بسم الله الرحمن الرحيم
إتْحافُ ذوي الألباب
بِّما في الأقوالِ والأفعالِ مِنَ الثَّوَابِ
تأليف
مَاجد إسلام البنكاني
أبي أنس العراقي
قرأهُ وقدَّم لَهُ فضيلةُ الشيخ
محمد إبراهيم شقرة
أبو مالك
طبعَة جَديدة منقحَة وَمزيدَة
ذَوُوْ الألبابِ يُتحِفُهُم كِتابي
بما يَحويهِ من كَنزِ الثَّوابِ
وثَنَّينا بِتَحذيرِ الأنامِ
مِنَ الآثامِ ، فِرَّ مِنَ العقابِ
بهَدْيِ المصطفَى بِالنُّورِ نَنْجُو
برحمةِ ربِّنا يومَ الحِسَابِ
فَسَدِّدْ يا أُخَيَّ بصِدْقِ قَلبٍ
وقارِبْ ما استطعْتَ من الصَّوابِ
كِلا السِّفْرَيْن مِنْ قَوْلٍ وفِعْلٍ
دَواءٌ جَرِّبوهُ بِلا ارتِيابِ
فَيا رَبّي تَقَبلْ مِنْ فَقيرٍ
لِعَفوِكَ راجياً حُسْنَ الإيابِ
مقدمة الشيخ محمد إبراهيم شقرة
حفظه الله تعالى
الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.
أَما بعد: فقد جلَّت الأُمَّة في أَعين أنفسها، وعَظُمت أقدارُها في ذاتها، ومضت على مدرجةِ الزمن، تدثِّرُ معالم الخَيرْ وأَسبابه بأَدثرةِ الحفظ الممنَّعة، كي تصون للعالم حقوقه التي أَوجب الله علينا القيام بها، فتبقى ممسكةً بحبل النُّور، الذي تهتدي به إِلى مقاصدِ الحياة المطمئنَّة الوادعة، في غير جفاءٍ ولا جَنَفٍ،
وما كان لهذه الأمَّة أَن تختار لنفسها حبلاً غيره، فهو موثوقٌ إلى السماءِ، وحتى لو أَنَّها كانت قادرةً على الاختيار، وقد شطَّ بالأُمَّة اليوم النَّوى، فَباعدت نفسها عنه فأَضَّلتها الأَهواءُ، وساقتها إلى مراتع الهلكة، وهي تدري أَنَّها تدري أَنَّ هلاكها في ما صنعت، فليس لها ذلك، لأنَّه هو حبلُ الوحي الأَمين الذي لا يضلُّ الممسكون ولا يشقون.
وكان حقاً على الأُمَّة أَن تأويَ دائماً إِلى ما حفظ الله سبحانه، فتحفظ به وجودَها على الأَرض حتى تقوم الساعة، ولم تجدْ مشقَّة ولاعنَتاً في حفظ الوحي الأَول .(1/1)
أما الوحي الثاني وهو السُّنة، فقد لقيت الأُمة في حفظه الكثير من المشقة والعنت، إِذ عرضت له عوارض السُوءِ إِلى أَن أَذن الله سبحانه له أَن يستقر على القواعدِ والأُصول التي اصطلح عليها علماءُ الرواية والدراية، فكانت هي الحوافظَ الأَمينة، والعيْبات الواقية، للإِخبارات، والكلمات، النبويَّة، التي أَهبطها الله سبحانه على نبيِّه محمد عليه الصلاة والسلام، وبقيت من بعدُ هي الردءَ القائمَ من وراءِ ظهر القرآن، بحروفها ومعانيها، لا تتقدَّم عليه إِلا تمهيداً بتأْويل لآية أَو بياناً لمشكلٍ في أُخرى، أَو تقييداً لمطلق في ثالثةٍ، أو تخصيصاً لعامٍ في رابعةٍ، أو إِحداثاً لحكمٍ جديدٍ في خامسةٍ، أَراد الله سبحانه أَن يتفضَّلَ به تكرِمةً لنبيه عليه الصلاة والسلام فيكون بياناً جلياً لقوله: "أَلا وإِنِّي أُوتيت الكتاب ومثله معه" ، فتكون السُّنَّة طائفةً على الناس بنصوصها وكلماتها، في كل الأَعصار والأَمصار، أَنَّها حجَّةٌ باقيةٌ ثابتةٌ مكلؤَةٌ، تقف إِلى جانب الصِّنوِ الأعلى، كتابِ الله سبحانه .(1/2)
وإذا كانت رسائلُ قد أُلِّفت قديماً في الإِبانة عن فضلِ الأَعمال الصالحةٍ بتركٍ أَو بفعلٍ، مما أَنعم الله على أُمَّةِ الأسلام لتكون بها خير أُمةٍ أُخرجت للناس، لا تخاف انتقاصاً في أَجرٍ بفعلٍ قليلٍ أَو كثير، إِلا بما يكون من غفلةٍ عن الإِخلاص فيه، أَو مجانبةٍ عن الصِّدق في أَدائه والقيام بحقه، فكان لكلِّ رسالة منها بسط في النصوص التي أَوردها هذا المُؤَلِّف أَو ذاك، أَو إِقلالٌ فيها باختيار الجوامع الواسعة منها، فان هذا الكتاب، الذي تخيَّر نصوصه، وجمعها، وأَلَّف بينها، حتى غدا على ما تنعم به عيون القرَّاءِ بظاهر أَلفاظه ومبانيه، وبباطن فحواه ومعانيه، صورةً علميَّة كاملةً، كاشفةً المرادات التي جيئَت إِليها هذه النصوص، أو جيءَ بها هي إِلى النصوص، على نحوٍ لم يُسبق إِليه صاحبنا أبو أَنس ( أورثه الله الحُسنّى )، أستطيع القول معه، إنه أَوفى على الغاية، وبلغ به القصد، وأَنال القارئَ وداداً موصولاً، وحبَّاً مأمولاً، بينه وبين كتابه هذا، فيأخذ النصَّ الواحد أَو النصوص على عشوائيَّة مأمونة، وعلى ثقةٍ مطمأَنَّةٍ، إِذ قد أَوثقها بحبل التخريج الأَمين، ووصلها برُمَّةِ العزوِ الصَّادق الدقيق، من غير إيهام بنسبةِ شيءٍ منه له، أَو إِلباسٍ بفعلٍ مشابٍ بكذب، أَو استراق الخطى بسراويل فضفاضة مسروقة،أو عباءَاتٍ واسعة مغصوبة، أو ملءِ بطنه بفرث منهوب، إِلى غير هذه الصنائع الفاحشة التي إِن دلَّت فإنَّما تدل على أَخلاق مجلوبة من مستنقعاتٍ آسنةٍ،والعلم إِن لم يكن الورع يسانده، يسدِّده إِلى العمل به، ويرخي عليه ثوبه، ويهديه إِلى صوابه، فهو دليلٌ إلى كل الرذائل، وسبيل تفضي إلى كل ما يزهِّد في الفضائل، ولقد علمت الأنس والجنُّ، أَن نابتةَ سوءٍ مُنتنةً، أَظلَّت بسواد حميمها طائفةً من المتكسبين بالعلم، ظنت أن لها من سرائرها المعتمه، ما يستر ظاهرها المتعثرَ بالكسب الحرام، الوالغِ في أُجاج الشِّرب الضَّاحي،(1/3)
وغشَّاه بكلاَّت الهوان الصفيق، وصار بصاحبه كالجُعل المنفوخ، يدفع النتن بخرطومه المقطوع، صنيع فريق من أُولئَك الذين أَخزاهم الله بنوال الحرام، ولم يحرصوا على شيءٍ من العلم إِلا إِن كان يمدُّهم بمال، قائلين بأَلسنتهم، أَين غيرنا منا ؟ في مباهاة مجلوبةٍ من وراءِ ستار، إِن بدا منه فضل فإِنه عليهم عار وشنار، ومن أَراد أَن يعلم شيئًا من سيرة أَقلامهم فليسأَل دار عمار، وأَدراج مكتبة المنار، ومن كان يدخل عليهم دورهم للعمل معهم تحت وطأَة الحاجة الراغمة، ليل نهار!! فتسمع منهم العجب العجاب، والدليل لذلك، الحجة الفاضحة عليهم التي صارت عند جلِّ أصحاب المنهج السَّلفي تقدَّم على صريح السُّنة والكتاب: (هي إِخبارات الثقات)!!! وواحدٌ من أولئك الذين كانوا يدخلون عليهم من كل باب، صاحبنا هذا صاحب هذا الكتاب: أَبو أَنس، الضحيَّةُ الواترة، وإِن سأَلتموه عن أَمره، فلا تسأَلوه من وراءِ حجاب، فهو ليس من ربَّات الحجال والخضاب!حتى يكون الخبرُ أَصدق وأَرضى من مذاقِ الحلاب.
وبعد: فقد أَودعَ الله سبحانه أَرضَ الإسلام مواهبَ كثيرةً أَحاطت بكثير من الناس، ومنحتهم من ذاتها، بما لا قبل للكثيرين من تحمُّل بعضٍ منها،وأَرادتهم على سواءِ الأَمر مما أَودعها الله سبحانه من خصائصها، فمنهم من صار إِلى أَعلاها،ومنهم من صار إِلى أَدناها ومنهم من أَخذ بحظٍّ بين بين، بيد انَّهم اشتركوا في قدر أَصابوه بفضلٍ من الله ونعمةٍ .
وأجلُّ هذه المواهب وأَشرفها قدراً موهبة العلم، التي من أُتِيَها فقد أُوتي حَظَّاً حناً، ومن حُرِمَها فقد أَناخ طَفَلٍ من السوءِ، لا ينقى منه صدرُه، ولا تبرأُ منه دِرّةُ نفسه، إلا إِن هو عطف قَلبه على هذه الموهبة، فكان له منها نصيب . ولا يُحرص، وما كان ينبغي أَن يُسعى إِلى هذه الموهبة، إِلا لكي يقيم الإِنسانُ نفسه على صواب الأَمر أَو أَمرِ الصواب .(1/4)
وكان طائفة ممن أَصابوا من هذه الموهبة، أَنالتهم هِمَّتُهم شيئاً من الوُسع، فكانت لهم تواليفُ حسنةٌ، أَفرغوا سطورها بمداد أَقلامهم على صحائف، ازدانت وزهَتْ بهم على الدهر، رضوا بعلمهم، ورضي علمهم عنهم، فكانوا على مآدبه العامرة بأَطايبه، وحَفُّوا بها على أَحسن وتيرة، وأَقوى جبيرة، وتداولت القرونُ تواليفهم، وحنت لهم الأَجيال هاماتها، وانتهت إِليهم العقول بصادرها وواردها، وليس يشكُّ في أَن هذه التواليف ما كان يُكْتب لها البقاءُ والخلود من بعد موتِ مؤَلِّفيها وناظمي عقودها، وينقطع العلماءُ وطلاب العلم إِليها،ويقبلون بنهمٍ شديدٍ على قراءَتها، والإِفَادةِ من فصولها وأَبوابها، لو لم يكن الإِخلاص هو وطاءَها وسقفها، ودثارها وشعارها. وهذا ـ ولعمر الحق ـ هو البرهان القائم أَبدا الدَّهر على هذا الدعوى الشاهدةِ بنفسها على نَفسها .وكان طائفة ممن خلفوا هؤُلاءِ العظماءَ، قد أَخذوا بحظٍّ على نحوٍ مما كان منهم، فأَخلصوا النية، وعقدوا العزم، وترسموا الخطى، فأَنالتهم أَقلامُهم ما أَنالت من قَبْلَهم أَقلامُهم، فتشابهت كتبهم، وتماثلت رسائِلهم، وتحاكت تواليفُهم، واَمدُّوا الماضي بأَن جعلوا الحاضر جزءاً منه في سجلِّ ثقافة الأُمة وحاضرها، وهيَّأُوا المستقبل على وصله بحاضرهم، فأَغْنَوْه بالرجاءِ الضاهي الزاهر، فانعقدت آصرة الأزمنةِ الثلاثة على أَشرف وأَوثق ما يكون الانعقاد، وكانت جهودُ هذه الطائفة ردءاً مباركاً، ونصرةً طيِّبةً لما أَنزل الله على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، على تفاوتٍ فيما بينها، فمنها الأَعلى، ومنها الأدنى، ومنها الأَوسط، كما أَلمحنا إِلى هذا من قبل .(1/5)
والعلم الصحيحُ، النَّقيُّ، النظيفُ، هو من صنائع المعروف، الواقية مصارعَ السُّوءِ، وكتابُ صاحبنا هذا، وأَخينا الفاضل (أَبو أَنس) من تلكم الصنائع، فالجهد المبذول فيه من حسن الانتقاءِ والاختيار، وأَناقة الإِخراج والتبويب، والحرص على تدوين النصوص الثابتة، وعزوها إِلى مظانِّها ومواطنها، وبيان معاني الغريب والكشف عنها، وقفو الطرائق المتَّبعة المعهودة عند الأَولين السابقين في ذلك، وغيره من محاسن التأْليف والجمع، كلُّ أُولئك يحقق المرادات الطيَّبة من هذا المؤَلَّفِ الجيِّد النافع، التي تظهر بجلاءٍ ووضوح فيه من غير إِطالةِ نظرٍ، ولا إِشقاقٍ .
وواحدة فاتت أَخانا ( أَبو أَنس ) ما كان ينبغي أَن تفوته، وهي: أَن يبني باباً خاصاً، يأْتي فيه على التعريف بالإِيمان، على ما درج عليه السلف السَّابقون، ويدحض التمويه بالباطل، الذي سَّرده أَهله واجتباه المتردُّون بأَهوائهم في حقب القرون، وبخاصة أُولئك الأَصاغر البُلْه، ممن حسبوا أَنفسهم أَنهم على شيءٍ، حين أَتوا على وادٍ غير ذي زرعٍ، جفَّ ماؤُه، واستطال شوكه، وانقطع رجاؤُه، ومن ورائهم، ظالم لنفسه غير محسن بجهله، آبٍ على الحق والصواب .
جزى الله الأَخ الفاضل "أَبو أَنس" على إِحسانهِ، بإِحسانِ (( طرقه )) بابَ ((إِحسانٍ)) ليأْخذ عنه (( أَحسن )) العلم، بأَحسن ... شبيه، فيحسن به على الناس، من غير منٍّ بشيءٍ ممَّا ((أَحسن)) الله به عليه، فأَصاب من (( أَحسنه )) لنفسه، شاكراً لأَنعُم الله، الذي أَحسن صنع كل شيءٍ، سبحانه، وهو الغني بمحاسنه،هو أَحسن الخالقين.
أسأل الله العليَّ المتعالى الكبير، أَن ينفع بهذا السِّفر الطيِّب كل من يقررؤُه، ويبارك على مؤَلفه وأهله وولدهِ في الأَوَّلين السابقين، انه سميع مجيب،
وصلى الله وسلَّم وبارك على النبي الهادي الأَمين .
وكتب
أبو مالك / محمد إبراهيم شقرة
7 / جمادى الثاني /1422
26 / آب /2001
** المقدمة **(1/6)
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضلَّ له، ومن يُضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون } .(1) { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } .(2)
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطِع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } .(3)
أما بعد،،
__________
(1) آل عمران الآية (102).
(2) النساء الآية (1).
(3) الأحزاب الآية (70-71)، وهذه الخطبة تسمى عند العلماء (خطبة الحاجة)، وهي تشرع بين يدي كل خطبة، سواء كانت خطبة جمعة أو عيد أو نكاح أو درس أو محاضرة.(1/7)
الحمد لله الذي منَّ علينا بنعم كثيرة وأعظم لنا المنَّة وأتم علينا النعمة بإكمال هذا الدين وكانت من حكمته ومنته أن أرسل إلينا رسولاً كريماً رحيماً أخذ بنواصي الأمة إلى سبيل الهدى وحدا بها نحو مدارج الكمال وحميد الخصال، ورغب بالأقوال والأفعال، لمن أراد الجنة دار المقامة والاستقرار، فما من خير إلا ودل أمته عليه، وما من شر إلا وحذر أمته منه، ومن جملة الخير الذي دلنا عليه، الثواب في الأقوال والأفعال منها ما يكون واجباً، ومنها ما يكون مستحباً، ومنها ما يكون مباحاً، والناس في أصل الخلقة وطبيعة الحال متفاوتون في هممهم وقوتهم وإقبالهم على الطاعة، فعلى المسلم أن يستثمر وقته في طاعة الله عز وجل وأن يغتنم شبابه قبل هرمه وصحته قبل مرضه وفراغه قبل انشغاله كما قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ".(1)
ولما كانت الجنة درجات ومنازل جاءت أبواب الخير وطرق كسب الثواب بأشكال متعددة وجوانب متفرقة، فأقدمت إقدام الخائف الراجي على ولوج باب الكتابة والتأليف لأرسم على خُطا الأئمة العلماء مؤلفاً يجمع بين طياته أحاديث زاكيات طاهرات في فضائل الأقوال والأفعال خرجت من مشكاة النبوة ومنبع الأصالة؛ من فم المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .
فهي بحق كما قال بعض العلماء الصالحين(2): أبرك العلوم وأفضلها وأكثرها نفعاً في الدين والدنيا بعد كتاب الله عزَّ وجلَّ أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لما فيها من كثرة الصلوات عليه، وإنها كالرياض والبساتين، تجد فيها كل خير وبر وفضل وذكر".
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6412).
(2) هو الثبت أبو أحمد عبد الله بن بكر بن محمد الزاهد، ترجمه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في (تاريخ دمشق) وروى له هذه الكلمة (ج1/ 9/2).(1/8)
راجياً من الله سبحانه التوفيق والسداد، وأن تكون زاداً لمن أراد أن يغتنم وقته ويتزود للعقبة الكؤود، فإن العمر ساعات تنقضي وأيام تنصرم، والدنيا ملهية مشغلة، ولا يبقى للإنسان إلا عمله الصالح.
فمن باب الحرص والفائدة والتعاون على البر والتقوى و التعاون على طاعة الله، قمت بجمع هذه الفوائد العظيمة من الأقوال والأفعال، وهذا جهد المقل.
والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، ولا يجعل لأحد فيه نصيباً، وأن يجعل له القبول في الأرض وأن ينفعني في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
وقد درجت في كتابتي على منهج العلماء في اختيار ما صح من الأحاديث على أصول علماء الحديث والجرح والتعديل، متحرياً تخريجه وتبين حاله على وجه الاختصار إذ لا فرق بين أن يكون الحديث في باب العقائد أو في فضائل الأعمال إذ الكل شرع وحي من رب العالمين.
ثم اجتهدت في ترتيب الأحاديث كما هو نهج المحدثين على الأبواب الفقهية.
وقد خرجت الأحاديث من تخريجات الشيخ الألباني رحمه الله ، ومن كتاب الكبائر للذهبي بتخريج الشيخ مشهور حسن . وباقي التخريجات هي من كتب العلماء في هذا الشأن . أسأل الله العظيم أن يجزل لهم المثوبة ، وأن يثيبهم على عملهم ، وأن يجعل مأواهم الجنة .
هذا وأشكر كل من قدم لي يد المساعدة لإخراج هذا الكتاب لما فيه من المنفعة، وأخص بالذكر زوجتي أم أنس جزاها الله خيراً لما قامت به من الكتابة والتبييض ومقابلة الصفحات، وكذلك أشكر الأخوة القائمين على مكتبة مركز الدعوة العلمي في صنعاء اليمن، وكذلك الأخوة القائمين على مركز أبي بكر الصديق للأبحاث العلمية في صنعاء اليمن لما قدموه لي على حصول بعض المصادر، و "لا يشكر الله من لا يشكر الناس"(1) ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) صحيح الترمذي رقم (1592)، السلسلة الصحيحة برقم (417)، المشكاة رقم (3025)، التعليق الرغيب (2/56)، وقد ورد بألفاظ عديدة.(1/9)
وأسأل الله العظيم أن يجعل عملهم هذا خالصاً لوجهه الكريم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وكتب
ماجد إسلام البنكاني
أبو أنس العراقي
نزيل الأردن في 27/ذي الحجة/1421هـ
أبواب النية
باب
الإخلاص في جميع الأعمال الظاهرة والباطنة
قال الله تعالى: { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } (1)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى ما هاجر إليه ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إمرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".(2)
فيجب أن تكون الأعمال الظاهرة والباطنة خالصة لله تعالى من غير رياء ولا سمعة ولا يشرك أحد مع الله من خلقه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال -فيما يَروي عن ربه عز وجل-: "إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك في كتابه، فمن هم بحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله عِنْدَه حسنة كاملةً، فإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسناتٍ إلى سَبْع مئة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة".
زاد في رواية: "أو محاها، ولا يهلك على الله إلا هالك".(3)
__________
(1) سورة البينة آية (5).
(2) أخرجه البخاري في الإيمان (54)، ومسلم في الإمارة برقم (1907).
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6491)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (131).(1/10)
وفي راوية لمسلم قال: عن محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله عزوجل: إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بعشر أمثالها، وإذا تحدث عبدي بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة، إنما تركها من جَراي".(1)
قوله: "من جَراي" أي: من أجلي، وهي بفتح الجيم وتشديد الراء، بالمد والقصر لغتان.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: ترك العمل لأجل الناس رياء ، والعمل لأجل الناس شرك.
وقال بعض السلف: لا يقبل العمل إلا ما كان خالصاً صواباً.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - عندما جاء يعوده: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيّ امرأتك".(2)
قوله: (تبتغي بها وجه الله) أي: تقصد بها وجه الله عز وجل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: وينبغي أن يستحضر النية في جميع العبادات (وتكون في القلب) فينوي مثلاً الوضوء وأنه توضأ لله امتثالا لأمر الله فهذه ثلاثة أشياء: 1- نية العبادة، 2- نية أن تكون لله، 3- نية أنه قام بها امتثالا لأمر الله. فهذا أكمل شيء في النية، كذلك في الصلاة وفي كل العبادات.[انتهى شرح رياض الصالحين (1/10)].
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "رجعنا من غزوة تبوك مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أقواماً خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا حبسهم العذر"(3).
__________
(1) صحيح مسلم في كتاب الإيمان برقم (129).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الوصايا برقم (2742)، ومسلم في كتاب الوصية برقم (1628).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير برقم (2839).(1/11)
وعن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: "كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة فقال: إن بالمدينة لرجال ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض".
وفي رواية: "إلا شركوكم في الأجر".(1)
إن الإنسان إذا نوى العمل الصالح ولكنه حبسه العذر فإنه يكتب له أجر ما نوى كاملاً ويدل عليه قوله تعالى: { ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرةً ولا كبيرة ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون } .(2)
وعن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم".(3)
وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري، - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".(4)
__________
(1) أخرجه مسلم في الإمارة برقم (1911).
(2) التوبة: (120-121).
(3) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2564).
(4) أخرجه البخاري في التوحيد برقم (7458)، ومسلم في كتاب الإمارة برقم (1904).(1/12)
وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران و كنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فجلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه.(1/13)
قال الآخر: اللهم إنه كان لي ابنة عم كانت أحب الناس إليّ وفي رواية (كنت أحبها أشد ما يحب الرجال النساء) فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي ما بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها وفي رواية (فلما قعدت بين رجليها) قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها، وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أد إليَّ أجري فقلت: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي فقلت: لا أستهزئ بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون".(1)
(الغار): النقب في الجبل.(لا أغبق قبلهما) الغبوق: هو الشرب بالعشي والمراد انه كان لا يقدم على أبويه أحداً في طعام ولا شراب.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3465) وفي كتاب البيوع برقم (2215)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2743).(1/14)
قوله: (فإذا أرحت عليهم حلبت) معناه: إذا أردت الماشية من المرعى إليهم وإلى موضع مبيتها وهو مراحها بضم الميم يقال: أرحت الماشية وروحتها بمعنى. قوله: (نأى بي ذات يوم الشجر) وفي بعض الروايات باء بي فالأول: يجعل الهمزة قبل الألف وبه أكثر القراء السبعة والثاني: عكسه وهما لغتان وقراءتان ومعناه بعد والثاني البعد.قوله: (فجئت بالحلاب) هو: بكسر الحاء وهو الإناء الذي يحلب فيه يسع حلبه ناقة ويقال له المحلب: بكسر الميم قال القاضي: وقد يريد بالحلاب هنا اللبن المحلوب.قوله: (والصبية يتضاغون) أي: يصيحون ويستغيثون من الجوع.قوله: (فلم يزل ذلك دأبي) أي: حالي اللازمة. الفرجة: بضم الفاء وفتحها ويقال لها أيضا فرج.قوله: (وقعت بين رجليها) أي: جلست مجلس الرجل للوقاع.قولها: (لا تفض الخاتم إلا بحقه) الخاتم: كناية عن بكارتها.وقولها بحقه أي: بنكاح لا بزنا.
فيه أن الإخلاص في الأعمال من أسباب تفريج الكروب لأن كل منهم يقول: اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فأفرج عنا ما نحن فيه.
قوله: (انظروا أعمالاً عملتموها صالحة فادعوا الله بها لعله يفرجها) قال الإمام النووي رحمة الله تعالى: استدل أصحابنا على أنه يدعو في حال كربه وفي حال دعاء الاستسقاء وغيره بصالح عمله ويتوسل إلى الله تعالى به لأن هؤلاء فعلوه فاستجيب لهم وذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في معرض الثناء عليهم وجميل فضائلهم. أ.هـ. شرح مسلم.
وسئل الإمام أحمد بن حنبل عن الصدق والإخلاص؟ فقال: بهذا ارتفع القوم.
صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله ولا أحد، وكان خزازاً، يحمل معه غداءه من عندهم، فيتصدق به في الطريق، ويرجع عشياً فيفطر معهم، فيظن أهل السوق أنه قد أكل في البيت، ويظن أهله قد أكل في السوق. صفة الصفوة: 3/300.(1/15)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في حجة الوداع: "نضّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فرب حامل فقهٍ ليس بفقيه، ثلاث لا يُغَل عليهن قلبُ امرئ مؤمنٍ: إخلاص العمل لله، والمناصحة لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعاءهم يحيط من ورائهم".(1)
قال في النهاية نَضَره ونضَّره وأنضَره: أي نعمه: ويروى بالتخفيف والتشديد من النضارة وهي في الأصل حسن الوجه والبريق وإنما أراد حسن خلقه وقدره. (يُغل): هو من الإغلال وهي الخيانة في كل شيء.
وعن مصعب بن سعد عن أبيه - رضي الله عنه - أنه ظن أن له فضلاً على من دونه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم".(2)
وعن أبي أمامة قال: "جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ماله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا شيء له" فأعادها ثلاث مرات، ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا شيء له" ثم قال: "إن الله عزوجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه".(3)
وعن أبي الدرداء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ما ابتغي به وجه الله".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما يُبعث الناس على نياتهم".(5)
__________
(1) رواه البزار وصححه الألباني في الترغيب برقم (3).
(2) رواه النسائي في الجهاد (6/45)، وصححه الألباني في الترغيب برقم (5).
(3) رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد، وصححه الألباني في الترغيب (6).
(4) رواه الطبراني بإسناد لا بأس به وحسنه العلامة الألباني في الترغيب.
(5) رواه ابن ماجة بإسناد حسن، وصححه الألباني في الترغيب برقم (11).(1/16)
وعن معن بن يزيد، رضي الله عنهما قال: "كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها فقال: والله ما إياك أردت فخاصمته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لك ما نويت يا يزيد؟ ولك ما أخذت يا معن!". (1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسَف بأولهم وآخرهم" قالت: قلت: يا رسول الله! كيف يُخسَف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: "يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم".(2)
أسواقهم: جمع سوق وهي موضع البياعات والتقدير أهل أسواقهم الذين يبيعون ويشترون كما في المدن.قاله الألباني.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1422).
(2) أخرجه البخاري في كتاب البيوع برقم (118)، ومسلم في كتاب الفتن برقم (2884).(1/17)
وعن أبي كبشة الأنماري - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ثلاث أقسم عليهم وأحدثكم حديثا فاحفظوه قال: ما نقص مال عبدٍ من صدقةٍ ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزاً ولا فتح عبدٌ باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقرأو كلمة نحوها وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: إنما الدنيا لأربعة نفر عبدٌ رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو بنيته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً يخبط في ماله بغير علم ولا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقاً، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته فوزرهما سواء".(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها كتبت له عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه، وإن عملها كُتِبَت".(2)
وعن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبتْهُ عيناهُ حتى أصبح كُتب له ما نوى وكان نومه صدقةً عليه من ربه".(3)
__________
(1) رواه أحمد والترمذي واللفظ له وقال: (حديث حسن صحيح) ورواه ابن ماجة، وصححه العلامة الألباني في الترغيب برقم (14).
(2) رواه مسلم.
(3) رواه النسائي وابن ماجة، ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في الترغيب برقم (19).(1/18)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال رجل لأتصدقن بصدقةٍ، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون: تُصدق الليلة على سارق! فقال: اللهم لك الحمد على سارق! لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فاصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية! فقال: اللهم لك الحمد على زانية! لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فاصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على غني! فقال: اللهم لك الحمد على سارق، وزانية، وغني! فأُتي فقيل له : أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله، فقيل له: أما صدقتك فقد تُقُبلت..". (1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في قوله عز وجل : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } .(2)
قال: وهذا هو حقيقة قول لا إله إلا الله وبذلك بعث جميع الرسل
قال تعالى: { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } (3). أ.هـ. مجموع الفتاوى.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً وصواباً.
وقال سفيان الثوري: ما عالجت شيئا أشد عليَّ من نيتي.
وعن أبي حمزة الثُّمالي قال: كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدّق به، ويقول: "إن صدقة السر تطفئ غضب الربّ عز وجل".(4)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1421)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1022).
(2) سبق تخريجها.
(3) الأنبياء: (25).
(4) يأتي تخريجه في "أبواب الصدقات".(1/19)
وعن عمرو بن ثابت قال: لما مات علي بن الحسين فغسَّلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سود في ظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقالوا: كان يحمل جُرُب الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة! (1)
وعن ابن عائشة قال: قال أبي: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فَقَدنا صدقة السرّ حتى مات علي بن الحسين. (2)
وعن سفيان قال: أخبرتني مرّيّة الربيع بن خُثيم قالت: كان عمل الربيع كلُّه سراً، إن كان ليجئُ الرجل وقد نشَر المصحف فيغطيه بثوبه.
وقال ابن الجوزي: كان إبراهيم النخعي إذا قرأ في المصحف فدخل داخل غطاه.
وعن جبير بن نفير، أنه سمع أبا الدرداء، وهو في آخر صلاته، وقد فرغ من التشهد، يتعوذ بالله من النفاق، فأكثر التعوذ منه، قال جبير: ومالك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟ فقال: دعنا عنك، دعنا عنك، فوالله إن الرجل ليُقْلَبُ عن دينه في الساعة الواحدة فيخلع منه. (3)
وعن عبد الله بن مبارك قال: قيل لحمدون بن أحمد: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟ قال: لأنهم تكلَّموا لعزّ الإسلام ونجاة النفوس ورضا الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفوس وطلب الدنيا ورضا الخَلْق. (4)
وقال علي بن الحسن بن شقيق: لم أر أحداً من الناس أقرأ من ابن المبارك ولا أحسن قراءة، ولا أكثر صلاة منه، كان يصلي الليل كله في السفر وغيره، وإنما ترك النوم في المحمل، لأنه كان يصلي، وكان الناس لا يدرون.
وكان أيوب بن كيسان السختياني يقوم الليل كله، فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة. (5)
باب
ثواب المحافظة على السنة وآدابها والتمسك بهما
قال الله تعالى: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم } .(6)
__________
(1) صفة الصفوة: (2/96).
(2) المصدر السابق.
(3) سير أعلام النبلاء: 6/383 وقال الذهبي: إسناده صحيح.
(4) صفة الصفوة: 4/122.
(5) حلية الأولياء 3/8.
(6) آل عمران: (31).(1/20)
وقال تعالى: { من يطع الرسول فقد أطاع الله } .(1)
وقال تعالى: { إنما قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون } .(2)وقال الله تعالى: { فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون } إلى قوله تعالى { واتبعوه لعلكم تهتدون } .(3)
والآيات في الباب كثيرة.
فالمحبة تكون بالإتباع والنصرة وليس بالكلام فقط كما هي طبيعة المنافقين، فتكون نتيجة الإتباع هي المحبة من الله تعالى وغفران الذنوب.
عن أبي نجيح العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة".(4)
النواجذ: بالذال المعجمة: الأنياب وقيل: الأضراس، ومعناه: ألزموا السنة واحرصوا عليها كما يلزم العاض بنواجذه الشيء حرصا عليه وخوفا من ذهابه. موعظة: هي النصح والتذكير بالعواقب. بليغة: مؤثرة تبلغ سويداء القلب. وجلت: خافت. ذرفت: سالت.
النجاة في زمن ووقت الغربة والإختلاف هو بالتزام كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بفهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) النساء: (80).
(2) سورة النور: (51-52).
(3) سورة الأعراف: (157-158).
(4) أخرجه أبو داود برقم (4607) والترمذي برقم (2676) وابن ماجة برقم (43 و 44) من طريق عبد الرحمن عن عمرو السلمي، وصححه الألباني في الإرواء (2455) والطحاوية (501) والترغيب (34) والسنة (31، 54، 1037 – 1045) والمشكاة (165).(1/21)
وعن أبي شريح الخزاعي - رضي الله عنه - قال، خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله" قالوا: بلى: قال: "إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر شهيد".(2)
وعن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لكل عمر شرةً ولكل شرةٍ فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك".(3)
الشرة بكسر الشين المعجمة هو النشاط والهمة.
وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال بن الحارث يوماً: "اعلم يا بلال" قال: ما أعلم يا رسول الله؟ قال: "اعلم أن من أحيا سنة من سنتي قد أُميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئاً".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى".(5)
__________
(1) رواه الطبراني بإسناد جيد، قال في المجمع (1/169): (رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح)، وصححه الألباني في الترغيب والترهيب برقم (38).
(2) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/132) (رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن صالح العدوي ولم أر من ترجم له وبقية رجاله ثقات).
(3) رواه ابن حبان، الترغيب (55،56)، السنة (51).
(4) رواه ابن ماجة والترمذي وقال: (حديث حسن).
(5) أخرجه البخاري (13/249، فتح).(1/22)
تكون نجاة المرء في الدنيا والآخرة باتباع هدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وعن أبي شريح الخزاعي قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟" قالوا: بلى. قال: "إن هذا القرآن طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً".(1)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "الاقتصاد في السنة أحسن من الاجتهاد في البدعة".(2)
وعن أبي أيوب الأنصاري قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مرعوب فقال: "أطيعوني ما كنت بين أظهركم، وعليكم بكتاب الله، أحِلوا حلاله وحرموا حرامه".(3)
وعن عبد الله بن مسعود قال: "إن هذا القرآن شافع مشفع، من اتبعه قاده إلى الجنة، ومن تركه أو أعرض عنه (أو كلمة نحوها) زخَّ في قفاه إلى النار".(4) زخ بالزاي والخاء المعجمتين أي دفع.
وعن عابس بن ربيعة قال: "رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُقبل الحجر (يعني الأسود) ويقول: إني لأعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك".(5)
__________
(1) رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد وصححه الألباني في الترغيب برقم (35).
(2) رواه الحاكم موقوفاً وقال : (إسناده صحيح على شرطهما) ، وهو في صحيح الترغيب برقم (37) .
(3) رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات، صحيح الترغيب (38).
(4) رواه البزار موقوفاً على ابن مسعود، صحيح الترغيب (39).
(5) رواه البخاري في كتاب الحج برقم (1597)، ومسلم في كتاب الحج برقم (1270).(1/23)
قال الطبري: إنما قال ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباعٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان. أ.هـ.فتح الباري: (3/463)
وعن مجاهد قال: "كنا مع ابن عمر رحمه الله في سفر فمر بمكان فحاد عنه فسئل: لم فعلت ذلك؟ قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل هذا ففعلت".(1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه كان يأتي شجرة بين مكة والمدينة فيقيل تحتها ويخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك".(2)
وعن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سنَّ سنة حسنة فله أجرها ما عُمل بها في حياته وبعد مماته حتى تترك، ومن سن سنة سيئة فعليه إثمها حتى تترك، ومن مات مرابطاً جرى عليه عمل المرابط حتى يبعث يوم القيامة".(3)
وعن سهل بن سعد رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن هذا الخير خزائن وتلك الخزائن مفاتيح فطوبى لمن جعله الله عز وجل مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، وويل لعبدٍ جعله الله مفتاحاً للشر مغلاقاً للخير".(4)
__________
(1) رواه أحمد والبزار بإسناد جيد وهو في صحيح الترغيب برقم (43).
(2) رواه البزار بإسناد لا بأس به وصححه الألباني في الترغيب (44).
(3) رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد لا بأس به، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (62).
(4) رواه ابن ماجة واللفظ له وابن أبي عاصم، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (62).(1/24)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ دَعَا إلى هدَّى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، لا ينقص ذلك من أُجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً".(1)
باب
الترغيب في البداءة بالخير ليستن به.
عن جرير رضي الله عنه قال: كنا في صدر النهار عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه قوم عراة مجتابي النمار والعباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رأى ما بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة } إلى قوله { إن الله كان عليكم رقيبا } (2) والآية التي في الحشر: { اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ } (3) تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة قال: فجاء رجل من الأنصار بصُرَّةٍ كادت كفَّه تعجز عنها، بل قد عجزت. قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتهلل كأنه مذهبه" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".(4)
(مجتابي) بالجيم الساكنة ثم تاء مثناة وبعد الألف باء موحدة، الجوب: القطع.
(النمار)جمع نمرة وهي كساء من صوف مخطط أي:لابسي النمار قد خرقوها
في رؤوسهم.(تمعر) بالعين المهملة المشددة أي تغير.
(
__________
(1) رواه مسلم في كتاب العلم برقم (2674).
(2) النساء: (1).
(3) سورة الحشر: (18).
(4) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (1017)، والنسائي وابن ماجة والترمذي.(1/25)
كأنه مذهبه..) أي: ظهور البشر في وجهه - صلى الله عليه وسلم - حتى استنار وأشرق من السرور.و (المذهبة) صفيحة منقشة بالذهب، أو ورقة من القرطاس مطلية بالذهب، يصف حسنة وتلألؤه.
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: سأل رجل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمسك القوم، ثم إن رجلاً أعطاه فأعطى القوم فقال رسول - صلى الله عليه وسلم - : "من سنَّ خيراً فاستُنَّ به كان له أجرُه ومثل أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئاً، ومن سنَّ شراً فاستُنَّ به كان عليه وزره ومثل أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئاً".(1)
أبواب العلم
باب
ثواب العلم والعلماء وفضلهم
قال الله تعالى: { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم } .(2)
بدأ بنفسه سبحانه وتعالى وثنى بملائكته وثلث بأولي العلم.
وقال تعالى: { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون } .(3)
وقال تعالى: { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم } .(4)
وقال سبحانه وتعالى: { وقل ربِّ زدني علماً } .(5)
وقال تعالى: { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب } .(6)
وقال تعالى: { يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } .(7)
وقال تعالى: { إنما يخشى الله من عباده العلماء } .(8)
__________
(1) رواه أحمد والحاكم وقال: صحيح الإسناد ورواه ابن ماجة من حديث أبي هريرة وصححه الألباني في الترغيب برقم (59).
(2) سورة آل عمران: (18).
(3) سورة العنكبوت: (43).
(4) سورة العنكبوت: (49).
(5) سورة طه: (114).
(6) سورة الزمر: (9).
(7) سورة المجادلة: (11).
(8) سورة فاطر: (28).(1/26)
وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يرد الله به خيراً يفقه في الدين إنما أنا قاسم ويعطي الله ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيماً حتى تقوم الساعة وحتى يأتي أمر الله".(1)
وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خير ما يخلف الرجل من بعده ثلاث: ولد صالح يدعو له وصدقة تجري يبلغه أجرها وعلم يُعمل به من بعده".(2)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته بالحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها".(3) الحسد هنا يراد به: الغِبطة وهو أن يتمنى مثله.
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي - رضي الله عنه - "فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً أو متعلماً".(5)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب العلم برقم (71) وفي كتاب الاعتصام برقم (7312) وفي كتاب الخمس (3116)، وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة برقم (2386 و 2389).
(2) صحيح الترغيب برقم (76).
(3) رواه البخاري في كتاب العلم برقم (73)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (816).
(4) متفق عليه.
(5) رواه ابن ماجة(4112) والترمذي(2323) وقال: حديث حسن،صحيح الترغيب برقم (70).(1/27)
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فسدت وكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله تعالى بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله فعلم ونفعه ما بعثني الله به وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".(1)
(الكلأ): بالهمز وهو العشب رطبه ويابسه.
(الأجادب): هي الأرض الصلبة التي تمسك الماء ولا تنبت.
و(القيعان): جمع قاع وهي الأرض المستوية.(الغيث): المطر.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم"، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير".(2)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه فرُب مبلَّغٍ أوعى من سامع".(3)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب العلم برقم (79) ومسلم في كتاب الفضائل برقم (5912).
(2) أخرجه الترمذي (2685) وله شاهد مرسل في الدارمي (1/97 - 98)، الترغيب (78)، المشكاة (213، 214)، الحديث حجة (ص 53)، إصلاح المساجد (ص 12).
(3) أخرجه الترمذي (2657، 2658) وابن ماجة (232) وأحمد (1/437). والحميدي (88) والبغوي (112) في شرح السنة، المشكاة (230، 231)، صحيح الترغيب (83).(1/28)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عندهم ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".(1)
(نفس): أزال.
(ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) معناه: من كان عمله ناقصاً لم يلحقه بمرتبة أصحاب الأعمال فينبغي أن لا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء ويقصر في العمل.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في هذا الحديث: فضل المشي في طلب العلم ويلزم من ذلك الاشتغال بالعلم الشرعي بشرط أن يقصد به وجه الله تعالى وإن كان هذا شرطاً في كل عبادة، العلماء يقيدون هذه المسألة لكونه قد يتساهل فيه بعض المبتدئين ونحوهم، أ.هـ. شرح مسلم.
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له".(2)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6793) وأبو داود في الأدب برقم (4946) وابن ماجة (225).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الوصية برقم (4199) والترمذي في كتاب الأحكام برقم (1376) والنسائي في كتاب الوصايا برقم (3653).(1/29)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذ أخذ بحظ وافر".(1)
__________
(1) أخرجه أبو داود برقم (3641) والترمذي (3682) وابن ماجة (223) وابن حبان (88 مع الإحسان) وأحمد (5/196) والدارمي (1/98) والبغوي في شرح السنة (1/275-276) وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/36-37) والطحاوي في مشكل الآثار (1/429)، الإيمان (25و 115).(1/30)
وعن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال رضي الله عنه أسأله عن المسح على الخفين فقال: ما جاء بك يا زر؟ فقلت: ابتغاء العلم فقال: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يطلب فقلت: إنه قد حك في صدري المسح على الخفين بعد الغائط والبول وكنت امرءاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فجئت أسأل هل سمعته يذكر في ذلك شيئاً؟ قال: نعم، كان يأمرنا إذا كنا سفراً أو مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم فقلت: هل سمعته يذكر في الهوى شيئاً؟ قال: نعم كنا في سفر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما نحن عنده إذا ناداه أعرابي بصوت له جهوري يا محمد فأجابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحواً من صوته: "هاؤم" فقلت له: ويحك اغضض من صوتك فإنك عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد نهيت عن هذا فقال: والله لا أغضض قال الأعرابي: المرء يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : المرء مع من أحب يوم القيامة". فما زال يحدثنا حتى ذكر بابا من المغرب مسيرة عرضه أو يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عاماً قال سفيان أحد الرواة قبل الشام خلقه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض مفتوحاً للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه".(1)
فيه فائدة عظيمة وهو فضيلة العلم وطلب العلم والمراد به العلم الشرعي أي العلم الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات برقم (3535) وقال حسن صحيح وأحمد في المسند (4/239) فقه السيرة (214)، الإيمان، (ص 60).(1/31)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هذا الدين قام بأمرين: قام بالعلم والبيان وبالسلاح والسنان حتى أن بعض العلماء قال: "إن طلب العلم أفضل من الجهاد في سبيل الله بالسلاح" لأن حفظ الشريعة إنما يكون بالعلم والجهاد بالسلاح مبني على العلم لا يسير المجاهد ولا يقاتل ولا يحجم ولا يقسم الغنيمة ولا يحكم بالأسرى إلا عن طريق العلم فالعلم هو كل شيء ولهذا قال الله عزوجل: { يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات } (1). أ.هـ. شرح رياض الصالحين: 1/95.
وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أُبدع بي فاحملني فقال: "ما عندي" فقال رجل: يا رسول أنا أدُلُهُ على من يحمله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من دل على خير فله مثل أجر فاعله"(2).(أبدع بي) بضم الهمزة وكسر الدال يعني: ظَلَعتْ ركابي.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً".(3)
وروي عن ابن مسعود أنه قال: إنما العلم الخشية.
وقال الشافعي رحمه الله:كفى بالعلم فضيلة أن يدعيه من ليس فيه،ويفرح إذا نسب إليه،وكفى بالجهل شراً أن يتبرأ منه من هو فيه،ويغضب إذا نسب إليه(4)
باب
ثواب طلب العلم وتعليمه لوجه الله عز وجل
__________
(1) المجادلة: (11).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة برقم (4876) وابو داود في كتاب الأدب برقم (5129) والترمذي في كتاب العلم برقم (2671).
(3) أخرجه مسلم برقم (2674).
(4) مناقب الشافعي للبيهقي.(1/32)
عن صفوان بن عسال المرادي - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد متكٍ على بردٍ له أحمر فقلت: يا رسول الله إني جئت أطلب العلم فقال: "مرحباً بطالب العلم إن طالب العلم لتحفه الملائكة بأجنحتها ثم يركب بعضهم بعضاً حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب".(1)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها".(2)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعمله كأن له كأجر حاج تاماً حجته".(3)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع".(4)
وعن واثلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من طلب علماً فأدركه كتب الله له كفلين من الأجر ومن طلب علماً فلم يدركه كتب الله له كفلاً من الأجر".(5)
الكفل: بكسر الكاف هو النصيب.
__________
(1) رواه أحمد وابن حبان وابن ماجة إلا أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "ما من خارج يخرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضاً بما يصنع"، وحسنه العلامة الألباني رحمه الله تعالى في الترغيب رقم (68و 80) .
(2) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، والذي يظهر أنه موقوف على علي رضي الله عنه ولا يصح رفعه للنبي - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم. انظر ضعيف الجامع رقم (4301) .
(3) أخرجه الطبراني، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/123): (رواه الطبراني في الكبير ورجاله كلهم موثوقون)، الترغيب (82).
(4) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، المشكاة: (220) الرياض: (1392).
(5) أخرجه الطبراني قال في المجمع (1/123): (رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثوقون)، المشكاة (253).(1/33)
وروى البخاري في (صحيحه) عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "كنت أنا وجار لي من الأنصار(1)، في بني أمية بن زيد، وهي من عوالي(2) المدينة، زكنا نتناوب النزول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزل جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك".(3)
فانظر رحمك إلى حرص الفاروق عمر رضي الله عنه على تحصيل العلم.
فلماذا لا نقتدي به في طلب العلم والعمل به وتعليمه للناس لننال بذلك رضى الرحمن سبحانه وتعالى.
وهذا شيخ المحدثين الإمام أبو زكريا يحيى بن معين ، كان معين على خراج الريّ، فخلَّف ليحيى ابنه ألف ألف درهم ، فأنفقه كله على الحديث،حتى لم يبق له نعلٌ يلبسه.
وهذا الحافظ ابن مندة، أبو عبد الله، محدث الإسلام، رحل في طلب العلم وعُمُره عشرون سنة، ورجع وعُمُره خمس وستون سنة، وكانت رحلته خمساً وأربعين سنة.
قال الذهبي: "ولم أعلم أحداً كان أوسع رحلةً منه، ولا أكثر حديثاً منه، مع الحفظ والثقة، فبلغنا أن عدة شيوخه ألف وسبعمائة شيخ".(4)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلي من إحيائها.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: لأن أتعلم مسألة أحب إلي من قيام ليلة.
وعنه قال: من رأى أن الغدو إلى العلم ليس بجهاد فقد نقص في رأيه وعقله.
وقال الشافعي رحمه الله تعالى: طلب العلم أفضل من النافلة.
وقال صالح بن أحمد بن حنبل: رأى رجل مع أبي محبرةً، فقال له: يا أبا عبد الله أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين؟ فقال: مع المحبرة إلى المقبرة.
يعني: كَيف تحمل المحبرة وأنت إمام المسلمين.
__________
(1) هو أوس بن خولي الأنصاري، كما قال ابن حجر في فتح الباري (9/244) كتاب النكاح.
(2) قرى بقرب المدينة من ناحية الشرق.
(3) فتح الباري (1/167) كتاب العلم (باب التناوب في العلم).
(4) سير أعلام النبلاء (17/30).(1/34)
وقال رحمه الله تعالى: أنا أطلب العلم إلى أن أدخل القبر. (1)
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة".(2)
يحذيك: يعطيك. المسك: الطيب.
الكير: جراب من جلد ينفخ به الحداد النار.
تبتاع: تشتري
باب
ثواب تعليم العلم وتصنيفه ونسخه وروايته
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره وولداً صالحاً تركه أو مصحفاً ورثه أو مسجداً بناه أو بيتاً لابن السبيل أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته".(3)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له".(4)
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع".(5)
وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خير ما يخلف الرجل من بعده ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة تجري يبلغه أجرها، وعلم يُعملُ به من بعده".(6)
__________
(1) مناقب الإمام أحمد ص 31.
(2) أخرجه البخاري (6/660 فتح)، ومسلم (2628).
(3) رواه ابن ماجة بإسناد حسن وابن خزيمة، المشكاة (254)، الإرواء (1079)، الجنائز (176-177) الترغيب (73، 108، 273) وقال الألباني: (حسن).
(4) أخرجه مسلم.
(5) رواه الطبراني في الأوسط والبزار بإسناد حسن، وصححه الألباني في الترغيب (65).
(6) رواه ابن ماجة بإسناد صحيح وقال الألباني: "صحيح" في الترغيب (75).(1/35)
وعن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر".(1)
وعن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلمه، كان له كأجر حاجٍّ تاماً حجتُهُ".(2)
وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهدين في سبيل الله، ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره".(3)
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أربعةٌ تجري عليهم أجورهم بعد الموت: رجلٌ مات مرابطاً في سبيل الله، ورجل علم علماً فأجره يجري عليه ما عُمِل به، ورجل أجرى صدقةً فأجرها له ما جَرَت، ورجل ترك ولداً صالحاً يدعوا له",(4)
وعن علي رضي الله عنه في قوله تعالى: { قوا أنفسكم وأهليكم ناراً } ، قال (علموا أهليكم الخير). (5)
وقال عون بن عمارة: سمعتُ هشاماً الدَّستوائي يقول: والله ما أستطيع أن أقول: إني ذهبتُ يوماً قطُّ أطلب الحديث أُريد به وجه الله عز وجل.
__________
(1) رواه البزار من حديث عائشة وصححه الألباني في الترغيب برقم (78).
(2) رواه الطبراني بإسناد لا بأس به وصححه الألباني في الترغيب (81).
(3) رواه ابن ماجة والبيهقي وقال الألباني: "صحيح" الترغيب (82).
(4) رواه الإمام أحمد والبزار والطبراني في "الكبير" و "الأوسط" وصححه الألباني في الترغيب (109).
(5) رواه الحاكم، وقال الألباني: "صحيح" الترغيب (114).(1/36)
قلت –[أي الذهبي]-: والله ولا أنا، فقد كان السلف يطلبون العلم لله فَنَبلوا وصاروا أئمة يقتدى بهم، وطلبهُ قومٌ منهم أولاً لا لله، وحصَّلوه، ثم استقاموا وحاسبوا أنفسهم فجرَّهم العلم إلى الإخلاص في أثناء الطريق، كما قال مجاهد وغيره: طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نيَّة، ثم رزق الله النية بعدُ، وبعضهم يقول: طلبنا هذا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا الله، فهذا أيضاً حسن. ثم نشروه بنيَّة صالحة.
وقال الشافعي رحمه الله: وددتُ أن الناس تعلَّموا هذا العلم –يعني كتبه- على أن لا يُنسب إلي منه شيءٌ. وقال: ما ناظرت أحداً إلا على النصيحة.
???????
أبواب الطهارة
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها في الغائط كُتب له حسنة ومُحي عنه سيئة"(1)
أما الغائط: اسم للمطمئن الواسع من الأرض، ثم أطلق على الخارج المستقذر من الإنسان.
باب
ثواب الوضوء وإسباغه
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } ، إلى قوله تعالى: { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون } .(2)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل".(3)
غراً الغُرة: هي بياض في جبهة الفرس، والتحجيل بياض يديها ورجليها.
قال العلماء: سمي النور الذي يكون في مواضع الوضوء يوم القيامة غرَّةً وتحجيلاً، تشبيهاً بغرة الفرس.
__________
(1) رواه الطبراني، وصححه الألباني رحمه الله تعالى في الترغيب برقم (145).
(2) سورة المائدة الآية (6).
(3) أخرجه البخاري (1/235، فتح)، ومسلم في كتاب الطهارة برقم (579).(1/37)
وتطويل الغرة، هو غسل شيء من مقدم الرأس وما يجاوز الوجه زائد على الجزء الذي يجب غسله لاستيقان كمال الوجه، وأما تطويل التحجيل فهو غسل ما فوق المرفقين والكعبين، وهذا مستحب بلا خلاف[شرح النووي 3/134، 135]
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو مع الجماعة أو في المسجد غفر الله له ذنوبه".(1)
وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إسباغ الوضوء في المكارة وإعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلاً".(2)
وعنه قال سمعت خليلي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".(3)
(الحلية): ما يحلى به أهل الجنة من الأساور ونحوها.
وعن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره".(4)
فيه بيان فضل الوضوء وثوابه وأنه يكفر الذنوب، وفيه فضل إسباغ الوضوء وخروج الخطايا من الجسد على قدر حسن الوضوء حتى تخرج من تحت أظفاره.
وعن عثمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يتوضأ رجل فيحسن وضوءه ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة التي تليها".(5)
__________
(1) رواه مسلم برقم (232).
(2) رواه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح والحاكم وقال: (صحيح على شرط مسلم).، وصححه الألباني في الترغيب برقم (184).
(3) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (585).
(4) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (577).
(5) متفق عليه.(1/38)
وعن أبي نجيح عمرو بن عبسة بفتح العين والباء السَّلمّي رضي الله عنه قال: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالةٍ وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان فسمعت برجل بمكة يخبر أخباراً فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخفياً جُراء عليه قومه فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له: ما أنت؟ قال: "أنا نبي" قلت: وما نبي؟ قال: "أرسلني الله" قلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: "أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يشرك به شيء" قلت: فمن معك على هذا؟ قال: "حر وعبد" ومعه يومئذ أبو بكر وبلال رضي الله عنهما قلت: إني متبعك قال: "إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا ألا ترى حالي وحال الناس؟ ولكن أرجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني" قال: فذهبت إلى أهلي وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وكنت في أهلي فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة؟ فدخلت عليه فقلت: يا رسول الله أتعرفني؟ قال: "نعم أنت الذي لقيتني بمكة" قال: فقلت يا رسول الله أخبرني عما علمك الله وأجهله أخبرني عن الصلاة؟ قال: "صل صلاة الصبح ثم اقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس قيد رمح فإنها تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ثم اقصر عن الصلاة فإنه حينئذ تسجر جهنم(1/39)
فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ثم اقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار" قال: فقلت يا نبي الله فالوضوء حدثني عنه؟ قال: "ما منكم رجل يقرب وضوءَهُ فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطرف لحيته مع الماء ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء فإن هو قام فصلى فحمد الله تعالى وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرَّغَ قلبه لله تعالى إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه".
فحدث عمر بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له أبو أمامه: يا عمرو بن عبسة انظر ما تقول! في مقام واحد يعطي هذا الرجل؟ فقال عمرو: يا أبا أمامة لقد كبرت سني ورق عظمي واقترب أجلي وما بي حاجة أن أكذب على الله تعالى ولا على رسوله - صلى الله عليه وسلم - إن لم أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة أو مرتين أو ثلاثة حتى عد سبع مرات ما حدثت أبداً به ولكني سمعته أكثر من ذلك".(1)
(جراء عليه قومه) أي: جاسرون مستطيلون غير هائبين.
(بين قرني شيطان) أي: ناحيتي رأسه والمراد التمثيل معناه أنه حينئذ يتحرك الشيطان وشيعته ويسلطون.
(والخياشيم): جمع خيشوم وهو أقصى الأنف، وقيل الخياشيم عظام رقاق في أصل الأنف بينه وبين الدماغ وقيل غير ذلك.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "فإن الصلاة مشهودة محضورة" أي: تحضرها الملائكة فهي أقرب إلى القبول وحصول الرحمة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1927) وقد سبق.(1/40)
عن ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في سؤال جبرائيل إياه عن الإسلام فقال: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج وتعتمر، وتغتسل من الجنابة وأن تتم الوضوء وتصوم رمضان"، قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم؟ قال: "نعم" قال: "صدقت".(1)
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما قال: أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فدعا بلالاً فقال: "يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ إنني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي؟" فقال بلال: يا رسول الله! ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، ولا أصابني حدث قط إلا توضأت عنده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "بهذا".(2)
(خشخشتك): الخشخشة حركة لها صوت كصوت السلاح، أي صوت مشيتك.
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو يسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء".(3)
__________
(1) رواه ابن خزيمة في صحيحه هكذا، وهو في الصحيحين وغيرهما بنحوه بغير هذا السياق، صحيح الترغيب (168).
(2) أخرجه الترمذي في "المناقب" وأحمد في "المسند" (5-360) بسنده على شرط مسلم وصححه الحاكم والذهبي على شرطهما وصححه الألباني في الترغيب برقم (194).
(3) رواه مسلم برقم (234) وزاد الترمذي: "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من التطهرين".(1/41)
وعن عبد الله الصنابحي - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا توضأ العبد فمضمض خرجت الخطايا منه فيه فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه وغسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى يخرج من تحت أشفار عينيه فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى المقبرة فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وددت أنا قد رأينا إخواننا" قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: "أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد" قالوا: كيف تعرفُ من لم يأتِ بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: "أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهُم بهم إلا يعرف خيله؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: "فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض".(2)
الدهم: السود. البهم: لا يخالطه لونهم لوناً آخر غير السواد.
قوله: "وأنا فرطهم على الحوض" أي: أنا أتقدمهم على الحوض، يقال: فرط القوم إذا تقدمهم ليرتاد لهم الماء ويهيئ لهم الدلاء والرشاء.
__________
(1) رواه النسائي وابن ماجة والحاكم وقال: (صحيح على شرط البخاري ومسلم و لا علة له"، وصححه شيخنا الألباني في الترغيب برقم (178).
(2) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (584).(1/42)
وعن أبي حازم قال: كنت خَلْفَ أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة فكان يمُدُّ يَدَه حتى يبلغ إبطَه، فقلت له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال: يا بني فروَّخ أنتم هاهنا؟! لو علمت أنكم هنا ما توضأت هذا الوضوء سمعت خليلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".(1)
(الحلية): ما يحلى به أهل الجنة من الأساور ونحوها.
فروخ: قال القاضي: إنما أراد أبو هريرة بكلامه هنا الموالي وكان خطابه لأبي حازم، وقال رحمه الله تعالى: وإنما أراد أبو هريرة بكلامه هذا أنه لا ينبغي لمن يقتدي به إذا ترخص في أمر لضرورة أو تشدد فيه لوسوسة أو لاعتقاده في ذلك مذهباً شذ به عن الناس أن يفعله بحضرة العامة الجهلة لئلا يترخصوا برخصة لغير ضرورة، أو يعتقدون أن ما تشدد فيه هو الفرض اللازم، والله أعلم.
وعن زر عن عبد الله - رضي الله عنه - أنهم قالوا: يا رسول الله كيف تعرف من لم تَرَ من أمتك؟ قال: "غر محجلون بُلْق من آثار الوضوء".(2)
(بُلق) جمع أبلق والبَلق: سواد وبياض.
وعن عثمان - رضي الله عنه - أنه أوتي بطهور وهو جالس على (المقاعد) فتوضأ فأحسن الوضوء ثم قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ وهو في هذا المجلس، فأحسن الوضوء ثم قال: "من توضأ مثل وضوئي هذا، ثم أتى المسجد فركع ركعتين ثم جلس غفر له ما تقدم من ذنبه" قال: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تغتروا".(3)
__________
(1) رواه مسلم عن أبي حازم في كتاب الطهارة برقم (250) ورواه ابن خزيمة في صحيحه بنحو هذا إلا أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الحلية تبلغ مواضع الطَّهور".
(2) رواه ابن ماجة وابن حبان في "صحيحه" وقال الألباني: "حسن"، الترغيب (171).
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6433).(1/43)
وعنه أنه دعا بماء فتوضأ ثم ضحك فقال لأصحابه: ألا تسألوني ما أضحكني؟ فقالوا: ما أضحكك يا أمير المؤمنين؟ قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ كما توضأت، ثم ضحك فقال: "ألا تسألوني ما أضحكك"؟ فقالوا: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال: "إن العبد إذا دعا بوضوء فغسل وجهه حَطَّ الله عنه كل خطيئة أصابها بوجهه، فإذا غسل ذراعيه كان كذلك وإذا طهر قدميه كان كذلك".(1)
المقاعد: موضع قرب المسجد النبوي كان يجلس فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عند باب الجنائز.
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن، أو تملأ ما بين
السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه، فمعتقها أو مُوبقُها".(2)
وعن عقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقوم في صلاته، فيَعلمُ ما يقول، إلا انفَتَلَ وهو كيوم ولدته أمه.." (3)، الحديث.
وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتم الوضوء كما أمره الله، فالصلوات المكتوبات كفاراتٌ لما بينهن".(4)
__________
(1) رواه أحمد بإسناد جيد وأبو يعلى ورواه البزار بإسناد صحيح وزاد فيه: "فإذا مسح رأسه كان كذلك"، صحيح الترغيب (177).
(2) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (223)، والترمذي، وابن ماجة إلا أنه قال: "إسباغ الوضوء شطر الإيمان".
(3) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (234)، وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم واللفظ له وقال: (صحيح الإسناد).
(4) رواه النسائي وابن ماجة بإسناد صحيح، صحيح الترغيب برقم (188).(1/44)
وعن أبي أيوب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من توضأ كما أُمرَ وصلى كما أُمرَ غُفِرَ له ما قدَّم من عمل".(1)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما رجل قام إلى وضوئه يريد الصلاة، ثم غسل كفيه، نزلت كل خطيئة من كفيه مع أول قطرةٍ، فإذا مضمض واستنشق واستنثر نزلت خطيئتُه من لسانه وشفتيه مع أول قطرةٍ، فإذا غسل وجهه نزلت كل خطيئةٍ من سمعه وبصره مع أول قطرةٍ، فإذا غسل يديه إلى المرفقين، ورجليه إلى الكعبين، سَلِمَ من كل ذنب كهيئته يوم ولدته أمه. قال: فإذا قامَ إلى الصلاةِ رفعَ الله درجته، وإن قَعَد قَعَدَ سالماً".(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الوضوءُ يُكَفِّر ما قبله، ثم تَصيرُ الصلاة نافلةً".(3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا توضأ الرجُلُ المسلمُ خَرجتْ ذنوبه ما سمعه وبصره ويديه ورجليه فإن قَعَدَ قَعَدَ مغفوراً له".(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا توضأ المسلم فغسل يديه كُفِّر عنه ما عملت يداه، فإذا غَسَلَ وجهه كُفِّر عنه ما نَظَرت إليه عيناه، وإذا مسح برأسه كُفِّر به ما سمعت أذناه فإذا غسل رجليه كُفِّرَ عنه ما مشت قدماه، ثم يقومُ إلى الصلاة فهي فضيلة".(5)
وقال أبو أمامة: لو لم أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا سبع مراتٍ ما حدثتُ به، قال: "إذا توضأ الرجل كما أُمِرَ، ذهب الإثم من سمعه وبصره ويديه ورجليه".(6)
__________
(1) رواه النسائي وابن ماجة وابن حبان في "صحيحه" إلا أنه قال: "غفر له ما تقدم من ذنبه"، صحيح الترغيب (189).
(2) صحيح الترغيب برقم (180).
(3) المصدر السابق نفسه.
(4) المصدر السابق نفسه.
(5) المصدر السابق نفسه.
(6) المصدر السابق نفسه.(1/45)
وعن ثعلبة بن عباد عن أبيه - رضي الله عنه - قال: ما أدري كم حدَّثنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أزواجاً أو أفراداً قال: "ما من عبد يتوضأ فيحسن الوضوء فيغسل وجهه حتى يسيل الماء على ذَقنِهِ ثم يغسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرفقيه ثم غسل رجليه حتى يسيل الماء من كعبيه ثم يقوم فيصلي إلا غفر له ما سَلَفَ من ذنبه".(1)
(الذقن) بفتح الذال المعجمة والقاف أيضاً: هو مجتمع الحيين من أسفلها.
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنا أول من يُؤذَنُ له بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يرفع رأسه، فأنظر بين يَدَيَّ فأعرف أمتي من بين الأمم ومن خلفي مثل ذلك وعن يميني مثل ذلك وعن شمالي مثل ذلك" فقال رجل: كيف تعرف أمتك يا رسول الله من بين الأمم فيما بين نوحٍ إلى أمتك؟ قال: "هم غُرٌّ محجلون من أثرِ الوضوء ليس لأحد كذلك غيرهم وأعرفهم أنهم يؤتَون كُتُبَهم بأيْمانهم، وأعرفهم تسعى بين أيديهم ذُرِّيَتهمُ".(2)
وعن عثمان - رضي الله عنه - أنه توضأ ثم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال: "من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة".(3)
وفي لفظ للنسائي: "من أتم الوضوء كما أمره الله عز وجل فالصلوات كفارات لما بينهن".
الوضوء يكون سبب لغفران الذنوب، وسعة رحمة الله سبحانه وتعالى وكرمه بأن جعل الخروج والمشي إلى المسجد نافلة في الأجر وزيادة وهذا من فضل الله تعالى علينا.
__________
(1) رواه الطبراني في الكبير، وحسنه العلامة الألباني في الترغيب (181).
(2) رواه أحمد، وصححه الألباني في الترغيب برقم (173).
(3) رواه مسلم في كتاب الطهارة(1/46)
وفي لفظ له مختصراً قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من امرئٍ يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها".(1)
وعن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع
آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب".(2)
المواظبة على الوضوء وسيلة لمغفرة الذنوب وتكفير الخطايا التي ترتكبها الأعضاء التي يجري عليها الوضوء.
باب
ثواب من أسبغ الوضوء في البرد الشديد وهو يشق عليه
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أتاني الليلة آتٍ من ربي قال: يا محمدأتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، في الكفارات والدرجات، ونقل الأقدام للجماعات، وإسباغ الوضوء في السبرات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، ومن حافظ عليهن عاش بخير، وما كان من ذنوبه كيوم ولدته أمه".(3)
السبرات: جمع سبرة وهي شدة البرد.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: "إسباغ
الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط".(4)
(
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (538) و (543) و (547).
(2) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (576).
(3) رواه الترمذي وقال: (حديث حسن)، وصححه الألباني في الترغيب برقم (187).
(4) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (586)، والترمذي والنسائي وابن ماجة.(1/47)
يمحو): يغفر. (الدرجات): المنازل العالية في الجنة.
(إسباغ الوضوء): الإتيان به كاملاً وتاماً.
(المكاره): جمع مكره وهو ما يكرهه الإنسان ويشق عليه في البرد الشديد والمرض ونحوه.
(الرباط): ملازمة ثغور العدو وحراستها لحفظ حوزة المسلمين.
وعن أبي سيعد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويزيد به في الحسنات ويكفر به الذنوب؟" قالوا: بلى يا رسول الله! قال: "إسباغ الوضوء على المكروهات وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط".(1)
باب
ثواب تجديد الوضوء وفضله
عن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "استقيموا ولن تُحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن".(2)
قوله: لن تحصوا أي: لن تحصوا مالكم عند الله من الأجر والثواب إن استقمتم.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل
صلاة بوضوء ومع كل وضوء سواك".(3)
باب
ثواب السواك
عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "السواك مطهرة للفم
مرضاة للرب".(4)
السواك يكون سبب لرضى الرب.
__________
(1) رواه ابن حبان في صحيحه عن شرحبيل بن سعد عنه، صحيح الترغيب (186) .
(2) صححه الألباني في تمام المنة (ص234) والترغيب (192، 375، 376) والمشكاة (292) والمساجلة (217) والإرواء (413).
(3) رواه أحمد بإسناد حسن، وصححه الألباني في الترغيب برقم (193).
(4) رواه البخاري معلقاً مجزوماً في كتاب الصيام (1/165) والنسائي (1/10) وابن حبان، وأخرجه أحمد في مسنده، الإرواء (66) صحيح الترغيب (202).(1/48)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بالسواك فإنه مطيبة للفم مرضاة للرب تبارك وتعالى".(1)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لقد أُمرت بالسواك حتى خشيت أن يوحي إلي فيه شيء". (2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "طيبوا أفواهكم بالسواك فإنها طرق القرآن".(3)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لقد أُمرت بالسواك حتى خفت على أسناني".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".(5)
وفي رواية: "لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء".(6)
"وكان - صلى الله عليه وسلم - لا ينام إلا والسواك عند رأسه فإذا استيقظ بدأ بالسواك".(7)
وعن علي - رضي الله عنه - : أنه أمر بالسواك وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن العبد إذا تسوك ثم قام يصلي قام الملك خلفه فيستمع لقراءته فيدنو منه كلما قرأ آية أو كلمة نحوها حتى يضع فاه على فيه فما يخرج من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف الملك فطهروا أفواهكم للقرآن".(8)
__________
(1) رواه أحمد من رواية ابن لهيعة، صحيح الترغيب (203) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(2) رواه أحمد بإسناد جيد، وحسنه الألباني في الترغيب: (207) .
(3) رواه البيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3834).
(4) رواه الطبراني في الأوسط، صحيح الجامع (4995).
(5) رواه البخاري في كتاب الجمعة برقم (887)، ومسلم في كتاب الطهارة برقم (588).
(6) رواه الإمام أحمد وابن خزيمة.
(7) أخرجه أحمد في مسنده، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4748).
(8) رواه البزار، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/99): "رواه البزار ورجاله ثقات" وروى بعضه ابن ماجة إلا أنه موقوف وهذا مرفوع، وحسنه الألباني في الترغيب (210) والصحيحة (3/215).(1/49)
وعن شريح بن هاني قال: "قلت لعائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان يبدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل بيته؟ قالت: "بالسواك".(1)
وعن زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضؤون".(2)
وعن العباس بن عبد المطلب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك عند كل صلاة كما فرضت عليهم الوضوء".(3)
وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: "ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج من بيته لشيء من الصلاة حتى يستاك".(4)
باب
ثواب من حافظ على هؤلاء الكلمات بعد الوضوء
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء".(5)
وفي رواية: "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو يسبغ الوضوء ثم يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل في أيها شاء".(6)
وزاد الترمذي بعد التشهد: "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين".(7)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة برقم (589) وغيره .
(2) رواه أحمد بإسناد جيد وحسنه الألباني رحمه الله في الترغيب برقم (200).
(3) رواه البزار والطبراني في الكبير وحسنه الألباني في الترغيب برقم (201).
(4) رواه الطبراني بإسناد لا بأس به، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (205).
(5) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (234) وأحمد في مسنده (17316/1).
(6) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (234)، وابو داود وابن ماجة وقالا: "فيسحن الوضوء".
(7) أخرجه الترمذي في الطهارة برقم (55).(1/50)
وزاد أحمد: "ثم رفع نظره إلى السماء".(1)
وزاد ابن ماجة مع أحمد قول ذلك ثلاث مرات. (2)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وأما الأذكار التي يقولها العامة عند كل وضوء فلا أصل لها عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من الصحابة والتابعين ولا الأئمة الأربعة وفيها حديث كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . أ.هـ. الوابل الطيب
وعن أبي سيعد الخدري - رضي الله عنه - : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من توضأ ففرغ من وضوئه ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك كُتِبَ في رَقٍّ وطبع عليها بطابع ثم رُفِعت تحت العرش فلم يكسر إلى يوم القيامة".(3)
باب
ثواب من بات طاهراً
عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم يبيت طاهراً فيتعار من الليل فيسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه".(4)
فيتعار بمهملة وراء مشددة والتعار السهر والتمطي والتقلب على الفراش ليلاً مع كلام وقال الأكثر التعار: اليقظة مع الصوت.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "طهروا أجسادكم طهركم الله فإنه ليس من عبدٍ يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً".(5)
__________
(1) في مسنده (17316/6).
(2) في كتاب الطهارة (470).
(3) رواه النسائي في الكبير برقم (9909/6)، ورواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني في الترغيب برقم (218).
(4) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة، صحيح الجامع (5630)، المشكاة (1215) صحيح الترغيب (595).
(5) صحيح الجامع رقم (3831) وتخريج الترغيب (596) وقال الألباني حسن.(1/51)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من بات طاهراً بات في شعاره مَلَكٌ، فلا يستيقظ إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلان، فإنه بات طاهراً".(1)
باب
استحباب ركعتين بعد الوضوء
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال: "يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة" قال: ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من الليل أو النهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي".(2)
الدف: بالفاء صوت النعل وحركته على الأرض والله أعلم.
بأرجى عمل: العمل الذي هو أكثر رجاء في حصول ثوابه.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من أحدٍ يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة".(3)
وعن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه".(4)
__________
(1) رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في الترغيب (594).
(2) أخرجه البخاري في التهجد برقم (1149) وهذا لفظه،وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة برقم (2458).
(3) رواه مسلم في الطهارة برقم (234) وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة في "صحيحه".
(4) رواه أبو داود، وصححه الألباني في الترغيب برقم (221).(1/52)
وعن حمران مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه، أنه رأى عثمان بن عفان رضي الله عنه دعا بوضوءٍ فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثا ثم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يُحَدِّث فيهما نفسه غُفرَ له ما تقدم من ذنبه".(1)
استنثر: استخرج ما في أنفه فينثره، أي يمتخطه. [نهاية: 5/15]
وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم قام فصلى ركعتين أو أربعاً –يشك سهل- يحسن فيهن الذكر والخشوع ثم استغفر الله، غفر له".(2)
الوَضُوء، بالفتح: الماء الذي يُتوضَّأُ به، والوُضوء، بالضم: التوضُّوء والفعل نفسه.[نهاية: 5/195]
???????
أبواب الصلاة
باب
ثواب الأذان وفضله
قال الله تعالى: { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعملَ صالحاً وقال إنني
من المسلمين } .(3)
قالت عائشة رضي الله عنها: أرى هذه الآية نزلت في المؤذنين.
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المؤذن يغفر له مد صوته وأجره مثل أجر من صلى معه".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه ولو يعملون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً".(5)
__________
(1) رواه البخاري في الوضوء برقم (164)، ومسلم في كتاب الطهارة برقم (229).
(2) رواه أحمد بإسناد حسن، وحسنه الألباني رحمه الله في الترغيب برقم (223).
(3) سورة فصلت: أية (33).
(4) أخرجه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة، صحيح الجامع (6519)، وصحيح الترغيب (229).
(5) أخرجه البخاري في الأذان برقم (615)، ومسلم في كتاب الصلاة برقم (980).(1/53)
الاستهام: الاقتراع. التهجير: التبكير إلى الصلاة.
النداء: الأذان. الصف الأول: الذي يلي الإمام.
العتمة: العشاء. الحبو: المشي على اليدين والركبتين.
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكانا الروحاء".(1)
قال الراوي: والروحاء من المدينة على ستة وثلاثين ميلاً.
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - : أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدم والمؤذن يغفر له مدى صوته وصدقه من سمعه من رطب ويابس وله مثل أجر من
صلى معه".(2)
مدى صوته يعني: غايته والمعنى يستكمل مغفرة الله تعالى إذا استوفى رفع الصوت فيبلغ من المغفرة بقدر ما يبلغ الغاية من الصوت.
و عن معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "المؤذنون اطول الناس أعناقا يوم القيامة".(3)
قال القاضي عياض وغيره: ورواه بعضهم إعناقاً بكسر بالهمزة أي: إسراعاً إلى الجنة وهو من سير العنق.
وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي صعصعة الأنصاري ثم المازني عن أبيه أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شَهِدَ له يوم القيامة".
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (852).
(2) رواه أحمد والنسائي بإسناد جيد، قال في المجمع (1/326): (رواه أحمد والطبراني في الكبير والبزار إلا أنه قال: "يجيبه كل رطب ويابس" ورجاله رجال الصحيح)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في الترغيب (228).
(3) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم(850)وابن ماجة في كتاب الأذان والسنة فيها برقم (725).(1/54)
قال أبو سعيد سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(1)
قوله: "إلا شهد له يومَ القيامة": المراد من هذه الشهادة اشتهار المشهود له يوم القيامة بالفضل وعلو الدرجة، وكما أن الله يفضح بالشهادة قوماً، فكذلك يكرم بالشهادة آخرين. فتح الباري (2/89)
(البادية): خلاف الحاضرة، مدى صوت المؤذن: غاية صوته.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يُغفر للمؤذن منتهى أذانِهِ ويستغفر له كل رطب ويابس سَمِعه".(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "المؤذن يغفر له مَدَّ صوته، ويشهد له كلُّ رطبٍ ويابسٍ، وشاهدُ الصلاة يكتب له خمس وعشرون حسنة ويكَّفِّرُ عنه ما بينهما".(3)
(وشاهدُ الصلاة): أي شاهد الجماعة بأذانه يكتب له ما في تفضيل صلاة الجماعة على المنفرد.
قال الخطابي رحمه الله تعالى: "مدى الشيء غايته، والمعنى أنه يستكمل مغفرة الله تعالى إذا استوفى وسعه في رفع الصوت، فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت"، وقال رحمه الله: وفيه وجه آخر هو أنه كلام تمثيل وتشبيه يريد أن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو يقدر أن يكون ما بين أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوب تملأ تلك المسافة غفرها الله. أ.هـ. معالم السنن (1/281)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (609).
(2) رواه أحمد بإسناد صحيح وقال في مجمع الزوائد (1/326): (رواه أحمد والطبراني في الكبير والبزار إلا أنه قال: "ويجيبه كل رطب ويابس" ورجاله رجال الصحيح)، وصححه العلامة الألباني رحمه الله تعالى في الترغيب برقم (228).
(3) رواه ابن حبان في "صحيحه" وقال الشيخ الألباني: "صحيح" الترغيب (227).(1/55)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين".(1)
قوله: الإمام ضامن أي: متكفل لصلاة المأمومين، (والمؤذن مؤتمن) أي: أمين على مواقيت الصلاة.
وعن أبي هريرة أيضا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي التأذين أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول له: أذكر كذا وأذكر كذا لما لم يكن يذكر من قبل حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى".(2)
قال الخطابي رحمه الله: التثويب هنا الإقامة، والعامة لا تعرف التثويب إلا قول المؤذن في صلاة الفجر "الصلاة خير من النوم" ومعنى التثويب الإعلام بالشيء والإنذار بوقوعه وإنما سميت الإقامة تثويباً لإنه إعلام بإقامة الصلاة، والأذان إعلام بوقت الصلاة.أ.هـ. معالم السنن (1/281 – 282)
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في قول المؤذن في صلاة الفجر (الصلاة خير من النوم) قال: قلت: والسنة الصحيحة في هذا التثويب تدل على أنه خاص بالأذان الأول في الفجر وهو مما هجره أكثر المؤذنين اليوم مع الأسف الشديد،حتى في الحرمين الشريفين، ولقد ابتلي بسبب إحياء أمثالها طائفة من إخواننا السلفيين في بعض البلاد الإسلامية، والى الله المشتكى من أحوال هذا الزمان وقلة أنصار السنة فيه .أهـ . صحيح الترغيب(1/173) .
__________
(1) رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الترغيب رقم (230و232) ، والمشكاة (663) ، والإراوء (217) ، والصحيحة (1767).
(2) أخرجه البخاري في كتاب السهو (1231)، ومسلم في كتاب الصلاة برقم (857).(1/56)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في الشتاء والوَرَقْ يتهافت فأخذ بغصن من شجرةٍ قال: فجعل ذلك الورق يتهافت فقال: "يا أبا ذر" قلت لبيك يا رسول الله قال: "إن العبد المسلم ليصلي الصلاة يريد بها وجه الله فتهافت عنه ذنوبه كما تهافت هذا الورق عن هذه الشجرة".(1)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً وهو في ميسر له يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - "على الفطرة" فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: "خرج من النار" فاستبق القوم إلى الرجل فإذا راعي غنمٍ حضرته الصلاة فقام يؤذن".(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة وكتب له بتأذينة في كل يوم ستون حسنة، وبكل إقامة ثلاثون حسنة".(3)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية الجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل انظر إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة".(4)
الشظية: بفتح الشين وكسر الظاء المعجمتين بعدهما ياء مثناة مشددة هي القطعة من الجبل تنقطع منه ولم تنفصل.
__________
(1) رواه أحمد بإسناد حسن، قال في المجمع (2/248): "رواه أحمد ورجاله ثقات"، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في الترغيب برقم (380).
(2) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (382)، وابن خزيمة في كتاب الصلاة برقم (399).
(3) رواه ابن ماجة والحاكم وقالا: "صحيح على شرط البخاري"، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة (42) والمشكاة (678) والترغيب (240) وصحيح الجامع (5878).
(4) رواه أبو داود والنسائي، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (41) والإرواء (214) والمشكاة (665)، الترغيب (239).(1/57)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أذن محتسباً سبع سنين كتب له براءة من النار".(1)
قال الإمام الدمياطي رحمه الله تعالى: قوله: "محتسباً" أي طالباً بأذانه وجه الله وما عنده مؤملاً من فضل الله عز وجل وسعة جوده أن يجعله مما يحاسبه بثوابه يوم القيامة قد أعده ذخراً له يوم فاقته وعند حاجته إلى الجزاء لم يأخذ عليه أجراً ولم يشتر به ثمناً
ولم يطلب عليه ثناءً ولا شكراً قد أخلص فيه نيته وصحح عزيمته وثوقاً بالله ورسوله فيما وعد به من حسن الجزاء وعظيم الثواب.أ.هـ.المتجر الرابح
وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا كان الرجل بارضٍ رِقيٍّ فحانت الصلاةُ، فليتوضأ، فإن لم يجد ماءً فليتيمم، فإن أقام، صلى معه مَلَكاه، وإن أذنَ وأقام صلى خلفه من جنودِ اللهِ ما لا يُرى طرفاه".(2)
الِقيّ بكسر القاف وتشديد الياء: هي الأرض القفر.
باب
ثواب الدعاء عند سماع المؤذن
عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله رضيت بالله رباً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولاً وبالإسلام ديناً غُفِرَ لَهُ ذَنبُهُ"(3).
وفي رواية لمسلم: "غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه".(4)
وفي رواية: "من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد".(5)
__________
(1) أخرجه ابن ماجة والترمذي بإسنادهما عن ابن عباس، المشكاة (664).
(2) رواه عبد الرزاق، وصححه الألباني في الترغيب برقم (241).
(3) رواه مسلم في الصلاة برقم (849).
(4) رواه مسلم في الصلاة برقم (849).
(5) المصدر السابق.(1/58)
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة".(1)
باب
ثواب الترديد مع المؤذن
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام بلال يُنادي فلما سكت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال مثل ما قال هذا يقيناً دخل الجنة".(2)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال المؤذن: الله اكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال: أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله قال: أشهد أن محمداً رسول الله ثم قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة".(3)
قال النووي رحمه الله تعالى: قال اصحابنا: إنما استحب للمتابع أن يقول مثل المؤذن في غير الحيعلتين فيدل على رضاه به وموافقته على ذلك أما الحيعلة فدعاء إلى الصلاة وهذا لا يليق بغير المؤذن فاستحب للمتابع ذكر آخر فكان لا حول ولا قوة إلا بالله لأنه تفويض محض إلى الله تعالى.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (614).
(2) رواه النسائي وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، الترغيب(249)، المشكاة (676).
(3) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (848) وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (527).(1/59)
قال القاضي عياض رحمه الله: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر" إلى آخره ثم قال في آخره من قلبه "دخل الجنة" إنما كان كذلك لأن ذلك توحيد وثناء على الله تعالى وانقياد لطاعته وتفويض إليه لقوله: "لا حول ولا قوة إلا بالله" فمن فعل هذا فقد حاز حقيقة الإيمان وكمال الإسلام واستحق بفضل الله تعالى.
وعن عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجوا أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي".(1)
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَرَّسَ ذات ليلة، فأذَّن بلال فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال مثل مقالته وشهد مثل شهادته فله الجنة".(2)
(عرَّس المسافر) بتشديد الراء إذا نزل آخر الليل يستريح.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "سلوا الله لي الوسيلة، فإنه لم يسألها لي عبدٌ في الدنيا إلا كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة".(3)
باب
ثواب الدعاء بعد الأذان
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن المؤذنين يفضلوننا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قل كما يقولون فإذا انتهيت فسل تُعطه".(4)
(
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (847).
(2) رواه أبو يعلى عن يزيد الرقاشي عن أنس، وحسنه الشيخ الألباني في الترغيب برقم (248).
(3) رواه الطبراني في "الأوسط"، وقال الألباني: "حسن" الترغيب (250).
(4) صحيح الكلم الطيب (ص 50)، الترغيب (249) وقال الألباني حسن.(1/60)
يفضلوننا) بفتح الياء وضم الضاد المعجمة أي يحصل لهم فضل ومزية علينا في الثواب بسبب الأذان.
وقال عليه الصلاة والسلام: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة".(1)
وعن أنس رضي الله: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد".(2)
زاد الترمذي في روايته: قالوا: فما نقول يا رسول الله؟ قال: "سلوا الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة".
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ساعتان لا يرد على داع دعوته حين تقام الصلاة وفي الصف في سبيل الله".(3)
وعن جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ثوب بالصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء".(4)
المراد بـ (التثويب): الإقامة.
باب
ثواب المشي إلى المساجد
قال الله تعالى: { فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } .(5)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح".(6)
النزل: هو ما تهيأ للضيف من كرامة عند قدومه.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأذان (614) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(2) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان، الإرواء (244).
(3) رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان وهذا أحد ألفاظه، الترغيب (254)، (262).
(4) رواه أحمد من رواية ابن لهيعة، وحسنه العلامة الألباني في الترغيب برقم (253).
(5) سورة الجمعة: (9).
(6) أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (662) ومسلم في كتاب المساجد برقم (1522).(1/61)
وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة".(1)
وعن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: كان رجل من الأنصار لا أعلم أحداً أبعد من المسجد منه وكانت لا تخطئه صلاة فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد إني أُريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قد جمع الله لك ذلك كله".(2)
وفي رواية: "لك ما احتسبت".
(لا تخطئه صلاة): لا تفوته صلاة جماعة في المسجد.
الرمضاء: شدة الحر، والظلماء: أي الليلة الشديدة الظلمة.
فيه الثواب في الخطا في الرجوع من الصلاة كما يثبت في الذهاب كما قال النووي رحمه الله تعالى.
وعن بريدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بشروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة".(3)
(المشائين): قال الشيخ الألباني رحمه الله: من صيغ المبالغة فالمراد كثرة مشيتهم ويعتادون ذلك لا من اتفق له المشي مرة أو مرتين والحديث يعني العشاء والصبح لأنها تقام بغلس.
باب
ثواب بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة إليها
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد برقم (1519).
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد برقم (1512) وابو داود في كتاب الصلاة برقم (557) وابن ماجة في كتاب المساجد والجماعات برقم (783).
(3) أخرجه أبو داود برقم (561) والترمذي (223)، وصححه الألباني في الترغيب برقم (310)، والمشكاة (721، 722)، وصحيح الجامع (2820).(1/62)
عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أنه قال عند قول الناس فيه حين بني مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنكم أكثرتم عليَّ وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتاً في الجنة".
وفي رواية: "بنى الله له مثله في الجنة".(1)
مثله: أي في الشرف والفضل والتوقير لأنه جزاء المسجد فيكون مثلاً له في صفات الشرف.
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من بنى لله مسجداً قدر مفحص قطاةٍ بنى الله له بيتاً في الجنة".(2)
مفحص أي: محل فحصها للتبيض والفحص الكشف والبحث.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من بنى لله مسجداً يُذكرُ فيه، بنى الله له بيتاً في الجنة".(3)
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حَفَرَ بئر ماءٍ لم يشرب منه كبدٌ حَرّى من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة، ومن بنى مسجداً كمفحص قطاةٍ أو أصغر بنى الله له بيتاً في الجنة".(4)
حَرّى أي عطش وهي فعل من الحر تأنيث حران وهما للمبالغة يريد أنها لشدة حرها قد عطشت ويبست من العطش كما في "اللسان".
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الصلاة برقم (450) ومسلم في كتاب المساجد برقم (533).
(2) رواه البزار واللفظ له والطبراني في "الصغير" وابن حبان في "صحيحه" وصححه العلامة الألباني في الترغيب (263).
(3) رواه ابن ماجة وابن حبان في "صحيحه"، وصححه الشيخ الألباني في الترغيب برقم (264).
(4) رواه ابن خزيمة في "صحيحه" وروى ابن ماجة منه ذكر المسجد فقط بإسناد صحيح قاله الألباني في الترغيب (265).(1/63)
وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من بنى لله مسجداً صغيراً كان أو كبيراً بنى الله له بيتاً في الجنة".(1)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة أوسع منه".(2)
وعن بشر بن حيان قال: جاء واثلة بن الأسقع ونحن نبني مسجداً، قال: فوقف علينا فسلم ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من بنى مسجداً يصلى فيه بنى الله عز وجل له في الجنة أفضل منه".(3)
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من بنى مسجداً لا يريد
به رياءً ولا سمعةً بنى الله له بيتاً في الجنة".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علماً عَلَّمه ونَشَرَه، أو ولداً صالحاً تركه أو مصحفاً وَرَّثه أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من مالهِ في صحته وحياته، تلحَقُهُ من بعد موته".(5)
فائدة : قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى : "قال ابن الجوزي : ومن كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيداً من الإخلاص . انتهى .ومن بناه بالأجرة لا يحصل له هذا الوعد المخصوص لعدم الإخلاص
، وإن كان يؤجر بالجملة" اهـ . الثمر المستطاب (1/457-458) .
باب
ثواب تنظيف المساجد وتطهيرها وتجميرها
__________
(1) رواه الترمذي وحسنه الألباني في الترغيب (267).
(2) رواه أحمد وحسنه الألباني في الترغيب (268).
(3) رواه أحمد والطبراني، وحسنه العلامة الألباني في الترغيب (269).
(4) رواه الطبراني في "الأوسط"، وحسنه الألباني في الترغيب (270).
(5) رواه ابن ماجة واللفظ له وابن خزيمة في "صحيحه" والبيهقي وإسناد ابن ماجة حسن، وقال الألباني رحمه الله: "حسن" الترغيب (271).(1/64)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : "أن امرأة سوداءَ كانت تَقُم المسجد ففقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عنها بعد أيام فقيل له: إنها ماتت. قال: "فهلا آذنتموني؟" فأتى قبرها فصلى عليها".(1)
تقم المسجد: تجمع القمامة، وهي الكناسة.
قوله: أمرأة سوداء اسمها أم محجن كما رواه البيهقي من حديث بريدة ورواه أبو الشيخ في حديث آخر .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "في الحديث فضل تنظيف المسجد ، والسؤال عن الخادم والصديق إذا غاب ، وفيه المكافأة بالدعاء والترغيب في شهود جنائز أهل الخير". اهـ. فتح الباري .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب".(2)
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتخذ المساجد في ديارنا وأمرنا أن ننظفها".(3)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: خلتِ البقاع حولَ المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم: "بلغني أنكم تريدون أن تنقلوا قرب المسجد؟" قالوا: نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك فقال: بني سلمة دياركم تكتب آثاركم دياركم تكتب آثاركم"، فقالوا: ما يسرنا أنا كنا تحولنا".(4)
وفي رواية لمسلم ايضاً في آخره: "إن لكم بكل خطوةٍ دَرَجَة".
بنو سلمة: بطن كبير من الأنصار ثم من الخزرج.
آثاركم: خطاكم وممشاكم.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الصلاة برقم (458)، ومسلم في كتاب الجنائز برقم (956).
(2) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في "صحيحه" ورواه الترمذي مسنداً مرسلاً وقال في المرسل: "هذا أصح"، وصححه الألباني في الترغيب (275).
(3) رواه أحمد، وقال الألباني رحمه الله تعالى: "صحيح" الترغيب (274).
(4) أخرجه مسلم في كتاب المساجد برقم (1517 و 1518) وحديث أنس عند البخاري.(1/65)
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصلي ثم ينام". (1)
وفي رواية: "حتى يصليها مع الإمام في جماعة" عن أبي كريب.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج عامداً إلى الصلاة فإنه في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة وإنه يكتب له بإحدى خطويته حسنة وتمحى عنه بالأخرى سيئة فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا يسع فإن أعظمكم أجراً أبعدكم داراً" قالوا: لم يا أبا هريرة؟ قال: "من أجل كثرةِ الخطا".(2)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من راح إلى مسجد الجماعة فخطوة تمحو سيئة وخطوة تكتب له حسنة ذاهباً وراجعاً".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: "إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً".(5)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (651) ومسلم في كتاب المساجد برقم (1511).
(2) أخرجه البخاري ومسلم في كتاب المساجد.
(3) أخرجه أحمد بإسناد حسن والطبراني وابن حبان في "صحيحه"،وصححه الألباني في الترغيب برقم (295).
(4) سبق تخريجه.
(5) أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود وغيرهما، وصححه العلامة الألباني في الترغيب برقم(301).(1/66)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"كانت الأنصار بعيدة منازلهم من المسجد فأرادوا أن يقتربوا فنزلت: { ونكتب ما قدموا وآثارهم } فثبتوا".(1)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من خرج من بيته إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم ومن خرج إلى تسبيحة الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين".(2)
تسبيحة الضحى: يريد سنة الضحى وكل صلاة يتنفل بها تسمى تسبيحاً وسبحة.
(لا ينصبه) أي: لا يتعبه ولا يزعجه إلا ذلك، والنَصَب: بفتح النون والصاد المهملة جميعاً هو التعب.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صلاةُ الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين درجة، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخطو خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه، ما دام في مصلاهُ: الله صل عليه، اللهم أرحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة".
وفي رواية: "اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذِ فيه، ما لم يُحدثُ فيه". (3)
تضعف أي: تزاد، والتضعيف أن يزاد على أصل الشيء فيجعل بمثلين أو أكثر.
خُطوة: قال الجوهري: الخطوة بالضم ما بين القدمين، وبالفتح المرة الواحدة.
(ما لم يحدث) أي: ما لم ينقض وضوءه.
__________
(1) صحيح ابن ماجة للشيخ الألباني برقم (637)، وصحيح الترغيب (300).
(2) صححه العلامة الألباني في صحيح أبي داود برقم (597) وصحيح الجامع (6104) وصحيح الترغيب (315).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (647)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (649).(1/67)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من حيث يخرج أحدكم من منزله إلى مسجدي فرجل تَكتُبُ له حسنة ورجل تحط عنه سيئة حتى يرجع".(1)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا تطهر الرجل ثم أتى المسجد يَرعى الصلاة كتب له كاتباه أو كاتبه بكل خطوة يخطوها إلى المسجد عشر حسنات، والقاعد يَرعى الصلاة كالقانت، ويكتب من المصلين من حيث يخرج من بيته حتى يرجع إليه".(2)
وعن عثمان - رضي الله عنه - أنه قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من توضأ فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى صلاةٍ مكتوبةٍ، فصلاها مع الإمام غُفِرَ له ذنبُه".(3)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه فيسبغه، ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه، إلا تبشبش الله إليه كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته".(4)
وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إسباغ الوضوء في المكاره وإعمال الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة تَغسِلُ الخطايا غسلاً".(5)
__________
(1) رواه النسائي في الكبرى والحاكم بنحو ابن حبان وليس عندهما حتى يرجع وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، قال الألباني: قلت: "ووافقه الذهبي وهو كما قالا" الترغيب( 1/193).
(2) رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في "الكبير" و "الأوسط" وابن خزيمة في "صحيحه" وابن حبان في "صحيحه"، وقال الألباني: "صحيح" الترغيب (294).
(3) رواه مسلم في "صحيحه" في "فضل الوضوء والصلاة عقبه" ورواه ابن خزيمة والنسائي.
(4) رواه ابن خزيمة في "صحيحه" وصححه العلامة الألباني في الترغيب برقم (298).
(5) رواه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح، وصححه الألباني في الترغيب برقم (308).(1/68)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله ليُضيء للذين يتخللون إلى المساجد في الظلم بنورٍ ساطعٍ يومَ القيامة".(1)
وعن سلمان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من توضأ في بيته فأحسنَ الوضوءَ، ثم أتى المسجد فهو زائرُ الله، وحقٌّ على المزور أن يكرم الزائر".(2)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة كلهم ضامنٌ على الله إن عاش رُزِق وكُفِيَ، وإن مات أدخله الله الجنة، من دخل بيته فَسلَّمَ فهو ضامن على الله، ومن خرج إلى المسجد فهو ضامن على الله، ومن خرج في سبيل الله فهو ضامن على الله".(3)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من مشى في ظلمةِ الليلِ إلى المسجد لقى الله عز وجل بنور يوم القيامة".(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من مشى في ظلمةِ الليل إلى المساجد آتاه الله نوراً يوم القيامة".(5)
__________
(1) رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن، وحسنه الألباني الترغيب برقم (312).
(2) رواه الطبراني في "الكبير" بإسنادين أحدهما جيد، وقال الألباني: "حسن" الترغيب (317).
(3) رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه" وصححه الألباني في الترغيب برقم (316).
(4) رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن، وصححه الألباني في الترغيب برقم (313).
(5) رواه ابن حبان في "صحيحه" وصححه الألباني في الترغيب برقم (313).(1/69)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل سلامي من الناس عليه صدقة كلَّ يوم تطلع فيه الشمس، تعدلُ بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتُميطُ الأذى عن الطريق صدقة".(1)
السلامي: واحد السلاميات، وهي مفاصل الأصابع، فكان المعنى على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة.
تعدل بين الاثنين: أي تصلح بينهما بالعدل. تميط الأذى عن الطريق: أي تنحيه وتبعده عنها.
باب
ثواب الدعاء عند دخول المسجد والخروج منه
عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا دخل المسجد يقول: "أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" قال: أقط؟ قلت نعم، قال: "فإذا قال ذلك قال الشيطان: حُفِظَ مني سائر اليوم".(2)
نأخذ من الحديث فائدة عقدية وهي أنه من صفاته سبحانه وتعالى (القديم).
باب
ما يقول عند إرادته القيام إلى الصلاة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ، فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول، قال: أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج ظاهرا والبرد" (3).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الصلح برقم (2707)، وفي كتاب الجهاد برقم (2989 و 2891)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1009).
(2) رواه أبو داود بإسناد جيد، وصححه الألباني في الكلم الطيب (ص 47).
(3) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (1354) .(1/70)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال رجل من القوم الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من القائل كلمة كذا كذا" قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله! قال: "عجبت لها فتحت لها أبواب السماء" قال ابن عمر: فما تركتهن منذ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك.(1)
باب
ثواب الصلوات الخمس المفروضات والمحافظة عليها
قال الله سبحانه وتعالى: { والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سيؤتيهم أجراً عظيماً } .(2)
وقال سبحانه وتعالى: { وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار } .(3)
وقال تعالى: { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما زرقناهم ينفقون أولئك المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم } .(4)
وقال تعالى: { والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون } .(5)
وقال تعالى: { والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك في جنات مكرمون } .(6)
والآيات في هذا الباب كثيرة.
وعن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب في حجة الوداع فقال: "اتقوا الله وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد برقم (1357) والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3592) والنسائي في كتاب الافتتاح برقم (884).
(2) النساء (162).
(3) المائدة (12).
(4) الأنفال (2-4).
(5) المؤمنون (9-11).
(6) المعارج (34 – 35).(1/71)
وأطيعوا أمراءكم تدخلوا جنة ربكم".(1)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهداً أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة".(2)
وفي رواية لأبي داود: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خمس صلوات افترضهن الله من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له على الله عهداً أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه".(3)
عن طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خمس صلوات في اليوم والليلة" قال: هل عليَّ غيرهن؟ قال: "لا، إلا أن تطوع" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "وصيام شهر رمضان" قال: هل عليَّ غيره؟ قال: "لا، إلا أن تطوع". قال الحديث...
__________
(1) أخرجه الترمذي (616) في كتاب الصلاة وأحمد في المسند (5/251) والحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة برقم (867).
(2) رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في "صحيحه" ورواه الإمام مالك، وصححه الألباني في الترغيب برقم (363).
(3) صححه العلامة الألباني رحمه الله تعالى في الترغيب (363)، والسنة (967) والصحيحة (1/131) والمشكاة (570).(1/72)
فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول - صلى الله عليه وسلم - : "أفلح إن صدق".(1)
وعند مسلم رواية" "أفلح وأبيه إن صدق" أو "دخل الجنة وأبيه إن صدق".
ثائر الرأس: منتثر شعر الرأس، أو قائم شعره منتفشة.
نسمع دوي صوته: صوت مرتفع متكرر لا يفهم وذلك لأنه نادى من بعد.
عن أبي أيوب - رضي الله عنه - : أن أعرابياً عرض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في سفر فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها ثم قال: يا رسول الله! أو يا محمد! أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار قال: فكف النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نظر في أصحابه ثم قال: "لقد وفق أو لقد هدي" قال: "كيف قلت"؟ قال: فأعاد فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم. دع الناقة".(2)
وفي رواية ابن أبي شيبة "إن تمسك به".
أن أعرابياً: بفتح الهمزة وهو البدوي أي الذي يسكن البادية.
وتصل الرحم: أي تحسن إلى أقاربك ذوي رحمك بما يتيسر أو زيادة أو طاعتهم أو غير ذلك.
وعن عثمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من علم أن الصلاة حقٌ مكتوبٌ واجبٌ دخل الجنة".(3)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان برقم (46) وفي كتاب الشهادات برقم (2678) وفي كتاب الصوم برقم (1891) وفي كتاب الحيل برقم (6956)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (100).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1396) وفي كتاب الأدب برقم (5982) وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (104).
(3) رواه أبو يعلى وعبد الله ابن الإمام أحمد في زياداته على "المسند"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (375).(1/73)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أرأيتم أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مراتٍ هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس يمحوا الله بهن الخطايا".(1)
الدرن: الوسخ.
وعن سهل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ساعتان لا يرد على داعٍ دعوته حين تقام الصلاة وفي الصف في سبيل الله".(2)
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الصلوات الخمس يذهبن بالذنوب كما يذهب الماء الدرن".(3)
وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن".(4)
وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من عبد يسجد لله سجدة إلا كتب الله له بها حسنة وحط عنه بها سيئة ورفع له بها درجة فاستكثروا من السجود".(5)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة برقم (528)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (1520).
(2) رواه ابو داود وابن خزيمة وابن حبان.
(3) رواه محمد بن نصر، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1664).
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه ابن ماجة والضياء عن عبادة بن الصامت، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5618)، والترغيب (379).(1/74)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الصيح غَسَلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غَسَلَتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم المغرب غستلها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يُكتب عليكم حتى تستيقظوا".(1)
تحترقون أي: تقعون في الهلاك بسبب الذنوب الكثيرة.
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن لله ملكاً ينادي عند كل صلاة: يا بني آدم! قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها فأطفِئوها".(2)
وعن عثمان - رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند انصرافنا من صلاتنا – أراه قال- العصر فقال: "ما أدري أحدثكم أو أسكت؟" قال: فقلنا: يا رسول الله! إن كان خيراً فحدثنا وإن كان غير ذلك فالله ورسوله أعلم، قال: "ما من مسلم يتطهر فيتم الطهارة التي كَتَبَ الله عليه، فيصلي هذه الصلوات الخمس إلا كانت كفارات لما بينها".(3)
وفي رواية:
أن عثمان قال: والله لأحدثنكم حديثاً لولا آية في كتاب الله ما حدثتكموه، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يتوضأ رجل فيحسن وضوءه، ثم يصلي الصلاةَ إلا غُفِرَ له ما بينهما وبين الصلاة التي تليها".(4)
__________
(1) رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط" وإسناده حسن، ورواه في "الكبير" موقوفاً عليه وهو أشبه ورواته محتج بهم في الصحيحين، وحسنه الألباني في الترغيب (351).
(2) رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" ، وقال : "تفرد به يحيى بن زهير القرشي" ، وحسنه الألباني الترغيب (352)
(3) رواه مسلم في صحيحه.
(4) رواه البخاري في كتاب الوضوء برقم (160)، ومسلم في كتاب الطهارة برقم (231).(1/75)
وعنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوءَ ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو مع الجماعة أو في المسجد غُفِرَ له ذنوبه".(1)
وعنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من امرئٍ مسلم تحضُرُه صلاة مكتوبة فَيُحسنُ وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارةً لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله".(2)
وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "إن كل صلاةٍ تَحُطُّ ما بين يديها من خطيئة".(3)
وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يُدْرِكه، ثم يكبُه على وجهه في نار جهنم".(4)
قوله: "في ذمة الله" قيل: الذمة هنا: الضمان، وقيل: الأمان.
وقوله: "يكبه": أي يصرعه ويلقيه على وجهه.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون".(5)
__________
(1) رواه مسلم في صحيحه في الطهارة برقم (232).
(2) رواه مسلم في صحيحه في الطهارة برقم (228).
(3) رواه أحمد بإسناد حسن، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (358).
(4) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (657).
(5) رواه البخاري في مواقيت الصلاة برقم (555)، ومسلم في المساجد برقم (632).(1/76)
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد له تملآن، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد الله تملآن، أو تملأ ما بينَ السماءِ والأرض، والصلاةُ نورٌ، والصدقة برهان، والصبر ضياءٌ، والقرآن حُجَّةٌ لكَ أو عليك".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفارةٌ لما بينهن، ما لم تغش الكبائر".(2)
ما لم تغش الكبائر أي: ما لم تؤت الكبائر، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في "شرح مسلم": معناه أن كلها تغفر إلا الكبائر فإنها لا تغفر وليس المراد أن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة، فإن كانت لا يغفر شيء من الصغائر فإن هذا وإن كان محتملاً فسياق الحديث يأباه.
قال القاضي عياض رحمه الله: هذا المذكور من الحديث من غفران الذنوب ما لم تؤت كبيرة هو مذهب أهل السنة، وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى وفضله. والله أعلم.
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (233) والترمذي وغيرهما.(1/77)
وقال الألباني رحمه الله تعالى: قلت: هذا الحصر ينافي الاستفهام التقريري في الحديث الذي قبله "هل يبقى من درنه شيء؟" كما هو ظاهر فإنه لا يمكن تفسيره على أن المراد به الدرن الصغير، فلا يبقى منه شيء وأما الدرن الكبير فيبقى كله كما هو! فإن تفسير الحديث بهذا ضرب له في الصدر، كما لا يخفى وفي الباب أحاديث أخرى لا يمكن تفسيرها بالحصر المذكور كقوله - صلى الله عليه وسلم - : "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه"، فالذي يبدو لي والله أعلم أن الله تعالى زاد في تفضله على عباده فوعد المصلين منهم بأن يغفر لهم الذنوب جميعاً وفيها الكبائر بعد أن كانت المغفرة خاصة بالصغائر ولعله مما يؤيد هذا قوله تعالى: { إن تَجتنبُوا كَبَائِرَ مَا تُنهونَ عَنهُ نُكفِّر عَنكُم سيئاتكُم و نُدخِلكم مُدخلاً كريماً } (1)
فإذا كانت الصغائر تكفر بمجرد اجتناب الكبائر فالفضل الإلهي يقتضي أن تكون للصلاة وغيرها من العبادات فضيلة أخرى تتميز بها على فضيلة اجتناب الكبائر، ولا يبدو أن ذلك يكون إلا بأن تكفر الكبائر والله أعلم.
ولكن ينبغي على المصلين أن لا يغتروا، فإن الفضيلة لا شك أنه لا يستحقها إلا من أقام الصلاة وأتمها وأحسن أداءها كما أمر وهذا صريح في حديث عقبة: "من توضأ كما أُمِر وصلى كما أُمِر غفر له ما تقدم من عمل" وأنى لجماهير المصلين أن يحققوا الأمرين المذكورين ليستحقوا مغفرة الله وفضله العظيم فليس لنا إلا أن ندعو الله أن يعاملنا برحمته وليس بما نستحقه بأعمالنا!. أ.هـ. صحيح الترغيب (1/212 - 213)
__________
(1) النساء (31).(1/78)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن أعرابياً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال: "تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان، قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا فلما ولى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا".(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن العبد إذا قام يصلي أتى بذنوبه كلها فوضعت على رأسه وعاتقه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه".(2)
وعن عثمان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤتِ كبيرة وكذلك الدهر كله".(3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة".(4)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أصبت حداً فأقمه عليَّ وحضرت الصلاة فصلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قضى الصلاة قال: يا رسول الله إني أصبت حداً فأقم فيَّ كتاب الله قال: "هل حضرت الصلاة معنا؟" قال نعم، قال: "قد غُفِر لكَ".(5)
أصبت حداً: معناه ارتكتب معصية توجب التعزير.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1397) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (107).
(2) أخرجه محمد بن نصر، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1398).
(3) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (542).
(4) رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع برقم (113).
(5) أخرجه البخاري في كتاب الحدود برقم (6823) ومسلم في كتاب التوبة برقم (6937).(1/79)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - : أن رجلاً أصاب من امرأةٍ قبلة فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فأنزل الله تعالى { أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات } فقال الرجل: ألي هذا يا رسول الله؟ قال: "لجميع أمتي كلهم".(1)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خمس من جاء بهن مع إيمانٍ دخل الجنة من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن وصام رمضان وحج البيت إن استطاع إليه سبيلا وأعطى الزكاة طيبة النفس وأدى الأمانة" قيل يا نبي الله وما أداء الأمانة؟ قال: "الغسل من الجنابة إن الله لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيرها".(2)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جارٍ غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات".(3)
الغمر الكثير، والدرن الوسخ، قال الحسن: وما يبقى ذلك من الدرن.
الصلاة تكفر الذنوب كما يذهب الماء الدنس عن الأبدان.
وعن أبي بصرة الغفاري - رضي الله عنه - قال صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمخمص فقال: "إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد والشاهد النجم". يعني العصر. (4)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة برقم (526) وفي كتاب التفسير برقم (4687)، وأخرجه مسلم في كتاب التوبة برقم (6932) و (6935).
(2) رواه الطبراني في الكبير وإسناده جيد، وصححه الألباني الترغيب (361).
(3) أخرجه مسلم في المساجد (1512).
(4) أخرجه مسلم في صلاة المسافرين برقم (1924).(1/80)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: "من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نوراً ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبي بن خلف".(1)
باب
الأمر بالمحافظة على الصلوات المكتوبات
وثواب الصلاة في أول وقتها
قال الله تعالى: { حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى } .(2)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي الأعمال أفضل؟ قال (الصلاة على وقتها) قلت: ثم أي؟؟ قال: "بر الوالدين" قلت ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله".(3)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: "الصلاة على وقتها".(4)
وعن أم فروة رضي الله عنها وكانت ممن بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة لوقتها".(5)
__________
(1) رواه أحمد بإسناد صحيح والطبراني وابن ماجة، قال في المجمع (1/292): (رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد ثقات). المشكاة (578).
(2) سورة البقرة (238).
(3) اخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة برقم (504) وفي كتاب الجهاد برقم (2630) وفي كتاب الأدب برقم (5625) وفي كتاب التوحيد (7096) وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (248 و 249).
(4) أنظر تخريج الحديث الذي قبله.
(5) رواه أبو داود والترمذي، الإرواء (395)، والترغيب (392) وقال الألباني رحمه الله صحيح.(1/81)
وعن حنظلة الكاتب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حافظ على الصلوات الخمس ركوعهن وسجودهن ومواقيتهن وعلم أنهن حق من عند الله دخل الجنة أو قال: وجبت له الجنة أو قال: "حرم على النار".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر فإن انتقص من فريضةٍ شيئاً قال الرب عز وجل انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل منها ما انتقص من الفريضة؟ ثم يكون سائر أعماله على هذا".(2)
أفلح ونجح: فاز وظفر بما يريد.
وعن أبي عثمان قال: "كنت مع سلمان - رضي الله عنه - تحت شجرة، فأخذ غُصناً منها يابساً فهزَّه، حتى تحات ورَقُه ثم قال: يا أبا عثمان! ألا تسألني لم أفعلُ هذا؟ قلت: ولم تفعله؟ قال: هكذا فَعَلَ بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنا معه تحتَ الشجرة، فأخذ منها غصناً يابساً فهزَّه، حتى تحاتَّ ورقه، فقال: "يا سلمان ألا تسألني لم أفعل هذا؟" قلت: ولم تفعله؟ قال: "إن المسلمَ إذا توضأ فأحسن الوضوءَ ثم صلى الصلوات الخمس تحاتت خطاياه كما تحاتَّ هذا الورق وقال: "أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين".(3)
(زلفاً) أي طائفة.
__________
(1) رواه أحمد بإسناد جيد ورواته رواة الصحيح، وقال الألباني: "حسن" الترغيب (374).
(2) أخرجه أبو داود برقم (864) والترمذي برقم (413) وابن ماجة برقم (1425)، وصححه العلامة الألباني في الترغيب والصحيحة (539) والمشكاة (1330 – 1331).
(3) رواه أحمد والنسائي والطبراني ورواة أحمد محتج بهم في "الصحيح" إلا علي ابن زيد، وحسنه العلامة الألباني رحمه الله تعالى في الترغيب برقم (356).(1/82)
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: "كان رجلاً أخوان، فهلك أحدهما قبل صاحبه بأربعين ليلة، فذكرت فضيلةُ الأول منهما عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألم يكن الآخر مسلماً؟" قالوا: بلى، وكان لا بأس به فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "وما يدريكم ما بلغت به صلاته؟ إنما مثل الصلاة كمثل نهر عذْبٍ غمرٍ بباب أحدكم يستحم فيه كل يوم خمس مرات، فما ترون في ذلك يبقى من درنه؟ فإنكم لا تدرون ما بلغت به صلاته".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "كان رجلان من (بَلِيّ) من (قُضاعة) أسلما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستُشهد أحدُها وأُخِّر الأخر سنةً، فقال طلحة بن عبيد الله: فرأيت المؤّخر منهما أُدخل الجنة قبل الشهيد فتعجبت لذلك فأصبحت فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو ذُكِر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أليس قد صام بعده رمضان، وصلى ستة آلاف ركعةٍ وكذا وكذا ركعتةً صلاة سنةٍ".(2)
(بلى) قبيلة من قضاعة.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثٌ أحلف عليهن: لا يجعل الله من له سهمٌ في الإسلام كمن لا سَهمَ له، وأسهم الإسلام ثلاثة: الصلاة والصوم والزكاة، ولا يتولى الله عبداً في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة، ولا يحب رجلٌ قوماً إلا جعله الله معهم، والرابعة لو حلفتُ عليها رجوتُ أن لا آثم، لا يستر الله عبداً في الدنيا إلا ستره يوم القيامة".(3)
__________
(1) رواه مالك واللفظ له وأحمد بإسناد حسن والنسائي وابن خزيمة في "صحيحه"، وصححه العلامة الألباني في الترغيب برقم (364).
(2) رواه أحمد بإسناد حسن، وقال الألباني: "صحيح"، الترغيب (365).
(3) رواه الإمام أحمد بإسناد جيد، وحسنه الألباني في الترغيب (367).(1/83)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: أشهد أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خمس صلوات افترضهن الله عز وجل من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن عذبه".(1)
وعن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن سبعة نفر أربعة من موالينا وثلاثة من عربنا مسندي ظهورنا إلى مسجده فقال: "ما أجلسكم" قلنا: جلسنا ننتظر الصلاة قال: فأرم قليلاً ثم أقبل علينا فقال: "هل تدرون ما يقول ربكم؟" قلنا: لا. قال: "فإن ربكم يقول: من صلى الصلاة لوقتها وحافظ عليها ولم يضيعها استخفافاً بحقها فله علي عهد أن أدخله الجنة ومن لم يصلها لوقتها ولم يحافظ عليها وضيعها استخفافاً بحقها فلا عهد له علي إن شئت عذبته وإن شئت غفرت له".(2)
وعن معدان بن أبي طلحة قال: لقيتُ ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: أخبرني بعملٍ أعمله يُدخلني الله به الجنة أو قال: قلت: ما أحبِّ الأعمال إلى الله، فسكتَ ثم سألته فسكتَ ثم سألته الثالثة، فقال: سألتُ عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدةً إلا رفعك الله بها درجة، وحطَّ بها عنك خطيئة".(3)
وعن ربيعة بن كعبٍ - رضي الله عنه - قال: "كنت أبيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فآتِيهِ بوضوئه وحاجته فقال لي: "سلني" فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: "أو غيرَ ذلك"؟ قلت: هو ذاك قال: "فأعني على نفسك بكثرةِ السجود".(4)
أو: بإسكان الواو ونصب "غير" أي سل غير ذلك، يعني غير مرافقته في الجنة.
باب
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه الطبراني في الكبير والأوسط، الإرواء (397) والترغيب (394) وقال الألباني: "حسن".
(3) رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة.
(4) رواه مسلم.(1/84)
ثواب الركوع والسجود في الصلاة
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون } .(1)
وقال تعالى: { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود } .(2)
وقال تعالى: { إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون } .(3)
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما منكم من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقوم فيصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة"(4). وفي رواية: فقلت بخٍ بخٍ ! ما أجود هذه!
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقبر فقال: "من صاحب هذا القبر" فقالوا: فلان فقال: "ركعتان أحب إلى هذا من بقية دنياكم".(5)
__________
(1) سورة الحج (77).
(2) سورة الفتح (29).
(3) السجدة (15).
(4) رواه مسلم في الطهارة برقم (234).
(5) رواه الطبراني بإسناد حسن، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/549): (رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (384).(1/85)
وعن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: "أتيت أبا الدرداء - رضي الله عنه - في مرضه الذي قبض فيه فقال: يا بن أخي ما أعملك إلى هذه البلدة أو ما جاء بك؟ قال قلت: لا إلا صلة ما كان بينك وبين والدي عبد الله بن سلام فقال: بئس ساعة بكذب هذه، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من توضا فأحسن الوضوء ثم قام فصلى ركعتين أو أربعاً يشك سهل يحسن فيهن الركوع والسجود والخشوع ثم استغفر الله غفر له".(1)
عن أبي فراس ربيعة بن كعبٍ الأسلمي خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن أهل الصفة رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فآتِيهِ بوضوئه وحاجته فقال لي: "سلني" فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. فقال: "أو غير ذلك؟" قلت: هو ذاك قال: "فأعني على نفسك بكثرةِ السجود".(2)
مرافقتك: قربك بحيث أراك وأتمتع برؤيتك.
أو: بإسكان الواو ونصب (غير) أي سل غير ذلك، يعني غير مرافقته في الجنة.
وخرّج أحمد من طرق عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من سجد لله سجدة كتب الله له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة".(3)
__________
(1) رواه أحمد بإسناد حسن، قال في المجمع (2/278): (رواه أحمد والطبراني في الكبير إلا أنه قال: ثم قام فصلى ركعتين واربعاً مكتوبة أو غير مكتوبة يحسن فيها الركوع والجسود) وإسناده حسن وصححه الألباني في الترغيب برقم (386).
(2) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (1094).
(3) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/248): "رواه كله أحمد والبزار بنحوه بأسانيد وبعضه رجاله رجال الصحيح ورواه الطبراني في الأوسط"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (385).(1/86)
وعن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "عليك بكثرة السجود فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة"(1). حط: كفَّر ومحا.
النوافل والطاعات تذهب السئات وترفع الدرجات.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد فأكثروا الدعاء".(2)
"وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا جاءه أمر يسر به خر ساجداً شكراً لله تعالى". (3)
وتقدم حديث عبادة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خمس صلوات افترضهن الله من أحسَنَ وُضُوءهنَّ وصلاهُنَّ لوقتهنَّ وأتمَّ ركوعهن وسجودهُنَّ وخشوعهنَّ، كان لَهُ على الله عهدٌ أنْ يغفرَ له".(4)
و تقدم أيضاً حديث عثمان، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من امرئٍ مسلم تحضُرُهُ صلاةٌ مكتوبةٌ، فيُحْسنُ وضوءها، وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارةً لما قَبلَها من الذنُوب، ما لَم يُؤتِ كبيرةً، وذلك الدهر كُلَّه".(5)
باب
ثواب وفضل صلاة الجماعة
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة".(6)
الفذ: الواحد.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (1093).
(2) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (1083).
(3) رواه أبو داود وابن ماجة وهو في الإرواء برقم (207).
(4) سبق تخريجه.
(5) سبق تخريجه.
(6) أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (645) ومسلم في كتاب المساجد (1475،1476).(1/87)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً (وفي رواية درجة) وذلك إنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخطو خطوة إلا رفعت له بها درجة وحطت عنه بها خطيئة فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ما لم يحدث تقول: اللهم صل عليه اللهم ارحمه ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة".
وفي رواية : "اللهم اغفر له الله تب عليه ما لم يؤذ ما لم يحدث فيه".(2)
تضعف: أي تزاد.
فيه من الفضل والثواب أن الله تعالى يرفعه بهذه الخطوة درجة ويحط عنه بها خطيئة وهذا من فضل الله علينا سبحانه وتعالى.
قال الإمام الدمياطي رحمه الله تعالى:
"قوله، لا يخرجه إلا الصلاة" أن هذا الثواب العظيم لا يحصل إلا بشرط أن يكون خروجه من بيته بقصد الصلاة لا غير فلو خرج يريد الصلاة ويريد حاجة أخرى لا يحصل له ثواب الخطا على التمام والذي يظهر أنه يحصل له تضعيف الصلاة لأنه قد حصل إيقاعها في الهيئة الاجتماعية والله أعلم. أ.هـ. المتجر الرابح (ص 58)
قوله:فإنه في صلاة ما انتظر الصلاة وهذه من نعم الله العظيمة علينا مجرد بقاءك في المسجد تنتظر الصلاة وأنت جالس لا تصلي فإنه يحسب لك أجر الصلاة.
__________
(1) رواه الترمذي، وصححه الألباني في الترغيب (404) والصحيحة (1979) والمشكاة (1144) وصحيح الجامع (6241).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (647) ومسلم في كتاب المساجد (649).(1/88)
وكذلك من النعم العظيمة فيه أن الملائكة تصلي عليه ما دام في صلاة تقول: "اللهم صل عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه اللهم تب عليه" وهذا ثواب وفضل عظيم لمن حضر الصلاة بهذه النية.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: والشاهد من الحديث قوله: "ثم خرج من بيته إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة" فإنه يدل على اعتبار النية في حصول هذا الأجر العظيم، أما لو خرج من بيته لا يريد الصلاة فإنه لا يكتب له هذا الأجر مثل أن يخرج من بيته إلى دكانه لما أذن ذهب يصلي فإنه لا يحصل على هذا الأجر لأن الأجر إنما يحصل لمن خرج من البيت لا يخرجه إلا الصلاة. أ. هـ. شرح رياض الصالحين (1/63)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "من سره أن يلقي الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم - صلى الله عليه وسلم - سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى المسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف".
وفي رواية: "لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد عُلِم نفاقه، أو مريض إن كان الرجل ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة، وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمنا سنن الهدى وإنّ من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذَّن فيه".(1)
يهادى بين الرجلين يعني: يُرْفد من جانبيه ويؤخذ بعضده يمشي به إلى المسجد. سنن الهدى: روي بضم السين وفتحها، وهما بمعنى متقارب أي طرائق الهدى والصواب.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (654) وأبو داود والنسائي وابن ماجة.(1/89)
قال النووي: وفي هذا كله تأكيد أمر الجماعة وتحمل المشقة في حضورها، وأنه إذا أمكن المريض ونحوه التوصل إليها استحب له حضورها.أ.هـ.شرح النووي(5/156، 157)
وعن عثمان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من توضأ فأسبغ الوُضوءَ، ثم مشى إلى صلاةٍ مكتوبةٍ، فصلاها مع الإمام غُفِرَ له ذنبهُ".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من توضأ فأحسن وُضوءَه، ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه اللهُ مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا".(2)
وعن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً الصبح فقال: "أشاهد فلان؟" قالوا: لا، قال: "أشاهد فلان؟" قالوا: لا قال: "إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الركب، وإن الصف الأول على مِثل صفِّ الملائكة ولو علتمتم ما في فضيلتهِ لابتدرتموه وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاتِهِ وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وكلما كَثُرَ فهو أحب إلى الله عز وجل".(3)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو مع الجماعة أو في المسجد غفر الله له ذنوبه".(4)
باب
الحث على حضور الجماعة في الصبح والعشاء
قال الله تعالى: { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } .(5)
__________
(1) رواه ابن خزمية في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (401).
(2) رواه ابو داود والنسائي والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم" وحسنه الألباني في الترغيب (405).
(3) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" والحاكم، وحسنه الشيخ الألباني في الترغيب برقم (406).
(4) سبق تخريجه.
(5) سورة الإسراء (78).(1/90)
المراد: صلاة الصبح تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار.
وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من صلى العشاء في جماعةٍ فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعةٍ فكأنما صلى الليل كله".(1)
وفي رواية الترمذي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلةٍ ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً".(3)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعِشاء ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبواً".(4)
لأتوهما ولو حبواً الحبو: حبو الصبي الصغير على يديه ورجليه، معناه لو يعلمون ما فيهما من الفضل والخير ثم لم يستطيعوا الإيتان إليهما إلا حبواً لحبوا إليهما ولم يفوتوا جماعتهما في المسجد.
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى الصبح في جماعةٍ فهو في ذمة الله".(5)
وعن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من مشى في ظلمةِ الليلِ إلى المساجد لقيَ الله عز وجل بنور يوم القيامة".(6)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (1489)، ورواه الإمام مالك.
(2) أخرجه مسلم برقم (656)، والترمذي برقم (221).
(3) متفق عليه.
(4) أخرجه البخاري (2/141 فتح) ومسلم في كتاب المساجد برقم (1480).
(5) رواه ابن ماجة بإسناد صحيح، الترغيب (415) وقال الألباني: "صحيح".
(6) رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن، وصححه الألباني في الترغيب (419).(1/91)
وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم".(1)
من صلى الصبح: أي في جماعة في وقتها.
ذمة الله: أمانة وعهد. يكبه: يلقيه.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون".(2)
وعن جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - قال: كنا جلوساً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا"، يعني العصر والفجر، ثم قرأ جرير: { وسَبِّح بحمد ربكَ قَبلَ طُلُوع الشَّمْسِ وقَبلَ غُرُوبِهَا(3) } .(4)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد برقم (1491) و (1492).
(2) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة برقم (555) وفي كتاب التوحيد برقم (7429) و (7486) وأخرجه مسلم في كتاب المساجد برقم (11430).
(3) سورة طه (130).
(4) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة برقم (554) و (573) وفي كتاب التفسير برقم (4851) وفي كتاب التوحيد برقم (7434) وأخرجه مسلم في كتاب المساجد برقم (1432).(1/92)
وعن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح وأن عمر غدا إلى السوق ومسكن سليمان بين المسجد والسوق فمر على الشفاء أم سليمان فقال لها: لم أرَ سليمان في صلاة الصبح؟ فقالت: إنه بات يصلي فغلبته عيناه فقال عمر: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعةٍ أحب إلي من أقوم ليلة".(1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظنَّ".(2)
باب
الترغيب في الصلاة في الفلاة
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الصلاة في الجماعةِ تَعدِلُ خمساً وعشرين صلاةً فإذا صلاها في فلاةٍ فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاةً".(3)
وفي رواية:
"صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة".(4)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاتِهِ، وحدَه بخمسٍ وعشرين درجةً، فإن صلاها بأرض قِيٍ فأتم ركوعها وسجودها تُكتب صلاته بخمسين درجةً".(5)
(القِيّ) بكسر القاف وتشديد الياء هو الفلاة كما هو مفسر في رواية أبي داود.
__________
(1) رواه مالك في الموطأ، الترغيب (418) وقال الألباني: "صحيح".
(2) رواه البزار والطبراني وابن خزيمة في "صحيحه" وأخرجه الحاكم وقال: "صحيح على شرط الشيخين" وافقه الذهبي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (411).
(3) رواه أبو داود والحاكم بلفظه وقال"صحيح على شرطهما"،وصححه العلامة الألباني في الترغيب(407)
(4) أنظر التخريج الذي قبله.
(5) رواه ابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (407).(1/93)
وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا كان الرجل بأرضِ قِيٍّ فحانت الصلاة، فليتوضأ، فإن لم يجد ماءً فليتمم فإن أقام صلى معه ملكاه وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه".(1)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَعجب ربك من راعي غنم، في رأس شظيةٍ يؤذِّن بالصلاةِ ويصلي، فيقول الله عزوجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذِّن ويقيم الصلاةَ، يخاف مني، قد غفرت لعبدي، وأدخلته الجنة".(2)
باب
الترغيب في صلاة النافلة في البيوت
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً".(3)
(اجعلوا من صلاتكم) أي بعض صلاتكم وهي صلاة النافلة أي اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، صلوا فيها ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة، قاله الشيخ الألباني رحمه الله الترغيب (1/249).
وقال ابن حجر: استنبط من قوله في الحديث "ولا تتخذوها قبورا" أن القبور ليست بمحل عبادة فتكون الصلاة فيها مكروهة. أ.هـ.فتح (1/529)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً"(4).
__________
(1) رواه عبد الرزاق عن ابن التيمي عن أبيه عن أبي عثمان النهدي عن سلمان، وقال الألباني: "صحيح" الترغيب (408).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه البخاري في كتاب الصلاة برقم (32)، وفي كتاب التهجد برقم (1187)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (777).
(4) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (778)،ورواه ابن خزيمة في"صحيحه"من حديث أبي سعيد.(1/94)
قال النووي: وإنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد من الرياء، وأصون من المحبطات، وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة والملائكة، وينفر منه الشيطان.أ.هـ.
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل البيت الذي يُذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت".(1)
وعن عبد الله بن سعد - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيما أفضل؟ الصلاةُ في بيتي أو الصلاة في المسجدِ؟ قال: "ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد! فلأن أصلي في بيتي أحبُّ إليَّ من أن أصلي في المسجد، إلا أن تكون صلاةً مكتوبةً".(2)
وعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاةِ المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة".(3)
وعن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراه رفعه – قال: "فضل صلاةِ الرجلِ في بيته على صلاتهِ حيث يراه الناس كفضل الفريضة على التطوع".(4)
عن أبي هريرة > : "لا يوطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله به من حين يخرج كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم" . (5)
يتبشبش : فرح الصديق بمجيء صديقه .
باب
ثواب انتظار الصلاة
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون } .(6)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم(6407)ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (779).
(2) رواه أحمد وابن ماجة وابن خزيمة في "صحيحه" وصححه الألباني في الترغيب (436).
(3) رواه البخاري وبنحوه مسلم.
(4) رواه البيهقي وإسناده جيد، وقال الشيخ الألباني: "حسن"، الترغيب (438).
(5) أخرجه ابن ماجه (1/267) والحاكم (1/213)، وأحمد (2/328و453)، وصححه الألباني في الثمر الستطاب (2/ 640) ..
(6) سورة آل عمران (200).(1/95)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله @ قال : "لا يوطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله به من حين يخرج كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم" . (1)
تبشبش : فرح الصديق بمجيء صديقه .
وعنه - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة".(2)
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يحدث أحدكم في صلاةٍ ما دامت الصلاة تحبسه".(3)
وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه".(4)
تصلي على أحدكم: تدعوا له وقد فسر في الحديث بالدعاء بالرحمة والمغفرة.
وعنه - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة وتقول الملائكة: اللهم اغفر له اللهم ارحمه حتى ينصرف أو يحدث"، قلت: ما يحدث؟ قال: يفسوا أو يضرط". (5)
وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخر ليلة صلاة العشاء إلى شطر الليل ثم أقبل علينا بوجهه ما صلى فقال: "صلى الناس ورقدوا ولم تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها".(6)
شطر الليل: نصف الليل.
__________
(1) صححه الألباني رحمه الله في الثمر المستطاب (2/640) .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (659) ومسلم في كتاب المساجد برقم (1508).
(3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد برقم (1506).
(4) أخرجه البخاري (2/142 فتح).
(5) أخرجه مسلم في كتاب المساجد برقم (1507) وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (471).
(6) أخرجه البخاري (2/51 فتح).(1/96)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أحدكم ما قعد ينتظر الصلاة ما لم يحدث تدعوا له الملائكة اللهم اغفر له اللهم ارحمه".(1)
وعن أبي أيوب المراغي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب فرجع من رجع وعقب من عقب فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسرعاً قد حفزه النفس وقد حسر عن ركبتيه قال: "ابشروا هذا ربكم قد فتج باباً من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة يقول: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى".(2)
حَفَزَه: بفتح الحاء والفاء معناه: دفعه.
حَسَرَ: بالتحريك أي كشف عن ركبتيه لشدة ما هو فيه من العجلة.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من جلس في مسجد ينتظر الصلاة فهو في الصلاة".
حسنه الشيخ الألباني رحمه الله في الثمر المستطاب (2/633) . وقال : أخرجه النسائي (1/120) ، وأحمد (5/331) .
وعن أنس رضي الله عنه: "أن هذه الآية { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } نزلت في انتظار الصلاة التي تُدْعى العَتَمَة".(3)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويُكَفِّر به الذنوب؟" قالوا: بلى يا رسول الله! قال: "إسباغ الوضوء على المكروهات وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط".(4)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد برقم (1509).
(2) صحيح ابن ماجة برقم (653)والسلسلة الصحيحة برقم (661)،صحيح الترغيب برقم(442)
(3) رواه الترمذي وقال: (حديث حسن صحيح غريب)، وصححه الألباني في الترغيب برقم(441).
(4) سبق تخريجه.(1/97)
وعن علي بن ابي طالب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إسباغ في المكاره وإعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلاً".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منتظر الصلاة بعد الصلاة كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كَشْحِهِ وهو في الرباط الأكبر".(2)
كَشْحِهِ الكاشح: العدو الذي يضمر عداوته ويطوي عليها كشحه أي: باطنه.
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "القاعدُ على الصلاةِ كالقانِتِ ويُكتبُ من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه".(3)
ورواه أحمد وغيره أطول منه إلا أنه قال: "والقاعدُ يرعى الصلاة كالقانت".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أتاني الليلة آتٍ من ربي في أحسن صورة فقال لي: يا محمد قلت لبيك رب وسعديك قال: هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت لا أعلم فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي أو قال في نحري فعلمت ما في السموات وما في الأرض أو قال: ما بين المشرق والمغرب قال: يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم في الدرجات والكفارات ونقل الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في السبرات وانتظار الصلاة بعد الصلاة ومن عاش عليهن عاش بخير ومات بخير وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه".(4)
السبرات: بفتح السين المهملة وإسكان الباء جمع سبرة وهي شدة البرد.
__________
(1) رواه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح والحاكم وقال: (صحيح على شرط مسلم) وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الترغيب برقم (446).
(2) رواه أحمد والطبراني في "الأوسط" ، وقال الألباني: "حسن" الترغيب برقم (447).
(3) رواه ابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (451).
(4) صحيح الجامع (59) وتخريج الترغيب (1/98 و 126).(1/98)
وقوله: (فيم يختصم الملأ الأعلى) أي: يزدحم ويستبق في رفعه إلى الله عز وجل لأن الملائكة تتقرب إلى الله عز وجل برفع الأعمال الصالحات.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أدلكم عل ما يكفر الله به الخطايا ويزيد به الحسنات؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: "إسباغ الوضوء أو الطهور في المكاره وكثرة الخطا إلى هذا المسجد والصلاة بعد الصلاة وما من أحد يخرج من بيته متطهراً حتى يأتي المسجد فيصلي فيه مع المسلمين أو مع الإمام ثم ينتظر الصلاة إلى بعدها إلا قالت الملائكة اللهم اغفر له اللهم ارحمه".(1)
وعن امرأة من المبايعات رضي الله عنها أنها قالت: جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه أصحابه من بني سلمة فقر بنا إليها طعاماً فأكل، ثم قربنا إليه وضوءاً فتوضأ ثم أقبل على أصحابه فقال: "ألا أخبركم بمكفرات الخطايا؟" قالوا: بلى قال: "إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة".(2)
باب
فضل صلاة الصبح والعصر
عن أبي موسى - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى البردين دخل الجنة".(3)
البردان: الصبح والعصر.
وعن أبي زهير عمار بن رويبة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها".(4)
يعني الفجر والعصر.
الولوج: الدخول.
__________
(1) صحيح ابن ماجة (630)وقال: "حسن صحيح"،التعليق الرغيب (1/97) والترغيب (186).
(2) رواه أحمد وفيه رجل لم يسم وبقية إسناده محتج بهم في "الصحيح" وصححه العلامة الألباني في الترغيب برقم (452).
(3) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة برقم (574) ، ومسلم في كتاب المساجد برقم (1436).
(4) أخرجه مسلم في كتاب المساجد برقم (1434).(1/99)
وعن جندب بن عبد الله بن سفيان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الصبح فهو في ذمة الله فانظر يا ابن آدم لا يطلبنك الله من ذمته بشيء".(1)
وعن ابن عمارة بن رويبة عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يلج النار من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها" وعنده رجل من أهل البصرة فقال: أنت
سمعت هذا من النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: أشهد به عليه قال: وأنا أشهد لقد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوله بالمكان الذي سمعته منه. (2)
وعن أبي مالك الأشجعي عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الصبح فهو في ذمة الله وحسابه على الله".(3)
وعن أبي بَصْرَةَ الغفاري - رضي الله عنه - قال: "صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر بـ (المخمص) وقال: "إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين..". (4)
المخمص بضم الميم وفتح الخاء المعجمة والميم جميعاً، وقيل: بفتح الميم وسكون الخاء وكسر الميم بعدها وفي آخره صاد مهملة أسم طريق أي في جبل (عير) إلى مكة.
وعن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الصبحَ في جماعة فهو في ذمة
الله، فمن أخفر ذمة الله كبه الله في النار لوجهه".(5)
أخفر يقال أخفرت الرجل: نقضت عهده وذمامه، والهمزة فيه للإزالة أي أزلت خفارته أي عهده وذمامه والله أعلم.
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد برقم (1435).
(3) رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط" ورواته رواة الصحيح، وقال الألباني: "حسن" الترغيب. برقم (455).
(4) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (830).
(5) رواه ابن ماجة والطبراني في "الكبير" واللفظ له، ورجال إسناده رجال الصحيح، وقال الألباني رحمه الله: "حسن"، الترغيب (458).(1/100)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون".(1)
وعن سالم بن عبد الله قال: حدثني أبي أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من صلى الصبح كان في جوار الله يَومه".(2)
باب
فضل الصف الأول
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخلل الصف من ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول: "لا تختلفوا فتختلف قُلُوبُكُم" وكان يقول: "إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول".(3)
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول أو الصفوف الأول".(4)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما انه قال : "أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسُدُّوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفاً وصله الله ومن قطع صفاً قطعه الله".(5)
الخلل: الفُرَج التي بين الصفوف.
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وحسنه الألباني في الترغيب (459).
(3) أخرجه أبو داود برقم (664) والنسائي (2/89 – 90) وابن ماجة برقم (997) وابن خزيمة، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح ابن خزيمة(1551، 1552، 1556، 1557) وصحيح ابن ماجة برقم (816) والترغيب (490).
(4) رواه ابن ماجة بإسناد صحيح، صحيح ابن ماجة برقم (813) والمشكاة (1101) والترغيب (489) وتمام المئة (ص 288).
(5) أخرجه أبو داود برقم (666)، المشكاة (1102) والترغيب (492) وقال الألباني: "صحيح".(1/101)
وعن عائشة رضي عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا".(2)
لاستهموا: يعني لاقترعوا لو علموا ذلك ولكنهم لا يعلمون ما فيه من الثواب.
وفي رواية لمسلم: "لو تَعلَمُونَ ما في الصَّفِّ المقَدَّم لكانتْ قُرْعَة".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها".(3)
قال النووي رحمه الله: أما صفوف الرجال فهي على عمومها فخيرها أولها أبداً، وشرها آخرها أبداً، أما صفوف النساء فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال، وأما إذا صليت متميزات لا مع الرجال فهن كالرجال خير صفوفهن أولها وشرها آخرها، والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلها ثواباً وفضلاً، وأبعدها من مطلوب الشرع، وخيرها بعكسه، وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك.
وعن ابي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول" قالوا: يا رسول الله! وعلى الثاني؟ قال: "إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول" قالوا: يا رسول الله! وعلى الثاني؟ قال: "وعلى الثاني".(4)
__________
(1) أخرجه أبو داود برقم (676)، وابن ماجة (1005) وابن حبان (2160)، وغيرهم المشكاة (1096) تمام المنة (ص 288).
(2) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (615)، ومسلم في كتاب الصلاة برقم (980).
(3) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (984)، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
(4) صحيح الترغيب (487).(1/102)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة".(1)
وفي رواية للبخاري: "فإن تسوية الصفوف من إقامةِ الصلاة".
وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟" فقلنا: يا رسول الله! وكيف تصُفُ الملائكة عند ربها؟ قال: "يُتُّمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف".(2)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خياركم ألينكم مناكب في الصلاة".(3)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: أُقيمت الصلاةُ فأقبلَ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه فقال: "أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري".(4)
وفي رواية للبخاري:"فكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبِهِ وقَدَمَهُ بقدَمِهِ".
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كُنا إذا صلينا خَلْفَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أحببنا أن نكون عن يمينه، يُقْبلُ علينا بوَجْهِه، فسَمِعتُه يقول: "رب قني عذابَكَ يومَ تَبعثُ عبادَك".(5)
باب
ثواب التأمين ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه".
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (723)، ومسلم في كتاب الصلاة برقم (433).
(2) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (430)، وابو داود والنسائي وابن ماجة.
(3) رواه أبو داود، وصححه الألباني في الترغيب برقم (493).
(4) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (719)، ومسلم في الصلاة برقم (435).
(5) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (709).(1/103)
قال ابن شهاب: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "آمين".(1)
وعنه - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال أحدكم في الصلاة آمين والملائكة في السماء: آمين، فوافق إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه".(2)
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال القارئ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال من خلفه آمين فوافق قوله قول أهل السماء غفر له ما تقدم من ذنبه".(3)
ومعنى آمين: اللهم استجب، وفي صحيح مسلم: "إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين يجبكم الله".
وقال عليه الصلاة والسلام: "إن اليهود ليحسدونكم على السلام والتأمين".(4)
وفي رواية: "وإذا قال: { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقولوا: آمين، فإنه من وافق كلامه كلام الملائكة غفر لمن في المسجد".(5)
(آمين) تمد وتقصر، قيل: هو اسم من أسماء الله تعالى، وقيل: معناها اللهم استجب، أو كذلك فافعل أو كذلك فليكن.
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قال الإمام: { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقولوا: آمين يجبكم الله".(6)
(يجبكم الله) قال الألباني رحمه الله: هو بالجيم أي يستجيب دعاءكم، وهذا حث عظيم على التأمين فيتأكد الاهتمام به.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (780) ومسلم في كتاب الصلاة برقم (914).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة برقم (916) و (917).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة برقم (918).
(4) السلسلة الصحيحة برقم (692)، وصحيح الترغيب (512).
(5) رواه النسائي، صحيح الترغيب للشيخ الألباني برقم (511).
(6) رواه في "الكبير" وصححه الألباني في الترغيب (513).(1/104)
وعن رفاعة بن رافع الزرقي قال: كنا نصلي وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سمع الله لمن حمده" قال رجل من ورائه "ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف قال: "من المتكلم؟" قال: أنا، قال: "رأيت بضعةً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال الإمام: "سمع الله لمن حمده" فقولوا: "اللهم ربنا لك الحمد" فإنه من وافق قولُه قول الملائكة غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه".(2)
وفي رواية "فقولوا: ربنا ولك الحمد" بالواو.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال رجل من القوم: "الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلا" فقال رسول بالله - صلى الله عليه وسلم - : "من القائل كلمة كذا وكذا؟" فقال رجل من القوم: أنا يا رسول الله، فقال: "عجبت لها فتحت لها أبواب السماء".
قال ابن عمر: فما تركتهن منذ سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه".(4)
باب
ثواب من وصل صفاً أو سد فرجة
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (799).
(2) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (796)، ومسلم في كتاب الصلاة برقم (409).
(3) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (601).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (796) وأخرجه أيضاً في كتاب بدء الخلق برقم (3228) وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة برقم (912).(1/105)
عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي الصف من ناحية إلى ناحية فيمسح مناكبنا أو صدورنا ويقول: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم" قال: وكان يقول: "إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف".(1)
وقال: "ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة وما خطوة أحب إلى الله من خطوة يمشيها العبد يصل بها صفاً".(2)
وعن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله وملائكته يُصَلُّون على الذين يَصِلُون الصفوفَ".(3)
وزاد ابن ماجة: "ومن سد فرجةً رفعه الله بها درجة".
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من وصل صفاً وصله الله ومن قطع صفاً قطعه الله".(4)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سد فرجة رفعه الله بها درجة وبنى له بيتاً في الجنة".(5)
وعن أبي جحيفة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سد فرجة من الصف غفر له".(6)
باب
ثواب من حافظ على اثنتي عشر ركعة في اليوم والليلة
__________
(1) رواه أحمد وابن ماجة، صحيح الجامع (7256) والترغيب (499) وقال الألباني: "صحيح".
(2) رواه أبو داود وابن خزيمة ورواه أحمد في مسنده عن عائشة وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع برقم (1839) الترغيب برقم (498).
(3) رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح ابن خزيمة برقم (1550) وعزاه للفتح الرباني (5/316).
(4) رواه النسائي وابن خزيمة والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم" وصححه الألباني في تعليقه على ابن خزيمة (1549).
(5) رواه الطبراني بإسناد لا بأس به وأخرجه المحاملي في الأمالي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1892).
(6) رواه الطبراني بإسناد حسن.(1/106)
عن أم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من عبدٍ مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة" قالت أم حبيبة: فما برحت أصليهن بعد. (1)
وقال عمرو: ما برحت أصليهن بعد، وقال النعمان مثل ذلك.
وزاد الترمذي "أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الغداة".
وعنها رضي الله عنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بيتاً في الجنة".
قالت أم حبيبة: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(2)
وقال عنبسة: فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة.
وقال عمرو بن أوس: ما تركتهن منذ سمعتهن عن عنبسة.
وقال النعمان: ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس.
وعنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من عبد مسلم توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى في كل ليلة اثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة".(3)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من ثابر على ثنتي عشرة ركعةً في اليوم والليلة دخل الجنة، أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر".(4)
(ثابر) بالثاء المثلثة وبعد الألف باء موحدة ثم راء أي: لازم وواظب.
باب
ثواب سنة الفجر
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1693) وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1250) والنسائي.
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين.
(3) أخرجه مسلم.
(4) رواه النسائي وهذا لفظه، والترمذي وابن ماجة، وصححه الألباني في الترغيب برقم (577).(1/107)
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".(1) وفي رواية: "لهما أحب إلي من الدنيا جميعاً".(2)
وعنها رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء من النوافل أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر".(3)
وزاد ابن خزيمة: "ولا إلى غنيمة".
وعنها قالت: "لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر".(4)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قل هو الله أحد" تعدل ثلث القرآن و "قل يا أيها الكافرون" تعدل ربع القرآن، وكان يقرؤهما في ركعتي الفجر".(5)
باب
ثواب صلاة الوتر
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من خاف على أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة محضورة وذلك أفضل".(6)
وعن خارجة بن حذافة - رضي الله عنه - قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "قد أمدكم الله بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وهي الوتر فجعلها لكم فيها بين العشاء الآخر إلى طلوع الفجر".(7)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1685).
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1686).
(3) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1684).
(4) متفق عليه، رواه البخاري في كتاب التهجد برقم (1169)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (724).
(5) رواه أبو يعلى،والطبراني في "الكبير" واللفظ له، وصححه الألباني في الترغيب برقم (580).
(6) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (755)، والترمذي وابن ماجة وغيرهم.
(7) رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وهو في إرواء الغليل (2/156) رقم (423) الترغيب (592) وقد حسنه الألباني رحمه الله تعالى.(1/108)
وعن علي - رضي الله عنه - قال: الوتر ليس بِحتمٍ كالصلاةِ المكتوبة، ولكن سَنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن".(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله عز وجل زادكم صلاة، فصلوها فيما بين العشاء إلى الصبح: الوتر الوتر".(2)
باب
ثواب سنة الظهر
عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي اربعاً بعد أن تزول الشمس قبل الظهر وقال: "إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح".(3)
باب
ثواب أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها
عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من يحافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار".(4)
وفي رواية للنسائي (فتمس وجهه النار أبداً).
وعن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن ابواب السماء".(5)
وأخرجه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط".
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي، واللفظ له والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة في "صحيحه" وقال الترمذي: "حديث حسن" وصححه الألباني رحمه الله في الترغيب برقم (588).
(2) رواه أحمد والطبراني، وصححه العلامة الألباني في الترغيب برقم (593).
(3) أخرجه الترمذي(487)وأحمد(3/411)،وصححه الألباني في الترغيب(583)والشمائل (251).
(4) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه النسائي وابن خزيمة وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب، والقاسم بن عبد الرحمن شامي ثقة" انتهى، وصححه الألباني في الترغيب برقم (581).
(5) أخرجه أبو داود وابن ماجة، وحسنه العلامة الألباني في الترغيب (582).(1/109)
إلا أنه قال: قال أبو أيوب: لما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليَّ رأيته يديم أربعاً قبل الظهر وقال: "إنه إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء فلا يغلق منها باب حتى يصلي الظهر فأنا أحب أن يُرفع لي في تلك الساعة خيرٌ".(1)
باب
ثواب أربع ركعات قبل صلاة العصر
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربعاً".(2)
عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى أربع ركعات قبل العصر حرم الله بدنه على النار".(3)
باب
ثواب الصلاة بين المغرب والعشاء
عن أنس رضي الله عنه في قوله تعالى: { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } (4)، نزلت في انتظار الصلاة التي تُدعى العَتَمَة. (5)
ورواه أبو داود إلا أنه قال:كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء يصلون. (6)
وكان الحسن البصري يقول: قيام الليل.
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فصليت معه المغرب فصلى إلى العشاء. (7)
باب
ثواب صلاة المرأة في بيتها
__________
(1) صحيح الجامع (4843) وقال صحيح وانظر ضعيف ابن ماجة (240)، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (582).
(2) أخرجه أبو داود (1271) ، والترمذي (430) ، وأحمد (2/117)،صحيح الجامع رقم (3487) وقال : "حسن"، ورواه ابن حبان وابن خزيمة في "صحيحهما"وحسنه الألباني في الترغيب برقم (588).
(3) أخرجه الطبراني بإسناده.
(4) السجدة (16)
(5) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح غريب" وصححه الألباني في الترغيب برقم (589).
(6) صححه الألباني في الترغيب برقم (589).
(7) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (5/80/8298) في أثناء حديث بإسناد جيد، وأخرجه الترمذي وابن حبان وغيرهما، وأخرجه أحمد (5/404) مختصراً بلفظ: "فلم يزل يصلي حتى صلى العشاء ثم خرج"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2/425)والترغيب برقم (590).(1/110)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن".(1)
وعن أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير مساجد النساء قعر بيوتهن".(2)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أحب صلاة المرأة إلى الله في أشد مكان في بيتها ظلمة".(3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها".(4)
وعن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنهما: أنها جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله! إني أحب الصلاة معك قال: "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي". قال: "فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها أو أظلمه وكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل".(5)
باب
ثواب صلاة التسبيح
__________
(1) رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح ابي داود رقم (576) وصحيح الجامع برقم (7336) والإرواء (8-5).
(2) رواه أحمد وابن خزيمة والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وحسنه الألباني في صحيح ابن خزيمة برقم (1683) بشواهده.
(3) رواه ابن خزيمة وحسنه الألباني في صحيح ابن خزيمة برقم (1691).
(4) رواه أبو داود وابن خزيمة، وصححه الألباني في صحيح أبي خزيمة برقم (1688 و 1690).
(5) رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان، وحسنه الألباني في صحيح ابن خزيمة برقم (1689).(1/111)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعباس بن عبد المطلب : "يا عباس يا عماه ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أحبوك؟ ألا أفعل لك عشر خصال؟ إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك كله أوله وآخره وقديمه وجديده وخطأه وعمده وصغيره وكبيره وسره وعلانيته عشر خصال؟ أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة (بفاتحة الكتاب) وسورة فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة فقلت وأنت قائم (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) خمس عشرة مرة ثم تركع فتقول وأنت راكع عشراً ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشراً ثم تهوي ساجداً فتقولها وأنت ساجد عشراً ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً ثم تسجد فتقولها عشراً ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل فإن لم تستطع ففي كل جمعة مرة فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة فإن لم تفعل ففي عمرك مرة".(1)
وزاد الطبراني في آخره: "فلو كانت ذنوبك مثل زبد البحر أو رمل عالج غفر الله لك".
"ألا أمنحك ألا أحبوك" بمعنى: أعطيك فهما تأكيد، وكذا قوله: "افعل لك" فإنه بمعنى أعطيك أو أعلمك.
__________
(1) رواه أبو داود وابن خزيمة وابن ماجة والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع، وفي صحيح ابن ماجة وفي المشكاة (1328، 1330) وقال ابن خزيمة: "إن صح الخبر، فإن في القلب من هذا الإسناد شيئاً" فذكره ثم قال: "ورواه إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة مرسلاً، لم يذكر ابن عباس"، وقال الألباني رحمه الله في الترغيب صحيح لغيره (677).(1/112)
"عشر خصال" قال الشيخ الألباني رحمه الله: تنازعت فيه الأفعال قبله والمراد بـ "عشر خصال" الأنواع العشرة للذنوب من الأول والآخر والقديم والحديث فهو على حذف المضاف أي: ألا أعطيك مكفرِّ عشرة أنواع من ذنوبك؟ أ.هـ. صحيح الترغيب (1/424 الطبعة الجديدة)
"العالج": ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض، وهو أيضا اسم لموضع كثير الرمال والله أعلم.
باب
ثواب صلاة الحاجة
عن عثمان بن حنيف - رضي الله عنه - : أن أعمى أتى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يكشف لي عن بصري قال: أو أدَعُكَ قال: يا رسول الله! إنه قد شق علي ذهاب بصري قال: "فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة يا محمد! إني أتوجه إلى ربي بك أن يكشف لي عن بصري، اللهم شفِّعه فيَّ وشفعني في نفسي".
فرجع وقد كشف الله عن بصره. (1)
وفي رواية عن الترمذي: "فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يدعو بهذا الدعاء".
قوله: "اللهم شَفِّعه فيَّ" قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: بالتشديد أي: أقبل شفاعته، أي: دعاءه في حقي وقوله: "وشفعني" أي: اقبل دعائي: "في نفسي" أي: في أن تعافيني، وفي رواية لأحمد وغيره: "وشفعني فيه" أي: في النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني: أقبل دعائي في أن تقبل دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فيّ. هذا هو المعنى الذي يدل عليه السياق والسياق وخلاصته أن الأعمى توسل بدعائه - صلى الله عليه وسلم - وليس بذاته أو جاهه وتصيل هذا راجعه في كتابي، "التوسل أنواعه وأحكامه". أ.هـ. صحيح الترغيب (1/428)
__________
(1) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح غريب" والنسائي واللفظ له، وابن ماجة وابن خزيمة في "صحيحه" والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم" وليس عند الترمذي: "ثم صلي ركعتين" صححه العلامة الألباني في الترغيب برقم (681).(1/113)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "أن يتوسل بدعائه أي بأن يطلب من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو له فهذا جائز في حياته لا بعد مماته لأنه بعد مماته متعذر. أ.هـ. مجموع فتاوى ورسائل (2/345)
باب
الاستسقاء
قال تعالى: { وقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يُرسل السماء عليكم مدراراً } .(1)
عن جابر بن عبد الله قال: أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - بواكٍ فقال: "اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل" فأطبقت عليهم السماء. (2)
مريعاً: أي هنيئاً خصباً.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: شكا الناس إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - قحوط المطر فأمر بمنبر فيوضع له في المصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله عز وجل ثم قال: "إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم وقد أمركم الله سبحانه وتعالى أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم".
ثم قال: "الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغاً إلى حين".
__________
(1) سورة نوح (10-11).
(2) أخرجه أبو داود برقم (1169) والحاكم (1/327)، صحيح أبي داود، تمام المنة (ص265) الكلم (151) المشكاة (507).(1/114)
ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس فنزل فصلى ركعتين فأنشأ الله عز وجل سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله تعالى فلم يأت مسجده حتى سالت السيول فلما رأى سرعتهم إلى الكَنِّ ضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه وقال: "أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبد الله ورسوله".(1)
الكَنِّ: ما يردُ الحر والبرد من المساكن والأبنية.
وعن أنس قال: دخل رجل المسجد يوم جمعة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب الناس فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يُغيثُها فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا".
قال أنس: والله ما نرى في السماء من سحابٍ ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً.
ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنا فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه ثم قال: "اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر".
قال: فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس".(2)
الظراب: جمع ظرب وهي الروابي الصغار.
اللهم أغثنا: أي أنزل المطر.
قزعة: هي بفتح القاف والزاي وهي: القطعة من السحاب
سلع: بفتح السين المهملة وسكون اللام وهو جبل بقرب المدينة.
(
__________
(1) أخرجه أبو داود برقم (1173) والحاكم (1/328)، المشكاة (1508) والإرواء (668) الكلم (152) التوسل (ص 58).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء برقم (1013، 1014، 1017، 1019) وأخرجه مسلم في كتاب صلاة الاستسقاء برقم (2075).(1/115)
ما رأينا الشمس سبتاً) بسين مهملة ثم باء موحدة ثم مثناة فوق أي: قطعة من الزمان وأصل السبت: القطع.
أصابت الناس سنة: أي قحط.
قحط المطر: أي أمسك.
باب
صلاة التطوع (ثواب صلاة النوافل)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي: "إن الله تعالى قال: من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الذي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطيته وإن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته".(1)
الولي: المؤمن المخلص في عبادته لله. آذنته: أعلمته بأني محارب له.
يتقرب: يطلب القرب. النوافل: الطاعات الزائدة على الفرائض.
يبطش بها: يضرب بها.
وعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: "إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة".(2)
وعن صهيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صلاة الرجل تطوعاً حيث لا يراه الناس
تعدل صلاته على أعين الناس خمساً وعشرين".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقبر فقال: "من صاحب هذا القبر؟ فقالوا: فلان فقال: "ركعتان أحب إلى هذا من بقية دنياكم".(4)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6502).
(2) أخرجه البخاري (13/511 – 512 فتح).
(3) رواه أبو يعلى في مسنده عن صهيب، صحيح الجامع (3815).
(4) أخرجه الطبراني في "الأوسط"، الترغيب (391) والسلسلة الصحيحة (1388).(1/116)
وفي رواية "ركعتان خفيفتان بما تحقرون وتنفلون يزيدهما هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم".(1)
عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة".(2)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً".(3)
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت".(4)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيما أفضل: الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ قال: "ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد ولأن أصلي في بيتي أحب إليّ من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة".(5)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في الشتاء والورق يتهافت، فأخذ بِغُصْنٍ من شجرةٍ، (قال): فجعل ذلك الورق يتهافتُ، فقال: "يا ابا ذر!". قلت لبيك يا رسول الله! قال: "إن العبد المسلم ليصلي الصلاة يريد بها وجه الله، فتهافت عنه ذنوبُه كما يتهافت هذا الورق عن هذه الشجرة".(6)
باب
ثواب قيام الليل وفضله
__________
(1) الصحيحة (1388).
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1819).
(4) رواه البخاري.
(5) سبق تخريجه.
(6) رواه أحمد بإسناد حسن، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (384).(1/117)
قال الله تعالى: { من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون المعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين وما يفعلوا من خير فلن يكفروه ولله عليم بالمتقين } .(1)
وقال تعالى: { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً } إلى قوله تعالى: { أولئك يجزون الغرفة بما وجدوا ويُلقون فيها تحية وسلاماً خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاما } .(2)
وقال تعالى: { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون } .(3)
وقال تعالى: { إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون } .(4)
والآيات في الباب كثيرة.
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقلت لم تصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أحب
أن أكون عبداً شكوراً".(5)
وعن فضالة بن عبيد وتميم الداري رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قرأ عشر آيات في ليلة كتب له قنطار من الأجر ، والقنطار خير من الدنيا وما فيها ، فإذا كان يوم القيامة يقول ربك عز وجل : إقرأ وارق بكل آية درجة، حتى ينتهي إلى آخر آية معه، يقول الله عز وجل للعبد اقبض فيقول العبد بيده : يا رب أنت أعلم يقول بهذه الخلد وبهذه النعيم".
__________
(1) آل عمران (115).
(2) الفرقان (63-75).
(3) السجدة (16، 17).
(4) الذاريات (15-18).
(5) رواه البخاري في كتاب التهجد (1130) وفي كتاب التفسير (4836) وفي كتاب الرقاق (6471)، وأخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين برقم (7055، 7056، 7057).(1/118)
أي قبض يمينك عن الخلد وشمالك عن النعيم . (1)
كما في رواية ابن عساكر.
وتقدم حديث ابن عباس: "والدرجات: إفشاء الإسلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام".
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان الرجل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكنت غلاماً شاباً وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر إذا لها قرنان وإذا فيها أناس قد عرفتهم فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار قال: فلقينا ملك آخر فقال لي: لم ترع: فقصصتها على حفصة فقصتها حفة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل".
قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام إلا قليلا. (2)
قيام الليل يدفع العذاب.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى في ليلةٍ بمائة آية لم يكتب من الغافلين ومن صلى في ليلةٍ بمائتي آية كتب من القانتين المخلصين".(3)
وفي رواية للحاكم على شرط مسلم: "من قرأ عشر آياتٍ في ليلةٍ لم يكتب من الغافلين".صحيح الترغيب (634)
__________
(1) رواه الطبراني في "الكبير"، الترغيب (632) وقال الألباني: "حسن".
(2) أخرجه البخاري (3/6 فتح)، ومسلم (2479).
(3) رواه ابن خزيمة والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وصححه العلامة الألباني في صحيح ابن خزيمة (1143) وصفة الصلاة (ص 120) والصحيحة (2/246) والترغيب (634).(1/119)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله يتنزل إلى السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له".(1)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة".(2)
وعن أبي سعيد وابي هريرة قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ":إن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول نزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر هل من تائب هل من سائل هل من داعٍ حتى ينفجر الفجر".(3)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفضل الساعات جوف الليل الآخر".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل".(5)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب التهجد برقم (1345) وفي كتاب التوحيد برقم (7494) وفي كتاب الدعوات برقم (6321)، وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1769).
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1767، 1768).
(3) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1774).
(4) أخرجه أحمد، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (551).
(5) رواه مسلم في كتاب الصيام (2747) وأبو داود في كتاب الصوم (2429) والترمذي في كتاب الصلاة (438) والنسائي في كتاب قيام الليل وتطوع النهار (1612) وابن ماجة في كتاب الصيام (1742).(1/120)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "وافضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" قال النووي رحمه الله تعالى: فيه دليل اتفق العلماء عليه أن تطوع الليل أفضل من تطوع النهار وفيه حجة لأبي إسحاق المروزي من أصحابنا ومن وافقه أن صلاة الليل أفضل من السنن الراتبة وقال أكثر أصحابنا الراتب أفضل لأنها تشبه الفرائض والأول أقوى وأوفق للحديث والله أعلم).
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال: "لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" ثم قال: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل" ثم تلا: { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } حتى بلغ { يعلمون } .(1)
وعن عبد لله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود وأحب الصيام إلى الله صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يوماً ويفطر يوماً".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء".(3)
__________
(1) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".
(2) أخرجه البخاري في كتاب التهجد برقم (1131)، ومسلم في كتاب الصيام برقم (189)، (1159).
(3) أخرجه أبو داود (1308، 1450) والنسائي (3/205) وابن ماجة (1339) وأحمد (2/250 و 436) وحسنه الألباني، صحيح الجامع رقم (3488) و الترغيب (619).(1/121)
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام".(1)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا محمد عش ما شئت فإنك ميت واعمل ما شئت فإنك مجزي به وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس".(2)
وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم".(3)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عجب ربنا من رجلين رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحبه إلى صلاته فيقول الله جل وعلا: انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي، ورجل غزا في سبيل الله وانهزم أصحابه فعلم ما عليه في الإنهزام وماله في الرجوع فرجع حتى يهريق دمه فيقول الله: انظروا إلى عبدي رجع رجاء فيما عندي وشفقة مما عندي حتى يهريق دمه".(4)
__________
(1) رواه ابن حبان، وصححه الألبان، المشكاة (1232، 1233) صحيح ابن خزيمة (2137) والترغيب (612).
(2) رواه الطبراني بإسناد حسن، وصححه الألباني، الصحيحة (831)، تمام المنة (ص 245).
(3) رواه الترمذي وابن خزيمة والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري"، الإرواء (452)، المشكاة (1227) وقال الألباني رحمه الله في الترغيب حسن (618).
(4) رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان، صحيح الجامع (3876).(1/122)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "في الجنة غرفةٌ يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها" فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله؟ قال: "لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وباتَ قائماً والناس نيام".(1)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة يحبهم الله، ويضحك إليهم ويستبشر بهم: الذي إذا انكشفتْ فئةٌ قاتلَ وراءها بنفسه لله عزوجل، فإما أن يُقَتَلَ، وإما أن ينصرَه الله ويكفيه، فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه؟ والذي له امرأَة حَسنةٌ وفراشٌ لين حسن فيقوم من الليل فيقول: يَذَرُ شهوتَه ويذكرني ولو شاء رَقَدَ، والذي إذا كان في سفر، وكان معه ركب، فسهروا، ثم هَجَعُوا فقام من السحر في ضراءَ وسراءَ".(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم وتكفير للسيئات ومطردة للداء من الجسد".(3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "شرف المؤمن صلاته بالليل وعزه استغناءه عما في أيدي الناس".(4)
__________
(1) رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما" وحسنه الألباني في الترغيب برقم (624).
(2) رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (623).
(3) رواه أحمد والترمذي والحاكم، صحيح الجامع (3967).
(4) أخرجه العقيلي في الضعفاء، السلسلة الصحيحة (1903).(1/123)
وعن أبي هريرة وابي سعيد رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلى ركعتين جميعاً كتبا في الذاكرين والذاكرات".(1)
وعن عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقدهُ كلها فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان".(3)
(قافية الرأس): آخره، ومنه سمي آخر بيت الشعر القافية.
(فأصبح نشيطاً طيب النفس) معناه: لسروره بما وفقه الله الكريم له من الطاعة ووعده به من ثوابه مع ما يبارك له في نفسه وتصرفه في كل أموره مع ما زال عنه من عقد الشيطان وتثبيطه.
__________
(1) رواه أبو داود وقال: (رواه ابن كثير موقوفاً على أبي سعيد ولم يذكر أبا هريرة) ورواه النسائي وابن ماجة وابن حبان في "صحيحه" والحاكم بألفاظ متقاربة وقال: (صحيح على شرط الشيخين) وصححه الألباني في الترغيب برقم (620).
(2) رواه الترمذي واللفظ له وقال: (حديث حسن صحيح غريب) وابن خزيمة في "صحيحه" وصححه الألباني الترغيب (622).
(3) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3269) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1816).(1/124)
وعن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قال: أول ما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أنجفل الناس إليه فكنت فيمن جاءه فلما تأملت وجهه واستثبته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، قال: وكان أول ما سمعت من كلامه أنه قال: "أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام".(1)
(انجفل الناس): بالجيم أي ذهبوا إليه بأجمعهم مسرعين.
(استثبته) أي: تحققته وتبينته.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله ليضحك إلى رجلين: رجل قام في ليلةٍ باردةٍ من فِراشه لِحافِه ودِثاره فتوضأ، ثم قام إلى الصلاة، فيقول الله عز وجل لملائكته: ما حَمَلَ عبدي هذا على ما صَنع؟ فيقولون: ربنا رجاءَ ما عندك، وشفقة مما عندك فيقول: فإني قد أعطيتُه ما رجا، وأمَّنتُه مما يخاف..." (2)وذكر بقيته.
__________
(1) رواه ابن ماجة والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح" والحاكم فقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم، وصححه الألباني في الترغيب برقم (610).
(2) رواه الطبراني موقوفاً بإسناد حسن، وقال الألباني: قلت: "وهو في حكم المرفوع كما لا يخفى" الترغيب (624) وقال: "حسن".(1/125)
وعن طارق بن شهاب: أنه باتَ عند سلمان رضي الله عنه لينظر اجتهاده، قال: فقام يصلي من آخر الليل، فكأنه لم يَرَ الذي كان يظن فذكر ذلك له فقال: "حافظوا على هذه الصلوات الخمس، فإنهن كفارات لهذه الجراحات ما لم تُصَبِ المَقْتَلةُ، فإذا صلى الناس العشاء صدروا عن ثلاث منازلَ، منهم من عليه ولا له، ومنهم من له ولا عليه، ومنهم من لا له ولا عليه، فرجل اغتنم ظلمةَ الليل وغفلة الناس فركب فرسَه في المعاصي، فذلك عليه ولا له، ومن له ولا عليه: فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فقام يصلي، فذلك له ولا عليه، ومن لا له ولا عليه، فرجل صلى ثم نام فذلك لا له ولا عليه، إياك والحقحقة، وعليك بالقصد وداوم".(1)
(الحقحقة) بحاءين مهملتين مفتوحتين وقافين الأولى ساكنة والثانية مفتوحة، هو: أشد السير، وقيل: هو أن يجتهد في السير ويلح فيه حتى تعطب راحلته أو تقف وقيل: غير ذلك.
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لنا: "ليس في الدنيا حسدُ إلا في اثنتين: الرجل يغبط الرجلَ أن يعطيه الله المال الكثير فينفق منه، فيكثِرُ النفقة، يقول الآخر: لو كان لي مال لأنفقت مثلَ ما ينفق هذا وأحسن، فهو يحسده ورجل يقرآ القرآن فيقوم الليلَ وعنده رجل إلى جنبه لا يعلم القرآن فهو يحسده على قيامه، أو على ما علَّمه الله عز وجل القرآن، فيقول: لو علَّمني الله مثل هذا لقمت مثل ما يقوم".(2)
(
__________
(1) رواه الطبراني في "الكبير" موقوفاً بإسناد لا بأس به ورفعه جماعة، وصححه الألباني رحمه الله الترغيب (627).
(2) رواه الطبراني في "الكبير" وفي سنده لين، وحسنه الألباني في الترغيب (628).(1/126)
الحسد) يطلق ويراد به تمني زوال النعمة عن المحمود وهذا حرام بالإتفاق، ويطلق ويراد به الغبطة وهو تمني حالة كحالة المغبط من غير تمني زوالها عنه وهو المراد في الحديث وفي نظائره فإن كانت الحالة التي عليها المغبط محمودة فهو تمنِ محمود، وإن كانت مذمومة فهو تمن مذموم يأثم عليه المتمني.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار".(1)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: اللهم اغفر لي – أو دعا- استجيب له، فإنْ توضأ ثم صلى قبلت صلاتُه".(2)
باب
ثواب من نام عن ورده فقضاه
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كُتبَ له كأنما قرأه من الليل".(3)
حزبه: هو ما يجعله الإنسان على نفسه من صلاة أو قراءة أو غيرها.
باب
ثواب من نوى أن يصلي بالليل فغلبته عيناه
__________
(1) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (815)، وغيره.
(2) رواه البخاري في كتاب التهجد برقم (1154).
(3) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1742).(1/127)
عن أبي ذر أو أبي الدرداء شك شعبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من عبد يحدث نفسه بقيام ساعة من الليل فينام عنها إلا كان نومه صدقة تصدق الله بها عليه وكتب له أجر ما نوى".(1)
ورواه ابن خزيمة من غير شك ولفظه:
عن أبي الدرداء من غير شك ولفظه قال: "من أتى فراشه وهو ينوي أن يصلي من الليل فغلبته عينه حتى أصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه".(2)
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من امرئ تكون له صلاة بليل فيغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة".(3)
باب
ثواب صلاة الضحى والدوام عليها
عن بريدة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "في الإنسان ستون وثلثمائة مفصل، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل صدقة" قالوا: فمن يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: "النخاعة في المسجد تدفِنُها والشيء تنحيهِ عن الطريق، فإن لم تقدر فركعتا الضحى تُجزئُ عنك".(4)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وتجزئ عن ذلك كله ركعتان يركعهما من الضحى".(5)
__________
(1) رواه بان حبان والنسائي وابن ماجة، صحيح ابن ماجة (1105)، وقال الألباني صحيح وأحال على الإرواء (454) وغيره، صحيح الترغيب (599).
(2) رواه ابن خزيمة ورواه النسائي وابن ماجة بإسناد جيد، وصححه الألباني في الترغيب برقم (598).
(3) رواه أبو داود والنسائي، ورواه الإمام مالك، وحسنه الألباني في الترغيب(597) والإرواء (454).
(4) أخرجه أحمد في مسنده، الترغيب (661) ، ورواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحهما"، وقال الألباني: "صحيح".
(5) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين (1668).(1/128)
السلامى: بضم السين المهملة وتخفيف اللام واحد السلاميات وهي مفاصل الأعضاء والأصابع.
وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - أنه رأى قوماً يصلون من الضحى فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال".(1)
ترمض الفصال: بفتح التاء والميم وبالضاد المعجمة يعني: شدة الحر والفصال: جمع فصيل وهو الصغير من الإبل.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة باباً يقال له الضحى فإذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين الذين كانوا يديمون صلاة الضحى؟ هذا بابكم فادخلوه".(2)
وعن نعيم بن همار - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله عز وجل: يا ابن آدم لا تعجز من أربع ركعات في أول نهارك أكفك آخره".(3)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أرقد".(5)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1743، 1744).
(2) صحيح الجامع برقم (7504) والسلسلة الصحيحة (703).
(3) أخرجه أبو داود وعند أحمد من حديث أبي مرة الطائفي وعند الترمذي من حديث أبي الدرداء، وقال الألباني: "صحيح" صحيح الجامع (4215)، الإرواء (2/216)، الترغيب (669).
(4) سبق تخريجه.
(5) متفق عليه.(1/129)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثاً فأعظموا الغنيمة وأسرعوا الكرة فقال رجل: يا رسول الله ما رأينا بعثاً قط أسرع كرة ولا أعظم غنيمة من هذا البعث فقال: "ألا أخبركم بأسرع كرة منهم وأعظم غنيمة؟ رجل توضأ فأحسن الوضوء، ثم عمد إلى المسجد فصلى فيه الغداة، ثم عقب بصلاة الضحوة، فقد أسرع الكرة وأعظم الغنيمة".(1)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "بعث رسو الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فغنموا وأسرعوا الرجعة فتحدث الناس بقرب مغزاهم، وكثرةِ غنيمتهم وسُرعةِ رجعتهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أدلكم على أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعةً؟ من توضأ ثم غدا إلى المسجد لسُبحةِ الضحى فهو أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة".(2)
وعن عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله عزوجل يقول: يا ابن آدم! أكفني أول النهار بأربع ركعاتٍ، أكفِكَ بهن آخر يومك".(3)
وعن أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الله تبارك وتعالى أنه قال: "يا بان آدم! لا تعجزني من أربع ركعاتٍ من أول النار أكفك آخره".(4)
__________
(1) رواه أبو يعلى، وصححه الألباني، صحيح الجامع (667)، الترغيب (664).
(2) رواه أحمد من رواية ابن لهيعة والطبراني ، وصححه الألباني في الترغيب برقم (663).
(3) رواه أحمد وأبو يعلى ، وصححه الألباني في الترغيب برقم (666).
(4) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب" وصححه الألباني في الترغيب برقم (667).(1/130)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين ومن صلى أربعاً كُتب من العابدين ومن صلى ستاً كُفيَ ذلك اليوم، ومن صلى ثمانية كتبه الله من القانتين، ومن صلى ثنتي عشرة ركعة بني له بيتاً في الجنة، وما من يوم ولا ليلة إلا له من يمن به على عباده صدقة وما مَنَّ الله على أحد من عباده أفضل من أن يلهمه ذكره".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب، قال: وهي صلاة الأوابين".(2)
(الأوابين) جمع أواب وهو كثير الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى بالتوبة.
قال الألباني رحمه الله تعالى:قلت:وفي الحديث رد على الذين يسمون الست ركعات التي يصلونها بعد المغرب بـ (صلاة الأوابين)فإن هذه التسمية لا أصل لها وصلاتها بالذات غير ثابتة كما تقدم. أ.هـ.الترغيب (ص1/ 352)
باب
ثواب الترغيب في قضاء الإنسان ورده إذا فاته من الليل
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأرضاه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من نام عن حزبه أو عن شئ منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاةِ الظهر، كُتِبَ له كأنما قرأه من الليل".(3)
باب
ثواب صلاة التوبة
__________
(1) رواه الطبراني في "الكبير" ورواته ثقات، وقال الألباني رحمه الله حسن الترغيب برقم (671).
(2) رواه الطبراني وابن خزيمة في "صحيحه" وحسنه الألباني في الترغيب (673).
(3) رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة في "صحيحه".(1/131)
عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"ما من رجل يُذنب ذنباً،ثم يقوم فيتطهرُ ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له" ثم قرآ هذه الآية: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله } (1) إلى آخر الآية.
باب
ثواب صلاة الاستخارة
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: "إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني استخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا اقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به. قال: ويسمي حاجته".(2)
أبواب الجمعة
باب
ثواب صلاة الجمعة ويومها
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غُفرَ له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغا"(3).
__________
(1) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في "صحيحه" والبيهقي وقالا: "ثم يصلي ركعتين"، وذكره ابن خزيمة في "صحيحه" بغير إسناد وذكر فيه الركعتين، وصححه العلامة الألباني في الترغيب برقم (680).
(2) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6382).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة برقم (1985)، وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1050) والترمذي في كتاب الصلاة برقم (498)، وابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة برقم (1090).(1/132)
استمع: الإستماع: الإصغاء، والإنصات: السكوت، (لغا) قيل: معناه خاب من الأجر وقيل أخطأ وقيل: صارت جمعته ظهراً وقيل غير ذلك.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يحضر الجمعة ثلاثة نفر: فرجل حضرها يلغو فذلك حظه منها ورجل حضرها بدعاءٍ فهو رجل دعا الله إن شاء أعطاه وإن شاء منعه ورجل حضرها بإنصاتٍ وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحداً فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك أن الله تعالى يقول: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثةِ أيام".(2)
وعن أبي عبد الله سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كُتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى".(3)
قوله: "ويتطهر ما استطاع من الطهور": المراد به المبالغة في التنظيف.
__________
(1) صحيح ابن خزيمة برقم (1813)، وصحيح أبي داود برقم (1019)، المشكاة (1396).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة برقم (1984).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة برقم (883).(1/133)
وعن أبي لبابة بن عبد المنذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر وفيه خمس خلال خلق الله فيه آدم وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض وفيه توفي الله آدم وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئاً إلا أعطاه ما لم يسأل حراماً وفيه تقوم الساعة ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهو يشفقن من يوم الجمعة".(1)
وعن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الجمعة كفارة لما بينها وبين الجمعة التي تليها، وزيادة لثلاثةِ أيام، وذلك بأن الله عزوجل قال: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها".(2)
وعن أبي سعيد أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة، من عاد مريضاً، وشهد جنازة، وصام يوماً، وراح إلى الجمعة، وأعتق رقبة".(3)
وعن يزيد بن أبي مريم قال: لحقني عبايةُ بن رفاعة بن رافع وأنا أمشي إلى الجمعة فقال أبشر فإن خطاك هذه في سبيل الله، سمعت أبا عبس يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أغبرت قدماه في سبيل الله فهما حرام على النار".(4)
وفي رواية عند البخاري : قال عباية: أدركني أبو عبسٍ وأنا ذاهب إلى الجمعة، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من اغبرت قدماه في سبيل الله حرَّمهُ الله على النار".
__________
(1) رواه أحمد في المسند (15548/5)، وابن ماجة في إقامة الصلاة بإسناد حسن برقم (1084)، صحيح ابن ماجة برقم (888) والمشكاة (1363).
(2) رواه الطبراني في "الكبير" وقال الألباني في الترغيب: "صحيح لغيره" (685).
(3) رواه ابن حبان في "صحيحه" وصححه الألباني في الترغيب برقم (686).
(4) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (687).(1/134)
وفي رواية: "ما اغبرت قدما عبدٍ في سبيل الله فتمسه النار"، وليس عنده قول عباية ليزيد.
قال ابن حجر: في ذلك إشارة إلى عظيم قدر التصرف في سبيل الله، فإذا كان مجرد مس الغبار للقدم يحرم عليها النار، فكيف بمن سعى وبذل جهده واستنفذ وسعه.أ.هـ.فتح (2/390)
وعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيبٍ إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع ما بدا له ولم يؤذِ أحداً ثم أنصت حتى يصلي كان كفارةً لما بينها وبين الجمعة الأخرى".(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أُمر ثم يخرج من بتيه حتى يأتي الجمعة، ويُنصت حتى يقضي صلاته إلا كان كفارة لما قبله من الجمعة".(2)
وفي رواية: "إلا كانت كفارة لما بينه وبين الجمعة الأخرى ما اجتنبت المقتلة".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة".(4)
__________
(1) رواه أحمد والطبراني وابن خزيمة في "صحيحه" وقال الألباني في الترغيب صحيح لغيره(688).
(2) رواه النسائي في السنن الكبرى (1664 و 1724)، والحاكم (1/277) وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (689).
(3) رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن نحو رواية النسائي، صحيح الترغيب (689).
(4) رواه مسلم في كتاب الجمعة، برقم (1973، 1974) وأبو داود والترمذي والنسائي.(1/135)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه وقال: بيده يُقللها يزهدها"(1). زاد قتيبة في رواية: "وأشار بيده يقللها".
قوله: "وأشار بيده يقللها": الإشارة لتقليلها هو الترغيب فيها والحض عليها ليسارة وقتها وغزارة فضلها.
وعن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبد الله بن عمر: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شأن ساعة الجمعة؟ قال قلت: نعم سمعته يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضي الصلاة".(2)
وعن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"يوم الجمعة أثنا عشر ساعة فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر".(3)
قال الترمذي: "ورأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم أن الساعة التي ترجى فيها إجابة الدعوة بعد العصر إلى أن تغرب الشمس"، وبه يقول أحمد وإسحاق.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة برقم (935، 6400) وأخرجه مسلم في كتاب الجمعة برقم (1966، 1967) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة برقم (1972) وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1049).
(3) أخرجه أبو داود في الصلاة (1048) والنسائي في المجتبى في الجمعة (1388) وفي الكبرى (1697/1) والحاكم (1032/1) وصححه وأقره الذهبي في التلخيص وصححه العلامة الألباني في الترغيب (703).(1/136)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة إلا الجن والإنس وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله عز وجل حاجة إلا أعطاه إياها".
قال كعب: ذلك في كل سنة يوم؟ فقلت: بل في كل جمعة قال: فقرأ كعب التوراة فقال: صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو هريرة: ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب فقال عبد الله بن سلام وقد علمت أية ساعة من يوم الجمعة فقلت: كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي وتلك الساعة لا يصلي فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من جلس مجلساً ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي".
قال فقلت: بلى فقال: هو ذاك. (1)
وعن أبي بردة بن أبي موسى أن عبد الله بن عمر قال له: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شأن الجمعة شيئاً؟ قال: نعم سمعته يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة".(2)
__________
(1) إسناده صحيح على شرط الشيخين، أخرجه مالك في موطئه (243) وأحمد فس مسنده (10307/3) وأبو داود (1046) والترمذي (491) والنسائي في الكبرى (1754/1)، والشافعي (1/72) وابن حيان (2772/7) وغيرهم من أئمة الحديث، وصححه العلامة الألباني رحمه الله تعالى في الصحيحه برقم (1502) والمشكاة (13059).
(2) سبق تخرجيه.(1/137)
وعن أبي مالك االأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة عن ربعي بن حِراش عن حذيفة قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أضل اله عن الجمعة من كان قبلنا فكان يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق".(1)
وعن أوس بن أوس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي".
قالوا: وكيف تُعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ أي: بليت: فقال: "إن الله جل وعلا حرم على الأرض أن تأكل أجسامنا".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة بيد أن كل أمة أوتيت الكتابُ من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ثم هذا اليوم الذي كتبه الله هدانا الله له فالناس لنا فيه تبع اليهود غداً والنصارى بعد غد".(3)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة" قال العلماء معناه الآخرون في الزمان والوجود، السابقون بالفضل ودخول الجنة فتدخل هذه الأمة الجنة قبل سائر الأمم.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة برقم (1979).
(2) أخرجه أبو داود(1047و1531) والنسائي (3/91و 92) وابن ماجة(1085 و 1606) وأحمد(4/8)والحاكم (1/278)، وصححه العلامة الألباني في الترغيب(696)والمشكاة(1361).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة برقم (1975) و (1976).(1/138)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "لا تطلع الشمس ولا تغرب على أفضل من يوم الجمعة وما من دابة إلا وهي تفزع يوم الجمعة إلا هذين الثقلين الإنس والجن".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس، شفقاً من الساعة إلا الإنس والجن".(2)
وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".(3)
الصلوات الخمس المفروضات والجمعة وصيام رمضان كفارات للذنوب والمعاصي.
باب
ثواب السعي إلى الجمعة والطيب والغسل
وعن سلمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم - : "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى".(4)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من غسَّل واغتسل ودنا وابتكر واقترب واستمع كان له بكل خطوةٍ يخطوها قيام سنة وصيامها".(5)
__________
(1) صحيح ابن خزيمة (1727) والترغيب (699) وقال الألباني رحمه الله: "حسن" وقد رواه ابن خزيمة ابن حبان في "صحيحهما" ورواه أبو داود.
(2) رواه أبو داود، الترغيب (697) وقال الألباني: "حسن".
(3) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة برقم (550).
(4) رواه البخاري.
(5) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في الترغيب برقم (693).(1/139)
وعن أوس بن أوس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوةٍ عمل سنة أجر صيامها وقيامها".(1)
"غسَّل" أي أوجب على أهله الغسل بسبب جماعه لها وقال آخرون: إنما هو غسل بالتخفيف ومعناه غسل رأسه ثم اغتسل جميعه وهذا من باب التأكيد من غسل الرأس.
زاد أبو داود في رواية له: "من غسَّل رأسه".
وعن عبد الله بن أبي قتادة قال: دخل علي أبي وأنا أغتسل يوم الجمعة فقال: غُسلُك هذا من جنابة أو للجمعة؟ قلت: من جنابة. قال: أعِدْ غسلاً آخر، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلى الجمعة الأخرى".(2)
ورواه ابن حبان في "صحيحه" ولفظه:
"من اغتسل يوم الجمعة لم يزل طاهراً إلى الجمعة الأخرى".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا كان يوم الجمعة فاغتسل الرجل وغسل رأسه ثم تطيب من أطيب طيبه ولبس من صالح ثيابهِ ثم خرج إلى الصلاة ولم يفرق بين اثنين ثم استمع للإمام غفر له من الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام".(3)
قال الحافظ: "وفي هذا دليل على ما ذهب إليه مكحول ومن تابعه في تفسير قوله: "غَسَلَ واغتسل" والله أعلم.
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن" والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحهما" والحاكم وصححه الألباني في الترغيب برقم (690).
(2) رواه الطبراني في "الأوسط" ، وابن خزيمة في "صحيحه" وقال: "هذا حديث غريب لم يروه غير هارون يعني ابن مسلم صاحب الحِنّاء"، وحسنه الألباني في الترغيب (704).
(3) رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (705).(1/140)
وأما ما ذهب إليه مكحول هو قوله "غسل" معناه غسل الرأس خاصة، وذلك لأن العرب لهم لِمَمٌ وشعور وفي غسلها مؤنة فأفْرَدَ غسل الرأس من أجل ذلك. أ.هـ. صحيح الترغيب (ص 1/433).
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "غُسلُ يوم الجُمعَةِ واجِبٌ على كُلِّ مُحتَلِم وسِواكٌ، ويَمسُّ من الطيب ما قَدَرَ عليه".(1)
باب
ثواب التبكير إلى الجمعة
تقدم حديث عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من غسّل واغتسل ودنا وابتكر واقترب واستمع كان له بكل خطوةٍ يخطوها قيام سنةٍ وصيامها".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنه ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".
وفي رواية: "إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنه ثم كالذي يهدي بقرة ثم كالذي يهدي كبشاً ثم دجاجة ثم بيضة فإذا خرج الإمام طووا صحفهم يستمعون الذكر".(2)
والتهجير: التبكير، والمُهجّر: هو المبكر الآتي في أول ساعة.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "على كل باب من أبواب المسجد ملك يكتب الأول فالأول مثل الجزور ثم نزلهم حتى صغر إلى مثل البيضة فإذا جلس الإمام طويت الصحف وحضروا الذكر". (3)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجمعة برقم (846).
(2) رواه البخاري في كتاب الجمعة برقم (929) وفي كتاب بدء الخلق (3211) ورواه مسلم في كتاب الجمعة برقم (1981).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة برقم (1983) وكذلك البخاري.(1/141)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه"
ذهب بعض العلماء إلى أنها ما بين العصر إلى أن تغرب الشمس واستدلوا بما رواه ابن ماجة بإسناد صحيح عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: قلت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس: إنا لنجد في كتاب الله تعالى في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله فيها شيئاً إلا قضى له حاجته قال عبد الله: فأشار إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أو بعض ساعة" فقلت: صدقت أو بعض ساعة. قلت أي ساعة هي قال: "آخر ساعات النهار" قلت: إنها ليست ساعة صلاةٍ قال: "بلى إن العبد إذا صلى ثم جلس لا يجلسه إلا الصلاة فهو في صلاة".(1).
ثبت في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة".
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة ومن مس الحصا فقد لغا".(2)
أتى الجمعة: أتى المسجد ليصلى صلاة الجمعة.
لغا: هو الكلام الذي لا فائدة فيه.
وعنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".(3)
مكفرات: ماحيات.
__________
(1) صحيح ابن ماجة (934) وقال الألباني: "صحيح".
(2) أخرجه مسلم برقم (857).
(3) أخرجه مسلم برقم (273).(1/142)
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تحشر الأيام على هيئتها وتحشر الجمعة زهرّاء منيرة أهلها يحفون بها كالعروس تهدي إلى خدرها تضئ لهم يمشون في ضوئها ألوانهم كالثلج بياضاً وريحهم كالمسك يخوضون في جبال الكافور ينظر إليهم الثقلان لا يطرفون تعجباً حتى يدخلوا الجنة لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون".(1)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تقعد الملائكة على أبواب المساجد فيكتبون الأول والثاني والثالث حتى إذا خرج الإمام رفعت الصحف".(2)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تقعد الملائكة يوم الجمعة على أبواب المساجد معهم الصحف يكتبون الناس، فإذا خرج الإمام طويت الصحف".
قلت: يا ابا أمامة! أليس لمن جاء بعد خروج الإمام جمعة؟ قال: بلى، ولكن ليس ممن يكتب في الصحف. (3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المستعجل إلى الجمعة كالمهدي بدنه والذي يليه كالمهدي بقرة والذي يليه كالمهدي شاةً والذي يليه كالمهدي طيراً".(4)
وفي رواية: "على كل باب من أبواب المساجد يوم الجمعة ملَكان يكتبان الأول فالأول كرجل قدم بدنه، وكرجل قدم بقرة، وكرجل قدم شاة وكرجل قدم طيراً، وكرجل قدم بيضة، فإذا قعد الإمام طويت الصحف".(5)
__________
(1) رواه الطبراني وابن خزيمة في "صحيحه" وحسنه الألباني في الترغيب برقم (698) والسلسلة الصحيحة برقم (706).
(2) رواه أحمد بإسناد جيد والطبراني، وصححه الألباني في الترغيب برقم (710).
(3) رواه أحمد والطبراني في "الكبير" وحسنه الألباني رحمه الله في الترغيب (710).
(4) رواه ابن خزيمة في "صحيحه" وصححه الألباني في الترغيب (708).
(5) رواه ابن خزيمة في "صحيحه" وصححه الألباني في الترغيب (708).(1/143)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المساجد فيكتبون من جاء من الناس على منازلهم، فرجل قدم جزوراً، ورجل قدم بقرة، ورجل قدم شاة، ورجل قدم دجاجة، ورجل قدم بيضة، قال: فإذا أذن المؤذن وجلس الإمام على المنبر طويت الصحف، ودخلوا المسجد يستمعون الذكر".(1)
وعن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "احضروا الجمعة، وادنُوا من الإمام، فإنَّ الرجلَ ليكون من أهل الجنة، فيتأخر، فيؤخَّر عن الجنة وإنه لمن أهلها".(2)
باب
ثواب قراءة سورة (الكهف) ليلة الجمعة ويوم الجمعة
عن ابي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ سورة (الكهف) في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين".(3)
وفي رواية: "من قرأ سورة (الكهف) ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق".(4)
???????
أبواب الصوم
باب
ثواب الصوم مطلقاً
مضمار السباق قد انعقد، فرمضان قد وفد، والجنة فتحت لمن جد، والجائزة لمن اجتهد، فشمر عن ساعد الجد، وقل لن يسبقني إلى الله أحد .
قال الله تعالى: { والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً } .(5)
__________
(1) رواه أحمد بإسناد حسن، وقال الألباني: "حسن" الترغيب رقم (711).
(2) رواه الطبراني والأصبهاني، وأحمد (5/10) وأبو داود، وقال الألباني رحمه الله: (حسن لغيره) الترغيب (713) والصحيحة (365).
(3) رواه النسائي في "اليوم الليلة" والبيهقي مرفوعاً، والحاكم مرفوعاً وموقوفاً وقال: "صحيح الإسناد" وصححه الألباني في الترغيب برقم (736).
(4) رواه الدارمي في "السنن" موقوفاً على أبي سعيد، وقال الألباني: "صحيح" الترغيب (736).
(5) الأحزاب (35).(1/144)
وقال تعالى: { كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية } .(1)
قال وكيع وغيره: هي أيام الصوم إذ تركوا فيها الأكل والشرب.
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد"(2).
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" إلا أنه قال: "فإذا دخل آخرهم أُغلقَ، مَن دخلَ شَرِبَ، ومن شَرِبَ لم يظمأ أبداً".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام والصيام لي وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يوم القيامة".(3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الصوم جنة يستجن بها العبد من النار".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك وللصائم فرحتان: إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي الله تعالى فرح بصومه".(5)
"كل عمل ابن آدم له" أي:له أجر محدود (إلا الصوم) فأجره بدون حساب.
__________
(1) الحاقة (24).
(2) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1896)، ومسلم في كتاب الصيام برقم (1152).
(3) رواه البخاري (10/369 فتح) ومسلم في كتاب الصيام برقم (2698).
(4) رواه الطبراني في "الكبير" عن عثمان بن أبي العاص، صحيح الجامع (3861).
(5) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1904)، ومسلم في كتاب الصيام برقم (1151).(1/145)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال: فيشفعان"(1). أي: يشفعهما الله فيه ويدخله الجنة.
قال المناوي: "وهذا القول يحتمل أنه حقيقة بأن يجسد الله ثوابهما ويخلق الله فيه النطق (والله على كل شيء قدير) أ.هـ. الترغيب (1/579)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابهُ أحد أو قاتله فليقل إني صائم".(2)
وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصيام جُنةٌ وحصنٌ حصين من النار".(3)
قال الألباني رحمه الله تعالى: (جُنة) بضم الجيم: كل ما ستر ومنه (المجن) وهو الترس، ومنه سُمي الجن لاستتارهم عن العيون وإنما كان الصوم لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات كما في الحديث الصحيح "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات".
قال ابن الأثير في النهاية: "معنى كونه جنة/: أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات". أ.هـ. صحيح الترغيب (1/575)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضِعف، قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي، وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".(4)
__________
(1) رواه أحمد والطبراني والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني، تمام المنة ص (94)، والمشكاة (1963)، الترغيب (973).
(2) متفق عليه.
(3) رواه أحمد بإسناد حسن والبيهقي، وقال الألباني رحمه الله: (حسن لغيره) الترغيب (980).
(4) رواه مسلم في كتاب الصيام برقم (1151).(1/146)
وفي رواية: "وإذا لقي الله عزوجل فجزاه فرح" الحديث. (1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله: إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به يدعْ الطعام من أجلي ويدع الشراب من أجلي، ويدع لذته من أجلي، ويدع زوجته من أجلي، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه".(2)
الخلوف: بضم الخاء: هو تغير رائحة الفم من الصوم.
وسئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي"؟ فقال: "إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عز وجل عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم، فيحتمل الله ما بقيَ عليه من المظالم، ويدخله بالصوم الجنة".
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن ربكم يقول: كل حسنة بعشرِ أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والصوم لي وأنا أجزي به، والصوم جنة من النار، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وإن جَهِل على أحدكم جاهل وهو صائم فليقل: إني صائم، إني صائم".(3)
وحديث الحارث الأشعري وفيه: "وآمركم بالصيام، ومثل ذلك كمثل رجل في عصابة مع صرة مسك، كلهم يحب أن يجد ريحها، وإن الصيام أطيب عند الله من ريح المسك". الحديث.
رواه الترمذي وصححه إلا أنه قال: "وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".(4)
وعن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"الصيام جُنَّة يَستَجِنُّ بها العبد من النار".(5)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصيام برقم (1151) وابن خزيمة.
(2) رواه ابن خزيمة، وقال الألباني صحيح الترغيب (1/576).
(3) رواه الترمذي، وقال الألباني: صحيح لغيره، الترغيب (1/575).
(4) رواه الترمذي وابن خزيمة في "صحيحه" واللفظ له وابن حبان والحاكم.
(5) رواه أحمد بإسناد والبيهقي، وقال الألباني "حسن لغيره" الترغيب برقم (981).(1/147)
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "ألا أدُّلك على ابواب الخير؟" قلت: بلى يا رسول الله! قال: "الصومُ جنةٌ، والصدقةُ تطفئُ الخطيئة كما يطفئُ الماءُ النارَ".(1)
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: أسندت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى صدري فقال: "من قال: (لا إله إلا الله) خُتم له بها دخل الجنة، ومن صام يوماً ابتغاء الله خُتم له به، دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله خُتم له بها دخل الجنة".(2)
ورواه الأصبهاني بلفظ: "يا حذيفة! من خُتم له بصيامِ يومٍ يريد به وجه الله عز وجل، أدخله الله الجنة". (3)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تُكفرها الصلاة والصيام والصدقة".(4)
__________
(1) رواه الترمذي في حديث وصححه، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب برقم (983).
(2) رواه أحمد بإسناد لا بأس به، وصححه الألباني في الترغيب برقم (985).
(3) قال الألباني رحمه الله: "صحيح لغيره" الترغيب (1/579).
(4) رواه البخاري ومسلم.(1/148)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يقول: "لأقومن الليل ولأصومن النهار ما عشت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنت الذي يقول ذلك" فقلت له: قد قلته يا رسول الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فإنك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر ونم وقم صم في الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر" قال: فقلت: فإني أطيق أفضل من ذلك قال: "صم يوماً وأفطر يومين" قال: فقلت: فإني أطيق أفضل من ذلك قال: "فصم يوماً وأفطر يوماً وذلك صيام داود وهو أعدل الصيام" قال: فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا أفضل من ذلك" قال عبد الله بن عمرو: لأن أكون قبلت الثلاثة، التي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي من أهلي ومالي".(1)
وفي رواية لمسلم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "بلغني أنك تقوم الليل وتصوم النهار" قال: يا رسول الله ما أردت بذلك إلا خير، قال: "لا صيام من صام الأبد ولكن أدلك على صوم الدهر ثلاثة أيام من كل شهر".
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من عبدٍ يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً".(2)
الخريف: السنة.
وعن عمرو بن عبسة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صام يوماً في سبيل الله، بعدت منه النار مسيرة مئة عام".(3)
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير برقم (2840) ومسلم في كتاب الصيام برقم (2704).
(3) رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط" ، وقال الألباني "صحيح لغيره" الترغيب برقم (988).(1/149)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صام يوماً في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفاً".(1)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض".(2)
باب
ثواب من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".(3)
وعنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حُرِم".(4)
وفي رواية لمسلم قال: "من يقيم ليلة القدر فيوافيها" أراه قال: "إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة".
__________
(1) رواه النسائي ، والترمذي من رواية ابن لهيعة وقال: "حديث غريب"، ورواه ابن ماجة من رواية عبد الله بن عبد العزيز الليثي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (989).
(2) رواه الترمذي ورواه الطبراني في "الكبير" (8/280 – 281/4921) وصححه الألباني رحمه الله تعالى في الترغيب برقم (991) والصحيحة برقم (563).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الصوم برقم (1901)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم(1779).
(4) رواه النسائي والبيهقي.(1/150)
قال أبو بكر - رضي الله عنه - بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: "نعم وأرجوا أن تكون منهم".(1)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد، فإذا دخل أخرهم أُغلق، ومن دخل شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً".(2)
باب
ثواب من صام رمضان إيماناً واحتساباً
وقيام ليله سيما ليلة القدر
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".(3)
وعنه - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمةٍ فيقول: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".(4)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: "صمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمضان، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر، حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله! لو نفلتنا قيام هذه الليلة، فقال: "إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسِبت له قيام ليلة".
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير برقم (2841)وفي كتاب بدئ الخلق برقم (3216) ، وأخرجه ومسلم في كتاب الزكاة برقم (2370)
(2) أخرجه البخاري، ومسلم.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان برقم (37) وفي كتاب صلاة التراويح (2009)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين (1776).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان برقم (37) و أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1777).(1/151)
فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال: قلتُ: ما الفلاحُ؟ قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر".(1)
عزيمة: لا يأمرهم أمر إيجاب وتحتيم، بل أمر ندب وترغيب، شرح النووي (6/39).
وعنه - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".(2)
وفي رواية للنسائي: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
قال الخطابي: "قوله: إيماناً واحتساباً أي: نية وعزيمة، وهو أن يصومه على التصديق والرغبة في ثوابه، طيبة به نفسه غير كاره له ولا مستثقلٍ لصيامه ولا مستطيل لأيامه لكن يغتنم طول أيامه لعظم الثواب".
وقال البغوي: "قوله: (احتساباً) أي: طلباً لوجه الله تعالى وثوابه يقال: فلان محتسب الأخبار أي : يتطلبها".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النار، وصفِّدت الشياطين".(3)
وفي رواية لمسلم: "فتحت أبوب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسُلسِلَت الشياطين".
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: ومن ذلك - أي المفاضلة بين ما خلق الله- تفضيل شهر رمضان على سائر الشهور وتفضيل عشره الأخير على سائر الليالي.أ.هـ. زاد المعاد (1/56)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن".
__________
(1) أخرجه أصحاب السنن وغيرهم، وصححه الألباني في صلاة التراويح (ص 16/17) وصحيح أبي داود (1245) والإرواء (447).
(2) أخرجه البخاري ومسلم.
(3) أخرجه البخاري ومسلم.(1/152)
وقال ابن خزيمة: "الشياطين: مردة الجن" بغير واو – وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر اقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة".(1)
(صُفدت) بضم الصاد وتشديد الفاء أي: شدت بالأغلال.
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين، لله
فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم". (2)
وعن انس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "دخل رمضان فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلةٌ خير من ألف شهر من حُرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم".(3)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لله عند كل فطرٍ عتقاءُ".(4)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة، يعني في رمضان وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوةً مستجابة".(5)
__________
(1) رواه الترمذي وابن ماجة وابن خزيمة في "صحيحه" برقم (1883) ، وحسنه الألباني في صحيح ابن خزيمة ، ورواه والبيهقي والنسائي ، والحاكم بنحو هذا اللفظ وقال: "صحيح على شرطهما" وحسنه الألباني في الترغيب برقم (998).
(2) رواه النسائي والبيهقي كلاهما عن ابي قلابة عن ابي هريرة، وقال الألباني رحمه الله: "صحيح لغيره" الترغيب برقم (999).
(3) رواه ابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1000).
(4) رواه أحمد بإسناد لا بأس به والطبراني والبيهقي، وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب برقم (1001).
(5) رواه البزار وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب برقم (1002).(1/153)
وعن عمرو بن مُرة الجهني - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان، وقمته، فممن أنا؟ قال: "من الصديقين والشهداء".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".(2)
باب
ثواب من صام رمضان واتبعه بست من شوال
عن ابي أيوب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر".(3)
الحسنة بعشر أمثالها فرمضان ثلاثون يوماً وستة أيام من شوال تلك ستة وثلاثون يوما وأجرها ثلاث مئة وستون حسنة فتلك سنة كاملة وهذا كصيام الدهر لمن واظب على ذلك.
وعن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة ومن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها".(4)
وفي رواية للنسائي: "جعل الله الحسنة بعشر أمثالها فشهرٌ بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بعد الفطر تمام السنة".(5)
وفي رواية: "من صام رمضان وستاً من شوال فقد صام السنة".(6)
باب
ثواب صوم عرفة
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الصيام برقم (2750) وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
(4) رواه ابن ماجة والنسائي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1007).
(5) ورواه ابن خزيمة في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1/589).
(6) رواه ابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني، الترغيب برقم (1/589).(1/154)
عن ابي قتادة - رضي الله عنه - قال: سُئِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم عرفة؟ قال: "يكفر السنة الماضية والباقية".(1)
ورواه الترمذي، إلا أنه قال: "صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة
التي بعده والسنة التي قبله".(2)
وعن قتادة بن النعمان قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من صام يوم عرفة غُفر له سنة أمامه وسنه بعده".(3)
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صام يوم عرفة غفر له ذنب سنتين متتابعتين".(4)
وعن سعيد بن جبير قال: سأل رجل عبد الله بن عمر عن صوم يوم عرفة؟ فقال: "كنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعدله بصوم سنتين".(5)
باب
ثواب من صام يوم عاشوراء
وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: "يكفر السنة الماضية".(6)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء".(7)
وعنه سئل عن صيام عاشوراء فقال: "ما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صام يوماً يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم ولا شهراً إلا هذا الشهر يعني رمضان".(8)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "صيام يوم عاشوراء إني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".(9)
__________
(1) أخرجه مسلم برقم (1162)، وابو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي.
(2) صحيح الترغيب رقم (1010).
(3) صحيح الترغيب برقم (1011).
(4) صحيح الترغيب (1012).
(5) . صحيح الترغيب برقم (1014).
(6) أخرجه مسلم في كتاب الصيام برقم (1162 و 197).
(7) رواه الطبراني بإسناد جيد، قال في المجمع (3/186): رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله ثقات.
(8) أخرجه مسلم في كتاب الصيام، برقم (1132).
(9) أخرجه مسلم.(1/155)
وعن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامةُ وسنة خلفه ومن صام عاشوراء غفر له سنة".(1)
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - ، أن رسول - صلى الله عليه وسلم - صامَ يَوْمَ عاشوراءَ، وأقر بصيامِهِ.(2)
باب
ثواب صوم شعبان وفضل ليلة النصف منه
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: "ذاك شهر يغفل الناس فيه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".(3)
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن".(4)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان وما رأيتُه في شهرٍ اكثر صياماً منه في شعبان".(5)
__________
(1) رواه البزار، وقال العلامة الألباني رحمه الله: "صحيح لغيره"، الترغيب برقم (1021).
(2) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم(2397)، ومسلم في الصيام برقم(1130) .
(3) رواه النسائي وصححه العلامة الألباني في تمام المنة (ص 415)، وصفة الصلاة ( ص 131)، وقال في الترغيب: "حسن" (1022).
(4) رواه الطبراني وابن حبان، قال في المجمع: (8/65)، رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما ثقات، ورواه ابن ماجة بلفظه من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - وصححه الألباني في الصراط المستقيم ( ص 2) وإصلاح المساجد (ص 99) والترغيب (1026).
(5) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1969)، ومسلم في كتاب الصيام برقم (1156).(1/156)
وعنها قالت: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهراً أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله" وكان يقول: "خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا". وكان أحب الصلاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دوِومَ عليه وإن قلَّت وكان إذا صلى صلاةً داوم عليها".(1)
(كله): أي أكثره.
(خذوا العمل ما تطيقون): أي تطيقون الدوام عليه بلا ضرر.
وقوله: (فإن الله لا يمل) قال الإمام النووي: "الملل والسآمة بالمعنى المتعارف في حقنا محال في حق الله تعالى فيجب تأويله، فقال المحققون: معناه لا يعاملكم معاملة الملل فيقطع عنكم ثوابه وفضله ورحمته حتى تقطعوا عملكم، وقيل: لا يمل إذا مللتم، وحتى بمعنى: حين.
(ما دووم عليه) هو بواوين لأنه ماض مجهول من المداومة من باب المفاعلة.
باب
ثواب صيام شهر الله المحرم
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وافضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل".(2)
وعن جندب بن سفيان - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أفضل الصلاة بعد المفروضة الصلاة في جوف الليل وافضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم".(3)
باب
ثواب صوم الإثنين والخميس وفضلهما
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم".(4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1970)، ومسلم في كتاب الصيام برقم (782).
(2) رواه مسلم في كتاب الصيام برقم (2747).
(3) رواه النسائي والطبراني وقال الألباني: "صحيح لغيره"، صحيح الترغيب (1016).
(4) رواه مسلم في كتاب الصيام برقم (2565) والترمذي برقم (747) وأبو داود (2436) والنسائي (4/201 – 202).(1/157)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تعرض الأعمال في كل إثنين وخميس فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا إلا امرأً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا".(1)
وفي رواية: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجل كان بينه وبين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا انظروا هذين حتى يصطلحا انظروا هذين حتى يصطلحا".(2)
ورواه ابن ماجة بإسناد صحيح.
إلا أنه قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم الإثنين والخميس فقيل يا رسول الله إنك تصوم الإثنين والخميس فقال: "إن يوم الإثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم إلا مهتجرين يقول: دعهما حتى يصطلحا".(3)
وفي رواية لمسلم : "تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحنا" الحديث.
وعن شرحبيل بن سعد عن أسامة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم الاثنين والخميس ويقول: "إن هذين اليومين تُعرض فيهما الأعمال".صحيح الترغيب(1043)
باب
ثواب من صام من كل شهر ثلاثة أيام سيما الأيام البيض
وعن عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله".(4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2565) وابن ماجة بإسناد صحيح.
(2) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2565)، وابن ماجة بإسناد صحيح.
(3) قال الألباني صحيح لغيره، الشمائل (259)، الترغيب (1042) ورواه مسلم ومالك وأبو داود والترمذي باختصار ذكر الصوم.
(4) أخرجه البخاري في كتاب الصوم برقم (1979)، ومسلم في الصيام برقم (1159).(1/158)
وعن ابي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة أيام من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله".(1)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر ، فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) واليوم بعشر أيام".(2)
وفي رواية للنسائي: "من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد تم له صوم الشهر أو فله صوم الشهر".(3)
وعن قدامة بن ملحان قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بصيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة" قال: وقال: "هو كهيئةِ الدهر".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل ان أنام.(5)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل، فلا تفعل، فإن لجسدك عليك حظَّا، ولعينك عليك حظَّا، وإن لزوجك عليك حظَّا، صم وأفطر، صم من كل شهر ثلاثة أيام، فذلك صوم الدهر". قلت يا رسول الله، إن بي قوةً, قال: "فصم صوم داود –عليه السلام- صم يوماً وأفطر يوماً" فكان يقول: يا ليتني أخذت بالرخصة. (6)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصيام برقم (1162)، وأبو داود والنسائي .
(2) رواه أحمد والترمذي وحسنه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة، الإرواء (947) وقال الألباني صحيح، الترغيب (1035).
(3) قال الألباني رحمه الله صحيح لغيره، الترغيب (1035).
(4) رواه ابو داود والنسائي وابن حبان، وقال الألباني: صحيح لغيره، الترغيب (1039).
(5) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1981)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (721).
(6) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1975)، ومسلم في كتاب الصيام برقم (1159).(1/159)
وفي رواية: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا صوم فوق صوم داود عليه السلام، شطر الدهر، صم يوماً وأفطر يوماً".(1)
باب
ثواب العشر الأواخر من رمضان
عن عائشة رضي الله عنها قالت : "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها".(2)
وعن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها ،قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر" . (3)
قولها: وشد المئزر: المئزر الإزار, وكنَى بشدّة عن اعتزال النساء . وقيل أراد تَشْميره للعبادة , يقال شدَدْتُ لهذا الأمرِ مئزَرِى , أي تَشَمَّرتُ له.(4)
قال النووي: ففى هذا الحديث: أنه يستحب أن يزاد من العبادات في العشر الأواخر من رمضان، واستحباب إحياء لياليه بالعبادات، وأما قول أصحابنا يكره قيام الليل كله فمعناه الدوام عليه ولم يقولوا بكراهة ليلة وليلتين والعشر ولهذا اتفقوا على استحباب إحياء ليلتى العيدين وغير ذلك .اهـ. (5)
باب
ثواب السحور
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تسحروا فإن في السحور بركة".(6)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1980)، ومسلم في كتاب الصيام برقم (1159).
(2) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1923)، ورواه مسلم عن عائشة في كتاب الصيام برقم (1095).
(3) رواه مسلم عن عائشة في كتاب الصيام برقم (1174) ، باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان .
(4) النهاية في غريب الحديث (1/44) .
(5) شرح النووي (8/71) .
(6) رواه البخاري ومسلم في كتاب الصيام برقم (2544).(1/160)
وعن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تعالى وملائكته يصلون على المتسحرين".(1)
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر".(2)
معناه: الفارق المميز بين صيامنا وصيامهم السحور، فإنهم لا يتسحرون، ونحن يستحب لنا السحور.
وعن ابن عباس عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنا معشر الأنبياء أمرنا أن نعجّل إفطارنا ونؤخر سحورنا ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة".(3)
وعن عبد الله بن الحارث عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يتسحر فقال: "إنها بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوه".(4)
وعن ابي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "السحور كله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على
المتسحرين".(5)
وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "البركة في ثلاثة: في الجماعة، والثريد، والسحور".(6)
__________
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه" ورواه الطبراني في "الأوسط" وقال الألباني رحمه الله: "حسن صحيح"، الترغيب (1066)، صحيح الجامع (1844) والصحيحة (1654).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصيام برقم (2545).
(3) رواه الطيالسي والطبراني في "الكبير" صحيح الجامع (2282).
(4) رواه النسائي بإسناد حسن، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1069).
(5) رواه أحمد وقال الألباني: "حسن لغيره"، الترغيب برقم (1070).
(6) رواه الطبراني في "الكبير" وقال الألباني حسن لغيره، الترغيب (1065).(1/161)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "نعم سحورُ المؤمنِ التمرُ".(1)
وعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السحور في رمضان فقال: "هلم إلى الغداءِ المباركِ".(2)
وجاء في رواية ابن حبان عن ابي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هو الغداء المبارك يعني السحور".(3)
باب
ثواب تعجيل الفطر
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر".(4)
وعن سهل - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم".(5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون".
وعن أنس رضي الله عنه قال: "ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة المغرب حتى يفطر ولو على شربة من ماء".(6)
وعنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر قبل أن يصلي على رطبات فإن لم تكن رطبات فتمرات فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء".(7)
باب
ثواب من فطر صائما
__________
(1) رواه أبو دواد وابن حبان في "صحيحه" وصححه الألباني في الترغيب برقم (1072).
(2) رواه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحهما" وقال الألباني: "صحيح لغيره"، الترغيب برقم (1067).
(3) صحيح الترغيب برقم (1068).
(4) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1957)، ومسلم في كتاب الصيام برقم (1098).
(5) رواه ابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1074).
(6) رواه ابو يعلى وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحهما"وصححه الألباني في الترغيب (1076).
(7) رواه ابو داود والترمذي وقال: "حديث حسن"، وحسنه الألباني في الترغيب (1077).(1/162)
عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء".(1)
وعن زيد بن خالد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من فطر صائماً أو جهز غازياً فله مثل أجره".(2)
باب
ثواب الصائم إذا أكل عنده
عن أم عمارة الأنصارية رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فقدمت إليه طعاماً فقال: "كلي" فقالت: إني صائمة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الصائم تصلي عليه الملائكة إذا أكل عنده حتى يفرغوا" وربما قال: "حتى يشبعوا".(3)
???????
أبواب الصدقة
باب
ثواب الصدقة وفضلها
قال الله تعالى: { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة } .(4)
وقال تعالى: { الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين } .(5)
(ينفقون أموالهم) أي: يبذلون أموالهم في سبيل الله تعالى.
(في السراء) يعني في حال الرخاء والانبساط وكثرة المال والسرور.
(والضراء) أي في حال الضيق والانقباض.
__________
(1) أخرجه الترمذي (807) وابن ماجة (1846) وابن خزيمة وابن حبان، الإيمان (ص 326) والمشكاة (1992) وإصلاح المساجد ( ص 114)، الترغيب (1078) وقال: صحيح.
(2) رواه البيهقي عن زيد بن خالد، المشكاة (1992)، الترغيب (1078).
(3) أخرجه الترمذي (785 و 786) وحسنه وابن ماجة (1848) وابن خزيمة وابن حبان وأبو داود والحاكم، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1085).
(4) البقرة (261).
(5) آل عمران (134-136).(1/163)
وقال الله تعالى: { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروفٍ أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً } .(1)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: وفي هذا دليل على أن المصالح والمنافع إذا انتفع الناس بها كانت خيراً لصاحبها وإن لم ينو فإن نوى زاد خيراً على خير وآتاه الله تعالى من فضله أجراً عظيماً.أ.هـ.رياض الصالحين (3/235)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء".(2)
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير فقال: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل شعار الصالحين ثم تلا { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقوه } "(3).(4)
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ولهذا سميت الصدقة صدقة لدلالتها على صدق باذلها فالإنسان ينبغي له أن ينفق من أطايب ماله وينبغي له أن ينفق مما يحب حتى يصدق في تقديم ما يحبه الله عز وجل على ما تهواه نفسه.
ثم قال: والمال كله محبوب لكن بعضه أشد محبة من بعض فإذا أنفقت مما تحب كان ذلك دليلاً على أنك صادق ثم نلت بذلك مرتبة الأبرار. أ.هـ. شرح رياض الصالحين (5/186 و 187)
__________
(1) النساء (114).
(2) رواه الترمذي برقم (664) وابن حبان (816) موارد، والبغوي في شرح السنة (6/133) وغيرهم الإرواء (885)، المشكاة (1909).
(3) السجدة (16)
(4) رواه الترمذي، وابن ماجة برقم (2973)، صحيح الترغيب (868 و 983 و 2866).(1/164)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان، قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله! ما على أحدٍ يُدعى من تلك الأبواب من ضرورةٍ فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "نعم وأرجوا أن تكون منهم".(1)
(من أنفق زوجين) قال القاضي: قال الهروي في تفسير هذا الحديث: قيل ما زوجان؟ قال: فرسان أو بعيران، وقال ابن عرفة: كل شيء قرن بصاحبه فهو زوج يقال: زوجين من الإبل أنا قرنت بعيراً ببعير، وقيل درهم و دينار أو درهم وثوب، وقال: والزوج يقع على الاثنين ويقع على الواحد.
وقيل: إنما يقع على الواحد إذا كان معه آخر ويقع الزوج أيضا على الصنف، وفسر بقوله تعالى: { وكنتم أزواجاً ثلاثة } .
(فمن كان من أهل الصلاة الخ) قال النووي: قال العلماء: معناه من كان الغالب عليه في عمله وطاعته ذلك.
(دعي من باب الريان) قال العلماء: سمي باب الريان تنبيهاً على أن العطشان بالصوم في الهواجر سيروى، وعاقبته إليه وهو مشتق من الري.
(ما على أحد يدعى من تلك الأبواب من ضرورة) قال النووي: من ضرورة اسم ما. ومن زائدة استغراقية.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة برقم (3666)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1027).(1/165)
وعن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أنفق زوجين في سبيل الله! دعاه خَزَنةُ الجنةِ كل خَزَنَةِ بابٍ أي فُلُ! هَلُمَّ". فقال أبو بكر يا رسول الله! ذاك الذي لا تَوَى عليه. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إني لأرجوا أن تكون منهم".(1)
(أي فل هلم) بضم اللام وهو المشهور قال القاضي: معناه: أي فلان. مرخم ونقل إعراب الكلمة على إحدى اللغتين في الترخيم.
(لا توى عليه) أي: لا هلاك.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل".(2)وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يقول العبد: مالي، مالي. وإنما له من مالِهِ ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس".(3)
قوله: "فاقتنى" معناه: ادخره لآخرته، أي ادخر ثوابه.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟" قالوا: يا رسول الله! ما منا أحد إلا ماله أحب إليه. قال: "فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر".(4)
قوله: "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله" أي: إن الذي يخلفه الإنسان من المال، وإن كان هو في الحال منسوباً إليه، فإنه باعتبار انتقاله إلى وارثه يكون منسوباً للوارث، فنسبته للمالك في حياته حقيقية، ونسبته للوارث في حياة المورث مجازية، ومن بعد موته حقيقية. فتح الباري (11/260)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة.
(2) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2588).
(3) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2959).
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6442).(1/166)
وقوله: "فإن ماله ما قدم": هو الذي يضاف إليه في الحياة وبعد الموت، بخلاف المال الذي يخلفه. فتح الباري (11/260)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له".(1)
وعن أنس - رضي الله عنه - : عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله".(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير أحرص عل ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز".(3)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح لما خطب النساء يوم العيد: "يا معشر النساء! تصدقن ولو من حليكن فإني رأيتكن أكثر أهل النار".(4)
وعن أبي مسعود عقبة بن عامر الأنصاري البدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من دل على خير فله مثل أجر فاعله".(5)
وعن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله إن أمي ماتت فأي الصدقة أفضل؟ قال: الماء فحفر بئراً وقال: هذه لأم سعد".(6)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة".(7)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الوصية برقم (1631).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6514) ، ومسلم في كتاب الزهد والرقاق برقم (2960).
(3) أخرجه مسلم في كتاب القدر برقم (2664).
(4) أخرجه الترمذي (630 و 631 التحفة)، والحاكم (4/603)، الإرواء (190) ، المشكاة (1808).
(5) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1893).
(6) رواه أبو داود برقم (1681)، باب في فضل سقي الماء .
(7) متفق عليه.(1/167)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه اضمن له الجنة".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة".(2)
ورواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنه خُلِقَ كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله عزوجل وعزل حجراً عن طريق الناس أو شوكةً أو عظماً عن طريق الناس أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد الستين والثلاثمائة فإنه يمسي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار".(3)
(تعدل): تفصل بينهما وتحكم بالعدل.(متاعه): ما ينتفع به من طعام ولباس ونحوهما.(الكلمة الطيبة): ما تسر السامع وتؤلف القلوب.(زحزح): نحَّاها وباعدها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: قال العلماء من أهل الفقه والحديث: وعدد السلامي في كل إنسان ثلاثمائة وستون عضواً أو مفصلاً فعلى كل واحد من الناس أن يتصدق كل يوم تطلع فيه الشمس بثلاثمائة وستين صدقة ولكن الصدقة لا تختص بالمال بل كل ما يقرب إلى الله فهو صدقة بالمعنى العام لأن فعله يدل على صدق صاحبه في طلب رضوان الله عز وجل. أ.هـ. شرح رياض الصالحين (5/38-39)
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه مسلم برقم (1007).(1/168)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوت خصوم بالباب عاليةً أصواتهما وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويستر فقه في شئ وهو يقول: والله لا أفعل فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أين المتألي على الله لا يفعل المعروف؟" فقال: أنا يا رسول الله، فله أي ذلك أحب. (1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز ما من عامل يعمل بخصلةٍ منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله تعالى بها الجنة".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "بينما رجل في فلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة أسقِ حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقةٍ يحول الماء بمسحاته فقال له: يا عبد الله ما اسمك؟ قال له فلان للإسم الذي سمع في السحابة فقال له يا عبد الله أتسألني عن اسمي؟ قال: سمعت في السحاب الذي هذا ماؤه صوتاً يقول: اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها؟ قال: أما إذا قلت هذا فإني انظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثاً وأرد فيه ثلثه".(3)
الحديقة: البستان إذا كان عليه حائط.
والحرة: بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء أرض بها حجارة سود.
والشرجة: بفتح السين وإسكان الراء بعدها جيم هي مسيل الماء.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح برقم (2705) ومسلم في كتاب المساقاة برقم (1557).
(2) رواه البخاري (5/243 فتح).
(3) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (7398).(1/169)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل ويشرب من ماءٍ فيها طيَّب، قال أنس فلما نزلت هذه الآية: { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } (1) قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول: { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "بخ ذاك مال رابح بخ ذاك مال رباح".(2)
بير حاء بكسر الباء وفتحها وبالمد هي اسم لحديقة نخل كانت أبي طلحة - رضي الله عنه - .
بخ بخ قال ابن دريد:معناه:تعظيم الأمر وتفخيمه وقال غيره:تقال عند الإعجاب.
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم باصطناع المعروف فإنه يمنع مصارع السوء وعليكم بصدقة السر فإنها تطفئ غضب الرب عز وجل".(3)
__________
(1) آل عمران (92).
(2) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1461) وفي كتاب الوكالة (2318) وفي كتاب الوصايا (2752) وفي كتاب التفسير برقم (4554) ورواه مسلم في كتاب الزكاة برقم(2312).
(3) رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج، صحيح الجامع (3940).(1/170)
وعن أبي كبشة عمر بن سعد الأنماري - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ثلاثةٌ أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه ما نقص مال عبدٍ من صدقةٍ ولا ظلم عبدٌ مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزاً ولا فتح عبدٌ باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر أو كلمة نحوها وأحدثكم حديثاً فاحفظوه قال: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم الله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعلمت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء.
وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يتخبط في ماله بغير علم ولا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقاً فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مالاً لعلمت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء".(1)
(ثلاثة): أي ثلاث خصال.
(مظلمة): هي ما يطلبه عند الظالم وهي ما أخذ منك وهي نكرة تعم الظلم في النفس والمال والعرض.
(نفر): ما بين الثلاثة إلى العشرة.
(ويعلم لله فيه حقاً): سواء كان واجباً عينياً أو كفائياً أو مندوباً.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة".(2)
وعن حكم بن حزام - رضي الله عنه - : أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصدقات أيهما أفضل؟ قال: "على ذي الرحم الكاشح".(3)
(الكاشح) بالشين المعجمة: هو الذي يضمر عداوته في كشحه وهو خصره، ويعني أن أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه.
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) متفق عليه.
(3) رواه أحمد والطبراني وإسناد أحمد حسن، وقال الألباني: "صحيح لغيره"، الترغيب (893).(1/171)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان".(1)
وعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة".(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر له فغفر له" قالوا: يا رسول الله إن لنا في البهائم أجراً؟ فقال في كل كبدٍ رطبةٍ أجر".(3)
وفي رواية للبخاري: "فشكر الله له فأدخل الجنة".
وفي رواية لهما: "بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فاستقت له به فسقته فغفر لها به".
(الموق): الخف. (يطيف): يدور حول، و (ركيه): هي البئر.
(في كل ذات كبدٍ رطبةٍ أجر) الكبد الرطبة تحتاج إلى الماء لأنه لولا الماء ليبست وهلك الحيوان.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجر قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين".(4)
__________
(1) رواه أحمد بإسناد حسن، وقال الألباني: "حسن لغيره"، الترغيب (865).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6539) وفي كتاب التوحيد برقم (7443و 7512) ومسلم في كتاب الزكاة برقم (2345).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأدب برقم (6120) وفي كتاب الشرب والمساقاة برقم (2363) وفي كتاب المظالم برقم (2466)، ومسلم في كتاب السلام برقم (5820).
(4) أخرجه مسلم برقم (1914).(1/172)
وفي رواية: "مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال: والله لأنَحيَّنَ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأُدخل الجنة".(1)
(يتقلب): يتحول فيها من مكان لآخر يتنعم بملاذها.
(في شجرة): بسبب شجرة.
(ظهر الطريق): عن الطريق أو ما ظهر منه.
(لأنحين): لأزيلن.
وفي رواية لهما: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمنه وإن كانت تمرة فتربوا في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله".(2)
(فلوه) ولد الناقة أو الخيل.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (652) وفي كتاب المظالم برقم (2472) ومسلم في كتاب الإمارة برقم (4917) وفي كتاب الأدب برقم (6612).
(2) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة، صحيح الجامع (5476).(1/173)
وفي رواية: عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تصدق بعدل تمرةٍ من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمينهِ ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم مهره حتى إن اللقمة لتصير مثل أُحد وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى: { هو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات } ،(1) وقال تعالى: { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } ".(2)(3) وعنه رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال رجل لأتصدقن بصدقةٍ فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون تُصدق الليلة على سارق، فقال: اللهم لك الحمد على سارق، لأتصدقن بصدقةٍ فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية، قال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن بصدقةٍ فخرج فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على غني قال: اللهم لك الحمد على سارق وزانية وغني فأُتي فقيل له أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها وأما الغني فلعله أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله".(4)
وزاد مسلم : "فأُتي فقيل له أما صدقتك فقد قبلت".
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل معروف صنعتهُ إلى غني أو فقير فهو صدقة".(5)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - : "كف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك".(6)
وعن عقبة بن عامر: "كل امرئ في ظل صدقته؟ حتى يقضى بين الناس".(7)
__________
(1) التوبة (104).
(2) البقرة (276).
(3) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1410)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1014).
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه الخطيب في الجامع عن جابر، صحيح الجامع (4434)
(6) رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" عن أبي ذر، صحيح الجامع (4366).
(7) رواه أحمد والحاكم عن عقبة بن عامر، صحيح الجامع (4386).(1/174)
قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بإصبعه هكذا قي جيبه فلو رأيته يوسعها ولا تتسع".(1)
(الجُنة): الدرع، والتراقي جمع ترقوة بفتح التاء وهي العظم يكون بين ثغرة نحر الإنسان وعاتقه.
و(قلصت): بالتحريك أي: انجمعت.
و(الجيب): هو المكان الذي يخرج منه رأس الإنسان في الثوب وغيره.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من ستر مسلماً ستره الله تعالى في الدنيا والآخرة ومن نفس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسرٍ يسر الله تعالى حسابه".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: "أن تصدق وأنت صحيح شحيح الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان".(3)
(الحلقوم): مجرى النفس.
(المرئ): مجرى الطعام والشراب.
(بلغت الحلقوم): أي قاربت الروح بلوغ الحلقوم.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه له صدقة ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة".(4)
وفي رواية: "فلا يغرس المسلم غرساً فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة".(5)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب اللباس برقم (5797)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (2356).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6793).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة برقم(1419)ومسلم في كتاب الزكاة برقم(1032)(93).
(4) أخرجها البخاري في كتاب الحرث والمزارعة برقم (2320) ومسلم في كتاب المساقاة برقم (1552) و (1553) وهذه الروايات كلها من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه.
(5) المصدر السابق نفسه.(1/175)
وفي رواية: "لا يغرس المسلم غرساً ولا يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كان له صدقة إلى ".(1)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: "الإيمان بالله".
قلت: يا نبي الله! مع الإيمان عمل؟
قال: "أن ترضخ مما خولك الله أو ترضخ مما رزقك الله".
قلت: يا نبي الله! فإن كان فقيراً لا يجد ما يرضخ؟
قال: "يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر".
قلت: إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟
قال: "فليعن الأخرق".
قلت: يا رسول الله! أرأيت إن كان لا يحسن أن يصنع؟
قال: "فليعن مظلوماً".
قلت: يا رسول الله! أرأيت إن كان ضعيفاً لا يستطيع أن يعين مظلوماً؟
قال: "ما تريد أن تترك في صاحبك من خير؟! ليمسك أذاه عن الناس" قلت: يا رسول الله! أرأيت إن فعل هذا يدخل الجنة؟
قال: "ما من مؤمن يصيب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى أدخله الجنة".(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مُهرُه، حتى إنَّ اللقمة لتصير مثل أُحدٍ".(3)
وعن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله ليربي لأحدكم التمرة واللقمة كما يربي أحدكم فلوَّه أو فصيله حتى تكون مثل أُحدٍ".(4)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل امرئٍ في ظلِّ صدقتِه حتى يُقضى بين الناس".
__________
(1) المصدر السابق نفسه
(2) أخرجه البخاري (5/148 فتح).
(3) رواه الترمذي، وقال الألباني حرمه الله: "صحيح لغيره"، الترغيب (856).
(4) رواه الطبراني وابن حبان في "صحيحه" وأحمد في المسند (6/251) واللفظ له، ورواه البزار (1/441/931) من طريق أخرى عنها بنحوه، وصححه الألباني في الترغيب برقم (857).(1/176)
قال يزيد: فكان أبو مرثد لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة.(1)
وعن أبي جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: كنا في صدر النهار عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه قوم عراة مجتابي النمار أو العباءِ متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة } إلى آخر الآية { إن الله كان عليكم رقيباً } والاية الأخرى التي في آخر الحشر: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت } تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال ولو بشق تمرة" فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتهلل كأنه مذهبه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".(2)
مجتابي النمار: النمار جمع نمرة وهي كساء من صوف مخطط.
ومعنى مجتابيها: أي لابسيها قد خرقوها في رؤوسهم والجوب: القطع.
تمعر: أي تغير. الصرة: ما يوضع فيه الشيء ويربط عليه.
رأيت كومين: أي صرتين. يتهلل: يستنير ويضيء.
كأنه مذهبه بالذال المعجمة وفتح الهاء والباء الموحدة قاله القاضي عياض وغيره.
مذهبه: المراد به الصفاء والاستنارة، وزرها: الحمل الثقيل والإثم.
المراد بالسنة الحسنة ابتداء العمل بسنة وليس من أحدث.
__________
(1) رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحهما" والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (872).
(2) رواه مسلم برقم (1017)(1/177)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:وذلك لأن السنة في الإسلام ثلاثة أقسام:
سنة سيئة: وهي البدعة فهي سيئة وإن استحسنها من سنها لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "كل بدعة ضلالة". وسنة حسنة: وهي على نوعين:
النوع الأول: أن تكون السنة مشروعة ثم يترك العمل بها ثم يجددها من يجددها مثل قيام رمضان.
والنوع الثاني: من السنن الحسنة أن يكون الإنسان أول من يبادر إليها مثل حال الرجل الذي بادر بالصدقة حتى تتابع الناس ووافقوه على ما فعل.
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "عُرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمال الأذى يُماط عن الطريق ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن".(1)
الأذى: كل ما يضر بالمارة من حجر أو شوك أو غيره.
يماط: ينحى.
النخاعة: البزقة التي تخرج من أصل الفم ما يلي النخاع، والنخامة البزقة التي تخرج من أقصى الحلق مما يلي الصدر.
وعنه أن ناساً قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضل أموالهم قال: "أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به! إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة" قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر".(2)
الدثور: بالثاء المثلثة: الأموال واحدها: دثر.
فضول أموالهم: أموالهم الزائدة عن حاجتهم وكفايتهم.
بضع: الجماع أو الفرج وكلاهما تصح إرادته هنا . شهوته: لذته وما تشتاق إليه نفسه. في حرام: في الزنى. وزر: إثم وعقاب.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (1233).
(2) رواه مسلم برقم (1006).(1/178)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "أربع من عمل الأحياء تجري للأموات" وذكر منها "ورجل تصدق بصدقة جارية من بعده له أجرها ما جرت بعده ورجل علم علماً فعمل به من بعده له مثل أجر من عمل به من غير أن ينقص من أجر من يعمل به شيء".(1)
باب
ثواب العامل على الصدقة والخازن إذا كانا أمينين
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه قال: "الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما أمر به فيعطيه كاملاً موفراً طيبةً به نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين".(2)
الخازن: الذي جمع هذه الأوصاف الأربعة: المسلم الأمين الذي ينفذ ما أمر به طيبة بها نفسه.
الأمين: الذي أدى ما ائتمن عليه فحفظ المال ولم يفسده ولم يغز فيه ولم يتعد فيه الذي ينفذ ما أمر به يعني يفعله.
طيبة به نفسه: أي لا يمن على المعطي أو يظهر له فضلاً عليه بل يعطيه طيبة به نفسه. يكون أحد المتصدقين مع أنه لم يدفع من ماله بشيء.
وعن رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "العامل على الصدقة بالحق لوجه الله عز وجل كالغازي في سبيل الله تعالى حتى يرجع إلى أهله".(3)
باب
الإيثار والمواساة
قال الله تعالى: { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } .(4)
وقال تعالى: { ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً } .(5)
__________
(1) صحيح الجامع (1/372).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1438) ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1023).
(3) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن خزيمة، صحيح ابن خزيمة (2334) المشكاة (1785)، وقال الألباني: "صحيح" في الترغيب برقم (773).
(4) سورة الحشر (9).
(5) سورة الإنسان (8)(1/179)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ثم أرسل إلى الأخرى فقالت: مثل ذلك حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من يضيف هذا الليلة؟" فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله فانطلق به إلى رحله فقال لإمرأته أكرمي ضيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وفي رواية قال: لإمراته: هل عندك شيء؟ فقالت: لا إلا قوت صبياني قال: علليهم بشيء وإذا أرادوا العشاء فنوميهم وإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين فلما أصبح غدا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لقد عجب الله من صنعيكما بضيفكا الليلة".(1)
مجهود: أصابني الجهد وهو المشقة وسوء العيش والجوع.
رحله: مأواه في الحضر ثم أطلق على أمتعة المسافر لأنها مأواه.
إلا قوت صبياني: ما يعتادون الاقتيات به على عادتهم من الولع بالطعام.
فعلليهم: أشغليهم بشيء غير هذا الطعام.
وأريهُ أنا نأكل: أظهرية له بتحريك الأيدي على الطعام وتحريك الفم والمضغ.
طاويين: جائعين.
وغدا: جاء صباحاً.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار برقم (3798) وفي كتاب التفسير برقم (4889)، وأخرجه مسلم في كتاب الأشربة برقم (5327).(1/180)
عن معاذ - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله! أخبرني بعملٍ يدخلني الجنة وبياعدني من النار؟ قال: "لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت" ثم قال: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة والصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل من جوف الليل ثم تلا { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } حتى بلغ { يعلمون } ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه" قلت: بلى يا رسول الله قال: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله"؟ قلت: بلى يا رسول الله فأخذ بلسانه قال: "كف عليك هذا" قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما تتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتكم".(1)
جُنة: وقاية وستر من النار. جوف الليل: وسطه، وتتجافى: تتباعد.
المضاجع: المفارش والمراقد. ذروة: أعلى الشيء.
السنام: ما ارتفع من ظهر الجمل.
ملاك: إحكام الشيء. كف: امتنع.
ثكلتك أمك: فقدتك وهو دعاء عليه بالموت ظاهره ولا يراد وقوعه لأنه من الألفاظ التي تجري على ألسنتهم.
يكب: يصرعه على وجهه.
عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم".(2)
الكرب: هو الأمر الذي يشق على الإنسان ويملأ صدره غيظاً.
باب
ثواب صدقة السر
__________
(1) أخرجه الترمذي برقم (2616) وابن ماجة برقم (3973) وأحمد (5/231)، صحيح الترغيب برقم (2866).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6345) وفي كتاب التوحيد برقم (7426) وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6858).(1/181)
قال الله تعالى: { إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير } .(1)
وقال تعالى: { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } .(2)
قيل نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يكن معه إلا أربعة دارهم فتصدق بدرهم ليلاً وبدرهم نهاراً وبدرهم سراً وبدرهم علانية.
وتقدم حديث أبي هريرة: "سبعة يظلهم الله في ظله، منهم رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".(3)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صنائع المعروف تقي مصارع السوء وصدقة السر تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر".(4)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم الله فأما الذين يحبهم الله عز وجل فرجل أتى قوماً فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فمنعوه فتخلف رجل بأعقابهم فأعطاه سراً لا يعلم بعطيته إلا الله والذي أعطاه وقم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به وضعوا رؤوسهم فقام يتملقني ويتلوا آياتي ورجل كان في سربة فلقي العدو فهزموا فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له والثلاثة الذين يبعضهم الله الشيخ الزاني المختال والغني الظلوم".(5)
__________
(1) البقرة (271).
(2) البقرة (274).
(3) سبق تخريجه.
(4) قال مجمع الزوائدج (3/115) (رواه الطبراني في "الكبير" وإسناده حسن)، وحسنه الألباني في الترغيب (889).
(5) رواه أبو داود وهذا لفظه والترمذي وصححه والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح الإسناد" المشكاة (1922).(1/182)
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقةُ خَفيّاً تُطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ...". (1)
وعن معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن صدقة السر تُطفئ غضب الرب تبارك وتعالى".(2)
باب
ثواب الصدقة على الزوج والأقارب
قال الله تعالى: { فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون } .(3)
وقال تعالى: { ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى } إلى قوله تعالى: { أولئك الذين صدقوا } .(4)
وقال الله تعالى: { وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم } .(5)
__________
(1) رواه الطبراني في "الأوسط" وحسنه الألباني في الترغيب برقم (890).
(2) رواه الطبراني في "الكبير" وفيه صدقة بن عبد الله السمين، ولا بأس به في الشواهد، صحيح الترغيب (888)
(3) سورة الروم (38).
(4) سورة البقرة (177).
(5) البقرة (273).(1/183)
وعن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وعنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تصدقن يا معشر النساء ولو من حُليكن" قالت: فرجعت إلى عبد الله بن مسعود فقلت له: إنك رجل خفيف ذات اليد وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمرنا بالصدقة فأتِهِ فسأله فإن كان ذلك يجزئ عني وإلا صرفتها إلى غيركم فقال عبد الله بل إئتيه أنتِ فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجتي حاجتها وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أُلقيت عليه المهابة فخرج علينا بلال فقلنا له: أئتِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك: أتجزئ الصدقة عنها على أزواجها وعلى أيتام في حجورها؟ ولا تخبره من نحن فدخل بلال على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من هما؟" قال: امرأة من الأنصار وزينب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "وأي الزيانب هي؟" قال: امرأة عبد الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة".(1)
(خفيف ذات اليد): قليل المال.
(المهابة): الهيبة والإجلال.
(في حجورهما): في ولايتهما.
في الحديث من الثواب والأجر أن الصدقة على الأقارب لها أجران صلة وقرابة.
وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها مما أنفقت ولزوجها أجره بما أكتسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً".(2)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الهبة برقم (1466)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (2315).
(2) رواه البخاري ومسلم.(1/184)
وعن سلمان بن عامر - رضي الله عنه - : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة".(1)
وفي رواية عند ابن خزيمة قال: "الصدقة على المسكين صدقة وعلى القريب صدقتان صدقة وصلة".(2)
وعن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح".(3)
(الكاشح): هو المضمر العداوة والمقاطعة في كشحه وهو خصره.
يعني: أن أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه.
باب
ثواب القرض
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كانت كصدقتها مرة".(4)
ورواه الطبراني مختصراً قال: "كل قرض صدقة".
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من منح منيحة لبن أو ورق أو هدى زُفاقاً كان له مثلُ عِتقِ رَقَبَة".(5)
قوله: "منح منيحة ورق" إنما يعني به قرض الدرهم.
قوله: "أو هدى زُفاقاً" يعني به هداية الطريق وهو إرشاد السبيل.
__________
(1) رواه الترمذي، وحسنه والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه الألباني في الترغيب برقم(892).
(2) صححه العلامة الألباني في صحيح ابن خزيمة (2867) والمشكاة (1939)، الترغيب(892).
(3) رواه الطبراني وابن خزيمة والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وقال الألباني صحيح، الترغيب برقم (894)، والإرواء (892).
(4) رواه ابن ماجة وابن حبان في "صحيحه" والبيهقي مرفوعاً وموقوفاً، وقال الألباني: "صحيح لغيره"، الترغيب برقم (901).
(5) رواه أحمد والترمذي واللفظ له وابن حبان في "صحيحه" وقال الترمذي (حديث حسن صحيح)، وصححه الألباني، الترغيب برقم (898).(1/185)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "دخل رجل الجنة فرأى مكتوباً على بابها الصدقة بعشرِ أمثالها والقرضُ بثمانية عشر".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يَسَّرَ على معسرٍ يسَّرَ الله عليه في الدنيا والآخرة".(2)
باب
ثواب من يسر على معسرٍ أو أنظره أو وضع عنه
قال الله تعالى: { وإن كان ذو عسرةٍ فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون } .(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أنظر معسراً أو وضع له أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله".(4)
وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أنظر معسراً فله كل يوم مثله صدقة" ثم سمعته يقول: "من أنظر معسراً فله كل يوم مثليه صدقة". فقلت: يا رسول الله! سمعتك تقول: "من أنظر معسراً فله كل يوم مثله صدقة" ثم سمعتك تقول: "من أنظر معسراً فله كل يوم مثليه صدقة" قال له : "بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل فأنظره فله كل يوم مثليه صدقة".(5)
وفي رواية: "من أنظر معسراً فله كل يوم صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين فأنظره بعد ذلك فله كل يوم مثليه صدقة".(6)
__________
(1) رواه الطبراني والبيهقي كلاهما من رواية عتبة بن حميد، وحسنه العلامة الألباني، الترغيب برقم (900).
(2) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2699).
(3) البقرة (280).
(4) رواه الترمذي برقم (1306)، وصححه الألباني، الترغيب برقم (909).
(5) رواه أحمد واللفظ له ورجاله رجال الصحيح وابن ماجة والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، الصحيحة (86) المشكاة (1438)، الإرواء (1438) والترغيب (907) وقال الألباني: "صحيح".
(6) المصدر السابق.(1/186)
وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - : أنه طلب غريماً له فتوارى عنه ثم وجده فقال: إني معسر: قال: آلله؟ قال: الله قال: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسرٍ أو يضع له".(1)
(آلله، الله) الأول بهمزة ممدودة على الاستفاهم أي: بالله والثاني بلا مد والهاء منهما مكسورة.
وعن أبي اليسر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله".(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والأخرة". (3)
وعن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبل فقالوا: أعملت من الخير شيئاً؟ قال: لا قالوا تذكرْ قال: كنت أداين الناس فأمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر قال: قال الله عز وجل تجاوزوا عنه".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يتقاضاهُ فأغظ له فهمّ أصحابه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً"، ثم قال "أعطوه سناً مثل سنه" قالوا يا رسول الله! لا نجد إلا مثل سنه قال: "أعطوه فإن خيركم أحسنكم قضاء".(5)
(يتقاضاه): يطلب منه قضاء ماله عنده.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب المساقاة برقم (3976) وغيره.
(2) رواه مسلم في "صحيحه" في كتاب المساقاة برقم (1563).
(3) رواه ابن ماجة عن أبي هريرة، صحيح الجامع (6490).
(4) أخرجه البخاري في كتاب البيوع برقم (2077) وفي كتاب الاستقراض (2391) وفي كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3451)، ومسلم في المساقاة برقم (3969).
(5) أخرجه البخاري (4/482 فتح)، ومسلم برقم (1601).(1/187)
وعن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى".(1)
(سمحاً): سهلاً.
وعن حذيفة قال: "رجل لقي ربه قال: ما عملت؟ قال: ما عملت من الخير إلا أني كنت رجلاً ذا مال فكنت أطالب به الناس فكنت أقبل الميسور وأتجاوز عن المعسور فقال: تجاوزوا عن عبدي".(2)
قال أبو مسعود: هكذا سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول.
وعن أبي قتادة - صلى الله عليه وسلم - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسرٍ أو يضع عنه".(3)
من سره: أفرحه وأدخل على نفسه السرور.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن رجلاً لم يعمل خيراً قط، وكان يداين الناس، فيقول لرسوله: خذ ما تيسر واترك ما عسُر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا فلما هلك قال الله له: هل عملت خيراً قط؟ قال: لا، إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس فإذا بعثه يتقاضى قلت له: خذ ما تيسر واترك ما عَسُر وتجاوز، لعل الله يتجاوز عنا. قال الله تعالى: قد تجاوز عنك".(4)
__________
(1) رواه البخاري (4/306 فتح).
(2) أخرجه البخاري في كتاب البيوع برقم (2077) وفي كتاب الاستقراض برقم (2391) وفي أحاديث الأنبياء برقم (3451) وأخرجه مسلم في المساقاة برقم (3970).
(3) أخرجه مسلم برقم (1563) وغيره.
(4) أخرجه البخاري ومسلم.(1/188)
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا: أعملت من الخير شيئاً؟ قال: لا قالوا تذكَّر قال: كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر قال: قال الله عز وجل تجوزوا عنه".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان رجل يداين الناس وكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسراً فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فلقي الله فتجاوَز عنه".(2)
وعن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسراً وكان يأمر غِلمانه أن يتجاوز عن المعسر قال الله عز وجل نحن أحق بذلك منه تجاوزاً عنه".(3)
يخالط الناس: يعاملهم بالبيوع والمداينة.
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: "أتى الله تعالى بعبدٍ من عباده آتاه مالاً فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟ قال –ولا يكتمون الله حديثاً- قال يا رب آتيتني مالك فكنت أبايع الناس وكان خلقي الجواز فكنت أتيسر على الموسر وأنظر المعسر. فقال الله تعالى:أنا أحق بذلك منك تجاوزوا عن عبدي" فقال عقبة بن عامر وأبو مسعود الأنصاري رضي الله عنهما: هكذا سمعناه من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(4)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب البيوع برقم (2077) وفي كتاب الاستقراض برقم (2391) وفي كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3451)، ومسلم في المساقاة برقم (3969).
(2) أخرجه البخاري في كتاب البيوع برقم (2078) وفي كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3480) ومسلم في كتاب المساقاة برقم (3974).
(3) رواه مسلم في كتاب المساقاة برقم (3973)، والترمذي.
(4) رواه مسلم في كتاب المساقاة برقم (3972) هكذا موقوفاً على حذيفة ومرفوعاً عن عقبة وأبي مسعود.(1/189)
وعن حذيفة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أن رجلاً مات فدخل الجنة فقيل له: ما كنت تعمل؟ قال: فإما ذَكَرَ وإما ذُكِّر فقال: إني كنت أبايع الناس فكنت أنظر المعسر وأتجوز في السكة أو في النقد فَغُفِر له" فقال أبو مسعود وأنا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(1)
باب
ثواب الإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله وتوكلاً عليه
قال الله تعالى: { ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم } إلى قوله: { أولئك على هدىً من ربهم وأولئك هم المفلحون } .(2)
وقال تعالى: { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين } .(3)
وقال تعالى: { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارةً لن تبور } .(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله تعالى أنفق عليك وقال يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما بيده وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع".(5)
(لا يغيضها): أي لا نيقصها.
وعن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أنفق الرجل على أهله نفقةٌ يحتسبها فهي له صدقة".(6)
(يحتسبها): يقصد بها وجه الله ويرجو ثوابه.
الإنفاق على الأهل والأولاد يحصل له الأجر والثواب.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب البيوع برقم (2077) وفي كتاب الاستقراض برقم (2391) وفي كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3451) ومسلم في المساقاة برقم (3971).
(2) سورة البقرة (1-5).
(3) سورة سبأ (39).
(4) سورة فاطر (29).
(5) رواه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7411)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (993).
(6) أخرجه البخاري (1/136 فتح)، ومسلم برقم (1002).(1/190)
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - في حديثه الطويل الذي قدمناه في باب النية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: "وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل فيّ في إمرأتك".(1)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: أنتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال: "هم الأخسرون ورب الكعبة" قال: فجئت حتى جلست فلم أتقار أن قمت فقلت: يا رسول الله فداك أبي وأمي من هم؟ قال: "هم الأكثرون أموالاً إلا من قال هكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم".(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الإستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار" قالت امرأة منهن جزلة: ومالنا أكثر أهل النار؟ قال: "تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن" قالت: ما نقصان العقل والدين؟ قال: "شهادة امرأتين بشهادة رجل وتمكث الأيام لا تصلي".(3)
تكفرن العشير: تجحدن حق الزوج؟
جزلة: بفتح الجيم وإسكان الزاي أي: ذات عقل ورأي.
لذي لب: لصاحب عقل.
العشير: بفتح العين وكسر الشين وهو في الأصل المعاشرة مطلقاً والمراد هنا الزوج.
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (238) وأبو داود في كتاب السنة برقم (4679) وابن ماجة في الفتن برقم (4003).(1/191)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - : أن ناساً قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: "أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة" قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر".(1)
وعن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: سبحان العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة".(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا وأما المؤمن فإن الله تعالى يدخر له حسناته في الآخرة ويعقبه رزقاً في الدنيا على طاعته".
وفي رواية: "إن الله لا يظلم مؤمناً حسنةً يعطي بها في الدنيا ويجزئ بها في الأخرة وأما الكافر فيطعم بحسناته ما عمل لله تعالى في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزي بها".(3)
وعن معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن صدقة السر تُطفئ غضب الرب تبارك وتعالى".(4)
__________
(1) رواه مسلم برقم (1006).
(2) رواه الترمذي وحسنه و النسائي وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، الصحيحة (64)، المشكاة (2304).
(3) رواه مسلم في كتاب صفات المنافقين برقم (7020).
(4) رواه الطبراني في "الكبير"، وقال الألباني: حسن لغيره، الترغيب (888)، "والسلسلة الصحيحة" (1908).(1/192)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً".(1)
خلفاً: أخلفه خيراً فيما أنفق وبارك له.
تلفاً: أهلك ما كنزه ومنعه عن مستحقيه.
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار".(2)
الحسد: هنا يراد به الغِبطة وهو تمني مثل ما للمحسود، فإن تمني زوال تلك النعمة كان حسداً حراماً.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت أو وفرت على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثرهُ، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقةٍ مكانها فهو يُوسعها فلا تتسع".(3)
(الجنة): الدرع ومعناه: أن المنفق كلما أنفق سبغت وطالتْ حتى تجر وراءه وتخفي رجليه وأثر مشيه وخطواته.
تراقيهما: جمع ترقوة وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق من الجانبين.
(سبغت): امتدت وغطت.
(وفرت): أتمت وكملت.
(بنانه): الاصبع.
(تعفو أثره): تغطي أثره وتستره حتى لا يظهر.
(لزقت): انقبضت.
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف وابدأ بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلى".(4)
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1442)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1010).
(2) سبق تخرجيه.
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (1036).(1/193)
الفضل): ما زاد على قدر الحاجة، و (الكفاف): ما كف عن الحاجة إلى الناس مع القناعة ولم يزد على قدر الحاجة.
وعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنيه الله".(1)
(بِمن تعول): من زوجة أو أهل أو فرع محتاج أو خادم.
(خير): أفضل.
(ظهر غنى): غير محتاج إليه.
(يستعف): يكف عن سؤال الناس.
(يستغن): يظهر الغنى.
وعن عائشة رضي الله عنها أنهم ذبحوا شاة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما بقي منها؟" قالت: ما بقي منها إلا كتفها قال: "بقي كلها غير كتفها".(2)
معناه: تصدقوا بها إلا كتفها فقال: بقيت لنا في الآخرة إلا كتفها.
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا توكي فيوكي عليك".
وفي رواية: "أنفقي وأنضحي أو انضخي ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي الله عليك".(3)
(لا توكي): لا تدخري وتشدي ما عندك وتمنعي ما في يدك.
(فيوكي): فيقطع.
(ولا تحصي): لا تمسكي المال وتعديه وتدخريه من غير انفاق.
(فيحصي الله عليك): يمسك عنك الرزق ويناقشك الحساب يوم القيامة.
(ولا توعي): تمنعي ما فضل عنك.
(فيوعي الله عليك): يصيبك الله بالتشدد ويمنع عنك فضله وجوده.
باب
ثواب صدقة الفطر
__________
(1) أخرجه البخاري (3/284 فتح) ومسلم (1034).
(2) أخرجه الترمذي برقم (2470)، المشكاة (1919).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة (1433) وفي كتاب الهبة (2590)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (2372).(1/194)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات. (1)
قال الخطابي رحمه الله: قوله: (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر).
فيه بيان أن صدقة الفطر فرض واجب، كافتراض الزكاة الواجبة في الأموال، وفيه بيان أن ما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كما فرض الله، لأن طاعته صادرة عن طاعة الله، وقد قال بفريضة زكاة الفطر ووجوبها عامة أهل العلم. وقد عللت بأنها طهرة للصائم من الرفث واللغو، فهي واجبة على كل صائم في ذي جِدَّةٍ، أو فقير يجدها فضلاً عما قوته، إذ كان وجوبها لعلة التطهير، وكل الصائمين محتاجون إليها، فإذا اشتركوا في العلة اشتركوا في الوجوب.أ.هـ. (2)
وقال الحافظ أبو بكر بن المنذر: "أجمع عوام أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض، وممن حفظنا ذلك عنه من أهل العلم محمد بن سيرين، وأبو العالية، والضحاك، وعطاء، ومالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأحمد، وإسحاق"، وأصحاب الرأي، وقال إسحاق: هو كالإجماع من أهل العلم".أ.هـ.
علماً إن زكاة الفطر تكون إطعام وليس أموال للأدلة الواردة ولا يوجد دليل على إعطائها أموال، ومن الغريب نجد من يقول بأنها أموال، وقد أفتى بعض أهل العلم على أن زكاة الفطر إذا خرجت أموال لا تجزئ وتكون صدقة إلا إذا أخرجها طعام.
قال الإمام مالك رحمه الله في المدونة: "ولا يجزئ أن يجعل الرجل مكان زكاة الفطر عرضا من العرض قال وليس كذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ".
__________
(1) رواه أبو داود وابن ماجة، والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1085).
(2) "معالم السنن" (3/214).(1/195)
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم: "ولا يؤدي ما يخرجه من الحب لا يؤدي إلا الحب نفسه لا يؤدي سويقاً ولا دقيقاً ولا يؤدي قيمته ولا يؤدي أهل البادية من شيء يقتاتونه من الغث والحنظل وغيره من ثمره لا تجوز في زكاة ويكلفون أن يؤدوا من قوت أقرب البلاد إليهم".
وقال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: "ولم يجز عامة الفقهاء إخراج القيمة".
وقال ابن قدامة المقدسي في المغني: "ومن أعطى القيمة لم يجزؤه، قال أبو داود: (قيل لأحمد وأنا أسمع أعطي دراهم -يعني في صدقة الفطر- قال أخاف أن لا يجزؤه خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".
باب
ثواب أداء الزكاة
قال الله تعالى: { إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } .(1)
وقال تعالى: { والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجراً عظيماً } .(2)
وقال تعالى: { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } .(3)
وقال تعالى: { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون } .(4)
وقال تعالى: { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون } إلى قوله تعالى: { أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون } .(5)
وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - : أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أخبرني بعمل يدخلني الجنة؟ قال: "تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم".(6)
__________
(1) البقرة (277).
(2) النساء (162).
(3) التوبة (103).
(4) الأعراف (156).
(5) المؤمنون (1-11).
(6) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1396)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (106).(1/196)
و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن أعرابياً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال: "تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان" قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا، فلما ولى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا".(1)
وعن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قالا: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "والذي نفسي بيده ثلاث مرات" ثم أكب كل رجل منا يبكي لا يدري على ماذا حلف ثم رفع رأسه وفي وجهه البشرى وكانت أحب إلينا من حمر النعم، قال: "ما من عبدٍ يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزكاة ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة وقيل له: ادخل بسلام".(2)
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال: "لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت".(3)
باب
ثواب الكرم والجود والإنفاق
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله تعالى: أنفق يا ابن آدم ينفق عليك".(4)
أنفق: أنفق المال في وجوه الخير.
ينفق عليك: يوسع عليك ويأتيك عوض ما تنفقه ويبارك لك فيه.
الإنفاق سبب لسعة الرزق.
باب
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1396) وفي كتاب الآدب برقم (5982) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (106).
(2) رواه النسائي واللفظ له، وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح الإسناد".
(3) رواه أحمد والترمذي وصححه النسائي وابن ماجة، المشكاة (29)، وقال الألباني: صحيح لغيره، الترغيب (739).
(4) رواه البخاري (8/352 فتح) ومسلم (993).(1/197)
ثواب إطعام الطعام لوجه الله تعالى
قال الله تعالى: { ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرةً وسروراً } إلى قوله تعالى: { إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكوراً } .(1)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف".(2)
أي الإسلام: أي خصاله.
تطعم الطعام: على وجه الصدقة أو الهدية أو الضيافة، ونحو ذلك.
وتقرأ السلام: تفشي السلام.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سروراً، أو تقضي عنه ديناً، أو تطعمه خبزاً".(3)
وعن ابي مالك الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم
الطعام وأفشى السلام وصلى والناس نيام".(4)
__________
(1) سبق تخريجها.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان برقم (12) و (28) وفي كتاب الاستئذان برقم (5882) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (159).
(3) رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج، والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة، وابن عدي عن ابن عمر، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1096).
(4) سبق تخريجه.(1/198)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أصبح منكم اليوم صائماً" فقال أبو بكر رضي عنه الله أنا فقال: "من أطعم منكم اليوم مسكيناً" فقال أبو بكر أنا فقال: "من تبع منكم اليوم جنازة" فقال أبو بكر أنا، فقال: "من عاد منكم اليوم مريضاً" قال ابو بكر أنا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجل في يومٍ إلا دخل الجنة".(1)
ابن آدم مرضت فلم تعدني قال" يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا بان آدم استقيتك فلم تسقني قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي".(2)
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اعبدوا الرحمن وأطعموا الطعام وأفشوا السلام تدخلوا الجنة بسلام".(3)
وعنه أيضاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها" فقال أبو مالك الأشعري: لمن هذا يا رسول الله؟ قال: "لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناسُ نيامُ".(4)
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يُربيها لصاحبها كما يُربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل أو أعظم".(5)
__________
(1) رواه مسلم في "صحيحه" في موضعين منه (3/92 و 7/110).
(2) رواه مسلم.
(3) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (945).
(4) سبق تخريجه.
(5) سبق تخريجه.(1/199)
الفلو: بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو ويقال أيضاً: بكسر الفاء وإسكان اللام، وتخفيف الواو: وهو المهر.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما تصدق أحد بصدقةٍ من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله".(1)
وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينما رجل يمشي بفلاةٍ من الأرض فسمع صوتاً في سحابةٍ اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب فأخرج ماءه في مرةٍ فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت".
???????
قال الله تعالى: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنيٌ عن العالمين } .(2)
وقال تعالى: { وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } .(3)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور".(4)
المبرور: المقبول لأنه لم يخالطه شيء من الإثم ولم يقع فيه معصية.
وقد جاء من حديث جابر مرفوعاً: "إن بِرَّ الحج إطعام الطعام وطيب الكلام".
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفضل الأعمال الإيمان بالله وحده ثم الجهاد ثم حجة مبرورة، تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس ومغربها".(5)
وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "جهاد الكبير والضعيف والمرأة الحج والعمرة".(6)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) آل عمران (97).
(3) البقرة (125).
(4) أخرجه البخاري في الإيمان برقم (26) وفي كتاب الحج برقم (1447) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (244).
(5) رواه ابن حبان وأحمد في مسنده عن ماعز، وصححه الألباني، صحيح الجامع (1104) الترغيب (1103).
(6) رواه النسائي، وقال الألباني: "حسن لغيره"، الترغيب (1100).(1/200)
و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه"(1).
ورواه الترمذي إلا أنه قال: "غفر له ما تقدم من ذنبه".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".(2)
الرفث : الجماع ، ويطلق على التعريض به وعلى الفحش في القول وهو أسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة .
الحج المبرور من مكفرات الذنوب والخطايا .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه".(3)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".(5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الحج برقم (152) ومسلم في كتاب الحج برقم (1350).
(2) أخرجه البخاري (3/382 فتح) ومسلم (1350).
(3) أخرجه البخاري في كتاب المحصر برقم (1819) و (1820) ومسلم في كتاب الحج برقم (3278)
(4) رواه الطبراني ، قال في المجمع (4/17): "رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح".
(5) أخرجه البخاري في كتاب العمرة برقم (1773) ومسلم في كتاب الحج برقم (3276).(1/201)
و عن ابن شماسة المهري، قال: "حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت فبكى طويلاً وحوله وجهه إلى الجدار فجعل ابنه يقول: يا أبتاه أما بشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا؟ أما بشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا؟ قال: فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إني قد كنت على أطباق ثلاث لقد رأيتني وما أحد أشد بغضاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني ولا أحب إلي أن أكون قد استمكنت منه فقتلته فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: أبسط يمينك فلأُبايعك فبسط يمينه قال: فقبضت يدي قال: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ وما كان أحد أحب إلي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أجلُ في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له ولو سُئلت أن أصفه ما أطقت لأن لم أكن أملأ عيني منه، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة ثم ولينا أ شياء ما أدري ما حالي فيها فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار فإذا دفنتموني فشنوا عليَّ التراب شناً ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جذور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ما ذا أراجع به رسل ربي".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من خرج حاجاً فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة ومن خرج معتمراً فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ومن خرج غازياً فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة".(2)
__________
(1) أخرجه مسلم برقم (317).
(2) رواه أبو يعلى من رواية محمد بن إسحاق وبقية رواته ثقات، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب برقم (1114).(1/202)
وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني جبان وإني ضعيف. قال: "هلم إلى جهاد لا شوكَةَ فيه الحج".(1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ فقال: "لكن أفضل الجهاد حج مبرور".(2)
نرى: نعتقد، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" ولفظه: قالت: قلت يا رسول الله! هل على النساء من جهاد؟ قال: "عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة".(3)
وعن عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: "أن يسلم قلبك وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك" قال: فأي الإسلام افضل قال: "الإيمان" قال: وما الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت" قال: فأي الإيمان أفضل؟ قال: "الهجرة" قال وما الهجرة؟ قال: "أن تهجر السوء" قال: فأي الهجرة أفضل قال: "الجهاد" قال: وما الجهاد؟ قال: "أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم" قال: فأي الجهاد أفضل قال: "من عقر جواد وأهريق دمه" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "وثم عملان هما أفضل الأعمال إلا من عمل بمثلهما حجة مبرورة أو عمرة مبرورة".(4)
وعن ماعز - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله وحده ثم حجة مبرورة تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس إلى مغربها".(5)
__________
(1) رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط" ورواته ثقات وقد أخرجه عبد الرزاق أيضاً، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1098).
(2) أخرجه البخاري (3/381 فتح) .
(3) صححه الألباني رحمه الله في الترغيب برقم (1099).
(4) رواه الإمام أحمد، قال في المجمع (3/207): (رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح).
(5) رواه أحمد بإسناد جيد قال في المجمع (3/207): (رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح)، وصححه الألباني، الترغيب (1103).(1/203)
وعنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من يوم أكثر من ان يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنوا ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء".(1)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الحجاج والعمار وفد الله إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم".(3)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عمرة في رمضان تعدل حجةً أو حجة معي".(4)
ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام، فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك يكتب الله لك بها حسنة ويمحوا عنك بها سيئة وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول هؤلاء عبادي جاؤوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون ويخافون عذابي ولم يروني فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثل رمل عالج أو مثل أيام الدنيا أو مثل قطر السماء ذنوبا غسلها الله عنك وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك".(5)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج برقم (2275).
(2) رواه الترمذي وحسنه وابن خزيمة وابن حبان، وصححه الألباني، المشكاة (2524، 2525) الصحيحة (1200)، الترغيب (1105).
(3) رواه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان.
(4) أخرجه البخاري (3/603 فتح) ومسلم (222)، (1256).
(5) رواه الطبراني في "الكبير" عن ابن عمر، صحيح الجامع (1373).(1/204)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي ركباً بالروحاء فقال: "من القوم"؟ قالوا: المسلمون قالوا: من أنت؟ قال: "رسول الله" فرفعت امرأة صبيا فقال: ألهذا حج؟ قال: "نعم ولك أجر".(1)
الروحاء: موضع من عمل الفرع بينها وبين المدينة ستة وثلاثين ميلاً.
للصبي أجر حج ولأمه مثل أجره لأنها سبب ذلك فالدال على الخير كفاعله.
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم".(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الغازي في سبيل الله، والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم".(3)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "استمتعوا بهذا البيت فقد هُدم مرتين ويُرفع في الثالثة".(4)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما ترفعُ إبلُ الحاجِّ رِجْلاً، ولا تضعُ يَداً، إلا كَتَبَ الله له بها حسنةً أو محا عنه سيئةً، أو رفعه بها درجةً".(5)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج برقم (3240).
(2) رواه البزار، وقال الألباني: "حسن لغيره"، الترغيب (1107).
(3) رواه ابن ماجة واللفظ له وابن حبان في "صحيحه" كلاهما من رواية عمران بن عيينة عن عطاء بن السائب، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1108).
(4) رواه البزار والطبراني في "الكبير" وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحهما" والحاكم وقال: "صحيح الإسناد" وصححه الألباني في الترغيب برقم (1110).
(5) أخرجه البيهقي في "الشعب" (3/479)، وابن حبان في "صحيحه" وحسنه الألباني رحمه الله، الترغيب (1106).(1/205)
وعن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأنصاري الثقفي: "فإن لك من الأجر إذا أممت البيت العتيق أن لا ترفع قدماً أو تضعها أنت ودابتك إلا كُتِبتْ لك حسنة ورُفِعَتْ لك درجة، وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل يقول لملائكته: يا ملائكتي! ما جاء بعبادي؟ قالوا: جاؤا يلتمسون رضوانك والجنة. فيقول الله عز وجل: فإني أشهِدُ نفسي وخَلقي أني قد غفرت لهم ولو كانت ذنوبهم عدد أيام الدهر وعدد رمل عالج، وأما رميك الجمار قال الله عز وجل: "فلا تعلم نفس ما أُخفِيَ لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون".
وأما حلقُك رأسَك فإنه ليس من شعرك شعرةٌ تقع في الأرض إلا كانت لك نوراً يوم القيامة، وأما طوافك بالبيت إذا ودَّعتَ فإنك تخرُج من ذنوبك كيومَ ولدتك أمُّك".(1)
باب
ثواب من اعتمر في رمضان
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عمرة في رمضان تعدل حجة أو حجة معي".(2)
وعن أم معقل رضي الله عنها: أنها قالت يا رسول الله إني امرأة قد كبرت وسقمت فهل من عمل يجزي عني من حجتي قال: "عمرة في رمضان تعدل حجة".(3)
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" باختصار إلا أنه قال: "إن الحج والعمرة في سبيل الله وإن عمرةً في رمضانَ تعدلُ حجةً أو تجزي حَجةً".
__________
(1) رواه الطبراني في "الأوسط" وحسنه الألباني في الترغيب (1113).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه أبو داود واللفظ له والترمذي وحسنه والنسائي وابن خزيمة، الإرواء (869، 1587)، صحيح الترغيب (2/16).(1/206)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لامرأة من الأنصار يقال لها أم سنان: "ما منعك أن تحجي معنا؟" قالت: لم يكن لنا إلا ناضحان فحجَّ أبو ولدها وابنُها على ناضحٍ وترك لنا ناضحاً ننضحُ عليه قال: "فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرةً في رمضان تعدلُ حجةً" وفي رواية له: "تعدل حجةً أو حجةً معي".(1)
باب
ثواب من خرج حاجاً أو معتمراً فمات
قال الله تعالى: { ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً } .(2)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما رجل واقف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ وقع عن راحلته فأقعصته فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه بثوبه ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً" وفي رواية: "إن رجلاً كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فوقصته ناقته وهو محرم فمات فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اغسلوه بماء وسدر".(3)
وفي رواية لمسلم : "فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يغسلوه بماء وسدر وأن يكشفوا وجهه حسبته قال: ورأسه فإنه يبعث وهو يهل".
(أقعصته) أي: رمت به فكسرت عنقه وهو معنى وقصته.
(وهو يهل) أي: يرفع صوته بالتلبية.
__________
(1) رواه البخاري، ومسلم في "صحيحه" في كتاب الحج برقم (1256).
(2) النساء (100).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1265، 1268) وفي كتاب جزاء الصيد برقم (1849) وأخرجه مسلم في كتاب الحج برقم (2883، 2884).(1/207)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من خرج حاجاً فمات كُتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمراً فمات كُتِبَ له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازياً فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة".(1)
باب
ثواب التواضع في الحج والتبذل ولبس الدون من الثياب اقتداء بالأنبياء عليهم السلام
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "حج النبي - صلى الله عليه وسلم - على رحلٍ رثّ وقطيفة خَلِقةٍ تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي، ثم قال: "اللهم حجةً لا رياءَ فيها ولا سُمعةً".(2)
ورواه الأصبهاني إلا أنه قال: "لا تساوي أربعة دراهم".
وفي حديث ابن عمر: "وأما وقوفُك عشية عرفة فإن الله يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة يقول: عبادي جاؤني شعثا من كل فج عميق يرجون جنتي فلو كانت ذنوبكم كعددِ الرملِ أو كقطرِ المطرِ أو كزبَدِ البحرِ لغفرتُها أفيضوا عبادي مغفوراً لكم ولمن شفعتم له"(3) الحديث.
وفي رواية ابن حبان قال:
"فإذا وقف بعرفة، فإنَّ الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: انظروا إلى عبادي شُعُثا غُبراً، اشهدوا أني غفرتُ لهم ذنوبهم وإن كانت عدد قطرِ السماء، ورمل عالج"(4). الحديث.
(الشَّعِثُ): بكسر العين: هو البعيدُ العهدِ بتسريحِ شعرهِ وغسله.
و (التفل) بفتح التاء المثناة فوق وكسر الفاء: هو الذي ترك الطيب والتنظيف حتى تغيرت رائحته.
__________
(1) رواه أبو يعلى من رواية محمد بن إسحاق وبقية رواته ثقات وصححه الألباني في الترغيب برقم (1114).
(2) رواه الترمذي في "الشمائل" وابن ماجة والأصبهاني، وقال الألباني: "صحيح لغيره"، الترغيب برقم (1122).
(3) حسنه الألباني رحمه الله تعالى في الترغيب برقم (2/21).
(4) المصدر السابق نفسه.(1/208)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ،عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يباهي بأهل عرفات ملائكة السماء فيقول: انظروا إلى عبادي هؤلاء جاؤني شُعثاً غبراً".(1)
وعن ثمامة قال: حج أنسٌ على رحلٍ ولم يكن شحيحاً، وحدَّثَ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: حج على رحْلٍ وكانت زامِلَتَهُ. (2)
(وكانت زاملته): أي الراحلة التي ركبها، والزاملة: البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع، من الزمل وهو الحمل، والمراد أنه لم تكن له معه زاملة تحمل طعامه ومتاعه، بل كان ذلك محمولاً معه على راحلته، وكانت الراحلة والزاملة. فتح الباري (3/381).
باب
الأذكار في العشر الأول من ذي الحجة
قال الله تعالى: { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } .(3)
قال ابن عباس والشافعي والجمهور: (هي أيام العشر).
قال ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف : استحباب الإكثار من الذكر فيها فقد دل عليه قول الله عز وجل : { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } ، فإن الأيام المعلومات هي أيام العشر عند جمهور العلماء. أ.هـ. (4)
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما العمل في أيام أفضل منها في هذه قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيءٍ"(5).
قال ابن بطال : هذا اللفظ يحتمل أمرين : أن لا يرجع بشيء من ماله وأن رجع هو ، وأن لا يرجع هو ولا ماله بأن يرزقه الله الشهادة ،فتح الباري (2/460).
وفي الترمذي: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله تعالى من الأيام العشرة".
__________
(1) رواه أحمد وابن حبان في "صحيحه" والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما".
(2) رواه البخاري في كتاب الحج برقم (1517)، وثمامة هو ابن عبد الله بن أنس حفيد أنس - رضي الله عنه - .
(3) سورة الحج (28).
(4) "لطائف المعارف" (ص 280 – 283).
(5) رواه البخاري في كتاب العيدين برقم (969).(1/209)
وفي رواية أبي داود مثل هذه إلا أنه قال: "من هذه الأيام" يعني العشرة.
وفي مسند الإمام أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي بإسناد الصحيحين قال فيه: "ما العمل في أيام أفضل من العمل في عشر ذي الحجة".(1)
قيل: ولا الجهاد؟ (وذكر تمامه) وفي رواية (عشر الأضحى).
قال ابن عباس: (وكان ابن عمر وابو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما).
وكان سعيد بن جبير وهو الذي روى هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما: إذا دخل العشر اجتهد اجتهادا ما يكاد يقدر عليه، وروي عنه أنه قال: لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر تعجبه العبادة.
باب
ثواب النفقة في الحج والعمرة
عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها في عمرتها: "إن لك من الأجر على قدر نصيك ونفقتك".(2)
(النصب) بالتحريك هو التعب.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقي ركباً بالروحاء فقال: "من القوم؟" قالوا: المسلمون فقالوا: من أنت؟ قال: "رسول الله" فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم ولك أجر".(3)
(ركباً) جمع راكب
(الروحاء) مكان قرب المدينة.
الذي يكون سبباً في طاعة الله أو أعان عليها حصل له من الأجر كما لو باشرها وفعلها.
وقال - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: "إنما أجرُك في عمرتك على قدر نفقتك".(4)
باب
ثواب التلبية والمتابعة بين الحج والعمرة
__________
(1) الإرواء (890) والطحاوية (734) والمشكاة (1456).
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1116).(1/210)
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من ملبي يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا عن يمينه وشماله".(1)
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ،أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكبر خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة وما من مؤمن يظل يومه محرماً إلا غابت الشمس بذنوبه".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أهل مُهِلٌ قط إلا بُشِّرَ، ولا كَبَّر مكبِرٌّ قط إلا بُشِّرَ" قيل: يا رسول الله! بالجنة؟ قال: "نعم".(3)
(أهَلَّ): الملبي إذا رفع صوته بالتلبية.
وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئلَ: أي الأعمال أفضل؟ قال: "العج والثج".(4)
"العج" بفتح العين المهملة وتشديد الجيم" هو رفع الصوت بالتلبية، وقيل بالتكبير. و "الثج" بالمثلثة: هو نحر البُدْن.
باب ثواب الطواف بالبيت
واستلام الحجر الأسود والركن اليماني
__________
(1) رواه الترمذي وابن خزيمة والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم" ورواه ابن ماجة، وصححه الألباني، الترغيب برقم (1134).
(2) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، والنسائي وابن خزيمة في "صحيحه"، وقال الألباني رحمه الله: "حسن صحيح"، الترغيب (1133).
(3) رواه الطبراني في "الأوسط" بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (1137).
(4) رواه ابن ماجة والترمذي وابن خزيمة في "صحيحه" كلهم من راوية محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن يربوع، وقال الألباني: "صحيح لغيره"، الترغيب (1138).(1/211)
عن عبد الله بن عبيد بن عمير أنه سمع أباه يقول لابن عمر: ما لي لا أراك تستَلِمُ إلا هذين الركنين: الحجر الأسود والركن اليماني؟ فقال ابن عمر: إن أفعل فقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن استلامهما يحط الخطايا".
قال: وسمعته يقول: "ومن طاف أسبوعاً يُحصيه وصلى ركعتين، كان كَعَدلِ رقبة".
قال: وسمعته يقول: "ما رفع رجل قدماً ولا وضعها إلا كتب له عشر حسنات، وحط عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات".(1)
ورواه الترمذي ولفظه: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن مسحهما كفارة للخطايا".
وسمعته يقول: "لا يضع قدماً ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئةً، وكتبَ له بها حسنةً".(2)
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" ولفظه وقال: إن أفعل فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مسحُهما يحطُّ الخطايا".
وسمعته يقول: "من طاف بالبيت لم يرفع قدماً ولم يضع قدماً إلا كتبَ الله له حسنةً وحط عنه خطيئةً، وكتبَ له درجةً".
وسمعته يقول: "من أحصى أسبوعاً كان كعتقِ رقبةٍ".(3)
قوله: "أسبوعاً يحصيه أو أحصى أسبوعاً" أي: يحصر عدده فيجعله سبعاً لا زيادة ولا نقص.
قال الألباني رحمه الله: وفيه إشارة إلى أن فضائل العبادات المقيدة بعدد مسمى لا بد فيها من التمسك بالعدد لا يزيد ولا ينقص فتنبه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحَجَر: " والله ليَبعَثَنَّهُ الله يومَ القيامة له عينان يبصر بهما ولسانٌ ينطق به يشهد على من استلمهُ بحق".(4)
(
__________
(1) رواه أحمد والترمذي والحاكم وقال: (صحيح الإسناد) وابن خزيمة في "صحيحه" وصححه الألباني، الترغيب برقم (1139).
(2) المصدر السابق نفسه.
(3) المصدر السابق نفسه.
(4) رواه الترمذي وقال: (حديث حسن) وابن خزيمة وابن خبان في "صحيحهما"، وصححه الألباني، الترغيب برقم (1144).(1/212)
بحق) قال الألباني رحمه الله تعالى: الباء للملابسة أي: متلبساً بها بحق وهو دين الإسلام واستلامه بحق هو طاعة الله واتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - لا تعظيم الحجر نفسه، والشهادة عليه هي الشهادة على أدائه حق الله المتعلق به وليست (على) للضرر. أ.هـ. صحيح الترغيب (2/28)
وعن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مسند ظهره إلى الكعبة يقول: "الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة ولولا أن الله طمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب".(1)
وفي رواية للبيهقي قال: "إن الركن والمقام من ياقوت الجنة ولولا ما مسَّه من خطايا بني آدم لأضاء ما بين المشرق والمغرب وما مسَّهما من ذوي عاهةٍ ولا سقيم إلا شُفي".(2)
وفي أخرى له عنه أيضاً رفعه وقال: "لولا ما مسه من أنجاس الجاهلية ما مسَّه ذو عاهةٍ إلا شُفيَ وما على الأرض شيءٌ من الجنة غيرهُ".(3)
باب
ثواب من وقف بعرفة حاجاً
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير الدعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".(4)
__________
(1) رواه الترمذي وابن حبان في "صحيحه" من رواية رجاء بن صبيح، والحاكم ومن طريقه البيهقي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1147).
(2) رواه البيهقي، وصححه الألباني رحمه الله في الصحيحه برقم (3355) والترغيب برقم (1147).
(3) المصدر السابق نفسه.
(4) صحيح الترمذي برقم (2837) وصحيح الجامع برقم (3269).(1/213)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: فيستحب الإكثار من هذا الذكر والدعاء ويجتهد في ذلك فهذا اليوم أفضل أيام السنة للدعاء وهو معظم الحج ومقصوده والمعول عليه فينبغي أن يستفرغ الإنسان وسعه في الذكر والدعاء وفي قراءة القرآن وأن يدعوا بأنواع الأدعية ويأتي بأنواع الأذكار ويدعوا لنفسه ويذكر في كل مكان ويدعوا منفرداً ومع جماعة ويدعوا لنفسه ووالديه وأقاربه ومشايخه وأصحابه وأصدقائه وأحبابه وسائر من أحسن إليه وجميع المسلمين وليحذر كل الحذر من التقصير في ذلك كله فإن اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره ولا يتكلف السجع في الدعاء فإنه يشغل القلب ويذهب الانكسار والخضوع والافتقار والمسكنة والذلة والخشوع.أ.هـ. الأذكار ص 269 – 270
وقال رحمه الله: والسنة أن يخفض صوته بالدعاء ويكثر من الاستغفار والتلفظ بالتوبة من جميع المخالفات مع الاعتقاد بالقلب ويلح في الدعاء، ويكرره ولا يستبطئ الإجابة ويفتح دعاءه ويختمه بالحمد لله تعالى والثناء عليه سبحانه وتعالى والصلاة والتسليم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليختمه بذلك وليحرص على أن يكون مستقبل الكعبة وعلى طهارة. أ.هـ. الأذكار ص 270
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ،عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً".(1)
وعن عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنوا يتجلى ثم يباهي لهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء".(2)
وزاد زين في "جامعه" فيه: "أشهدوا ملائكتي أني قد غفرت لهم".(3)
__________
(1) رواه أحمد وابن حبان والحاكم ، وصححه الألباني في الترغيب (1152).
(2) رواه مسلم في كتاب الحج برقم (3275) ورواه النسائي في مناسك الحج برقم (3003).
(3) قال الألباني رحمه الله: صحيح لغيره الترغيب (2/34).(1/214)
باب
ثواب حلق الراس
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم اغفر للمحلقين" قالوا: يا رسول الله وللمقصرين قال: "اللهم اغفر للمحلقين" قالوا: يا رسول الله وللمقصرين قال: "اللهم اغفر للمحلقين قالوا: يا رسول الله وللمقصرين قال: "وللمقصرين".(1)
وعن أم الحصين رضي الله عنهما أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع دعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة واحدة".(2)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للأنصاري: "وأما حلاقك رأسك فلك بكل شعرة
حلقتها حسنة وتمحي عنك بها خطيئة".(3)
وفي حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - : "وأما حلقك رأسك فإنه ليس من شعرك شعرةُ تقع في الأرض إلا كانت لك نوراً يوم القيامة".(4)
باب
ثواب الشرب من ماء زمزم وما جاء في فضله
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام الطعم، وشفاء سقيم، وشر ماء على وجه الأرض ماء بوادي (برهوت) بقية بـ (حضرموت) كرجل الجراد تصبح تندفق وتمسي لا بلال فيها".(5)
(طعام الطعم) أي: يشبع الإنسان إذا شرب ماءها كما يشبع من الطعام. قاله ابن الأثير
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الحج برقم (1728)، ومسلم في كتاب الحج برقم (1202).
(2) رواه مسلم في كتاب الحج برقم (1302).
(3) رواه الطبراني في "الكبير" والبزار واللفظ له وقال: "وقد روي هذا الحديث من وجوه، ولا نعلم له أحسن من هذا الطريق" وحسنه الألباني رحمه الله، الترغيب (1112).
(4) رواه الطبراني في "الأوسط" من حديث عبادة وصححه الألباني، الترغيب (1113).
(5) رواه الطبراني في "الكبير" ورواته ثقات، وحسنه الألباني في الترغيب (1161).(1/215)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "زمزم طعام طعم وشفاء سقم".(1)
وعن جابر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ماء زمزم لما شرب له ... ".(2)
باب
ثواب الخروج إلى أفضل المساجد
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن خير ما ركبت إليه الرواحل مسجدي هذا والبيت العتيق".(3)
وقال رسو الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى".(4)
باب
ثواب فضل ما بين البيت والمنبر
عن عبد الله بن زيد المازني - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة".(5)
باب
ثواب الصلاة في مسجد قباء
عن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه كان له كأجر عمرة".(6)
وعن أسيد بن ظهير الأنصاري - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة في مسجد قباء كعمرة".(7)
__________
(1) رواه البزار بإسناد صحيح، وصححه الألباني في الترغيب (1162).
(2) رواه أحمد وابن ماجة وإسناده حسن، وحسنه الألباني في الترغيب (1165).
(3) رواه أحمد وغيره، السلسلة الصحيحة (1648).
(4) رواه مسلم.
(5) رواه البخاري.
(6) رواه ابن ماجة عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف، ورواه أحمد والنسائي والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه العلامة الألباني صحيح ابن ماجة (1160) وصحيح الجامع (6030)، الترغيب (1181) وقال الألباني صحيح.
(7) رواه ابن ماجة (1411) والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (1159)، والترغيب برقم (1180).(1/216)
وعن عامر بن سعد وعائشة بنت سعد: أنهما سمعا أباهما سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول: "لأن أصلي في مسجد قباء أحب إلي من أصلي في مسجد بيت المقدس".(1)
باب
ثواب الصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينة الشريفة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام".(2)
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألفَ صلاة".(3)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنا خاتم الأنبياء، ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء، أحق المساجد أن يزار وتشد إليه الرواحل: المسجد الحرام ومسجدي وصلاة في مسجدي أفضل من آلف صلاةٍ فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام".(4)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله! أي المسجدين الذي أسس على التقوى، قال: فأخذ كفاً من حصباء، فضرب به الأرض، ثم قال: "هو مسجدكم هذا" لمسجد المدينة. (5)
__________
(1) رواه الحاكم "في المستدرك (3/12)، وقال الألباني: "صحيح موقوف"، الترغيب برقم(1183).
(2) رواه البخاري واللفظ له، ومسلم.
(3) رواه أحمد وابن ماجة بإسناد صحيح، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (1155)، الإرواء (4/146) و (1129).
(4) رواه البزار، وصححه الألباني، الترغيب (1175)0
(5) رواه مسلم في كتاب الحج برقم (1398).(1/217)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزور قباء – أو يأتي قباء راكباً وماشياً. زاد في رواية: فيصلي فيه ركعتين. (1)
وفي رواية للبخاري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي مسجد قباء كل سبت راكباً وماشياً، وكان عبد الله يَفعَلُه. (2)
باب
ثواب الصلاة في مسجد بيت المقدس
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لما فرغ سليمان بن داود عليهما السلام من بناء بيت المقدس سأل الله عز وجل حُكماً يصادف حكمه وملكاً لا ينبغي لأحد من بعده وأنه لا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أما إثنتان فقد أعطيهما وأرجو أن يكون قد أُعطي الثالثة".(3)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - : أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في بيت المقدس افضل أو في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من اربع صلوات فيه، ولنعم المصلى، هو أرض المحشر والمنشر، وليأتين زمانٌ ولقيد سوط أو قال: قوس الرجل حيث يرى منه بيت المقدس خير له أو أحب إليه من الدنيا جميعاً".(4)
(المنشر) أي: يوم القيامة.
باب
ثواب سكنى المدينة
__________
(1) رواه البخاري في كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة برقم (1194) ومسلم في كتاب الحج برقم (1399).
(2) رواه البخاري في كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة برقم (1193).
(3) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم" صحيح ابن ماجة (1156) والترغيب (1178) وقال الألباني: "صحيح".
(4) رواه الحاكم في المستدرك (4/509) وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1179).(1/218)
عن سعد - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة".(1)
وفي رواية لمسلم: " ولا يريد أحد أهل المدينة بسوءٍ إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعاً يوم القيامة أو شهيداً".(2)
اللأواء: مهموز ممدود هي شدة الضيق.
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم اجعل المدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة".(3)
وعن سفيان بن أبي زهير - رضي الله عنه - ، أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تفتح اليمن فيأتي يوم يبُسُون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وتفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون".(4)
(يبسون) بفتح الياء المثناة من تحت وبعدها باء موحدة تضم وتكسر من (بَسْ أو بِسً) وهي كلمة زجر للدواب عند سوقها لتسرع، وقد ذكر لها العلماء عدة معان.
__________
(1) رواه مسلم برقم (1377) ومالك في الموطأ (2/885) وأحمد في المسند (2/113 و 119 و 133).
(2) رواه مسلم برقم (1378) وأحمد في المسند (2/397) وأبو يعلى (11/372 رقم 6487) وابو عوانة (3/ق8/أ) وابن حبان والبغوي في شرح السنة (7/324).
(3) رواه البخاري في كتاب فضائل المدينة برقم (1885) ومسلم في كتاب الحج برقم (1369).
(4) رواه البخاري في كتاب فضائل المدينة برقم (1875) ومسلم في كتاب الحج برقم (1388).(1/219)
قال الإمام النووي رحمه الله: "والصواب الذي عليه المحققون أن معناه الإخبار عمن خرج من المدينة متحملاً بأهله باساً في سيره مسرعاً إلى الرخاء في الأمصار التي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بفتحها". أ.هـ. شرح مسلم (9/158 – 159)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يأتي على الناس زمان يدعوا الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون والذي نفسي بيده لا يخرج منهم أحد رغبةً عنها إلا أخلف الله فيها خيراً منه إلا أن المدينة كالكير تخرج الخبث لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد".(1)
__________
(1) رواه مسلم واللفظ له برقم (1381)، ويعقوب الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/349) وابن أبي خيثمة تاريخ ابن أبي خيثمة (ق59/1) وابن حبان، والطبراني في الأوسط (3/376 و 377 رقم 2804 و 2805)، وأبو الحسن الخِلعي الفوائد المنتقاة (الخِلَعيات) (18/ق44/أ) كلهم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة.(1/220)
وعن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي - رضي الله عنه - قال: أنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبر حمزة فجعلوا يجرون النمرة على وجهه فتنكشف قدماه ويجرونها على قدميه فينكشف وجهه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اجعلوها على وجهه واجعلوا على قدميه من هذا الشجر" قال: فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه فإذا أصحابه يبكون فقال: "ما يبكيكم"؟ قيل: يا رسول الله لا نجد لعمك اليوم ثوباً واحداً يسعه. فقال: "إنه يأتي على الناس زمان يخرجون إلى الأرياف فيصيبون فيها مطعماً وملبساً ومركباً أو قال مراكب فيكتبون إلى أهليهم هلم إلينا فإنكم بأرض جردية والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة".(1)
(النمرة): كساء مخطط كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض، ذكر ابن الأثير في النهاية (5/118).
جردية: قيل: هي منسوبة إلى الجرد بالتحريك وهي كل أرض لا نبات بها. ذكره ابن الأثر في النهاية (1/257).
__________
(1) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/15)، والبخاري في تاريخه الكبير (8/335)، والهيثم بن كليب الشاشي مسند الشاشي (ق202/أ)، والطبراني في المعجم الكبير (3/158) رقم (2939 و 19/265 رقم 587).
كلهم من طريق عبد الله بن مسلمة القنعني قال: أخبرنا محمد بن صالح التمار عن يزيد بن زيد عن أبي أسيد الساعدي به، وقال الألباني رحمه الله: "حسن لغيره"، الترغيب برقم (1191)، قال المنذري: (رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن) الترغيب والترهيب (2/222)، وكذا قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/301) وقال في موضع آخر: "رجاله ثقات".(1/221)
وعن أبي سعيد مولى المهري أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة فاستشارة في الجلاء من المدينة وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله وأخبره أن لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها فقال له: ويحك! لا آمرك بذلك إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة إذا كان مسلماً".(1)
وعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: رجع ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أُحد وكان الناس فيهم فرقتين فريق يقول اقتلهم وفريق يقول: لا، فنزلت { فمالكم في المنافقين فئتين } (2)،
وقال يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - :"إنها طيبة تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة".(3)
ذكر ابن هشام:الذين رجعوا هم المنافقون يتزعمهم عبد الله بن ابي ابن سلول وكان رجوعهم من مكان يسمى الشوط بالقرب من جبل أحد . (4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أُمِرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد".(5)
(أُمِرت) أي: أمرت بالهجرة إليها، قاله الخطيب البغدادي في كتابه الفقيه والمتفقه (ص 105)
(تأكل القرى) أي ينصر الله الإسلام بأهل المدينة ويفتح على أيديهم القرى فتجلب الغنائم إلى المدينة ويأكلها أهلها وأصناف الأكل إلى القرية والمراد أهلها). (6)
__________
(1) رواه مسلم برقم (1372)، وغيره.
(2) النساء
(3) رواه البخاري (8/256 رقم 4589) و 4/96 رقم 1884 و 7/356 رقم 4050) ومسلم برقم (1384).
(4) سيرة ابن هشام (3/65).
(5) رواه البخاري (4/87 رقم 1871) ومسلم برقم (1382).
(6) انظر غريب الحديث للخطابي (1/434) وشرح السنة للبغوي (7/320) وجامع الأصول (9/320) وفتح الباري (4/87).(1/222)
وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله تعالى سمى المدينة طابة".(1)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل فإني اشفع لمن مات بها".(2)
وعن سبيعة الأسلمية رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمت فإنه لا يموت بها أحد إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة".(3)
باب
ثواب وفضل يوم النحر
قال الله تعالى: { ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى من القلوب } .(4)
قال مجاهد في قوله: (ومن يعظم شعائر الله، قال: يريد استعظام البدن واستسمانها وذهب ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى وكثير من أهل العلم على أن يوم النحر هو أفضل أيام السنة والله أعلم.
???????
أبواب الجهاد
باب
__________
(1) رواه مسلم برقم (1385).
(2) رواه أحمد في المسند (2/74) والترمذي في جامعه (5/719 رقم 3917) وابن ماجة في السنن (312) وابن حبان الإحسان (6/21 رقم 3733) والبيهقي في الشعب (8/116 رقم 3887) وأبو محمد الحسين بن مسعود البغوي في شرح السنة (7/324 برقم 2020) ، وصححه الألباني، الترغيب (1193)
(3) رواه أبو بكر بن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (ق361/أ) وأبو محمد عبد الله بن محمد الفاكهي (ق 47/أ) والطبراني في المعجم الكبير (24/294) رقم (747) وأبو يعلى الموصلي ذكره ابن حجر في المطالب العالية (90/أ) والأصبهاني في معرفة الصحابة (2/ق352/أ) وذكر أخبار أصبهان (2/103) والبيهقي في الشعب (8/114 رقم 3886) وبيبي بنت عبد الصمد الهرثمية في جزء بيبي رقم (2) والذهبي في المعجم الكبير معجم شيوخ الذهبي (2/308) وعزاه ابن حجر في الإصابة (7/692) لابن مندة في معرفة الصحابة ويحيى الحماني في مسنده وقال الألباني: "صحيح لغيره"، الترغيب (1196).
(4) الحج (32).(1/223)
ثواب الجهاد في سبيل الله تعالى
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارةٍ تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبةً في جنات عدن ذلك الفوز العظيم، وأخرى تحبونها ونصرٌ من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين } .(1)
وقال تعالى: { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمةٍ من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين } .(2)
وقال تعالى: { ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً } .(3)
وقال تعالى: { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر } الآية كلها إلى قوله { غفوراً رحيماً } .(4)
وقال تعالى: { الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجةً عند الله وأولئك هم الفائزون } .(5)
وقال تعالى: { إن الله يشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } الآية إلى قوله { وذلك هو الفوز العظيم } .(6)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله"، قيل ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" قيل ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور".(7)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: "الصلاة على وقتها" قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين" قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله".(8)
__________
(1) الصف (10-13)
(2) آل عمران (169-171).
(3) النساء (74).
(4) النساء (95).
(5) التوبة (20).
(6) التوبة (111).
(7) سبق تخريجه.
(8) سبق تخريجه، في كتاب الصلاة.(1/224)
أصل الجهاد في اللغة: الجهد وهو المشقة وفي الشرع: بذل الجهد في قتال الكفار، قال الألباني رحمه الله: قلت: هو أعم من قتالهم بالأسلحة الحربية لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم"(1). أ.هـ.صحيح الترغيب (2/64)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: مر رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشعبٍ في عيينة من ماء عذبة فأعجبته فقال: لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب ولن أفعل حتى استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة؟ اغزوا في سبيل الله من قاتل في سبيل الله فواق ناقةٍ وجبت له الجنة".(2)
الفواق : ما بين الحلبتين.
وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فيهم فذكر أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال فقام رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كيف قلت؟" قال: أرأيت أن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدَّين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك".(3)
__________
(1) صحيح أبي داود (1261)، المشكاة (3821).
(2) أخرجه الترمذي بإسناد حسن (1650)، والمشكاة (3830).
(3) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (4857) والترمذي في كتاب الجهاد برقم (1712) والنسائي في كتاب الجهاد برقم (3156و 3157).(1/225)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رجل أين أنا يا رسول الله إن قتلت؟ قال: "في الجنة" فألقى ثمرات كن في يده ثم قاتل حتى قتل".(1)
وعن فضالة بن عبيد الله - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أنا زعيم، والزعيم الحميل لمن آمن بي وأسلم وهاجر ببيت في ربض الجنة، وببيت في وسط الجنة، وأنا زعيم لمن آمن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة، وببيت في وسط الجنة، وببيت في أعلى غرف الجنة، فمن فعل ذلك لم يدع للخير مطلباً، ولا من الشر مهرباً، يموت حيث شاء أن يموت".(2)
وعنه قال قيل: يا رسول الله ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: "لا تستطيعونه" فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول: "لا تستطيعونه" ثم قال: "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القانت بآيات الله لا يفتر من صيام ولا صلاةٍ حتى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى".(3)
وفي رواية البخاري أن رجلاً قال: يا رسول الله دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: "لا أجده" ثم قال: "هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر؟" فقال: ومن يستطيع ذلك.
القائم: المجتهد.
القانت: المطيع.
لا يفتر: لا يغفل ولا يضعف.
وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض".(4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب المغازي برقم (4046) ومسلم في كتاب الإمارة برقم (4890).
(2) رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1300).
(3) رواه البخاري (6/4 فتح) ومسلم في الإمارة برقم (4846)
(4) أخرجه البخاري (6/16 فتح).(1/226)
وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم نهاره والقائم ليله حتى يرجع متى يرجع".(1)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من رضي بالله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً وجبت له الجنة" فعجب لها أبو سعيد فقال: أعدها عليَّ يا رسول الله فأعادها عليه ثم قال: "وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض" قال وما هي يا رسول الله؟ قال: "الجهاد في سبيل الله".(2)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: "الإيمان بالله والجهاد في سبيله".(3)
__________
(1) رواه أحمد ورجال إسناده رجال الصحيح، قال في المجمع (5/275): (رواه أحمد والبزار والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح)، صحيح الجامع (5850 و 5851) المشكاة (3788).
(2) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (4856) والنسائي في كتاب الجهاد (3131).
(3) أخرجه البخاري في كتاب العتق برقم (518)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (84).(1/227)
وغاب أنس بن النضر - رضي الله عنه - عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن أشهد في قتال المشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني: أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحدقال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع! قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا } (1).(2)
وعن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال: سمعت أبي وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف". فقام رجل رث الهيئة فقال: يا أبا موسى أنتَ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا؟ قال: نعم. فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام. ثم كسر جفن سيفه، فألقاه، ثم مشى بسيفه إلى العدو فَضَربَ به حتى قتل".(3)
بحضرة العدو: أي بقربه وقوله: "جفن سيفه": أي قرابه (غِمده).
وقوله: "إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف" قال العلماء: معناه أن الجهاد وحضور معركة القتال طريق إلى الجنة وسبب لدخولها. أ.هـ. شرح النووي (13/46).
__________
(1) الأحزاب (23).
(2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي برقم (4048) ومسلم في كتاب الإمارة برقم (4895).
(3) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1902).(1/228)
وعن البراء - رضي الله عنه - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل مقنع بالحديد، فقال: يا رسول الله! أقاتل أو أسلم؟ قال: "أسلم ثم قاتل". فأسلم ثم قاتل فقتل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عَمِلَ قليلاً وأُجِرَ كثيراً".(1)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: جاء رجل من بني النبيت قبيل من الأنصار فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبدُهُ ورسوله. ثم تقدم فقاتل حتى قتل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "عَمِلَ هذا يسير وأُجِرَ كثيراً".(2)
وعن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال: سمعت أبي رضي الله عنه وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"أبواب الجنة تحت ظلال السيوف" فقام رجل رث الهيئة فقال: يا أبا موسى أأنت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا: قال: نعم فرجع إلى أصحابه فقال: "أقرأ عليكم السلام" ثم كسر جفن سيفه فألقاه ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قتل".(3)
رث الهيئة: خلق الثياب.
جفن سيفه: غمده.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2808)، ومسلم في كتاب الإمارة برقم (1900).
(2) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1900).
(3) أخرجه مسلم برقم (1902).(1/229)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: انطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه" فدنا المشركون فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قوموا إلى الجنة عرضها السماوات والأرض" قال: يقول عمر بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال "نعم" قال: بخٍ بخٍ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ؟" قال لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها قال: "فإنك من أهلها" فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة! فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل. (1)
القرن: بفتح القاف والراء: وهو جعبة النشاب.
بخٍ بخ: كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير
باب
ثواب سؤال الشهادة في سبيل الله تعالى
عن سهل بن حُنَيف - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سأل الله تعالى الشهادةَ بصدقٍ، بلَّغه الله مَنَازِلَ الشُّهداء، وإن مات على فِراشه".(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مَنْ طَلَبَ الشهادَةَ صادقاً أُعطِيها ولَوْ لم تُصِبْه".(3)
باب
ثواب الحراسة في سبيل الله تعالى
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله".(4)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة برقم (4892) وأبو داود في كتاب الجهاد برقم (2618).
(2) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1909).
(3) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1908).
(4) أخرجه الترمذي (1639)، وقال الألباني: "صحيح لغيره". الترغيب رقم (1229) ، المشكاة رقم (3829) .(1/230)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عينان لا تمسهما النار أبداً: عين باتت تكلأُ في سبيل الله وعينٌ بكت من خشية الله".(1)
(تكلأ) مهموزاً أي: تحفظ وتحرس.
وعن معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا ترى أعينهم النار: عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين كفَّتْ عن محارم الله".(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر؟ حارس حرس في أرض خوفٍ لعله أن لا يرجع إلى أهله".(3)
باب
ثواب الرباط في سبيل الله تعالى
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - :أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها"(4).
(الغدوة) هي المرة الواحدة من الذهاب والروحة من المجيء.
وعن سلمان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وآمن الفتان".(5)
(الفتان) بضم الفاء جمع (فاتن): وهما منكر ونكير اللذان يفتنان المقبور.
__________
(1) رواه أبو يعلى ورواته ثقات والطبراني في "الأوسط" إلا أنه قال: "عينان لا تريان النار"، وقال الألباني: "حسن صحيح"، الترغيب (1230).
(2) رواه الطبراني، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1231).
(3) رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري"، وصححه الألباني في الترغيب (1232).
(4) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2892)، ومسلم في كتاب الإمارة برقم (1881).
(5) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (4915)، والنسائي في الجهاد برقم (3168).(1/231)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رباط شهر خير من صيام دهر ومن مات مرابطاً في سبيل الله آمن من الفزع الأكبر وغذي عليه برزقه وريح من الجنة ويجري عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "موقف ساعة في سبيل الله خير من مقام ليلة القدر عند الحجر الأسود".(2)
(الرباط) بكسر الراء وبالباء الموحدة الخفيفة: ملازمة المكان الذي بين الكفار والمسلمين لحراسة المسلمين منهم.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: قلت: وليس من ذلك ملازمة الصوفية للربط، وانقطاعهم فيها للتعبد وتركهم الاكتساب اكتفاء منهم زعموا بكفالة مسبب الأسباب سبحانه وتعالى، كيف وهو القائل: { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } (3) ولذلك قال عمر - رضي الله عنه - : "لا يقعدن أحدكم في المسجد يقول: الله يرزقني، فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة". أ.هـ. صحيح الترغيب (2/64)
وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه يُنمى له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتنة القبر".(4)
__________
(1) رواه الطبراني في "الكبير" عن أبي الدرداء، صحيح الجامع (3473)، والترغيب (1219) وقال الألباني: "صحيح لغيره".
(2) رواه ابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1223) والسلسلة الصحيحة برقم (1068).
(3) الجمعة.
(4) رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح" والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم" وابن حبان في "صحيحه" وزاد في آخره قال: "و سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "المجاهد من جاهد نفسه لله عز وجل"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1218).(1/232)
وعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل عمل ينقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله فإنه يُنمي له عمله ويُجري عليه رزقه إلى يوم القيامة".(1)
وعن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سَنَّ سنة حسنة فله أجرها ما عمل بها في حياته وبعد مماته حتى تُترك ومن سنَّ سنة سيئة فعليه إثمها حتى تُترك، ومن مات مرابطاً في سبيل الله، جرى عليه عمل المرابط في سبيل الله حتى يبعث يوم القيامة".(2)
وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل".(3)
ورواه الحاكم وزاد: "فلينظر كل امرئ لنفسه" وقال: صحيح على شرط البخاري.
ورواه ابن ماجة إلا أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من رابط ليلة في سبيل الله كانت كألف ليلةٍ صيامها وقيامها".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من خير معاش الناس لهم، رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه، كلما سمع هيعة أو فزعة طار على متنِه يبتغي القتل أو الموت مظانَّهُ، ورجل في غنيمة في رأس شعفةٍ من هذه الشعف، أو بطنِ وادٍ من هذه الأودية، يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلا في خيرٍ".(4)
متن الفرس: ظهره.
__________
(1) رواه الطبراني في "الكبير"، وصححه الألباني في الترغيب (1220).
(2) رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد لا بأس به، وصححه الألباني في الترغيب (1222).
(3) رواه النسائي والترمذي وقال: "حديث حسن غريب" ورواه ابن حبان في "صحيحه" وقال الألباني في الترغيب: "حسن لغيره" (1224).
(4) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1889).(1/233)
الهيعة: كل ما أفزع من جانب العدو، من صوت أو خبر، والفزعة بإسكان الزاي: النهوض إلى العدو، يبتغي الموت مظانه: يطلبه في مواطنه التي يرجى فيها لشدة رغبته في الشهادة. شرح النووي (13/35)
الغنيمة: الغنم أي قطعة منها، والشعفة: هي رأس الجبل.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تعيس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة -زاد في رواية- وعبد القطيفة إن أُعطي رضيَ، وإن لم يُعطَ سَخِطَ، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبدٍ آخذٍ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شَفَعَ لم يُشفَّع".(1)
(الخميصة): هو ثوب معلم من خز أو صوف.
(والقطيفة): كساء له خمل يجعل دثاراً.
(انتكس): أي انقلب على رأسه خيبةً وخساراً.
(وشيك): أي دخلت في جسده شوكة.
(وانتقش): نزعها بالمنقاش.
(طوبى): قيل اسم شجرة فيها. وقيل فُعلى من الطيب.
باب
ثواب من جهز غازيا أو خلفه في أهله
عن أبي عبد الرحمن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا".(2)
(خلف غازياً): قام بالإنفاق علىعياله وما يحتاجون إليه في غيابه.
أن من أعان مسلماً على الجهاد بأن يهيأ له ما يحتاجه في سفره أو قام بشؤون عياله حال غيابه كان له مثل أجره وجهاده.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى بني لحيان ليخرج من كل رجلين رجل ثم قال للقاعد: "أيكم خلف الخارج في أهله فله مثل أجره".(3)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2887).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير (2843) ومسلم في كتاب الإمارة برقم (4879).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة برقم (4884).(1/234)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بعثاً إلى بني لحيان من هذيل فقال: "لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما".(1)
يذهب بعض رجال القبيلة أو البلدة ويكون لمن بقي نهم مثل أجر من خرج إذا خلفوهم في أهليهم بخير وأنفقوا عليهم.
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفضل الصدقات ظل فسطاطٍ في سبيل الله ومنيحةُ خادم في سبيل أو طروقةُ فحلٍ في سبيل الله".(2)
الفسطاط: بيت من الشعر.
الطروقة: الناقة التي بلغت أن يطرقها الفحل.
وعن أبي يحيى خريم بن فاتك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف".(3)
وفي رواية " ليخرج من كل رجلين رجل" ثم قال للقاعد: "أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير له مثل نصف أجر الخارج".(4)
باب
ثواب رباط الخيل في سبيل الله والنفقة عليها
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة برقم (4884).
(2) أخرجه الترمذي (1627)، والطبراني (7916) من طريق يزيد بن هارون، صحيح الجامع (1109).
(3) رواه الترمذي (1625) وقال: "حديث حسن"، وأحمد (4/345)، ورواه النسائي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1236)، والمشكاة (3826).
(4) أخرجه مسلم برقم (1896).(1/235)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الخيل ثلاثة: هي لرجل وزر وهي لرجل ستر وهي لرجل أجر فأما التي هي له وزر فرجل ربطها رياءً وفخراً ونِواءٍ على أهل الإسلام فهي له وزر وأما التي هي له ستر فرجل رَبَطها في سبيل الله ثم لم ينسى حق الله في ظهورها ولا رقابها فهي له ستر وأما التي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرجٍ أو روضة فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيءٍ إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات ولا تقطع طولها فاستنت شرفاً أو شرفين إلا كتب الله له عدد آثارها وأرواثها حسنات ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله له عدد ما شربت حسنات".(1)
(مرج): أرض ذات نبات ومرعى.
(طولها): حبل طويل يشد طرفه في نحو وتد وطرفه الآخر في يد الفرس أو رجلها لتدور فيه وترعى من جوانبها وتذهب لوجهها.
(استنت): عدت في مرجها لتوفر نشاطها.و (الشرف): الشوط.
و (النواء): بكسر النون ممدوداً هو المعاداة.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده فإنَّ شِبَعَهُ وريَّه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة يعني حسنات".(2)
احتبس: اتخذه استعداداً وإعداداً لما عسى أن يحدث في ثغر الإسلام.
شبِعةُ: ما يشبعه به.
وعن أبي مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بناقةٍ مخطومةٍ فقال: هذه في سبيل الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقةٍ كلها مخطومة".(3)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1402)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (987).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2853).
(3) أخرجه مسلم برقم (1892).(1/236)
ناقة مخطومة: مجعولة في رأسها الخطام وهو الزمام الذي تشد به الناقة.
وعن عروة بن أبي الجعد - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الخيل معقود في نواصيها الخير والأجر والمغنم إلى يوم القيامة".(1)
وعن رجل من الأنصار - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الخيل ثلاث فرس يرتبطه الرجل في سبيل الله عز وجل فثمنه أجر وركوبه أجر وعاريته أجر وفرس يغالق عليه ويراهن فثمنه وزر وركوبه وزر وفرس للبطنة فعسى أن يكون سداداً من الفقر إن شاء الله تعالى".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة ومثل المنفق عليها كالمتكفف بالصدقة".(3)
ورواه ابن حبان باختصار وزاد: "فقلت لمعمر ما المتكفف بالصدقة؟ قال: الذي يعطي بكفه.
وعن أبي كبشة - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الخيل معقود في نواصيها والخير وأهلها معانون عليها والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة".(4)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير برقم (2850) و (2852) وفي كتاب فرض الخمس برقم (3119)، وفي كتاب المناقب برقم(3643)،ومسلم في كتاب الإمارة برقم(4824 – 4830).
(2) رواه أحمد بإسناد جيد، قال الهيثمي في المجمع (5/260): "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح"، الإرواء (1508) غاية المرام (392) وصححه الألباني في الترغيب (1343).
(3) رواه الطبراني وأبو يعلى وابن حبان، صحيح الجامع (3349).
(4) رواه الطبراني ، وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (5/259): (رواه الطبراني ورجاله ثقات)، صحيح الجامع (3355) والترغيب (1245) وقال الألباني: صحيح.(1/237)
وعن سهل بن الحنظلية وهو سهل بن الربيع بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المنفق على الخيل كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها".(1)
وعن جرير - رضي الله عنه - قال: رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلوي ناصيَّة فرس بإصبعه وهو يقول: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة".(2)
وروى البخاري ومسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "البركة في نواصي الخيل".
باب
ثواب الغدوة في سبيل الله تعالى والروحة
قال الله تعالى: { ولا ينفقون نفقةً صغيرةً ولا كبيرةً ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون } .(3)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله تعالى أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها".(4)
الروحة: هي المرة الواحدة من المجيء والغدوة هي: المرة الواحدة من الذهاب.
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيده يعني سوطه خير من الدنيا وما فيها ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينها ولملأته ريحاً ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها".(5)(النصيف): بفتح النون هو الخمار.
__________
(1) رواه ابو داود، وقال الألباني صحيح لغيره (1246).
(2) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1872).
(3) التوبة (121)
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2892) ومسلم برقم (1881) في كتاب الإمارة.
(5) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد برقم (9792)ومسلم في كتاب الإمارة (4850).(1/238)
وعن سلمان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأُجري عليه رزقه وأمن الفتان".(1)
الرباط: كل أهل ثغر يدفع عمن خلفه.
الفتان:هو ما يفتن به الإنسان في القبر من سؤال الملكين والعذاب نعوذ بالله منه.
وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمي له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتنة القبر".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهد في سبيله وتصديق بكلماته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه بما نال من أجر أو غنيمة" الحديث.(3)
باب
ثواب الشهيد في سبيل الله
قال الله تعالى: { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون } .(4)
وقال تعالى: { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم إلا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين } .(5)
وقال تعالى: { والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم } .(6)
__________
(1) رواه مسلم برقم (1913).
(2) أخرجه ابو داود (2500) والترمذي (1621) ، المشكاة (3823) الجنائز (ص42).
(3) رواه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7463).
(4) البقرة (154).
(5) آل عمران (169-171).
(6) سورة محمد (4).(1/239)
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رأيت الليلة رجلين آتياني فصعدا بي الشجرة فأدخلاني دار هي أحسن وأفضل لم أر قط أحسن منها قالا لي: أما هذه فدار الشهداء".(1)
وعن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن رجلاً قال: يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: "كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة".(2)
وعن عامر بن سعد عن أبيه - رضي الله عنه - : أن رجلاً جاء إلى الصلاة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي فقال حين انتهى إلى الصف اللهم آتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من المتكلم آنفاً" قال الرجل: أنا يا رسول الله قال: "إذا يعقر جوادك وتستشهد".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة".(4)
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل مقنع بالحديد فقال: يا رسول الله أقاتل أو أسلم قال: أسلم ثم قاتل فأسلم ثم قاتل فقتل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عمل
قليل وأجر كثير".(5)
(مقنع بالحديد): مغطى بالسلاح أو على رأسه بيضة وهي الخوذة.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب التعبير برقم (7047).
(2) رواه النسائي، الجنائز (36)، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1380).
(3) رواه البزار وابن حبان، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم".
(4) رواه النسائي وابن ماجة وابن حبان والترمذي وقال: (حديث حسن صحيح)، وقال الألباني: (حسن صحيح) الترغيب (1367).
(5) رواه البخاري (6/24 فتح) ومسلم في كتاب الإمارة برقم (4890).(1/240)
وعن أنس - رضي الله عنه - : أن رجلاً أسود أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إني رجل أسود منتِنُ الريح، قبيح الوجه، لا مال لي، فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل، فأين أنا؟ قال: "في الجنة". فقاتل حتى قُتل، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "قد بيض الله وجهك، وطيب ريحك، وأكثر مالك".
وقال لهذا أو لغيره: "فقد رأيت زوجته من الحور العين نازعته جبة له من صوف، تدخل بينه وبين جبته".(1)
وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها".(2)
الغدوة: بالفتح المرة الواحدة من الغدو وهو الخروج في أول النهار.
الروحة: المرة الواحدة من الرواح وهو: الخروج في آخر النهار.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: "أتى رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أي الناس أفضل؟ قال: "مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله" قال: ثم من؟ قال: "مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ويدع الناس من شره".(3)
وعن أبي إبراهيم عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: "يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم".(4)
__________
(1) رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في الترغيب برقم(1381).
(2) أخرجه البخاري (6/13 و 15 فتح) ومسلم برقم (1880).
(3) متفق عليه.
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير برقم (2965 و 2966) ومسلم في كتاب الجهاد والسير برقم (4517).(1/241)
وعن عثمان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل".(1)
وعن أم مالك البهزية رضي الله عنها قالت: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنةً فقر بها، قالت: قلت يا رسول الله! من خير الناس فيها؟ قال: "رجل في ماشية يؤدي حقها ويعبد ربه، ورجل أخذ برأس فرسه يخيف العدو ويخيفونه".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نفس محمد بيده، لودِدْتُ أن أغزو في سبيل الله فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل".(3)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن أم الربيع البراء وهي أم حارثة بن سراقة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قتل يوم بدر فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء فقال: "يا أم حارثة إنها جنان وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى".(4)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جيء بأبي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مثل به فوضع بين يديه فذهبت أكشف عن وجهه فنهاني قومي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها".(5)
__________
(1) أخرجه الترمذي (1667، والنسائي (6/40) وأحمد (1/62 و 65 و 66 و 75) المشكاة (2831).
(2) رواه الترمذي، وقال الألباني: "صحيح لغيره"، الترغيب (1275).
(3) رواه البخاري في كتاب التوحيد برقم )7463) ومسلم في كتاب الإمارة برقم (1876).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2809).
(5) أخرجه البخاري (6/32 فتح) ومسلم (2471).(1/242)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن للشهيد عند الله خصال أن يغفر له في أول دفعة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويحلى حُلة الإيمان ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها و يزوج اثنين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه".(1)
وعن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال: سمعت ابي رضي الله عنه وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف" فقام رجل رث الهيئة فقال: يا أبا موسى أأنت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا؟ قال: نعم فرجع إلى أصحابه فقال: "أقرأ عليكم السلام" ثم كسر جفن سيفه فألقاه ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قتل".(2)
(رث الهيئة): خلق الثياب.
(جفن سيفه): غمده.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين".(3)
باب
ثواب الرمي في سبيل الله تعالى
عن عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من رمى بسهم في سبيل الله فهو له عدل محررة".(4)
عدل محررة: رقبة معتقة.
وفيه حض المسلمين على الجهاد في سبيل الله لأمر الجهاد والمجاهدين.
__________
(1) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/293)، رواه أحمد وفيه ست خصال والبزار والطبراني إلا أنه قال سبع خصال وهي كذلك ورجال أحمد والطبراني ثقات.
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1886).
(4) رواه أبو داود برقم (3965) والترمذي برقم (1638) وقال: "حديث حسن صحيح"، وصححه العلامة الألباني صحيح الجامع (6268)، الصحيحة (351) والترغيب (1285).(1/243)
عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: وهو على المنبر يقول: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي".(1)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه يحتسب في صنع الخير والرامي به ومنبله وارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا ومن ترك الرمي بعد علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها أو قال كفرها".(2)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة ومن رمى بسهم في سبيل الله أخطأ أو أصاب كان بمثل رقبة من ولد إسماعيل".(3)
وعن أبي نجيح عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من بلغ بسهمٍ فهو له درجة في الجنة"، فبلغت يومئذ ستة عشر سهماً. (4)
"من بلغ بسهم" أي: أصاب العدو.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإمارى برقم (1917).
(2) رواه أبو داود والنسائي والحاكم وقال: صحيح الإسناد، فقه السيرة (225).
(3) رواه الطبراني، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/270): (رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات)، وقال الألباني: "صحيح لغيره".السلسلة الصحيحة (1244، 1240)، والمشكاة (4459) والترغيب (1290) .
(4) رواه النسائي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1284).(1/244)
وعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - على قوم ينتضلون فقال: "ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً، ارموا وأنا مع بني فلان" فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما لكم لا ترمون." قالوا: كيف نرمي وأنتَ معهم؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ارموا وأنا معكم كلِّكم".(1)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من عَلِمَ الرمي ثم تركه فليس منا، أو فقد عَصَى".(2)
قال الأُبي في شرحه على مسلم: "هذا تشديد عظيم في نسيانه بعد تعلمه، وهو مكروه كراهة شديدة" أ.هـ. إكمال الإكمال للأبي (5/264)
معنى ليس منا: ليس على سيرتنا ولا متصفاً بصفات العرب.
وعنه - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ستفتح عليكم أرضُون، ويكفيكم الله، فلا يعجز أحَدكُم أن يَلْهُو بأسْهُمِه".(3)
قال السنوسي: "وكأنه قيل: إن الله سيفتح عليكم الروم قريباً وهم رماة، وسيكفيكم الله شرهم بواسطة الرمي، فلا يعجز أحدكم أن يلهوا بأسهمه، ولا عليكم أن تهتموا بالرمي حتى إذا حاربتم الروم تكونون متمكنين منه، وإنما أخرج فخرج اللهو إمالةً للنفوس على تعلمه، فإن النفوس مجبولة على ميلها إلى اللهو" أ.هـ. شرح صحيح مسلم المسمى مكمل إكمال الإكمال (5/264)
باب
ثواب الغزاة في البحر
__________
(1) رواه البخاري في الجهاد برقم (2899).
(2) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1919).
(3) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1918).(1/245)
عن أنس - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمهُ وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم استيقظ وهو يضحك قالت: فقلت يا رسول الله: ما يضحكك؟ قال: "ناس من أمتي عرضوا على غزاة في سبيل الله يركبون بثج هذا البحر ملوكاً على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة" قالت: فقلت: يا رسول الله أدع الله أن يجعلني منهم فدعا لها ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: "ناس من أمتي عرضوا على غزاة في سبيل الله" كما قال في الأولى قالت فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال: "أنت من الأولين" فركبت أم حرام البحر في زمن معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت".(1)
(بثج البحر): بثاء مثلثة وباء موحدة مفتوحتين وجيم محركاً هو وسطه.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير (2788) و (2789) وفي كتاب الاستئذان برقم (6282 و 6283) ومسلم في كتاب الإمارة برقم (4911).(1/246)
وعنه قال: جاء ناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أبعث معنا رجالاً يعلمونا القرآن والسنة فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار يقال لهم: القراء فيهم خالي حرام يقرؤون القرآن ويتدارسون بالليل يتعلمون وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة للفقراء فبعثهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان فقالوا اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا وأتى رجلٌ حراماً خال أنس من خلفه فطعنه برمحٍ حتى أنفذه فقال حرام: فزتُ ورب الكعبة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن إخوانكم قد قتلوا وإنهم قالوا اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا".(1)
وعن أنس - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وإن له ما على الأرض من شئ إلا الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة".(2)
وفي رواية: "لما يرى من فضل الشهادة".
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم، وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تم أجورهم".(3)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "قفلةٌ كغزوةٍ".(4)
القفلة: الرجوع والمراد: الرجوع من الغزو بعد فراغه ومعناه أنه يثاب في رجوعه بعد فراغه من الغزو.
__________
(1) رواه البخاري (6/18 – 19 فتح) ومسلم في كتاب الإمارة برقم (4894).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير برقم (2817)، والرواية الثانية لمسلم في كتاب الإمارة برقم (4845).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة برقم (4903).
(4) أخرجه أبو داود برقم (2487) وأحمد (2/174) وغيرهما، المشكاة (3841).(1/247)
وعن أم حرام رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المائدُ في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد، والغريق له أجر شهيد".(1)
باب
ثواب من خرج إلى الجهاد في سبيل الله تعالى (فمات)
قال الله تعالى: { ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون } .(2)
وقال تعالى: { ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً } .(3)
وقال تعالى: { والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً وإن الله لهو خير الرازقين ليدخلنهم مدخلاً يرضونه وإن الله لعليم حليم } .(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيل الله وتصديق بكلماته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه بما نال من أجر أو غنيمة".(5)
وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم لا يفتر صلاةً ولا صياماً حتى يرجعه الله إلى أهله بما يرجعه إليهم من غنيمة أو أجر أو
يتوفاه فيدخله الجنة".(6)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما تعدون الشهداء فيكم" قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد قال: "إن شهداء أمتي إذاً قليل" قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: "من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات من البَطْن فهو شهيد".
__________
(1) رواه أبو داود، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1343).
(2) آل عمران (157).
(3) النساء (100).
(4) الحج (58-59).
(5) رواه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7463)، واللفظ له، ومسلم في كتاب الإمارة (4838).
(6) سبق تخريجه.(1/248)
قال ابن مقسم: أشهد على أبيك –يعني أبا صالح- أنه قال: "والغريق شهيد".(1)
عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم خيبر: "لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يرجوا أن يعطاها فقال: "أين علي بن أبي طالب؟" فقيل: يا رسول الله هو يشتكي عينيه قال: "فأرسلوا إليه" فأتي به فبصق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال علي رضي الله عنه: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: "أنفذ على رسلك حتى تنزل باسحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم".(2)
يدوكون: أي يخوضون ويتحدثون.
رسلك: بكسر الراء وبفتحها لغتان: والكسر أوضح.
غدوا: ساروا أو النهار.
يشتكي: يتوجع.
انفذ على رسلك: امض على مهل ولا تتعجل.
بساحتهم: ناحيتهم.
حق الله تعالى: ما أمر به وما نهى عنه.
يهدي الله بك: ينقذ من الكفر أو الضلال.
حمر النعم: أكثر ما يقع على الإبل والإبل الحمراء كانت أنفس أموال العرب ولذا أصبحت الجملة يضرب بها المثل في كل نفيس وأنه ليس هناك شيء أعظم منه.
باب
ثواب من جرح في سبيل الله عز وجل
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2829)، ومسلم في كتاب الإمارة برقم (4918).
(2) أخرجه البخاري في الجهاد والسير برقم (2942) ، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (3701 و 4713).(1/249)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي اللون لون الدم والريح ريح المسك". (1)
وفي رواية: "كل كلم يكلم في سبيل الله يكون يوم القيامة كهيئتها يوم طعنت تفجر دماً اللون لون الدم والعرف عرف مسك".(2)
العرف: بفتح العين وإسكان الراء هو الرائحة.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو عليَّ ضامن أن أدخله الجنة أو رجعة إلى منزله الذي خرج بما نال من أجر أو غنيمة والذي نفس محمد بيده ما من كلم يُكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئة يوم كُلِم لونه لون الدم وريحه ريح المسك والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سريةٍ تغزوا في سبيل الله أبداً ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزوا في سبيل الله فأقتل ثم أغزوا فأقتل ثم أغزوا فأقتل".(3)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "تضمن الله لمن خرج في سبيله" وفي الرواية الأخرى (تكفل الله).
الكلم: بفتح الكاف وإسكان اللام هو الجرح.
قال النووي رحمه الله تعالى: (ومعناهما أوجب الله تعالى له الجنة بفضله وكرمه سبحانه وتعالى وهذا الضمان والكفالة موافق لقوله تعالى: { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } الآية.
ورواه مالك والبخاري والنسائي و لفظهم:
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الوضوء برقم (237) ومسلم في كتاب الإمارة (1876).
(2) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (36) ومسلم في كتاب الإمارة برقم (4836).
(3) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1876)، واللفظ له.(1/250)
"تكفل الله لمن جاهد في سبيله، لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله، وتصديق بكلماته، أن يدخله الجنة، أو يردَّه إلى مسكنه بما نال من أجر أو غنيمة" الحديث.
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من جرح جرحاً في سبيل الله جاء يوم القيامة ريحه كريح المسك ولونه لون الزعفران عليه طابع الشهداء ومن سأل الشهادة مخلصاً أعطاه الله أجر شهيد وإن مات على فراشه".(1)
وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال: "من قاتل في سبيل الله من رجل مسلم فواق ناقةٍ وجبت له الجنة ومن جرح جرحاً في سبيل الله أو نكب نكبةً فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها الزعفران وريحها المسك".(2)
باب
ثواب المبطون والغريق ومن مات تحت الهدم
عن أبي إسحاق السبيعي قال: قال سليمان بن صرد لخالد بن عرفطة أو خالد السليمان أما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قتله بطنه لم يعذب في قبره" فقال أحدهما لصاحبه نعم. (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما تعدون الشهيد فيكم؟" قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد قال: "إن شهداء أمتي إذاً لقليل" قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: "من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ومن مات بالطاعون فهو شهيد ومن مات في البطن فهو شهيد" قال ابن مقسم: أشهد على أبيك يعني أبا صالح أنه قال: "والغريق شهيد".
وفي رواية: "الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم".(4)
باب
ثواب من قتل كافراً
__________
(1) رواه ابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرطهما.
(2) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، المشكاة (3825 و 3830).
(3) رواه الترمذي وحسنه وابن حبان إلا أنه قال لخالد بن عرفطة ولم يذكرها خالد بن سليمان، وقال الألباني: "صحيح"، الجامع (6337)، وقال صحيح.
(4) سبق تخريجه.(1/251)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبداً".(1)
باب
ثواب المشي والغبار في سبيل الله تعالى
وعن أبي عبس عبد الرحمن بن جبر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما اغبرت قدما عبدٍ في سبيل الله فتمسه النار".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبداً ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ولا يجتمع على عبدٍ غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبداً".(4)
باب
ثواب الحريق وصاحب الجنب والنفساء
تموت وولدها في بطنها
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: دخلنا على عبد الله بن رواحة نعوده فأغمي عليه فقلنا رحمك الله إن كنا لنحب أن تموت على غير هذا وإن كنا لنرجوا لك الشهادة فدَخل النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن نذكر هذا فقال: "وفيم تعدون الشهادة؟" فأرم القوم وتحرك عبد الله فقال: ألا تجيبون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أجابه هو فقال: نعد الشهادة في القتل فقال: "إن شهداء أمتي إذاً لقليل أفي القتل شهادة وفي الطاعون شهادة وفي البطن شهادة وفي الغرق شهادة وفي النفساء يقتلها ولدها جمعاً شهادة".(5)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1891).
(2) رواه البخاري (6/29 فتح).
(3) رواه النسائي عن أبي هريرة، صحيح الجامع (7492).
(4) رواه الترمذي وصححه، والنسائي والحاكم وقال: صحيح الإسناد، المشكاة برقم (3828).
(5) رواه أحمد والطبراني بإسناد جيد واللفظ له ورواتهما ثقات، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1394).(1/252)
قوله: (أرم القوم) أي: سكتوا وهو بفتح الراء وتشديد الميم.
وعن جابر بن عتيك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غُلب فصاح به فلم يجبه فاسترجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "غُلبنا عليك يا أبا الربيع!؟ فصاحت النسوة وبكين وجعل ابن عتيك يُسكتهن فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : "دعهن فإذا وجبت فلا تبكين باكية" قالوا: وما الوجوب يا رسول الله؟ قال: "إذا مات".
قالت ابنته والله إني لأرجو أن تكون شهيداً فإنك كنت قد قضيت جهازك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله قد أوقع أجره على قدر نيَّته، وما تعدون الشهادة؟" قالوا: القتل في سبيل الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله المبطون شهيد والغريق شهيد وصاحب الجنب شهيد والذي يموت تحت الهدم شهيد والمرأة تموت بجمعٍ شهيد".(1)
(جهازك) بفتح الجيم وكسرها: ما يحتاج إليه في السفر والمراد: تَمَّمْتَ جهاز آخرتك وهو العمل الصالح بالموت، قاله أبو الحسن السندي.
باب
ثواب من قتل دون ماله أو دمه أو دينه أو اهله
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك" قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله" قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد" قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار".(2)
وعن عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قتل دون ماله فهو شهيد".(3)
__________
(1) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان، المشكاة (1560) الجنائز (ص 29) وصحيح الترغيب (1398).
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (140).
(3) رواه البخاري في كتاب المظالم برقم (2480).(1/253)
وعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه لهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد".(1)
باب
ثواب من مات بالطاعون
عن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الطاعون شهادة لكل مسلم".(2)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الطاعون فقال: "كان عذاباً يبعثه الله على من كان قبلكم فجعله الله رحمة للمؤمنين ما من عبد يكون في بلدٍ فيكون فيه فيمكث لا يخرج صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب له إلا كان له أجر شهيد".(3)
وعن أبي بكر بن أبي موسى قال: ذكر الطاعون عند أبي موسى فقال: سألنا عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "وخز أعدائكم من الجن وهو لكم شهادة".(4)
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فناء أمتي بالطعن والطاعون" فقيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون؟ قال: "وخز أعدائكم من الجن وفي كل شهادة".(5)
الوخز: بفتح الواو وإسكان الخاء المعجمة وبالزاي هو الطعن، وقال الألباني رحمه الله: لكن ليس بنافذ، كذا قيده أهل اللغة: الجوهري وغيره أفاده الناجي.
__________
(1) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، المشكاة (3529) ، الإرواء (708)، الجنائز (ص 42).
(2) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2830)، ومسلم في كتاب الإمارة برقم (1916).
(3) رواه البخاري في كتاب الطب برقم (5734).
(4) رواه الحاكم وقال "صحيح الإسناد على شرط مسلم" وقال الألباني: "حسن صحيح"، الترغيب (1404).
(5) رواه أحمد بإسناد صحيح، وأبو يعلى والبزار والطبراني، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1403).(1/254)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون".
قلت: يا رسول الله! هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون؟ قال: "غدّة كغدة البعير، المقيم بها كالشهيد، والفار منها كالفار من الزحف".(1)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في الطاعون: "الفار منه كالفار من الزحف، ومن صبر فيه كان له أجر شهيد".(2)
???????
باب
ثواب قراءة القرآن
قال الله تعالى: { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارةً لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور } .(3) وقال تعالى: { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون } .(4)
إن من صفات المؤمنين أن يخشعون لذكر الله تعالى ويزدادون إيماناً مع إيمانهم بتلاوة القرآن الكريم وسماع آياته.
وقال تعالى: { اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر } .(5)
وقال تعالى: { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً } .(6) وقال تعالى: { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين } .(7)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه".(8)
__________
(1) رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (1408).
(2) رواه أحمد والبزار والطبراني، وإسناد أحمد حسن، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1409)
(3) فاطر (29-35).
(4) الأنفال (2).
(5) العنكبوت (45).
(6) الإسراء (45).
(7) الإسراء (82).
(8) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1871).(1/255)
الله سبحانه وتعالى يُشفِّع القرآن في أصحابه وأصحاب القرآن هم الذين كانوا يتلونه ويقرؤونه في الدنيا ويعملون به ويكون حجة لمن يقرآه ويعمل به في الدنيا وكذلك يكون حجة على الذين يقرؤونه ولا يعملون به في الدنيا.
وعن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان
عن صاحبهما".(1)
"تقدمه" : تتقدمه ."تحاجان عن صاحبهما" : تجادلان عن التالي لهما العامل بهما.
فالقرآن يكون شفيع لأصحابه يوم القيامة وثواب تلاوة وحفظ سورة البقرة وآل عمران وإنهما تحاجان عن صاحبهما.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول (ألم) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف".(2)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - ،أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده".(3)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق، له أجران". الماهر: أي الحاذق، والمراد هنا جودة التلاوة مع حسن الحفظ.
والمراد بالسفرة: الكتبة.والبررة: أي المطيعين المطهرين من الذنوب.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1873) والترمذي في كتاب فضائل القرآن برقم (2883)
(2) أخرجه الترمذي في سننه برقم (2910) ، باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ما له من الأجر ، سعيد بن منصور برقم (6)،مصنف عبد الرزاق (5993) .
(3) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2699).(1/256)
يتتعتع فيه: أي الذي يتردد في تلاوته لضعف حفظه فله أجران: أجر بالقراءة وأجر بتتعتعه في تلاوته ومشقته.
وليس معناه: الذي يتتعتع عليه له من الأجر أكثر من الماهر به، بل الماهر أفضل وأكثر أجراً. شرح النووي (6/85)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا حسد إلا في اثنين: رجل علمهُ الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعهُ جارٌ له فقال: ليتني أُوتيتُ مثل ما أُوتي فلان، فعملتُ مثلَ ما يعمل، ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق، فقال رجلٌ: ليتني أُوتيتُ مثل ما أُوتيَ فلانٌ، فعمِلتُ مثلَ ما يَعْمَل".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسَجَد، اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله – وفي رواية: يا وَيْلي- أُمِرَ ابنُ آدَمَ بالسُّجُودِ فسَجَد فلَهُ الجنة، وأُمِرتُ بالسُّجود فأبَيْتُ فِلي النّار".(2)
السجدة: يعني: آية السجدة.
وعن جابر - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أُحد (يعني في القبر) ثم يقول: "أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟" فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد".(3)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم بها آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار".(4)
الآناء : الساعات .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5026).
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (81).
(3) رواه البخاري.
(4) أخرجه البخاري في كتاب العلم برقم (73) وفي كتاب التوحيد برقم (7529) وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1891 و 1892 و 1893).(1/257)
قال العلماء : الحسد قسمان حقيقي ومجازي، فالحقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة، وأما المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى زوال النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها فإن كانت في أمور الدنيا كانت مباحة وإن كانت طاعة فهي مستحبة والمراد بالحديث: لا غبطة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين وما في معناهما.
وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".(1)
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "القرآن شافع مشفع وما حل مصدق من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار".(2)
وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ القرآن وتعمله وعمل به ألبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثلُ ضوء الشمس ويُكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان: بما كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين ومن قرأ في ليلةٍ مائة آية كتب من القانتين".(4)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين".(5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5027).
(2) أخرجه ابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان عن جابر، صحيح الجامع برقم (4319).
(3) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ورواه أبو داود بالمعنى، المشكاة (2139).
(4) أخرجه ابن خزيمة والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، الترغيب (377).
(5) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1894) وابن ماجة في المقدمة باب فضل من تعلم القرآن وعلمه برقم (218).(1/258)
الله سبحانه وتعالى يرفع ذكر الذين يعملون بالقرآن في الدنيا والذين لا يعملون به يكونون في أدنى المنازل.
والله سبحانه من سعة رحمته وكرمه جل وعلا يضاعف الأجر للعباد فضلاً منه ونعمة وأن الأجر يقع على الحرف وأن الحسنات تتضاعف.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: والصواب أن يقال: إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدراً، وثواب كثرة القراءة أكثر عدداً فالأول: كمن تصدق بجوهرة عظيمة أو أعتق عبداً قيمته نفيسه جداً، والثاني: كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم أو أعتق عدداً من العبيد قيمتهم رخيصة وفي صحيح البخاري عن قتادة قال: سألت أنساً عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان يمد مداً.أ.هـ.زاد المعاد (1/252)
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر".(1)
خصت الأترجة بالتمثيل دون غيرها من الفاكهة التي تجمع طيب الطعام والريح كالتفاحة لأنه يتداوى بقشرها وهو مفرح بالخاصية ويستخرج من حبها دهن له منافع وفيها منافع أخرى، وقد ذكر ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى فوائد عديدة للأترج وقال: وحقيق بشيء هذه منافعه أن يشبه به خلاصة الوجود وهو المؤمن الذي يقرأ القرآن وكان بعض السلف يحب النظر إليه لما في منظره من التفريح . أ هـ .زاد المعاد (4/230) .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5020 و 5059 و 7560) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1857).(1/259)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاث خلفات عظام سمان؟" قلنا نعم قال: "فثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفاتٍ عظام سمان".(2)
(الخلفات) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام : الحوامل من الإبل إلى أن يمضي عليها نصف أمدها ثم هي عشار والواحدة خلفة وعشراء.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول القرآن يا رب حلهِ فيلبس حلة الكرامة ثم يقول: يا رب زده فيلبس تاج الكرامة ثم يقول: يا رب ارض عنه فيرضى عنه فيقال له: اقرأ وارق ويزداد بكل آية حسنة".(3)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها".(4)
"ارتق" : اصعد في درج الجنة بقدر ما حفظته من آي القرآن.
ومنازل المؤمنين تتفاوت في الجنة حسب أعمالهم واجتهادهم في الدنيا، وفيه فضيلة حفظ القرآن وترتيله وتكون منزلته بقدر ما حفظ من القرآن.
__________
(1) رواه البيهقي عن ابن مسعود وهو في صحيح الجامع برقم (6165).
(2) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم(1869)وابن ماجة في كتاب الأدب برقم(3782).
(3) رواه الترمذي وحسنه وابن خزيمة والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، صحيح الجامع (8030)
(4) رواه أبو داود والترمذي برقم (2914) وابن ماجة (3780) وأحمد (2/192)، المشكاة (2134)، صفة ( ص 125).(1/260)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أبشروا فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبداً".(1)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ في يوم وليلة خمسين آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ مئة آية كتب من القانتين ومن قرأ مئتي آية لم يحاجه القرآن يوم القيامة ومن قرأ خمس مئة كتب له قنطار من الأجر".(2)
(لم يحاجه) أي: لم يخاصمه.
والقرآن يخاصم صاحبه من جهتين في التقصير في تعهده لأنه يؤدي النسيان وفي العمل به لأن فيه استهتار بحقه فمن ترك إحداها خوصم بها والله أعلم.
وفي رواية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ عشر آيات لم يكتب من الغافلين".
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن لله أهلين من الناس" قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته".(3)
باب
ثواب من تعلم القرآن وعلمه لوجه الله تعالى
عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".(4)
فينبغي على كل من تعلم القرآن وكذلك على العالم أن يبذل علمه بعد تعلمه وفيه أجر عظيم أن يتعلم المرء القرآن ويعلمه لغيره ويبلغه.
وفي هذا الحديث تشريف لمن تعلم شيئاً من القرآن وعلمه ورفع منزلته بما تعلم.
__________
(1) أخرجه الطبراني عن جابر، السلسلة الصحيحة (713).
(2) رواه ابن السني، السلسلة الصحيحة (642 - 643 - 757).
(3) رواه النسائي وابن ماجة والحاكم، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1432).
(4) سبق تخريجه.(1/261)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يقول الصيام رب إني منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن رب إني منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان".(1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران".(2)
السفرة: هم الملائكة الرسل إلى الرسل صلوات الله عليهم، لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله، وقيل السفرة الكتبة.
والبررة: المطيعون من البر وهو الطاعة.
فالذي يداوم على قراءة القرآن ويحرص عليه أعظم من منزلة من لا يداوم على قراءته ومن يقرأ القرآن وهو شاق عليه فله أجران أجر على قراءته وآخر على مشقته وتعتعته.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقاً للملائكة السفرة لإتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى، قال: ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم.
__________
(1) رواه أحمد والطبراني والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/181): (رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجال الطبراني رجال الصحيح)،وقال في(10/381):"رواه أحمد وإسناده حسن على ضعف في ابن لهيعة وقد وثقه".وهو في تمام المنة(ص 94)،والمشكاة(1963)،وصحيح الترغيب(973).
(2) أخرجه البخاري (4937) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1859).(1/262)
وعن عقبة بن عامر قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في الصُّفةِ فقال: "أيكم يحب أن يغدوا كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم؟" فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك قال: "أفلا يغدوا أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث واربع خير له من أربع ومن إعدادهن من الإبل؟"(1)
(بطحان) بضم الباء وإسكان الطاء: موضع بقرب المدينة.
والكوما من الإبل بفتح الكاف: العظيمة السنام.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده".(2)
فيه الحث على طلب العلم والاجتماع له ومذاكرته، وأشرف العلوم التي تُذاكر وتُدارس هي القرآن كتاب الله تعالى.
ومجالس العلم لها منزلة خاصة عند الله تبارك وتعالى بأن تنزل عليهم السكينة وتغشاهم الرحمة وتحفهم الملائكة، ويتوج ذلك كله بذكر الله لهم فيمن عنده، ولله ملائكة سياحين في الأرض يلتمسون حلق الذكر وهي مجالس العلم.
قال النووي رحمه الله تعالى: وفي هذا دليل لفضل الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد وهو مذهبنا ومذهب الجمهور.
باب
ثواب قراءة سورة الفاتحة وفضلها
__________
(1) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم(1870)وابو داود في كتاب الصلاة برقم(1456).
(2) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6793) وأبو داود في كتاب الأدب (4946) وابن ماجة برقم (225).(1/263)
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: انطلق نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرةٍ سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحدٍ منكم من شيء. فقال بعضهم: نعم والله إني لأرقي ولكن استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلاً فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ (الحمد لله رب العالمين) فكأنما أنشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحهوهم عليه فقال بعضهم: اقسموا فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له ذلك فقال: "وما يدريك أنها رقية أصبتم أقسموا واضربوا لي معكم بسهم".(1)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وبالجملة فما تضمنته الفاتحة من إخلاص العبودية والثناء على الله وتفويض الأمر كله إليه والاستعانة به والتوكل عليه وسؤاله مجامع النعم كلها وهي الهداية التي تجلب النعم وتدفع النقم من أعظم الأدوية الشافية الكافية. أ.هـ. زاد المعاد (4/141)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطب برقم (5749) ومسلم في كتاب السلام برقم (2201).(1/264)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج فهي خداج. قال: يا أبا هريرة إني إحيانا أكون وراء الإمام؟ قال: يا فارسي إقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل" إذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي ،فإذا قال: الرحمن الرحيم قال الله: أثنى علي عبدي ، فإذا قال: مالك يوم الدين قال الله: مجدني عبدي أو قال: فوض إلي عبدي ، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل.
قال سفيان: دخلت على العلاء بن عبد الرحمن في بيته وهو مريض فسألته عن هذا الحديث فحدثني به. (1)
عن أبي سعيد بن المعلى - رضي الله عنه - قال: كنت أصلي بالمسجد فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أجبه ثم أتيته فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال: "ألم يقل الله تعالى { استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم } " ثم قال: "لأعلمنك سورة هي أعظم سورةٍ في القرآن قبل أن تخرج من المسجد" فأخذ بيدي فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله إنك قلت: لأعلمنك أعظم سورةٍ في القرآن قال: " { الحمد لله رب العالمين } " هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيتُه".(2)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.
(2) رواه البخاري في كتاب التفسير برقم (4474).(1/265)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل –وفي رواية: فنصفها لي ونصفها لعبدي- فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين. قال الله: حمدني عبدي فإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي فإذا قال: مالك يوم الدين قال: مجَّدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سال فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل".(1)
وعن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال: بينما جبريل عليه السلام قاعد عند النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع صوتاً نقيضاً من فوقه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم فسلم وقال: "أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منها إلا أعطتيه".(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن وهي السبع المثاني وهي مقسومة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سال".(3)
وعن انس - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسير فنزل، ونزل رجل إلى جانبه، قال: فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألا أخبرك بأفضل القرآن؟" قال: بلى فقال: "الحمد لله رب العالمين".(4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (395).
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1874) باب فضل الفاتحة والنسائي في (عمل اليوم والليلة) ص 438 وفي المجتبي كتاب الافتتاح.
(3) أخرجه الترمذي والنسائي، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع برقم (5436).
(4) ورواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في الترغيب (1454).(1/266)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما جبريل عليه السلام قاعد عند النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع صوتاً نقيضاً من فوقه فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرفٍ منهما إلا أعطيته".(1)
قوله "نقيضاً": النقيض: هو الصوت. وقال النووي: أي صوتاً كصوت الباب إذا فتح.شرح النووي (6/91)
باب
ثواب قراءة سورة البقرة وفضلها
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة".(2)
وعن أبي سعيد الخدري ، عن أسيد بن حضير رضي الله عنهما وكان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن قال: قرأت الليلة بسورة البقرة وفرسي مربوطة ويحيى ابني مضطجع قريباً مني وهو غلام فجالت جولة فقمت ليس لي هم إلا يحيى ابني فسكنت الفرس ثم قرأت فجالت الفرس فقمت ليس لي هم إلا ابني ثم قرأت فجالت الفرس فرفعت رأسي فإذا بشيء كهيئة المظلة فيها مثل المصابيح مقبل من السماء فهالني فسكنت فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فقال: اقرأ يا أبا يحيى قلت: قد قرأت يا رسول الله فجالت الفرس وليس لي هم إلا ابني فقال: اقرأ يا أبا يحيى قال: قد قرأت فرفعت رأسي فإذا كهيئة المظلة فيها مصابيح فهالني فقال: "ذلك الملائكة دنوا لصوتك ولو قرأت حتى تصبح لأصبح الناس ينظرون إليهم".(3)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (806).
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم(1821)والترمذي في سننه أبواب فضائل القرآن.
(3) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن ومسلم في كتاب صلاة المسافرين.(1/267)
وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه اقرأوا الزهراوين: البقرة وآل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيابتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرأوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة"(1)
قال معاوية: بلغني أن البطلة السحرة.
قال النووي رحمه الله تعالى: سميتا الزهراوين لنورهما وهداتيهما وعظيم أجرها.
(غمامتان) قال أهل اللغة: الغمامة والغيابة كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه من سحابة وغبرة وغيرها.
قال العلماء: المراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين.
وعن النواس بن سمعان الكلابي قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران".
وضرب لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال: "كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق أو كأنهما حِزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما".(2)
(الفرقان): بكسر الفاء وإسكان الراء.(الحزقان): بكسر الحاء المهملة وإسكان الزاي. ومعناهما واحد وهما قطيعان وجماعتان يقال في الواحد فرق وحزق وحزيقة أي جماعة.
(أو ظلتان سوداوان بينهما شرق) بفتح الراء وإسكانها أي: ضياء ونور.
وعن ابن بريدة عن أبيه مرفوعاً: "تعلموا (البقرة) و (آل عمران) فإنهما الزهراوان يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غيايتان، أو فرقان من طير صوافَّ".(3)
باب
ثوب قراءة آية الكرسي وفضلها
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1871).
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1873) والترمذي في كتاب فضائل القرآن برقم (2883)
(3) رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم" وصححه الألباني في الترغيب (1466).(1/268)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه كان على تمر الصدقة فوجد أثر كف كأنه قد أخذ منه فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:تريد أن تأخذه؟ قل: من سخرك لمحمد - صلى الله عليه وسلم - قال أبو هريرة: فقلت فإذا جني قائم بين يديّ فأخذته لأذهب به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنما أخذته لأهل بيت فقراء من الجن ولن أعود قال: فعاد فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: تريد أن تأخذه؟ فقلت: نعم فقال: قل سبحان من سخرك لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقلت فإذا أنا به فأردت أن أذهب به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فعاهدني أن لا يعود فتركته ثم عاد فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: تريد أن تأخذه فقلت: نعم فقال: قل سبحان من سخرك لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقلت فإذا أنا به فقلت: عاهدتني فكذبت وعدت لأذهبن بك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: خل عني أعلمك كلمات إذا قلتهن لم يقربك ذكر ولا أنثى من الجن قلت: وما هؤلاء الكلمات؟! قال: آية الكرسي إقرأها عند كل صباح ومساء
قال أبو هريرة: فخليت عنه فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: "أو ما علمت أنه كذلك".
وفي رواية فإنه لن يزال عليك من الله حافظا حتى تصبح قال "صدقك وهو كذوب ذاك الشيطان".(1)
وعن أُبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا أبا المنذر! آية من كتاب الله معك أعظم؟" قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "يا أبا المنذر! أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟" قال: الله لا إله إلا هو الحي القيوم. قال فضرب في صدري وقال: "والله ليهنك العلم أبا المنذر".(2)
__________
(1) رواه الترمذي عن أبي أيوب الأنصاري وقال: "حديث حسن غريب" وصححه الألباني في الترغيب برقم (1469).
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1882)وابو داود في كتاب الصلاة(1460) .(1/269)
قال النووي رحمه الله تعالى: إنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم لما جمعت من أصول الأسماء والصفات من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات والله اعلم. أ.هـ. شرح مسلم (6/333-334)
باب
ثواب قراءة خواتيم سورة البقرة وفضلها
عن أبي مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه".(1)
كفتاه: قيل معناه: كفتاه من قيام الليل وقيل من الشيطان وقيل من الآفات ويحتمل من الجميع.
وعن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده جبريل عليه السلام إذ سمع نقيضاً فوقه فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: هذا الباب قد فتح من السماء ما فتح قط قال: فنزل ملك فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفاً منه إلا أعطيته".(2)
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فضلنا على الناس بثلاث جعلت الأرض كلها لنا مسجداً وجعلت تربتها لنا طهوراً وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وأوتيت هؤلاء الآيات آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يُعط منه أحد قبلي ولا يعطي منه أحد بعدي".(3)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن ومسلم في كتاب صلاة المسافرين باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة.
(2) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين والنسائي في (عمل اليوم والليلة) وفي (المجتبى) كتاب الافتتاح والحاكم في المستدرك (1/558).
(3) رواه مسلم في أول كتاب المساجد مواضع الصلاة وأحمد في مسنده برقم (5/383).(1/270)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنز الذي تحت العرش فتعلموهن وعلموهن نساءكم وأبناءكم فإنهما صلاة وقرآن".(1)
باب
ثواب قراءة سورة الكهف وفضلها
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ الكهف كما أنزلت كانت له نوراً يوم القيامة من مقامه إلى مكة ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يسلط عليه ومن يتوضأ ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة"(2).
ورواه النسائي وقال في آخره: "ختم عليها بخاتم فوضعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة".
وعن البراء قال: كان رجل يقرأ بسورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنوا وجعل فرسه ينفر منها فلما أصبح أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له فقال" "تلك السكينة تنزلت للقرآن"(3)
(شطن): هو الحبل الطويل المضطرب وشطن تثنية شطنين.
وقال النووي رحمه الله تعالى: وفي هذا الحديث جواز رؤية آحاد الملائكة وفيه فضيلة القراءة وأنها سبب نزل الرحمة وحضور الملائكة وفيه فضيلة استماع القرآن.
__________
(1) أخرجه الحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري"، المشكاة (2173).
(2) أخرجه الحاكم، وصححه الألباني، الصحيحة (582)، الترغيب (218).
(3) أخرجه البخاري في فضائل القرآن برقم (5011) ومسلم في صلاة المسافرين برقم (1853).(1/271)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين".(1)
نص الشافعي على استحباب قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة ويوم الجمعة.
وعن ابي الدرداء - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال".(2)
قيل سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات فمن يتدبرها لم يفتتن بالدجال وكذا في آخرها قوله تعالى { أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا } .
وفي رواية لمسلم: "من آخرِ سُورةِ الكَهف".(3)
باب
ثواب من قرأ سورة تبارك وفضلها
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من القرآن سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي تبارك الذي بيده الملك".(4)
__________
(1) أخرجه النسائي والحاكم وقال:"صحيح الإسناد"،وأخرجه أبو سعيد الدارمي في مسنده موقوفاً على أبي سعيد إلا أنه قال:"من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة اضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق".وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع برقم (6346) والإرواءبرقم (619).
(2) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1880) وأبو داود في كتاب الملاحم برقم (4323) والترمذي في كتاب فضائل القرآن برقم (2886) وأحمد في مسنده (6/446و 449) والنسائي في (عمل اليوم والليلة) ص 527.
(3) صحيح مسلم (1/556).
(4) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة برقم (2891) ، والترمذي في كتاب فضائل القرآن (2891) وقال: (حديث حسن)، وأخرجه النسائي في كتاب التفسير من الكبرى (624) وفي (عمل اليوم والليلة) (710) وابن ماجة في الأدب (3786) ، والحاكم في المستدرك (2/497 - 498) وفيه: (ما هي إلا ثلاثون آية) وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1474).(1/272)
فيه فضيلة سورة الملك وأن كتاب الله يشفع لمن يقرأه ويعمل به.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ضرب بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله ضربت خباءي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر".(1)
باب
ثواب قل هو الله أحد وفضلها
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن" قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: "قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن".
وفي رواية "إن الله عز وجل جزأ القرآن بثلاثة أجزاء فجعل (قل هو الله أحد) جزءاً من أجزاء القرآن".(2)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: (قل هو الله أحد) يرددها فلما أصبح جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له وكان الرجل يتقالها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن".(3)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أحب هذه السورة قل هو الله أحد، قال: "إن حبها أدخلك الجنة".(4)
فيه إثبات ثواب وفضل سورة الإخلاص وأنها تعدل ثلث القرآن وأنه يدخل صاحبها الجنة.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب فضائل القرآن (2890) وقال : "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه" .
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (811).
(3) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5013).
(4) أخرجه البخاري تعليقاً ووصله الترمذي (2901) من طريقه عن إسماعيل بن ابي أويس.(1/273)
قال عبد الله بن خبيب: خرجنا في ليلة مطرٍ و ظلمةٍ شديدة نطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصلي لنا فأدركناه فقال: قل فلم أقل شيئاً ثم قال "قل" فلم اقل شيئا قال "قل" قلت يا رسول الله: ما أقول؟ قال: "قل هو الله أحد" والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات يكفيك من كل شيء".(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له بيتاً في الجنة".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن" فحشد من حشد ثم خرج نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ: (قل هو الله أحد) ثم دخل فقال بعضنا لبعض: إني أرى هذا خبر جاءه من السماء فذاك الذي أدخله ثم خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إني قلت لكم: سأقرأ عليكم ثلث القرآن إلا أنها تعتدل ثلث القرآن".(3)
قال المازري: قيل معناه: أن القرآن على ثلاثة أنحاء قصص وأحكام وصفات لله تعالى. وقل هو الله أحد متمحضة للصفات فهي ثلث وجزء من ثلاثة أجزاء وقيل: معناه أن ثواب قراءتها يضاعف بقدر ثلث قراءة ثلث القرآن بغير تضعيف.
قوله (احشدوا) أي: اجتمعوا.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلاً على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ (قل هو الله أحد) فلما رجعوا ذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "سلوه لأي شيء يصنع ذلك" فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أخبروه أن الله يحبه".(4)
__________
(1) صحيح الكلم الطيب (31).
(2) الصحيحة (589)، المشكاة (2185).
(3) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1885) ، والترمذي في كتاب فضائل القرآن برقم (2900)
(4) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7375)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1887).(1/274)
وفي رواية للبخاري من حديث أنس: فقال: يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة فقال: إني أحبها فقال: "حبك إياها أدخلك الجنة".
باب
ثواب قراءة الزلزلة وما يذكر معها
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا زلزلت تعدل نصف القرآن"، و "قل هو الله أحد" تعدل ثلث القرآن، و "قل يا أيها الكافرون" تعدل ربع القرآن".(1)
باب
ثواب المعوذتين وفضلهما
عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنزلت عليَّ آيات لم ير مثلهن قط المعوذتين".(2)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وفي المعوذتين الإستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلاً فإن الإستعاذة من شر ما خلق تعم لك شر يستعاذ منه سواء كان في الأجسام أو الأرواح.
وقال رحمه الله تعالى: فقد جمعت السورتان الإستعاذة من كل شر ولهما شأن عظيم في الإحتراس والتحصن من الشرور قبل وقوعها ولهذا أوصى النبي
- صلى الله عليه وسلم - عقبة بن عامر بقراءتها عقب كل صلاة، ذكره الترمذي في جامعه(3)
وقال في هذا سر عظيم في استدفاع الشرور من الصلاة إلى الصلاة وقال: ما تعوذ المعوذون بمثلهما. أ.هـ. زاد المعاد (4/143)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اقرأ يا جابر!" فقلت: وما أقرأ بأبي أنت وأمي؟ قال: (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس).
__________
(1) رواه الترمذي والحاكم، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1477).
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين، برقم (1889) وأحمد في مسنده (3/150 و 153) والدارمي في سننه والترمذي في أبواب فضائل القرآن.
(3) أخرجه الترمذي في أبواب فضائل القرآن (2912).(1/275)
فقرأتهما فقال: "أقرأ بهما ولن تقرأ بمثلهما".(1)
???????
أبواب الذكر
والدعاء
باب
ثواب ذكر الله تعالى على الإطلاق وفي كل الأحوال
قال الله تعالى: { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } . البقرة (152).
فالذكر والشكر جماع السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.
وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرةً وأصيلاً هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيماً } .(2) وقال تعالى: { والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً } .(3)
وعن عبد الله بن بسر قال: جاء اعرابي فقال: يا رسول الله! كثُرت عليَّ خلال الإسلام وشرائعه فأخبرني بأمر جامع يكفيني قال: "عليك بذكر الله تعالى" قال: ويكفيني يا رسول الله! قال: "نعم ويفضل عنك". (4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يقول الله تبارك وتعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإٍ خير منهم وإن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً وإذا آتاني يمشي آتيته هرولة".(5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه".(6)
__________
(1) رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الألباني: (حسن صحيح) الترغيب (1486).
(2) الأحزاب (41-43).
(3) الأحزاب (35).
(4) أخرجه الترمذي (3435 تحفة) وابن ماجة (2793) والحاكم (1/495) ، وابن حبان (2717 موارد)، وهو صحيح، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1491).
(5) أخرجه البخاري (13/511 فتح) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6746).
(6) أخرجه ابن ماجة وابن حبان، المشكاة (2285).(1/276)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله تعالى على كل أحيانه.(1)
فعلى المسلم أن لا يغفل عن ذكر الله في أي حال من الأحوال ولا يعيقه شيء عنه، والحديث فيه دلالة على قراءة القرآن وذكر الله للحائض والنفساء لأنهما يدخلان في عموم الذكر.
قال النووي رحمه الله تعالى : هذا الحديث أصل في جواز ذكر الله تعالى بالتسبيح والتكبير والتحميد وشبهها من الأذكار وهذا جائز بإجماع المسلمين.
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟" قالوا: بلى قال: "ذكر الله".(2)
أزكاها: أكثرها ثواباً وأطهرها، وأرفعها: أزيدها.
فيه بيان فضل الذكر وأنه خير من الضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل ونفقة الأموال في سبيل الله.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: "الذاكرون الله كثيراً" قال: قلت: يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله؟ قال: "لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دماً لكان الذاكرون لله أفضل درجة".(3)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان تعليقا (634) ومسلم في كتاب الحيض برقم (824).
(2) رواه الترمذي برقم (3377) ، وابن ماجة برقم (3790) ، وأحمد (5/195) ، والحاكم (1/496) وقال: إسناده صحيح، وصححه شيخنا الألباني في المشكاة (2269)، الكلم (1).
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الدعاء برقم (3376).(1/277)
وعن معاذ - رضي الله عنه - ،عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن رجلاً سأل فقال: أي المجاهدين أعظم أجراً؟ قال: "أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا" قال: فأي الصائمين أعظم أجراً" قال: "أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا" ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا" فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما: يا أبا حفص ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أجل".(1)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: فأفضل الذاكرين المجاهدون وأفضل المجاهدين الذاكرون.
وعن الأغر أبي مسلم قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يقعد قوم في مجلس يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده".(2)
وعنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وآتاه رجل فقال: يا رسول الله! كيف أقول حين أسأل ربي عز وجل؟ قال: "قل: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني ويجمع أصابعه إلا الإبهام فإن هؤلاء تجمع دنياك وآخرتك".(3)
وعن عبد الله بن بسر أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن أبواب الخير كثيرة ولا أستطيع القيام بكلها فأخبرني بما شئت أتشبث به ولا تكثر علي فأنسى، وفي رواية: إن شرائع الإسلام قد كثرت علي وأنا قد كبرت فأخبرني بشيء أتشبث به: قال: "لا يزال لسانك رطباً بذكر الله تعالى".(4)
__________
(1) رواه أحمد في المسند (3/169)، والترمذي في كتاب الدعوات.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6795)والترمذي في الدعوات برقم (3378).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6791).
(4) أخرجه الترمذي (3435 تحفة) وابن ماجة (2793) والحاكم (1/495) وابن حبان (2317موارد) وهو صحيح،صححه العلامة الألباني في الكلم (3) ، والمشكاة رقم (2279) .(1/278)
وعن أبي موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".(1)
وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت".(2)
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا أدلك على ماهو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار قول:
الحمد لله عدد ما خلق، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه والحمد لله على ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، وتسبح الله مثلهن تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك".(3)
وعن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة أنه بلغه عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما عمل أدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل".(4)
ذكر الله تعالى من أفضل الأعمال وأنه ينجي من عذاب الله تعالى.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له : جُمْدان، فقال: سيروا هذا جُمْدانُ سَبقَ المفردون" قيل: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيراً والذاكرات".(5)
قال ابن قتيبة وغيره: واصل المفردين الذين هلك أقرانهم وأنفرودوا عنهم وبقوا يذكرون الله تعالى.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6407) ، ومسلم في صلاة المسافرين برقم(1820).
(2) أخرجه البخاري في الدعوات رقم (6407)،ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم(1820)
(3) رواه الطبراني، وصححه العلامة الألباني في الترغيب.
(4) رواه الإمام أحمد في مسنده (5/639) وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5644).
(5) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6749).(1/279)
وعن الحارث الأشعري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله سبحانه وتعالى أمَرَ يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يَعملَ بها ويأمرَ بني إسرائيل أن يعملوا بها وأنه كاد أن يبطئ بها فقال له عيسى عليه السلام إن الله تعالى أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها فإما أن تأمرهم وإما أن آمُرَهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني أن يخسف بي وأُعذب، فجمع يحيى الناس في بيت المقدس فامتلأ المسجد وقعدوا على الشرف فقال: إن الله تبارك وتعالى أمرني بخمس كلمات أن أعملهن وآمركم أن تعملوا بهن:(1/280)
أولهن: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وإن مثل من اشرك بالله كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورقٍ فقال له: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدِّ إليَّ فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟! وإن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت.وآمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك فكلهم يعجبه ريحه وإن ريح الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك.وآمركم بالصدقة فإن مثل ذلك مثل رجل أسره العدو فأوثقوا يديه إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم، وآمركم أن تذكروا الله تعالى فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وأنا آمركم بخمسٍ الله أمرني بهن: السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم"، فقال رجل: يا رسول الله! وإن صلى وصام؟! قال: "وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم فادعوا بدعوى الله الذي سَّماكم المسلمين المؤمنين عباد الله".(1) جثا: الشيء المجموع.
__________
(1) أخرجه الترمذي (2863 و 2864) وأحمد (4/202) والحاكم (1/421) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وابن حبان (6200) والطيالسي (1161) ، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح" وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الترغيب برقم(870و3553)، والسنة (1036)، والمشكاة (45 و 3694) ، وصحيح ابن خزيمة (483 و 930).(1/281)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: فقد ذكر - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث العظيم الشأن الذي ينبغي لكل مسلم أن يحفظه وأن يتعقله ما ينجي من الشيطان وما يحصل للعبد به الفوز والنجاة في دنياه وأخراه. أ.هـ. الوابل الطيب
وقال رحمه الله تعالى: وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "وآمركم أن تذكروا الله تعالى فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى إلى حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله"، فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقاً بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى وأن لا يزال لهجاً بذكره فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة فهو يرصده فإذا غفل وثب عليه وافترسه وإذا ذكر الله تعالى خنس أي: كف وانقبض. انخس عدو الله وتصاغر وانقمع حتى يكون كالوصع فإذا ذكر الله خنس.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذكر الله تعالى خنس. أ.هـ. الوابل الطيب
الوصع: طائر أصغر من العصفور.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المستهترون بذكر الله يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون الله يوم القيامة خفافاً".(1)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا". قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: "حلق الذكر".(2)
(الرتع): هو الأكل والشرب في خصب وسعة.
باب
ثواب الدعاء عند الرفع من الركوع وفي الاعتدال
__________
(1) رواه مسلم برقم (2676).
(2) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب" وحسنه الألباني في الترغيب (1511).(1/282)
قال رفاعةُ بن رافعٍ: كنا يوماً نصلي وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سمع الله لمن حمده" فقال رجل وراءه "ربنا ولك الحمد حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه" فلما انصرف قال: "من المتكلم؟" قال: أنا قال: "رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول".(1)
يبتدرونها أي: يسارعون إلى كتابة هذه الكلمات لعظم قدرها.
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رجلاً جاء فدخل الصف وقد حفزه النفس فقال: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: أيكم المتكلم بالكلمات؟" فأرم القوم، فقال: "أيكم المتكلم بها؟ فإنه لم يقل بأساً" فقال رجل: جئت وقد حفزني النفس فقلتها: فقال: "لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها".(2)
(حفزه النفس) هو بفتح حروفه وتخفيفها أي ضغطه لسرعته.
فأرم القوم هو بفتح الراء وتشديد الميم أي سكنوا، قال القاضي عياض: ورواه بعضهم في غير صحيح مسلم فأزم بالزاي المفتوحة وتخفيف الميم من الأزم وهو الإمساك وهو صحيح المعنى.
فيه دليل على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة أيضاً.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه".(3)
وفي رواية: "ربنا ولك الحمد" بالواو.
باب
ثواب فيما يقول من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها
__________
(1) أخرجه البخاري (2/284 فتح).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان ومسلم في كتاب الصلاة برقم (912).(1/283)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خَلق كذا؟ من خلقَ كذا؟ حتى يقول من خلق رَبَّك؟ فإذا بَلَغَهُ فليستعِذْ بالله ولينتَهِ".(1)
وفي رواية لمسلم: "فليقل آمنت بالله ورسوله".(2)
وعن عثمان بن ابي العاص - رضي الله عنه - ، أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثا".
قال: ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني. (3)
"يلبسها": أي يخلطها ويشككني فيها، وهو بفتح أوله وكسر ثالثه.
ومعنى حال بيني وبينها: أي نكدني فيها ومنعني لذتها والفراغ للخشوع فيها. شرح النووي (14/190)
باب
ثواب الأذكار بعد الصلاة وفضلها
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العُلا والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون فقال: "ألا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: "تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين".(4)
الدثور: هو المال الكثير.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3276) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (134).
(2) صحيح مسلم (1/120).
(3) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2203).
(4) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (843)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (595).(1/284)
وعن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاثاً وثلاثين تسبيحة وثلاثاً وثلاثين تحميدة وأربعاً وثلاثين تكبيرة".(1)
قوله: "معقبات" معناه: تسبيحات تفعل أعقاب الصلاة، سُميَّت معقبات لأنها تفعل مرة بعد مرة أخرى. شرح النووي (5/95).
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرآ آية الكرسي عقب كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت".(2)
يعني لم يكن بينه وبين دخول الجنة إلا أن يموت.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليها عبد مسلم إلا دخل الجنة وهما يسير ومن يعمل بهما قليل: يسبح الله تعالى دبر كل صلاة عشراً ويحمد عشراً ويكبر عشراً فذلك خمسون ومئة باللسان وألف وخمس مئة في الميزان ويكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمد ثلاثاً وثلاثين ويسبح ثلاثاً وثلاثين فذلك مئة باللسان وألف بالميزان" قال: فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعقدها بيده، قالوا: يا رسول الله! كيف هما يسير ومن يعمل بها قليل؟ قال: "يأتي أحدكم يعني الشيطان في منامه فينومه قبل أن يقوله ويأتيه في صلاته فيذكره حاجةً قبل أن يقولها".(3)
باب
الحث على ذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح والمغرب
__________
(1) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (596).
(2) أخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة) برقم (100) وابن السني في (عمل اليوم والليلة) برقم (123) والطبراني (7532) من طرق عن محمد بن حمير: حدثني محمد بن زياد الألهاني قال: سمعت أبا أمامة وذكره، المشكاة (974) الصحيحة (972) تمام المنة (ص 227).
(3) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وفيه عطاء بن السائب وفيه اختلاف بسبب اختلاطه، المشكاة (2406) الكلم (111) الترغيب(1/285)
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت كأجر حجة وعمرة تامة تامةٍ تامةٍ".(1)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال في دبر صلاةِ الصبح وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، عشر مرات كُتِبَ له عشر حسنات ومحي عنه عشر سئيات ورُفعَ له عشر درجات وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه وحُرِسَ من الشيطان ولم ينبغ لذنب أن يدركه اليوم إلا الشرك بالله تعالى".(2)
وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حَسَناً".(3)
(حَسَناً) بفتح السين وبالتنوين أي طلوعاً حسناً أي: مرتفعة.
وعن عمارة بن شبيب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير (عشر مرات) على أثر المغرب بعث الله له مسلحة يحفظونه من الشيطان حتى يصبح، وكتب الله له بها عشر حسنات موجبات ومحا عنه عشر سيئات موبقات، وكانت له بعدل عشر رقباتٍ مؤمناتٍ".(4)
__________
(1) صحيح الجامع للشيخ الألباني برقم (6222)، وصحيح الترغيب برقم (461).
(2) تمام المنة (ص 922).
(3) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (670).
(4) رواه النسائي والترمذي وقال: "حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد، لا نعرف لعمارة سماعاً من النبي - صلى الله عليه وسلم - "، وحسنه العلامة الألباني في الترغيب برقم (469).(1/286)
وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال إذا أصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (عشر مرات) كتب الله له بهن عشر حسنات ومحا بهن عشر سيئات ورفع له بهن عشر درجات وكن له عدل عِتاقةِ أربع رقابٍ وكن له حَرَساً حتى يمسي، ومن قالهن إذا صلى المغرب دُبر صلاته فمثل ذلك حتى يصبح".(1)
وزاد ابن حبان في رواية له: "وكن له عدل عشر رقاب".
(إذا أصبح): أي إذا صلى الصبح.
وعن أبي أمامة رضي عنه الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال دبر صلاةِ الغداةِ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، مائة مرة قبل أن يثني رجليه كان
يؤمئذ من أفضل أهل الأرض عملاً إلا من قال مثل ما قال، أو زاد على ما قال".(2)
وعن عبد الرحمن بن غنم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قال قبل أن ينصرف ويثني رجليه من صلاة المغرب والصبح: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له،له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير" عشر مرات كتب الله له بكل واحدةٍ عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشرَ درجات وكانت جِرزاً من كل مكروه وجرزاً من الشيطان الرجيم، ولم يَجلّ الذنبِ أن يُدركه إلا الشرك وكان من أفضل الناس عَمَلاً، إلا رجلاً يفضُلُهُ، يقول أفضل مما قال".(3)
باب
ثواب ذكر الله بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس
__________
(1) رواه أحمد والنسائي وابن حبان في"صحيحه"وهذا لفظه، وصححه الألباني في الترغيب برقم(470).
(2) رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد جيد، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (471).
(3) رواه أحمد ورجاله رجال "الصحيح" غير شهر بن حوشب، وعبد الرحمن بن غنم مختلف في صحبته، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (472).(1/287)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة".
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تامة تامة تامة".(1)
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن أقعد مع قوم يذكرون الله، من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن اقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة".(2)
وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناً" أي طلوعاً حسناً أي مرتفعة".(3)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لأن أقعد أذكر الله سبحانه وتعالى، وأكبره، وأحمدْ، وأسبحه، وأهلله، حتى تطلع الشمس، أحب إلي من أن أعتق رقبتين أو أكثر من ولد إسماعيل، ومن بعد العصر حتى تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب من ولد إسماعيل".(4)
وعنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى صلاة الغداة في جماعة، ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجةٍ وعمرةٍ".(5)
__________
(1) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (464).
(2) رواه أبو داود، الصحيحة (2916) وصحيح الترغيب (465).
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه أحمد بإسناد حسن، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (466).
(5) رواه الطبراني بإسناد جيد، وكذا قال الهيثمي، الصحيحة (3403)،صحيح الترغيب برقم (467).(1/288)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الصبح، ثم جلس في مجلسهِ حتى تُمِكنَه الصلاةُ، كان بمنزلة عمرةٍ وحجةٍ متقبلتين".(1)
وعن عبد الله بن غابر، أن أبا أمامة وعُتبة بن عبدٍ حدثاه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم ثبت حتى يسبح لله سبحة الضحى، كان له كأجر حاجٍ ومعتمر، تاماً له حجهُ وعمرته".(2)
عن أبي وائل قال: غدونا على عبد الله بن مسعود يوماً بعدما صلينا الغداةَ، فسلمنا بالباب فأُذِنَ لنا قال: فمكثنا بالباب هُنية قال: فخرجت الجارية فقالت: ألا تدخُلُونَ؟ فدخلنا فإذا هو جالس يُسبِّحُ فقال: ما منعكم أن تدخلوا وقد أُذِنَ لكم؟ فقلنا: لا، إلا أنا ظننا أن بعض أهل البيت نائم، قالَ: ظننتم بآل ابن أم عبد غَفْلَةً؟ قال: ثم أقبل يسبح حتى ظن أن الشمس قد طلعت فقال: يا جارية! انظري هل طلعت؟ قال: فنظرت فإذا هي لم تطلُع، فأقبل يسبح حتى إذا ظن أن الشمس قد طلعت قال: يا جارية! انظري هل طلعت؟ فنظرت فإذا هي قد طلعت. فقال: الحمد لله الذي أقالنا يومنا هذا، (فقال مهدي وأحسبُهُ قالَ) ولم يُهلكنا بذنوبنا، قال: فقال رجل من القوم: قرأت المفصل البارحة كُلَّهُ قال، فقال عبد الله: هذا كهذا الشعر؟ إنا لقد سمعنا القرائن وإني لأحفظ القرائن التي كان يقرؤُهنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية عشر من المفصلِ وسورتين من آل حم.(3)
ذكر الأبي في شرحه على مسلم في شرح هذا الحديث:
__________
(1) رواه الطبراني في "الأوسط" ورواته ثقات إلا الفضل بن الموفق، ففيه كلام، وقال الألباني: صحيح لغيره، الترغيب (468).
(2) رواه الطبراني، وبعض رواته مختلف فيه، وللحديث شواهد كثيرة، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (469).
(3) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (278).(1/289)
فائدة الحديث قبول خبر الواحد والعمل بالظن مع القدرة على اليقين لأنه اكتفى بخبرها مع قدرته على رؤية طلوعها.
وفيه أن الأوقات المخصوصة بالذكر ثواب الذكر فيها أكثر من ثواب التلاوة، وفيه، ان الكلام بمثل هذا لا يقطع ورد التسبيح والذكر.أهـ.(3/174)
باب
ثواب الأذكار بعد صلاة الصبح
عن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب الله له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه، وحُرِس من الشيطان، ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم، إلا الشرك بالله".(1)
ورواه النسائي وزاد فيه: "بيده الخير" وزاد فيه أيضا: "وكان له بكل واحدةٍ قالها عتقُ رقبة مؤمنةٍ".
باب
ثواب حلق الذكر والاجتماع عليه
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن لله ملائكة فضلاً عن كتاب الناس يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تعالى تنادوا: هلموا إلى حاجتكم".
قال: "فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا".
قال: "فيسألهم ربهم تعالى وهو أعلم بهم ما يقول عبادي؟"
قال: "يقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك".
قال: "فيقول: هل رأوني؟".
قال: "فيقولون: لا والله ما رأوك".
قال: "فيقول: كيف لو رأوني؟"
قال: "فيقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادةً وأشد لك تحميداً وتمجيداً وأكثر لك تسبيحاً".
قال: "فيقول: ما يسألوني؟".
قال: "فيقولون: يسألون الجنة".
قال: "فيقول: وهل رأوها؟".
قال: "فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها".
قال: "فيقول: كيف لو أنهم رأوها؟".
__________
(1) رواه الترمذي واللفظ له، وقال: "حديث حسن غريب صحيح"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (472).(1/290)
قال: "يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبةً".
قال: "فيقول: فمم يستعيذون؟".
قال: "فيقولون: من النار".
قال: "فيقول: وهل رأوها؟".
قال: "يقولون: لا والله يا رب! ما رأوها".
قال: "يقول: كيف لو رأوها".
قال: "يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافةً".
قال: "يقول: فاشهدكم أني قد غفرت لهم".
قال: "فيقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجةٍ".
قال: "هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم".(1)
فيه من الفوائد فضيلة الذكر وفضيلة مجالسه والجلوس مع أهله وإن لم يشاركهم، وفضيلة مجالسة الصالحين وبركتهم.
(فضلاً) قال العلماء: أنهم ملائكة زائدون على الحفظة فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم وإنما مقصودهم حلق الذكر.
(ملائكة سيارة) معناه: سياحون في الأرض.
(ويستجيرونك من نارك) أي: يطلبون الأمان منها.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وذكر الله تعالى ضربان: ذكر بالقلب وذكر باللسان وذكر القلب نوعان:
أحدهما: وهو أرفع الأذكار وأجلها: الفكر في عظمة الله تعالى وجلاله وجبروته وملكوته وآياته في سمواته وأرضه ومنه الحديث: (خير الذكر الخفي) والمراد هذا.
والثاني ذكره بالقلب عند الأمر والنهي فيتمثل ما أمر به ويترك ما نهى عنه ويقف عما أشكل عليه وأما ذكر اللسان مجرداً فهو أضعف الأذكار ولكن فيه فضل عظيم كما جاءت به الأحاديث.
وقال رحمه الله تعالى: واختلفوا هل تكتب الملائكة ذكر القلب؟ فقيل: تكتبه ويجعل الله تعالى لهم علامة يعرفونه بها وقيل: لا يكتبونه لأنه لا يطلع عليه غير الله.
قال النووي رحمه الله تعالى:قلت:والصحيح أنهم يكتبونه وأن ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من القلب وحده والله أعلم.أهـ . شرح مسلم(17/18)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات تعليقاً برقم (6408) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6780).(1/291)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله ما غنيمة مجالس الذكر؟ قال: "غنيمة مجالس الذكر الجنة".(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما اجتمع قوم على ذكر فتفرقوا عنه إلا قيل لهم: قوموا مغفوراً لكم".(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم منادٍ من السماء أن قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات".(3)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليبعثن الله أقواماً يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء"
قال: فجثا أعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله جلهم لنا نعرفهم قال: هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله".(4)
وعن معاوية رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على حلقةٍ من أصحابه فقال: "ما أجلسكم" قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا.
قال: "آلله ما أجلسكم إلا ذلك" قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك قال: "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة".(5)
__________
(1) رواه الإمام أحمد (2/177 و 190).
(2) رواه الحسن بن سفيان عن سهل ابن الحنظلية، وقد صححه شيخنا العلامة الألباني في صحيح الجامع برقم (5383).
(3) رواه أحمد (3/142)، وقال الهيثمي في المجمع (10/76): (رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في "الأوسط" ، وهو في صحيح الجامع (5486).
(4) رواه الطبراني في مجمع الزوائد (10/77).
(5) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2701).(1/292)
وعن أبي هريرة ، وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يقعد قوم يذكرون الله عزوجل إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده".(1)
السكينة: حالة يطمئن بها القلب فيسكن عن الميل إلى الشهوات وعند الرعب، وغشيتهم: عمتهم.
فيه فضيلة مجالس الذكر وفضله ومجالسة أهله وأن من ذكر الله ذكره الله تعالى.
باب
ما يقوله عند القيام من المجلس
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك".(2)
وعن أبي برزة - رضي الله عنه - واسمه نضلة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بأخرةٍ إذا أراد أن يقوم من المجلس قال: "سبحانك اللهم وبحمدك اشهد إن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك" فقال رجل: يا رسول الله إنك لتقول قولاً ما كنت تقوله فيما مضى قال: "ذلك كفارة لما يكون في المجلس".(3)
قوله: (بأخرة) هو بالهمز مقصورة مفتوحة وبفتح الخاء ومعناه: في آخر الأمر.
اشتمل هذا الدعاء على ثلاثة أمور:
الأول : تنزيه الله عن كل نقص وحمده على كل فعل.
الثاني : إثبات الألوهية لله تعالى وحده لا شريك له وذلك من تمام العبادة لله وتمام المدح له.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6795) وأخرجه الترمذي في كتاب الدعوات برقم (3378) وابن ماجة في كتاب الأدب برقم (3791).
(2) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2730).
(3) رواه أبو داود برقم (4759) والدارمي (2658) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة برقم (426) والحاكم (1/537)، وهو في صحيح أبي داود برقم (4068) والكلم (801) والإرواء (340) والطحاوية (179) وصحيح الترغيب (220).(1/293)
الثالث : الرجوع والإستغفار والتوبة لمن ملكها وهو الله تعالى.
وثمرة هذا المدح والإستغفار والتوبة كفارة لمن قالها.
وفي حديث آخر: "أنه إن كان في مجلس خير كان كالطابع له وإن كان في مجلس كان كفارة له".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة".(2)
باب
ثواب كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟" فقلت: بلى يا رسول الله قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".(3)
كنز من كنوز: سمي هذه الكلمة كنزاً لنفاستها وصيانتها، ولا حول ولا قوة إلا بالله من ذخائر الجنة ومحصلات نفائسها ويحصل لقائله ثواباً نفيساً يدخر له في الجنة.
قال النووي رحمه الله تعالى: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة" قال العلماء: سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان له وأنه لا صانع غيره ولا راد لأمره وأن العبد لا يملك شيئاً من الأمر.
ومعنى الكنز هنا: أنه ثواب مدخر في الجنة وهو ثواب نفيس كما ان الكنز النفيس أموالكم.
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا ادلك على باب من أبواب الجنة" قال: وما هو؟ قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".(4)
__________
(1) السلسلة الصحيحة برقم (81).
(2) السلسلة الصحيحة برقم (77).
(3) رواه البخاري برقم (4205و 6384و6409و6610و7386) ، ورواه ومسلم برقم (2704) و(6802).
(4) رواه الطبراني بإسناد صحيح وأحمد، الصحيحة (1746) والترغيب (1581) وقال الألباني: "صحيح لغيره".(1/294)
وعن قيس بن سعد بن عبادة، أن أباهُ دفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يخدمه قال: فأتى عليّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد صليت ركعتين فضربني برجله، وقال: "ألا أدلك على باب من أبواب الجنة" قلت: بلى، قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".(1)
وعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أسري به مر على إبراهيم عليه السلام فقال: من معك يا جبريل؟ قال: هذا محمد فقال له إبراهيم عليه السلام: يا محمد مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة قال: "ما غراس الجنة" قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.(2)
وعن مصعب بن سعد عن أبيه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: علمني كلاماً أقوله قال: "قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله رب العالمين لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم" قال فهؤلاء لربي فمالي؟ قال: "قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني".(3)
وعن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم من أسلم يقول: "اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني".(4)
باب
ثواب من تعوذ بكلمات الله التامات
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة قال: "أما لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك".(5)
__________
(1) رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، وصححه الألباني في الترغيب (1582).
(2) رواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا، وابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1583).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6788).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6790).
(5) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6818 و 6819).(1/295)
وفي رواية لأبن السني وقال فيه: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثاً لم يضره شيء".
قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: واعلم أن الأدوية الطبيعية الإلهية تنفع من الداء بعد حصوله وتمنع من وقوعه وإن وقع لم يقع وقوعاً مضراً وإن كان مؤذياً والأدوية الطبيعية إنما تنفع بعد حصول الداء فالتعوذات والأذكار إما أن تنفع وقوع هذه الأسباب وإما أن تحول بينها وبين كمال تأثيرها بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه فالرقى والعوذ تستعمل لحفظ الصحة ولإزالة المرض أما الأول: فكما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه { قل هو الله أحد } والمعوذتين ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يده من جسده.
وأما الثاني: فكما تقدم من الرقية بالفاتحة والرقية للعقرب وغيرها مما يأتي. أ.هـ. زاد المعاد (4/144 و 145).
وعن خولة بنت حيكم السلمية: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك".(1)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "أعوذ بكلمات الله التامات" قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: قيل معناه: الكاملات التي لا يدخل فيها نقص ولا عيب وقيل: النافعة الشافية، وقيل: المراد بالكلمات هنا القرآن، والله أعلم.
باب
ثواب كلمة التوحيد: لا إله إلا الله
قال تعالى: { ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن الله } .(2)
قال ابن عباس وغيره : الكلمة الطيبة هي لا إله إلا الله .
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6817) والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3437) وابن ماجة في كتاب الطب برقم (3547).
(2) سورة إبراهيم (24-25).(1/296)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه".(1)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "قال موسى - صلى الله عليه وسلم - يا رب علمني شيئا أذكرك به قال: قل: لا إله إلا الله، قال: يا رب كل عبادك يقول هذا، قال: قل: لا إله إلا الله، قال: إنما أريد شيئاً تخصني به، قال: يا موسى لو أن السموات السبع والأرضين السبع في كفةٍ ولا إله إلا الله في كفة مالت بهم لا إله إلا الله".(2)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل". زاد جُنادَةُ: "من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء".(3)
وعن عمرو - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقاً من قلبه فيموت على ذلك إلا حَرُمَ على النار، لا إله إلا الله".(4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب العلم برقم (99).
(2) أخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة) برقم (834) وابن حبان والحاكم في المستدرك (1/528) بنحوه وقال: "صحيح الإسناد" ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، كلمة الإخلاص ص 58.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء برقم (3435) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (139).
(4) رواه الحاكم في المستدرك (1/351) وقال: "حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا السياق" ووافقه الذهبي، الجنائز (34).(1/297)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل قال: "يا معاذ بن جبل" قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صادقاً من قلبه إلا حَرَّمه الله على النار".(1)
وعن رفاعة الجهني - رضي الله عنه - قال: أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كنا بالكديد أو بقديد فحمد الله وقال: خيراً، وقال: "أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صدقاً من قلبه ثم يُسَدِّدُ إلا سلك في الجنة".(2)
وفي رواية لمسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرم الله عليه النار".
__________
(1) رواه البخاري في كتاب اللباس (5967) وفي كتاب الاستئذان (6267) وفي كتاب الرقاق برقم (6500)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (142) و (143).
(2) رواه أحمد بإسناد حسن، وقال الهيثمي في المجمع(1/20): "رواه أحمد وعند ابن ماجة بعضه ورجاله موثقون".(1/298)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا قعوداً حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في نفر فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا فكنت أول من فزع فخرجت أبتغي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتيت حائطاً للأنصار لبني النجار فدرت به هل أجد له باباً فلم أجد فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجةٍ والربيع الجدول فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أبو هريرة؟" قلت: نعم يا رسول الله قال: "ما شأنك؟" قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول ن فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب وهؤلاء الناس ورائي فقال: "يا أبا هريرة!" وأعطاني نعليه وقال: "اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة". فكان أول من لقيت عمر فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة! فقلت: هاتين نعلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثني بهما من لقيت يشهد ان لا إله إلا الله مستيقناً بهما قلبه بشرته بالجنة قال: فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لاستي فقال: ارجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجهشت بكاءً، وركبني عمر، وإذا هو على أثري فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مالك يا ابا هريرة؟" قلت: عمر فأخبرته بالذي بعثني به فضرب بين ثديي ضربةً خررت لاستي قال: ارجع، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا عمر! ما حملك على ما فعلت؟" قال: يا رسول الله! بأبي وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة؟ قال: "نعم" قال: فلا تفعل فإني أخشى أن يتكلم الناس عليها فخلهم يعملون قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فخلهم".(1/299)
(1)
(وفزعنا فقمنا) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: الفزع يكون بمعنى الروع وبمعنى الهبوب للشيء والاهتمام به، وبمعنى الإغاثة، قال: فتصح هذه المعاني الثلاثة أي ذعرا لاحتباس النبي - صلى الله عليه وسلم - عنا.
(حائطا): بستاناً وسمي بذلك لأنه حائط لا سقف له.(الجدول) بفتح الجيم وهو النهر الصغير.(وخشينا أن يقتطع دوننا) أي: يصاب بمكروه من عدو إما بأسر وإما بغيره.(فاحتفزت كما يحتفز الثعلب) معناه: تضامت ليسعني المدخل.
وقوله (لاستي) فهو اسم من أسماء الدبر.
فأجهشت: بالجيم والشين المعجمة والهمزة والهاء مفتوحتان قال القاضي عياض رحمه الله: وهو أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو متغير الوجه متهيء للبكاء ولما يبك بعد.
قوله (ركبني عمر) فمعناه : تبعني ومشى خلفي في الحال بلا مهلة.
(بأبي وأمي) معناه : أنت مفدي أو أفديك بأبي وأمي.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه".
وقال: "ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر".(2)
بيان فضل التهليل والتسبيح، ذكر الله حصن حصين من وسوسة الشيطان وكيده ومن مكفرات الذنوب وذكر الله قربة عظيمة إلى الله سبحانه وتعالى.
يستحب أن يقول العبد ذلك في اول النهار متوالياً ليكون له حرزاً في جميع نهاره وكذا في أول الليل.
وفي سعة رحمة الله بعباده وتفضله عليهم بجزيل الثواب وغفران الذنوب.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (146).
(2) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق (3293) وفي كتاب الدعوات برقم (6403)، وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6783).(1/300)
قال القاضي عياض: أن التهليل المذكور أفضل ويكون ما فيه من زيادة الحسنات ومحو السيئات وما فيه من فضل عتق الرقاب وكونه حرزاً من الشيطان زائداً على فضل التسبيح وتكفير الخطايا لأنه قد ثبت أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار فقد حصل بعتق رقبة واحدة تكفير جميع الخطايا مع ما يبقى له من زيادة عتق الرقاب الزائدة على الواحدة ومع ما فيه من زيادة مائة درجة وكونه حرزاً من الشيطان ويؤيده ما جاء في الحديث بعد هذا: "أن أفضل الذكر التهليل" مع الحديث الآخر: "أفضل ما قلته أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له."
الحديث وقيل: أنه اسم الله الأعظم وهي كلمة الإخلاص والله أعلم. انتهى. شرح مسلم (17/21)
عن أبي عياش - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال إذا أصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل عليه السلام وكتب له عشر حسنات وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي وإن قالها إذا أمسى كان مثل ذلك حتى يصبح".(1)
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما قال عبد: لا إله إلا الله قط مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء حتى يُفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر".(2)
باب
ثواب من قالها عشر مرات
"من قال حين يصبح عشر مرات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه بها عشر سيئات وكانت كعدل عشر رقاب وأجاره الله يومه من الشيطان الرجيم وإذا أمسى فمثل ذلك حتى يصبح"(3).
__________
(1) رواه أبو داود، وصححه العلامة الألباني في الترغيب برقم (653)، المشكاة (2395).
(2) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب" وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1524).
(3) رواه البخاري برقم (3293) و (6403) ومسلم (2691).(1/301)
باب
ثواب من قالها مئة مرة
وقال: "من قال حين يصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في اليوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عَمِلَ أكثر منه"(1).
وفي رواية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ،أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك ومن قال:"سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر"(2).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب فيقول أفلك عذر؟ فقال: لا يا رب فيقول الله تعالى بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فيقول: أحضر وزنك فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: فإنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفةٍ والبطاقة في كفةٍ فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء"(3).
__________
(1) رواه البخاري برقم (3293 و 6403) ومسلم (2691).
(2) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3293) وأخرجه في كتاب الدعوات برقم (6403) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6783).
(3) رواه الترمذي وحسنه وابن ماجة والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، حديث البطاقة.(1/302)
وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان كعدل محرراً أو محررين"(1).
وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل"(2).
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منهُ، والجنة حقٌ، والنارَ حق، أدخله الله الجنة على ما كانَ من العمل"(3).
قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم: باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد من استيقان القلب -هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان. وأحاديث هذا الباب تدل على فساده. بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها. ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح. وهو باطل قطعاً. أ.هـ.
وقال القاضي عياض: ما ورد في حديث عبادة يكون مخصوصاً لمن قال ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - وقرن بالشهادتين حقيقة الإيمان والتوحيد الذي ورد في حديثه، فيكون له من الأجر ما يرجح على سيئاته ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول الجنة لأول وهلة. أ.هـ.
__________
(1) رواه رواه الطبراني بإسناد جيد، قال في المجمع (10/84): (رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح).
(2) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6404) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6785).
(3) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3435)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (28)(1/303)
وعن محمود بن الربيع قال: قدمت المدينة فلقيت عتبان فقلت له: حديث بلغني عنك قال: أصابني في بصري بعض الشيء فبعثت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني أحب أن تأتيني تصلي في منزلي فأتخذه مصلى قال فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن شاء الله من أصحابه فدخل فهو يصلي في منزلي وأصحابه يتحدثون بينهم ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك بن دخشم قال: ودوا أنه دعا عليه فهلك ودوا أنه أصابه شر فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة وقال: "اليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟"قالوا: إنه يقول ذلك وما هو في قلبه، قال "لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه" قال أنس: فأعجبني هذا الحديث فقلت لابني: اكتبه فكتبه(1).
في الحديث جواز تمني هلاك أهل النفاق والشقاق ووقوع المكروه بهم، وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وفيه التبرك بآثار الصالحين.
قال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى في تعليقه على فتح الباري (552/1) : (هذا فيه نظر - أي كلام النووي- والصواب أن مثل هذا خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لما جعل الله فيه من البركة وغيره لا يقاس عليه لما بينهما من الفرق العظيم ولأن فتح هذا الباب قد يفضي إلى الغلو والشرك كما قد وقع من بعض الناس نسأل الله العافية. أ.هـ.
فخط لي مسجداً أي: أعلم لي على موضع لأتخذه مسجداً أي موضعاً أجعل صلاتي فيه متبركاً بآثارك والله أعلم.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة برقم (838) و (840) وأخرجه في كتاب الجماعة والإمامة (667) و (686) وكذلك في كتاب الصلاة برقم (424) و (425) وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (148).(1/304)
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من منح منحةً وِرِقٍ أو منحة لبن أو هدى زقاقاً فهو كعتاق نسمةٍ ومن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير فهو كعتق نسمةً" (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك"(2).
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأتِ أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه"(3).
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال في كل يوم حين يصبح وحين يمسي حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة"(4).
باب
الذكر عند ما يقول ما يسخط ربه عز وجل
__________
(1) رواه أحمد،وابن حبان، ورواه الترمذي باختصار التهليل،قال في المجمع(10/85):(رواه الترمذي باختصار التهليل وثوابه،رواهما أحمد ورجالهما رجال الصحيحين)، صحيح الترغيب(889) المشكاة (1917).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6784) وأبو داود في كتاب الأدب برقم (5091) والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3469).
(4) رواه أبو داود في كتاب الأدب (5081) وابن السني في (عمل اليوم والليلة) (71).(1/305)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف منكم فقال في حلفه واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه، تعالى أقامرك فليتصدق"(1).
فكفارة الشرك التوحيد وهي كلمة "لا إله إلا الله".
باب
ثواب التسبيح وفضله
قال الله تعالى: { فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } (2).وقال تعالى: { يسبحون الليل والنهار لا يَفتُرُونَ } (3).
والآيات في الباب كثيرة.
معنى التسبيح: التنزيه عما لا يليق به سبحانه وتعالى من الشريك والولد والصاحبة والنقائص وسمات الحدوث مطلقاً.
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض".(4).
وعن جابر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة"(5).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله أي الكلام أحب إلى الله تعالى؟ قال: "ما اصطفى الله تعالى لملائكته: سبحان ربي وبحمده سبحان الله"(6).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب مناقب الأنصار برقم (3836) ، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (4236).
(2) سورة الصافات: (143).
(3) سورة الأنبياء (20).
(4) صححه الألباني رحمه الله في الترغيب برقم (184، 379) والإيمان (ص48) والطحاوية (572) ومشكلة الفقر (59) والمشكاة (281).
(5) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، صحيح الجامع (6305).
(6) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2731)، ورواه الترمذي وقال: "حديث حسن".(1/306)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مئة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كلمتان خفيفتان على اللسان
ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم".(2).
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن أقول سبحان والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس"(3).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟" قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله فقال: "إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده"(4).
وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي الكلام أفضل قال: "ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده"(5).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال: "يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى"(6).
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3293) وفي كتاب الدعوات برقم (6403) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6783).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6406) وفي كتاب الإيمان والنذر برقم (7563). وفي كتاب التوحيد برقم (6682)، وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6786).
(3) رواه مسلم في صحيحه برقم (2695) و (6787) والترمذي برقم (3597).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6863) والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3593).
(5) المصدر السابق.
(6) أخرجه مسلم في صلاة المسافرين برقم (1668) وأبو داود في الصلاة برقم (1285).(1/307)
السلامي) بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم: المفصل.
(على كل سلامى) بضم السين وتخفيف اللام وأصله عظام الأصابع وسائر الكف ثم استعمل في جميع العظام البدن ومفاصله.
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها"(1).
قال النووي رحمه الله تعالى: "قوله - صلى الله عليه وسلم - : وسبحان الله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض" وسبب عظم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله تعالى بقوله: سبحان الله والتفويض والافتقار إلى الله تعالى بقوله: الحمد لله والله أعلم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة"(2).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمن كبر الله وحمد الله وهلل وسبح الله واستغفر الله وعزل حجراً عن طريق الناس أو شوكة أو عظماً عن طريق الناس أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد الستين والثلاثمائة فإنه يمسي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار"(3).
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة برقم (533) وأخرجه الترمذي في كتاب الدعوات برقم (3517).
(2) أخرجه البخاري في الصلح برقم (2707) وفي كتاب الجهاد والسير برقم (2891) و (2989) وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة برقم (2332).
(3) أخرجه مسلم برقم (1007).(1/308)
قال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: وقلب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يوماً سئل بعض أهل العلم :أيما أنفع للعبد التسبيح أو الاستغفار؟ فقال: إذا كان الثوب نقياً فالبخور وماء الورد أنفع له وإن كان دنساً فالصابون والماء الحار أنفع له، فقال لي رحمه الله تعالى: فكيف والثياب لا تزال دنسة؟أ.هـ. الوابل الطيب.
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة!" فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب ألف حسنة؟ قال: "يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة"(1).
وعن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفضل الكلام سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر"(2).
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت"(3).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لقيتُ إبراهيم ليلة أُسري بي فقال: يا محمد أقرئ أُمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء ,انها قيعان وأن غراسها سُبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" (4).
(
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6792) والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3463).
(2) رواه أحمد بإسناد صحيح، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة برقم (3/485).
(3) رواه مسلم في الأدب برقم (5566) والنسائي وزاد "وهن من القرآن"، وأخرجه ابن ماجة في الأدب برقم (3729) وأبو داود في الأدب برقم (4958) والترمذي في الأدب برقم (2836).
(4) رواه الترمذي برقم (3462) وقال: "حديث حسن"، صحيح الكلم الطيب (ص27) وصحيح الترغيب برقم (1550)(1/309)
قيعان) جمع قاع وهي الأرض المستوية الخالية من الشجر. (غراس) جمع غرس وهو : ما يستر الأرض من البذر ونحوه.
ذكر الله سبب لدخول الجنة وكلما أكثر العبد من ذكر الله كثرت غراسه في الجنة.
وعن أبي سلمة راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : بخٍ بخٍ لخمسٍ ما أثقلهن في الميزان لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه"(1).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن ناساً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: " أوليست قد جعل الله لكم ما تصدقون إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكرٍ صدقة وفي بضع أحدكم صدقة" ، قالوا : يا رسول الله يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال : " أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر"(2).
أهل الدثور : أي أهل الأموال والدثور : بضم الدال وجمع دثر بفتحها وهو المال الكثير والبضع : هو بضم الباء ويطلق على الجماع ويطلق على الفرج نفسه، هو الجماع وقيل الفرج نفسه.
__________
(1) رواه النسائي وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة برقم (1204) والسنة (781).
(2) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (2326).(1/310)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : قوله - صلى الله عليه وسلم - :" وفي بضع أحدكم صدقة" وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر الله تعالى به أو طلب ولد صالح أو إعفاف نفسه أو إعفاف الزوجة ومنعها جميعاً من النظر إلى الحرام أو الفكر فيه أو الهم به أو غير ذلك من المقاصد الصالحة.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ذهب الدثور بالدرجات العُلى والنعيم المقيم فقال: ( وما ذاك؟) فقالوا: يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: " تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثلة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" (1).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (843) وفي كتاب الدعوات برقم (6329) ، وأخرجه مسلم في كتاب المساجد برقم (1346).(1/311)
وعن جويرية ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال: " ما زلت على الحال التي فأرقتك عليها؟" قالت : نعم ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " لقد قلت بعدك كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته"(1).
وعن أبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال: " إن الله اصطفى من الكلام أربعاً سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فمن قال: سبحان الله كتب له عشرون حسنة وحطت عنه عشرون سيئة ومن قال : الله أكبر فمثل ذلك ومن قال: لا إله إلا الله فمثل ذلك ومن قال الحمد لله ربِّ العالمين من قبل نفسه كتبت له ثلاثون حسنة وحطت عنه ثلاثون سيئة"(2).
باب
التسبيح بالأصابع وأنه أفضل من السبحة
روت يسيرة إحدى المهاجرات رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس ولا تغفلن فتنسين الرحمة وأعقدن بالأنامل فإنهن مسؤلات ومستنطقات"(3).
باب
ثواب الذِكر طرفي النهار
وهما بين الصبح وطلوع الشمس وما بين العصر والغروب.
قال سبحانه وتعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرةً وأصيلاً } (4).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6851) والترمذي برقم (3555) والنسائي في كتاب السهو برقم (1351) وابن ماحه في كتاب الأدب باب فضل التسبيح برقم (3808).
(2) أخرجه أحمد والنسائي والحاكم بنحوه وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1718).
(3) أخرجه أبو داوود برقم (1501) والترمذي برقم (3653 تحفة ) وإسناده حسن ، المشكاة (2316).
(4) سورة الأحزاب الآية (41، 42)(1/312)
و الأصيل قال الجوهري : هو الوقت بعد العصر إلى المغرب وجمعه أصل وآصال وأصائل كأنه جمع أصيلة. ويجمع أيضاً على أصلان مثل بعير و بعيران.
وقال تعالى { وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار } (1).
والإبكار: أول النهار، والعشي: آخره.
وقال تعالى { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } (2).
وهو قبل طلوع الشمس وقبل الغروب.وأن محل هذه الأذكار بعد الصبح وبعد العصر.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مئة مرة لم يأتِ أحدٌ يوم القيامة بأفضل عما جاء به إلا أحدٌ قال مثل قال أو زاد عليه"(3).
وفي رواية أبي داوود (سبحان الله العظيم وبحمده)
قال النووي رحمه الله تعالى : ظاهر إطلاق الحديث أنه يحصل هذا الأجر المذكور في هذا الحديث من قال هذا التهليل مائة مرة في يومه سواء قاله متوالية أو متفرقة في مجالس أو بعضها أول النهار وبعضها آخره لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار ليكون حرزاً له في جميع نهاره.
وعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" من قال حين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك ، لك الحمد والشكر فقد أدى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يُمسي فقد أدى شكر ليلته"(4).
__________
(1) سورة غافر الآية (55).
(2) سورة ق الآية (39).
(3) رواه البخاري برقم(6405) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6784).
(4) أخرجه أبو داود في الأدب برقم (5073) والنسائي في ( عمل اليوم والليلة ) برقم (7). وابن حبان (861/1) والبغوي في شرح السنة رقم (1328)، الكلم (26) والمشكاة (2407).(1/313)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من قال في كل كل يوم حين يصبح وحين يمسي حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو ربُّ العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة "(1).
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطاناً"(2).
قال القاضي: سببه رجاء تأمين الملائكة على الدعاء واستغفارهم وشهادتهم بالتضرع والإخلاص وفيه استحباب الدعاء عند حضور الصالحين والتبرك بهم.
عن عبد الله بن خبيب - رضي الله عنه - قال: خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - ليُصلي بنا فأدركناه فقال: " قل " فلم أقل شيئاً ، ثم قال "قل" فلم أقل شيئاً ثم قال "قل" فقلت: يا رسول الله ما أقول؟ قال "قل هو الله أحد" والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء"(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من قال حين يمسي ثلاث مرات : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" لم تضره حُمة تلك الليلة".
قال سُهيل : فكان أهلُنا تعلموها، فكانوا يقولونها كل ليلة، فلدغت جارية منهم فلم تجد لها وجعاً. رواه الترمذي صحيح الترغيب (646)
__________
(1) أخرجه ابن السُني في (عمل اليوم والليلة) رقم (71) وأبو داود في الأدب برقم (5081).
(2) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم(3459) و(5102) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6857) والترمذي في كتاب الدعوات (3459).
(3) رواه أبو داود والترمذي والنسائي ، وصححه الألباني في الترغيب برقم (643) والكلم (19) والمشكاة (2163).(1/314)
عن شداد بن أوس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " سيد الإستغفار اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت إذا قال ذلك حين يمسي فمات دخل الجنة وإذا قال حين يصبح فمات من يومه مثله"(1).
( أبوء ) أُقر وأعترف بباء مضمومة ثم واو وهمزة ممدودة.
عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما من عبدٍ يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلية : باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء"(2).
هذا لفظ الترمذي، وفي رواية ابي داود "لم تصبه فجأة بلاء" وكان أبان قد أصابه طرَفُ فالج فجعل الرجل ينظر إليه، فقال أبان: ما تنظر؟ أما إن الحديث كما حدثتك ولكنني لم أقله يومئذ ليمضيَ الله قَدَرَه.
وقال - صلى الله عليه وسلم - "من قال حين يصبح وحين يمسي : رضيت بالله ربَّاً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبياً" كان حقاً على الله أن يرضيه"(3)
__________
(1) رواه البخاري في الدعوات برقم (6306)
(2) رواه أبو داود في الأدب (5088) والترمذ ي في الدعوات (3388) وقال : "حديث حسن صحيح" وأخرجه في مسنده (446-474-528/1) والطيالسي (79) والبخاري في الأدب المفرد (660) وابن ماجه في الدعاء (3869) والنسائي في (عمل اليوم والليلة ) (346) والحاكم (1/ 514) ،وصححه الشيخ الألباني في الترغيب (649) والكلم (23) والمشكاة (2391) .
(3) أخرجه أبو داود في الأدب (5088) و(5089) والحاكم في الدعاء (1905/1) والترمذي في الدعوات (3389) ، النقد (ص33) والكلم (24) والمشكاة(2399).(1/315)
وعن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - رسولاً"(1)
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى : معنى الحديث صح إيمانه واطمأنت به نفسه، وظاهر باطنه لأن رضاه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته ونفاذ بصيرته ومخالطته بشاشة قلبه لأن من رضي أمراً سهل عليه فكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهل عليه طاعات الله تعالى ولذت له والله تعالى أعلم .
عن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قال حين يصبح وحين يمسي : رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبياً كان حقاً على الله أن يرضيه".(2)
ووقع في رواية أبي داود وغيره " وبمحمد رسولاً" وفي رواية الترمذي " نبياً" فيستحب أن يجمع الإنسان بينهما فيقول " نبياً ورسولاً" ولو اقتصر على أحدهما كان عاملاً بالحديث.
وكذلك حديث " اللهم إني أصبح أُشهدك وأُشهد حملة عرشك".(3)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (150) والترمذي في كتاب الإيمان (2623).
(2) رواه الترمذ1ي (3389) والنسائي في (عمل اليوم والليلة ) برقم (4و 565) وأبو داود (5072) وابن ماجه (3870) والحاكم في المستدرك وابن المسني في (عمل اليوم والليلة ) (68).
(3) رواه أبو داود وحسنه الحافظ ابن حجر وكذلك الشيح ابن باز رحمهما الله تعالى في تحفة الأخيار برقم (23) وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (1201) وإسناده ضعيف.(1/316)
وعن عبد الله بن غنام : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من قال حين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحدٍ من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك ولك الحمد والشكر فقد أدى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته".(1)
وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة:بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات إلا لم يضره شيء".(2)
يتحصن العبد المسلم بالله ويمضي في حياته على اسمه وبسم الله يحتمة به العبد من كل سوء من معنى أو عين أو دابة أو جني أو شيطان لأنه السميع لأحوالهم العليم بها في سائر أزمنتها فلا يقع شيء إلا بإذنه سبحانه وتعالى.
والإتيان بهذا الذكر يوقي بقدر الله جميع البأس والضر.
وجاء في نهاية الحديث:" وكان أبان قد أصابه طرف فالج فجعل الرجل الذي سمع منه الحديث ينظر إليه فقال له : مالك تنظر إلي؟! فوالله ما كذبت على عثمان ولا كذب عثمان على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبت فنسيت أن أقولها).
الغضب آفة تحول بين المرء وعقله ، وفيه الدعاء يرد القضاء,
__________
(1) رواه أبو داود برقم (5073) والنسائي في (عمل اليوم والليلة ) (7) والبغوي في شرح السنة برقم (1328).
(2) أخرجه أحمد في مسنده (446- 4747-528/1) والطيالسي (79) والبخاري في الأدب المفرد (660) والترمذي في الدعوات (3388) وابن ماجه في الدعاء (3869) والنسائي في( عمل اليوم والليلة) (346) والحاكم (1/514) وصححه الذهبي وأقره.(1/317)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أمسى قال: " أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له "(1)
قال الراوي:أراه قال فيهن: (له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير مافي هذه الليلة وخير ما بعدها ,أعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها ربَّ أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر ربِّ أعوذ بك من عذاب النار وعذاب القبر وإذا أصبح قال ذلك أيضاً:"أصبحنا وأصبح الملك لله"(2)
وعن عبد الله بن خبيب - رضي الله عنه - قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اقرأ : "قل هو الله أحد" والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلا ث مرات تكفيك من كل شيء".(3)
وعن أبي عياش - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال إذا أصبح: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كان له عدل رقبةٍ من ولد إسماعيل وكتب له عشر حسنات ، وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي فإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى يصبح"(4).
قال حماد فرأى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرى النائم فقال: يا رسول الله !إن أبا عياش يحدث عنك بكذا وكذا؟ قال : صدق أبو عياش.
(العدل): بالكسر وفتحه لغة هو المثل ، وقيل بالكسر ما عادل الشيئ من جنسه وبالفتح ما عادله من غير جنسيه.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6845) وأبو داود في كتاب الأدب برقم (5071) والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3390).
(2) المصدر السابق.
(3) رواه أبو داود والترمذي برقم (3575) بإسناد حسن.
(4) رواه أبود داود واللفظ له والنسائي وابن ماجه واتفقوا كلهم على المنام،وصححه الألباني في الترغيب(650) ، و(أبو عياش ) قيل اسمه زيد ابن الصامت وقيل:زيد بن النعمان وقيل غير ذلك.(1/318)
وقال - صلى الله عليه وسلم - :" من قال" سبحان الله " مائة مرة قبل طلوع الشمس و قبل غروبها كان أفضل من مائةِ بدنةٍ، ومن قال: " الحمد لله " مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، كان أفضل من مائةٍ فرس يُحمَلَ عليها في سبيل الله ومن قال: " الله أكبر" مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها كان أفضل من عتق مائة رقبة ومن قال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها لم يجيء يوم القيامة أحد بعملٍ أفضل من عمله إلا من قال مثل قوله أو زاد عليه(1).
وعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أنه قال -وهو في أرض الروم-: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من قال غدوة :" لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" عشر مرات ، كتب الله له عشر حسناتٍ، ومحى عنه عشر سيئات وكن له قدر عشر رقاب وأجاره الله من الشيطان، ومن قالها عشيةً فمثل ذلك"(2).
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - " من صلى عليَّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامةِ"(3)
باب
ثواب الإستغفار
قال تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونِعم أجرُ العاملين } (4).
__________
(1) رواه النسائي في (عمل اليوم والليلة )، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (651).
(2) رواه أحمد والنسائي واللفظ له وابن حبان في"صحيحه "،وصححه العلامة الألباني في الترغيب برقم(653).
(3) رواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (656).
(4) سورة آل عمران (136).(1/319)
وقال سبحانه وتعالى عن نبيه نوح : - صلى الله عليه وسلم - { فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويُمددكم بأموالٍ وبنين ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهاراً } نوح الآية(10-12)
رغب الله تعالى بمغفرة الذنوب وما يترتب عليها من الثواب واندفاع العقاب بعد ما يتوبوا ويستغفروا الله تعالى من ذنوبهم.
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيوم وأتوب إليه غُفرت ذنوبه وإن كان قد فرَّ من الزحف".(1)
تعظيم الإستغفار وأنه يُكفر الكبائر ، فضل المدامومة على الاستغفار.
و قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من عبدٍ يذنب ذنباً فيُحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له"(2).
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هَمّ فرجاً ومن ضيقٍ مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب"(3).
ويذكر ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كثرت همومه وغمومه فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله"(4).
وثبت في الصحيحين أنها كنز من كنوز الجنة . (5).
__________
(1) صحيح أبي داود (1343).
(2) رواه أبو داود (1343).
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة برقم (1518) ، وابن ماجه في الأدب برقم (3819) وأحمد في مسنده (2234/1) والطبراني في الدعاء (1774) والنسائي (456) في (عمل اليوم والليلة) والحاكم (4/ 262) والبيهقي (3/351) وابن السني في (عمل اليوم والليلة) برقم (364) والمزي في تهذيب الكمال (5/107) ط دار الفكر.
(4) ذكره البيهقي في الطب النبوي (ص24) والكحال في الأحكام النبوية في الصناعة الطبية (7/179)، الصحيحة (199)، التوسل (ص133) ، المشكاة (2452).
(5) أخرجه البخاري في الدعوات برقم (3592) ومسلم في الذكر والدعاء برقم (2704).(1/320)
وفي الترمذي : "أنها باب من أبواب الجنة"(1).
قال الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: ( هذه الأدوية تتضمن خمسة عشر نوعاً من الدواء فإن لم تقوَ على إذهاب داء الهم والغم والحزن فهو داء قد استحكم وتمكنت أسبابه ويحتاج إلى استفراغ كلي.
الأول: توحيد الربوبية.
الثاني : توحيد الإلوهية.
الثالث: التوحيد العلمي الإعتقادي.
الرابع : تنزيه الربُّ تبارك وتعالى عن أن يظلم عبده أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك.
الخامس: اعتراف العبد بأنه هو الظالم.
السادس: التوسل إلى الرب تعالى بأحب الأشياء وهو أسماؤه وصفاته ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات الحيُّ القيوم.
السابع: الإستعانة به وحده.
الثامن : إقرار العبد له بالرجاء.
التاسع: تحقيق التوكل عليه ، والتفويض إليه والإعتراف له بأن ناحيته في يده يصرفه كيف يشاء وأنه ماضٍٍ فيه حكمه عدلٌ فيه قضاؤه.
العاشر : أن يرتع قلبه في رياض القرآن ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان وأن يستضيء به في ظلمات الشبهات والشهوات وأن يتسلى به عن كل فائت ويتعزى به عن كل مصيبة ويستشفي به من أدواء صدره فيكون جلاء حزنه وشفاء همه وغمه.
الحادي عشر: الإستغفار.
الثاني عشر : التوبة .
الثالث عشر: الجهاد.
الرابع عشر : الصلاة .
الخامس عشر البراءة من الحول والقوة وتفويضهما إلى من هما بيده .أ.هـ زاد المعاد (4/159-160)
__________
(1) في الدعوات برقم (3592).(1/321)
عن أنس - رضي الله عنه - قال:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أُبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم لو لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة"(1).
فيه بيان سعة رحمة الله سبحانه وتعالى.
والإيمان بالله شرط في مغفرة الذنوب فإن الله لا يغفر لأأن يشرك به ولا يغفر لمشرك وإذا تاب العبد ن ذنوبه توبة نصوحاً غفرها الله له ولو كانت ملئ الأرض أو بلغت عنان السماء.
عنان السماء بفتح العين قيل هو السحاب وقيل: هو ما عنَّ لك منها أي ظهر.
قراب الأرض بفتح القاف وروي بكسرها والضم أشهر وهو ما يقارب ملأها.
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروى عن الله عز وجل أنه قال: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ياعبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم"(2).الحديث.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"(3).
__________
(1) أخرجه الترمذي برقم (3540) وللحديث شاهد من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وأخرجه أحمد (5/132) والدارمي (2/322) من طريق غيلان عن شهر بن حوشب عن عمرو بن معد يكرب عنه به، الصحيحة (ص595)، المشكاة (4336) .
(2) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2577) ، وابن ماجه.
(3) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (6899).(1/322)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة"(1).
والاستغفار : هو طلب المغفرة وهي الصفح عن الذنب وتبديله.
وتكفير الذنوب على قسمين:
الأول: المحو كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - : "واتبع السئة الحسنة تمحها " وهذا مقام العفو.
الثاني : التبديل كما في قوله تعالى { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً } (2). وهذا مقام المغفرة.
فالمغفرة فيها زيادة إحسان وتفضل على العفو وكلاهما خير وبشرى.
والتوبة : هي العزم على التوبة .
وهذا حضٌ للأمة على الاستغفار والتوبة منه - صلى الله عليه وسلم - مع كون غفر ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله ويتوب إليه.
وفيه حضٌ للعبد على الإكثار من التوبة والإستغفار لأن العبد لا ينفك عن ذنب أو تقصير وإنه إلى الله المصير كما قال - صلى الله عليه وسلم - "يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة"(3).
قال النووي رحمه الله تعالى : ( قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: للتوبة ثلاثة شروط أن يقلع عن المعصية وأن يندم على فعلها وأن يعزم عزماً جازماً أن لا يعود إلى مثلها أبداً ، فإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فلها شرط رابع وهو: ردّ الظلامة إلى صاحبها أو تحصيل البراءة منه والتوبة أهم قواعد الإسلام وهي : أول مقامات سالكي طريق الآخرة.
__________
(1) رواه البخاري (11/101) فتح.
(2) سورة الفرقان الآية (70).
(3) رواه مسلم عن الأغر بن يسار المزني رضي الله عنه برقم (6799).(1/323)
وعن أبي أيوب أنه قال: حين حضرته الوفاة: كنت كتمت عنكم شيئاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لو لا أنكم تذنبون لخلق الله خلقاً يذنبون فيغفر لهم"(1).
وعنه - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لولا أنكم لم تكن لكم ذنوب يغفرها الله لكم لجاء الله بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم"(2).
عن الأغر المزني وكانت له صحبة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة "(3).
الغين هنا: ما يتغشى القلب قال القاضي : قيل المراد: الفترات والغفلات عن الذكر كان شأنه الدوام عليه فإذا فتر عنه أو غفل عدَّ ذلك ذنباً واستغفر منه.
وعن على بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثاً نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني وأذا حدثني من أصحابه استحلفته فإذا حلف صدقته وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ما من عبد يذنب ذنباً فيُحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له" ثم قرأ هذه الآية { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } (4).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (6797) والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3539).
(2) رواه مسلم في كتاب الدعوة برقم (6869) والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3539).
(3) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم( 6768)، وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1515).
(4) سبق تخريجه.(1/324)
وعن أبي مالك عن أبيه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجل فقال يا رسول الله : كيف أقول حين أسأل ربّي عز وجل ، قال قل " اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني" ويجمع أصابعه إلا الإبهام (فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك"(1).
وعن شداد بن أوس - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة(2).
هذا الدعاء جامع لمعاني التوبة كلها مع الإقرار لله بالإلوهية والإعتراف بأنه الخالق والإقرار بالعهد الذ1ي أخذه عليه بما وعده به الاستعاذة من شر النفس وإضافة النعماء إلى موجدها وإضافة الذنب إلى نفسه واعترافه بأنه لا يقدر على ذلك إلا هو كل هذا مسبوك ببديع المعاني وأحسن الألفاظ ولذلك سماه الرسول - صلى الله عليه وسلم - سيد الاستغفار.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لله تسعةٌ وتسعون اسماً من حَفِظَها دخل الجنة وإن الله وتر يحب الوتر"(3).
وفي رواية ابن أبي عمر " من أحصاها"
__________
(1) رواه مسلم برقم (6791) في كتاب الذكر والدعاء، وابن ماجه في كتاب الدعاء برقم (3845).
(2) أخرجه البخاري (11/97-99).
(3) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6410)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6750).(1/325)
قال النووي رحمه الله تعالى : قوله - صلى الله عليه وسلم - (من أحصاها دخل الجنة) فاختلفوا في المراد بإحصائها فقال البخاري وغيره من المحققين معناه: حفظها وهذا هو الأظهر لأنه جاء مفسراً في الرواية الأخرى (من حفظها) وقيل : أحصاها عدها والطاعة بكل اسمها والإيمان بها لا يقتضي عملاً وقال بعضهم : المراد حفظ القرآن وتلاوته كله لأنه مستوفٍ لها وهو ضعيف والصحيح الأول.
و قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من مسلم يسأل الله الجنة ثلاثاً إلا قالت الجنة اللهم أدخله الجنة ومن استجار من النار قالت النار اللهم أجره من النار"(1).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا رأى أحدكم ما يُعجِبه في نَفسِه أو ماله، فليبرك عليه فإن العين حق"(2).
وقال أبو سعيد - رضي الله عنه - ،كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فلما نزلتا أخذهما وترك ما سواهما(3).
و عن رجل قال: كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - فعثرت دابته فقلت: تَعِسَ الشيطان فقال: " لا تقل تَعِسَ الشيطان فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول: بقوتي، ولكن قل بسم الله فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب"(4).
باب
ما يقول حال خروجه من بيته
عن أنس - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال يعني إذا خرج من بيته بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال له :كُفيتَ ووقيت وهديت وتنحى عنه الشيطان"(5).
وزاد أبو داود في رواية: "فيقول يعني الشيطان لشيطان آخر: كيف لك برجل هُديّ وكُفي ووقي؟"
__________
(1) رواه الترمذي (2575).
(2) الكلم (243).
(3) الكلم (ص115)
(4) الكلم (ص237).
(5) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب برقم (5095) ، والترمذي برقم (3426) في كتاب الدعوات وقال: "حديث حسن"، المشكاة (2443)، والكلم (61)، وصحيح الجامع (4249 و6419).(1/326)
باب
ما يقوله من رأى في منامه ما يكرهه
عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الرؤيا الصالحة من الله ، والحلم من الشيطان فمن رأى رؤيا يكره منها شيئاً فلينفث عن يساره ثلاثاً وليتعوذ بالله من الشيطان فإنها لا تضره ولا يُخبر بها أحد وإن رأى رؤيا حسنة فليستبشر ولا يخبر بها إلا من يحب"(1).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - من عُرضت عليه رؤيا فليقل لمن عَرَضَ عليه خيراً(2).
وعن جابر - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها، فليبصق عن يسار ه ثلاثاً ، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وليتحول عن مكانه الذي كان عليه"(3).
وفي رواية للبخاري ومسلم: "وإذا رأى ما يكرهه فليتعوذ بالله من شرِّها وشرِّ الشيطان، وليتفل عن يساره ثلاثاً ولا يحدث بها أحداً، فإنها لن تضره".
وروياه عن أبي هريرة وفيه: " فمن رأى شيئاً يكرهه ، فلا يقصه على أحد ، وليقم فليصل".(4)
(الحلم) بضم الحاء وسكون اللام وبضمها: هو الرؤيا وبالضم والسكون فقط هو رؤية الجماع في النوم، وهو المراد هنا.
(فليتفُل) بضم الفاء وكسرها أي : فليبزق.
وقيل: التفل أقل من البزق، والنفث أقل من التفل.
باب
ثواب ما يقول إذا استيقظ في الليل وأراد النوم بعده
__________
(1) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق (3292) ومسلم في كتاب الرؤيا برقم (2262).
(2) أخرجه الدارمي برقم (2163) عن عائشة رضي الله عنها.
(3) رواه مسلم في كتاب الرؤيا برقم (2262) ، وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
(4) فتح الباري كتاب التعبير رقم (7017) وصحيح مسلم كتاب الرؤيا رقم (2263).(1/327)
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تعار من الليل فقال:لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، والحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له إن توضأ قبلت صلاته"(1). (تعار) بتشديد الراء أي استيقظ.
باب
ثواب ما يقول إذا كان يفزع من نومه
جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكا أنه يفزع في منامه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" إذا أويت إلى فراشك فقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون"(2).
فقالها فذهب عنه.
باب
ثواب ما يقول من استيقظ من منامه
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نائم ثلاث عقد يضرب على كل عقدةٍ مكانها عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ وذكر الله تعالى انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان"(3).
(على قافية رأس أحدكم) : القافية آخر الرأس وقافية كل شيءٍ آخره ومن قافية الشعر.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " فأصبح نشيطاً طيب النفس" معناه: لسروره بما وفقه الله الكريم له من الطاعة ووعده به من ثوابه مع ما يبارك في نفسه وتصرفه في كل أموره مع ما زال عنه من عقد الشيطان وتثبيطه.
(
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه ابن السني، الصحيحة (246).
(3) سبق تخريجه.(1/328)
انحلت عقده كلها) قال الألباني رحمه الله تعالى : قلت في تفسير " العقد" أقوال، والأقرب أنه على حقيقته بمعنى السحر للإنسان ومنعه من القيام، كما يعقد الساحر من سحره، كما أخبر بذلك المولى تعالى ذكره في كتابه الكريم { ومن شر النفاثات في العقد } فالذي خذل يعلم فيه ، والذي وفق يصرف عنه ، ومما يدل على أنه على الحقيقة ما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعاً " على قافية رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد" الحديث، وما رواه ابن خزيمة وذكره المصنف في هذا الباب عن جابر رضي الله عنه " على رأس جرير معقود" وفسر الجرير بالحبل .أ.هـ. صحيح الترغيب (ص324).
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من ذكر ولا أُنثى إلا على رأسه جرير معقود حين يرقد بالليل فإن استيقظ فذكر الله انحلت عُقدةٌ فإذا قام فتوضأ وصلى انحلت العُقَدُ، وأصبح خفيفاً طيب النفس، قدأصاب خيراً"(1).
باب
ما يقول إذا أراد النوم واضطجع على فراشه.
عن علي - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له ولفاطمة رضي الله عنهما: "إذا أويتما إلى فراشكما أو إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا ثلاثاً وثلاثين وسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين"
وفي رواية " سبحا أربعاً وثلاثين".
وفي رواية "سبحا أربعاً وثلاثين" وفي رواية "وكبرا أربعاً وثلاثين".
قال علي: فما تركته منذ سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قيل له: ولا ليلة صفين، قال:
ولا ليلة صفين"(2).
وفي رواية: "أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها" الحديث.
(
__________
(1) رواه ابن خزيمة في " صحيحه" و قال الجرير: "الحبل"، وصححه الألباني في الترغيب (608).
(2) رواه البخاري في كتاب فرض الخمس برقم (3113) وفي كتاب فضائل الصحابة برقم (3705) وفي كتاب النفقات برقم (5360) و (5362) وفي كتاب الدعوات برقم (6318)، وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6853 و 6856).(1/329)
ليلة صفين): هي ليلة الحرب المعروفة بصفين وهي موضع بقرب الفرات كانت فيه حرب عظيمة بينه وبين أهل الشام.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وقال شيخ الإسلام ابن تيمية وقدس الله روحه: بلغنا أنه من حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعانيه من شغل وغيره.
وعن البراء بن عازب ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أخذت مضدجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت واجعلهن من آخر كلامك فإن مت من ليلتك مت وأنت على الفطرة" واجعلهن آخر ما تتكلم به". قال: فرددتهن لاستذكرهن فقلت: آمنت برسولك الذي ارسلت قال: "قل: آمنت بنبيك الذي أرسلت" وزاد في حديث حصين: "وإن أصبح أصاب خيراً".
"أسلمت نفسي إليك" أي: توكلت عليك واعتمدتك في أمري كله كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده.
"رغبة ورهبة" أي طمعاً في ثوابك وخوفا من عذابك.
"مت على الفطرة" أي: الإسلام.
"وإن أصبحت أصبت خيراً" أي: حصل لك ثواب هذه السنن واهتمامك بالخير ومتابعتك أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
قال النووي رحمه الله:وفي هذا الحديث ثلاث سنن مهمة مستحبة ليست بواجبة:
إحداها: الوضوء عند إرادة النوم فإن كان متوضأ كفاه ذلك الوضوء لأن المقصود النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته وليكون أصدق الرؤيا وأبعد من تلعب الشيطان به في منامه وترويعه إياه.
الثانية: النوم على الشق الأيمن لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحب التيامن ولأنه أسرع إلى الانتباه.
الثالثة: ذكر الله تعالى ليكون خاتمة عمله.(1/330)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا، ونبيك الذي ارسلت " قال الألباني رحمه الله تعالى: "فيه تنبيه قوي على أن الأوراد والأذكار توقيفية، وأنه لا يجوز فيها التصرف بزيادة أو نقص، ولو بتغيير لفظ لا يفسد المعنى فإن لفظ "الرسول" أعم من لفظة "النبي" ومع ذلك رده النبي - صلى الله عليه وسلم - ، مع أن البراء - رضي الله عنه - قاله سهواً لم يتعمده! فأين منه أولئك المبتدعة؟ الذين لا يتحرجون من أي زيادة في الذكر، أو نقص منه ؟! فهل من معتبر؟
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:خصلتان أو خلتان لا يحافظ المرء عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة، هما يسير ومن يعمل بهما قليل يسبح في دبر كل صلاة عشراً، ويحمد عشراً، فذلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسائة في الميزان، يكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويسبح ثلاثاً وثلاثين، فتلك مائة باللسان، وألف في الميزان" فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعقدها قالوا: يا رسول الله : كيف "هما يسير، ومن يعمل بهمها قليل"؟ قال: " يأتي أحدكم، يعنى الشيطان في منامه فينَوِّمُهًُ قبل أن يقوله ، يأتيه في صلاته، فيذكره حاجةً قبل أ ن يقولها"(1).
وزاد ابن حبان في " صحيحه"
" وألف وخمسمائة في الميزان" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وأيكم يعمل في اليوم والليلية ألفين وخمسمائة سيئة؟"
__________
(1) رواه أبو داود واللف له والترمذي وقال:" حديث حسن صحيح" والنسائي وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الترغيب برقم (603).(1/331)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم يقول: باسمك ربّي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين"(1).
حياة العبد يجب أن تكون مرتبطة بمنهج الله وأعماله قائمة على اسم الله تعالى، والتوفيق أن لا يكلك الله طرفة عين وأن يحفظك ويرعاك برحمته، والخذلان أن يكّلك إلى نفسك، ومن حفظ الله حفظه الله ولذلك فالله يحفظ عباده الصالحين في أنفسهم وأموالهم وأبنائهم.
وعن أبي مسعود الأنصاري البدري عقبة بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الآيتان من آخِرِ سورةِ البقرة من قرأ بهما ليلةٍ كفتاه"(2).
قيل كفتاه من الآفات في ليلته.
قال النووي رحمه الله في كتاب الأذكار قلت: ويجوز أن يُراد الأمران.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: وكلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفظ زكاة رمضان فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام.. . وذكر الحديث وقال في آخره: " إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال معك من الله تعالى حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " صدقك وهو كذوب ذاك شيطان"(3).
عن رجل قال: كنت جالساً عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله : لُدغت الليلة فلم أنم حتى أصبحت قال: "ماذا؟" قال: عقرب ، قال: " أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك شيء إن شاء الله تعالى"(4).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6320)، ومسلم برقم (2714) و(6830).
(2) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5008 و5009) و(5040) و(5051).
(3) رواه البخاري.
(4) رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح ، صحيح الجامع (1318).(1/332)
عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من أوى إلى فراشه طاهراً وذكر الله عز وجل حتى يدركه النعاس لم ينقلب من الليل يسأل الله عز وجل فيها خيراً من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه"(1).
وعن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه وقرأ بالمعوذات ومسح بهما جسده".
وفي رواية لهما : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فقرأ فيها: { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقيل من جسده فعل ذلك ثلاث مرات"(2).
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لوأن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً"(3).
لم يضره: لا يصيبه الشيطان بأذى .
وفيه استحباب التسمية والدعاء والمحافظة على ذلك حتى في حالة الجماع والاعتصام بذكر الله ودعائه من الشيطان والتبرك باسمه والاستعاذة به من جميع الأسماء، وفيه إشارة إلى أن الشيطان ملازم لابن آدم لا يفتر عنه إلا إذا ذكر الله تعالى.
باب
ثواب ما يقول إذا لبس ثوباً
__________
(1) صحيح الكلم الطيب (ص43).
(2) متفق عليه.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء برقم (141) وأخرجه أيضاً في كتاب بدء الخلق برقم (3271و3283) وفي كتاب النكاح (5165) وفي كتاب الدعوات برقم (6388) وفي كتاب التوحيد برقم (7396) وأخرجه مسلم في كتاب النكاح برقم (3519).(1/333)
عن معاذ بن أنس الجهني الأنصاري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لبس ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة غفر الله له ما تقدم من ذنبه"(1).
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : لبس عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني ما أُواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من لبس ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم عمد إلى الثوب الذي أخلق فتصدق به كان في كنف الله وفي حفظ الله وفي ستر الله حياً وميتاً"(2).
عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لبس ثوباً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"(3).
باب
ثواب الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال الله تعالى { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً } (4).
هذه الآية شَرَّفَ الله سبحانه وتعالى بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - في حياته وموته وذكر منزلته منه وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء.
فيستحب أن يكررر الكاتب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما كتبه ويكتبها كاملة ولا يقتصرها كما يفعل البعض فيكتبها هكذا (صلعم) أو يكتبها (ص).
__________
(1) صحيح أبي داود (3394) والمشكاة (4374) الترغيب (2042).
(2) أخرجه الترمذي ، وابن ماجه ، والحاكم ، ورواه البيهقي وغيره عن عبيد بن زحر عن على بن يزيد عن القاسم عنه به.
(3) أخرجه أبو داود برقم (4023) بتمامه من طريق أبي مرحم عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه مرفوعاً.
(4) سورة الأحزاب الآية (56).(1/334)
ويستحب إذا صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر على أحدهما وهذا ظاهر في الآية.
وذكر ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى : في كتابه العظيم (جلاء الأفهام) تسعاً وتسعين فائدة يحصل عليها المصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - منها:
يصلي الله عليه بكل صلاة عشر صلوات وترفع له عشر درجات ويكتب له عشر حسنات وتمحى عنه عشر سيئات ويرجى إجابة دعائه إذا بدأه بحمد الله ثم - صلى الله عليه وسلم - بعدها وختم دعاءه بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وسبب لنيل شفاعته - صلى الله عليه وسلم - وسبب لغفران الذنب وذهاب الهم والغم وقضاء الحوائج ، وتكون سبب للقرب منه عليه الصلاة والسلام يوم القيامة.
وتكون سبب لطيب المجلس، وسبب لتثبيت القدم على الصراط ونور على الصراط وبركة على المصلى في عمره وأسباب مصالحه.
وسبب لنيل رحمة الله وسبب لهداية المصلي عليه وحياة قلبه، ويقول رحمه الله تعالى: (فكلما أكثر العبد من الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - استولت محبته على قلبه حتى لا يبقى في قلبه معارضة شيء من أوامر ولا شك في شيء مما جاء به بل يصير ما جاء به مكتوباً مسطوراً في قلبه ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العلوم منه وكلما ازداد في ذلك بصيرة ومعرفة ازدادت صلاته عليه - صلى الله عليه وسلم - فذكره - صلى الله عليه وسلم - وذكر ما جاء به وحمد الله سبحانه على أنعامه علينا ومنته بإرساله هو حياة الوجود وروحه"أ.هـ.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من صلى علي صلاة - صلى الله عليه وسلم - عليه بها عشراً"(1).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (284) وأبو داود والترمذي .(1/335)
فيه الحث على الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فيها من الأجر العظيم والخير العميم، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبب في رحمة الله للعبد.
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة"(1).
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطّ عنه بها عشر سيئات ورفعه بها عشر درجات"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من أحدٍ يسلم علي إلا ردَّ الله إلي روحى حتى أرد عليه السلام"(3).
وعن مكحول عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أكثروا عليَّ من الصلاة في يوم الجمعة فإن صلاة أمتي تعرض عليَّ في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم عليَّ صلاة كان أقربهم مني منزلة"(4).
__________
(1) رواه الترمذي برقم (484) وابن حبان برقم (908) . المشكاة (923) وقال الشيخ الألباني رحمه الله في الترغيب (حسن لغيره) (1668) .
(2) رواه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم وقال (صحيح الإسناد)، وصححه الألباني في المشكاة (922) فضل الصلاة (12211)، الترغيب (1657) .
(3) رواه أحمد وأبو داود ، المشكاة (625) النقد (47) التوسل(64) الآيات (43، 44)، الترغيب (1666) .
(4) رواه البيهقفي في الشعب بإسناد حسن ، الصحيحة : (1527) ، الإرواء (4)، فضل الصلاة (40). وصحيح الترغيب برقم (1673).(1/336)
وعن أُبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ربع الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه " قال أُبي بن كعب: فقلت يا رسول الله : إني أُكثر الصلاة فكم أجعل لك من صلاتي قال: "ما شئت" قلت: الربع؟ قال: "ماشئت وإن زدت فهو خير" قلت: النصف قال: "ما شئت وإن زدت فهو خير" قال: أجعل لك صلاتي كلها قال: " إذاً تكفى همك ويغفر ذنبك"(1).
المراد بالصلاة في هذا الحديث الدعاء.
استحباب كثرة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه وفي ليلته لقوله عليه الصلاة والسلام "أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلة الجمعة"(2).
من حديث أنس رضي الله عنه بزيادة "... فمن صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه عشراً". سبق تخريجه.
قال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيد الأنام ويوم الجمعة سيد الأيام فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فأما نالته على يده فجمع الله لأمته به بين خيري الدنيا والآخرة فأعظم كرامة تحصل لهم فإنما تحصل يوم الجمعة فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة وهو يوم المزيد له إذا دخلوا الجنة وهو يوم عيد لهم في الدنيا ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم ولا يرد سائلهم وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده - صلى الله عليه وسلم - فمن شكره وحمده وأداء القليل من حقه - صلى الله عليه وسلم - أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته . أ . هـ .زاد المعاد ( 1/283)
__________
(1) رواه أحمد والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح" والحاكم وقال : "صحيح الإسناد"، الصحيحة (952) المشكاة (5351) وفضل الصلاة (14).
(2) أخرجه البيهقي في الكبرى (3/249).(1/337)
قال أنس بن مالك قال أبو طلحة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عليهم يوما يعرفون البشر في وجهه فقالوا : إنا نعرف الآن في وجهك البشر يا رسول الله ! قال : " أجل أتاني الآن آت من ربي فأخبرني أنه لن يصلى علي أحد من أمتي إلا ردها الله عليه عشرا مثالها " (1).
وعن عبد الله ابن أبي طلحة عن أبيه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء يوماً والبشر يرى في وجهه فقالوا : يا رسول الله إنا نرى في وجهك بِشراً لم نكن نراه، ، قال : " أجل إنه أتاني ملك فقال: يا محمد إن ربك يقول: أما يرضيك ألا يُصلي عليك أحدٌ من أُمتك إلا صليت عليه كثيراً ولا سلم عليك إلا سلمت عليه عشراً"(2).
وعن عبد الرحمن بن عوف قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد فأطال السجود قال: " أتاني جبريل قال: من صلى عليك صليتَ عليه ومن سلم عليكَ سلمتَ عليه فسجدت لله شكراً"(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه عشراً"(4).
__________
(1) رواه أحمد والنسائي وابن حبان في ( صحيحه ) ، قال العلامة الألباني رحمه الله : "الحديث بمجموع طرقه صحيح"، فضل الصلاة (ص 22 ) والترغيب (1662) .
(2) رواه ابن حبان وصححه (2391) موارد، وصححه الألباني بشواهده فضل الصلا(ص22) والترغيب (1661).
(3) رواه أحمد والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وقال الألباني : "الحديث صحيح لطرقه وشواهده"، فضل الصلاة (ص25)والترغيب (1658).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة برقم (911) وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1530) والترمذي في كتاب الصلاة رقم (485)والنسائي في كتاب السهو برقم (1295).(1/338)
وقال - صلى الله عليه وسلم - "أتاني آتٍ من عند ربي عز وجل قال: " من صلى عليك مِنْ أُمتك صلاة كتب الله له عشر حسنت ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وردَّ عليه مثلها"(1).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:" إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة"(2).
وعن جعفر عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ينسى الصلاة عليَّ خطئ أبواب الجنة"(3).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من نسيَّ الصلاة عليَّ خطئ طريق الجنة"(4).
وعن بكر بن عبد الله المزني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "حياتي خير لكم تُحدثون ويُحدث لكم فإذا أنا مِتُ كانت وفاتي خيراً لكم تعرض عليَّ أعمالكم فإن رأيت خيراً حمدت الله وإن رأيت غير ذلك استغفرت الله لكم"(5).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صلوا في بيوتكم ولا تجعلوا بيوتكم مقابر لعن الله يهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم"(6).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أَبخلَ الناس من ذكرت عنده فلم يصلي عليَّ"(7).
__________
(1) رواه أحمد ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (57) وفضل الصلاة برقم (13).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة برقم (847).
(3) قال الألباني : "إسناده مرسل جيد" فضل الصلاة (41).
(4) قال الألباني: "إسناده مرسل صحيح"، فضل الصلاة (ص43).
(5) صححه الألباني وقال: "إسناده مرسل صحيح" فضل الصلاة (ص25).
(6) فضل الصلاة (ص30) وقال الألباني: "صحيح".
(7) قال الألباني: "صحيح" فضل الصلاة (ص37)، والترغيب (1684).(1/339)
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى عليَّ أو سأل لي الوسيلة حقت عليه شفاعتي يوم القيامة"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله ولم يصلوا على نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إلا كان مجلسهم عليهم ترة يوم القيامة إن شاء عفا عنهم وإن شاء أخذهم"(2).
وعن محمد بن يحيى بن حبان عن أبيه عن جده: أن رجلاً قال: يا رسول الله! أجعلُ ثلث صلاتي عليك؟ قال: " نعم، إن شئت" ، قال: الثلثين؟ قال: " نعم" قال: فصلاتي كلها؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إذاً يكفيك ما همك من أمر دنياك وآخرتِك"(3).
???????
أبواب البيوع
باب
ثواب الاكتساب من جهات الحل والعمل باليد
قال الله تعالى: { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم } (4).
وقال تعالى: { فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون } (5).
وعن المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده"(6).
وعن سعيد بن عمير عن عمه وهو البراء قال: سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم - : أي الكسب أطيب قال: "عمل الرجل بيده وكل كسب مبرور"(7).
__________
(1) وقال الألباني: "صحيح"، فضل الصلاة (ص50).
(2) وقال الألباني: "صحيح"، فضل الصلاة (ص54).
(3) رواه الطبراني بإسناد حسن، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1671).
(4) سورة البقرة الآية (198).
(5) سورة الجمعة الآية (10).
(6) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2072).
(7) رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وقال الذهبي (صحيح) ، صحيح الجامع(1/1137).(1/340)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيُّ الكسب أفضل قال: "عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن يَحْتَطِبَ أحدُكم حزمةً على ظهرِهِ خيرٌ له من أنْ يسألُ أحداً فيعطيَهُ أو يمنعَهُ"(2).
وعن الزبير بن العوام - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن يأخذ أحدكم أحبلهُ فيأتي بُحزمةٍ من حَطبٍ على ظهره، فيبيعها فيكُفَّ الله بها وَجْههُ، خيرُ له من أن يسأل الناسَ أعطوه أو منعوه"(3).
باب
النصيحة في البيع وغيره
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا"(4).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ على صبرة طعامٍ فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: " ما هذا يا صاحب الطعام ؟ قال أصابته السماء يا رسول الله قال" أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ؟من غشنا فليس منا"(5).
وعن تميم الداري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الدين النصيحة" قلنا: لمن يا رسول الله ؟ قال: " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"(6).
__________
(1) رواه الطبراني ورواه أحمد والبزار ، صحيح الجامع (1/1044) ، السلسلة الصحيحة(2/607).
(2) رواه البخاري في الزكاة (1470) وفي البيوع(2074) ورواه مسلم في الزكاة برقم(1042).
(3) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1471) وفي كتاب المساقاة برقم (2373).
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (101).
(5) رواه مسلم في كتاب الإيمان(102).
(6) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (55)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (56).(1/341)
وعن زياد بن علاقة قال: سمعت جرير بن عبد الله يقول يوم مات المغيرة بن شعبة :أما بعد فإني أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : أبايعك على الإسلام فشرط عليَّ : "والنصح لكل مسلم" فبايعتهُ على هذا وربِّ هذا المسجد إني لكم لناصح"(1).
وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم"(2).
وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يُحبّ لأخيه ما يُحب لنفسه"(3).
وعن سعيد بن عمير عن عمه - رضي الله عنه - قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي الكسب أطيبُ؟ قال: " عمل الرجل بيده، وكل كسبٍ مبرور" (4).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيُّ الكسب أفضل؟ قال: " عمل الرجل بيده، وكل بَيع مبرورٌ"(5)
باب
الورع وترك الشبهات وما يحوك في الصدور
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (58).
(2) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (57) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (56).
(3) رواه البخاري في كتبا الإيمان برقم )(13)ومسلم في كتاب الإيمان برقم (45).
(4) رواه الحاكم و قال " صحيح الإسناد" ، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1688).
(5) رواه الطبراني في "الكبير" و" الأوسط"، صحيح الترغيب برقم(1690) والصحيحة برقم(607).(1/342)
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمورٌ مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملكٍ حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"(1).
وفي رواية للبخاري "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمورٌ مشتبهة فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أو شك أن يواقع ما استبان والمعاصي حِمى الله ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه"(2).
وعن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البِرّ حُسنُ الخُلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس"(3).
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد تمرةً في الطريق فقال: لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها"(4).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام : أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر : وما هو قال: كنت تكهنت لإنسانٍ في الجاهلية وما أُحسن الكهانة، إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني لذلك هذا الذي أكلت منه ، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيءٍ في بطنه"(5).
__________
(1) رواه البخاري في كتب الإيمان برقم (52) ومسلم في كتاب المساقاة برقم (1599).
(2) فتح الباري كتاب البيوع رقم (2051).
(3) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2553).
(4) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2055) ، وفي كتاب اللقطة برقم (2431).
(5) رواه البخاري في كتاب مناقب الأنصار برقم (3842).(1/343)
الخراج : شيء يفرضه المالك على عبده يؤديه إليه كل يوم مما يكتسبه ، وباقي كسبه يأخذه لنفسه.
وعن وابصة بن معبد - رضي الله عنه - قال:أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أُريد أنْ لا أدع شيئاً من البِر والإثم إلا سألتُ عنه، فقال لي:"ادنُ يا وابصة"، فدنوت منه حتى مَسَّتْ ركبيتي ركبته ، فقال لي:"يا وابصة: أُخبرك ما جئت تسأل عنه؟" قلت:يا رسول الله! أخبرني.قال:"جئت تسألُ عن البر والإثم" قلت: نعم، فجمع أصابع الثلاث، فجعل ينكتُ بها في صدري ويقول: " يا وابصة : استفتِ قلبك، البِرُّ ما اطمأنتْ إليه النفس، واطمأنَّ إليه القلب، والإثم ما حاكَ في القلب، وتردد في الصدر وإن أفتاكَ الناسُ وأفتوك"(1).
وعن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله : أخبرني ما يحل لي ويحرُمُ عليَّ ؟ قال: " البِرّ ما سكَنَتْ إليه النفسُ، واطمأنّ إليه القلبُ، والإثمُ ما لم تَسْكُنْ إليه النفسُ ، ولم يطمئن إليه القلبُ ، وإن أفتاك المفتون"(2).
باب
ثواب ما يقول إذا دخل السوق
عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" من دخل السوق فقال: لا إله إ لا الله وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير، وهو على كل شيءٍ قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة "(3).
__________
(1) رواه أحمد وصححه الألباني في الترغيب برقم(1735).
(2) رواه أحمد وصححه الألباني في الترغيب برقم (1735).
(3) صحيح الترمذي (2726) والكلم (229) والمشكاة (2431) والترغيب برقم (1694).(1/344)
وفي رواية (وبنى له بيتاً في الجنة ) وفيه من الزيادة : قال الرواي (فقدمت خراسان فأتيت قتيبة بن مسلم فقلت : أتيتك بهدية فحدثته بالحديث فكان قتيبة بن مسلم يركب في موكبه حتى يأتي السوق فيقولها ثم ينصرف"(1).
باب
ثواب السماحة في البيع والشراء والتقاضي والقضاء
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى" (2).
اقتضى : أي طلب قضاء حقه بسهولة وعدم إلحاف.
وفي رواية لابن ماجه "غفر الله لرجل كان قبلكم كان سهلاً سمحاً إذا باع سهلاً إذا اشترى سهلاً إذا اقتضى" (3).
وعن عثمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أدخل الله عز وجل رجلاً كان سهلاً مشترياً وبائعاً وقاضياً ومقتضياً الجنة"(4).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان هيناً ليناً قريباً حرمه الله على النار"(5).
وعنه - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" كان رجل يداين الناس وكان يقول لفتاه إذا لقيت معسراً فتجاوز عنه لعل الله يتجاوز عنا فلقي الله فتجاوز عنه"(6).
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين من طرق كثيرة . صحيح الجامع رقم (6231).
(2) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2076).
(3) السلسلة الصحيحة (1181) وصحيح الجامع(4/4037)، الترغيب (1742) .
(4) رواه النسائي وابن ماجه، السلسلة الصحيحة (1181) وصحيح الجامع (1/141) وقا ل الألباني في الترغيب : "حسن لغيره" برقم (1743).
(5) رواه الحكم وقال : صحيح على شرط مسلم ، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1745).
(6) رواه البخاري في أحاديث الأنبياء برقم (3480)، ومسلم في كتاب المساقة برقم (1562).(1/345)
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: أتى الله بعبد من عباده آتاه مالاً فقال له : ماذا عملت في الدنيا؟ قال: ولا يكتمون الله حديثاً قال: يا ربُّ آتيتني مالاً فكنت أبايع الناس وكان من خُلقي الجواز فكنت أيسر على الموسر وأنظر المعسر فقال الله تعالى: أنا أحقُّ بذلك منك تجاوزوا عن عبدي"فقال عقبة بن عامر وأبو مسعود الأنصاري هكذا سمعناه من فِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله يحب سَمْحَ البيع ، سمحَ الشراء ، سمحَ القَضاءِ"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يتقاضاه فأغلظ له، فهم به أصحابه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "دعوهُ ، فإن لصاحب الحق مقالاً" . ثم قال : " أعطوهُ سِناً مثل سِنِّهِ" ، قالوا يا رسول الله ! لا نجد إلا أمثل من سِنِّه،قال: " أعطوهُ، فإن خيركم أحسنكم قضاء"(3).
وعن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: استسلفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكراً ، فجاتْهُ إبل الصدقة ، قال أبو رافع: فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقفي الرجل بكرَهُ، فقلت: لا أجدُ في إبل إلا جملاً خياراً رباعياً . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أعطه إياهُ، فإن خيارَ الناسِ أحسنٌهم قضاءً"(4).
البكر من الإبل: هو الصغير ، كالغلام من الآدميين ، والأُنثى بَكره.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب المساقة برقم (1560).
(2) رواه الترمذي وقال: "غريب" والحاكم وصححه الألباني في الترغيب برقم (1748).
(3) رواه البخاري في كتاب الوكالة برقم (2305) وفي كتاب الاستقراطي برقم (2390).
(4) رواه مسلم في كتاب المساقاة برقم (1600) واللفظ لأبي داود في سننه (3/641، 642) رقم (3346) في كتاب البيوع.(1/346)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "دخل رجلٌ الجنَّة بِسمَاحَته قاضياً ومُقتضياً"(1).
باب
ثواب البكور في طلب الرزق
عن صخر بن وداعةَ الغامديِّ الصحابي - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم بارك لأُمتي في بكورها"وكان إذا بعث سرية ً أو جيشاً بعثهم من أولِ النهار. وكان صخر تاجراً، فكان يبعث تجارته من أول النهار، فأثرى وكَثُرَ مالُه. (2).
باب
ثواب من أقال نادماً بيعه
عن أبي شريح - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أقال أخاه بيعاً أقال الله عثرته يوم القيامة"(3).
وفي رواية "من أقال مسلماً أقال الله تعالى عثرته"(4) من حديث أبي هريرة .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أقال مسلماً عثرته أقالَهُ الله عثرَتَهُ يوم القيامة"(5).
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه طالب حاجةٍ أقبل على جلسائه فقال:" اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب"(6).
باب
ثواب من أدان ديناً وهو ينوي وفاءه
__________
(1) رواه أحمد، وقال الألباني: "حسن لغيره"، الترغيب رقم (1750).
(2) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه ، وقال الألباني " صحيح لغيره" الترغيب برقم (1693).
(3) رواه الطبراني، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/110): "رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات" وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (5/5947) والترغيب (1759).
(4) صحيح الجامع (5/5947).
(5) رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم"، وصححه الألباني في صحيح الجامع(5/5947)، المشكاة (2881)،الإرواء(1334)والترغيب(1758).
(6) أخرجه البخاري (3/299) فتح وسمل (2627).(1/347)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد اتلافها أتلفه الله"(1).
وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تدان فقيل لها مالك وللدين؟ ولك عنه مندوحة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من عبد كانت له فيه أداء دينه إلا كان له من الله عون" فأنا ألتمس ذلك العون"(2).
ورواه الطبراني إلا أنه قال: " كان له من الله عون وسبب له رزقاً"
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: كانت ميمونة رضي الله عنها تدان فتكثر فقال لها أهلها في ذلك ولا موها ووجدوا عليها فقالت: لا أترك الدين وقد سمعت خليلي وصفيي - صلى الله عليه وسلم - يقول:" ما من أحد يدان ديناً يعلم الله أنه يريد قضاءه إلا أداه عنه في الدنيا"(3).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حمل من أُمتي ديناً ثم جهد في قضاءه ثم مات قبل أن يقضيه فأنه وليه"(4).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الاستقراض برقم (2387).
(2) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح إلا أن فيه انقطاعاً،ورواه الطبراني ، وصححه الألباني،صحيح الجامع(5734).
(3) رواه النسائي وابن ماجه وابن حبان، صحيح الجامع (5734).
(4) رواه أحمد بإسناد جيد، وقال في المجمع (4/132): "رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في "الأوسط" ورجاله أحمد رجال الصحيح".(1/348)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ذكر رجلاً من بني اسرائيل سأل بعض بنى اسرائيل أن يسلفه ألف دينار، قال: ائتني بالشهداء أُشهدهم فقال: كفى بالله شهيداً ، قال: فأئتني بالكفيل ، فقلا: كفى بالله كفيلاً قال صدقت فدفعها إليه إلى أجل مسمى فخرج في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركباً يركبه يقدم عليه للأجل الذي أجله فلم يجد مركباً فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبها ثم زجج موضعها ثم أتى بها البحر، فقال: اللهم إنك تعلم أني تسلفت فلاناً ألف دينار فسألني كفيلاً فقلت كفى بالله كفيلاً فرضي بك وسألني شهيداً فقلت كفى بالله شهيداً فرضي بك وإني جهدت أن أجد مركباً أبعث إليه الذي له فلم أقدر وإني أستودعها فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركباً يخرج إلى بلدة فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركباً قد جاء بماله فإذا الخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطباً فلما نشرها وجد المال والصحيفة ثم قدم الذي أسلفه وأتى بالألف دينار فقال: والله مازلت جاهداً في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركباً قبل الذي جئتُ فيه قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثته في الخشبة فانصرف بالالف دينار راشداً (1).
(زجج) : بزاي وجيمين معناه : طلى نقر الخشبة بما يمنع سقوط شيء منه كالرصاص والزفت ونحو ذلك وقوله (حتى ولجت) : أي دخلت فيه وغابت عن عينه.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الكفالة برقم (2291).(1/349)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُؤتي بالرجل الميت، فيسأل:" هل ترك قضاءً؟ " فإن حُدِّثَ أنه ترك وفاءً صلى عليه، وإلا قال:" صلوا على صاحبكم" فلما فتح الله عليه الفتوح قال: " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي وعليه دين فعليَّ قضاؤه، ومن تَركَ مالاً فهو لورثتِه" (1).
باب
ثواب في كلمات يقولها في قضاء الديَّن
والمهموم والمكروب والمأسور
عن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال: " يا أبا أُمامة مالي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة" ؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله ، قال: " أفلا أُعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟" قلت: بلى يا رسول الله ، قال: " قل إذا أصبحت وإذا أمسيت : اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال " قال: فقلتهن، فأذهب الله همي وقضى عني ديني"(2).
وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قال في كل يوم حين يصبح وحين يمسي: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو ربُّ العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة"(3).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الفرائض برقم (1619).
(2) أخرجه أبو داود في آخر كتاب الصلاة برقم (1555) من طريق احمد بن عبيد الله الغداني.
(3) أخرجه ابن السُني في " عمل اليوم والليلة " برقم (71) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. وأبو داود في الأدب برقم (5081) موقوفاً على أبي الدرداء رضي الله عنه.(1/350)
وعن علي - رضي الله عنه - ، أن مكاتباً جاءه فقال: إني قد عجزت عن مكاتبتي فإعني . قال: ألا أُعلمك كلماتٍ علمنيهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو كان عليك مثل جبل (صبير) ديناً أداه الله عنك؟ قل: (اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك"(1).
(صُبير) هو بالصاد المهملة : اسم جبل باليمن. قاله في "النهاية".
و عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أصاب أحداً قط همٌّ ولا حَزَن فقال: " اللهم إني عبدك وابن عبدك ، وابن أمتك ، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك ، عدلٌ فيَّ قضاؤك ، أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري ، وجلاء حزني، وذهاب همي" إلا أذهب الله عز وجل هَمَّهُ، وأبدَلَهُ مكان حزنِهِ فرحاً" قالوا: يا رسول الله! ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات ؟ قال: " أجل : ينبغي لمن سَمِعَهُنَّ أن يتعلمَهُنَّ"(2).
وعن سعد بن أبي وقاض - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت : " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" فإنه لم يدعُ بها رجلٌ مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له"(3).
__________
(1) رواه الترمذي واللفظ له وقال: (حديث حسن غريب)، والحاكم وقال : (صحيح الإسناد) ، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1820). والصحيحة رقم (266) .
(2) رواه أحمد والبزار وأبو يعلى وابن حبان في "صحيحه" ، والحاكم وقال : "صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن عن أبيه"، وصححه الألباني في " الصحيحة برقم (199) والترغيب برقم (1822).
(3) رواه الترمذي واللفظ له، والنسائي والحكم وقال: "صحيح الإسناد" وصححه الألباني في الترغيب برقم (1826).(1/351)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب: " لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله ربّ العرش العظيم ، لا إله إلا الله ربُّ السماوات والأرض وربّ العرش الكريم"(1).
باب
ثواب المملوك الذي يؤدي حق الله وحق مواليه
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة ربِّه فله أجره مرتين"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "للعبد المملوك المصلح أجران" والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبِرُّ أُمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك"(3).
قال : وبلغنا أن أبا هريرة لم يكن يحج حتى ماتت أُمه لصحبتها.
المصلح هو الناصح لسيده والقائم بعبادة ربِّه المتوجبة عليه، وأن له أجران لقيامه بالحقين ولانكساره بالرق. شرح النووي (11/135، 136)
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "للمملوك الذي يُحسن عبادة ربِّه ويؤدي إلى سيده الذي عليه من الحق والنصيحة والطاعة أجران"(4).
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ثلاثة لهم أجران : رجلٌ من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه ورجل كانت له أمة فأدبها فأحسنَّ تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران"(5).
__________
(1) رواه البخاري في الدعوات برقم (6346) ومسلم في الذكر والدعاء برقم (2730).
(2) أخرجه البخاري في كتاب العتق برقم (2546)ومسلم في كتاب الإيمان برقم (4294).
(3) أخرده البخاري في كتاب العتق برقم (2548)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (4296).
(4) أخرجه البخاري في كتاب العتق برقم (2551).
(5) أخرجه البخاري في كتاب العلم برقم (97)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (154).(1/352)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أدى العبد حق الله وحق مواليه كان له أجران " قال: فحدثتها كعب فقال كعب: ليس حساب ولا على مؤمن مزهد(1).
وعنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "نعما للمملوك أن يتوفى يُحسن عبادة الله وصحابة سيده نعماً له"(2).
وفي رواية للترمذي ولفظه قال: "ثلاثة يُؤتون أجرهم مرتين: عبد أدى حق الله وحق مواليه، فذاك يُؤتى أجره مرتين، ورجلٌ كانت عنده جارية وضيئةٌ، فأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها، ثم تزوجها، يبتغي بذلك وجه الله، فذلك يُؤتى أجره مرتين، ورجل آمن بالكتاب الأول، ثم جاء الكتاب الآخر فآمن به، فذلك يُؤتى أجره مرتين"(3).
الوضيئة: بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة ممدوداً: هي الحسناء الجميلة النظيفة.
باب
ثواب العتق
قال الله تعالى: { فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فكُ رقبة } (4).
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضوٍ منه عضواً منه من النار حتى فرجه بفرجه"(5).
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما رجل أعتق أمرءاً مسلماً استنقذ الله بكل عضوٍ منه عضواً منه من النار" وقال سعيد بن مرجانة : فانطلقت به إلى علي بن الحسين فعمد علي بن الحسين إلى عبدٍ له قد أعطاه به عبدٍ الله ابن جعفر عشر آلاف درهم أو ألف دينار فأعتقه(6).
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (4298).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم
(3) صحيح الترغيب (2/388).
(4) سورة البلد الآية (11-13).
(5) أخرجه البخاري في كفارات الأيمان برقم (6715). ومسلم في كتاب العتق برقم (1509)
(6) رواه البخاري في كتب العتق برقم (2517)، ومسلم في كتاب العتق برقم (1509)(1/353)
وعن أبي مسلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما امرئ مسلم أعتق امرءاً مسلماً فهو فكاكه من النار يجزي بكل عظم منه عظماً منه وأيما امرأةٍ مسلمة أعتقت أمرأةً مسلمة فيه فكاكها يجزى كل عظمٍ من عظامها عظماً منه".(1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من اعتق شركاً له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطي شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق".(2)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من اعتق شركاً له مملوك فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه فإن لم يكن له مال عتق منه ما عتق".(3)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله! أي الأعمال أفضل؟ قال: "الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله" قال: قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: "أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمناً".(4)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة: من عاد مريضاً وشهد
جنازة وصام يوماً وراح إلى الجمعة واعتق رقبة".(5)
__________
(1) أخرجه الطبراني ، وصححه الألباني، صحيح الجامع (2697) الترغيب (1892).
(2) أخرجه البخاري في كتاب العتق برقم (2522) ومسلم في كتاب النذور برقم (4301) وفي كتاب الإيمان برقم (4301) وفي كتاب العتق برقم (3749).
(3) أخرجه البخاري في كتاب العتق برقم (2525) ومسلم في كتاب العتق برقم (3750) وفي كتاب الإيمان برقم (4302).
(4) متفق عليه.
(5) رواه ابن حبان، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/169): (رواه أبو يعلى ورجاله ثقات)، وصححه العلامة الألباني،في الصحيحة (1023)وصحيح الجامع (3247) والترغيب (1899)(1/354)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أعتق رقبة مؤمنة فهي فكاكه من النار".(1)
وعن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه - قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك فأتاه نفر من بني سليم فقالوا: إن صاحبنا قد أوجب فقال: "أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار".(2)
(أوجب) أي: أتى بفعل أوجب له النار.
وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أعتق نصيباً له في عبد فكان له من المال قدر ما يبلغ قيمته قوم عليه قيمته عدل وإلا فقد عتق منه ما عتق".(3)
ج
أبواب النكاح
باب
ثواب النِّكَاح سيَّما بذاتِ الدِّين الوَلُود
عن أبي ذر - رضي الله عنه - : "أن ناسا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهى عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر"(4) .
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود والنسائي، والحاكم فقال: "صحيح الإسناد" ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في التلخيص، صحيح الجامع (6050) والإرواء (1742).
(2) رواه أبو داود وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم" المستدرك (2/212) وقال الذهبي في التلخيص: "صحيح".
(3) أخرجه البخاري في كتاب العتق برقم (2525) وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (4303) وفي كتاب العتق (3570).
(4) أخرجه البخاري برقم (807) ، ومسلم برقم (1006) .(1/355)
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أعض للبصر، وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء"(1).
المعشر : هم الطائفة الذين شملهم وصف. فالشباب معشر والشيوخ معشر والأنبياء معشر، والشباب جمع شاب، وهو مَنْ بلغَ ولم يجاوز الثلاثين.
الباءة: أصلها في اللغة الجماع مشتقة من المباءة وهي المنزل.
والوِجاء :بكسر الواو وبالمد: هو رض الخصيتين، والمراد هنا أن الصوم يقطع الشهوة، ويقطع شر المني كما يفعله الوجاء. شرح النووي (9/173).
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جاء رهطٌ إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما أُخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً. وقال الآخر: أنا أصوم الدهر فلا أفطر. وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم فقال: "أنتم القوم الذين قلتم كذا وكذا؟
أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأُفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"(2).
تقالوها: أي استقلوها، وأصل تقالوها: تقاللوها، أي رأى كل منهم أنها قليلة.فتح الباري (9/105)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تنكح المرأة لأربع لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"(3).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب النكاح برقم (5065) ومسلم في كتاب النكاح برقم(1400).
(2) رواه البخاري في كتاب النكاح برقم(5063)، ومسلم في كتاب النكاح برقم (1401).
(3) رواه البخاري في كتاب النكاح برقم (5090) ، ومسلم في كتاب الرضاع برقم (3620).(1/356)
قال النووي رحمه الله: "الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بما يفعله الناس في العادة، فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم
ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين. أ.هـ(1).
وقوله: "تربت يداك" كلمة معناها الحث والتحريض، وقيل: هي هنا دعاءٌ عليه بالفقر، وقيل: بكثرة المال واللفظ مشترك بينهما، قابل لكل منهما، والآخر هنا أظهر. ومعناه: اظفر بذات الدين لا تلتفت إلا المال ، وأكثر الله مالك، والله تعالى أعلم.
باب
ثواب النفقة على العيال والزوجة
قال تعالى: { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين } (2).
وقال تعالى: { لينفق ذو سعةٍ من سعته ومن قُدِرَ عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسرٍ يسراً } (3).
والآيات في ثواب الإنفاق وفضله كثيرة وتقدم بعضها في أبواب الصدقات.
وعن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة"(4).
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من أنفق على نفسه نفقة يستعف بها فهي صدقة ومن أنفق على امرأته وولده، وأهل بيته فهي صدقة"(5).
__________
(1) شرح النووي (10/293).
(2) سورة سبأ (الآية: 39).
(3) سورة الطلاق (الآية: 7).
(4) رواه البخاري في كتاب النفقات برقم (5351) ، ومسلم في كتب الإيمان برقم (55).
(5) رواه الطبراني بإسناد حسن، وحَسنه الألباني في الترغيب برقم (1957).(1/357)
وعن المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة"(1).
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبةٍ ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك"(2).
في رقبة : في إعتاق عبدٍ أو أمةٍ.
عيالك: أهل بيتك ومن تعولهم.
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : "وإنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه إلا أُجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك"(3).
وعن أبي عبد الله ويقال أبو عبد الرحمن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله"(4).
قال أبو قلابة : بدأ بالعيال ثم قال أبو قلابة: وأي رجل أعظم أجراً من رجل ينفق على عيال صغار يعفهم الله به ويغنيهم؟.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله هل لي أجرٌ في بني سلمة أن أٌنفق عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا إنما هم بَني؟ قال: " نعم لكِ أجرُ ما أنفقت عليهم"(5).
(بتاركتهم هكذا وهكذا) أي: يقطرون يميناً وشمالاً طلباً للقوت.
__________
(1) رواه أحمد بإسناد جيد، قال في المجمع: (رواه أحمد ورجاله ثقات)، ورواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1955) والصحيحة (453).
(2) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (2308).
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (2307).
(5) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1467) والنفقات برقم(5369) ، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (2317).(1/358)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اليد العليا خيرٌ وأحبُّ إلى الله من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول، أُمُّك وأباك، وأختك وأخاك، وأدناك فأدناك"(1).
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما أنفق المرء على نفسه
وولده وأهله وذوي رحمِهِ وقرابته، فهو له صدقة"(2).
باب
ثواب من كان له ابنتان أو أختان
فصبر عليهما وأحسن إليهما
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كنَّ له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن وسرائهن أدخله الله الجنة برحمته أياهن" فقال رجل: وابنتان يا رسول الله قال: " وابنتان" قال رجل : يا رسول الله وواحدة قال : " وواحدة" . (3).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ليس أحدٌ من أُمتي يعول ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن إلا كنَّ له ستراً من النار"(4).
وعن عقبه بن عامر - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كنَّ له حجاباً من النار يوم القيامة"(5).
__________
(1) رواه الطبراني (10/299/10405) وهو في الصحيحين " وغيرهما بنحوه من حديث حكيم بن حزام " وصححه الألباني في الترغيب برقم (1956).
(2) رواه الطبراني في ( الأوسط) وشواهده كثيرة ، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1960).
(3) رواه الحاكم في المستدرك (4/176) وقال : (صحيح الإسناد ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي.
(4) رواه البيهقي في شعب الإيمان ، صحيح الجامع برقم (5248).
(5) رواه أحمد في مسنده عن عقبه بن عامر، السلسة الصحيحة برقم (293).(1/359)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين"(1) وضم أصابعه.
جاريتين : أي بنتين.
عالَ : قام عليهما بالتربية والإحسان إليهما.
عناية الأبوين بالبنات تربية وتهذيباً سبب في دخول الجنة وعلو المنزلة فيها.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت عليَّ امرأة ومعها ابنتان لها تسأل فلم تجد عندي شيئاً غير تمرةٍ واحدة فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها ثم قامت فخرجت فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا فأخبرته فقال: "من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كنًّ له ستراً من النار" (2).
تسأل : تطلب مالاً عن حاجة.
ابتُلي: امتحن واختبر.
ستراً: حجاباً ووقاية.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها إبنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما فأعجبني شأنها فذكرت الذي صنعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " إن الله قد أوجب لها الجنة أو أعتقها من النار"(3).
شأنها: حالها. فاستطعمتها: طلبتا أن تطعمهما إياها.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من مسلم له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه إلا أدخلتاه الجنة"(4).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2631)، والترمذي والحاكم.
(2) رواه البخار ي في كتاب الزكاة برقم (14118)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2629).
(3) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2630).
(4) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في الترغيب (1971).(1/360)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من أنفق على ابنتين أو أختين أو ذواتي قرابة يحتسب النفقة عليهما حتى يغنيا من فضل الله أو يكفيهما كانتا له ستراً من النار"(1).
وفي رواية: "حتى يغنيهما الله من فضله" بدل "حتى يغنيهما من فضل الله" .
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كنًّ له ثلاث بنات يؤوبهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت له الجنة البتة" قيل يا رسول الله فإن كانتا اثنتين قال: "وإن كانتا اثنتين" قال: فرأى بعض القوم أن يقول لو قال واحدة لقال: (واحدة).(2).
باب
ثواب من مات له ثلاثة من المواليد لم يبلغوا
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم"(3).
وعنه قال: أتت امرأة بصبيٍ لها فقالت يا نبي الله أدعُ الله لي فلقد دفنت ثلاثة فقال: "دفنت ثلاثة " قالت: نعم، قال: "لقد احتضرت بحظار شديد من النار"(4).
الحِظار : بكسر الحاء المهملة وبالظاء المعجمة هو الحائط يجعل كالصور على الشيء.
ومعنى الحديث: لقد احتميت من النار وتحصنت منها بحصن حصين وحمى منيع.
__________
(1) رواه أحمد في مسنده (6/293)، والطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1974) .
(2) رواه أحمد في مسنده (3/303)بإسناد جيد ، والطبراني و زاد: "ويزوجهن" ، قال في جمع الزوائد (8/175) : "رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط بنحو وزاد :"ويزوجهن"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1975).
(3) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1251)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم(2632).
(4) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2636).(1/361)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما من مسلم يموت له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم"(1).
الحنث: بكسر الحاء وسكون النون : هو الإثم والذنب والمعنى أنهم لم يبلغوا السن الذي تكتب عليهم في الذنوب.
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من أشكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله في سبيل الله عزَّ وجلَّ وجبت له الجنة"(2).
وعن عتبة بن عبد السلمي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل"(3).
وعن حبيبه أنها كانت عند عائشة رضي الله عنها فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى دخل عليها فقال: " ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا جيء بهم يوم القيامة حتى يوقفوا على باب الجنة فيقال لهم ادخلوا الجنة فيقولون حتى يدخل آباؤنا فيقال لهم :"ادخلوا أنتم وآباؤكم"(4).
باب
ثواب من مات له ولدان
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1248) ، ومسلم في كتاب البر والصلة .
(2) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2000)والصحيحة برقم (2296).
(3) رواه ابن ماجه بإسناد جيد، صحيح الجامع (5772)، الرياض (958)، الجنائز (ص23). وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1993).
(4) رواه الطبراني بإسناد جيد، المشكاة (1754) ، وصححه الألباني في الترغيب برقم_(2003).(1/362)
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله قال: " اجتمعن في يوم كذا وكذا في موضع كذا وكذا" فاجتمعن فأتاهن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلمهن مما علمه الله ثم قال: " ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجاباً من النار"، فقالت امرأة واثنتين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" واثنتين"(1).
وعن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة - رضي الله عنه - ، إنه قد مات لي ابنان فما أنت محدثي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث يطيب أنفسنا عن موتانا؟ قال: نعم " صغارهم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم أباه أو قال أبويه فيأخذ بثوبه أو قال بيده كما آخذ أنا بصنفة ثوب هذا فلا يتناهى أو قال ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة"(2).
الدعاميص: بفتح الدال وبالصاد مهملتين جمع دعموص بضم الدال وهي دويبة صغيرة تكون في العذران إذا نشفت يضرب لونها إلى السواد وشبه الطفل به لصغره وسرعة حركته في الجنة. وقيل الدعموص هو الرجل كثير الدخول على الملوك من غير إذن منهم.
وصنفة الثوب: بفتح الصاد المهملة والنون معاً بعدهما فاء هي حاشيته وطرفه الذي لا هدب له، وقيل هي الناحية ذات الهدب والله تعالى أعلم.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الاعتصام برقم(7310)،ومسلم في كتاب البر والصلة برقم(2633).
(2) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2635)، وأحمد (2/510).(1/363)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من مات له ثلاثة من الولد فاحتسبهم دخل الجنة" قال: قلنا يا رسول الله واثنان قال: "واثنان" قال محمود يعني ابن لبيد لجابر : أراكم لو قلتم واحد لقال واحداً قال : وأنا أظن ذلك. (1).
باب
من مات له ولد واحد
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من كان له فرطان من أمتي أدخله الله بهما الجنة" فقالت له عائشة : فمن كان له فرط ؟ قال: " من كان له فرط ؟؟" قالت : فمن لم يكن له فرط من أمتك ؟ قال: " فأما فرط أمتي لن يصابوا بمثلي"(2).
(الفرط) بالتحريك هو الذي يتقدم القوم ليرتاد لهم الماء ويهيء لهم الدلاء والرشاء والمراد به هنا الولد دون البلوغ يقدمه المرء بين يديه ذكراً كان أو أنثى وجمعه أفراط.
وقوله " فأنا فرط أمتي" أي أتقدمهم إلى الحوض قبل ورودهم أهيء مصالحهم في دار القرار والله تعالى أعلم.
وعن أبي سلمة راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " بخٍ بخ وأشار بيده لخمس ما أثقلهن في الميزان سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه"(3).
__________
(1) رواه أحمد وابن حبان في " صحيحه " وصححه الألباني في الترغيب برقم (2006).
(2) رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسن، المشكاة (1735).
(3) رواه النسائي وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد ورواه البزار من حديث ثوبان بإسناد جيد، وصححه العلامة الألباني رحمه الله، الصحيحة (1204) وكذلك في الترغيب رقم (2009).(1/364)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كان له حصناً حصيناً من النار" فقال أبو ذر: قدمت اثنين قال: "واثنين" قال أُبي بن كعب سيد القراء: قدمت واحداً قال: "وواحد"(1).
وعن أبي موسى الأشعري ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي المؤمن فيقولون: نعم ، فيقول قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون : نعم، فيقول ماذا قال عبدي فيقولون: حمدك واسترجع فيقول ابنوا له بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد"(2).
وعن قرة بن إياس - رضي الله عنه - ، أن رجلاً كان يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه ابن له فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أتحبه" قال: نعم يا رسول الله أَحبكَ الله كما أحبه ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما فعل فلان بن فلان" قالوا يا رسول الله مات فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبيه "ألا تحب أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك" فقال رجلٌ : يا رسول الله أله خاصة أم لكلنا؟ قال "بل لكلكم"(3).
__________
(1) أخرجه بان ماجة بإسناده عن ابن مسعود، المشكاة (1755).
(2) المشكاة (1736) والصحيحة (1408)، الترغيب (2012).
(3) رواه أحمد ، والنسائي وابن حبان، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2007).(1/365)
وفي رواية للنسائي قال: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس جلس إليه نفر من أصحابه فيهم رجلٌ له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعد بين يديه فهلك فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مالي لا أرى فلاناً" قالوا : يا رسول الله بُنيه الذي رأيته هلك فلقيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن بُنيه فأخبره أنه هلك فعزاه عليه ثم قال: "يا فلان أيهما كان أحب إليك؟ أن تمتع به عمرك أو لا تأتي إلى باب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟" قال: يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لهو أحب إليَّ قال: "فذاك لك"(1).
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من مسلمين يتوفى لهما ثلاثة من الولد إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهم" فقالوا: يا رسول الله أو اثنان قال: "أو اثنان" قالوا: أو واحد؟ قال: "أو واحد" ثم قال: "والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته"(2).
(السرر) بسين مهملة وراء مكررة محركاً : هو ما تقطعه القابلة وما بقي بعد القطع فهو السُّرَّة.
???????
أبواب الطعام
باب
ثواب ما يقول إذا فرغ من الطعام وما جاء في لعق الأصابع
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تعالى ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها"(3).
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) أخرجه أحمد بإسناد حسن، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2008)، المشكاة برقم (1754).
(3) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6868)، والترمذي في الأضحية برقم (1816).(1/366)
فيه أن الذي يحمد الله بعد الأكل أو الشرب سبب لرضاء الله سبحانه وتعالى وقد جاءت صفة التحميد في البخاري" الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا ، وجاء غير ذلك ولو اقتصر على الحمد حصل أصل السنة.
وعن معاذ بن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أكل طعاماً فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه(1).
باب
آداب الأكل
عن جابر - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال : " إنكم لا تدرون في أيها البركة"(2).
في رواية له: "إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة"(3).
لعق: مص، أصابعه الثلاث الوسطى ثم السبابة ثم الإبهام.
فليمط: فليزل، والأذى: الوسخ، تُسلت: تُلعق.
القصعة: إناء يأكل عليه عشرة أنفس
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ولهذا قال الأطباء: إن في لعق الأصابع من بعد الطعام فائدة وهو تيسير الهضم ونحن نقول هذا من باب معرفة حكمة الشرع فيما يأمر به وإلا فالأصل أننا نلعقها امتثالاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وكثير من الناس لا يفهمون هذه السُنة تجده ينتهي من الطعام وحافته التي حولها كلها تجده أيضاً يذهب ويغسل دون أن يلعق أصابعه والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يمسح الإنسان يديه بالمنديل حتى يلعق وينظفها من الطعام ثم بعد ذلك يمسح بالمنديل ثم بعد ذلك يغسلهما إذا شاء . أ.هـ. شرح رياض الصالحين (3/358)
__________
(1) رواه أبو داوود والترمذي وابن ماجه، صحيح أبي داوود(3261).
(2) رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (2033).
(3) رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (5269)(1/367)
وعن معاذ بن أنس - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من أكل طعاماً ثم قال: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة ) غُفر له ما تقدم من ذنبه"(1).
فيه بيان عظيم فضل الله على عباده فقد فتح باب الرحمة لهم ومجازاتهم بعظيم كرمِه.
باب
أكل الخل
عن جابر - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل أهلهُ الأُدمَ فقالوا: ما عندنا إلا الخل، فدعا به، فجعل يأكلُ به ويقول : "نِعمَ الإدامُ الخَلّ نِعمَ الإدامُ الخَلّ! نعمَ الإدام الخَلّ! " قال جابر : فما زلتُ أُحبُّ الخلَّ منذ سمعتُها من نبي الله - صلى الله عليه وسلم - (2).
باب
ثواب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع
عن وحشي بن حرب - رضي الله عنه - ، أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع قال: "فلعلكم تفترقون" قالوا: نعم. قال: " فاجتمعوا على طعامكم واذكروا إسم الله يُبارك لكم فيه"(3).
الفرقة تسلب البركة والاجتماع يورث الشبع والبركة.
الشيطان قادر على الفرد وإيقاعه في مصايده ومكايده لأنه يأكل من الغنم القاصية وأما الجماعة فهو بعيد من النيل منها لأن يد الله على الجماعة.
وذكر إسم الله عند الأكل واجب وهو محصل للبركة المرجوة بتكثير الطعام.
__________
(1) رواه أبو داوود برقم (4043) والترمذي برقم (3458) وابن ماجه برقم (3285) وأحمد (3/439) وابن السُني (469) ، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (2164)، المشكاة (4343)، الكلم (187). الإرواء(1989).
(2) رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (2052).
(3) أخرجه أبو داوود برقم (3764) وابن ماجه برقم (3286) وأحمد (3/501) وغيرهم من طريق الوليد بن مسلم، وقال الألباني: "حسن لغيره"، الترغيب (2128)، المشكاة (4252).(1/368)
قيل للإمام أحمد: أيما أحب إليك يعتزل الرجل في الطعام أو يرافق؟ قال: يرافق، هذا أرفق يتعاونون، وإذا كنت وحدك لم يمكنك الطبخ ولا غيره، ولا بأس بالنهد، قد تناهد الصالحون، كان الحسن إذا سافر ألقى معهم، ويزيد أيضاً بقدر ما يلقي، يعني في السر. أ.هـ الآداب الشرعية (3/182)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه"(1).
عن جابر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال: " إنكم لا تدرون في أيها البركة"(2)
وفي رواية له: "إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة"(3).
وفي رواية "إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى فليأكلها ولا يدعها للشيطان فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة" (4).
لعق: لحس. فليمط: فلينح وليزل.
البركة: الخير الكثير. من أذى: من غبار أو تراب أو وسخ.
الطعام: الذي يأكله الإنسان فيه بركة ولا يدري أين هي.
باب
ثواب التسمية على الطعام
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل طعاماً في ستةٍ من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أما إنه لو سمى لكفاكم"(5).
__________
(1) أخرجه أبو داوود برقم (3772) والترمذي (1805) وابن ماجه (3277) وصححه الألباني في الترغيب برقم (2123).
(2) رواه مسلم في كتاب الاشربة برقم (5268).
(3) رواه مسلم في كتاب الأشربة رقم (5269).
(4) رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (5271).
(5) رواه ابن حبان والترمذي وقال:"حديث حسن صحيح"، صححه الألباني في الترغيب برقم (2107) .(1/369)
وعن جابر - رضي الله عنه - ،أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء" وإذا دخل الرجل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان : أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال الشيطان: أدركتم المبيت والعشاء"(1).
كل ما يذكر إسم الله عليه ييأس الشيطان منه فإذا غفل حلَّ فيه غفلته ونال مراده منه، والشيطان يبيت في البيوت التي لم يذكر الله تعالى فيها ويأكل من طعام أهلها إذا لم يذكروا إسم الله عليها.
وعن أمية بن مخشي الصحابي - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً ورجل يأكل فلم يُسمِ حتى لم يبقَ من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله أوله وآخره فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه"(2).
الشيطان يشارك في طعام من لم يذكر إسم الله عليه إن ذكر الله على الطعام ولو لم يبق منه إلا جزء يسير يحرم الشيطان من كل ما كان قد أكل قبل.
قال ابن القيم رحمه الله : وللتسمية في أول الطعام والشراب، وحمد الله في آخره تأثيرٌ عجيب في نفعه واستمرائه ، ودفع مضرته. قال الإمام أحمد: إذا جمع الطعام أربعاً فقد كمل: إذا ذكر اسم الله في أوله، وحُمد الله في آخره، وكثرت عليه الأيدي، وكان من حِل"(3).
__________
(1) رواه مسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد (3/346 و 383) والبخاري في الأدب المفرد(1096).
(2) رواه أبو داوود والنسائي ، المشكاة(4203) والكلم (183) ، والرياض (735).
(3) زاد المعاد (4/232).(1/370)
وفائدة التسمية قبل الطعام أنه يحرم الشيطان من المشاركة في الأكل والإصابة منه، فعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: كنا إذا حضرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيضع يده، وإنا حضرنا معه مرة طعاماً فجاءت جارية كأنها تُدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يُدفع فأخذ بيده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الشيطان يستحلُّ الطعام أن لا يُذكر إسم الله عليه، وإنه جاء بهذه الجارية يستحل بها، فأخذت بيدها. فجاء بهذا الأعرابي يستحلُّ به، فأخذتُ بيده، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها"(1).
ولفظ التسمية أن يقول الآكل: " بسم الله " فعن عمرو بن أبي سلمة رضي الله عنهما، قال: كنتُ غلاماً في حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "يا غلام سم الله، وكل بيمينك ، وكل مما يليك" فما زالت تلك طِعمتي بعد"(2).
???????
أبواب القضاء
باب
ثواب الوالي العادل
قال الله تعالى { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } (3).
وقال تعالى { وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } (4).
عن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى، ومسلم عفيف متعفف ذو عيال"(5).
(ذو سلطان) : صاحب ولاية.
(موفق) يوفقه الله تعالى لما فيه مرضاته من العدل.
(رقيق القلب): لديه حنان وعطف ولطف وشفقة.
(
__________
(1) رواه مسلم برقم (2017) وأحمد برقم (22738) أبو داوود برقم (3766).
(2) رواه البخاري برقم(5376) واللفظ له، ومسلم برقم (2022).
(3) سورة النحل (الآية: 90).
(4) سورة الحجرات (الآية: 9).
(5) أخرجه مسلم في كتاب الجنة برقم (2865).(1/371)
عفيف) : لديه عفة عن السؤال، و(متعفف): مبالغ في ترك السؤال.
(ذو عيال): كثير العيال.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "اللهم من ولي أمر هذه الأمة شيئاً فرفِقَ بها فارفق به ومن شقَّ عليها فاشقق عليه"(1).
وعن ابن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله مع القاضي ما لم يَجُرْ، فإذا جارَ تخلى عنه ولزمه الشيطان"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه"(3).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن – وكلتا يديه يمين- الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"(4).
المقسطون: هم العادلون، والإقساط والقِسط بكسر القاف: العَدْل.
وعن أبي عثمان قال: كتب إلينا عمر رضي الله عنه ونحن بأذربيجان، يا عتبة بن فرقد إنه ليس من كدك ولا كدِّ أبيك ولا كدَّ أمك فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك وإياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير(5).
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1828).
(2) رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في " صحيحه" والحاكم إلا أنه قال " فإذا جار تبرأ الله منه"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (2196).
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1827).
(5) رواه مسلم في كتاب اللباس برقم (2069).(1/372)
وعن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاش رعيته إلا حرَّم الله عليه الجنة" وفي رواية "فلم يحطها بنصحه لم يرح رائحة الجنة"(1).
وعن معقل بن يسار - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من أمير يلي أٌمور المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة"(2)
باب
ثواب الشفقة على الضعفاء من خلق الله
ورحمتهم والرفق بهم
قال الله تعالى: { محمدٌ رسول الله والذين معه أشداءٌ على الكفار رحماءُ بينهم } .(3)
وقال تعالى: { ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة } (4)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"(5).
ورواه الترمذي وزاد في آخره: "الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله".
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأحكام برقم(7150،7151)ومسلم في الإمارة برقم(142) .
(2) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (142).
(3) سورة الفتح الآية (29) .
(4) سورة البلد الآية (17-18).
(5) رواه أبو داوود في كتاب الأدب برقم (4941) والترمذي في كتاب البر والصلة برقم (1924)، الصحيحة (925)، الإيمان (ص225) الترغيب برقم (2256).(1/373)
وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ارحموا تُرحموا واغفروا يُغفر لكم ، ويل لأقماع القول ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون"(1).
وعن بكير بن وهب قال: قال لي أنس بن مالك - رضي الله عنه - : أحدثكم حديثاً ما أحدثه كل أحد إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على باب البيت ونحن فيه فقال: "الأئمة من قريش إن لي عليكم حقاً ولهم عليكم حقاً مثل ذلك ما إن استرحموا رحموا وإن عاهدوا وفوا وإن حكموا عدلوا فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"(2).
وعن معاوية بن قرة عن أبيه - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال: يا رسول الله إني لأرحم الشاة أن أذبحها فقال: "إن رحمتها رحمك الله"(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "دنا رجل إلى بئر فنزل فشرب منها وعلى البئر كلبٌ يلهث فرحمه فنزع أحد خفيه فسقاه فشكر الله له فأدخله الجنة"(4).
وفي رواية للبخاري: "بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فاستقت له به فسقته فغفر لها به".
الركية: هي البئر والموق بضم الميم هو الخُف.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في المسند (2/165، 219) وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الحديث وهو برقم (6541)إسناده صحيح، وقال الهشمي في مجمع الزوائد: "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير حبان بن زيد الشرعي ووثقه، ابن حبان ورواه الطبراني كذلك"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2257).
(2) رواه أحمد ، وقال في المجمع (5/192): "رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط أتم منها والبزار إلا أنه قال الملك في قريش ورجال أحمد ثقات"، وصححه الألباني،صحيح الجامع(2755).
(3) رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد وصححه الألباني في الترغيب برقم (2264).
(4) سبق تخريجه.(1/374)
وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله"(1).
ورواه أحمد وزاد "ومن لا يغفر لا يُغفر له".
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لن تؤمنوا حتى تراحموا" قالوا : يا رسول الله! كلنا رحيم، قال: "إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكنها
رحمةُ العامة"(2).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنكم تقبلون الصبيات وما نقبلهم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟!" (3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قبلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن أو الحسين بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قَبَّلتُ منهم أحداً قط ! فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "من لا يَرحم لا يُرحَم"(4).
وعنه قال: سمعت الصادق المصدوق صاحب هذه الحجرة أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تُنزَعُ الرحمة إلا من شَقي"(5).
باب
ثواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
__________
(1) رواه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7376)، ومسلم في كتاب الفضائل برقم (2319).
(2) رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح، وحسنه الألباني في الترغيب برقم(2253).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5997) ومسلم في كتاب الفضائل برقم (2318).
(4) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5998)، ومسلم في كتاب الفضائل برقم (2317).
(5) رواه أبو داوود واللفظ له والترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي " حديث حسن" وفي بعض النسخ "حسن صحيح" وصححه الألباني في الترغيب برقم (2261).(1/375)
قال الله تعالى: { ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } (1).
وقال تعالى: { كنتم خير أمةٍ أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر } (2).
وقال تعالى: { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم } (3).
وقال تعالى: { فلما نسوا ما ذُكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون } (4).
وقال الله تعالى حكاية عن لقمان - عليه السلام - : { يا بُني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور } (5).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من نبيٍ بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أُمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل"(6).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من أُمتي قوماً يُعطون مثل أُجورِ أولهم ينكرون المنكر"(7).
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من رأى منكم منكراً فيلغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"(8).
__________
(1) سورة آل عمران (الآية: 104).
(2) سورة آل عمران (الآية: 110).
(3) سورة التوبة، (الآية: 71).
(4) سورة الأعراف، (الآية: 165).
(5) سورة لقمان، (الآية: 17).
(6) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (177).
(7) رواه أحمد، والسلسلة الصحيحة(1700).
(8) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (49).(1/376)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرةٍ علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان وعلى أن نقول بالحق كنا لا نخاف في الله لومة لائمٍ"(1)
وعن زينب بنت جحش رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فزعا يقول: "لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه" وحلق بأصبعيه: الإبهام والتي تليها فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال: "نعم إذا كثر الخبث"(2).
وعن جرير - رضي الله عنه - قال: بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه وسلم على السمع والطاعة فلقنني "فيما استطعت" والنصح لكل مسلم(3).
وتقدم حديث تميم الداري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدين النصيحة" قاله ثلاثا قال: قلنا: لمن يا رسول الله! قال: "لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"(4).
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذِ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً"(5).
(
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الفتن برقم (7056) وفي كتاب الأحكام برقم ( 7200) ومسلم في كتاب الإمارة برقم (1709).
(2) رواه البخاري في كتاب الأنبياء برقم (3346) ومسلم في كتاب الفتن برقم (2880).
(3) رواه البخاري في كتاب الأحكام برقم (7204)ومسلم في كتاب الإيمان برقم (56).
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه البخاري في كتاب الشركة برقم (2493).(1/377)
القائم على حدود الله) يعني القائم في إزالتها ودفعها وإنكارها.
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن ناساً قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم ويتصدقون كما نتصدق ويتصدقون بفضول أموالهم قال: "أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة"(1).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاث مئة مفصل فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله وعزل حجراً عن طريق الناس أو شوكة أو عظماً عن طريق الناس وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاث مئة السلامى فإنه يمسي يومئذٍ وقد زحزح نفسه
عن النار"(2).
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه"(3).
مجخيا:هو بضم الميم بعدها جيم مفتوحة ثم خاء معجمة مكسورة مشددة و معناه مائلاً منكوساً .
عن طارق بن شهاب البجلي الأحمسي أ ن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد وضع رجله في الغرز أي الجهاد أفضل قال: "كلمة حق عند سلطان جائر"(4).
(الغرز) بفتح الغين وإسكان الراء والزاي: هو ركاب كور الجمل.
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (367).
(4) رواه النسائي بإسناد صحيح، السلسة الصحيحة (491) الترغيب (2306).(1/378)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: عرض لرسول - صلى الله عليه وسلم - رجل عند الجمرة الأولى فقال: يا رسول الله أي الجهاد أفضل فسكت عنه فلما رمى الجمرة الثانية سأله: فسكت عنه فلما رمى جمرة العقبة وضع رجله في الغرز ليركب قال: "أين السائل" قال: أنا يا رسول الله قال: "كلمة حق عند ذي سلطان جائر"(1).
وعن جابر - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله"(2).
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفضل الجهاد كلمة عدد عند سلطان جائر. (3)
وفي رواية: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"(4).
باب
ثواب من ستر عورة أخيه المسلم
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يستر عبدٌ عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة"(5).
وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على مسلم في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"(6).
__________
(1) رواه ابن ماجه بإسناد حسن، السلسة الصحيحة رقم (491)، الترغيب (2307).
(2) رواه الحاكم،وقال الألباني: حسن لشواهده رقم (374)،وصححه كذلك في الترغيب(2308).
(3) رواه أبو داود والترمذي وقال:"حديث حسن" الصحيحة (1/5/365)و(3/479)،الترغيب (2305).
(4) السلسة الصحيحة (491) وإصلاح المساجد ص29.
(5) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2590).
(6) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6793).(1/379)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة"(1).
فَرَجَ : أزال
كُربة: شدة وهم
لا يظلمه: لا ينقصه من ماله أو من حقه ولا يتعدى عليه.
لا يسلمه: لا يتركه إلى عدوه أو مبغضه ينالون منه في حضرته أو غيبته ولا ينصره.
وعن أبي أمامة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من غسل ميتاً فستره ستره الله من الذنوب ومن كفنه كساه الله من السندس"(2).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه التقوى ههنا بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم"(3).
من ستر عبداً في الدنيا ستره الله يوم القيامة إما بغفران ذنوبه فلا يسأله عنها أو لا يفضحه على رؤوس الأشهاد.
وعن مكحول: أن عقبة بن عامر أتى مسلمة بن مخلد فكان بينه وبين البواب شيء فسمع صوته فأذنَ له فقال له: إني لم آتك زائراً جئتُكَ لحاجةٍ أتذكر يوم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من علم من أخيه سيئة فسترها ستر الله عليه يوم القيامة"؟ قال: نعم، قال: لهذا جئت(4).
باب
ثواب من حفظ فرجه خوفاً من الله عز وجل
قال الله تعالى: { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما } (5).
__________
(1) أخرجه البخاري (5/97فتح ) ومسلم برقم (2580).
(2) رواه الطبراني عن أبي أمامة، صحيح الجامع (6279).
(3) أخرجه الترمذي برقم (1927)، الإرواء (2450).
(4) رواه الطبراني ، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2336).
(5) سورة النساء (31).(1/380)
وقال تعالى: { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } إلى قوله { الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون } . سورة المؤمنون (5-7).
وقال تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن"(1).
وقال تعالى: "والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً"(2).
وقال تعالى: { وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى } (3).
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة ). (4)
والمراد بما (بين لحييه): اللسان وبما (بين رجليه) الفرج.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة"(5).
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه وسلم: "من حفظ ما بين فقميه وفرجه دخل الجنة"(6).
__________
(1) سورة النور (30-31).
(2) سورة الأحزاب (35).
(3) سورة النازعات الآية (40-41).
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6474).
(5) رواه الترمذي (2409) وقال: "هذا حديث حسن غريب"، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (6469).
(6) رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.(1/381)
ورواه الطبراني من حديث أبي رافع إلا أنه قال: "من حفظ ما بين فقميه وفخذيه دخل الجنة"(1).
(الفقمان):بفتح الفاء وإسكان القاف هما عظم الحنك وهما اللحيان أيضا.
وعن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة اصدقوا إذا حدثتم
وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم )(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا صلت المرأة خمسها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت"(3).
وفي رواية عن أبي هريرة نحوه" "أيما امرأة اتقت ربها ...".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا شباب قريش احفظوا فروجكم لا تزنوا من حفظ فرجه فله الجنة.(4).
__________
(1) قال في مجمع الزوائد (10/298، 300): "رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني بنحوه ورجال الطبراني وأبي يعلى ثقات وفي رجال أحمد راوٍ لم يسم وبقية رجاله ثقات والظاهر أن الراوي الذي سقط عند أحمد هو سليمان بن يسار". وصححه الألباني رحمه الله، صحيح الجامع (6078).
(2) رواه أحمد وابن حبان والحاكم وقال : صحيح الإسناد،قال الهيثمي في مجمع الزوائد(4/145) : (رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله ثقات إلا أن المطلب لم يسمع من عبادة )، وحسنه الألباني، صحيح الجامع (1029)والصحيحة (1470).
(3) ورواه ابن حبان، قال في المجمع (4/306): "رواه أحمد والطبراني في الأوسط وفيه لهيعة وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح" وصححه الألباني رحمه الله، صحيح الجامع (673)، آداب الزفاف (ص268)
(4) رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم"، ورواه البيهقي.(1/382)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فذكر ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله"(1).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحطت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فقال: أحدهم كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلى فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تُخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها وفي رواية فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحق فتحرجت من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة"(2)
تحرجت: أي خفتُ من الحرج وهو الإثم.
باب
العفو عن القاتل والجاني والظالم
قال الله تعالى: { فمن عُفِيَ لهُ من أخيه شَيءٌ فاتباعٌ بالمعروف وأداءٌ إليه بإحسان ذلك تخفيفٌ من ربكم ورحمة } (3)
قال تعالى: { فمن تصدق به فهي كفارةٌ له } (4).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما نقصت صَدَقةٌ من مالٍ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عِزاً، وما تواضَعَ أحدٌ لله إلا رفعهُ الله"(5).
??????
أبواب البر والصلة
...
باب
ثواب صلة الرحم
قال الله تعالى: { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله } (6)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) سورة البقرة الآية (178)
(4) سورة المائدة الآية (45).
(5) سبق تخريجه.
(6) سورة الأنفال: الآية (75)(1/383)
وقال تعالى: { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم } (1)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحب أن يُبسط له في رزقه وينسأ له في أثر فليصل رحمه"(2)
(ينسأ): أي يؤخر له في أجله.
وفي (أثره): أي في أجله، وسمي الأجل أثراً لأنه يتبع العمر.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ليس شيء أُطيع الله تعالى فيه أعجل ثواباً من صلة الرحم وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بلا قلاع"(3).
وعن سلمان بن عامر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة"(4).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تعالى خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم: أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: "فذاك لَكِ" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إقرؤا إ ن شئتم: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها } (5).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة ولا بعد بها إذا وصلت وإن كانت بعيدة"(6).
__________
(1) سورة محمد: الآية (22).
(2) رواه البخاري في الأدب برقم (5986) ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2557).
(3) رواه البيهقي في السنن، صحيح الجامع(5267).
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5987)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2554).
(6) رواه الطيالسي والحاكم عن ابن عباس، صحيح الجامع(1062).(1/384)
قال القاضي عياض: الرحم التي توصل وتقطع وتبر إنما هي معنى من المعاني ليست بجسم ، وإنما هي قرابة ونسب، تجمعه رحم والدة، ويتصل بعضه ببعض فسمي ذلك الاتصال رحماً. أ.هـ. شرح النووي (16/112)
باب
ثواب بر الوالدين وطاعتهما
قال الله تعالى: { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى و الجارالجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل"(1).
وقال تعالى: { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً } (2).
وقال تعالى: { ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن } (3).
وقال تعالى: { ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً } (4).
وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال" الصلاة على وقتها" قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين"، قلت ثم أي؟ قال "الجهاد في سبيل الله"(5).
__________
(1) سورة النساء الآية (36).
(2) سورة الإسراء الآية (23).
(3) سورة لقمان الآية (14).
(4) سورة الأحقاف(15).
(5) تقدم في كتاب الصلاة والجهاد.(1/385)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر فمالوا إلى غار الجبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالاً عملتموها لله عز وجل صالحة فادعوا الله بها لعله يفرجها فقال أحدهم : اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ولي صبية صغار وكنت أرعى فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالداي أسقيهما قبل ولدي وإنه نأت بي الشجر فما أتيت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما فحلبت كما كنت أحلب فجئت قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي فلم يزل ذلك دأبي و دأبهم حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء ففرج الله عز وجل لهم يرون السماء". الحديث وقد تقدم.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأذنه في الجهاد فقال: "أحيٌ والداك" قال: نعم قال: "ففيهما فجاهد".(1).
وعن معاوية بن جاهمة - رضي الله عنه - ،جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله: أردت أن أغزوا وجئت أستشيرك؟ فقال: "هل لك من أم" قال: نعم: قال "فالزمها فأن الجنة عند رجليها"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فقال يا رسول الله: من أحقُ الناس بحُسن صحابتي؟ قال: "أمُّكَ " قال: ثم مَنْ؟ قال: "أمُّكَ " قال : ثم مَنْ؟ قال: "أمُّكَ": قال ثم مَنْ قال: "أبوك"(3).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير برقم (3004) ، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (6451).
(2) رواه النسائي وابن ماجه والحاكم وقال: "صحيح الإسناد " والطبراني بإسناد صحيح، وصححه العلامة الألباني، المشكاة (4935 و 4939) والترغيب برقم (2485).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5971) ومسلم في كتاب البر والصلة برقم 2548).(1/386)
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قَدِمتْ عليَّ أُمي وهي مُشْرِكَة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاستَفتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: قدمت عليَّ أمي راغبةٌ، أفأصِلُ أُميِّ؟ قال: "نعم صِلِي أُمَّكِ"(1).
راغبة : أي طامعة فيما عندي.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أقبل رجلٌ إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أُبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى قال: "فهل لك من والديك أحد حيّ؟" قال نعم بل كلاهما. قال: "فتبتغي الأجر من الله تعالى؟" قال: نعم. قال: "فأرجع إلى والديك فأحسن صحبتهما"(2).
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سره أن يمد في عمره ويزاد في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه"(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رغم أنفه ثم رغم أنفه" قيل من يا رسول الله؟ قال: "من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة"(4).
قوله رغم أنفه: أي لصق بالرغام وهو التراب .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الهبة برقم (2620) ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1003).
(2) رواه البخاري في كتاب الجهاد والسِبر برقم (3004) وفي الأدب برقم (5972)، ورواه مسلم في كتاب البر و الصلة برقم (6451).
(3) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح وهو في الصحيح دون ذكر البر فيه، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (2488).
(4) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6457و6458و6459).(1/387)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، أن رجلا أتاه فقال: إن لي امرأة وإن أمي تأمرني أن أطلقها، قال: ما أنا بالذي آمرك أن تعق والديك ولا بالذي آمرك أن تطلق إمراتك غير أنك إن شئت حدثتك ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعته يقول: "الوالد أوسط أبواب الجنة"(1). فحافظ على ذلك الباب إن شئت أو دع، قال: فأحسب عطاء قال: فطلقها .
وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يُصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر"(2).
وعن سلمان - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يُجزئُ ولدٌ والدَهُ إلا أن يجد مملوكاً فيشتريه فَيُعْتِقُه"(4).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد"(5).
__________
(1) الصحيحة (914).
(2) رواه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وقال : صحيح الإسناد ، الصحيحة (154).
(3) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، الصحيحة (154)، المشكاة (2233)، الترغيب (2489).
(4) رواه مسلم في كتاب العتق برقم (1510) والترمذي والنسائي وابن ماجة .
(5) رواه الترمذي ، وابن حبان في (صحيحه) والحاكم وقال: (صحيح على شرط المسلم) وحسنه الألباني في الترغيب برقم (2501).(1/388)
عن محمد بن سيرين قال: بلغت النخلة في عهد عثمان بن عفان ألف درهم. قال: فعمد أسامة (1)إلى نخلة فعقرها فأخرج جُمّارها فأطعمه أمه، فقالوا له: ما يحملك على هذا وأنت ترى النخلة قد بلغت ألف درهم؟ قال: إن أمي سألتنيه، ولا تسألني شيئاً أقدر عليه إلا أعطيتها(2).
(جمارها) جمار النخلة: قبها وشحمتها التي في قمة رأس النخلة، وهي بيضاء كأنها سنام ضخمة، تؤكل بالعسل.
وعن ابن عون: أن أمه نادته فأجابها، فعلا صوته صوتها، فأعتق رقبتين(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن الله تعالى خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم: أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: "فذاك لك" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إقرؤا إ ن شئتم: { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها } (4)."
وفي رواية للبخاري فقال الله تعالى: "من وصلكِ وصلته ومن قطعك قطعتهُ"
(فرغ منهم): أكمل خلقهم. (العائذ): المتلجئ إليك والمستعين بك.
صلة الأرحام سبب في رحمة الله تعالى لعباده وسبب في ظهور الخير بين الناس.
__________
(1) هو أسامة بن زيد بن حارثة حبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن حبه. أمه أم أيمن حاضنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
(2) صفة الصفوة (1/522).
(3) سير أعلام النبلاء (6/366).
(4) سورة محمد (22-24)، أخرجه البخاري في كتاب التفسير برقم (4830 و 4831 و 4832) وفي كتاب التوحيد برقم (5987) وأخرجه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6465).(1/389)
و عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحب أن يُبسط له في رزقه وينسأ له في أثر فليصل رحمه"(1)
(ينسأ له في أثره): أي يؤخر له في أجله وعمره.
صلة الأرحام سبب في بسط الرزق وسعة البركة في العمر.
باب
فضل بر أصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة وسائر من يندب إكرامه
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أبر البر أن يصل الرجل
ود أبيه"(2)
أبر البر: أكمله وأبلغه .
ود: الحب والمودة والصداقة .
الأعراب: جمع أعرابي وهم أهل البادية .
وعن أبي أُسَيد بضم الهمزة وفتح السين مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال: "نعم الصلاة عليهما والإستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما"(3).
وعن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة فسلم عليه عبد الله بن عمر وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه قال ابن دينار : فقلنا له : أصلحك الله إنهم الأعراب وهم يرضون بالسير فقال عبد الله بن عمر : إن أبها هذا كان وداً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أن أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه"(4).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأدب برقم (5986) ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (6470 و6471).
(2) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6460و6461).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأدب المفرد (35) وأبو داود برقم (5142)وابن ماجة (3664) وأحمد (3/497و498)وابن حبان (418).
(4) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة برعم (2552).(1/390)
وفي رواية عن أبن دينار عن ابن عمر أنه كان إذا خرج إلى مكة كان له حمار يتروح عليه إذا مل ركوب الراحلة وعمامة يشد بها رأسه فبينما هو على ذلك الحمار إذ مر به أعرابي فقال : ألست ابن فلان ؟ قال بلى فأعطاه الحمار فقال : أركب هذا وأعطاه العمامة وقال : اشدد بها رأسك فقال له بعض أصحابه : غفر الله لك ! أعطيت هذا الأعرابي حمارا كنت تروح عليه وعمامة كنت تشد بها رأسك؟ فقال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي" وإن أباه كان صديقا لعمر رضي الله عنه(1).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ما غرت على خديجة رضي الله عنها وما رأيتها قط ولكن كان يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له: كأن لم يكن في الدنيا إلا خديجة: فيقول: "إنها كانت وكانت وكان لي منها ولدا"(2).
وفي رواية: "وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن"(3).
وفي رواية: كان إذا ذبح الشاة يقول "أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة"(4).
وفي رواية: قالت: أستأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على سول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاح لذلك فقال: "اللهم هالة بنت خويلد"(5).(فارتَاحَ): معناه: أهتم به.
باب
ثواب صلة الرحم وإن قطعت
__________
(1) أخرجه مسلم أيضا في كتاب البر والصلة برقم (255).
(2) أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار برقم (3818).
(3) أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار برقم (3816)ومسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (2435).
(4) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (2435).
(5) أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار برقم (3821) ومسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (2437).(1/391)
قال الله تعالى: { والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرأون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار جنات عدنٍ يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم ممن كل باب سلامٌ عليكم بما صبرتم فنِعمَ عقبى الدار } (1).
وقال تعالى: { فآتِ ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خيرُ للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون } (2).
وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - ، أن أعرابياً عرض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في سفر فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها ثم قال: يا رسول الله أو يا محمد أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال: فكف النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نظر في أصحابه ثم قال : "لقد وفق أوهُدي" قال: " كيف قلت" قال: فأعادها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم دع الناقة".
وفي رواية "تصل ذا رحمك" فلما أدبر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن تمسك بما أمرته به دخل الجنة".(3)
(دع الناقة): إنما قاله لأنه كان ممسكاً بخطامها أو زمامها ليتمكن من سؤاله بلا مشقة، فلما حصل جوابه قال "دعها". شرح النووي (1/173)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"(4).
__________
(1) سورة الرعد (21-24).
(2) سورة الروم الآية (38)
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5985) ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (6466).
(4) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6183)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (47).(1/392)
وعنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من سره أن يُبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه"(1).
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله " (2).
وعن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " قال الله عز وجل أنا الله أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها إسماً من إسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته أو قال: بتته"(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الرحم شجنة من الرحمن تقول: يارب إني قُطعتُ، يا ربّ إني أُسيء إلي، إني ظلمت يا رب يا رب، فيجيبها ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك" (4).
شجنه: بكسر الشين المعجمة وضمها وإسكان الجيم يعني قرابة مشتبكة كاشتباك العروق.
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحَبَّ أن يُبسَطَ له في رِزْقِه، ويُنسأ له في أثَرِه، فليصل رَحمَه"(5).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَهَا"(6).
الواصل: كامل الصلة لأهله وأقربائه ، والمكافئ الذي يكافؤهم على صلتهم وإحسانهم.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5985).
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5989)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2555).
(3) رواه أبو داود و الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيح ، وابن حبان، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2528) والصحيحة برقم (520).
(4) رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني في الترغيب برقم (2530) والصحيحة (1602) والسنة (536-540).
(5) سبق تخريجه.
(6) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5991)(1/393)
وعن ميمونة رضي الله عنها أنها أعتقت وليدة ولم تستأذِن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما كان يَوْمُها الذي يدورُ عليها فيه قالت: أشعرت يا رسولَ الله أني أعتقتُ وليدَتي؟ قال "أو فَعلْتِ؟" قالت: نعم، قال: "أما إنّك لو أعطَيتِها أخوالَكِ كانَ أعْظم لأجرك"(1).
قال ابن حجر في الفتح (5/219): وقع في رواية النسائي المذكورة فقال: "أفلا فديت بها بنت أخيك من رعاية الغنم" فبين الوجه في الأولوية المذكورة ، وهو احتياج إلى قرابتها من يخدمها.أ.هـ.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابةً أصلُهمْ ويَقطعوني، وأُحسِنُ إليهم ويُسيئونَ إليّ، وأحلُم عنهم ويجهلون عليّ، فقال: "إن كنتَ كما قلت فكأنما تُسِفَّهم المَلَّ، ولا يزالُ مَعَكَ من الله ظهير مادُمتَ على ذلك"(2).
تُسِفَّهم: بضم التاء وكسر السين المهملة وتشديد الفاء، والملُّ: بفتح الميم وتشديد اللام: وهو الرماد الحار، معناه : كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن، بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته، وإدخالهم الأذى عليه.شرح النووي(16/ 115)
والظهير: المعين.
باب
ثواب كفالة اليتيم والنفقة عليه
قال الله تعالى: { ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والبنيين وآتى المال على حُبه ذوي القربى واليتامى والمساكين } الآية(3).
وقال تعالى: { يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خيرٍ فإن الله به عليم } (4).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الهبة برقم (2592) ، ومسلم في كتاب الزكاة برقم(999)
(2) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2558)
(3) سبق تخريجها.
(4) سورة البقرة الآية(215)(1/394)
وقال تعالى: { ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً } (1).
اليتيم: حده البلوغ، فإذا بلغ اليتيم زال عنه اليتم هذا إن مات أبوه و أما إذا ماتت أمه دون أبيه فإنه ليس بيتيم.
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما(2).
كافل اليتيم: القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة" وأشار مالك بالسبابة والوسطى(3).
قوله: ( له أو لغيره): يعني سواء كان اليتيم قريباً منه كالأم تكفل ولدها اليتيم أو الجد أو الجدة أو الأخ أو كان أجنبياً منه لا قرابة بينه وبينه فإن كل واحد من هؤلاء يحوز هذا الأجر العظيم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُحسنُ إليه وشرُ بيتٍ في المسلمين بيتٌ فيه يتيم يُساء إليه"(4).
عن مالك بن الحويرث أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ضمَّ يتيماً بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة ومن أعتق امرءً مسلماً كان فكاكه من النار يجزئ بكل عضوٍ منه عضواً منه"(5).
باب
ثواب من مسح على رأس يتيم رحمةً له وشفقة عليه
__________
(1) سورة الإنسان(8-9)
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6005)
(3) رواه مسلم في كتاب الزهد والرقاق برقم (2983).
(4) رواه ابن ماجه في كتاب الأدب باب حق اليتيم برقم (3679).
(5) رواه أحمد ، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1895).(1/395)
عن أبي أمامة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من مسح على رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له في كل شعرة مرت عليها يده حسنات ومن أحسن إلى يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين" وفرق بين أصبعيه السبابة والوسطى. (1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رجلاً شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسوة قلبه فقال: "امسح رأس يتيم وأطعم المسكين"(2).
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ يشكو قَسوة قلبِهِ، قال: "أتحب أن يلين قلبُك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يَلِنْ قلبُك، وتدرك حاجتك"(3).
باب
ثواب الساعي على الأرملة و المسكين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال: "وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يُفطر"(4).
الأرملة : المرأة التي مات عنها زوجها.
القائم : في الصلاة مجتهداً.
لا يفتر: لا يذهب فينقطع عن ملازمة العبادة.
السعي على الأرملة والمسكين واليتيم والإنفاق عليهما والقيام على أمورهما جهادٌ في سبيل الله .
باب
ثواب حق الجار
__________
(1) رواه أحمد في المسند (5/250، 565)مع بعض الاختلافات في الألفاظ ، المشكاة (4974).
(2) رواه أحمد في المسند (2/263) ورجاله رجال الصحيح، وقال في مجمع الزوائد (8/160): "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (2545).
(3) رواه الطبراني من رواية بقية، وفيه راوٍ لم يُسَّم، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (2544).
(4) أخرجه البخاري في كتاب النفقات برقم (5353) وفي الأدب برقم(606و 607) ومسلم في كتاب الزهد برقم (7393).(1/396)
قال الله تعالى: { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجُنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم"(1).
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت"(3).
وفي رواية لمسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره"(4).
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيدِه، لا يؤمِنُ عبدٌ حتى يُحبّ لجارِهِ أو قال: لأخيه ما يُحِبُّ لِنَفْسِه".(5).
باب
زيارة أهل الخير ومجالستهم
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من عبدٍ أتى أخاً يزورهُ في الله إلا نادى منادٍ من السماء:أن طِبْتَ وطابت لك الجنّةُ،وإلا قال اللهُ في مَلَكوتِ عَرْشِهِ :عبدى زارَ فيّ،وعليَّ قِراهُ،فلم أرضَ له بِقرىً دون الجنَّة" . السلسلة الصحيحة رقم (2632) .
__________
(1) سورة النساء الآية (36).
(2) رواه الترمذي (1944) وأحمد(2/168) ، الصحيحة (103) ، والمشكاة (5987) وصحيح الترغيب (2568).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأدب برقم (6018) و مسلم في كتاب الإيمان برقم (172 و 174)
(4) صحيح مسلم كتاب الإيمان برقم (47).
(5) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (45).(1/397)
ما من عبدٍ أتى أخاَ له يزوره في الله إلا نادى منادٍ من السماء : أن طبْتَ وطابت لك الجنّةُ ، وإلا قال اللهُ في ملكوتِ عَرْشِهِ : عبدي زارَ فيّ ، وعليَّ قِراهُ فلن أرضَ له بقرىً دون الجنَّة . (1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أن رجلاً زار أخاً له في قريةٍ أخرى فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية ، قال: هل لك عليه من نعمةٍ تربها عليه؟ قال: لا غير أني أحببته في الله تعالى، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه"(2).
المدرجة : بفتح الميم والراء الطريق
تربها: تقوم بها وتسعى في صلاحها.
من أحب في الله فقد أحبه الله .
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ بأن طبتَ وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً" (3).
طبت : انشرحت وسررت وطهرت.
طاب ممشاك: عظم ثوابك.
تبوأت من الجنة منزلاً: اتخذت منها داراً تنزلها.
وعن عون قال: قال عبد الله يعني ابن مسعود لأصحابه حين قدموا عليه: هل تجالسون؟ قالوا : لا نترك ذلك ، قال: فهل تزاورون ؟ قالوا : نعم يا أبا عبد الرحمن إن الرجل منا ليفقد أخاه فيمشي على رجليه إلى آخر الكوفة ، قال: إنكم لن تزالوا بخيرٍ ما فعلتم ذلك. (4).
باب
ثواب الضيافة وإكرام الضيف
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"(5).
__________
(1) الصحيحة (2632).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه الترمذي برقم (2008)، وابن ماجه (1443)، صحيح الجامع (6263).
(4) رواه الطبراني .
(5) سبق تخريجه.(1/398)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " ألم أُخبرك أنك تقوم الليل وتصوم النهار" ؟ قلت: بلى قال: " فلا تفعل قم ونم وصم وأفطر فإن لجسدك عليك حقاً وإن لعينك عليك حقاً وإن لزوركَ عليك حقاً وإن لزوجك عليك حقاً"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ثم أرسل إلى أُخرى فقالت مثل ذلك حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ماعندي إلا ماء فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "من يضيف هذا الليلة رحمه الله"؟ فقام رجلٌ من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته : هل عندك شيء قالت: لا إلا قوت صبياني قال: فعلليهم بشيء فإذا أرداوا العشاء فنوميهم فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنّا نأكل وفي رواية : فإذا أهو ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه قال: فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين فلما أصبح غدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما" زاد في رواية فنزلت هذه الآية " { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } (2).
وعن أبي شريح خويلد بن عمرو - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة الضيافة ثلاثة أيام فما كان بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه"(3).
باب
ثواب من زرع زرعاً أو غرس شجراً مثمراً بنية صالحة
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1979) ومسلم في كتاب الصيام برقم (1159).
(2) رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (2054).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6135) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (48).(1/399)
عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه له صدقة وما أكل السبُعُ منه فهو له صدقة وما أكلت الطير فهو له صدقة ، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة".
يرزؤه: أي ينقُصُه.
وفي رواية: "فلا يغرس المسلم غرساً فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقةٍ إلى يوم القيامة".
وفي رواية " لا يغرس مسلم غرساً ولا يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة"(1).
وعنه قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على أم معبد حائطاً فقال: يا أم معبد من غرس هذا النخل؟ أمسلم أم كافر" فقالت بل مسلم، قال: "فلا يغرس المسلم غرساً فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طيراً إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة"(2).
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا مِنْ مُسلم يَغرسُ غرساً ، وأو يَزرَعُ زرعاً ، فيأكُلُ منه طَيرٌ أو إنسان أو بهيمةٌ إلا كان له به صدقة"(3).
باب
ثواب من قضى حوائج إخوانه المسلمين
الحوائج : ما يحتاجه الإنسان ليكمل به أموره
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجته ومن فرجّ عن مسلم كربة فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة "(4).
( لا يظلمه): يعني لا يظلمه بأي نوع من الظلم.
( ولا يسلمه): أي لا يسلمه لمن يظلمه فهو يدافع عنه ويحميه من شره.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب المساقاة برقم (3945)
(2) رواه مسلم في كتاب المساقاة برقم (3948)
(3) رواه البخاري في كتاب الحرث والمزارعة برقم (2320) ومسلم في كتاب المساقاة برقم (1553).
(4) أخرجه البخاري في كتاب المظالم برقم (2442) ومسلم في كتاب البر والصلة برقم(2580).(1/400)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه"(1).
(نفس): أزال وفرًّج.(يسر على معسر): بالإبراء أن تصدق عليه أو بالانظار إلى ميسرة. يلتمس : يطلب.يتدارسونه : يتلونه ويتعلمونه. بطأ: قصر.
إعانة المحتاج وتفريج عنه الكروب قربة إلى الله وسبب في رحمة الله لعبده يوم القيامة.
وإعانة العبد لأخيه المسلم سبب في عون الله للعبد.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكاف عشر سنين ومن اعتكف يوماً ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق كل خندق أبعد مما بن الخافقين"(2).
ورواه الحاكم إلا أنه قال: "لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجةٍ وأشار بأصبعه أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين"(3).
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه الطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد، قال في مجمع الزوائد(8/192): "رواه الطبراني في الأوسط وإسناده جيد)، الصحيحة (608).
(3) رواه الطبراني في (الأوسط)، الصحيحة (607).(1/401)
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "على كل مسلم صدقة قال: قيل: أرأيت إن لم يجد، قال: يعتمل بيديه فينفع ويتصدق قال: أرأيت إن لم يستطع قال: يعين ذا الحاجة الملهوف قال: قيل له أرأيت إن لم يجد قال: يأمر بالمعروف أو الخير ، قال: أرأيت إن لم يفعل قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة"(1).
(ذا الحاجة الملهوف) يطلق على المتعسر وعلى المضطر وعلى المظلوم.
(يعدل بين الإثنين): أي يصلح بينهما بالعدل.
وعن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من مشى في حاجةِ أخيه حتى يثبتها له أظله الله عز وجل بخمسةٍ وسبعين ألف ملك يصلون عليه ويدعون له إن كان صباحاً حتى يُمسي وإن كان مساءً حتى يصبح ولا يرفع قدماً إلا حط الله عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة"
وفي رواية له عن ابن عمر وحده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعان عبداً في حاجته ثبت الله له مقامه يوم تزول الأقدام"(2).
وعن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من يكن في حاجة أخيه يكن الله في حاجته"(3).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم(6022)،ومسلم في الذكر والدعاء برقم (6868).
(2) أخرجه أبو الشيخ ابن حبان، الصحيحة (608).
(3) صحيح الجامع (6495).(1/402)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجته أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضىً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام وأن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل"(1).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "دعوا الناس فليصب بعضهم من بعض فإذا استنصح رجلٌ أخاه فلينصح له"(2).
باب
ثواب إدخال السرور على المؤمن
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن تقضي عنه ديناً تقضي له حاجة تنفس له كربة"(3).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سروراً أو تقضي عنه ديناً أو تطعمه خبزاً "(4).
عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، أن مكاتباً جاءه فقال: إني عجزت عن كتابتي فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو كان عليك مثل جبل صبر ديناً أداه الله عنك؟ قل: "اللهم أكفني بحلالك عن حرامك وأغنني من فضلك عمن سواك"(5).
???????
باب
ثواب الحياء وما جاء في فضله
__________
(1) رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج والطبراني في " الكبير " عن ابن عمر ، السلسلة الصحيحة(906).
(2) خرجه أحمد عن أبي عوانه وغيره ، السلسلة الصحيحة(1855).
(3) رواه البيهقي في شعب الإيمان، صحيح الجامع (5773).
(4) رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج ، صحيح الجامع (1107) ، والصحيحة رقم (2715).
(5) سبق تخريجه.(1/403)
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ على رجلٍ من الأنصار وهو يعظُ أخاه في الحياء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " دعهُ فإن الحياء من الإيمان"(1).
وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "الحياءُ لا يأتي إلا بخيرٍ"(2).
وفي رواية لمسلم " الحياء خيرٌ كله"(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإيمان بضعٌ وسبعون أو بضعٌ وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياءُ شعبة من الإيمان"(4).
باب
ثواب حسن الخلق وفضله
قال الله تعالى: { وإنك لعلى خلقٍ عظيم } (5).
وقال الله تعالى { والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } (6).
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: "تقوى الله وحُسن الخُلق" وسُئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: " الفم والفرج"(7).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (24) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (36).
(2) رواه البخاري في كناب الأدب برقم (6117) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (37).
(3) صحيح مسلم (37) كتاب الإيمان.
(4) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (9)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (35).
(5) سورة ن ، الآية (4).
(6) سورة آل عمران (134).
(7) أخرجه البخاري في ( الأدب المفرد) برقم (289) والترمذي (2004) وابن ماجه (4246) وابن حبان (476)، وأحمد (2/ 291, 392 و442)، والحاكم (4/324) والبيهقي في الزهد (236) والقضائي في الشهاب(1050)، والبغوي في معالم التنزيل (4/377) ، وشرح السنة (13/79 - 80) ، والخرائطي في مكارم الأخلاق ص (10) ، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (2642).(1/404)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحشاً ولا متفحشاً وكان يقول: "إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً"(1).
وعن أبي ذر جندب بن جنادة ، وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلقٍ حسن"(2).
(اتق الله حيثما كنت) التقوى : هي فعل الأوامر واجتناب النواهي.
وكما فسرها على بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: " التقوى هي مخافة الجليل والعمل بالتنزيل والرضى بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل" .
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ليس شيء أثقل في الميزان من الخُلق الحسن"(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أقربكم مني منزلاً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً في الدنيا"(4).
وعن سهل بن سعد، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها"(5).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب المناقب برقم (3559)، ومسلم في كتاب الفضائل برقم (2321).
(2) أخرجه الترمذي في البر والصلة برقم (1987) ، وأحمد في المسند(5/153، 158، 228) والحاكم في المستدرك (1/54) وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وقال الترمذي : "حسنٌ صحيح".
(3) رواه أحمد في مسنده، وصححه شيخنا الألباني، صحيح الجامع (52606) والصحيحة (2/564)، الترغيب (2641).
(4) رواه ابن عساكر ، صحيح الجامع (1569).
(5) صحيح الجامع (1858).(1/405)
وعن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفضل المؤمنين إسلاماً من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأفضل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً، وأفضل المهاجرين من هجر ما نهى الله تعالى عنه، وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل"(1).
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خُلقاً"(2).
وعن ابن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله بحُسن خلقه وكرم ضريبته"(3).
(الضريبة): الطبيعة وزناً ومعنىً.
وعن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البر والإثم فقال: "البر حُسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس"(4).
حاك في صدرك: أي تحرك وتردد ولم ينشرح له الصدر، وحصل في القلب منه الشك وخوف كونه ذنباً. شرح النووي (16/111)
وعن أبي قلابة عن عائشة رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً وألطفهم بأهله"(5).
وعن أسامة بن شريك - رضي الله عنه - قال: كنا جلوساً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنما على رؤوسنا الطير ما يتكلم منا متكلم إذ جاء أُناس فقالوا: من أحبُّ عباد الله إلى
الله؟ قال: " أحسنهم خُلقاً" (6).
__________
(1) رواه الطبراني في " الكبير" عن ابن عمرو ، ورواه ابن نصر ، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (1129)، والصحيحة رقم (1491).
(2) متفق عليه.
(3) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني الصحيحة (522)، الترغيب (2647).
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، الصحيحة (168)، المشكاة (3263)
(6) رواه الطبراني ، قال في المجمع (8/24): "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح".(1/406)
وفي رواية لابن حبان قالوا:يا رسول الله فما خير ما أُعطي الإنسان قال: " خُلقٌ حسن".
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: كنت في مجلس فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وسمرة أبو أمامة فقال: " إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام في شيء وإن أحسن الناس إسلاماً أحسنهم خلقاً"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنم خُلقاً وخيارهم خياركم لنسائهم"(2).
وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أنا زعيم بيت في ربضٍ الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خلقه" (3).
الزعيم : الكفيل الضامن.
(ربض الجنة): أدناها، وربض المدينة ما حولها.
( المراء) المجادلة والمنازعة في القول والعمل بقصد الباطل.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله ليبلغ العبد بحسن خلقة درجة الصوم والصلاة"(4).
__________
(1) رواه أحمد بإسناد صحيح، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/25): "رواه الطبراني واللفظ له وأحمد وابنه وأبو يعلى بنحوه ورجاله ثقات".
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الرضاع برقم (1162) وقال الترمذي : "حسنٌ صحيح" وأخرجه في كتاب الإيمان برقم (2612) وأحمد في المسند(6/47) من حديث عائشة رضي الله عنها وأبو داود في كتاب الأدب برقم (4682) ، صحيح الجامع (1230 و 1231 و 1232).
(3) رواه أبو داود (4800) من طريق أبي الجماهير محمد بن عثمانن، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (273) و حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ص (22) والمناسك ص(8) والترغيب (2648).
(4) رواه الطبراني والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في الصحيحة (436)، الترغيب (2645).(1/407)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن المؤمن ليدرك بحُسن خلقة درجة الصائم القائم"(1).
وفي رواية الحاكم: " إن المؤمن ليدرك بحُسن الخلق درجات قائم الليل وصائم النهار"(2)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن من أحبكم وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً"(3).
و عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " خير الناس ذو القلب المحموم واللسان الصادق".قيل : وما القلب المحموم؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : " هو التقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد"، قيل: فمن على أثره؟ قال:
"الذي يشنأ الدنيا، ويحب الآخرة". قيل: فمن على أثره؟ قال: "مؤمن في خُلُق حسن"(4).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "خيركم إسلاماً أحاسنكم أخلاقاً إذا فقهوا" (5).
باب
ثواب الرفق في الأمور كلها
قال الله تعالى: { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً } (6).
__________
(1) رواه أبو داود وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2643).
(2) صحيح الجامع (1616)، الترغيب برقم (2643).
(3) رواه الترمذي وقال حديث حسن، الصحيحة(791)، الترغيب(2649).
(4) رواه الحاكم والطبراني في " الكبير" وأبو نعيم، والبيهقي في الشعب عن ابن عمرو، وشطره الأول عند ابن ماجه عن ابن عمرو، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (3291).
(5) رواه البخاري في الأدب المفرد ، وأحمد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (2312) .
(6) سورة الفرقان الآية (67)(1/408)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله"(1).
وفي رواية لمسلم: " إن الله رفيق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه".
وعنها رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا يُنزع من شيء إلا شانه"(2).
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أُعطي حظه من الرفق فقد أُعطي حظه من الخير ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من الخير"(3).
وعن عائشة رضي الله عنها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: " يا عائشة ارفقي فإن الله إذا أراد بأهل بيتٍ خيراً أدخل عليهم الرفق"(4).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عيه النار تحرم على كل هين لين سهل"(5).
وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من يحرم الرفق
يُحرم الخير"(6).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6024)، ومسلم في كتاب السلام برقم (2165).
(2) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2594)، و رواه أبو داوود وأحمد.
(3) رواه الترمذي وقال : "حديث حسن صحيح"، الصحيحة (51، 563)، والمشكاة (5076).
(4) رواه الإمام أحمد ، الصحيحة (523، 219) وصححه الألباني في الترغيب (2669).
(5) رواه الترمذي وحسنه وابن حبان، الصحيحة (938)، الترغيب (2676).
(6) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2592).(1/409)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " دعوه وأريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"(1).
وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يسروا ولا تعسروا وبشروا
ولا تنفروا"(2).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان ثم إثم كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى"(3).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأشج "إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة"(4).
الأشج: اسمه المنذر بن عائذ، سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - الأشج لأثر كان في وجهه.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه بردٍ نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه بردائه جذبةً شديدة فنظرت إلى صفحة عنق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أثر بها حاشية الرداء من شدة جذبته ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء"(5).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الوضوء برقم (220) وكتاب الأدب برقم( 6128).
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6125) ومسلم في كتاب الجهاد برقم (1734).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6126) وفي كتاب المناقب برقم (3560) ومسلم في كتاب الفضائل برقم (2327).
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (17).
(5) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6088) ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1057).(1/410)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"(2)
باب
باب ثواب طلاقة الوجه وفعال أخر من الخير
عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل معروفٍ صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك".(3)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلق"(4)
وفي رواية "طليق"
"طلق وطليق" معناه: سهل منبسط؟
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " تبسمك في وجه أخيك صدقة وأمرك بالمعروف صدقة ونهيك عن المنكر صدقة وإرشادك الردل في أرض الضلال صدقة وإماطتك الحجر و الشوك والعظم من الطريق لك صدقة وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة "(5).
ورواه ابن حبان وزاد: "وبصرك للرجل الردئ البصر لك صدقة".
__________
(1) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم(3477)ومسلم في الجهاد والسيربرقم(1792).
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6114) ، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2609)
(3) رواه أحمد في مسنده (3/360) والترمذي (1970) وقال : "حديث حسن"، وصححه الألباني، صحيح الجامع (4433)، الترغيب (2684).
(4) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2626).
(5) رواه الترمذي (1956) وقال: هذا حديث حسن غريب ، وابن حبان وصححه الألباني، الصحيحة (572)، صحيح الجامع (2905)، الترغيب (2685).(1/411)
وعن أبي جري الهجيمي - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله إنا قوم من أهل البادية فعلمنا شيئاً ينفعنا الله به فقال : " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط وإياك وإسبال الإزار فأنه من المخيلة ولا يحبها الله وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه فإن أجره لك ووباله على من قالَهُ"(1)
باب
باب الحث على طيب الكلام وفضله.
قال الله تعالى { واخفض جناحك للمؤمنين } (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كل سُلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الإثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة قال: والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة"(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت"(4)
وفي رواية : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"(5)
__________
(1) رواه أبو داود، والترمذي (1833) عن أبي ذر، وصححه النسائي وابن حبان، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2687).
(2) سورة الحجر، الآية (88).
(3) سبق تخريجه.
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأدب (6018) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (172 و174)
(5) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (171).(1/412)
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"في الجنة غرفة يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها" فقال أبو مالك الأشعري:لمن هي يا رسول الله قال:"لمن
أطاب الكلام وأطعم الطعام وبات قائماً والناس نيام"(1)
وعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربّه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم فلا يرى إلا ماقدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرةٍ فمن لم يجد فبكلمةٍ طيبة"(2)
" ليس بينه وبينه ترجمان" بفتح التاء وضمها وهو المعبر عن لسان بلسان.
قوله " ولو بكلمة طيبة" فيه أن الكلمة الطيبة سبب للنجاة من النار وهي الكلمة التي فيها تطيب قلب إنسان إذا كانت مباحة أو طاعة.
باب
باب ثواب السلام على المؤمنين والأمر بإفشائه
قال الله تعالى: { وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيءٍ حسيباً } .(3)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الإسلام خير؟ قال: " تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف".(4)
و قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفشوا السلام وأطعموا الطعام وكونوا إخواناً كما أمركم الله".(5)
__________
(1) رواه الطبراني والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/16): "رواه أحمد وفيه ابن ليهعة وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2692).
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6539) وفي كتاب التوحيد برقم (7443و 7512)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (2345 و2346و5347).
(3) سورة النساء الآية (86).
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه النسائي في القضاء، السلسلة الصحيحة(1501).(1/413)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن السلام إسم من أسماء الله وضعه الله في الأرض فأفشوه فيكم فإن الرجل إذا سلم على القوم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة لأنه ذكرهم فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب".(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه
تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم"(3)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: فيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف، والسلام أول أسباب التآلف ومفتاح استجلاب المودة وفي إفشائه تمكن ألفه المسلمين بعضهم لبعض وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع وإعظام حرمات المسلمين.
وقال رحمه الله : وفيها لطيفة أخرى وهي أنها تتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء وفساد ذات البين التي هي الحالقة وأن سلامه لله لا يتبع فيه هواه ولا يخص أصحابه وأحبابه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .أ.هـ شرح مسلم (2/244-245)
وعن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلّوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام"(4)
__________
(1) رواه الطبراني عن سفيان بن بشر، السلسة الصحيحة (1607).
(2) رواه الطبراني في "الكبير" عن هانئ بن زيد،صحيح الجامع(2228)صحيح الترغيب(2699).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (192 و193) وابن ماجه في المقدمة (68).
(4) رواه الترمذي برقم (2485) والدارمي وابن ماجه وقال الترمذي: "حديث صحيح"، الصحيحة(569) ، صحيح الجامع (7742).(1/414)
يجب الحرص على إفشاء السلام لتنال الأجر والثواب الكثير حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا لقى أحدكم أخاه فليسلم عليه فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه".(1)
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم حريصين على إفشاء السلام بينهم لما يترتب عليه من الأجر والثواب الكثير.
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتماشون فإذا استقبلتهم شجرة أو أكمة فتفرقوا يميناً وشمالاً ثم التقوا من ورائها سلَّم بعضهم على بعض".(2)
وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام " فينبغي لكل واحد من المتلاقين أن يحرص على أن يبتدئ بالسلام.
ولا ينبغي للمسلم أن يبدأ بالكلام قبل أن يُسلم حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من بدأكم بالكلام قبل السلام فلا تكلموه" وفي رواية " فلا تجيبوه".(3)
وأن يحرص على المصافحة مع السلام لما في ذلك من الأجر وغفران الذنوب بإذن الله تعالى.
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - : عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفشوا السلام تسلموا"(4)
__________
(1) صحيح أبي داود (4331).
(2) رواه ابن السني وهو في صحيح الأدب المفرد برقم (773).
(3) رواه الطبراني في " الأوسط" عن ابن عمر ، صحيح الجامع (5998).
(4) رواه ابن حبان ، قال في مجمع الزوائد (8/29): (رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله ثقات)، الصحيحة (1493) الإرواء(769).(1/415)
وعن أبي شريخ - رضي الله عنه - أنه قال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرني بشيء يوجب لي الجنة قال: "طيب الكلام وبذل السلام وإطعام الطعام".(1)
وقال عمار: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعَالَم والإنفاق مِنَ الإقتار(2)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وقد تضمنت هذه الكلمات أصول الخير وفروعه فإن الإنصاف يُوجب عليه أداء حقوق الله كاملة موفَّرة وأداء حقوق الناس ، كذلك وأن لا يطالبهم بما ليس له ولا يُحمِّلهم فوق وسعهم ويعاملهم بما يحب أن يعاملوه به ويعفيهم مما يحب أن يُعفُوه منه ويحكم لهم وعليهم بما يحكم به لنفسه وعليها.
ويدخل في هذا إنصافه نفسه من نفسه فلا يدَّعي لها ما ليس لها ولا يُخبثها بتدنيسه لها وتصغيره إياها وتحقيرها بمعاصي الله ويُنميها ويكبرها ويرفعها بطاعة الله وتوحيده وحبه وخوفه ورجائه والتوكل عليه والإنابة إليه وإيثار مرضاته ومحابِّه على مراضي الخلق ومحابِّهم.
وقال رحمه الله تعالى : وبذل السلام للعالم يتضمن تواضعه وأنه لا يتكبر على أحد بل يُبذل السلام للصغير والكبير والشريف والوضيع ومن يعرفه ومن لا يعرفه والمتكبر ضد هذا فإنه لا يرد السالم على كل من سلم عليه كبراً منه وتيهاً فكيف يبذل السلام لكل أحد. أ.هـ.زاد المعاد(2/353)
__________
(1) رواه الطبراني وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد ذكره في مجمع الزوائد (1/54) من حديث عمرو بن عبسة وقال الهيثمي: "رواه أحمد وفي إسناده شهر بن حشي وقد وثق على ضعف فيه" وذكره أيضاً في (1/61)، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2699).
(2) أخرجه البخاري في الإيمان تعليقاً ووصله عبد الرزاق في "مصنفه" (19439/10) وذكره الذهبي في "السير" (1/427) ووصله ابن أبي شيبة في الإيمان (131).(1/416)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام.(1)
وقال عمران بن حصين : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليكم فرد عليه ثم جلس فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "عشر " ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فجلس فقال "عشرون" ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه فجلس فقال: "ثلاثون" (2)
وزاد أبو داوود: ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال: "أربعون" فقال: "هكذا تكون الفضائل".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربعون خصلةً أعلاهُنَّ منيحةُ العنز ما من عاملٍ يعمَلُ بخصلَةٍ منها رجاءَ ثوابها وتصدِيقَ موعُودِها إلا أدخَلهُ الله بها الجنة".
قال حسَّان " فعددنا ما دون منيحة العنز من ردَّ السلام، وتشميت العاطس ، وإماطة الأذى عن الطريق ونحوه، فما استطعنا أن تبلغ خمس عشرة".(3)
منيحة العنز: المنيحة في الأصل: العطية، قال أبو عبيد: المنيحة عند العرب على وجهين: أحدهما أن يعطي الرجل صاحبه صلةً فتكون له،والآخر أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمناً ثم يردها.فتح الباري(5/243)
باب
ثواب المصافحة
__________
(1) رواه أبو داود في الأدب (5197) وأحمد في المسند (22342/8)، وصححه الألباني، المشكاة (46460)، الكلم (198) صحيح الجامع (5997)، الترغيب(2703).
(2) أخرجه أبو داوود في الأدب، الترمذي وحسنه، والنسائي والبيهقي وحسنه أيضاً، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2710).
(3) رواه البخاري في كتاب الإستئذان برقم (6263).(1/417)
عن البراء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا"(1).
وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه إلا كان حقاً على الله عز وجل أن يحضر دعاءهما ولا يفرق بين أيديهما حتى يغفر لهما"(2).
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه فتصافحا وحمدا الله تعالى جميعاً تفرقا وليس بينهما خطيئة".(3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن المسلمين إذا التقيا فتصافحا وتكاثرا بود ونصيحة تناثرت خطاياهما بينهما ".
وفي رواية : "إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله تعالى واستغفرا غفر الله عز وجل لهما".(4).
ويستحب مع المصافحة البشاشة بالوجه والدعاء بالمغفرة وغيرها .
فعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليق"(5).
فتكون الابتسامة صدقة لك وزيادة في الألفة والمحبة .
__________
(1) أخرجه أبو داود برقم (5212) ، والترمذي برقم (2727)، وابن ماجة برقم (3703) ، وأحمد (4/289 و303) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5654) ، والصحيحة برقم (524) والترغيب برقم (2718).
(2) رواه أحمد والبزار وأبو يعلى، قال في مجمع الزوائد (8/36): "رواه أحمد والبزار وأبو يعلى ورجال أحمد رجال الصحيح غير ميمون ين عجلان وثقه ابن حبان و لم يضعفه أحد".
(3) رواه أحمد في مسنده والضياء، صحيح الجامع (2738).
(4) السلسلة الصحيحة (525).
(5) سبق تخريجه.(1/418)
وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال: "إن المسلم إذا لقي أخاه فأخذ بيده تحاتت عنه ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف وإلا غفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحر"(1).
وفي رواية لأبي داود قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله واستغفراه غفر لهما".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي حذيفة فأراد أن يصافحه فتنحى حذيفة فقال : "إن المسلم إذا صافح أخاه تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر"(2).
باب
ثواب من سلم إذا دخل بيته
قال الله تعالى : { فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة } (3).
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا بُني إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك "(4).
وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثةٌ كلهم ضامن على الله عز وجل رجل خرج غازياً في سبيل الله فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرد بما نال من أجرٍ أو غنيمة ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخل الجنة أو يرد بما نال من أجرٍ أو غنيمة ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله عز وجل"(5).
باب
الذين يُعطون أجورهم مرتين
__________
(1) رواه الطبراني بإسناد حسن، قال في صحيح الزوائد (8/37): "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير سالم بن غيلان وهو ثقة".
(2) رواه البزار ، وصححه الألباني في الترغيب (2721)والصحيحة برقم (526).
(3) سورة النور الآية (61).
(4) رواه الترمذي من طريق علي بن زيد عن ابن المسيب عنه وقال : "حديث حسن صحيح"، الكلم الطيب (ص 46).
(5) رواه أبو داوود في سننه برقم (2494)،وصححه الألباني، صحيح الجامع (3048).(1/419)
عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، وأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - فآمن به واتبعه وصدقه، فله أجران، وعبد مملوك، أدَّى حق الله وحق سيده، فله أجران، ورجل كانت له أمة، فغذاها فأحسن غذاءها، ثم أدبها فأحسن تأديبها، ثم اعتقها وتزوجها، فله أجران "(1).
باب
ثواب من شاب شيبة في الإسلام
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة "(2).
وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة "(3).
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تنتفوا الشيب فإنه ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نوراً يوم القيامة"(4).
وفي رواية: "من شاب شيبة في الإسلام كتب له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة"(5).
وفي رواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن نتف الشيب وقال: "إنه نور المسلم".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ،أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا تنتفوا الشيب فإنه نور يوم القيامة من شاب شيبة كتب الله له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة"(6).
باب
فضل إكرام ذي الشيبة وذي القرآن
__________
(1) البخاري ومسلم.
(2) رواه ابن حبان ، وصححه الألباني رحمه الله ، الصحيحة (1244)،المشكاة (4459)والترغيب(2094).
(3) رواه النسائي والترمذي وقال:"حديث حسن صحيح"،وصححه الألباني في الترغيب(2093).
(4) المشكاة (4458)،الصحيحة (247).
(5) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (1244)، والترغيب برقم (2091).
(6) رواه ابن حبان في (صحيحه) وصححه الألباني في الترغيب برقم (2096).(1/420)
عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط"(1).
وعن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا"(2).
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما أكرم شاب شيخاً لسنِهِ إلا قيض الله له من يكرمه عند سنهِ"(3).
وعن جابر - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أُحدٍ يعني في القبر ثم يقول: "أيهما أكثر أخذاَ للقرآن؟" فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد.(4).
وعن ابن عباس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البركة مع أكابركم"(5).
باب
ثواب العزلة عند فساد الناس
قال الله تعالى : { ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين } (6).
عن عامر بن سعد قال:كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في إبله فجاءه ابنه عمر فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب فنزل فقال له: أنزلت في إبلك وتركت الناس يتنازعون الملك فضرب سعد في صدره وقال: اسكت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي"(7).
__________
(1) رواه أبو داود، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (98).
(2) رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني والحاكم إلا أنه قال: "ليس منا"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (101).
(3) رواه الترمذي (2022)، الرياض (363) المشكاة (4971).
(4) رواه البخاري
(5) رواه الطبراني في (الأوسط) والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم "، وصححه الألباني في الترغيب برقم (99).
(6) سورة الذاريات الآية (50).
(7) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2965).(1/421)
المراد بالغني: غني النفس القنوع بما رزقه الله تعالى قد خفي في مكان معرضاً عن أهل زمانه مقبلاً على شأنه .
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رجل: أي الناس أفضل يا رسول الله؟ قال: "مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله" قال: ثم من؟ قال: "ثم رجل معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه".
وفي رواية : "يتقي الله ويدع الناس من شره "(1).
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن"(2).
شغف الجبال: بفتح السين المعجمة والغين المهملة جميعا هو رؤوسها وأعاليها.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من خير معاش الناس رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل أو الموت مظانة أو رجل في غنيمة في رأس شعْفةَ من هذه الشعْف أو بطن وادٍ من هذه الأودية يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين ليس من الناس إلا في خير"(3).
(يطير): يسرع. (متنه): ظهره. (الهيعة): الصوت للحرب.
(الفزعة): نحوه. (يبتغي القتل): يطلبه من الكفار في الجهاد.
(ليس من الناس إلا في خير): لا يخالط الناس إلا في خير.
(مظان الشيء): المواضع التي يظن وجوده فيها.
(الغنيمة): بضم الغين تصغير الغنم.
(شعفة): بفتح الشين والعين هي أعلى الجبل.
(عنان): سير اللجام الذي يمسك به الدابة.
(اليقين): الموت.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير برقم (2786) وفي الرقاق برقم (6494) ومسلم في كتاب الإمارة برقم (4863) و(1888).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان برقم (19).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1889)و(4866).(1/422)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أخبركم بخير الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله ألا أخبركم بالذي يتلوه رجل معتزل في غنيمة له يؤدي حق الله فيها ألا أخبركم بشر الناس رجل يسأل بالله ولا يُعطي "(1).
ورواه ابن حبان إلا أنه قال فيه: "ألا أخبركم بالذي يليه" قلنا: بلى يا رسول الله قال: "امرؤ معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شرور الناس".
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب بن عجرة: "أعاذك الله من إمارة السفهاء"، قال: وما إمارة السفهاء ؟ قال "أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهدي ولا يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم عل ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون على حوضي ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يُعنهم عل ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم ويردون على حوضي يا كعب بن عجرة الصيام جنة والصدقة تطفئ الخطيئة والصلاة قربان أو قال: برهان يا كعب بن عجرة الناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها وبائع نفسه فموبقها"(2).
ورواه البزار وزاد: "لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت النار أولى به".
__________
(1) رواه الترمذي وحسنه، والنسائي وابن حبان ، وصححه الباني، الصحيحة (255)، المشكاة (1941)، الترغيب برقم (2737).
(2) رواه أحمد والبزار ورجالهما رجال الصحيح ورواه ابن حبان قال في المجمع (5/247): "رواه أحمد والبزار وزاد لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت النار أولى به ورجالهما رجال الصحيح".(1/423)
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خمس: من فعل واحدة منهن كان ضامناً على الله عز وجل من عاد مريضاً أو خرج مع جنازة أو خرج غازياً في سبيل الله أو دخل على إمام يريد بذلك تعزيزه وتوقيره أو قعد في بيته فَسلمَ وسلم الناس منه"(1).
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما النجاة قال : "أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك"(2).
ورواه الترمذي إلا أنه قال: "طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئتهُ".
باب
ثواب الحلم والصفح وكظم الغيظ
قال تعالى { والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } إلى قوله { أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين } (3).
وقال تعالى: { خذ العفو وأمر بالعرفِ وأعرض عن الجاهلين } (4).
وقال تعالى: { والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون } (5).
وقال تعالى: { ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } (6).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأشج عبد القيس: "إن فيك خصلتين يُحبهما الله: الحلم والأناة"(7).
__________
(1) رواه الطبراني وأحمد وهذا لفظه وصححه الألباني في الترغيب برقم (2738).
(2) رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" وحسن إسناده ورواه الترمذي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2741).
(3) سورة آل عمران الآية (134-136).
(4) سورة الأعراف الآية (199).
(5) سورة الشورى الآية (37)
(6) سورة فصلت الآية (34-35).
(7) أخرجه مسلم برقم (17و25).(1/424)
وخرج أبو الشيخ ابن حبان بإسناده عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن العبد ليدرك بالحلم درجة الصائم والقائم"(1).
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دلني على عمل يدخلني الجنة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تغضب ولك الجنة"(2).
وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه"(3).
العنف: الشدة والمشقة .
الرفيق: يستحب الثناء الجميل والأجر الجزيل من الله سبحانه وتعالى.
و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"(4).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الصرعة كل الصرعة الصرعة كل الصرعة الصرعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه ويقشعر جلده فيصرع غضبه"(5).
الصُّرعة: بضم الصاد وفتح الراء هو الذي يصرع الناس بقوته.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ثلاث من كن فيه أواه الله في كنفه وستر عليه برحمته وأدخله في محبته من إذا أعطي شكر وإذا قدر غفر وإذا غضب فتر"(6).
__________
(1) رواه ابن حبان في سننه .
(2) قال الهيثمي في جمع الزوائد (8/70):"رواه الطبراني في الكبير والأوسط وأحد إٍسنادي الكبير رجاله ثقات " صحيح الجامع (7374).
(3) أخرجه مسلم برقم (2593).
(4) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6114)ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2609).
(5) رواه أحمد.
(6) رواه الحاكم في المستدرك (1/125-126) وقال ٍ: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.(1/425)
وعنه في قوله تعالى { ادفع بالتي هي أحسن } قال: "الصبر عند الغضب والعفو عند الإساءة فإذا فعلو ذلك عصمهم الله وخضع لهم عدوهم"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - أوصني قال: "لا تغضب" فردد مراراً، قال:"لا تغضب "(2).
قال سليمان بن صرد: كنت جالسا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجلان يستبان وأحدهما قد أحمر وجهه وانتفخت أوداجُهُ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد" فقالوا له: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تعوذ بالله من الشيطان الرجيم" فقال: وهل بي من جنون(3).
من فوائد هذه الكلمة تكون سبب لذهاب الغضب وتهدئته لأن الغضب من الشيطان فعندما تستعيذ بالله من الشيطان فالله سبحانه وتعالى يعيذك منه ويؤدي بالتالي إلى كتم الغيظ فيترتب عليه أجور عظيمة جداً فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من كظم غيظاً وهو قادرٌ على أن ينفذه دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء"(4).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :فإذا اغتاظ الإنسان من شخص وهو قادر على أن يفتك به ولكنه ترك ذلك ابتغاء وجه الله وصبر على ما حصل له من أسباب الغيظ فله هذا الثواب العظيم أنه يدعى على رؤوس الخلائق يوم القيامة ويخير من أي الحور شاء .آ.هـ شرح رياض الصالحين (1/213).
(الغيظ): هو الغضب الشديد .
__________
(1) ذكره البخاري معلقاً.
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6116).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6115) ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2610).
(4) سبق تخريجه .(1/426)
وقال الليث بن سعد وغيره: كتب رجل إلى ابن عمر أن أكتب إلي بالعلم كله، فكتب إليه: إن العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماءِ الناس، خميص البطن من أموالهم، كافَّ اللسان عن أعراضهم، لازماً لأمر جماعتهم، فافعل(1).
باب
ثواب احتمال الأذى
قال الله تعالى: { والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المُحسنين } .
وقال الله تعالى: { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن لي قرابةً أصلهم ويقطعونني وأُحسنُ إليهم ويُسيئون إلى وأحلم عنهم ويجهلون علي! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المَل ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دمت على ذلك" (2).
"المل": هو الرماد الحار.
وعن سهل بن معاذ عن أبيه - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من حور العين ما شاء" (3).
باب
ثواب من تواضع لإخوانه المؤمنين والعفو عن الزلات
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } (4).
وقال تعالى: { محمدٌ رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } (5).
وقال الله تعالى: { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين } (6).
__________
(1) سير أعلام النبلاء (3/222).
(2) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2558).
(3) رواه أبو داود في الأدب (4777) ابن ماجه في الزهد (4186)مع اختلاف في ألفاظه، الصحيحة (1750).
(4) سورة المائدة،الآية (54).
(5) سورة الفتح الآية (29).
(6) سورة القصص،الآية (83).(1/427)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله"(1).
وفي رواية لأحمد: "ولا عفا رجلٌ عن مظلمةٍ إلا زاده الله عزاً".(2)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كل من تواضع لأخيه المسلم رفعه الله ومن ارتفع عليه وضعه الله "(3).
وعنه قال: "إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - فتنطلق به حيث شاءت"(4).
وعن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحد ولا يبغي أحدٌ على أحد"(5).
قال الحسن بن علي رضي الله عنهما : لو أن رجلاً شتمني في أذني هذه، واعتذر في الأخرى لقبلت عذره.
وقال الأحنف: إن اعتذر إليك معتذرٌ فتلَقه بالبِشر. (6).
باب
ثواب الإصلاح بين الناس
قال الله تعالى: { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين الناس ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً } (7).
وقال تعالى: { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } (8).
وقال تعالى: { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون } (9).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2588)، وأحمد برقم (7165)، والترمذي برقم (2029)، ومالك برقم (1885)، والدارمي برقم (1676).
(2) المسند رقم (7165).
(3) أخرجه الطبراني بإسناده عن أبي هريرة.
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأدب برقم (6072).
(5) أخرجه مسلم في كتاب الجنة برقم(2865).
(6) الآداب الشرعية (1/319).
(7) سورة النساء الآية (114).
(8) سورة الأنفال الآية (1).
(9) سورة الحجرات الآية (10).(1/428)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة" (1).
(سلامى): عظام البدن ومفاصله.
(متاعه): كل ما ينتفع به من عرض الدنيا قلَّ أو كثُر.
(خطوة): للمرة الواحدة وخطوة ما بين القدمين .
(تميط): تزيل . (الأذى): ما يؤذي من حجر وشوك في الطريق.
وعن أم كلثوم بنت عقبة بن معيط رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً"(2).
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة " قالوا بلى يا رسول الله قال: "إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة"(3).
باب
ثواب دعاء نزول المنزل
عن خولة بنت حكيم السلمية رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه وسلم يقول: "من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك(4).
التامات: معناه الكاملات التي لا يدخل فيها نقص ولا عيب، وقيل النافعة الشافية .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح برقم (2707) وفي كتاب الجهاد برقم (2891 و2989) ومسلم في كتاب الزكاة (2332).
(2) متفق عليه.
(3) رواه أبو داود وابن حبان والترمذي وقال: حديث(حسن صحيح) ورواه البزار والطبراني ، غاية المرام (414)، المشكاة (5038).
(4) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2708)، وأحمد برقم (6579) والترمذي برقم (3437)، وابن ماجه برقم (3547)، الدارمي برقم (2680).(1/429)
قال ابن عبد البر: أن هذا الدعاء يقال عند حلول كل مكان أو النزول فيه وليس مخصوصاً بنزول المسافر من مركوبه، ومنها أن كلام الله منه تبارك اسمه وصفة من صفاته ليس بمخلوق، لأنه محال أني يستعاذ بمخلوق ، وعلى هذا جماعة أهل السنة.أ.هـ. (1).
وقال القرطبي: هذا خبر صحيح وقول صادق علمنا صدقه دليلاً وتجربة، فإني مذ سمعت هذا الخبر عملت عليه فلم يضرني شيء إلى أن تركته، فلدغتني عقرب بالمهدبة ليلاً، فتفكرت في نفسي فإذا بي قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات (2).
باب
ثواب الاجتماع عند النزول
روى أبو ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - قال: كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان" فلم ينزلوا بعد ذلك منزلاً إ لا انضم بعضهم إلى بعض حتى يٌقال لو بُسط عليهم ثوبٌ لعمهم"(3).
باب
ثواب من رد غيبة أخيه المسلم وذب عن عرضه
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة"(4).
وعن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حمى مؤمناً من منافق أراه قال: بعث الله ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى مسلماً بشيء يريد به شينه حبسه الله عز وجل على جسر حتى يخرج مما قال"(5).
شينه: أي عيبه وتنقصه والشين العيب.
__________
(1) التمهيد (24/186).
(2) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص(161).
(3) رواه أبو داودبرقم (2628)،ورواه أحمدبرقم(17282)،وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
(4) رواه الترمذي وقال( حديث حسن) ورواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب التوبيخ، غاية المرام (431) صحيح الجامع (6138)، وصحيح الترغيب برقم (2848).
(5) رواه أبو داود، المشكاة (4986).(1/430)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من رد عن عرض أخيه كان له حجاباً من النار"(1).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار"(2).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من نصر أخاه بظهر الغيب نصره الله في الدنيا والآخرة"(3).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "من نصر أخاه المسلم بالغيب، نصره اللهُ في الدنيا والآخرة "(4).
باب
ثواب الصدق
قال الله تعالى: { قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدأً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم } (5).
قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } (6)
وقال الله تعالى: { من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً } (7).
وقال تعالى: { ليجزي الله الصادقين بصدقهم } (8).
وقال تعالى: { والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات } إلى قوله تعالى { أعد الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً } (9).
__________
(1) رواه البيهقي في السنن، صحيح الجامع (6139).
(2) رواه الطبراني عن أسماء بنت يزيد ، ورواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا، وقال الألباني في الترغيب: "صحيح لغيره" (2847).
(3) رواه البيهقي في السنن والضياء عن أنس ، صحيح الجامع(6450)، وصحيح الترغيب (2848).
(4) رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً، وقال الألباني رحمه الله: ورواه بعضهم مرفوعاً، انظر الصحيحة برقم (1217)، وصحيح الترغيب برقم (2849).
(5) سورة المائدة الآية (119).
(6) سورة التوبة الآية (119).
(7) سورة الأحزاب الآية (23).
(8) سورة الأحزاب الآية (24).
(9) سورة الأحزاب (35).(1/431)
وقال تعالى { والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليُكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون"(1).
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر وهما في الجنة وإياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور وهما في النار"(2).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صِديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً"(3).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا حفظ أمانة ، وصدق حديث، وحسن خليقةٍ، وعفةُ في طُعمةٍ"(4).
وتقدم حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خلقه"(5).
__________
(1) سورة الزمر الآية (33-35).
(2) رواه الطبراني بإسناد حسن، قال الهيثمي في مجمع الزوائد(1/93): "رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن" ، صحيح الجامع (4071)، المشكاة(2824) والطحاوية (98).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6094)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2607).
(4) رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي بإسانيد حسنة، صحيح الترغيب (2929).
(5) سبق تخريجه.(1/432)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اضمنوا لي ستاً من أنفسكم، أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم ،و غضوا أبصاركم ، وكُفُوا أيديكم"(1).
وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بالصدق فإنه مع البر، وهما في الجنة وإياكم والكذب، فإنه مع الفجور وهما في النار"(2).
باب
ثواب إماطة الأذى عن الطريق وأفعال أخر من الخير
قال الله تعالى: { وما يفعلوا من خير فلن يكفروه } (3).
وقال تعالى: { وما تقدموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصيرٌ } (4).
وقال تعالى: { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } (5).
وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمن كبر الله وحمد الله وهلل وسبح الله واستغفر الله وعزل حجراً عن طريق المسلمين أو شوكة أو عظماً عن طريق المسلمين و أمر بمعروف أو نهى عن منكرٍ عدد تلك الستين والثلاث مئة فإنه يُمسي يؤمئذِ وقد زحزح نفسه عن النار"(6).
قال أبو توبة وربما قال" يمشي" يعني بالشين المعجمة.
__________
(1) رواه أحمد وابن أبي الدنيا، وابن حبان في "صحيحه" والحاكم والبيهقي ، وقال الحاكم " صحيح الإسناد" ، وقال الألباني: صحيح لغيره" الترغيب (2925).
(2) رواه ابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2933).
(3) سورة آل عمران الآية (115).
(4) سورة البقرة الآية (110).
(5) سورة الزلزلة الآية (7-8).
(6) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (1007).(1/433)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الإثنين صدقة ويعين الرجل في دابته فيحمله عليها أو يرفع متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة ويميط الأذى عن الطريق صدقة"(1).
وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " في الإنسان ستون وثلاث مئة مفصل أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة" قالوا: فمن يطيق ذلك يا رسول الله قال: " النخامة في المسجد يدفنها والشيء تنحيه عن الطريق فإن لم تقدر فركعتا الضحى تجزئ عنك"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الإيمان بضعٌ وستون شعبة أو بضعٌ وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"(3).
وفي رواية " الحياء شعبة من الإيمان"
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عُرضت عليَّ أعمال أُمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يُماط عن الطريق ووجدت في مساوئ أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تُدفن"(4).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينما رجلُ يمشي بطريق وجد غصن شوك فأخره فشكر الله له فغفر له"(5).
وفي رواية لمسلم: "مر رجل بغض شجرة على ظهر الطريق فقال: والله لأُنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأُدخل الجنة".
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه أحمد وأبو داوود وابن خزيمة وابن حبان، صحيح الجامع(4/4115).
(3) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (9)، ومسلم في كتاب الإيمان(35).
(4) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (553).
(5) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم(652)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (1914).(1/434)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " نزع رجلٌ لم يعمل خيراً قط غصن شوك عن الطريق إما قال: كان في شجرة فقطعه وإما كان موضوعاً فأماطه عن الطريق فشكر الله له فأدخله الجنة"(1).
" فأماطه" أماط الشيء عن المكان إذا عزله ونحاه.
باب
ثواب دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب سيما المسافر
عن أم الدرداء قالت : حدثني سيدي (يعني زوجها أبو الدرداء وهي الصغرى) أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة: ولك بمثل"(2).
(وقال الحافظ): أم الدرداء هذه هي الصغرى تابعية واسمها (هُجيمة) ويقال (جهيمة) بتقديم الجيم ويقال (جُمانة) ليس لها صحبة إنما الصحبة لأم الدرداء الكبرى واسمها (خيرة) وليس لها في البخاري ولا مسلم حديث قاله: غير واحد من الحُفاظ "انظر العجالة".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المظلوم ، ودعوة المسافر"(3).
باب
فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب
و عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما من عبدٍ مسلم يدعوا لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل"(4).
وعنه - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل"(5).
__________
(1) رواه أبو داود، صحيح الجامع(6/6631).
(2) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم(6865)،وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1534)،واللفظ له.
(3) رواه أبو داود ، والترمذي ، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3132).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6864)، وأبو داود في الصلاة برقم (1534).
(5) أخرجه مسلم.(1/435)
وعن صفوان بن عبد الله بن صفوان كانت تحته، الدرداء قال: قدمت الشام ، فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء فقالت: أتريد الحج العام؟ فقلت : نعم قالت: فادع الله لنا بخير فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: " دعوة المرء بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل"
قال فخرجت إلى السوق فلقيت أبا الدرداء فقال لي مثل ذلك يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (1).
(بظهر الغيب) معناه:في غيبة المدعو له وفي سِره لأنه أبلغ في الإخلاص
(بمثل) بكسر الميم وإسكان الثاء أي عديله سواء.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وفي هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب ولو دعاء لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة ولو دعاء لجملة المسلمين فالظاهر حصولها أيضاً وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعوا لأخيه المسلم بتلك الدعوة لأنها تستجاب ويحصل له مثلها.
باب ثواب قتل الوزع ،
وما جاء في قتل الحيات وغيرها مما يذكر
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قتل وزغةً في أول ضربةٍ فله كذا وكذا حسنة ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة دون الثانية"(2).
وفي رواية له: "من قتل وزغاً في أول ضربةٍ كتبت له مئة حسنة وفي الثانية دون ذلك وفي الثالثة دون ذلك"(3).
وعن أم شريك رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الأوزاغ وقال : " كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام"(4).
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم(6866) وابن ماجه في كتاب الحج (2895).
(2) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2240).
(3) صحيح مسلم في كتاب السلام برقم (2240).
(4) رواه البخاري في كتاب الأنبياء برقم (3359).(1/436)
وعن عامر بن سعد عن أبيه - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقاً(1).
وعن نافع قال: كان ابن عمر يقتل الحيات كلهن حتى حدثنا أبو لبابة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل جنان البيوت فأمسك"(2).
وفي رواية له : قال أبو لبابة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنهما اللذان يخطفان البصر ويتبعان ما في بطون النساء"(3).
ذو الطفتين: قال العلماء:هما الخطان الأبيضان على ظهر الحية، وأصل الطفية خوصة المقل.
وأما الأبتر فهر قصير الذنب.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2238).
(2) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2233).
(3) رواه مسلم في كتاب السلام برقم(2233).(1/437)
وعن أبي السائب ، أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته قال: فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته فسمعت تحريكاً في عراجين في ناحية البيت فالتفت فإذا حية فوثبت لأقتلها فأشار إلى أن اجلس فجلست فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار فقال :أترى هذا البيت ؟ فقلت : نعم قال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس قال: فخرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنصاف النهار فيرجع إلا أهله فاستأذنه يوماً فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خذ عليك سلاحك فأني أخشى عليك قريظة" فأخذ الرجل سلاحه ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به وأصابته غيرة فقالت له: اكفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني فدخل فإذا بحيةٍ عظيمة منطوية على الفراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه فما يدرى أيهما كان أسرع موتاً الحية أم الفتى ؟ قال: فجئنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكرنا ذلك له وقلنا: ادع الله أن يحييه لنا فقال: "استغفروا لصاحبكم" ثم قال: "إن بالمدينة جنا قد أسملوا فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان"
وفي رواية نحوه وقال فيه: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم منها شيئاً فحرجوا عليها ثلاثاً فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر" وقال لهم "اذهبوا فادفنوا صاحبكم "(1).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب على المنبر يقول: "اقتلوا الحيات واقتلوا ذا الطفتين والأبتر فإنهما يطمسان والبصر ويسقطان الحَبَل".
__________
(1) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2236).(1/438)
قال عبد الله: فبينا أنا أُطارد حيةٍ أقتلها ناداني أبو لبابة: لا تقتلها فقلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الحيات! فقال: إنه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت وهن العوامر(1).
وفي رواية لمسلم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بقتل الكلاب يقول: " اقتلوا الحيات والكلاب واقتلوا ذا الطفتين والأبتر فإنهما يلتمسان البصر ويستسقطان الحبالى"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أن نملةً قرصت نبياً من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله إليه في أن قرصتك نملةً أحرقت أمةً من الأمم تُسبح"؟ زاد في رواية "فهلا نملة واحدة"(3).
وفي رواية لمسلم قال: "نزل نبي من الأنبياء تحت شجرةٍ فلدغته نملةً فأمر بجهازه فأخرج من تحتها ثم أمر [بها] فأُحرقت فأوحى الله إليه هلا نملةً واحدة" (4).
باب
ثواب الحُبّ في الله تعالى
قال الله تعالى: { الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدو إلا المتقين يا عباد لا خوفٌ عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين } إلى قوله تعالى: { منها تأكلون } (5).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحبّ قوماً ولم يلحق بهم فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "المرء مع من أحبّ"(6).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3297و 3298) ومسلم في كتاب السلام برقم (2233).
(2) صحيح مسلم كتاب السلام رقم (2233).
(3) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3319) ومسلم في كتاب السلام برقم (2241).
(4) صحيح مسلم كتاب السلام برقم (2241).
(5) سورة الزخرف الآيات (67-73).
(6) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6169) ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2640).(1/439)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أنه قال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يُحبُّ القوم ولا يستطيع أن يعمل بعملهم قال: "أنت يا أبا ذر مع من أحببت" قال: فإني أحب الله ورسوله قال: "فإنك أبو ذر مع من أحببت " قال: فأعادها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1).
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : متى الساعة؟ قال: "وما أعددت لها" قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله قال "أنت مع من أحببت " قال أنس فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنت مع من أحببت " قال أنس "فأنا أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم(2).
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث أحلف عليهن لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له وأسهم الإسلام ثلاثة:الصلاة والصوم والزكاة ولا يتولى الله عبداً في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة ولا يحب رجل قوماً إلا جعله الله معهم"(3).
وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ثلاث من كنًّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحبُّ إليه مما سواه، ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النار"
__________
(1) رواه أبو داود في سننه برقم (5126)، وصححه الألباني في الترغيب برقم (3035).
(2) رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة برقم (3688)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2639).
(3) واه أحمد ، ذكره في مجمع الزوائد بأتم منه (1/37) وقال: "رواه أحمد ورجاله ثقات ورواه أبو يعلى أيضاً "، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة (1387) وصحيح الجامع (3/3018).(1/440)
وفي رواية "ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان وطعمه أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما وأن تحب في الله وتبغض"(1).
وعن أبي أُمامة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحب لله وأبعض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان"(2).
وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء"(3).
(منابر) جمع منبر وهو المكان العالي.
(يغبطهم) يتمنون أن لهم مثلهم من المنزلة والشرف دون زوالهما عنهم وهو حسد الغِبطة.
المتحابين في جلال الله تعالى لهم منزلة عظيمة ومقام كريم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (16) وفي كتاب الإكراه برقم (6542) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (163).
(2) رواه أبو داود في سننه (4681)، السلسلة الصحيحة (380) وصحيح الجامع (5/5841) والترغيب (3029).
(3) أخرجه الترمذي (2390) وأحمد (5/236-237) ، المشكاة (5011) وقال الألباني: "صحيح"، الترغيب (3019).(1/441)
وعن أبي إدريس الخولاني رحمه الله تعالى قال: دخلت مسجد دمشق فإذا فتى بَرَّاق الثنايا وإذا الناس معه فإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه وصدروا عن رأيه فسألت عنه فقيل: هذا معاذ بن جبل رضي الله عنه فلما كان من الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه ثم قلت والله إني لأحبك في الله فقال: آلله ؟فقلت: الله فقال: آلله؟ فقلت: الله فأخذني بحبوة ردائي فجذبني إليه فقال: أبشر فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى وجبت محبتي للمتحابين فيَّ والمتجالسين فيَّ والمتزاورين فيَّ والمتباذلين فيَّ"(1).
(هجرت): أي بكرت وهو بتشديد الجيم.
(آلله ، فقلت الله): الأول بهمزة ممدودة للاستفهام والثاني بلا مدّ.
(براق الثنايا): مضيء الأسنان حسن الثغر لا يرى إلا مُبتسماً.
(أسندوه): سألوه.
(صدروا عن رأيه): رجعوا عنه وأخذوا به.
(حبوة ردئي): أحذ بردائي من عند سرتي.
(المتباذلين) : المتعاونين والمنفقين من أجلي.
وعن البراء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن أوثق عُرى الإسلام أن تحق في الله وتبغض في الله ".(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سره أن يجد حلاوة الإيمان فليُحب المرء لا يُحبه إلا لله"(3).
__________
(1) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/953-954)، وابن حبان (575)، وأحمد (5/229 و 233 و247)والحاكم (4/169 و170)،وصححه الألباني،صحيح الجامع(4321)،والترغيب (3018).
(2) رواه أحمد في مسنده عن البراء، وقال الألباني: "حسن لغيره"، صحيح الجامع (2005)، الترغيب (3030).
(3) رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، المستدرك(1/3)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5/6164).(1/442)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما تحاب رجلان في الله إلا كان أحبهما إلى الله عز وجل أشدهما حباً لصاحبه"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي"(2).
وعنه - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أن رجلاً زار أخاً له في قرية أُخرى فأرصد الله على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد قال: أريد أخاً في هذه القرية قال: هل لك عليه من نعمة تريدها قال: لا غير أني أُحبه في الله قال: فإني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليك إن الله قد أحبك كما أحببته فيه"(3).
(أرصد): وكل بحفظه ، (المدرجة ) بفتح الميم والراء: الطريق.
(تربها): تقوم بها وتسعى في صلاحها.
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأثر عن ربه عز وجل "حقت محبتي للمتحابين فيَّ وحقت محبتي للمتواصلين فيَّ وحقت محبتي للمتزاورين فيَّ وحقت محبتي للمتباذلين فيَّ"(4).
__________
(1) رواه الطبراني وأبو يعلى وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/276): "رواه الطبراني وأبو يعلى والزار بنحوه ورجال أبي يعلى والبزار رجال الصحيح غير مبارك بن فضالة وقد وثقه غير واحد على ضعف فيه"، صحيح الجامع(5470)، الترغيب (3014).
(2) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6494)
(3) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6495).
(4) رواه أحمد في مسنده (5/229، 237) بإسناد صحيح، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/278-279): "رواه عبد الله بن أحمد والطبراني باختصار والبزار ورجال عبد الله والطبراني قد وثقوا"، صحيح الجامع (4321).(1/443)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إما عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه"(1).
(سبعة): أي سبعة أصناف من الناس.
(يظلهم الله في ظله): في ظل عرش الرحمن.
(معلق بالمساجد): دلالة على شدة الحب لأماكن الذكر والصلاة فكأن قلبه قنديل معلق بسقفها لا يلبث أن يخرج منها حتى يعود إليها.
تفرقا عليه:بأجسادهما وأبدانهما لسفر أو موت وبقيا مجتمعين بأرواحهما على منهج الله تعالى.
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه" قال النووي رحمه اله تعالى : معناه اجتمعا على حبّ الله وافترقا على حبّ الله أي كان سبب اجتماعهما حبّ الله واستمرا على ذلك حتى تفرقا من مجلسهما وهما صادقان في حبّ كل واجد منهما صاحبه لله تعالى حال اجتمعا وافتراقهما وفي هذا الحديث الحث على التحاب في الله وبيان عظم فضله وهو من المهمات فإن الحب في الله والبعض في الله من الإيمان وهو بحمد الله كثير يوفق له أكثر الناس أو من وفق له .أ.هـ.شرح مسلم
و قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما أحب عبد عبداً لله إلا أكرم ربّه"(2).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (660) وفي كتاب الزكاة برقم (1423) وفي كتاب الرقاق برقم (6479) وفي كتاب الحدود برقم (6806) ،ومسلم في كتاب الزكاة برقم(2377).
(2) رواه أحمد في مسنده عن أبي أُمامة ، صحيح الجامع (5393).(1/444)
وعن شرحبيل بن السمط أنه قال لعمرو بن عبسة: هل أنت محدثي حديثاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس فيه نسيان ولا كذب قال: نعم سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول "قال الله عز وجل : حقت محبتي للذين يتحابون من أجلي وقد حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلي وقد حقت محبتي للذين يتباذلون من أجلي"(1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن لله جلساء يوم القيامة عن يمين العرش وكلتا يدي الله يمين على منابر من نور وجوههم من نور ليسوا بأنبياء ولا شهداء ولا صديقون " قيل يا رسول الله من هم قال:"هم المتحابون بجلال الله تبارك وتعالى"(2).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ألا أُخبركم برجالكم في الجنة؟" قالوا: بلى يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "النبي في الجنة والصديق في الجنة والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة"(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبّ إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أُحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجهل التي يمشي بها وإن سألني لأُعطينه ولئن استعاذني لأُعيذنه "(4).
(آذنته): أعلمته بأني محارب له.
(
__________
(1) رواه أحمد بإسناد صحيح والطبراني والحاكم وقال: صحيح الإسناد ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/279) (رواه الطبراني في الثلاثة وأحمد بنحوه ورجال أحمد ثقات ، وقال الألباني في الترغيب: "حسن صحيح برقم (3021)
(2) رواه أحمد بإسناد حسن، قال في مجمع الزوائد (10/277): "رواه الطبراني ورجاله وثقوا"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (9022).
(3) رواه الطبراني بإسناد حسن، الصحيحة (287).
(4) رواه البخاري.(1/445)
استعاذني): روي بالباء وروي بالنون.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من أحبَّ أن يجد طعم الإيمان فليحبّ المرء لا يحبه إلا لله"(1).
وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ (قل هو الله أحد)، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟" فسألوه فقال :لأنها صفة الرحمن فأنا أحبُّ أن أقرأ بها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أخبروه أن الله يحبه"(2).
سرية : القطعة من الجيش ليس فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
باب
ما يقول إذا نزل منزلاً
عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك"(3).
التامات: معناه الكاملات التي لا يدخل فيها نقص ولا عيب، وقيل النافعة الشافية.
عن أنس قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا بُني إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك"(4).
__________
(1) رواه البيهقي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، رواه الحاكم من طريقين ، وصحح أحدهما، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3012) وصحيح الجامع (5834).
(2) رواه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7375) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1887).
(3) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم(2708)، والترمذي برقم 3437، وابن ماجه برقم (3547) ، والدارمي برقم (2680)
(4) رواه الترمذي (2698) وقال: "حديث حسن صحيح"، الكلم (62) المشكاة (4652).(1/446)
عن جابر - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لأصحابه لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء".(1)
كل ما يذكر اسم الله عليه ييأس الشيطان منه فإذا غفل حل في غفلته ونال مراده منه.
الشيطان يبيت في البيوت التي لم يذكر الله تعالى فيها ويأكل من طعام أهلها إذا لم يذكروا اسم الله عليها.
وعن أمية بن مخشي الصحابي - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً ورجل يأكل فلم يسمِ الله حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله أوله وآخره فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه"(2).
الشيطان يشارك في طعام من لم يذكر اسم الله عليه إن ذكر الله على الطعام ولو لم يبق منه إلا جزء يسير يحرم الشيطان من كل ما كان قد أكل قبل.
???????
أبواب التوبة
والزهد
باب
ثواب التوبة إلى الله تعالى
قال الله تعالى: { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } (3)
وقال تعالى: { إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً }
وقال تعالى: { إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً } (4)
وقال تعالى: { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله } (5)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (5230) وأبو داود في كتاب الأطعمة برقم (3765).
(2) رواه أبو داود والنسائي، المشكاة (4203) والكلم (183) والرياض (735).
(3) البقرة (222).
(4) الفرقان (70).
(5) هود (3).(1/447)
وقال تعالى: { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمةً وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدنٍ التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يؤمئذٍ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم } (1)
وعن أبي موسى رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مُسيء النهار ويبسط يدهُ بالنهار ليتوب مُسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن عبداً أصاب ذنباً فقال: يا رب إني أذنبت فاغفره لي فقال له ربه: علم عبدي أن لهُ رباً يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له ثم مكث ما شاء اله ثم أصاب ذنباً آخر – وربما قال: ثم أذنب ذنباً آخر – فقال: يا رب! إني أذنبت ذنباً آخر فاغفره لي قال ربه: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً آخر – وربما قال: ثم أذنب ذنباً آخر – فقال: يا رب! إني أذنبت ذنباً فاغفره لي فقال ربه: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فقال ربه: غفرت لعبدي فليعمل ما شاء"(3).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه وليس أحدٌ أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش وليس أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل"(4).
__________
(1) غافر (7-9).
(2) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (2759).
(3) رواه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7507)، ومسلم في كتاب التوبة برقم (758).
(4) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (2760).(1/448)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"(1).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه"(2).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "للجنة ثمانية أبواب سبعة مغلقة وباب مفتوح للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوِهِ"(3).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (2749).
(2) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2703).
(3) رواه أبو يعلى والطبراني ، قال في المجمع (10/198): "رواه أحمد والطبراني وإسناده جيد".(1/449)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة فقال: لا فقتله فكمل به المائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال: نعم من يحول بينه وبين التوبة؟! انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيراً قط فأتاهم ملك في صورة رجل آدمي فجعلوه بينهم فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة" وفي رواية: "فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجعل من أهلها". وفي رواية "فأوحى الله جل جلاله إلى هذه أن تباعدي وإلى هذه أن تقربي وقال: "قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له".
وفي رواية: قال قتادة: قال الحسن: "ذُكر لنا أنَّهُ لما أتاهُ ملكُ الموتِ نأى
بِصَدرهِ نحوها"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني والله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة ومن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه أهرول"(2).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3470) ومسلم في كتاب التوبة برقم (2766).
(2) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2675) ورواه البخاري بنحوه في كتاب التوحيد برقم (7405).(1/450)
وعن قتادة عن أنس - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل منها وإن زاد زادت حتى تغلف قلبه فذلك الران الذي ذكر الله كتابه : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } (2).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"(3).
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في ارض دوية مملكة؟ معه راحلة عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح فالله أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته"(4).
(الدوية): بفتح الدال المهملة وتشديد الواو والياء المثناة معاً هي المفازة والأرض القفر.
__________
(1) رواه ابن ماجة والترمذي وقال: غريب، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، التنكيل (2/213) وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3139).
(2) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، والنسائي وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3141).
(3) رواه ابن ماجة والترمذي وقال: "حديث حسن"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3143)، المشكاة (2343، 2449).
(4) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6309)، ومسلم في كتاب التوبة برقم (2747).(1/451)
وعن حميد الطويل قال: قلت لأنس بن مالك: أقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الندم توبة" قال: نعم(1).
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما، أن امرأةً من جهينة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي حبلى من الزنى فقالت: يا رسول الله أصبت حداً فأقمه علي فدعا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وليها فقال: "أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها" ففعل فأمر بها نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فشدت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال له عمر: تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت؟! قال - صلى الله عليه وسلم - : "لقد تابت توبةً لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت [توبةً] أفضل من أن جاءت بنفسها لله عز وجل؟"(2).
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لله أفرح بتوبة عبدهِ من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله بأرض فلاةٍ"(3).
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رجلاً أصاب من امرأةٍ قبلةً.
وفي رواية: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني عالجت امرأةً في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن أمسها فأنا هذا فأقض في ما شئت فقال له عمر: لقد سترك الله لو سترت نفسك قال: ولم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئاً فقام الرجل فانطلق فأتبعهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً فدعاه فتلا عليه هذه الآية { أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين } (4)
__________
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (3146).
(2) رواه مسلم في كتاب الحدود برقم (1696).
(3) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6309) ومسلم في كتاب التوبة برقم (2747).
(4) هود الآية (114).(1/452)
فقال رجل من القوم: يا نبي الله هذا له خاصة؟ قال: "بل للناس كافة"(1).
وعن الحارث بن سويد، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لله أفرح بتوبة عبدِه المؤمنِ من رجل نزل في أرض دوية مهلكة، معه راحلته، عليها طعامه وشرابُه، فوضع رأسَهُ فنامَ، فاستيقظ وقد ذهبت راحلَتُه، فطلبها حتى إذا اشتدَّ عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى أموت، فوضَعَ يَدَهُ على ساعِدِهِ ليموت، فاستيقظ فإذا راحلَتُهُ عندَه، عليها زاده وشرابُه. فالله أشدُّ فرحاً بتَوْبةِ العبد المؤمن من هذا براحِلَتِه"(2).
الدوية: هي الفلاة القفر، والمفازة.
وعن أبي بردة قال سمعت الأغر وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدث بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة".(3).
باب
ثواب من عمل سيئة فأتبعها حسنة
قال الله تعالى: { إن الحسنات يذهبن السيئات) (4).
عن أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن"(5).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (2763).
(2) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6308) ومسلم في كتاب التوبة برقم (2744).
(3) رواه مسلم برقم (2702) ، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه
(4) هود (114).
(5) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في الصحيحة (3/362) وصحح الجامع (97) والمشكاة (5083)، الترغيب (2655).(1/453)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته ثم عمل حسنة فانفكت حلقة ثم حسنة أخرى فانفكت أخرى حتى تخرج إلى الأرض"(1).
باب
ثواب العمل الصالح عند فساد الزمان
عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عبادة في الهرج كهجرة إلي"(2).
الهرج بإسكان الراء هو الاختلاف والفتن.
وعن أبي أمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة الخشني قال: قلت يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية { عليكم أنفسكم } قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً سألت عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ائتمروا بالمعروف وانتهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك ودع عنك العوام فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القابض على الجمر للعامل فيهن مل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله"(3).
وفي رواية أبي داود زاد فيها: "قيل يا رسول الله أجر خمسين رجلاً منا أو منهم قال: "بل أجر خمسين منكم".
باب
المداومة على العمل وإنْ قَلَّ
__________
(1) رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح، قال في المجمع (201-202): "رواه أحمد والطبراني وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح"، المشكاة (2375)، الترغيب (3157).
(2) رواه مسلم في كتاب الفتن برقم (2948)، والترمذي (2202) وقال "حديث حسن صحيح"، ورواه ابن ماجة وأحمد (5/25 و 27).
(3) رواه ابن ماجة والترمذي وقال: "حديث حسن"، وأبو داود، وصححه الألباني في الترغيب برقم (3172) والنقد (ص 27).(1/454)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصير وكان يحجره بالليل فيصلي عليه ويبسطه بالنهار فيجلس عليه فجعل الناس يثوبون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيصلون بصلاته حتى كثروا فأقبل عليهم فقال: "يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل".
يحجره: أي يتخذه حجرةً وناحيةً ينفرد عليه فيها.
يثوبون: أي يرجعون إليه ويجتمعون عنده.
وفي رواية: كان آل محمد إذا عملوا عملاً أثبتوه.
أثبتوه: أي لازموه وداوموا عليه، والظاهر أن المراد بالآل هنا أهل بيته وخواصه - صلى الله عليه وسلم - من أزواجه وقرابته ونحوهم.شرح النووي (6/72)
وفي رواية قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي الأعمال أحب إلى الله تعالى؟ قال "أدومه وإن قل".
وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمل الجنة وإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"(1).
وفي رواية للبخاري: "إن أحب الأعمال إلى الله الذي يدوم عليه صاحبه"(2).
ولمسلم: "إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته"(3).
باب
ثواب الفقر والفقراء والمستضعفين وفضلهم
عن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: قلت: أي لأبي الدرداء – ما لك لا تطلب كما يطلب فلان وفلان قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن وراءكم عقبة كؤوداً لا يجوزها المثقلون" فأنا أحب أن أتحقق لتلك العقبة"(4).
(الكؤود): بفتح الكاف وهمزة مضمومة هي العقبة الوعرة الصعبة.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5861) وفي كتاب الرقاق برقم (6464)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (782).
(2) في كتاب الرقاق برقم (6462).
(3) في كتاب صلاة المسافر برقم (782).
(4) رواه الطبراني بإسناد جيد والبزار بإسناد حسن.(1/455)
وعن أبي إسلام الأسود أنه قال لعمر بن عبد العزيز: سمعت ثوبان رضي الله عنه يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "حوضي ما بين عدن إلى عمان البلقاء ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وأوانيه عدد النجوم من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً وأولى الناس وروداً عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤوساً الدنس ثياباً الذين لا ينكحون المنعمات ولا يفتح لهم السدد" قال عمر: لكني قد نكحت المنعمات فاطمة بنت عبد الملك وفتحت لي السدد لا جرم لا أغسل رأسي حتى يشعث ولا ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ(1).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفاً"(2).
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء"(3)،
(الجد) بفتح الجيم هو الحظ والغنى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء"(4).
__________
(1) رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، قال في مجمع الزوائد (10/366) : "رواه البزار بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح"، والحديث صححه العلامة الألباني من حديث ثوبان كما في صحيح الجامع (3/3157).
(2) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (7388).
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق رقم (6547)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2736).(1/456)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: مر رجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لرجل عنده جالس: " ما رأيك في هذا " فقال: رجل من أشراف الناس هذا والله حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم مر رجل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما رأيك في هذا" فقال: يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين هذا حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يسمع لقوله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هذا خير من ملءِ الأرض مثل هذا"(1).
قوله: حري هو بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وتشديد الياء أي: حقيق وجدير.
وعن محمود بن لبيد ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اثنتان يكرههما ابن آدم الموت والموت خير من الفتنة ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب".(2)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "احتجت الجنة والنار فقالت النار في الجبارون والمتكبرون وقالت الجنة في ضعفاء المسلمين ومساكينهم فقضى الله بينهما إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء ولكليكما علي ملؤها".(3)
وعن حارثة بن وهب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيفٍ مُستضعف لو يُقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار قال: كل عتل جواظ متكبر".(4)
وفي رواية: "مستكبر".
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6447).
(2) رواه أحمد ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (427)، والصحيحة (813).
(3) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2847).
(4) رواه البخاري في كتاب التفسير برقم (4918)، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2853).(1/457)
العتل: بضم العين والتاء جميعاً وتشديد اللام هو الغليظ الجافي والجواظ بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة هو الجموع المنوع وقيل: الضخم المختال في مشيته وقيل القصير البطن.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أهل النار كل جعظري جواظ متكبر جماع مناع وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون".(1)
الجعظري: المنتفخ بما ليس عنده.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رب أشعث أغبر موضوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره".(2)
وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اللهم من آمن بك وشهد أني رسولك فحبب إليه لقاءك وسهل عليه قضاءك وقلل له من الدنيا ومن لم يؤمن بك ويشهد أني رسولك فلا تحبب إليه لقائك ولا تسهل عليه قضاءك وكثر عليه من الدنيا".(3)
وعن مصعب بن سعد قال: رأى سعد - رضي الله عنه - أن لَهٌ فضلاً على من دونه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هل تُنصرون وترزقون إلا بضعفائِكُم".(4)
باب
ثواب من زهد في الدنيا وأقبل على الله عز وجل
قال الله تعالى: { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين } .(5)
__________
(1) رواه أحمد والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم".
(2) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2622).
(3) رواه الطبراني وابن حبان ورواه ابن ماجة بنحوه من حديث عمرو بن غيلان الثقفي، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/286): "رواه الطبراني ورجاله ثقات"، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (1322)، والصحيحة.
(4) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2896).
(5) القصص (83).(1/458)
وقال تعالى: { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهوٌ وزينةٌ وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرةٌ من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } .(1)
وقال تعالى في قصة قارون: { فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظٍ عظيم، وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خيرٌ لمن ءامن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون } .(2)
والآيات في الباب كثيرة.
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: كنت أمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حرةٍ بالمدينة فاستقبلنا أُحدٌ فقال: "يا أبا ذر" قلت: لبيك يا رسول الله فقال: "ما يسرُني أن عندي مثل أُحدٍ هذا ذهباً تمضي علي ثلاثة أيام وعندي منه دينار إلا شيء أرصده لدينٍ إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله وعن خلفه" ثم سار فقال: "إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم" ثم قال لي: "مكانك لا تبرح حتى آتيك" ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى فسمعت صوتاً قد ارتفع فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأردت أن آتيه فذكرت قوله: "لا تبرح حتى آتيك" فلم أبرح حتى أتاني فقلت: لقد سمعت صوتاً تخوفت منه فذكرت له فقال: "وهل سمعته؟" قلت: نعم قال: "ذاك جبريل أتاني فقال: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة" قلت: وإن زنى وإن سرق قال: "وإن زنى وإن سرق".(3)
حرة: أرض ذات حجارة سوداء،
أُحُد: الجبل المعروف ويقع شمال المدينة النبوية.
أرصده: أعده وأحفظه.
__________
(1) الحديد (20).
(2) القصص (79-80).
(3) أخرجه البخاري (11/260 - 261فتح) وهذا لفظه، ومسلم برقم (94).(1/459)
إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة: المراد الإكثار من المال والإقلال من الثواب.
لا تبرح: لا تترك المكان.
توارى: غاب شخصه عن النظر فلم أعد أره.
عرض: تعرض له بسوء.
و لفظ لمسلم قال: انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال: "هم الأخسرون ورب الكعبة" قال: فجئت حتى جلستُ، فلم أتقار أن قمت فقلت: يا رسول الله! فداك أبي وأمي، من هم؟ قال: "هم الأكثرون مالاً، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا وهكذا -من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله- وقليلُ ما هم".(1) الحديث.
وعن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وسأله رجل فقال: ألست من فقراء المهاجرين فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم قال: ألك مسكن تسكته قال: نعم قال: فأنت من الأغنياء قال: فإن لي خادماً قال: فأنت من الملوك. (2)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً". وفي روية: "كفافاً".(4)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يتبع الميت ثلاث: أهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله".(5)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: لم يأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - خوانٍ حتى مات ولم يأكل خبزاً مرققاً حتى مات.
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الزكاة رقم (990).
(2) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2979).
(3) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (1054).
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6460) ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1055).
(5) رواه البخاري في الرقاق برقم (6514) ومسلم في كتاب الزهد برقم (2961).(1/460)
وفي رواية: ولا رأى شاةً سميطاً بعينه قط. (1)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النقي من حين ابتعثه الله تعالى حتى قبضه الله فقيل: هل كان لكم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناخل قال: ما رأى رسول الله منخلاً من حين ابتعثه الله تعالى حتى قبضه، فقيل: فكيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال كنا نطبخه وننفخه فيطير ما طار وما بقي ثريناه. (2)
النقي: هو الخبز الأبيض الحواري. ثريناه: أي بللناه وعجناه.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: ألستم في طعام وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيكم - صلى الله عليه وسلم - وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه.(3)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما طلعت الشمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان إنهما يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم فإن ما قل وكفى خيرهما كثر وألهى ولا غربت شمس قط إلا وبعث بجنبتيها ملكان يناديان اللهم عجل لمنفق خلفاً وعجل للممسك تلفاً".(4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6450).
(2) رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم (5413).
(3) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2977).
(4) رواه أحمد بإسناد صحيح وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، المستدرك (2/445) ولم يتعقبه الذهبي في التلخيص وقال في مجمع الزوائد (10/255): "رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط" وأحمد ورجال أحمد وبعض أسانيد الطبراني في الكبير رجال الصحيح"، وصححه العلامة الألباني في الصحيحة (443)، والمشكاة (5218)، الترغيب.(1/461)
وعن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال: "أزهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما أيدي الناس يحبك الناس".(1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من جعل الهم هماً واحداً كفاه الله هم دنياه ومن تشعبته الهموم لم يبال الله في أي أودية الدنيا هلك".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { من كان يريد حرث الآخرة فزد له في حرثه } الآية ثم قال: "يقول الله: ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإلا تفعل صدرك شغلاً ولم أسد فقرك".(3)
__________
(1) رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما، الصحيحة (942) وصحيح الجامع (1/935).
(2) رواه البيهقي وشيخه الحاكم المستدرك (4/329) وقال: "صحيح الإسناد"، وتعقبه الذهبي في "التلخيص" بقوله: "يحيى ضعفوه" وحسنه العلامة الألباني في سنن ابن ماجة برقم (4106).
(3) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن" (2466)، وابن ماجة (4107)، وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وأحمد في المسند (2/358)، الصحيحة (1359).(1/462)
وعن عمرو بن عوف الأنصاري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها فقدم بمالٍ من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم ابي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآهم ثم قال: "أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين" ثم قالوا: أجل يا رسول الله فقال: "أبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم".(1)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر وجلسنا حوله فقال: "إن مما أخاف عليكم ما يفتح الله عليكم من زهرة الدنيا وزينتها".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ما شبع آل محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - من طعام ثلاثة أيام تباعاً حتى قُبض.
وفي رواية: قال أبو حازم: رأيت أبا هريرة يشير بإصبعيه مراراً يقول: والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام تباعاً من خبز حنطةٍ حتى فارق الدنيا. (3)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمدٍ من خبز شعيرٍ يومين متتابعين حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجزية برقم (3158) ومسلم في كتاب الزهد برقم (2961).
(2) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1465) ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1052).
(3) رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم (5414) ومسلم في كتاب الزهد برقم (2976).
(4) رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم (5416)، ومسلم في كتاب الأطعمة برقم (2970).(1/463)
وفي رواية لمسلم قالت: لقد مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين. (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه مر بقومٍ بين ايديهم شاة مصلية فدعوه فأبى أن يأكل وقال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ولم يشبع من خبز الشعير. (2)
وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلةٍ في شهرين وما أوقد في ابيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار. قلت: يا خالة فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيران من الأنصار وكانت لهم منائح فكانوا يرسلون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ألبانها فيسقيناه. (3)
وعن عمر بن الحمق - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أحب الله عبداً عسله" قالوا ما عسله يا رسول قال: "يوفق له عملاً صالحاً بين يدي رجليه حتى يرضى عنه جيرانه أو قال: من حوله"(4).
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب الزهد رقم (2974).
(2) رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم (5414).
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6459)، ومسلم في كتاب الزهد (2972).
(4) رواه ابن حبان والحاكم وقال: "صحيح الإسناد" (1/340) ، وأحمد في المسند (4/200) من حديث ابن عنبة الخولاني مختلف في صحبته، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/214): "رواه أحمد والبزار والطبراني في "الأوسط" و "الكبير" ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح".(1/464)
وعن عمرو بن عوف الأنصاري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها فقدم بمالٍ من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم ابي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآهم ثم قال: "أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين"؟ قالوا: أجل يا رسول الله فقال: "أبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم"(1).
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر وجلسنا حوله فقال: "إن مما أخاف عليكم ما يفتح الله عليكم من زهرة الدنيا وزينتها"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ما شبع آل محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - من طعام ثلاثة أيام تباعاً حتى قُبض.
وفي روايةٍ: قال أبو حازم: رأيت أبا هريرة يشير بإصبعه مراراً يقول: والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام تباعاً من خبز حنطة حتى فارق الدنيا(3).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمدٍ من خبز شعيرٍ يومين متتابعين حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (4).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجزية برقم (3158)، ومسلم في كتاب الزهد برقم (2961).
(2) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1465)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1052).
(3) رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم (5414)، ومسلم في كتاب الزهد برقم (2976).
(4) رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم (5416)، ومسلم في كتاب الأطعمة برقم (2970).(1/465)
وفي روايةٍ لمسلم قالت: لقد مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه مر بقومٍ بين أيديهم شاة مصلية فدعوه فأبى أن يأكل وقال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير(2).
وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تقول: يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلةٍ في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار. قلت: يا خالة فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء إلا أنه قد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيران من الأنصار وكانت لهم منائح فكانوا يرسلون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ألبانها فيسقيناه(3).
وعن معاذ بن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ترك اللباس تواضعاً لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها"(4).
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه
له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك"(5).
(طمرين): الطمرة: بكسر الطاء هو الثوب الخلق.
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الزهد رقم (2974).
(2) رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم (5414).
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6459)، ومسلم في كتاب الزهد برقم (2972).
(4) أخرجه الترمذي (2481) وأحمد (3/438 و 439) والحاكم (4/183)،الصحيحة(718).
(5) رواه الترمذي (3854) وقال: "حديث حسن"، صحيح الجامع (4449).(1/466)
وعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في لبه وأتته الدنيا وهي راغبة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له"(1).
وعن أبي أمامة بن ثعلبة الأنصاري - رضي الله عنه - قال: ذكر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما عنده الدنيا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا تسمعون ألا تسمعون إن البذاذة من الإيمان"(2).
البذاذة: بفتح الباء الموحدة وذال معجمة مكررة: هو ترك الزينة ورثاثة الهيئة والرضا بالدون من الثياب.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لقد رأيتُ سبعينَ من أهل الصفةِ ما منهم رجلٌ عليه رداءٌ، إما إزارٌ وإما كِسَاءٌ قد رَبطُوا في أعناقهم منها ما يبلُغُ نصف الساقينِ، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعُهُ بيده كراهيةَ أن تُرى عَوْرتُه(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يقول العبد: مالي مالي وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو أعطى فأقنى وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس"(4).
__________
(1) رواه ابن ماجة بإسناد صحيح (4105) والطبراني وابن حبان، وصححه الألباني رحمه الله في الصحيحة برقم (950) من حيث زيد بن ثابت.
(2) رواه أبو داود برقم (4161) وابن ماجة برقم (4118)، السلسلة الصحيحة، صحيح الجامع (3/2876).
(3) رواه البخاري في كتاب الصلاة برقم (442).
(4) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2959).(1/467)
وعن عبد الله بن الشخير - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ { ألهاكم التكاثر } قال: "يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت"(1).
وعن جابرٍ - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بالسوق والناس على كنفتية فمد بجديٍ أسك ميت فتناوله بأذنه ثم قال: "أيكم يحب أن هذا له بدرهم"؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيءٍ وما نصنع به؟ قال: "أتحبون أنه لكم"؟ قالوا: والله لو كان حياً كان عيباً فيه لأنه أسك فكيف وهو ميت فقال: "والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم"(2).
الأسك: الصغير الأذن.
وعن المستورد أخي بني فهرٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم – وأشار يحيى بن يحيى بالسبابة فلينظر بم يرجع"(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبدٍ آخذٍ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرةٌ قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة وإن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع له"(4).
وعن النعمان قال: ذكر عمر ما أصاب الناس من الدنيا فقال: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظل اليوم يلتوي ما يجد من الدقل ما يملأ بطنه"(5).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2958).
(2) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2957).
(3) رواه مسلم في كتاب الجنة برقم (2858).
(4) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2887).
(5) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2978).(1/468)
وعن عائشة رضي الله عنها قال: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس عندي شيء يأكله ذو كبدٍ إلا شطرَ شعيرٍ في رَقٍّ لي، فأكلتُ منه حتى طالَ عليَّ، فكلته ففني(1).
باب
ثواب البكاء من خشية الله
قال الله تعالى: { وإذا سمعوا ما أنزل على الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق"(2).
وقال تعالى: { أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم ممن حملنا مع نوحٍ ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً"(3).
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عينان لا تمسهما النار عين باتت تحرس في سبيل الله وعين بكت من خشية الله"(4).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله"(5).
وفي رواية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "حرم على عينين أن تنالهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس الإسلام وأهله من الكفر"(6).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب فرض الخمس برقم (3097)،ومسلم في كتاب الزهد برقم(2973).
(2) المائدة (83).
(3) مريم (58).
(4) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/288): "رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط بنحوه ورجال أبي يعلى ثقات"، وصححه الشيخ الألباني كما في صحيح الجامع.
(5) رواه الترمذي وقال: حديث حسن ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، صحيح الجامع (4/3990 و 3991).
(6) رواه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه، صحيح الجامع (4/3992 و 3993).(1/469)
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم"(1).
يلج: يدخل.
يعود اللبن في الضرع: يرجع الحليب إلى الثدي من مسامه وهو مستحيل.
غبار في سبيل الله: جهاد أعداء الدين إرضاء لله تعالى.
وعن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس شيء أحب إلى الله تعالى من قطرتين وأثرين قطرة دموع من خشية الله وقطرة دم تهراق في سبيل الله وأما الأثران فأثر في سبيل الله تعالى وأثر في فريضةٍ من فرائض الله تعالى"(2).
أثر: ما بقي من الشيء دلالة عليه.
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة قال: "أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وأبك على خطيئتك"(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال: إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه"(4).
سبعة أي: سبعة أصناف من الناس.
يظلهم الله في ظله: في ظل عرشه، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ظل يخلقه الله عز وجل.
__________
(1) رواه الترمذي (1633 و 2311) والنسائي (6/12) وأحمد (2/505) والحاكم (4/260) والبغوي في شرح السنة (4/264) وابن ماجة (2774) وابن حبان (4607) والبخاري في الأدب المفرد (281)، المشكاة (3828).
(2) رواه الترمذي برقم (1669)، المشكاة (3837).
(3) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".
(4) سبق تخريجه.(1/470)
معلق بالمساجد: دلالة على شدة الحب لأماكن الذكر والصلاة فكأن قلبه قنديل معلق بسقفها لا يلبث أن يخرج منها حتى يعود إليها.
تفرقا عليه: بأجسادهما وأبدانهما لسفر أو موت وبقيا مجتمعين بأرواحهما على منهج الله تعالى.
1- الإمام العادل: هو الذي يعدل بين رعيته ويحكم شرع الله في شعبه وهذا أحب شيء إلى الله سبحانه وتعالى وهو رأس العدل لأن الله تعالى يقول: { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } . (1)
2- وشاب نشأ في عبادة الله: لأنه له أفكار واتجاهات كثيرة ولا يستقر على شيء فترك كل هذا لله تعالى.
3- ورجل قلبه معلق بالمساجد: يحب المساجد وهو مشغول بالصلاة إذا انتهت الصلاة انتظر الصلاة الأخرى وهو دائماً على ذلك.
4- رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه: أي أحب بعضهما بعضاً لا لمصلحة دنيوية ولا شيء من ذلك بل أحبه لله تعالى لأنه رآه مستقيماً يخشى الله ويعبد الله تعالى سواء كان قريبه أو صديقه أو غير ذلك فتكونت بينهما رابطة شرعية دينية وهي عبادة الله سبحانه وتعالى، فاجتمعوا على ذلك في الدنيا ولم يفرق بينهما إلا الموت فنتيجة هذا الحب أن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله نسأل الله أن نكون منهم.
5- ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله: رجل ذو شهوة وهو قادر على الجماع ويحب النساء وهي ذات منصب أي لا أحد يستطيع أن يؤذيه وهي كذلك ذات جمال فمنعه منها خوفه من الله تعالى فقال: إني أخاف الله، كما حصل لنبي الله يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز امتنع من الزنا مع قوة أسبابه.
6- ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه: فيه كمال الإخلاص لله تعالى لا يريد بذلك سمعة ولا مصلحة دنيوية ولا يرائي بهذه الصدقة بل يريد أن تكون هذه الصدقة بينه وبين الله سبحانه وتعالى.
__________
(1) سبق تخريجها.(1/471)
7- ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه: ذكر الله تعالى بقلبه وبلسانه في مكان خالي لا يراه فيه أحد فيرائي بهذا الذكر فقلبه معلق بالله عز وجل وترك الدنيا خلف ظهره.
وقال نعيم بن حماد: كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق يصير كأنه ثور منحور أو بقرة منحورة، من البكاء، لا يجترئ أحدٌ منا أن يسأله عن شيء إلا دفعه(1).
باب
باب ثواب ذكر الموت وقصر الأمل
عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - ، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ثلث الليل قام فقال: "يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه" قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: "ما شئت" قلت: الرُبُع؟ قال: "ما شئت فإن زدت فهو خير لك" قلت: فالثلثين؟ قال: "ما شئت فإن زدت فهو خير لك" قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: "إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك"(2).
الراجفة: النفخة الأولى.
الرادفة: النفخة الثانية.
من صلاتي: من دعائي.
تكفي همك: المتعلق بالدارين كما في الرواية المرسلة "يكفيك الله هم الدنيا وهم الآخرة".
الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الذكر المشروع المستحب والذي تطمئن به القلوب وتذهب الهموم والأحزان.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت"(3).
ورواه ابن حبان وزاد: "فإنه ما ذكره أحد في ضيق إلا وسعه، ولا ذكره في سعةٍ إلا ضيقها عليه"(4).
__________
(1) سير أعلام النبلاء (8/394).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه، وصححه الألباني في الترغيب (3333).
(4) المصدر السابق.(1/472)
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك(1).
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: خط النبي - صلى الله عليه وسلم - خطاً مربعاً وخط خطاً في الوسط خارجاً منه وخط خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط فقال: "هذا الإنسان وهذا أجله محيط به – أو قد أحاط به وهذا الذي هو خارج أمله وهذه الخطط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذه نهشه هذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا"(2).
الأعراض: جمع عَرَض بفتحتين، وهو ما يتنفع به في الدنيا في الخير وفي الشر.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطاً وقال: "هذا الإنسان وخط إلى جنبه خطاً وقال: "هذا أجله" وخط آخر بعيداً منه فقال: "هذا الأمل" فبينما هو كذلك إذ جاءه الأقرب"(3).
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك"(4).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا"(5).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6416).
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6417).
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6418).
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6488).
(5) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (118).(1/473)
قال النووي رحمه الله: "معنى الحديث، الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل لا المقمر، ووصف - صلى الله عليه وسلم - نوعاً من شدائد تلك الفتن، وهو أن يمسي مؤمناً ثم يصبح كافراً أو عكسه – شك الراوي – وهذا لعظم الفتن ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب والله أعلم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ،أن رسول الله قال - صلى الله عليه وسلم - :"بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان أو الدجال أو الدابة أو خاصة أحدكم أو أمر العامة"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنةً"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يتمنى أحدكم الموت إما محسناً فلعله يزداد وإما مسيئاً فلعله يستعتب"(3).
يستعتب أي: يسترخي الله بالإقلاع والاستغفار والإستعتاب، الإعتاب بالهمز للإزالة، أي يطلب إزالة العتاب.
وفي رواية لمسلم: "لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه وإنه إذا مات انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً"(4).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الفتن برقم (2947).
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6419).
(3) رواه البخاري في كتاب التمني برقم (7235) واللفظ له ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2682).
(4) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2682).(1/474)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا يتمنى أحدكم الموت لضرٍ نزل به فإن كان ولا بد فاعلاً فليقل اللهم أحيني ما دامت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي"(1).
باب
ثواب الخوف من الله عز وجل وخشيته والخوف من عقابه
قال الله تعالى: { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجاتٍ عند ربهم ومغفرةٍ ورزقٍ كريم"(2).
وقال تعالى: { إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون } (3).
وقال تعالى: { يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون } (4).
وقال تعالى: { يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله } (5).
وقال تعالى: { يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم
نفسُ ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون } (6).
والآيات في الباب كثيرة
__________
(1) رواه البخاري في كتاب المرض برقم (5671) وفي كتاب الدعوات برقم (6351)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2680).
(2) سورة الأنفال الآية (2-4).
(3) سورة المؤمنون (57-61)
(4) سورة النحل الآية (50).
(5) سورة النور الآية (37).
(6) سورة السجدة الآية (16-17).(1/475)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان رجل يُسرف على نفسه لما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً فلما مات فُعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك ففعلت فإذا هو قائم فقال: ما حملك على ما صنعت قال:خشيتك يا ربِّ أو قال مخافتك ، فغفر له"(1).
وفي رواية، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله إذا مت فحرقوني فحرقوه ثم ذروه نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين فلما مات الرجل فعلوا به ما أمرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه، ثم قال: لم فعلت هذا قال: من خشيتك يا ربِّ وأنت أعلم فغفرَ الله تعالى له"(2).
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن رجلاً كان قبلكم رغَسَهُ الله مالاً فقال لبنيه لما حُضِرَ أي أبٍ كنت لكم قالوا : خير أبٍ قال:
فإني لم أعمل خيراً قط فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصفٍ ففعلوا فجمعه الله فقال: ما حملك فقال: مخافتك فتلقاه برحمته(3).
قوله "رغسَه": بفتح الراء والغين المعجمة جميعاً وبالسين المهملة معناه: أكثر له منه وبارك له فيه.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" فذكرهم إلى أن قال" ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمالٍ فقال إني أخاف الله"(4).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7506) ومسلم في كتاب التوبة برقم (6914).
(2) المصدر السابق.
(3) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3478) ومسلم في كتاب التوبة برقم (2757).
(4) سبق تخريجه.(1/476)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" يقول الله عز وجل : إذا أراد عبدي أن يعمل سيئةً فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها بمثلها وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة"(1).
وفي لفظ لمسلم: "إن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من جراي"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد"(3).
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة ما سمعت مثلها قط فقال: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" فغطى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم لهم خنين"(4).
خنين: هو البكاء مع غنة بانتشار الصوت من الأنف.
وفي رواية: بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أصحابه شيء فخطب فقال: "عرضت علي الجنة والنار فلم أرَ كاليوم في الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" فما أتى على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أشد منه غطوا رؤوسهم ولهم خنين"(5).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزلة ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة"(6).
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (2755).
(4) رواه البخاري في كتاب التفسير برقم (4621) ومسلم في كتاب الفضائل برقم (2359).
(5) رواه مسلم في كتاب الفضائل برقم (2359).
(6) رواه الترمذي وقال : "حديث حسن" برقم (2450)، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (5/6098).(1/477)
"أدلج" : باسكان الدال أي سار من أول الليل، والمعنى أن من خاف الله تعالى شمر في طاعته وسار إليه عجلاً مع السابقين من السالكين فإذا مضى ليل المجاهدة وانفجر فجر الآخرة
عن عبد العزيز وهو ابن صهيب قال: سأل قتادة أنساً: أي دعوة كان يدعو بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر؟ قال:كان أكثر دعوةٍ يدعو بها يقول: " اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"قال: وكان أنس إذا أراد أن يدعو دعا بها(1).
وعن أبي ربعي بن حنظلة بن الربيع الأسيدي الكاتب أحد كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لقيني أبو بكر رضي الله عنه فقال: كيف أنت يا حنظلة ؟ قلت : نافق حنظلة ! قال:سبحان الله ما تقول؟ قلت: نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرنا بالجنة والنار كأنا نراها رأي العين فإذا خرجنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً قال أبو بكر رضي الله عنه فوالله لنلقى مثل هذا فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "وما ذاك" قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي العين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وطرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة" ثلاث مرات(2).
عافسنا : بالعين والسين المهملتين أي : عالجنا ولاعبنا.
والضيعات: المعايش.
وقوله: "لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم" أي لشده اليقين الذي عندكم تصافحكم الملائكة إكراماً وتثبيتاً .
(
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6781)، وأبو داود في كتاب الصلاة باب الاستغفار برقم (1519).
(2) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (2750).(1/478)
ساعة وساعة) ثلاث مرات: أي ساعة للرب عز وجل وساعة مع الأهل والأولاد وساعة للنفس حتى يُعطى الإنسان لنفسه راحتها ويعطي ذوي الحقوق حقوقهم لا كما يفهمها بعض الجهلة ساعة للرب عز وجل وساعة للمعاصي كما يقولون ساعة لربك وساعة لقلبك وهم في الحقيقة قد يقضون الساعتين في المعصية والله تعالى أعلم.
باب
ثواب اليقين والتوكل
قال الله تعالى: { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبُنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضلٍ عظيم } (1).
وقال تعالى: { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } (2). أي : كافيه.
وقال تعالى: { إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجاتُ عند ربهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريم } (3).
(وعلى ربهم يتوكلون) أي يفوضون أمورهم كلها إلى مالكهم ومدبرهم لا إلى أحد سواه.
عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، في قصة هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة قال:نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على روؤسنا فقلت : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا فقال: "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما"(4).
__________
(1) سورة آل عمران الآية (173-174).
(2) سورة الطلاق الآية (3).
(3) سورة الأنفال الآية (2-4).
(4) أخرجه البخاري في كتاب التفسير برقم (4663) ومسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (2381).(1/479)
وعن أبي عمارة البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يافلان إذا أويت إلى فراشك فقل : اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإنك إن مت من ليلتك مت على الفطرة وإن أصبحت أصبت خيراً"(1).
وفي رواية قال:" واجعلهن آخر ما تقول"
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لو أنكم تتوكلون على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً"(2).
" حق توكله" أي : توكلاً حقيقياً تعتمدون على الله تعالى اعتماداً كاملاً في طلب رزقكم وغيره.
"تغدو خماصاً " الغدو : الذهاب في أول النهار، وخماصاً : جائعة ليس في بطونها شيء لكنها متوكلة على ربها عز وجل.
" وتروح بطاناً" : أي ترجع في آخر النهار والرواح هو آخر النهار.
وبطاناً : أي ممتلئة البطون من رزق الله عز وجل.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6313 و6315) وفي كتاب الوضوء برقم (247)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2710).
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الزهد برقم (2344) وابن ماجه في كتاب الزهد برقم (4164) وأحمد في المسند (1/30، 52) والحاكم في المستدرك (4/318) وقال : "حسن صحيح ولم يخرجاه" ،وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع برقم (5254).(1/480)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : " عُرضت علي الأُمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أُمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي :أنظر إلى الأفق الآخر فإذا سواء عظيم فقيل لي : هذه أُمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب" فقال: بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئاً وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما الذي تخوضون فيه؟ " فأخبروه فقال: " هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون"
فقال عكاشة بن محصن : فقال : ادع الله أن يجعلني منهم فقال "أنت منهم" ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم فقال: "سبقك بها عكاشة"(1).
(الرهيط): بضم الراء تصغير رهط وهم دون عشرة أنفس.
(الأفق) : الناحية .
(لا يرقون): هذه الكلمة أنكرها شيخ الإسلام ابن تيمية كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح(11/416) ، وهي كلمة غير صحيحة لأن معناها لا يقرؤون على المرضى وهذا باطل بينما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرقي المرضى، والقراءة على المريض ممدوحة وهي من الإحسان.
(لا يسترقون) أي: لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم إذا أصابهم شيء وهو من كمال الإيمان
(لا يكتوون) أي: لا يطلبون من أحد أن يكويهم إذا مرضوا.
(لا يتطيرون) أي: لا يتشاءمون.
( وعلى ربهم يتوكلون) أي: يعتمدون عليه وحده سبحانه وتعالى.
باب
ثواب من رزق كفافاً فقنع وصبر وتعفف
ولم يسأل أحداً ثقة بالله وتوكلاً عليه.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6541)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (220)(1/481)
قال الله تعالى: { للفقراء الذين أُحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً وما تنفقوا من خيرٍ فإن الله به عليم } (1).
وقال تعالى: { فلنحيينه حياةً طيبة } (2).
وروي عن ابن عباس : أنها القناعة .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه"(3).
وعن فضالة بن عبد الله - رضي الله عنه - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "طوبى لمن هُدي للإسلام وكان عيشه كفافاً وقنع"(4).
(الكفاف) من الرزق: ما كفَّ عن الحاجة و السؤال مع القناعة لا يزيد على قدر الحاجة والضرورة.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس"(5).
وعن حكيم بن حزام قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة ، ما كان عن ظهر غنى ومن يستعفف يُعفه الله ومن يستغني يغنه الله"(6).
اليد العليا: اليد المنفقة المعطية التي لا تمحق.
اليد السفلى : اليد السائلة .
خير الصدقة : أفضل ما أخرجه المسلم.
ظهر غنى : غير احتياج إليها بعد أن يستغني منه قدر الكفاية لأهله وعياله أو يرصده لسداد الدين.
يستعفف : يطلب من الله العفة وهي : الكف عن الحرام .
يعفه الله : يقنع بما قسم الله له .
يستغني : يقنع بما قسم الله له .
__________
(1) سورة البقرة الآية (273).
(2) سورة النحل الآية (97).
(3) رواه مسلم .
(4) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح" والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (830)
(5) رواه البخاري ومسلم.
(6) رواه البخاري (3/294فتح) ومسلم.(1/482)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال، وهو على المنبر وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة: "اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى واليد العليا هي المتعففة والسفلى هي السائلة"(1).
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى إذا نفد ما عنده قال: " ما يكون عندي من خيرٍ فلن أدخره عنكم ومن استعف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطى الله أحداً عطاءً هو خير وأوسع من الصبر"(2)
باب
ثواب من رجا الله وأحسن الظن به
قال الله تعالى: { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم } (3).
وقال تعالى: { يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفسٌ ما أُخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون } (4).
وقال تعالى: { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارةً لن تبور ليوفيهم أُجورهم من فضله } (5).
وقال تعالى: { أمن هو قانتٌ آناء الليل ساجداً وقائماًُ يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب } (6).
تقدم حديث الثلاثة نفر الذين آووا إلى الغار فدعوا الله بصالح أعمالهم.
__________
(1) رواه البخاري في الزكاة برقم (1429) ومسلم في كتاب الزكاة برقم (2382).
(2) رواه البخاري (1469) وأخرجه في كتاب الرقاق (6470) ومسلم في كتاب الزكاة برقم (2421).
(3) سورة البقرة الآية (218).
(4) سورة السجدة الآية (16-17).
(5) سورة فاطر الآية (29).
(6) سورة الزمر الآية(9).(1/483)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة"(1).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يقول الله عز وجل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة سيئة مثلها أو أغفر ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئاً لقيته بمثلها مغفرة(2).
(قراب الأرض) ملئ الأرض
الباع : طول ذراعي الإنسان وعضده وعرض صدره.
وعن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على شاب وهو في الموت فقال: "كيف تجدك" قال: أرجو الله يا رسول الله وإني أخاف ذنوبي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يجتمعان في قلب عبد مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف".(3)
وعنه أيضا، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني".(4)
__________
(1) رواه الترمذي (3540) وحسنه الألباني في الصحيحة (127) وصحيح الجامع (4/4214).
(2) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6774).
(3) رواه ابن ماجة برقم (4261) والترمذي برقم (983) وقال: "هذا حديث حسن غريب"، وحسنه الألباني رحمه الله في الصحيحة.
(4) رواه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7405)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6773).(1/484)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل موته بثلاثة أيام يقول: "لا يموت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل".(1)
قال الإمام النووي : قال العلماء : معنى حسن الظن بالله تعالى: أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه.شرح مسلم (6/183)
أبواب الجنائز
وما يتقدمها
قال الله تعالى: { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } (2).
باب
ثواب من سأل الله العفو والعافية
عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه، أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! كيف أقولُ حيث أسألُ ربِّي؟ قال: "قل: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني" -ويَجمَعُ أصابِعَهُ إلا الإبهام – "فإن هؤلاءِ تَجمَعُ لك دنياكَ وآخرَتُكَ"(3).
باب
ثواب من أحب لقاء الله تعالى
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه"(4).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنة برقم (2877)، وأبو داود برقم (3113) وأحمد برقم (13711) ، وابن ماجة برقم (4167).
(2) سورة آل عمران (185).
(3) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2697).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6507) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6761).(1/485)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" فقلت: يا نبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت قال: "ليس ذلك ولكن المؤمن إذا بشر برحمةِ الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله عز وجل: إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه وإذا كره لقائي كرهت لقاءه"(2).
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن شئتم أنبأتكم ما أول ما يقول الله عز وجل للمؤمنين يوم القيامة؟ وما أول ما يقولون له؟" قلنا: نعم يا رسول الله. قال: "إن الله عز وجل يقول للمؤمنين هل أحببتم لقائي فيقولون: نعم يا ربنا فيقول: لم فيقولون: رجونا عفوك ومغفرتك فيقول قد وجبت لكم مغفرتي"(3)
باب
كلمات يقولهن من آلمه شيء من جسده
عن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - ، أنه شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعاً يَجدُهُ في جسده منذ أسلمَ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ضع يَدَكَ على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثاً وقلْ سبعَ مرات: أعوذ بالله وقدرتِهِ من شَرِّ ما أجِدُ وأحاذِرُ(4).
باب
الحجامة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6507) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6763).
(2) أخرجه البخاري ومسلم في كتاب الذكر والدعاء.
(3) أخرجه أحمد بإسناده عن معاذ، المشكاة (1606).
(4) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2202)، وأحمد في مسنده (4/21 و 217).(1/486)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يقول "إنْ كانَ في شيء من أدويتِكُم خَيرٌ، ففي شرطة محجم، أو شَرْبةٍ من عَسَل، أو لَذعَةٍ بنارٍ وما أُحِبُّ أنْ أكْتَوِي"(1).
باب
ثواب المرض والسقم والبلاء
عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" إذا اشتكى المؤمن أخلصه الله من الذنوب كما يخلص الكير من خبث الحديد" (2).
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال :قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً"(3).
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " مامن أحدٍ من الناس يصاب ببلاء في جسده إلا أمر الله عز وجل الملائكة الذين يحفظونه قال: اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ماكان في وثاقي"(4).
وفي رواية قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن العبد إذا كان طريقةٍ حسنةٍ من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به اكتب له مثل عمله إذا كان طليقاً حتى أُطلقه أو أُكفته إلي"(5). أكفته: أضمه إلي و أقبضه .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "وصب المؤمن كفارة لخطاياه"(6).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الطب برقم (5683) ومسلم في كتاب السلام برقم (2205).
(2) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات والطبراني وابن ماجه، السلسلة الصحيحة (1257)، صحيح الجامع (341).
(3) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2996).
(4) رواه أحمد في المسند (2/203)والحاكم بنحوه وقا ل: صحيح على شرط البخاري ومسلم.
(5) المصدر السابق.
(6) رواه ابن أبي الدنيا والحاكم في المستدرك (1/347) و قال: "صحيح الإسناد" ، صحيح الجامع رقم (6986) .(1/487)
وعنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "إن الله ليبتلي عبده بالسقم حتى يكفر ذلك عنه كل ذنب"(1).
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من عبد يصرع صرعة من مرض إلا بعثه الله منها طاهراً"(2).
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إذا ابتلى الله عز وجل العبد المسلم ببلاء في جسده قال الله عز وجل للملك :" اكتب له صالح عمله الذي كان
يعمل وإن شفاءه غسله وطهره وإن قبضه غفر له ورحمه"(3).
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها"(4).
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ومن يتصبر يصبره الله وما أُعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر"(5).
وعن صهيب الرومي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"عجباً لأمر المؤمن إن أمر كله خير وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له"(6).
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك (1/328) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
(2) رواه ابن أبي الدنيا والطبراني بإسناد جيد وهو في صحيح الجامع (5/6519).
(3) رواه أحمد في المسند (3/258) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع(256).
(4) سبق تخريجه.
(5) سبق تخريجه.
(6) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2999).(1/488)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الرياح تفيئه ولا يزال المؤمن يصيبه بلاءٌ ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد"(1).
تستحصد أي : لا تتغير حتى تنقلع مرة واحدة كالزرع الذي انتهى يبسه
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" من يرد الله به خيراً يصب منه"(2).
يصب منه : أي يوجه إليه مصيبة ويصيبه ببلاء.
وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، أنه قال : يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية : { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به } الآية، وكل شيء عملناه جزينا به فقال: "غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض ألست تصيبك اللأواء " قال قلت: بلى قال: "هو ما تجزون به"(3).
ورواه الحاكم وفيه: "قال غفر الله لك يا أبا بكر قاله ثلاثاً، يا أبا بكر ألست تمرض ألست تحزن ألست تنصب ألست تصيبك اللأواء؟"(4).
اللأواء : هي شدة الضيق .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :قال الله تعالى :"إذا ابتليت عبدي المؤمن فلم يشكني إلى عواده أطلقته من إساري ثم أبدلته لحماً خيراً من لحمه ودماً خيراً من دمه ثم يستأنف العمل"(5).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب صفات المنافقين برقم (2809)
(2) رواه البخاري في كتاب المرض برقم (5645)
(3) رواه ابن حبان
(4) رواه الحاكم في المستدرك (3/74) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وقال الذهبي في التلخيص: "صحيح".
(5) رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم" المستدرك (1/348-349) وقال الذهبي على شرطهما وفيه : ولم يشكني بدل فلم يشكي .(1/489)
وعن أسد بن كرز - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "المريض تحات خطاياه كما يتحات ورق الشجر"(1).
وعن أم العلاء وهي عمة حكيم بن حزام وكانت من المبايعات رضي الله عنها قالت: عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مريضة فقال: "يا أم العلاء أبشري فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الحديد والفضة(2).
وفي رواية : الذهب بدلا من الحديد .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عنهما ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "لا
يمرض مؤمن ولا مؤمنة ولا مسلم ولا مسلمة إلا حط الله عنه بها خطيئته" (3).
ورواه ابن حبان إلا أنه قال: "إلا حط الله بذلك خطاياه كما تنحط الورقة عن الشجرة".
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ،أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها "(4).
وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الريح تصرعها مرة وتعدلها أخرى حتى تهيج".
وفي رواية : "حتى تأتيه أجله" ومثل الكافر كمثل الأرزة المجذية على أصلها لا يصيبها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة" (5).
الأرزة: شجرة الصنوبر، وقيل الذكر خاصة.
المجذية : الثابتة المنتصبة .
__________
(1) رواه ابن أبي الدنيا بإسناد حسن، قال الهيثمي في المجمع (2/301): "رواه أحمد والطبراني في الكبير وإسناده حسن".
(2) رواه أبو داود، صحيح الجامع (6/7728).
(3) رواه أحمد والبزار، قال في مجمع الزوائد (2/301): "رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح".
(4) رواه البخاري في كتاب المرض برقم (5660) ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب برقم(6511).
(5) رواه مسلم في كتاب صفات المنافقين برقم (2810).(1/490)
الإنجعاف : الإنقلاع، قال أبو عبيد: "والمعنى فيما نرى أنه شبه المؤمن بالخامة التي تميلها الريح لأنه مرزأ في نفسه وأهله وماله وولده، وأما الكافر فمثل الأرزة التي لا تميلها الريح، والكافر لا يرزأ شيئا حتى يموت فإن رزئ لا يؤجر عليه، فشبه موته بإنجعاف تلك حتى يلقى الله بذنوبه جمة. أ.هـ(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء أو قال بماء زمزم" (2).
وعن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرُضت في الدنيا بالمقاريض"(3).
وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال: "مالك يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين" قالت: الحمى لا بارك الله فيها فقال: "لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد"(4).
تزفزفين : ترعدين
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط"(5).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها "(6).
__________
(1) غريب الحديث للقاسم بن سلام (1/117 و 118).
(2) رواه البخاري في بدء الخلق برقم (3261).
(3) رواه ابن أبي الدنيا والترمذي ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (8029).
(4) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6515).
(5) رواه ابن ماجه والترمذي وقال: "حديث حسن"، وحسنه الألباني في الصحيحة برقم (146).
(6) رواه أبو يعلى وابن حبان ، وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (1621) ، وصحيح الترغيب (3408) .(1/491)
وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة فقلت: بلى قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي قال: "إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك "فقالت: أصبر فقالت: إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها"(1).
أتكشف : من التكشف، والمراد أنها خشيت، تظهر عورتها وهي لا تشعر. فتح الباري (10/115)
وعن أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه"(2).
ورواية مسلم: "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته".
النصب : التعب
الوصب : المرض
وعن محمود بن لبيدة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أحبَّ الله قوماً ابتلاهم فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع"(3).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله عنه بها حتى الشوكة يشاكها"(4).
وفي رواية لمسلم: "لا تصيب المؤمن شوكة فما فوقها إلا نقص الله بها من خطيئته".
وفي رواية أخرى: "إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة" (5).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب المرض برقم (5652)ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2576).
(2) رواه البخاري في كتاب المرض برقم (5641 و 2642) ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2573).
(3) رواه أحمد في مسنده (5/428، 429)، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع(282).
(4) رواه البخاري في كتاب المرض برقم (5640)، ومسلم في كتاب البر والصلة (6514).
(5) في كتاب البر والصلة برقم (6508).(1/492)
وفي رواية: دخل شباب من قريش على عائشة رضي الله عنها وهي بمنى وهم يضحكون فقالت: ما يضحككم قالوا: فلان خرّ على طنب فسطاط وكادت عنقه أو عينه تذهب فقالت: لا تضحكوا فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:" ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتب الله له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة" (1).
وعن معاوية - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه إلا كفر الله عنه به من سيئاته" (2).
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "وصب المؤمن كفارة لخطاياه"(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما نزلت { من يعمل سوءً يجزَ به } بلغت من المسلمين مبلغاً شديداً فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قاربوا وسدووا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها أو الشوكة يشاكها"(4)
(قاربوا) أي : اقتصدوا فلا تغلوا ولا تقصروا بل توسطوا.
(سددوا) أي : اقصدوا السداد وهو الصواب.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فمسسته فقلت: يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً فقال: "أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم" قلت: ذلك بأن لكم
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6506)
(2) رواه أحمد ، وقال في مجمع الزوائد (2/301): "رواه أحمد والطبراني في "الكبير" و" الأوسط" وفيه قصة ورجال أحمد ورجال الصحيح" وقال الألباني رحمه الله صحيح، صحيح الجامع(5600).
(3) رواه ابن أبي الدنيا والحاكم في المستدرك برقم (1/347) وقال: "صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي في التلخيص، وصححه العلامة الألباني رحمه الله، صحيح الجامع (6986).
(4) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6514).(1/493)
أجرين قال: "نعم ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فيما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها".(1)
وعن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما مثل العبد المؤمن حين يصيبه الوعك أو الحمى كحديدة تدخل النار فيذهب خبثها ويبقى طيبها"(2)
وعن شهر بن حوشب، عن أبي ريحانة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الحمى من فيح جهنم وهي نصيب المؤمن من النار".(3)
باب
ثواب من عاد مريضاً
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادةُ المريض، واتباعُ الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطِس".(4)
التشميت : التبريك ، والعرب تقول "شمتَّه" إذا دعا له بالبركة، وشمَّت عليه إذا برَّك عليه. ويقال: التسميت، بالسين المهملة. وبالمعجمة أعلى، وهو الدعاء للعاطس وهو قولك: يرحمك الله.
عن ثوبان - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن المسلم إذا عادَ أخاه المسلم لم يزل في خرفةٍ الجنة حتى يرفع" قيل: يا رسول الله وما خرفة الجنة؟ قال: "جناها".(5)
الخرمة : جنى الجنة وهو ما يجتنى من الثمر.
عيادة المريض من الطاعات التي تقرب من الجنة وتباعد من النار.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب المرض برقم (5648) ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2571).
(2) رواه الحاكم في المستدرك (1/348) وقال: (هذا حديث صحيح الإسناد رواته مدنيون ومصريون ولم يخرجاه) وقال الذهبي في التلخيص صحيح، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (1714).
(3) رواه الطبراني وإسناده حسن وصححه الألباني في صحيح الجامع (3/3185).
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6498).(1/494)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال: أما علمت أن عبدي فلاناً فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده، يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلاناً فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، ابن آدم استقيتك فلم تسقني قال: يا رب أسقيك وأنت رب العالمين قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما علمت أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي".(1)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من عاد مريضاً ناداه منادٍ من السماء طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً".(2)
ورواه ابن حبان إلا أنه قال : "إذا عاد الرجل أخاه أو زاره قال الله تعالى: طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً".
وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من مسلم يعود مسلماً غدوةً إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن عاده عشيةً إلا صلى عليه سبعون ألف ملكٍ حتى يصبح وكان خريفٌ في الجنة".(3)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة: من عاد مريضاً وشهد جنازة وصام يوماً وراح إلى الجمعة وأعتق رقبة".(4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6500).
(2) رواه الترمذي (969) وقال: "حديث حسن" وأبو داود (3098 و 3099) وابن ماجة (1442)، الصحيحة (1367).
(3) رواه الترمذي (969) وقال: "حديث حسن"، وأبو داود (3098 و 3099) وابن ماجة (1442)، الصحيحة (1367).
(4) رواه ابن حبان، الصحيحة (1023)، الترغيب (3496 و 3470) وقال: "صحيح".(1/495)
وعنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عودوا المريض واتبعوا الجنائز تذكركم الآخرة".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أصبح منكم اليوم صائماً" فقال أبو بكر - رضي الله عنه - أنا فقال: "من أطعم منكم اليوم مسكيناً" قال أبو بكر - رضي الله عنه - أنا فقال: "من تبع منكم اليوم جنازة" فقال أبو بكر - رضي الله عنه - أنا قال: "من عاد منكم اليوم مريضاً" قال أبو بكر رضي الله عنه أنا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجلٍ إلا دخل الجنة".(2)
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " خمس من فعل واحدة منهن كان ضامناً على الله عز وجل من عاد مريضاً أو خرج مع جنازة أو خرج غازياً أو دخل على إمام يريد تعزيره وتوقيره أو قعد في بيته فسلم الناس منه وسلم من الناس".(3)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من عاد مريضاً لم يزل يخوض في الرحمة حتى يجلس فإذا جلس اغتمس فيها".(4)
__________
(1) رواه أحمد وابن حبان قال في مجمع الزوائد (3/29): "رواه أحمد والبزار ورجاله ثقات"، وفيه : "وامشوا مع الجنائز" ، الصحيحة (1981)، والجنائز (66 و 67).
(2) رواه ابن حبان، الجنائز (ص 69)، الترغيب (3473)، ورواه الإمام مسلم بنحوه.
(3) رواه أحمد والطبراني وابن خزيمة وابن حبان قال في مجمع الزوائد (2/299): "رواه الطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة وفيه كلام وبقية رجاله ثقات وله طرق"، السنة (1021، 1022) صحيح الجامع (3253).
(4) رواه أحمد بإسناد صحيح والبزار وابن حبان، قال في المجمع (2/297): "رواه أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح"، السلسلة الصحيحة (4/189، 191، 563) المشكاة (1581).(1/496)
وفي رواية:"من عاد مريضاً خاض في الرحمة، حتى إذا قعد استقر فيها".صحيح الأدب الأدب المفرد
وعن علي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا عاد المسلم أخاه مشى في خرافة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة وما من رجل يعود مريضاً ممسياً إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي".(1)
وفي رواية: "إذا عاد الرجل أخاهُ المسلم، مشى في خرافة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف حتى يمسي، وإن كان عشياً صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يُصبح".(2)
قوله: "في خرافة الجنة" بكسر الخاء أي أحشاء ثمر الجنة شبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما يحوزه المخترف من الثمر والله أعلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عند سبع مرات أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض".(3)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا ترد دعوة المريض حتى يبرأ".(4)
__________
(1) رواه أحمد وابن ماجة مرفوعاً هكذا وابو داود موقوفاً باختصار وزاد فيه: "وكان له خريف في الجنة"، ورواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم"، الصحيحة (1367).
(2) رواه أحمد، وابو يعلى، والبيهقي في سننه عن علي، وكذا رواه أبو داود والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (682).
(3) رواه أبو داود والترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري"، المشكاة (1553)، الكلم (149).
(4) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات.(1/497)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من امريء مسلم يعود مسلماً إلا ابتعث الله سبعين ألف ملك، يصلون عليه في أي ساعات النهار كان حتى يمسي وأي ساعات الليل كان حتى يصبح".(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من رجل يعود مريضاً ممسياً إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح ومن أتاه مصبحاً خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون حتى يمسي وكان له خريف في الجنة".(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى أخاه المسلم عائداً مثنى في خرافة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح".(3)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا دخلت على مريض فمره أن يدعوا له فإن دعاءه كدعاء الملائكة".(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا لم يصبه ذلك البلاء".(5)
باب
ما يقول إذا رأى مبتلى بمرض أو غيره
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من رأى صاحب بلاء فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، إلا عوفي من ذلك البلاء كائناً ما كان ما عاش".
وفي رواية: "لم يصبه ذلك البلاء".(6)
__________
(1) رواه ابن حبان عن علي، صحيح الجامع (5563)، وصحيح الترغيب (3476).
(2) رواه أبو داود والحاكم عن علي، صحيح الجامع (5593)، وصحيح الترغيب (3476).
(3) رواه ابن ماجة والحاكم عن علي، صحيح الجامع (5810).
(4) رواه ابن ماجة وإسناده جيد إلا أن فيه انقطاعاً، المشكاة (1588).
(5) رواه الترمذي، المشكاة (3668)، الإرواء (2453).
(6) صحيح الترمذي (2728) والصحيحة (602)، وصحيح الترغيب (3392).(1/498)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: ينبغي أن يقول هذا الذكر سراً بحيث يسمع نفسه ولا يسمعه المبتلي لئلا يتألم قلبه بذلك إلا أن تكون بليته معصية فلا بأس أن يسمعه ذلك إن لم يخف من ذلك مفسدة والله أعلم. أ. هـ.الأذكار ( ص 48)
وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الحمى حظ كل مؤمن من النار"(1)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" الحمى كير من جهنم فما أصاب المؤمن منها كان حظه من جهنم"(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله عز وجل قال: "إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منها الجنة يريد عينيه"(3)
باب
ثواب من عاد مريضاً
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادَةُ المرِيض، واتباعُ الجنائز، وإجابَةُ الدعوة، وتشميت العاطِس".(4)
باب
ثواب الرقى وفضلها وما يقال عند المريض من الدعاء ونحوه
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رقى لديغاً بفاتحة الكتاب فجعل يتفل عليه ويقرأ " الحمد لله رب العالمين " فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قَلَبة(5)... الحديث
__________
(1) رواه البزار بإسناد حسن، السلسلة الصحيحة (4/1821) وصحيح الجامع (3/3182).
(2) قال في المجمع (2/305): "رواه أحمد والطبراني في الكبير وفيه أبو حصين الفلسطيني ولم أرَ له غير محمد بن مطرف" وحسنه الألباني في صحيح الجامع(3/3183) والسلسة الصحيحة (4/1822).
(3) رواه البخاري في كتاب المرض برقم (5653)
(4) سبق تخريجه.
(5) أخرجه البخاري في كتاب الإجارة برقم (2276) وفي كتاب الطب برقم (5749)، ومسلم في كتاب السلام برقم (5697).(1/499)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من عاد مريضا لم يحضر أجَلَهُ فقال عنده، سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ويعافيك إلا عافاه الله تعالى".(1)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أعرابي يعوده، قال وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل على مريض يعوده قال: "لا بأس، طهورٌ إن شاء الله. فقال له: لا بأس طهور إن شاء الله. قال: قلت طهورٌ؟ كلا، بل هي حمى تفور –أو تثور– على شيخٍ كبيرٍ، تُزيره القبور. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فنعم إذاً"(2)
قوله "لا بأس" أي : أن المرض يكفر الخطايا ، فإن حصلت العافية فقد حصلت الفائدتان ، وإلا حصل ربح التكفي .
وقوله :"طهور" قال ابن حجر : هو خبر مبتدأ محذوف أي هو طهور لك من ذنوبك أي مطهرة. فتح (10/124)
وفي حديث سعد بن أبي وقاص ، عندما عاده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه، وفيه: "ثم وضع يده على جبهته، ثم مسح يده على وجهي وبطني، ثم قال: اللهم اشف سعدا... الحديث".
وعند مسلم: "اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعداً ثلاث مرات".(3)
قال ابن الجوزي: وفي قوله "اللهم اشف سعدا" دليل على استحباب الدعاء للمريض بالعافية".(4)
وعن عائشة رضي الله عنها، "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتى مريضاً أو أُتي به إليه قال: "أذهب البأس، رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما".
__________
(1) أخرجه أبو داود برقم (3106) والترمذي (2083) والحاكم (1/342) من طريق يزيد أبو خالد عن المنهال بن عمرو عن سعيد عن ابن عباس وذكره، المشكاة (1553) والكلم (149).
(2) رواه البخاري برقم (3616).
(3) رواه البخاري برقم (5659) ومسلم برقم (1628).
(4) كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/233) رقم (164).(1/500)
وعند مسلم : "كان إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه ثم قال : اذهب الباس رب الناس".. الحديث(1)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، "أن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد اشتكيت؟ فقال: نعم . قال :بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك "(2)
وعن عائشة رضي الله عنها : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول للمريض بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا ".
ولفظ مسلم : "أن رسول الله كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه، أو كانت به قرحةٌ أو جرح ". قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بإصبعه هكذا ووضع سفيان سبابته على الأرض ثم
رفعها " بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا . ليُشفى سقيمنا. بإذن ربنا "(3)
قال النووي : ومعنى الحديث : أنه يأخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة، ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شيء فيمسح به على الموضع الجريح أو العليل ويقول هذا الكلام في حال المسح والله أعلم أ. هـ(4)
باب
ثواب الصبر على البلاء
قال الله تعالى: { وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } .(5)
وقال تعالى: { والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرؤون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } .(6)
__________
(1) رواه البخاري برقم (5675) ومسلم برقم (2191).
(2) رواه مسلم برقم (2186)، وأحمد برقم (1140)، والترمذي برقم (972)، وابن ماجة برقم (3523).
(3) رواه البخاري برقم (5745) ومسلم برقم (2194).
(4) شرح مسلم (14/151).
(5) البقرة الآية (155-157).
(6) الرعد الآية (22-24).(2/1)
وقال تعالى: { وبشر المخبتين الذين إذا ذكرا لله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم } .(1)
وقال تعالى: { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفاً تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا على ربهم يتوكلون } .(2)
وقال تعالى { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } (3)
وقال تعالى { ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } (4)
الصبر لغة : الحبس
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "الصبر شرعاً هو: حبس النفس على ثلاثة أمور :
الأول : طاعة الله
والثاني : عن محارم الله
والثالث : على أقدار الله المؤلمة
فهذه أنواع الصبر التي ذكرها أهل العلم .أ.هـ.شرح رياض الصالحين (1/119)
وقال حفظه الله: الإنسان عند حلول المصيبة له أربع حالات:
الحالة الأولى : أن يتسخط
والحالة الثانية : أن يصبر
والحالة الثالثة : أن يرضى
والحالة الرابعة : أن يشكر
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ومن يتصبر يصبره الله وما أُعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر"(5)
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: وأما من وفقه الله تعالى للصبر عند وجود هذه المصائب فحبس نفسه عن التسخط قولاً وفعلاً واحتسب أجرها عند الله وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له ، بل المصيبة تكون نعمة في حقه لأنها صارت طريقاً لحصول ما هو خير له وأنفع منها فقد امتثل أمر الله وفاز بالثواب.
فلهذا قال الله تعالى : { وبشر الصابرين } .
__________
(1) الحج الآية (34-35).
(2) العنكبوت الآية (58-59).
(3) الزمر الآية (10).
(4) العنكبوت الآية (1-3).
(5) رواه البخاري ومسلم.(2/2)
أي بشرهم بأنهم يوفون أجورهم بغير حساب فالصابرين هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة والمنحة الجسيمة .أ.هـ . تيسير الكريم الرحمن (1-100)
قال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي ، فإنها أعظم المصائب"(1)
وقال عليه الصلاة والسلام :" إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده ثم صبّره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى "(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما رزق عبد خيراً له ولا أوسع من الصبر"(3)
وعنه - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاءً إذا قبضت صفيهُ من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة "(4)
قال الله تعالى: { ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليماً حكيماً } (5)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله عز وجل قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منها الجنة"(6) يريد عينيه
__________
(1) رواه ابن سعد، وصححه الألباني.
(2) رواه أبو داود، وصححه الألباني.
(3) رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم"، وقال الحاكم في المستدرك (2/414): "قد اتفق الشيخان على إخراج هذه اللفظة ..." ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (3396).
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6424).
(5) النساء (104).
(6) أخرجه البخاري في كتاب المرض برقم (5653).(2/3)
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته قبضتم عبدي؟ فيقولون: نعم فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون: نعم فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد"(1)
وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفرا لله بها من خطاياه"(2)
الوصب : المرض .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" من يرد الله به خيراً يصب منه"(3)
وعن صهيب الرومي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك إلا للمؤمن إذا أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإذا أصابته ضراء صبر فكان خيراً له "(4)
وعن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات "(5)
__________
(1) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، صحيح الجامع (807).
(2) أخرجه البخاري في كتاب المرض برقم(5641)،ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2753).
(3) أخرجه البخاري في كتاب المرض برقم (5645).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق برقم (2999).
(5) أخرجه مسلم في كتاب الجنة ونعيمها برقم (7061).(2/4)
وعن عطاء بن ٍأبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ فقلت: بلى قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني أُصرع وإني اتكشف فادع الله تعالى لي قال :"إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك " فقالت : إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها"(1)
الصبر : يكون سبب لدخول الجنة
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يوعك فقلت: يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً قال:" أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم" قلت: ذلك إن لك أجرين؟ قال: "أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كَفَّرَ الله بها سيئاته وحطت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها"(2).
الوعك : مغث الحمى وقيل الحمى.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إذا أراد الله بعبده خيراً عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد بعبده شراً أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة"(3).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط"(4).
فيه الحث للعبد على الصبر على المصائب حتى يكتب له الرضى من الله عز وجل والثواب الكامل بإذن الله تعالى.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المرض برقم(5652)ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (6516).
(2) أخرجه البخاري في كتاب المرض برقم (5647 و5648 و5660) ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (6504).
(3) رواه الترمذي (2/64) والبيهقي في الأسماء (ص 154) وابن عدي (174/1 و 2)، السلسلة الصحيحة (3/220) برقم (1220).
(4) أخرجه الترمذي برقم (2396) في كتاب الزهد، صحيح الجامع (308) والصحيحة (146) عن أنس رضي الله عنه.(2/5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما يزا ل البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه من خطيئة"(1).
وعن أبي يحيى أُسيد بن حضير - رضي الله عنه - ،أن رجلاً من الأنصار قال: يا رسول الله ألا تستعملني كما استعملت فلاناً فقال: "إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الرياح تفيئه ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد"(3).
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال : قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً قال: " الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يُبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلاه الله على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة"(4).
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يصيب المؤمن من مصيبة حتى الشوكة إلا قص بها من خطاياه أو كُفِرَ بها من خطاياه".(5)
وعن صهيب الرومي - رضي الله عنه - ، أنه قال: "إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط "
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الزهد برقم (2399)، وأحمد في مسنده (2/287، 450) وقال الترمذي: "حسن صحيح"، صحيح الجامع (5815).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الفتن برقم (7057)، ومسلم في كتاب الإمارة برقم (1845).
(3) رواه مسلم في كتاب صفة المنافقين برقم (8209).
(4) رواه ابن ماجه والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح" وابن حبان ، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة(143)
(5) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6511).(2/6)
زاد أحمد: "ومن جزع فله الجزع"(1).
وفي الصحيحين مرفوعاً: "الصبر عند الصدمة الأولى"(2).
وقال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: ومن علاج المصيبة :أن يوازن بين أعظم اللذتين والتمتعين، و أدومهما لذة تمتعه بما أُصيب به ولذةِ توفيقه ، وإن آثر المرجوح من كل وجه فليعلم أن مصيبته في عقله وقلبه ودينه أعظم من مصيبته التي أُصيب بها في دنياه.أ.هـ.زاد المعااد (4/153)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال : مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر فقال: " اتقي الله واصبري فقالت: إليك عني فإنك لم تُصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها: إنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بوابين فقالت: لم أعرفك يا رسول الله فقال: " إنما الصبر عند الصدمة الأولى"(3).
وفي رواية لمسلم: "تبكي علي صبي لها".
الصبر الذي يثاب الإنسان عليه هو أن يصبر أول ما تصيبه المصيبة ويحتسب عند الله الأجر والثواب هذا هو الصبر.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد هذا الحديث أن الصبر الذي يُحمد فاعله الصبر عند الصدمة الأولى: يصبر الإنسان ويحتسب ويعلم أن لله ما أخذ وله ما أعطى وأن كل شيء عنده بأجل مسمى. أ.هـ. شرح رياض الصالحين (1/169)
وفي الحديث القدسي ، قال الله عز وجل: "ابن آدم إن صبرت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثواباً دون الجنة"(4).
باب
استحباب التبشير
قال الله تعالى: { فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } .(5)
__________
(1) أخرجه في المسند (23695/9) من حديث محمود محمد بن لبيد رضي الله عنه وأخرجه الترمذي في الزهد (2404) وابن ماجة (4031) من حديث أنس.
(2) البخاري في كتاب الجنائز برقم (1302) ومسلم في كتاب الجنائز برقم (926).
(3) أخرجه البخاري في الجنائز برقم(1283) ومسلم في كتاب الجنائز برقم (926)، واللفظ للبخاري.
(4) رواه ابن ماجه.
(5) الزمر الآية (17-18).(2/7)
وقال تعالى: { يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم } .(1)
وعن أبي شامة قال : حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنه: وهو في سياقة الموت فبكى طويلاً وحول وجهه إلى الجدار فجعل ابنه يقول: يا أبتاه أما بشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا؟ أما بشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ بكذا؟ فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ،إني كنت على أطباق ثلاث : لقد رأيتني وما أحد أشد بغضاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني ولا أحب إلي من أن أكون قد استمكنت منه فقتلته فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: "ابسط يمينك فلأُبايعك فبسط يمينه فقبضت يدي، فقال: "مالك يا عمرو" قلت: أردت أن أشترط قال: "تشترط ماذا؟" قلت: أن يغفر قال: " أما إن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله" وما كان أحد أحب إليّ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً لهولو سُئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها" فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار فإذا دفنتموني فشنوا عليّ التراب شناً ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ما أراجع به
رسل ربي"(2).
سياقة الموت : حال حضور الموت.
أطباق ثلاث : أحوال ثلاث.
فشنوا : هو الصب في سهولة.
إن الإسلام والهجرة والحج كل واحد منهما يهدم ما كان قبله من المعاصي والذنوب
__________
(1) التوبة الآية (21).
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (317).(2/8)
و عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" من قال: لا إله إلا الله و الله أكبر صدَّقة ربَّه فقال: لا إله إلا أنا وأنا أكبر وإذا قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال: يقول لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله له الملك وله الحمد قال لا إله إلا أنا لي المُلك ولي الحمد وإذا قال: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله قال: لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي".
وكان يقول " من قالها في مرضه ثم مات لم تطعمه النار"(1).
باب
ثواب من كان آخر كلامه لا إله إلا الله
عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"(2).
باب
ثواب تغسيل الميت وكتم ما يرى من مكروه
عن أبي رافع عن أسلم مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" من غَسَّلَ ميتاً فكتم عليه غفر الله له أربعين مرة، ومن كفن ميتاً كساه الله من سندس واستبرق في الجنة ، ومن حفر لميت قبراً فأجنه فيه أجرى اللهله من الأجر كأجر مسكنٍ أسكنه إلى يوم القيامة"(3).
"فكتم عليه" أي : كتم عليه ما قد يرى في بعض الأموات من سواد الوجه وتغير الخلقة ونحو ذلك.
باب
ثواب من صلى عليه مائة من المسلمين
أو أربعون أو ثلاثة صفوف
عن مالك بن هبيرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :يقول" مامن مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب".
__________
(1) صحيح الترمذي (2727).
(2) رواه أبو داود والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (6355)، الإرواء (679).
(3) رواه الحاكم (354 و362) والبيهقي (3/395)، وصححه الألباني، الجنائز (ص51)، الترغيب برقم (3492)(2/9)
وكان مالك إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوفهم لهذا الحديث(1).
(إلا أُوجب) أي : إلا وجبت له الجنة
وعن كريب، أن ابن عباس رضي الله عنهما مات له ابن فقال: "يا كريب انظر ما اجتمع له من الناس؟ قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له فأخبرته فقال: تقول هم أربعون؟ قلت نعم، قال: أخرجوني فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم فيه" (2).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مامن ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه"(3).
الأمة : الجماعة.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" مامن رجل يصلي عليه مائة إلا غفر الله له"(4).
وعن الحكم بن فروخ قال: صلى بنا أبو المليح على جنازة فظننا أنه قد كبر فأقبل بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم ولتحسن شفاعتكم قال:أبو المليح حدثني عبد الله عن إحدى أمهات المؤمنين وهي ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: أخبرني النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما من ميت يصلي عليه أمة من الناس إلا شفعوا فيه"(5).فسألت أبا المليح عن الأمة؟ قال: أربعون(6).
باب
ثواب من مات غريباً
__________
(1) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، الجنائز (ص 100) المشكاة(1687).
(2) أخرجه مسلم في الجنائز برقم (2196).
(3) أخرجه مسلم في الجنائز برقم (2195)
(4) رواه الطبراني عن ابن عمر، الصحيحة (1363) الجنائز (98).
(5) رواه النسائي ، الصحيحة (1263) ، الجنائز (99)
(6) رواه النسائي، الصحيحة (1263)، الجنائز (99).(2/10)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: مات رجل بالمدينة ممن ولد بها فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: " يا ليته مات بغير مولد" قالوا: ولِمَ ذاك يا رسول الله ؟ قال:" إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس بين مولده إلى منقطع أثره في الجنة"(1).
باب
ثواب ما يقول من مات له ميت
قال الله تعالى: { الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنّأ لله وإنّا إليه راجعون أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } (2).
وعن ابن موسى - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون نعم فيقول:قبضتم ثمرة فؤاده؟فيقولون: نعم فيقول : فماذا قال عبدي ؟ فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد. (3).
وعن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله تعالى عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها" قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خيرٌُ من أبي سلمة أول بيتٍ هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم إني قلتها فأخلف الله خيراً منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "(4).
__________
(1) رواه النسائي وابن ماجه وابن خزيمة ، وقال الألباني: "حسن" صحيح الجامع (1612)
(2) سورة البقرة الآية (156)
(3) رواه الترمذي و حسنه ابن ماجه، وحسنه العلامة الألباني رحمه الله، صحيح الجامع(807)، السلسلة الصحيحة(1408).
(4) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (918)(2/11)
وفي رواية لمسلم : عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" قالت: فلما مات أبو سلمة أتيت النبي صلىالله فقلت يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات، قال: "قولي :اللهم اغفر لي وله، واعقبني منه عُقبى حسنة" فقلت، فأعقبني الله مَنْ هو خيرٌ لي منه محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - (1).
باب
ثواب من شهد ميتاً حتى يصلي عليه أو يدفن
تقدم حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من أصبح منكم اليوم صائماً" قال : أبو بكر أنا يا رسول الله ، قال: " من أطعم منكم اليوم مسكيناً"؟ قال أبو بكر أنا يا رسول الله قال: " من عاد منكم اليوم مريضاً " قال أبو بكر أنا يا رسول الله ، قال: من تبع منكم اليوم جنازة قال أبو بكر أنا يا رسول الله فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما اجتمعت هذه الخصال قط في امرءٍ إلا دخل الجنة"(2).
وكذلك تقدم حديث أبي هريرة أيضا ً: "حق المسلم على المسلم ست، وفيه إذا مات فاتبعه".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شهد الجنازة حتى يُصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تُدفن فله قيراطان" قيل" وما القيراطان قال:" مثل الجبلين العظيمين"(3).
وفي رواية لمسلم:" أصغرها مثل أُحد".
وفي رواية للبخاري: "من تبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكان معه حتى يصلي علهيا ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أجر من صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط".
"وكان معه" أي مع الجنازة.
وفي رواية للكشميهيني أي: مع الجنازة.
__________
(1) صحيح مسلم ، كتاب الجنائز رقم (919)
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1325) ومسلم في كتاب الجنائز برقم (2186)(2/12)
وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص، أنه كان قاعداً عند ابن عمر رضي الله عنهما إذ اطلع خباب صاحب المقصورة فقال: يا عبد الله بن عمر ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟ يقول إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها واتبعها حتى تُدفن كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أُحد ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أُحد(1)
" فأرسل ابن عمر خباباً إلى عائشة رضي الله عنها يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه يخبره بما قالت وأخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده حتى رجع فقال قالت عائشة: صدق أبو هريرة فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض ثم قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة"(2).
وعن ثوبان ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى على جنازة فله قيراط فإن شهد دفنها فله قيراطان القيراطان مثل أُحد"(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى على جنازة فله قيراط ومن اتبعها حتى توضع في القبر فقيراطان" قال: قلت: يا أبا هريرة وما القيراط؟ قال مثل أُحد(4).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تبع جنازة حتى يُصلي عليها فإن له قيراطاً" قالوا يا رسول الله مثل قراريطنا هذه قال: "لا بل مثل أُحد أو أعظم من أُحد"(5).
باب
ما يقوله إذا أصابه هَمٌّ أو حزن
__________
(1) في الجنائز برقم (2189)
(2) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (2192)
(3) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (2193)
(4) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (2190)
(5) الجنائز (ص68)(2/13)
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من أصابه هَمّ أو حزن فليدعُ بهذه الكلمات يقول: اللهم أنا عبدك ابن عبدك ابن أمتك في قبضتك ناصيتي بيدك ماضٍ في حكمك عدلٌ فيَّ قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن نور صدري وربيع قلبي وجلاء حزني وذهاب همي"إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجاً"
فقال رجل من القوم : يا رسول الله إن المغبون لمن غُبٍنَ هؤلاء الكلمات فقال: " أجل فقولوهن وعلموهن فإنه من قالهن التماس ما فيهن أذهب الله تعالى حزنه وأطال فرحه"(1).
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "دعوة ذي النون إذا دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت
من الظالمين، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له"(2).
وسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد فقال - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى"(3).
باب
ثواب من أثنى عليه الناس بعد موته خيراً
__________
(1) رواه أحمد(4318/2) وابن السني انظر الفتوحات (4/13)، صحيح الكلم الطيب(ص72)
(2) أخرجه الترمذي في الدعوات برقم (3516) وأحمد في مسنده (1462/1) والنسائي في "عمل اليوم والليلة" برقم (661) والحاكم في التفسير (3444/2) وفي الدعاء برقم (1822/1) والطبراني في الدعاء (124) والبزار (3150) والبيهقي في شعب الإيمان (620) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (11176/7) ط دار الفكر، صحيح الكلم الطيب (79، 122).
(3) رواه أحمد، صفة الصلاة (ص 203) والتوسل (ص 33-35).(2/14)
عن أنس - رضي الله عنه - قال : مُرَّ بجنازة فأُثني عليها خير فقال نبي الله: - صلى الله عليه وسلم - " وجبت وجبت وجبت" ومُرَّ بجنازةٍ فأُثني عليها شر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وجبت وجبت وجبت" فقال عمر: فداك أبي وأُمي مُرَّ بجنازة فأُثني عليها خيرُ فقلت: "وجبت وجبت وجبت" ومُرَّ بجنازة فأُثني عليها شر فقلت: "وجبت وجبت وجبت" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض"(1).
وعن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما مسلم شهد له أربعة نفر بخير أدخله الله الجنة" قال: فقلنا وثلاثة؟ قال: "وثلاثة" فقلنا: واثنان؟ قال: "واثنان" ثم لم نسأل عن الواحد(2).
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أبيات من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون إلا خيراً إلا قال الله: قد قبلت علمكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون"(3).
باب
ثواب زيارة القبور
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أُمه فبكى وأبكى من حوله فقال: " استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت"(4).
???????
أبواب صفة الجنة
__________
(1) رواه البخاري، ومسلم في كتاب الجنائز برقم (2197).
(2) رواه البخاري.
(3) رواه ابن حبان في صحيحه، الجنائز (ص45).
(4) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (976)(2/15)
قال الله تعالى: { إن المتقين في مقام أمين في جناتٍ وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحورٍ عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلاً من ربك ذلك هو الفوز العظيم } (1).
وقال تعالى: { يبشرهم ربهم برحمةٍ منه ورضوان وجناتٍ لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبداً إن الله عند أجرٌ عظيم } (2).
وقال تعالى: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً أولئك لهم جنات عدنٍ تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندسٍ وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نِعمَ الثواب وحسنت مرتفقاً } (3).
وقال تعالى: { إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ إخواناً على سررٍ متقابلين لا يمسهم فيها نصبٌ وما هم منها بمخرجين } (4).
وقال تعالى : { هذا ذكر وإن للمتقين لحُسن مآبٍ جنات عدنٍ مفتحة لهم الأبواب متكئين فيها يدعون بفاكهةٍ كثيرة وشرابٍ وعندهم قاصرات الطرف أتراب هذا ما توعدون ليوم الحساب إن هذا لرزقنا ما له من نفاد } (5).
وقال تعالى: { مثل الجنة التي وُعِد المتقون فيها أنهارٌ من ماءٍ غير آسن وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغير طعمه وأنهارٌ من خمرٍ لذةٍ للشاربين وأنهارٌ من عسلٍ مصفى ولهم فيها من كل الثمرات } (6).
__________
(1) سورة الدخان الآية (51-57).
(2) سورة التوبة الآية (21،22).
(3) سورة الكهف الآية (31).
(4) سورة الحجر الآية (45-48).
(5) سورة ص الآية (49-54).
(6) سورة محمد (15).(2/16)
وقال تعالى: { والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم ثلةٌ من الأولين وقليلٌ من الآخرين على سررٍ موضونةٍ متكئين عليها متقابلين يطوف عليهم وِلدانٌ مخلدون بأكوابٍ وأباريق وكأسٍ من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهةٍ مما يتخيرون ولحم طيرٍ مما يشتهون } - إلى قوله تعالى { وثلة من الآخرين } .(1).
وقال تعالى : { إن الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً } إلى قوله تعالى { وكان سعيهم مشكوراً } (2).
والآيات في صفة الجنة كثيرة جداً.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ليس في الجنة شيءٌ مما في الدنيا إلا الأسماء"(3).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - : في قوله عز وجل { بطائنها من إستبرق } ، قال: أخبرهم بالبطائن، فكيف بالظهائر؟(4).
فصل
في صفة دخول أهل الجنة وغير ذلك
عن خالد بن عمير قال : خطبنا عتبة بن عزوان رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد" فإن الدنيا قد آذنت بصرمٍ وولت حذَّاء، ولم يبقَ منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دارٍ لا زوال لها، فانتقلوا بخيرٍ ما بحضرتكم، و لقد ذكر لنا أنّ مصراعين من مصاريع الجنّة بينهما مسيرة أربعين سنة وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام"(5).
الصُرم : بالضم : أي الانقطاع والذهاب. وحذَّاء : سريعة. والصبابة: هي البقة اليسيرة من الشيء.
ويتصابها : أي يجمعها، والكظيظ: هو الكثير الممتلئ.
__________
(1) سورة الواقعة (10-40).
(2) سورة الإنسان (5-22).
(3) أخرجه البيهقي في البعث (1/368) ، السلسلة الصحيحة (2188)، صحيح الترغيب (3769).
(4) رواه البيهقي موقوفاً بإسناد حسن، وقال الألباني" حسن موقوف" الترغيب (3746).
(5) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2967).(2/17)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"والذي نفس محمدٍ بيده إن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة، لكما بين مكّة وهجر أو هجر ومكة" (1).
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليدخُلن الجنّة من أُمتي سبعون ألفاً- أو سبعمائة ألفٍ- متماسكون، آخذ بعضهم ببعضٍ، لا يدخل أو لهم حتى يدخل أخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أول زمرةٍ يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشدّ كوكب دري في السماء إضاءةً لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يمتخطون، ولا يتفلون، أمشاطهم الذّهب ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة، أزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلقِ رجلٍ واحدِ على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء".
وفي رواية: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أول زمرة تلج الجنّة صورهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون، ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذهب وأمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرُهم الألوة، ورشحهم المسك، لكل واحدٍ منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرةً وعشياً"(3).
الألوة : من أسماء البخور الذي يتبخربه. والمجامر: جمع مجمرة وهي المبخرة، سميت مجمرة لأنها يوضع فيها الجمر ليفوح به ما يوضع فيها من البخور .
__________
(1) هو جزء من حديث طويل رواه البخاري في كتاب الأنبياء برقم (3340)، وفي كتاب التفسير برقم (4712) ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (194).
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6543) وسلم في كتاب الإيمان برقم (219).
(3) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3245) وفي أحاديث الأنبياء برقم (3327)، ورواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2834).(2/18)
وفي رواية لمسلم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أول زمرةٍ يدخلون الجنًّة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجمٍ في السماء إضاءةً ثم هم بعد ذلك منازل"(1).
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يدخل أهل الجنةِ الجنّةَ جُرْداً مُرداً مكحلين، بني ثلاث وثلاثين"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أهل الجنَّة جُرْدٌ مرْدٌ كُحْلٌ لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم"(3).
وعنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يدخل أهل الجنة الجنة جُرداً مُرداً بيضاً جعاداً، مكَحًّلين، أبناء ثلاثٍ وثلاثين، وهم على خُلْقِ آدم، ستون ذراعاً"(4).
(جعاداً) : جمع (جعد) وهو هنا جعد الشعر وهو ضد السَّبَط .
فصل
في أبواب الجنة
عن سهل بن سعد، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "في الجنة ثمانية أبواب باب منها يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون"(5).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2834).
(2) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، وقال الألباني: "صحيح لغيره"، الترغيب رقم (3698).
(3) رواه الترمذي وقال: "غريب"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (3699).
(4) رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي، كلهم من رواية علي بن زيد بن جدعان، عن ابن المسيب عنه، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3700).
(5) رواه البخاري ومسلم.(2/19)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة كلها وللجنة ثمانية أبواب فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد" فقال أبو بكر رضي الله عنه: والله ما على أحد من ضرورة من أيها دُعي فهل يدعي أحد منها كلها؟ قال: نعم وأرجو أن تكون منهم"(1).
فصل
فيما لأدنى أهل الجنة فيها
عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أن موسى - عليه السلام - سأل ربه: ما أدنى أهل الجنّة منزلةً؟ فقال رجل يجيء بعدما دخل أهل الجنة الجنة؟ فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: ربِّ! كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول : رضيت ربِّ. فيقول له: لك ذلك ومثلُه ومثلُه ومثلُه. فقال في الخامسة : رضيت ربِّ فيقول: هذا لك وعشرةُ أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول رضيت ربِّ قال:ربِّ ! فأعلاهم منزلةً؟ قال: أولئك الذين أردتُ غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم ترعين ولم تسمع أُذنُ، ولم يخطر على قلبِ بشر"(2).
أخذاتهم : ما أخذون من كرامة مولاهم وحصلوه.
أردت : بضم التاء معناه اخترت واصطفيت.
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم(189).(2/20)
وعن أبي سعيدٍ الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلةً رجل صرف الله وجهه عن النار قِبَلَ الجنَّة، ومثَّل لهُ شجرةً ذات ظل، فقال: أي ربِّ ! قربني من هذه الشجرة أكون في ظلها" فذكر الحديث في دخوله الجنة وتمنيه، إلى أن قال في آخره: " إذا انقطعت به الأماني، قال الله: هو لك وعشرةُ أمثاله" قال: " ثم يدخل بيته فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين فتقولان: الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك، قال: فيقول ما أُعطي أحدٌ مثل ما أُعطيت"(1).
وعن عبد الله بن عمرو قال : " إن أدنى أهل الجنة منزلة من يسعى عليه ألفُ خادم، كلُّ خادمٍ على عمل ليس عليه صاحبه. قال: وتلا هذه الآية { وإذا رأيتهم حَسِبْتَهُمْ لؤلؤاً منثوراً } (2).
فصل
في درجات الجنة وغرفها
قال تعالى: { لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرفٌ من فوقها غرفٌ مبنية } (3).
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إنَّ أهل الجنَّة ليتراءونَ أهل الغرف من فوقِهِم، كما يتراءون الكوكب الدُرّيّ الغابِرَ في الأُفق، من المشْرقِ والمغرب لتفاضُل ما بينهم " قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم؟ قال: "بلى والذي نفسي بيده، رجالٌ آمنوا بالله وصدّقو ا المرسلين"(4).
وفي رواية لهما: "كما تراءون الكوكب الغارب" بتقديم الراء على الباء.(5)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (188).
(2) رواه البيهقي ورواه أيضاً الحسين المروزي، وابن جرير الطبري بإسناد صحيح عن ابن عمر موقوفاً، وصححه الألباني في الترغيب برقم (3705).
(3) سورة الزمر الآية (20).
(4) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3256) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2831).
(5) البخاري كتاب الرقاق رقم (6556)، وفي صحيح مسلم الغابر..(2/21)
الغابر والغارب بمعنى:وهو الذاهب الماشي، أي الذي تدلى للغروب وبعد عن العيون.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة مِئَةَ درجة، أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض"(1).
وتقدم حديث: " إن في الجنة غُرفاً يُرى ظاهرها من باطِنها، وباطنها من ظاهرها أعدّها الله لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام"(2).
وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - : "الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض".
فصل
في بناء الجنة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال:" لبنة من ذهب ولبنة من فضةٍ وملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران من يدخلها ينعم ولا ييأس ويخلد ولا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه"(3).
الملاط:بكسر الملم وبالطاء المهملة هو ما يجعل بين ساقي البناء كالطين ونحوه .
وعنه قال: "حائط الجنة لبنةٌ من ذهبٍ ولبنةٌ من فضةٍ ودُرُجها الياقوت واللؤلؤ" قال: وكنا نحدَّثُ أنَّ رضراض أنهارها اللُّؤلؤ، وترابها الزعفران"(4). الرضراض: بفتح الراء وبضادين معجمتين.
والحصباء ممدودا ً: بمعنى واحد وهو الحصى، وقيل الرضراض: صغارها.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2790) وفي كتاب التوحيد برقم (7423).
(2) تقدم في كتاب ا لزكاة.
(3) رواه الترمذي برقم (2526) وابن حبان وأحمد واللفظ له، و البزار والطبراني في الأوسط. وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3711).
(4) رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً على أبي هريرة، و قال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (3712).(2/22)
وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله عز وجل أحاطَ حائط الجنة لبنةًمن ذهبٍ، ولبنة من فضةٍ، ثم شقق فيها الأنهار، وغرس فيها الأشجار، فلما نظرت الملائكة إلى حُسنها قالت: طوبى لك منازل الملوك"(1).
فصل
في نظر أهل الجنة إلى ربّهم تبارك وتعالى
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن ناساً قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر"؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال:" هل تضارون في الشمس ليس دونها دونها سحاب"؟ قالوا: لا، قال:" فإنكم ترونه كذلك". فذكر الحديث بطوله(2).
و عن صهيب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز وجل: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا ا لجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاُ أحب إليهم من النظر إلى ربهم"ثم تلا هذه الآية { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } سورة يونس الآية (26).(3)
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من كذا آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا ربَّهم إلا رداءُ الكبرياء على وجهه في جنة عدنٍٍ".
__________
(1) أخرجه البيهقي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (3714).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (181).(2/23)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة:يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربّنا وسعديك، والخير في يديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا، وقد أُعطيتنا ما لم تُعطِ أحداً من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضوان فلا أسخط عليكم بعده أبداً"(1).
فصل
سوق الجنّة
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة لسوقاً يأتونها كلّ جمعة، فتهب ريحُ الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حُسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حُسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حُسنا وجمالاً، فيقولون،: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حُسناً وجمالاً"(2).
ريح الشمال : هي التي تأتي دبر القبلة. قال القاضي: وخص ريح الجنة بالشمال، لأنها ريح المطر عند العرب، كانت تهب من جهة الشام، ومنها تأتي سحاب المطر، وكانوا يرجون السحابة الشامية، وجاءت في الحديث تسمية هذه الريح المثيرة، أي المحركة لأنها تثير في وجوههم ما تثيره من مسل أرض الجنة وغيره من نعيمها"(3).أ.هـ.
فصل
أكل أهل الجنة وشربهم وغير ذلك
قال تعالى: { وفاكهة مما يتخيرون ولحم طيرٍ مما يشتهون } (4).
وقال تعالى: { كلما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الذي رُزقنا من قبل وأُتوا به متشابهاً } (5).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6549)، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2829).
(2) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم(2833).
(3) شرح النووي (17/171).
(4) سورة الواقعة الآية (20-21).
(5) سورة البقرة الآية (25).(2/24)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يأكُلُ أهلُ الجنّة ويشْربون ولا يمتخطون ولا يتغوطون ولا يبولون، طعامهم ذلك جشاءٌ كريح المِسْك يُلْهُمونَ التسبيح والتكبير كما تُلْهَمون النَفَس"(1).
الجشاء : تنفس المعدة عند الامتلاء، اللسان.
وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال : أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل من اليهود فقال: يا أبا القاسم أنت تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون، يقول لأصحابه إن أقر لي بها خصمته فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"بلى والذي نفسُ محمدٍ بيده إن أحدهم ليُعطى قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع"فقال له اليهودي:فإن الذي يأكل ويشرب تكون له حاجة.فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "حاجتهم عرق يفيض من جلودهم مثل المسك فإذا البطن قد ضمر"(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن طير الجنة أمثال البخت ترعى في شجر الجنة" قال أبو بكر: يا رسول الله ! إن هذه الطير ناعمة قال: " أكلتها أنعم منها قالها ثلاثاً وإني أرجو أن تكون ممن يأكل منها"(3).
والبخت : هي الإبل الخرسانية .
فصلُ
في ثيابِهِمْ وحُلَلِهِمْ ونِسَائِهِم
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من يدخل الجنة ينعم ولا ييأس لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، وفي الجنة ما لا عينٌ رأت، ولا أُذنُ سمعت ولا خطر على قلب بشر"(4).
لا يبأس: أي لا يصيبه بأس، وهو شدة الحال والبأس.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2835).
(2) رواه أحمد والنسائي بإسناد صحيح، وابن حبان وهذا لفظه.
(3) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10 - 414): "رواه الترمذي باختصار ورواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير يسار بن حاتم وهو تقة".
(4) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2836)(2/25)
وينعم أي : يدوم له النعيم: شرح النووي (17/174)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خيرٌ من الدنيا وما فيها، لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً، ولأضاءت ما بينهما ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها" (1).
الغدوة : الذهاب، والروحة: المجيء.القاب : القَدْر. فقال أبو معمر: قاب القوس، من مقصبة إلى رأسه، ولكل قوسٍ قابان. النصيف : الخمار.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن أول زمرةٍ يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوأ كوكب دُرّي في السماء، ولكل امرئٍ منهم زوجتان اثنتان، يُرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب(2).
أعزب:قال النووي:والمشهور في اللغة "عَزَب" بغير الألف،وهو من لا زوجة له، والعزوب : البعد،وسمي عزباً لبعده عن النساء . شرح النووي (17/171، 172)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسنِ أصواتٍ ما سمعها أحدٌ قطُّ، إن مما يُغنينَ به، نحن الخَيراتُ الحِسانُ، أزواجُ قومٍ كرامٍ، ينظُرونَ بِقُرةِ أعْيان.
وإن مما يغنينَ به: نحنُ الخالداتُ فلا نَمُتْنَه
نحن الآمناتُ فلا نَخِفْنَهْ
نحن المقيمات فلا نَظْعَنَّهْ(3).
وقال تعالى { وزوجناهم بحورٍ عين } (4).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (9792) وفي كتاب الرقاق برقم (6568) ومسلم في كتاب الإمارةبرقم (1880)
(2) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3245)وفي كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3327) ورواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2834).
(3) رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وصححه الألباني في الترغيب برقم (3749).
(4) سورة الدخان الآية (54).(2/26)
والحور جمع حورا :وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين
وقال مجاهد الحوراء التي يحار فيها الطرف من رقة الجلد وصفاء اللون.
قال ابن القيم : والصحيح أن الحور مأخوذة من الحور في العين وهو شدة بياضها مع قوة سوادها فهو يتضمن الأمرين.
فصل
في أنهار الجنة
عن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينا أنا أسير في الجنَّة إذا أنا بنهرٍ حافَتَاه قبابُ اللُؤلؤ المجوَّف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثرُ الذي أعطاك ربُّك، قال فضربَ الملك بيده فإذا طينُه مسكٌ أذفر"(1).
وعن حكيم بن معاوية القشيري ، عن أبيه - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "في الجنة بحرُ للماء، وبحرٌ لللبن، وبحرٌ للعَسلِ، وبحرٌ للخَمر، ثم تُشَقَّق الأنهارُ منها بَعْدُ"(2).
وعن أنس - رضي الله عنه - قال : سُئلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما الكوثر؟ قال: " ذاك نهرٌ أعطانيه الله يعني في الجنة- أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طيرٌ أعناقُها كأعناقِ الجُزُر" قال عمر: إن هذه لناعمةٌ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أكلتها أنعم منها"(3).
" الجُزُر" بضم الجيم والزاي:جمع جزور، وهو البعير
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6582)
(2) أخرحه أحمد (5/5) وابن حبان (623، موارد) والترمذي (2574)وصححه، و البيهقي، كلهم بلفظ (بحر الماء... )، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3722)
(3) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب (3724).(2/27)
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدُر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج"(1).
فصل
في خيام الجنة وغرفها، وغير ذلك
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ للمؤمن في الجنّة لَخَيمةً من لؤلؤةٍ واحدة مجوفة، طولها في السماء ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون يَطوفُ عليهم المؤمنُ فلا يرى بعضهم بعضاً"(2).
و في رواية "عرضها ستون ميلاً". الميل: هو ثلث فرسخ وكل بريد اثنا عشر ميلاً
وعن أبي هريرة وعائشة، إن جبريل قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : "هذه خديجة أقرئها السلام وأمره أن يبشرها ببيت من قصب لاصخب فيه ولا نصب"(3).
والقصب هنا قصب اللؤلؤ المجوف.
فصل
في الخيل في الجنة
عن عبد الرحمن بن ساعدة - رضي الله عنه - قال : كنت أُحب الخيل فقلت: يا رسول الله! هل في الجنة خيل؟ فقال: "إن أدخلك الله الجنة يا عبد الرحمن كان لك فيها فرس من ياقوت له جناحات يطير بك حيث شئت".(4)
فصل
في خلود أهل الجنة فيها وأهل النار فيها
وما جاء في ذبح الموت
__________
(1) رواه ابن ماجه برقم (4334) والترمذي برقم (3361) وقال "حديث حسن صحيح" وصححه الألباني.
(2) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3243) وفي كتاب التفسير برقم (4879) ورواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2838).
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) رواه الطبراني ورجاله ثقات، وقال البيهقي في مجمع الزوائد (10/4131): "رواه الطبراني ورجاله ثقات"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3755).(2/28)
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي منادٍ: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، وذلك قول الله عز وجل: { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } "(1).(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار فيذبح ثم ينادي منادٍ يا أهل الجنة ، لا موت ، يا أهل النار لاموت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم وأهل النار حزناً إلى حزنهم".
وفي رواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يدخل الله أهل الجنة الجنة وأهل النار النارثم يقوم مؤذنٌ بينهم فيقول: يا أهل الجنة لاموت ويا أهل النار لاموت كل خالد فيما هو فيه"(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "من يدخل الجنة ينعم ولا ييأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابُه في الجنة ما لا عينٌ رأت ولا أُذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر"(4).
وبهذا تم الكتاب، ولله الحمد والمنَّة، فهذا هو جهدنا وهو جهد المقل، وهذه مقدرتنا، فنسأل الله العظيم أن ينفع به المسلمين، وأن يكون زاداً يتزودون به في يوم الدين ...اللهم آمين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
العبد الفقير الراجي عفو ربه
ماجد البنكاني
أبو أنس العراقي
???????
مصادر الكتاب
1- القرآن الكريم .
__________
(1) سورة الأعراف الآية (43).
(2) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (3737).
(3) رواه البخاري في الرقاق برقم (6548) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2850)
(4) رواه مسلم.(2/29)
2- موطأ الإمام مالك .
3- مسند الإمام أحمد .
4- صحيح البخاري .
5- صحيح مسلم .
6- مستدرك الحاكم .
7- سنن الدارمي .
8- مسند أبي يعلى .
9- فتح الباري .
10- شرح صحيح مسلم للنووي .
11- تفسير الطبري .
12- تفسير القرآن العظيم لابن كثير .
13- تفسير القرطبي .
14- تفسير الجلالين .
15- أحكام القرآن .
16- تفسير السعدي .
17- طبقات المفسرين للداودي .
18- مصنف عبد الرزاق .
19- مصنف ابن أبي شيبة .
20- مجمع الزوائد للهيثمي .
21- مستدرك الحاكم .
22- عمل اليوم والليلة لابن السني .
23- شعب الإيمان للبيهقي .
24- موارد الظمآن .
25- فيض القدير .
26- سنن النسائي .
27- سنن أبي داود .
28- زوائد البوصيري .
29- المنة الكبرى شرح السنن الصغرى للبيهقي .
30- معالم السنن على حاشية سنن أبي داود .
31- المعجم الكبير .
32- المعجم الأوسط .
33- المعجم الصغير .
34- الطحاوي في مشكل الآثار .
35- جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر .
36- مسند البزار .
37- الأدب المفرد للبخاري .
38- تذكرة الحفاظ .
39- مسند الحارث زوائد الهيثمي .
40- مسند الشهاب للقضاعي .
41- السنن الواردة في الفتن .
42- الترغيب والترهيب .
43- المحلى لابن حزم .
44- عون المعبود .
45- رياض الصالحين .
46- شرح رياض الصالحين لابن عثيمين . طبعة مكتبة الأنصار مصر .
47- مسند الطيالسي .
48- مسند الشاميين .
49- الفردوس بمأثور الخطاب .
50- الطبقات الكبرى .
51- كشف المشكل .
52- أسد الغابة .
53- مقدمة المجموع شرح المهذب .
54- السنة لابن أبي عاصم .
55- مجموع الفتاوى .
56- الفتاوى الكبرى .
57- الصارم المسلول .
58- الأمالي للمحاملي .
59- جامع الأصول .
60- حلية الأولياء .
61- كتاب الزهد لعبد الله بن المبارك .
62- كتاب الزهد لهناد .
63- كتاب الزهد لوكيع .
64- كتاب الصمت لابن أبي الدنيا .
65- كتاب ذم الغيبة لابن أبي الدنيا .
66- السلسلة الصحيحة .
67- التعليقات الحسان .(2/30)
68- صحيح الجامع للألباني .
69- ضعيف الترغيب .
70- صحيح الترغيب .
71- صحيح الترمذي .
72- صحيح ابن ماجة .
73- صحيح ابن خزيمة .
74- مشكاة المصابيح .
75- الروض النضير .
76- إرواء الغليل .
77- صحيح موارد الظمآن .
78- فضل الصلاة .
79- صفة الصلاة .
80- حجاب المرأة المسلمة .
81- آداب الزفاف .
82- مختصر الشمائل المحمدية للترمذي.
83- الثمر المستطاب .
84- أحكام الجنائز .
85- العلل المتناهية لابن الجوزي .
86- الرجال الذين ترجم لهم الألباني في الإرواء .
87- تحفة الأحوذي .
88- الفتوحات .
89- حادي الأرواح .
90- القصيدة النونية .
91- الجواب الكافي
92- زاد المعاد .
93- الطب النبوي .
94- مدارج السالكين .
95- الآداب الشرعية لابن مفلح . طبعة الرسالة .
96- مفتاح دار السعادة .
97- الأمالي للمحاملي .
98- الأحاديث المختارة .
99- معالم التنزيل للبغوي.
100- شرح السنة للبغوي .
101- مكارم الأخلاق للخرائطي .
102- كتاب الزهد لابن أبي عاصم .
103- كتاب الزهد لعبد الله بن المبارك .
104- سير أعلام النبلاء .
105- تلبيس إبليس .
106- وكتاب الناسخ والمنسوخ بتحقيق محمد صالح المديفر .
107- التذكرة في أحوال الموتى والآخرة للقرطبي .
108- تاريخ ابن عساكر .
109- تهذيب الأسماء واللغات .
110- كتاب الأذكار للنووي .
111- نيل الأوطار .
112- إرشاد العباد للاستعداد ليوم المعاد .
113- مختصر الإتقان في علوم القرآن .
114- فتاوى اللجنة الدائمة .
115- القول المفيد شرح كتاب التوحيد للعلامة ابن عثيمين .
116- كتاب العلم لابن عثيمين .
117- تنبيه الأفهام شرح عمدة الأحكام لابن عثيمين .
118- فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين . ط دار عالم الكتب .
119- الشرح الممتع على زاد المستقنع .
120- موسوعة الآداب الإسلامية لعبد العزيز ندا .
121- جواهر السنة في إعفاء اللحية .
122- الاختيارات العلمية .
123- تحذير الأنام بما في الأقوال والأفعال من الآثام .(2/31)
124- آداب اللسان فيما يخص اللسان من خير أو شر في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف .
125- نزْهَة العِبَاد بِفَوَائِد زَاد المعَادْ .
126- اللؤلؤ والمرجان بوصف الجنة والحور الحسان .
127- صحيح الطب النبوي .
128- رحلة العلماء في طلب العلم .
129- كتاب الإبداعات الطبية لرسول الإنسانية .
130- كتاب العلاج بالأغذية الطبيعية والأعشاب .
131- غذاؤك حياتك .
132- أسرار التداوي بالأعشاب .
133- رسالة في المعاني المستنبطة .
134- معجم البلدان .
135- النهاية في غريب الحديث .
136- الغريب لابن سلام .
137- لسان العرب .
138- القاموس المحيط .
139- معجم مقاييس اللغة .
140- مختار الصحاح .
141- الفائق .
142- التعاريف للمناوي .
143- معجم البلدان لياقوت الحموي .
144- معجم ما استعجم للأندلسي .
الموضوع ... الصفحة
??مقدمة الشيخ محمد إبراهيم شقرة ........................... ... 3
??المقدمة ..............................................
? أبواب النية .......................................... ... 11
??باب الإخلاص في جميع الأعمال الظاهرة والباطنة ... ... 12
? باب ثواب المحافظة على السنة وآدابها والتمسك بهما .. ... 20
??باب الترغيب في البداءة بالخير ليستن به ........ ... 24
? أبواب العلم .......................................... ... 26
??باب ثواب العلم والعلماء وفضلهم ....... ... 27
? باب ثواب طلب العلم وتعليمه لوجه الله عز وجل ... 32
??باب ثواب تعليم العلم وتصنيفه ونسخه وروايته ...... ... 34
? أبواب الطهارة ....................................... ... 38
??باب ثواب الوضوء وإسباغه .......... ... 46
? باب ثواب من أسبغ الوضوء في البرد الشديد وهو يشق عليه ....... ... 48
??باب ثواب تجديد الوضوء وفضله ............... ... 48
? باب ثواب السواك ........ ... 48
??باب ثواب من حافظ على هؤلاء الكلمات بعد الوضوء ... 50
? باب ثواب من بات طاهراَ ...... ... 51(2/32)
??باب استحباب ركعتين بعد الوضوء ... ... ... ... 51
? أبواب الصلاة ......................................... ... 53
??باب ثواب الأذان وفضله .......... ... 54
? باب ثواب الدعاء عند سماع المؤذن .... ... 59
??باب ثواب الترديد مع المؤذن .............. ... 59
? باب ثواب الدعاء بعد الأذان ........... ... 61
??باب ثواب المشي إلى المساجد ......... ... 62
? باب ثواب بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة إليها ..... ... 63
??باب ثواب تنظيف المساجد وتطهيرها وتجميرها ...... ... 65
? باب ثواب الدعاء عند دخول المسجد والخروج منه ... ... 70
??باب ما يقول عند إرادته القيام إلى الصلاة ........... ... 70
? باب ثواب الصلوات الخمس المفروضات والمحافظة عليها ........... ... 71
??باب ثواب الأمر بالمحافظة على الصلوات المكتوبات وثواب الصلاة في أول وقتها ................. ... 79
? باب ثواب الركوع والسجود في الصلاة ....... ... 83
??باب ثواب وفضل صلاة الجماعة ........... ... 85
? باب الحث على حضور الجماعة في الصبح والعشاء ... 88
??باب الترغيب في الصلاة في الفلاة ......... ... 90
? باب الترغيب في صلاة النافلة في البيوت ... 91
??باب ثواب انتظار الصلاة ............. ... 93
? باب فضل صلاة الصبح والعصر .......... ... 96
??باب فضل الصف الأول ............... ... 98
? باب ثواب التأمين ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة .... ... 101
??باب ثواب من وصل صفاً أو سد فرجة ....... ... 103
? باب ثواب من حافظ على اثنتي عشر ركعة في اليوم والليلة ........ ... 104
??باب ثواب سنة الفجر ........................... ... 105
? باب ثواب صلاة الوتر .......................... ... 105
??باب ثواب سنة الظهر .............................. ... 107
? باب ثواب أربع ركعات قبل الظهر وأربعة بعدها ...... ... 107
??باب ثواب أربع ركعات قبل صلاة العصر ............ ... 107
? باب ثواب الصلاة بين المغرب والعشاء ... ... 107
??باب ثواب صلاة المرأة في بيتها ................. ... 108(2/33)
? باب ثواب صلاة التسبيح ....................... ... 109
??باب ثواب صلاة الحاجة ........................... ... 110
? باب الإستسقاء ...................................... ... 111
??باب صلاة التطوع ثواب صلاة النوافل ... ... ... ... ... 113
? باب ثواب قيام الليل وفضله ................... ... 115
??باب ثواب من نام عن ورده فقضاه ................. ... 123
? باب ثواب من نوى أن يصلي بالليل فغلبته عيناه. ... 123
??باب ثواب صلاة الضحى والدوام عليها .............. ... 124
? باب ثواب الترغيب في قضاء الإنسان ورده إذا فاته الليل .......... ... 127
??باب ثواب صلاة التوبة ...................... ... 127
? باب ثواب صلاة الاستخارة ................... ... 127
??أبواب الجمعة ........................................ ... 128
? باب ثواب صلاة الجمعة ويومها ........... ... 129
??باب ثواب السعي إلى الجمعة والطيب والغسل ......... ... 134
? باب ثواب التبكير إلى الجمعة ............ ... 136
??باب ثواب قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة ويوم الجمعة ... 139
? أبواب الصوم ......................................... ... 140
??باب ثواب الصوم مطلقاً ............... ... 141
? باب ثواب من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً ........ ... 146
باب ثواب من صام رمضان إيماناً واحتساباً وقيام الليلة سيما ليلة القدر ... 147
? باب ثواب من صام رمضان وتبعه ستة شوال .... ... 150
??باب ثواب صوم عرفة ............. ... 150
? باب ثواب من صام يوم عاشور ................. ... 151
??باب ثواب صوم شعبان وفضل ليلة النصف منه ...... ... 152
? باب ثواب صيام شهر الله المحرم ........ ... 153
??باب ثواب صوم الاثنين والخميس وفضلها ... 154
? باب ثواب من صام من كل شهر ثلاثة أيام سيما الأيام البيض ..... ... 155
??باب ثواب العشر الأواخر من رمضان ........ ... 156
? باب ثواب السحور ..................... ... 157
??باب ثواب تعجيل الفطر ............................ ... 158(2/34)
? باب ثواب من فطر صائماً .......................... ... 159
??باب ثواب الصائم إذا أكل عنده ....................... ... 159
? أبواب الصدقة ........................................ ... 160
??باب ثواب الصدقة وفضلها ......................... ... 161
? باب ثواب العامل على الصدقة والخازن إذا كانا أمينين ... 179
??باب الإيثار والمواساة ...................... ... 180
? باب ثواب صدقة السر ........................ ... 182
??باب ثواب الصدقة على الزوج والأقارب ............. ... 183
? باب ثواب القرض ............................... ... 186
??باب ثواب من يسر على معسراً أو أنظره أو وضع عنه ............. ... 187
? باب ثواب الإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله وتوكلاً عليه ... 191
??باب ثواب صدقة الفطر ...................... ... 197
? باب ثواب أداء الزكاة............... ... 199
??باب ثواب الكرم والجود والإنفاق .... ... 201
? باب ثواب إطعام الطعام لوجه الله تعالى ... 202
??أبواب الحج ........................................... ... 205
? باب ثواب من اعتمر في رمضان ................................. ... 213
·?باب ثواب من خرج حاجاً أو معتمراً فمات ... ... 214
? باب ثواب التواضع في الحج والتبذل ولبس الدون من الثياب إقتداء بالأنبياء عليهم السلام ................... ... 215
·?باب ثواب الأذكار في العشر الأول من ذي الحجة ... 216
? باب ثواب النفقة في الحج والعمرة ..... ... 217
·?باب ثواب التلبية والمتابعة بين الحج والعمرة ..... ... 218
? باب ثواب الطواف بالبيت واستلام الحجر الأسود والركن اليماني .. ... 219
·?باب ثواب من وقف بعرفة حاجاً ............ ... 222
? باب ثواب حلق الرأس ...................... ... 223
·?باب ثواب الشرب من ماء زمزم وما جاء في فضله. ... 224
? باب ثواب الخروج إلى أفضل المساجد ........ ... 225
·?باب ثواب فضل ما بين البيت والمنبر ...... ... 225
? باب ثواب الصلاة في مسجد قباء ............ ... 225(2/35)
·?باب ثواب الصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينة الشريفة ....... ... 226
? باب ثواب الصلاة في مسجد بيت المقدس .. ... 227
·?باب ثواب سكنى المدينة .............. ... 228
? باب ثواب وفضل يوم النحر ... 233
×?أبواب الجهاد ......................................... ... 235
? باب ثواب الجهاد في سبيل الله تعالى ..... ... 235
·?باب ثواب سؤال الشهادة في سيبل الله تعالى ... 241
? باب ثواب الحراسة في سبيل الله تعالى .......... ... 241
·?باب ثواب الرباط في سبيل الله تعالى........ ... 242
? باب ثواب من جهز غازيا أو خلفه في أهله ........... ... 245
·?باب ثواب رباط الخيل في سبيل الله تعالى والنفقة عليها ... 246
? باب ثواب الغدوة في سبيل الله تعالى والروحة .... ... 248
·?باب ثواب الشهيد في سبيل الله ......... ... 249
? باب ثواب الرمي في سبيل الله تعالى .... ... 253
·?باب ثواب الغزاة في البحر .......... ... 255
? باب ثواب من خرج إلى الجهاد في سيبل الله تعالى (فمات) ........ ... 257
·?باب ثواب من جرح في سبيل الله عز وجل .... ... 259
? باب ثواب المبطون الغريق ومن مات تحت الهدم ...... ... 260
·?باب ثواب من قتل كافراً.................... ... 261
? باب ثواب المشي والغبار في سبيل الله تعالى ...... ... 261
·?باب ثواب الحريق وصاحب الجنب والنفساء تموت وولدها في بطنها ... 262
? باب ثواب من قتل دون ماله أو دمه أو دينه أو أهله ... 263
·?باب ثواب من مات بالطاعون ... 263
? أبواب القرآن ......................................... ... 265
·?باب ثواب قراءة القرآن ............... ... 266
? باب ثواب من تعلم القرآن وعلمه لوجه الله تعالى ................. ... 272
·?باب ثواب قراءة سورة الفاتحة وفضلها .......... ... 274
? باب ثواب قراءة سورة البقرة وفضلها ....... ... 276
·?باب ثواب قراءة آية الكرسي وفضلها ........ ... 278
? باب ثواب قراءة خواتيم سورة البقرة وفضلها ..... ... 279
·?باب ثواب قراءة سورة الكهف وفضلها .............. ... 280(2/36)
? باب ثواب من قرأ سورة تبارك وفضلها ..... ... 282
·?باب ثواب قل هو الله أحد وفضلها ........... ... 282
? باب ثواب قراءة الزلزلة وما يذكر معها ......... ... 284
·?باب ثواب المعوذتين وفضلها ................ ... 284
? أبواب الذكر والدعاء ................................. ... 286
·?باب ثواب ذكر الله تعالى على الإطلاق وفي كل الأحوال .......... ... 287
? باب ثواب الدعاء عند الرفع من الركوع وفي الاعتدال. ... 292
·?باب ثواب فيما يقول من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها .... ... 293
? باب ثواب الأذكار بعد الصلاة وفضلها . ... 294
·?باب الحث على ذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح والمغرب .......... ... 295
? باب ثواب ذكر الله تعالى بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ...... ... 297
·?باب ثواب الأذكار بعد صلاة الصبح ............. ... 299
? باب ثواب حلق الذكر والاجتماع عليه ......... ... 300
·?باب ما يقوله عند القيام من المجلس .............. ... 303
? باب ثواب كلمة لا حول ولا قوة إلاّ بالله ........ ... 304
·?باب ثواب من تعوذ بكلمات الله التامات ......... ... 306
? باب ثواب كلمة التوحيد لا إله إلاّ الله ............ ... 307
·?باب ثواب من قالها عشر مرات ..................... ... 311
? باب ثواب من قالها مئة مره .............. ... 311
·?باب الذكر عندما يقول ما يسخط ربه عز وجل ... ... 314
? باب ثواب التسبيح وفضله ....................... ... 315
·?باب التسبيح بالأصابع وأنه أفضل من السبحة ........ ... 320
? باب ثواب الذكر طرفي النهار ................... ... 320
·?باب ثواب الاستغفار ............................ ... 327
? باب ثواب ما يقول حال خروجه من بيته ........... ... 333
·?باب ما يقوله من رأى في منامه ما يكرهه ............. ... 334
? باب ثواب ما يقول إذا استيقظ في الليل وأراد النوم بعده ... 335
·?باب ثواب ما يقول إذا كان يفزع من نومه ...... ... 335
? باب ثواب ما يقول إذا استيقظ من منامه ... 335(2/37)
·?باب ما يقول إذا أراد النوم واضطجع على فراشه ... ... 336
? باب ثواب ما يقول إذا لبس ثوباً ...... ... 341
·?باب ثواب الصلاة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ...... ... 341
? أبواب البيوع ........................................ ... 347
·?باب ثواب الاكتساب من جهات الحل والعمل باليد ... 348
? باب النصيحة في البيع وغيره ........ ... 349
·?باب الورع وترك الشبهات وما يحوك في الصدور . ... 350
? باب ثواب ما يقول إذا دخل السوق ... ... 352
·?باب ثواب السماحة في البيع والشراء والتقاضي والقضاء ........... ... 353
? باب ثواب البكور في طلب الرزق ............ ... 355
·?باب ثواب من أقال نادما بيعه .............. ... 355
? باب ثواب من أدان دينا وهو ينوي وفاءه ...... ... 356
·?باب ثواب في كلمات ما يقولها في قضاء الدين والمهموم والمكروب والمأسور......................... ... 358
? باب ثواب المملوك الذي يؤدي حق الله و حق مواليه.. ... 360
·?باب ثواب العتق ... 362
? أبواب النكاح ........................................ ... 365
·?باب ثواب النكاح سيما بذات الدين الولود ...... ... 366
? باب ثواب النفقة على العيال والزوجة ..... ... 368
·?باب ثواب من كان له ابنتان أو أختان فصبر عليهما وأحسن إليهما . ... 370
? باب ثواب من مات له ثلاثة من المواليد لم يبلغوا ... 372
·?باب ثواب من مات له ولدان ...... ... 373
? أبواب الطعام ........................................ ... 374
·?باب ثواب ما يقول إذا فرغ من الطعام وما جاء في لعق الأصابع ... ... 377
? باب آداب الأكل............ ... 378
·?باب أكل الخل................... ... 379
? باب ثواب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع ... 380
·?باب ثواب التسمية على الطعام .......... ... 381
? أبواب القضاء ......................................... ... 384
·?باب ثواب الوالي العادل ............... ... 385
? باب ثواب الشفقة على الضعفاء من خلق الله ورحمتهم والرفق بهم .. ... 387(2/38)
·?باب ثواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .... ... 389
? باب ثواب من ستر عورة أخيه المسلم....... ... 393
·?باب ثواب من حفظ فرجة خوفاً من الله تعالى.. ... 394
? باب العفو عن القاتل والجاني والظالم ....... ... 397
×?أبواب البر والصلة .................................... ... 398
? باب ثواب صلة الرحم ......... ... 399
·?باب ثواب بر الوالدين وطاعنها .. ... 400
? باب فضل بر أصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة وسائر ما يندب إكرامه............. ... 405
·?باب ثواب صلة الرحم و إن قطعت .... ... 407
? باب ثواب كفالة اليتيم والنفقة عليه ... 410
·?باب ثواب المسح على رأس اليتيم رحمة له وشفقة عليه ... 411
? باب ثواب الساعي على الأرملة والمسكين .... ... 412
·?باب ثواب حق الجار ............... ... 412
? باب زيارة أهل الخير ومجالستهم ................. ... 413
·?باب ثواب الضيافة وإكرام الضيف ................ ... 415
? باب ثواب من زرع زرعاً أو غرس شجراً مثمراً بنية صالحة ........ ... 416
·?باب ثواب من قضى حوائج إخوانه المسلمين .... ... 417
? باب ثواب إدخال السرور على المؤمن ...... ... 419
×?أبواب الأدب .......................................... ... 421
? باب ثواب الحياء وما جاء في فضله ..... ... 422
·?باب ثواب حسن الخلق وفضله ............. ... 422
? باب ثواب الرفق في الأمور كلها ................ ... 427
·?باب ثواب طلاقة الوجه وفعال آخر من الخير........ ... 429
? باب ثواب الحث على طيب الكلام وفضله... ... 430
·?باب ثواب السلام على المؤمن والأمر بإفشائه ....... ... 431
? باب ثواب المصافحة ... 431
·?باب ثواب من سلم إذا دخل بيته ......... ... 438
? باب الذين يعطون أجورهم مرتين ..... ... 438
·?باب ثواب من شاب شيبه في الإسلام ................. ... 439
? باب ثواب إكرام ذي الشيبة وذي القرآن ............. ... 440
·?باب ثواب العزلة عند فساد الناس ................ ... 440
? باب ثواب الحلم والفصح وكظم الغيض ................ ... 443(2/39)
·?باب ثواب احتمال الأذى ...................... ... 446
? باب ثواب من تواضع لإخوانه المؤمنين والعفو عن الزلات ......... ... 447
·?باب ثواب الاصلاح بين الناس ...................... ... 448
? باب ثواب دعاء نزول المنزل .................... ... 449
·?باب ثواب الاجتماع عند النزول .............. ... 450
? باب ثواب من رد غيبة أخيه المسلم وذب عن عرضه . ... 450
·?باب ثواب الصدق .................... ... 451
? باب ثواب إماطة الأذى عن الطريق .................. ... 453
·?باب ثواب دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب سيما المسافر ... 455
? باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب ...... ... 455
·?باب ثواب قتل الوزغ وما جاء في قتل الحيات وغيرها مما يذكر .... ... 456
? باب ثواب الحب في الله تعالى ............. ... 459
·?باب ما يقول إذا نزل منزلاً ..................... ... 465
467
·?باب ثواب التوبة إلى الله تعالى ...................... ... 468
? باب ثواب من عمل سيئة واتبعها حسنة ..... ... 473
·?باب ثواب العمل الصالح عند فساد الزمان .......... ... 473
? باب المداومة على العمل وإن قل ............. ... 474
·?باب ثواب الفقر والفقراء والمستضعفين وفضلهم ..... ... 475
? باب ثواب من زهد في الدنيا وأقبل على الله عز وجل ... 478
·?باب ثواب البكاء من خشية الله ............... ... 487
? باب ثواب البكاء ذكر الموت وقصر الأمل . ... 490
·?باب ثواب الخوف من الله عز وجل وخشيته والخوف من عقابه .... ... 493
? باب ثواب اليقين والتوكل ............ ... 497
·?باب ثواب من رزق كفافاً فقنع وصبر وتعفف ولم يسأل أحداً ثقة باله وتوكلاً عليه ................. ... 500
? باب ثواب من رجا الله وأحسن الظن به ....... ... 502
·?أبواب الجنائز وما يتقدمها .......................... ... 504
? باب ثواب من سأل الله العفو والعافية .... ... 505
·?باب ثواب من أحب لقاء الله تعالى ................ ... 505
? باب كلمات يقولهن من آلمه شيء من جسده ........ ... 506(2/40)
·?باب الحجامة................... ... 506
? باب ثواب المرض والسقم والبلاء ... 506
·?باب ثواب ما عاد مريضاً ......... ... 514
? باب ما يقول إذا رأى مبتلى بمرض أو غيره .... ... 518
·?باب ثواب من عاد مريضاً ............ ... 519
? باب ثواب الرقى وفضلها وما يقال على المريض من الدعاء ونحوه .. ... 519
·?باب ثواب الصبر على البلاء ................ ... 521
? باب استحباب التبشير ...................... ... 527
·?باب ثواب من كان آخر كلامه لا إله إلا الله ........... ... 529
? باب ثواب تغسيل الميت وكتم ما يرى من مكروه ..... ... 529
·?باب ثواب من صلى عليه مائة من المسلمين أو أربعون أو ثلاثة صفوف ... ... ... ... ... ... 530
? باب ثواب من مات غريباً .............. ... 531
·?باب ثواب ما يقول من مات له ميت ......... ... 531
? باب ثواب من شهد ميتاً حتى يصلي عليه أو يدفن ... 532
·?باب ما يقول إذا صابة هم أو حزن ....... ... 534
? باب ثواب من أثنى عليه الناس بعد موته خيراً ..... ... 535
·?باب ثواب زيارة القبور ........... ... 536
? أبواب صفة الجنة ..................................... ... 537
·?فصل في صفة دخول أهل الجنة وغير ذلك .. ... 539
? فصل في أبواب الجنة ........... ... 541
·?فصل فيما لأدنى أهل الجنة فيها ... 542
? فصل في درجات الجنة وغرفها .................. ... 543
·?فصل في بناء الجنة .......................... ... 544
? فصل في نظر أهل الجنة إلى ربهم تبارك وتعالى . ... 545
·?فصل في سوق الجنة ................ ... 546
? فصل أكل أهل الجنة وشربهم وغير ذلك .. ... 546
·?فصل في ثيابهم وحللهم ونسائهم ............ ... 547
? فصل في أنهار الجنة ............... ... 549
·?فصل في خيام الجنة وغرفها وغير ذلك ........ ... 550
? فصل في الخيل في الجنة ... ... 550
·?فصل في خلود أهل الجنة فيها وأهل النار فيها وما جاء في ذبح الموت ... 551
? الفهارس ................................................... ... 553
???????(2/41)
الكتب التي صدرت للمؤلف بفضل الله وحده
1- إتحاف ذوي الألباب بما في الأقوال والأفعال من الثواب. طبع دار النفائس عمان.
قرأه وقدم له فضيلة الشيخ محمد إبراهيم شقرة .
2- تحذير الأنام بما في الأقوال والأفعال من الآثام . طبع دار النفائس عمان .
قرأه وقدم له فضيلة الشيخ محمد إبراهيم شقرة .
3- آداب اللسان فيما يخص اللسان من خير أو شر في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف.دار النفائس.
4- الرواة الذين ترجم لهم العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى من إرواء الغليل ومقارنتها بأحكام الحافظ ابن حجر رحمه الله، ويليه الفوائد الفقهية والحديثية. طبع مكتبة الصحابة الإمارات الشارقة .
5- رحلة العلماء في طلب العلم . طبع دار النفائس عمان .
6- صحيح الطب النبوي في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف. طبع دار النفائس عمان.
8- أشراط الساعة الكبرى . طبع مكتبة عباد الرحمن ، ومكتبة العلوم والحكم القاهرة .
9- قصص وعبر وعظات من سيرة الصحابيات.طبع مكتبة عباد الرحمن ، ومكتبة العلوم والحكم القاهرة.
10- تحذير الخلان من فتنة آخر الزمان المسيح الدجال . طبع دار النفائس عمان .
11- تنزيه كلام خير الأنام عما لا يصح من أحاديث الصيام . طبع مكتبة الصحابة ، ومكتبة أهل الحديث الإمارات الشارقة ، ومكتبة التابعين القاهرة .
12- نزْهَة العِبَاد بِفَوَائِد زَاد المعَادْ .طبع مكتبة المعارف بيروت ومكتبة الصحابة الإمارات الشارقة، مكتبة التابعين القاهرة .
13- ابن لك بيتاً في الجنة . طبع الأردن .
14- خمسة أخطاء في الصلاة . طبع الأردن .
15- فضل الصيام والاستقامة على الأعمال . طبع الأردن .
16- رد السهام الطائشة في الذب عن أمنا السيدة عائشة .
18- تذكير الأحبة بما لهم من الأجر في الصدقة . طبع مكتبة أهل الحديث الإمارات الشارقة.
19- تحفة الأقران بفضل القرآن . طبع مكتبة أهل الحديث الإمارات الشارقة .
20 - أحكام المرأة المسلمة .(2/42)
21 – القول المبين في قصص الظالمين . طبع مكتبة عباد الرحمن ، مصر .
22- وجوب طاعة ولاة الأمر بالمعروف وعدم الخروج عليهم .
23- كشف الإلباس عن مسائل الحيض والنفاس .
وهناك كتب تحت الطبع في مكتبة المعارف في الرياض :
1- الياقوت والمرجان في وصف الجنة والحور الحسان .
2- إتحاف الصالحين بسيرة أمهات المؤمنين .
3- جواب السؤول عن سيرة بنات وعمات الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
4- مكانة الصلاة وفضلها في الإسلام .
5- إعلام الأصحاب بما في الإسلام من الآداب .
6- معاني الأذكار وثوابها .
7- يبتدعون ولا يعلمون .
8- إعلام شباب الإسلام بحرمة التفجيرات والخروج على الحكام .
9- إعلام الجماعة عن الفتن والأحداث .
10- حفظ اللسان والتحذير من الغيبة والبهتان ، ويليه تحذير المسلم بما في الحسد من الإثم، ويليه تحصين البيت والأولاد من كيد الشيطان .
11- سباق أهل الإيمان إلى قصور الجنان . طبع مكتبة الصحابة الشارقة .
12- الثواب في بناء المساجد والمشي إليها .
13- تذكير الأحبة بما لهم من الأجر في الصدقة .
14- أحلى الكلام عن صلة الأرحام .
15- تحفة الأقران بفضل القرآن .
وكتب تحت الطبع أيضاً :
1- سلوك المرأة المسلمة .
2- فتاوى عطاء في الحج .
3- الجمعة أحكام وآداب .
وإني لأرجو من كل أخٍ كريم يطلع على أي مؤلف من هذه المؤلفات إذا وجد خطأ أن يعلمني به، عملاً بحديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : "الدين النصيحة"، و "رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي" حتى نحق الحق، ولم آلُ جهداً من تحري الحق ، فإن وُفقت إليه فإنه من فضل الله عليَّ ، وله المنّة وحده، وإن كانت الأخرى فحسبي أنّي قد بذلت قصارى جهدي في جمع الأدلة الصحيحة والأخذ من علماء الإسلام، مع الحرص على معرفة الحق والصواب .(2/43)
علماً أن كل ما كتبت في أي موضع هي نقولات من كتب أهل العلم، وأشرت في غالبها إلى قائليها، وقسم يسير لم أعزو لمن قاله أما بسبب لم أتمكن من قائله أو تقصيراً مني، وأسأل الله أن يجزل المثوبة لكل من أخذت منه وأن يجعله في ميزان حسناتهم، وأستغفر الله وأتوب إليه إنه تواب رحيم .
قال الشافعي رحمه الله تعالى: لقد أَلَّفتُ هذه الكتب ولم آلُ جهداً فيها، ولابُدَّ أن يُوجد فيها الخطأ، لأنَّ الله تعالى يقول: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً). النساء (82) فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالفُ الكتابَ والسُّتة، فقد رجعت عنه، أخرجه عبدالله بن شاكر في مناقب الشافعي كما في كشف الخفاء (1/35) .
بالمناسبة يُروى في هذا المعنى حديثٌ لا أصل له بلفظ: "أبى الله أن يصح إلا كتابه . وقد أورده علي القاري في الموضوعات، والشوكاني في الفوائد المجموعة .
وإني متراجع عما يصدر مني من خطأ في أي موضع مما كتبت وأستغفر الله منه، تأسياً بقول بعض سلفنا الصالح: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"، وأستغفر الله ذا الكمال من خطئي ، وما زل به قلمي، ودينُ الله بريء منه ، وأنا تائب عنه ، والله خيرُ مأمول ألا يضيع سعينا ، ولا يخيب رجاءنا ، وهو حسبنا ونعم الوكيل. والله الموفق ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وجزاكم الله خيراً .
المؤلف
ماجد إسلام البنكاني
أبو أنس العراقي
نزيل الإمارات العربية المتحدة/عجمان
جوال 00971502040542(2/44)