مقدمة البحث
الحمد لله الذي يقول الحق وهو يهدي السبيل، والصلاة والسلام على عبده ورسوله، نبينا محمد الداعي إلى ربه بأقوم برهان وأصدق دليل، وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين : (أما بعدُ)
فإن الإسلام دين البشرية الرشيد، المنظم لطرق عبادتها لربها والمخطط لسلوكها، بما يحدد العلاقة بين العبد وخالقه، وبين الفرد والفرد، والفرد والجماعة، والجماعة والجماعة .
وقد أقام الإسلام مقرراته في ذلك على أحكام الكتاب والسنة، ومن أجل ذلك امتزجت الناحية الدينية في الإسلام بالناحية الدنيوية ؛ فغدت الشريعة في مصدريها الأصيلين الكتاب والسنة هي مصدر الأحكام : على هديها ينظم المسلمون شؤون الدين والدنيا معا ؛ مستهدين في جميع شؤونهم بنور القرآن : تشريعًا مُحكمًا، ومنهجًا دقيقًا عادلًا، وحكمًا رفيقًا هادئًا، لا عنف فيه، ولا ظلم، ولا إجحاف !!
نعم : إن مفتاح سعادة الأمة الإسلامية مطوي في هذا الكتاب العزيز :(1/1)
فهو كلية الشريعة، وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر لا طريق إلى الله سواه، ولا نجاة بغيره ولا تمسك بشيء يخالفه، أنزل الله فيه كل علم وبيَّن فيه كل شيء، وما نزلَتْ بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله تعالى الدليل على سبيل الهدى فيها فقد كان ولا يزال هو المرجع الأول لجميع مصادر التشريع في الإسلام قال تعالى: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } (النحل: 89)
وهو بين الكتب والتشريعات التي سبقته أكملها وأحكمها وأعدلها وأقومها كما وصفه الله جل وعلا بقوله: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } (المائدة: 48)(1/2)
وقد ظلت الأمة الإسلامية حقبا طويلة من الزمن ؛ عزيزة الجانب، صلبة العود مرفوعة الرأس قوية الشكيمة ؛ قد كتب الله لها العز والتمكين والنصر، فكانت بحق خير أمة أخرجت للناس ؛ وما ذاك إلا لأنها أقبلت على هذا الكتاب العزيز، واهتدت بهديه واستضاءت بنوره، وسارت على دربه، وعُنيت به حفظاً، وفهماً وتدبراً، وتعليماً، وتعلما، وعملت بما فيه ونفذت أحكامه وجعلته مصدر شريعتها وسبيل هدايتها وعصمتها من الأهواء وشفاءها من الأدواء !!
والمطلع على تاريخ الإسلام والمتتبع لسيرة المسلمين منذ أشرق هذا الفجر على الدنيا يجد أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وسيرة السلف الصالح من هذه الأمة كانت تهدف إلى أخذ المسلمين بهذه السياسة وإقامة دعائم حياتهم على أسس متينة الأركان لا يتسرب إليها ضعف، ولا يداخلها وَهَنٌ ما قامت فيها شرائع الإسلام ؛ فلما أن ضعف شأن المسلمين، وتفرقت وحدتهم، وقلت هيبتهم، ووهنت عزيمتهم، نال منهم أعداؤهم كل منال .(1/3)
ولما أذن الله لهذا الليل أن ينجلي وللصبح أن ينقشع ؛ بدت في الأفق أثار مباركة لصحوة راشدة حمل لواءها وقاد حركتها وأضاء مشعلها ( المملكة العربية السعودية ) حرسها الله ووفق قادتها لكل خير .(1/4)
فمنذ أن قامت المملكة العربية السعودية قلب الجزيرة العربية النابض ومهبط الوحي، ومأرز النبوة، وأرض الحرمين الشريفين، وقبلة المسلمين في كل أنحاء المعمورة، كان منهجها واضحا وغايتها محددة يؤكد قادتها دائماً (نحن دولة تقوم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نناهض كل ما يتعارض مع ذلك، أو يُخرج بنا عنه) وبفضل من الله ظلت في كل أدوارها وعلى مر تاريخها وفي كل أحكامها وفي جميع شؤونها تستند إلى ما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة وما أجمع عليه سلف هذه الأمة وأئمتها ؛ فلم تَحِد عن هذه الجادة قيد أنملة رغم كل الأحداث، والمتغيرات والتقلبات السياسية، والتيارات، والمذاهب التي هبت على هذا العالم قديما وحديثا، ولا شك أن واقع الحال ينبئ عن المستقبل وفي الوقت ذاته يعد الماضي صفحة مفتوحة نستقرئ فيها أحداث الماضي ونستنبط الدروس والعبر ؛ ذلك لأن التاريخ حكم محايد يحتفظ في طياته ومنعطفاته بتطورات الأحداث مهما دقت، أو عظمت دون مجاملة أو محاباة. وبهذا الفهم تتكشف أمامنا الصور المضيئة لتاريخ المملكة العربية السعودية العريق الذي قادها حثيثًا إلى الحاضر الزاهر .
نعم إن الحقيقة التي لا مراء فيها :(1/5)
أن الحكم في المملكة يقوم على أصول أساسية متماسكة أشد ما يكون التماسك لا يستقل منها أصل، دون أصل ولا يغني منها أصل عن أصل سواه، مترابطة بوشائج الترابط الحسي، والمعنوي، على امتداد تاريخها، وتتابع أطوارها .
ولأن نظام الحكم فيها يستمد مبادئه وجوهره من " الشريعة الإسلامية " فالحكمُ السعودي والحاكم السعودي مقيدان تماما بأحكام هذه الشريعة الغراء ؛ تقيُداً يجسد مسؤولية الحاكم في حفظ الدين، وحراسة الملة، ويطبق شرائع الإسلام، تطبيقا عمليا في كل مناحي الحياة، وجميع أوجه النشاط الإنساني : في العقيدة، والعبادة، والآداب، والسلوك، والأخلاق، والعادات، والتقاليد، والاقتصاد، والاجتماع والثقافة، والتربية، والتعليم، والصحافة والإعلام، والأجهزة الرسمية والشعبية، والمصالح الحكومية، والدوائر والمؤسسات والهيئات، والوزارات، والإدارات، وسائر المرافق .
وبهذا الإيمان الراسخ وبذلك التمسك القوي بأحكام الشريعة شاد حكامها على اختلاف أطوارها وتتابع أدوارها بنيانا صلبا، وصرحا شامخا ؛ يكتسب قوته من الكتاب والسنة، ويفتخر بما حققه الأجداد والأباء من أمن وأمان، يسودان أرجاء البلاد على اتساع أرضها وترامي أطرافها .(1/6)
إن المملكة العربية السعودية وهي تطبق أحكام القرآن، وتنفذ شرائعه، وتوليه جل عنايتها، واهتمامها، لتدرك جيدا، أنه ليس هناك ما يستحق الرعاية والاهتمام في حياة الأمة الإسلامية، أكثر مما يستحقه كتاب الله تعالى : الذكر الحكيم، والنور المبين والهداية والرحمة، والنور والشفاء، لما في الصدور، وما هذه الندوة التي تعقد اليوم في هذا المجمع المبارك : "مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف" على تراب طيبة الطيبة إلا ثمرة من ثمار يانعة وجهود مباركة بذلت في سبيل تأسيس الدولة، وتوحيد أجزائها ولم شتاتها، وأعمال مضنية استغرقت وقتا طويلا، ووُجِهت بمصاعبَ توهن العزائم وتفت من عضد الرجال لكن العزم وقوة الإيمان كانت أصلب وأشد قال تعالى { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ } (القصص: 5)(1/7)
إن القرآن الكريم قد حسم الحكم في قضية التشريع، ولم يجعل مكانا للمماحكة في هذا الحكم الجازم ولا لمحاولة التهرب والتحايل والتحريف ؛ فشريعة الله هي التي يجب أن تُحكَم في هذه الأرض، وهي التي يجب أن يتحاكم إليها الناس، وهي التي يجب أن يقضي بها الأنبياء ومِنْ بعدهم الحكام، وهذا هو مفرق الطرق بين الإيمان والكفر، وبين الشرع والهدى، فلا توسُّط في هذا الأمر، ولا هدنة، ولا صلح فالمؤمنون هم الذين يحكمون بما أنزل الله، لا يُحَرِّفون منه حرفاً، ولا يبدلون منه شيئا والكافرون والظالمون والفاسقون هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله لأنه إما أن يكون الحكام قائمين على شريعة الله كاملة فهم في نطاق الإيمان، وإما أن يكونوا قائمين على شريعة أخرى ممَّا لم يأذن به الله فهم الكافرون والظالمون والفاسقون، والناس كل الناس إما أن يقبلوا حكم الله وقضاءه في أمورهم فهم المؤمنون، وإلا فما هم بمؤمنين ولا وسط بين هذا الطريق وذاك، ولا حجة ولا معذرة { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } (المائدة: 50)(1/8)
فشريعة الله التي جاء بها القرآن الكريم جاءت لتكون هي المرجع النهائي للبشرية جمعاء، ولتقيم المنهج الذي تقوم عليه الحياة البشرية في شتى شعبها ونشاطاتها، لقد جاءت ليُحكم بها، لا لتعرف وتدرس، وتتحول إلى ثقافة في الكتب تُسَوَّدُ بها القراطيس ؛ يقول الله تعالى { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ } (المائدة: 48)(1/9)
إن هذه القضية يجب أن تكون واضحة، وحاسمة في ضمير المسلم ويجب التسليم التام بمقتضى هذه الحقيقة، وإلا لا يستقم للمسلم ميزان، ولا يتضح له منهج ولن يخطو خطوة واحدة في الطريق الصحيح . إن القرآن الكريم -وللأسف الشديد- في أيامنا هذه لم يتبوأ المكانة السامية أو المنزلة المرموقة بنحو كاف بين أنصاره وأتباعه، فهو ليس للتبرك، ولا للتلاوة على أرواح الأموات، ومناسبات التعازي، أو التلاوة اليومية من حفظته وعشاقه فقط، وإنما هو دستور للعمل والتطبيق، وتصحيح للعقيدة والشريعة ومناهج السلوك والأخلاق، فإن الله تعالى أوجب بنص قاطع على عباده أن يتدبروا آياته، ويعملوا بنحو شامل لا يقبل التجزئة بشرائعه وأحكامه، كما قال سبحانه: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } (ص: 29)(1/10)
إنه لو أتيح لكثير من الحكام حظ من التعقل والإنصاف ولو تجردوا ساعة من شهواتهم ؛ لاستمدوا التشريع من معين القرآن، دستور الحياة الأقوم، ولحكموه في جميع شؤونهم، بإيمان واثق يملأ النفوس، والقلوب، والمشاعر، والأفئدة، وينير جوانب الحياة كلها ضياءُ الإسلام ونور القرآن ؛ هنالك تزدهر الحياة وتسعد الرعية ويستشعر العطشى إلى حياة هانئة سعيدة بأن القرآن هو طريق السعادة وسبيل النجاة وذلك من خلال الاستجابة لأوامر الله تعالى والالتزام الدقيق بتطبيق شرعته وتحكيم شريعته في واقع البشرية جمعاء فاللهم حقق النفع وسدد الخطى وعلِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، والعاقبة للمتقين . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
راجي عفو ربه /
صالح بن غانم بن عبد الله السدلان
الرياض في 16 / 3 / 1421هـ
الموافق 18 / 6 / 2000م(1/11)
الباب الأول
اتخاذ القرآن الكريم أساساً لشؤون الحكم في المملكة :
ضرورة التشريع الإلهي لكل زمان ومكان :
"إن ضرورة التشريع لصلاح الحياة الإنسانية أمر لا خلاف فيه، فالحياة الإنسانية لا تصلح إلا بنظام ترجع إليه وتشريع تحتكم إليه، ومن أخطر مشكلات الإنسان التي يواجهها في طريق بحثه عن السعادة والأمن والاستقرار مشكلة التشريع الذي يرجع إليه في نشاطه والنظام الذي يحكمه في تصرفاته والضوابط التي يلتزم بها في علاقاته مع عناصر الوجود كله "والقرآن الكريم هو المصدر الأعلى الجامع لأصول التشريع والسنة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع وهي تالية للقرآن الكريم في منزلة المصدرية ورتبتها، وتجيء مبينة لمجمله، مفسرة لمبهمه، مقيدة لمطلقه، محققة لشرطه والتطبيق العملي لنصوص الكتاب والسنة ووضع هذه النصوص موضع التنفيذ هو التطبيق الواقعي المستقيم لمقاصد الشريعة وهو التطبيق الذي جرى عليه الخلفاء الراشدون وعلماء الصحابة في فتواهم وأمراء الولايات والفتوحات والجهاد في سياستهم وأحكامهم ومن استن سنتهم وسار على دربهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها " (1)
_________
(1) القرآن شريعة المجتمع : د / عارف خليل أبو عيد، ص15، وما بعدها «بتصرف»، ط دار الأرقم بالكويت ط الأولى 1405هـ .(1/12)
(وقد تنوعت أحكامه فلم تقتصر على الأسس والقواعد الواجبة التطبيق في مجال معين وإنما تضمنت الأحكام الخاصة بالعقيدة والشريعة والعبادات والأخلاق .. ذلك : لكي تتكامل شخصية المؤمنين به وتتآزر مختلف الأحكام في تكوين المجتمع الفاضل وإعداد الشخصية المسلمة وتربية الأمة تربية إسلامية تؤهلها لوصف الله إياها بأنها خير أمة أخرجت للناس، إننا لن نسهب في بيان أن القرآن الكريم كتاب إلهي أوحاه الله تعالى إلى رسوله خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم ، ونقل إلينا بطريق القطع الذي لا يدخله ريب في كلمة أو حرف منه، نقلا متواتراً، لم تتخلله فترة من لحظات الزمن منذ أنزله الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وتلقاه عنه أصحابه، وكتبوه وحفظوه في صدورهم آية آية، وسورة سورة، على الوضع الذي هو عليه في صدور حفظته من عشرات الألوف من قراء الإسلام، في كل عصر ومصر من أمصار الإسلام . ذلك لأن هذا النحو من البحث إنما يكون من الذين يلحدون في آيات الله عناداً للحق ومكابرة لواضح البرهان، وقد أشبعه العلماء بحثاً، وأطنبوا فيه حديثا، حتى جعلوه لمن شرح الله صدره لقبول الحق مكان الشمس في ضحوة النهار ليس دونها سحاب.(1/13)
وإنما نقصد إلى الحديث عن القرآن باعتباره منبع الهداية، وموئل الحكمة، ومبعث العدالة والرحمة، والمصدر الأعلى للتشريع الإسلامي على ما جاء في حديث الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال « كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يَخْلَقُ على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا } . { يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ } (الجن: 2،1)، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه فقد هُدي إلى صراط مستقيم » ...) (1)
_________
(1) سنن الترمذي لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة، جـ5، ص172، 173 كتاب فضائل القرآن باب ما جاء في فضل القرآن ج رقم 2906 - قال أبو عيسى رحمه الله : هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده مجهول وفي الحارث مقال .(1/14)
والتاريخ الصادق لا يتردد في أن القرآن الكريم قد عاصر أحداث تطور الإنسانية سياسيا وفكريا واجتماعياً، وعاصر المد الحضاري في العصور المختلفة ولم يحظ كتاب بمثل ما حظي به القرآن العظيم من العناية في تلقيه وحفظه وضبطه ونقله وروايته جيلا بعد جيل، وقبيلا إثر قبيل.
* فهو الكتاب الفذ الذي حفظ في صدور قرائه من جماهير المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها وجنوبها تلاوة وحفظا وإتقانا وتجويداً وحذقا لا يفوتهم منه حرف من كلمة أو آية .
* وهو الكتاب الفذ الذي كتب كله في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفقد منه حرف .
* وهو الكتاب الفذ الذي أجمع المسلمون بجميع فرقهم ومذاهبهم على شرط التواتر القائم في نقله سورة سورة، وآيه آية، وكلمة كلمة.(1/15)
* وهو الكتاب الفذ الذي انفرد في عصر النبي صلى الله عليه وسلم بالكتابة بأمره صلى الله عليه وسلم حتى انفرد بالتواتر واشتهر بالعرفان لدى الخاصة والعامة فلا يشتبه بغيره لأول وهلة وإن كان بأسلوبه البياني الخاص لا يمكن فيه الاشتباه عند أدنى تأمل، روى الأئمة وأخرجه مسلم من حديث أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه » ... الحديث) (1)
ذلك لأن القرآن منذ نزوله آية آية، وسورة سورة، كان له تاريخ مشهود، في تلقيه ونقله بالتواتر القاطع، وحفظه في الصدور، وكتابته في الصحف والمصاحف، فلم يعرف التاريخ القرآني أنه في وقت من الأوقات أو لحظة من لحظات الزمن فقد المسلمون سورة من سوره، بله آية من آياته، بله القرآن كله، وكانت خصيصة القرآن في تلقيه ونقله التواتر القطعي، فهو بهذا يكون محفوظاً تاماً من التحريف أو التغيير أو التبديل .
_________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه في ك. الزهد ب. التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم، جـ4 2298 ج رقم (3004) .(1/16)
نعم إن القرآن الكريم يحمل بين أحضانه برهان حفظه فالله تعالى يقول فيه { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (الحجر: 9). بيد أن الحفظ قد تختلف وسائله وتتعدد طرائقه ومن مظاهرها في المتعارف بين الناس هو تيسير الأمة إلى العناية به عناية تفوق كل عناية وبهذه النظرة الفاحصة وبهذا الاعتبار المشرق كان القرآن الكريم هو المرجع الأول لجميع مصادر التشريع في الإسلام، والدستور الجامع لتلك التشريعات نصا وتفصيلا، أو دلالة وتأصيلا، وهذا عند جمهور المفسرين والفقهاء وهو معنى العموم في قوله تعالى { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } (الأنعام: 38).
فالكتاب عندهم هو القرآن بدلالة قوله تعالى : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ } (النحل : 89) لأن المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم تبياناً لكل شيء هو القرآن الكريم بلا منازع .(1/17)
يقول الإمام الشافعي رحمه الله (... فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله تعالى الدليل على سبيل الهدى فيها وأخرج عنه ابن جرير وابن حاتم أنه قال: أنزل الله في هذا القرآن كل علم وبين فيه كل شيء ولكن علمنا يقصر عما بُيِّن لنا في القرآن) (1)
وهذا كلام يدل على نفاذ بصيرة وتعمق في فهم القرآن، وفقه معانيه، لأن القرآن الحكيم هو المعجزة الخالدة للنبوة الخاتمة، فلو لم يكن فيه من العلوم والمعارف ما تقصر العقول عن الإحاطة به في عصر من العصور لما تحقق استمرار إعجازه والتحدي به على مر العصور والأجيال، وإعجازه قائم لا تزال الأيام تكشف منه كل يوم جديداً .
وإن نظرة واحدة إلى ما شرعه الله في القرآن من أصول وقواعد، وما دعا إليه من آداب وسلوك، وسنن قويمة تجعل المرء يؤمن من أعماق قلبه أن الإسلام جعل هذه الأمة، خير أمة أخرجت للناس، تقودهم إلى الخير، وتوجههم إلى الغاية المثلى وتدلهم على السعادة الحقيقية) (2)
وصدق الله تعالى إذ يقول : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } ... (آل عمران: 110)
_________
(1) الرسالة للإمام محمد بن ادريس الشافعي، ص20 مطابع دار الكتب العلمية بيروت، لبنان.
(2) الموسوعة في سماحة الإسلام، للدكتور الشيخ / محمد الصادق عرجون، جذ / 33 : 42 «بتصرف» تحقيق أحمد شاكر، طبع ونشر الدار السعودية الطبعة الثانيه 1404هـ = 1984م .(1/18)
ولسنا الآن بصدد تفصيل كل ما سنه الإسلام من شرائع لإصلاح الحياة، وتهذيب كل ناحية فيها، وتأمين الناس حتى لا يبغي بعضهم على بعض، ولا يأكل أحد مال أحد أو يَلِغُ في عرضه أو يكشف سِتره أو يهتك حرمته، فذاك أمر يطول الحديث فيه .(1/19)
ولكن دعنا أخي القاري الكريم نقتطف زهرة فواحة من بعض النواحي، وفيها غنية لكل عاقل يلازمه النظر الصحيح والإدراك السليم، ودلالة أبلغ دلالة على أن الإسلام دين ودولة أدب وسياسة، عبادة ومعاملة، وتشريع يربط العبد بربه ويصل الإنسان بأخيه الإنسان، صلة كريمة لا بغي فيها ولا عدوان ؛ فمن حيث عموميته وشموله فإنه تشريع محكم وعام وخالد أتى بالأسس التشريعية والخلقية التي تسمو بالإنسان إلى أعلى درجات الكمال، أنزله رب البرية عاماً للثقلين : الإنس والجن وموجه إلى الناس كافة، باعتبار إنسانيتهم التي ميزتهم عن سائر الحيوان : يحقق مصالحهم في كل عصر ومصر، ويفي بحاجتهم ولا يضيق بها ولا يتخلف عن أي مستوى عال يبلغه أي مجتمع من المجتمعات، ومع عمومية التشريع الإسلامي فإنه شامل كذلك لكل جوانب الحياة ومناحي الاجتماع فلم يترك شاردة ولا واردة إلا ذكر فيها خبراً أو شملها حكماً أو أدرجها تحت أصل أو قاعدة .
فقد وسع بقواعده العامة وأحكامه الفرعية جميع شؤون الحياة واستوعب حاجات الإنسان ووفق بين مقاصده وبين تحديد الغاية من خلقه... قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (الذاريات: 56)(1/20)
وقال تعالى: { قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ } . { وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ } (الزمر:11، 12)
وتناولت بيان وظيفته في الحياة ومركزه في هذا الكون الفسيح قال تعالى : { هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ } (هود: 61)
وقال تعالى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } (الملك: 15)
والإيمان به ينحصر في الإيمان بوجود الله ووحدانيته، والإيمان بالملائكة والرسل الكرام، وبالكتب الإلهية المنزلة، وبالقدر خيره وشره، وعناصر هذه العقيدة تسمو عما نشاهده في عالم اليوم من عقائد باطلة وفلسفات مشوهة، فهي عقيدة تحرر الإنسان من المخاوف والقلق والاضطراب، وتشعره بعزته وكرامته وأهمية وجوده في الحياة، حيث إنه مستخلف في الأرض وهو المنوط به إعمار الكون، وتقدم الحياة البشرية، وإحراز السبق المدني والحضاري .(1/21)
إن عقيدة القرآن تعتمد العقل وسيلة الإقناع، والحكمة أسلوب الدعوة إليها، والعلم ميزاناً ومأوى، وطريقاً لبناء الفكر والحضارة .
أما العبادة في الإسلام، فهي ترجمان صادق حسي للعقيدة، ولا بد منها ؛ لأن الإيمان : ما وقر في القلب وصدقه العمل، وهي بالإضافة لذلك طريق لغرس رقابة الله في السر والعلن في القلوب المؤمنة، وتلك الرقابة مصدر دافع لكل خير ومبعد ناء عن كل شر، فهي تهذب النفس والمشاعر الإنسانية، وترشد إلى الفضيلة ومقاومة الرذيلة، وتدعو إلى الخير العام والخاص، وتؤدي إلى توثيق الروابط والصلات الاجتماعية والإنسانية والأسرة في الإسلام قوية متضامنة مترابطة غير مفككة، تجمع بين أفرادها المحبة والمودة والرحمة والعطف بين الكبير والصغير، ويعتز المسلمون ببقاء رابطة الأسرة قوية غير مفككة خلافاً لما في الغرب أو الشرق ؛ لأن الأسرة محكومة بضوابط وآداب وسلوك قرآنية في الإسلام .(1/22)
والمجتمع الإسلامي أيضاً مجتمع متكافل متراحم متعاون، والأمة الإسلامية صاغها القرآن الكريم وجعلها أمة واحدة، والمؤمنون إخوة، والجماعة رحمة والفرقة عذاب، ويد الله مع الجماعة، والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يرعى القوي الضعيف، والغني الفقير، والصحيح المريض. والمحبة نسيج الإيمان الذي يجمع أبناء هذا المجتمع، والمجتمع الإيماني هو قاعدة الدولة في سلمها وحربها، وفي دعم أزماتها المالية ورفدها بكل ما تحتاج إليه لحماية وضمان المصالح العامة الداخلية والخارجية ، وأبناء المجتمع القرآني بناة المدنية والحضارة الروحية والمادية معاً، يعملون بما يحقق الصالح العام والأهداف الكبرى، ويمتنعون عن كل ما يوهن الأمة ويضعف المجتمع المعاصر، وإبقاء مظاهر التخلف والجهل والفقر والمرض .(1/23)
والمعاملات أو العقود في منهج القرآن بين أبناء المجتمع كلها مدنية، لا شكليات ولا تعقيدات فيها، ولها ضوابطها وقواعدها الشرعية القائمة على حفظ الحقوق وإقامة الحق والعدل والمساواة ومنع المنازعات ومقاومة كل أشكال الكسب غير المشروع الناجم عن الغش والغبن والاستغلال، والطيش البين، والهوى الجامح، والخداع، والقمار، والربا أو فوائد القروض والبيوع، وجميع حالات أكل أموال الناس بالباطل، « فكل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه . »
والتعازير تعد مؤيدات وكوابح لحماية نظام الشريعة الأصلي واحترام أصولها العامة، وغايتها تحقيق الأمن والاستقرار والأمان وزرع الثقة فيما بين الناس .(1/24)
والأخلاق في المنهج القرآني ليست ذات غاية نفعية، وإنما هي محترمة مصونة لذاتها، ولأنها جزء من العقيدة والدين، وهي محل عقاب وجزاء في الدنيا والآخرة ؛ يشعر كل مسلم أنه بالتزامه الجانب الأخلاقي يرضي الله به، ويحس في أعماق نفسه بضرورة الأخلاق الحسنة من صدق وأمانة ووفاء بالعهد والوعد وإتقان العمل، والإخلاص، والحلم، والجود، والرفق والرحمة، والصبر والعفة، والحياة والإخاء والاتحاد، والكرامة وعزة النفس، والشجاعة والإقدام والانتفاع التام بالوقت، وغير ذلك ليسعد الناس، ويهنأ المجتمع .
ونظام الحكم في الإسلام يقوم على أسس الحق والعدل، والشورى، والمساواة، والحرية في إطار الدين الذي يمنع الجموح والشذوذ ومصادمة القيم الكبرى والنظام الأمثل وسعادة الإنسان نفسه، ويعدُّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساس التكافل الأدبي والثقافي والاجتماعي، كما أن التضحية والعمل للصالح العام المقدم على الصالح الخاص، وبناء مستقبل الأمة والتعاون والتكافل، كل ذلك من قواعد الحكم القرآني .(1/25)
* ويدعو القرآن كذلك إلى المحافظة على الأموال فيقول جل شأنه { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (البقرة: 188)
* ويحرص أشد الحرص على صيانة الدماء فيقول عز من قائل { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } (الإسراء: 33)
* وقوله تعالى : { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } (النساء: 93)
*ويشرع القصاص فيقول سبحانه: { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة: 179)(1/26)
* ويدعو إلى الوفاء بالعقود واحترام العهود حتى مع المعاهدين ومن دخلوا في ذمة المسلمين : { إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } (التوبة: 4)
* وهكذا نجد في كل ناحية، تشريعا محكماً ونظاما دقيقا وحكما هادئا رفيقا، لا عنف فيه ولا قسوة ولا ظلم ولا إجحاف، ولا يشعر أحد بما يشق عليه أو يجد فيه عسرة مادام يؤدي واجبه ويقوم بتبعاته .
? فهل بعد هذا تشريع يحفظ كيان المجتمع من التهدم ويصونه من الانحلال والتدهور؟
* وهل بعد هذا التشريع المهذب السمح، تشريع يمكن أن يأخذ به الناس وتسير عليه الجماعات ويصلح به شأن الدنيا؟، فإذا صح عزم المرء وصدقت نيته في التوجه إلى الله فإن في أحكام القرآن وشرائعه دليلاً له إلى معالم الصراط المستقيم ? { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ } .. الآية (الأنعام: 153)(1/27)
* كما أن التحدي به قائم يحمله في أحضان آياته فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر في القرآن من مظاهر الإعجاز بكل صوره ما لم يكن معروفاً للعصور التي سبقته تمشياً مع تقدم الفكر البشري وتقدم العلوم والمعارف .
* أفي هذا عبرة لمن تحدثهم نفوسهم أن الإسلام دين ليس له شأن في الدولة؟، وعبادة لا تتصل بالسياسة؟، إنه ادعاء مريض وتفكير سقيم، ونظر كليل، لا يعرف الحقائق الدامغة، ولا يبصر ما تحفل به صحائف التاريخ من مجد أثيل وجاه عريض، والسماحة واليسر في تكاليف الإسلام وشرائعه من أهم خصائص التشريع القرآني، قال الله تعالى : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } (البقرة: 185) ومبدأ السماحة واضح في العبادات والمعاملات حيث يسر الله أداءها وراعى الظروف الاستثنائية الاضطرارية والحاجية كالسفر والمرض والإكراه والاضطرار، وراعى مبدأ الظروف الطارئة في العقود وغيرها .(1/28)
والخلاصة إنه حين يستعرض المرء مظاهر التشريع القرآني ويتأمل فيما أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم من أحكام وآداب ؛ يرى أن الإسلام وضع الدواء الناجح لكل داء والبلسم الشافي لكل جرح، وعالج كل مشكلة يمكن أن تصيب الجماعة بالتصدع والانهيار ...... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله تعالى : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } .. الآية (المائدة: 48)(1/29)
قال : (إن القرآن الكريم قرر ما في الكتب المتقدمة من الخبر عن الله، وعن اليوم الآخر، وزاد ذلك بياناً وتفصيلاً، وبين الأدلة والبراهين عن ذلك وقرر نبوة الأنبياء كلهم ورسالة المرسلين، وقرر الشرائع الكلية التي بعث بها الرسل كلهم ... ومن تأمل ما تكلم به الأولون والآخرون في أصول الدين والعلوم الإلهية وأمور المعاد، والنبوات، والأخلاق والسياسات والعبادات، وسائر ما فيه كمال النفوس وصلاحها وسعادتها ونجاتها لم يجد عند الأولين والآخرين من أهل النبوات، ومن أهل الرأي كالمتفلسفة وغيرهم إلا بعض ما جاء به القرآن ... ولهذا لم تحتج الأمة مع رسولها وكتابها إلى نبي آخر وكتاب آخر فضلاً عن أن يحتاج إلى شيء لا يستقل بنفسه غيره) (1) . .
_________
(1) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جـ / 17 / 44،45 ط ونشر وتوزيع الرئاسة العامة لشئون الحرمين الشريفين(1/30)
إذا كان القرآن قد أبان أصول الاعتقاد المنجي بين يدي الله تعالى، ووضح للبشرية طريق العبادة الصحيحة، وأحل الحلال النافع، وحرم الحرام الضار، ووضع منهج المعاملات المشروعة، فأحل البيع، وحرم الربا، ومنع أكل أموال الناس بالباطل من سرقة ورشوة وغصب ونهب وغش وخديعة وغبن واستغلال، وأقام دعائم الحكم على أساس من الحق والعدل والشورى والحرية والمساواة، ونظم العلاقات الدولية على قاعدة من إيثار السلم لا الحرب، والأمان لا الإرهاب والرعب والخوف، والوفاء بالعهد، والرحمة والفضيلة والأخلاق والإنسانية الكريمة، وشرع الجهاد لدحر العدوان وقمع الظلم، وإنقاذ المستضعفين، وحماية المضطهدين، ومنع الفتنة في الدين، والدفاع عن ديار المسلمين ووجودهم وكيانهم وحرماتهم وحقوقهم، والقيام بواجبهم في تبليغ رسالة الإسلام ودعوة الله إلى الناس كافة .(1/31)
فما على أهل القرآن إلا الالتزام بما شرع الله، وامتثال ما أمر به الله، واجتناب ما نهى عنه، وهذا هو التدين الصادق الذي يقف بصاحبه في العقيدة والعبادة، والحل والحرمة عند حدود الله وشرعه، والتبديل والتغيير، أو الزيادة والنقص، أو الإهمال والتقصير، أو تلمس الحلول في غيره، هو بعينه الانحراف عن دين الله، وابتداع شرع جديد لم يأذن به الله، والمسلم مأمور بتطبيق وحي الله وشريعته ونبذ ما سوى ذلك وطرحه وراء ظهره: { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا } .. الآية (الشورى:13)(1/32)
التوجهات الأساسية في بناء الدولة السعودية :
(إذا كان المؤرخون يعتمدون تقسيم تاريخ الدولة السعودية إلى ثلاثة أدوار وهي:
الدولة السعودية الأولى من سنة 1157هـ= 1744م حتى سنة 1233هـ = 1817م
الدولة السعودية الثانية من سنة 1234هـ = 1818م حتى سنة 1309هـ = 1891م
الدولة السعودية الثالثة من سنة 1319هـ = 1902م حتى وقتنا الحاضر 13 / 3 / 1421هـ = 15 / 6 / 2000م) (1)
فإن وجه الشبه بين هذه العهود هو حرص الحكام والعلماء في جميع أدوارها وأطوارها على الأسس والقواعد الإسلامية وتقديم النفس والنفيس في سبيل نشر الدعوة السلفية واتخاذ الشريعة الغراء منهجا للحكم وأساساً لشؤون الحياة كلها .
فالأساس العقدي الذي بنيت عليه الدولة السعودية الحديثة هو نفسه الأساس الذي أنشئت عليه الدولتان السعودية الأولى والثانية منذ ذلك الاتفاق التاريخي الذي تم بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب على تحكيم شرع الله والعودة إلى أصول الإسلام الحنيف .
_________
(1) الموسوعة العربية العالمية، جـ / 17 / 502 ط / مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع بالرياض .(1/33)
وقد أكد ذلك خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -في الكلمة التي قدم بها لأنظمة الحكم والشورى والمناطق في 27 / 8 / 1412هـ- هذا التواصل في المنهج بين مراحل الدولة السعودية قائلًا : (لقد سعد المسلمون بشريعة الإسلام حين حكموها في حياتهم وشؤونهم جميعا. وفي التاريخ الحديث قامت الدولة السعودية الأولى منذ أكثر من قرنين ونصف على الإسلام حينما تعاهد على ذلك رجلان مصلحان هما الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله قامت هذه الدولة على منهاج واضح في السياسة والحكم والدعوة والاجتماع، هذا المنهاج هو الإسلام، عقيدة وشريعة، وبقيام هذه الدولة الصالحة، سعد الناس في هذه البلاد حيث توفر لهم الأمن الوطيد واجتماع الكلمة فعاشوا إخوة متحابين متعاونين بعد طول خوف وفرقة) (1) وإذا كانت العقيدة والشريعة هي الأصول الكلية التي نهضت عليها هذه الدولة فإن تطبيق هذه الأصول تمثل في التزام المنهج الإسلامي الصحيح والعقيدة والفقه والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي القضاء وفي العلاقة بين الحاكم والمحكوم .
_________
(1) الشريعة الإسلامية تحكم د / منير هارون ص29 ط الأولى 1414 ونشر دار الإسراء بالرياض .(1/34)
(نجد مصداق ذلك ما تم في الاتفاق (المعروف باتفاق الدرعية) بين الإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى سنة 1157هـ (1744م)، وهو الأساس الذي قام عليه بناء الدولة السعودية حتى الآن والحمد لله وقد ظهر ذلك جلياً في الحوار التاريخي بين الإمام والشيخ في أول لقاء بينهما حيث قال الإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى : أبشر ببلاد خير من بلادك . وأبشر بالعز والمنعة، فقال الشيخ : وأنا أبشرك بالعز والتمكين، وهي كلمة (لا إله إلا الله) من تمسك بها وعمل بها ونصرها ملك بها البلاد والعباد، وهي كلمة التوحيد، وأول ما دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم. ثم إن محمداً بسط يده وبايع الشيخ على دين الله واتباع رسوله والجهاد في سبيل الله، وإقامة شرائع الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) (1)
وعلى هذا الأساس قامت هذه الدولة فنصرها الله نصراً مؤزراً، وكتب لها التمكين في الأرض، وما زالت ولن تزال بإذن الله على ما كانت عليه .
_________
(1) عنوان المجد في تاريخ نجد لقمان بن عبد الله بن بشر «مرجع سابق» 32، 33.(1/35)
ولأن العقيدة والشريعة هي الأصول الكلية التي نهضت عليها هذه الدولة، فإن تطبيق هذه الأصول يتمثل في التزام المنهج الإسلامي الصحيح في العقيدة والفقه والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي القضاء، وفي العلاقة بين الحاكم والمحكوم .
وبذلك كانت الدولة السعودية نموذجاً متميزاً، في السياسة والحكم في التاريخ السياسي الحديث .
وقد استمر الأخذ بهذا المنهج في المراحل التالية جميعاً، حيث ثبت الحكام المتعاقبون على تطبيق شريعة الإسلام واتخاذها أساسا للحكم وتنفيذها عمليا في جميع مناحي الحياة . فقد أدرك الملك عبد العزيز - بثاقب نظره- أن خلق الله لا يمكن أن يصلح لهم أي نظام حكم غير النظام الرباني. وكان لذلك الإدراك الأثر الكبير في نجاح جميع أموره في شبه الجزيرة . (1)
وعندما شرع الملك عبد العزيز في تأسيس دولته على مبادئ الدين الحنيف كانت صورة الحكم الإسلامي مهتزة في أذهان بعض الناس لأنهم نظروا إلى الإسلام من خلال واقع المسلمين وأعمالهم وما ارتكبوه من أخطاء.
_________
(1) الملك عبد العزيز وأثره في التاريخ المعاصر، 38 لسليمان بن علي الشايع .(1/36)
وكانت حملات التشكيك في قدرة الشريعة على مواكبة الحضارة الحديثة والوفاء بمتطلبات الحياة العصرية المتطورة محل طعن. وقد انساق وراء هذا الوهم طائفة من زعماء المسلمين وقادتهم فطبقوا القوانين الوضعية في بلادهم واتبعوا أنظمة بعيدة عن الدين.
أما الملك عبد العزيز فلم يُصغِ إلى ذلك لأنه يؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ونظاماً للحياة، وأن التمسك بالإسلام يعصم من الضلال . فسارع إلى إنفاذ الشريعة وتطبيق أحكامها (ولم يتعلل بعدم وجود فقه تفصيلي، ولم يخف من نتائج تطبيق الشريعة لأنه لا يخاف هذه النتائج إلا من نوى الظلم والفساد في الأرض) (1)
فلم يبتدع نظاماً ولم يشرع قانوناً بل ما عمله في هذا السبيل هو أنه أحيا سنة القرآن الكريم وأيقظ في النفوس وازع الإيمان ففجر فيها القوة في التضحية والانضباط في التزام ما شرعه الله لعباده .
وعندما دخل الملك عبدالعزيز مكة المكرمة في السابع من جمادى الأولى سنة 1343هـ قال قبل سفره : (إني مسافر إلى مكة لا للتسلط عليها بل لرفع المظالم والمغارم التي أرهقت كاهل عباد الله . إني مسافر إلى حرم الله لبسط أحكام الشريعة وتأييدها فلن يكون هناك بعد اليوم سلطان إلا للشرع) (2)
_________
(1) محاضرات المؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبد العزيز (19:23) المنعقد بالرياض في ربيع الأول سنة 1405 مطابع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض .
(2) حالة الأمن في عهد الملك عبد العزيز لعبد المنعم غلامي : 38 .(1/37)
وأوصى العلماء ورجال القضاء فقال : (إن كتاب الله ديننا ومرجعنا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دليلنا وفيها كل ما نحتاجه من خير ورشاد، ونحن من جانبنا سنحرص إن شاء الله كل الحرص على إقامته واتباعه وتحكيمه في كل أمر من الأمور). (1)
وهكذا اتخذت المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك عبد العزيز كتاب الله وسنة رسوله دستوراً تعمل بموجبه وتطبيق أحكام شريعته السمحة في جميع أنحاء المملكة حتى يومنا هذا .
_________
(1) المرجع السابق .(1/38)
(أولاً) القرآن الكريم والسنة النبوية دستور المملكة العربية السعودية :
قبيل دخوله إلى مكة المكرمة في عام 1343هـ بعد أن تم فتحها قال الملك عبد العزيز آل سعود يرحمه الله .
(إني مسافر إلى مكة المكرمة لا للتسلط عليها بل لرفع المظالم والمغارم التي أرهقت عباد الله . إني مسافر إلى حرم الله لبسط أحكام الشريعة وتأييدها، فلن يكون هناك بعد اليوم سلطان إلا للشرع . إن الذي أبغيه من هذه البلاد أن تعمل بما في كتاب الله وسنة نبيه في الأمور الأصلية، أما في الأمور الفرعية فاختلاف الأئمة فيه رحمة) (1)
ومنذ ذلك التاريخ سارت الممارسة السياسية في المملكة العربية السعودية على أساس أن القرآن الكريم والسنة النبوية هما دستور هذه البلاد .
_________
(1) التطورات السياسية في المملكة العربية السعودية لأمين ساعاتي ص60 ط دار العمير للثقافة بجدة 1407هـ = 1987م .(1/39)
(وقد جاءت نصوص النظام الأساسي للحكم لتوثيق هذه الحقيقة حيث نصت على أن )المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ) ومن منطلق المنزلة الرفيعة للقرآن الكريم والسنة النبوية في حياة الدولة الإسلامية فقد حرص النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية على ترجمة المادة الأولى التي تنص على أن القرآن والسنة دستور المملكة وذلك من خلال المواد التالية في النظام التي أبرزت المكانة الخاصة لهذا الدستور عن سائر الدساتير بوصفه حاكما على أمور الدولة والمواطنين ومصدراً لكل السلطات ومرجعاً لكل الممارسات والأنظمة في الدولة .
ومن هذه النصوص :
(يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة "يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية".
وتلك هي القيم السياسية الثلاث في الفكر الإسلامي على نحو ما سيرد مفصلا قريباً إن شاء الله تعالى) (1)
وهكذا نظمت جميع سلطات الدولة في مختلف مناحي الحياة فيها.
_________
(1) السعودية النموذج الأفضل للحكم الإسلامي «مرجع سابق» ص 43 : 56 بتصرف .(1/40)
(ثانياً) البيعة :
(وشيجة الدين، هي أقوى رابطة توحد القلوب المتنافرة وتجمع الشتات المتفرق، وتمكن المحبة بين الحاكم والمحكوم، فالحاكم يتواضع ويخضع لأوامر الإسلام، والمحكوم يسمع ويطيع ويخلص مع الولاية وهذه سمات البيعة بين الحاكم والمحكوم وفي بادئ الأمر لم تتعرض التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية الصادرة عام 1345هـ لطريقة اختيار الملك وتولي مسؤولياته . ولكن فيما بعد صدرت قرارات مشتركة لمجلس الشورى والوكلاء تحدد ذلك كما جرى العمل واقعياً بالمملكة العربية السعودية على أن يتولى الملك سلطاته من خلال انعقاد البيعة .
وجاءت أحكام النظام الأساسي للحكم لتنص على نحو محدد على هذه الطريقة حيث نصت المادة السادسة على أن :
(يبايع المواطنون الملك على كتاب الله تعالى وسنة رسوله وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره .
وبهذا النص حدد النظام :
1- أن طريقة تولي اختيار الملك تكون من خلال البيعة .
2- أن مبايعة الملك تتم من خلال المواطنين، وليس مؤسسة سياسية أو اجتماعية أخرى .(1/41)
3- أن المبايعة تتم على أسس تعاقدية واضحة بين الملك والمواطنين هي : الكتاب والسنة الملزمان للطرفين ثم السمع والطاعة من قبل المواطنين لولي الأمر في كل الأحوال "في العسر واليسر والمنشط والمكره" واختيار رئيس الدولة - أيا كانت تسميته - هو عقد بينه وبين الأمة) (1)
آثار البيعة :
* الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية : بتمام البيعة بين الأمة والخليفة أي بين رئيس الدولة - أيًّا كانت تسميته - تنعقد الخلافة التي ينتج عنها التزامات في جانب كل من الخليفة والأمة .
(فالخليفة، يتعين عليه أن يلتزم في حكمه وسياسته، بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن يقيم العدل بين الناس، ويرفع الظلم عنهم، ويحرس الدين ويقيم شعائره وحدوده، ويدافع عن دار الإسلام .
أما الأمة فواجب عليها : السمع والطاعة والإخلاص، وأن تبذل الجهد في سبيل مساندة الخليفة في القيام بأعباء الحكم) (2)
_________
(1) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهري مطابع دار المعرفة للطباعة والنشر / بيروت / لبنان ط الثانية عام 1975م وانظر المملكة العربية السعودية: الشريعة الإسلامية تحكم، د / منير هارون ص78، 79، 80
(2) محاضرات ألقاها، د / أحمد الهريدي - كلية الحقوق / جامعة القاهرة 1968 - 1969م .(1/42)
* السمع والطاعة : واجب طاعة أولى الأمر، قررته نصوص عديدة، منها قوله تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } (النساء : 59)
وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أنه قال « من أطاعني، فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الإمام، فقد أطاعني، ومن عصى الإمام، فقد عصاني » (1)
* الحقوق : حق كل مواطن في مبايعة الملك على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره .
حق الملك في أن يبايعه المواطنون على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره .
يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله- (وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيهما سعادة الدنيا وبهما تنظيم مصالح العباد في معاشهم وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم) (2)
_________
(1) سنن ابن ماجه القزويني بتحقيق / محمد فؤاد عبد الباقي، مطابع دار الفكر العربي الحديث برقم 2859 جـ2 / 459 .
(2) جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم لابن رجب الحنبلي / جـ2 / 117، مطابع دار الفكر، لبنان 1988م .(1/43)
الواجبات : وواجب على الملك أن يلتزم في كل تصرفاته بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واجب أيضاً على كل مواطن السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ومن فوائد السمع والطاعة لولي الأمر : امتثال أوامر الله تعالى وابتدار طاعته فإِن من أطاع بالمعروف فقد أطاع الله : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } ... الآية (النساء: 59)، وبطاعة ولي الأمر بالمعروف تنتظم أمور الدولة وتتحد كلمتها وتقوى الصلة بين أفرادها ويعم الأمن والاستقرار ربوع البلاد وتظهر الأمة المسلمة بمظهر الهيبة والقوة والرهبة أمام الأعداء ويستقر الأمن وتتفرغ الأمة للبناء والتعمير وتحقيق أهدافها التنموية لبناء الإنسان المسلم .(1/44)
* ومن مقتضى البيعة في الإسلام النصح لولي الأمر والدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل وصلاح البطانة، وقد حرص أئمة أهل السنة والجماعة على بيان هذه الحقيقة وتأكيدها، يقول أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله- (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعو عليهم ولا ننزع يداً من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية) (1) ويقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- (الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات ومن أفضل الطاعات ومن النصيحة لله ولعباده والنبي صلى الله عليه وسلم لمَّا قيل له إن دوساً عصت قال: اللهم أهد دوساً وأت بهم، يُدْعى للناس بالخير، والسلطان أولى من يُدْعى له، لأن صلاحه صلاح للأمة ؛ فالدعاء له من أهم الدعاء ومن أهم النصح أن يوفق للحق وأن يعان عليه وأن يصلح الله له البطانة وأن يكفيه الله شر نفسه وشر جلساء السوء، فالدعاء له بأسباب التوفيق والهداية وبصلاح القلب والعمل من أهم المهمات ومن أفضل القربات) (2)
_________
(1) العقيدة الطحاوية لأبي جعفر الطحاوي الحنفي بشرح / ابن أبي العز وشرح أحمد ومحمد شاكر رحمهما الله، ص379 (انظر متطلبات المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار في بلادنا أ:د / سليمان الحقيل ص39، 40 مطابع التقنية بالرياض 1468هـ ،
(2) مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري على ضوء الكتاب والسنة / ص30 لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله وآخرين، ط دار بلنسية، 1418هـ الرياض .(1/45)
حدود البيعة وضوابطها : (يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله . وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة، وتتفق هذه المادة مع جوهر الشريعة الإسلامية التي تهيمن على نظام الحكم الإسلامي فالشريعة الإسلامية تؤكد أن { وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا } (التوبة الآية : 40)
(وكلمة الله العليا هي اسم جامع لكافة كلماته سبحانه وتعالى، وبكلماته تنزلت شريعته) (1) ، وشريعة الله لا تميز بين طبقة خاصة دون طبقة، ولا جماعة دون أخرى، إذ تهدف الشريعة الإسلامية - دائماً - إلى إقامة العدل المطلق بين الناس جميعاً حكاماً ومحكومين .
_________
(1) السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مطابع دار الشعب بمصر 1971 ص 37 وما بعدها(1/46)
وجوهر الشريعة الإسلامية يتمثل في الحكم بأحكام القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، لقوله عز وجل: { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ } (المائدة: 49) ويقول سبحانه : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } (النساء : 59)
* كما أنه من حق كل مواطن أن تكون سلطات الحكم كافة مستمدة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
* واجب على حكام المملكة العربية السعودية أن لا تتجاوز سلطاتهم الحدود المقررة لأولى الأمر في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .(1/47)
* وواجب أيضاً على حكام المملكة أن لا تتجاوز أنظمة الدولة كافة - بما فيها النظام الأساسي للحكم -كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا تمت البيعة على الوجه الشرعي الصحيح فإنه يجب على الإمام أن ينفذ الأحكام على أساس من العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية، ويلاحظ أن الإسلام لم يتعرض في ميدان الحكم، للمبادئ التفصيلية أو الجزئية أو الأساليب التي تحقق الحكم الإسلامي، إذ إن صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان، يتطلب ذلك لتراعي فيها كل أمة ما يلائم حالها وتقتضيه مصالحها) (1)
_________
(1) انظر في هذا : المملكة العربية السعودية : الشريعة الإسلامية تحكم، د / منير عبدالحميد هارون، ص78 : 81 «بتصرف» السعودية : النموذج الأفضل للحكم السعودي، د / محمود صالح العادلي، ص38 : 40، ط الأولى 1415هـ طنطا - جامعة الأزهر : ج. م. ع .(1/48)
(فالإسلام إنما جاء في ميدان شؤون الحكم بالأسس والدعائم التي تعد ركناً أساسياً في بناء الدولة الإسلامية فقرر العدل والشورى والمساواة وهي قيم سياسية عليا واجبة الاتباع في الدولة الإسلامية وهي ذات أثر كبير في صياغة التصور الإسلامي للدولة ووظيفتها وخصائص نظام الحكم فيها وتعد ديناً في عنق الأمة الإسلامية يجب عليها تنفيذها والعمل بها إن هي اتخذت من الحكم الإسلامي شعاراً لها وطريقاً تسلكه إلى مرضاة ربها، أما ماعدا هذه الأسس من النظم التفصيلية فإن فيها متسعاً لولاة أمر المسلمين أن يضعوا نظمهم ويشكلوا حكومتهم) (1) وإليك ثالث الأسس التي يرتكز عليها الحكم في الإسلام :
_________
(1) محاضرات ألقاها د / أحمد الهريدي على طلبة كلية الحقوق جامعة القاهرة .(1/49)
ثالثاً : العدل :
والعدل الذي يأمر به الإسلام - إنما هو عدل مطلق :
فالعدل مطلق من حيث من نلتزم تجاههم بأدائه : فهو يشمل النفس والوالدين والأقربين، ويشمل المسلم في علاقته مع أخيه المسلم، ومع غير المسلم، بل أكثر من ذلك يشمل الأعداء أيضاً ؛ إذ يقول الله تعالى: { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا } (المائدة: 8)
والعدل مطلق من حيث نطاقه، فهو مطلوب على مستوى العلاقات الفردية، والعلاقات الدولية على حد سواء، كما هو مطلوب أيضاً قضائياً وسياسياً واجتماعياً .
والنصوص التي تقرر مبدأ العدل في الإسلام كثيرة، ونكتفي هنا ببعض الأيات القرآنية والأحاديث النبوية .
فمن الآيات القرآنية :
يقول عز من قائل: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (النحل: 90)
ويقول سبحانه وتعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } (النساء: 58)
ومن السنة النبوية :(1/50)
روي عن عائشة رضي الله عنها في حديث المرأة المخزومية التي اتهمت باستعارة المتاع وجحده، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال « إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها » (1) (وتحقيق العدل في المملكة العربية السعودية من الاختصاصات السياسية لرئيس الدولة فمن مهامه السياسية : * الإشراف على إقامة العدل بين الناس * تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بين المتنازعين * وإقامة الحدود لتصان محارم الله عن الانتهاك وتصان حقوق عباده عن أي إتلاف واستهلاك ومعنى ذلك أن رئيس الدولة هو رأس السلطة القضائية في البلاد) . والعدل هو القيمة الكامنة وراء جميع أساسيات النظام : العدل في البيعة بين الحاكم والمحكوم والعدل في التوازن بين الأسرة والفرد والمجتمع في الحقوق والواجبات) (2)
_________
(1) نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار للغمام : محمد بن علي الشوكاني، جـ7، 131، ط ونشر مكتبة التراث بمصر 1987م .
(2) نظام الدولة الإسلامية في الشؤون الدستورية والخارجية والمالية للشيخ عبدالوهاب خلاف . مطابع دار الأنصار بالقاهرة 1977 ص20 .(1/51)
رابعاً : الشورى : (وهي ركن أساسي للحكم الإسلامي والشريعة الإسلامية لا تقر نظام حكم لا يعرف الشورى، فالشورى أساس من الأسس التي حرصت الشريعة الإسلامية على تأكيدها والدعوة إليها، بل وألزمت المسلمين بضرورة العمل بها، في أعمالهم وأمورهم كافة، لما تتضمنه الشورى من ألفة وترابط لأفراد الأمة الإسلامية . فالشورى - بلا جدال - هي أساس الحكم السليم ودعامة من الدعائم التي يرتكز عليها الحكم الإسلامي) (1)
الشورى في تاريخ المملكة العربية السعودية :
... من يطالع التاريخ السعودي يجد أن نظام الحكم السعودي حرص - دائمًا- على الأخذ بمبدأ الشورى، فقد سجل التاريخ للملك عبد العزيز آل سعود ، أنه أخذ بمبدأ الشورى .
_________
(1) وجوب تطبيق الشريعة الاسلامية في كل عصر، د / صالح السدلان، ص145 : 163 .(1/52)
... وفي هذا يقول أحد الباحثين :- متحدثا عن الملك عبد العزيز آل سعود -:(( هو الحاكم العربي الوحيد الذي أحاط به مستشارون من معظم الجنسيات العربية، وكان ديوانه آخر مجلس حكم منذ الدولة العباسية وجد فيه المصري والسوري واللبناني والليبي والعراقي والفلسطيني ... ولكنه استطاع أن يكون منهم مجموعة متناسقة تعمل وفق إرادته، وفي إطار ما يخطط، لم يستطع مستشار مهما كانت مكانته، ومهما بالغ في الظن بأهمية نفسه، أن يفرض عليه خطاً سياسيا لا يرضاه، أو أن يزج به في قضية إقليمية على هواه) (1)
_________
(1) قلعة الإسلام ومؤسسها العظيم : علي البرماوي، من 69 : 71 مطابع دار الزهراء بالرياض 1402هـ .(1/53)
(واستمر الأخذ بمبدأ الشورى في النموذج السعودي للحكم الإسلامي وإلى أن نقل هذا المبدأ العظيم إلى نصوص نظام الشورى الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في شعبان 1412هـ، ولقد بلور هذه المعاني المتقدمة -يحفظه الله- في كلمته بمناسبة صدور الأنظمة الجديدة للحكم، والشورى والمناطق بقوله : (أما نظام مجلس الشورى فإنه يقوم على أساس الإسلام بموجب اسمه ومحتواه، استجابة لقول الله عز وجل .. { وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } (الشورى : 38)
وقوله جل شأنه : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } (آل عمران: 159)(1/54)
وقد نشأ مجلس الشورى ومارس مهامه الموكولة إليه وفقاً للتوجهات الأساسية للحكم ملتزما بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ملتزماً بمصادر التشريع الإسلامي محافظاً على روابط الإخوة والتعاون والبر والتقوى خدمة للصالح العام وحفاظاً على وحدة الجماعة وكيان الدولة ومصالح الأمة) (1) والحقيقة التي لا يماري فيها إلا جاحد أو مكابر معاند أن : المملكة العربية السعودية تقف في عالم اليوم مثالاً فريداً للدولة الإسلامية الأولى التي تقيم كيانها بمؤسساته على قاعدة الحكم الإسلامي والمنهج الإسلامي فيه وهو الشورى، يقول خادم الحرمين الشريفين أعزه الله بطاعته (من منطلق الإسلام والدعوة إليه تتحد سياستنا في الداخل في جميع المرافق والمجالات وأهمها على الإطلاق أسلوب الحكم وطريقته والحكم في الإسلام شورى يتلمس فيه الحاكم آراء أهل الحل والعقد ويطلب فيه مشورتهم ويستعين بهم في إدارة دفة الحكم فهذه سياستنا وعليها سار أسلافنا) وإذا نظرنا لنوع العلاقة القائمة بين الحاكم والمحكوم في المملكة العربية السعودية لوجدنا نموذجاً فريداً يندر أن نجد له نظيراً في دول العالم وفي كثير من الدول التي تتشدق بالديموقراطية الحديثة وهو نموذج كرسه حكام
_________
(1) انظر في هذا : السعودية النموذج الأفضل للحكم السعودي للعادلي «مرجع سابق» المملكة العربية السعودية : الشريعة الإسلامية تحكم، د / منير هارون، ص 83، 275 .(1/55)
هذه البلاد منذ أسسها الملك عبد العزيز رحمه الله فقد طبق مجلس الشورى تطبيقا عملياً دقيقاً فقد كان رحمه الله لا يقضي في أمر حتى وإن انتهى فيه إلى قرار اقتنع به في قرارة ضميره إلا بعد أن يعرضه على العلماء والفضلاء من أهل الرأي أو المشورة سواء كان ذلك في مجلس الملك أو في مؤتمر أكبر وأوسع عملاً بقوله تعالى { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } (الشورى: 38) وفي المؤتمر الذي عرف باسم الجمعية واشترك فيه عدد كبير من العلماء والزعماء وانضم إليهم من كبار أهل الرأي والمشورة في جمادى الأولى في عام 1347هـ قال الملك عبد العزيز رحمه الله (ابدوا ما بدا لكم وتكلموا بما سمعتموه وبما يقوله الناس من نقد ولي أمركم أو من نقد موظفيه المسؤول عنهم وأنتم أيها العلماء اذكروا أن الله سيوقفكم يوم العرض وستسألون عما سئلتم عنه اليوم، وعما ائتمنكم عليه المسلمون، فأبدوا الحق في كل ما تسألون عنه اليوم، وعما ائتمنكم عليه المسلمون، فأبدوا الحق في كل ما تسألون عنه لا تبالوا بكبير أو صغير وبينوا ما أوجب الله للرعية على الراعي، وما أوجب للراعي على الرعية في أمر الدين والدنيا وما تجب فيه طاعة ولي الأمر وما تجب فيه معصيته،(1/56)
وإياكم وكتمان ما في صدوركم في أمر من الأمور التي تسألون عنها، ولكل من تكلم بالحق عهد الله وميثاقه أنني لا أعاقبه، وأكون مسروراً منه وأنفذ قوله الذي يُجمع عليه العلماء، وإياكم أيها العلماء أن تكتموا شيئاً من الحق، أظهروا الحق وبينوه وتكلموا بما عندكم) (1)
بمثل هذه الدعوة الصريحة الواضحة للشورى لم يضع الملك عبد العزيز رحمه الله قاعدته السياسية لإدارة الحكم فحسب، بل أبان عن مدى حرصه الصادق على حقوق مواطنيه من المحكومين ومن أهل الرأي والمشورة في المشاركة في مسئولية الحكم وأداء أمانته بالنصيحة والتناصح وتبادل الآراء وإظهار الحق دون خوف من مساءلة أو حساب .
والحق أن تجربة الممارسة العملية لسلطة الحكم على أساس منهج الشورى في المملكة أفرزت وجوداً دولياً وإنسانياً فريداً، كما قدمت نموذجاً مثالياً لنجاح الحكم لم يحلم به أكثر فلاسفة الأنظمة الديمقراطية تفاؤلاً ونجاحاً في مجالي إدارة سلطة الحكم، وتقدير حقوق الإنسان "المحكوم" بما يتجاوز ما نراه اليوم من بريق الشعارات التي ينادي بها الغرب المسيحي بحقوق الإنسان، إلى جوهر المعاني والدلالات لتلك الحقوق.
_________
(1) تطبيق الشريعة الإسلامية مصدر الأمن والاستقرار في المملكة العربية السعودية / محمد خشان (مجلة الفكر الإسلامي / لبنان) 4 رجب 1405 من ص 81 : 85 .(1/57)
(وفي تأكيد منهج العلاقة بين الحاكم والمحكوم على ضوء قاعدة الشورى في المملكة العربية السعودية يشير الملك فهد حفظه الله إلى ما قاله والده العظيم رحمه الله فيقول : (إن العلاقة بين المواطنين وولاة الأمر في هذه البلاد قامت على أسس راسخة وتقاليد عريقة من الحب والتراحم والعدل والاحترام المتبادل والولاء النابع من قناعات حرة عميقة الجذور في وجدان أبناء هذا الوطن والعلاقة بين الحاكم والمحكوم أولاً وأخيراً بشرع الله كما جاء به كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والنظام الأساسي للحكم استلهم هذه المبادئ وهدف إلى تعميقها في العلاقة بين الحاكم والمحكوم والالتزام بكل ما جاء به ديننا الحنيف في هذا الصدد) (1) وأما نظام الشورى فإنه يقوم على أساس الإسلام بموجب اسمه ومحتواه، استجابة لقول الله عز وجل { وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } (الشورى: 38)
_________
(1) علاقة الحاكم والمحكوم في المملكة العربية السعودية : حقائق واقع وصور حياة للطيب شبشة، ط الأولى 1415هـ نقلا عن كتاب (الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز) لخير الدين الزركلي، ص115 ،(1/58)
وقوله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } (آل عمران: 159)(1/59)
خامساً : (المساواة) (1)
من الأسس التي يرتكز عليها الحكم في المملكة العربية السعودية - كما أفصحت عن ذلك المادة الثامنة من النظام الأساسي للحكم هو المساواة وقد نصت المادة الثامنة من نظام الحكم على أن: (يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية) وغني عن الإيضاح أن بين العدل والمساواة صلة حميمة . فلا عدل بلا مساواة ولا مساواة بلا عدل. بل إن البعض يقرر أن المساواة أساس الحكم.
وقد ساوى الإسلام بين الناس أمام القضاء، فلم يعرف في عهد الرسول ولا في عهد الخلفاء الراشدين فكرة المحاكمة الاستثنائية ولا فكرة المحاكمة الخاصة، التي تختص بمحاكمة بعض الناس دون بعض ومن وصية عمر رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري في القضاء . حيث جاء فيها :
"آس بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك، حتى لا يطمع شريف في ضعفك ولا ييئس ضعيف من عدلك".
وجلي مما تقدم أن المادة الثامنة من النظام الأساسي للحكم على الرغم من صياغتها في كلمات معدودة إلا أنها تحوي الكثير من الحقوق والواجبات.
ومن هذه الحقوق التي يتمتع بها المواطن السعودي :
_________
(1) انظر في هذا : السعودية النموذج الأفضل للحكم السعودي «مرجع سابق»ص 51: 53 و / أسس الحكم في الإسلام : الشورى والعدل والمساواة د / صالح السدلان 22: 26 «بتصرف» ط الأولى 1414هـ = 1994م ط دار بلنسية بالرياض و / دستور للأمة من القرآن والسنة، د / عبدالناصر توفيق العطار، ص82 ومابعدها، ط دار الفكر / لبنان 1989م .(1/60)
الحق في العدل . والحق في الشورى، أي أن يكون نظام الحكم مبنيا على الشورى . والحق في المساواة : المساواة أمام القضاء وتعني المساواة السياسية والمدنية كالحق في التوظف والحق في الاشتراك في بيعة الحاكم والحق في المساواة أمام الأعباء العامة والخدمة العسكرية ..... الخ .
ومن الواجبات : فإنه غني عن البيان أن تلك الحقوق المتقدم ذكرها، هي في ذات الوقت واجبات تقع على عاتق السلطات بالمملكة العربية السعودية يجب الوفاء بها من الحاكم والمحكوم. مع مراعاة أن تلك الحقوق المشار إليها آنفاً تفترض قيام المواطن السعودي بواجباته المتصلة بهذه الحقوق، وذلك مثل : المساهمة في إقامة العدل كواجب الشهادة أمام القضاء، وواجب المساهمة في بيعة الإمام، والسمع والطاعة لولي الأمر في غير معصية والمساهمة في أداء الواجبات العامة للدولة.... الخ.(1/61)
( أ ) أصول القضاء في الشريعة الإسلامية :
(القضاء في شريعة الإسلام يرجع إلى أصول وركائز مستقاة من وحي الشرع ومشكاة الرسالة، ولعل من أبرز هذه الأصول والأسس ما يلي :-
الأول: مرجع الأحكام في الأقضية إلى الشريعة.. قال الله تعالي { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } (المائدة: 49) وقال سبحانه : { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (النساء: 65)
الثاني : مدار الحكم والقضاء على إقامة العدل وإظهار الحق حيث هو الثمرة المرادة المقصودة من عمل القضاء، على ذلك مدار الحكم والفصل في عموم الخصومات والمنازعات بمدلول قول الله جل شأنه { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } (النساء: 58)
وقوله سبحانه : { وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } (المائدة: 42)(1/62)
وقوله عز وجل: { يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } الآية (ص: 26)
فالحكم بالحق والقسط بين الناس وإقامة العدل في حكوماتهم ومنازعاتهم ركيزة للقضاء في الشريعة، وأصل من أصوله يتوجب العناية به والنظر في تحقيقه بكل حال) (1)
_________
(1) خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم، ص407، د / فتحي الدريني طبع ونشر مؤسسة الرسالة، بيروت / لبنان، ط الأولى 1982م .(1/63)
( ب) نبذة عن القضاء عبر العصور الإسلامية مع ذكر أهم سماته :
(أشرقت أنوار الرسالة المحمدية في ربوع الجزيرة العربية وقد غلب فيها الجهل والظلم والبغي والعدوان في مناحي الحياة كلها، فلا سيادة لنظام منصف، ولا حكم لشرعة عدل، بل السيادة والريادة للأقوى، والشرعة الحاكمة لما استحسنه عرف القبيلة وسانده كبراؤها وزعماؤها .. وبعد أن حكمت الشريعة الإلهية مجتمع الجزيرة العربية بمبعث خير البرية وأزكى البشرية صلى الله عليه وسلم وتوليه هذه المهمة العظيمة أرز الناس إليه في مخاصماتهم ومنازعاتهم حيث رأوا في واقع التطبيق عدلًا في الحكم ونصفة في القضاء ما لم يكن له نظير فيما عرفوه في سالف حكوماتهم وأقضيتهم) (1)
_________
(1) القضاء في المملكة العربية السعودية : تاريخه : مؤسساته - مبادئه، ص 29، 30، وزارة العدل السعودية الصف والإخراج والمونتاج بقسم الصف الضوئي بالوزارة عام 1419هـ .(1/64)
(جـ) القضاء في عهد النبوة :
(أسس النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أصول القضاء في شريعته الخاتمة للناس، وتولى صلوات الله وسلامه عليه هذا العمل الجليل بنفسه فكان هو المرجع في فصل الخصومات وقطع المنازعات، وقد جاءت نصوص الشريعة موضحة لركائز الحكم وضوابطه، وأبان المصطفى صلى الله عليه وسلم واقعها التطبيقي في أقضية متعددة، وأبرز الأسس التي تستوحى من سيرته صلى الله عليه وسلم في القضاء ما يلي:
أولًا : الأصل في الحكم والمرجع في القضاء لحكم الشريعة العادلة بمدلول قوله عز وجل : { وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } (المائدة: 42).
وقوله سبحانه : { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } (المائدة: 49)
ثانيًا : الحكم بين الناس مبناه على إقامة العدل والقسط من غير ميل أو حيف أو هوى. قال جل وعلا: { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } (النساء: 58).(1/65)
ويقول عز شأنه: { يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } ( ص: 26)
ثالثًا : التحاكم من الناس واجب إلى شرع الله وحكمه دون غيره من أحكام الطواغيت، يقول تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا } (النساء: 60)
رابعًا : التسليم لحكم الله والرضا به والانقياد له أمر حتم لازم لمن آمن، والنكوص عن ذلك بأية صورة مناف لمقتضى الإيمان وحقيقته، يقول الله تعالى { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (النساء: 65) (1)
_________
(1) القضاء في المملكة العربية السعودية (مرجع سابق) ص30 : 33، / موسوعة سماحة الإسلام للشيخ / محمد الصادق عرجون، جـ1 / 390 الطبعة الثانية 1404هـ الدار السعودية للنشر والتوزيع .(1/66)
( د ) القضاء في عهد الخلفاء الراشدين : -رضوان الله عليهم-
(القضاء في عهد الخلافة الراشدة يعد أول تجربة قضائية للمسلمين بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم وإن تميز عهد النبوة بالوحي الذي هو مصدر التشريع، فإن عهد الخلفاء الراشدين هو المرحلة التطبيقية للقضاء تأسيسًا على نصوص الشريعة، وتأصيلًا لأحكامها على ما فهم من سنن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الباب من بعده، كما يظهر في هذه المرحلة الطريقة الصحيحة للنظر والاجتهاد في أعيان الحوادث المستجدة في واقع الناس .
- قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله- : (وفي أمره صلى الله عليه وسلم باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين بعده وأمره بالسمع والطاعة لولاة الأمور عمومًا دليل على أن سنة الخلفاء الراشدين متبعة كاتباع سنته، بخلاف غيرهم من ولاة الأمور) (1)
ويمكن أن نستجمع أهم مميزات عهد الخلافة المبارك وسماته في المجال القضائي بما يلي :-
_________
(1) جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب الحنبلي (مرجع سابق) جـ2 / 121 .(1/67)
أولًا : المرجع في الأقضية والأحكام في قضاء الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- إلى وحي الرسالة بما ورد في كتاب الله تعالى وصح من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بحيث يعد النص من المشرع هو الأساس المعتبر المنتهى إليه في كل حكومة يرام فصلها والقضاء فيها اهتداء بما ورد من نصوص الكتاب والسنة الموجبة لهذا الاعتبار .
ثانيًا : الحرص على تطبيق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في أحكامه وأقضيته، واتباع سبيله فيها، والعناية بجمعها . وتحقيق صحة وقائعها بالتتبع والسؤال والبحث والنظر، وهذا من السمات الظاهرة في عمل الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - في حكوماتهم وأقضيتهم (1)
_________
(1) أصول الحسبة في الإسلام، د / محمد كمال الدين إمام، ص59، مطابع دار الهداية بالقاهرة، ط الأولى 1406هـ .(1/68)
(هـ) سمات القضاء في عصور ما بعد الخلافة الراشدة :
(تتابعت عصور المسلمين ودولهم بعد عهد النبوة والخلافة الراشدة من بعد السنة الأربعين من الهجرة وللعمل القضائي قواسم مشتركة بين عموم الفترات والمراحل الزمنية المتعاقبة .
أولًا : إن عمل المسلمين في قضائهم عبر عصورهم المتعاقبة ودولهم المتتابعة جار على تحكيم شرع الله المطهر وإعمال أحكامه وإقامة حدوده ولا غرو في ذلك فهو واجب مقطوع به في أصل الدين، ولم يحصل إخلال به في مجمل أقضية المسلمين عبر تاريخهم حتى عصرنا المتأخر الذي ظهرت فيه المنابذة لحكم الشريعة واستبدال بالقوانين الوضعية بها .
ثانياً : إن عمل القضاء من وظائف الإمامة العظمى، وقد كان ولاة الأمة في الصدر الأول يتولونه بأنفسهم، وبعد توسع الفتوحات وتعدد البلدان والأقاليم ظهرت الحاجة إلى بعث القضاة في مختلف الأقطار) (1)
_________
(1) أصول الحسبة في الإسلام، د / محمد كمال الدين إمام، ص59، مطابع دار الهداية بالقاهرة، ط الأولى 1406هـ .(1/69)
( و ) تاريخ القضاء الإسلامي في الدولة السعودية وتطبيقاته العملية :-(1/70)
(قامت الدولة السعودية المباركة منذ بواكيرها في قلب الجزيرة العربية، تحمل رسالة الإسلام، وتحكم بشريعته في سائر شؤون الحياة ونشاطاتها البشرية المختلفة، فقد تأسست الدولة السعودية الأولى بعد لقاء الأمير الفذ محمد بن سعود -رحمه الله- أمير الدرعية بالشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وتعاقدهما على القيام بنصرة دين الله ونشر عقيدة التوحيد الخالص لله رب العالمين، والجهاد في سبيل ذلك في عام 1157هـ في بلدة الدرعية بعد ورود الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- إليها قادمًا من بلدة العيينة، فكان لقاءً تاريخيًّا مباركًا عمت خيراته أرجاء الجزيرة العربية، فقد نهض الإمامان بالدعوة إلى التوحيد وتحكيم الشريعة ونبذ أعراف الجاهلية. وكانت أنماط القضاء في الجزيرة العربية إبان قيام الدولة السعودية الثانية تنقسم إلى قسمين : (1) نمط قضاء البادية . (2) نمط قضاء الحاضرة، وكان من أبرز الجهود التي بذلت في العهود الأولى للدولة السعودية في جانب القضاء هو تأصيل وتأسيس القضاء بحكم الشريعة وتوحيد قضاء الناس على ذلك وهذا العمل الجليل يعد من أهم الركائر في القضاء والحكم قبل النظر للجوانب الشكلية والتنظيمات(1/71)
الإجرائية . وفي الدولة السعودية الثالثة كان مما عني به المؤسس الأول الملك عبد العزيز - رحمه الله - في جانب القضاء تحديد مصادر الأحكام، حيث أوضح في خطابه المنشور في جريدة أم القرى بعددها رقم 32 في 16 / 1 / 1344هـ أن أحكام الإسلام هي الركيزة الأساس للحكم، وستظل السراج المنير التي يهتدي بهديها السائرون، ويستضيء بنورها المدلجون، وأن الإسلام دين جاء لما فيه صلاح الناس في الدنيا والآخرة، وأن من أراد سعادة الدارين من الأفراد والجماعات فما عليه إلا أن يفهم حقيقة الإسلام وأحكامه، ويسعى للعمل بها حتى يكون في هناء وسعادة ورفاه . وفي عصرنا الحاضر وتمشيا مع القاعدة العامة التي أقيمت عليها المملكة العربية السعودية في أن القضاء والأحكام فيها تتم طبقا للشريعة الإسلامية، نص على ذلك أيضا النظام الأساسي للحكم الصادر في 27 / 8 / 1412هـ حيث : - نصت المادة (48) منه على أن تطبق المحاكم في القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية وفقا لما دل عليه الكتاب والسنة وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة، ومعنى ذلك أن تطبيق الشريعة الإسلامية يتم من خلال مصدرين هما :(1/72)
أ- اعتماد القاضي على نصوص الشريعة الإسلامية مباشرة في الكتاب والسنة واستنادًا إلى كتب الفقه المعروفة والمحددة .
ب- الأنظمة التي يصدرها ولي الأمر وهي مستمدة من الشريعة الإسلامية . وقد نصت المادة (38) من النظام الأساسي للحكم على أن العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نص نظامي ولا عقاب إلا على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي .
وهكذا فقد أناط الحكم في المملكة العربية السعودية مهمة كبرى للقاضي في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية مباشرة ثم من خلال النصوص التي تلتزم بالشريعة الإسلامية . وهذا التطبيق هو ما يميز مهمة القاضي في الإسلام عن مهمة القاضي في التنظيم السياسي المعاصر الذي تقتصر مهمته على تطبيق القانون فقط) .(1/73)
كما أن حصانة القضاة من أكثر المبادئ رسوخًا في التاريخ والفقه الإسلامي ومصادر الفقه الإسلامي حافلة بالنصوص التي تركز على استقلال القضاة وعدم التدخل في شؤونهم، وقد نصت المادة 46 من النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية على أن القضاء سلطة مستقلة ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية وليس لأحد التدخل في القضاء ومعنى هذا أن الأحكام التي يصدرها القاضي ملزمة ومقصورة على أحكام الشريعة الإسلامية وليس لأحد التدخل في سلطاتهم فردًا أو مسؤولًا أو مؤسسة أو غيرها، كما أن مبدأ تعدد درجات التقاضي من أهم مبادئ تحقيق العدالة ولهذا اشتمل نظام القضاء في المملكة على التمييز بين أنواع أربعة من المحاكم الشرعية وهي : المحاكم الجزئية والعامة ومحكمة التمييز ومجلس القضاء الأعلى وتأكيدًا للقاعدة الإسلامية في استقلال القضاة وحصانة القضاة فقد وفرت الأنظمة لكفالة نزاهة القاضي وعدالته المساواة بين المواطنين أمام القضاء فالكل سواسية أمام حكم الشرع وحق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين على حد سواء وهناك أيضًا ديوان المظالم والهيئة العامة للرقابة والتحقيق وكلها(1/74)
تكفل ضمان الحقوق وأداء الواجبات والعدل والإنصاف فالكل أمام أحكام الشريعة الإسلامية سواء) (1)
_________
(1) انظر : القضاء في المملكة العربية السعودية، ص55 : 57 السعودية النموذج الأفضل للحكم الإسلامي العادل (مرجع سابق) ص50 و / الحريات العامة في الفقه والنظام السياسي في الاسلام، د / عبد الحكيم العيلي، مطابع دار الفكر العربي بالقاهرة 1403هـ ص276 .(1/75)
الباب الثاني
اتخاذ القرآن الكريم أساساً لشئون الحياة في المملكة وآثار
ذلك :
(1) تمهيد :
(إن الذين يعرفون هذه المنطقة قبل مائة عام مثلا، ثم تابعوا مسيرة هذه البلاد منذ وحَّدها الملك عبد العزيز رحمه الله وحتى اليوم يدركون حقيقة أسباب الأمن والاستقرار الذي تنعم به، بل ويجدون تعليلًا منطقيًّا سهلًا للسلام النفسي والاجتماعي الذي يخيم على ربوعها ويميز حياة شعبها عن الكثير من الشعوب القلقة وغير المستقرة، أو البائسة واليائسة بفعل حياة الخوف والهلع والدمار والاضطرابات، نتيجة البعد عن أوامر الله وعدم التزامها بتطبيق شريعته الخالدة .
أما كيف تحقق كل هذا فإن نظرة سريعة إلى الأنظمة والممارسات العامة داخل هذه البلاد توفر إجابة دقيقة عن الكثير من التساؤلات التي تبحث عن أسباب النعم الكثيرة التي تحياها المملكة العربية السعودية ويتمتع بها المواطن والمقيم والوافد إليها .
فالمحافظة على القيم الإسلامية، وتطبيق شريعة الله وترسيخها ونشرها، والدفاع عن الدين والوطن، والمحافظة على الأمن والاستقرار الاجتماعي للبلاد كلها دعامة التنمية في المملكة ومنبع الاستقرار فيها .(1/76)
أما السياسة التعليمية في المملكة فإن أهم شيء نحرص عليه في سياستنا التعليمية هو تنشئة الأجيال على الأسس الدينية الصحيحة والتاريخ الإسلامي المجيد، ويكفي أن نشير الآن إلى أن لدينا ثمان جامعات تركز ثلاث جامعات منها على الدراسات الإسلامية والشريعة وتلك هي : الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، وجامعة أم القرى في مكة المكرمة، فضلًا عن التخصصات العلمية المماثلة في بقية الجامعات الأخرى، وكذلك عشرات المعاهد والكليات المنتشرة في مختلف أنحاء المملكة . كما تلتزم السياسة الإعلامية بالأهداف والمبادئ والمنطلقات نفسها حيث :
تنبثق هذه السياسة من الإسلام الذي تدين به الأمة عقيدة وشريعة وتهدف إلى ترسيخ الإيمان بالله عز وجل في نفوس الناس والنهوض بالمستوى الفكري : الحضاري والوجداني للمواطنين وإلى تعميق فكرة الطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر، كما تستمد الأنظمة المالية والتجارية والاقتصادية في المملكة مضامينها من الشريعة الإسلامية الخالدة في إدارتها لمسئولياتها ونهوضها بمختلف النشاطات .(1/77)
وجاءت أنظمة الحكم والشورى والمناطق الصادرة بتاريخ 27 / 8 / 1412هـ لتؤكد تصميم المملكة العربية السعودية على استمرارها، في تمسكها الشديد بالعمل في ضوء شريعة الله، وهدي نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم :(1/78)
يقول خادم الحرمين الشريفين أيده الله : (إن دستورنا في المملكة العربية السعودية هو كتاب الله الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، ما اختلفنا في شيء إلا رددناه إليهما وهما الحاكمان على كل ما تصدره الدولة من أنظمة ... إننا ثابتون - بحول الله وقوته- على الإسلام، نتواصى بذلك جيلاً بعد جيل وحاكماً بعد حاكم)، وستظل المملكة العربية السعودية بإذن الله تعالى - تعيش كل صور الأمن والأمان والهدوء والاستقرار والتلاحم بين قيادتها وشعبها لتواصل مسيرتها في طريق الصلاح والهداية والنور والعرفان ولتؤكد للعالم أن الإسلام يقدم الحلول المثلى لاستقرار الدول وطمأنينة الشعوب، وأن كل ما يلصق بالإسلام والمسلمين من جهل وعنف وتطرف وخروج على الولاء والطاعة لأولياء الأمر وتمرد على المجتمعات وعزلة عن البشر وضحالة في التفكير وضيق رؤية في التحليل وخطأ في التفسير وصعوبة في الإدراك ونزوع إلى "القوة"، إنما تعكس فهماً خاطئاً للإسلام .(1/79)
إن المملكة العربية السعودية كانت ومازالت وسوف تستمر بإذن الله تعالى دولة قيم ومبادئ أخلاقية إنسانية، ونموذج عدل وسلام ومحبة ووئام، وهو ما جعلها باستمرار مرشحة للمزيد من التفوق والنهوض والاستقرار ؛ لأنها لا تعاني من اختلال في الموازين والمقاييس، كما أنها تنطلق في ممارستها من نهج واضح وقويم، وليس بإمكان أي أحد أن يزايد عليها فيه، أو يدفعها إلى الخروج عليه، أو العمل بعيداً عنه وفي الوقت نفسه فإنها لا تتردد لحظة واحدة في مراجعة أنظمتها، وتجاربها والاستفادة من كل معطى إنساني أو حضاري ينسجم مع ثوابتها ويوفر لها فرص العيش في قلب العصر بكل خصائصه المفيدة والمثمرة والبناءة بإذن الله تعالى) (1)
والآن مع المظاهر والآثار الحميدة لاتخاذ القرآن الكريم أساسا لشؤون الحياة في مملكتنا الحبيبة :
_________
(1) الأنشطة الدعوية في المملكة العربية السعودية بقلم د / صالح السدلان، من ص9 : 15 والتزام الدولة بحماية عقيدة الإسلام وفقا للنظام الأساسي للحكم، د / محمد بن محمد شتا أبو سعد، ص12، 19، 21، والإسلام والأنظمة السياسية بأقلام عشرة من الكتاب، ص87، مطابع دار الكتاب العربي بمصر .(1/80)
( 2 ) من آثار اتخاذ أحكام القرآن أساسا لشؤون الحياة ومظاهر ذلك :
أ- الدين واقع يومي معاش :(1/81)
(إن القول بأن الدين الإسلامي يشمل جوانب الحياة كافة في المجتمع السعودي قول ليس مبالغاً فيه، طالما أن الدين الإسلامي يؤلف العامل الأول الذي انبثق المجتمع في ضوئه وساهم في استقراره وصهر كافة شرائحه في بوتقة واحدة . إضافة إلى ذلك فإن محورية الدين التي اتضحت لنا من خلال الوقوف على أثره في السلطة والنظم الاجتماعية المختلفة كافة يمكن الوقوف عليها بجلاء في انعكاس الدين على الواقع اليومي المعاش . فبإيجاز شديد يمكن القول أن هذا الواقع، ليس مستقلاً عن تلك البنية الدينية الأساسية . فمجريات الأمور الخاصة والعامة تتقاطع بصورة واضحة مع مواعيد وأوقات وفترات أداء الواجبات الدينية من الصلوات والصيام والعمرة والحج، كما أن عادات الملبس والمأكل والمشرب وكذا مراسم الزواج والمناسبات العامة لا يمكن فهمها بعيدا عن المعاني والمقاصد الدينية . كما أن لغة الحياة اليومية يتخللها العديد من المفاهيم ذات الجذور الدينية . فأسماء الأشخاص يغلب عليها عبد الله وعبدالرحمن إضافة إلى أسماء الأنبياء والصالحين والأسماء التي لها دلالات إسلامية دينيا أو تاريخيا . كل ذلك يؤكد بصورة قوية أن ثقافة المجتمع ذات الطابع الديني(1/82)
والإسلامي تنعكس معنى أو قيمة أو دلالة دينية على حياته اليومية، الأمر الذي يؤكد أن المعايشة اليومية للحياة في المجتمع السعودي قد تحددت وتشكلت في ضوء البناء الديني للمجتمع) (1)
_________
(1) المملكة العربية السعودية مسيرة وبناء، ط ونشر وزارة الاعلام، قسم الاعلام الخارجي، ط 1417هـ، ص48، 49 .(1/83)
ب- المجتمع ذو مرجعية دينية :-
إن المجتمع السعودي ذو مرجعية دينية عميقة تؤلف بنيته الأساسية، كما تمثل الجانب المستقر والجوهري من النظام الاجتماعي الذي تزعمه الإمامان محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب ، كما أن قيام الدولة السعودية في مرحلتها الثالثة لم يتم بعيداً عن هذه المرجعية الأساسية . ومما يؤكد ذلك أيضاً، أن البنية الدينية للمجتمع السعودي، قد انعكست على سائر الجوانب الأخرى من النظام الاجتماعي من سياسية وتنظيمية واقتصادية واجتماعية ؛ إذ اكتسبت هذه الجوانب الشرعية الاجتماعية اللازمة لها لتؤدي ما هو مطلوب منها، وقد اتضح لنا كيف أن أحكام الشريعة الإسلامية بمصدريها : القرآن والسنة قد أضفت الشرعية على السلطة، وهو أمر بالغ الأهمية من النواحي القيادية والتنظيمية فما يصدر عن الإمام أو الملك بوصفه الممسك بزمام السلطة يلقى القبول والإذعان من لدن الأوساط الشعبية نتيجة لتلك الشرعية التي تكونت للسلطة من خلال حملها للواء الإصلاح الاجتماعي من منظور الدين الإسلامي، ولما يؤكد عليه الدين الإسلامي ذاته من وجوب طاعة ولاة الأمر القائمين على أمر الله في أرضه في غير معصية.(1/84)
جـ- الاستقرار والأمن الذي يعيشه المجتمع :-
(إن ظاهرة الاستقرار والأمن في المجتمع السعودي قد انبثقت من ذلك الطابع التوازني بين طرفي هذه الثنائية، أي التطابق أو التلاقي بين الجانب التجريدي العقدي الذي يمثل الرؤية الإسلامية للكون والحياة، والجانب الإجرائي أو التنفيذي الذي يمثل ما يحتوى عليه المجتمع من متغيرات ووسائل وآليات تعكس تلك البنية التجريدية العقدية.
وفي ضوء ما تقدم، فقد اتضح لنا أن الدين الإسلامي في المجتمع السعودي كان ولا يزال عاملاً مهماً ليس في فهم مظاهر الاستقرار والتوازن والتنمية والتكامل فحسب، بل في استيعاب مظاهر التغير والصراع . ومن ذلك تتبين مدى أهمية الدين الإسلامي بناءً وإطاراً مرجعياً ليس فقط في مسألة تأسيس المجتمع وتماسكه، بل أيضاً في إضفاء الشرعية على الكثير من الأمور التنظيمية والاجتماعية والتنموية المختلفة في الواقع المعاش) (1)
_________
(1) المجتمع الإسلامي : أهدافه ودعائمه : أوضاعه وخصائصه في ضوء الكتاب والسنة، أ:د / مصطفى عبدالواحد، ص44، 45 مطابع دار التأليف بمصر 1389هـ وأثر تطبيق الشريعة الإسلامية في حل المشكلات الاجتماعية و / إبراهيم الجوير، ص29، 30 مطابع العبيكان 1415، ط الأولى .(1/85)
يقول الكاتب الشامي محمد كرد علي : (وما ابن عبدالوهاب إلا داعية، هداهم من الضلال، وساقهم إلى الدين السمح، وإذا بدت شدة من بعضهم، فهي ناشئة من نشأة البادية، وقلما رأينا شعباً من أهل الإسلام يغلب عليه التدين والصدق والإخلاص مثل هؤلاء القوم، وقد اختبرنا عامتهم وخاصتهم سنين طويلة، فلم نرهم حادوا عن الإسلام قيد أنملة، وما يتهمهم به أعداؤهم فزور لا أصل له) (1)
ويقول الأستاذ محمد رشيد رضا : (لم يخل قرن من القرون التي كثرت فيها البدع من علماء ربانيين، يجددون لهذه الأمة أمر دينها بالدعوة والتعليم، وحسن القدوة، وعدول ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، كما ورد في الأحاديث، ولقد كان الشيخ محمد بن عبدالوهاب - النجدي - من هؤلاء العدول المجددين، قام يدعو إلى تجريد التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده بما شرعه في كتابه وعلى لسان رسوله خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وترك البدع والمعاصي، وإقامة شعائر الإسلام) (2)
_________
(1) ماذا ينقمون من ابن باز، د / خالد العنبري نقلا عن كتاب محمد جلال كشك : السعوديون والحل الإسلامي، ص458، 459 .
(2) الوهابيون والحجاز / الشيخ محمد رشيد رضا، ص85 : 87 مطابع المنار بمصر - ط الأولى 1333هـ .(1/86)
ويقول استيوارد الأمريكي مؤلف كتاب : (حاضر العالم الإسلامي) : (كان العالم الإسلامي قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ، ومن الانحطاط والتدلي أعمق درك، فاربد جوه وطبقت الظلمة كل صقع من أصقاعه، إلى أن قال : وأما الدين فقد غشيته غاشية سوداء، فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة الناس سجفاً من الخرافات وقشور الصوفية، وخلت المساجد من أرباب الصلوات، وكثر عدد الأدعياء الجهلاء، وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان، يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والمسبحات، ويؤمون الناس بالباطل والشبهات، ويرغبونهم في الحج إلى قبول الأولياء، ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور، وغابت عن الناس فضائل القرآن، فصار المسلمون غير مسلمين وهبطوا مهبطاً بعيد القرار.
فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر، ورأى ما كان يفعله من يدعي الإسلام لغضب لذلك، وفيما العالم الإسلامي مستغرق في هجمته، ومدلج في ظلمته، إذا بصوت يدوي من قلب صحراء شبه جزيرة العرب مهد الإسلام، يوقظ المؤمنين، ويدعوهم إلى الإصلاح والرجوع إلى سواء السبيل والصراط المستقيم .(1/87)
فكان الصارخ لهذا الصوت هو المصلح المشهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي أشعل نار الدعوة الإسلامية، فاشتعلت واتقدت، واندلعت ألسنتها إلى كل زاوية من زوايا العالم الإسلامي، ثم أخذ هذا الداعية يحض المسلمين على إصلاح النفوس وإعادة المجد الإسلامي القديم والعز التليد) (1) (وقد ترسم أبناء الملك عبد العزيز الذين تسلموا القيادة من بعده خطا المؤسس الأول فطبقوا مبادئه القوية القويمة، كل يضع لبنة في بناء الكيان الكبير فيعلو الصرح يوما بعد يوم ولاتزال المملكة تعمق المفهوم الوحدوي التضامني الذي وضع الملك أسسه، وأثبت علم السياسة الحديث أهميته السياسية والاقتصادية.
_________
(1) حاضر العالم الإسلامي لـ : بول استيوارد (نقلا عن كتاب : الوهابيون والحجاز) ص87 (مرجع سابق) .(1/88)
وعلى درب أبيهم المؤسس رحمه الله حكم الملوك الراحلون سعود وفيصل وخالد -رحمهم الله - وعلى الدرب نفسه يحكم الآن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -وفقه الله- إذ يؤكد في كل وقت وكل مناسبة أن التمسك بالعقيدة هو سر الحل العملي لمعادلة بناء الدولة وفتح كل طرق التقدم والتطور وبناء المجتمع وتحقيق رغباته وتوفير احتياجاته . ومن أفضل ما يذكر لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في هذا المعنى قوله : نحمد رب العزة والجلال، ونشكر الله العلي الكبير المتعال الذي جعل فينا محمداً صلى الله عليه وسلم نبياً، وآتانا ما لم يؤت أحداً من العالمين. آتانا وأورثنا القرآن العظيم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم . ورزقنا عقيدة السلف الصالح التي هي عقيدة الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين في كل زمان ومكان، ووهبنا من لدنه نعمة الحياة، والجوار والزوار من أعظم مسؤولياتنا وأسماها وأشرفها، ورزقنا الوحدة والتماسك والأمن والاستقرار، والرخاء ووفقنا إلى الثبات على المبدأ والحفاظ على الأصول والجذور ونحن نتفتح على العالم للاستفادة من أحسن ما فيه، ونحن نطور مجتمعنا لننميه في عصر استخدام قضية التطوير في(1/89)
هدم الأصول والتفريط في الجذور . فإن من حق كل مسلم - في هذا العالم- أن يشترك معنا في هذا الفخر والاعتزاز باعتبار الملك عبد العزيز زعيما إسلاميا عالميا رفع راية التوحيد، وطبق شريعة الإسلام، وجدد مسؤولية وجغرافية كبرى على أساس الإسلام، ونهض بواجب النداء والحق في سبيل وحدة العالم الإسلامي، وبنى مملكة إسلامية ظليلة للمسلمين كافة . بل من حق كل إنسان أن يشترك معنا في هذا الفخر والاعتزاز باعتبار الملك عبد العزيز زعيماً إنسانيا عالمياً، أقام دولته على أسس الإسلام، واحترام حقوق الإنسان، والتعاون الإنساني الصادق في سبيل حياة إنسانية أكثر تقدما وأمنا، وأقل تخلفاً ورعباً . غفر الله له، وأثابه لقاء ما قدم لهذه الأمة، وجعل الخير موصولاً في عقبه، وأدام علينا نعمة الإسلام، إنه ولي ذلك والقادر عليه) (1)
_________
(1) دولة في قائمة الشرف العالمية : خدمة الإسلام والسلام - وزارة الإعلام بالرياض - مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية برقم 273894 / 104764 .(1/90)
د- من مظاهر وآثار اتخاذ القرآن الكريم أساسا لشؤون الحياة في المملكة :
الدفاع عن الدين ومحاربة الأفكار الهدامة والمذاهب الفاسدة :
لا شك أن إقامة المجتمع على شريعة الإسلام وأسس التقوى هي الخطوة الأولى في بناء الدولة الإسلامية وهي خطوة هامة لسلامتها والمحافظة عليها . إلا أن الأهم من ذلك هو استدامته والاستقامة عليه . وذلك يتجلى في واجب حراسة الدين والدفاع عنه .
والمقصود بحفظ الدين والدفاع عنه كما بينه الماوردى بقوله : (حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه سلف الأمة . فإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه أوضح له الحجة وبين له الصواب، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود، ليكون الدين محروساً من خلل والأمة ممنوعة من زلل) (1)
وقال أيضاً : (ومنها إزالة المفاسد والمنكرات من المجتمع كما يقضي به الإسلام إذ لا يمكن الادعاء بحفظ الدين مع ترك المفاسد والمنكرات بلا إنكار ولا إزالة مع توفر القدرة على ذلك) (2)
_________
(1) الأحكام السلطانية والولايات الدينية للماوردي الشافعي على بن محمد بن حبيب، ص5، 7 مطابع مصطفى الحلبي بالقاهرة، ط الاولى 1386هـ .
(2) المرجع السابق .(1/91)
فواجب الإمام إذن أن يشرف على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ويعين في كل بلد من خيار أهله الأمناء الأقوياء الأتقياء من يقوم بهذه المهمة ويكون لهم خير معين ونصير . فإن ذلك من أهم وظائف الأمة وأئمتها إذا مكنوا في الأرض.
قال تعالى : { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } (الحج: 41)
(ومن أهم الركائز التي تتحتم على ولي الأمر لتحقيق هذا المقصد - وهو حراسة الدين وحفظه وقطع صلة المجتمع المسلم بالمجتمعات الكافرة والفاسقة ومنع بث أفكارهم وعاداتهم وما يمت إليهم بصله بين المسلمين وقد كان من مظاهر حراسة الدين والدفاع عنه .(1/92)
1- الدعوة إلى تحقيق كلمة الإخلاص لله سبحانه، وإفراده بالعبادة فلا شريك ولا معين معه، وتصحيح أمور الدين، بالإبانة والإيضاح عن هدف هذه الدعوة، وإنما يحصل للإنسان من خير لنفسه ومجتمعه إنما هو سبب استجابته لأمر الله، وإلا فالضرر إن هو عاند وكابر، جزاء وفاقا يقول سبحانه { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } (الأعراف: 96)
2- تنقية البلاد من الأمور الداخلية على طهارة الإسلام وصفاته .
3- إزالة البدع والضلالات المنافية للدين في نقاوة جوهره، وتعليم الناس ما يجب عليهم في أمور دينهم .
4- هدم القباب والبنايات المقامة على القبور، والأخذ بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : بألا يدع قبراً مشرفاً إلا سَوَّاه .
5- إقامة حدود الله التي أمر بها سبحانه في كتابه، وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم لأن طاعته واجبة .
6- إزالة الضرائب عن الناس، والاستعاضة عنها بجباية الزكاة الشرعية .(1/93)
7- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتشاور في صغائر الأمور وعظائمها.
8- الدعوة لدين الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإيضاح ما يجب على الناس اتباعه بالبيان والنصح والمكاتبة والتبليغ .
9- مجاهدة من لا يستجيب، كما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده، ومن تبعهم بإحسان في فهم دلالة شرع الله، وما يجب على عباد الله فيه.
10- الردود ونقض الشبهات المطروحة، وجلاء الحقيقة فيما ألصق من تهم أو بهتان، حيث يحرص المغرضون على تجسيمها لغايات ومقاصد، كما يظهر من رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وردوده القوية على المغرضين والمثبطين.
11- حلقات العلم، وجلسات المشايخ لإنارة العقول، والتبصير بمقاصد الشريعة الإسلامية، في أمور الدين والدنيا، حتى يكون المرء على بينة من أمر دينه، فهما واستقصاءً وتوثيقاً .
12- جعل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مرجعاً في كل أمر، وعدم تحكيم غيرهما في كل شأن من شؤون الحياة، وتوضيح ذلك للناس حتى يعظما في النفوس، وتطمئن إليهما القلوب .(1/94)
13- الحماسة في كل هذه الأمور، حمية لله ونصرة لدينه، وقد وعد الله من ينصر دينه، بالنصر والتمكين في الأرض، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا } (الحج: 38)، وقال سبحانه وتعالى : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } (الحج: 40)
14- الاجتهاد في أن تكون الدولة دولة إسلامية، تعيد للإسلام مكانته ولأحكامه الاهتمام بالتطبيق، وللحدود مهابتها بالتنفيذ، يتساند في هذا مهابة السلطان ونفوذه، مع حجة العالم وبيانه في توضيح الحق، ودحض الحجة، ورد الشبهة، آخذين القدوة، من طريقة سلف هذه الأمة، في القرون الثلاثة المفضلة، في بناء دولة الإسلام، وتمكين أركان الدعوة إلى دين الله، لأنها أقوى دعائم الحكم .(1/95)
* والحق أن الإسلام يواجه في هذا العصر أعظم خطر فكري . ليس بكثرة الضلال وتنوع مشاربه . ولكن بوجود الوسائل الناقلة له التي تبث في وقت واحد المادة الواحدة في ملايين البيوت . لذلك كانت محاربة الغزو الفكري وتحصين الأمة الإسلامية من موارد الضلال وعفونات الجاهلية الفكرية من أهم الواجبات المنوطة بولاة الأمر من السلاطين والعلماء بل ومن عامة الأمة، وخاصة في هذا الوقت الذي اشتدت فيه الهجمة وأثرت تأثيرا خطيرا في أفكار المسلمين وسلوكهم، فواجب ترشيد وسائل الإعلام، ومحاربة المواد المفسدة والقضاء على الوسائل الباثة لها . والخلاصة أن قيام ولاة الأمر بتنفيذ الدين وإقامة شعائره وشرائعه وأحكامه وحدوده وآدابه والصرامة في تطبيق ذلك . وبالمقابل الدفاع عنه وحراسته من كيد المفسدين في الداخل والخارج، والضرب على أيدي المبتدعين والمفسدين، من الأسباب الواقية بإذن الله للمجتمع المسلم من الأفكار المنحرفة والوسائل الخبيثة وسائل الشرور والمفاسد) (1)
_________
(1) انظر في هذا : نشأة الدولة السعودية 31 : 34 معالي الدكتور : محمد بن سعد الشويعر . من البحوث المقدمة لمؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام - المحور الأول : عام 1419-1420هـ، و / الدعوة في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله، د / محمد بن ناصر الشثري جـ1، 199، 100، 103، 263 .(1/96)
هـ- حماية العقيدة ثمرة من ثمار تجسيد مسؤولية الحاكم في حفظ الدين والدفاع عنه :
(لا شك أن حماية العقيدة ونقاءها وصفاءها يعد ثمرة من ثمار الدفاع عن الدين والمحافظة عليه ولهذا كان الإلزام بذلك والالتزام به واضحاً جلياً في النظام الأساسي للحكم وهو إلزام يبين دور ولي الأمر في وجوب متابعة أحوال المسلمين، لكي ينهض بسياسية الأمة وحراسة الملة ؛ فأمور المسلمين هي الهم الأول من هموم ولي الأمر، وهي تتسع لبحث أحوال الناس وأوضاعهم بحثا مباشراً، ينبثق من تعاليم الدين، ويدور في فلك تقوى الله، فلا يشغله عن ذلك شاغل، ولا ينسيه إياه طارئ، فالناس هم العنصر الجوهري في أمة الإسلام، والبحث عن مشكلاتهم وحلها هو أول معالم صلاح النظام .(1/97)
ولا شك أيضاً أن الدولة التي تنص في النظام الأساسي للحكم على أنها مسؤولة عن حماية العقيدة تجعل الحكم تكليفاً عقدياً لا تشريفاً دنيوياً، والجانب الشرعي في ذلك هو الذي يحكم الضمائر، ويصون الأفئدة، فما من إمام للمسلمين إلا ودار واجبه في فلك أمرين أساسيين . أولهما : سياسة المجتمع الإسلامي سياسة عقدية، تكفل استقرار حياة كل من يعيش في محيطه. وثانيهما : حراسة الدين من أي محاولة للنيل منه .
ولكن ما صفات العقيدة التي تحتاج إلى حماية ؟
إن العقيدة التي تحتاج إلى حمايتها والدفاع عنها هي عقيدة التوحيد التي لا يتطرق إليها دعاوى الفرق الهدامة، أو الطرق التي لم يكن لها أي وجود في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الخلافة الراشدة .(1/98)
وهذه الحماية ضرورة لأنها سبيل نهضة الأمم، وارتقاء الحضارات، وإعلاء الأخلاقيات، ونبذ الجهل والتخاذل والتواكل، وكل هذا لا يمكن أن يحدث في ظل إسلام مشوه، تهدمه الفرق الضالة، وتمزقه الطرق المبتدعة من المتصوفة والمرتزقة إذ ليس في الإسلام سوى فرقة واحدة هي الفرقة الناجية التي تتمسك بالكتاب والسنة، وليس في الإسلام طرق سوى طريق الكتاب والسنة، فالدولة عندما تحمي عقيدة التوحيد فإنها تحمي حق الإنسان في الاطمئنان إلى عدل الديان، وشكر المنعم، وعدم الركون إلى متع الحياة الدنيا، والتوكل على الله وابتغاء رحمته والارتقاء في مدارج كمالات التوحيد، حيث الأمن من كل خوف، وسكينة النفس، واستراحة الخاطر، وصحو الضمير وصفاء السريرة واستقامة العزيمة وزوال القلق والإنابة إلى الله، وحيث تتحقق بالصلاة، الصلة الكاملة بين العبد وربه، وحيث تكون الزكاة إقرارا ثابتاً بحق الفقير في مال الغني في إطار الإيمان بأن الله وحده هو الرزاق ذو القوة المتين، وحيث يجسد الصوم الإخلاص المطلق في العبادة، وحيث يؤكد الحج كل معاني التوحيد وحقائقه، وصولا إلى حقيقة الإيمان وتمسكا بحبل الله المتين الذي يؤكد وحدانية الديان، وحيث يكون الإحسان(1/99)
جزءاً لا يتجزأ من ضمير الإنسان) (1)
لهذه المعاني وغيرها كثير - لا يتسع له هذا المجال المحدود - تلتزم الدولة في المملكة العربية السعودية بحماية العقيدة الإسلامية .
_________
(1) انظر : التزام الدولة بحماية عقيدة الإسلام وفقا للنظام الإسلامي للحكم، د / محمد شتا أبو سعد، ص19، 20، (مرجع سابق) واقعنا المعاصر : 163 : 173 (بتصرف) محمد قطب عبدالعال / مؤسسة المدينة للطباعة والنشر 1407÷ت والدعوة في عهد الملك عبد العزيز الشثري، جـ 269، 272، 275 .(1/100)
و- الالتزام بتطبيق الشريعة الإسلامية من مستلزمات حماية العقيدة الصحيحة :
إن الحكم بشريعة الله أمر وثيق الصلة بعقيدة التوحيد، فمن آمن بالله واعتقد أنه وحده الخالق الرزاق، وأنه وحده مدبر هذا الكون، يجب عليه أن يؤمن بأن الله وحده هو المختص بالتشريع، ورسم المنهج الذي تقوم عليه شؤون الحياة، وكل هذه الأمور وجوه مختلفة تبرز سلطان الله وتؤكد قيُّوميَّته على أمور خلقه.
كذلك فإن الحكم بغير ما أنزل الله هو احتكام إلى المخلوق فيما هو من حق الخالق، ولذا أبى النظام أن يتم الاحتكام إلى غير شرع الله، لأن ذلك احتكام إلى الطاغوت، وتحاكم إلى الباطل، وامتناع عن طاعة الله تعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومعاندة للفطرة التي تقتضي التمسك بشريعة هذا الدين القيم .(1/101)
ويعني تمسك النظام الأساسي بتطبيق شريعة الله، أن أي نظام أو لائحة أو قرار أو تعميم لا يجوز أن يصدر بالمخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ) (1) ، ومعنى ذلك أن الهيمنة هي لدين الله تعالى ؛ فالدين كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (هو ما شرعه الله ورسوله، وليس لأحد أن يخرج عن شيء مما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو الشرع الذي يجب على ولاة الأمر إلزام الناس به، ويجب على المجاهدين الجهاد عليه ويجب على كل واحد اتباعه ونصره) (2)
ومعناه أن المملكة لا تفصل الدين عن الدولة كما تفعل الدول العلمانية، ولا تطبق الشريعة تطبيقاً جزئياً كبعض الدول التي تزخرف دساتيرها بلفظ الإسلام كمظهر شكلي خال من كل مضمون عقدي وإنما تطبيق الشريعة الإسلامية هو من مستلزمات توحيد الإلهية وليس مجرد واجهة لدعوات شكلية.
_________
(1) التزام الدولة بحماية عقيدة الإسلام، د / محمد شتا أبو سعد ص21، 23 أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة، د / عبد الله عبد الرحمن الجربوع - الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ص465، 466
(2) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية جمع وترتيب ابن قاسم العاصمي النجدي جـ35 / 372 نشر وتوزيع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية .(1/102)
من مظاهر اتخاذ القرآن الكريم أساسا لشؤون الحياة في المملكة
ز- الدعوة إلى العلم الشرعي الصحيح لتنقية العقيدة من شوائب الشرك والخرافات :(1/103)
(تدل النصوص الرسمية على أن المملكة العربية السعودية قد سعت إلى صياغة العملية التعليمية بكاملها من منطلقات إسلامية من حيث الأسس العامة التي يقوم عليها التعليم وكذلك أهدافه وغاياته ووسائله ومناهجه ومؤسساته ويتفق هذا مع ما نصت عليه السياسة التعليمية في البلاد حيث أكدت أن غاية التعليم فهم الإسلام فهماً صحيحاً وغرس العقيدة الإسلامية ونشرها وتنمية روح الولاء لشريعة الإسلام والنصيحة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتحقيق الخلق القرآني في المسلم وتربية المواطن تربية صحيحة ليكون لبنة صالحة في بناء أمته مع بيان التمازج التام بين العلم والدين في شريعة الإسلام . ويحدثنا التاريخ أن العناية بالعلم وبخاصة العلم الشرعي كانت ديدن الحكام والعلماء منذ طلائع التاريخ المبارك لهذه الدولة الفتية) (1) ففي العام نفسه الذي تم فيه الالتقاء بين الإمامين (الإمام محمد بن سعود والإمام محمد بن عبد الوهاب ) فبعد اتفاقهما على مناصرة الدعوة في عام 1157هـ، (1744هـ)، أصبحت الدرعية محطاً للأنظار، ومنبعاً للعلم، الذي تنطلق به الدعوة، وتقوم معه الدولة على بصيرة وثبات، يصف ابن بشر تلك البداية بقوله : (فقد امتلأت البلاد
_________
(1) المملكة العربية السعودية:الشريعة الإسلامية تحكم، ص111: 114«بتصرف »(مرجع سابق)(1/104)
في السنة السابعة والخمسين بعد المائة والألف، وهاجر إليها أصحاب الشيخ الذين بايعوه في العيينة، منهم بعض رؤساء المعامرة المعاكسين لعثمان بن معمر فتزايد المهاجرون من كل بلد، لما علموا استقرار الشيخ، وأنه في دار منيعة، وقد كان هذا هو المنهاج الأساس الذي سلكه الملك عبد العزيز رحمه الله في بناء المجتمع الإسلامي السليم فقد جعل نشر العلم والمعرفة وسيلة رئيسة في القضاء على الجهل والتخلف وواسطة للانفتاح على منجزات العصر الحديث والأخذ بأسباب التقدم والتطور، وبهذا ربط الملك عبد العزيز -رحمه الله- بين دعوة التوحيد بمعناها الديني دعوة التوحيد بمفهومها المعرفي والسياسي للجزيرة العربية . ومما يميز الفكر التربوي الإسلامي في المملكة أنه يوجد توازناً بين العلوم الشرعية والعقلية وقد حرص المسلمون في العصور الزاهرة في الإسلام على العناية بكلا النوعين باعتبار أن تكاملهما كفيل بتكوين المواطن المسلم وبنائه الفكري والعقلي على نحو يخدم الفرد والأسرة والمجتمع المسلم وتبدو المملكة العربية السعودية بمقوماتها العقدية والاجتماعية والسياسية أكثر الاجتماعات انسجاماً مع هذا التوازن) (1)
_________
(1) الشيخ محمد بن عبدالوهاب، د / عبد الله صالح العثيمين، ص16 من مطبوعات دارة الملك عبد العزيز 1403هـ والمملكة العربية السعودية : الشريعة الإسلامية تحكم، ص121، 122 وعبدالعزيز آل سعود : العبقرية في التحرير والتوحيد والتحضر، ص42، لعمر أبو زلام، ص42 .(1/105)
من مظاهر اتخاذ القرآن الكريم أساسا لشؤون الحياة في المملكة
ح- تأصيل القيم الإسلامية في المجتمع :
(لا عقيدة ولا دين تتأصل به القيم مثل الإسلام لأنه يحث على حسن الخلق، ويدعو إلى مكارم الأخلاق ويهتم بجميع القيم الإنسانية التي تفيد النفس البشرية، ويترابط بها المجتمع : من صحة وآداب وتآلف ومحبة، وتربية وحسن سلوك، وتطهير للفكر من كل دخيل، يقلق النفس، أو يورث عداوة، ولا تتأصل القيم والمثاليات التي تتوق إليها النفوس، ويلتئم بها الشمل إلا بولاية قوية تهتم بالتطبيق والعمل .(1/106)
وقد حرصت القيادة في الدولة السعودية، أن تبني الفرد، وتؤصل المبادئ في الجماعة، من هذه القاعدة الأساسية، وسلكت في هذا الأمر محورين أساسيين : الحكم الشرعي، والحكم الإداري، وتستمد السلطة الإدارية قوتها من الحكم الشرعي، لتنفذ أمر الله في الحدود وغيرها علناً، وبلا تردد، وبذا تستقيم أحوال الرعية، وتنتظم جميع أمورها، لأن العدل أساس الملك، ولذا اتسعت الدولة، وذاع صيتها في فترة زمنية قصيرة، وتعد الدولة السعودية هذه أول دولة إسلامية منظمة بكيانها قامت في الجزيرة العربية بعد الدولة الإسلامية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين .(1/107)
ولذا نرى أن من أبرز مناهج الدعوة منذ عهد الإمامين : الإمام محمد بن سعود والإمام محمد بن عبد الوهاب تأصيل القيم في المجتمع، ثم سار على نهجهما قادة هذه الدولة، يؤصلون مكارم الأخلاق، ويهتمون بقيم الإسلام، ويأخذون من منهج القرآن الكريم تعليماً وطريق عمل، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة وأسلوباً في النفس، وتوضيحاً للرعية، لأن أمكن أساليب التعليم القدوة الصالحة بعد التطبيق وحسن الاختيار يقول سبحانه : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } (الأحزاب : 21)
وإن من يقرأ مجموعة الرسائل والمسائل النجدية التي نشرت في عهد الملك عبد العزيز وهو الدور الثالث من أدوار الدولة السعودية، ليدرك تماماً، أن الأفكار التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى، هي ذاتها التي امتدت إلى الدور الثالث من أدوار هذه الدولة ولا تزال، وهي مستمدة من السياسة الشرعية والحسبة لابن تيمية، والطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم، وكلها مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ) (1)
_________
(1) نشأة الدولة السعودية، للشويعر ص38، 39، 41 (مرجع سابق) .(1/108)
من مظاهر اتخاذ القرآن الكريم أساسا لشؤون الحياة في المملكة
ط- إظهار شعائر الإسلام :-
(الدين الإسلامي، فرضه الله على عباده، وهو سبحانه أعلم بما تصلح به أحوالهم في دنياهم وأخراهم، وهذا الدين لا يستقيم أمره، إلا بإقامة شعائره كاملة، ولكل شعيرة جانب تربوي للنفوس، وتأثير في بناء المجتمع . والدولة السعودية منذ قيامها، قد حرص قادتها على تصحيح أعمال الناس في دينهم الإسلامي، لأن الله قد جعلهم حماة له، وذلك بإثبات أصوله: عملاً واهتماماً، وتأصيل شعائره تعليماً وترغيباً ودعوة، لتكون صافية من الشوائب، نقية من الأمور المحدثة . ويبرز هذا في الزكاة والصلاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود الشرعية، وغيرها من شعائر الإسلام، التي يمثل الاهتمام بأدائها، كما فرضت وفي أوقاتها مكانة للدولة، ورعاية أوامر هذا الدين، فكان قادتها : من حكام وعلماء حريصين على تعظيم شعائر الإسلام والدعوة إليه، وتطبيق أحكامه، امتثالاً لأمر الله سبحانه : { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } (الحج: 32)(1/109)
في الزكاة : التي هي سبب للود والمحبة بين طبقات الشعب، وبركة للمال بإخراج حق الله منه، والحرص على دفعه لأحد مستحقيه الثمانية، الذين حددهم الله في سورة التوبة، ولا يقوم على هذا ويهتم به إلا من أعطاه الله سلطة الولاية .
ولأن الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة، فكان حكام الدولة السعودية يهتمون بها : جباية وإنفاقاً ووضعاً في مكانها الذي أمر الله به، وضرباً على يد من يتهاون بأمرها، فكان لهذا العمل صدى يراه الناس : بركة لهم في المال، وأماناً في السبل، وحصناً عن الضياع .
وفي الصلاة : التي أمر الله بإقامتها والمحافظة عليها، لأنها الركن الثاني من أركان الإسلام، بعد شهادة التوحيد، حظيت باهتمام كبير من ولاة الأمر في الدولة السعودية بهذه الشعيرة : عمارة للمساجد، وإكثاراً منها في كل مكان، ومحافظة على أدائها في أوقاتها، ومتابعة من يقصر فيها أو يبخسها، لأنها أول عمل يسأل عنه الإنسان بعد موته، وبصلاحها يصلح عمله، ولأن شأنها في الإسلام عظيم، فكانت منزلتها عند ولاة الأمر عالية، واهتمامهم بها: نصحاً ودعوة ومتابعة، كبيراً .(1/110)
ومن تعظيمهم لهذه الشعيرة، أنهم كانوا يتعهدون المساجد في كل موقع من البلاد : إصلاحا وتعميراً، وبعثاً بطلبة العلم ليؤموا الناس في الصلاة، ويعلموهم القرآن، ويفقهوهم في أمور دينهم، ويحرصوا على إيقاف الأعمال الخيرية على المساجد، وإعادة المكانة للمسجد مثلما كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، كما كانوا يأمرون بإيقاف الأعمال عند سماع النداء للصلاة، في أوقاتها الخمسة، ومنع البيع والشراء، وإغلاق المتاجر والحوانيت في الأسواق، لتتوقف الحركة، حتى لا ينشغل الناس في وقت الصلاة بغيرها، وحتى يعينوا على أداء هذا العمل التعبدي الذي هو علاقة مع الله سبحانه، بقلوب فارغة من أعمال الدنيا، لأن المصلي يمثل أمام ربه ويناجيه .(1/111)
ولما امتد النفوذ إلى الحرمين الشريفين، كانت العناية بهما متواصلة : تنظيماً وبناء ورعاية، وتوفيراً للخدمات العديدة المريحة للوافدين إلى بيت الله الحرام : من حجاج وعمار وزوار لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يستهينون في هذا السبيل الجهد والمال، علاوة على تيسير حلقات مجالس العلماء في الحرمين، وتبصير الوافدين إليهما بأمر دينهم وبخاصة العقيدة، وهذا الامتداد متواصل حتى اليوم، حيث حظي الحرمان الشريفان بعناية وتوسعة عظيمتين لم يشهد التاريخ مثلهما، علاوة على ما يوليه خادم الحرمين من اهتمام بالمسجد في داخل البلاد وخارجها، مما هو بارز للعيان في كل بلد إسلامي .
وهكذا بقية شعائر الإسلام، حيث يرى قادة الدولة السعودية أن واجبهم العناية بكل شرائع الإسلام : عقيدة ودعوة، وعملاً وتذكيراً، ونصحاً وترقيقاً للقلوب، حتى لا تثقل النفوس وتتكاسل، وحتى يؤدوا أمانة الله تجاه الدين، الذي حرصوا على حمايته والدفاع عنه ونشره .(1/112)
أما في أنفسهم، فإنهم يمثلون القدوة بالاستجابة للصلاة، ولأداء الشعائر في أوقاتها، ومع الناس في مساجدهم، حيث يرى فيهم المواطن والمقيم، والوافد والغريب القدوة الصالحة، في العمل، وفي النصح والتعليم، وتتمثل فيهم بساطة الإسلام، وعدم التفرقة بين أبنائه في العبادات، مهما اختلف المنصب، أو كبرت المكانة الاجتماعية، ويبرز هذا في صلاة الجماعة، والجمعة وفي العيدين، والاستسقاء .. فكان لهذا أثر كبير في التواضع والترابط بين الراعي والرعية، وفي التأثير لدى من سمع منهجهم في الدعوة، حيث اتسع مداها في الآفاق، وكثر في كل مكان الداعون لمنهجها في أنحاء المعمورة) (1)
_________
(1) انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب / محمد كمال جمعة محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم مفترىً عليه / مسعود الندوي .(1/113)
من مظاهر اتخاذ القرآن الكريم أساسا لشؤون الحياة في المملكة
ي- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
(حرص ولاة أمور المسلمين في العصور الأولى من تاريخ الإسلام، أن يحكموا بين الناس بما أمر الله من العدل، ورفع الظلم، ويسوسونهم بالرفق وتفقد أحوال الرعية، في إقامة أمر الله، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاهتمام بالأسواق في البيع والشراء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . والدولة السعودية منذ قامت، وولاة أمرها (وفقهم الله) قد أولوا هذا الجانب أهمية كبيرة، لأنهم عرفوا من تشريع دينهم، ما حصل للأمم السابقة من نتائج عندما قصروا في أعمال الحسبة التي يتولى رجالها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد كان العقاب العاجل لبعضهم كالذين كانوا قردة وخنازير، ودمر قراهم وأهلكهم الله جميعاً، فكانوا عبرة من آيات التاريخ، وأجل العقاب إلى يوم الجزاء لفئات أخرى، واستحق اللعن والطرد من رحمة الله أقوام، فقال سبحانه : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } (المائدة: 78)(1/114)
فالدولة السعودية قامت على عقيدة الإسلام، وتجديد مكانته، فكان لا بد من أخذ كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، منهج عمل، تقوم به النفوس، ويربى عليه المجتمع، لتسوس الدولة الرعية على دربه الصحيح .. فكان عمل الحسبة الذي قام بادئ الأمر باهتمام وحماسة، وبدون اعتباره وظيفة رسمية من الدولة، لأجل الحث على الخير، وتقويم المعوج، حذراً من ظهور المعاصي في المجتمع، لأن التساهل في الصغائر يجر إلى الكبائر، ومن باب سد الذرائع، كان لا بد من الحيطة، وتوعية أبناء المجتمع، بأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان في مقدمة المهتمين بهذا الأمر الحكام يطبقونه على أنفسهم وعلى من حولهم) (1)
يقول ابن بشر عن الإمام عبدالعزيز وابنه سعود، في حوادث عام 1223هـ (1808م) (بعدما امتد الحكم إلى مكة : وفشا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة، فلا يشرب التنباك في أسواقها ووجد من يأمرهم بالصلاة إذا دخل الوقت، فكان إذا أذن المؤذن، دار النواب في الأسواق : الصلاة الصلاة .... الخ ما قاله ابن بشر ) (2)
_________
(1) نشأة الدولة السعودية للشويعر (مرجع سابق) ص44، 45 .
(2) عنوان المجد في تاريخ نجد 1 / 296 .(1/115)
(ولأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من الأسس التي قامت عليها الدولة السعودية، فقد انتدبت لهذه المهمة رجالاً في أطراف البلاد، وأوجدت فيها بعد أجهزة أنيطت بها هذه المهمة، ووقف ولاة الأمر بجانبهم، يعاضدونهم ويعينونهم على أداء الأمانة، ليأخذوا على يد السفيه، ويأطرونه على الحق أطرا، مخافة أن يخالف الله بين القلوب بترك هذا الأمر . ولا ريب فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الشريعة الإسلامية بل ومدار الأديان السماوية وبخاصة دين الإسلام الخاتم للأديان ومن هنا حرص ولاة الأمر على تحقيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تكون العبادة لله وحده لا شريك له وقد كان ولا يزال بحمد الله تعالى ركيزة من أهم ركائز نظام الدولة السعودية منذ نشأت في منتصف القرن الثاني عشر الهجري ومروراً بأدوارها الثلاثة، فقد تولى الشيخ محمد بن عبدالوهاب وطلابه ومؤيدوه إبان تأسيس هذه الدولة في دوره الأول إلى جانب أعمال الإفتاء والقضاء والتعليم القيام بأعمال الحسبة ومتابعة هذا الدور الكبير على خير وجه وقد نهض بهذه المهمة الشريفة الحكام والأمراء خلفاً عن سلف في إقامة شرع الله واستمرت ولاية الحسبة فترة من الزمن(1/116)
حتى أنشئت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي تحمل هذا العنوان المتكامل مقتبساً من نصوص قرآنية كريمة منها قوله تعالى { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } (آل عمران: 110)
وقد نالت هذه الهيئة حظاً وافراً من الدعم والمؤازرة من لدن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وفقهما الله توج ذلك صدور الأوامر السامية الكريمة بتطوير هذا الجهاز الهام ودعمه مادياً ومعنوياً نسأل الله تعالى أن يتواصل عطاؤها ويقوى جانبها فتساير العصر وتواكب التطور إذ إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأمور الفاعلة للمحافظة على نعمة الأمن والاستقرار في بلادنا وهذه الشعيرة العظيمة بمثابة صمام أمان للمجتمع المسلم من أن يتطرق إليه الانحلال والفساد والمهن والإحن والقلاقل والفتن والاضطرابات متي تم القيام بها في ضوء الكتاب والسنة) (1)
_________
(1) الأنشطة الدعوية بالمملكة العربية السعودية، د / صالح السدلان، ص190: 193 (بتصرف)(1/117)
من مظاهر اتخاذ القرآن الكريم أساسا لشؤون الحياة في المملكة
ك- إقامة الحدود وأثر تطبيقها عمليا في المملكة العربية السعودية :
(مهابة الحاكم لدى رعيته، تأتي من قوته وصرامته في قطع دابر الجريمة، وأقوى رادع هو حكم الله، وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا يؤخذ المتعدي بالرأفة والرحمة، لأن الله الذي أنزل الأحكام أرحم بعباده، وهو سبحانه أعلم بما يصلحهم ويصلح مجتمعهم، وقد جاء في الحديث الصحيح : « إقامة حد في الأرض، خير لأهلها من مطر أربعين صباحاً » (1)
والاهتمام بالحدود من الحاكم، إقامةً لشرع الله، وطاعةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث قرن الله طاعة رسوله بطاعته سبحانه، وولي أمر المسلمين عندما يحرص على إقامة الحدود، وتنفيذ أمر الله في المعتدي على حرمات الله، إنما هو مطيع لله ولرسوله، ذلك أن كل أمر منكر في شريعة الإسلام، قد جعل الله له حداً يماثله، ويردع فاعله كي لا تستشري الجرائم وتحفظ حقوق الناس وأعراضهم من التعدي والاستهانة .
_________
(1) رواه النسائي .(1/118)
وقد أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته طريقة تطبيق الحدود الزاجرة، وحذر من الشفاعة في حد من حدود الله، حتى لا يقام الحد على الضعيف، ويعفى القوي، يبين الله تعالى، ما كتب على الأمم قبلنا فنكصوا وعدلوا في شرع الله، وبدلوا حسب أهوائهم بقوله سبحانه : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (المائدة: 45).
ويقول عز وجل : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (المائدة: 38)، فالإسلام لا يرأف بمن يستهين بحرمات الله، أو يجاهر بالفواحش، ويخيف الآمنين في أنفسهم وأموالهم وديارهم .(1/119)
ولما كانت الدولة قد قامت على ركائز الإسلام تطبيقاً وعملاً، فإن شرائع الإسلام لا ينفصم بعضها عن بعض ؛ لذا اهتم بها ولاة الأمر، وحرصوا على تطبيق الحدود، وأقاموا المحاكم الشرعية، التي تحكم بشرع الله في عباد الله، فمن قتل اقتيد منه قصاصاً، أو أخذت منه الدية بحسب ما يظهر أمام الحاكم الشرعي، ومن قطع الطريق، وحارب الله، نفذ فيه حكم الله بآية الحرابة، ومن زنى رجم إن كان محصناً، أو جلد إن كان غير محصن، ومن سرق قطعت يده، ومن شرب الخمر جلد، وهكذا سائر الحدود التي فصَّلها الفقهاء في كتبهم بأدلتها .
ولذا اتسم الوضع العام في الدولة السعودية، باستتباب الأمن، واطمئنان النفوس، وصون الأموال والحرمات .
الحدود الشرعية :
شرع الإسلام وسائل كثيرة للحد من الجريمة وعلاج الانحراف، لم تصل إليها كل الشرائع، فلم يقف عند حد التربية الأولية، بل بدأ العلاج في وقت مبكر، باختيار الزوجة الصالحة، والأسرة الصالحة، وهكذا في الحمل وبعد الولادة، تعاهده التشريع وأبعد عنه كل دواعي الانحراف ؛ فإذا وقع منه بعد ذلك فقد تجاوز الأمر بالتوجيه إلى الردع والزجر له ولغيره فشرعت الحدود) (1)
أثر تطبيق الحدود في المجتمعات :
_________
(1) قواعد الأحكام في مصالح الأنام عبد العزيز بن عبدالسلام الشافعي (الشهير بالعز بن عبدالسلام جـ1 / 14 بيروت ط الثانية 1400هـ تطبيق الحدود الشرعية وأثره على الأمن أ:د / فهد الرومي من البحوث المقدمة لمؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام ص13، 19، 209، 22، 24، (بتصرف) .(1/120)
(وينبغي أن نعلم أن تطبيق الحدود ليس إلا عاملاً واحداً من عوامل كثيرة، شرعها الإسلام لبناء المجتمع الإسلامي وسلامته واستقراره وأمنه، فهناك التربية الإسلامية، وأصولها والإيمان، وتقريره في النفوس، وأثره في الأمن وثيق ثم التربية بالعبادات الإسلامية، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وكذا أمور العبادة الأخرى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصوص الترغيب ونصوص الترهيب وغير ذلك) (1)
أثر تطبيق الحدود في المملكة العربية السعودية :
(لن نذهب في الموازنة إلى موازنة الأمن في المملكة بالأمن في الدول الأخرى فهو بين لا يخفى، يدركه القادم سريعاً ويراه يقيناً .
_________
(1) أثر تطبيق الحدود في المجتمع للشيخ محمد خاطر 247 ومابعدها «من البحوث المقدمة لمؤتمر الفقه الاسلامي المنعقد بجامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية سنة 1396هـ .(1/121)
وكانت الدول قبل تولي الملك عبدالعزيز رحمه الله الحجاز - ترسل مع رعاياها من الحجاج قوات مسلحة لتأمين سلامتهم، ودرءاً للاعتداء عليهم، ومع ذلك لم تكن هذه القوات الخاصة ولا القوات الحجازية قادرة على إعادة الأمن، وكبح جماح العصابات، ومنعها من قطع الطريق، وسلب الحجاج أو المواطنين الحجازيين، وخطفهم والتمثيل بهم، وظل حماة الأمن في الحجاز على عهد الأشراف عاجزين عن حماية الجمهور، حتى طبقت الشريعة الإسلامية، وأقيمت حدودها على عهد الملك عبدالعزيز، فانقلبت الحال غير الحال . وساد الأمن بلاد الحجاز، وانتشرت الطمأنينة بين المقيمين والمسافرين، وانتهى عهد الخطف والنهب والسلب وقطع الطريق، وأصبحت الجرائم التي كانت ترتكب في عهد الأشراف أخباراً تروى فلا يكاد يصدقها من لم يعاصرها أو يشهدها، فبعد أن كان الناس يسمعون أشنع الأخبار عن الإجرام في الحجاز، أصبحوا يسمعون أعجب الأخبار عن استتباب الأمن واستقرار النظام، فهذا يفقد كيس نقوده في الطريق العام فلا يكاد يذهب إلى دار الشرطة ليبلغ حتى يجد كيسه، كما فقد منه، معروضاً للتعريف عليه .(1/122)
ومن هنا يكاد يجمع الكتاب في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم وتفاوت مشاربهم وتباين منازعهم على أن الأمن والاستقرار اللذين نعمت بهما المملكة العربية السعودية على عهد الملك عبدالعزيز واللذين أصبحا مضرب الأمثال في جميع الأوساط الدولية كانا نتيجة لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وتنفيذ أوامر الشرع الحنيف . لقد أثبت تطبيق أحكام الشريعة في المملكة، أثره الفعال، ودوره الإيجابي في استتباب الأمن واستقراره، وإشاعة الطمأنينة في النفوس، والحفاظ على الأخلاق والقيم، وحماية وحدة المجتمع السعودي، وهذه كلها أمور مشاهدة ومحسوسة وملموسة في المملكة .
كذلك كان لتطبيق الحدود وفق الشريعة الإسلامية في المملكة أثره الحاسم في منع تكرار الجريمة، وإجبار المجرم على التفكير مئات المرات قبل أن يقدم على فعله، لأنه يعلم مقدماً الحكم الذي سينزل به ومدى فاعليته .(1/123)
ومما يدل على أثر تطبيق هذه الحدود في جريمتي القتل والسرقة بصفة خاصة وأثر ذلك في القضاء على هاتين الجريمتين في المجتمع السعودي من أن الإحصاءات الرسمية أثبتت أخيراً أن نسبة 93% من مرتكبي جرائم القتل والسرقة في المملكة من الجاليات العربية، وبعض الجنسيات الأخرى الوافدة والتي لم تتربَّ على هذا النظام، ولم تعرف مدى تطبيقه، فارتكبت جريمة في مجتمع نتيجة تربية منحرفة في مجتمع آخر) (1)
_________
(1) أثر تطبيق الشريعة الاسلامية في حل المشكلات الاجتماعية، أ:د / إبراهيم مبارك الجوير، ص30: 33(مرجع سابق) حالة الأمن في عهد الملك عبد العزيز رابح لطفي جمعة112 .(1/124)
وقد ضرب الشيخ محمد خاطر مفتي جمهورية مصر العربية حالة الأمن في المملكة مثلاً للرد على منكري تطبيق الحدود فيقول : (وما لنا نذهب بعيداً في الرد على هؤلاء الذين يقولون : إن تنفيذ الحدود في العصر الحديث يتنافى مع مدنيتهم الكاذبة ولا يلائمها، ولا يأتي بالنتيجة المطلوبة، وأمام أعينهم من المشاهد الملموس المحسوس ما يقضي على كل ما يزعمون، فلقد نفذت المملكة العربية السعودية الحدود فاستقر الأمن، واستتب، وأمن الناس على أموالهم وأعراضهم، وكلنا يعرف ما كان يلاقيه الحجيج قبل تنفيذ الحدود من ترويع وخوف واعتداء على النفس والمال، فما استقر إلا من بعد تنفيذها، وإنك لترى بعينيك أصحاب المتاجر والحوانيت يتركونها مفتحة الأبواب دون حراس، ويذهبون لأداء العبادة والصلاة وهم في غاية الاطمئنان .
ثم إن هذا الأمن في المملكة لم يحدث في مجتمع متقوقع، انعزل بنفسه وأهله عن العالم والحضارة، بل بلغ في الحضارة شأواً مع الأمن والأمان) (1) .
_________
(1) أثر تطبيق الحدود في المجتمع، محمد خاطر ص 247 ومابعدها (مرجع سابق) .(1/125)
( 3 ) السعودية ... النموذج الإسلامي في أنقى صوره :
(بعد الدولة الإسلامية الأولى التي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحافظ عليها الخلفاء الراشدون من بعد، وزادوا في رقعتها بالفتوحات الجديدة المجيدة، وفي أعقاب العصور الزاهية التي شهدت المد الإسلامي وسارت هذه البلاد على النهج القويم، مع بزوغ فجر الدولة السعودية التي أسسها الملك عبد العزيز - رحمه الله - وعلى خطاه مضى الخلف موطدين ركائز الدولة على هدى الكتاب والسنة، فأصبحت المملكة العربية السعودية بذلك الدولة الوحيدة، في عالم اليوم، التي تطبق الشريعة الإسلامية كاملة في جميع مناحي الحياة .. وتهتدي بها في توجهاتها السياسية وعلاقتها وتفاعلها مع المجتمع الدولي .. مقدمة للعالم الإسلامي في أنقى صوره النابعة من مصادره الأصلية خير برهان على صلاحية هذا الدين للتطبيق في كل عصر ومصر.(1/126)
ولاشك أن واقع الحال ينبئ عن المستقبل، وفي الوقت ذاته يعد الحاضر صفحة مفتوحة نستقرئ فيها أحداث الماضي ونستنبط الدروس والعبر، ذلك لأن التاريخ حكم محايد يحتفظ في طياته ومنعطفاته بتطويرات الأحداث، مهما دقت أو عظمت، دون مجاملة أو محاباة . بهذا الفهم لمغزى ودلالات الحاضر والوصول للماضي عبر استقراء الواقع، تتكشف أمامنا الصور المضيئة لتاريخ المملكة العربية السعودية العريق الذي قادها حثيثا إلى الحاضر الزاهر . فهذا الكيان الكبير الذي صار محط أنظار العالم هو ثمرة من ثمرات حنكة السلف ويقظته ووعيه ومعرفته الدقيقة بحيثيات وأحداث التاريخ وهذا يجرنا إلى الحديث عن سر الثبات على هذا المنهج الوضاء الذي شهد له الأعداء قبل الأصدقاء) (1)
_________
(1) دولة في قائمة الشرف (مرجع سابق) ص11، 13 .(1/127)
( 4 ) الثبات على المنهج والصمود في وجه المفاسد والمغريات ومحاربتها :
إذا قوي الأساس ثبت البنيان، أمام عاديات الدهر، وتقلبات الأحوال، والدولة السعودية، التي قامت منذ نشأتها على قاعدة راسخة في الهدف والغاية، وسلكت طريقاً مستقيماً في الدعوة والإصلاح والتوحيد، سار عليه قادتها في أدوارها الثلاثة من عام 1157هـ (1744م)، وإلى الآن، يفصل بين كل دور ودور بضع سنوات : الدور الأول : أمسك بزمام الحكم منهم أربعة، والدور الثاني تولى القيادة فيه خمسة، والثالث الذي بدأه الملك عبد العزيز مستعيداً السلطة في 5 شوال 1319هـ، وقد تولى منهم حتى الآن خمسة خلال قرن من الزمان، وفي الفترة بين الأول والثاني تولى منهم أفراد لم يستقم أمرهم خلالها .
هذه الدولة في تطورها التاريخي، شابهت شجرة بيئة البلاد "النخلة" بصمودها أمام الأحوال الجوية، فتميل شمالاً ويميناً، ولكنها تبقى شامخة وصابرة على الأحوال الجوية، وقد وصف الله هذه الشجرة بقوله سبحانه { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ } (إبراهيم: 24)(1/128)
وإن تغيرت مجريات الأمور في أحوال الناس، وأوضاعهم الاجتماعية والمعيشية، فإن التطور التاريخي للحكم في الدولة السعودية، لم يزدد مع الأيام، ومر السنين إلا ثباتاً وتمسكا بالمبدأ الذي وضع الإمامان : محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب أقدامهما عليه، والعقيدة التي تصافحت يداهما متعاهدتين على تصحيحها وتنقيتها من الشوائب التي ألحقت بها : نصرة لدين الله الحق وتنقية له من الأمور المحسة فيه، بقصد إفساد جوهره، وتحويل العبادة إلى غير مسارها الحقيقي، التي أرادها الله . فهم سنيون في العقيدة، وفي أصول الدين، ينتهجون مذهب أهل السنة والجماعة، وينبذون ما نبذه علماء السلف الصالح من مذاهب متشعبة، لم يأذن بها الله، ولا أمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم . ولم يرضها الصحابة ولا العلماء في عصور الإسلام الثلاثة المفضلة . أما آل سعود فإن سر ثباتهم على منهج لم يتغير، قد جاء من الاعتقاد الراسخ بأن تعاليم الإسلام ثابتة في كل عصر ومصر، لأن الذي أنزلها سبحانه يعلم ما تصلح به أحوال البشر في كل شأن من شؤون حياتهم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . ورسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، فكان هذا هو(1/129)
اعتقادهم، وعلى منواله سيّروا أعمالهم) (1)
ومن هذا المنهج يدرك المهتم لماذا ثبتوا على هذا الدين ولماذا انطلقوا لمهمة التبليغ والدعوة، التي جعلها الله قائمة إلى يوم القيامة، وتواصوا بهذا الأمر، واحداً بعد الآخر، وما ذلك إلا أن المهمة التي تحملوا ما هي إلا رسالة عظيمة، لا يحمل عبأها إلا من آتاه الله قدرة على الثبات، وصبراً وتحملاً، يقول سبحانه : { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } (فصلت : 35) .
_________
(1) نشأة الدولة السعودية للشويعر (بحث) ص 49 .(1/130)
هذه الدولة، رغم الرياح التي تعصف، والمؤثرات التي تأتيها يميناً وشمالاً، فإن كل إمام منهم تولى قيادتها قد عانى مصارعة أحداث تاريخية، أعانه الله على الخروج منها بصلابة وقوة، وإن كبا كما يكبو الجواد : فإن الله يهيئ بعده من ينهض بقوة، ليوصي السابق من بعده بمواصلة المسيرة، في منهج الإسلام وبناء المجتمع، على الأسس الثابتة نفسها، التي آمنوا بها، لأنهم يقولون: لا إله إلا الله بقلوبهم، ويتفهمون مدلولها بعقولهم، ويعملون بمعناها في عباداتهم، وبمقتضاها يسوسون الرعية، بالشرع الذي هو دستور حياتهم، ومصدر توجيهاتهم، وبه تدار أعمالهم فلا يأمرون إلا بأوامر الشرع، ولا ينهون إلا عما نهاهم عنه شرع الله المطهر .(1/131)
( 5 ) نماذج من (خطب قادة هذه الدولة وحكامها تؤكد ما قلناه) (1) :
عند زيارة الملك عبد العزيز -رحمه الله- الطائف قال : "أما نحن فلا عزَّ لنا إلا بالإسلام، ولا سلاح لنا إلا التمسك به، وإذا حافظنا عليه حافظنا على عزنا وسلاحنا، وإذا أضعناه أضعنا أنفسنا وبؤنا بغضب من الله، وإن الذي أريده وأطلبه منكم هو ما ذكرته لكم من التمسك بدين الله، وهذه طريقتي التي أسير عليها والتي لا يمكن أن أحيد عنها مهما تكلفت، وإني أحب أن أردد عليكم هذا الاعتقاد أنه كالمطر إذا تكرر نزوله على الأرض أنبتت وأثمر نباتها .
وسلك أبناؤه من بعده هذا المنهج، فكان أبناؤه من بعده سعود وفيصل وخالد وفهد يعلنون ذلك في كل محفل، ويطبقون الشريعة، ويلتزمون بأحكام الدين، وينفذون الحدود بلا هوادة، ويقيمونها بصرامة، لا يأبهون بنقد الحاقدين، ولا دعاة الحضارة الزائفة، ولا المنظمات المريبة . لأنهم يدركون أن هذه الأحكام ربانية لا مساومة في تطبيقها، ولا مجال لمناقشتها أو تفضيل المذاهب البشرية عليها .
_________
(1) راجع في هذا : المصحف والسيف، جمع وإعداد / محيي الدين القابسي، ص101، : الأئمة من آل سعود والنهج الإسلامي الفريد لفهد بن عبد العزيز الكليب، ص49، وما بعدها ط الأولى 1418هـ(1/132)
وتزداد قناعتهم حين ينظرون وينظر المسلمون معهم إلى نتيجة هذا الالتزام، وعاقبة هذا الحزم من انتشار للأمن في هذه البلاد، وحين يلتفتون يمنة ويسرة، فيرون الخاضعين الخانعين لهذه الدعوات الزائفة، والمنظمات المريبة، وما جنت عليهم أحكامهم وأنظمتهم من قوة للمجرمين وضعف للمسالمين، واضطراب للأمن، وانتشار للجريمة .
* فهذا الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله تعالى يقول : "لا يمكن لنا بأي حال من الأحوال أن نستبدل دين الإسلام بأديان أخرى، أو أن نستبدل الشريعة الإسلامية بمذاهب وشرائع وقوانين ما أنزل الله بها من سلطان مهما كانت الأسباب والمسببات .
* وقال الملك فيصل رحمه الله تعالى : "إننا حين ندعو إلى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنما ندعو أنفسنا إلى سلوك السبيل الذي نأمل به خير الدنيا والآخرة" ويقول : "إننا في هذا البلد الشريف قد عاهدنا الله على أنفسنا بأن نكون - بحول الله وقوته خداماً لشريعة الله، داعين إلى الله متعاونين مع كل إخواننا المسلمين في أقطار الأرض لما فيه نصرة هذا الدين، وتحكيم شرع الله، وخدمة شعوبنا بل وفي نشر العدالة في العالم أجمع .(1/133)
* وقال الملك خالد رحمه الله تعالى : "إن تطبيق الشريعة الإسلامية لهو من أول الواجبات التي يجب علينا وعليكم تطبيقها، والتمسك بعراها في كل شؤون حياتنا فهي فيها النجاح والفلاح لنا ولكم وللإسلام وللمسلمين .
* وسار خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله تعالى على المنهج نفسه، وأكد ذلك مراراً "نحن في هذه البلاد نفتخر ونعتز أننا متمسكون بعقيدتنا الإسلامية وسوف ندافع عنها بالنفس والنفيس، وسوف نجعلها هي القدوة سواء كان في تشريعاتنا أو تنظيماتنا في مختلف حاجاتنا للتنظيم أو في حياتنا اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية أو السنوية" .
وقال وفقه الله إلى كل خير " إن الإنسانية اليوم تعيش في عصر مادي مظلم يتنكر للدين ومبادئه، ويسخر من القيم الروحية والفضائل الخلقية، عصر مليء بالشبه الإلحادية، تسوده الشحناء والبغضاء والإسلام وهو دين الله الجامع لأصول شرائع الأنبياء والمرسلين أقدر النظم التشريعية على تقديم العلاج الإصلاحي لأمراض العالم وأسقام الإنسانية .(1/134)
وقال أيضاً بعدما تحدث عن ما تنعم به المملكة من نعم كثيرة "والفضل في هذا كله إنما يعود إلى تمسكنا بتعاليم ديننا الحنيف، وحرصنا على اتباع ما أمر الله به، واجتناب ما نهى الله عنه، وهذا هو سر أمننا ومبعث رخاء معيشتنا" .
ونصوص قادة هذه البلاد وعباراتهم من تأسيسها إلى يومنا هذا أكثر من أن تحصى، تعلن أن هذا الأمن وهذا الرخاء الذي نعيشه في بلادنا إنما هو نتيجة لتطبيق الشريعة وتنفيذ الحدود .
بل ويؤكدون في كل حين إصرارهم على التزام هذا المنهج، وحزمهم في ذلك بلا هوادة مهما تكلم الأعداء وشكك المتربصون .(1/135)
الخاتمة وأهم النتائج
لكل عمل حصيلة ولكل جهدٍ ثمرة، وتبرز أهم ثمار هذا البحث ونتائجه فيما يلي :-
أولاً : القرآن الكريم هو كلية الشريعة وعمدة الملة وآية الرسالة أنزل الله فيه كل علم وبين فيه كل شيء وقد أقام الإسلام مقرراته في ذلك على ضوء أحكامه حتى غدت الشريعة هي مصدر الأحكام وامتزجت الناحية الدينية في الإسلام بالناحية الدنيوية .
ثانياً : الحكم في المملكة يقوم على أصول أساسية متماسكة مترابطة بوشائج الترابط الحسي والمعنوي على امتداد تاريخ المملكة وتتابع أطوارها .
ثالثاً : القرآن الكريم قد عاصر أحداث تطور الإنسانية سياسياً وفكرياً واجتماعياً وعاصر المد الحضاري في العصور المختلفة ولم يحظ كتاب بمثل ما حظي به القرآن العظيم من العناية به حفظاً وضبطاً ورواية ونقلاً وعلماً وعملاً فقد وسع بقواعده العامة وأحكامه الفرعية جميع شئون الحياة واستوعب حاجات الإنسان ووفق بين مقاصده ووضح له الغاية من خلقه .(1/136)
رابعاً : قامت المملكة العربية السعودية منذ أكثر من قرنين ونصف على منهاج واضح في السياسة والحكم والدعوة والاجتماع وقد حرص الحكام والعلماء في جميع أدوارها وأطوارها على الأسس والقواعد الإسلامية وبذل النفس والنفيس في سبيل نشر الدعوة السلفية واتخاذ الشريعة الغراء منهجاً للحكم ونبراساً للحياة .
خامساً : محور ارتكاز الحكم في المملكة يقوم على أسس وأعمدة ثابتة يتخذ من القرآن الكريم والسنة النبوية دستوراً ومن السمع والطاعة للحكام ديدناً ومن العدل والشورى والمساواة أساساً والحاكم السعودي والمواطن السعودي مقيدان تماماً بأحكام الشريعة الإسلامية.(1/137)
سادساً : من نعم الله تعالى على المملكة أنها محاطة بأسوار إيمانية تحميها بفضل الله تعالى من الأخطار الداخلية والخارجية فالرابطة الإيمانية تشد أفراد المجتمع بعضهم إلى بعض بالشعور المشترك في العبودية لله وحده والتجمع على آصرة الإخوة فيه وعلى العمل على نشر الدين والدفاع عنه في ظل وجود نظام حكم متكامل يمتثل شرائع الإسلام وحدوده وضوابطه وينظم عقد الحياة كلها على وضع يحقق العدالة ويعمق المودة ويعرف كلاً بما له من حق وما عليه من واجب ويردع بلا هوادة من يحيد عن طريق الجادة المستقيمة بتطبيق الحدود والعقوبات المانعة من ظهور الفساد في المجتمع المسلم ودحر دافع الرذيلة .(1/138)
سابعاً : الوحدة الفكرية والنظم الاجتماعية والإعلامية والبنية الاقتصادية في البلاد ترتبط بمفهوم التوحيد وتقوم على أساس العقيدة وتتجاوب مع الفطرة وترتكز علي التكامل والتكافل والتعاون وتنعدم فيها بوادر الشر والأثرة والضغينة والبغضاء والاستغلال والشح ... الخ من الصفات الذميمة التي تزلزل كيان المجتمعات من حولنا وتقوض بنيانها . والخلاصة أن المملكة العربية السعودية تعد هي الدولة الرائدة من بين الدول المعاصرة في تطبيق أحكام القرآن الكريم في النواحي كافة والقضايا والأحوال المدنية والعسكرية والتجارية والاقتصادية والإعلامية والجنائية والأحوال الشخصية بفضل الله تعالى ثم بجهود حكامها وعلمائها .
والله نسأل أن يسدد الخطا ويعين على الدرب إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وحرره راجي عفو ربه المنان
صالح بن غانم السدلان(1/139)
المصادر والمراجع
1. آثار تطبيق الشريعة الإسلامية في منع الجريمة، محمد بن عبد الله الزاحم ، ط القاهرة دار المنار 1991م .
2. أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة، د / عبد الله عبدالرحمن الجربوع - الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة .
3. أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة د / عبد الله بن عبدالرحمن الجربوع، مطابع أضواء السلف بالمدينة المنورة .
4. أثر تطبيق الحدود في المجتمع للشيخ محمد خاطر من البحوث المقدمة لمؤتمر الفقه الإسلامي المنعقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سنة 1396هـ.
5. أثر تطبيق الشريعة الإسلامية في حل المشكلات الاجتماعية، أ:د / إبراهيم مبارك الجوير .
6. أثر تطبيق الشريعة الإسلامية في حل المشكلات الاجتماعية، د / إبراهيم بن مبارك الجوير، ط 1415هـ، ط ونشر وتوزيع مكتبة العبيكان بالرياض .
7. إجراءات إثبات وتنفيذ عقوبات جرائم الحدود في المملكة العربية السعودية وأثرها في استتباب الأمن، رمضان حافظ مشرف - مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية برقم 329654 / 124127.(1/140)
8. أسس الحكم في الإسلام : الشورى والعدل والمساواة د / صالح، ط الأولى 1414هـ = 1994م ط دار بلنسية بالرياض
9. أصول الحسبة في الإسلام، د / محمد كمال الدين إمام، مطابع دار الهداية بالقاهرة، ط الأولى 1406هـ .
10. الأئمة من آل سعود والنهج الإسلامي الفريد لفهد بن عبد العزيز الكليب، ط الأولى 1418هـ .
11. الأحكام السلطانية للماوردي : علي بن محمد بن حبيب البصري، الطبعة الأولى 1983م ط ونشر دار الفكر بالقاهرة .
12. الأحكام السلطانية والولايات الدينية للماوردي الشافعي علي بن محمد بن حبيب، مطابع مصطفى الحلبي بالقاهرة، ط الأولى 1386هـ .
13. الإسلام والأنظمة السياسية بأقلام عشرة من الكتاب، ط دار الكاتب العربي لبنان 1978م .
14. الأنشطة الدعوية في المملكة العربية السعودية، أ:د / صالح بن غانم السدلان، ط دار بلنسيه 1417هـ 1997م .
15. التحليل السياسي لفكر الملك عبد العزيز / ضمن بحوث المؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبد العزيز، ج الإمام 1406هـ - 1985م .
16. التزام الدولة بحماية عقيدة الاسلام وفقا للنظام الأساسي للحكم، د / محمد محمد شتا أبو سعد، ط الاولى 1993م مطابع دار المعراج الدولية للنشر بالرياض .(1/141)
17. انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / محمد كمال جمعة
18. تاريخ نجد، حسين ابن غنام، ط الثانية 1381هـ، د / ناصر الدين الأسد والشيخ عبد العزيز محمد آل الشيخ .
19. تطبيق الحدود الشرعية وأثره على الأمن، أ:د / فهد بن عبد الرحمن الرومي من البحوث المقدمة لمؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام .
20. تطبيق الحدود الشرعية وأثره على الأمن أ:د / فهد الرومي من البحوث المقدمة لمؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام .
21. تطبيق الشريعة الإسلامية مصدر الأمن والاستقرار في المملكة العربية السعودية / محمد خشان (مجلة الفكر الإسلامي / لبنان) 4 رجب 1405.
22. التطور التشريعي في المملكة العربية السعودية محمد عبد الجواد محمد، ج. م. ع، جامعة القاهرة، 1977م-1992م .
23. التطورات السياسية في المملكة العربية السعودية لأمين ساعاتي، ط دار العمير للثقافة بجدة 1407هـ = 1987م .
24. الحريات العامة في الفقه والنظام السياسي في الإسلام، د / عبد الحكيم العيلي، مطابع دار الفكر العربي بالقاهرة 1403هـ.
25. جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم لابن رجب الحنبلي، مطابع دار الفكر، لبنان 1988م .(1/142)
26. جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب الحنبلي مطابع المدني بالقاهرة 1976م.
27. حاضر العالم الإسلامي لـ : بول استيوارد (نقلا عن كتاب : الوهابيون والحجاز) .
28. حالة الأمن في عهد الملك عبد العزيز رابح لطفي جمعة .
29. حالة الأمن في عهد الملك عبد العزيز لعبد المنعم غلامي .
30. خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم، د / فتحي الدريني طبع ونشر مؤسسة الرسالة، بيروت / لبنان، ط الأولى 1982م .
31. الدعوة في عهد الملك عبد العزيز، د / محمد بن ناصر الشثري، ط الأولى 1417هـ
32. دستور للأمة من القرآن والسنة، د / عبد الناصر توفيق العطار، ط دار الفكر / لبنان 1989م .
33. دولة في قائمة الشرف العالمية : خدمة الإسلام والسلام - وزارة الإعلام بالرياض - مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية برقم 273894 / 104764 .
34. الرسالة للإمام محمد بن إدريس الشافعي، مطابع دار الكتب العلمية بيروت، لبنان.
35. السعودية النموذج الأفضل للحكم الإسلامي، محمود صالح العادلي، ط 1995م طنطا / مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية برقم 305665 / 122761 .(1/143)
36. السعودية والحل الإسلامي، محمد جلال كشك، ط 4 سنة 1984م المطابع المنيرية بالقاهرة .
37. سنن ابن ماجه القزويني بتحقيق / محمد فؤاد عبد الباقي، مطابع دار الفكر العربي.
38. سنن الترمذي لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة،
39. الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د / عبد الله صالح العثيمين، من مطبوعات دارة الملك عبدالعزيز 1403هـ
40. العقيدة الطحاوية لأبي جعفر الطحاوي الحنفي بشرح / ابن أبي العز وشرح أحمد ومحمد شاكر رحمهما الله .
41. عبد العزيز آل سعود : العبقرية في التحرير والتوحيد والتحضر، لعمر أبو زلام .
42. عبد العزيز آل سعود وعبقريته الشخصية الإسلامية د / عبد العزيز شرف ومحمد إبراهيم شعبان، ط الأولى 1403هـ مطابع دار المعارف بمصر .
43. علاقة الحاكم والمحكوم في المملكة العربية السعودية، حقائق واقع وصور حياة، الطيب شبشه، مجلة الفيصل العدد 220 شوال 1415هـ .
44. علماء نجد خلال ستة قرون، عبد الله بن عبد الرحمن بن بسام، ط الأولى 1398هـ مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة بمكة المكرمة .
45. عنوان المجد في تاريخ نجد، عثمان بن عبد الله بن بشر، ط الرابعة 1402هـ من مطبوعات وزارة الملك عبد العزيز بالرياض .(1/144)
46. الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهري مطابع دار المعرفة للطباعة والنشر / بيروت / لبنان ط الثانية عام 1975م .
47. فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، ط ونشر وتوزيع الرئاسة العامة لشئون الحرمين الشريفين .
48. القرآن الكريم كتاب الحياة أحمد محمد جمال مجلة التضامن الإسلامي رجب 1408هـ العدد 1 .
49. القرآن الكريم معجزة الله الباقية، رياض صالح جنزولي، مجلة الفيصل العدد 210 ذو الحجة 1414هـ .
50. القرآن الكريم وبنيته التشريعية وخصائصه الحضارية، أ:د / وهبة الزحيلي، دار الفكر المعاصر بيروت، الطبعة الأولى 1993م.
51. القرآن شريعة المجتمع، د / عارف خليل أبو عيد، ط دار الأرقم بالكويت، ط الأولى 1405هـ .
52. القضاء في المملكة العربية السعودية : تاريخه : مؤسساته - مبادئه، وزارة العدل السعودية الصف والإحراج والمونتاج بقسم الصف الضوئي بالوزارة عام 1419هـ .
53. قلعة الإسلام ومؤسسها العظيم : علي البرماوي، مطابع دار الزهراء بالرياض 1402هـ .
54. قواعد الأحكام في مصالح الأنام للإمام عبد العزيز بن عبد السلام الشافعي (الشهير بالعز بن عبد السلام ، بيروت ط الثانية 1400هـ(1/145)
55. لماذا ينقمون من ابن باز، د / خالد العنبري .
56. المجتمع الإسلامي : أهدافه ودعائمه : أوضاعه وخصائصه في ضوء الكتاب والسنة، أ:د / مصطفى عبد الواحد، مطابع دار التأليف بمصر 1389هـ
57. الملك عبد العزيز وأثره في التاريخ المعاصر، لسليمان بن علي الشايع .
58. المملكة العربية السعودية، الشريعة الإسلامية تحكم، منير عبد الحميد هارون، ط الأولى 1414هـ الناشر الإسراء للخدمات الإعلانية .
59. الموافقات في أصول الأحكام لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، مطابع المدني بمصر ونشر مكتبة محمد علي صبيح بالقاهرة، ميدان الأزهر الشريف,
60. الموسوعة العربية العالمية، ط / مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع بالرياض .
61. الموسوعة في سماحة الإسلام، للدكتور الشيخ / محمد الصادق عرجون، تحقيق أحمد شاكر، طبع ونشر الدار السعودية الطبعة الثانيه 1404هـ = 1984م
62. متطلبات المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار في بلادنا، أ:د / سليمان بن عبد الرحمن الحقيل، ط الأولى 1418هـ مطابع التقنية للأوفست بالرياض .
63. مجلة العدل / مجلة فصلية علمية تصدر عن وزارة العدل بالسعودية العدد الثالث السنة الأولى رجب 1420هـ .(1/146)
64. محاضرات ألقاها، د / أحمد الهريدي - كلية الحقوق / جامعة القاهرة 1968 - 1969م .
65. محاضرات المؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبد العزيز، المنعقد بالرياض في ربيع الأول سنة 1405 مطابع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض .
66. محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم مفترىً عليه / مسعود الندوي نشر وتوزيع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية 1405هـ.
67. مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري على ضوء الكتاب والسنة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله وآخرين، ط دار بلنسية، 1418هـ الرياض.
68. مقدمة ابن خلدون، عبد الرحمن بن خلدون من مطبوعات مكتبة ومطبعة عبدالسلام محمد شقرون بمصر / الحمزاوي .
69. نشأة الدولة السعودية معالي الدكتور : محمد بن سعد الشويعر . من البحوث المقدمة لمؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام - المحور الأول : عام 1419-1420هـ .
70. نظام الدولة الإسلامية في الشؤون الدستورية والخارجية والمالية للشيخ عبد الوهاب خلاف . مطابع دار الأنصار بالقاهرة 1977 .
71. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، للغمام : محمد بن علي الشوكاني، ط ونشر مكتبة التراث بمصر 1987م .(1/147)
72. واقعنا المعاصر : محمد قطب عبد العال، مؤسسة المدينة للطباعة والنشر 1407هـ
73. وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية في كل عصر، د / صالح الغانم السدلان، ط الأولى 1417هـ 1997م، دار بلنسيه بالرياض.
74. الوهابيون والحجاز / الشيخ محمد رشيد رضا، مطابع المنار بمصر - ط الأولى 1333هـ .(1/148)
فهرس الموضوعات
مقدمة البحث 1
الباب الأول : اتخاذ القرآن الكريم أساساً لشؤون الحكم في المملكة : 8
ضرورة التشريع الإلهي لكل زمان ومكان : 8
التوجهات الأساسية في بناء الدولة السعودية : 21
أسس الحكم وركائزه في الإسلام وتطبيقاتها العملية في المملكة العربية السعودية : 26
أولاً: القرآن الكريم والسنة النبوية دستور المملكة العربية السعودية : 27
ثانياً: البيعة : 29
ثالثاً: العدل : 35
رابعاً: الشورى في تاريخ المملكة العربية السعودية : 37
خامساً : (المساواة): 42
المنوط به تطبيق الشريعة الإسلامية في الدولة اثنان : 44
القاضي الذي يفصل في الخصومات 45
( أ ) أصول القضاء في الشريعة الإسلامية : 45
(ب) نبذة عن القضاء عبر العصور الإسلامية مع ذكر أهم سماته : 46
(جـ) القضاء في عهد النبوة : 46
( د ) القضاء في عهد الخلفاء الراشدين : -رضوان الله عليهم- 48
(هـ) سمات القضاء في عصور ما بعد الخلافة الراشدة : 49
( و ) تاريخ القضاء الإسلامي في الدولة السعودية وتطبيقاته العملية :- 50
الباب الثاني : اتخاذ القرآن الكريم أساساً لشؤون الحياة في المملكة وآثار ذلك : 54
(1) تمهيد : 54(1/149)
( 2 ) من آثار اتخاذ أحكام القرآن أساسا لشؤون الحياة ومظاهر ذلك : 57
أ- الدين واقع يومي معاش : 57
ب- المجتمع ذو مرجعية دينية :- 58
جـ- الاستقرار والأمن الذي يعيشه المجتمع :- 59
د- من مظاهر وآثار اتخاذ القرآن الكريم أساسا لشؤون الحياة في المملكة : 63
هـ- حماية العقيدة ثمرة من ثمار تجسيد مسؤولية الحاكم عن حفظ الدين والدفاع عنه : 67
و- الالتزام بتطبيق الشريعة الإسلامية من مستلزمات حماية العقيدة الصحيحة : 69
ز- الدعوة إلى العلم الشرعي الصحيح لتنقية العقيدة من شوائب الشرك والخرافات 71
ح- تأصيل القيم الإسلامية في المجتمع : 73
ط- إظهار شعائر الإسلام :- 74
ي- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : 77
ك- إقامة الحدود وأثر تطبيقها عمليا في المملكة العربية السعودية : 80
( 3 ) السعودية ... النموذج الإسلامي في أنقى صوره : 86
( 4 ) الثبات على المنهج والصمود في وجه المفاسد والمغريات ومحاربتها : 87
( 5 ) نماذج من (خطب قادة هذه الدولة وحكامها تؤكد ما قلناه): 89
الخاتمة وأهم النتائج 93
المصادر والمراجع 96(1/150)