إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
نسرين السعدون
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
أما بعد .....أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسطر في هذه الرسالة بعض ما أطلعت عليه من قصص للأنبياء وقصص واقعيه
فيها من الحوادث والعبر وفيها من وسائل الاتصال مع الخالق التي
أهملناها وأصبحنا نركض ونلهث خلف السراب ...
قال تعالى :
(لقد كان في قصصهم لعبرة لأولي الألباب)
**********
أنا رجل ومعي صاحبي نتعاون دائماً على سرقة الناس وفي أحد الأيام أتى رجل على راحلته ومعه
أمتعة وسلاح فقلت لصاحبي كيف نستطيع سرقة هذا الرجل وهو معه سلاح
ففكرت بفكرة وقلت لصاحبي إذا اقترب الرجل منا أستلقي على الأرض ومثل أنك ميت
وأنا سأبكي وأقول ساعدني أيها الرجل في تغسيل صاحبي وتكفينه ودفنه
فاتفقنا على ذلك وما أن اقترب الرجل حتى استلقى صاحبي على الأرض وأخذت ابكي وأولول
فقلت للرجل ساعدني إن صاحبي قد مات وأريد أن اغسله وادفنه فنزل الرجل من على راحلته وهم بحمل صاحبي معي فإذا بي أجهشت بالبكاء
فقال الرجل ما خطبك ؟ ما الذي يبكيك فأنت حينما رأيتني لم تكن تبكي مثل هذا البكاء
فقلت صأصدقك الخبر
هممت أنا وصاحبي أن نسرقك فاتفقنا على أن نمثل عليك انه قد مات
فأماته الله حقاً.
لنتفكر في هذه القصة إخوتي ...
ما الفائدة التي استنتجتها من هذه القصة؟
هل تظن أن الله خلقك ونساك؟
هل تظن أن الله ظلمك بما يحدث لك من أمور ومصائب؟
هل تظن أن من اعتدى عليك سيمهله الله ولن يأخذ لك حقك؟
هل تظن أن هناك من هو ارحم بك من ربك؟
إذاً فما الذي يحزنك وأنت لك رب متكفل بك وحافظك ورازقك!!
نادى منادٍ وقال ( أني مغلوب فأنتصر)
انه نوح عليه السلام حينما يئس من صلاح قومه وفلاحهم ورأى انه لا خير فيهم(1/1)
وتوصلوا إلى أذيته ومخالفته وتكذيبه بكل طريق فدعا عليهم دعوة
(وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً)
برر نوح دعوته بقوله:
(إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا(
فغضب الله عليهم
فلبى الله دعوته وأجاب طلبه فأمره الله أن يصنع الفلك ( السفينة ) لأن قضاء الله آتٍ لا ريب فيه.
فأهلكهم الله بالطوفان ونجى نوح ومن آمن معه.
أيها المظلوم هل رأيت عدل الله ؟
أيها الظالم هل رأيت إن الله يمهل ولا يهمل؟
فالله لا يرضى بالظلم لنفسه فلذلك حرمه بين عبادة
وجعل الله دعوة مستجابة للمظلوم ليس بينها وبين الله حجاب
فالله اقسم بعزته وجلاله لنصرة المظلوم ولو بعد حين ...
إذا فانفض عن نفسك غبار الحزن واليأس والقنوط
لان لك رب عادل ورحيم.
لننتقل إلى هؤلاء القوم العاكفون على شجرة الأيك
إنهم أهل مدين قوم كافرين ، يقطعون السبيل ويخيفون المارة، ويعبدون الأيكة وهي شجرة من الأيك حولها غيضة ملتفة بها.
وكانوا من أسوأ الناس معاملة، يبخسون المكيال والميزان، ويطففون فيهما، يأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص.
كما قال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ}
فبعث الله فيهم رجلاً منهم وهو رسول الله شعيب عليه السلام، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي هذه الأفاعيل القبيحة، من بخس الناس أشيائهم واخافتهم لهم في سبلهم وطرقاتهم فآمن به بعضهم وكفر أكثرهم، حتى أحلَّ الله بهم البأس الشديد.
{فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}.(1/2)
أمرهم بالعدل ونهاهم عن الظلم وتوعدهم على خلاف ذلك فقال: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ، وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ} أي طريق {تُوعِدُونَ} أي تتوعدون الناس بأخذ أموالهم من مكوس وغير ذلك، وتخيفون السبل.
{قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}.
يقولون هذا على سبيل الاستهزاء والتنقص والتهكم: أصلاتك هذه التي تصليها هي الآمرة لك بأن تحجر علينا فلا نعبد إلا إلهك ونترك ما يعبد آباؤنا الأقدمون، وأسلافنا الأولون؟ أو أن لا نتعامل إلاّ على الوجه الذي ترتضيه أنت ونترك المعاملات التي تأباها وإن كنا نحن نرضاها؟
فلما عجز من دعوتهم الى الله
استفتح على قومه واستنصر ربه عليهم في تعجيل ما يستحقونه إليهم
فقال: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}
قال الله تعالى : {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
ذكروا أنهم أصابهم حر شديد، وأسكن الله هبوب الهواء عنهم سبعة أيام فكان لا ينفعهم مع ذلك ماء ولا ظل ولا دخولهم في الأسراب،
فهربوا من محلتهم إلى البرية، فأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بظلها، فلما تكاملوا فيه أرسلها الله ترميهم بشرر وشهب، ورجفت بهم الأرض وجاءتهم صيحة من السماء فأزهقت الأرواح، وخربت الأشباح.
{فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ، الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَانُوا هُمْ الْخَاسِرِينَ}
ونجى الله شعيباً ومن معه من المؤمنين .
كما قال تعالى وهو أصدق القائلين:(1/3)
{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتْ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ، كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ}.
تكلمت عن الظلم لأنه في زماننا هذا كثر الظلم وليس أنت وحدك المظلوم فكثير من حولك لا تعلم عن حالهم
مظلومين مضطهدين مقهورين ولكن هل تتوقع أن حقوقهم ذهبت أدراج الرياح كلا وربي فإن قسم الله
عظيم فإن ضاقت عليك السبل فاهرع إلى ربك وألزم الصبر والدعاء والصلاة فإنها مفاتيح للفرج
واعلم أن كل الأبواب توصد إلا باب الله فأين أنت من ذلك .
وأعلم إن أمسكك لن يفلتك وان تمتعت وطالت عليك الأيام فإن لك موعد مع خالقك أيها الظالم
(وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا)
وأنت أيها المظلوم ربما ظلمت لأنك ظلمت غيرك فسلط الله عليك من لا يرحمك
(قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
تفكر بما فعلت واني أحذرك ونفسي من الدعاء على من ظلمك
بالموت وبالحوادث وغيرها لعلك تدعوا عليه بما لا يستحقه فلعل دعواتك ترجع عليك ولكن قل (حسبي الله ونعم الوكيل) واجعل المنتقم الله
فإن وكلته فاعلم انه سيأخذ لك حقك ممن ظلمك طالت الأيام أو قصرت
(قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ)
**********
يحكى أن رجل عقيم لم يترك مستشفى داخل المملكة إلا وذهب إليه
طلباً للولد فلما عجز الطب عن علاجه ذهب للعلاج خارج المملكة واخبروه أن حالته
مستحيلة لأنه لا يوجد لديه حيوانات منوية .. فرجع إلى المملكة حزين مهموم ونزل في ضيافة
إبن عمه فقال له ما يحزنك فأخبره عن ما قرر بحالته الأطباء(1/4)
فقال أتريد الولد قال نعم قال عليك بالدعاء والزم الاستغفار
فلزم الاستغفار لمدة 3 شهور فجأته البشرى بأول حمل لزوجته وهو الآن لديه ثلاثة أطفال
وليس بطفل واحد .
من أحيا له حيواناته المنوية رغم أنه لا يوجد لديه حيوانات منوية؟
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً )
فنادى منادِ بصوتِ خفي
(قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)
إنه نبي الله زكريا عليه السلام
وكان الباعث له على هذه المسألة أنه لما كفل مريم بنت عمران وكان كلما دخل عليها محرابها وجد عندها فاكهة في غير أوانها، ولا في أوانها، وهذه من كرامات الأولياء، فعلم أن الرازق للشيء في غير أوانه قادر على أن يرزقه ولداً، وإن كان قد طعن في سنه.
برر زكريا دعوته بقوله:
{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً}
قيل: المراد بالموالي العصبة، وكأنه خاف من تصرفهم بعده في بني إسرائيل بما لا يوافق شرع الله وطاعته، فسأل وجود ولد من صلبه يكون براً تقياً مرضياً.
{يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً}
وفي سياق أخر ننتقل إلى قصة سارة زوجة إبراهيم الخليل عليه السلام
قال تعالى:
(وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ، قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).(1/5)
فالآية واضحة بمعانيها وهذا دلالة على صبر سارة على عدم الإنجاب كونها عاقراً لا تلد وكأن إبراهيم الخليل
كبير في السن ورغم كل هذا لم يقف شيء أمام قدرة الله سبحانه وتعالى
وأمره إن أراد شيئاً قال له كن فيكون.
)يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما(
وأعلم يا أخي أن هذا تقسيم رب العباد فلا تجزع لعدم الإنجاب وأعلم انه
لم يرزقك إلا لحكمة لا تعلمها أنت ولو علمتها لكرهت الإنجاب ,,
وقال تعالى : (إنما أموالكم و أولادكم فتنه) وقال تعالى : (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم)
ولا تحسبن إن غيرك لم يبتلى في ولده منهم من هو عاكف على المخدرات ومنهم من لا يعرف الصلاة
(وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغينا وكفرا(
ومن هم من هو عاق لوالديه ومنهم من يتمنى انه لم ينجب والله إنني اسمع هذه الكلمات بسبب ما يجدونه من شقاء وتعب من أبنائهم..
فأحمد الله على كل حال فأنت لست أعلم بمصلحتك من ربك.
**********(1/6)
يحكي أن رجل صالح اسمه أبو بكر ألمسكي يبيع القماش ويطوف بالبيوت.. يقال أن امرأة رأته و كان جميل الوجه فطلبت منه أن يريها ما لديها بدارها فذهبت وتبعها إلى دارها و ما إن أصبح داخله حتى أغلقت الباب و قالت إما أن تعاشرني أو اصرخ و اتهمك بالتهجم علي في داري . فذكرها بالله وأليم عقابه فما زادها إلا إصراراً.. صمت الرجل ليفكر قليلا ... نظر لها و قال دعيني إذا ادخل الخلوة) .. الحمام ).. لاستعد ولا تنظف وأكون في أبهى صورة .. فدلته على مكانه وانطلقت تتزين فكر بالخروج من نافذة الخلاء فلم يجد مخرج اخذ ألمسكي الفضلات .. و لطخ بها جسده وملابسه . وبكى ودعا الله قائلا: ربي وإلهي وسيدي خوفك جعلني أعمل هذا العمل فاخلف علي بخير،. و خرج لها .. فما أن رأته حتى استاءت منه و قالت له اخرج من داري .. فخرج الرجل فهل تتوقع أن الناس تركوه بل لاحقوه وقالوا عنه المجنون فذهب إلى داره و اغتسل .. قالوا .. فما رأيناه بعد ذلك إلا و رائحة المسك تفوح من جنابته ( أبدله الله برائحة المسك تنبعث من جسده ) فكل من وجد ريحه سأله عن هذا المسك الذي ينبعث منه فسمي أبو بكر ألمسكي فما زالت تنبعث منه الرائحة
حتى توفاه الله وعندما مات كتب على قبره: هذا قبر ألمسكي.
ما الذي منعه من أن يعاشرها ؟
ولما لا يعاشرها وهم في خلوة وهي من دعته لذلك؟
امرأة ذات جمال من يتركها ؟
كلنا خلقنا بشهوة لاستمرار النسل وهذه حكمة الله فينا
فهو لديه رغبة وأنت كذلك ولكن ما الفرق بينك وبينه ؟
( من ترك لله شيئاً عوضه الله خيراً منه )
هو خاف الله وعلم إن الله مطلع عليه وإن الله حرم الزنا
ولكن أنت جعلت الله أهون الناظرين إليك
قال الله تعالى
( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب)
لننتقل إلى مصر في أحد قصورها ..هنا امرأة العزيز ويوسف عليه السلام(1/7)
(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)
أغلقت الأبواب ومزقت أقنعة الحياء وصرحت بحبها وطالبته بنفسه. يقف هذا النبي الكريم في وجه سيدته قائلا أعيذ نفسي بالله أن أفعل هذا مع زوجة من أكرمني بأن نجاني من الجب وجعل في هذه الدار مثواي الطيب الآمن. ولا يفلح الظالمون الذين يتجاوزون حدود الله، فيرتكبون ما تدعينني اللحظة إليه.
سيدة وهو شاب في سن تتأجج فيه الشهوة
ولا احد معهم فالعزيز غير موجود وهي هيأت كل شيء ما منعه أن يعاشرها
هو الخوف من الله
الصبر على الشهوات
قال الرسول صلى الله عليه وسلم (حفت الجنة بالمكاره و حفت النار بالشهوات(.
أين أنت من كل هذا يا من تضع مالك في الحرام
وتقطع الأميال مسافراً لمجرد شهوة تضعها في فرج حرام
قال عليه الصلاة والسلام ) لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا )
"ولا فشي الزنا في قوم قط إلا كثر فيهم الموت "
وإن علاج مشكلة الأمراض الجنسية وأوبئتها الفتاكة بالبشر لن يتغلب عليها الإنسان إلا بالالتزام بتعاليم الإسلام؛ نسأل الله أن يبعد عنا وعن المسلمين مثل هذه الأمراض يارب العالمين.
هذا مثال للعفة والطهارة
ولكن لنتقل إلى قرى قريبه من فلسطين بُعث فيهم ابن أخ إبراهيم الخليل عليهما السلام
هو لوط علية السلام(1/8)
دعا لوط قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن كسب السيئات والفواحش. واصطدمت دعوته بقلوب قاسية وأهواء مريضة ورفض متكبر. وحكموا على لوط وأهله بالطرد من القرية. فقد كان القوم الذين بعث إليهم لوط يرتكبون عددا كبيرا من الجرائم البشعة. كانوا يقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، ويتواصون بالإثم، ولا يتناهون عن منكر، وقد زادوا في سجل جرائمهم جريمة لم يسبقهم بها أحد من العالمين. كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء.
(إِنَّ الزنا دَينٌ فَإِن أَقرَضتَهُ كانَ الوَفا مِن أَهلِ بَيتِكَ فَاعْلَمِ)
كذلك قيل
(مَن يَزنِ يُزنَ بِهِ وَلَو بِجِدارِهِ إِن كُنتَ يا هَذا لَبيبًا فَافْهَمِ)
دعا لوط ربه على قومه فجاءه أمر من الملائكة عندما نزلوا به ضيوف أن يصحب أهله أثناء الليل ويخرج.. سيسمعون أصواتاً مروعة تزلزل الجبال.. لا يلتفت منهم أحد.. كي لا يصيبه ما يصيب القوم..
أي عذاب هذا؟.. هو عذاب من نوع غريب، يكفي لوقوعه بالمرء مجرد النظر إليه.. أفهموه أن امرأته كانت من الغابرين.. امرأته كافرة مثلهم وستلتفت خلفها فيصيبها ما أصابهم. سأل لوط الملائكة: أينزل الله العذاب بهم الآن.. أنبئوه أن موعدهم مع العذاب هو الصبح.. {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}؟
خرج لوط مع بناته وزوجته.. ساروا في الليل وغذوا السير.. واقترب الصبح.. كان لوط قد
ابتعد مع أهله.. ثم جاء أمر الله تعالى.. قال العلماء: اقتلع جبريل، عليه السلام، بطرف جناحه
مدنهم السبع من قرارها البعيد.. رفعها جميعا إلى عنان السماء حتى سمعت الملائكة أصوات
ديكتهم ونباح كلابهم، قلب المدن السبع وهوى بها في الأرض.. أثناء السقوط كانت السماء تمطرهم
بحجارة من الجحيم.. حجارة صلبة قوية يتبع بعضها بعضا، ومعلمة بأسمائهم، ومقدرة عليهم
كان لوط يسمع أصوات مروعة.. وكان يحاذر أن يلتفت خلفه.. نظرت زوجته نحو مصدر(1/9)
الصوت فانتهت.. تهرأ جسدها وتفتت مثل عمود ساقط من الملح... واستمر الجحيم يمطرهم..
وانتهى قوم لوط تماما.. لم يعد هناك أحد.. نكست المدن على رؤوسها، وغارت في الأرض، حتى انفجر الماء من الأرض.. هلك قوم لوط ومحيت مدنهم... فالبحيرة الحالية التي نعرفها باسم "البحر الميت" في فلسطين.. هي مدن قوم لوط السابقة.
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [15] قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}
فنبي الله سليمان عليه السلام يحب الخيل فلما اشتغل بعرض تلك الخيول حتى خرج وقت العصر وغربت الشمس، {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ}
قيل: مسح عراقييها وأعناقها بالسيوف، وقيل: مسح عنها العرق، لما أجراها وسابق بينها وبين يديه.
ولما ترك الخيل لله، عوضه الله عنها بما هو خير له منها، وهو الريح التي كانت غدوها شهراً ورواحها شهرا.
نفهم من هذا الكلام إن الإنسان خلق لعبادة الله
قال تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "
واجتناب نواهيه فكلما كان الإنسان في طاعة ربه كلما وجد الراحة
والسعادة وكلما ابتعد عن طاعة ربه عاش بضنك لا يجد معها سعادة ولا راحة
والنفس تحب كل شيء ممنوع (كل ممنوع مرغوب)
فكلما امتنعت وأدبتها وجدت التعويض من الله
لانك في جهاد مع نفس تتوق لكل شيء ويعينها على ذلك الشيطان
هل تظن إن الله سيتركك إن عصيته ؟
قال تعالى (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين )
**********(1/10)
عن أبى هريرة رضي الله عنة أنة سمع النبي صلى الله علية وسلم يقول :
" إن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى أراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا فأتى الأبرص فقال: أي شئ أحب إليك ؟ قال :لون حسن وجلد حسن ويذهب عنى الذي قد قذرنى الناس ، فمسحة فذهب عنة قذرة وأعطى لونا حسنا . فقال :فأي المال أحب إليك ؟ قال الإبل - أو قال البقر ، فأعطى ناقة عشراء فقال : بارك الله لك فيها . فأتى الأقرع فقال : أي شئ أحب إليك ؟ قال شعر حسن ويذهب عنى هذا الذي قذرنى الناس فمسحة فذهب عنة وأعطى شعرا حسنا قال : فأي المال أحب إليك ؟قال البقر فأعطى بقرة حاملا فال بارك الله لك فيها . فأتى الأعمى فقال : أي شئ أحب إليك ؟ قال : أن يرد الله بصري فأبصر الناس فمسحة فرد الله إلية بصرة . قال :فأي المال أحب إليك ؟ قال الغنم فأعطى شاة والداً ، فأنتج هذان وولد هذا ، فكان لهذا واد من الإبل ولهذا واد من البقر ولهذا واد من الغنم ، ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال :رجل مسكين قد أتقطعت بى الحبال في سفري فلا بلاغ بى اليوم إلا بالله ثم بك ، أسالك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعير أتبلغ به في سفري ، فقال الحقوق كثيرة . فقال : كأني أعرفك ، ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا فأعطاك الله !؟ فقال : إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر فقال : إن كنت كاذبا صيرك الله ما كنت . أتى الأقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا ورد علية مثل مارد هذا فقال: أن كنت كاذبا صيرك الله إلى ما كنت . وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال : رجل مسكين وابن سبيل أتقطعت بى الحبال في سفري فلا بلاغ لى اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري ؟ فقال قد كنت أعمى فرد الله إلى بصري فخذ ما شئت ودع ما شئت فوالله لا أجهدك اليوم بشئ أخذته لله عز وجل . فقال : أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك "(1/11)
هنا نجد في هذه القصة نوعين من الابتلاء
ابتلاء بالمرض وابتلاء بشكر النعم
شفاهم الله فلم يشكر منهم إلا الأعمى ,, فسخط الله على صاحبيه
وإعادتهم إلى سيرتهم الأولى لا نهم في غفلة عن شكر النعم
قال تعالى
(ولئن شكرتم لأزيدنكم )
لننتقل إلى من علم منطق الطير
إنه نبي الله سليمان عليه السلام
(حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)
فهذه النملة أمرت، وحذرت، وأعذرت عن سليمان وجنوده بعدم الشعور. والمقصود أن سليمان عليه السلام فهم ما خاطبت به تلك النملة لأمتها من الرأي السديد، والأمر الحميد، وتبسم من ذلك على وجه الاستبشار، والفرح والسرور، بما أطلعه الله عليه دون غيره.
فطلب من الله أن يقيضه للشكر على ما أنعم به عليه وعلى ما خصه به من المزية على غيره، وأن ييسر عليه العمل الصالح، وأن يحشره إذا توفاه مع عباده الصاحين.
وقد استجاب الله تعالى له.
}فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ. قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ . وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ . وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }
فلما رأى عرش بلقيس مستقراً عنده في هذه المدة القريبة من بلاد اليمن إلى بيت المقدس في طرفة عين قال هذا من فضل الله علي، وفضله على عبيده، ليختبرهم على الشكر أو خلافه وبشكره إنما يعود نفع ذلك عليه وان الله غني عن شكر الشاكرين، ولا يتضرر بكفر الكافرين.(1/12)
فتجد ممن انعم الله عليهم غشيتهم الغفلة عن شكر الله لان كل ماهم فيه خير من خير ونعم هي من عند الله
فتجد البعض حتى انه مضيع في عبادة الله وطاعته
وكلما زادت النعم زاد الترف والتكبر نسي انه مخلوق ضعيف
وان صاحب هذه الأفضال هو خالقه وقادر على أن يبطش به ويسلبه هذه النعمة
فالابتلاء في المرض أهون من الابتلاء بالصحة
((أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه)).
كان أيوب رجلاً كثير المال من سائر صنوفه وأنواعه، من الأنعام، والعبيد، والمواشي، والأراضي المتسعة.
أنها كلها كانت له، وكان له أولاد و أهلون كثير، فسلب من ذلك جميعه، وابتلى في جسده بأنواع البلاء، ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر الله عز وجل بها، وهو في ذلك كله صابر محتسب ذاكر لله عز وجل في ليله ونهاره، وصباحه ومسائه.
ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها لعلمهم أنها امرأة أيوب، خوفاً أن ينالهم من بلائه، أو تعديهم بمخالطته، فلما لم تجد أحداً يستخدمها عمدت فباعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها، بطعام طيب كثير، فأتت به أيوب،
فقال: من أين لك هذا؟ وأنكره.
فقالت: خدمت به أناساً فلما كان الغد لم تجد أحداً، فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به فأنكره أيضاً، وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام، فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقاً
قال في دعائه: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}
فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}
لما عافى الله أيوب عليه السلام وأخلف الله له أهله كما قال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ}
{رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} أي: رفعنا عنه شدته، وكشفنا ما به من ضر رحمة منا به، ورأفة وإحساناً.(1/13)
{وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} أي: تذكرة من ابتلي في جسده أو ماله أو ولده، فله أسوة بنبي الله أيوب حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب، حتى فرج الله عنه.
إذاً يا من ابتليت بجسدك احمد الله على ذلك فلعلك ابتليت بهذا المرض لتعرف الله
يوجد رجل أقعده الله لمرض أصابه بظهره فجلس يحفظ سور القران فلما عافاه الله
أصبح حافظا للكتاب كاملاً فسبحان الله
أما من ابتلي بالصحة فتجده لا يتفكر في هذه النعمة فلو يأخذ نصف يوم ليزور به المستشفيات
ليعلم أن الله أكرمه بنعمه لا توجد عند غيره
فهل من شاكر ؟
والله إنه لا يوجد من هو مقعد يحمد الله انه مبصر
يعلم انه إن سُلب نعمه فربي متفضل عليه بغيرها فتجده شاكر لله
فأي الصنفين أنت ؟
**********
هذه قصة إمرأه كانت تعيش في قصر فرعون، كانت إمرأه صالحه تعيش مع زوجها في ظل ملك فرعون ، وكانت مربيه لبنات فرعون ، منّ الله عليها وعلى زوجها بالإيمان ، فعلم فرعون بإيمان زوجها فقتله، فصبرت المرأة و احتسبت و ثم لم تزل تخدم و تمشط بنات فرعون ، تنفق على أولادها الخمسة ، تطعمهم كما تطعم الطير أفراخها ، فبينما هي تمشط ابنة فرعون يوما ، إذ وقع المشط من يديها فقالت<> بسم الله >> فقالت ابنة فرعون : الله أبي .. فصاحت الماشطة بابنة فرعون و قالت : كلا بل الله ربي وربك و رب أبيك ،،، فتعجبت البنت أنه ُعبد غير أبيها ، ثم أخبرت أباها فرعون بذلك فعجب أن يوجد في القصر من يعبد غيره ، فدعا بها و قال لها : من ربك .. قالت(1/14)
ربي الله ، فغضب عند ذلك فرعون ، و أمرها بالرجوع عن دينها ، وحبسها و ضربها , لكنها ثبتت على الدين , فأمر فرعون بقدر من نحاس ثم ملأت بالزيت ، ثم أحمي حتى غلى، و أوقفها أمام القدر فلما رأت العذاب ، أيقنت إنما هي نفس واحدة ، تخرج و تلقى ربها ، فصبرت على ما أصابها فعلم فرعون أن أحب الناس إليها أولادها الخمسة الأيتام الذين تكدح و تطعمهم فأحضر أبنائها الخمسة ، تدور أعينهم لا يدرون إلى أين يساقون فلما رأوا أمهم تعلقوا بها يبكون ، فبكت و أقبلت عليهم تقبلهم ، و تبكي بين أيديهم ، ثم أخذت أصغرهم و ضمته إلى صدرها ، و ألقمته ثديها ، فلما رأى فرعون هذا المنظر أمر بأكبرهم فجره الجنود ثم رفعوه إلى الزيت المقلي و الغلام يصيح بأمه و يستغيث و يسترحم الجنود و يتوسل إلى فرعون يحاول الفكاك و الهرب ينادي أخوته الصغار و يضرب الجنود بيديه الصغيرتين ، وهم يصفعونه و يدفعونه ، و أمه تنظر إليه تودعه ... فما هي إلا لحظات ... حتى إذا غيّب ذلك الصغير بالزيت ، و الأم تبكي و تنظر إليه و أخوته يغطون أعينهم بأيديهم الصغيرة ، حتى إذا ذاب لحمه من على جسمه النحيل وطفحت عظامه بيضاء فوق الزيت ، نظر إليها فرعون ثم أمرها بالكفر بالله ، فأبت عليه ذلك، و عندها غضب عليها فرعون و أمر بولدها الثاني ، فسحب من عند أمه و هو بكي و يستغيث ... فما هي إلا لحظات ... حتى ألقي في ذلك الزيت ، وهي تنظر إليه ، فطفحت عظامه بيضاء ، واختلطت بعظام أخيه ، و الأم ثابتة على دينها ، موقنة بلقاء ربها ، ثم أمر فرعون بالولد الثالث فسحب ثم قرب إلى القدر المغلي ثم حمل و غيب بالزيت ، وفعل به كما فعل بأخويه ، و الأم ثابتة على دينها ، عند ذلك صاح فرعون بالجنود ، و أمر بالطفل الرابع أن يلقى بالزيت ، فأقبل الجنود عليه و كان صغيرا ، قد تعلق بأثواب أمه فلما جذبه الجنود بكى و أنطرح على قدمي أمه و دموعه تجري على رجليها ، وهي تحاول أن تحمله مع أخيه ، تحاول(1/15)
أن تودعه ، و تقبله و تشمه ، قبل أن فارقها ، فحالوا بينه و بينها ، وحملوه من يديه الصغيرتين و هو يبكي و يستغيث و يتوسل بكلمات غير مفهومه ، وهم لا يرحمونه .. وما هي إلا لحظات .. حتى غرق الصغير بالزيت المغلي و غاب الجسد و انقطع الصوت ، وشمت أمه رائحة لحمه و علت عظامه صغيره بيضاء فوق الزيت يتقلب بها ، و نظرت الأم إلى العظام و قد رحل عنها إلى دار أخرى ،وهي تبكي و تتقطع لفراقه ..فطالما ضمته إلى صدرها و أرضعته من ثديها .. طالما سهرت لسهره .. و بكت لبكائه .. كم ليلة بات في حجرها و لعب شعرها كم قربت منه ألعابه .. و ألبسته ثيابه ، بكت و جاهدت نفسها أن تتجلد و تتماسك ، فالتفتوا إليها ثم تدافع الجنود عليها و انتزعوا الطفل الخامس الرضيع من يديها وكان قد التقم ثديها ثم انتزع منها ، صرخ الصغير و بكت المسكينة فلما رأى الله تعالى ذلها و انكسارها و فجيعتها بولدها ... أنطق الله تعالى الصبي في مهده و قال لها :
(( يا أماه اصبري فإنك على الحق))(1/16)
ثم ألقي في الزيت و انقطع صوته عنها و غيّب في القدر مع أخوته ... مات ... و في فمه بقايا من حليبها، و في يده شعره من شعراتها ، و على أثوابه قطرات من دموعها .. ذهب الأولاد الخمسة .. وهاهي عظامهم يلوح بها القدر و لحمهم يفور به الزيت ، تنظر المسكينة إلى هذه العظام .. إنها عظام أولادها ، اللذين طالما ملؤو عليها البيت ضحكا و سرورا .. إنهم فلذات كبدها .. و عصارة قلبها اللذين لما فارقوها ، كأن قلبها قد أخرج من صدرها .. طالما ركضوا إليها ، و ارتموا بن يديها ، طالما ضمتهم إلى صدرها و ألبستهم ثيابهم بيدها و مسحت دموعهم بأصابعها .. ثم هاهم اليوم ينتزعون من بين يديها و يقتلون أمام ناظريها .. كانت تستطيع أن تحول بينهم و بين العذاب بكلمة كفر تسمعها فرعون ، لكنها علمت أن ما عند الله خير و أبقى ... ثم لم يبقى إلى هي .. أقبل عليها الجنود ثم دفعوها إلى القدر فلما حملوها ليلقوها بالزيت نظرت إلى عظام أولادها .. فتذكرت اجتماعها معهم في الحياة فالتفتت إلى فرعون و قالت: لي إليك حاجه ثم صاح بها و قال ما حاجتك فقالت أن تجمعوا عظامي و عظام أولادي فتدفنوها ف قبر واحد .. ثم أغمضت عينيها و ألقيت في القدر مع أولادها و احترق جسدها و طفت عظامها .
فلله درها ما أعظم ثباتها و أكثر ثوابها ، و لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء شيئا من نعيمها فحدث به أصحابه فقال لهم فيما رواه البيهقي : (( لما أسرى بي مرت بي رائحة طيبه فقلت ما هذه الرائحة فقيل لي هذه ماشطة بنت فرعون و أولادها)).
ماذا استفدنا من هذه القصة ؟
أي ثبات هذا ؟
ما هي درجة هذا الأيمان الذي جعلها تثبت على أن لا تبدل دينها؟
أي نوع من أنواع الصبر هذا؟(1/17)
قال الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ{
حكم مصر ملك جبار كان المصريون يعبدونه. ورأى هذا الملك بني إسرائيل يتكاثرون ويزيدون ويملكون. وسمعهم يتحدثون عن نبوءة تقول إن واحدا من أبناء إسرائيل سيسقط فرعون مصر عن عرشه.
فأصدر الفرعون أمره ألا يلد أحد من بني إسرائيل، أي أن يقتل أي وليد ذكر. وبدأ تطبيق النظام، ثم قال مستشارون فرعون له، إن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم، والصغار يذبحون، وهذا سينتهي إلى إفناء بني إسرائيل، فستضعف مصر لقلة الأيدي العاملة بها. والأفضل أن تنظم العملية بأن يذبحون الذكور في عام ويتركونهم في العام الذي يليه. فجاء أمر فرعون بقتل الأبناء عاماً، وأن يتركوا عاما وأن موسى عليه السلام ولد في عام قتلهم، فضاقت أمه به ذرعاً. فلما وضعت ألهمت أن تتخذ له تابوتاً ربطته في حبل وكانت دارها متاخمة للنيل فكانت ترضعه فإذا خشيت من أحد وضعته في ذلك التابوت فأرسلته في البحر وأمسكت طرف الحبل عندها فإذا ذهبوا استرجعته إليها به. فأرسلته ذات يوم ونسيت أن تربط طرف الحبل عندها فذهب مع النيل فمر على دار فرعون وأن الجواري التقطنه من البحر في تابوت مغلق عليه فلم يتجاسرون على فتحه حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون آسية بنت مزاحم فلما فتحت الباب وكشفت الحجاب رأت وجهه يتلألأ بتلك الأنوار النبوية ، فلما رأته ووقع نظرها عليه أحبته حباً شديداً جداً. فلما جاء فرعون قال: ما هذا؟ وأمر بذبحه، فاستو هبته منه ودافعت عنه فقال لها فرعون: أما لك فنعم وأما لي فلا، أي لا حاجة لي به. وقد أنالها الله ما رَجَتْ من النفع. أما في الدنيا فهداها الله به، وأما في الآخرة فأسكنها جنته . فأصبح فؤاد أم موسى فارغاً من كل شيء من أمور الدنيا، إلا من موسى(1/18)
حتى كادت أن تظهر أمره وتسأل عنه جهرة لولا أن صبرها وثبتها الله تعالى , و قالت لأخته وهي ابنتها الكبيرة اتبعي أثره واطلبي لي خبره
وذلك لأن موسى عليه السلام لما استقر بدار فرعون أرادوا أن يغذوه برضاعة، فلم يقبل ثدياً ولا أخذ طعاماً، فحاروا في أمره واجتهدوا على تغذيته بكل ممكن فلم يفعل. فأرسلوه مع القوابل والنساء إلى السوق لعلهم يجدون من يوافق رضاعته، فبينما هم وقوف به والناس عكوف عليه إذ بصرت به أخته فلم تظهر أنها تعرفه بل قالت: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}.
فلما قالت ذلك قالوا لها: ما يدريك بنصحهم وشفقتهم عليه؟ فقالت: رغبة في سرور الملك، ورجاء منفعته. فذهبوا معها إلى منزلهم، فأخذته أمه، فلما أرضعته التقم ثديها، وأخذ يمتصه ويرتضعه، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً، وذهب البشير إلى آسية يعلمها بذلك، فاستدعتها إلى منزلها وعرضت عليها أن تكون عندها، وان تحسن إليها فأبت عليها، وقالت إن لي بعلاً وأولاداً، ولست أقدر على هذا، إلا أن ترسليه معي، فأرسلته معها وجعلت لها راتب، وأجرت عليها النفقات والكساوي والهبات، فرجعت به، وقد جمع الله شمله بشملها.
نساء ولكن أين نحن منهن في ثباتهن وصبرهن ؟؟
والله لتجد منا الواحدة ما أن يخدش ابنها شيء إلا وأخذت تبكي وتصرخ
لا أقول أنا أنها لا تخاف على ابنها تخاف نعم فهذه رحمة بين الأم ووليدها
ولكن لنعلم أحبتي انه ما كتب علينا سيكون ولكن لنثبت ولنصبر
(إنما الصبر عند الصدمة الأولى)
فصدمتنا على ابن لنا أو صدمتنا على بيت احترق
ولكن ثبات ماشطة فرعون على دينها ليهلك أبناءها ولا أن تتنازل عن دينها
وثبات أم موسى وصبرها أن وليدها الرضيع استقر في حجر عدوها وعدوه
أي صبر هذا؟ و أي ثبات؟
لننتقل إلى قصة الذبيح(1/19)
يذكر تعالى عن خليله إبراهيم أنه لما هاجر من بلاد قومه سأل ربه أن يهب له ولداً صالحاً، فبشّره الله تعالى بغلام حليم وهو إسماعيل عليه السلام، لأنه أول من ولد له على رأس ستٍ وثمانين سنة من عمر الخليل. وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل الملل، لأنه أول ولده وبكره.
وقوله {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أي شبَّ وصار يسعى في مصالحه كأبيه. قال مجاهد: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أي شبَّ وارتحل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل.
فلما كان هذا رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده.و "رؤيا الأنبياء وحيٌ".
وهذا اختبار من الله عز وجل لخليلهِ في أن يذبح هذا الابن العزيز الذي جاءه على كبر، وقد طعن في السن بعد ما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر، وواد ليس به حسيس ولا أنيس، ولا زرع ولا ضرع، فامتثل أمر الله في ذلك وتركها هناك، ثقة بالله وتوكلاً عليه، فجعل الله لهما فرجاً ومخرجاً، ورزقهما من حيث لا يحتسبان.
ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده هذا الذي قد أفرده عن أمر ربه، وهو بكره و وحيده، الذي ليس له غيره، أجاب ربَّه وامتثل أمره وسارع إلى طاعته.
ثم عرض ذلكَ على ولده ليكونَ أطيب لقلبهِ وأهون عليه، من أن يأخذه قَسْراً ويذبحه قهراً {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}.
فبادر الغلام الحليم، سر والده الخليل إبراهيم، فقال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ}. وهذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد.
قال الله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} قيل: أسلما، أي استسلما لأمر الله وعزما على ذلك و قيل: أراد أن يذبحه من قفاه، لئلا يشاهده في حال ذبحه، أو أضجعه كما تضجع الذبائح، وبقي طرف جبينه لاصقاً بالأرض.(1/20)
(وأسلما) أي سمى إبراهيم وكبر، وتشّهد الولد للموت. فعندما أمَرَّ السّكين على حلْقِهِ لم تقطع شيئاً والله أعلم.
فعند ذلك نودي من الله عز وجل: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}. أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك إلى أمر ربك. ولهذا قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ}. أي الاختبار الظاهر البين.
وقوله: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم}. أي وجعلنا فداء ذبح ولده ما يَسَّرَهُ الله تعالى له من العوض عنه.
والمشهور عن الجمهور أنه كبش أبيض أعين أقرن. قال الثوري عن ابن عباس قال: كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً.
الآن تجد من يبيع الدين لأجل هواه وملذاته
تجد فينا من هو مضيع للعبادات
هل نحن نعبد الله حق عبادته حتى نصل لدرجات الإيمان والثبات
لا نقول أين الإيمان ولكن لنقول أين الدين
فهل يوجد دين حتى يوجد إيمان؟
إذاً فلنخجل من أنفسنا ونخشى عقاب الله
فلو كان يوجد في أنفسنا ذرة دين لا ما كان هذا حالنا
للأسف حتى الغيرة انعدمت لا يوجد من الرجال من هو غيور على محارمه
البسها عباءة الكتف وتعطرت واكتحلت وخرجت متبرجة
لو كان لديه دين ما كان ليجعلها تخرج هكذا
" أيما امرأة خرجت متعطرة يشم رائحتها الرجال فهي زانية"
فهل سترضى يا من تدعي الدين بهذا لا هلك؟
**********
كان هناك رجل يعبد صنماً في البحر ، فهذا الرجل لما جمعوا له مالاً و دفعوه إليه ، قال : سبحان الله دللتموني على طريق لم تسلكوه ، إني كنت أعبد صنماً في البحر فلم يضيعني فكيف بعد ما عرفته ، و كأنه لما أسلم وجهه لله طرح المخلوقين من حساباته ، فغنيهم فقير ، و كلهم ضعيف و كيف يتوكل ميت على ميت : (فتوكل على الحي الذي لا يموت و سبح بحمده).
لننتقل إلى غار ثور(1/21)
كان من رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الهجرة ، عندما قال أبو بكر – رضي الله عنه - : لو نظر أحد المشركين تحت قدميه لرآنا ، فقال له النبي صلى الله عليه و سلم :" ما بالك باثنين الله ثالثهما ، لا تحزن إن الله معنا "، و هذا الذي عناه سبحانه بقوله: ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) والأخذ بالأسباب هو هدى سيد المتوكلين على الله – صلوات الله و سلامه
لننتقل إلي ذلك الرضيع و أمه
جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جراباً فيه تمر، وسقاء فيه ماء.
ثم قفّى إبراهيم منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً؛ وجعل لا يلتفت إليها،
فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذا لا يضيعنا. ثم رجعت.
فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، ورفع يديه فقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}.(1/22)
وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى،أو يتلبط، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً .. فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت بطن الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً ففعلت ذلك سبع مرات.
قال النبي صلى الله عليه وسلم "فلذلك سعى الناس بينهما" فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت: صه، تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضاً، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه، أو قال بجناحه، حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضُه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف.
قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم "يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم". أو قال: "لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عيناً مَعِيْناً".
فشربت وأرضعت ولدها. فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة، فإن هاهنا بيتاً لله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله.
ينبغي للإنسان أن يتوكل على الله عز و جل مع أخذه بالأسباب الشرعية
فوض الأمر إلى الله فهو أولى بك منك ، إنها كلمة لا يعلمها إلا الواثق المطمئن بوعد الله ، الذي يعلم كفاية الله لخلقه: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ )
فقصة الرجل الذي كان يعبد الصنم و التي نقلها ابن الجوزي عن عبد الواحد بن زيد دلالة على أن التوكل نعمة من الله يمتن بها على من يشاء من خلقه حتى و إن كان حديث العهد بالتدين
نعم كلما توكلت على ربك وعملت بأمرك فإن الله سيجعل لك
منه مخرجاً فتوكل على الله حق توكل في أمورك كلها وأحسن الظن به(1/23)
فهو رعاك وحماك وأنت في رحم أمك إلى أن خرجت لهذه الدنيا فكيف بك الآن وأنت بالغ مميز
تعرف وسائل الاتصال به من الدعاء والصلاة والطاعات
لما تركت طرق بابه وطرقت أبواب خلقه ونسيت ضعفك وضعفهم
" أنا عند حسن ظن عبدي بي ، فليظن بي ما شاء "
**********
قصة في الأثر عن ملك كان له وزير حكيم فكان كلما حدث شيئا سواء كان سيء أو حسن يقول خيرا إن شاء الله
حتى حدث ذات مرة فقطع إحدى أصابع يد الملك فقال خيرا إن شاء الله فغضب الملك من غضبة رهيبة وأمر به إلى السجن فقال الوزير الحكيم خيرا إن شاء الله
وبعد أيام خرج الملك في رحلة صيد فإذا بمجموعة من الوثنين يهجموا علية ويريدوا إن يقدموه كقربان ثم اكتشفوا انه منقوص (هناك إصبع مقطوع ) فتركوه
فرجع الملك إلى وزيرة الحكيم وأخرجه من السجن وقال له حقا لقد كان خيرا ولكن لقد قلت حين أمرت بسجنك خيرا إن شاء الله فما الخير في ذلك
قال الست وزيرك واصطحبك في كل مكان قال له نعم إذن كنت سوف أكون أنا القربان ولكن الله سلم.
بعث الله يونس عليه السلام إلى أهل (نينوى) من أرض الموصل
أرسله الله إلى قوم نينوى فدعاهم إلى عبادة الله وحده ولكنهم أبوا واستكبروا وظل ذو النون -يونس عليه السلام- ينصح قومه فلم يؤمن منهم أحد.
وجاء يوم عليه فأحس باليأس من قومه.. وامتلأ قلبه بالغضب عليهم لأنهم لا يؤمنون، فتركهم
وتوعدهم بالعذاب بعد ثلاث ليال فقاده الغضب إلى شاطئ البحر حيث ركب سفينة مشحونة. ولم يكن الأمر الإلهي قد صدر له بأن يترك قومه أو ييأس منهم.
فلما خرج من قريته، وتأكد أهل القرية من نزول العذاب بهم قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة وندموا على ما كان منهم إلى نبيهم وصرخوا وتضرعوا إلى الله عز وجل، وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات والأمهات. وكانوا مائة ألف يزيدون ولا ينقصون. وقد آمنوا أجمعين. فكشف الله العظيم بحوله وقوته ورأفته ورحمته عنهم العذاب الذي استحقوه بتكذيبهم.(1/24)
أما السفينة التي ركبها يونس، فقد هاج بها البحر، وارتفع من حولها الموج. وكان هذا علامة عند القوم بأن من بين الركاب راكباً مغضوباً عليه لأنه ارتكب خطيئة. وأنه لا بد أن يلقى في الماء لتنجو السفينة من الغرق. فاقترعوا على من يلقونه من السفينة . فخرج سهم يونس -وكان معروفاً عندهم بالصلاح- فأعادوا القرعة، فخرج سهمه ثانية، فأعادوها ثالثة، ولكن سهمه خرج بشكل أكيد فألقوه في البحر -أو ألقى هو نفسه.
فالتقمه الحوت لأنه تخلى عن المهمة التي أرسله الله بها، وترك قومه مغاضباً قبل أن يأذن الله له. و أوحى الله للحوت أن لا يخدش ليونس لحما ولا يكسر له عظما ( وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظنّ أن لن نّقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا انت سبحانك إنّي كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين ).
فهذا إبراهيم ينكر على أبيه ومن معه عبادة التماثيل
ويتوعدهم أن يكيد لآلهتهم بعد انصرافهم عنها! وخرج إبراهيم حذرا وهو يقصد بخطاه المعبد. كانت الشوارع المؤدية إلى المعبد خالية. وكان المعبد نفسه مهجورا. انتقل كل الناس إلى الاحتفال. دخل إبراهيم المعبد ومعه فأس حادة. نظر إلى تماثيل الآلهة المنحوتة من الصخر والخشب. نظر إلى الطعام الذي وضعه الناس أمامها كنذور وهدايا.
اقترب إبراهيم من التماثيل وسألهم: {أَلَا تَأْكُلُونَ} كان يسخر منهم ويعرف أنهم لا يأكلون. وعاد يسأل التماثيل: {مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ} ثم هوى بفأسه على الآلهة.
وتحولت الآلهة المعبودة إلى قطع صغيرة من الحجارة والأخشاب المهشمة.. إلا كبير الأصنام فقد تركه إبراهيم {لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} فيسألونه كيف وقعت الواقعة وهو حاضر فلم يدفع عن صغار الآلهة! ولعلهم حينئذ يراجعون القضية كلها، فيرجعون إلى صوابهم.
{قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ}.(1/25)
عندئذ تذكر الذين سمعوا إنكار إبراهيم لعبادة الأصنام,فأحضروا إبراهيم عليه السلام، وتجمّع الناس، وسألوه {أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ} ؟ فأجابهم إبراهيم {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ}
ذلك أخذتهم العزة بالإثم كما تأخذ الطغاة دائما حين يفقدون الحجة ويعوزهم الدليل، فيلجأون إلى القوة الغاشمة والعذاب الغليظ: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68)}
وفعلا.. بدأ الاستعداد لإحراق إبراهيم. انتشر النبأ في المملكة كلها. وجاء الناس من القرى والجبال والمدن ليشهدوا عقاب الذي تجرأ على الآلهة وحطمها واعترف بذلك وسخر من الكهنة. وحفروا حفرة عظيمة ملئوها بالحطب والخشب والأشجار. وأشعلوا فيها النار. وأحضروا المنجنيق وهو آلة جبارة ليقذفوا إبراهيم فيها فيسقط في حفرة النار.. ووضعوا إبراهيم بعد أن قيدوا يديه وقدميه في المنجنيق.
واشتعلت النار في الحفرة وتصاعد اللهب إلى السماء. وكان الناس يقفون بعيدا عن الحفرة من فرط الحرارة اللاهبه. وأصدر كبير الكهنة أمره بإطلاق إبراهيم في النار.
جاء جبريل عليه السلام ووقف عند رأس إبراهيم وسأله: يا إبراهيم.. ألك حاجة؟
قال إبراهيم: أما إليك فلا.
انطلق المنجنيق ملقيا إبراهيم في حفرة النار. كانت النار موجودة في مكانها، ولكنها لم تكن تمارس وظيفتها في الإحراق. فقد أصدر الله جل جلاله إلى النار أمره بأن تكون {بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}. أحرقت النار قيوده فقط.
وجلس إبراهيم وسطها كأنه يجلس وسط حديقة. كان يسبّح بحمد ربه ويمجّده. لم يكن في قلبه مكان خال يمكن أن يمتلئ بالخوف أو الرهبة أو الجزع. كان القلب مليئا بالحب وحده. ومات الخوف. وتلاشت الرهبة. واستحالت النار إلى سلام بارد يلطف عنه حرارة الجو.(1/26)
جلس الكهنة والناس يرقبون النار من بعيد. كانت حرارتها تصل إليهم على الرغم من بعدهم عنها. وظلت النار تشتعل فترة طويلة حتى ظن الكافرون أنها لن تنطفئ أبدا. فلما انطفأت فوجئوا بإبراهيم يخرج من الحفرة سليما كما دخل. ووجهه يتلألأ بالنور والجلال. وثيابه كما هي لم تحترق. وليس عليه أي أثر للدخان أو الحريق.
خرج إبراهيم من النار كما لو كان يخرج من حديقة. وتصاعدت صيحات الدهشة الكافرة. خسروا جولتهم خسارة مريرة وساخرة.. {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)}.
من خلال هذه القصص نعلم إن الحافظ هو الله وان المنجي هو الله
ألزم طاعة ربك ففي طاعة ربك هي من أسباب نجاتك
وتوكل عليه واعمل بالأسباب الشرعية
الصدقة : قال صلى الله عليه وسلم " ان الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء " .
ففي يوم القيامة يكون المتصدق من السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه ،يوم لا ظل إلا ظله
الدعاء : }ما من رجل مسلم يسأل الله عز وجل دعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله عز وجل بها إحدى خصال ثلاث: إما أن يجيبه، أو يدفع عنه من الشر مثلها، أو يؤخر ويدخر له في الآخرة مثلها، قالوا: يا رسول الله! إذاً نكثر قال: الله عز وجل أكثر{ رواه أحمد وابن أبي شيبة والحاكم وصححه وهو حديث صحيح.
وهذا قليل من كثير
ولا ننسى دعاء ذا النون فالله قال : (وكذلك ننجي المؤمنين)
فهو شرط من اللّه لمن دعاه به(1/27)
عن سعد بن أبي وقاص، قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : ( اسم اللّه الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متى ) قال، قلت : يا رسول اللّه هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين ؟ قال : ( هي ليونس بن متى خاصة، ولجماعة المؤمنين عامة إذا دعوا بها، ألم تسمع قول اللّه عزَّ وجلَّ : { فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين } ، فهو شرط من اللّه لمن دعاه به ) " أخرجه ابن جرير عن سعيد بن أبي وقاص مرفوعاً ورواه ابن أبي حاتم بمثله " .
**********
صليْتُ في رمضانَ عام 1422هـ في أحد مساجد الرياض صلاةَ التراويح ، خرجت وعند الإشارة إذا بشابٍ مسكين يقطعُ الإشارة ويصطدم بسيارة جمس من الجهة الأخرى
قام مجموعة من الإخوة بإخراج الشاب من السيارة (كنت قد ألقيت كلمة على المصلين عن حسن الخاتمة وسوء الخاتمة وتلقين الشهادة ) الإخوة المصلين الذين كانوا حول الشاب كلهم متحمسين كل واحد منهم يقول للشاب قل لا إله إلا الله قل أشهد أن لا إله إلا الله وهذا الشاب يقلب عيونه يميناً ويسار يحرك يده ويحرك جسمه لكنه عجز أن يحركَ لسانهَ بلا اله إلا الله !يتحرك يقولون له قل لا إله إلا الله واحد يدزه وواحد يحركه وواحد يقوله قل لا إله إلا الله ولم ينطق بحركة واحده بلسانه، المهم بعد عشر دقائق أو خمسة عشر دقيقه خرجت روحه ، قبل أن يأتيه الإسعاف قال أحد الأخوة الذي استمع الكلمة قال يا إخوان دعونا نفتش سيارته هذا الذي لم يتشهد ما هو السبب أتدرون ماذا لقينا على مرتبة السيارة الخلفية ماذا تتوقعون أفلام عدة جنسية هابطه أما إن هذا الشاب مأخذها أو مروجها أو مشتريها أو بائعها أو سوف يبيعها حرك جميع أجزاء جسمه لكن لسانه لم يتحرك بلا اله إلا الله .
أول من خلق من الطين ونفخت فيه الروح
هو آدم عليه السلام(1/28)
كان آدم يحس الوحدة.. فخلق الله حواء من أحد منه، فسمّاها آدم حواء. وأسكنهما الجنة
لم يعد يحس آدم الوحدة. كان يتحدث مع حواء كثيرا. وكان الله قد سمح لهما بأن يقتربا من كل شيء وأن يستمتعا بكل شيء، ما عدا شجرة واحدة. فأطاع آدم وحواء أمر ربهما بالابتعاد عن الشجرة. غير أن آدم إنسان، والإنسان ينسى، وقلبه يتقلب، وعزمه ضعيف.
واستغل إبليس إنسانية آدم وجمع كل حقده في صدره، واستغل تكوين آدم النفسي.. وراح يثير في نفسه يوما بعد يوم. راح يوسوس إليه يوما بعد يوم: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى}.
تسائل أدم بينه وبين نفسه. ماذا يحدث لو أكل من الشجرة. .؟ ربما تكون شجرة الخلد حقا، وكل إنسان يحب الخلود. ومرت الأيام وآدم وحواء مشغولان بالتفكير في هذه الشجرة. ثم قررا يوما أن يأكلا منها. نسيا أن الله حذرهما من الاقتراب منها. نسيا أن إبليس عودهما القديم. ومد آدم يده إلى الشجرة وقطف منها إحدى الثمار وقدمها لحواء. وأكل الاثنان من الثمرة المحرمة. يكد آدم ينتهي من الأكل حتى اكتشف أنه أصبح عار، وأن زوجته عارية. وبدأ هو وزوجته يقطعان أوراق الشجر لكي يغطي بهما كل واحد منهما جسده العاري. وأصدر الله تبارك وتعالى أمره بالهبوط من الجنة لم يكن هبوط آدم إلى الأرض هبوط إهانة، وإنما كان
هبوط كرامة كما يقول العارفون بالله لأن الله تعالى حين شاء أن يخلق آدم قال للملائكة: "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً" ولم يقل لهما إني جاعل في الجنة خليفة. . كان الله تعالى يعلم أن آدم وحواء
سيأكلان من الشجرة. ويهبطان إلى الأرض. أما تجربة السكن في الجنة فكانت ركنا من
أركان الخلافة في الأرض. ليعلم آدم وحواء ويعلم جنسهما من بعدهما أن الشيطان طرد الأبوين من الجنة، وأن الطريق إلى الجنة يمر بطاعة الله وعداء الشيطان.
النبي والناقة العشراء(1/29)
كان صالح عليه الصلاة والسلام يحدث قومه برفق وحب، وهو يدعوهم إلى عبادة الله وحده،
وينبههم إلى أن الله قد أخرج لهم معجزة هي الناقة، دليلا على صدقه وبينة على دعوته. وهو يرجو منهم أن يتركوا الناقة تأكل في أرض الله، وكل الأرض أرض الله. وهو يحذرهم أن يمسوها بسوء خشية وقوع عذاب الله عليهم.
قال صالح لقومه حين طالبوه بمعجزة ليصدقوه: {وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64)}
والآية هي المعجزة، ويقال إن الناقة كانت معجزة لأن صخرة بالجبل انشقت يوما وخرجت منها الناقة.. ولدت من غير الطريق المعروف للولادة. ويقال إنها كانت معجزة لأنها كانت تشرب المياه الموجودة في الآبار في يوم فلا تقترب بقية الحيوانات من المياه في هذا اليوم، وقيل إنها كانت معجزة لأنها كانت تدر لبنا يكفي لشرب الناس جميعا في هذا اليوم الذي تشرب فيه الماء فلا يبقى شيء للناس.
كانت هذه الناقة معجزة، وصفها الله سبحانه وتعالى بقوله: {نَاقَةُ اللّهِ} أضافها لنفسه سبحانه بمعنى أنها ليست ناقة عادية وإنما هي معجزة من الله.
وأصدر الله أمره إلى صالح أن يأمر قومه بعدم المساس بالناقة أو إيذائها أو قتلها، أمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله، وألا يمسوها بسوء، وحذرهم أنهم إذا مدوا أيديهم بالأذى للناقة فسوف يأخذهم عذاب قريب.
في البداية تعاظمت دهشة ثمود حين ولدت الناقة من صخور الجبل.. كانت ناقة مباركة. كان لبنها يكفي آلاف الرجال والنساء والأطفال. كان واضحا إنها ليست مجرد ناقة عادية، وإنما هي آية من الله. وعاشت الناقة بين قوم صالح، آمن منهم من آمن وبقي أغلبهم على العناد والكفر.(1/30)
وفي إحدى الليالي، انعقدت جلسة لكبار القوم أخذ رؤساء القوم يتشاورون فيما يجب القيام به لإنهاء دعوة صالح. فأشار عليهم واحد منهم بقتل الناقة ومن ثم قتل صالح نفسه. لكن أحدهم قال: حذرنا صالح من المساس بالناقة، وهددنا بالعذاب القريب. فقال أحدهم سريعا قبل أن يؤثر كلام من سبقه على عقول القوم: أعرف من يجرأ على قتل الناقة. ووقع الاختيار على تسعة من جبابرة القوم. وكانوا رجالا يعيثون الفساد في الأرض، الويل لمن يعترضهم. وفي الليلة المحددة. وبينما كانت الناقة المباركة تنام في سلام. انتهى المجرمون التسعة من إعداد أسلحتهم وسيوفهم وسهامهم، لارتكاب الجريمة. هجم الرجال على الناقة فنهضت الناقة مفزوعة. امتدت الأيدي الآثمة القاتلة إليها. وسالت دمائها.
النبي صالح بما حدث فخرج غاضبا على قومه. قال لهم: ألم أحذركم من أن تمسوا الناقة؟
قالوا: قتلناها فأتنا بالعذاب واستعجله.. ألم تقل أنك من المرسلين؟
قال صالح لقومه: {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}.
بعدها غادر صالح قومه تركهم ومضى انتهى الأمر ووعده الله بهلاكهم بعد ثلاثة أيام.
ومرت ثلاثة أيام على الكافرين من قوم صالح وهم يهزءون من العذاب وينتظرون، وفي فجر اليوم الرابع: انشقت السماء عن صيحة جبارة واحدة. انقضت الصيحة على الجبال فهلك فيها كل شيء حي. هي صرخة واحدة.. لم يكد أولها يبدأ وآخرها يجيء حتى كان كفار قوم صالح قد صعقوا جميعا صعقة واحدة.
هلكوا جميعا قبل أن يدركوا ما حدث. أما الذين آمنوا بسيدنا صالح، فكانوا قد غادروا المكان مع نبيهم ونجوا.
وفي المسند إن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه . فكما أن تقوى الله مجلبة للرزق بالمثل ترك المعاصي .
وأن سلب الخيرات التي في أيدينا وحرماننا من ألوان النعيم تبعة أخرى من تبعات المعاصي والذنوب،(1/31)
قال تعالى ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)
فمن عمل السوء جوزي به ، والجزاء يختلف كبرا وصغرا عِظما وهُونا، قربا وبعدا،
قال تعالى ( قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون) ، فقد يكون الجزاء قسوة القلب وربما حرمان الرزق وأحيانا ألوان الأمراض، ومع الأسف نفسر ذلك كله تفسيرات مادية في غفلة واضحة عن السبب الحقيقي لهذه العقوبات،
قال تعالى ( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون)
الذنوب كثيرة والاستغفار قليل !! ذنوب بالليل!! وذنوب بالنهار!! بعض في السر والأكثر علانية !! نقع في الكبائر قبل الصغائر ، يزل اللسان وتخون العينان وتخطئ الجوارح والأركان ولا نحس بهذا كله
فهل مازلنا نتسأل من ضيق الحال؟
**********
خرج أحد الحكماء ذات يوم إلى الخلاء ومعه أحد أولاده، فسارا حتى وصلا إلى غيضة ناضرة الأشجار، زاهية الأزهار، يانعة الأثمار، وبجانبها شجرة صغيرة قريبة من الطريق قد أمالتها الريح، وكاد رأسها يمس الأرض.
فقال الحكيم لولده: انظر إلى تلك الشجرة المائلة، فاذهب فأرجعها إلى شكلها الأول. فذهب الولد وأخذ يعالجها إلى أن عدّلها، ثم انطلقا حتى إذا قربا من جميز (شجرة كبيرة كثيرة العقد والاعوجاج)
قال الحكيم لابنه: انظر يا بني إلى هذه الشجرة، ما أحوجها إلى من يصنع معروفاً فيعدلها، ويزيل عنها عيوبها التي شانتها، وحطت من قيمتها في أعين الناظرين، فانح نحوها، وافعل بها كما فعلت بالتي قبلها.
فتبسم الولد عجباً وقال : إني لا أكره صنع المعروف، إلا أن تلك الشجرة غير قابلة للتعديل لكبرها، نعم كان يمكن ذلك في زمن صغرها، وأما الآن فمن المحال، ولو اجتمع عليها عصبة من الأبطال.
فأعجب الحكيم بابنه، وفرح به لما آنس من شدة ذكائه، ورق جوابه،(1/32)
وقال: صدقت يا بني، فإن من شبّ على شيء شاب عليه، فالزم الأدب في صغرك، يلزمك في كبرك.
ثم رجعا من حيث أتيا، والأب يردد في نفسه هذا الكلام: ما أسهل تهذيب النفس في الصغر، وما أصعبه في الكبر،
وأنشد يقول :
قد ينفع الأدب الأطفال في صغر وليس ينفع عند الشيبة الأدب
إن الغصون إذا قوّمتها اعتدلت ولن تلين إذا قوّمتها الخُشُبُ
السامري والعجل
أن بني إسرائيل حين خرجوا من مصر، صحبوا معهم كثيرا من حلي المصريين وذهبهم، حيث كانت نساء بني إسرائيل قد استعرنه للتزين به، وعندما أمروا بالخروج حملوه معهم. ثم قذفوها لأنها حرام. فأخذها السامري، وصنع منها تمثالا لعجل., فصنع العجل مجوفا من الداخل، ووضعه في اتجاه الريح، بحيث يدخل الهواء من فتحته الخلفية ويخرج من أنفه فيحدث صوتا يشبه خوار العجول الحقيقية.
ويقال إن سر هذا الخوار، أن السامري كان قد أخذ قبضة من تراب سار عليه جبريل -عليه السلام- حين نزل إلى الأرض في معجزة شق البحر. أي أن السامري أبصر بما لم يبصروا به، فقبض قبضة من أثر الرسول -جبريل عليه السلام- فوضعها مع الذهب وهو يصنع منه العجل.
بعد ذلك، خرج السامري على بني إسرائيل بما صنعه..
سألوه: ما هذا يا سامري؟
قال: هذا إلهكم وإله موسى!
قالوا: لكن موسى ذهب لميقات إلهه.
قال السامري: لقد نسي موسى. ذهب للقاء ربه هناك، بينما ربه هنا.
وهبت موجة من الرياح فدخلت من دبر العجل الذهب وخرجت من فمه فخار العجل. وعبد بنو إسرائيل هذا العجل.. كيف يمكن الاستخفاف بعقول القوم لهذه الدرجة؟! لقد وقعت لهم معجزات هائلة. فكيف ينقلبون إلى عبادة الأصنام في لحظة؟
إن كلمات الله لم تعدهم إلى الحق، كما أن المعجزات الحسية لم تقنعهم بصدق الكلمات، ظلوا داخل أعماقهم من عبدة الأوثان. كانوا وثنيين مثل سادتهم المصريين القدماء. ولهذا السبب انقلبوا إلى عبادة العجل.
وفوجئ هارون عليه الصلاة والسلام يوما بأن بني إسرائيل يعبدون عجلا من الذهب.(1/33)
انقسموا إلى قسمين: الأقلية المؤمنة أدركت أن هذا هراء. والأغلبية الكافرة طاوعت حنينها لعبادة الأوثان. ووقف هارون وسط قومه وراح يعظهم. قال لهم: إنكم فتنتم به، هذه فتنة، استغل السامري جهلكم وفتنكم بعجله. ليس هذا ربكم ولا رب موسى {وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي}.
ورفض عبدة العجل موعظة هارون كان واضحا أن هارون أكثر لينا من موسى، واستمر القوم يرقصون حول العجل.
انحدر موسى عائدا لقومه فسمع صياح القوم وجلبتهم وهم يرقصون حول العجل. توقف القوم حين ظهر موسى وساد صمت. صرخ موسى يقول: {بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ}.
اتجه موسى نحو هارون وألقى ألواح التوراة من يده على الأرض. كان إعصار الغضب داخل موسى يتحكم فيه تماما. مد موسى يديه وأمسك هارون من شعر رأسه وشعر لحيته وشده نحوه وهو يرتعش. قال موسى: {يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93)}... أفهم هارون أخاه موسى برفق ولين أن القوم استضعفوه، وكادوا يقتلونه حين قاومهم.
فتحدث موسى إلى السامري وغضبه لم يهدأ بعد: {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ}.
إنه يسأله عن قصته، ويريد أن يعرف منه ما الذي حمله على ما صنع. قال السامري: {بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ}.
رأيت جبريل وهو يركب فرسه فلا تضع قدمها على شيء إلا دبت فيه الحياة. {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ}.
أخذت حفنة من التراب الذي سار عليه جبريل وألقيتها على الذهب. {فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}.
هذا ما ساقتني نفسي إليه.(1/34)
لم يناقش موسى، عليه السلام السامري في ادعائه. {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}.
حكم موسى على السامري بالوحدة في الدنيا. لإن السامري أراد بفتنته ضلال بني إسرائيل وجمعهم حول عجله الوثني والسيادة عليهم، وقد جاءت عقوبته مساوية لجرمه، لقد حكم عليه بالنبذ والوحدة. هل مرض السامري مرضا جلديا بشعا صار الناس يأنفون من لمسه أو مجرد الاقتراب منه؟ هذه هي عقوبته في الدنيا، ويوم القيامة له عقوبة ثانية، يبهمها السياق لتجيء ظلالها في النفس أخطر وأرعب.
نهض موسى بعد فراغه من السامري إلى العجل الذهب وألقاه في النار. لم يكتف بصهره أمام عيون القوم المبهوتين، وإنما نسفه في البحر نسفا. تحول الإله المعبود أمام عيون المفتونين به إلى رماد يتطاير في البحر. ارتفع صوت موسى: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} هذا هو إلهكم، وليس ذلك الصنم الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.
بعد أن نسف موسى الصنم التفت إلى قومه، وحكم في القضية كلها فأفهمهم أنهم ظلموا أنفسهم وترك لعبدة العجل مجالا واحدا للتوبة. وكان هذا المجال أن يقتل المطيع من بني إسرائي من عصى.
النبي والطائر
هو سليمان عليه السلام وطائر الهدهد وبلقيس
جاء يوم.. وأصدر سليمان أمره لجيشه أن يستعد.. بعدها، خرج سليمان يتفقد الجيش، ويستعرضه ويفتش عليه.. فاكتشف غياب الهدهد وتخلفه عن الوقوف مع الجيش، فغضب وقرر تعذيبه أو قتله، إلا إن كان لديه عذر قوي منعه من القدوم.(1/35)
فجاء الهدهد ووقف على مسافة غير بعيدة عن سليمان –عليه السلام- {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}
فقال الهدهد أن أعلم منك بقضية معينة، فجئت بأخبار أكيدة من مدينة سبأ باليمن. {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً} بلقيس {تَمْلِكُهُمْ} تحكمهم {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} أعطاها الله قوة وملكا عظيمين وسخّر لها أشياء كثيرة {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} وكرسي الحكم ضخم جدا ومرصّع بالجواهر {وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ} وهم يعبدون الشمس {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} أضلهم الشيطان {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} يسجدون للشمس ويتركون الله سبحانه وتعالى {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} وذكر العرش هنا لأنه ذكر عرش بلقيس من قبل، فحتى لا يغترّ إنسان بعرشها ذكر عرش الله سبحانه وتعالى.
فتعجب سليمان من كلام الهدهد، فلم يكن شائعا أن تحكم المرأة البلاد، وتعجب من أن قوما لديهم كل شيء ويسجدون للشمس، وتعجب من عرشها العظيم، فلم يصدق الهدهد ولم يكذبه إنما {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} وهذا منتهى العدل والحكمة.
ثم كتب كتابا وأعطاه للهدهد وقال له: {اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} ألق الكتاب عليهم وقف في مكان بعيد يحث تستطيع سماع ردهم على الكتاب.(1/36)
الهدهد وتسليمه الرسالة، وينتقل مباشرة إلى الملكة، وسط مجلس المستشارين، وهي تقرأ على رؤساء قومها ووزرائها رسالة سليمان.. {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)}طرحت الملكة على رؤساء قومها الرسالة.. وكانت عاقلة تشاورهم في جميع الأمور: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ}.أراد رؤساء قومها أن يقولوا: نحن على استعداد للحرب.. ويبدو أن الملكة كانت أكثر حكمة من رؤساء قومها.. فإن رسالة سليمان أثارت تفكيرها أكثر مما استنفرتها للحرب.. ونظرت الملكة حولها فرأت تقدم شعبها وثراءه، وخشيت على هذا الثراء والتقدم من الغزو.. ورجحت الحكمة في نفسها على التهور،وأقنعت رؤساء قومها بنبذ فكرة الحرب مؤقتا، لأن الملوك إذا دخلوا قرية انقلبت أوضاعها وصار رؤساءها هم أكثر من فيها تعرضا للهوان والذل..واقتنع رؤساء قومها حين لوحت الملكة بما يتهددهم من أخطار.ففكرت بإرسال الهدية لعله طامع بملكها.وصلت هدية الملكة بلقيس إلى الملك النبي سليمان.. جاءت الأخبار لسليمان بوصول رسل بلقيس وهم يحملون الهدية.. وأدرك سليمان على الفور أن الملكة أرسلت رجالها ليعرفوا معلومات عن قوته لتقرر موقفها بشأنه.. ونادى سليمان في المملكة كلها أن يحتشد الجيش.. ودخل رسل بلقيس وسط غابة كثيفة مدججة بالسلاح.. فوجئ رسل بلقيس بأن كل غناهم وثرائهم يبدو وسط بهاء مملكة سليمان.. وصغرت هديتهم في أعينهم.
وفوجئوا بأن في الجيش أسودا ونمورا وطيورا.. وأدركوا أنهم أمام جيش لا يقاوم..(1/37)
ثم قدموا لسليمان هدية الملكة بلقيس على استحياء شديد. وقالوا له نحن نرفض الخضوع لك، لكننا لا نريد القتال، وهذه الهدية علامة صلح بيننا ونتمنى أن تقبلها. نظر سليمان إلى هدية الملكة وأشاح ببصره {فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} كشف الملك سليمان بكلماته القصيرة عن رفضه لهديتهم، وأفهمهم أنه لا يقبل شراء رضاه بالمال. يستطيعون شراء رضاه بشيء آخر {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} ثم هددهم {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ}.
وصل رسل بلقيس إلى سبأ.. وهناك هرعوا إلى الملكة وحدثوها أن بلادهم في خطر.. حدثوها عن قوة سليمان واستحالة صد جيشه.. أفهموها أنها ينبغي أن تزوره وتترضاه.. وجهزت الملكة نفسها وبدأت رحلتها نحو مملكة سليمان.. جلس سليمان في مجلس الملك وسط رؤساء قومه ووزرائه وقادة جنده وعلمائه.. كان يفكر في بلقيس.. يعرف أنها في الطريق إليه.. تسوقها الرهبة لا الرغبة.. ويدفعها الخوف لا الاقتناع.. ويقرر سليمان بينه وبين نفسه أن يبهرها بقوته، فيدفعها ذلك للدخول في الإسلام. فسأل من حوله، إن كان بإمكان احدهم أن يحضر له عرش بلقيس قبل أن تصل الملكة لسليمان. فقال {الذي عنده علم الكتاب} قال لسليمان أنا أستطيع إحضار العرش في الوقت الذي تستغرقه العين في الرمشة الواحدة
هذا هو العرش ماثل أمام سليمان.. تأمل تصرف سليمان بعد هذه المعجزة.. لم يستخفه الفرح بقدرته، ولم يزهه الشعور بقوته، وإنما أرجع الفضل لمالك الملك.. وشكر الله الذي يمتحنه بهذه القدرة، ليرى أيشكر أم يكفر.(1/38)
لما اصطحب سليمان عليه السلام بلقيس إلى العرش، نظرت إليه فرأته كعرشها تماما.. وليس كعرشها تماما.. إذا كان عرشها فكيف سبقها في المجيء..؟ وإذا لم يكن عرشها فكيف أمكن تقليده بهذه الدقة. .؟
قال سليمان وهو يراها تتأمل العرش: {أَهَكَذَا عَرْشُكِ؟}
قالت بلقيس بعد حيرة قصيرة: {كَأَنَّهُ هُوَ!}
قال سليمان: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ}.
توحي عبارته الأخيرة إلى الملكة بلقيس أن تقارن بين عقيدتها وعلمها، وعقيدة سليمان المسلمة وحكمته. إن عبادتها للشمس، ومبلغ العلم الذي هم عليه، يصابان بالخسوف الكلي أمام علم سليمان وإسلامه.
لقد سبقها سليمان إلى العلم بالإسلام، بعدها صار من السهل عليه أن يسبقها في العلوم الأخرى، هذا ما توحي به كلمة سليمان لبلقيس..أدركت بلقيس أن هذا هو عرشها، لقد سبقها إلى المجيء، وأنكرت فيه أجزاء وهي لم تزل تقطع الطريق لسليمان.. أي قدرة يملكها هذا النبي الملك سليمان؟!(1/39)
انبهرت بلقيس بما شاهدته من إيمان سليمان وصلاته لله، مثلما انبهرت بما رأته من تقدمه في الصناعات والفنون والعلوم.. وأدهشها أكثر هذا الاتصال العميق بين إسلام سليمان وعلمه وحكمته.انتهى الأمر واهتزت داخل عقلها آلاف الأشياء.. رأت عقيدة قومها تتهاوى هنا أمام سليمان، وأدركت أن الشمس التي يعبدها قومها ليست غير مخلوق خلقه الله تعالى وسخره لعباده، و انكسفت الشمس للمرة الأولى في قلبها، أضاء القلب نور جديد لا يغرب مثلما تغرب الشمس.ثم قيل لبلقيس ادخلي القصر.. فلما نظرت لم تر الزجاج، ورأت المياه، وحسبت أنها ستخوض البحر، {وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا} حتى لا يبتل رداؤها.نبهها سليمان -دون أن ينظر- ألا تخاف على ثيابها من البلل. ليست هناك مياه. {إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ}.. إنه زجاج ناعم لا يظهر من فرط نعومته..اختارت بلقيس هذه اللحظة لإعلان إسلامها.. اعترفت بظلمها لنفسها وأسلمت {مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. وتبعها قومها على الإسلام. .أدركت أنها تواجه أعظم ملوك الأرض، وأحد أنبياء الله الكرام.
(وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ*فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ* فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأ كُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ* إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
هنا أكتفي معكم بسؤالين :
كيف استخدمت عقلك؟(1/40)
وبما خدمت دينك ونفسك واهلك ومن حولك؟
أنت يا من شربت الخمر وقد حرم عليك ألا علمت بأن الخمر قد ذهب بعقلك
فجعلك تأتي ابنتك كما تأتي زوجتك.
**********
يقول هذا الدكتور لهذا الشيخ تزوجت وحملت زوجتي وهي في بداية العشرين من عمرها
وبعد مراجعات الحمل أخبرنا الطبيب أن زوجتي تحتاج إلى عملية قيصريه
لأنه رأس الجنين للأعلى وعند دخولها إلى الشهر الثامن نجد صعوبة في تعديل الولد
وجعل رأسه للأسفل فخرجت أنا وزوجتي حزينان فذهبت زوجتي لترتاح ونامت
فذهبت أنا وتوضأت وصليت وفي سجودي دعوت الله وأنا ابكي
وكأنه أتاني آتٍ يقول قم قد عدل الولد فأنهيت صلاتي وذهبت لزوجتي
ووضعت يدي على بطنها فوجدت إن رأس ابني نزل للأسفل فسبحان الله
القادر.
عجز الأطباء عن توجيهه للأسفل إذاً فمن وجهه لذلك؟
قال له كن !! فيكون
ولادة نبي من فتاة عذراء
ولد عيسى عليه السلام من هذه المرأة الطاهرة النقية،دون أن يكون له أب كسائر الخلق، واقرأ معنا القصة كما أوردها القرآن الكريم، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ (42)}
وعادت الملائكة تتحدث: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}..(1/41)
الأمر الصادر بعد البشارة أن تزيد من خشوعها، وسجودها وركوعها لله.. وملأ قلب مريم إحساس مفاجئ بأن شيئا عظيما يوشك أن يقع.. ويروي الله تعالى في القرآن الكريم قصة ولادة عيسى عليه السلام فيقول: {وَاذكُر فِى الكِتَابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِهَا مَكَاناً شَرقِياً (16) فَاتخَذَت مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرسَلنَا إِلَيهَا رُوحَنَا فَتَمَثلَ لَهَا بَشَراً سَوِياً (17) قَالَت إِني أَعُوذُ بِالرحمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِياً (18) قَالَ إِنمَا أَنَا رَسُولُ رَبكِ لأهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِياً (19) قَالَت أنى يَكُونُ لِى غُلامٌ وَلَم يَمسَسنِى بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِياً (20) قَالَ كَذلِكَ قَالَ رَبكَ هُوَ عَلَى هَينٌ وَلِنَجعَلَهُ ءايَةً للناسِ وَرَحمَةً منا وَكَانَ أَمراً مقضِياً (21)}.
جاء جبريل –عليه السلام- لمريم وهي في المحراب على صورة بشر في غاية الجمال. فخافت مريم وقالت: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا} أرادت أن تحتمي في الله.. وسألته هل هو إنسان طيب يعرف الله ويتقيه.
فجاء جوابه ليطمئنها بأنه يخاف الله ويتقيه: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا}.
أطمئنت مريم للغريب، لكن سرعان ما تذكّرت ما قاله {لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} استغربت مريم العذراء من ذلك.. فلم يمسسها بشر من قبل.. ولم تتزوج، ولم يخطبها أحد، كيف تنجب بغير زواج!! فقالت لرسول ربّها: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}.
قال الروح الأمين: {كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا}.(1/42)
استقبل عقل مريم كلمات الروح الأمين.. ألم يقل لها إن هذا هو أمر الله. .؟ وكل شيء ينفذ إذا أمر الله.. ثم أي غرابة في أن تلد بغير أن يمسسها بشر..؟ لقد خلق الله سبحانه وتعالى آدم من غير أب أو أم، لم يكن هناك ذكر وأنثى قبل خلق آدم. وخلقت حواء من آدم فهي قد خلقت من ذكر بغير أنثى.. ويخلق ابنها من غير أب.. يخلق من أنثى بغير ذكر.. والعادة أن يخلق الإنسان من ذكر وأنثى.. العادة أن يكون له أب وأم.. لكن المعجزة تقع عندما يريد الله تعالى أن تقع.. عاد جبريل عليه السلام يتحدث: {إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ}.(1/43)
زادت دهشة مريم.. قبل أن تحمله في بطنها تعرف اسمه.. وتعرف أنه سيكون وجيها عند الله وعند الناس، وتعرف أنه سيكلم الناس وهو طفل وهو كبير.. وقبل أن يتحرك فم مريم بسؤال آخر.. نفخ جبريل عليه السلام في جيب مريم –الجيب هو شق الثوب الذي يكون في الصدر- فحملت فورا..ومرت الأيام.. كان حملها يختلف عن حمل النساء.. لم تمرض ولم تشعر بثقل ولا أحست أن شيئا زاد عليها ولا ارتفع بطنها كعادة النساء.. كان حملها به نعمة طيبة. وجاء الشهر التاسع.. وفي العلماء من يقول إن الفاء تفيد التعقيب السريع.. بمعنى أن مريم لم تحمل بعيسى تسعة أشهر، وإنما ولدته مباشرة كمعجزة..خرجت مريم ذات يوم إلى مكان بعيد.. إنها تحس أن شيئا سيقع اليوم.. لكنها لا تعرف حقيقة هذا الشيء.. قادتها قدماها إلى مكان يمتلئ بالشجر.. والنخل، مكان لا يقصده أحد لبعده.. مكان لا يعرفه غيرها.. لم يكن الناس يعرفون أن مريم حامل.. وإنها ستلد.. كان المحراب مغلقا عليها، والناس يعرفون أنها تتعبد فلا يقترب منها أحد..جلست مريم تستريح تحت جذع نخلة؛ لم تكن نخلة كاملة، إنما جذع فقط، لتظهر معجزات الله سبحانه وتعالى لمريم عند ولادة عيسى فيطمئن قلبها.. وراحت تفكر في نفسها.. كانت تشعر بألم.. وراح الألم يتزايد ويجيء في مراحل متقاربة.. وبدأت مريم تلد.. {فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23)}...
إن ألم الميلاد يحمل لنفس العذراء الطاهرة آلاما أخرى تتوقعها ولم تقع بعد.. كيف يستقبل الناس طفلها هذا..؟ وماذا يقولون عنها..؟ إنهم يعرفون أنها عذراء.. فكيف تلد العذراء..؟ هل يصدق الناس أنها ولدته بغير أن يمسسها بشر..؟ وتصورت نظرات الشك.. وكلمات الفضول.. وتعليقات الناس.. وامتلأ قلبها بالحزن..(1/44)
وولدت في نفس اللحظة من قدر عليه أن يحمل في قلبه أحزان البشرية.. لم تكد مريم تنتهي من تمنيها الموت والنسيان، حتى نادها الطفل الذي ولد: {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26)}.
نظرت مريم إلى المسيح.. سمعته يطلب منها أن تكف عن حزنها.. ويطلب منها أن تهز جذع النخلة لتسقط عليها بعض ثمارها الشهية.. فلتأكل، ولتشرب، ولتمتلئ بالسلام والفرح ولا تفكر في شيء.. فإذا رأت من البشر أحدا فلتقل لهم أنها نذرت للرحمن صوما فلن تكلم اليوم إنسانا.. ولتدع له الباقي.. كان الوقت عصرا حين عادت مريم..
لم تكد تلمس جذعها حتى تساقط عليها رطب شهي.. فأكلت وشربت ولفت الطفل في ملابسها.. كان تفكير مريم العذراء كله يدور حول مركز واحد.. هو عيسى، وهي تتساءل بينها وبين نفسها: كيف يستقبله اليهود..؟ ماذا يقولون فيه..؟ هل يصدق أحد من كهنة اليهود الذين يعيشون على الغش والخديعة والسرقة..؟ هل يصدق أحدهم وهو بعيد عن الله أن الله هو الذي رزقها هذا الطفل؟ إن موعد خلوتها ينتهي، ولا بد أن تعود إلى قومها.. فماذا يقولون الناس؟
وكان السوق الكبير الذي يقع في طريقها إلى المسجد يمتلئ بالناس وجاء كهنة اليهود يسألونها.. ابن من هذا يا مريم؟ لماذا لا تردين؟ هو ابنك قطعا.. كيف جاءك ولد وأنت عذراء؟ {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)}.(1/45)
الكلمة ترمي مريم بالبغاء.. هكذا مباشرة دون استماع أو تحقيق أو تثبت ..أشارت بيدها لعيسى.. واندهش الناس.. فهموا أنها صائمة عن الكلام وترجو منهم أن يسألوه هو كيف جاء.. تساءل الكهنة ورؤساء اليهود كيف يوجهون السؤال لطفل ولد منذ أيام.. هل يتكلم طفل في لفافته..؟!
قالوا لمريم: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}.
قال عيسى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)}.
عزير والحمار
أمر الله سبحانه وتعالى عزيرا أن يذهب إلى قرية. فذهب إليها فوجدها خرابا، ليس فيها بشر. فوقف متعجبا، كيف يرسله الله إلى قرية خاوية ليس فيها بشر. وقف مستغربا، ينتظر أن يحييها الله وهو واقف! لأنه مبعوث إليها. فأماته الله مئة عام. قبض الله روحه وهو نائم، ثم بعثه. فاستيقظ عزير من نومه.
فأرسل الله له ملكا في صورة بشر: {قَالَ كَمْ لَبِثْتَ}.
فأجاب عزير: {قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}. نمت يوما أو عدة أيام على أكثر تقدير.
فرد الملك: {قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ}. ويعقب الملك مشيرا إلى إعجاز الله عز وجل {فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ} أمره بأن ينظر لطعامه الذي ظل بجانبه مئة سنة، فرآه سليما كما تركه، لم ينتن ولم يتغير طعمه او ريحه.(1/46)
ثم أشار له إلى حماره، فرآه قد مات وتحول إلى جلد وعظم. ثم بين له الملك السر في ذلك {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ}. ويختتم كلامه بأمر عجيب {وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا} نظر عزير للحمار فرأى عظامه تتحرك فتتجمع فتتشكل بشكل الحمار، ثم بدأ اللحم يكسوها، ثم الجلد ثم الشعر، فاكتمل الحمار أمام عينيه.
يخبرنا المولى بما قاله عزير في هذا الموقف: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
سبحان الله أي إعجاز هذا.. ثم خرج إلى القرية، فرآها قد عمرت وامتلأت بالناس. فسألهم: هل تعرفون عزيرا؟ قالوا: نعم نعرفه، وقد مات منذ مئة سنة. فقال لهم: أنا عزير. فأنكروا عليه ذلك. ثم جاءوا بعجوز معمّرة، وسألوها عن أوصافه، فوصفته لهم، فتأكدوا أنه عزير.
فأخذ يعلمهم التوراة ويجددها لهم، فبدأ الناس يقبلون عليه وعلى هذا الدين من جديد، وأحبوه حبا شديدا وقدّسوه للإعجاز الذي ظهر فيه، حتى وصل تقديسهم له أن قالوا عنه أنه ابن الله {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ}.واستمر انحراف اليهود بتقديس عزير واعتباره ابنا لله تعالى –ولا زالوا يعتقدون بهذا إلى اليوم- وهذا من شركهم لعنهم الله.
بعد التفكر في هذه القصص
فمن أصابه اليأس والقنوط أوجهه إليك هذا السؤال
هل الله غير قادر أو عاجز على تحقيق أمورك؟وتغيير حالك ؟
( وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ (
**********
قال تعالى :
((احسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون* ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين))
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلي الرجل على حسب
دينه فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه ، وإن كان في دينه رقة ابتلى(1/47)
على قدر دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة )
يقول الشافعي:
اتهزاء بالدعاء وتزدريه وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن له أمد وللأمد انقضاء
مهما تراكمت عليك العوائق..اصبر واستعصم بالواحد الرازق
مهما أخذتك الغفلة لأبعد حد..توسد الذكر وتمسك بحبل الله الممتد
مهما دنت منك خطى اليأس ..أعرض عنها ولا تيأس من روح الرب
مهما تساقطت من عصارة روحك غصة..لا تبالي فكلٍ يأخذ منها حصة
مهما تكتلت على صدرك الهموم..بددها بالاستغفار واذكر الحي القيوم
مهما تراجع رصيد الحسنات..اشغل القلب بالذكر لترقى أعلى الدرجات
مهما قسى قلبك بعد اللين..أرخي سمعك للحق وتذلل لرب العالمين
مهما تراءت لك اللذائذ المحرمة .. أعرض فمن ربك خير التعويض
مهما استمراء عليك البلاء.. فاعلم انه ابتلي به خير الأنبياء
مهما تعاظمت عليك الأمور .. اثبت و توكل على الحي الذي لا يموت
مهما تكالب عليك الخطب الجلل .. فاعلم إن حكمته عند العظيم المقتدر
فيا من ميزه الإله بـ العقل .. أتشكوا للخلق من خالق العقل ؟
لا تسألن بني آدم حاجة ,, وسل الذي أبوابه لا تحجبُ
الله يغضبُ إن تركت سؤاله ,, وبني آدم حين يُسألُ يغضبُ
مولاي
يا جواد يا كريم
يا سميع لدبيب النمل في الليل البهيم
يا مجيب دعوة المضطر ين
أسألك أن تغفر لي وللمسلمين والمسلمات
وتمحو عنا الخطايا والزلات
وأن تجعل قلوبنا نابضة بالطاعات
وان تثبتنا على الحق
اللهم أرزقني وإياهم الإخلاص في القول والعمل
واجعلني وإياهم من رفقاء الرسول صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى
اللهم آمين
وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ملاحظة:
أخذت فقط الآيات والأحاديث من بعض المراجع
والقصص من كتاب قصص الأنبياء لـ بن كثير
و من المحاضرات الصوتية .
إعداد الكاتبه :
نسرين السعدون(1/48)