إيساغوجي
لأثير الدين المفضل بن عمر الأبهري
( 630 هـ )
قْالَ الشَّيْخُ الأمَامُ أَفْضَلُ المُتَأخِّرِينَ ، قُدْوَةُ الحُكَمَاءِ الرَّاسِخِينَ أَثِيرُ الدِّينِ الأَبْهَرِيُّ ، طَيَّبَ اللَّه ثَرَاهُ ، وَجعَلَ الجَنَّةَ مَثْوَاهُ ، نَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى تَوْفِيقِهِ ، وَنَسْأَلُهُ هَدَايَةَ طَرِيقِهِ ، وَنُصَلِّي عَلَى سَيدِنَاِ مُحَمَّدٍ وَعِتْرَتِهِ أَجْمَعِينَ .
وَبَعْدُ : فَهذِهِ رسَالَةٌ في المَنْطِقِ ، أَوْرَدْنَا فِيهَا مَا يَجِبُ اسْتِحْضَارُهُ لِمَنْ يَبْتَدِئُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعُلُومِ ، مُسْتَعِيناً بِاللَّهِ تَعالى إِنَّهُ مُفِيضُ الْخَيْرِ وَالجُودِ .(1/1)
إيسَاغُوجِي : اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى تَمَامِ مَا وُضِعَ لَهُ بِالْمُطَابقَةِ وَهُوَ عَلَى جُزْئِهِ بِالتَّضَمُّنِ إِنْ كَانْ لَه جُزْءٌ وَعَلَى مَا يُلاَزمُهُ فِي الذِّهْنِ الالْتزامِ كالإِنْسَانِ ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الحَيَوَانِ النَّاطِقِ بِالمُطَاَبقَةِ ، وَعَلَى أَحَدَهِمَا بِالتَّضمُّنِ ، وَعَلَى قَابِلِ التَّعَلُمِ ، وَصِنَاعَةِ الكِتَابةِ : بالالْتزَامِ ، ثُمَّ اللَّفْظُ إِمَّا مُفْرَدٌ وَهُوَ الذِي لاَ يُرَادُ بِالجزْءِ مِنْهُ دِلاَلَةٌ عَلَى جُزْءِ مَعْنَاهُ كَالإِنْسَانِ ، وإمَّا مُؤَلَّفٌ وَهُوَ الَّذي لاَ يَكُونُ كَذْلِك كَرامِي الحِجَارَةِ ، وَالمُفْرَدُ إِمَّا كُلِّيٌّ وَهُوَ الَّذِي لاَ يمْنَعُ نَفْسُ تَصَوُّرِ مَفْهُومِهِ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ ، وإمَّا جُزْئيٌّ وهُوَ الَّذِي يَمْنَعُ نَفْسُ تصَوُّرِ مَفْهُومِهِ مِنْ ذلِكَ ، كَزَيْدٍ عَلَماً ؛ والْكُلِّيُّ إِمَّا ذَاتيٌّ وَهُوَ الَّذي يَدْخُلُ في حَقِيقَةِ جُزْئِيَّاتِهِ كَالحَيَوَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِنْسَانِ وَالْفرَسِ ، وإمَّا عَرَضِيٌّ وَهُوَ الَّذِي يُخَالِفُهُ كَالضَّاحِك بِالنِّسبَةِ إِلَى الإِنسَانِ ، وَالذَّاتِيُّ إِمَّا مَقُولٌ في جَوَابِ مَا هُوَ بِحَسَبِ الشَّرِكَةِ المحضَةِ ، كَالحَيَوَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ ، وَهُوَ الْجِنْسُ ، وَيُرْسَمُ بِأَنَّهُ كُلِّيٌّ مَقُولٌ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِين بِالحقائِقِ فِي جَوَابِ مَا هُوَ : وَإِمَّا مَقُولٌ فِي جَوَابِ مَا هُوَ بِحَسَبِ الشَّرِكَةِ وَالخُصُوصِيَّةِ مَعاً ، كَالإِنسَانِ بِالنِسبَةِ إِلَى أَفْرادِهِ نَحْوُ زيْدٍ وَعَمْرٍو وَهُوَ النَّوْعُ ، وَيُرْسَمُ بَأَنَّهُ كُلِّيٌّ مَقولٌ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالْعَدَدِ دُونَ الحَقِيقَةِ فِي جَوَابِ مَا هُوَ ، وإِمَّا غَيْرُ مَقُولٍ فِي جَوابِ(1/2)
مَاُ هُوَ بَلْ مَقُول في جَوَابِ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ فِي ذَاتِهِ ، وَهُوَ الَّذِي يُمَيِّزُ الشَّيْءَ عَمَّا يُشَارِكُهُ فِي الْجِنْسِ كَالنَّاطِقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِنْسَانِ ، وَهُوَ الْفَصْلُ ، وَيُرْسَمُ بِأَنَّهُ كُلِّيٌّ يُقَالُ عَلَى الشَّيْءِ فِي جَوَابِ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ فِي ذَاتِهِ ، وَأَمَّا الْعَرَضِيُّ فَإِمَّا أَنْ يَمْتَنعَ انْفِكاكُهُ عَن المَاهيَّةِ ، وَهُوَ الْعَرضُ الَّلازِمُ ، أَوْ لاَ يَمْتَنعَ وَهُوَ الْعَرَضُ المُفَارِقُ ، وَكُلُّ وَاحدٍ مِنْهُمَا إِمَّا أن يَختَصَّ بِحَقِيقَةٍ وَاحِدةٍ وَهُوَ الخَاصَّةُ كَالضَّاحِك بِالْقُوَّةِ وَالْفِعْلِ لِلإِنْسَانِ ، وَتُرْسَمُ بِأنَّهَا كُلِّيَّةٌ تُقَالُ عَلَى ما تَحْتَ حَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ قَوْلاً عَرَضِيّاً ، وَإِمَّا أَنْ يَعُمَّ حَقَائِقَ فَوْقَ وَاحِدَة وَهُوَ الْعَرَضُ الْعَامُّ كَالمُتَنَفِّسِ بِالْقوةِ وَالْفِعْلِ بِالنِّسبَةِ للإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ مِنَ الحَيَوانَاتِ وَيُرْسَمُ بِأّنَّهُ كُّلِّيٌّ يُقَالُ عَلَى مَا تَحْتَ حَقَائِقَ مُخْتَلِفَةٍ قوْلاً عَرَضِيّاً .
القَوْلُ الشَّارِحُ(1/3)
الحَدُّ قَوْلٌ دَاْلٌ عَلَى مَاهِيَّةِ الشَّيْءِ ، وَهُوَ الذي يَتَرَكَّبُ مِنْ جِنْسِ الشَّيْءِ وَفَصْلِهِ الْقَرِيبَيْنِ ، كَالحَيَوَانِ النَّاطِقِ بِالنِّسبَةِ إِلَى الإِنْسَانِ وَهْوَ الحَدُّ التَّامُّ وَالحَدُّ النَّاقِصُ وَهْوَ الَّذِي يَتَرَكَّبُ مِنْ جِنْسِ الشَيْءِ الْبَعِيدِ وَفَصلِهِ الْقَرِيبِ ، كَالجِسْمِ النَّاطِقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِنْسَانِ ، وَالرَّسْمُ التَامُّ وَهُوَ الَّذِي يَتَرَكَّبُ مِنْ جِنْسِ الشَّيءِ الْقَرِيبِ وَخوَاصِّهِ الَّلاَزِمَةِ لَهُ كَالحَيَوَانِ الضَّاحِك في تَعْرِيّفِ الإِنْسَانِ ، وَالرَّسْمُ النَّاقِصُ ، وَهُوَ الَّذِيَ يَتَرَكَّبُ مِنْ عَرَضِيَّاتٍ تَخْتَصُّ جُمْلَتُهَا بِحَقَيقَةٍ وَاحِدَةٍ كَقَوْلِنَا فِي تَعْرِيفِ الإنْسَانِ إنَّهُ مَاشٍ عَلَى قَدمَيْه ، عَرِيضُ الأَظْفَارِ ، بَادِي الْبَشَرَةِ ، مُسْتَقِيمُ الْقَامَةِ ، ضَحَّاك بِالطَبْعِ .
القضايَا(1/4)
الْقَضِيَّة قَوْلٌ يَصِحُّ أَن يُقَالَ لِقَائِلِهِ إِنَّهُ صَادِقٌ فِيه أَوْ كَاذِبٌ ، وَهِيَ إِمَّا حَمْلِيّةٌ كَقَوْلنَا زَيْدٌ كَاتِبٌ ، وإمَّا شَرْطِيَّةٌ مُتَّصلَةٌ كَقَوْلِنَا إِنْ كَانَت الشَّمْسُ طَالِعَةً فالنَّهَارُ مَوْجُودٌ ، وَإِمَّا شَرْطِيّةٌ مُنْفَصِلَةٌ كَقَوْلنَا : الْعَدَدُ إمَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجاً أَوْ فَرْداً ، وَالجُزْءُ الأَوَّلُ منَ الحمْليَّة يُسَمَّى مَوضُوعاً ، وَالثَّانِي مَحْمُولاً ، وَالجُّزّءُ الأَوَّلُ مِن الشّرْطِيَّةِ يُسَمَّى مُقدَّماً ، وَالثَّانيِ تَالياً ، وَالْقَضِيّةُ إِمَّا مُوجَبَةٌ كَقَوْلِنَا زَيْدٌ كَاتِبٌ ، وَإِمَّا سَالِبَةٌ كَقَوْلنَا زَيْدٌ لَيْسَ بِكَاتِبٍ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ منْهُمَا إِمَّا مَخْصُوصَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَإِمَّا كُلِّيّةٌ مُسَوَّرَةٌ كَقَولنَا كُلُّ إِنْسَانٍ كَاتِبٌ ، وَلا شَيْءَ مِنَ الإِنْسَانِ بِكاتبٍ ، وَإِمَّا جُزئِيَّةٌ مُسَوَّرَةٌ كَقَوْلنَا بَعْضُ الإِنْسَانِ كاتِبٌ ، وَبَعْضُ الإِنْسَانِ لَيْسَ بِكَاتِبٍ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَذلِك ، وَ تُسَمَّى مُهْمَلَةً كَقْولنَا الإِنْسَانُ كَاتِبٌ والإِنْسَانُ لَيْسَ بِكَاتِبٍ ، والمُتَصِلَة إِمَّا لُزُومِيّةٌ كَقَولنَاِ : إِنْ كَانَتِ الشَّمْسُ طَالِعَةً فالنَّهَارُ مَوْجُود ، وَإِمَّا اتَفَاقِيّةٌ كَقَوْلنَا : إِن كَانَ الإِنْسَانُ نَاطِقاً فَالْحِمَارُ ناهِقٌ ، وَالمُنْفَصِلَةُ إِمَّا حَقِيقِيَّةٌ كَقَوْلِنَا : الْعَدَدُ إِمَّا زَوْجٌ وإمَّا فَرْدٌ ، وَهِيَ إِمَّا مَانِعَةُّ الجَمْعِ وَالْخُلُوِّ مَعاً كَمَا ذَكَرْنَا وَإَمَّا مَانِعَةُ الِجَمْعِ فّقَطْ كَقَوْلِنَا : هذَا الشَّيْءُ إِمَّا أَنْ يَكْونَ شَجَراً أَوْ حَجَراً ، وَإِمَّا مَانعَةُ الْخْلُوِّ فَقطْ كَقَوْلِنَا :(1/5)
زيْدٌ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِيْ البَحرِ ، وإمَّا أَنْ لاَ يَغْرَقَ ، وَ قَدْ تَكُونُ المُنْفصِلاتُ ذَوَاتِ أجْزَاءٍ كَقَوْلِنَا : الْعَدَدُ إِمَّا زَائِدٌ أَوْ نَاقِصٌ أَوْ مُسَاوٍ .
التَّنَاقُضُ
هُوَ اخْتِلاَفُ القَضيَّتَيْن بِالإِيجابِ وَالسَّلْبِ بِحَيْثُ يَقْتَضِي لِذَاتِهِ أَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا صَادِقَةً وَالأُخْرَى كاذِبةٌ : كَقَوْلِنَا زَيْدٌ كَاتِبٌ ، زَيْدٌ لَيْسَ بِكَاتبٍ ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ ذلِك إلاَّ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا فِي المَوْضُوعِ وَالمَحْمُولِ والزمَانِ وَالمكانِ وَالإِضَافَةِ وَالقُّوَّةِ وِالْفِعْلِ وَالجُزْءِ وَالكُلِّ وَالشَّرطِ نَحوُ زَيْدٌ كَاتِبٌ ، زَيْدٌ لَيسَ بِكَاتِبٍ فَنَقيضُ المُوجَبَةَِ الْكُلِّيَّةِ إِنَّمَا هِيَ السَّالبَةُ الجُزْئِيَّةُ كَقَوْلِنَا كُلُّ إِنْسَانٍٍ حَيَوَانٌ ، وَبَعْضُ الإِنْسَانِ لَيْسَ بِحَيَوَانٍ ، وَنَقِيضُ السالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ إِنَّمَا هِيَ المُوجَبَةُ الجُزْئيَّةُ كَقَوْلِنَا : لاَ شَيْءَ مِنَ الإِنْسَانِ بِحَيَوَانٍ ، وَبَعْضُ الإِنْسَانِ حَيَوَانٌ ، وَالمَحْصُورَتَانِ لاَ يَتَحقَّقُ التَّنْاقُضُ بَينَهُما إِلاَّ بَعْدَ اخْتلافِهِمَا فِي الكَمِّيَّةِ لأَنَّ الْكُلِّيَّتَيْن قدْ تَكْذِبَانِ كَقَوْلِنَا كُلُّ إِنْسَانٍ كَاتِبٌ ، وَلاَ شَيْءِ مِنَ الإنْسَانِ بِكَاتِبٍ ، وَالجُزئيَّتَيْنِ قَدْ تَصْدُقَانِ كَقَوْلِنا : بَعْضُ الإِنْسَانِ كَاتِبٌ ، وَبَعْضُ الإِنْسَانِ لَيْسَ بِكَاتِبٍ .
العكس(1/6)
…هُوَ أَنْ يَصِيرَ المَوْضُوعُ مَحْمُولاً ، والمَحْمُولُ مَوضُوعاً مَعَ بَقَاءِ السَّلْبِ ، وَالإِيجَابِ بِحَالِهِ وَالتَصْدِيقِ وَالتكْذِيبِ بِحَالِهِ ، وَالمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ لاَ تَنْعَكِسُ كُلِّيَّةٌ إِذْ يَصْدُقُ قَوْلُنَا : كُلُّ إِنْسَانٍ حَيْوَانٌ ، وَلاَ يَصْدُقُ كُلُّ حَيَوَانٍ إِنْسَانٌ بَلْ تَنْعَكِسُ جُزئْيّةًُ لأَنَّنا إِذَا قُلْنَا : كُلُّ إِنْسَانٍ حَيَوَانٌ ، يَصْدُقُ بَعْضُ الحَيَوَانِ إِنْسَانٌ ، فَإِنَّا نَجِدُ شَيْئاً مَوْصُوفاً بَالإِنْسَانِ وَالحَيَوَانِ فَيَكُونُ بَعْضُ الحَيَوَانِ إِنْسَاناً ، وَالمُوجَبَةُ الجُزئيَّةُ أَيْضاً تَنْعَكِسُ جُزئْيَّةً بِهذِهِ الحُجَّةِ ، وَالسَّالِبَةُ الْكُلِّيةُ تَنْعَكِسُ سَالِبَةً كُلِّيَّةً ، وَذلِك بيِّنٌ بِنَفْسِهِ لأَنَّهُ إِذَا صَدَقَ لاَ شَيْءَ مِنَ الإِنْسَانِ بِحجَرٍ ، صَدَقَ لاَ شَيْءَ مِنَ الحَجَرِ بِإِنْسَانٍ ، وَالسَالِبَةُ الجُزئيةُ لاَ عَكْسَ لَهَا لُزُوماً ، فَإنَّهُ يَصْدُقُ بَعْضُ الحَيَوَانِ لَيْسَ بِإِنْسَانٍ ، وَلاَ يَصْدُقُ عَكسُهُ .
الْقِيَاسُ
هُوَ قَوْلٌ مَلْفُوظٌ أَوْ مَعْقُولٌ مُؤَلَّفٌ مِنْ أَقْوَالٍ مَتَى سُلِّمَت لَزِمَ عَنْهَا لِذَاتِهَا قوْلٌ آخَرُ ، وَهُوَ إِمَّا(1/7)
اقْتِرَانِي كَقَوْلنَا : كُلُّ جِسمٍ مُؤَلَّفٌ وَكُلُّ مُؤَلَّفٍ حَادِثٌ فَكُلُّ جِسْمٍ حَادِثٌ ، إِمَّا اسْتِثْنَائِي كَقَوْلِنَا : إِنْ كَانَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً فَالُنهَارُ مَوْجودٌ لكِنَّ النَّهَارُ ليس بِمَوْجُودٍ فَالشَّمسُ لَيسَتْ بِطَالعَةٍ وَالمُكَرَّرُ بَيْنَ مُقَدِّمَتَيِ الْقيَاسِ يُسَمَّى حَدّاً أَوْسَطَ ، وَموْضوعُ المَطلُوبِ يُسَمَّى حَدّاً أَصْغرَ ، ومَحْمُولُه يُسَمَّى حَدّاً أَكبَرَ ، وَالمُقَدِّمَةُ الَّتِي فِيهَا الأَصْغَرُ تُسَمَّى صُغْرَى ، وَالَّتِي فِيهَا الأَكْبَرُ تُسمَّى كُبْرَى ، وَهَيْئَةُ التَألِيفِ تُسَمَّى شَكْلاً ، والأَشْكَالُ أَرْبَعَةٌ لأَنَّ الحَدّ الأَوْسَطَ أَنْ كانَ محْمُولاً عَلَي الصُّغْرَى مَوْضُوعاً فِي الْكُبْرَى فَهُوَ الشَّكْل الأَوَّلْ ، وَإِنْ كَانَ بِالعَكْسِ هُوَ الرَّابِعُ وإنْ كَانَ مَوْضُوعاً فِيهِمَا فَهُوَ الثَّالِثُ وَإِنْ كَانَ مَحْموُلاً فِيهِمَا فَهوَ الثَّانِي ، وَالشَّكْلّ الثَّانِي مِنْهَا يَرْتدُّ إِلَى الأَوَّلِ بِعَكْسِ الْكُبْرَى وَالثَّالِثُ يَرْتَدُّ إِلَيهِ بِعَكْسِ الصُّغْرَى وَالرَّابِعُ يَرْتَدُّ إِلَيْهِ بِعكْسِ التَّرتِيبِ أَوْ بِعَكْسِ المقَدَّمَتَيْنِ جَمِيعاً ، وَالْكَامِلُ الْبَيِّنُ الإِنْتَاجِ هُوَ الأَوَّلُ ، وَالشَّكْلُ الرَّابِعُ مِنْهَا بَعِيدٌ عنِ الطَّبعِ جِدّاً ، والَّذِي لَهُ طَبْعٌ مُسْتَقِيمٌ وَعَقْلٌ سَلِيمٌ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى رَدِّ الثَّانِي إلى الأَوَّلِ ، وإنَّمَا يُنْتجُ الثَّانِي عِنْدَ اخْتِلاَفِ مُقَدِّمَتيْهِ بِالإٍيجَابِ وَالسَّلْبِ ، وَالَشَّكلُ الأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يُجْعَلُ مِعْيَاراً لِلعُلُومِ ، فَنُورِدُهُ هُنَا لِيُجْعَلَ دُسْتُوراً ، وَليُسْتَنْتجَ مِنْهُ المَطَالِبُ كُلُّهَا وَشَرْطُ إِنْتَاجِهِ إِيجَابُ الصُّغرَى وَكُلِّيِّةُ الْكُبْرَى ، وَضْروبُه(1/8)
المُنْتِجَةُ أَرْبَعَةٌ : الضَّرْب الأَوَّلُ كُلُّ جِسمٍ مُؤَلَّفٌ وَكلُّ مُؤَلَّف مُحْدَثٌ فَكُلُّ جِسْمٍ مُحْدَثٌ ، الثَّانِي كُلُّ جِسْمٍ مُؤَلَّفٌ وَلاَ شَيْءَ مِنَ المُؤَلَّفِ بِقَدِيمٍ ،فلاَ شَيْءَ مِنَ الْجِسْمِ بِقَدِيمٍ ، الثَّالِثُ بَعْضُ الْجِسْمِ مُؤَلَّفٌ وَكُلُّ مُؤَلَّفٍ حَادِثٌ فَبَعْضُ الْجِسْمِ حَادِثٌ ، الرَّابِعُ بَعْضُ الْجِسْمِ مُؤَلَّفٌ وَلا شَيْءَ مِنَ المُؤّلَّفِ بِقَدِيمٍ فَبَعْضُ الْجِسْمِ لَيْسَ بِقَدِيمٍ . وَالْقِيَاسُ الاقْتِرَانِيُّ : إِمَّا أَنْ يَتَرَكَّبَ مِنْ حمْلِيَّتينِ كَمَا مَرَّ وإمَّا مُتَّصِلَتَيْنِ ، كَقَوْلِنَا : إِنْ كَانَتِ الشَّمْسُ طَالِعَةٌ فَالنَهَارُ مَوْجُودٌ وكُلَّمَا كَانَ النَّهَارُ مَوجُوداً فالأَرْضُ مُضِيئَةٌ يُنْتجُ إِنْ كَانَتِ الشَّمْسُ طَالِعَةٌ فالأَرْضُ مُضِيئَةٌ ، وَإِمَّا مُرَكَّبٌ مِنَ مُنْفَصِلَتَيْن ، كقَوْلِنَاِ : كُلُّ عَدَدٍ إِمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ وَكُلُّ زَوْجٍ فَهُوَ إِمَّا زَوْجُ الزوْجِ أَوْ زَوْجُ الْفَردِ ، يُنْتجُ كُلُّ عَدَدٍ إِمَّا فَرْدٌ أَوْ زوْجُ الزَّوْجِ أَو زَوْجُ الفَرْدِ ، وَاسْتِثْنَاءُ نَقيضِ التَّالِي يُنْتجُ نَقَيضَ المُقَدَّمِ ، كَقَوْلِنَا : إِن كانَ هذَا الشَّيءُ إِنْسَاناً فَهُوَ حَيَوَانٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِحَيَوَانٍ فَلاَ يَكُونُ إِنْسَاناً ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً حَقِيقِيَّةً فَاسْتِثْنَاءُ عَيْنِ أَحَدِ الجُزْءَيْنِ يُنْتجُ نَقِيضَ الجُزْءِ الثَّانِي ، كَقَوْلنَا : الْعَدَدُ إِمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ لكِنَّهُ زَوْجٌ يُنْتجُ أَنَّهُ لَيْس بِفَرْدٍ أَوْ لكِنَّهُ فَرْدٌ يُنْتجُ أَنَّهُ لَيْسَ زَوْجاً ، وَاستِثْنَاءُ نَقِيضِ أَحَدِهِمَا يُنْتجُ عَيْنَ الثَّانِي .
الْبُرْهَانُ(1/9)
هُوَ قِيَاسٌ مُؤَلَّفٌ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ يَقِينيَّةٍ لإِنْتَاجِ الْيَقِينِيَّاتِ ، وَالْيَقِينِيَّاتُ أَقْسَامٌ .
أَحَدُهَا أَوَّلِيَّاتٌ ، كَقَوْلِنَا : الوَاحِدُ نِصْفُ الاثْنَيْن وَالكُلُّ أعظَمُ مِنَ الجُزْءِ ، وِمُشَاهَدَاتٌ كَقَوْلنَا : الشَّمْسُ مُشْرِقَةٌ وَالنَّارُ مُحرِقَةٌ ، وَمُجَرَّبَاتٌ كَقَوْلِنَا : السَّقَمُونِيا مُسَهِّلَةٌ لِلصَّفْرَاءِ ، وَحَدْسِيَّاتٌ كَقَولِنَا : نُورُ الْقَمَرِ مُسْتَفَادٌ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ ، وَمُتَوَاتِرَاتٌ كَقَوْلِنَا : مُحَمَّدٌ صَلَى اللَهُ عَلِيهِ وسلَّم ادَّعى النُّبوَّةَ ، وَظَهَرَتِ المُعجِزَةُ عَلَى يَدِهِ وّقَضَايَا قِيَاسَاتُها مَعَهَا ، كَقَوْلِنَا : الأَرْبَعَةُ زَوْجٌ بِسَبَبِ وَسَطٍ حَاضِرٍ فِي الذِّهْنِ وَهُوَ الانْقِسَامُ بِمُتَسَاوِيَيْنِ .
وَالجَدَلُ
وَهُوَ قِيَاسٌ مُؤَلَّفٌ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ مَشْهُورَةٍ لاَ مُسَلَّمَةٍ عِنْدَ النَّاسِ أَوْ عِنْدَ الخَصْمَيْن ، كَقَوْلِنَا : الْعَدْلُ حَسَنٌ وَالظُّلْمُ قَبِيحٌ .
وَالخَطَابَةُ
وَهِيَ قِيَاسٌ مُؤَلَّفٌ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ مَقْبُولَةٍ مِنْ شَخْصٍ مُعْتقَدٍ فِيهِ أَوْ مَظنْونَةٍ .
وَالشِّعْرُ
وَهُوَ قِيَاسٌ مُؤَلَّفٌ مِنْ مُقدَّمَاتٍ مَقْبُولَةٍ مُتَخَيَّلَةٍ تَنْبَسِطُ مِنهَا النَّفْسُ أَوْ تنْقَبِضُ .
وَالمُغَالَطَةُ
وَهِيَ قِيَاسٌ مُؤَلَّفٌ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ كَاذِبةٍ شَبِيهَةٍ بِالْحَقِّ أَوْ بِالْمَشْهُورِ أَو مِنْ مُقَدِّمَاتٍ
وَهْمِيَّةٍ كَاذِبةٍ ، وَالْعُمْدَةُ هُوَ الْبُرْهَانُ لاَ غَيْرُ . انْتَهى .(1/10)