب الناس يأتي خطوة ثانية بعد حبك لذاتك، ومن السهولة أن تكسب الآخرين، حينما تهتم بهم، وتنصت إليهم، وتستشعر ما يهتمون به؛ كما قال أحدهم: "أنا أحب الشكولاته، والسمك يحب الدود؛ عندما أصطاد سمكاً فإني أقدم لها دوداً، وليس الشوكلاته".
وأنصحك بقراءة كتاب الكاتب الأمريكي دايل كارينجي: "كيف تكسب الأصدقاء؟"؛ ففيه الكثير مما تبحث عنه.
وأخيراً: تجربتي الشخصية هي اللجوء إلى دعاء الله - عز وجل -، قد تستغرب هذا؛ ولكنني وجدت للدعاء وسؤال المولى سبحانه مفعولاً هائلاً، وهذا أمر بديهي لا يحتاج إلى كثير بيان.
وفقك الله إلى كل خير، ومرحبا بك دائماً في موقع (الألوكة).(150/2)
العنوان: كيف أعاقب ابني؟
رقم الاستشارة: 220
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
ولدي لا يستجيب لكلامي ولا نصحي، عمره 13 عامًا، وهو عنيد وطريقته في الكلام معي مخزية، ويلوح بيده لي بلا مبالاة بكلامي، يُهدِّد كثيرًا عندما يتعرَّض لعقاب من أبيه من ناحية حرمان المصروف، أو حرمان جلوسه مع أصحابه في نهاية الأسبوع، بأنه سوف يهرب من البيت، وأن أصحابه يشتكي لهم فيقولون له اهرب!
عندما يتكلَّم معه أبوه هو وولدي الصغير عمره 10 سنوات، يستجيبان أكثر من كلامي معهُم، ويخافون منه ولا يخافون مني أبدًا، يقولون لي إنهم سيتركون السلوك السيئ، والعصبية معي والعناد؛ لكنهم يعودون لما هم عليه وخاصة الكبير، وأخوه يتبعه في تصرفاته لأنه يعتبره قدوة!
أحضرت لهم مُدَرّس قرآن تجويد وتحفيظ، وهم لا يحبون الجلوس معه إلا بالغصب والشدة!
كل الأمور معهم ومع الكبير خاصة تزعجني كثيرًا، وتحدِّيه لي، وتهديداته، وكلماته، وعلو صوته عليَّ، لا أعرف ما أصنع في هذا!
برغم أني أعامله بطيبة، وأحيانًا أصرخ من ضيقي من عدم طاعته لي؛ حتى في الاستيقاظ من النوم!
أحكي لهم القصص، وأخبرهم بما يقوله الشرع، وما يأمرنا به الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لكن أشعر أني أنفخ في قربة مقطوعة، وولدي الكبير شديد العناد، يريد دائمًا أن ينفذ ما في رأسه!
ماذا أفعل؟!
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
دور الأم من أصعب الأدوار؛ حيث تحب أولادها، وتقلق عليهم، وترغب أن يكونوا خير أطفال على وجه الأرض، وأن تبني لهم مستقبلاً تفخر به، ما أروع الأحلام التي تحلم بها! ثم ترتطم بأرض الواقع، لتُفاجأ بأنها عاجزة عن ضبط الأمور أحيانًا!
لا شك أن التربية ليست عملية سهلة برغم متعتها، وتحتاج منا الكثير من الصبر، والجهد، والحب.(151/1)
جيّد أنَّكِ انتبهتِ لمشكلتكِ مع ولدِكِ، وتَسعَيْنَ لإيجاد الحل قبل أن تستفحل المشكلة أكثر، ويصعب حلها.
ولدُكِ بدأ في عمر المراهقة؛ حيث يشعر أنه كَبُرَ، ولم ينضمَّ بَعْدُ لعالَم الكِبار، وتُعَدُّ هذه المرحلة من أصعب المراحل في التربية؛ لأنه يحتاج توجيهًا، وفي الوقت نفسه يرفض دور الأهل المباشر!
المشكلة أن هذه المرحلة تكون أيضًا نتاجًا لما قبلها، فلو أن التربية كانت سليمة من البداية ستنتج مراهقًا أكثر سهولة من غيره، والعكس.
ومن استشارتك فهمتُ أنَّ أسلوبك في التربية غير واضح؛ تتذبذبين بين الصراخ والعطاء، وتحبين أولادك بالتأكيد؛ لكنَّك تفتقدين الحزم معهم (والحزم لا يعني الشدة؛ لكن يعني أن تكوني واضحة بطلب الأمر دون غضب، وأن تصري عليه)، وفهمت أن أسلوب الأب يميل للشدة، وربما كان أكثر حزمًا معهم منك.
لكن بهذا العمر لا ينفع معهم لا الحماية الزائدة والدلال، ولا الشدة الزائدة أيضًا؛ حيث تؤدي للتمرّد حالما يتمكنون، وقد بدأت رؤية بوادر التمرد النفسي من ولدك بتهديده بالهرب من البيت! وعدم امتثاله لأوامرك؛ لأنه لا يجد لديك القوة كوالده، وربما لأنه يعرف طيبة قلب الأم.
ننصحك بالتالي معه، ونسأل الله أن يعينك، ويقر عينك بصلاحه هو وإخوته:
• بداية تذكري احتساب الأجر في التربية، وأن دورك مع ولدك لن يستطيع أحد أن يؤديه عنك؛ فلذلك وضع الله لنا عاطفة الأمومة، لتكون التربية أولوية بحياتنا.
• حاوِلي فَهْم ولدك، ومعرفة أسلوب تفكيره وما يهمه، فحتى تستطيعي تربيته لابُدَّ لك من معرفته، أيضًا لتعرفي مداخله، اقتربي منه، وابني معه صداقة قَدْر استطاعتك.
• أكثري من الحوار معه، الحوار الذي يجعلك تعرفين كيف يفكر، وتعطيه مجالاً ليعبّر عن نفسه.
• كوني حازمة بمحبة معه، ولا تركّزي إلا على الأمور الكبيرة التي تستحقّ؛ لكن من المهمّ أن تُحَدّدي ما تتوقَّعينه منه بوضوح، ليستطيع الامتثال له.(151/2)
• حاولي قدر استطاعَتِك أن يكون هناك تنسيق بينك وبين والدهم على التربية، وعلى المشكلات التي يتعرض لها الأولاد؛ لتُعالِجُوها معًا وَفْق نسقٍ واحدٍ؛ فَشُعورُ الأولاد باتّفاق والديهما على أسلوب التربية يجعلهما أكثر استقرارًا.
• حاولي أن تستخدمي وسائل التعزيز والصّحبة أكثر من العقوبات، بأن تزيدي مصروفه مثلاً بعد تسميعه القرآن، أو تَعِدِيه بأن تسمحي له بالخروج مع أصحابه لو انتهى من أمر يهمك أن يقوم به.
• لو استطعت معرفة مَن يصادق أو أهلهم، فإن هذا سيساعدك كثيرًا على فهمه، حيث يتأثر الأولاد في هذا العمر بأصدقائهم أكثر من أيّ أحد، ولوِ استَطَعْتِ أن تجعليه ينضمُّ لجماعة تحفيظ، أو أصدقاء تثِقين بهم، يُسهِّل هذا عليك التربية أكثر؛ فالصحبة الصالحة مهمة جدًّا.
• أكثري من الدعاء لهم بالصلاح؛ فدعاء الأم بابه لا يغلق.
وفقك الله وأعانك.(151/3)
العنوان: كيف أعيد علاقتي بمن أحب
رقم الاستشارة: 63
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
تصدر مني أفعال يغضب بسببها القريبون لي، وذلك بسبب (التوتر)، فيخطئون في فهمي؛ لذلك خسرت خطيبتي التي أحببتها كثيراً، ولا أدري ماذا أفعل!
وهذا وصف قصير لما أعانيه؛ فأرجو المساعدة في معالجة هذا الوضع.
كل ما أريده هو: كيف أقوم بمصالحة شخص قد جرحت إحساسه؟
أرجو الاهتمام بالرسالة؛ لأن حالاتي النفسية سيئة جداً جداً، وبدأت أخسر كل ما أمتلكه وأتمناه.
وشكراً على سعة صدركم لقراءة رسالتي.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم، مرحباً بك في موقع (الألوكة) وشكراً لثقتك الغالية.
كنت أحتاج لتفاصيل أكثر عن مقصودك بالتوتر؛ هل هو الغضب السريع، أم حمل الهم والقلق المبالغ فيه، أم تقصد به فقدان الاستمتاع بالأشياء وضيق النفس والملل السريع ...
على كل الأحوال؛ كنت قد كتبت أفكاراً مهمة للتعرف على وسيلة ناجحة للتعامل مع التوتر والقلق؛ وستجد ذلك على الرابط التالي:
alukah.net/Counsels/CounselDetails.aspx
أما معالجة موضوع سوء الفهم بينك وبين خطيبتك، فأمره بإذن الله يسير، وأقترح عليك الآتي:
من طبيعة الفتيات تأثرهن بالكلمات الحساسة والرومانسية؛ ولذا اكتب لها رسالة؛ ضع فيها ندمك وأسفك على ما بدر منك, وشوقك وحبك لها، وما تركه هجرها لك في قلبك من هموم وغموم؛ وستؤدي هذه الرسالة وظيفتها كاملة إذا أوصلتها إليها بأسلوب خاص وغير متوقع, على ألا تتجاوز في ذلك الآداب العامة والشرعية؛ لعل الله – عز وجل - ييسر لكما زواجاً صالحاً ومباركاً، تكون ثمرته بناء بيت مسلم يعبد الله.
ما أريده منك ألا تتوقف عن السعي الدائم لإصلاح نفسك والتغلب على ما أصابك.(152/1)
إنني كثيراً ما أُذكِّر نفسي - عندما أريد أن أتغلب على عادة سيئة، أو عندما أود أن أطور مهارة لدي - كيف كنت أنظر في صغري باستغراب وخوف إلى قيادة السيارة، أو التعامل مع الحاسوب, وكم هو أمر سهل عليَّ الآن، إنها نعمة الله الكريم علينا، في قدرتنا على تغيير أنفسنا وتطويرها.. وله سبحانه الفضل والمنة.
وفقك الله لكل خير، ومرحباً بك في موقعك (الألوكة) في كل حين.(152/2)
العنوان: كيف أقاوم المواقع الإباحية؟
رقم الاستشارة: 12
المستشار: فهد العماري
-----------------------------------------
السؤال:
كيف أقاوم المواقع الإباحية؟. مع العلم بأني لا أترك الصلاة في المسجد جماعة، وأقوم بقراءة القرآن. حفظك الله وبارك فيك.
-----------------------------------------
الجواب:
أنت تملك أقوى الأسلحة للتخلص من هذه المواقع ألا وهي الصلاة التي تطهر الإنسان وتقوي نفسه الأمارة بالسوء وتبعده عن كل ما يجلب لها الفساد.
لاشك أن الرغبة الجنسية أحياناً تخذل الشخص فيرى بعينه المحرمات ويستلذ بها، ولكن عندما تقوى النفس الأمارة بالخير على النفس الأمارة بالسوء يكون هنا الخلاص، وأنت إنسان محافظ ومصل وتقرأ القرآن، كل هذه عوامل تشجيع على ترك هذه العادة الذميمة.
عليك أولاً إبعاد كل وسائل الحرام من بيتك والتي تجر عليك فعل المحرم كالنظر ونحوه، واستبدالها بعوامل أخرى تجلب الخير والفائدة لك.
وأيضاً عليك ممارسة هواية تشغل تفكيرك بما هو خير لك في دينك ودنياك.
إذا كنت متزوجاً عليك الاستمتاع بزوجتك في الحلال وإن كنت عزباً فادعُ الله أن يزوجك ويبعدك عن طريق الحرام.
أخي الكريم بلا شك إن الإرادة، والعزيمة، والإصرار، وفوق هذا كله إخلاص النية لله عز وجل في تهذيب النفس، له الأثر الطيب في ترك كل قبيح، وترك رغبات النفس التي لا تنتهي. هذا والله أعلم.(153/1)
العنوان: كيف أقضي إجازتي؟!
رقم الاستشارة: 112
المستشار: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
السؤال:
كيف أنظم إجازتي الصيفية وأستغلها أفضل استغلال؟ هل يستحسن أن أبدأ بمذاكرة مناهج العام القادم؟ أم أقرأ في كتب مختلفة المجالات؟ أم أستريح من المذاكرة والقراءة وألجأ إلى اللعب والخروج؟
أرجو إفادتي، وجزاكم الله خيراً..
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..
أشكر لك اهتمامك بوقتك، ورغبتك التي لمستُها في استثمار وقت الإجازة الاستثمار الأمثل، وهذا يدلُّ على نضج ووعي، فالإنسان - وخاصةً المسلم - ثروته الحقيقية هي وقته، الذي إن استثمره بالشكل الصحيح؛ استطاع الحصول على ما يطمح إليه، من سعادة، وعلم، وثقافة، وثراء، وإن توافق ذلك ومرضاة الله جل وعلا؛ صار العمل الدنيوي معبراً آمناً إلى السعادة في الحياة الآخرة!
أما وقد سألتيني كيف تقضين وقتك؟
فأقول لك:
استمعي إلى ما تقوله لك نفسك وأحاسيسك!!
أتلمَّس - عزيزتي- مما كتبتِ أنك إنسانةٌ تميلين إلى الجِدِّ في أمورِ حياتِك (بدا لي هذا من جعلِك أولَ خياراتِك الدراسةَ للسنة القادمة!)..
وأنا أقول لك: إنك في إجازة مدرسية، لذلك، إن لم تكوني مضطرة إلى الدراسة؛ فأرجئي الدراسة لوقتها، خشية أن يصيبك الملل منها عند حلول وقتها.
متعي نفسك، وطوري ذاتك، بما لا يتسع له الوقت في أثناء العام الدراسي؛ فالنفس تتوق إلى التغيير والترفيه والتجديد!!
وأنا أقترح عليك أن تمسكي بورقة وقلم، وتدوني هذين السؤالين لنفسك:
- ماذا أحب أن أفعل في الإجازة؟
- وما الذي كان ينبغي لي فعلُه أيامَ الدراسة، وقصَّرتُ فيه لانشغالي؟
ثم أجيبي نفسك عن السؤالين كتابة، وأنت مسترخية، وأعطي نفسَك وقتاً كافياً للإجابة، واستمعي إلى نفسك بصدق..
وإليك بعض الاقتراحات.. إن أحببت:(154/1)
القراءةُ متعةٌ لا تحدُّها حدود، والقارئ الجيد لابد أن ينضح قلمُه بأفكار جميلة، في مقالات، أو خواطر نثرية أو شعرية.. وكما تعلمين؛ فإن الذين يقرؤون ويكتبون هم الذين يقودون العالم.. ومَن يدري، فقد نسمع قريباً -إن شاء الله تعالى- عن عالمة، أو أديبة، أو داعية، هي أنتِ!!!
ثم إن ممارسة فنون الطهي- أيضاً - من الأمور التي ينبغي أن تتفنن بها الفتاة..كذلك فنون الخياطة..
أما عن الأمور التي لم نعطها حقَّها من الوقت للانشغال بالدراسة؛ فمنها:
المبالغة المحمودة في بر الوالدين، والتقرب منهما، والإحسان إليهما، فإن تعلمتِ - مثلاً- طريقة طَهْي طبق جديد؛ فاصنعيه لهما مع كثير من الحب والرحمة..
كذلك ألفت نظرك إلى تخصيص وقت لصلة الأرحام وزيارة المعارف، والإحسان للجيران، ضمن الضوابط الشرعية، وبصحبة الأهل، أومعرفتهم.
أيضاً اشغلي وقتك في العمل الطوعي؛ فخدمةُ الآخرين -احتساباً للأجر- تمنحك عمراً آخر، وإشراقات نورانية في نفسك، ولذة لا تعدلها لذة..
ومسك الختام أقترح عليك قراءة القرآن الكريم مع التدبر، فهي من الأمور التي تمنحك السعادة، وتزيد في الذكاء والفهم، اللَّذين سيساعدانك في الدراسةِ العامَ الدراسيَّ الجديد، فحبذا أن تخصصي لتلاوة القرآن وقتاً ومقداراً معيَّناً! فليس أجمل من أن تكوني في معية الله -جل وعلا- تتظللين بأفياء كتابه الكريم..
آمل أن أكون وُفِّقتُ في مساعدتك، داعية الله -جل وعلا- أن تقضي إجازة سعيدة مثمرة..(154/2)
العنوان: كيف أُقَوِّم شخصية خطيبي أثناء سفره؟
رقم الاستشارة: 108
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
متابعةً لاستشارتي السابقة، المنشورة لديكم في الموقع بعنوان (مشكلة خطيبي) أود أن أستشيركم في نقطة أخرى:
أنا سألت وعلمت أنَّ خطيبي أحياناً يأخذ قراراً ولكنه رُبَّمَا يَتَحَامَلُ عَلى نَفْسِهِ كي لا يُغضِب أحداً، وخاصةً أهله. ووجدته يتحلى بصفات جميلة مثل: التدين والأخلاق وحمل القرآن. لكنه سوف يسافر، وقام بالحجز للسفر بعد شهر، والمشكلة إنني لن أستطيع تقويم شخصيته في أثناء سفره، وكيف سأتعامل مع أهله؟! وأشعر بالقلق تجاه المستقبل معه من الناحية الأمنية؛ لأنه سُجِنَ 10 سنوات، وأنا علمتُ أنه سُجِنَ ظُلْماً وعدواناً. برغم أنني استخرتُ الله في بداية الأمر.
أرجو أن تساعدوني، وترشدوني لما ينبغي لي فعله.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة، مرحباً بك في موقع (الألوكة).
لقد سَعِدْتُ بكلامِك وبجِدِّيَّتِك؛ بالسؤال عن خطيبك، أسأل الله العظيم أن يهديكِ سواء السبيل.
كما تَرَيْن بدأت الصورة تتضح أَمَامَكِ أَكثَر إلى حدٍ ما، وما زال لديكِ شهرٌ قبل سَفَرِهِ للسؤال عنه، وهذا وقت كافٍ للغاية، ولو تَيَسَّرَ لَكِ الوُصُول إلى أي شخص كان معه في السِّجن، فَسَيُعْطِيكِ معلوماتٍ قَيِّمة ومهمة.
كما ذَكَرْتُ لَكِ سابقاً إنه من العلامات الحَسَنَة أن يكون بَاراً بِأَهله مُحسِناً إليهم, لكن بشرط أن يكون ذو شخصية مُسْتَقِلَّةِ وَمِمَّن يُعْتَمَد عَلَيْهِم.. وأن يكون أَهْلُه من أصحاب السُّمْعَةِ الحَسَنَةِ بين الناس.(155/1)
أَمَّا القضية الأمنية فهي قضية مهمة, ولكني أظن أنه سيعيش حياةً طبيعيةً إن ترك الأمور التي قادته سابقاً إلى السجن! قد يكون ممنوعاً من العمل في الوظائف الحكومية فقط, وكما ترين ها هو يسافر دون مشكلة. وعلى كلٍ أنصحك بأن تسألي شخصاً قريباً من هذه القضايا فَسَيُعْطِيْكِ رأياً أدق.
كثيراً ما أُخْبِرُ الفتيات بأن لديهن فُرْصَةً للحُكمِ على الزَّوجِ بأنفسهن بعد عَقْد القَرَان، فما لم تعرفيه الآن ستعرفيه فيما بعد إذا كُنْتِ مُتيقِّظة ومُراقِبة بكيفية جيدة، الأمر ليس مُعَقَّداً بل يَحْتَاجُ إلى بَذْلِ القَلِيل من الجُهد.
ختاماً: تَذَكَّرِي أَنَّ المفتاح الأول والمعين الأهم هو الالتجاء إلى الله - عز وجل - والتَّوَكُّل عليه وطلب الهِدَايَةَ وَالاستعانة به، وَلاَ تَتَرَدَّدِي.
وفقكِ الله إلى كل خيرٍ ومرحباً بكِ دائماً في موقع (الألوكة).(155/2)
العنوان: أعتقد أن التحرُّش هو أخف الأضرار
رقم الاستشارة: 143
المستشار: فريق مستشاري الموقع
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله،
يعاني كثيرٌ منَ الشباب - وأنا واحدًا منهم - حدوث انتصابٍ مستمرٍّ في بداية مرحلة المراهقة، عند حدوث أقلِّ إثارةٍ جنسيَّةٍ؛ فيقع الشابُّ في حيرةٍ: هل يُقْدِمُ على عَلاقةٍ محرَّمةٍ، أو يتَّجه للعادة السرِّية، أو يلجأ إلى التحرش بمن يدرك من نساء وفتيات؟!
أمَّا العادة السرية؛ فالمشكلة أن تأثيرها سيِّءٌ جدًّا على الأعصاب وضعف التركيز، لما تتطلَّبه من استحضار صورةٍ جنسيَّةٍ في مخيِّلة الشَّخص عند ممارستها، وأمَّا التحرُّش الجنسيِّ؛ فقد يكون بالقول أو الفعل.
أرجو معرفة: هل يوجد حلٌّ غير هذه الحلول الثلاثة؟؟
أنا أعرف أن هناك حلٌّ، وهو قوَّة الإرادة، وغضُّ البصر عن النساء، لكنْ مَنْ يقدر على ذلك إلا أقل القليل؟
فالشَّخص قد يتعرَّض للإثارة، ولو كان الأمر قليلاً؛ فمن الممكن أن يقاوم نفسه، لكن الأمر يزداد كل يوم؛ فماذا يفعل؟!
بصراحة شديدة أنا أفضِّل الحلَّ الثالث.
-----------------------------------------
الجواب:
أجاب عن هذه الاستشارة كلٌّ من الشيخ خالد عبدالمنعم الرفاعي والأستاذ محمد عبدالله الحازمي
إجابة الشيخ خالد عبدالمنعم الرفاعي:
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ وَالاه، ثمَّ أمَّا بعد:
فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون على ما وصل إليه حال المسلمين من رِدَّةٍ في الأخلاق وانقلابٍ في المفاهيم، وصَدَقَ الرَّسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - حيث يقول: ((لتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كان قبلكم شِبْرًا بشِبْرٍ، وذِراعًا بذِراعٍ، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُم)). قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: ((فمَنْ؟))؛ رواه البخاريُّ.(156/1)
لقد اتَّبع المسلمون أساليب الغَرْب الوقحة، وتركوا شريعة الله - تعالى – السَّمْحَة، التي تأمر بالفضيلة، وتحثُّ على مكارم الأخلاق.
وقد أمر الله - تعالى - بِغَضِّ الأبصار عن محارم النَّاس وعوراتهم؛ فقال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30-31].
ومعلومٌ أنه لمَّا حرَّم الله - سبحانه وتعالى - النَّظر بين الجنسَيْن؛ كانت العلاقات المحرَّمة والعادة السِّرِّية والتحرُّش وغيرها - أوْلَى بالتَّحْريم، وهذا أمرٌ لا يَشْتَبِهُ على مسلمٍ سليم الحسِّ، وحُرْمَة ذلك معلومةٌ منَ الدِّين بالضَّرورة والبَدَاهَة العقليَّة، ومُرتَكِبُها آثمٌ بارتكابه هذا الفعل، مُسْتَحِقٌّ لما أعدَّهُ الله للظَّالمي أنفسهم، المجتَرِئين علي ربِّهم - منَ العقوبة في الدُّنيا والآخِرة.
كما أنَّ العقل الرَّاجح والفِطْرة السَّليمة - التي لم تَفْسَد بالشَّهوات، ولا باتِّبَاع الهوى - يستقبحان تلك الأفعال الشَّنيعة، ويَنْفُران منها ومن مرتكبيها.
فضلاً عن أن هذه الأفكار وإشاعتها في هذا العصر تتسبَّب في مفاسدَ عديدةٍ، لا تخفى على أحدٍ، ولا يجهلها إلاَّ متجاهلٌ؛ منها نشر الفاحشة وفُشُوِّها، وإثارة الغرائز، واقتحام حصون العفَّة والحصانة، إلى غير ذلك من المفاسد والمضارِّ التي شهد بها مَنْ أباحوا ذلك، وهذه المفاسد نتيجةٌ حتميَّةٌ لكلِّ أمرٍ أو نهيٍ بُنِيَ على خلاف شرع الله تعالى، الذي شرعه ليكون مصلحةً للنَّاس كلِّهم، في حاضرهم ومستقبلهم.
فَرِقَّةُ الدِّين، وضعف الوازع عند كثيرٍ منَ المسلمين - ساعد الكثير على الفساد، والواجب العمل على منع الأسباب المُفْضِيَة إليه؛ فنحن المسلمين مأمورون بتسيير الواقع وتَكْيِيفِهِ على مُقْتَضَى الشَّرع، لا مسايرته وموافقته، وتَرْك ديننا وقِيَمِنا.(156/2)
وأما دعوى عدم القدرة على غضِّ البصر لكثرة المثيرات، فغير صحيحٍ، فإنَّ الله تعالى قال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، ولأنَّ الأمر إراديٌّ، وما يحدث هو أن مَنْ لا يستطيع هذا قد عَوَّد نفسه على الأمر؛ فأصبح عادةً، وهو بإمكانه التعلُّم والتغلُّب على ذلك؛ لأنَّ غَضَّ البصر خُلُقٌ، والأخلاق إمَّا أن تكون فِطْرِيَّةٌ جِبِلِّيَّةٌ، أو أن تُكْتَسَبَ بالمجاهدة والتعلُّم. فمَنْ لم يُفْطَر على غَضِّ البصر فَلْيَتَخَلَّق به، وليصبر عليه؛ كما قال : ((إنما العلم بالتعلُّم، وإنما الحِلْم بالتَّحَلُّم))، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ الله، ومَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله، ومَنْ يَتَصَبَّر يُصَبِّرَه الله، وما أُعطيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع منَ الصَّبر))؛ رواه البخاريُّ.
ثم إن غض البصر ترك محض فالمطلوب عدمُه بخلاف الأوامر التي لا تحصلُ إلاّ بعمل وإيجاد شرائطه ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : ((إذا نهيتُكم عن شيءٍ فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) ؛ متفق فقيَّد الأوامر بالاستطاعة بخلاف ترك الحرام
قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم: والتحقيق في هذا أنَّ الله لا يكلِّفُ العبادَ مِنَ الأعمال ما لا طاقةَ لهم به ، وقد أسقط عنهم كثيرًا من الأعمال بمجرَّدِ المشقة رخصةً عليهم ، ورحمةً لهم ، وأمَّا المناهي ، فلم يَعْذِرْ أحداً بارتكابها بقوَّةِ الدَّاعي والشَّهوات ، بل كلَّفهم تركها على كلِّ حال، وأنَّ ما أباح أنْ يُتناول مِنَ المطاعم المحرَّمة عند الضرورة ما تبقى معه الحياة ، لا لأجل التلذذ والشهوة ، ومن هنا يعلم صحة ما قاله الإمام أحمد: إنَّ النهي أشدُّ من الأمر".
وإليك بعض الوسائل التي تُعينُ على غَضِّ البصر:
1- استحضار اطِّلاع الله عليكَ، ومراقبة الله لكَ؛ فإنه يراكَ، وهو محيطٌ بكَ.(156/3)
2- الاستعانة بالله، والمثول بين يديه، ودعائه.
3- أن تعلم أنَّ كلَّ نعمةٍ عندكَ هي منَ الله تعالى، وهي تحتاج منكَ إلى شكرٍ، فنعمة البصر من شكرها حِفْظُها عمَّا حرَّم الله ، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!
4- مجاهدة النَّفس، وتعويدها على غَضِّ البصر، والصَّبر على ذلكَ، والبُعْد عن اليأس.
5- اجتناب الأماكن التي يخشى الإنسان فيها الفتنة، ومن ذلك الذَّهاب إلى الأسواق، والجلوس في الطرقات؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إيَّاكم والجلوس في الطُّرُقات)). قالوا: ما لنا بدٌّ، إنما هي مجالسنا؛ نتحدَّث فيها. قال: ((فإذا أبَيْتُم إلا المجالس؛ فأعطوا الطَّريق حقَّها)). قالوا: وما حقُّ الطَّريق؟ قال: ((غَضُّ البصر، وَكَفُّ الأذى...)) الحديث، متَّفقٌ عليه.
6- أن تعلم أنه لا خِيارَ لكَ في هذا الأمر مهما كانت الظروف والأحوال، ومهما دعاكَ داعي السُّوء، ومهما تحرَّكت في قلبكَ العواطف والعواصف، فإنَّ النَّظر يجب غَضُّه عن الحرام في جميع الأمكنة والأزمنة، وليس لك أن تحتجَّ بفساد الواقع، وتبرِّر الخطأ بوجود ما يدعو إلى الفتنة؛ فإن الله تعالى قال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا} [الأحزاب: 36.
7- الإكثار من نوافل العبادات، فإنَّ الإكثار منها مع المحافظة على القيام بالفرائض - سببٌ في حفظ جوارح العبد؛ قال الله تعالى في الحديث القدسي: ((وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنَّوافل حتى أحبُّه، فإذا أحببته؛ كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يَبْطِشُ بها، ورِجْله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه)) الحديث، رواه البخاريُّ.(156/4)
8- احرص على صحبة الأخيار؛ فإن الطَّبْعَ يُسْرَق من خِصال المخالَطين، والمرء على دين خليلِه، والصَّاحب ساحبٌ، والرَّجل على دين خليله؛ كما صحَّ عنِ الصَّادق المصدوق.
9- تذكر الملائكةَ الذين يُحصون عليك أعمالكَ؛ قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 10-12].
10- الزَّواج، وهو من أنفع العلاج؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((منِ استطاع الباءَةَ فليتزوَّج، فإنَّه أغضُّ للبَصَر، وأَحْصَنُ للفَرْج، ومَنْ لم يستطعْ فعليه بالصَّوْم؛ فإنه له وِجاءٌ))؛ متَّفقٌ عليه.
11- أداء المأمورات كما أمر الله، ومنها: الصَّلاة؛ قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45].
12- محاسبة النَّفس بين الحين والآخَر، ومجاهدتها على غَضِّ البصر، واعلم: أنَّ لكلِّ جَوَادٍ كَبْوَةٌ.
13- تذكَّرِ الألمَ والحسرةَ التي تَعْقُبُ هذه النَّظرة، وتكديرَ القلب، فكَسْرَة شهوة النَّفس بالمعاصي أمرٌ مستحيلٌ، كما قال القائل:
فَلاَ تَرُمْ بِالْمَعَاصِي كَسْرَ شَهْوَتِهَا إنَّ الطَّعَامَ يُقَوِّي شَهْوَةَ النَّهَمِ
هذا ونسأل الله تعالى أن يهديَ قلبكَ، ويشرحَ صدركَ، ويغفرَ ذنبكَ، ويطهِّر قلبكَ، ويُحْصِنَ فَرْجَكَ، ويُعِذْكَ من شرِّ مَنِيِّكَ، ويُيَسِّرَ أمركَ، وأن يصلح أحوال المسلمين، وأن يرزقهم الرُّشدَ في دينهم،، والله تعالى أعلم.
إجابة الأستاذ محمد عبدالله الحازمي:
الأخ الكريم،
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،
أشكركَ على طرح مثل هذه المشكلة، التي يعانيها بعض شباب وشابات المسلمين، ومحاولتكَ لإيجاد الحلِّ المناسب لها دليلٌ على شعوركَ بالمسؤوليَّة تجاه مجتمعكَ وأمَّتكَ.(156/5)
ولكنَّ الحلول الثلاثة التي طرحتَها تفتَقِدُ إلى السَّند الشَّرعيِّ لها، وتدخل في دائرة المحرَّمات التي نهى الله عنها، بما فيها الحلُّ الذي فضَّلتَه، وإن كانت تتفاوتُ في الدَّرجات من حيث عِظَم حُرْمَتِها؛ قال تعالى : {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء: 32].
يقول الإمام ابن كثير –رحمه الله -: "يقول تعالى ناهيًا عباده عن الزِّنا وعن مقاربته، وهو مخالَطة أسبابه ودواعيه: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً}؛ أي: ذنبًا عظيمًا. {وَسَاءَ سَبِيلاً}؛ أي: وبئس طريقًا ومَسلكًا". [تفسير ابن كثير: جـ 5/ ص 72].
ويقول الإمام البَيْضاويُّ: "{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَا}؛ أي: بالعزم والإِتيان بالمقدِّمات، فضلاً عن أن تباشروه". {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً}؛ فِعْلَةٌ ظاهرةُ القبح زائدَتُهُ. {وَسَاء سَبِيلاً}؛ وبئس طريقًا طريقُهُ، وهو الغَصْبُ على الإبضاع المؤدِّي إلى قطع الأنساب وهَيَجِ الفِتن". [تفسير البيضاوي: جـ 3/ ص420].
ويقول السَّعديُّ في تفسير هذه الآية: "والنَّهيُ عن قُربانه أبلغُ منَ النَّهي عن مجرَّد فعله؛ لأنَّ ذلك يشمل النَّهي عن جميع مقدِّماته ودواعيه؛ ((فإن مَنْ حام حول الحمى يوشِك أن يقع فيه))، خصوصًا هذا الأمر الذي في كثيرٍ منَ النفوس أقوى داعٍ إليه.
ووصف الله الزِّنا وقبَّحه بأنَّه: {كَانَ فَاحِشَةً}؛ أي: إثما يُسْتَفْحَشُ في الشَّرع والعقل والفِطْرة؛ لتضمُّنه التجرُّئ على الحرمة في حقِّ الله، وحقِّ المرأة، وحقِّ أهلها أو زوجها، وإفساد الفِراش، واختلاط الأنساب، وغير ذلك من المفاسد.
وقوله: {وَسَاءَ سَبِيلاً}؛ أي: بئس السبيلُ سبيلَ مَنْ تجرَّأ على هذا الذَّنب العظيم". [تفسير السَّعدي: جـ1/ ص 457].(156/6)
والتحرُّش الذي ذكرتَ هو من مقدِّمات الزِّنا، وقد نهى الله عنه، كما هو واضحٌ في الآية السابقة، ولا يرضاه أحدٌ لقريبته أبدًا، كما أنك لا ترضاه لقريبتكَ.
ولذا؛ فإذا أردتَ أن تبحث عن حلٍّ لأيِّ مشكلةٍ؛ فاحرص أن يكون ذلك الحلُّ نابعًا من الشَّريعة الإسلاميَّة، وموافِقًا لها؛ حتى تنال رضا الرَّحمن، وتخرج من المحظورات التي نهى الله عنها.
وبناءً على ذلك؛ فإنَّ الحلول الصَّحيحة لتلك المشكلة تتلخَّص في الآتي:
الأول: الحلُّ الذي ذكرتَ، وهو غضُّ البَصَر الذي أمر الله - عزَّ وجلَّ - به في سورة النور؛ حيث قال - سبحانه وتعالى -: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 30-31].(156/7)
يقول الإمام ابن كثير – رحمه الله -: "هذا أمرٌ منَ الله تعالى لعباده المؤمنين؛ أن يغضُّوا من أبصارهم عمَّا حرَّم عليهم، فلا ينظروا إلاَّ إلى ما أباح لهم النَّظر إليه، وأن يغضُّوا أبصارهم عنِ المحارم، فإن اتَّفق أن وقع البصر على مُحرَّمٍ من غير قصدٍ؛ فليصرف بصره عنه سريعًا؛ كما رواه مسلمٌ في "صحيحه"، من حديث يونس بن عُبَيد، عن عمرو بن سعيد، عن أبي زُرْعَة بن عمروٍ بن جَرِير، عن جدِّه جَرِير بن عبد الله البَجَلي - رضيَ الله عنه - قال: سألتُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن نظرة الفُجْأَة، فأمرني أن أصرفَ بَصَري" [تفسير ابن كثير: جـ6/ ص41].
ويقول العلامة ابن القيِّم – رحمه الله -: "فإنَّ كلَّ الحوادث مبدؤها من النَّظر، كما أنَّ معظم النار مبدؤها من مستصغَر الشَّرَر، فتكون نظرةً، ثم خَطْرَةً، ثم خُطُوَةً، ثم خطيئةً. ولهذا قيلَ: مَنْ حفظ هذه الأربعة أحْرَزَ دينه: اللَّحظات، والخَطَرات، واللَّفَظات، والخُطُوات". [الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: 170].
الثَّاني: هو ما نصَّ عليه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قوله: ((يا مَعْشَرَ الشَّبَاب، مَنِ استطاع مِنكم البَاءَةَ فليتزوَّجْ، ومَنْ لم يستطعْ فعليه بالصَّوْم؛ فإنَّه له وِجَاءٌ))؛ أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ.
فالزواج أفضل حلٍّ للشابِّ المسلم المقتدِر؛ لأنه يصون النَّفس من الوقوع في المحرَّمات، ويكبح جماح الشَّهوات، وهو سببٌ للاستقرار النفسيِّ والعاطفيِّ، وإنِّي أنصحُ كلَّ شابٍّ لديه مقدرةٌ ألاَّ يتردَّد أبدًا في الزَّواج، وألاَّ يعمل على تأجيل ذلك مهما كانت الأسباب.(156/8)
ولكنْ؛ إذا لم يستطعِ الشابُّ أن يتزوَّج؛ فقد وضع له النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حلاًّ مناسبًا، وهو الصَّوْم؛ لأنه يقرِّب العبدَ من ربِّه، ويُضْعِفُ الشَّهْوَة، ويقلِّل من التَّفكير في الجوانب الجنسية، فإذا تعوَّد الشابُّ على صيام النَّوافل، وكانت نيَّته صادقةٌ، فإنَّه موفَّقٌ - بإذن الله - إلى الابتعاد عن تلك المحظورات.
الثَّالث: امتثال أوامر الله وفعل الطَّاعات، فلو كان الشابُّ المسلم محافظًا على الصَّلوات وتلاوة القرآن الكريم؛ فبدأ يومه بصلاة الفجر جماعةً، ثم تلا ما تيسَّر من القرآن الكريم، وحافظ على الأذكار، فإنَّ ذلك يكون سببًا في حفظه من الوقوع في المحرَّمات؛ يقول الله - عزَّ وجلَّ -: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
يقول الإمام ابن كثير – رحمه الله -: "ثمَّ قال تعالى آمِرًا رسولَه والمؤمنين بتلاوة القرآن، وهو قراءته وإبلاغه للنَّاس: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}.
يعني: أنَّ الصلاة تشتمل على شيئين: على ترك الفواحش والمنكرات، أي: إن مواظبتها تحمل على ترك ذلك" [تفسير ابن كثير: جـ 6/ ص280].
الرَّابع: اللجوء إلى الله - عزَّ وجلَّ - والدعاء بالهداية والثَّبات على دِينه؛ فعن أنسٍ - رضيَ الله عنه – قال: كان رسول اللَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُكْثِرُ أن يقول: ((يا مُقَلِّبَ الْقُلُوب، ثَبِّتْ قَلْبِي على دينكَ)). فقلتُ: يا رسول اللَّه، آمَنَّا بكَ وبما جئتَ به؛ فهل تخافُ علينا؟ قال: ((نعم، إنَّ القُلُوبَ بين أُصبُعَيْن من أصابع الله، يُقَلِّبُها كيف يشاءُ))؛ أخرجه أحمد والتِّرْمِذِيُّ.(156/9)
الخامس: الابتعاد عن المواطن التي يَكْثُرُ فيها النِّساء المتبرِّجات، وعدم الذَّهاب إليها؛ إلاَّ لحاجةٍ ماسَّةٍ، وهذا يقلِّل منَ الوقوع في المحظورات، ويُبْعِدُ عنِ الفتنة.
السادس: العمل على نشر تعاليم الدِّين الصحيحة بين النِّساء، وتبصيرهنَّ بأهمية الحجاب، وعدم مزاحمة الرِّجال، وتنبيههنَّ إلى خطر التَّبرُّج والسُّفور، كلٌّ بقَدْر استطاعته؛ قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].
وفَّقك الله لكلِّ خير، وأصلح الله شباب وشابَّات المسلمين،، والله الموفِّق والمُعين.(156/10)
العنوان: كيف نبعد أخي عن بنت الجيران؟
رقم الاستشارة: 171
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
أخي يبلغ من العمر 28 سنة، تعرَّف على جارة في مسكننا الجديد، وطلب التقدم لها، فذهبنا أنا وأبى وأمي، فلم نعرف ردَّهم بالقبول أم بالرفض، فوالدي أعطاهم فرصة للتفكير، وأن يردوا علينا، ولم يردوا علينا برغم أن البنت كل يوم تقابله، و24 ساعة مكالمات تليفونية، وكلام على الإنترنت، فحَكَمْنا عليها أنها غير ملتزمة، ومؤثرة على أخي، برغم أنها لم تعْطِه فرصة ليتنفس، فما الحل؟ إن والدي وأمي قلقان من هذه البنت، مع العلم أن والدتها منفصلة عن والدها، نريد أن نبعد أخي عن هذه البنت، فماذا نفعل ولكم جزيل الشكر؟!
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
فقد أعدت قراءة مشكلتك أكثر من مرة!
بداية، حسبت أن المشكلة هي في تعلُّق أخيك بالفتاة فقط، وعدم التزامهما بالضوابط.
لكني بعد أن أعدت قراءتها تنبَّهت لوجود مشكلة أخرى أيضًا؛ فأخوك قد بلغ سن الزواج، ومن الطبيعي أن يكون للأهل دور في خِطبة الشاب، وهو ما يبدو أنكم تفعلونه، بدَلالة ذهابك وأبويك لخطبة البنت، وانتظاركم للرد.. فهل كان ذلك بعد دراسة وتشاور، أم أنه مسايرة فقط لرغبته بها؟!
لكي يخطب الأهل لولدهم لابد من اتباع عدة خطوات:
* أن يكون الشاب بداية مستعدًّا للزواج، وقادرًا عليه سواء ماديًّا أو معنويًّا. ولم توضحي باستشارتك شيئًا عن ظروف أخيك وشخصيته.(157/1)
* أن يتم السؤال عن الفتاة ومدى مناسبتها للشاب، وهل ستُعِفُّه وترضيه؟ وهل بيئتها تناسبكم؟ وأيضًا هل تَرْضَوْن عن خُلُقها ودينها؟ فهمتُ منِ استشارتك أن الفتاة تعاني طلاق والديها، فهل تعاني فراغًا عاطفيًّا، جعلها تتعلَّق بأخيك وتتواصَلُ معه؟ أم أنها فتاة منحرفة، تسهل عليها مصادقة الشباب وعمل علاقات معهم؟!
* أن تكون هناك خطوات فعليَّة للزواج، وبدأتم أولها بالذهاب لرؤية الأهل والتحدُّث معهم؛ لكن لابد من المتابعة عن طريق الأهل؛ وليس بواسطة الشابَّيْن. ولم توضحي بسؤالك هل تابعتم الموضوع أم أنكم توقفتم؟
* بعد الاستشارة وقبل اتخاذ الخطوات، لابد من الاستخارة؛ لأن هناك أمورًا لا ندركها، وكم من أمرٍ حسبناه بحساباتنا البشرية خيرًا فلم ييسره الله لنا بعد الاستخارة؛ فوثقنا أنه لم يكن كذلك، والعكس صحيح! والاستِخَارَةُ لا تتعارض مع الدراسة العملية؛ بل تكملها، فيصلي أخوك ركعتين، ويدعو بدعاء الاستخارة، ويسيرُ في الأَمْرِ مُوقِنًا أنَّ ما سيحدث هو الخير بإذن الله، ومن الخطأ اعتقاد البعض ارتباط الاستخارة بشيخ يقوم بها، أو بأحلام يحلمونها!!
وتبقى المشكلة الحقيقية هي عَلاقة أخيك بالفتاة، وعدم انضباطهما بالحدود الشرعية، وهنا عليكم مساعدته للخلاص من هذا بحِكْمة:(157/2)
* محاورته بالأسلوب الذي يناسبه؛ هل يجدي معه الحوار المنطقي؟ فتخبريه أنَّ الزواج يجب أن يقوم على أساس قوي، وأن للبدايات أثر كبير على المستقبل، وأن على الشاب أن يبدأ حياته بطريقة شرعية ترضي الله، وأن ممارسة العلاقة بهذه الصورة ستجعل حياتهما أشدَّ صعوبة فيما بعد، سواء بملء حياتِهما بالشك من تَكرار مثل هذه العلاقات لو تم الزواج، أو بالألم النفسي والذكريات القاسية لو أنهما افترقا. أم أنه عاطفي؟ وبهذه الحالة يجدي معه إيقاظ المشاعر الإيمانية، والتخويف من الله، والتذكير بأجر التقوى، وأنَّ مَن يتَّقِ الله يجعل له مخرجًا، بالإضافة إلى دعمه ووعده بالمتابعة، والوقوف إلى جانبه، مع إظهار حرصكم على إسعاده وعفته.
* حزم الأب مع محبَّته ضرورية في هذه المرحلة، فيعطيه الدعم للمساعدة؛ لكن في الوقت نفسه لا يرضى بالتجاوزات!
* الصحبة الصالحة لها أكبر الأثر، فابحثوا من أصحابه عمن يُعِينه على التقوى.
* ويبقى الدعاء، وهو ذو أثر لا يُستهان به، خاصَّة إن كان من قلب أمٍّ قلقة مُحِبَّة.
أخيرًا، لابد للأهل من توثيق علاقاتهم بأبنائهم وبناتهم، وبناء صداقة معهم منذ الصغر، فهم يُعِدُّون أبناءهم بهذه الطريقة لتَقبُّل النُّصْحِ والإرشاد حينما يكبرون، كما أنَّ هذه الصُّحبة والتفهُّم ستجعلكم أقدَرَ على مَعْرِفَةِ مَداخِلِه ودوافِعِه، والوصول إلى قلبه وعقله.
نسأل الله أن يريح بالكم، ويقر عينكم بصلاح أخيك، وأن يرزقه زوجة صالحة تُعِفُّه بإذن الله.(157/3)
العنوان: كيف نتحدى الشهوات؟
رقم الاستشارة: 41
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
كيف نتحدى الشهوات؟
المرجو الجواب عن هذا السؤال، جزاكم الله عنا خيراً.
-----------------------------------------
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله.
بدايةً أشكر لك - سيدي - اهتمامك وحرصك.
لقد خلقنا الله في هذا الدنيا - وهي دار اختبار وابتلاء - ليرى كيف يتصرف الناس، وكيف يتصرفون مع أحداثها وابتلاءاتها، ومن هذه الابتلاءات - وهي في نفس الوقت نعمة ومنَّة - ما وضعه فينا من ميول غريزية فطرية، ومنها الشهوة، وهذا أمرٌ واضحٌ.
لكن؛ كيف نستطيع التعامل مع هذا الميل دون أن نخسر الاختبار؟
ما من وسيلة سوى محاولة التعامل مع هذه القضية بوعي وانتباه، إنه تحدٍّ كبير، لكن الأمر يستحق التضحية؛ فالأجر والكسب كبير؛ في الدنيا: هدوء، ورضا ذاتي، وسمعة حسنة، وفي الآخرة: جنةٌ عرضها السماوات والأرض.
ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة.
وهناك بعض النِّقاط التي أحب أن نتأمَّلها معاً:
- ليس هناك أخطر على الإنسان من أوقات الفراغ, والحياة دون اهتمام ودون هدف، أو الحياة دون حماسة لعمل أو قضية أو مهنة. ألم تسمع لأحدهم يقول - وهو منغمسٌ في عمل ما -: لقد مرَّ الوقت دون أن أشعر!! هل تُتعب الشهوة مثل هذا الشخص أكثر، أم أنها تُرهق ذلك الشاب الذي يتأفَّف من الملل والفراغ، وبطء سير الوقت؟ هل يستويان؟!
لذا؛ أرجو أن تفكر منذ هذه اللحظة: كيف تكتشف نفسك، ميولك، رغباتك، وأن تضع لنفسك أهدافاً كبرى تحبها - وهذا أصلٌ؛ فإنك لن تنغمس في شيء لا تحبه، مهما كان مهمّاً - وابدأ بالعمل من أجل هذه الأهداف بجدٍّ، واهتمام، وحماسة، وحب، وسترى - بقوة - كيف سيخفُّ عنك ضغط الشهوات.
- ومما يثير الشهوات: الاختلاط مع الجنس الآخر، ومشاهدة المسلسلات، والأفلام الإباحية وغير الملتزمة.(158/1)
يضرب الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - مثلاً للشهوة، فيقول ما معناه: الشهوة مثل الصخرة على رأس جبل، إذا زُحزحت هذه الصخرة ستهوي وتؤذي، وكذلك الشهوة؛ عندما تستثيرها تهيج وتكبر وتُزعج!!.
لذا؛ تجنب إثارتها، وتجنب حضور مجالس الفسق، التي لا تقوم إلا على إثارة الشهوة.
- في معظم المجتمعات الغربية؛ أصبح الاختلاط هو الأصل، وصار من الصعب تجنبه، وهنا يأتي دور مجاهدة النفس، فحثُّها على غضِّ البصر وحفظه - وهو وإن كان صعباً ليس مستحيلاً – سيريحك كثيراً.
ومن الجميل - بهذا الصدد - ما ذكره علماء النفس عن القيمة الكبرى لمحاولة تنظيم الذات، والضغط عليها وإرشادها؛ حيث تسبِّب تغيراً هائلاً في الشخصية، وقد أثبتت الدراسات التي أجريت على الناجحين أنهم اشتركوا في صفات عدَّة، منها قدرتهم على الضغط على أنفسهم، وتأجيل مسرَّاتها، وتوجيهها بعيداً عن المُلهيات، واتِّباع الشهوات، ليس بسبب ديني - كما لدينا نحن المسلمين - بل للمزيد من الإنجاز والنجاح، وهذا - بلا شك - من عظمة الإسلام .. ألا توافقني في ذلك؟!.
- تذكَّر أن مرحلة ضغط الشهوات على الشاب أو الشابة هي مرحلة مؤقتة، ستصبح محض ذكريات بعد أن ييسر الله لك الزواج، لكنها - تماماً - كامتحان الشهادة الثانوية العامة، تعبنا فيه للغاية، ثم سررنا بنتائجه، وخرجنا منه أقوى وأنضج، وقادنا إلى المزيد من النجاحات والمسرَّات.
هذه بعض الخواطر التي راودتني حول هذا الموضوع الهام، وأشكر لك تواصلك مع موقعك (الألوكة)، ومرحباً بك وبأهلنا في (المغرب) الحبيب.(158/2)
العنوان: كيف ننظر للأفعال الإثباتية؟
رقم الاستشارة: 122
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أوجه سؤالي للدكتور ياسر عبدالكريم بكار:
ولكن؛ في البداية أود أن أشكرك يا دكتور ياسر على كتابكَ المتمِّيز والقيِّم جدًا الذي عنوانه: "القرار في يديك"، وأود أن أعبِّر عن حماسي لقراءة كتابكَ الجديد: "القوة في يديك".
سؤالي هو: إني أحتاج أحيانًا إلى أن أفعل بعض الأشياء، فقط لأثبت لنفسي أني قادرة على فعلها، ولكن المشكلة حين تقع هذه الأشياء خارج نطاق أهدافي المكتوبة، وخارج أولوياتي، أو عندما تتعارض في وقتها مع أهدافي المكتوبة.
مثلاً: بعد أن تقدمت للعمل الصيفي في إحدى المؤسسات، وجدت أن هذا العمل خارج مجال دراستي، وخارج مجال خططي المكتوبة؛ بمعنى آخر: لا أحتاجه، وأنا أرى أنه يتعارض - في وقته - مع أهداف أخرى، وما يجعلني أميل له هو اعتقادي أني بحاجة إلى أن أُثبِت لنفسي قدرتي على العمل؛ حيث إنني أشك في تلك القدرة؛ بسبب تجرِبة سابقة.
سؤالي عن مدى أهمية مثل تلك الأفعال (الإثباتات)، خصوصًا أن هذا تكرر معي من قبل، وهل علينا أن ننظر إليها على أنها حاجة نفسية، أو أن نتجاهلها باعتبار أنها مضيعة للوقت؟ وشكرًا.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة، مرحبًا بكِ في موقع (الألوكة)، وأهلاً وسهلاً بك.
أشكر لكِ كلمات الثناء، التي أكرمتِني بها، وأتمنى من الله تعالى التوفيق لنا جميعًا.
قرأت رسالتك باهتمام، وأشعر بالفخر لوجود أمثالك من الفتيات في عالمنا الإسلامي، هذا أمر رائع!
أود أن أعلِّق على رسالتك في النقطتين التاليتين:
الأولى: أود منكِ أن تراجعي أهدافكِ أولاً، قد يكون سبب ما يحدث لكِ هو أن أهدافَكِ ليست مُلهِمة بطريقة كافية؛ فالأهداف الملهِمة لها سِمَتان أساسيتان:(159/1)
1- أن تتوافق مع سُلَّم القيم لدينا؛ أي: أن نعتقد جازمين بأهميتها، وبضرورة التضحية من أجلها.
2- أن تتوافق أهدافنا مع نقاط القوة لدينا؛ أي تتوافق مع الفعاليات والأنشطة التي نتقنها أكثر من أقراننا، وأن نشعر بالارتياح والسرور عندما نزاولها.
لو راجعت أهدافك, فأرجو أن تتأكدي من أنها تحقق الشرطين السابقين، وبعد ذلك سوف تستغنين عن القيام بنشاطات لستِ راضيةً عنها.
النقطة الثانية: من التحديات المهمة التي تواجه كل واحد منا كل يوم، هو أن نُقنِع أنفسنا - وليس الآخرين- بأننا أشخاص مهمين، ونستحق الاهتمام والثقة والحب، صدقيني إنه ليس بالأمر السهل، ولكل منا طريقته في ذلك، من هذه الطرق ما هو مُؤقَّت؛ كأن يشتري الشخص شيئًا ثمينًا (سيارة, شنطة, نظارة شمسية ...), ومنها ما تقومين به أنتِ, فعلى الرغم من أنه قد يبعث فيك شيئًا من الثقة، لكنه – بالطبع - لن يُقرِّبك إلى أهدافكِ ومن ثَم فليس من المفيد شغل الوقت به.
إنه سؤال كبير؛ كيف نسعى إلى الاقتناع بأننا تستحق الاحترام والتقدير, وأن ما فشلنا فيه هو أمر مؤقت, وليس قصورًا وضعفًا دائمًا فينا.
أتركك لتتأملي في هذه الكلمات، وأرجو أن يكون فيها النفع والفائدة، أسأل الله أن يمدكِ بعون من عنده؛ لتكوني خيرًا وبركة على أمة الإسلام.
ومرحبًا بك دومًا في موقع (الألوكة).(159/2)
العنوان: كيف يحكم العلماء - بجرح أو تعديل - على رواه لم يعاصروهم؟
رقم الاستشارة: 159
المستشار: أ. حسام الحفناوي
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله، إخواني الفضلاء، طلبة العلم، ومشايخي المكرمين:
أود أن أسال فضيلتكم سؤالاً: كيف للمُجَرِّح والمُعَدِّل أن يُجَرِّح أو يُعَدِّل الرواة، وهو لم يعاصرهم؟! هل ذلك يكون بِسَبْرِ مروياتهم، ومن ثم الحُكْم عليهم بما يستحقون من خلال مروياتهم فقط؟
أو أن هؤلاء النقاد يتكلمون فى الرواة جَرْحًا وتَعدِيلاً عن طريق أخبار، وصلت إليهم عن طريق الذين عاصروا هؤلاء الرواة؟
وإذا كان ذلك كذلك فلماذا لا يُنسب الكلام في الرواة لمَن أخبر النقادَ بهذا؟! فدائمًا ما نسمع مثلاً: وثَّقَه يحيى بن معين، أو ضَعَّفَه يحيى بن معين، فإذا كان يحيى بن معين قد أخذ حال الراوي عن رجال، لماذا يُنسب إليه النقد؟
هل لأنه هو الذي جمع الأقوال في هذا الراوي ممن عاصروه، ومن ثَمَّ أصدر الحُكْم؛ مثلما يفعل الحافظ ابن حجر - رحمه الله - يجمع الأقوال ويَحْكُم على الراوي في "التقريب"؟؟
هل هذه فقط هي الطُّرُق للحُكْم على الرجال، أم أن هناك طُرُقًا أخرى يَحْكُم بها الناقدُ على الراوي، الذي لم يعاصره؟
وجزاكم الله عني كل خير.
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وبعد:
فيأيها الأخ الكريم: اعتمد الأئمة – غالبًا - في حُكْمهم على الرواة جَرْحًا وتَعدِيلاً على سَبْر مَرْوِيَّات هؤلاء الرواة.
ومن معاني السَّبْر: الاختبار والامتحان، ومعرفة القَدْر والتجريب.(160/1)
قال ابن منظور في "اللسان" (مادة: سَبَر): "السَّبْرُ: التَّجْرِبَةُ، وسَبَر الشيءَ سَبْرًا، حَزَره وخَبَرهُ، واسْبُرْ لي ما عنده، أَي اعْلَمْه، والسَّبْر اسْتِخْراجُ كُنْهِ الأَمر، والسَّبْرُ: مَصْدَرُ سَبَرَ الجُرْحَ يَسْبُرُه ويَسْبِرُه سَبْرًا: نَظَر مِقْدارَه، وقاسَه لِيَعْرِفَ غَوْرَه.
و السَّبْرُ اصطلاحًا: استقصاء روايات الحديث الواحد، وتَتَبُّعُ طرقه، ثم اختبارها، وموازنتها بروايات الثقات.
وقد يُعبِّر عنه الأئمة بتعبيرات أخرى؛ كالمعارضة، والمقابلة، والاعتبار.
يقول الإمام مسلم - رحمه الله تعالى - في مقدمة صحيحه (1/ 56،57): ''وعلامة المُنكَر في حديث المُحَدِّث: إذا ما عُرِضَتْ روايتُه للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا، خالفتْ روايتُه روايتَهم، أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك، كان مهجورَ الحديث، غير مقبوله، ولا مستعمله''.
وقال - رحمه الله تعالى - في كتاب "التمييز" (ص: 162): "بجَمْع هذه الروايات، ومقابلَةِ بعضها ببعض، يتميَّز صحيحها من سقيمها، وتتبين رواة ضِعَاف الأخبار من أضدادهم من الحُفَّاظ. ولذلك أَضْعَفُ أهلِ المعرفة بالحديث عمرُ بن عبد الله بن أبي خَثْعَمَ، وأشباهُهُ من نَقَلَةِ الأخبار؛ لروايتهم الأحاديث المستنكرة، التي تخالف روايات الثقات المعروفين من الحُفَّاظ''.
وقال الإمام ابن الصلاح - رحمه الله تعالى - في "المقدمة" (ص: 220): "يُعرَف كونُ الراوي ضابطًا: بأن تُعتَبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان، فإن وجدنا رواياته موافِقَةً - ولو من حيث المعنى - لرواياتهم، أو موافقة لها في الأغلب، والمخالفة نادرة، عرفنا حينئذ كونه ضابطًا ثَبْتًا، وإن وجدناه كثيرَ المخالَفة لهم، عَرَفنا اختلال ضبطه، ولم نَحْتَجَّ بحديثه، والله أعلم".(160/2)
وقال الإمام الذهبي - رحمه الله تعالى - في "الموقظة" (ص: 52): "اعلم أنَّ أكثَرَ المُتَكَلَّمِ فيهم، ما ضَعَّفَهُم الحُفَّاظُ إلا لمخالفتهم للأَثْبَات".
وقال العلامة المُعَلِّمِي - رحمه الله تعالى - في "التنكيل" (1/ 67): "مِن الأئمة مَن لا يُوَثِّق مَن تَقَدَّمَه؛ حتى يَطَّلِع على عدة أحاديث له، تكون مستقيمةً، وتَكثُر حتى يَغلب على ظنِّه أن الاستقامة كانت مَلَكَةً لذاك الراوي، وهذا كلُّه يَدلُّ على أن جُلَّ اعتمادهم في التوثيق والجَرْح إنما هو على سَبْر حديث الراوي".
ولم يكن حُكْم الأئمة على الرواة عن طريق السَّبْر مقصورًا على مَن لم يدركوه منهم، فقد يتعدى ذلك إلى مَن عاصروه.
قال المعلمي - رحمه الله -: "وربما يَبْنِي بعضهم على هذا حتى في أهل عصره، وكان ابن معين إذا لَقِيَ في رحلته شيخًا فسمع منه مَجلِسًا، أو وَرَدَ بغدادَ شيخٌ فسمع منه مَجلِسًا، فرأى تلك الأحاديث مستقيمة، ثم سُئِلَ عن الشيخ، وَثَّقَهُ. وقد يَتَّفِق أن يكون الشيخ دجالاً، استقبل ابنَ معين بأحاديثَ صحيحةٍ، ويكون قد خَلَّط قبل ذلك، أو يُخَلِّطُ بعد ذلك.
ذَكَر ابنُ الجنيد أنه سأل ابنَ مَعِين عن محمد بن كثيرٍ القُرَشِيِّ الكوفيِّ فقال: "ما كان به بأس". فحكى له عنه أحاديث تُستَنْكر، فقال ابن معين: "فإن كان الشيخ روى هذا، فهو كذَّاب، وإلا فإني رأيتُ الشيخ مستقيمًا".
وقال ابن معين في محمد بن القاسم الأسدي: "ثِقَة، وقد كتبتُ عنه". وقد كَذَّبه أحمد، وقال: "أحاديثه موضوعة"، وقال أبو داود: "غير ثقة، ولا مأمون، أحاديثه موضوعة".
وهكذا يقع في التضعيف، ربما يُجَرِّح أحدُهم الراويَ لحديث واحد استنَكَرَه، وقد يكون له عذر.(160/3)
وَرَدَ ابنُ معين مصرَ، فدخل على عبدالله بن الحَكَم، فسَمِعَه يقول: حدثني فلان وفلان وفلان، وعَدَّ جماعة روى عنهم قصة، فقال ابن معين: "حدَّثك بعضُ هؤلاء بجميعه، وبعضُهم ببعضه؟". فقال: "لا، حدثني جميعُهم بجميعه". فَرَاجَعَه، فأصرَّ، فقام يحيى، وقال للناس: "يكذب".
ويظهر لي - المعلمي - أن عبدالله إنما أراد أن كُلاًّ منهم حدَّثه ببعض القصة، فجَمَع ألفاظهم، وهي قصة في شأن عمر بن عبدالعزيز، ليست بحديث، فظن يحيى أن مراده أن كُلاًّ منهم حدَّثه بالقصة بتمامها على وجهها في ذلك.
وقد أساء الساجي؛ إذِ اقتصر في ترجمة عبدالله على قوله: "كذبه ابن معين".
وبلغ ابنَ معين أن أحمد بن الأزهر النيسابوريَّ يُحَدِّث عن عبدالرزاق بحديث استنَكَرَه يحيى فقال: "مَن هذا الكذَّاب النيسابوري، الذي يُحَدِّث عن عبدالرزاق بهذا الحديث؟!". وكان أحمد بن الأزهر حاضرًا، فقام، فقال: "هو ذا أنا"، فتبسم يحيى، وقال: "أما إنك لست بكذاب".
وقال ابن عمار في إبراهيم بن طَهْمَانَ: "ضعيف، مضطرب الحديث". فَبَلَغَ ذلك صالحَ بن محمد الحافظَ الملقبَ جَزَرةَ، فقال: "ابن عمار.. مَن أين يعرف إبراهيم؟! إنما وقع إليه حديث إبراهيم في الجُمُعة، والغلطُ فيه من غير إبراهيم". انتهى كلام المعلمي، رحمه الله تعالى.
بل كان الأئمة - رحمهم الله تعالى - يُكثِرون من سماع الحديث الواحد من الرواي الذي أدركوه عدة مرات؛ حرصًا على معرفة ضبط الراوي.(160/4)
روى ابن عدي - رحمه الله تعالى - في "الكامل" (1/ 88) عن شُعْبَة بن الحجاج - رحمه الله تعالى - قال: "ما رَوَيْتُ عن رجل حديثًا واحدًا، إلا أتَيْتُه أكثرَ من مرة، والذي رَوَيْتُ عنه عشرةَ أحاديث، أَتَيْتُه أكثر من عشر مِرارٍ، والذي رَوَيْتُ عنه خمسين حديثًا، أتيته أكثر من خمسين مرة، والذي رَوَيْتُ عنه مائة حديث، أتيته أكثر من مائة مرة، إلا حيانَ البارِقِيَّ؛ فإني سمعت منه هذه الأحاديث، ثم عُدْتُ إليه، فوجدته قد مات".
وقال الحافظ ابن رجب في "شرح عِلَلِ الترمذي" (1/ 176): "قال يعقوب بن شَيْبَةَ: إن شُعْبَة كان إذا لم يَسمَع الحديثَ مرتين، لم يَعْتَدَّ به".
وليس معنى هذا أن الأئمة لم يكونوا يستعينون في حُكْمهم على الرواة بما قاله مَن تَقَدَّمَهم؛ فإنَّا نراهم يُكثِرُون في كلامهم على الرواة من قولهم: تَرَكَ فلانٌ (أي مِن أئمة الجَرْح والتَّعدِيل) الروايةَ عنه، أو لم يروِ عنه فلانٌ. وأمثلة هذا كثيرة جدًّا في كلامهم، رحمهم الله تعالى.
وخذ هذه الأمثلة لمزيد من الإيضاح:
قال البخاري - رحمه الله تعالى - في ترجمة إسماعيلَ بنِ إبَّان من "التاريخ الكبير" (1/ 347): "إسماعيل بن إبان، أبو إسحاق، الحَنَّاط، الكوفى، أُرَاه الغَنَوِيَّ، عن هشام بن عروة، متروك، تَرَكَه أحمد".
وروى ابن أبي حاتم في ترجمة جابر الجعفي من "الجرح والتعديل" (2/ 497) عن أبيه قال: "سألتُ أحمد بن حنبل عن جابر الجعفي؟ فقال: تَرَكَه عبد الرحمن، ويحيى".
وقال ابن حبان في ترجمة جعفر بن الزبير من "المجروحين" (1/ 206): "تَرَكَه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين".
وقال الإمام الدارَقُطْنِيُّ في "الإلزامات والتتبُّع" (ص: 171) عن عمر بن عامر: "وعمر ليس بالقوي؛ تَرَكَه يحيى القطان".
وقال الدارقطني أيضا في سُنَنَه (2/ 122) عن حكيم بن جُبَيْرٍ: "ضَعِيفٌ، تَرَكَهُ شُعْبَةُ، وَغَيْرُهُ".
وأمثلة هذا كثيرة جدًّا، يطول استقصاؤها.(160/5)
لكنهم ما كانوا ليكتفوا بذلك المنقول، ويستغنوا به عن البحث والتفتيش في مرويات الرواة، بل كانوا يُنَقِّبون عن ذلك، ويُعْمِلُونَ في كل راو اجتهادهم، فيوافقون الأئمة، أو يخالفونهم.
وقد لا يتيسر لكل واحد منهم بحثٌ مستقل في حال كل راوٍ، فيقتصر على النقل عمَّن تَقَدَّمَه من الأئمة النقاد.
وهذا سبيل عامٌّ لكل أهل العلم في كل فرع من فروعه، لا في الحُكْم على الرجال وحدهم؛ فإنه لا يستغني أحدٌ من العلماء - مهما علا كعْبُه - في علم من العلوم عن أقوال مَن تَقَدَّمَه مِنَ العلماء، فإن تَيَسَّر له التفتيشُ عمَّا أَتَوْا به من أحكام، فَعَلَ، فيوافق، أو يخالف، أو يُقَوِّم.
وقد حاز أئمة الجَرْح والتعديل القَدَحَ المُعلَّى في توقير مَن تقدم مِن أئمة السلف، ووضْع أقوالهم المنقولة عنهم فوق الرؤوس، وبين الأحداق، بَيْدَ أن الحق كان أحبَّ إليهم مِن كل أحد إذا تبين لهم.
وقد عَلِمَ الناظر في سِيَرِهم، والمُعتني بأحوالهم ما اتسموا به من همة عالية، تَبَزُّ الجبالَ مطاولتُها في البحث والتنقيب. ومِن ثَمَّ، فقد بذلوا أقصى ما يستطيعون لتقويم المرويات وسبر غورها لتمييز الصحيح من السقيم، ولم يَرضَوْا بالتقليد، والتبعية، مع توقيرهم لمَن تَقَدَّمَهم من الأئمة، ومعرفتهم لفضلهم.
وإذا تأمل الأخ الكريم في الأمثلة التي ضربناها آنفًا، تبيَّن له أنهم كانوا يقتصرون أحيانًا في حُكْمهم على الراوي، على النَّقْل عمن تَقَدَّمَهم من أئمة الشأن، وهذا يكون منهم غالبًا فيما إذا تبيَّن لهم - بَعْدَ البحث والتفتيش - صحةُ اجتهاد الأئمة في الحُكْم عليه، وقد يكون لعدم استقصائهم حالَ الراوي كما ذكرنا آنفًا.
وكونهم ينقُلون عنهم لا يفيد بالقطع أنهم ليس لهم بحث مستقل حول الراوي؛ بل يؤخذ منه توقيرُهم لمَن تَقَدَّم من الأئمة، وإيثارُهم النقلَ عنهم ما أمكنَ، شريطة أن يوافق ما نقلوه عنهم ما وصلوا إليه في شأن الراوي المُتَكَلَّم فيه.(160/6)
أما إذا خالف اجتهادُهم اجتهادَ مَن تَقَدَّمهم من الأئمة، فإنهم يبيِّنون ذلك أفصحَ بيان.
وفي هذا من الإشارة إلى حرصهم على الإخلاص، وبُعدِهم عن الرياء، والبَطَر بالعلم ما فيه عِبرة لكل طالب.
وإذا وافق نقدُ متأخِّر نقدَ مُتقدِّم دون عزو القول إليه، فلا يلزم من هذا تقليدُ المتأخر للمتقدم دون الإحالة والعزو؛ بل يُفهَم منه توافقُ اجتهادهما، فإن مِن بَرَكَةِ العِلم أن يُنسبَ إلى أهله، وقد كانوا - رحمهم الله تعالى - أحرصَ الناس على ذلك، وكان هذا خُلُقًا عامًّا في علماء السلف، لا في أئمة الجَرْح وحدهم.
قال الذهبي في "سِيَر أعلام النبلاء" (7/431): "قال أيوب بن المتوكل: كان الخليل - أي الخليل بن أحمد الفراهيدي، الإمام اللُّغوي المشهور - إذا أفاد إنسانًا شيئًا، لم يُرِهِ بأنه أفاده، وإن استفاد مِن أحد شيئًا، أراه بأنه استفاد منه".
وروى السِّلَفِيُّ، عن العباس الدُّورِيِّ، قال: سمعتُ أبا عُبَيْدٍ يقول: مِن شُكْرِ العِلم: أن تستفيد الشيء، فإذا ذُكِرَ لك، قلتَ: خَفِيَ عليَّ كذا وكذا، ولم يكن لي به عِلم، حتى أفادني فلانٌ فيه كذا وكذا، فهذا شُكر العِلم. انتهى. ذَكَرَه السيوطي في "المُزْهِر في علوم اللغة وأنواعها" (2/273). وفي "الجامع في أخلاق الراوي وآداب السامع" للخطيب البغدادي (2/152،153) أمثلة أخرى لذلك.
ثم إن المُرَجِّح لقَوْل أحد الأئمة في أي مسألة من المسائل المُختلَف فيها، يُعَدُّ قائلاً لذلك القول، ويُدرَج في قائمة القائلين به؛ لأنه ما قال به إلا بَعْدَ بحث وتفتيش.(160/7)
وأما كون الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - يَحكُم على الراوي بمجرد جَمْع أقوال الأئمة فيه، والخروج بمُحَصَّل ذلك الجَمْع، فهذا يحتاج إلى نَظَرٍ؛ فقد بَيَّن - رحمه الله تعالى - في مقدمة "التقريب" أنه يَحكُم على كل شخص منهم بِحُكْم يشمل أصح ما قيل فيه، وأعدلَ ما وُصِف به، بألخصِ عبارة، وأخلصِ إشارة، بحيث لا تزيد كلُّ ترجمة على سطر واحد غالبًا.
وهذا لا يلزم منه أنه كان يقتصر على الخروج بنتيجة إجمالية عن الراوي عن طريق الجَمْع بين أقوال الأئمة فيه فقط، فقد يكون استعان بحصيلته العِلميَّة، التي كانت قد نَمَتْ مع مر السنين، والتي جعلتْه أحدَ أشهر أئمة العِلَل والجرح والتعديل في المتأخرين رحمهم الله تعالى.
فلا شك أن هذا المحصول العلمي الضخم في هذا الفن، قد أفاد الحافظَ في إمكانية الخروج بترجيح لحال بعض الرواة، الذين اختَلف فيهمُ الأئمةُ، أو كثيرٌ منهم، وذلك من خلال طول الممارسة والدُّربة في جَمْع طُرُق الأحاديث، وتمييز الموافق للثقات عنِ المخالف لهم. فهذا الأمر يحتاج إلى تحرير.
نعم، قد يفعل ذلك أحيانًا، مثلما ردَّ الضعف عن مصعب بن شَيْبَةَ في "فتح الباري" (10/337) بقوله: "وَثَّقَهُ ابن مَعِين وَالْعِجْلِيُّ وَغَيْرُهمَا، وَلَيَّنَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِم وَغَيْرُهمَا؛ فَحَدِيثُه حَسَن". انتهى.
لكن هل يؤخذ من هذا فهْمٌ لمنهجه في الترجيح في الراوي المختلَف فيه؟ يحتاج الأمر إلى دراسة واستقراء.(160/8)
العنوان: كيفية التعامل مع أهل خطيبي
رقم الاستشارة: 118
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
الأَخُ الفَاضِلُ: لا أَسْتَطِيعُ الدُّعاءَ لكَ إِلاّ بالفِرْدَوْسِ الأَعْلَى مِنَ الجَنَّةِ؛ لِمَجْهُودِكَ معي في حَلِّ مَشَاكِلِي، ولكنْ هذهِ المَرَّةَ أَشْعُرُ أني لا أَسْتَطِيعُ التَّحَمُّلَ؛ فأهلُ خَطِيبِي مِنَ البِدَايةِ لا يُوَافِقُونَ عَلَيَّ، مع أن عُيُوبَهم كثيرةٌ، والمُشْكِلَةُ: أَنَّهم يَحْسَبُونَ أنَّنا مِن غَيْرِ رَجُلٍ، وأن صاحِبَ البَيْتِ أُمِّي؛ لأَنَّ أَبِي دائمُ السَّفَرِ، وقريبًا سافَرَ خَطِيبِي وأَرَدْتُ الاطْمِئْنانَ عليه، فَاتَّصَلْتُ بهم ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فلم يُجِبْنِي أَحَدٌ، فَحَزِنْتُ، ثم اتَّصَلَ بي خطيبي، فَأَعْلَمْتُه أن أباه قد أَغْلَقَ الهاتِفَ في وَجْهِي، فاتَّصَلَ بهم، وفي اليومِ التالي اتَّصَلُوا هم بي، وأَسْمَعَنِي أبوه أَقْذَعَ الشَّتَائِمِ، وجَرَحَنِي، لِدَرَجَةِ أَنِّي لم أَسْتَطِعِ الرَّدَّ عليه مِنَ البُكَاءِ، فَرَدَّتْ أُمِّي، فكان معها نفسُ الشَّيْءِ، وأَغْلَقَ الهاتِفَ في وَجْهِها، لكنَّه لم يُحْكِمِ الغَلْقَ، فسَمِعْناهم يَسُبُّونَنا، ولم أَتَحَمَّلْ سَماعَ ذلك، فشَدَدْتُ سِلْكَ الهاتفِ مِن عِندِي؛ لكي لا أَسْمَعَ.
أنا مُتْعَبَةٌ جِدًّا، وحزينةٌ جِدًّا، ولا أَعْلَمُ ماذا أَفْعَلُ؟ أَرْجُوكَ، أَرْجُوكَ، رُدَّ عليَّ: ماذا أفعل - في خُطُواتٍ مُحَدَّدَةٍ -؟ علمًا بأنه جَيِّدٌ معي، ومع أهلي، لكنه ضعيفُ الشَّخْصِيَّةِ مع أهلِه، والسلامُ عليكم.
-----------------------------------------
الجواب:
الأُخْتُ الكريمةُ: مَرْحَبًا بكِ ثانيةً في مَوْقِعِ (الأَلُوكَة) وأهلاً وسهلاً.(161/1)
قرأتُ رسالتَكِ باهتمامٍ، وأَشْعُرُ بمَشَاعِرِكِ عندَما يَقَعُ الشَّخْصُ في حالةٍ مِنَ التَّضَارُبِ التي تَعِيشِينَها أنتِ، أسألُ اللهَ أن يَهْدِيَ قَلْبَكِ ويَفْتَحَ عَليكِ.
بدايةً: أنتِ الشخصُ الوحيدُ الذي يَستطيعُ أن يَتَّخِذَ القرارَ في البَقَاءِ مع هذا الشَّابِّ أو تَرْكِه، هناك أَسْئِلَةٌ يَجِبُ أن تكونَ واضحةً لكِ: ما مَوْقِفُ خطيبِكِ تِجاهَ كلِّ هذه الأحداثِ؟ ماذا فَعَلَ؟ هل يُسَانِدُكِ ويُخَفِّفُ عنكِ أَمْ يَغُضُّ الطَّرْفَ وكأنَّ شيئًا لم يَحْدُثْ؟ هل قامَ بواجِبِه قبلَ أن يُسَافِرَ؛ كَطَمْأَنَتِكِ عليه، وتَوْضِيحِ الغَرَضِ مِنْ سَفَرِه، وكَمْ سَيَسْتَمِرُّ؟ هل يَتَّصِلُ بِشَكْلٍ مُتَكَرِّرٍ عليكِ - حتي بِدُونِ مَعْرِفَةِ أَهْلِه- للسُّؤَالِ عنكِ؟
سَيِّدَتي الفاضلةَ: أُريدُ هنا أَنْ أَذْكُرَ لكِ أمرًا هامًّا: فَتْرَةُ كَتْبِ الكتابِ (الملكه) هي صُورةٌ مُصَغَّرَةٌ عن طَبِيعةِ الحياةِ الزَّوْجِيَّةِ التي ستَعِيشِينَها مع زَوْجِكِ بعدَ الزَّوَاجِ، عادةً لا تَتَغَيَّرُ الأمورُ بشكلٍ إِيجَابِيٍّ بعدَ هذه المَرْحَلَةِ؛ ولذا اسْأَلِي نفسَكِ: هل أنتِ مُستعِدَّةٌ للعَيْشِ مع مثلِ هذا الزَّوْجِ وأَهْلِهِ، في السنينَ القادمةِ، في مثلِ هذا الوَضْعِ؟ فإن كانتْ إجابتُكِ بـ(نَعَمْ) فعليكِ بالصَّبْرِ والتَّحَمُّلِ, وإن كان غَيْرَ ذلك، فالإجابةُ أَصْبَحَتْ واضحةً لديكِ الآنَ.
وَفَّقَكِ اللهُ لِمَا يُرْضِيهِ، ومَرْحَبًا بكِ دومًا في مَوْقِعِ (الأَلُوكَة).(161/2)
العنوان: كيفية دراسة علم الرجال
رقم الاستشارة: 5
المستشار: د. سعد بن عبدالله الحميد
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته:
نستشيركم في كيفية دراسة علم الرجال، أو أن هناك لكل طبقة من طبقات الإسناد كتباً معينة لذلك.
هذا من جهة ومن جهة أخرى أعلم أن للعالم فضلاً كبيراً في اختصار هذا العلم، إلا أنني لم أجد على الإنترنت محاضرات لهذا العلم بصورة منهجية، في الوقت الذي يتعذر عليَّ حضور مجلس خاص لأي من العلماء.هل نبدأ بكتب مثل: تهذيب التهذيب، وتهذيب الكمال، وغيرهما كالضعفاء مثلاً.
فهلا دللتموني على الطريق لعلِّي أختصر بذلك الطريق إلى الجنة إن شاء الله، و لكم الأجر والفضل بإذن الله.
-----------------------------------------
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
وردنا سؤالك الذي تسأل فيه عن كيفية دراسة علم الرجال.
فأقول: إن علم الرجال يحتاج إلى أمرين:
1) الأمر الأول: الإحاطة الشاملة بهذا العلم نظريًّا من خلال كتب علوم الحديث؛ مثل: بأي شيء تُعرف العدالة؟ وبِمَ يُعرف الضبط؟ وما العمل حال تعارض الجرح والتعديل؟ وما الفرق بين الرواية والشهادة؟ وهل يُكتفى في الجرح والتعديل بواحد؟ وهل العبد والمرأة في هذا مثل غيرهما؟ ومن الذي يُقبل قوله في الجرح والتعديل؟ .... وغير ذلك من القضايا المذكورة في هذا الموضوع.
2) الأمر الثاني: القدرة على تطبيق تلك الدراسة النظرية على الرجال والأسانيد، وهذا لايتأتَّى إلا بطول الممارسة والمعاناة للأسانيد، وذلك عن طريق الإكثار من القراءة في كتب العلل؛ كالعلل لابن أبي حاتم، والدارقطني، وكتب التخاريج التي تُعنى بالحكم على الأحاديث؛ كنصب الراية للزيلعي، والبدر المنير لابن الملقن، وغيرهما.(162/1)
ويُستحسن بعد هذا أن يعرض طالب العلم عددًا من الأحاديث التي يقوم بدراسة أسانيدها والحكم على رجالها، على بعض المتخصصين البارعين في علم الحديث، لتقويم ما يكون في بحثه من خلل يستفيد منه في المرات القادمة، فإن لم يجد أحدًا من أهل العلم يقرأ له، فليأخذ بعض الأحاديث التي سبقه إلى تخريجها والحكم عليها بعض الأئمة وأهل العلم بالحديث، ولا ينظر في تخريجهم وحكمهم إلا بعد فراغه هو من ذلك، ثم يقوم بالموازنة بين عمله وعملهم، ويُنظر في الفروق والأخطاء التي وقع فيها، ثم يُكرر هذا العمل مرات، وسيجد نفسه بعد هذا حصل على خير كثير.
وفقك الله وحفظك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(162/2)
العنوان: لا أُريدُ حَلاًّ..
رقم الاستشارة: 184
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
لا أُريدُ حَلاًّ؛ لأنني أعلم أنه ليس هناك حلٌّ، لكنني أُفَكِّر كثيرًا كيف أن الله ملَّك أمري لهذا الزوج؟! ولا اعْتِراض على حُكْمه:
أخي الفاضل: أنا فقط أُرِيد أن أسمع كلمات تُريحني؛ لأنني مهما أفعل معه، فرِضَاه صَعْب.
أعيش معه منذ 25 عامًا تقريبًا؛ تَزوَّجْتُه وأنا في العشرين من عمري، رَبَّانِي على الخَوْف، والرُّعْب - رغم أنه رجل مُلتزِم، ومُتَعلِّم - فأنا أَخافُ منه، وأحسَب له ألف حساب، ويعلم الله أنني منذ أن تزوجته وأنا مُلْتزِمة، ولله الحمد.
هَيَّأْتُ نفسي على طاعته من أجْلِ الجنة، أُطِيعه طاعةً عمياء، كَلِمَتُه هي التي تُنَفَّذ، ليس لي رَأْي في أي شيء.
قال الله تعالى على لسان يوسف: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55].
وأنا يا أخي أخبرك بكل صفاتي، والله على ما أَقُول شهيد:
الكل يشهد لي بأنني زوجة مثالية، أقوم بطاعته وخدمته على أكمل وَجْه، ما قَصَّرْتُ يومًا في حقه - وربما أُقَصِّر في حق الله – حياتي كلها مِلْكٌ له، أُعِدُّ إفطاره ثم أُوقِظُهُ، أَظَلُّ معه أُجَهِّزُ له كل طلباته حتى نَظَّارته وحذائِه، أقوم بمَسْحِهما؛ لم يأتِ يومًا من العمل ولم يجد غداءه مُجَهَّزًا، وأَتَفَنَّنُ له في الطَّبْخ، إضافةً إلى ذلك لا أُقابله إلا وأنا في زينة؛ ربما تكون كزينة الأطفال مع كبر سِنِّي، أُهَيِّئُ له راحته في النوم، فلا أدع طفلاً يزعجه، ولا أَتَحَدَّث بالهاتف في حضرته، ولا أستقبل أحدًا، ولا أَزُور أحدًا إلا برضاه، إنَّه يأخذ حقَّه كاملاً منِّي، فأنا أسمع عن الرجال وأقوالهم عن نسائهم.(163/1)
حَرَمْتُ نفسي من كل شيء من أجله، أُوقِظُهُ لقيام الليل، لم أمنعه نفْسِي يَومًا، ولك أن تَتَخَيَّل، وأنْ تُصَدِّق؛ ففي كل حال سواء أكنتُ: مريضة، أو حاملا، أو نُفَساء، أُخفي عنه مشاعري حتى لا يغضب، لم أحاول يومًا إغضابه إلا ما كان بِغَيْرِ قصد، وليتَك تَرى العقاب يكون شديدًا: شَتْمًا، وذُلاًّ، وسُخْرية، لا يُبْقِي ولا يَذَر، لا يَحْتَرِمُنِي، ولا يُقَدّرُنِي؛ وربما كان هذا أمام أبنائه الشباب.
أما هو فسريع الغضب، وإذا غضِبَ لا يعلم ما يقول من كلِماتٍ تَظَلُّ جُروحًا في قلبي على مرّ السّنين، وبالمُقابل أَلْتَزِمُ الصَّمْت؛ لأنني أخشاه.
فأنا لسْتُ بذيئة؛ بل الكل يشهد لي أني لطيفة، شخصية محبوبة، ولله الحمد والمنة، فأنا داعية والكل يحبني، ويحب أُسلوبي، أسأله أن يكتب لي القَبول في الأرض، وفي السماء، إنه سميع مجيب.
وَهَبَنِي الله صفات؛ ربَّما يتمنَّاها كل رجل، متوسِّطة الجمال، شخصية مُتَّزِنة حكيمة كاتبة - ولم يقرأ لي شيئًا من كتاباتي في يوم من الأيام - حرمني من الدعوة فترة طويلة، ثم فتحَها اللهُ علىَّ ليس برغبته؛ ولكنِ اختلَفَتْ طريقةُ عملِه، ومن عادته أنه لا يمنعني إذا كان غائبًا عن المنزل.
لا أعرف منه الرحمة، فأكثر الأحيان - ومنزلُنا طابقان - لا يأكل إلا في الدور العلوي، وربما أكون حاملاً، أو مُتْعَبة، فأحمل إفطاره وأصعد به، فهو لا يتنازل يومًا عن حقِّه؛ وربما مَرَّتْ علينا سنوات بدون خادمة.
لا أُنْكِر أنه كريم أحيانًا؛ وربما لاطَفَ أحيانًا؛ ولكنني أعيش معه على حَذَر؛ خوفًا من بطشه الذي يهدم كل حسناته.
وفوق كل ذلك على نقاش بسيط وبعد هذا العمر يقول لي:
(أنتِ امرأة سيئة العشرة)، إلى الله المُشْتَكَى؛ بعد كل هذه الطاعة تكون هذه المكافأة، ماذا أفعل؟ والله لو كان هناك جبل يأوي إليه كل مهموم لهربْتُ إليه؛ ولكنني أعلم أن المَأْوَى إلى رُكْن الله.(163/2)
اعلم أخي الفاضل: أنَّني لا أشكو حالي لا لوالدتي ولا لإخوتي؛ لأن نفسي عزيزة، ولا أُحِبّ أن يشمت بي أحد، أو يعطف عليّ أحد، كل ما أريدُه فَقَطْ هو أن أتحدَّث إلى شخص لا يعرفني؛ لعلّي أسمع كلماتٍ مِنْهُ تُريحُنِي، وتُزيل همي، هل أنا مخطئة أو مُقَصِّرَة؟
-----------------------------------------
الجواب:
آلَمَتْنِي استشارتُكِ كثيرًا؛ ليس لأنها مُعاناةٌ تفوق معاناة غيركِ؛ بل لأنك تحملتِها لأوقات طويلة، دون أن تبحثي عن حلٍّ لها؛ بلِ استسلمتِ لها بيقين.
لَفَتَ نظري قولك: "إنك تعرفين أنه لا حلَّ"!، وذلك ببداية الاستشارة، رغم كل الأَلَم المحمل بها.
هناك فرقٌ بين ما قَدَّرَهُ الله لنا وليس لنا يدٌ فيه، وبين ما جعل لنا الاختيار فيه، فنشُقّ طريقَنا بإرادتنا؛ ليختبِرَنا الله كيف سنسير، هل وَفْقَ هَدْيِه؟ وهل سنختار الخيارات التي توصلنا لجنته أم العكس؟
من الرائع أنك تحتسبين الأجر، وتسعَيْنَ لِرِضَا الله بِكَسْبِك لِرِضَا زوجك؛ لكن ما تقُومين به ليس هو الرضا الذي أمرنا به الله؛ ألم يُوصنا الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ لربّك عليك حقًّا، وإن لنفسك عليك حقًّا، وإن لأهلك عليك حقًّا، فأعط كُلَّ ذي حق حقه)).
بداية أوَّل حق علينا هو حق الله بالتأكيد، وحينما تحتسبين الأجر بكل أمر تشعرين بالراحة أنَّ عَمَلَكِ لن يضيع، وليست حدوده الدنيا؛ لكن يليه حقُّ نفسكِ قبل حقِّ أهلكِ، فهل راعيتِه؟ أم أنكِ أهملتِه على حساب زوجك، حتى اعتاد منك ذلك، وظنَّه حقًّا له؟!(163/3)
حتى نستطيع أن نستمرَّ لا بد لنا أن نفكر بأنفسنا ونحبها أيضًا، وإلا سنستيقظ يومًا لنجد أننا قد فَقَدْنا كُلَّ شيء: أنفسنا أولاً، ومَنْ ضَحَّيْنا بأنفسنا لأجلهم ثانياً؛ فالرجل بطبْعِه يحبُّ المرأة المُستقلَّة التي لها شخصيتها، وبنفس الوقت تحتاج المرأة للحكمة؛ لتُوازِنَ وتصل لمفتاح زوجها؛ لكن لا يعني ذلك أن تُقَدِّمَ التنازلاتِ وتضغط نفسها؛ بل يعني أن تبحث بحبّ؛ لتصل لما يؤثر على شخصية زوجها أكثر من سواه.
فبَعْضُ الرّجالِ يتأثَّرُون بالعواطف أكثر من سواها، وبعضهم يحب المنطق والعقل والحُجَّة، والبعض قد يكون أصعب من غيره؛ لكنهم جميعًا يشتركون في أنهم لن يُلاحظوا أنَّك تضغطين على نفسك ما لم تُعَبّري عن ذلك، ويعجبون من المرأة حينما تعطي وهي مجروحة؛ فعندهم الأمور أوضح.
فكما قلت عن زوجك: إنه يغضب ويعبر عما بداخله ببساطة؛ وأيضًا أنتِ بحاجة لتفريغ انفعالاتك، فقد جمعتِ الكثير بداخلك لدرجة أنكِ تحتاجين لمن يستمع لك فقط لترتاحي، وكان أَوْلَى أن يكون لديك أُسلوبُ تَفْريغ يُريحك، ومن أساليب التفريغ التي نقترحها عليك:
- لا شكَّ أنه لا شيء يَعْدِلُ دعاءً صادقًا في جَوْف الليل، وأَكُفًّا ترتفع بالشكوى لله والتذلل له، والثقة به، واليقين برحمته؛ فلا تغفلي عن هذا الباب.
- الكتابة تُعَدُّ أسلوبَ تفريغ جيد؛ يمكنك كتابة رسالةِ حبٍّ تُفَرِّغِينَ بها مشاعرَكِ كلَّها، وطريقتها كالتالي:
أن تكتبي لزوجكِ رسالة، وابدئِيها بأشدِّ المشاعر عليك (الغضب)، اكتبي كلََّ ما تشعرين أنه يغضبك منه، (لكن انتبهي، فَرِّغِيه بطريقة: "أنا أَشْعُر، ليس أنْتَ فعلتَ"، فالأُولَى: تُعَبِّرُ عنكِ، والثانية: تَتَحَوَّلُ اتِّهامًا.
بعدها حينما تشعرين أن غضبك انتهى، اكتبي عن الشعور الذي يليه حِدَّة (الحزن أو الألم)، وفَرِّغِي ما يسبب لك الحزن منه، عَبِّري عنه كله، حتى لو بكيت معه.(163/4)
بعدها فرِّغي مشاعر (قلق وخوف)، فرِّغي مَخَاوفكِ حول الغد وحالكما معًا.
بعد ذلك ستجدين مشاعرك بدأت تهدأ فالمشاعر السلبيَّة؛ كالغيوم تغطي كل شعور إيجابي، وحينما تنجلي شعورًا وراء آخر ستظهر مشاعرُ إيجابيَّة بعدها، فبعد الخوف سيظهر (تأنيب الضمير)، وبعده سيظْهَرُ (الحب) والمشاعر الإيجابية.
يمكنك بعدَ أن تُفَرِّغِي أن تتخلَّصِي من الرسالة، لوْ شعرتِ أنه ليس من الحكمة أن يراها.
- أيضًا حديثنا غالبًا مع شَخْصٍ نَثِقُ به، ويَفْهَمُنا يُعَدُّ أُسلوبَ تفريغ جيد، لكن احرصي ألا تكون غِيبَةً، ولو استطعتِ التحدث للمشورة بشخص تَثِقِينَ به يكون أفضل، لتشعري بالمشاركة.
- الرياضةُ والمَشْيُ تُعَدُّ من الأساليب التي تريح أيضًا، وتساعد على نفسية جيدة.
قد لا يكون زوجُكِ سهْلاً، لكن أيًّا كان فأنتِ بحاجة لنفسك، فابحثي عنها، وفكِّري كيف تستعيدين نفسك، ثم تذكّري أن طبع زوجك هو مشكلته، ولا تجعليه يؤثّر على ثقتِك ونفسيتِك، حتى ولو قال لك: "إنك امرأة سيئة المعشر أو غيرها"، فأنت تثقينَ أنَّك لستِ كذلك، فقاوميها ولا تحبطي منها، وتذكّري أن عملَك بدايةً لله، ولن يضيع عنده عمل عامل.
أمَّا زوجُك فرُبَّما هو مَنْ يُعاني من ترسُّباتٍ بشخصيته جَعَلَتْهُ يبدو بِهَذه الصورة، فهلاَّ أعدتِ حساباتكِ ثانية، وفكرتِ كيف تستعيدين نفسك الآن؟!(163/5)
العنوان: لا أستمتع بشيء أبداً
رقم الاستشارة: 39
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا لا أستمتع بحياتي أبداً؛ وأعلل ذلك بأن كل متعة في الحياة زائلة؛ فأنا أقول: عندما ذهبت للبحر - مثلاً - الأسبوع الماضي، ذهبت متعته؛ فأيضاً ستذهب هذه المتعة في الأسبوع القادم، أو ما بعد ذلك.
ودائماً ما أقول: لماذا الاهتمام بالشيء مثلاً بالنظافة أو الترتيب أو حب الناس لي؟ أو - مثلاً -: لماذا أفرح بشبابي وأستمتع مادام كل ذلك زائل ومصيره إلى الموت؟
نعم؛ فأنا أخاف من الموت خوفاً شديداً وأقول: إن الموت سيُذهب شعري الجميل، أو مثلاً عيني أو كل شيء، لماذا الاهتمام بالأشياء؟ لماذا الفرح في هذه الدنيا؟
لذا؛ تجدني لا أبالي بأي شيء، برغم أنني أنظف وأهتم، ولكن ليس في داخلي أي سعادة، أحس أنه لا شيء يفرحني ولا شيء يحزنني، أحس أن حياتي مملة جداً، أخاف من الأدوات الحادة خوفاً شديداً، ولكن لا أظهر ذلك لأحد، أحب والدتي كثيراً ولا أريد أن أفارقها أبداً، ودائماً ما أحزن عليها إذا صرخ والدي بها؛ فأنا أشعر أنها ليست سعيدة مع والدي، ولا أريد أن أكون سعيدة ووالدتي ليست سعيدة، هناك مشاكل أسرية كثيرة أحس أنني أضطرب منها؛ فوالدي كل شيء عنده بالصراخ والضرب، صحيح أنه لا يقسو عليَّ أبداً، ولكنه لا يعطيني الحب والحنان الذي أريد، فلم يضمني أو يقبلني أبداً ولم يقل لي كلمة تشعرني بحبه لي، أحس أنني محرومة عاطفياً، أخاف على إخوتي كثيراً، ودائماً ما أتخيل أنهم في السجن، أو معذبون، أو أنهم في مجاعات - والعياذ بالله - فأبكي كثيراً وأتألم، ودائماً ما أشعر بالحزن الشديد لأولئك المعذبين في السجون، كما إنني أخاف من النوم وحيدة، وأخاف من الظلام، فإذا أطفَأَ أحد النور وأنا نائمة فسرعان ما أقوم مفزوعة، وأضيء المكان.(164/1)
أتمنى الزواج من شخص يعوضني الفقدان الذي أشعر به، أنا لا أحب أن أكون قاسية في كلامي عن والدي؛ فهو يشتري لنا كل ما نريد ويخرج بنا كثيراً، ولكن من دون ابتسامة أو ضحك، أما أمي فهي تعاملني بكل حنان وحرية.
وبالرغم من أني أصلي كل الصلوات في الوقت المحدد، وأقرأ أذكاري وأحفظ الكثير من القرآن، وأستمع لإذاعة القرآن الكريم، ولا أشاهد التلفاز أبداً، ولا أقرأ المجلات ولا القصص إلا نادراً - فإنني أشعر دائماً بالقلق والاضطراب، ولا أشعر بالراحة، ولا أعلم لماذا أشعر دائماً بالحزن، وأجد السعادة عندما أتحدث مع زميلاتي في الهاتف؟!
أرجوكم أرشدوني بسرعة!
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة، مرحباً بك في موقع الألوكة، وشكراً على ثقتك الغالية..
قرأت رسالتك بإمعان وخرجت بعدد من الانطباعات التي أحب أن أذكرها في النقاط التالية:
- من الواضح في شخصيتك السعي الدائب إلى الكمال؛ فأنت تريدين كل شيء في مكانه وعلى أحسن وجه، وتشعرين بضيق شديد عندما لا تسير الأمور على ما يرام.
ابنتي، النقص هو أحد مكونات البشر؛ فلا تغتري بالأشكال الجميلة والإنجازات الضخمة التي ترينها هنا وهناك؛ فكل هذه أشكال، وفي حقيقتها تجدين النقص والمحدودية.. هكذا أراد الله لنا أن نعيش ويبقى الكمال له سبحانه متفرداً به.
الناس من حولنا ليسوا كاملين، العالم الذي نعيش فيه غير آمن، نعم هذه حقيقة.. وإذا قبلناها عشنا حياتنا بهدوء وسلام, وإذا رفضناها فسنقحم أنفسنا في كمّ من الصراعات والإحباطات التي لا تنتهي.
الذين يتقبلون هذه الحقيقة يخلدون إلى فراشهم كل مساء بكل سكينة ورضا، وفي اليوم التالي ينهضون ويكافحون لإيجاد حل لما يواجهونه من صعوبات قدر الإمكان.(164/2)
والذين يرفضونها ينشغلون بالتذمر والشكوى التي لا تورث سوى المزيد من الألم والشعور باليأس والعجز، والله عز وجل زوَّد المسلم بأدوات فاعلة لمواجهة هذه المصاعب وأهمها التوكل عليه والاستعانة بركنه الشديد.. وهذا ما أوصيك به.
- الأمر الآخر: ألاحظ أنك كثيرة التأمل في ذاتك وفيمن حولك حتى الغرق! من الجيِّد أن يستوعب الواحد منا كيف تسير الأمور من حوله، من الجيد أن نمتلك بصيرة بأنفسنا وبالناس من حولنا، ولكن؛ عندما يزيد التأمل في الذات عن حده، إلى حد يعطلنا ولا يقوينا، ويخذلنا ولا يدفعنا للأمام - فعندها سيكون ضرره أعظم من نفعه؛ فاحذري منه حفظك الله.
- انتقلي من مستوى التأملات والأفكار إلى مستوى الأفعال؛ فالحياة جميلة بقدر ما نسهم في تحسينها، وبمستوى ما نسهم في إسعاد الآخرين وتحسين حياتهم.. وهذا لن يكون عبر الأفكار والقلق، بل عبر الأفعال والمبادرات الرائعة.
ختاماً: اقتربي أكثر من الله عز وجل؛ تنعمي بالقرب منه، والتجئي إليه، واسعي إلى رضاه في كل لحظة من حياتك، يحفظك، ويسبل عليك نعمه ظاهرة وباطنة.
مرحباً بك ثانية في موقع (الألوكة) وأدعوك لزيارته باستمرار لتجدي فيه ما يفيد وينفع..(164/3)
العنوان: لا أقدر أن اتَّبِع الأفكار التي أحددها
رقم الاستشارة: 89
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا لدي مشكلة؛ حيث إنني لا أقدر أن اتَّبِع الأفكار التي أحددها، والجداول مجرد أن أطبقها يومين أو ثلاثة أيام حتى أملُّ منها أو أجد أنها لا تناسبني، أو بالأحرى أتجاهلها بدون أي قصد، لا أدري لماذا.
على الرغم من أنني كنت ناجحاً في حياتي ودراستي ولا أضيع وقتي في أي شي آخر عدا دراستي وتفوقي، إلا أنني الآن أرى أن كل الذي كنت أشعر به وأعمل به ذَهَبَ.
قد يكون السبب في ذلك حالة الضغط النفسي الذي مررت بها والمشاكل العائلية وغيرها، ولكن الآن لم يعد هناك أي شيء لكي يشغلني، ولا أستطيع أن أرجع حاولت ولكن لا فائدة.
أرجوك يا دكتور ياسر بكار ساعدني.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الفاضل، مرحباً بك في موقع (الألوكة)، وشكراً لثقتك الغالية.
في البداية؛ اعلم أنك لست الأول ولن تكون الأخير ممن يعانون هذه المشكلة من بين كل الجادين والمتميزين من الناس. ولقد بَرِقَت في ذاكرتي - وأنا أقرأ رسالتك - ذكرى عشرات المرات التي وضعت فيها جداول ولم أتَّبِعُها سوى بضعة أيام أو أقل، ولكني - على كل حال - استفدت منها ولو قليلاً.
دعنا نناقش هذا الأمر في النقاط التالية:
أولاً: أكثر ما يُحَمِّس الشخص على بذل الجهد في الدراسة هو وضوح الهدف، أن يعرف ماذا يريد من جهده هذا، أن يكون صاحب حلم، وشغف للوصول إلى هذا الحلم، أن ترى بعيني (عقلك!) مكانك بعد عدة سنوات وما الذي حصدته بسبب ما تبذله الآن من جهد ومشقة.
الجهود التي نتكلفها دون أن تصب في هدفٍ معين هي جهود مبعثرة ومملة، فتذكر أن الأشياء تُصنَع مرتين؛ مرة في عقولنا عبر (أحلام اليقظة) لما نود تحقيقه بكل تفاصيله الدقيقة، ومرة على أرض الواقع عبر الأعمال الجادة المحدَّدة والموجَّهة نحو الهدف.(165/1)
ثانياً: قم بالاستعانة بتقنيات مختلفة ومتعدِّدة في الدراسة، كي تساعدك على تَفَهُّم المادة العلمية بأقل جهد وأكثر كفاءة، ككتابة الملخصات، ووضع الأسئلة حول المادة قبل البدء بدراستها, والاستعانة بالرسومات والأشكال لحفظ المعلومة, وصياغة المعلومة على هيئة مختصرات وأشعار؛ لتسهيل حفظها وغير ذلك كثير. وهناك عدد من الكتب في السوق لتوضيح العديد من هذه الوسائل.
ثالثاً: ابحث عن طريقة لتشارك بها الآخرين ما اكتسبته من علم ومعرفة، بهذه الطريقة ستجد المُحَفِّز الكافي لإتقان ما تتعلمه وتقرأه، وسيُحْفَر في ذاكرتك، فلن تنساه أبداً.. وقد وجدت أن أفضل طريقة لذلك هي محادثة الأصدقاء المهتمين، وإثارة النقاشات حول الموضوع الذي تعلمته.
رابعاً: قم بتحفيز نفسك وربط كل جهد في المذاكرة بهدف سامٍ وراقٍ، ردد على نفسك: "يجب أن أتعلم هذا من أجل أمتي وبلدي وأهلي؛ فهم بحاجة إلى هذا العلم.. بحاجة إلى من يتقنه.. وأنا سأكون ذلك الشخص".
عندما نربط عملنا اليومي وسعينا لكسب أي معلومة بالنجاح الحقيقي في الدنيا والآخرة، فسوف تنبض في عروقنا طاقة قوية لا مثيل لها.
خامساً: قابل أي مميز وناجح ممن سبقك على درب الدراسة بسنة أو سنتين؛ ستجد عند مثل هؤلاء خبرة رائعة وثمينة، استمع إلى نصيحتهم وخبراتهم واستفد منها؛ فالمؤمن الفَطِن من اتَّعَظَ بغيرِهِ.
ختاماً: ستبقى الاستعانة بالله واللجوء إليه سبحانه الوسيلة الأهم للنجاح والتفوق فعطايا الرحمن ليس لها حد ولا حساب.. كما قال الشاعر:
إِذَا لمَ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللهِ للفَتَى فَأَوَّلُ مَا يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ
وفقكَ الله إلى كل خير.. ومرحباً بك دوماً في موقع (الألوكة).(165/2)
العنوان: لدي ضعف في الشخصية, وأشعر بالإحباط والنقص؟!
رقم الاستشارة: 15
المستشار: هنادي طلال عنقاوي
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أود أن أقول: إنني أعاني هذه الأعراض، وأرجو منكم مساعدتي
عدم التركيز، كثرة التفكير والسرحان، كثرة النسيان؛ فسريعاً ما أنسى ما
أحفظه، ولدي اضطراب في الكلام، أحب مشاركة الآخرين، وليس لدي اندفاعية في الأمور، كثيرة الصمت، ضعيفة الشخصية، حتى إنني لا أجد شيئاً أطوِّر به نفسي، دائماً ما أؤنب نفسي عند فعل أي خطأ، لذلك لا أجرؤ على فعل شيء، أخاف من تأنيب والدي لي، أصبح لدي إحساس بالإحباط من نفسي، حاولت أن أغير نفسي إلى الأفضل، ولكن دون جدوى!:
-----------------------------------------
الجواب:
عزيزتي:
استعيني بالله الذي بيده كل الأمور، ثم عليك بما يلي:
أولاً: ابحثي عن سبب شعورك بالإحباط والنقص، ودوِّنيه في ورقة، أياً كان نوع هذا النقص أو السبب: جسدي أو عقلي أو اجتماعي، ثم ضعي أمام كل سبب ما يخطر ببالك من حلول، وإن لم تكن ثمة حلول، فقومي بتصغير حجم هذا النقص في ذهنك؛ فمثلاً:
المشكلة: شكلي غير جذاب:
حلول المشكلة: تسريحة أو قصة جديدة لشعري، وضع شيء من الزينة (المكياج).
أو في حالة عدم وجود حلول، أو عدم قناعتك بالحلول؛ فبإمكانك أن تفكري كالتالي:
المشكلة: شكلي غير جذاب:
تصغير المشكلة: المهم أخلاقي حسنة، وتعاملي جذاب, ودمي خفيف.
المشكلة: والدي شديد:
تصغير المشكلة: الحمد لله أن لدي والداً، هناك من ليس لديها والد يساندها في هذه الحياة.
ثانياً: دوِّني في ورقة جميع النعم التي حباكِ الله بها، والصفات الجميلة، والمهارات التي تتمتعين بها أيا كانت، حتى إن كانت ضئيلة.
هاتان الخطوتان بإذن الله ستعززان ثقتك بنفسك، وتضعان يدك عل موضع الألم؛ ومن ثَمَّ تخطين بنفسك أولى خطوات العلاج.(166/1)
ثالثاً: التحقي بحلقة لحفظ القرآن الكريم وذكر الله؛ فإن لم تستطيعي، فاستمعي إلى إذاعة القرآن الكريم، واجعلي لكِ ورداً يومياً تقرئينه وتتدبرينه؛ فإن القرآن ربيع القلوب، ومذهب الهموم.
رابعاً: طوري نفسك بالقراءة النافعة في الكتب الدينية والنفسية، مثل كتاب "لا تحزن" لـ"عائض القرني"، و"حتى لا تكون كلاً" لـ"عوض القرني"، وغيرها، وكذلك كتب بها تمارين لتقوية الذاكرة.
خامساً: لا تتأثري بتأنيب والدك؛ فهو يريد الخير لك على أية حال، وإذا لم تكوني مخطئة فلا داعي للحزن.
سادساً: ساهمي في خدمة المجتمع ومساعدة من حولك، من والدين وإخوة؛ فإن ذلك سيسهم في رفع معنوياتك، وشعورك بقيمة نفسك.
سابعاً: بعد اجتهادك في العمل بالنصائح السابقة، وكذلك ما تجدينه في طيات الكتب النافعة من نصائح، إذا وجدت أن الأعراض ما زالت مستمرة؛ فراجعي طبيبة نفسية موثوقاً بها؛ فقد يكون ما لديك من أعراض بحاجة إلى مساعدة طبية، ولا تتحرجي من ذلك، فكما أنك إذا أصبت بالزكام أو السكري مثلاً لجأت للطبيب؛ فكذلك الأعراض النفسية، إذا كانت شديدة ولم تنفع فيها المحاولات الشخصية، لابد من مراجعة الطبيبة، والله هو المستعان أولاً وأخيراً.(166/2)
العنوان: لماذا وكيف أتزوج؟
رقم الاستشارة: 45
المستشار: الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أبعث إلى فضيلتكم هذا السؤال أو هذه الاستشارة - وأظن أنها قد جمعت بين السؤال والاستشارة - وأتمنى منكم الإجابة، والتوجيه بالتفصيل الممل؛ لأنني في حيرة وتردد كبيرين، وأشعر أنني لن أُعطي ما في داخلي حقه من التوضيح، حتى لو بالإشارة إلى مراجع محددة، أستزيد منها، وأزيد غيري.
ما أود التطرق إليه جعلت له العنوان التالي: "لماذا وكيف أتزوج؟"
بالتأكيد سؤال غريب ومفتوح، نعم.. أقولها وأحتاج أن أُرددها وكثيراً ما أسمعها. وأذكر أن إحدى الأخوات طلبت مني إقناعها بجدوى الزواج؛ فلم أستطع أن أجيبها؛ وأتمنى أن أجد عندكم الأجوبة الشافية الكافية عن تساؤلاتي:
أولاً: لماذا أتزوج؟ وما هي النيات التي يمكنني أن أتوشحها لكي أجعل من زواجي قربة لله تعالى؟ وهل يجوز أن تخالط هذه النيات نيات أخرى، مثل الاستقلال والاستقرار ونحوهما؟ وهل يمكنني أن أتطلّع للزواج بشكل قويّ وبدافع من داخلي؟
ثانياً : كيف أتزوج؟
هنا تكمن العقبات، وأتخوّف من كثرة التنازلات؛ فإليكم أرسم بعضها:
** أول العقبات أمام زواجى: أمي وأختي التي تكبرني:
فقد تقدَّم إليَّ خُطَّابٌ أَكفَاءٌ، وكان أهلي يردونهم؛ لأن أختي التي تكبرني لم تتزوج بعد، والآن تقدّم إلي شاب كفء وخيرني أهلي فيه؛ وعندما سألتُ أمي عن أختي التي تكبرني، قالت: لن نستمر في الرد عنك.
لكنني أشعر أن والدتي يقلقها همُّ أختي، علماً بأنني أظن أنها – أختي - لا تعلم شيئاً عن السابقين الذين رددناهم؛ وكذلك أرجِّح أنها لن تتقبّل مني - الرضا بخطبتي قبلها - لو فاتحتها بالموضوع ؛لوجود فروق فردية بيني وبينها؛ فأشعر أنها دائماً لا تتقبل كلامي.(167/1)
فكيف أتعامل مع أختي بعد ذلك، علماً بأن عمري 24 سنة وهي تكبرني بـ 6 سنوات؟ هل أمضي في قبول الموضوع أو من اللائق أن أحترم أختي وأرفض إلى أن ييسر الله لها رزقها؟
** العقبة الثانية أمامي هي: حفظ القرآن الكريم وطلب العلم:
فالخاطب الجديد سأل عن جديتي في طلب العلم الشرعي عن طريق أخته - صديقتي - وهي تعلم عني الكثير في هذه الأمور، والحمد لله أنها أوصلت إليهم طموحي في طلب العلم - كما أشارت لي - هذا كله قبل أن يتقدموا إلينا رسمياً.
وأنا الآن في حيرة؛ حيث إنني أريد أن أشترط إكمال حفظ القرآن لي وله، علماً أنني رُشحت من قبل الدار التي أدرس فيها للالتحاق بدورة للحصول على إجازة في رواية حفص عن عاصم، والخاطب يعمل في منطقة نائية؛ فهل أشترط عليه: الالتحاق والحصول على الإجازة، أو أقبل وأنظر ما رأيه فيما بعد، مع أنني أعد الأمر الثاني تفريطاً في أمر عظيم؛ فما رأيكم ؟
** العقبة الثالثة هي: الرؤية الشرعية:
الخاطب طلب الرؤية الشرعية وأنا ولله الحمد مقتنعة تماماً بها من قول الحبيب - صلى الله عليه وسلم -لكن أحس أن العُرف في تلك الرؤيا عندنا فيه خلل.
فكيف يتسنى لي الدخول على رجل أجنبي؟! أتوقع أن قدميّ لن تحملني، علماً أنني استشرت إحدى الداعيات فأجابت عليّ: إذا طلب الرؤية وجب عليك الخروج له؛ وكذلك أخي لا يؤيد أن "من حيث لا تشعر".
والآن ذهب على طلبه قريباً من الشهر أو يزيد؛ ولم أفعل شيئاً، وأخي لم يناقشني بالموضوع مع العلم أنه على تواصل مع الخاطب؛ فهل استعجل أخي لننهي الموضوع على القبول أو الرفض قبل أن ينتشر الأمر؟! أم أُريح بالي وأترك لهم ذلك؟! مع العلم أن أخي يقول: معنا وقت؛ لكنني خجلة أن أبقى في ذهنه؛ فرأيي أن ننهي الموضوع، إن كان بالقبول، فاللهم بارك، وإن كان غير ذلك، فاللهم يسِّر لنا ما يرضيك في عافية. وجهونا إلى الصواب؛ بوركتم.
العقبة الثالثة: الورع والزواج:(167/2)
أحس أن هذين الأمرين لا يمكن أن يجتمعن في العصر الحديث؛ لعدة أمور يتطلبها الزواج، وتتنافى مع الورع، ومن هذه الأمور ما يلي:
1- الخلطات التي تُفَتِّح وتُجَمِّل ونحوها:
لا أتقبل هذه الأمور مع أن هناك شيئاً بداخلي يقول لي: من حقه - الرجل - أن يتمتع بما أحله الله، ولكنني أجد في نفسي منها شيئاً؛ فتأملوا من فضلكم هذه الخلطات:
- "ليكون جسمك أنعم من الزبدة، وأبيض من القشدة، اخلطي طحينة مع حليب، واعجنيهما بقليل من الماء، ثم ادهني جميع جسمك، عدا وجهك؛ لأنه حساس، ثم إذا جفّت على الجسم، فتتيها؟ بطريقة دائرية واغسليها بالماء، وكرري ذلك مرتين في الأسبوع".
- "للتخلُّص من البقع التي قد تظهر في الجسم، ضعي عليها عصير ليمون، وزيت زيتون" ... إلى غير ذلك من الخلطات.
فأيهما الأولى؟! أن أشتغل بذلك وأزعم أنني أتزين له، أم أستبدل ذلك بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كلوا زيت الزيتون وادهنوا به))، و((ماء زمزم لما شرب له))، و((الحبة السوداء دواء لكل داء))، وقوله تعالى عن العسل :{فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} [النحل:69]، مع العلم أن مستحضرات التجميل لا تغني عن الخلطات لما ثبت من ضررها؛ أفتونا بوركتم أينما كنتم .
2- المكياج والصبغات .
3- التسريحات وقصَّات الشعر.
4- الفساتين واللباس بوجه عام .
أحاول - قدر جهدي - أن يكون لباسي واسعاً ساتراً، وحينما طرأ عليَّ هذا الأمر، أحسست أنه من الصعوبة أن أجعل الفساتين واسعة، ولكن؛ قررت وعزمت بإذن الله أن أجعل لباسي له غير لباسي لغيره، فهو له الضيق، والمفتوح، والشفاف، وكل شيء، أما لغيره فلن ألبس بإذن الله إلا الواسع ،مع حرصي على الأناقة والتجديد، ولكن هذا سيكلِّف الكثير، وأخاف أن أقع في الإسراف، وكذلك أخاف من أن أقع في التقليد في لباسي عنده، لأن الغالب فيما عندنا في الأسواق يُرى في الفضائيات ونحوها، ولا أعلم ما الضابط فيها؛ فهل من رأي في ذلك، بورك فيكم؟(167/3)
وأنا الآن لا أقص شعري بل أسدله من الخلف فقط، ولا أحب الخُصل، ولا التسريحات، والتقليعات، التي أراها، فما بالكم بالتسريحات التي يزعمون أنها "للعرايس" ونحوها ... فيا تُرى ما هو الأفضل والأولى والأفقه في هذا الأمر؟ وجهونا سُددتم.
كثيراً ما أقرأ وأسمع أنها – الأشياء السابقة - مضرة بالجسم بعد طول الزمن أما إن قرأت عن تركيبتها فهنا ما لا أطيقه ولا تحتمله نفسي ..فهل من الأولى أن أتحملُّها علماً أنني الآن لا أستخدمها .. أم أتركها وأبدو على طبيعتي وأنظر هل يطلبها مني أم لا.
** العقبة الرابعة - في طريق الزواج -: السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب:
لا أحب الذهاب للطبيب؛ طلباً لأن أكون من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب، وأحسُّ أن هذا مع الزواج منتفٍ؛ لأن أمور الحمل والولادة وما إلى ذلك، تستدعي متابعة الأطباء، فما رأيكم بوركتم؟
** العقبة الخامسة: التسوق والتجهيز:
من عادات والدتي جزاها الله جنات الفردوس، ألا تذهب إحدانا إلى السوق إلا وهي معنا، هي مشاعر لطيفة ورائعة، لكنها مّتعِبة لها جداً، وكذلك أنا أريد فترة الخطوبة فترة حفظٍ للقرآن، ومراجعة جيدة، وليس تنقُّل في الأسواق، وضياع للتفكير والوقت، في ردهات المحلات.
فكيف أخفف العبء عن والدتي وعني، بتفادي كثرة الخروج للتسوق في أثناء تجهيزي؟
** العقبة السادسة: التفكير والهواجس:
- التفكير في المتقدِّم - قبل الملكة - له حدوده وضوابطه.
- ثم بعد الملكة.
- ثم في الإعداد والاستعداد والتهيؤ النفسي.
مثل هذا الموضوع مقلق كثيراً، وأريد ضوابط للتفكير من جهات كثيرة.
** العقبة السابعة: صلاتي ثم صلاتي:
كيف أتخلص من الدنيا عند أدائها؟ وما حدي من السنن المطلوب مني تركه من أجل الزوج؟
أعتذر في النهاية عن الإطالة، وأرجو منكم أن تشيروا عليّ دائماً بما هو أقرب للتقوى، وأورع، وأفضل.(167/4)
كذلك سوف أخبر صديقاتي عن الرد؛ لأنني كثيراً ما أتناقش معهن في هذه الجوانب، لكن لا نجد إجابة فقهية شافية كافية، وسأحاول نشرها بأوسع نطاق ممكن، إذا كنت - فضيلتكم - تؤيد هذا الفعل.
أعتذر مرة أخرى عن الإطالة.
وأسأل المولى أن يجعلكم ممن قال عنهم: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة:10]، وأن يكتب لكم الرفعة في الدنيا والآخرة، آمين.
-----------------------------------------
الجواب:
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أما عن سبب الزواج والهدف منه؛ فاعلمي أن الله قد شرع الزواج لمقاصد كثيرة، يضيق المقام عن استقصائها، ونشير إلى بعضها:
- فمنها: حفظ النسل، وحفظ العِرض، وتحصيل العفة، وتحصين الفرج، وغض البصر.
فالزواج من أنجح الوسائل المساعدة على ذلك ففي الصحيحين حديث ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)).
- ومنها: أن الزواج طاعة لله، وامتثالاً لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور:32].
- ومنها: أن في الزواج تحصيناً للنفس، واستمتاعاً بما أحل الله، وطلباً للعَقِب الصالح، وتكثيراً لنسل المسلمين؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة))؛ رواه أبو داود عن معقل بن يسار.(167/5)
- ومنها: السكن والاستقرار النفسي، الذي لا يكاد يوجد إلا في الزواج؛ قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21].
هذا؛ وكل تلك المقاصد العظيمة لو نواها المسلم في زواجه، لكان زواجه - بلا شك - طاعة عظيمة لله، كما حققه أبو حامد الغزالي في الإحياء.
تعدد النيات في العمل الواحد:
أما مخالطة نيات أخرى، مثل الاستقلال والاستقرار ونحوهما فمشروع، كما قيل: "النيات تجارة العلماء"؛ فالذاهب للمسجد ينوي الصلاة، ورؤية أخٍ في الله، وتفريج مكروب، وقراءة القرآن، وما شابه ومن هذا الباب قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:198]، وروى البخاري في تفسيرها عن ابن عباس، قال: "كانت عكاظ ومَجَنَّة، وذو المجاز أسواقاً الجاهلية، فتأثَّموا أن يتجروا في المواسم فنزلت الآية".
أما التطلّع للزواج فلا شيء فيه، مادام لا يترتب عليه محذور شرعي، بل لو كان التطلع من أجل تحصيل المقاصد السابقة لكان طاعة يُؤجر عليها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))؛ متفق عليه من حديث عمر.
الزواج رزق من الله:
أما قبولك للشخص المتقدم فننصحك بالموافقة عليه، مادام كفئاً لك - كما تقولين - فقد يترتب على تأخير الزواج بعض المفاسد، ويجب ألا يكون فيه جرح لمشاعر أختك؛ وذلك لأن لكل واحدة منكما قَدَرُها الذي قدره الله لها، فالزواج من الرزق الذي قسمه الله بين عباده؛ قال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف:32].(167/6)
وعليك أن تبذلي ما تستطيعينه من الصلة والإحسان إلى أختك؛ ابتغاء مرضاة الله، وأن تتحببي إليها، وتتلطفي معها غاية التلطف، حتى وإن صدتك، ويمكنك أن تستعيني بمن تثق هي به، كي يسدي إليها النصح، واعرضي عليها هذه الفتوى لبيان الحكم الشرعي.
ويجب أن تعلمي أن تأخير زواج البنت - مع رغبتها وحاجتها إليه، ومع وجود الزوج الكفء - نوع من العضل، الذي نهى الله عنه أولياء النساء؛ في قوله تعالى: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة:232]،
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض))؛ رواه الترمذي، فلا مانع - شرعاً ولا عقلاً - من تزويج البنت الصغرى قبل الكبرى.
الاشتراط في الزواج:
أما اشتراطك أن تكملي حفظ القرآن الكريم والحصول على الإجازة، فمن الأشياء المحمودة والتي ننصحك بها، ولكن من غير أن يترتب عليه، تفريط في حق زوجك، أو التقصير في واجباتك المنزلية، وما شابه، ولكن إن كنت تقصدين تأجيل الزواج حتى إكمال حفظ القرآن، فالجمع بين الأمرين أولى، بل وتقديم الزواج – على فرض التعارض – أحرى لما ذكرناه سابقا في مقاصد الزواج. ولقطع الحيرة نوصيك بصلاة الاستخارة قبل اتخاذ أي قرار، كما قالت أم المؤمنين زينب بنت جحش – رضي الله عنها – لما أرسل إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يخطبها: "مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئاً حَتَّى أؤامِرَ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ"؛ رواه مسلم
الرؤية الشرعية:(167/7)
أما رؤية الخاطب لمخطوبته: فإنه يندب أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها، لما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم -فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً)).
وفي المسند وسنن أبي داود عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا خطب أحدكم المرأة، فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إليها، فليفعل))، وزاد أبو داود: قال جابر: ((فخطبت جارية، فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها؛ فتزوجتها)).
وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -العلة في ذلك؛ وهي دوام العشرة؛ فروى أحمد والترمذي عن المغيرة بن شعبة قال: ((خطبت امرأة، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنظرت إليها؟ قلت: لا. فقال: انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما))، قال الحافظ ابن حجر: "فيه استحباب النظر إلى وجه من يريد تزوجها، وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وجماهير العلماء".
ولا يشترط في ذلك إذنها ولا إذن أوليائها - عند جمهور أهل العلم - اكتفاءً بإذن الشارع، ولعموم الأحاديث.
أما قول أحدى النساء الداعيات لك: "إذا طلب الرؤية وجب عليك الخروج". فغير صحيح؛ وإنما الرؤية مستحبة، كما سبق من قول الجمهور.
التزين للزوج:
أما الاستفسار عن الخلطات المذكورة: فليس في الشرع ما ينهى عنها؛ إذ الأصل في الأشياء الإباحة، ولكن؛ ننصحك بمراجعة أهل التخصص؛ لمعرفة مدى جدواها أو عدمه.
وليعلم أن تزين المرأة لزوجها من الأمور المشروعة، التي تؤجر عليها الزوجة إن صلحت النية، سواء مما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -كزيت الزيتون أو غيره، أو من المستحضرات الحديثة، فكل ذلك جائز ما لم يشتمل على محرم.(167/8)
أما تحديد الأفضل في استخدام مستحضرات التجميل، أو عدم استخدامها، فهو يرجع إلى الذوق الخاص بكل زوج، وما يروق له، بشرط ألا يترتب ضرر من استخدامه.
التداوي في الإسلام:
أما التداوي: فإنه مباح، ولا يقتصر - أيضاً - على ما ذكرتيه من الحبة السوداء والعسل وما شابه؛ فإن استعمال الأدوية الحديثة يدخل في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -((أنتم أعلم بأمور دنياكم))؛ رواه مسلم عن أنس.
أما طلب التداوي فهو - مع احتساب الأجر من الله - لا يتنافى مع الصبر. والتداوي - بالنظر إلى عموم الناس - أفضل من تركه، لما رواه أبو داود والترمذي عن أسامة بن شريك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، إلا الهرم))،
وقد يكون الصبر على البلاء أفضل في حق بعض الناس دون بعض، لما يرجوه من الثواب، والأجر العظيم على الصبر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى":
"التداوي غير واجب ومن نازع فيه خَصَمَته السنة في المرأة السوداء التي خيرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الصبر على البلاء ودخول الجنة، وبين الدعاء بالعافية؛ فاختارت البلاء والجنة"، إلى أن قال: "وخَصَمَه حال أنبياء الله، المبتلين الصابرين على البلاء، حين لم يتعاطوا الأسباب الدافعة له، مثل أيوب - عليه السلام - وغيره، وخَصَمَه حال السلف الصالح كأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حين قالوا له: "ألا ندعو لك الطبيب؟ قال: قد رآني، قالوا فما قال لك، قال: إني فعال لما أريد"، ومثل هذا ونحوه يروى عن الربيع بن خثيم وعمر بن عبد العزيز وخلق كثر لا يحصون عددا".
ضوابط اللباس في الإسلام:(167/9)
أما الضابط في اللباس، وقصات الشعر، ومساحيق التجميل، وما شابه: فهو عدم التشبه بالكافرات أو الفاجرات؛ فمخالفة أهل الكفر، وترك التشبه بهم، من مقاصد الشريعة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ومن تشبه بقوم، فهو منهم))؛ رواه أحمد وأبو داود، وكذلك عدم التشبه بالرجال؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ((لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال))؛ رواه البخاري.
وعليه: فإن الضابط في التشبه المحرم: هو أن يفعل المتشبِّه ما يختص بالمتشبَّه به، فما كان من الألبسة خاصا بالرجال أو بالكافرات، فلا يجوز للمسلمة لبسه، أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار، فإن لبسه لا يعد تشبهاً، إلا أن يكون محرماً من جهة أخرى.
التفكير والهواجس:
أما التفكير قبل الملكة – البناء – وبعدها، فننصحك بالانصراف عن التفكير في هذا الأمر وأن تتوكلي على الله، وراجعي كتاب "آداب الزفاف" للشيخ الألباني، و"تحفة العروس" للإسلامبولي و"تحفة العروسين" لمجدي الشوري، وستعينك تلك الكتب على التهيؤ النفسي اللازم.
الخشوع في الصلاة:
أما تحصيل الخشوع في الصلاة، وعدم التفكُّر في الدنيا، عند أدائها، فيلزم له عدة وظائف:
- منها: الالتجاء إلى الله تعالى، والتضرع إليه، والاستعانة به، أن يصرف الدنيا عنك في الصلاة.
- ومنها: تدبر ما تقرئينه من القرآن، وتعقُّل معاني الأذكار.
- ومنها: الحرص على تحقيق ثمرة الصلاة، التي تتمثل في الكف عن الفحشاء والمنكر، وهي لا تتحصل بدون الخشوع؛ قال تعالى {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45](167/10)
- ومنها: استشعار الوقوف بين يدي الله تعالى، وأن الله - تعالى - مُطَّلِعُ على سِرِّه وعَلَنِه، مع تذكر ما وعد الله به الخاشعين في الصلاة؛ قال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1،2].
- ومنها: حضور الذهن، والفكر أثناء الصلاة، وننصحك بمراجعة كتابي: "تعظيم قدر الصلاة" لمحمد بن نصر المروزي، و"الصلاة" لابن القيم.
التسوق والتجهيز:
أما بالنسبة للتسوق والتجهيز: فيمكنك أن تحصري كل ما تحتاجينه في قائمة، وكلما تذكرتي شيئا دونيه، وهكذا حتى يكتمل التدوين، فتذهبين للتسوق مرة واحدة.
الزواج والنوافل:
وأما حدُّ السنن الذي يتطلب من الزوجة تركها من أجل القيام بمصالح زوجها: فليس في ذلك حدّ - فيما نعلم - وإنما يجب على المرأة أن تنظم وقتها؛ فلا تذهب لعبادتها: من طلب علم، وقراءة قرآن، وصلاة نافلة ... وغيرها، حتى تفرغ من حق زوجها، ثم تستأذنه؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه))؛ متفق عليه، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال الحافظ في فتح الباري: "وفي الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير؛ لأن حقه واجب، والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع.
وننصحك بمطالعة كتاب "أسعد امرأة في العالم" للدكتور عائض القرني، وتطالعي ما في موقع (الألوكة) من استشارات أخرى باهتمام؛ حيث إن كثيراً منها يرد فيه المتخصصون على معظم الهواجس والأفكار التى تَعنُّ لك، ويناقش القضايا المثارة بينك وبين صديقاتك، وتخبريهن بها، فالدال على الخير كفاعله، ونتمنى لك حياةً سعيدة، عامرة بالطاعات، ونرحب بك مرة أخرى.(167/11)
العنوان: ما الحل لانعدام روح الفريق
رقم الاستشارة: 52
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تكمن المشكلة التي تواجهنا في انعدام روح الفريق؛ فعندما نلعب الكرة الطائرة في نهاية الأسبوع، تتعالى أصوات النكير من أعضاء الفريق الواحد على زميلهم الذي لم يحسن التعامل مع الكرة، ويصل الأمر إلى السخرية والاستهزاء، وربما ترك آخرُ الفريقَ احتجاجاً - ظاناً نفسه ذا مواهب لا يليق بمثله أن يضيعها مع أفراد فريق كهؤلاء - ومع أن الجميع هواة، وإنما نلعب لنستمتع ونكتسب اللياقة ونلتقي بالأصحاب - فإن هذه المباريات أصبحت وسيلة لينال كل شخص من الآخر، وربما أورثت في النفوس شيئاً.
نريد توجيهكم للتعامل مع هذه المسألة، مع العلم أن معظم أفراد المجموعة من حملة الشهادات الجامعية!
سدد الله خطاكم.
-----------------------------------------
الجواب:
مرحباً بك أخي الكريم في موقع (الألوكة).
أعتقد أنك تُحمِّل الأمر أكثر مما يحتمل؛ فمن الطبيعي أن يكون كل فريق حريص على الفوز، ومن الطبيعي شعورهم بالاستياء ممن يضيع الفرص، خاصة في الألعاب الجماعية، كلعبة كرة الطائرة، ومن الطبيعي أن تُثار (الأعصاب)، ويطغى على المباراة روح المنافسة والجدية، برغم أنها لعبة، لكنها لن تكون ممتعة إذا أصبح التساهل وعدم الاهتمام هو سمتها.
المحدد هنا أخي، لأي سلوك في هذه اللعبة هو شعور المجموعة تجاهه، فخروج البعض دون سبب واضح أو لتكبرهم أو لغير ذلك، سيولد لدى الجميع شعوراً سلبياً وبسهولة يمكنك الحكم على هذا السلوك.
ويبقى العفو والتسامح هو (المعقم) الذي نطهِّر به قلوبنا من كل غيظ أو ضغينة، ويبقى إعذار المسلم لأخيه سمة ضرورية في كل حين.
وفقك الله إلى كل خير؛ ومرحباً بك ثانية في موقع (الألوكة).(168/1)
العنوان: ما الحل
رقم الاستشارة: 25
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا شاب أبلغ من العمر 18 سنة، أتعاطى المخدرات منذ ثلاث سنوات، الآن أريد أن أبتعد عنها نهائياً، لكن أحد أصدقائي يتعاطاها أيضاً، وقد نصحته لكن دون جدوى، وأنا لا أفارقه، ولا أريد أن أعود للشرب والتدخين أبداً، ماذا أفعل؟
-----------------------------------------
الجواب:
أخي الكريم، مرحباً بك في موقع (الألوكة).. وأهلاً وسهلاً..
حاولت أن أقرأ رسالتك مراراً لأجد لك مخرجاً يجمع بين: بقائك بعيداً عن المخدرات والشراب، وبقائك مع صديقك الذي ذكرت - لكن دون جدوى.
أحد أهم أسباب تعاطي الشاب للمخدرات واستمراره عليها أو رجوعه إليها - هو مصاحبته لمن يتعاطاها.
يجب أن تختار الآن؛ إما أن تبتعد عن صديقك أو يبتعد هو عن المخدرات حتى يدعم بعضكم بعضاً، لا أجد حلاً ثالثاً.
هل تريدني أن أخبرك بما تسببه المخدرات، وما يقود إليه الشراب من دمار لجسم الإنسان وعقله؟!
أعتقد أنك واعٍ لهذا، وأظن أن لديك فرصة ذهبية الآن لتوديعها إلى الأبد، وإلا فإن العاقبة وخيمة.
أكتب هذه الكلمات وفي ذاكرتي صور لعشرات الشباب الذين اختاروا طريق المخدرات وكانت نهايتهم في المستشفيات النفسية؛ مرضى في عقولهم ونفوسهم، وقد نبذهم المجتمع دون أسف عليهم.
الدنيا قرار واختيار، والأمر في يديك، وكن مع الله وهو يحميك ويحفظك.
وفقك الله إلى كل خير.. ومرحباً بك دوماً في موقع (الألوكة)..(169/1)
العنوان: ما الطعام الذي يأكله الأطفال المصابون بالنشاط الزائد؟
رقم الاستشارة: 164
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
ابني يعاني مَرض النشاط الزائد، ويأخذ أدوية لتقليل الحركة، وزيادة التركيز، وبعض الأدوية طويلة المفعول لم تنفع معه، ويأخذ الآن رتلين.
سؤالي بالنسبة إلى الأكل ما هي الأكلات التي تزيد الحركة، ويجب أن يبتعد عنها، والأكلات التي تقلل الحركة، أنقذوني بالله عليكم؛ لأن ابني أصبح مشاغبًا جِدًّا، ووجوده بالبيت أكبر مشكلة؛ فهو يضرُّ إخوته.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة.. مرحبًا بك في موقع (الألوكة) وأهلاً وسهلاً..
مرض فرط الحركة، ونقص الانتباه، من الأمراض الشائعة بين الأطفال؛ إذ نعتقد أنه بين كل مائة طفل هناك 3 مصابين بهذا المرض، وأنا أُوافقك على صعوبة التعامل مع مثل هؤلاء الأطفال بسبب حركتهم المفرطة، وما يترافَقُ معها منِ اندفاع واضطراب في السلوك. تابعي معي النقاط التالية:
أولاً: لابد أن نعترف أننا نتعامل مع مرض كسائر الأمراض؛ فاضطراب الحركة، وقلة الانتباه، هو مرض دماغي ينشأ بسبب اضطراب بعض النواقل العصبية في الدماغ؛ ولذا كان العلاج الدوائي هو الخط الأوَّل في العلاج، ويجب أن تتأكَّدي من أنه يتناول الجرعة الكافية، والمناسبة خاصة مع ازدياد نموه. وكما ذكرتِ إن أحد أكثر الأدوية المستخدمة هو (الرتلين)، وهو دواء آمن، ولكنه يعمل لمدَّة ثلاث إلى أربع ساعات فقط، ثم ينتهي مفعوله لتعود الحركة إليه؛ فلابد أن ننتبه إلى هذا الأمر. وفي مواجهة هذه المشكلة سنضطرّ إلى إعطاء الدواء بصورة متكرّرة، أي: ثلاث مرات يوميًّا، بشرط ألا يُعطى الدواء بعد الساعة الرابعة أو الخامسة مساءً. من المهم ألا نتهاوَنَ في العلاج الدوائي؛ لأن الدواء هو الجسر الذي يعبُر به الطفل إلى حياة مستقرَّة ومنتجة.(170/1)
ثانيًا: لاحظي أنَّ طِفْلَكِ يعاني نقصًا في التركيز، وهذا يعني أنَّنا بحاجة إلى بذل جهد أكبر حتى يستوعب ما نريد منه عبر التحدث إليه ببطء ووضوح، ومع النظر في عينيه، وطلب شيء واحد منه فقط في كل مرة؛ لأنه قد يصعب عليه أحيانًا أن يحفظ، أو يستوعب طلبين في الوقت نفسه.
ثالثاً: الدواء سيعالج فرط الحركة، والاندفاعية، وقلَّة التركيز، ولكنه ربما لا يعالج اضطراب السلوك في إيذاء إخوانه، وهنا يأتي دور العلاج السلوكي.. هناك بعض الأمور التي يجب أن نستعرضها هنا..
• كثير من (شقاوة) الأطفال الصغار لا تزيد ببساطة عن كونها طريقتَهم في لفت النظر إليهم، وذلك عندما يعجزون عن التمتع بالاهتمام بهم؛ ولذا علينا أن نعمد - ببساطة - إلى منح الأطفال المزيد من وقتنا، والمزيد من الاهتمام بهم عن طريق اللعب معهم، والنزهات، والحديث معهم، والاستماع إليهم، ومشاركتهم اهتماماتهم.
• المفتاح الأساس في تغيير أي سلوك هو الاستخدام الحكيم لأسلوب الثواب والعقاب. وللأسف يقوم الآباء في معظم الأحيان - دون وعي - بتعزيز سلوكيات (الشقاوة) لدى الطفل لا القضاء عليه! يحدث ذلك عندما نحرم الطفل من كل انتباه، ورعاية إلى أن يقوم بفعل (شقي) وهنا نلتفت إليه، ونصرخ في وجهه. الرسالة التي نرسلها إلى الطفل حينها: (إذا أردتَ أن نهتمَّ لأمرك فكن شقياً!). والصحيح أن نعزّز في كل مناسبة التزام الطفل بالسلوك المناسب عن طريق الكلمات المشجعة، واللمسات الرقيقة، والهدايا المادية.
• هناك وسائل عديدة للعقوبة غير الضرب، منها الحرمان من المحبوبات، والعزل في غرفة لمدة قصيرة، وغير ذلك، ولكن قبل العقوبة يجب أن ننتبه إلى عدة أمور:
(1) يجب أن يسبق العقوبةَ التحذيرُ، والتوضيحُ، وإخبارُ الطفل بالعقوبة المحتملة؛ كأن نقول له قبل الذهاب إلى السوق: (لو شاغبت في السوق فلن أشتري لك أيَّ شيء).(170/2)
(2) ضعي عقوبة منطقيَّة؛ فكثيرًا ما يخطئ الآباء بوضع عقوبات مستحيلة: (لو شاغبت فلن أتكلم معك أبداً..!!).
(3) يجب أن تستشعري أن العقوبة للتربية، وليس للعقوبة ذاتها، أو لتنفيس الغضب أو للثأر..!!
(4) قومي بتنفيذ العقوبة في الحال، وبصورة واضحة، وصارمة، وأخبريه أن ذلك ما سبق أن أخبرتِه به.
(5) بعد أن تنتهي العقوبة، لا تعودي إلى لومه، أو التحقير به، أو حتى تذكيره بما فعل.
• نعتاد في عيادات الطب النفسي استخدامَ جدول (تعزيز السلوك) ويتألف من جدول يومي يسعى إلى تغيير سلوك محدد؛ حيث يكتب على رأس الجدول، ثم نستخدم ملصقات صغيرة تشبه (النجوم) تُلصق في كل مرة يقوم فيها الطفل بفعل إيجابي، وعبر اتّفاق مسبق، عندما يحقق الطفل عددًا معينًا من (النجوم) خمس مثلاً، عندها سيُمنح الفرصة لاختيار جائزته المفضلة (الذهاب إلى مطعم، أو إلى مدينة الألعاب، أو شراء لعبة وهكذا).
• بعض السلوكيات السلبيَّة العابرة ربما لا تستَحِقُّ سوى صرف الانتباه عنها كأن شيئًا لم يكن.
• في نفس الوقت أسرعي إلى تعزيز أي سلوك إيجابي فورًا، حتى لو كان الامتناع عن سلوك سلبي سابق. (مثلاً.. أرأيتم ما عاد حبيبي يضرب إخوته) عندما يمتنع عن ذلك ولو لساعة واحدة، بدلاً من (لمَ ضربت أخاك؟).
• احذري من التذبذب في التربية والتوجيه؛ فمرة يُطلَب منه شيء، ومرة أخرى يُنهى عن نفس الأمر.
رابعًا: يعاني الكثير من مَرْضَى فرطِ النشاط، صعوبةَ التعلم كجزء من المرض. وهنا يبدو أنه كسول غير مهتم، والواقع أنه يعاني مرضًا هو صعوبة التعلُّم، وأقصد أنه يعاني صعوبة واضحة في القراءة، أو الكتابة، أو الرياضيات، أو غير ذلك زيادة عن أقرانه. وصعوبة التعلُّم تحتاج إلى مُدرّس متخصّص بصعوبات التعلّم للتقييم والمساعدة.(170/3)
ختاماً: لابد أن نتذكَّر أنَّ ولدَكِ - حفظه الله - مصاب بمرض كالتهاب الرئة، ويحتاج إلى العلاج، والعناية على أكثر من مستوى لفترة طويلة، وبمشاركة جميع أفراد الأسرة.
والله ولي التوفيق، ومرحبًا بك في موقع (الألوكة).(170/4)
العنوان: ما سبب انتشار رواية حفص؟
رقم الاستشارة: 18
المستشار: يسري حسين محمد سعد
-----------------------------------------
السؤال:
سؤال من علي عبد السلام فردوس :
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وسائر رسل الله أجمعين سلام الله عليكم أجمعين
أود أن أسال سؤالاً عن رواية حفص عن عاصم هل هي القراءة الأولى للقرآن الكريم ؟
ولماذا كان انتشارها أكثر من بقية الروايات في العالم الإسلامي ؟
هل رواية حفص هي الأفصح للغة العربية أم هي الأسهل قراءة للناس في لفظها ؟
أم هي التي كان يقرؤها الصحابة الكرام كثيرا ؟
علما أنا فيها كلمة واحدة ممالة من الألف الى الكسرة هي كلمة (مجرايها ) فقط ،علما اذا قرأناها من غير إمالة هي فصيحة
_ وماذا عن رواية شعبة عن عاصم لماذا أهملت ، مع العلم أن قارئها هو نفس الإمام (عاصم) ؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله الكريم المنان, سابغ النعم والإحسان, الرحيم بأوليائه, يخرجهم من الظلمات إلى النور, ويهديهم إلى سواء السبيل. وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين, وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه, وعمل بسنته إلى يوم الدين. أما بعد:
لقد اشتهر في كل طبقة من طبقات الأمة جماعة عنيت بحفظ القرآن الكريم وإقرائه. ولما وقع الخلاف على ما يحتمله رسم المصحف العثماني؛ من التشكيل والإمالة والإدغام والهمز والنقل, وغيرها من القراءات, وتمسك القراء بما أخذوه بالتلقي؛ أجمع أهل العلم على اختيار قارئ مشهور بالثقة والأمانة والنقل من كل مصر للأخذ عنه, بشرط التواتر وموافقة رسم المصحف العثمانى وموافقة اللغة العربية ولو بوجه.(171/1)
وكان قد اشتهرت قراءات الأئمة السبعة على رأس المئتين في الأمصار, وفي أوائل المئة الثالثة من الهجرة في بغداد جمع ابن مجاهد قراءات أهل المدينة ومكة والشام والبصرة والكوفة؛ على قراءة القراء السبعة. ثم أضيفت القراءات الثلاث؛ قراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف, واختير أربعة قراءات من الشواذ. وأُلفت الكتب الكثيرة في القراءات, حتى وصل الحال إلى اختيار قراءات الأئمة العشرة ورواتهم المشهورة, وجرى العمل على ذلك إلى يومنا هذا.
وأصبحت الآن تؤخذ بالتلقي والإقراء بموجب متن الشاطبية والدرة, وطيبة النشر.
وثمة أسباب لانتشار رواية حفص عن عاصم الكوفي منها:
1 – عدم وجوب القراءة بكل القراءات؛ قال تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}.
وجاء في صحيح البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ على سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فاقرؤوا منه ما تَيَسَّرَ". وعند مسلم؛ قال جِبْرِيلُ عليه السَّلام للنبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ على سَبْعَةِ أَحْرُفٍ, فَأَيُّمَا حَرْفٍ قرأوا عليه فَقَدْ أَصَابُوا". وهذا يفيد اختيار الأيسر, ويفيد عدم وجوب القراءة بكل الروايات, ولو كان واجبًا لوقع الاهتمام الشديد بكل الروايات, وكان لها الانتشار كرواية حفص أو أشد.
فهذا سبب قوي يدفع إلى ترك القراءة التي فيها أعمال كثيرة للغالبية من الناس؛ إلا من كانت عنده الهمة والرغبة في تعلم القراءات والقراءة والإقراء بها, وهم كُثر ولله الحمد والمنة, حتى زاد في هذا العصر الاهتمام بهذا العلم الجليل, وإني لأذكر أنه كان في كل مصر معهد واحد لتدريس القراءات, والآن في كل محافظة معهد لتعليم القراءات.(171/2)
ولما كانت قراءة حفص من السهولة واليسر بمكان – كما سيأتي تفصيله في السبب الرابع – لا جرم كَثُر إقبال الناس عليها تلاوة وحفظًا وتعليمًا.
2 - اشتهرت روايته عن عاصم بن أبي النجود في الكوفة وكانت دار الخلافة حينئذ, يفد إليها العلماء وطلاب العلم, وكان حفص متفرغًا للإقراء عن غيره من القراء, ولما انتقلت الخلافة إلى بغداد انتقل حفص إليها, وأيضًا جاور بمكة وأقرأ بها, ومكة محل التقاء علماء العالم الإسلامي. ودار الخلافة بغداد كانت محط العلماء والمتعلمين, وكَثُر فيها الناس لوفرة العيش فيها؛ فاشتهرت روايته في بغداد أيضًا, وكثر عدد الآخذين لرواية حفص, ومن ثم انتشرت في سائر البلدان, وخاصة بلاد المشرق, وكان السائد في بلاد المغرب قراءة ورش وأبي عمرو.
فزيادة العناية بقراءة حفص في هذا الوقت؛ بالإقراء والتلقين والتدوين, وكتابة المصحف بما يوافقها وتداوله؛ سببًا قويًّا وعاملاً أساسًا في رواجها وانتشارها.
والذي يغلب على الظن أن هذه القراءة ظلت تتنقل مع الدولة في دور الخلافة من عصر إلى عصر؛ قراءة وتعليمًا وكتابة في المصاحف, حتى في عصرنا هذا.
3 – إتقان حفص لروايته عن عاصم, وقوة سنده من الأسباب المهمة في انتشار روايته؛ إذ يقول الشاطبي:
فَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ وَعَاصِمٌ اسْمُهُ فَشُعْبَةُ رَاوِيهِ المُبَرِّزُ أَفْضَلاَ
وَذَاكَ ابْنُ عَيَّاشٍ أَبُو بَكْرٍ الرِّضَا وَحَفْصٌ وَبِاْلإتْقَانِ كانَ مُفضَّلاَ
وذلك أن حفصًا كان ابن زوجة شيخه عاصم بن أبي النجود, وكان معه في دار واحدة.
قال أبو عمرو الداني: وهو الذي أخذ قراءة عاصم على الناس تلاوة, ونزل بغداد فأقرأ بها, وجاور بمكة فأقرأ بها أيضًا. وقال ابن المنادي: وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر ابن عياش – يعني: شعبة – ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ على عاصم, وأقرأ الناس دهرًا, وكانت القراءة التي أخذها عن عاصم ترتفع إلى علي رضي الله عنه. يعني: سندًا.(171/3)
فثناء الفقهاء والعلماء على إتقانه وضبط قراءته أدى إلى الإقبال الشديد على روايته.
4 - إن قراءة حفص يسيرة سهلة الأداء, والنفس ترغب في التيسير, والرواية ليس فيها عمل كثير إضافي كغيرها من قراءة الكوفيين؛ فضلاً عن غيرهم, كالإمالة الكثيرة في قراءة حمزة والكسائي وخلف - وهم قراء الكوفة -, وأيضًا المد المشبع في المنفصل والمتصل, والسكت المتكرر على الهمز الذي قبله ساكن موصولاً كان أم مفصولاً, والوقف على الهمز في قراءة حمزة وهشام, وإمالة هاء التأنيث حال الوقف عند الكسائي, والمدود أيضًا في قراءة ورش عن نافع, أو صلة ميم الجمع وسكونها واختلاف المد المنفصل في قراءة قالون عن نافع أيضًا, والصلة المتكررة أيضًا في قراءة ابن كثير المكي وأبي جعفر المدني, أو الإدغام الكثير للمثلين الكبير والمتقاربين في رواية السوسي عن أبي عمرو, أو العمل في الهمز المتتالي سواء كان في كلمة أو كلمتين, عند نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر؛ وهذا يعد عاملاً آخر للإقبال على رواية حفص.
5 – كما تعد أيضًا طباعة المصاحف برسم قراءة حفص؛ عاملاً أساسًا في انتشار هذه الرواية على مر العصور, وخاصة في هذا العصر الذي انتشرت فيه الطباعة بمختلف أنواعها ولا تجد أرضًا إلا والغالب فيها المصاحف المطبوعة برواية حفص عن عاصم، اللهم إلا النذر من بلاد المغرب وإفريقيا؛ الذي بدأ يغزوها هذا الانتشار الواسع لمطبوعات المصاحف الجديدة.
6 – الإذاعات والمرئيات بمختلف أنواعها؛ من القديم إلى الحديث كان الغالب فيها إذاعة رواية حفص. وهذا شيء ملحوظ ومشاهد. وكان أول تسجيل صوتي للقرآن الكريم في العالم الإسلامي بصوت الشيخ محمود خليل الحصري برواية حفص.(171/4)
7 – تدريس القرآن برواية حفص في المدارس والمعاهد والجامعات والكتاتيب في أغلب الأقطار؛ حتى في معاهد القراءات بداية يدرسون القرآن برواية حفص؛ تلاوة وحفظًا وتجويدًا, ثم يُبنى عليها بقية القراءات العشر المتواترة, والأربعة من الشواذ.
8 – وثمة سبب لعله هو أقوى الأسباب وأهمها: أن الله عزَّ جلَّ قد وضع لهذه الرواية القبول والإقبال, لأسباب نعلمها أو لا نعلمها؛ فهي مع ذلك لا تنفي القراءات الأخرى وأهميتها, ولا تحط من شأنها فكلٌّ كلام رب العالمين, وتنزيل من حكيم حميد. والله تعالى أعلى وأعلم.
كما ندعو أهل الاختصاص في هذا العلم, إلى العمل على نشره وتداوله بين المسلمين, وتسجيل القراءات وإذاعتها على الناس؛ تلاوة وتعليمًا, وترغيبهم فيها, واتخاذ الطرق التي تيسرها لهم؛ ليتعرفوا كلام الله بحلاوته وطلاوته.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد والعمل الصالح.(171/5)
العنوان: ما علاج الاكتئاب
رقم الاستشارة: 79
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أولاً: أودُّ أن أتوجه لكم بالشكر على هذا الباب وما يحتويه من مواضيع هامة.
ثانياً: أعاني مرض الاكتئاب، وأتناول لأجله دواءاً معيناً، لكني لم أر أية نتائج ملموسة لهذا الدواء حتى الآن، مما جعلني أفكر في الإقلاع عن تناوله، فما رأيكم في هذا؟ أأنا محقٌّ في الإقلاع عن هذا الدواء؟
-----------------------------------------
الجواب:
مرحباً بك سيدي الكريم في موقعك (الألوكة)،
الاكتئاب من الأمراض المنتشرة، التي أصبح يعانيها العديد من الناس، وأعلمُ - جيداً -كيف يغيِّر حياة المريض، بما يسببه من ألم وضيق.
إن ما نحدِّث به مرضانا - دائماً - هو الحاجة إلى استخدام عدَّة وسائل للخلاص من هذا المرض؛ ومنها ما ذكره أخي كاتب مقالة "علاج الاكتئاب في الصيدلية الإسلامية"، وكذلك عبر استخدام وسائل العلاج النفسي، إن كانت متيسِّرة وقريبة منك.
ومن الوسائل الفعَّالة - أيضاً -: استخدام العلاج الدَّوائي، لا أدري ما هو الدواء الذي تستخدمه الآن، ولكن ما أعرفه جيداً - بحكم تخصصي – أن هناك - بتوفيق الله وعونه - الكثير من الأدوية الرائعة، التي تعطي نتائج باهرة، دون أن تسبب أعراضاً جانبيةً مهمةً، ودون أن تسبب الإدمان أو التعوُّد.
ما أريدك أن تقوم به: هو مراجعة طبيب نفسيٍّ ماهر، ومناقشته في السبب وراء عدم جدوى العلاج الدوائي الذي تتلقاه الآن، وأنا متأكد أنك ستجد ما يرضيك.
رسالتنا دائماً في علاج الاكتئاب خاصةً، والأمراض النفسية عامةً: استخدام جميع الوسائل المتاحة للتخلص منه؛ فهو - وبلا شك - مرضٌ مزعجٌ، يحتاج منك إلى الصبر والمثابرة، أسأل الله العظيم أن يشفيك.
ومرحباً بك ثانية في موقع (الألوكة).(172/1)
العنوان: ماذا أفعل في فترة الملكة؟
رقم الاستشارة: 177
المستشار: أ. محمد الحازمي
-----------------------------------------
السؤال:
الحمد لِلَّهِ، رزقنِي اللَّهُ بفتاةٍ، وعَقَدْتُ عليْها النّكاح، ونحن نعيش الآن أيَّام الملكة، وبقي بضعة أشهُر على الزواج.
السؤال: ما هي النَّصائِحُ الَّتي تُوَجِّهونها في مثل هذه الحالات؟ فإنَّك تعلم أنَّ النَّاصحينَ من الآباء والزملاء كثيرٌ، فمنهم من يوصي بتعزيز الحب، ومنهم من يعزِّز جانب بيان القِيَم، فما التدرُّج في رأيكم، وهل تنصحون بإهداء أشرطة أو كتب معيَّنة للزَّوجة قبل الدخول والزَّواج؟
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فأقول لك بدايةً : "بارك الله لكَ وعليكَ، وجمع بينكما في خير"، وأسال الله - عزَّ وجل - أن يوفِّقكما، وأن يكتب لكُما السعادة، ويرزُقَكما الذُّرّيَّة الصالحة.
والنصيحة التي أهديها لك - أخي الفاضل - كما يلي:
- أن تعزم النيَّة على بناء بيتِك على مرضاة الله وتقواه، وعلى تحقيق شكر الله الذي يسَّر لكَ الزَّواج، وأنعم عليك به.
- أن تجعل المودَّة والرحمة أساسًا لحياتك الزوجية؛ تحقيقًا لقول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
وبناءً على ذلك: عوِّد نفسكَ وزوجكَ التَّفاهُم والحوار وسَعَة الصَّدْر.(173/1)
- أن تحاول أن تثقِّف نفسكَ وزوجكَ في فترة العَقْد، فيما يتعلَّق بواجبات وحقوق وآداب الحياة الزوجية، وكيفية التَّعامُل مع المواقف المختلفة، وذلك يتمُّ من خلال معرفة تفسير آيات القرآن الكريم المتعلِّقة بالزَّواج، ومعرفة سيرة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهديه في التعامل مع أهله، ومحاولة الالتحاق ببعض الدورات المناسبة والمختصَّة بالحياة الزوجية، واعلم بأنَّ لذلك أثرًا كبيرًا في نجاح الحياة الزوجية مستقبلاً - بإذن الله.
- العمل على تنمية القِيَم الإسلاميَّة النبيلة لدى زوجتك بالتي هي أحسن، من خلال المعاملة الحسنة، والحوار الهادف، ويكون ذلك عن طريق التدرُّج شيئًا فشيئًا، دون إكثار من النصائح، خاصَّةً في هذه الآونة.
• الهدية من هَدْي النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولها أثرٌ بالغٌ في تعزيز المودَّة والمحبَّة والأُلفة بين الزوجَيْن، ويمكنُك أن تُهْدِي لزوجتك بعض الكتب المفيدة؛ مثل:
- شخصية المرأة المسلمة كما يصوغُها الإسلام في الكتاب والسنة، لمحمد بن علي الهاشمي.
- المرأة المسلمة، لأبي بكر الجزائري.
- آداب الزفاف، للألباني.
- أصول المعاشرة الزوجية، لأحمد كنعان.
- تحفة العروس، لمحمود الاستانبولي.
- 40 نصيحة لإصلاح البيوت، للمنجِّد.
وأمَّا الأشرطة الإسلامية المختصَّة بشخصية المرأة المسلمة وآداب الزَّواج فمتوفرة بكثرة في التسجيلات الإسلامية، ويمكنك أن تختار ما تراه مناسبًا.
والله الموفِّق والمعين.(173/2)
العنوان: مرض ألمَّ بي
رقم الاستشارة: 176
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا شاب من الشباب المستقيمين - إن صح التعبير - وقد ألَمَّ بي مرض نفسي، وهو أني حين لا أكون مستقرًّا، أو أكون منفعلاً، أقوم بتقليم أظفاري بفمي، وأدمنت على ذلك؛ حتَّى أصبحتْ عادةً، وتأثر بها من جالسني!
أريد حلاًّ علميًّا وصحيًّا لمشكلتي، علمًا أنها تأتي في وقت التوتر، وتطورت حتى لوقت الفراغ!
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم، مرحبًا بك في موقع (الألوكة) وشكرًا لثقتك الغالية:
عادةُ تقليم الأظفار هي تعبير عن شعورنا بالقلق والتوتر، وتزايد الهواجس في تفكيرنا.
والعلاج النفسي لهذه الحالة ينقسم إلى قسمين:
الأول: هو علاج السبب الأصلي؛ أي علاج القلق، يجب أن نقف مع أنفسنا؛ لنفهم أكثر سبب شعورنا بالقلق والتوتر، تذكَّر أنَّ القاعدة الذهبيَّة هنا هي أنه ليست الأحداث الخارجية، وما يجري من حولِنا هي الَّتي تسبّب مشاعر القلق والتوتر؛ بل إن الأفكار التي تشغلنا، وطريقة رؤية الأمور والأحداث هي التي تجلب المشاعر.
أريدك دائمًا أن تقف لكي تتفحص أفكارك؛ ما الذي يشغل عقلك، ما الذي يسيطر على تفكيرك؛ إنَّ القُدرةَ على استكشاف الأفكار وتغييرها سيخلصك من التوتر والقلق بصورة كبيرة جدًّا.
ما أهمّ الأفكار الَّتي تجلب لنا القلق؟:
إنَّها الأفكار الَّتي تركز وتضخم عواقب الأمور، ورؤية الجانب (الكارثي) من الحدث، وتُبْعِدُكَ عن التفكير في تسليم الأمور لِلَّه - عزَّ وجلَّ - والإيمان بِالقضاء والقدر، والتسليم به, وأنَّه لن يُصِيبَنا إلا ما كتب اللَّهُ لنا.
أعلم أنك تعرف كل هذه المبادئ والأساسيات من ديننا؛ لكن مع التوتّر يبتعد تفكيرنا عن هذه الأصول، وينشغل بما هو قادم أو متوقَّع، وبالتالي نصاب بالقلق.(174/1)
إذا وجدت أن القلق أكثر من أن تتخلص منه بهذه الطريقة، فيلْزَمُك زيارة طبيب نفسي للفحص، والتأكد من التشخيص، واحتمال الحاجة إلى العلاج الدوائي.
التخلص من القلق هو خطوة مهمة في تطوير شخصيتك، وستغير حياتك بصورة رائعة وإيجابية؛ وليس في تقليم الأظفار فحسب.
القسم الثاني من العلاج يتعلق بتغيير سلوكي للعادة: ليس التركيز على ما يسبب السلوك؛ بل التركيز على السلوك نفسه، وهو أسلوب علاجي ناجح، فَكِّرْ في التخلص التدريجي من هذه العادة عن طريق الطرق التالية:
- أن تحرص على وضع يدك في مكان بعيد عن فمك طوال الوقت.
- قم بالتخلص التدريجي عن طريق رسم جدول، وتحديد كم من الوقت ستمارس هذه العادة في هذا اليوم، ولنفترض ست مرات، ومن ثَمَّ ستتفق مع نفسك أن تمارس هذه العادة خمس مرات فقط كل يوم لمدة أسبوع، وسجل في الجدول لديك مدى نجاحك في هذا الاتفاق، ولو حقَّقْتَ نسبة نجاح 80% كافئ نفسك بأن تذهب إلى مطعم محبوب لديك، وفي الأسبوع التالي سيكون الاتفاق على أربع مرات لمدة أسبوع، وهكذا إلى أن تتخلص من هذه العادة.
- يقوم بعض الأشخاص بربط أيديهم وكأن فيها (رضة)! لمدة أسبوعين مثلاً، وبالتالي يتسنَّى لهم الوقت للتخلُّص من هذه العادة، قد تكون طريقة مضحكة؛ لكنني أقبلها لو أعطت نتيجة إيجابية.
ختامًا: تَذكَّر أن الأمر ليس مجرد التخلص من عادة سيئة؛ لا بل إنها خطوة إيجابية لتطوير الشخصية ككل، فعادة تقليم الأظفار هي رمز ليس إلا، والعامل المهم هنا أخي الكريم هو الوقت، فالعجلة في قطف الثمرة هي السبب الأساس في الفشل في التخلص من هذه العادة.
سررنا بزيارتك لموقع (الألوكة)، ومرحبًا بك في كل حين.(174/2)
العنوان: مستوى حفل الخطوبة يصيبني بالقلق.. ماذا أفعل؟؟
رقم الاستشارة: 86
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا خطوبتي الأسبوع المقبل، وبعد حجز القاعة فوجئنا بصاحب المكان يغيِّر تجهيزات القاعة المتفق عليها بتجهيزات أخرى سيئة، وأنا وخطيبي قلقنا جدّاً؛ لأننا لا نحب أن يسخر الناس منَّا، وقلقنا من مستوى الخدمات.
أنا منهارةٌ جدّاً؛ لأن أي عروس تتمنى أن يكون هذا اليوم أحسن الأيام، خاصة وأننا لن نقيم حفل الزفاف في قاعة كبيرة مثل هذه؛ فهل أنا بهذا تافهة، أم محقة في هذا القلق؟
لكم جزيل الشكر، مع رجاء الرد في أسرع وقت ممكن.
-----------------------------------------
الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد:
أختي الكريمة:
أولاً: نبارك لك خطبتك، راجين من الله العلي القدير أن يتمِّم لك أمر الزواج على خير، وأن يملأ حياتك بالسعادة والطمأنينة، ويرزقك الصالح من الذرية.
أمّا سؤالك عمَّا أصابك من الكدر والضيق بسبب تغيُّر القاعة، أو بعض تجهيزاتها:
فهذا أمر طبيعي، والغالب على الإنسان تشوُّق نفسه ليوم فرحه، ورغبته في أن يكون على أفضل الحالات والهيئات، لكن فيما لو قدَّر الله وتغيَّرت بعض الظروف، فحدث نوعٌ من التقصير غير المتعمَّد، أو حدث أمرٌ طارئٌ لا يمكن دفعه، فما هو الواجب في هذه الحالة؟!
أختي الكريمة:
إن أمر خطوبتك وزواجك لن يفرح به أحدٌ إلا أنت وزوجك، أما بقية الحضور فإنههم بمجرد انتهاء المناسبة سوف يغادرون المكان، تاركين المستقبل لكم، والناس - على كل الأحوال - لابد أن ينتقدوا، حتى لو كان أمرك على التمام والكمال، وقد رأينا هذا من الناس، وأشار إليه الحكماء وأهل التجرِبة.
فالمطلوب منك الآن:(175/1)
أن تحاولي قدر الإمكان تعديل ما يمكن تعديله، وفي حالة عدم مقدرتك على ذلك؛ فإن عليك - حينئذٍ - أن تتكيَّفي مع هذا الواقع، وأن تقبلي به، مع تعريف مَنْ أمكن من الحاضرين أن هذه التغييرات ليست بسببكما أو اختياركما، وإنما هي من المتعهِّد بتجهيز القاعة، وأنكما كنتما قد اخترتما ما يليق بمقام الضيوف وقَدْرِهم، ولكنَّ صعوبة التغيير وضيق الوقت لم يمكناكما من تدارك الأمر.
أنصحك - أختي الكريمة - أن تتكيّفي مع الظروف المتغيّرة، فالحياة ليست دائماً على ما يهوى المرء، والمتغيرات متلاحقة، ولو بقيتِ على حالتك - من فرط الحساسية من مثل هذه الأمور - فقد تتعثَّر حياتك مستقبلاً، فعليك تجاوز هذه الحالة، والمجاهدة في تخطِّيها، وترويض النفس على توقع الأسوأ في أي وقت.
إن الحياة السعيدة – أختي الكريمة – لن تتوقف عند تغيير تجهيزات القاعة، وفي حياتنا محطات كثيرة سعيدة وجميلة، ولعل أقربها إلى نفسك أمر زواجك واقترانك بمن رضيتِ به زوجاً وشريكاً، فركِّزي على هذه الجزئيات الجميلة، واستثمري مشاعرك فيها، وأما ما عداها من ساعات الكدر العابرة؛ فهي لا تستحق الوقوف عندها إلا بمقدار ما نتجاوزها به، لننطلق بعدها في عالم السعادة الفسيح.(175/2)
ولعلها فرصة سانحة لتذكيري إياكما بضرورة أن يكون احتفالكما متَّفقاً مع أحكام الشريعة الإسلامية، وجارياً على مقتضاها، وإن كثيراً من هذه الحفلات يكون فيها كشف للعورات، واختلاط بين الرجال والنساء، واستماع للأغاني، وحضور لآلات المعازف المحرمة، وربما جلس فيه الخطيب مع خطيبته، وكل هذه من الأمور المحرَّمة شرعاً؛ فالخِطْبة لا تُحِلُّ للمرأة أن تجلس مع خطيبها، أو أن تخلو به، فهذا لا يحلُّ إلا بالعقد الشرعي، واعلمي - رعاكِ الله - أن خير الزواج وبركته ويسره في وجود مظاهر الطاعة فيه، فإذا كان الزواج وحفله شرعيّاً، وحاول الزوجان أن يسلكا فيه الطريق التي تُرضي الله - جلَّ وعلا - فإنهما في هذه الحالة على خير عظيم، وسوف تلحقهما بركة ذلك عاجلاً أو آجلاً.
وفَّقك الله أيتها الأخت الكريمة لكل خير.(175/3)
العنوان: مشاكل بينى وبين والدة خطيبتى
رقم الاستشارة: 84
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
وقعت مشاكل بين أخواتي وبين والدة خطيبتي عند (قراءة الفاتحة)، وقبل ميعاد الخِطْبَة، لأن أخواتي سلائط اللسان، ولأن خطيبتي ووالدتها لم يستطعن فهمهنَّ والتعامل معهنَّ.
وبعد الخِطْبَة بأسبوع حدثت حالة وفاة عند أحد أقارب والدتي، فجاءت خطيبتي وأمها إلى منزلنا لتعزية والدتي، وجلست والدتي معهما وجلستُ معهما قليلاً، وبعد ذلك دخلت غرفتي، وتركتُ خطيبتي وأمها وحدهما مع أمي!! وبعد ذلك جاءت خطيبتي وجلستْ بجانبي، فلم أنظر إليها، فلم تلبث أن تركتني وذهبت إلى الشرفة، فلم أتحرك نحوها، ولم أخاطبها بكلمة.
هل أنا مخطئٌ فيما صنعتُ؟
أعترف أنني مخطئٌ!!
تركتُ خطيبتي وأمها لينصرفا وحدهما دون أن أوصلهما للطريق، ودون أن أعرض عليهما توصيلهما لمنزلهنَّ، وبعد ذلك اتصلتُ بخطيبتي، فلم تردّ عليّ؛ فذهبتُ إلى بيتهم، وقابلتُ والدها، واعتذرتُ له، واعترفتُ أني قد أخطأتُ؛ فطلب مني أن أدعو أهلي للجلوس معه للتفاهم فيما حدث.
بعدها بأيام ذهبتُ إلى القاعة لأستلم شريط الفرح، ثم اتصلتُ بوالدها، وأعلمتهُ أنني قد أحضرتُ الشريط؛ فطلب مني أن أحضر به؛ ففهمت من ذلك أنه قد سامحني وأعطاني فرصةً لتصليح خطئي، ولكنه عندما رآني أخذ مني الشريط، وأصرَّ على طلب مجالسة الأهل؛ فرفضتُ تدخُّل أحد من أهلي في نقاش مثل هذا، وذهبتُ إلى ابن خالة والد خطيبتي، فحكيتُ له ما حدث؛ فطلب مني مهلةً يفهم فيها الأمر من والد خطيبتي، وبعد يومين ردَّ عليَّ بقرار أهل خطيبتي بفسخ الخِطْبَة.(176/1)
وبعد: فأنا أحب خطيبتي، ولقد أرسلتُ لها رسالةً، واتصلتُ بها؛ محاولاً استمالة قلبها نحوي، فردَّت عليَّ بأنها قد تستطيع أن تكلم والدها ليعيد النظر في هذا الموضوع، وقد أعلنت رغبتي الشديدة في ذلك، إلا أنني اشترطتُ عليها أن تكلم ابن خالة والدها الذي كان وسيطاً وشاهداً على كل ما جرى بيني وبين والدها؛ لتؤكد له أنها تريدني حقاً.
فهل أنا مخطئٌ في طلبي هذا أيضاً؟
لقد رفضتْ خطيبتي طلبي هذا، بحجة حرصها على عدم تدخل أحد في حياتنا الخاصة وأمورنا الشخصية، واعتبرتْ أن في هذا إهانة لأهلها، وضغط على والدها، فهل هي على حق؟ وماذا يجب عليَّ أن أفعل؟ هل أذهب لوالدها مرة رابعةً ولا أنسحب؟ أرجو أن تفيدوني في أسرع وقت، وجزاكم الله خيراً.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم:
مرحباً بك في موقع (الألوكة)، ولك مني التحية والتقدير.
كثيراً ما تحدث مثل هذه المشاكل في أمور الخِطْبَة والزواج, ولابد أن يتحلَّى الإنسان بالصبر والحكمة، والنظر إلى ما قد يُحْدِثُهُ فِعْلُه من أثرٍ على الآخرين، ومراعاة الجوانب العاطفية والشعورية بأكبر قدرٍ ممكن.
ولو كنتُ مكانَكَ فسأفعل التالي:
أولاً: إدخال الآخرين من خارج العائلة الصغيرة - كما فعلتَ أنتَ - في مثل هذه القضية ليس أمراً جيداً؛ لذا احْصُر النقاشَ بينك وبين أسرة خطيبتك.
ثانياً: يجب أن تقرِّر الآن .. هل تريدها أم لا؟
إذا كان الأمر واضحاً لكَ، واستشعرتَ أنكَ تريدها بالفعل؛ فلا ترفض طلباً لها أو لأهلها.
اذهب مرة أخرى لوالدها .. أَصْلِح ما حدث, ولا تلحّ عليها أو على أهلها في طلبٍ ما؛ طالما أنك أخطأت في البداية.
ولا تنظر إلى الأمور على محمل الكرامة الشخصية؛ فليس هنا مكانها، طالما أنك تصلح ما أفسدته يداكَ!
ثالثاً: لو كنتَ أباً؛ لعرفتَ كم يخاف الأب على ابنته، وكم يكون قلقاً على مستقبلها مع زوج جديد!(176/2)
ضع ذلك في ذهنكَ وأنت تتعامل مع والدها ووالدتها في كل حين، واسعَ إلى طمأنتهم دائماً، وبكل وسيلة.
رابعاً: يجبُ أن تضع حدوداً واضحةً لأخواتك في التعامل مع خطيبتكَ وأهلها .. تذكَّر أنَّ أهم سبب لفشل العلاقات الزوجية ليس هو الزوجان؛ بل أهلهما!!
لذا؛ كُنْ صارماً معهنَّ مهما كنَّ سلائط اللسان!!
خامساً: بعد أن نخطئ في تصرُّفٍ ما, كثيراً ما نلوم أنفسنا, وهذا مقبولٌ، إذا كان الهدف منه هو الاستفادة من الدرس الذي تعلمناه من الخطأ.
أما كثرة لوم النفس، والمبالغة في تقريعها؛ فهذا أمرٌ سيئ، لا يورث إلا المزيد من الحسرة واللوم؛ فانتبه له، وابتعد عنه، واجعل شعارك: ما حَدَثَ حَدَثَ وانتهى, وسأسعى بكل ما أملك لتحمل مسؤوليته، وإصلاحه بأفضل وسيلة, وسأسعى لئلا يتكرر أبداً.
سادساً: سيفيدُكَ كثيراً أن تبحث عن أحد الرجال الحكماء في أسرتكَ؛ لاستشارته في مثل هذه المواقف، لفائدتكَ الشخصية، ودون أن يعرف به أحدٌ، ودون أن يتدخَّل في أيِّ شيء.
سابعاً: جاء فيما رواه الإمام مسلم: ((إن الله رفيقٌ، يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف))، وجاء - أيضاً - عن سيد البشرية محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زَانَهُ، ولا يُنْزَعُ من شيءٍ إلا شَانَهُ)).
لذا؛ كن هيِّناً ليِّناً، رفيقاً مع خطيبتكَ وأهلها، إذا كنتَ مقتنعاً في أعماق قلبك أن هذه الفتاة هي الزوجة المناسبة، وأنها الفتاة التي تستحق كل الاحترام والتقدير.
ختاماً:
تذكر: إن قضايا الخِطْبَة والزواج من الأمور التي يجب أن نسلِّم فيها الأمر لله - عزَّ وجلَّ - فلا ندري - والله - أين الخير؛ فسلِّم بما يختاره اللهُ لكَ، وأنا متأكدٌ أنه سيكون الخير دائماً.
وفَّقكَ الله إلى كل خير، ومرحباً بك دوماً في موقع (الألوكة).(176/3)
العنوان: مشكلة أثناء المذاكرة !!
رقم الاستشارة: 74
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
مشكلتي في أثناء المذاكرة .. هي أني أبدأ في فتح الصفحة في الصباح الباكر وأعزم أن أنهي قسماً كاملاً، أو وحدة كاملة، ولكن؛ أُفاجأ أن الوقت يمضي دون أن أتم المذاكرة؛ لأني أشعر بأني أفكر كثيراً، وبالي مشغول بأمور كثيرة، وأحياناً أطيل في أحلام اليقظة.
هل هناك طريقة مُعَيَّنَة أو نصيحة أو منهجية توصيني باتباعها أثناء المذاكرة؟
جزاكم الله خيراً.
-----------------------------------------
الجواب:
مرحباً بك أخي الكريم في موقع (الألوكة) وأهلاً وسهلاً..
هناك مجموعة من الأمور التي أود أن أشدَّ انتباهك إليها..
أولاً: ما تعانيه في أمر الدراسة هو عرض لمشكلة وليس المشكلة نفسها؛ فأنت مشغول البال بأمور كثيرة - كما ذكرت- وبحاجة إلى وضع النقاط على الحروف فيما يشغل بالك.. لعلها الغربة والبعد عن الأهل والأصدقاء، أو أي انشغال بما يهم الشباب في مثل سنك، المهم أنك بحاجة إلى مراجعة أمورك وترتيبها من جديد.
ثانياً: ذكرت لي في رسالتك عن أحلام اليقظة.. والحقيقة أن أحلام اليقظة في حد ذاتها ليست بالأمر السيئ – كما كانوا يعلموننا من قبل- فهي تمنحنا الكثير من الثراء في حياتنا وأفكارنا وبناء مستقبلنا، لكن المشكلة - وهو ما تعانيه أنت- هو كثرتها المُفرِطة, وفي هذه الحالة تكون دليلاً على عدم ترتيب أمورك وعدم وضوح هدفك ومُبْتَغَاك.(177/1)
ثالثاً: هناك وسائل عديدة لتقوية رغبة المذاكرة لديك, ولكن أجد أهمها هو أن تضع هدفاً واضحاً من مذاكرتك, هدفاً يُبَرِّر أن تفتح الكتاب وتجلس عليه الساعات الطويلة.. يجب أن لا يكون تجاوز الامتحان هو الهدف, فهذا هدف غير مُحَفِّز - وإن كنا نلجأ إليه أحياناً في الجامعة – لكن؛ يجب أن تتضح أمامك الصورة الكبيرة والهدف الأكبر لدراستك، يجب أن يكون واضحاً كيف ستكون الأمور بعد خمس سنوات.. عشر سنوات.. عشرين سنة.. ومن ثَمَّ يجب أن يكون كل نشاط لك خلال يومك يصب في رسم هذه الصورة الكبيرة وتحقيق الهدف الأسمى.. وأن يكون هناك علاقة مباشرة وواضحة بين دراستك الآن وما تتمنى أن تكون عليه بعد عشرين سنة.. عندها ستتذوَّق حلاوة المذاكرة وستستمتع بها أشد استمتاع.
رابعاً: قال أحدهم: الأجوبة عمياء والأسئلة هي وحدها التي تبصر.. إنني أؤمن بقوة تأثير الأسئلة على تحفيز عقولنا من أجل اكتساب المعرفة.. ليكن همك دائما هو توليد الأسئلة، ومن ثم امتلاك الفضول لإيجاد حل لها.
وفقك الله إلى كل خير.. ومرحباً بك ثانيةً في موقع (الألوكة).(177/2)
العنوان: مشكلة تهدد إتمام زواج ثلاثة فتيات
رقم الاستشارة: 22
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
نحن أسرة تتكون من 6 أفراد؛ أب يعمل (خيَّاط)، ويبلغ من العمر 57 عاماً، وأم ربَّة منزل، تبلغ من العمر 47 عاماً، وأخت كبيرة تبلغ 25 عاماً، حاصلة على شهادة الدبلوم، ومخطوبة منذ عامين تقريباً، والتي تليها تبلغ من العمر 24 عاماً، وحاصله على بكالوريوس خدمة اجتماعية، ومخطوبه من 3 أعوام، ولا تعملان؛ لأنه لم تتوفر لأيٍّ منهما فرصه عمل، ولدي أخ يبلغ من العمر 21 عاماً، وحاصل على دبلوم زراعي، ويعمل بعمل غير ثابت.
أما أنا؛ فأبلغ من العمر 18 عاماً، وأدرس بالفرقة الثانية بكلية الحقوق جامعة المنصورة، وأنا مخطوبة - أيضاً - وأنا لا أنكر أننا فيما سبق - والحمد لله - كان لدينا ما يكفي للمعيشه المستورة، ولكنَّ الظروف الحالية أكبر من طاقتنا على المعيشة؛ فقد تؤدي إلى ديون كثيرة، وعدم القدرة على الوفاء بها؛ وهذا يرجع إلى أن المصدر الرئيس للمعيشة - بعد الله عزَّ وجلَّ -هو والدي، وأننا - والحمد لله – نبدو أمام الناس - كمظهر خارجي - من ميسوري الحال؛ فنحن نأكل ونشرب ونلبس، ونرضى بما كتبة الله لنا، ولكننا لا نستطيع أن نفي بمتطلبات جهاز ثلاثه فتيات، أو حتى نفي بجهاز من تحدَّد موعد زواجها، وهو الصيف القادم – إن شاء الله.
إنني أريد حلاً لتلك المشكلة، التي قد تدمر حياتنا؛ إما بالديون أو بإنهاء تلك الزيجات. وشكراً
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الفاضلة:
مرحباً بك في موقع (الألوكة)، وشكراً لثقتك الغالية.
لا شكَّ أن ما شرحتيه من أوضاع اجتماعية وأسرية تمثِّل تحدِّياً كبيراً لكِ ولأسرتك ولآلاف الأسر في عالمنا العربي الكبير.
قد لا أملك المال الكافي لمساعدتك! ولكنني أعتقد أني قد أذكر هنا ما هو أغلى من المال؛ لو تأملتيه معي جيداً:(178/1)
أولاً: العدو الأكبر خطراً لك هو اليأس؛ فاليأس يحطم الإنسان، ويحرمه من أن يرى الفرص التي تمر أمامه، بينما ينظر أصحاب الأمل إلى المستقبل على أنه "الفرصة القادمة"، ويتعاملون معه وكأنه تحت أطراف أصابعهم، ترسمه أعمالهم وأفعالهم! فهم لا ينشغلون بالباب المغلق؛ بل يشرعون في البحث عن أبواب أخرى، تُفتح هنا وهناك!
صدِّقيني .. لا يوجد أسوأ من منظر شاب يائس! ولو سألتيني: ما هو الشيء الذي بدونه لا تملكين شيئاً، وإذا ملكتيه فلا تتحسري على أي شيء آخر؟ سأقول: إنه الأمل!
ثانياً: غيِّري نظرتك للأشياء، تتغيَّر حياتك. فبدلاً من أن تنظري إلى هذا الوضع على أنه مشكلة عويصة، انظري إليه على أنه تحدي يدفعكِ إلى العمل والمثابرة، وتفجير المكنون فيكِ من الطاقة والإبداع والتميُّز.
ثالثاً: في الظروف القاسية نحتاج إلى التفكير المبدع، أو ما يسمونه (التفكير خارج الصندوق)!! .. المبدعون لا ينتظرون وظيفة حكومية أو ضربة حظ تغير أحوالهم؛ بل ينظرون حولهم بأسلوب مبدع؛ ليكتشفوا الفرص المخبأة هنا وهناك.
وأنا أعرف - كما تعلمين أنت - العشرات من القصص لأشخاص عاديين، حققوا نجاحات هائلة اعتماداً على فكرة مبدعة، دعموها بالعمل الجادّ، والمثابرة، وعرق الجبين، إلى أن وصلوا إلى مراتب عليا، برغم ظروفهم القاسية.
رابعاً: هناك كنزٌ خفيٌّ ينتظرك، يجب أن تبحثي عنه وتنمِّيه وتطوِّريه، وسيدرُّ عليك الذهب. هل تعرفين أين هو؟ أنه أنت!! لقد منحنا الله هبات كثيرة، أهمها عقولنا وأنفسنا، التي لو بذلنا معها الوقت والجهد لأعطتنا الكثير.
أريد أن تبدأي - الآن - بتخصيص ساعة أو ساعتين كل يوم لتطوير نفسك .. ابحثي عن مناطق التميز لديك، وقومي بتطويرها عبر القراءة، والتفكير المبدع، وحضور الدورات؛ لتنمية جوانب القوة والتميز لديكِ، وأنا أضمن لكِ أن تأتي السنة القادمة- بمشيئة الله - وقد وصلت إلى مرحلة لم تكوني تتوقعينها!!(178/2)
أشعر بحماس كبير وأنا أكتب هذه الكلمات؛ لأنني أخاطب فتاة شابة متوثبة، لم تتجاوز الثامنة عشر، وأمامها مستقبلٌ واعدٌ؛ لو استطاعت أن تتخلص من قيود اليأس و(الروتين) و(المستحيل).
أخيراً:
كوني قريبةً من الله، وهو - سبحانه - سييسِّر لكِ - برحمته وكرمه - هبات ربانية، لكنَّ كرمه - تعالى - لا ينزل على المتقاعسين والقانطين.
حفظكِ الله بحفظه، ووفَّقكِ لكل خير.(178/3)
العنوان: مشكلة خطيبي
رقم الاستشارة: 102
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أولاً: جزاكم الله خير الجزاء على هذا المجهود الرائع.
ثانياً: أنا مشكلتي إني معقودٌ عليَّ لكنني اكتشفت أن خطيبي ضعيف الشخصية، ليس له القدرة على أن يتَّخِذ قراراً، ويترك كل الأمور للظروف، ويرضى بواقعه مهما كان ولا يحاول تغييره.
وهو يحب أهله حباً شديداً، وأنا أعلم أن حبه لأهله ميزة، لكنني أشعر أنه - بسبب ذلك الحب - لا يستطيع مراجعتهم في شيء، ولا يستطيع الرد عليهم في أي شيء.
أنا أشعر بالقلق الشديد من ذلك، وأريد أن أعرف الأسلوب الأمثل للتعامل معهم دون أن يتدخَّلوا في حياتي.
وجزاكم الله خيراً، وأرجو الرد.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة، مرحباً بك في موقع (الألوكة) وشكراً لثقتك الغالية.
بداية أقدر لك حرصك على تقييم شريك حياتِكِ قَبل الزواج لأن فترة الخطوبة هي فترة اختبار, وفي الأغلب لا يتغير شيءٌ بعد الزواج.
أولاً: السؤال الآن: هل تشعرين أن خطيبَكِ ضعيف الشخصية، غير قادر على اتخاذ القرار؟! هذه مشكلة مهمة، تحتاج إلى البحث، وقد يَسْهُل التَّعَرُّف إلى ذلك عبر السؤال عنه في مكان عمله. هل هو من النوع المعروف عنه اتخاذ القرار وقوة الشخصية، أم هو تابع؟!
ثانياً: لاحظي أن بعض القرارات لا يمكن اتخاذُها إلا حسب الظروف - كما يقول خطيبك - لكن ذلك لا ينطَبِق على كل القرارات بالتأكيد.
ثالثاً: البعض يستخدم هذه الجملة للهروب من اتخاذ القرار لسببٍ ما, لا يُرِيد الكشف عنه؛ فلو سألت خطيبَك - مثلاً - عن مكان الزواج وهو لا يعرف كيف سيجلب المال لإقامة حفلة الزواج، فسيقول: دعيها للظروف!!(179/1)
رابعاً: أعجني تعليقُكِ الجميل عن حُبِّهِ لأهلِهِ، وأنا أتَّفِقُ مَعَكِ في أن حب الشخص لأهله صفة حسنة، ولكن؛ يجب أن ننتبه أن هذا صحيحٌ عندما ينظر له أهله على أنه صاحب قرار, ويُعتمد عليه, ويُلجأ إليه، لا خادم لديهم لقضاء حوائِجِهِم.. هل فهمتِ الفرق؟!
خامساً وأخيراً: أدعوكِ إلى عدم الاستعجال في الزواج قبل أن يطمئِنَّ قَلْبُكِ تماماً، هناك فَرْقٌ هائِل بين من تنفصل عن شريك حياتها قبل الزواج وبعده، خذي وقتك في البحث والتفكير والسؤال عنه، إنها حياة طويلة, ونحن نستحق أن نعيشها بسعادة ومع الشخص المناسب.
وفقكِ الله إلى كل خير، وأهلاً بك ثانيةً في موقع (الألوكة).(179/2)
العنوان: مشكلة صعبة
رقم الاستشارة: 94
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله - تعالى - وبركاته،
أريد أن أطرح هذه المشكلة:
أنا وزوجي الآن في المدَّة التي تلت عَقْدَ النِّكاح، والدخول قريباً - إن شاء الله. المشكلة أن زوجي قد أَنهى دراسته الجامعية، وهو يعمل، أما أنا فأدرُس في السنة الأخيرة، وسأتخرَّج بشهادة الدبلوم العالي، وأريد أن أُكمِل دراستي للحصول على شهادة (البكالوريوس)، وهى تستغرق سنة ونصفاً، لكن الوقت المسائي من الساعة الرابعة حتى الثامنة؛ المشكلة تكمُن في أن زوجي يريد أن أحمل وأُنجِب بسرعة؛ أي: بعدما أنتهي من الدبلوم العالي، ولكنني مستاءة جداً؛ لأنني لو حمَلتُ فمعنى هذا أني سوف أبتعد عن الطفل لمدة طويلة؛ سنة ونصف تقريبا - من الساعة الرابعة حتى الثامنة، وفي تخطيطي أريد أن أَحمل وأُنجب وأُربِّي بطريقتي وبأسلوبي، لا بطريقة والدتي أو والدته، اللَّتَين ربما أترك الطفل عندهما،، أريد أن أُقنع زوجي بضرورة الشهادة، لكنه لا يرى ذلك.
أنا متضايقة كثيراً.. أريدُ أن أدرس وأحصل على الشهادة مثل صديقاتي.
في الحقيقة لا أريد الشهادة للعمل، لكن ربما تحدث أمور في المستقبل أحتاجُ معها إلى شهادتي... أُحِسُّ بأنني طموحة في هذا الجانب، على عكسه؛ فهو يرى بأن وجودي في البيت معه ومع الطفل أوْلى من (البكالوريوس)، خاصةً أنني أعمل، لكنْ من يستطيع أن يضمن لي أنني لن أحتاج لشهادتي؟
لقد حاولت أن أُقنِعه بأن نؤجِّل الحمل لمدة، لكنه يرفض الفكرة، ويقول: كلما أجَّلتُ الموضوع فإني أكْبُر في العمر.
أنا في حَيرَة من أمري! في نفس الوقت لا أريد أن أكون سبباً في تأخير الموضوع، لكن أيضاً التخطيط لقدوم طفل والتهيُّؤ لتربيته أمرٌ كبيرٌ.
أرجو أن تُفيدوني بآرائكم، والرجاء عدم عرض الموضوع.
شاكرةٌ لكم.
-----------------------------------------
الجواب:(180/1)
الأخت الكريمة:
مرحباً بكِ في موقع (الألوكة)، وشكراً لثقتك الغالية.
قرأتُ رسالتكِ بإمعانٍ، وفهمتُ مشكلتكِ المعقَّّدة، وليس أمراً غريباً؛ فهذه الدنيا مليئة بالتعقيدات والمشكلات، أَوَدُّ أن أناقش معكِ الأفكار التالية:
أولاً: الدرس الأهم الذي تعلَّمناه من هذه الدنيا هو: أننا لا يمكن أن نحصل على كل شيء طوال الوقت؛ لا يمكن أن تسير شؤون الدنيا دون تنازلات بين حين وآخر، هذه حال الدنيا وحال الابتلاء الذي يُعدُّ أحدَ أهم سماتها.
وهذا بالضبط ما تُريدينَه أنتِ؛ تريدين أن تحملي كل الكؤوس في يد واحدة؛ تريدين الزواج، وإكمال الدراسة، والتربية المميزة للأطفال تحت إشرافك.
قد أتفهَّم وجهة نظر خطيبكِ؛ فأحياناً يشعر الرجل أن قد تأخَّر جداً، ويفكر في عواقب ذلك على المستقبل عندما يكبر هو، وأولاده في عمر صغير، يحتاجون إلى الرِّعاية المستمرَّة. وفي نفس الوقت أتفهَّم رغبتكِ في الحصول على (البكالوريوس)، وهو أمرٌ مهمٌ بلا شك.
ثانياً: لو كنتُ مكانكِ فسوف أواصل الدراسة، ولو ابتعدتِ عن الطفل لمدة محدودة في بداية أيامه؛ حيث يحتاج فيها إلى القليل من العناية التربويَّة، والكثير من الإطعام والنظافة وغيرها، والتي يمكن أن تنجزيها خارج الساعات الأربع التي ستكونين فيها في الجامعة، بينما يغطُّ هو في نوم عميق.
ثالثاً: رتِّبي حساباتكِ؛ بحيث تنتهين الجامعة قبل بلوغ الطفل السنة الأولى؛ لأننا نعلم أنه مع الشهر الثامن تقريباً يبدأ الطفل بالقلق من غياب أمه، وشعوره بالحاجة إليها. وهذا يعني أن تتأخري في الحمل أشهراً قليلة جداً، والذي قد يتأخَّر بصورةٍ طبيعيةٍ دون تدخُّل.(180/2)
رابعاً: سأذكر هنا - عَرَضاً - مفهوماً من المفاهيم المسيطرة علينا في البلاد العربية، وهو أن الشهادة هي الأمان في المستقبل. وهذا غير صحيح جزئيّاً.. الأمان في المستقبل - بعد التوكل على الله تعالى - يكمُن فيما تُتقِنينَهُ من مهارات، وليس فيما تحملينه من شهادات.
أصحاب العمل هذه الأيام يبحثون عن الموظفين الماهرين، الذين يُضِيفون إلى أعمالهم، دون أيّ نظر إلى الشهادة؛ جامعية كانت أم ثانوية، الأهم ما تستطيعين أداءه بكيفية مميزة عن بقية أقرانك.
ولحسن الحظ؛ فإن الجامعة ليست المكان الوحيد لتنمية هذه المهارات. أقولُ هذا وأنا أحتفظ في ذاكرتي بأسماء ناجحين عالمياً لم يدرُسوا في الجامعة، لكنهم طوَّروا مهاراتهم بصورة مذهلة، حتى أصبح توظيفهم في شركة ما حُلما لصاحب الشركة.
أتمنى أن أكون قد قدَّمتُ شيئاً مفيداً، وأبارِك لكِ - مقدَّماً - زواجك الميمون، الذي أسأل الله أن يُتِمَّه على خير، وأن يكون أساس بناء بيت يعبُد الله.
وفَّقكِ الله إلى كل خير، ومرحباً بكِ - مرةً ثانيةً - في موقع (الألوكة).(180/3)
العنوان: مشكلة عاطفية
رقم الاستشارة: 38
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أنا مرتبطة، وأعاني عدم الاهتمام ممن ارتبطتُ به، وفي ذات الوقت معي زميل بالجامعة، لفت نظري جداً، وكان مهتماً بي أشد الاهتمام؛ فتعلق قلبي به، وكنت لا أريد أن يعرف أنني مرتبطة، ولكنه عرف، فابتعد عني، وأنا الآن أفكر فيه ومعجبة به.
ومع عدم معرفتي الشخصية به، أحب أن أراه، وأن أتكلم معه، مع العلم أن نفس هذه القصة حدثت معي العام الماضي، مع زميل آخر، ولكنني أحسست أنها انتهت بانقطاع رؤيتي له.
فهل ستنتهي الحكاية الثانية كما انتهت الأولى، مع العلم أنني سوف أراه لمدة 3 سنوات قادمة؟
وهل هذه الأحاسيس التي أحسها نحوه نتيجة لعدم اهتمام الشخص الذي ارتبطت به؟
مع العلم أنني عندما أبتعد عن هذا الزميل أحس أنني أحب الشخص الذي ارتبطت به جداً، وأنني لا أستطيع أن أعيش مع أحد سواه، (خصوصاً أنه سوف يأتي لخطبتي السنة القادمة، إن شاء الله).
أنا في أشد الحيرة، وأشك أن تجربتي مع هذا الزميل دليل على عدم حبي الحقيقي للشخص المرتبطة به.
فما تفسيركم لهذه الحالة؟ وما أسبابها؟ وما هو علاجها؟
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت السائلة المتحيرة:
السلام عليكم ورحمة الله، أشكر لك مرورك على موقع (الألوكة)، كما أشكر لك ثقتك الغالية.
لقد بدا لي عندما قرأت رسالتك - مرَّاتٍ كثيرة - أنك تعيشين حالة من التشتت العاطفي والنفسي، تتنقلين بين العلاقات، مما يسبب لك - كما يسبب لكل البشر - ألماً نفسياً كبيراً.
ليست المشكلة في الشخص الذي ارتبطتِ به، وليست في الزميل الجديد، أو حتى القديم، المشكلة في موقفك تجاه نفسك.
أحبِّي نفسك .. هذا أشد ما تحتاجين إليه!!(181/1)
أنت شديدة التعلق بالأشخاص، تتعلقين بهم - بصورة مبالغ فيها - لكي تحصلي على المساندة والاستقرار، وفي هذا خطورة كبيرة؛ لأنك - وفي لحظة - قد لا تجدين أحداً معك، عندها قد تقع الكارثة!!
أريدك أن تتأملي معي النقاط التالية:
- تذكري أن الارتباط الحقيقي يجب أن يتحلَّى بسمات واضحة، أهمها الجدية؛ بأن يكون ذلك في إطاره الشرعي المعروف، وكل ارتباط خارج هذا الإطار ليس مقبولاً، وليس آمناً.
- الاختلاط في الجامعات هو سببٌ رئيسٌ لهذه التشتت الذي يعيشه الشباب، ويأتي هذا التشتت بسبب اللقاءات اليومية - ولمدة طويلة - بينهم، مما يقرِّب بين القلوب، لكنَّ هذا القرب لا يستمر - كما حدث معك - لأنه لم يقم على أساس صحيح.
ومما يستدعي الأسف؛ أن تصبح الجامعة مكاناً لإقامة العلاقات غير المستقرة بين أبنائنا، بدلاً من أن تكون مكاناً للتحصيل العلمي والمعرفي، مما يسبب لهم ألماً نفسياً، وتشتتاً ذهنياً، لا يساعدهم على الدراسة والتعلم أبداً.
- أريد أن أسأل: لماذا ترتبطين بشخص لا يُظهر الاهتمام الكافي؟! مَنْ لا يظهر الاهتمام الآن، فمتى سيبديه؟!!
- أريدك أن تبحثي عن صديقة حكيمة صالحة، صدوقة معك، في الجامعة أو خارجها، وأن تناقشي معها ما يدور في ذهنك من أمور؛ فالاستعانة بالآخرين ليست ضعفاً؛ بل نظرةً جديدةً، من زاويةٍ جديدةٍ، وفي ذلك عظيم فائدة.
مرحباً بك في موقعك (الألوكة)، وأرجو أن تكوني زائرةً دائمةً للموقع؛ لما ستجدين فيه من نفع وفائدة،، وفَّقكِ الله إلى كل خير.(181/2)
العنوان: مشكلتي في كرهي لزوجي
رقم الاستشارة: 4
المستشار: د. سعد بن عبدالله الحميد
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إلى شيخي الكريم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
أنا متزوجة من أربع سنوات و6 أشهر ولي بنت ولله الحمد والمنة.. مشكلتي في كرهي لزوجي وعدم تقبلي له ونفوري الشديد منه منذ بداية الزواج.. وكنت أتمنى الطلاق، وأكثر من مرة طلبت منه ذلك، لكنه يرفض، وشاء الله أن أرزق ببنت مع أن المعاشرة قليلة جداً.. إذ أنه يطلبني للفراش لكني أرفض بشدة وأنام في غرفه ثانية...دائماً أشم منه رائحة كريهة بغيضة تنفرني منه، وقد صارحته بالرائحة عله يجد حلاًّ لها، فلم يأبه، وكيف يأبه وهو يعلم أني لا أتقبَّله، وقد ظن أنني أتحجَّج بذلك؟! ..حتى السيارة أكره رائحتها وأجدها بنفس الرائحة البغيضة.
أعرف أني على منكر عظيم، ويعلم الله الحسرات التي أعانيها بسبب رفضي له، كيف لا وأنا أبيت مدركة بأن الملائكة تلعنني، لكنه شيء خارج عن إرادتي والله شهيد على قولي.
استغفرت الله وطلبت منه المغفرة، وحاولت مراراً أن أخضع له بالفراش، وأن أشبعه، لكن المشكلة أني لا أرتاح معه، ولا أستطيع ان أمنحه الراحة التامة، وهو يعلم يقيناً أني ماجئت إلا لإرضائه.
المشكلة أني بدأت أخاف على نفسي من الفتنة، وأخاف عليه أيضاً.. لو سلك طريق الحرام لإشباع رغباته سأكون أنا الملامة وقتها، وأستحق ذلك، ينام خارج البيت أسبوعاً وأسبوعين .. أعيش في حسرة شديدة، استخرت الله في الحرم المكي منذ حوالي ثلاثة أشهر بالطلاق، لكني كعادتي لا أميل إلى شي، لكني أعلم يقيناً أني بعد الاستخارة ما يحصل لي فهو الخير..
أريد الجهاد حقاً، أريد احتساب الأجر، أريد الصبر على زوجي، لكنني لم أستطع ..(182/1)
مع العلم أن زوجي سيئ العشرة والطباع، معي ومع أهله، وكانوا يشتكون منه دائماً أول زواجي، فلما أنكرت عليهم تزويجه وهو بهذه الطباع والصفات عللوا بأنهم يريدون بالزواج أن يصلح حاله ويعقل.
ياشيخ، زوجي لاينفق علي مع أن ماديته جيدة جداً، وهو دائم طلب العون والسلفة من الآخرين، أسكن في بيت أهله، وإذا طلبتُ المصروف غضب وادعى عدم ماديته، وأن ليس معه شي، وأنه مدين, وحين يعطيني و أشتري حاجة يأخذ يذكرها ويرددها مراراً.
هو إنسان غير سوي بدليل طباعه وتصرفاته وبكائه المستمر عند النقاش كأنه طفل، وعدم تحمله المسؤولية في أي شيء, واستهزائه بي أمام أهله وأخواله. وكلامُه البذيء معي وعدم احترامه زاد نفوري منه وزاد حسرتي.
التجأت إلى الله بالدعاء أن يصلح حاله ويرزقه الرفقة الصالحة ويسخرني له، لكن ياشيخ لا تمضي مدة ولا أكمل الشهر حتى أسمع وأعرف بمصيبة أعظم من سابقاتها، فيعود الكره والبغض أشد مما كان في السابق .. طلبت الطلاق خصوصاً بعدما علمت أنه شهد الزور ليُحِل له من المال ما ليس حِلاًّ له .. وأنا الآن في بيت أهلي منذ ثلاثة أشهر.
المصيبة أنه مازال متعلقاً بي جداًّ، ويرى أن علي العودة وأنه سوف يتوب, مع العلم أني منذ تزوجته وبعدكل المشادات الدائمة يقول لي نفس الكلام.. أريد منحه فرصة لكنني لا أستطيع أن أحلم بأن يتوب ويستقيم على يدي لأنال الأجر العظيم.. لكني لا أستطيع.. المشكلة عندي منذ بداية الزواج وهي عدم تقبله والنفور الشديد منه.
في ذمتي بنت لم تتجاوز الثالثة من العمر، أخاف عليها وأخشى أن تحاجني عند ربي بسبب طلبي للطلاق، أخاف أن تضيع وأن تعيش بحسرة وبوالدين منفصلين، مع العلم ياشيخ أن والدها لا يسأل عنها ولا يهتم لحالها منذ البداية.(182/2)
أهلي يقولون: إنه شخص طيب ولا يمكن أن يكون الإنسان معصوماً من الخطأ، خاصة أنه يريدني ومتمسك بي بقوة، قلما نجد رجلاً متعلقاً بزوجته مثله، وأن الحب لا يأتي إلا بالمعاشرة الحسنة. وأني محظوظة بسذاجته أستطيع فعل ما أشاء وجعله خاتماً بإصبعي..
وأنا أقول: إني زوجته، وأنا أعلم بحاله منكم، وتعلقه بي مجرد حب امتلاك لشيء بيده لن يفرط به، لو أنه جاد وعازم لم تصل الأمور إلى هذه الحالة، ولم يصبني من العلل ما أصابني، أين لي بالمعاشرة الحسنه ونحن هكذا، لا أريد رجلاً أحكمه ويمشي بهواي، أريد بل أستمتع بسيطرة رجل علي، رجل يخاف الله فيَّ وأخاف الله فيه، رجل أشعر معه بالأمان والطمأنينة، يقويني على طاعة الله وأقويه..
أخشى والله على نفسي من الفتنة، فربي أعلم سبحانه كم أشتاق إلى لحلال وأتحسر عليه.. حتى هو لن أشبعه، أعرف نفسي وطاقاتي، لن أمنحه ما يريد ولو أكرهت نفسي على ذلك..إن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً.. أستغفر الله أستغفر الله ..
أرجو منك نصحي ماذا أفعل .. أريد الطلاق وأهلي وزوجي يرفضون ذلك.
ياشيخ، هل صحيح أن المرأه يجوز لها أن تطلب الطلاق في هذه الحالة؟
هل يجوز إجبارها على الرجوع إلى عش الزوجية؟
أرجو نصحي وتوجيهي ..الله أعلم سبحانه بالكرب الذي أعيشه ..
إن شاء الله إني صابرة ومحتسبة، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم اجعلنا من الصابرين الشاكرين لك.. اللهم اغفر لي ذنوبي..
يا شيخ، هل أنا في عقاب بسبب الإثم العظيم؟
أسأله تكفير الذنوب، إني في بلاء، أسأل الله تعظيم الأجر!!
ادع الله أن يغفر لي ذنبي، وأن يثبِّت قلبي على التوبة والهداية، إلى أن يأخذ أمانته..
أرجو منكم عذري على الإطالة، وعدم التركيز في الرسالة، فالله وحده أعلم بحالي، وكَّلت أمري إليه سبحانه..
شيء مهم نسيت ذكره، واعذرني شيخي الكريم على الإطالة..(182/3)
وهو أن زوجي ليس حريصاً على الصلاة، بل أشك بأنه لا يصلي إلا نادراً والعياذ بالله.. ودليل ذلك عندما أوقظه لصلاة الفجر فهو لا يستيقظ ابداً، وبعد أكثر من ساعة يستيقظ لكي يذهب لموعد معين أو لعمله, كذلك عند صلاة الظهر أو العصر حين يكون بالبيت, ألِحُّ عليه بالذهاب إلى المسجد لأداء الصلاة وهو يتجاهلني إلى أن تكاد الصلاة تنتهي، فيذهب ولا يأتي إلا قبيل الفجر أو لا يأتي نهائياً إلى البيت، واحياناً كثيرة يتصل وقت الصلاة، وحين أساله يعلل بأنه يصلي في مسجد ينتهي مبكراً او مصلى العمل.. في فترة المشاحنات كان يتصل علي من الدوام وقت صلاة الموظفين حتى لا يسمعه أحد, فكيف يصلي؟ ومتى؟. إذا كان ما يدعيه من أن صاحب العمل رجل حاد الطباع ولا يقبل التأخير؟؟
أفكاري مشوَّشة جداً، لكني أشهد الله تعالى على قولي ..
-----------------------------------------
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد قرأت سؤالك الذي تصفين عشرتك مع زوجك، وما تلاقينه من نفرتك منه، ووصفك لبعض أخلاقه.
وبعد التأمُّل في معاناتك وجدت أن مشكلتك ذات شِقَّين:
الأوَّل: شرعي.
الثاني: استشاري.
أما الشرعي: فمتعلِّق بما ذكرتِه أخيرًا من كون هذا الزوج لا يصلي إلا نادرًا في غالب ظنِّك، والشيء الذي يكاد يصل لدرجة اليقين: أنه يؤخر الصلاة عن وقتها، أما صلاته مع الجماعة فسؤالك يدل على أنه لا يعبأ بها.
وهذا السبب في حدِّ ذاته كافٍ في وجوب التوقُّف عن معاشرته، والحكم بأنه لا يجوز لك البقاء معه حتى تتيقَّني من أنه انتظم في أداء الصلاة في وقتها؛ لأن ترك الصلاة مطلقًا، أو أداءها بعد أن يخرج وقتها كفر على الراجح من أقوال أهل العلم، ولا يجوز للمسلمة البقاء في عصمة زوج لا يصلي، أو يخرج الصلاة عن وقتها، وتجدين في آخر هذه الإجابة فتوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في حكم تارك الصلاة.
وأما الشِّقُّ الاستشاري: فهو المتعلِّق بكرهك لزوجك.(182/4)
فبعد تأمُّل ماذكرتِه من مدة الزواج التي استمرَّت أربع سنوات، وإنجابك منه هذه البنت (أصلحها الله)، وكرهك له ونفرتك منه من ليلة الزواج، وما صاحب ذلك من أخلاقه التي تؤخذ عليه، وغير ذلك مما ذكرتِه، فكلُّ هذا يدلُّ على أن الله لم يكتب بينكما شيئاً من الألفة، وهذه أمور ليست بيدك ولا بيده؛ كما حصل من زوجة ثابت بن قيس بن شمَّاس رضي الله عنه حين جاءت تشتكي للنبيِّ صلى الله عليه وسلم بغضها له وتقول: إنها لاتنقم عليه دينًا ولا خُلُقًا، غير أنها تبغضه، حتى قالت: (غير أني أكره الكفر في الإسلام)، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ ما أعطاها من المهر وأن يطلِّقها.
فالذي أراه لك أيتها الأخت الكريمة: أن تنظري بعين العقل في الواقع الذي تعيشينه، وأن تتخذي القرار الحكيم في معاناتك، وألا تضيعي عمرك وراء سراب هذه العلاقة الهشَّة، وقد يكون القرار صعبًا بسبب وجود البنت، وربما بعض الضغوط الاجتماعية، لكن الأصعب منه العيش في كنف زوج لم يكتب الله بينك وبينه شيئاً من المودَّة والرحمة، وليست المسألة مسألة يوم أو يومين أو سنة أو سنتين حتى ننصحك بالصبر على ذلك، ولكنها عمر قد يطول والعلم عند الله.
وهذا كلُّه لو كان زوجك يصلي، فكيف إذا انضاف إلى ذلك تركه للصلاة، أو تأخيرها عن وقتها؟!
أظن الأمر لا يحتاج إلى التردُّد، وفقك الله لما يحب ويرضى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جواب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله على السؤال المتعلق بترك الصلاة:
ماذا يفعل الرجل إذا أمر أهله بالصلاة ولكنهم لم يستمعوا إليه، أيسكن معهم ويخالطهم أم يخرج من البيت ؟
إذا كان الأهل لا يصلون أبداً فإنهم كفار، مرتدون، خارجون عن الإسلام، ولا يجوز أن يسكن معهم، ولكن يجب عليه أن يدعوهم ويلح ويكرر لعل الله يهديهم؛ لأن تارك الصلاة كافر - والعياذ بالله - بدليل الكتاب والسنة، وقول الصحابة، والنظر الصحيح.(182/5)
- أما من القرآن: فقوله تعالى عن المشركين: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآْيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ *}[التّوبَة: 11] مفهوم الآية أنهم إذا لم يفعلوا ذلك فليسوا إخواناً لنا ولا تنتفي الأخوة الدينية بالمعاصي وإن عظمت، ولكن تنتفي عند الخروج عن الإسلام .
- أما من السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ [1] - ثابت في صحيح مسلم - وقوله في حديث بريدة رضي الله عنه في السنن: الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ[2].
- أما أقوال الصحابة: قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: (لا حَظَّ فِي الإِسْلامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ )[3] ، والحظ: النصيب، وهو هنا نكرة في سياق النفي فيكون عاماً لا نصيب لا قليل ولا كثير - وقال عبدالله بن شقيق: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة[4].
* أما من جهة النظر الصحيح فيقال: هل يعقل أن رجلاً في قلبه حبة خردل من إيمان يعرف عظمة الصلاة وعناية الله بها ثم يحافظ على تركها ؟! هذا شيء لا يمكن، وقد تأملت الأدلة التي استدل بها من يقول أنه لا يكفر، فوجدتها لا تخرج عن أحوال خمسة:
1 - إِما أنها لا دليل فيها أصلاً .
2 - أو أنها قيدت بحال أو وصف يمتنع معه ترك الصلاة.
3 - أو أنها قيدت بحال يعذر فيها من ترك هذه الصلاة.
4 - أو أنها عامة فتخصص بأحاديث كفر تارك الصلاة.
5 - أو أنها ضعيفة لا تقوم بها حجة.
وإذا تبين أن تارك الصلاة كافر؛ فإنه يترتب عليه أحكام المرتدين -وليس في النصوص أن تارك الصلاة مؤمن، أو أنه يدخل الجنة، أو ينجو من النار ونحو ذلك مما يحوجنا إلى تأويل الكفر الذي حكم به على تارك الصلاة بأنه كفر نعمة أو كفر دون كفر- ومنها:(182/6)
أولاً: أنه لا يصح أن يزوج، فإن عقد له وهو لا يصلي فالنكاح باطل، ولا تحل له الزوجة به، لقوله تعالى عن المهاجرات: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}[المُمتَحنَة: 10]
ثانياً: أنه إذا ترك الصلاة بعد أن عقد له فإن نكاحه ينفسخ، ولا تحل له الزوجة للآية التي ذكرناها سابقاً، على حسب التفصيل المعروف عند أهل العلم بين أن يكون ذلك قبل الدخول أو بعده .
ثالثاً: أن هذا الرجل الذي لا يصلي إذا ذبح لا تؤكل ذبيحته لماذا ؟.. لأنها حرام، ولو ذبح يهودي أو نصراني فذبيحته يحل لنا أن نأكلها، فيكون - والعياذ بالله - ذبحه أخبث من ذبح اليهود والنصارى.
رابعاً: أنه لايحل أن يدخل مكة أو حدود حرمها؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *}[التّوبَة: 28].
خامساً: أنه لو مات أحد من أقاربه فلا حق له في الميراث، فلو مات رجل عن ابن له لا يصلي، الرجل مسلم يصلي والابن لا يصلي وعن ابن عم له بعيد (عاصب)، من الذي يرثه ؟ ابن عمه البعيد دون ابنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة رضي الله عنه: لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ [5]؛ متفق عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ[6]. وهذا مثال ينطبق على جميع الورثة.(182/7)
سادساً: أنه إذا مات لايغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين، إذاً ماذا نصنع به ؟ نخرج به إلى الصحراء ونحفر له وندفنه بثيابه لأنه لا حرمة له . وعلى هذا فلا يحل لأحد مات عنده ميت وهو يعلم أنه لا يصلي أن يقدمه للمسلمين يصلون عليه.
سابعاً: أنه يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبيّ بن خلف، أئمة الكفر - والعياذ بالله - ولا يدخل الجنة، ولا يحل لأحد من أهله أن يدعو له بالرحمة والمغفرة، لأنه كافر لا يستحقها - لقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ *}[التّوبَة: 113].
فالمسألة يا إخواني خطيرة جداً .. ومع الأسف فإن بعض الناس يتهاونون في الأمر، ويقرون في البيت من لا يصلي، وهذا لا يجوز . والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الشيخ ابن عثيمين - رسالة صفة صلاة النبي، ص (29 ، 30)
ــــــــــــــــــــ
[1] مسلم (82) .
[2] أحمد (5/346)، والترمذي (2621)، والنسائي(464)، وابن ماجه (1079). وقال الترمذي: «حسن صحيح غريب».
[3] موطأ مالك (84) .
[4] الترمذي (2757). وسيأتي الكلام عليه في باب الصلاة.
[5] البخاري (6764)، ومسلم (1614) .
[6] البخاري (6732)، ومسلم (1615) .(182/8)
العنوان: مطلقة.. وأكبر مني.. هل أتزوجها؟
رقم الاستشارة: 61
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
سيدي الكريم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
هل الزواج من فتاة جامعيةٌ مطلَّقة ليس لها أبناء وتكبرني بسنتين - تبلغ 25 سنة - أمرٌ معيب، أو فيه مساس بكرامة والدي؟ علماً بأنها وحيدة والديها من البنات، وأهلها طيبون جدّاً، وهم على خُلُق، وأنا أبلغ من العمر 23 سنة، وحاصلٌ على (دبلوم)، ومن الممكن تكملة الدراسة؛ بل إنني أسعى لهذا فعلاً، وأستطيع أن أوفر جميع احتياجات الحياة الزوجية - إن شاء الله.
فضيلة الدكتور:
أمرُّ هذه الأيام بأصعب اختبار في حياتي؛ حيث أثَّر رفض والدايَّ لهذه البنت جدّاً على حياتي الاجتماعية؛ فأنا لا أريد الزواج - بإذن الله - إلا من هذه العائلة، وها أنا بعد مضي ستة شهور لا زلت أعاني هذه المعاناة، وفي كل يوم أدعو الله أن يحنن على قلب والديَّ؛ ومر علي وقت كنت لا آكل ولا أشرب فيه من الكآبة التي تملكتني؛ بل وفكرت في الانتحار!! لكنني سرعان ما استعذت بالله من همزات الشياطين، وكل يوم يمر أتقرب إلى الله أكثر وأكثر، وفي نفس الوقت تشتد رغبتي في أن أتزوج من هذه البنت.
فأرجو أن تشير علي برأيك السديد: ماذا أقولُ لوالديَّ حتى أقنعهما بهذا الكلام؟
ولكم جزيل الشكر,,,
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم: مرحباً بك في موقع (الألوكة)، وشكراً لثقتك الغالية.
إذا أردتَ مني المساعدة؛ فسأحاول أن أنظر إلى الأمر بصورةٍ أوسع!
لقد علمتنا الخبرة أن الشخص الذي يمر بتجربة عاطفية متعلقة بأمور الزواج، والعلاقة مع الجنس الآخر، قد تغيب عنه رؤية الصورة كاملة؛ فمع توهُّج المشاعر وميل النفس، فقد لا تتمكن من اتخاذ الموقف الصحيح.(183/1)
لا أستطيع أن أعطي حكماً على اختيارك لتلك الفتاة، لا أستطيع أن أقول إنه اختيار صحيح أو غير صحيح، ولكنني أريد منك أن تأخذ في عين الاعتبار آراء الآخرين من حولك في هذا الاختيار؛ لأنه - كما ذكرتُ - قد يصعب على المرء اتخاذ القرار الحكيم وهو في حالة من فورة المشاعر وتزايدها.
والآن؛ أعتقد أن لوالديك نظرةً خاصةً لهذه الفتاة؛ مما جعلهما لا يؤيِّدانك في اختيارك، وفي المقابل؛ يجب أن تقابل تخوُّفهما هذا بتعريفهم بميزات فتاتك - التي لم تذكر منها شيئاً في رسالتك.
ادعُ الوالدة إلى زيارتها وزيارة أهلها، اطلب ممن يعرف الفتاة جيداً أن يتحدث عن فضائلها وخصالها الحسنة أمام والدَيْك؛ لعل صورتها تتحسَّن لديهما.
ختاماً:
لقد عاصرتُ العديد من القصص المشابهة، وأغرب ما فيها هو تشابه نهاياتها؛ ففي معظمها - إن لم يكن جميعها - تنتهي إلى زوال غيمة المشاعر، ووضوح الرأي السديد، وتحوُّل العاطفة المتوقِّدة إلى ذكريات!!
أعلمُ تماماً أن الأمر ليس بالهيِّن عليك, وأنك تعاني الأمرِّين في هذه المرحلة, ولكن بالصبر والمثابرة ستزول الغمَّة، وستهدأ النفوس - بمشيئة الله - وسيهديك الله إلى الخير والصلاح، وما أحلى التسليم لأمر الله، والرضا بقضائه وقدره.
مرحباً بك أخي - ثانيةً - في موقع (الألوكة)،،، ولك مني كل التقدير.(183/2)
العنوان: معايير الحكم على الخاطب
رقم الاستشارة: 90
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
متابعةً لاستشارتي السابقة، أريد أن أذكر لكم موقفاً آخر:
بعد وقوع خلاف بين وبين خطيبي - عند ذهابنا لعزاء أسرته - جاء خطيبي إلى أبي محاولاً الاعتذار، لكن والدي رفض اعتذاره، وطلب عمل جلسة لإنهاء القضية.
وعندما تَسَلَّم خطيبي صور الزفاف أحضرها إلينا، وكرر اعتذاره واعترافه بالخطأ؛ لكن والدي رفض اعتذاره؛ فحاول توسيط آخرين؛ لكن والدي أصر على الرفض.
فاتصل بي وأخبرني أنه يحبني، لكنه طلب مني أن أُكلِّم أقارب والدي؛ لأتنازل عن موقفي؛ فهل هو على حق أم يريد رد اعتباره أمام عائلتنا؟
وهل كان والدي محقاً أم مبالغاً؟
أرجو الرد والنصح في أسرع وقت؛ حتى أتمكن من اتخاذ القرار السديد.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله، وبعد:
سيدتي الكريمة، لقد أخبرتك سابقاً أن مثل هذه الأحداث لا يمكن أن تقوِّم شاباً، ولا أن تؤثِّر على قرار المواصلة في الخطوبة من عدمها.
يجب أن يكون لك معايير أكثر أهمية من مجرد أنه ذهب وجاء وتكلم مع فلان وفلان، صدقيني لا تسير الأمور بهذه الطريقة.
أما ما فعله خطيبك، فلا أستطيع أن أحكم وفق الموقف الحالي، وإن كنت أظن أنه مهتم بك، وحريص على بقاء هذه العلاقة، وهذه علامة إيجابية.
تذكري أننا جميعاً - مهما علت أخلاقنا وترقَّى فهمنا - بين حين وآخر نقوم بأخطاء، ولا نحكم على الأمور بكيفية صحيحة؛ فنتكلم أو نتصرف بطريقة لا تليق، وليس من العدل أن يُحاكم شخص لمجرد فِعْل قام به أو كلمة قالها في موقف ما.
ضعي هذا في ذهنك، والأهم منه أن تنظري إلى الشخص والموقف بصورة كاملة كليةً ومن منظار واسع، ولا تقفي عند المواقف الصغيرة.
تقبلي مني تحياتي وأهلاً بك دائماً.(184/1)
العنوان: معنى كلمة (التَّمَاهِي) وأصلها اللغوي
رقم الاستشارة: 110
المستشار: سليمان أبو عيسى
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
ما معنى كلمة التَّمَاهِي؟ وكيف نستخرج جذر هذه الكلمة؟
-----------------------------------------
الجواب:
شاع في الآونة الأخيرة على ألسنة المحدثين - وخاصة في مجالات: علم النفس والسياسة والنقد الأدبي - استعمال لفظ التماهي؛ ومن ذلك قولنا: "التماهي مع ثقافة الغرب قد بلغ ببعض الناس حدّ التبعية".
ومصطلح "التَّمَاهِي" Identification، يفسره البعض بالتَّقَمُّص أو التَّوَحُّد، ويُعَرِّفُهُ عُلماء النفس بأنه: "سَيْرُورَة سيكولوجية في بناء الشخصية، تبدأ من المحاكاة اللاشعورية، وتتلاحق بالتمثيل ثم الاجتياف (الاستدخال أو التَّقَمُّص) للنموذج".
وتُفَسَّر عملية التَّمَاهِي في مجال علم النفس بما يلي:
- مُلاحظة الطفل أنه يشبه شخصاً آخر، ثم مشاركة الطفل لهذا الشخص انفعالاته، ليس تقليداً فحسْب؛ فالطفل بالتماهي يتبنى جميع السِّمات والاتجاهات والقِيم التي يعرضها النموذج القُدوة، أما التقليد فإنه لا يَتَعَدَّى تقليد الطفل حركات النموذج وسلوكياته فقط.
- والتعلم عن طريق الملاحظة والتقليد لا يتطلب وجود روابط عاطفية مع النموذج، في حين أن التماهي يتطلب ذلك.
- أن سلوك المُتَعَلِّم عن طريق التقليد قابل للتغَيُّر، في حين أن السلوك الذي يَتَمَثَّلُهُ الطفل عن طريق التَّمَاهِي يكون ثابتاً نِسْبِيّاً.
ثم خرج المصطلح من مجال علم النفس إلى دلالة أكثر اتساعاً وهي (التماهي بالمُتَسَلِّط)، وهو أحد الأساليب الدفاعية للإنسان المقهور أو الفئة المقهورة.(185/1)
ويُعَرِّفُهُ الدكتور مصطفى حجازي - في كتابه: "سيكولوجية الإنسان المقهور"، الصادر عن معهد الإنماء العربي (ص 127)- بأنه "استلاب الإنسان المقهور الذي يهرب من عالمه كي يذوب في عالم المُتَسَلِّط؛ أملاً في الخلاص".
وتأخذ هذه الظاهرة ثلاث صور:
الأولى: التماهي بأحكام المُتَسَلِّط.
الثانية: التماهي بعدوان المُتَسَلِّط.
الثالثة: في آخر أشكال التماهي بالمُتَسَلِّط يصل الاستعلاء أخطر درجاته، لأنه يتم بدون عنف ظاهر، بل من خلال رغبة الإنسان المقهور في الذوبان في عالم المُتَسَلِّط.
وهنا يكون الضحية قد خضع لعملية (غسيل مخ) من خلال حرب نفسية مُنَظَّمَة لتحطيم القيم الاجتماعية والحضارية للفئة المقهورة.
يقول الدكتور مصطفى حجازي في المصدر السابق (ص139، 140): "وأقصى حالات التماهي المُتَسَلِّط تأخذ شكل الاستلاب العقائدي؛ ونقصد بذلك تَمَثُّل واعتناق قِيَم النِّظام، والانضباط والامتثال، وطاعة الرؤساء الكبار، وهي قِيَم تخدم - بما لا شك فيه - مصلحة ذلك المُتَسَلِّط؛ لأنها تُعَزِّز مواقعه وتصون مُكتَسَبَاتَهُ".
التَّمَاهي - إذن -: هو تماثل وتطابق ناتج عن رؤية مصلحية تصل إلى حد تغييب العقل، وتصل في التوصيف الأخلاقي إلى النفاق والكذب مُجْتَمِعَيْنِ.
وهذا المعنى قال عنه ابن خلدون في "مقدمته"(1/196): "أن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب، في شعاره وزيه ونِحْلَتِه وسائر أحوالِهِ وعوائِدَهُ؛ والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال في من غلبها،،، فانتحلت جميع مذاهب الغالب، وتَشَبَّهَت به، وذلك هو الاقتداء أو لما تراه - والله أعلم - من أن غَلَبَ الغَالِبِ لها ليس بعصبيةٍ ولا قوة بَأْسٍ، إنما هو بما انْتَحَلَتْهُ من العَوَائِد والمذاهِب".(185/2)
والتَّمَاهِي يحرم المجتمع وثقافته رؤية البدائل المطروحة للأمر موضع البحث والنقاش، ويوصِلُه إلى الجمود الفكري والعقائدي، ويؤدِّي - في الأغلب - إلى الخروج عن الطريق الصحيح، وهو - في أضعف آثاره السلبية - يُعَطِّلُ اتخاذ القرار الصَّائِب، ويُؤَخِّر التَّقَدُّم ويحرم أي أُمَّةٍ قِسْماً مهماً من عقولها النَيِّرة، وهو سلوك مُدَان بكل المعاني.
وقد كان الإسلام شديد الحرص على نبذ هذا السلوك المَشِين، والحث على نقيضه، ونرى ذلك في قول النبي – صلى الله عليه وسلم - عندما سُئِل عن أعظم الجهاد فقال: ((كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ))؛ رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.
أما في مجال النقد الأدبي؛ فيكثر استخدام هذا المصطلح ؛ ومن ذلك: التَّمَاهِي بين المؤلف وشخصيات أعماله، والتماهي بين الراوي والبطل، والتماهي بين شخصيات العمل الأدبي ... وغير ذلك.
أما الأصل اللغوي لكلمة (التماهي)، وكيفية استخراج جذرها:
فالكلمة مشتقة من جذر عربي هو (م و هـ)؛ جاء في " تاج العروس" (36/510): "من المجاز: أَمَاهَ الشيءُ: خُلِطَ"، وفى "المعجم الوسيط" (2/893): "أَمَاهَ الشيءَ بالشيءِ: خَلَطَهُ".
جاء بوزن (تَفَاعَل) من هذا الجِذْر فكان (تَمَاوَه) فَحَدَثَ قلبٌ مكانيٌّ بتقديم عين الكلمة على اللام، فصارت الكلمة (تَمَاهَوَ).
مثل: "نَاءَ" من "النَّأْي" قُدِّمَتِ اللامُ مَوضِع العَين ثم قلِبَتِ الياء ألِفاً فَوزْنُه "فَلَع" ومثله "رَاءٍ" و "رَأَى" و "شاءٍ" و "شَأَى".
ثُمَّ قُلِبَت الواو في ((تَمَاهَوَ)) ألفاً؛ لتحرُّكها إِثْرَ فتحة، فصارتْ ((تَمَاهَى))، وأصل المصدر: تَمَاهُوٌ؛ لكنْ تطرَّفت الواو إثر ضمة؛ فقلبت ياءً ((تَمَاهُيٌ))، ثم كسرت الهاء لمجانسة الياء فصار المصدر: التَّمَاهِي، على وزن ((التَّفَالُع))؛ بضم اللام؛ لأنَّ الإعلال بالقلب لا يؤثِّر في الميزان.(185/3)
** ومن دلالات هذا الجذر (م و هـ) الانتشار، كما في انتشار الماء، المشتق من نفس الجذر؛ جاء في قول الحسن بن علي - رضي الله عنهما - أنه قال: "ومن يملك انتشار الماء؟"؛ "مصنف" أبي شيبة (1/93)؛ والتماهي: انتشار لصفات المُتَسَلِّط على غيره من المقهورين.
وجاءت دلالة الصيغة تؤكد هذا المعنى، فالكلمة على وزن ((تَفَاعُل)) المقلوب إلى ((تَفَالُع))، وهذا الوزن من معانيه أنه مُطَاوِع (فَاعَلْتُ) نحو: باعَدْتُهُ فَتَبَاعَد؛ انظر: "المفصَّل" للزمخشري (1/53)، وهو الوزن المناسب للمعنى المراد؛ مما يدل على أن المعنى الحديث للكلمة مُتَّصِل بأصله العربي القديم.
والله تعالى أعلم.(185/4)
العنوان: معنى كلمة ايلياء
رقم الاستشارة: 182
المستشار: سليمان أبو عيسى
-----------------------------------------
السؤال:
ما هو معنى كلمة إيلياء؟
-----------------------------------------
الجواب:
أُطلق على مدينة بيت المقدس عبر تاريخها مجموعة من الأسماء، وأهم تلك الأسماء:
1-يبوس.
2- أورشليم.
3- شليم.
4- شالم.
5- أور – سالم.
6- قدس الأقداس.
7- إيليا كابيتولينا.
8- إيلياء.
9- القدس.
10- القدس الشريف.
11- بيت المقدس.
12- يورشاليم.
ولنبحث الآن في أصل كلمة (إيلياء) وتسمية بيت المقدس بها من الناحيتين؛ اللغوية والتاريخية:
كلمة (إيلياء) من الناحية اللغوية:
(إيلِياء) اسم أعجمي بوزن فِيعِلاء، ومنهم من يقصر فيقول: (إيليا)، وقد تشدَّد الياء الثانية[1].
وفي معجم البلدان: "(إيلياء) بكسر أوله واللام وياء وألف ممدودة اسم مدينة بيت المقدس، قيل: معناه بيت الله. وحكى الحفصي فيه القصر، وفيه لغة ثالثة: حذف الياء الأولى؛ فيقال: (إلياء). بسكون اللام والمد ... فإيلياء الهمزة في أولها فاء لتكون بمنزلة الجربياء والكبرياء، وتكون الكلمة مُلحَقة بطرمساء وجلخطاء وهي الأرض الحزن والياء التي بعد الهمزة لا تخلو من أن تكون منقلبة من الهمزة أو من الواو"[2].
اسم (إيلياء) من الناحية التاريخية:
(إيلياء) اسم أطلقه القائد الروماني (هادريان) على مدينة بيت المقدس عام 135م، وهو اسم جد عائلة الإمبراطور (إيلياء كابيتولينا).
ففي العام 64م ثار اليهود على الرومان، وبعد 6 سنوات حاصر (تيتوس) المدينة بجيش قوامه 60 ألف جندي، ثمَّ هاجمها وأحرق الهيكل، ودمّر المدينة تدميرًا كاملاً ونهائيًّا، وأباد معظم اليهود[3].
ثم جاء بعد (تيتوس) القائد (هادريان) فبنى على أنقاض المدينة مستعمرة لجنوده سمَّاها (إيلياء كابيتولينا)، أي (إيلياء الكبرى) و(إيلياء) من (إيليوس) لقب عائلة هادريان وكابيتولين (جوبيتر).(186/1)
ولم يعد للمدينة القديمة وجود، فكما تغير اسمها، تغيّر العمران بها، وبنى معبدًا لـ"فينوس" و"جوبيتر"، وأخرج اليهود والنصارى منها، كما ترك منطقة الهيكل خارج البلدة الجديدة.
بيد أن هناك رواية أخرى عن سبب تسمية المدينة بهذا الاسم؛ فعن كعب أنه قال: "لا تُسَمُّوا بيت المقدس إيلياء ولكن سموه باسمه؛ فإن إيلياء امرأة بنت المدينة"[4].
وورد اللفظ في العديد من الأحاديث النبوية؛ منها – على سبيل المثال – ما رواه مسلم عن أبي هريرةَ – رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَال: ((إنَّما يُسافَرُ إلى ثلاثةِ مساجدَ: مَسجدِ الكَعْبَةِ، ومسجدي، ومسجدِ إِيلِيَاءَ)).[5]
وجاء الفتح الإسلامي لبيت المقدس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سنة 15 للهجرة 638 من الميلاد، وكان سكانها الأصليون عربًا مسيحيين ووثنيين من الآراميين والعموريين والكنعانيين واليبوسيين، وكان لا يزال اسمها (إيلياء) حيث ورد في العُهدة العُمرية التي قدَّمها الخليفة لأهلها.
كما ورد هذا الاسم في شعر الفرزدق حينما قال:
وبَيتانِ بَيتُ اللَّهِ نَحْنُ وُلاتُهُ وبَيتٌ بِأَعْلَى إِيلِياءَ مُشَرَّفُ
وغيّر المسلمون العرب اسم المدينة من (إيلياء) إلى بيت المقدس - وهو المشهور - أو القدس أو دار السلام أو مدينة السلام، وامتاز المسلمون عن غيرهم من الفاتحين بأنَّهم لم يأخذوا المدينة عنوة بالحرب بل صلحًا، وحضر الخليفة بنفسه لتسلُّمها إكرامًا لأهلها وتأكيدًا على المكانة السامية التي تحتلها في الإسلام، وأمَّن أهلها على أنفسهم ومالهم وكنائسهم، ولم يهدم أماكن العبادة، وأعطى أهل المدينة عهدًا خطيًّا بذلك سمِّي"بالعهدة العمرية"، التي تُعتبر وثيقة مهمَّة تحترم حقوق الإنسان وتصلح أن تكون أساسًا لقواعد القانون الدولي.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر "تهذيب اللغة" 5/ 208 والمخصص 4/ 130 و لسان العرب 11/ 40.(186/2)
[2] انظر "معجم البلدان" 1 / 293.
[3] من بقي من اليهود تشتّت باتجاه الجزيرة العربية وبابل، وقسم منهم وصل إلى أوروبا الشرقية وروسيا؛ فنشروا الديانة اليهودية بين قبائل (الخزر) الوثنية، وأسسوا مملكة فيها عُرِفت بمملكة الخزر شمالي بحر قزوين، إلى أن قضى عليهم السلاف.
[4] انظر "معجم البلدان" 5 / 167.
[5] صحيح مسلم؛ حديث رقم3452.(186/3)
العنوان: من شابه أباه ما ظلم
رقم الاستشارة: 189
المستشار: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
عندي مشكلتان:
الأولى: تَخُصُّ وَلدِي، وهو عنده من العمر ثماني سنوات، والشكوى تَتلخَّص في أنَّه عنيد ولا يَسمع الكلام، دائمًا مُعتَرِض على كلِّ شيء وأيِّ شيء، ولا يُريد أن يُذاكِر ولا يريد أن يَحفَظ القرآن؛ فهو مُتْعِبٌ جدًّا، وهذا أمر يُسبِّب لي مشكلةً وأريد المساعدة والتوصُّل لحلِّ هذه المشكلة.
والأمر الثاني: وهو يَخُصُّني أنا شخصيًّا؛ وهو أنني لا أستطيع أن أستمر في شيء أعمله كثيرًا؛ إذ سُرعان ما أتركه، مع أني أكون قد بدأت فيه وأحبُّه؛ وعلى سبيل المثال: فأنا أحب طلب العلم الشرعيِّ ومع ذلك أنقطع عنه كثيرًا وبدون أسباب، وعندي مرض الكسل، ومع وضوح الغاية التي أسعى إليها إلاَّ أنِّي لا أستطيع الاستمرار، وأنا بفضل الله أتميَّز بالذَّكاء، ولكن يا لخسارتي؛ فكسلي لا يَجعَلني أنجح في شيء.
أتمنَّى من الله أن أكون أحد الدُّعاة إلى هذا الدِّين، وعندي قُدرات لذلك ولكن...!
-----------------------------------------
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
الحمد لله، والصلاة على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أشكر لك تَواصُلَك مع موقع (الأَلوكة)، وهذا التَّواصُل يدُلُّ على أنَّك تريد أن تَصِل إلى حلٍّ؛ لأنك تَشعر بمشكلةٍ ما لديك ولدى ابنِك، والشعور بالمشكلة هو مُنتَصف الطَّريق إلى الوصول لحلِّها.
أَبْشِرْ بِفَضْلِ الله، وأَحسنِ الظن به؛ فإحسان الظنِّ به هو أعظم مفاتيح النَّجاح، ثُمَّ داوِمْ على الاستغفار واجعله عادةً متمكِّنةً منك، وستشعُر بالفَرق وبثمار هذا الاستغفار.
ما سبق كان ذِكرًا لأداتين هامَّتين للنجاح حرِيَّتَيْنِ أن تُلازِماك مع كلِّ مشكلة.
والآنَ نَتَطرَّق إلى سؤاليك خاصَّةً:(187/1)
الحقيقة أنَّ المشكلتين تُنبئان عن حقيقة واحدة (عُملة ذات وجهين)!
اللُّغة التي كتبت بها عن مشكلة وَلَدِكَ لُغَة ذات إيقاع سريع! تَكشف أنَّك قليلُ الصَّبر! تُريد الأشياء (كن .. فيكون)، تتمنَّى لو أنَّ بيدكَ عصا موسى أو خاتمَ سُلَيْمَانَ لتَرى كلَّ أمرٍ تُريده وقد أصبح ماثِلاً أمامكَ واقعًا دون عَناء منك! ودون التزام! وهذا ما ذَكرتَه في استفسارك عن مشكلتك؛ فأنت تريد طلب العلم الشرعي ولكنَّك تَنقطِع عنه دون سبب، والسبب في ظنِّي هو قِلَّة صَبْرِكَ عليه وعدمُ رغبتك بالالتزام، وهذا لا يَتَعارَض مع حُبِّك للعلم ولأنْ تكون داعيَةً لهذا الدين، والواقع من حولنا يُدلِّل على ذلك، فكلُّنا نُحبُّ حفظ القرآن، وكلنا نحب قيام الليل، لكن كمْ منا يَلتَزِم به فعلاً؟!
يَبدو أنَّ مُشكِلَتك مع ابنكَ أهمُّ لديك من مشكلتك الخاصَّة، ولك الحقُّ بذلك؛ لأنَّ عدم الالتزام بتربية الولد والتساهل في ذلك يَنتُج عنه أمورٌ لا تُحمَد عُقباها.
أنا بحاجةٍ لمعلومات أكثر عن الولد، أهمها:
- تَرتيبه بين إخوته.
- هل أمُّه موجودة، وهل تَشكو الأمُّ ممَّا تُطلِق عليه أنت "عِنادًا"؟
- هل لاحظت عليه الرَّفضَ لأوامرك من سِنِيهِ المُبكِّرة، أم تَزَامَنَ ذلِك مع تَغْيِيرٍ ما في بيئته: انتقال لبيت، أو استقبال مَولود، أو عمل أمِّه، وغيرها من المستجِدَّات.(187/2)
ما ذَكَرْتُه أمورٌ تَخُصُّ الولد نفسه، وتُؤثِّر في سلوكه، وإدراك هذه الأمور مُهِمٌّ لتحقيق نتائجَ أفضلَ لعلاج المشكلة، لكنَّ التَّعرُّف عليها وتصحيحَها لا يَنفي أبدًا أن تَقوم أنت بدورك تُجاهَ تغيير نفسك؛ من حيث تخفيفُ إيقاع السُّرعة الذي تعيشُهُ، والهدوءُ والحوارُ معه فيما تَفْرِضُه عليه من طلبات؛ لأنَّ عكس ذلك قد يكون السببَ في انفعالات ابنِكَ، فهو يَعكِس انفعالاتك بطريقته، ولو أُتِيحَ لِلولَد أن يتحدَّثَ بِحُرِّيَّة وأَمْنٍ عنك كأبٍ له، لَقال جُمَلا أظن أنَّها شبيهة بـ"والدي يُريدني أن أُطِيعَه دائمًا دون تفهُّمٍ لِمَطَالِبي، يُريد حياتي كلَّها دراسةً وحفظَ قرآن، لا يَلعَب معي أبدًا، يَظُنُّنِي كبيرًا مِثْلَهُ، لا يُسمِعُني كلامًا حُلوًا، دائمًا يقول عني: إنِّي مزعج، وإني صاحب مشاكل، أنا بحاجةٍ للترفيه أيضًا".
ولِتَتَأَكَّدَ فعلاً من الكيفيَّة التي يراك بها: الْعَبَا معًا لُعْبَةَ تبادُل الأدوار، كن أنت الابن وهو الأب، ومن حقِّك أيضًا أن تُمَثِّل دورَهُ بِالطريقة التي تَراها (لا يُطيع، يَرفُض الدراسة، ... إلخ)، مُحتَمَلٌ أنَّ كليكما ستتفاجآن بنظرةِ الواحد للآخَرِ، وهذا التَّفاجُؤُ سيكون باعِثًا لكلٍّ منكما أن يُعدِّلَ من سُلُوكه الذي يُضايق الآخَرَ، والجميل - والمهمُّ جدًّا - أن يتمَّ ذلك بطريقة مَرِحة وهادئة؛ حتى تُحقِّق الغرض الذي عُملت من أجله.
والحقيقة: أنَّ في السيرة النبويَّة دلائلَ يَحارُ فيها التعبير ويَعجِز، عن طريقة المصطفى الحبيب محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - في تعامُلِهِ مع الأطفال؛ لقد حفِظ لهم حقَّهم بالتعبير عن الآراء:(187/3)
ففي "الصحيحَيْنِ" عن سهل: "أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أُتِي بشرابٍ فَشَرِبَ منه وعن يمينه غلامٌ وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: ((أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟)) فقال: والله لا أُوثِرُ بِنَصيبي مِنْكَ أحدًا، فتَلَّهُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في يده".
فتَلَّه أي: وضع الرسول - عليه الصلاة والسلام - الإناء بيد الغلام، وهذا الغلام هو عبدالله بن عباس، أي: استجاب الرسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - لرغبة الغلام (والغلام لُغةً: الصبي الذي يَتَراوح عمرُه بين السابعة إلى العاشرة)، لأنَّ مِن حقِّ مَن جلس إلى اليمين أن يشرب قبل الآخرين، حتى ولو كان الآخرون أشياخًا.
وأَنْصَحُ للتدريب الذاتي على الحوار بقراءة كتب الدكتور محمد بن فهد الثويني - وهو من الكويت - في الحوار، والبحث في مواقع التربية عن طُرُق الحوار مع الأطفال، اعزم على ذلك واجعله مِن أولويَّاتك.
وأختم بالتطرق لمشكلتك:
وأَجِدُني أَبتَسِمُ قائلةً: "الولَدُ سِرُّ أبيه"، أنت تَشكو من نفسك شكواك ذاتها مِن ولدك؛ فهو لا يُكمِل ما يبدأ، وأنت كذلك، فهلِ السِّرُّ في أنَّ التَّربية التي تَلقَّيتها أنت تُكرِّرها ذاتها مع ولدك؟! لعلَّ الذي يُساعدك على الالتزام بالحوار و التدريب على ذلك هو استقراؤك للأحداث واستشرافُك للمستقبل؛ فالماضي هو أنت، والمستقبل هو ابنُكَ، والحاضر بينكما، فلا تَجعل ابنَك يُعاني مِنَ الكسل وعدم الالتزام كما تُعاني أنت الآن.
والحلُّ في التربية الصحيحة المبنيَّة على ثقافة والتزام وتصميم على البدء والإكمال حتى تُحقِّق الأهداف.(187/4)
وإنَّني أتوقَّع بشكل كبير أن في علاجك لمشكلتك مع ابنِكَ، سيتم علاج مشكلتك؛ لأنَّها - كما قلتُ - وجهانِ لعُمْلَةٍ واحدة؛ فأنت إن مارست الالتزام وعَزَمت وصمَّمت على البدء بالتدريب على الحوار مع الولد والإنصات إليه، سَتَكْتَشِفُ بعون الله أنَّ الالتزام أمرٌ مُمْتِعٌ ويَعقُبُهُ إنجاز رائع يُرْضِي النفس ويُريح القلب، عندها سيكون الأمر ككُرَةِ الثَّلْجِ: تَتَدَحْرَج لتَكبُر وتَكْبُرَ بالخير بإذن الله.
وفَّقك الله للخير.(187/5)
العنوان: نظرات الشكِّ والريبة في أعين زميلاتي؛ فماذا أفعل؟
رقم الاستشارة: 92
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أنا آنسة في الأربعين، لم يُقْسَم لي أن أتزوج، وهذا لا يزعجني؛ فإنني أعلم أن لله - عز وجل - في ذلك حِكمةً.
لكن المشكلة تكمُن في زميلاتي، اللاتي يضايقني منهن نظرات الشك والريبة، من أنني أحسدهن على نعمة الزوج والأولاد، وأنا أقسم بالله أنني أتمنى لهن الخير، لكن تفكيرهن يجعلهن يظنن أني أغار منهن، مع أنهن دائمات الشكوى من الأزواج ومشاكل الأزواج، ويُظْهِرْنَ لي أنهن يحسدنني على تَفَرُّغِي وَعَدَم تَحَمُّلي لمسئولية البيت والزوج.
وبالرغم من ذلك أنا أشاركهن الرأي وإعطاء النصائح المفيدة والمشورة؛ لكثرة قراءتي واطِّلاعي على القضايا الأُسَريَّة المختلفة، ولكنني لا أَسْلَمُ من تهكمهن؛ لكوني لم أُجَرِّب هذه الأمور، وأنا دائماً أشعر بالاضطهاد منهن، بمناسبة وبغير مناسبة.
فما ذنبي إن كان الله لم يَقْسِم لي أن أتزوج، وأن يكون لي أولاد مثلهن؟
أريد حلاً يُساعدني في تَخَطِّي هذه الأزمة.
وجزاكم الله خيراً.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة، مرحباً بك في موقع (الألوكة)، وشكراً لثقتك الغالية.
قرأت رسالتك، وأشعر بما تشعرين به، وبقسوة تَهَكُّم صديقاتك - دون معنى - ولاشك أن صبرك عليهن فيه الأجر الجزيل من الله عز وجل.
أود أن أشير هنا إلى نقطة مهمة:
سيدتي الكريمة، نحن المسئولون عن مشاعرنا، نحن الذين نقرِّر كيف نتفاعل مع غَمَزات الآخرين ولمَزاتِهم؛ فحديث زميلاتك وإشاراتهن وتهكُّمِهِن ليس السبب فيما تشعرين به من انزعاج، في الواقع هناك عاملٌ آخر كثيراً ما نُغْفِلُهُ؛ ألا وهو أنفسنا؛ كيف ننظُر إلى حديثهن وموقفهن؟ كيف نحلِّله؟..ماذا نقول لأنفسنا؟ كيف نُقَوِّمُ أهمية قولهن لنا شخصياً؟
تذكري دائماً القاعدة الذهبية التي تقول:(188/1)
"ليست الأحداث هي التي تَصنَع المشاعر، بل الطريقة التي ننظُر بها إلى الأحداث هي التي تصنَع مشاعرنا".
وهذا ما يُفَسِّر اختلاف شعور مجموعة من الأشخاص نحو نفس الحدث؛ فالطرد من العمل مثلاً:
- لدى البعض كارثة: "لقد طُرِدْتُ من العمل؛ أنا فاشل".
- وقد يكون لدى آخر فرصة: "لقد طُرِدْتُ من العمل؛ لعلها فرصة لكي أجد عرضاً أفضل".
- ولدى ثالث شعور بالذنب: "لقد طُرِدْتُ من العمل؛ كم هو مُشِين؛ لم أبذُل ما بوسعي للحفاظ عليه".
أريدك أن تراجِعي الأفكار المباشِرة التي تدور في ذهنك عن قولهن وغمزهن، ونظرتك الداخلية لها, ومع مراقبة هذه الأفكار وتصحيح ما تقولينه لنفسكِ وما تفسرينه به, مع الممارسة ستجدين أن كثيراً من مَشَاعِر الضيق التي طالما شعرتِ بها قد تغيَّرت.
ختاماً: قال أحدهم: "لا يُمكِن أن يؤذيكَ أحد دون رضاك".
نعم .. نحن الذين نُعْطِي الفرصة للآخرين لإشعارنا بالأذى، عن طريق الاحتفاظ بعباراتهم وتهكمهم في عقولنا تتردد، بدلاً من أن نرمي بها وراء ظهورنا.
أعلَمُ أن الأمر ليس بهذه السهولة، لكن عبر الممارسة المستمرة ستتطور لديك هذه المهارة النفسية وستتقنين فن التعامُل معهن.
وفقكِ الله إلى كل خير.(188/2)
العنوان: نفسي اجتماعي ديني
رقم الاستشارة: 210
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أود أن أشكركم على ما تَبذُلونه من جهد، وبارك الله فيكم وفي أعمالكم وأوقاتكم!
أكتب إليكم مشكلتي وبداخلي من الحزن ما الله به عليم، وأنا أُحِسُّ أنني داخل شَرْنَقَة من الهموم، وذلك عندما يأتيني الحزن مما كنت أتوقع منه الهنا والسعادة، واللطمة مما كنت أتوقع منه الحُنُوَّ!!
مشكلتي بدأت عندما تزوجتُ فلم أُحِسَّ بمُتعة الزواج، فقلت ربما يتحسَّن الأمر مع الأيَّام، المُهِمُّ بعد خمسين يومًا من الزواج سافرتُ إلى مكان عملي، وبعد ما يَقْرُب من شهر أرسلتُ إلى أهلي ليرسلوا إليَّ زوجتي، وليتني ما فعلت! حيث وجدتُ مُمانعة من أمي، وأن عليَّ أن أنتظر إلى إجازة منتصف العام، فكَظَمْتُ غيظي؛ ولكني لم أستطع لأني كنت قد وصلت إلى حالة من الضيق! حيث إني مغترب لي ثماني سنوات، فقلتُ لنفسي: وما فائدة هذا الاغتراب وأنا حبيس هذه الغرفة؛ لا مُعين، ولا رفيق؟! هل انحسر دَوْرِي في النزول كل عام محمَّلاً بالهدايا؟! عِلمًا بأنّي مُقَصِّر في حقِّ نفسي من ناحية الترفيه، فدخلتُ في مقارنات بيني وبين زملائي الذين تصادف زواجهم معي؛ فهم يُعِدُّون العُدّة لإحضار زوجاتهم، وهم يصغرونني بكثير!(189/1)
وبين والدتي ونساء أخريات، وكيف أنهن تَرَكْنَ لأبنائهن الفُرَصَ لقضاء شهر العسل، وأنا مَرَّت علي السنوات الطوال وأنا أُلِحُّ على والدتي وإخوتي أن يَرَوْا لي عَرُوسًا وهم مُماطلون، وعندما تمَّ ذلك يكون هذا هو موقِفَهم! وأنا بين هذه المقارنات وأحاسيس الإحباط الداخلية انتابني شعورٌ بالكراهية تجاه نفسي، والتذمّر تجاه والدتي، وبعد يومين تقريبًا جاءتني فكرة الطلاق بطريقة مُلِحَّة لا أستطيع دفعها، وأنا أخاف من طَيف هذه الكلمة؛ حتَّى إنني كنت أَعْجَبُ لحال البائعين والسائقين وجُرْأتهم في استخدام هذه الكلمة، حتى إني كنت مُوَطِّنًا نفسي من قَبْلِ الزواج أن أتحمَّل زوجتي مهما كان منها ما دام أن الأمر بَعُد عن الإساءة لوالدتي، أو ما يتعلق بالأخلاق.
المُهِمّ في إحدى الليالي اشتدَّ عليَّ الأمر ووضعت قطعة من القماش في فمي خوفًا من خروج هذه الكلمة! ولم تخرج؛ ولكني بعد ذلك بدأت أُجْرِي حوارات مع نفسي، وكأنَّ أُمِّي أمامي وأنا أخبرها بأني قد طلقت زوجتي، وتكرَّر هذا الأمر وبعدَ كلِّ موقف لم أكن أَجْزِمُ: هل خَرَجَ اللفظ أم لا؟
فقَصَدْتُ العُلماءَ أسألهم، وبدايةً لم أشأ أن أُخْبِرَ المفتي بأن الأمر لم يصل عندي إلى حد الجزم؛ ولكَوْنِي لا أحب أن تكون علاقتي بزوجتي بها شُبهة، فأفتاني بالطلاق، ولمَّا كان الأمر لا يتعلَّق بي فقط؛ بل بغيري فذهبت إلى دائرة الإفتاء فأفْتَوْني بعدم الطلاق؛ لعدم الجزم، ولكن الأمر لم يتوقَّف؛ بل بعد يَومَيْنِ رجعت أقول ربما يكون الطلاق قد حدث، فرجعت أسأل مرة ثانية وثالثة.
ومع الأيام أصبح السؤال عن الطلاق يتجدَّد، ومجرَّد تلقّي جواب عن سؤال قديم إلا ويكون قد تجدَّد لي سؤالٌ جديد، والأكثر من العلماء يقولون لي: إنَّ هذه وَسْوَسَةٌ ينبغي الإقلاع عنها، أو الذهاب إلى طبيب، وذهبتُ وأخذتُ علاجًا مُدَّةَ سَنَةٍ تقريبًا، وأصبح لي ما يقرب من الكتاب من الأسئلة والأجوبة في هذا الشأن!(189/2)
وبعد أن أذهب إلى لجان الإفتاء وأعاهدهم على حرق هذه الأسئلة، وأذهب من عندهم لا أبقى بعض الوقت إلا ويتجدَّد لي أمر جديد، وغالبًا ما يكون سببه أني أقول: كلُّ ما أعاني منه سببه أمي، ولو تركتْنِي وحالي ما حدث لي ما حدث! وبمجرد أن أستغرق في هذا التفكير إلا وأكون مُحتاجًا إلى جواب عن سؤال آخَرَ قد تَجَدَّدَ، وإلى الآن؛ حتى أصبحت لا أدري أمطلِّقٌ أنا أم متزوِّجٌ؟!
فمرَّت سنتانِ ونصف من زواجي وأنا على هذا الحال، وأنا الآن أمامي عدة خيارات:
الأول: الطلاق الجازم: وهذا آفَتُهُ أني أكون قد ظلمت إنسانة لا ذنب لها إلا أنَّ حظَّها العاثر أوقعها معي، وهي الصابرة كل هذه الفترة، وتُمنِّي نفسها بأنَّ الوضع قد يتغيَّر، عِلْمًا بأنّي قد عملت تحاليلَ واتَّضح أنَّ عندي مشاكلَ بالنسبة للإنجاب، فقلتُ قد تطلب الطلاق بنفسها، وسأخرج عن تأنيب الضمير؛ ولكنّها لم تفعل، ومتمسّكة بالأمل في الإصلاح الطبي والنفسي.
الثاني: الأخذ بأيسر الفتاوى، وأنه لا طلاق لي إلا إذا ذهبت إلى المأذون وأوقعتُه، أو أشهدتُ على ذلك، وآفَتِي أنا أنّي أقول إنَّما أفتاني مَن أفتاني بهذه الفتوى للخروج مِمَّا أنا فيه، ولا تناسب شخصيتي التي طالما تَنْزِع إلى الأخذ بالأحوط في مثل هذه الأمور، كما سيصاحبني دائمًا نوعٌ من عدم الراحة، كما أنَّها تَحتاج مني لقُوَّة إرادة لا أمتلكها، فبعد فترة أرجع مرة ثانية للبحث، ويكون قد تجدَّد لديَّ سؤال جديد يحتاج لفتوى جديدةٍ، فأندم وأقول وضعي قبل هذا السؤال كان أفضلَ، وأعتزلُ زوجتِي إلى أن يأتيني الجواب، وفي إحدى المرات وصل الأمر إلى خمسة شهور!!
فخذوا بيدي، وأنيروا لي طريقي؛ فأنا أحيانًا أشعر بكراهية لنفسي! وأخرجوني من حالة التشتُّتِ التي أنا فيها بطريقة جازمة قاطعة؛ فأنا أحس أنِّي بهذا الوضع أخسر ديني ودنياي!(189/3)
ملحوظة: قبل زواجي بأربع سنوات كنتُ قد تعرَّضت لوسوسة متعلقة بالدين وأنا في الحج، واستمرت لبعض الوقت، بالإضافة أنه أحيانًا كانت تأتيني وسوسة في الوضوء والغسل مرَّات أتغلب عليها.
قد أكون ضعيفًا لا أستطيع اتّخاذ القرارات، وأتمنى أحيانًا أن تكون أموري الحياتية قَدَرِيَّة لا اختيارية. قبل الزواج كان قد حدثت أشياء من سوء التفاهم بيني وبين أهْلِ زوجتي، أرجو إرسال الرد على البريد الإلكتروني!
وللحكم على وضعي من الجانب النفسي هل يعتبر وسوسة أم لا؟
وشكرًا آملاً منكم سرعة الرد!
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم، مرحبًا بك في موقع "الألوكة" وأهلاً وسهلاً.
ماذا تريدني أن أقول؟! إنَّ المزيد من الإفتاءات والاستشارات النفسية والاجتماعية لن تخفِّفَ من قَلَقِكَ إلا لبضعة أيام (أو أقلَّ من ذلك!!)، ومن ثَمَّ ستعود الأفكار لتُلحَّ عليك من جديد، بحيث يصعب عليك التحكمُ بها، وإبعادها عن ذهنك، أودُّ أن يكون الأمْرُ أمامَكَ واضحًا لا لبس فيه:
أنت تعاني مشكلة نفسيَّة منتشرة بكثرة في عالمنا العربي والعالم أجمع، ونعالج منه كل يوم عددًا مِمَّن يعانون مشكلة مماثلة لمشكلتك، إنها الوسواس القهري الذي تعرفه جيّدًا، إن ثلاثة من كل مائة شخص في أي مجتمع، وفي أي مكان مصابون بهذا المرض المزعج للغاية؛ ولكن يمكن علاجه، والتخفيف من حدته إلى حد كبير.
أقول هذا بوضوح، والأمر بين يديك إذا أردت أن تَضَعَ حَدًّا لهذه المعاناة التي ليس لك فيها يد، إنها ابتلاء كسائر الابتلاءات التي تصيب بني البشر على اختلاف أشكالهم وألوانهم.
أمامك الآن طريقان لا ثالث لهما:(189/4)
الأول: أن تعترف بما يقوله العلم بأن هذه مشكلة نفسية مَرَضِية، وتحتاج إلى علاج دوائي ونفسي، وتحتاج إلى مراجعة طبيب متخصّص، والمتابعة المستمرّة إلى حين التخلّص منها، وعدم إيقاف الدواء إلا بمشورة الطبيب، والاستعانة بمن لديه الكفاءة من الأطباء في علاج هذه المشكلة.
والطريق الثاني: هو أن ترفض هذه الحقيقة، وتواصل العيش في نفس الدوامة، ونفس التوهان الذي تعيش فيه منذ فترة طويلة! دعني أُكَرِّر: حل هذه المشكلة بيدكَ أنتَ وحدكَ، واختياركَ هو الذي سيصنع مستقبلك.
تَقبَّل تحياتي ودعائي لك بالتوفيق والسداد في قرارك الذي سيغير حياتك، ومرحبًا بك في موقع "الألوكة".(189/5)
العنوان: نوم الطفل مع والديه
رقم الاستشارة: 123
المستشار: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم، أشكركم إخوتي القائمين على الموقع.
أود الاستفسار عن نوم طفلتي - عمرها (9أشهر) - معنا في الغرفة، متى أخرجها للغرفة الأخرى؟ هل من الآن، أم متى؟ علماً بأنها تستيقظ باكية لأعطيها رضعتها في أغلب الليالي. وشكراً.
-----------------------------------------
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أشكر لكِ إتاحة الفرصة لي بتقديم الاستشارة، داعية الله - جل وعلا - أن يوفقني لتقديم ما يُثْلِج صدرك، ويبعث الراحة والاستقرار في أرجاء منزلك.
ذكرتِ أن طفلتك عمرها تسعة أشهر، وأنها مازالت ترضع، ولم تذكري إن كانت هي وحيدتك، أي إنها إن نامت وحدها ستنفرد بالغرفة الأخرى أم لا؛ فإن كان هناك إخوة للطفلة تأنس بهم، أو أخت كبيرة تتولى رعايتها، بات الأمر أسهل على الأم.
كما أقول دائمًا أن المستشار أو المستشارة ليس لديهم وصفة جاهزة لتنطبق على الجميع دون تفريق، فكل طفل حالة متميزة، والطفل ذاته أيضًا قد يمر بحالات من التقلب، واختلاف المزاج، والنمو الجسدي؛ (كمرحلة التسنين)، تتطلب معها تَصَرُّفًا جديدًا ومختلفًا عن السابق.
لكن إليكِ هذه النقاط التي آمل أن تضعكِ على الطريق، مفترِضة أن طفلتك تنام في غرفة مُنفرِدة.
أولاً: إن نامت طفلتكِ معكِ، أو في غرفة منفصلة، من المهم جدًا (حتى لو كان عمرها أيامًا)، ألا ترى ولا تطَّلِع على والديها وهم يمارسون العلاقة الخاصة جدًا، وعلى الوالدين ألا يستصغِرا عمر الطفل؛ لأن المشاهد والأصوات تُخزَّن في العقل اللاواعي للطفل منذ ولادته، بل حتى وهو جنين.(190/1)
ثانيًا: إن أبقيت الطفلة بغرفة وحدها، لا تبقي معها الخادمة مطلقًا، وإن أردتِ متابعتها، فهناك أجهزة (تعرفينها بالتأكيد) هذه الأجهزة عبارة عن جهاز إرسال يوضع بغرفة الأطفال، وجهاز استقبال في غرفة الوالدين.
ثالثًا: إن أبقيت الطفلة في غرفة بمفردها، لابد أن تساعديها على النوم، بتواجدك معها (أنت وليست الخادمة)، واستثمري هذا الوقت بزرع قيمة ممارسة القراءة، وجعلها عادة، وذلك بقراءة القصص لها، المناسبة لعمر طفلتك، وتركزين على القصص ذات الصور الكبيرة الجميلة، والعبارات المركزة القصيرة.
رابعًا: دائمًا أشعري طفلتك بالأمن إن تركتِها بغرفة وحدها، وذلك بتعويدها على قراءة أذكار النوم، وترديد آية الكرسي، وتعويذها كما كان يفعل الحبيب المُربِّي الأعظم سيدنا ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - حينما كان يُعَوِّذ الحسن والحسين رضوان الله عليهما.
أيضًا؛ أشعريها بالأمن بتعريفها على الجهاز، وأنك ستسمعين صوتها إن بكت، وقومي بتجربة الجهاز أمامها.
خامسًا: إن تعارضت رغبة الأبوين - كأن ترغب الأم بإبقاء الطفل معها بالسرير؛ لسهولة الوصول إليه ورعايته، أو لشعورها بفيض مشاعر تجاه صغيرها أو صغيرتها أثناء النوم، في حين بعض الآباء يتضايقون من تواجد الأطفال معهم في السرير؛ ربما لشعور بالغيرة، أو هربًا من الإزعاج -: إن تعارضت الرغبتان، فعلى الأم أن توازن الأمور، وألا تجعل من هذا الأمر (قضيةً) للنزاع، بل تتصرف بحكمة، وتحفظ حق الزوج بما لا يتعارض مع أمومتها.
آمل أن أكون قد أجبتك عن تساؤلك.(190/2)
العنوان: هل أترك الدعوة بسبب عادة نفسية؟!
رقم الاستشارة: 149
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
بدايةً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. نسأل الله لنا ولكم دوام التوفيق والنجاح.
أما عن مشكلتي فهي باختصار شديد جدًّا: أني عندما أقرأ، أو أفَكِّرُ، أو أشاهد شيئًا ... أفاجَأُ بأنني قد قَطَّعْتُ شعرات وجهي، أو أحيانًا شعرات رأسي .. وكأنني قاصِدٌ لها .. بل إنني أحيانًا إذا سَهَوْتُ في الصلاة ثُمَّ رجعت لنفسي، أجد يدي عند لحيتي تنتف منها دون شعور.
وهكذا مشكلتي التي أتعبتني نفسيًّا؛ لمكانتي الدعوية الحسَّاسة في المجتمع، ولحرصي كل الحرص على اتِّباع سنة سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم.
وكثيرًا ما أُحَدِّثُ نفسي بأن أترك العمل الدعوي من أجل هذا المرض؛ بل وأصبحت لا أُوَاجِهُ الناس كما كنت أواجههم من قبلُ، وزاد الطين بِلَّة أن بعض أصحابي من الدُّعاة الذين لا يعرفونني من قُرْب، يظنُّون أني أُقَصِّرُ من لحيتي .. وبدأوا يحذرون مني .. سامحهم الله.
وأنا بين نارين .. لا أدري هل أترك كل ما بيدي من عمل دعوي على حساب هذه العِلَّة، أم أجد علاجًا لهذه العويصة التي أزعجتني نفسيًّا، وأرهقتني جسديًّا. وجعلت مني رجلاً ضعيفًا في الدعوة؛ لأنني أحس أني أُشَوِّهُ الدَّعوة بشكلي المُخَالف لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم.
أنتظر ردكم بفارغ الصبر.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم، مرحبًا بك في موقع الألوكة، وشكرًا لثقتك الغالية..
في الواقع نتف الشعر هي مشكلة معروفة في الطب النفسي، ولها علاجٌ دوائي معروف، وهو علاج آمنٌ لا يسبب أي تعود أو إدمان، وليس له أعراضٌ جانبية مهمة، وسيخفف من هذه الحالة إلى أبعد حدٍّ. فأرجو مُراجعة أي طبيب نفسي، وستجد الحل بمشيئة الله.(191/1)
في بعض الأحيان تدل مشكلة نتف الشعر على القلق الذي نعيشه؛ أي حمل الهمِّ الزائد حول أمور الحياة عامة أو خاصة، وعند وجود هذه الحالة فلابد أن نتعامل معها أولاً ونجد لها حلاً.
من الوسائل العلاجية المُهِمَّة العلاج السلوكي؛ أي وضع جدول لمُراقبة هذا السلوك بطريقة واضحة ومُسْتَمِرّة، فكل يوم سَجِّل كم دقيقة أو كم مرة انشغلت بالنتف، ومِنْ ثَمَّ حدد هدفًا أن تُقَلِّلَ هذا السلوك قليلاً كل أربعة أيام، وبالتدريج للتقليل من هذا السلوك – أي أن تُقَلِّلَ من الساعات أو المرات التي تلجأ فيها إلى النتف- ومن ثَمَّ عندما تحقق الهدف لمدة أربعة أيام كَافِئ نفسك بشئ تُحِبُّه، وهكذا حتى تتخلص من هذه العادة. لو قمت بهذه الطريقة مع تناول العلاج فستحقق نتيجة جيدة بمشيئة الله..
ختاماً: غنيٌّ عَنِ القول أنَّ تَوَقُّفَكَ عن الدعوة بسبب هذه المشكلة هروبٌ من المشكلة وليس حلاً لها.. اعلم أن الأمر مُقْلِقٌ لك؛ لكن لن يكون الحل يومًا أن تقلع عن عمل كريم وشريف؛ كالعمل في الدعوة..
أسأل الله العظيم لك التوفيق والسداد والمعونة، ومرحبًا بك في كل حين.(191/2)
العنوان: هل أترك الزواج لرعاية والدتي وإخوتي؟
رقم الاستشارة: 7
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
توفَّى والدي منذ ثلاث سنوات، وأنا - ولله الحمد - أعول إخوتي وأمي، وهذه نعمة من ربي عليَّ, فمحور السؤال هو: إنني رافضٌ - تماماً - لفكرة الزواج أو الخطبة، إلا بعد أن يمن الله على إخوتي جميعاً بالزواج، فهل هذا صوابٌ أم خطأ؟
جزاكم الله خيراً، وأنعم عليكم بوافر الحسنات، في هذه الأيام المباركة.
-----------------------------------------
الجواب:
أخي الكريم مرحباً بك في موقع الألوكة.. وشكراً لثقتك الغالية..
أولاً: أبارك لك هذه المشاعر الطيبة، التي تميز عباد الله الصالحين عن غيرهم، وهذه تربية الإسلام وأخلاقه التي غيّرت وجه العالم، منذ بعثة الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم.
في مثل هذه المواقف أدعو كل من يستشيرني إلى التحلي بالمرونة في التعامل مع الأحداث؛ فالمرونة تمنعنا من اتخاذ قرارات نهائية حاسمة، وتعطينا الفرصة كل صباح إلى مراجعة مواقفنا، والتأكد أنها في المسار الصحيح دون جمود أو تحجر.
وهذا ما أدعوك إليه في الظروف الحرجة التي تمر بها.. ويبقى السؤال: هل زواجك سوف يكون أمراً معيقاً لزواج أخوانك وأخواتك؟ وهل عدم زواجك سيكون مساعداً لهم؟ لا توجد إجابة نهائية تصلح لكل الناس؛ لذا ادرس أمورك بطريقة جيدة ومنطقية، وابعد الجانب العاطفي الذي يصدر عنه قرارات نهائية حاسمة قد لا تكون منطقية.
أنت مستعد للتضحية، لكن؛ لا تضحي وأنت تستطيع التوفيق بين كل المكاسب؛ فالتضحية حينئذٍ لا معنى لها.
وفقك الله إلى كل خير.. ومرحباً بك دائماً عضواً في موقع (الألوكة).. والله يحفظك ويبارك فيك.(192/1)
العنوان: هل أرفض الزواج خوفًا من الطلاق؟
رقم الاستشارة: 156
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
لي جَارٌ تَقَدَّم إليَّ وعمره 35 سنة، يَعْمَل غَطَّاسًا بشرم الشيخ. كان مُتَزَوِّجًا مِنْ أَجْنَبِيَّة وطلقها، ولم يُنْجِبْ أطفالاً. وتقدم إليَّ للزواج. ووالدته طيبة، ووالده - أيضًا - له سُمْعَة طيبة. فهل أُوافق أم أرفض؟ فأنا حائرة، وهل من الممكن بعد زواجنا أن يُفَكِّرَ في الطلاق؟ لأن من طَلَّق مرة يُمْكن أن يُطَلِّق مرتين. أنا حائرة، فأرجو النصيحة قبل أن أتَّخِذَ القرار وأندم.
-----------------------------------------
الجواب:
من الصعب أن نُحَدِّد وَصْفَة واحدة لزواج ناجح، فما يُنَاسِب أشخاصًا قد لا يتوافق مع آخرين، وما يعده البعض أساسيًّا قد يكون ثانويًّا عند البعض الآخر.
ما فَهِمْتُهُ من استشارتك أن ما يَدْفَعُكِ للحيرة هو زواجه السابق، وقلقك من سهولة الطلاق على من جَرَّبَهُ مرة، إضافةً إلى قلقك الطبيعي حول الزواج بشكل عام؛ لأنَّك تُحَدِّدِينَ باختيارك اليوم حياةَ الغد، وتَخْشين من التسرع ثم الندم:
فلا يُشْتَرَط لمن سبق له الطلاق أن يُفَكِّر به ثانية، ويختلف ذلك اختلافًا كبيرًا حَسَبَ الأسباب التي دفعته للطلاق. ويُمْكِنُك السؤال عن هذا، وبالتأكيد كونه لم يُنْجِبْ من زوجته يجعل الأمر أسهل.
أيضًا كونه جارًا لكم، فإنَّ السؤال عنه سيكون أسهل، ومعرفة بيئته وظروفه؛ لتَدْرُسي إن كان سيُنَاسِبُك كشريك لحياتك القادمة.
بشكل عام ننصح عند خِطْبَة الفتاة أن تَسْأل جيدًا عن الخاطب؛ لتعرف دينه، وأخلاقه وطريقته بالتعامل؛ فقد حَثَّنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أن نزوج من نرضى دينَهُ وخُلُقَهُ، فمن يَخَفِ الله فسَيُرَاعِي حُدوده، ومَن حَسُن دينه حَسُن خُلُقه، وكان خيرَ شريك للمرأة؛ يملأ عليها حياتها، ويزرعان معًا لآخِرَتهما.(193/1)
وسنظل بَشَرًاوعِلْمُنا الدنيوي محدود؛ لذلك عليكِ بعد السؤال عنه وعن ظروف طلاقه السابق بالاستخارة؛ حيث نُسَلِّم أمرنا لمن نَثِق أنه أعلم بالخير لنا.
ومع الاستخارة لا بُدَّ من استشارةٍ، وقد فعلتِها حينما راسلْتِنا، ويبقى أن تُشَاوِري أهلَكِ، أو مَنْ حولكِ ممن تَثِقِينَ بهم، ويعرفون طبيعتكِ.
تبقى نصيحتنا لك أن تَنْتَبِهِي ألاَّ تربطي بداخلكِ فِكْرة الطلاق، وأنه قد يتسرع به معكِ، فذلك الشك سَيُدَمِّرُ حياتك مستقبلاً لو كان بداخلك؛ فمن يَخَفْ من أمْرٍ فقد يكون خوفُهُ سببًا لوقوعه من كثرة التلميح إليه والقلق منه.
يُمْكِنُك أن تكوني واضحةً بحوارِكِ معه أثناء الرؤية الشرعية - التي يجب أن تراعَى فيها الضوابطُ الشرعيةُ - وأن تُحَدِّدِي الأمور الأساسية التي تهمكِ؛ لتسأليه عنها، وتعرفي كيفية طريقته لتطمئني.
وفَّقَكِ الله، ويَسَّرَ لك الخير في جميع أمورك.(193/2)
العنوان: هل أقبله زوجًا برغم فارق السن؟
رقم الاستشارة: 120
المستشار: أ. محمد الحازمي
-----------------------------------------
السؤال:
أنا فتاه أبلغ من العمر 25 سنة، تقدم لخطبتي رجل في الأربعين من العمر، مُتدين ومُقتدِر ماديًّا، إلا أنه: مُطلِّق، ولديه ولد مُعاق، وتسكن معه والدته، ويكبرني في العمر كثيرًا.
وأنا في حيرة من أمري، أخشى أن يفوتني قطار الزواج؛ فأندم على ترك الفرصة، خاصة وأن الرجل متدين.
وما يثير قلقي - أيضًا - والدته، التي ستسكن معنا، أخشى أن تكون سليطة اللسان؛ فتستحيل حياتي إلى جحيم لا يطاق.
ولا أعلم؛ هل سيكون ولده تحت رعايتي، أو عند والدته؟
أرشدوني إلى ما ترون أنه الصواب، بارك الله فيكم.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة،
أهلاً وسهلاً بكِ في هذا الموقع المبارك، وأسأل الله لكِ التوفيق والسداد، وبعد:
فمن محاسن الصفات لدى المرأة المسلمة، أن تحرص على بناء بيتها على البِرِّ والتقوى، وأن تأخذ بأسباب السعادة الزوجية؛ فتحرص على اختيار الرجل الصالح الذي يتقي الله ويخشاه، وهذا ما لمَستُه في رسالتكِ.
ولذا؛ فإن الإجابة على سؤالك تتلخص فيما يلي:
أولاً: أرى أنه لا يوجد ما يمنع من الموافقة على الزواج من هذا الرجل، المتديِّن المقتدر.(194/1)
وفارِق العمر الذي ذكرتِ لا يُعدُّ عائقاً؛ فتوكلي على الله بعد أن تتأكدي من حسن أخلاقه، وتصلي صلاة الاستخارة؛ فعن جابر - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُعلِّمنا الاستخارة في الأمور كلها، كالسورة من القرآن: ((إذا همّ بالأمر، فليركع ركعتين ثم يقول: اللهم إني أستخيركَ بعلمكَ، وأستقدِركَ بقدرتكَ، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تَقدِر ولا أقدِر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علاّم الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال في عاجل أمري وآجله - فاقدره لي، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال في عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضِّني به، ويسمي حاجته))؛ أخرجه البخاري في "صحيحه".
واعلمي أن الذي يُقَدِّره الله لكِ - بعد الاستخارة - هو الخير كله.
ثانياً: حاولي ألاّ تبني حياتك على فرضيِّات قد تكون غير صحيحة، فربما تكون والدته على خلاف ما يدور في خَلَدكِ الآن، وابدئي حياتكِ الزوجية بحُسن الظن.
ومن هنا، فإن الواجب عليكِ أن تعينيه على البِر بها، عسى الله أن يرزقك أولاداً يَبَرُّونَكِ حال ضعفكِ.
ثالثاً: يمكنك الاستفسار عن وضعك في المنزل مع ابنه، وتوضيح كل ما تريدينه منه قبل عقد الزواج؛ حتى تكوني على بَيِّنة من أمرك، وما دام رجلاً مُقْتَدِرًا؛ فيمكن أن يُهيئ لابنه من يقوم على خدمته، ولا تتردي في بذل المعروف لهذا الابن الضعيف، قَدْرَ استطاعتك.
أسأل الله أن يوفقكِ في حياتكِ، وأن يرزقكِ ذُرِّيةً طيبةً؛ إنه سميع الدعاء.(194/2)
العنوان: هل أنا أتهرب من الواقع؟
رقم الاستشارة: 43
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
في بعض الأحيان أحصل على درجات ضعيفة في مادة معينة، أو يكون للمعلم تعليقات قاسية على حل الواجب؛ مثل: "هل أنت متأكد من فهم الدرس؟"، "هل أنت تعي ما تكتب؟"، ومن هذا القبيل؛ فعندما أتسلَّم الورقة أحاول أن أتجاهل أي تعليق فيها ولا أراه، هذا إذا لم أمزقها عند الرجوع للمنزل.
لا أريد أن أشعر بأنني محطم ، كل ما أعلمه عن نفسي أني رجل سأنجح وسأؤثر في كثير من الناس فيما بعد، وبعد تخرجي واكتسابي الخبرة..
لكن هل هذه الطريقة تسمى هروباً من الواقع؟ هل حالتي عادية؟ هل رد فعلي تجاه هذه الأمور طبيعياً؟ وبم تنصحونني وفقكم الله؟
-----------------------------------------
الجواب:
مرحباً بك أخي الكريم في موقع (الألوكة).. وشكراً على سؤالك المهم..
الحساسية للنقد مشكلة يواجهها عدد كبير من الناس؛ إذ ما إن يوجّه لنا أحد الأصدقاء أو زملاء العمل أو أحد المسؤولين عنّا أي نقد حتى نُدخل أنفسنا في دوامة من المشاعر المختلفة التي تنتهي إلى شعورنا بالألم.
وقد تصدر منا تصرفات تزيد من معاناتنا، وتضخم الموقف دون أي طائل (كالصراخ في وجه الرئيس أو المدرس المنتقد).
ولأهمية هذا الموضوع, أود أن نتناقش حول الأسلوب الأمثل للتعامل مع النقد في النقاط القليلة التالية:
أولاً: بداية تذكر أن حالة انتقاد الآخرين لك ليست هي التي تحدد كيف تشعر أنت, بل ما تعتقده وتفكر فيه حول هذا الانتقاد هو السبب في شعورك بالألم والضيق وحساسيتك المفرطة للنقد.(195/1)
دعني أوضح أكثر؛ عندما يقول لك أستاذك: "أنت طالب فاشل".. ستشعر بالألم.. الواقع أن شعورك بالألم ليس بسبب انتقاده لك, بل بسبب ما يدور في تفكيرك: (لماذا يقول هذا.. هل صحيح ما يقول.. كثير من الناس يعتقدون أنني فاشل..لا أتذكر أني فعلت شيئاً بطريقة جيدة في حياتي ودراستي.. فعلاً أنا فاشل). لذا تشعر بالأذى والضيق.
قال أحدهم: "لا أحد يستطيع أن يؤذيك دون رضاك".
لأننا نملك التحكم بأسلوب تفكيرنا وتحليلنا لما قيل لنا من انتقاد؛ لذا نحدد النتيجة التي سنصل إليها.
ثانياً: جميل منك أن تراقب كيف تتفاعل مع النقد؛ حيث إن البصيرة بهذا الأمر ستعطيك فرصة هائلة لتحسين قدرتك على التعامل مع النقد؛ ولذا أرجو أن تواصل في ذلك..
ثالثاً: واحدة من المهارات الأساسية التي يجب أن نتدرب عليها كل يوم هي تعزيز فكرة قبول الذات والثقة بالنفس، فمهما كان سلوكي أو رأي الناس فيّ، تبقى نفسي عزيزة عليّ، أُكنّ لها كل حبٍ وتقدير.
نعم! قد أرتكب خطأً يستحق الانتقاد, لكن حبي لنفسي سيجعلني أنشغل بإصلاحها لا الانتقاص من قيمتها؛ حتى تحقق ما تحلم به، وهو - بلا شك - أمر نبيل لابد أن تفتخر به.
عندما تغرس هذا المبدأ لديك سوف تفصل ما بين سلوكك أو أخطائك من جهة, وبين حبك وتقديرك لنفسك من جهة أخرى.
هذا - بلا شك - سيساعدك على تلافي شعورك بالأذى بسبب النقد، فلو قال أحدهم: "أنت موظف فاشل"، ستفكر: "ربما بدر مني تصرف يجعله يقول هذا, ولكن أرفض أن أقلل من قيمة نفسي".(195/2)
رابعاً: الأسلوب الصحيح للتعامل مع النقد هو أن نبحث عما يجعل الناقد يقول هذا الكلام. هل انتقاده في محله؟ ما الذي يمكن أن أفعله حتى أصحح ما فعلته، أو أتلافى تكرار ما حدث؟ أي: انظر إلى الجانب العملي من النقد، وليس التفاعل معه وكأنه تعبير عن الانتقاص من قيمتك، وعندما تصل - بعد تفكير موضوعي - إلى أن انتقاده ليس صحيحاً؛ فلماذا تود أن تقنعه بأن انتقاده لم يكن صحيحاً؟.. لماذا لا تدع كلامه يسير دون تعليق؟ لماذا تجعل خطأه مشكلة لك أنت؟!!
خامساً: تذكر أننا في حالة مستمرة من التطوير والتحسين لأدائنا العلمي والعملي والدراسي والمهارات الشخصية، وعندما يأتي النقد من شخص معتَبَر ومحتَرَم - حتى لو كان لاذعاً - فانظر إليه على أنه فرصة وليست إهانة، إن تغيير النظرة على هذا النحو سيغير حياتك تماماً.. ألم تسمع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو يقول: "رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي".
ختاماً: تذكر أنه لا يوجد قانون عالمي يحميك من الانتقاد اللاذع، وما لك إلا أن تصحح أسلوب تعاملك مع أي نقد, واسمع هذه المقولة ثانية:
"لا أحد يستطيع أن يؤذيك دون رضاك"(195/3)
العنوان: هل أنا عاق؟
رقم الاستشارة: 150
المستشار: فريق مستشاري الموقع
-----------------------------------------
السؤال:
مشكلتي هي أنني أصغر أبناءِ والِدَيَّ، والوحيدُ الذي بقي دون زواج.. سوف أتزوج، وكل إخوانِي مشغولون بدنياهم، ولا يرون أبويَّ إلا آخر الأسبوع. مشلكتي هي أنَّني سأتزوج، ولا أريد أن أسكن مع والديّ، بسبب أن أبي متسلّط، وأخشى أن يُؤْذِيَ زوجتي بكثرة طلباته وسلاطة لسانه أحيانًا، وقد يحرض زوجتي عليَّ كما فعل مع بعض إخواني.
فهل يجوز لي أن أسكن في نفس المدينة، ولكن بعيدًا عن والديَّ، علمًا أنهما بِصِحَّة جيدة، وليسوا في حال تجعلهم يحتاجون عنايةً صحيَّة - ولله الحمد -؟ وفي حال أشرتم علي بأن أسكن مع والديَّ، فهل لي أن أكون قاسيًا مع أبي، بأن أطلب منه ألا يتحدث مع زوجتي، ولا يطلب منها شيئًا، وطبعًا مثل هذا الأمر يتطلب أن أخاطِبَ أبي بجلافة تضاهي جلافته..إذ إنه لا يفهم إلا هذه اللغة؟
أرجو الإفادة لأني في حيرة كبيرة..
-----------------------------------------
الجواب:
أجاب عن هذه الاستشارة كلٌّ من الشيخ خالد عبدالمنعم الرفاعي والأستاذ محمد عبدالله الحازمي
إجابة الشيخ خالد عبدالمنعم الرفاعي:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن الله تعالى قد عدَل بين عباده؛ فأوجب على الأبناء حقوقًا تجاه آبائهم وأوجب كذلك للأبناء حقوقًا على الآباء، فعلى الأبناء الإحسانَ إلى الآباء، وطاعتَهُما وبِرَّهما، والإنفاقَ عليْهِما عند القدرة إذا كانوا فقراء وغير ذلك،
وعلى الآباء الإحسان إلي الأبناء في المعاملة وتسميتهم بالأسماء الحسنة، ، وتعليمهم، والعدل بينهم في العطية، والعطف عليهم.(196/1)
وتقصيرُ الآباء في حقوق الأبناء، أو قسوتُهم عليهم لا يُبرّر عقوقَ الأبناء أو تطاوُلَهم؛ فإذا كان كُفْرُ الوالدين بالله العظيم لا يُسقط حقَّهم في البِرّ والإحسان فبالأحرى ألاّ يُسقطه تضييعُهما لحقّ الولد، أو الشدَّة في المعاملة، وإنَّما على الأبناء الاجتهادُ في طاعتهما وكسب رضاهما، فالشيطانُ يعظِّمُ دائمًا بعضَ الأُمور اليسيرة، ليغرسَ في القلب الكراهيةَ للوالديْنِ ليَحْرِمَ الأبناء من الأجر العظيم للبر.
فوجوب بِرّ الوالدين من المعلوم من الدين بالضرورة، كما يجب مصاحبتُهما بالمعروف ولو كانا كافرين، قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83] وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا} [النساء: 36]، وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء: 23-24] ، وقال تعالى: { وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 14-15].(196/2)
أما قيام الوالد بأفعالٍ لا ترضاها فهذا لا يُبَرّر مُطلقًا مخاطبَتَه بجلافة – كما تقول - بل الواجب نصحُه بالحكمة بهدوء ولطف، وبطريقة تشتمل على الحبّ والمودة والتراحُم، مع تذكيره - بغير تشنُّج ولا تعصُّب - أنه يجب عليه أن يَتعامَل مع زوجتِك بطريقة حسنة، ويمكنُكَ الاستعانةُ في هذا ببعض أهل الخير والصلاح، أو ببعض معارف الوالد.
أمَّا سكنك في بيت منفصل الوالدين، فجائزٌ لما ذكرت من الأسباب، وكذلك إنْ كانت الزوجة تتضرر بالسكن معهما، بشرط أن تحرص على صلتهما، ومجالستهما، وإكرامهما، والإحسان إليهما دائمًا، وغير ذلك من أوجه البر، ولا تجعل استقلالك بالسكن دافعًا لعقوق الوالدين وقطعهما، بل يجب عليك أن تزورَهما باستمرار.
واحذر - أخي الكريم - أن تعامل والدِكَ بجلافة! فيسخط اللهُ عليكَ؛ فإن رضى الرَّبّ في رضى الوالدين، وسَخَط الربّ في سَخَط الوالدين؛ كما في الحديث الذي رواه التّرمذِي والحاكمُ وصحَّحه ووافقه الذهبيُّ والألبانيُّ،، والله أعلم.
إجابة الأستاذ محمد عبدالله الحازمي:
الأخ الكريم: أهلاً وسهلاً بك في هذا الموقع المبارك.
ويمكن الإجابة على سؤالك من خلال الآتي:
أولاً: ليكن منطلقك في التعامل مع والديك قولُه تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 23 – 25].(196/3)
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: "وقولُه: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} أي: لا تسمعهما قولا سيِّئًا، حتى ولا التَّأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ {وَلا تَنْهَرْهُمَا} أي: ولا يصدر منك إليْهِما فعل قبيح، كما قال عطاء بن أبي رباح في قوله: {وَلا تَنْهَرْهُمَا} أي: لا تنفضْ يدك على والديك. ولما نهاه عن القول القبيح والفعل القبيح، أمره بالقول الحسن والفعل الحسن فقال: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا} أي: لينًا طيبًا حسنًا بتأدُّب وتوقير وتعظيم. {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} أي: تواضع لهما بفعلك {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا} أي: في كِبرهما وعند وفاتهما {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}" "تفسير ابن كثير ج / 5 ص 64".
فانظر أخي الكريم - رعاك الله - إلى كلام الله وروعة الأسلوب القرآني في التعبير عن عظم حق الوالدين؛ لأنهما سبب وجودك في هذه الحياة، وهما اللَّذانِ تحمَّلا المتاعب والمشقة في سبيل تربيتك ونشأتك.
ثانياً: السكن القريب من الوالدَيْنِ مع تحمُّلِهما، والصبر عليهما، ومراعاتهما، والبِرّ بهما: أفضل وأعظمُ في الأجر.
واعلم أن بِرَّ الوالدين لو كان سهلاً لتَمَكَّنَ معظم الناس من بِرّ والديهم، ولكنه يحتاج إلى صبر وجهد ومشقة في سبيل رضاهما ورضا الله - عز وجل -؛ فعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((رضا الله من رضا الوالدين، وسخط الله من سخط الوالدين))؛ أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" ج 16ص337 .(196/4)
وإن كان السكن مع والديك قد يؤدي بِكَ إلى عقوقهما أو عقوق أحدهما، ولو بالكلام الجارح أو رفع الصوت أو الزجر، فالأفضل أن تسكُنَ في سكَنٍ خاصٍّ بك مع زوجتك، ولْيكُنْ قريبا منهما، مع ضرورة تفقُّدهما والسؤال عنهما وزيارتهما يوميًّا وقضاء حوائجهما، وحث زوجتك على الإحسان إليهما - قدر استطاعتها - بالمعروف.
ثالثاً: يجب عليك أن تتحمَّل قسوة والدك وفظاظته في القول، وتُقابِلَ ذلك بالخضوع واللين، والصبر والإحسان إليه، والدعاء له دائمًا كي تنال خيري الدنيا والآخرة.
تأمَّلْ - يا أخي الكريم - في الحديث الذي رواه هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه. قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة))؛ أخرجه مسلم.
وقد خصَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - البِرَّ بِهِما عند الكِبَرِ بِسبَبِ ضعْفِهما وشدَّة حاجتهما لمن يقوم على خدْمَتِهِما، ويؤانس وحشتهما، ويصبر عليهما؛ لأنه ربما تغيَّرتْ بَعْضُ أخلاقِهما ممَّا قَدْ يُصِيبَهُما من الأمراض أو الوحشة أو العجز حال المشيب ...
وفقك الله وكتب لك الخير، ورزقك الزوجة الصالحة والذرية الطيبة.(196/5)
العنوان: هل علاقة خطيبي بأسرته مشكلة؟
رقم الاستشارة: 80
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
سيدي الكريم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا حائرةٌ؛ أنا مخطوبةٌ ولم يعقد قراني بعد، والمشكلة أن أخوات خطيبي يغارون مني، لأن أسرتي أعلى في المستوى الاجتماعي والمادي من أسرتهم؛ ولأني أكثر منهم جمالاً، مع العلم أن خطيبي له أختٌ سنها 27 سنة لم تُخطب بعد، وأنا أصغر منها، وعمري 24 سنة.
أنا في حيرة، أأترك خطيبي بسبب أخواته؟
لقد أرسلت لكم قبل هذا، واستشرتكم في أمر شقة الزوجية؛ تلك التي يصر خطيبي أن تبقى مسجلةً باسم والدته لا باسمه هو، وأبديتُ لكم خوفي من هذا الأمر، خاصةً وإنني قد لا أجد من أهلي من يقف أمامه مطالباً بحقي إذا ما انتوى لي مكروهاً، فوالدي – للأسف - سلبيٌّ في أمورنا، ولا يستطيع اتخاذ القرار في حياتنا أنا وإخوتي، دائماً ما يأخذ برأي الناس، وقد أشار إليَّ أنه إنما وافقه في هذا الموضوع حرصاً منه - فقط - على إتمام الخطوبة، ولكنه سيحثُّه فيما بعد على نقل ملكية الشقة لنفسه، أو استئجار مسكن جديد.
سيدي الفاضل:
أنا لا أعمل، أي إنني لا أخرج من البيت، وليس لي أصدقاء أو أصحاب؛ لأننا كنا نقيم في الشرقية، وانتقلنا منها إلى محل إقامتنا الحالي منذ 5 سنوات فقط، وأنا خائفةٌ من العنوسة؛ فنحن لا نعرف أحداً، وليست لنا علاقات مع الناس.
ووالد خطيبي مريضٌ بالسرطان، ينتظر الموت - الذي صار أمراً مفروغاً منه - في أي لحظة، فأخاف – إن لم ينقل خطيبي منزل الزوجية لملكيته - أن تقيم أمه وأخته التي لم تتزوج معي في نفس الشقة، بحجة أنها مازالت في ملكية والدته.
أريد حلاً، ولكم جزيل الشكر.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة صديقة موقع (الألوكة):
مرحباً بك مجدَّداً،(197/1)
من الواضح من كل الرسائل التي أرسلتي بها للموقع أن لديكِ الكثير من المخاوف من خِطْبتك الحالية، وكنتُ قد أشرتُ عليك بالعديد من الأفكار التي أرجو أن تكون مناسبةً ومفيدةً لكِ، أريدُ أن أضيف إليها بعض التعليقات الأخيرة:
- لا يمكن أن يكون الزواج من شخص غير مناسب حلاً للهروب من العنوسة، هذه الفكرة من الأفكار الخاطئة، التي جرَّت على الفتيات مشكلات كثيرة، كما أن الحديث عن العنوسة لفتاة في الرابعة والعشرين من عمرها - في مجتمع كمجتمعكم - هو مبالغةٌ وقلقٌ لا معنى له!!
- كنتُ أحاول أن أجد عبر رسائلك أي ذكر لسمات إيجابية لخطيبك الذي تتحدثين عنه!! إن رغبته في الاقتران بكِ ليست سبباً كافياً للموافقة على ذلك!
إن ما أريدُك أن تشغلي به نفسكِ الآن هو دراسة هذا الرجل من ناحية الدين والأخلاق والمعاملة مع عائلته - وخاصةً أخواته البنات - ومع الناس عامةً، ودراسة كل الظروف الاجتماعية المحيطة؛ هكذا نستطيع الحكم على مَنْ يتقدم لخطبة أي فتاة.
دعيني أكرر: إن مجرد إبداء خطيبك الرغبة في الزواج منك ليس سبباً كافياً للموافقة عليه.
ختاماً: ما أنصح به الفتيات دائماً - وبعد الاطلاع على العشرات من القصص المؤلمة في الزواج والطلاق - ألاَّ يكون هدفهنَّ الزواج وحسب؛ إما الزواج من الشخص الذي ترضين خُلُقه ودينه، وإما فلا، مهما كلَّف الأمر، وبقاء الفتاة بدون زواج لم يكن يوماً أمراً معيباً، وليس فيه تقليلٌ من شأنها، طالما حافظت على دينها وتقواها.
وفَّقكِ الله أختي الكريمة إلى كل خير، ومرحباً بك دائماً في موقع (الألوكة).(197/2)
العنوان: هل في ذلك خطورة على زوجتي وأطفالي؟
رقم الاستشارة: 100
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
إن ابني عمره ثلاث سنوات إلا شهراً، يلعب ويمرح كعادة الأطفال، لكنهم دائماً في الشقة (البيت)؛ لا يخرجون ولا يتنزَّهون وكذلك أمهم، وطفلي الآخر، حتى إني لم أشتر لهم تلفازاً، ولا يوجد عندهم هاتف، حتى الجوَّال، ولا يأتينا ضيوف، ولا أذهب بهم حتى لزيارة الأقارب إلا في الشهر مرة يزورون أخوالهم. ودائماً هم في البيت، أما أنا فأذهب إلى زملائي ...إلخ.
هل وجود الأم والأطفال دوماً في البيت فيه خطورة على نفسيتهم؟ وكيف ذلك؟ مع أني أجدهم مسرورين في أحيان كثيرة.
ابني حالياً البالغ من العمر ثلاث سنوات إلا شهراً أجده إن بكى يضع كلتا يديه في فمه؛ ويبدو أنه يفعل ذلك لأني أخاصمه في الشهور التي مضت، وأضربه ضرباً غير مبرح، لكنَّه مؤلم أما الآن فلا أضربه؛ بل أقول له كلاماً طيباً، ونقفل عليه أبواب الغرف ويبقى في الصالة حتى لا يخرّب داخل الغرف، وإن وجد فرصة لدخول الغرف أو المطبخ دخل ونرده ويبكي.
الشاهد أنه الآن أراه يأكل ويقضِم أظفار رجله، ويجلس لها خصِّيصاً، ولو فتحت باب الغرفة يقوم أحيانا وأحيانا يقعد يُكمِل أكل الأظفار، ويضع يده في فمه يأكل أظفارها كذلك ،وهذا كله أحيانا، وأحيانا يلعب ويلهو ....إلخ.
كيف أتعامل معه في هذا السن؟ انصحوني وأرشدوني .. بارك الله فيكم.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم: مرحبا بك في موقع (الألوكة).. وأهلا وسهلاً.
ظاهرة قضم الأظفار عند الأطفال مشكلة شائعة للغاية، ولها أسباب عديدة، ومع قراءتي لسؤالك جيِّداً أَودُّ منك أن تتابع معي النقاط التالية:(198/1)
أولاً: السبب الأهم وراء قضْم ابنك – حفظه الله- لأظفاره؛ هو تعبيره عن القلق والتوتر الذي يشعر به. وقد يكون لقلقه أسباب عديدة منها: غيابك عن المنزل، وخوفه منك بسبب ضربك له في الماضي، أو بسبب أي توتر بينك وبين زوجتك بسبب مسائل عائلية مختلفة، أو بسبب ولادة طفل جديد وغير ذلك من الأسباب.
تذكر أن الأطفال لديهم حساسية عالية لأي مشاعر توتر أو خلاف في جو المنزل، أو لأي تغيير طارئ فيه، ويستجيبون له عبر القلق الذي من مظاهره قضم الأظفار، والتبوُّل الليلي اللاإرادي، والشكوى من أعراض جسدية مختلفة... وغير ذلك.
ثانياً: التأنيب والعقاب والسخرية منه عندما تراه يقوم بهذا السلوك يؤدي إلى شعور الطفل بالخجل من ممارسته لتلك العادة، مما يؤدي إلى تفاقمها بدلاً من إيقافها.
ثالثاً: من الأسباب المحتملة أيضاً كثرة منع الطفل في البيت عن أشياء يحِبُّها مثل اللَّعِب والضحك ومشاهدة التلفاز بطريقة سليمة وغيرها.
رابعاً: عدم اختلاط الطفل مع الأطفال يَِحْرِمه من تطوير مهاراته الاجتماعية مما يجعله عرضة أكثر للتوتر والقلق عند أي موقف اجتماعي يجد نفسه فيه.
وأقترح عليك هنا - أخي الكريم - الأمور التالية:
أولاً: البحث وراء أسباب القلق لدى الطفل عبر دراسة الأسباب سابقة الذكر. دعني أكرر أننا يجب أن نَنْتَبِه أنّ للأطفال حاسة قوية لالتقاط الجو الشعوري السائد في البيت؛ ولذا فإن أي جهد تبذله لنشر الحب والرعاية والاهتمام والتعاطف والحنان سوف ينعكس إيجابياً على طفلك وزوجتك، إن الحرمان من الخروج والتنزُّه وملاقاة الأصحاب يترك أثرا سلبياً لديهم.
ثانياً: للتقليل من سلوك قضْم الأظفار يمكن أن تقوم بالتالي:
- تقليم أظفار الطفل: المحافظة على أظفار الطفل مقصوصة، و عدم ترك حوافها خشنة، حتى لا يجد سبباً لقضمها بأسنانه.
- عدم لَفْت انتباه الطفل إليها.
- شغل أصابع الطفل وانتباهه بأشياء أخرى مفيدة؛ مثل: الكتابة والرسم.(198/2)
ثالثاً: قد يظن الوالدان أن الطفل لا يشعر بقدوم شريك جديد له - مولود جديد - لكنه يفهم ذلك جيداً، ويترجم ذلك على شكل قلق وسلوكيات أخرى كنت قد ذكرتها سابقاً. وعلاج ذلك هو توجيه اهتمام مستقل للطفل الكبير بعيداً عن الطفل الآخر حتى لا تتحول هذه الغيرة الطبيعية الغريزية إلى اضطرابات نفسية.
هذه بعض الأفكار التي أرجو أن تستفيد منها، ولك الشكر لزيارتك موقع (الألوكة) ومرحباً بك في كل حين.(198/3)
العنوان: هل في مسند الإمام أحمد مرويَّات مُعلَّقة؟
رقم الاستشارة: 196
المستشار: الشيخ سعد بن عبدالله الحميد
-----------------------------------------
السؤال:
هل يوجد في مسند الإمام أحمد مرويَّات مُعلَّقة؟ وإن وُجدت فهل من فوائد عنها؟
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
فإنه يوجد في "مسند الإمام أحمد" بعض المرويات المعلقة التي تأتي تعقيبًا على بعض الطرق التي يوردها، وقد تكون هذه المعلقات من الإمام أحمد نفسه، وقد تكون من ابنه عبدالله، وقد لايكون في السياق ما يحدد الذي علَّق تلك الرواية، فيغلب على الظن أنه الإمام أحمد نفسه؛ لأن من عادة عبدالله أنه إذا زاد شيئًا فصله عن كتاب أبيه بقوله: ((قال أبو عبدالرحمن)) أو نحوها من العبارات.
فمن أمثلة ما علَّقه الإمام أحمد نفسه:
قول أبي عبدالرحمن عبدالله ابن الإمام في "المسند" (4/303): حدثني أبي، ثنا عبدالرزاق، أنا سفيان، عن الأعمش، عن عبدالله بن عبدالله، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عَازِبٍ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أنصلي في أَعْطَانِ الإِبِلِ؟ قال: ((لاَ))، قال: أنصلي في مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قال: ((نعم))، قال: أَفَنَتَوَضَّأُ من لُحُومِ الإِبِلِ؟ قال: ((نعم))، قال: أَنَتَوَضَّأُ من لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قال: ((لاَ)).
قال أبو عبدالرحمن: عبداللَّهِ بن عبداللَّهِ رازي، وكان قَاضِىَ الري، وَكَانَتْ جَدَّتُهُ مَوْلاَةً لعلي، أو جَارِيَةً .
قال عبداللَّهِ: قال أبي: وَرَوَاهُ عنه آدَمُ وَسَعِيدُ بن مَسْرُوقٍ، وكان ثِقَةً.
ومن أمثلة ما علَّقه أبو عبدالرحمن عبدالله ابن الإمام أحمد على رواية أبيه في "المسند":(199/1)
قوله (4/179): حدثني أبي، ثنا الأَسْوَدُ بن عَامِرٍ، ثنا شَرِيكٌ؛ قال: سَأَلْتُ أَهْلَ الْحَكَمِ بن سُفْيَانَ، فَذَكَرُوا أنه لم يُدْرِكِ النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عبدالرحمن [أي: عبدالله]: وَرَوَاه شُعْبَةُ وَوُهَيْبٌ، عن مَنْصُورٍ، عن مُجَاهِدٍ، عَنِ الْحَكَمِ بن سُفْيَانَ، عن أبيه: أنه رَأَى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال غَيْرُهُمَا: عن مَنْصُورٍ، عن مُجَاهِدٍ، عَنِ الْحَكَمِ بن سُفْيَانَ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم.اهـ، وانظر "المسند" (5/408).
ومن أمثلة ما علَّقه على زوائده هو على "المسند":
قوله: (5/126): وحدثني أبو مَعْمَرٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عن أبي بَكْرِ بن عبدالرحمن، عن مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ، عن عبدالرحمن بن الأَسْوَدِ بن عبد يَغُوثَ، عن أُبَيِّ بن كَعْبٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكر الحديث.
قال أبو عبدالرحمن: هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ أبو مَعْمَرٍ، عن إبراهيم بن سَعْدٍ، وقال فيه: عبدالرحمن بن الأَسْوَدِ، وَخَالَفَ أبو مَعْمَرٍ رِوَايَةَ من رَوَاهُ عن إبراهيم بن سَعْدٍ؛ لأَنَّهُ رَوَاهُ عَدَدٌ عن إبراهيم بن سَعْدٍ وَقَالُوا فيه: عن عبداللَّهِ بن الأَسْوَدِ.
ومن أمثلة ما لايكون في السياق مايحدد الذي علَّق تلك الرواية، ويغلب على الظن أنه الإمام أحمد نفسه:
قول عبدالله (1/237): حدثني أبي، ثنا عبدالْوَهَّابِ، عن سَعِيدٍ، عن قَتَادَةَ، عن مِقْسَمٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
ورواه عبدالكريم أبو أمية مثله بإسناده.اهـ، والله أعلم.(199/2)
العنوان: هل كتبت دراسة حديثية فقهية في بيع العينة؟
رقم الاستشارة: 130
المستشار: سليمان أبو عيسى
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله:
أنا طالب في الدراسات العليا (الماجستر) وبصدد استقراء الدراسات السابقة الحديثية الفقهية عن بيع العينة باعتباره موضوع بحثي.
فأرجو المساعدة.
-----------------------------------------
الجواب:
• "المرابحة والعِينَة والتَّورُّق بين أصول البنك وخصومه"؛ د. أحمد محمد خليل الإسلامبولي.
• "التمويل بين العِينَة والتَّورُّق"؛ د. عبد الله بن إبراهيم الموسى.
• "العِينَة وصورها المعاصرة"؛ د. عبد الله السعيدي.
• "بيع العِينَة"؛ الدكتور عبد العظيم أبو زيد تيسير.
• "بعض أحكام البيوع والمعاملات المالية المعاصرة"؛ حامد بن عبد الله العلي.
• "قواعد البيوع وفرائد الفروع"؛ وليد بن راشد السعيد.
• "أنفقه البيوع"؛ الشيخ محمد بن أحمد الفراجتيسير.
• "بعض أحكام البيوع والمعاملات المالية المعاصرة"؛ بقلم: حامد بن عبد الله العليقه.
• "البيوع"؛ المؤلف: الشيخ محمد بن أحمد الفراج.
• "بحث في البيوع"؛ إعداد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، هيئة كبار العلماء، مجلة البحوث ، العدد السابع، 1403 هـ رجب وشعبان ورمضان وشوال.
• "حكم بيع العِينَة"؛ إعداد الدكتور: عبد الله بن محمد الطريقي.
• مجلة البحوث الإسلامية ع 14، (ذو القعدة- صفر، 1405-1406هـ)، ص ص 261-294.
• "المعاملات المالية المعاصرة في الفكر الاقتصادي الإسلامي"؛ إعداد ياسر بن طه على كراويه 1 .
• "بيع الكالئ بالكالئ في الفقه الإسلامي"؛ نزيه كمال حماد.
• "بيع الدين بالدين" نزيه كمال حماد..(200/1)
• "دراسة المسائل المتفق عليها بين الأئمة الأربعة من خلال كتاب الإفصاح لابن هبيرة: من كتاب البيع إلى نهاية باب صورة بيع العِينَة"؛ إعداد سارة بنت عبدالمحسن بن سعيد؛ إشراف خليل محمد نصار، العربي محمد مفتوح 2..
• "بيع العِينَة مع دراسة مداينات الاسواق"؛ بقلم حمد بن عبدالعزيز الخضيرى..
• "البيوع التجارية في ضوء الفقه والقضاء طبقًا للقانون رقم 17 لسنة 1999: الأحكام العامة، البيع بالتقسيط"؛ منير قزمان.
• "فتاوى البيوع"؛ جمع و ترتيب أبو أنس صلاح الدين محمود السعيد.
• "صور من البيوع المحرمة والمختلف فيها"؛ محمد بن علي حلاوة؛ تقديم مصطفى العدوي.
• "البيوع المحرمة و المنهي عنها: دراسة فقهية مقارنة" * عبدالناصر خضر ميلاد.
• "البيوع المنهي عنها نصًا في الشريعة الإسلامية وأثر النهي فيها من حيث الحرمة والبطلان"؛ علي بن عباس الحكمي.
• "البيوع في الإسلام"؛ عبدالحفيظ فرغلي علي القرني..
• "فقه البيوع المنهي عنها مع تطبيقاتها الحديثة في المصارف الإسلامية"؛ أحمد ريان..
• "الفروق الفقهية في المسائل الفرعية في البيوع: جمع و دراسة"؛ إعداد محمود محمد إسماعيل؛ إشراف محمد بن حمود الوائلي..
• "البيوع الباطلة في القانون المدني: بيع الوفاء، بيع ملك الغير"؛ أنور العمروسي.
• "شرح مسائل ابن جماعة في البيوع"؛ لأبي العباس أحمد بن قاسم الجذامي، المعروف بالقباب؛ دراسة وتحقيق إبراهيم عبدالباقي؛ بإشراف إبراهيم بن علي بن إبراهيم صندقجي.
• "طرح التثريب في شرح التقريب: من أول باب الحوالة من كتاب البيوع إلى نهاية كتاب النكاح"؛ تحقيقًا ودراسة؛ لولي الدين أبي زرعة العراقي؛ إعداد سعيد بن صالح الرقيب الغامدي؛ إشراف محمد شوقي خضر.
• "نظرية الغرر في البيوع"؛ رمضان حافظ عبدالرحمن، الشهير بالسيوطي.(200/2)
• "بحوث مقارنة في الشريعة الإسلامية عن البيوع الضارة: بالاموال، بالدين، بالعقل، بالأنساب، وحكم بيع الدم و التبرع به"، رمضان حافظ عبدالرحمن، الشهير بالسيوطي.
• "زوائد السنن الأربع على الصحيحين في أحاديث البيوع"؛ إعداد خالد بن عبدالعزيز بن أحمد الربيع؛ إشراف فالح بن محمد الصغير.
• "فقه وفتاوى البيوع"؛ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء [وآخرون]؛ اعتنى بهاو رتبها أبو محمد أشرف بن عبدالمقصود..
• "فتاوى البيوع في الإسلام"؛ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء [ و آخ ].
• "أحاديث البيوع المنهي عنها: رواية و دراية"؛ مقدمة من خالد بن عبدالعزيز الباتلي؛ إشراف صالح بن هادي الشمراني.
• "بيوع محرمة"؛ إعداد دار القاسم.
• "البيوع: الجائز منها والممنوع"؛ تأليف عيسى إبراهيم الدريويش.
• "الأحاديث الواردة في البيوع المنهي عنها"؛ تأليف سليمان بن صالح الثنيان.
• "مسائل مهمة في البيوع"؛ جمع وإعداد عيد بن محمد الرميح الشمري.
• "فقه الإمام البخاري في البيوع والسلم من جامعه الصحيح"؛ إعداد ستر بن ثواب الجعيد؛ إشراف عبدالمجيد محمود عبدالمجيد..
• "فتاوى في البيوع الآجلة"؛ أحمد بن عبدالحليم بن تيمية..
• "عقود المستقبليات في السلع في ضوء الشريعة الإسلامية"؛ إعداد محمد تقي العثماني.
• "القبض: تعريفه - أقسامه - صوره وأحكامها"؛ إعداد سعود بن مسعد الثبيتي..
• "السلم وتطبيقاته المعاصرة"؛ إعداد حسن الجواهري .
• "البيع: أحكامه وشروطه"؛ محمد محمد صفي الدين السنوسي..
• "بعض طرق البيع المُحَرَّمَة وعمل بعض البنوك الإسلامية"؛ بقلم بدر عبدالله المطوع.
• "السلم في الشريعة والتطبيق المصرفي"؛ عبدالملك عبدالعلي كاموي.
• "حقيقة بيع العِينَة والتَّورُّق، فقه المعاملات المالية المعاصرة"؛ الشيخ سعد بن تركي الخثلان.
• "الربا أضراره وآثاره في ضوء الكتاب والسنة"؛ تأليف فضيلة الشيخ الدكتور/ سعيد بن علي بن وهف القحطاني.(200/3)
• "بيع العِينَة" عمار تلاوي.
• "فقه البيوع المنهي عنها: تطبيقاتها الحديثة في المصارف الإسلامية"؛ أ.د أحمد ريان، البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للتنمية ط2-1419هـ جدة.
• "البيوع المنهي عنها نصاً في الشريعة الإسلامية" د. علي الحكمي مطبوعات نادي مكة الثقافي الأدبي (74) 1410هـ مكة المكرمة.
• "الموسوعة الفقهية" - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ط2-1407هـ الكويت.(200/4)
العنوان: هل هذا استغلال للزوجة؟
رقم الاستشارة: 128
المستشار: أ. محمد الحازمي
-----------------------------------------
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا طالب في مرحلة البكالوريوس ومبتعث لأمريكا، لدي أخت أكبر مني بسنة ومتزوجة ولها طفل واحد، وهي بوضع جيد ولله الحمد. وعندي 4 إخوة، وأختان صُغريان لم تتجاوزا السادسة. أسأل الله أن يصلحهن.
لا أعلم من أين أبدأ المشكلة؟ ومن أين أنتهي منها؟؛ لأنها معقدة جدًا، ومشاكل تراكمت على مر السنين. منذ صِغري ووالدي ووالدتي في مشاكل. فمرة والدتي تتهم والدي في عِرضه، وأنه يتحرش بالخادمة وهذه بداية المشكلة. مع أن الوالد كان يقسم بالله أنه لم يتحرش بها قط. ولأن الخادمة هي التي قالت بأن الوالد هو الذي يتحرش بها. وكان يَستغرب مِن والدتي كيف لها أن تصدق الخادمة في زوجها؟ أحيانًا لا ألوم والدتي لأن والدي كانت له عَلاقة مع أحد المصريين، وكانوا يتصلون به، وتكلمه زوجة زميله المصري؛ ليقوم بحل مشاكلهم العائلية، وكان يطلب من أختي الكبرى عندما كان عمرها 13 سنة تقريبًا، بأن تكلمها وتتحدث معها، وكانت أختي تسأل مَن هذه المرأة؟ وتبكي خوفًا أن يكون أبي متزوجًا، وذهبت لتخبر والدتي. ووالدتي بحكم أنها امرأته طلبت منه أن يترك هذه المرأة وأن لا يتدخل في شؤونهم الداخلية. وكان أبي يأمرها بأن لا تتدخل في أموره، وأن هذه أمور شخصية، وأن عَلاقته بها شيء شخصي، وليس لها أدنى دخل به!!
لا أنكر أن والدتي ارتكبت أخطاء منذ زمن؛ وذلك خوفًا من أن يتزوج عليها أبي. فذات مرة كان والدي ذاهبًا إلى مصر فذهبت أمي (لكبينة) المكالمات الهاتفية، وقد سرقت الأرقام من مكتبة الوالد الخاصة، وتحدثت مع المرأة بطريقة استفزازية، وأخذت تعيرها وتتشاجر معها لكي لا تتزوج أبي.(201/1)
أبي دائمًا يلعن والدتي يسبها ويشتمها، ويقول إنها سبب هلاكه في هذه الدنيا، وعلة بلائه؛ لأن والدي الديونُ عليه متراكمة، ويقول إن أمك هي السبب، وكانت تحطمني دائمًا. لا أنكر أن والدتي كانت تعير والدي بفقره، وتقول له إنك فقير مسكين، جميع العائلات يُوفَّر لها كل شيء إلا نحن!!
ودائمًا ما يصرخ أبي عندي، ويقول إن أمك اتهمتني في عرضي. وحقيقة لا أعلم صدق هذا الكلام من كذبه بأن والدي تحرش بالخادمة!!
طلب والدي من والدتي أن تقرضه.. 180 ألف ريال من البنك فقامت بعمل ما طلبه منها، ودائمًا يقول أمك لم تخدمني قط!! ولم أهنأ معها بأي شيء، وأنا لم أرَ منها يومًا واحدًا سعيدًا في حياتي، وإني لم آخذ منها راتبها، ولم أمسه أبدًا !! فأُخبره بأن أمي تسلفت من البنك لأجلك، وتقول إني لم آخذ منها شيئًا !! فيجاوبني بأن هذا المبلغ قيمة صبري عليها، وقيمة توصيلي لها لمدرستها البعيدة من البيت يوميًّا.. فليس لها أدنى فضل في ذلك!!
طلق والدتي طلقتين وباقي الأخيرة، ودائمًا يستفزها بها ويعيرها بها، ويقول: ( باقي لك واحدة )، وهي لا تنام معه في غرفته بل كل شخص ينام بمفرده. أقول لها لماذا لا تنامين معه؟ تقول إنه خانني وقد كرهته، ولا أريد أن أنام معه؛ فتنام مع أخواتي الصغيرات والخادمة في غرفة وحدهن.
لا أعلم كيف أَحُل هذه المشاكل؛ فلا الوالد سيتنازل، ولا الوالدة ستتنازل! يوجد شر من أبي، ويوجد شر من أمي. أريد أن أتفاهم مع والدي، وكلما جلست معه أراه يصيح ويصرخ ويقول: إنها دمرتني، لعنها الله، وأهلكتني، وتسببت في ديوني. وهي تقول: لا أريده، ولا أريد أن أتحدث معه، وأنا أكرهه. وللعلم فإنها لم تحرضني ضده، أو تحرض أخواني ضده أبدًا!!(201/2)
يقول والدي عن أخواتي الصغيرات: إن والدتك الملعونة لم تلدهن في هذه الدنيا إلا رغبة في ربطي معها أكثر وأكثر، وخوفًا من أن أطلقها !! لا أعلم صدق هذا الكلام من كذبه؛ فمرة أتشكك في ذلك، ومرة أقول عكس ذلك!!
الآن الوالد يقول لي: قل لوالدتك تقترض من البنك؛ لكي تشتري لكم منزلاً، ويكون باسمها، والوالدة مترددة ومتخوفة من أنها إذا اشترته يتزوج ويخرج من البيت. لا أنكر أني أريد أن يتزوج والدي؛ لعله يجد الراحة مع مَن يحبها، ولا أنكر أني سأتضايق؛ لأن والدتي ستصيح وتبكي وتغضب؛ لأنها صبرت وتحملت وسلفته ثم هو يتزوج عليها، وبعد هذا كله يطلب منها أن تشتري منزلاً؛ لكي يسكن فيه إخوتي ويرتاحون. ومن ثَمَّ يخرج هو ليتزوج. وهذا الشيء أنا متأكد منه وهو أنه سيتزوج. وأخاف أن أشير على والدتي أن تشتري المنزل لكي تُسكِّن الأولاد الذين هم أولاده كذلك؛ ومن ثَمَّ يخرج ليتزوج عليها.
أطلب منهم أن لا يحب أحدهم الآخر، بل أن يحترموا بعضهم ولكن لا مجال لهذا الشيء، كلمت والدي قبل قليل، وقلت ادفع نصف قيمة المنزل، وأمي نصفه الآخر؛ باعتبار أن المنزل يشمل الأولاد كذلك.
بم تنصحونني أن أفعل مع هذا الوضع المأساوي؛ فقد مللت هذا الوضع؟!
الخيوط متشابكة في البيت، كل شخص في طريق وحده، لا يوجد في بيتنا شخص منحرف، ولكن..! كل شخص يكون وحده دائمًا مع أصحابه الخاصين، لا نجتمع إلا نادرًا!!
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم
لقد أسْعَدَني في رسالتك ما دلت عليه من رجحان عقلك، وتحمُّلك المتاعب في سبيل الإصلاح بين والديك، واعلم أن ذلك من البر بهما، فأسال الله أن يجزل لك الأجر والمثوبة.
أخي الفاضل أنصحك بما يلي:
أولاً: أن تصبر وتحتسب الأجر عند الله في سبيل الإصلاح بين والديك، والعمل على تقريب وجهات النظر بينهما، ونصحهما أن يعملا على نسيان الماضي، ويكون ذلك عن طريق الأقارب أو أصدقائهما؛ حتى يتقبلا منهم النصح.(201/3)
ثانياً: محاولة نصح والدك باللطف واللين بردِّ حقوق والدتك، والابتعاد عن كثرة اللوم والانتقاد الذي لا فائدة منه، وخاصة الشتم واللعن؛ فعن زيد بن أسلم: "أن عبد الملك بن مروان بعث إلى أم الدرداء بأنجاد من عنده، فلما أن كانت ذات ليلة قام عبد الملك من الليل فدعا خادمه فكأنه أبطأ عليه فلعنه، فلما أصبح قالت له أم الدرداء: سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته". فقالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلّم -: ((لاَ يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))؛ أخرجه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلّم -: ((لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِاللَّعَّانِ، وَلاَ الطَّعَّانِ،[1] وَلاَ الْفَاحِشِ، وَلاَ الْبَذِيءِ))؛ أخرجه البيهقي في شُعَب الإيمان، وأبو يعلى.
ثالثاً: توجَّه إلى الله بالدعاء المستمر لهما، بأن يصلح الله شأنهما، ويوفق بينهما، ويجمع بينهما على الخير والمحبة والمودة.
رابعًا: إذا كانت والدتك ستأخذ المنزل باسمها؛ فإنه سيكون مِلكًا لها؛ ولذا فأرى أنه لا يوجد ما يمنع من شرائها له. وفي حالة ابتعاد والدك عن والدتك، فاعلم أن البعد أحيانًا قد يكون أفضل من القرب، خاصة إذا اشتدت النزاعات وكثرت الخلافات.
خامساً: احرص على متابعة إخوتك، والعمل على تربيتهم على الفضائل، والمحافظة عليهم وتلبية حاجياتهم - قدر استطاعتك -؛ حتى لا يكونوا عرضة للانحرافات بسبب مشاكل والديك.
أعانك الله، ورفع قدرك، وسدد خطاك، وأصلح شأنك ووالديك.
والله الموفق والمعين،،،
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] الطعان : الوقّاع في أعراض الناس بالذم والغيبة.(201/4)
العنوان: هل هذا من الرهاب الإجتماعي؟
رقم الاستشارة: 75
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
جزاكم الله خيراً على كلامكم القيم يا دكتور بكار، وهو ما دفعني إلى أن أرسل مشكلتي.
في الحقيقة مشكلتي هي التعامل مع الناس؛ حيث إنني أجد صعوبة في ذلك ودائماً أشعر بالتكلُّف والحرج والتفكير الكثير فيما سأقوله..
والمشكلة الأكبر؛ أن أكثر الموضوعات التي يتحاور فيها الناس لا تهمني؛ نظراً لتفاهتها؛ لذلك لا يجدون مني حسن الاستماع، إن كان الموضوع كذلك.
ومشكلة أخرى هي التعامل مع الزوجة؛ حيث إنني أريد أن تعمل لي أشياءَ أشعر أنها ستجعلني أكثر رغبة فيها جنسياً، ولكن دائماً أجد من نفسي خجلاً أن أقول لها ذلك، ولا أعرف لماذا؟
أريد المزيد من الجرأة والصراحة وقوة القلب، مع العلم أني - ولله الحمد - ملتزم دينيّاً، وأسعى إلى العلم والتطوير من النفس، وأنا حاصل على مؤهلٍ عالٍ.
وشكراً.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم، شكراً لثنائك العاطر، ولثقتك الغالية..
تابع معي النقاط التالية:
أولاً: التعامل مع الناس يحتاج إلى العديد من المهارات والتقنيات, وللأسف صرفنا سنوات طوال في المدارس نَدْرِس العقيم من العلوم، دون أن يعلِّمَنا أحد كيفية التعامل مع الناس.
وزاد الطين بِلَّةً؛ أننا كنا نواجه العديد من المعلمين والطلاب (المستأسدين)، الذين يوجِّهُون سهام السخرية والاستهزاء لكل ما نقوله. كل هذه الظروف صنعت لدى عدد كبير من الناس الرهبة والحرج في التعامل مع الناس، لكن الخبر الجيد هنا هو أن مثل هذه الوضعية قابلة للتغيير مع بذل الجهد والتدريب المستمر.(202/1)
ولقد استفدت كثيراً من كتاب مشهور للكاتب الأمريكي (دايل كارينجي) بعنوان: "كيف تكسب الأصدقاء، وتؤثر في الناس"؛ فقد ذكر - بأسلوب رائع - العديد من المهارات الهامة، كما أن هناك العديد من المقالات الجيدة التي تناقش هذا الموضوع موجودة على شبكة (الإنترنت)؛ فأرجوا أن تمر عليها.
ثانياً: النقد الجارح الذي تلقيناه في مرحلة سابقة من حياتنا، ونتلقاه من بعض المستهزئين من حولنا، هو سبب رئيس للتردد والقلق حول أسلوب تعاملنا مع الناس؛ ولذا فإن من أهم الأمور إتقانك التعامل مع مثل هؤلاء المزعجين والتجاوز عن كلامهم دون أن يؤثر فيك.
ثالثاً: ذكرت في رسالتك أنك لا تستسيغ العديد من الأحاديث التي تسري في المجالس لتفاهتها، وهذا أمر حقيقي، ولكل منا القدرة على اختيار الطبقة من الناس الذين يخالطهم ويستمتع بتجاذب الحديث معهم.
ولكني أريد هنا أن أؤكد على أمر في غاية الأهميةً؛ من دلائل الصحة النفسية قدرة الشخص على التكيف مع الظروف على اختلاف أشكالها؛ فلو دُعيت إلى زفاف ابن عمي - مثلاً- وأنا أعلم أن أغلب الحضور ممن لا أرتاح لأحاديثهم لكني مضطر للحضور على كل حال.
فالشخص الصحيح نفسياً هو القادر على التكيُّف مع مثل هذه المواقف وعدم إظهار ملله منها عبر إظهار الاهتمام والاستماع لأن ذلك يبني صورة إيجابية أمام نفسه والآخرين, ويساعد على توثيق عرى المجتمع, والقيام بواجب صلة الرحم.
ليس من المطلوب مني أن أقيم علاقة طويلة الأمد معهم، لكني يجب أن أكون مرناً بطريقة كافية للتعامل الصحيح والمقبول اجتماعياً وعرفياً، وهذا ينطبق – أيضاً - على التعامل مع زملاء العمل والجيران وغيرهم ممن لا نختار صحبتهم.(202/2)
رابعاً: تذكَّر أن مشاعرنا ومواقفنا هي نتيجة طبيعية لأفكارنا وما نحدِّث به أنفسنا (أي نبرمجها به!).. إن تَرَدُّدَك في طلب ما تعتقد أنه حق طبيعي لك من زوجتك هو نتيجة لما يدور في عقلك من أفكار وما تُرَدِّدُه في نفسك – بطريقة واعية أو غير واعية - كأن تعتقد أن الحديث في مثل هذه الأمور أو مناقشتها أمر لا يليق بشخص مُتَّزِن, وأنه يخلُّ بالحياء, أو أنه مما يجب أن تفعله هي بنفسها دون طلب أو غير ذلك من أفكار ستؤدي بطريقة طبيعية إلى هذا التردد الذي تعيش فيه مع زوجتك.
والحل متيسر بين يديك؛ قم - منذ اليوم - بتغيير نظرتك لهذا الأمر، غيِّر طريقة حديثك إلى نفسك، وسيتغير موقفك وسلوكك، وجِّه رسائل تشجيعية ومحفِّزة لنفسك؛ حدِّثها بطريقة إيجابية، افعل ذلك وستجد نتائج باهرة.
صحيح إن الأمر ليس بهذه السهولة، لكنه - بلا شك - ليس مستحيلاً.
ختاماً: تذكَّر أن هناك عامل هنا في تطوير مثل هذه المهارات، ألا وهو الوقت؛ فتطويرها لا يتم بين ليلة وضحاها، لكن مع العمل، وبذل الجهد المستمر، ستجني نتيجة طيبة.
وفقك الله إلى كل خير.. ومرحباً بك دوماً في موقع (الألوكة).(202/3)
العنوان: هل هناك علاقة بين العادة السرية والدورة الشهرية؟
رقم الاستشارة: 148
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
أحبتي فى الله أقول رسالتي، وأندم ندمًا شديدًا؛ ولكن ينتابني الندم دائمًا، فهل من مجيب على سؤالي يضع حلاًّ لمشكلتي التى أحملها بذنبٍ، وأشعر بخزي وعصيان؟!!
ولكني أشعر أن ذلك الأمر خارج عن إرادتي؛ ولكن مشكلتي.. هى أنني أشعر بإلحاح شديد يدفعني لممارسة العادة السرية، وهذا فقط قبل حلول الدورة الشهرية واقترابها! مع العلم أنها ليست منتظمة عندي، وعندما أفعل ذلك أشعر بندم شديد، خاصة أنني أحفظ كتاب الله، وأجتهد فى العبادات والصيام وقيام الليل وحب الخير!! لكن هذا الشيء يؤرقني! مع العلم أن هذا الأمر لا أفعله إلا قبل الدورة فقط! فهل هناك علاقة بين العادة السرية، والدورة الشهرية، تؤدي لفعل ذلك؟ كما أنني أبلغ من العمر 27 عامًا ولم أتزوج وأصبر ولا أغضب من ذلك؛ ولكن أشعر أن ذلك الفعل حرام؛ وكأنني أزني وأرتكب الفاحشة حقًّا، كما أنني أتذكر حينما أفعل ذلك آيات من الكتاب الحكيم، أو حديثًا من سنن الحبيب! فماذا أفعل بالله عليكم؟!! لا أريد أن أعصي الله، وأستغفر الله على زلتي وشهوتي وقلة حيلتي!! فهل من علاج أحبتي فى الله؟!
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة.. مرحبًا بك وأهلاً وسهلاً في موقع "الألوكة".
هوني عليك سيدتي.. أنتِ بخير إن شاء الله.. فمن نِعَم الله علينا أن يسَّر التوبة لعباده من كل أشكال الذنوب والمعاصي..
لا أعرف إن كان هناك علاقة بين الدورة الشهرية والعادة السرية.. لكن عدم انتظام الدورة قد يدل على خلل هرموني، ينبغي أخذ مشورة طبيبة النساء حوله. وقد يكشف سر هذه العلاقة.(203/1)
إن من الوسائل الفعالة لأي شخص لكي يتخلص من هذه العادة السيئة، أن يبحث عن وسائل أخرى للمتعة.. إن الانخراط في مشروعٍ ما، ومد علاقات الصداقة بالصالحات من النساء، هو الحصن المنيع الذي سيحميك من ضغط الشهوة وضغط هذه العادة. كما أن تذكيركِ لنفسكِ بإنجازاتك له أثر كبير على محافظتك على شعور إيجابى نحو نفسك، وهذا سيحميك من الشعور بالدونية، والانسياق وراء وسوسة الشيطان وكيده.
ختامًا: من فضل الله عليك أنك تملكين هذا الوعي والعقل الراجح، فاحمدي الله على ذلك..
أسأل الله لك المعونة والتوفيق ولا تنسيني من صالح دعائك..(203/2)
العنوان: هل هو حظي السيء؟
رقم الاستشارة: 62
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
أخي العزيز:
أنا معلِّمٌ، أدرِّس لطلاب المرحلتين المتوسطة والثانوية، وطوال حياتي وأنا حظي وسط أبناء جيلي وأصحابي قليلٌ جدّاً جدّاً جدّاً، بمعني أنهم - دائماً - ما يحصلون على المراكز المرموقة والأشياء التي يتمناها أيُّ فرد بسهولة جدّاً، أما أنا؛ فلا تأتي إليَّ، وإن أتت فإنها تأتي بصعوبة جدّاً، وبأقل ميزاتها، وبمعني آخر: دائماً ما أحصل علي أدنى الفرص أو أسوأها!!
أمثلةٌ على ذلك:
- حصلتُ على وظيفة مثل باقي زملائي، ولكن براتب أقل جدّاً جدّاً، وبميزات أسوأ.
- أجدُ مَنْ هم أقل مني في الدرجة العلمية أو في السن وقد تفوقوا عليَّ في النواحي المادية، ولا أجد فارقاً بيني وبينهم.
والمهم: إني أريد أن أعرِّفك أني - والحمد لله - مؤمنٌ بالله - عزَّ وجلَّ - ومؤمنٌ بأنَّ الرزق بيد الله، ولكنني أرسل هذه الرسالة خوفاً من أن يكون هناك تقصيرٌ منِّي.
أرجو الإفادة - أكرمكم الله - لأنني مضطربٌ جدّاً جدّاً جدّاً بسبب هذا الموضوع.
-----------------------------------------
الجواب:
مرحباً بك أخي الكريم في موقع الألوكة، وشكراً لثقتك الغالية.
ما ذكرته لا ينافي - بمشيئة الله - سمةَ التوكل على الله – تعالى - وأنا أعلم كيف تخطر على عقل المرء مثل هذه الخواطر، عندما يُجري بعض المقارنات بين نفسه وبين مَنْ حوله.
وأريد أن أحدِّثك بشأن نقطتين هامتين:
النقطة الأولى: يجب أن تجعل من هذا الوضع أمراً محفِّزاً لك.
أريدُ أن أسألكَ: كم تصرف من الوقت كل يوم في تنمية نفسك؟ في تنمية مواهبك وقدراتك؟!(204/1)
لدينا كل صباح فرصةً ذهبيةً لتطوير أنفسنا، والتحسين من أوضاع حياتنا! ولو حافظتَ على هذا المسار؛ فأنا أضمن لكَ - بمشيئة الله - أن تتغير أوضاعك تماماً .. هناك العديد من الكتب الجيدة في المكتبات الكبرى، التي تدل المرء على هذا الطريق.
من المقولات المُلْهِمَة التي أردِّدها دائماً: "عندما يجهز التلميذ، يظهر الأستاذ"!
عندما تبذل الجهد في تطوير ذاتك، والتركيز على نقاط قوتك - لا ضعفك - وتبني بها حياتك، وتخطط لمستقبلك؛ فستأتيكَ المنح الربانية والفرص النادرة، وعندها ستكون جاهزاً لاستقبالها.
النقطة الثانية: قم ببرمجة عقلك (اللاواعي) بصورة إيجابية، عبر إرسال الرسائل الإيجابية له؛ فهذه الرسائل تحفِّز العقل (اللاواعي)، وتدفعه لتوليد الأفكار، والمشاعر الإيجابية، والمواقف المحفزِّة.
يشيرُ الكثير من الكتَّاب إلى أن العقل (اللاواعي) لا يفرِّق بين الواقع وبين ما يُغذى به من كلمات؛ لذا أريدُكَ أن تخاطب نفسك في كل صباح ومساء بعبارات إيجابية: "أنا بخير .. أنعم الله عليَّ بنعم كثيرة .. أنا أتميَّز بكذا .. قمتُ بكذا في حين لم يقم الآخرون بذلك"؛ وهكذا. قد تستغرب من هذا العمل؛ لكن آثاره الجيدة أمرٌ متَّفقٌ عليه.
أخيراً:
انتبه أخي من الوقوع في شراك اليأس؛ فهو يحطم الإنسان، ويحرمه من أن يرى الفرص التي تمر أمامه، في حين ينظر أصحاب الأمل إلى المستقبل على أنه (الفرصة القادمة)، يتعاملون معه وكأنه تحت أطراف أصابعهم، ترسمه أعمالهم وأفعالهم! فهم لا ينشغلون بالباب المغلق عن البحث عن أبواب أخرى تُفتح هنا وهناك.
وفَّقك الله إلى كل خير، ومرحباً بك عضواً دائماً في موقع (الألوكة).(204/2)
العنوان: هل يُذكر الحبيب إذا خَدِرت الرِّجل؟
رقم الاستشارة: 17
المستشار: د. سعد بن عبدالله الحميد
-----------------------------------------
السؤال:
ورد عن ابن عمر في (الأدب المفرد) أنه إذا تخدَّرت قدمه ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- فهل هذا العمل مشروع؟
-----------------------------------------
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الأثر رواه البخاري في "الأدب المفرد" (964) فقال: حدثنا أبو نُعَيم، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن سعد قال: خَدِرَت رِجلُ ابن عمر، فقال له رَجُل: اذكر أحبَّ الناس إليك، فقال: محمد.
وقد رواه ابن سعد في "الطبقات" (4/154) أيضًا من طريق شيخ البخاري أبي نُعَيم – واسمه: الفضل ابن دُكَين – عن سفيان – وهو الثوري – عن أبي إسحاق، به.
وتابع سفيانَ الثوريَّ على روايته له على هذا الوجه زهيرُ بن معاوية، فرواه عن أبي إسحاق السَّبيعي، عن عبد الرحمن بن سعد، عن ابن عمر، به. أخرجه ابن سعد في "الطبقات" أيضًا، وإبراهيم الحربي في "غريب الحديث" (2/674)، والبغوي في "الجعديات" (2539).
ورواه شعبةُ، وإسرائيل بن يونس، وأبو بكر بن عياش، فخالفوا فيه سفيانَ الثوريَّ، وزهيرَ بن معاوية.
أما شعبةُ فأخرج روايته إبراهيمُ الحربيُّ في "غريب الحديث" (2/673) فقال: حدثنا عفان، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عمَّن سمع ابن عمر قال: خَدِرَت رِجلُه، فقيل: اذكر أحبَّ الناس، قال: يا محمد.
وأما إسرائيلُ فأخرج روايته ابنُ السني في "عمل اليوم والليلة" (170) فقال: حدثنا محمد ابن خالد بن محمد البردعي، ثنا حاجب بن سليمان، ثنا محمد بن مصعب، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الهيثم بن حنش، قال: كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فخَدِرَت رِجلُه، فقال له رَجُل: اذكر أحبَّ الناس إليك: فقال: يا محمد، قال: فقام، فكأنما نَشِطَ من عِقال.(205/1)
وأما أبو بكر بن عياش فأخرج روايته ابن السني أيضًا (168) فقال: حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي وعمرو بن الجنيد بن عيسى، قالا: ثنا محمود بن خداش، ثنا أبو بكر بن عياش، ثنا أبو إسحاق السَّبيعي، عن أبي سعيد قال: كنت أمشي مع ابن عمر رضي الله عنهما، فخَدِرَت رِجلُه، فجلس فقال له رَجُل: اذكر أحبَّ الناس إليك، فقال: يا محمَّداه، فقام فمشى.
وأرجحُ هذه الطرق: روايةُ سفيان الثوري رحمه الله؛ لأمرين:
1 - أن سفيان لا يُدانيه في الحفظ أحدٌ ممن روى هذا الحديثَ عن أبي إسحاق.
2 - أن زهير بن معاوية قد تابع سفيانَ على هذه الرواية.
ولو لم نرجِّح رواية سفيان ومن وافقه، لأصبح الحديث مضطربًا؛ للاختلاف فيه على أبي إسحاق كما سبق.
ومع ذلك فرواية شعبة ضعيفةٌ لإبهام الراوي عن ابن عمر، وقد يكون هو عبد الرحمن بن سعد، والله أعلم.
ورواية إسرائيل لا تصحُّ عنه؛ ففي سندها محمد بن مصعب القَرْقَساني، وهو صدوق، لكنه كثيرُ الغلط، كما في "التقريب" (6302).
ومع ذلك فالراوي عن ابن عمر هو الهيثم بن حنش، وهو مجهول الحال، لم يوثَّق من إمام معتبر.
ورواية أبي بكر بن عياش فيها أبو سعيد الراوي عن ابن عمر، ولا ندري من هو؟ وقد يكون هو عبد الرحمن بن سعد، ومع ذلك فأبو بكر بن عياش مُتَكَلَّمٌ في حفظه، وفي "التقريب" (7985): « ثقة عابد، إلا أنه لما كَبِرَ ساء حفظُه، وكتابه صحيح »، ولم يتَّضح أن روايته هذه من كتابه.
ومادام الراجحُ هو رواية سفيان الثوري، فالكلامُ عليها من ثلاثة أوجه:
1 - الوجه الأول: النظر في صحة الرواية، وذلك بمعرفة حال عبد الرحمن بن سعد، وسماع أبي إسحاق السَّبيعي منه.
أما عبد الرحمن بن سعد: فهو القرشي الكوفي مولى عبد الله بن عمر، وهو مجهول الحال – فيما أرى – لم أجد من وثَّقه، سوى ذكر ابن حبان له في "الثقات" (5/97)، وقاعدته معروفة في ذكر من لا يُعرف بعدالة ولا جرح في كتاب "الثقات".(205/2)
وأما قولُ الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (6/168): « قلت: وقال النسائي: ثقة »، فأخشى أن تكونَ هذه عبارة النسائي التي قالها في الراوي الذي قبله، وهو عبد الرحمن بن سعد المدني الأعرج، فهو يشتبه معه في الطبقة، ولذا ذكر المزِّي في "تهذيب الكمال" (17/139-140) توثيقَ النسائي للمدني الأعرج، ولم يذكر توثيقه للكوفي مولى ابن عمر، ولم يعرفه يحيى بن معين، ففي "تاريخ ابن معين" رواية الدوري (2953): « سمعت يحيى يقول: الحديث الذي يروونه: خَدِرَت رِجلُ ابن عمر، وهو أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد. قيل ليحيى: من عبد الرحمن بن سعد؟ قال: لا أدري ». شك العباس: سعيد، أو سعد.
وأما سماعُ أبي إسحاق السَّبيعي من عبد الرحمن هذا فلم أجده في شيءٍ من الكتب، ليس في هذه الرواية فقط، بل عنه مطلقًا، وأبو إسحاق موصوفٌ بالتدليس، وقد احتمل بعض الأئمَّة عنعنته لكن روايته هذه عنه تبعث على الرِّيبة بقرينة حاجتنا إلى ثبوت لقائه به في الجملة ولو مرَّة!!.
ولا تتقوَّى هذه الرِّواية بالرِّواية الأخرى التي أخرجها ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (169) فقال: حدثنا جعفر بن عيسى أبو أحمد، ثنا أحمد بن عبد الله بن روح، ثنا سلام بن سليمان، ثنا غياث بن إبراهيم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خَدِرَت رِجلُ رَجُل عند ابن عباس، فقال ابنُ عباس: اذكر أحبَّ الناس إليك، فقال: محمد صلى الله عليه وسلم، فذهب خَدَرُه.
فهذه الروايةُ لو لم يكن فيها سوى غياث بن إبراهيم لكفى، فقد قال عنه الإمام أحمد: « ترك الناسُ حديثَه »، وقال يحيى بن معين: « ليس بثقة »، وقال الجوزجاني: « كان فيما سمعت غيرَ واحد يقول: يضع الحديث »، وقال البخاري: « تركوه »، فكيف وفيها من لو ذهبنا نتتبَّعه لازدادت وهاءً؛ كسلام بن سليمان، وغيره؟!(205/3)
2 - الوجه الثاني: جاء في باقي الروايات أن ابن عمر لما قيل له: اذكر أحبَّ الناس إليك، قال: « يا محمد »، هكذا بياء النداء، أما روايةُ سفيان الثوري ففيها: « محمد » دون ياء النداء، وهذا هو الرَّاجح، وإذا ذُكِر الحُفَّاظ فسفيان بالنسبة إليهم سماء.
3 - هذه الرواية موقوفة، وكما هو ظاهر: لم يبتدئ ابن عمر ذكرَ اسم من يحبُّ ابتداء، ولكن طُلب منه ذلك ففعله، ومن المعلوم أن طائفة من أهل العلم توسَّعوا في باب الرُّقى، ورأوا جوازها مطلقًا، مالم يكن فيها شرك، أخذًا بعموم حديث عَوْفِ بن مالكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قال: كنا نَرْقِي في الجَاهِلِيَّةِ، فَقُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَرَى في ذلك؟ فقال: « اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقاكُم، لا بَأْسَ بالرُّقَى ما لم يَكُنْ فيه شِرْكٌ ». أخرجه مسلم في "صحيحه" (2200).
وفي "سنن أبي داود" (3887) عن الشِّفاءِ بِنْتِ عبد اللَّهِ قالت: دخل عَلَيَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنا عِنْدَ حَفْصَةَ، فقال لي: « ألا تُعَلِّمِينَ هذه رُقْيَةَ النَّمْلَةِ كما عَلَّمْتِهَا الكِتابَةَ؟ ».
ورقية النملة هذه من رقى الجاهلية كما في "مستدرك الحاكم" (4/57) من حديث عثمان بن سليمان بن أبي حَثْمة، عن أبيه، عن أمه الشفاء بنت عبد الله: أنها كانت ترقي برقى في الجاهلية، وأنها لما هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قدمت عليه فقالت: يا رسول الله، إني كنت أرقي برقى في الجاهلية، وقد رأيت أن أعرضها عليك، فقال اعرضيها، فعرضتها عليه، وكانت منها رقية النملة، فقال: « ارقي بها وعلِّميها حَفصَة »، بسم الله صلوب، حين يعود من أفواهها ولا تضر أحدًا، اللهم اكشف البأس رب الناس، قال: ترقي بها على عود كَرْم سبع مرات، وتضعه مكانًا نظيفًا، ثم تدلكه على حجر، وتطليه على النُّورَة.(205/4)
وهذا العلاج الذي ذُكِر في قصة ابن عمر هذه لخَدَر الرِّجل من هذا القبيل، مما كانت العرب تستعمله في جاهليتها، وفي ذلك أشعارٌ وأقوال انظرها في الموضع السابق من "عمل اليوم والليلة" لابن السني، و"الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني (7/47)، و"صبح الأعشى" (1/463)، و"ديوان عمر بن أبي ربيعة" (ص11)، وغيرها كثير.
وخلاصة ماتقدَّم: إن هذه الروايةَ لا تصحُّ من جهة سندها، وعلى طريقة من يتساهل في جهالة الحال، والاكتفاء بالمعاصرة ولو لم يثبت اللقاء، فتبقى الرواية محلَّ شكٍّ لا يمكنهم إقامة الدليل على صحتها، ولو سلَّمنا بصحَّتها فلا يثبت فيها أن ابن عمر دعا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، وليس هذا الذي فعله ابن عمر مما يُظَنُّ أنه تلقَّاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو مما اعتادته العرب في جاهليتها وإسلامها، وهذا مما يوسِّع فيه طائفةٌ من أهل العلم، ومنهم ابن القيِّم وغيره، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(205/5)
العنوان: هل يمكنكم مساعدتي
رقم الاستشارة: 106
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
مشكلتي أنني كنت مخطوبة لشاب لمدة 9 أشهر، وكانت فترة الخطوبة رائعة.
وفجأة، وقبل موعد الزواج بشهر واحد، انفصلنا دون سبب، وبعد أسبوعين اكتشفتُ السَّبَبَ؛ أن جارتنا - بسبب الغيرة - قامت بعمل سحر.
ومشكلتي أنني لم أستطع نسيانه، ومللت الحياة بدونه، فهل من نصيحة؟ جزاكم الله كل خير.
-----------------------------------------
الجواب:
مرحباً بك سيدتي الكريمة، وأهلاً وسهلاً في موقع (الألوكة).
لا أحد يستطيع أن يلومُكِ على مشاعر الألم التي يشعر بها أي شخص منّا لو مرّ بما مررت به، لكنه حال الدنيا لا تسير في كل حين على ما نهوى ونحب.
إن من السمات المُمَيِّزة للأشخاص الناجحين في حياتهم هي قُدرَتِهم على تَخَطِّي مِثْلِ هذه الصَدَمات، والعودة إلى حياتهم، وحماسهم، ونشاط نفوسهم، وكلهم أمل بأن يأتي المستقبل بما هو أحلى وأجمل، أقول لك هذا الكلام وذاكرتي تبرق بذكرى تجرِبَتي الشخصية، وتَجَارِب كثيرة لأشخاصٍ مَرُّوا بشيءً مُمَاثِل لِما تَمُرِّينَ به الآن.
لقد شعروا في لحظةٍ بعد فشل علاقتهم بشريك حياتهم المُرْتَقَب بأن الدنيا أمامهم سوداء مُظْلِمة، وهم يائسون ومُحْبَطُون، ولكن مع مرور الوقت، رزقهم الله - عز وجل - أكثر مما يَحلُمُون به، وعَوَّضَهُم أفضل تعويضٍ، وهم يعيشون حياةً سعيدةً رائعةً لم يكونوا يحلمون بها. لا أقول ذلك لكي أُخَفِّف عنكِ، بل هي حقيقة ثابتة.
تُرَى؛ ماذا فعل مِثْلُ هؤلاء؟ لقد انتزعوا أنفسهم من العيش في الماضي وذكرياتِهِ، برغم أنها ذِكْرَيَاتٌ رَائِعَةٌ، لكنها تُعِيقُهُم الآن عن الحياة السعيدة التي يستحقونها، وتَغَلَّبُوا على الانشغال بها، وإعادة تَذَكُّرِهَا، وبدؤوا حياتَهُم من جديد بحماس وأمل، وَوَكَّلُوا أمرهم لله تَعَالَى، والتجؤوا إليه؛ فلم يخذلهم أبداً.(206/1)
ختاماً: لا أدري إن كان السحر هو السبب أم غيره، ولكن ما أعرفه جيداً أنه لا يوجد قوة في الأرض تَحْرِمُكِ النُّهُوضَ من جديد؛ لتنطَلِقِي في حياتِكِ، وتعيشي فيها سعيدةً راضيةً.
وفَّقَكِ الله إلى كل خير، ومرحباً بك ثانيةً في موقع (الألوكة).(206/2)
العنوان: وسواس يدمرني
رقم الاستشارة: 145
المستشار: أ. محمد الحازمي
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أتمنى أن تَصِلَكُم رسالتي وأنتم بصحة جيدة.
لا أعلم من أين أبدأ؟ وكيف أبدأ؟ كل الذي أعلمه هو أنَّ وَسْواسًا في العقيدة يُدَمِّرُني ويقتلني، وصَلْتُ لمرحلةٍ من الخوف لا يعلمها إلا الله، لدرجة أنني دائمًا تأتيني أفكارٌ بأنني سأموت الآن، وسوف أدخل النار، وأعيش في النار، وأخلد فيها.
وفي بعض الأحيان يتغير هذا التفكير بمجرد سماع أهوال يوم القيامة، ويأتي حديثٌ في نفسي - لا أتلفظ به أبدًا – وهو: أنه لا يوجد يوم القيامة - أستغفر الله العظيم -، والله أشعر بتَعَبٍ وبخوف شديد لا يعلم به إلا الله.
علمًا بأني محافظةٌ على صلاتي، وعلى الأذكار، وعلى الصيام. ودائمًا يأتيني فكر بأن كلَّ عمل أعمله لله غير مقبول، وأخاف مِنْ مجالسِ الذكر كثيرًا حينما يأتي ذكرُ يوم القيامة فيها، فأشعر بفزعٍ.
وأنا الآن حينما أكتب الرسالة يأتي حديث نفس لا أنطق به، ويقول: "إنك مذنبة، وإنك كتبت أشياءَ عن يوم القيامة، أنت الآن كفَرْتِ".
أرجوكم ساعدوني، وادعوا لي بالثبات.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يُعَدُّ الوَسْواس من الأمراض النفسية التي تحتاج إلى صبر، ومُدافعة، ومُعالَجَة، إذا لَزِم الأمر، حتى يتم الشفاء منه.
ولكن يجب أن تعلمي - أولاً - أنَّ مُدافعة الوَسْوَسَة في العقيدة من قُوَّة الإيمان؛ فعن عبد الله بن مَسْعود قال: سُئِل النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّه عليه وسلم - عن الْوَسْوَسة قال: ((تلك مَحْضُ الإيمان))؛ أخرجه مسلم.(207/1)
وحديث النفس كان يَحْدُثُ للصحابة - رِضْوان الله عليهم - فبيَّن لهم النبي - صلى الله عليه وسلّم - أنَّ ذلك من صريح وقوة الإيمان؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "جاء ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألوه: "إنَّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدُنا أن يتكلم به؟" قال: ((وقد وجدتموه؟))، قالوا : "نعم"، قال: ((ذلك صريح الإيمان))؛ أخرجه مسلم.
وعن أبي هريرة عن النَّبيِّ - صلَّى اللَّه عليه وسلم - أنهم قالوا: "يا رسول اللَّه إنَّ أحدَنَا يُحَدِّثُ نفسَه بالشَّيء ما يُحِبُّ أَنَّه يتكَلَّم به، وإنَّ له ما على الأرض من شيء" قال: ((ذاك مَحْضُ الإيمان))؛ أخرجه أحمد في "المسند".
فلا تقلقي أبدًا ولا تخافي على إيمانك، فالشيطان حريص على إدخال الرعب والخوف إلى قلبك بكل الوسائل.
ومع ذلك فيمكن معالجة الوسواس والخوف باتباع الآتي:
1 - مُحَاولة قطع وساوس الشيطان بالبعد عن التفكير في هذه الأمور، وعدم إطلاق الخيال فيها، والانشغال بما يعود عليك بالنفع من القيام بأداء الواجبات الشرعية: من صلاة؛ وصيام؛ وصدقة؛ وصلة الرحم؛ وعمل الخير؛ وغير ذلك من أعمال البر، وأداء واجباتك في الحياة؛ لأن الفراغ يُوَلِّدُ التفكير السلبي، والوساوس الشيطانية.
2 - المُحَافَظَة على الأذكار الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وخاصة أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، والاستعاذة من الشيطان الرجيم.
3 - اللُّجوء إلى الله - عَزَّ وَجَلّ - بالتوكل عليه، ولزوم الاستغفار، والدعاء، وطلب العافية من الله، فالإلحاح في الدعاء من أنفع الأدوية لمثل هذه الأمراض النفسية التي تطرأُ على المسلم والمسلمة، وعليكِ بتحَرِّي أوقات الإجابة مثل: آخر الليل؛ وآخر ساعة في الجمعة؛ ووضع السجود، وستجدين تَحَسُّنًا كبيرًا بإذن الله.(207/2)
4 - القرآن الكريم شفاءٌ من كل داء، فاحْرِصي على تلاوتِه وتدبُّره آناء الليل، وأطراف النهار، قال – تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57].
يقول البيضاوي في تفسير هذه الآية: "أي؛ قد جاءكم كتاب جامع للحِكْمة العملية الكاشفة عن محاسن الأعمال، ومقابحها المرغبة في المحاسن والزاجرة عن المقابح، والحكمة النظرية التي هي شفاء لما في الصدور من الشكوك، وسوء الاعتقاد، وهدى إلى الحق واليقين، ورحمة للمؤمنين". [تفسير البيضاوي: ج3 / ص33].
وقال - تعالى -: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82].
يقول ابن القيم: "و(مِنْ) هنا لبيان الجنس لا للتبعيض، فإن القرآن كله شفاء...، فهو شفاء للقلوب من الشك والريب، فلم ينزل الله - سبحانه - من السماء شفاء قط أعمّ ولا أنفع ولا أعظم ولا أنجع في إزالة الداء من القرآن" [الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: انظر: ص6].
5- إذا اشتد عليك المرض، فيمكن عرض نفسك على الطبيبة المختصة، لدراسة الحالة، ووصف العلاج اللازم، مع الأخذ بجميع الخُطُوات السابقة والحرص عليها.
أسال الله رب العرش العظيم أن يفرج همك، ويشفيك، ويُثَبِّتك على الحق، ويكتب لك السعادة في الدنيا والآخرة.(207/3)
العنوان: وقاية الأطفال من التحرش الجنسي
رقم الاستشارة: 124
المستشار: أ. أروى الغلاييني
-----------------------------------------
السؤال:
عزيزتي الغالية الأستاذة أروى الغلايني،
سمعت - أنا وبعض الأمهات - عن محاضرتك الرائعة عن الاعتداء الجنسي على الأطفال؛ فكيف نثقف أبناءنا في هذا الموضوع ونحن - كما تعلمين حفظك الله – محاطون بالغزو الفكري من كل جانب وكذلك ببعض ضعاف النفوس حفظ الله أبناءنا وأبناءكم من كل شر ومكروه.
-----------------------------------------
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أشكر لك تواصلك مع موقع الألوكة، وأشكر لك ثناءك العَطِر على ورقة العمل التي قدمتُها عن "وقاية أطفالنا من التَّحرُّش الجنسي".
ولِيَسْهُل قراءةُ المشورة اسمحي لي أن أذكُرها في نقاط:
• ذكرتِ أن هذا الزمن زمن تحديَّات، وأنا أوافقك على ذلك، وأضيف: كما لهذا الزمن تحدياته، فإن العدل والرحمة والكرم الإلهي أعطانا - أيضًا - أدوات لمقاومة هذه التحديات، وإن نحن أحسنَّا استخدام هذه الأدوات تُصبِحِ التحديَّاتُ - بفضل الله - إنجازاتٍ، يُستلذّ بالتغلُّب عليها، بمجرد تغيير الصورة الذهنية التي لديكِ عن تحديات الزمن وجعلها إنجازات، يسهل عليكِ ما أقوله لكِ، وتصبح التربية لديكِ مُتعة، وليست قتالاً أو شجارًا.
• من هذه الأدوات التقنية؛ فأنتِ بضغطة على زِر استطعتِ التَّواصُل مع موقع (الألوكة)؛ لتسألي عن استشارة؛ فلله الحمد من قبل ومن بعد.
• ومن هذه الأدوات تَعَدُّد مصادر الثقافة والاطلاع، فلله الحمد تعددت الكتب، ومراكز التدريب، وورش العمل، والمحاضرات التي تبحث في هذا الأمر، وبقيت الكُرة - كما يقولون - في ملعب الوالدين؛ ليستزيدوا ثقافةً وعلمًا واطلاعًا على التربية، وطرقها الحديثة، التي تواكب تحديات هذا الزمن.
• أتطرق الآن إلى استشارتك مباشرة: كيفية وقاية الأولاد من التَّحرُّش الجنسي:(208/1)
أولها: إحسان الظن بالله - جل وعلا - واليقين بضرورة بذل الأسباب، وترك النتائج على الله جل وعلا.
• الوقاية من التحرش الجنسي يبدأ مبكرًا: قبل إنجاب الطفل نفسه، وذلك بضرورة وجود علاقة حب قوية بين الوالدين؛ لأن هذه العلاقة القوية تتدفق بالضرورة على الأبناء، قد تسألين: ما علاقة هذا بالتحرش الجنسي؟ فأجيب: إن المُتحرِّش (بضم الميم) يستغل احتياج الطفل للعواطِف والحنان، ليبدأ معه، فإن كان الطفل محرومًا من الحب والحنان، سيكون سريع الاستسلام لمحاولات التحرش.
• ثم نبدأ بتوجيه الطفل من عمر الأربع سنوات، من سن الروضة الأولى؛ حيث يتعرض الطفل للمجتمع الخارجي.
• من الأهمية بمكان أن تدرك الأمهات والآباء أن الطفل يتعرَّض للتحرُّش الجنسي من الأقارب أكثر من الغُرَبَاء، حتى الغريب حتى يتمكن من الطفل، لابد أن يكون معه بداية علاقة تجعله قريبًا حتى لا يُقاوِم.
• لذلك؛ لم يعد مجديًا أن نقول للطفل: احذر الغرباء، بل نعطِيهِ قواعد عامَّة مُهمَّة تسرِي على الجميع - نسأل الله العافية - هناك حوادث تحرُّش صدرت من الآباء، والإخوان، والأعمام، ونحوِهم من أقرب المقربين.
• القواعد الهامة يطول ذِكرُها، وتتعدد أساليبُها، ومن الأفضل عدم سردها هكذا، حتى لا تبدو كالوصفة الجاهزة؛ لأن كل طفل حالة متميزة، وحالة فردية؛ (جنسه، عمره، بيئته، ترتيبه بين الأبناء، هل الأب موجود أو من يتولى تربية الطفل ...).
لذلك؛ أذكر لكِ بعض أهم المراجِع للقراءة عن هذا الموضوع: كتاب "يسألونني عن التحرش الجنسي"، للدكتور محمد الثويني، كتاب "ما لا نُعَلِّمُهُ لأولادنا، ألف باء الحب والجنس"، للدكتورة ليلى الأحدب، كما أن مجلة "النفس المطمئنة" الصادرة في مصر لها عِدَّة أعداد تبحث في هذا الموضوع.
والمنتَظَر منكِ - وأنت أم واعية - أن تتحملي مسؤولية القراءة، وتتابعي ما يخص أطفالك.(208/2)
• من الأساسيات - أيضًا - في وقاية الطفل من التحرش الجنسي، عدم الثقة التامَّة بالخادمات، وبالعمالة، مع تقديري واحترامي للجميع، علينا أن نضع حدودًا واضحةً بيِّنَةً في المساحة المسموح خلالها أن تتحرك العاملة بالمنزل، والسائق كذلك.
وفقك الله تعالى لما فيه مرضاته - جل وعلا - وحفظكِ وأبنائَكِ، وأبناء المسلمين من كل سوء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(208/3)
العنوان: ابنة أختي عندما تزورنا لا تريد العودة لبيتها
رقم الاستشارة: 169
المستشار: أ. أريج الطباع
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لديَّ ابنة أخت، إذا جاءت إلى بيتنا لا تُحِبّ العودة مع أمها، بالرَّغْم من أن أهلها يُحِبُّونها، ولكنها سَبَّبَتْ لهم عقدة، فإذا جاءت إلينا لا تريد الرجوع مع أهلها، لا أعرف لماذا؟
أرجوكم نُريد حلاًّ للمشكلة، أنتظر ردَّكم، ودمتم.
-----------------------------------------
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
حياكِ الله أيتها الأخت الكريمة، لم تُخْبِرينا عن عُمْر ابنة أختك؟ وكيفيَّة تعامُل والدَيْها معها؟ وكيفية علاقتهما بكم؟ وعن عدد زياراتهم لكم: هل هي مُتقاربة أم مُتباعدة؟
لو أجبتِني عن الأسئلة أعلاه، أستطيع مساعدتك بشكل أفضل..
لكن بكل الأحوال لا تقلقي، فالأطفال يَمُرُّون بمراحل مُتقلِّبة، وهذا لا يعني عدم حُبّهم لأهلهم؛ ربما أُسلوب الحماية الزَّائدة في التربية - بأن يُدلِّلُوا الطفل كثيرًا، ويُلبُّوا له رغباته، ويخافوا عليه - يجعل الأطفال يتمرَّدُون أحيانًا؛ كما تفعل القسوة أيضًا.
ومن الطبيعي ألا يعرف الطفل حُدوده، فحينما يلعب يندَمِج باللعبة، ويَصْعُب عليه الاقتلاع منها، وكذلك الأمر حينما يُسَرّ بمكان، فإنه لا يحب تَرْكه بسهولة.
المهم: انصحي أُخْتكِ أن تَحْزِم معها بمحبَّة، ويختلف أُسلوب التعامل حسب عمرها.
لكن بشكل عام لو كانت بعمر تدرك:
- فيجب أن تتَّفق معها قبل الذهاب أنهم سيعودون في وقت مُعين.
- ثم تُذَكّرها قبله بربع ساعة مثلاً؛ لتعطيها الوقت لتنهي ما في يدها لو كانت تلعب مثلاً، أو تشاهد شيئًا على التلْفَاز.
- تتوقَّع من ابنتها أن تساومَها أو تبكي؛ لكن عليها أن ترد عليها بحزم وحب ولا تناقشها.(209/1)
- حينما يأتي وقت الذهاب تحزم معها لو بكيت، ولا تسايرها؛ لأنها لو سايرتها فستَعْتاد البنت أن تبكي كل مرة؛ لتأخذ ما تريد؛ لكن الحزم بهُدوء ومحبة.
- تجعل لها مُكافآت بالسيارة تُكافئها بها بعدما يذهبون؛ لأنها سمعت الكلام، حتى لو لم تسمعْهُ بسهولة؛ لكن المكافأة لا يجب أن تكون مَشْروطة قبلها، ويُفَضَّل ألا تكون مادّيَّة تمامًا؛ بل أقرب للمعنوية؛ كأن يذهبوا معًا لمكان تحبه، أو تحكي لها قصة تحبها، أو تلعب معها بالبيت.
- اجعلوا التوجيه من الأمّ فقط، وحاولوا أن تنسحبوا لتتركوها تتصرَّف مع ابنتها. وبنفس الوقت حينما تكون معكم أخبروها أنكم تُعْجَبُون بها، لأنها تُطِيع والديها وتُحِب بيتها. وزُوروها أنتم أيضًا ببيتها.
- ختامًا: تذكروا أنَّ الأطفال يُفَكِّرون كالأطفال، ويتصرفون بطفولة، ولا يخلو طفل من مشكلات؛ لذلك ذَكِّرِي أختكِ أن تحتسب الأجر، وتدعُو الله أن يعينها على التربية السليمة، ويجعل أولادها من الصالحينَ بإذن الله.(209/2)
العنوان: ابنتي والغناء
رقم الاستشارة: 76
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
الدكتور بكار، السلام عليكم ورحمة الله،
قرأتُ لكَ كثيراً من الاستشارات، وأحيِّيكَ على هذا الأسلوب الراقي والفهم الثاقب.
مشكلتي أننا أسرة ملتزمة! وقَدَرُ الأسر الملتزمة في مصر هو الصعوبة البالغة في الحياة؛ فالمجتمع يلفظنا من جهة، ويفرض علينا عاداته الجاهلية من جهة أخرى، فتصلنا - على الرغم منا - في بيوتنا! فالموسيقى والأغاني تتسلل عبر مكبرات الصوت، ونسمعها في الطرقات ووسائل المواصلات، حتى أصبحتُ أسمع بناتي يُدَنْدِنَّ بالأغاني، فأموت حسرةً أنا وأبوهم على حافظات القرآن! والعجيب أن كلمات تلك الأغاني الماجنة خادشة للحياء، مدمِّرة للأخلاق، ومشجعة على الرذيلة، أصبح بناتي يسمعنها، فضلاً عن زميلاتهنَّ في المدرسة، والمعلمين أنفسهم!!!
وبناتي في سن مراهقة، أخشى عليهنَّ الفتن، وجرَّبتُ عدَّة طرق في التربية معهنَّ، ربما كانت جميعها خطأ!
لا أكفُّ عن الدعاء لهنَّ ليل نهار، وأصبح الحزن لا يغادر قلبي فَرَقاً عليهنَّ من بنات جنسهنَّ؛ فالرجاء إرشادي إلى بعض السُّبُل العلمية والعملية للنجاة بهنَّ من هذا المجتمع الظالم أهله، الذي لم يكتفِ بالضلال في نفسه؛ بل يرغمنا وفلذات أكبادنا عليه، والله في عون العبد مادام العبد في عون الناس.
تقبل الله منا ومنكم، ونصركم الله وسدَّد خطاكم، وبارك لله في العلماء الأكابر القائمين على الموقع، حتى غدا (شامةً) متميزةً بالقوة والمتانة والأصالة بين المواقع.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخت الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
شكراً لكلماتك اللطيفة، وأسأل الله أن يوفِّقنا جميعاً إلى ما يرضيه.(210/1)
أوافقكِ وأعاتبكِ على ما ذكرتيه!! هناك صعوبات جمَّة يقابلها الشابُّ والشابَّة في مجتمعاتنا هذه الأيام، ولكنَّ الأمر ليس بهذا السوء كما ذكرتِ! وأجمل ما يردده والدي الدكتور عبد الكريم بكار: هو أننا نعيش هذه الأيام أزهى عصور الإسلام بعد عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -!! قد تستغربين من ذلك، ولكنها حقيقةٌ واقعةٌ، ونتيجةٌ لدراسة متعمقة.
على كلٍّ؛ ما تواجهينه مع بناتك هو مشكلةٌ شائعةٌ للغاية؛ بل عالمية؛ إذ يمر الشاب والفتاة في هذه المرحلة بتغيرات واضحة وغريبة .. المراهقة ليست مرحلة انتقالية من الطفولة إلى النضج؛ بل هي مرحلة مميِّزة، لها سماتها الخاصة، وتحتاج إلى تعامل خاص؛ فتابعي معي النقاط التالية:
أولاً: أكثر ما نحتاج إليه في هذه المرحلة هو أن نكون الأقرب لأبنائنا؛ فلاحظي عن بُعْد، وساندي دون تدخُّل مباشر؛ لأنهنَّ لن يسمحنَ لكِ بذلك؛ كطبيعة معروفة لهذه المرحلة.
هنَّ بحاجة لشيء مهم: هو القبول والتصديق لاهتماماتهنَّ وآرائهنَّ وانطباعاتهنَّ.
قد تبدو هذه الآراء سخيفةً غريبةً، لكن لا مانع من قبولها؛ لأنها مؤقتة.
استمعي لهنَّ .. سانديهنَّ .. قدِّري مشاعرهنَّ في كل لحظة، مهما كنت تعتقدين أنها غريبة.
من الوسائل الفعالة للاقتراب منهنَّ: أن تحدثيهنَّ عن نفسكِ، وعن مشاعركِ عندما كنتِ في سنهنَّ، حدِّثيهنَّ عن مشاعر الوحدة والغربة بعد أن تغير جسمهنَّ ونفسياتهنَّ، حدثيهنَّ عن الانجذاب الذي قد يحدث تجاه الجنس الآخر، عن الصداقة، والثقة بالنفس، والأنوثة والجمال، والأثر السيئ للخيانة، وغير ذلك من الموضوعات التي تشغل بالهنَّ، واتركي لهنَّ أكبر فرصة للتحدُّث وأنتِ تستمعين.
جاء شخصٌ إلى الكاتب (ستيفن كوفي)، وقال له: "ماذا أفعل مع ابني؟ لا أفهمه، إنه لا يسمعني!". فطلب منه أن يكرِّر العبارة ثلاث مرات! ثم قال له الكاتب: "إذا أردتَ أن تفهمه؛ يجب أن تستمع إليه أنتَ، لا أن يسمعكَ هو"!!(210/2)
نعم؛ إذا أردتِ أن تفهميهنَّ؛ فلابد أن تستمعي لهنَّ، لا أن يسمعنَ لك.
وعند تقرُّبكِ لهنَّ انتبهي للنقطة التالية ..
ثانيا: قللي - قدر الإمكان - من الوعظ والنصائح .. صدقيني: إنه أسلوبٌ غير مُجدي، وسيعرفنَ الصحيح من الخطأ عبر محادثتك لهنَّ، دون إشارة مباشرة. ليس من السهل أن نمسك أنفسنا عن التوجيه؛ لكن قاومي ذلك قدر الإمكان.
ثالثاً: هل تَجدي بناتَكِ ممَّنْ يخفنَ منكِ، من التصريح بما يحدث لهنَّ، أو ما يجول في خاطرهنَّ؟؟
هذه علامةٌ سيئةٌ، سببها التوبيخ والتعنيف المتواصل؛ فلا تتوقعي أن يحدِّثنك بكل شيء طالما سيقابلنَ بذلك، لكنكِ كلما تفهَّمتِ مشاعرهنَّ، وقلَّلتِ من الحكم عليها، استطعنَ الاقتراب منكِ.
إن الوصول إلى هذه المرتبة أمرٌ رائعٌ، ويحتاج إلى الكثير من العمل وضبط النفس.
ختاماً: تذكري - واثقةً - أن ما تمر فتياتكِ به هي مرحلةٌ مؤقتةٌ بكل معنى الكلمة، وهدفكِ هو المحافظة عليهنَّ من كبائر الأحداث؛ حتى يعبرن هذه المرحلة بسلام، وتغاضي عن صغائر الأمور؛ فهذا هو أفضل حلٍّ لها!!
وفَّقكِ الله إلى كل خير، ومرحباً بكِ - دائماً - في موقع (الألوكة).(210/3)
العنوان: ابني الكبير والتبول الليلي
رقم الاستشارة: 217
المستشار: د. ياسر بكار
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
شكرًا لكم على اهتمامكم وحرصكم.
ابني يبلغ من العمر 14 سنة، ويُعانِي التبول الليلي، جسمه نحيل، وطوله 130سم تقريبًا، وخلال الأسبوع قد يتبول في الليل مرتين إلى خمس مرات، علمًا بأنه يذهب لدَوْرَة المياه قبل النوم، وقد حاول جاهدًا التغلُّب على هذه المشكلة التي يقع بسببها في حرج شديد، وخاصَّة أنه يرغب في زيارة الأقرباء والنوم عندهم كل شهر يومًا..
شكرًا لكم، ووفقكم الله.
-----------------------------------------
الجواب:
الأخ الكريم، مرحبًا بك في موقع (الألوكة)، وشكرًا لمحبتكَ وثقتكَ الغالية..
التبول الليلي هي مشكلة شائعة لدى الصغار، وقد يحدث في عمر ابنكم أيضًا.. أريدك أن تتابع معي النقاط التالية:
أولاً: عادة ما نلجأ إلى استثناء أي مشكلة عضوية قبل علاج التبول الليلي، كالتهابات في المسالك البولية، أو تشوُّه خلقي فيها، خاصة إذا كان المريض يعاني أية أعراضٍ بوليةٍ, وهنا فقط يجب مراجعة طبيب المسالك.
ثانيا: يُعَبِّر التبوُّل الليلي - في بعض الأحيان - عن القلق، وعدم الارتياح النفسي، وعدم استقرار جو الأسرة أو البيئة الاجتماعية المحيطة (كالمدرسة والحي ...)، أو عدم وجود الدعم النفسي والأسري الكافي المتفهم للمشكلة وطريقة علاجها، وهنا سيكون من المفيد بحث هذه المسألة معه، وتذكَّر أن التبول الليلي قد يكون عرضًا لمشكلة وليس مرضًا.. أي أننا يجب أن نبحث ما وراء هذا التبول من مشكلة نفسية.. وسيساعدكم زيارة الطبيب النفسي أو الإخصائي النفسي في التعامل مع هذه الحالة إلى حد كبير وبنتائج رائعة.(211/1)
إن من الملاحظ – أيضًا - أنه في كثير من الأحيان يكون بداية التبول الليلي لدى الطفل أو الشاب الصغير عند وجود حدث مهم أو توتر في الأسرة أو خارجها.. هذا على افتراض أن التبول الليلي بدأ بعد أن تحكم ابنك به لفترة ما (أي ثانوي).
أما لو كان التبول مستمر منذ الولادة مع الأعراض التي ذكرتها، فيجب مراجعة طبيب الباطنية؛ لأن السبب في الأغلب ليس نفسيًّا.
ثالثاً: يعاني الشباب الصغار المصابون بالتبول الليلي - في مثل هذه السن - ضعفَ الثقة بالنفس؛ إذ ينظرون إلى أنفسهم على أنهم أقل من الآخرين، وهذا ما يزيد الحالة سوءًا؛ لذا يتوجب علينا أن نقوم بدعم الشاب بكل ما نملك، ونخبره بأن هذه مشكلة عابرة وسيتغلب عليها, وأن المهم ما يظهر من سلوكه في السر والعلن، وغير ذلك من التشجيع والمساندة، وفي نفس الوقت يجب أن نمنع - بشتى الوسائل - تلك الغَمَزَات واللمَزَات التي قد يرسلها إخوانه له بسبب مشكلة التبول.
رابعاً: نستخدم نحن في العيادة النفسية عدة طرق للتعامل مع مشكلة التبول .. ففضلا عما سبق يجب أن يتَّبع الشاب عدة تعليمات؛ منها: أن يتبول قبل النوم، وألا يشرب السوائل بعد الساعة الخامسة مساءً قدر الإمكان، وأن يتم إيقاظه ليلاً في ساعة محددة للذهاب إلى الحمام.
ومن الوسائل المفيدة أيضًا: استخدام جدول التعزيز؛ وهو جدول يتم فيه تسجيل حالة التبول كل ليلة ومن ثم يتم إبلاغ الشاب أنه سيحصل على نجمة أو علامة في كل ليلة لا يتم فيها التبول، وسيحصل على مكافأة يحبها كلما جمع عددًا من النقاط الإيجابية (اثنين ثم ثلاث ثم أربع في الأسبوع ... وهكذا بالتدريج)، وتنفيذ ذلك، وبالتالي يمكن تحفيزه للوصول إلى الهدف المنشود.
وأخيرًا.. هناك علاج دوائي يعطي مفعولاً رائعًا، وليس له أعراض جانبية مهمة، وسيقلل في نفس الوقت من شعور الشاب بالحرج, ويلزمك - سيدي الكريم - زيارة الطبيب النفسي للحصول على هذا الدواء.(211/2)
أتمنى أن أكون قد قدمت لك ما يفيد، ومرحبًا بك دائمًا في موقع (الألوكة).(211/3)