إنكِ خُلقتِ للأمومة ... ولن تُثنيكِ أفواههم المسمومة
جمعه وألفه ورتبه
الفقير إلى رب البريات
أبوكفاح الدين
أحمد بن محمد السعيد العزيزى
سبط الإمام المجدد
تقى الدين أبو الفتح القشيرى
إبن دقيق العيد
رحمه الله
الله المستعان
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلآ مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله تعالى رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لآ يزيغ عنها إلا هالك وعلى الآل والصحب أجمعين .
اللهم أقمنا على سنته وأمتنا عليها واحشرنا تحت لوآئه واجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين .
ثم أما بعد ::
يقول المولى سبحانه وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } المائدة2(1/1)
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تتعدَّوا حدود الله ومعالمه, ولا تستحِلُّوا القتال في الأشهر الحرم, وهي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب, وكان ذلك في صدر الإسلام, ولا تستحِلُّوا حرمة الهَدْي, ولا ما قُلِّدَ منه; إذ كانوا يضعون القلائد, وهي ضفائر من صوف أو وَبَر في الرقاب علامةً على أن البهيمة هَدْيٌ وأن الرجل يريد الحج, ولا تَسْتَحِلُّوا قتال قاصدي البيت الحرام الذين يبتغون من فضل الله ما يصلح معايشهم ويرضي ربهم. وإذا حللتم من إحرامكم حلَّ لكم الصيد, ولا يحمِلَنَّكم بُغْض قوم من أجل أن منعوكم من الوصول إلى المسجد الحرام -كما حدث عام "الحديبية"- على ترك العدل فيهم. وتعاونوا -أيها المؤمنون فيما بينكم- على فِعْل الخير, وتقوى الله, ولا تعاونوا على ما فيه إثم ومعصية وتجاوز لحدود الله, واحذروا مخالفة أمر الله فإنه شديد العقاب.
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } البقرة21
نداء من الله للبشر جميعًا: أن اعبدوا الله الذي ربَّاكم بنعمه, وخافوه ولا تخالفوا دينه; فقد أوجدكم من العدم, وأوجد الذين من قبلكم; لتكونوا من المتقين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1(1/2)
يا أيها الناس خافوا الله والتزموا أوامره, واجتنبوا نواهيه; فهو الذي خلقكم من نفس واحدة هي آدم عليه السلام, وخلق منها زوجها وهي حواء, ونشر منهما في أنحاء الأرض رجالا كثيرًا ونساء كثيرات, وراقبوا الله الذي يَسْأل به بعضكم بعضًا, واحذروا أن تقطعوا أرحامكم. إن الله مراقب لجميع أحوالكم.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً } الأحزاب70
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, اعملوا بطاعته، واجتنبوا معصيته؛ لئلا تستحقوا بذلك العقاب, وقولوا في جميع أحوالكم وشؤونكم قولا مستقيمًا موافقًا للصواب خاليًا من الكذب والباطل.
{ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } الأحزاب71
إذا اتقيتم الله وقلتم قولا سديدًا أصلح الله لكم أعمالكم, وغفر ذنوبكم. ومن يطع الله ورسوله فيما أمر ونهى فقد فاز بالكرامة العظمى في الدنيا والآخرة.
وقال تعالى :: { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً } النساء115
ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم من بعد ما ظهر له الحق, ويسلك طريقًا غير طريق المؤمنين, وما هم عليه من الحق, نتركه وما توجَّه إليه, فلا نوفقه للخير, وندخله نار جهنم يقاسي حرَّها, وبئس هذا المرجع والمآل.
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } النحل97(1/3)
مَن عمل عملا صالحًا ذكرًا كان أم أنثى, وهو مؤمن بالله ورسوله, فلنحيينه في الدنيا حياة سعيدة مطمئنة, ولو كان قليل المال, ولنجزينَّهم في الآخرة ثوابهم بأحسن ما عملوا في الدنيا.
وقال صلى الله عليه وسلم :: (( من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد ))
وقال صلوات الله عليه وتسليماته (( سترون بعدى أختلآفاً شديداً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلآلة وكل ضلآلة فى النار ))
وبعد .....
فإن راحة القلب وسروره وزوال همومه وغمومه . مطلب لكل واحد منا وبه يتحصل المرء على الحياة الطيبة . ويتم له السرور . والأبتهاج .
وليتحقق هذا الأمر فعلينا بالتفطن لهذه الأسباب .
الأسباب الدينية . الأسباب الطبيعية . الأسباب العملية .
ولا يمكن أن تجتمع هذه الأسباب كلها إلا فى أهل الإيمان
فقط ولآ أحد غيرهم .
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } فصلت30
إن الذين قالوا ربنا الله تعالى وحده لا شريك له, ثم استقاموا على شريعته, تتنزل عليهم الملائكة عند الموت قائلين لهم: لا تخافوا من الموت وما بعده, ولا تحزنوا على ما تخلفونه وراءكم من أمور الدنيا, وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون بها.
أما سوى المؤمنين . فهذه الأسباب وأن حصلت بوجه من الوجوه وبمجاهدة عقلآئهم لتحصيل هذا السبب من ثورات وتحالفات وجمعيات ومؤسسات وأجتماعات ومشاورات ويكثر الحديث ويزاد اللغط فتجد أن أسباب راحة القلب منقوصة عندهم . فقد فاتتهم وجوه أنفع وأثبت وأحسن حالآ .
لذلك فإن الطمأنينة وزوال الشبهات هما الأساس الذى تقوم عليه هذه المطالب .
لذلك شرعت فى هذا الجمع والتأليف سائلاً الله تعالى له القبول فإنه نعم المجيب .(1/4)
وأرجوا من الله تعالى أن يجعله سبباً فى إقامة جيل واعٍ على دراية بكل ما يحاك حوله من مؤامرآت ومؤتمرات هدفها إسقاط هذه الأمة . وأن لا تقوم لها قائمة . ولا ترفع لها رآية . ولكن حسبنا الذى بهِ آمنا وعليه توكلنا . وأرجوا أن ينادينا مناديه . أن كفيتم ووقيتم وهديتم وتنحى عنكم الشيطان ....اللهم آمين .
تحذير !!!!
لما رأيت أهل الباطل قد تجمعوا حول باطلهم قد زينوه وأنقوه ظناً منهم أن بذلك سيخدعونا .
فغيروا الأسماء وبدلوا المفاهيم وساغوا القوانين ودستروا دساتيرهم . فسموا العرى والدعارة فن وحرية . والخمر مشروبات روحية . والتعدى على ما شرعه الله ثقافة وأنفتاحية 0 حتى نعق ناعقهم بأن الحجاب ليس فريضة ربانية . وصدق الحبيب لما أخبرنا بهذه الطامة والبلية حينما قال صلى الله عليه وسلم ::
(إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها و مغاربها و إن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها و إني أعطيت الكنزين الأحمر و الأبيض و إني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكوا بسنة عامة و لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم و إن ربي عز و جل قال : يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد و إني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة و أن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم و لو اجتمع عليهم من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يفني بعضا و إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين و إذا وضع في أمتي السيف لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة و لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين حتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان و إنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي و أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي و لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله)
وأخبر صلى الله عليه وسلم
(إنه سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون و ينكرون عليكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى الله فلا تضلوا بربكم)
وقال صلى الله عليه وسلم(1/5)
حدثنا محمد بن الفرج حدثنا محمد بن الزبرقان حدثنا موسى بن عبيدة قال أخبرني عمر بن هارون وموسى بن أبي عيسى عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف بكم أيها الناس إذا طغى نساؤكم وفسق فتيانكم قالوا يا رسول الله إن هذا لكائن قال نعم وأشد منه كيف بكم إذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قالوا يا رسول الله إن هذا لكائن قال نعم وأشد منه كيف بكم إذا رأيتم المنكر معروفا والمعروف منكرا
فقلت فى نفسى بعد هذا كله . والله لأهل الحق أولى فى هذا الزمان خاصة أن يعرفوا هذا الحق ويعّرفوه ويبينوا سبيله ويوضحوه . وبأسلوب يستطيع كل الناس فهمه . وكذا يتسنى لهم أن نبين ضلآل المضلين وتزييفهم ونرد كيدهم فلقد علا صوتهم حتى تعدوا على ثوابت هذا الدين ووالله إنا لنخشى كل ما ينادون به من أمور لو فشت فى هذه الأمة لأهلكت الحرث والنسل ولو تحقق مأربهم لهلك الجيل وكل الأجيال .
وأعداء الدين يتلمسون أهلآك الأمة فيمن يلتمسون ضعفه وإنصاته لهم . فاستضعفوا المرأة وأستمالوها بمسميات كالسم فى العسل . تحت مسمى حرية . وأنها شق معطل .وأنها أسيرة حبيسة . نادوا بمساواتها والله يقول :: { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } آل عمران36
فلما تمَّ حملها ووضعت مولودها قالت: ربِّ إني وضعتها أنثى لا تصلح للخدمة في "بيت المقدس" -والله أعلم بما وضَعَتْ, وسوف يجعل الله لها شأنًا- وقالت: وليس الذكر الذي أردت للخدمة كالأنثى في ذلك; لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقْوَم بها, وإني سمَّيتها مريم, وإني حصَّنتها بك هي وذريَّتها من الشيطان المطرود من رحمتك.
وإنى سائلهم بالله أى أمرأة تنادون بتحررها ؟؟
أتنادون بتحرر بنت التسع سنين ؟(1/6)
أتنادون بتحرر بنت الخامسة والأربعين ؟
لا ورب العالمين ...إنكم لماكرين تريدون العرى والمجون
تريدون أنتهاك حرمنا المصون بالتطلع للخصور والسيقان والشعور والأذرع وأن تنتهك المرأة .
ومن خلال كلامى سأثبت لها ولهم أنها ستكون ضعيفة لو أتبعتكم وسلكت سبيلكم وتركت سبيل ربها . الذى فيه عزتها وعزة أجيال ستقوم على يديها .
لذلك أرسلت لكِ هذا التحذير فأنتبهى...أنتبهى
أنتبهى لرسالتى وعيها . عسى أن تكون فيها نجاتى ونجاتك .
جئنَ لعرض جمالهنَّ..إبليسُ بارك جمعَهنَّ!
جئنَ إلى سوق النخاسةِ و المزادِ بطوعهنَّ!
جئنَ ليعرضنَ المفاتنَ و الأنوثةَ في دُجنّةْ
اَلجاهليةُ قد غزتْ بتبرجٍ أزياءَهنَّ
فبدا الجمالُ المستعارُ وغاب حسنُ حيائهنَّ
عجبي لهنَّ لِلَّهِ يبعْنَ نوراً بالعمى! عجبي لهنَّ!
عجبي لهنَّ لِلَّهِ تسطّحتْ كالببّغاء عقولهنَّ لِلَّهِ
أتُرى الثقافة راهقتْ وتبّرجتْ أفكارهنَّ ؟!
عجبي!وأسألُ:أين كان!وأين غابَ رجالهنَّ!
أين الشهامةُ والمروءةُ والرجولةُ!أين هنَّ ؟!
قد يستحي أبناؤُهنَّ و الذراري و الأجِنّةْ
مما فعلنَ..ويستحي شِعري،وما أدري!فهُنَّ
قد كُنَّ تيجاناً لنا، وكنّ فخراً..كنَّ ..كنَّ
ماعُدنَ منا، لسنَ من هذا الترابِ ، ومالهنَّ
مناّ احترامٌ أو سلامٌ .. رغم ما ندعو لهنَّ
حتى يعدنَ لسترهنَّ ..وحصنهنَّ ..وأرضهنَّ
حتى يعدنَ إلى الحجاب وطهرهِ ..حتى يعدْنَ
عوداً حميداً مثلما عادتْ "خديجةُ بنتُ قنةْ "
نداء
سبحانك اللهم فقد أسبغت علينا من نعمك ما يجعلنا نبذل الدماء والأرواح رخيصة فى سبيل مرضاتك .(1/7)
سبحانك اللهم يا نور السموات والأرض . ما أكبر سلطانك . وأعظم شأنك . تهبط من خشيتك الجبال الشاهقة . وعنت لك الجباه . وتذل أمام قهرك الهمم . أحتجبت بذاتك عن الأبصار .ولكنك ظهرت لنا بآثارك الجليلة التى حيرت منا العقول والألباب فإذا بنا نقع أمامها ساجدين . إكباراً وإجلآلاً لذاتك العلية . تلك الآثار التى تهفوا بقلوبنا شوقاً إليك ورهبة منك . فنشاهدها بأنفسنا وفى أنفسنا وفى كل ما يحيط بنا من عجائب صنعك .
فمالك أيها الإنسان عن التذكرة معرض ؟
مالك لنعمه تجحد ؟
تدبر وتذكر ألهذا خلقك ؟
معرض....تغدوا لآهياً ....وتروح سآهياً
لا ترفع رأسك فتتعلم مما فوقك ...ولا تخفضها فتتعجب مما تحتك ...ولآ تعتبر بما فى نفسك . من العبر والآيات .
أنسيت أيها المفتون بالدنيا ... { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ } الانشقاق6
يا أيها الإنسان إنك ساعٍ إلى الله, وعامل أعمالا من خير أو شر, ثم تلاقي الله يوم القيامة, فيجازيك بعملك بفضله و عدله.
بالله عليكَ وعليكِ ماذا أعددنا ليوم مقداره خمسون ألف سنة ؟ ... { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ } عبس34
يوم يفرُّ المرء لهول ذلك اليوم من أخيه, { وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ } عبس35 { وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ } عبس36 { لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } عبس37
لكل واحد منهم يومئذٍ أمر يشغله ويمنعه من الانشغال بغيره.
أخوتااااااه هدّأوا السير برهة وتأملوا ... واجعلوا من مرءآ القبور واعظ لكم فى أنفسكم ...فاذهبوا هنالك واسألوا بل ونادوا . يا أهل القبور لا تحزنوا ولا تألموا فإنكم غادرتم دار الفسق والشرور وجاورتم رحيماً عادلاً غفور وفى حكمه ليس يجور ... ثم أستمعوا لما يبشركم به ربكم ...(1/8)
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } فصلت30
إن الذين قالوا ربنا الله تعالى وحده لا شريك له, ثم استقاموا على شريعته, تتنزل عليهم الملائكة عند الموت قائلين لهم: لا تخافوا من الموت وما بعده, ولا تحزنوا على ما تخلفونه وراءكم من أمور الدنيا, وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون بها. { نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } فصلت31
وتقول لهم الملائكة: نحن أنصاركم في الحياة الدنيا، نسددكم ونحفظكم بأمر الله, وكذلك نكون معكم في الآخرة, ولكم في الجنة كل ما تشتهيه أنفسكم مما تختارونه, وتَقَرُّ به أعينكم, ومهما طلبتم من شيء وجدتموه بين أيديكم ضيافة وإنعامًا لكم { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } فصلت32
مِن غفور لذنوبكم, رحيم بكم.
وعند عودتك ردد وقل ...إلهى إنى لأستعذب الموت . وأجد السعادة فيه كي ألقاك .
اللهم لم يبق أمامى غير رحمتك فهى أوسع أن تضيق بمثلى . يا رحيماً بعباده .
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه فى قلوبنا . وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان . واجعلنا من عبادك الراشدين فضلاً منك ونعمة .
وإن لم يكن ولم تستطع ذاك فارجع أخى إلى الوراء وتفكر معى وتذكر .
لقد وقفت فيما مضى وقفة العاجز الذليل . وقفة الحيرة والأرتباك . عاجزاً عن مواراة أخيك ومواراة سوأته . حتى قيض الله لك طائراً فعلمك . تأمل ما أجهلك .
فلولآ رحمة ربك بك وفضل الطائر عليك . لتركت جثة أخيك . فريسة تنتهشها النسور وتمزقها السباع وتلتهمها إلتهاماً .(1/9)
وإن أردت إلا المضي فى غيك وتيهك . ترى الغريق فلآ تنقذه . والجائع فلآ تطعمه . والمحترق فتفر منه ضناً منك وحرصاً على دنيا رخيصة . فهنالك ما أقسى قلبك وما أقل مرؤتك وشهامتك .
فهنا انبهك وأنذرك إنذار أخير .
هذه الدنيا كسفينة . نقطع بها مراحل الحياة إلى الحفرة (( القبر )) . فمن كان يريد الدنيا فسيوفيه الله أعماله فيها ولن يبخسه مثقال ذرة منها .... { وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } الإسراء19
ومَن قصد بعمله الصالح ثواب الدار الآخرة الباقية، وسعى لها بطاعة الله تعالى، وهو مؤمن بالله وثوابه وعظيم جزائه، فأولئك كان عملهم مقبولا مُدَّخرًا لهم عند ربهم، وسيثابون عليه.
إعرفها .........تعرفك
المرأة التقية النقية ، هي منحة إلهية ، و رسول سلام ، و نبع سعادة و صفاء .
خلقها الله تعالى لإتمام نظام الكون ، و لتأدية رسالتها التي لا تتم و لاتثمر إلا بانضمامها إلى شطرها الثاني و هو الرجل ، و ذلك للمحافظة على بقاء النوع البشري ، و استدامة وجوده ، وفق تقدير الله سبحانه و تعالى .
و لذلك فالمرأة هي عروة الصلة بين الأسر ، و هي مجرى الدم في جسد هذه الأمة ، و الذي يبعث فيها روح النشاط و القوة في العلم و العمل ، و هي التي أودعها الله تعالى كل معاني السحر الحلال . فبجمالها و ظرفها و وداعتها الآسرة أصبحت السيدة المسيطرة المالكة للقلوب .
فهي شريكة الرجل في حياته و في سرائره و ضرائره ، فإذا ما سكن إليها الرجل بعد الفراغ من عمله و هو مثقل بأعباء الحياة و أكدراها أحاطته بسياج من العطف و المودة ، و افترّ ثغرها الفتان عن ابتسامة عذبة تنفذ إلى مستقر الوجدان من نفسه فتنسيه ما ألم به من الهموم و الآلام ،
و من يقدر على مواساة الرجل إذا فاضت به شجونه سوى المرأة ؟(1/10)
و هل وجد الرجل معاقل تضمحل دونها الخطوب و تتكسر على أسوارها صخور النوائب و تصفو بين أيديها وجوه الليالي ، مثلما يجدون في الصالحات من النساء ، إذا سكنوا إليهن و أطرقوا إلى سحر حديثهن ، و قد قال سبحانه و تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } الروم21
ومن آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق لأجلكم من جنسكم -أيها الرجال- أزواجًا; لتطمئن نفوسكم إليها وتسكن, وجعل بين المرأة وزوجها محبة وشفقة, إن في خلق الله ذلك لآيات دالة على قدرة الله ووحدانيته لقوم يتفكرون, ويتدبرون.
إن من ينظر إلى تركيب جسم المرأة و ما فيه من اجهزة يرى لأول وهلة أن العناية الإلهية قد زودتها بكل ما تحتاج إليه للقيام بوظيفتها في الحياة . من الأجهزة البدنية و الإستعدادات النفسية و الغرائز الفطرية التي هي لسان صدق ناطق بأن هذا المنظر البديع و هذا التركيب العجيب و الذي لا يوجد له مثيل عند الرجل ما خُلق كل هذا إلا ليعينها على تأدية مهمتها الأولى في هذه الحياة ألا و هي الأمومة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "حُبّب إلي ّمن دنياكم الطيب والنساء ؛ وجُعلت قرّة عيني في الصلاة " - صحيح رواه الإمام أحمد والنسائي -
تقولين : إنكِ فجرٌ بدا *** بأفْق الحياة ِ.. وطيرٌ شَدا
و إنكِ أرضعتِ أرواحَنا *** لبانَ العقيدة في المُبتدا
صدقتِ ، وأنتِ وريدُ الحياة *** بكلّ العيون لنا ، يُفتدى
حملتِ الكتابَ ، وصُنتِ الحجابَ *** و قلبُك لله قد وَحّدا
" جمالُ الحجاب بحَجب الجمالِ " *** ولولاهُ ضاع الجمالُ سُدى
حَباكِ الإلهُ بأسمى مقام ٍ *** ووصىّ ثلاثاً نبيُّ الهدى
مقامُك بين جلال الصلاة *** وبين شذا الطيبِ قد أُفرِدا
فإنْ كنتِ أمّاً ؛ فبابُ الجِنانِ *** إذا ما رضيتِ فلن يوصَدا(1/11)
وإنْ كنتِ أختاً ؛ فأنتِ الحَنانُ *** وأنت الأمانُ .. وأنت الهدى
وإنْ كنتِ بنتاً ؛ فعصفورة ٌ *** نمدُّ الفؤادَ لها و اليَدا
نجوبُ إذا ما ضحكتِ المَدى *** فتُحيينَ فينا مُنىً هُجَّدا
وإنْ كنتِ زوجاً ؛ فأنت التي *** نزفُّ إليكِ الهوى الأوحدا
وأنتِ الطهارةُ .. أنت السّنا *** وأنت الحضارةُ ؛ والمنتدى
وأوراقُ وردٍ لشوك الطريق ِ *** وألوانُ طيفٍ محا الأسودا
وعبدٌ .. وطاغيةٌ تارةً !! *** عجبتُ لعبدٍ غدا سيّدا !!
وأنتِ الدلالُ ؛ وأنت الجمالُ *** وأنت النشيدُ ؛وأنت الصّدى
بروضكِ شِعري غدا بلبلاً *** فهل تعجبينَ إذا غّردا ؟!
ولمّا رأيتكِ وَردَ الوجودِ *** كتبتُ " إليكِ " بقطر الندى
فالمرأة بمقتضى تكوينها البدني و إستعداداتها النفسية خُلقت لتكون زوجا و أماً ، و هي والله لحقيقة ثابتة لن تنال منها أيادي التبديل ، رغم انف المكابرين المعاندين ، و مهما تغيرت آراء المتفلسفة و المتفيهقة عن المراة . فستظل الحقيقة ثابتة لا تتبدل و لا تتغير ، ألا و هي أن كمال المراة و عزتها و عظمتها في أن تكون أماً و إنها لمن أعظم الوظائف ، و هي لا تقل خطورة عن مهمة القائد في الميدان ، و و الله لهي في المرتبة الأولى على كل الوظائف الإجتماعية .
فالقائد مسؤول عن رفع لواء النصر لوطنه و أمته و حمايته من إغارة الأعداء، و الأم بيدها مستقبل الأبناء الذين يتوقف على صلاح تربيتهم و رقي أخلاقهم مجد الأمة و رفعتها و إنتصارها.
و لكن إذا حادت المرأة عن حدود ما أعدت له كان ذلك تمردا منها على نواميس الحياة و قانون الفطرة و العناية الإلهية ، و بعدا منها عن الصواب و الكمال ، و عُدَّ ذلك مرضا إجتماعيا خطيرا وجب على كل القوى التضافر لمداواته بكل ما في الإمكان و بكل ما يتاح لهم من وسائل الإصلاح و العلاج .(1/12)
هذا و إني من خلال هذه السطور أنصح المرأة بألا تستمع لكل ناعق باسم حرية المرأة ، و عليها أن لا تنقاد إنقيادا أعمى للتقاليد الغربية التي فشت فينا كالنار في الهشيم ، و التي لا تتفق و تعاليم ديننا ، فتهجر وظيفتها الأساسية لأجل موضة ، و وظيفتها الأساسية لها خلقت ، و أن لا تلقي بنفسها كما هو مشاهد الآن في ميادين الأعمال الشاقة التي خلقت للرجل لا لها ، و التي قد تفقدها أهم معالمها الحيوية من أنوثة و رقة طباع و عواطف ، ذلك و يجب على المرأة أن تعلم أن كمالها كله في كلمة واحدة و هي الأمومة.
بُنيتي أما لغيّك مُنتهى ؟
قد قال أحد الحكماء : إذا أردت رجالا عظماء فألقي العظمة في قلوب الأمهات ، و إليكي أيتها الأخت و الابنة و الزوجة أهديكِ هذه الكلمات التي وجدتها في طيات كتبٍ أعطاها لي أحد الذين أحسبهم عند الله من الصالحين و هو الحاج سراج الدين ، كي أنتفع بما فيها من العلم ، فوجدتُ هذه القصيدة الغرّاء واسمها " يابنتَ مِصر أما لغيّك مُنتهى " و لكني حرفتُ العنوان لأن الطآمة أكبر من القطر المصري ، فقد تفشت في أمة الحبيب صلى الله عليه و سلم الدواهي و كثُر اللغط ممَّن يتشدقون بقشور علمٍ لكي يقال مثقفون ، فسميت هذه القصيدة " بُنيتي أما لغيّك مُنتهى " و هي من تأليف الأستاذ الفاضل علي السيد جعفر رحمه الله تعالى ، و هو من خُطباء محاظة المنوفية ، فجزاه الله عنا و عن المسلمين و المسلمات خير الجزاء .
باللهِ يا ذاتَ الجمالِ تقنّعي
و احميه من نظر و سوء تطلع
لا تسمعي هدر الذين ألفتهم
إن الذي قالوه ليس بمسمع
غشوك إذ طلبوا إليك و حسنوا
فتن السفور و انت لم تتوقعي
و استملحوا كشف الصدور و زينوا
لكي أن تبيني عن بياض الأذرع
مازال يلغو في البلاد خطيبهم
يرثا لحالك عن خنا و تصنع
و لكم أتى بقميص يوسف باكيا
مما ادَّعاهُ و لم يضن بأدمع
حتى إذا لانت قناتك و انثنت
منكِ العزيمة و اندفعتِ و لم تع(1/13)
نخذوكِ من متع الحياة و هيأوا
للرقصِ و التدنيس ِ أرحبُ مجمع ِ
جرّوكِ حتى خاصرتكِ ذئابهم
فيهِ و لم تشبع بذاكَ و تقنع ِ
و أتوا بكلِّ قبيحةٍ مرذولةٍ
باسم ِ الرّقي و انت لم تتورع ِ
و لقد مضوا بك للمصائف كي يروا
كيف الحياء يموت غيرَ مُشيّع ِ
أرأيتِ ذئبا راعيا و غضنفراً
أمِنَ الظباءُ لهُ فنِمنَ بمصرع ِ
يا للقطيع ِ من الرعاة و للظبا
من فكِّ حارسها الشديد المقطع ِ
أقسمتُ لولا أنتِ بينَ جموعهم
حربُ المصيف واضٍ مثلَ البلقع ِ
***
يا بنتنا مالي أراكِ غريرةً
لم تُنصتي للناصحين و تسمع ِ
كم واجهتك من التجارب وقفةً
لو كانَ غيركِ بعدها لم يُخدع
إن الشباب إذا برزتِ تهامسوا
بمقالةٍ بلغت قرارة مسمعي
نُلنَ المُرادَ فلم التزوج ؟ إنه
حرجٌ و نحن لدينا المجال الأوسع
و من ذا الذي يرضا المهينة زوجة ؟
تعس القران و ساء من لم يقلع
أرأيت كيف مضوا بخيرك و انثنوا
يرمون عرضك بالبذي المقذع
هلا صحوت إلى الحقيقة مرة
من بعد ما سفّرت و لم تتبرقع ِ
عودي لدينك إن رغبتي صيانة
فلقد أحلك دينك بالمقام الأرفع
ما إن يبيح لك إختلاطا مفسدا
يزري بقدرك و الجلال الأروع
حتى إذا طلب الرجال شريكة
منكن لم ترخُص بسبق تمتع
و هناك تكتنف الحياة سعادة
و ترين كيف كرامة المترفع
من يسمو بالنفس الكريمة صانها
و أخو الضراعة في الهوان بموضع
ماذا نقمت من الشريعة بعدما
منحتك حقا كان جد مضيع
قد كنت من سقط المتاع و سلعة
بين الاكف تُسام أوخم مرتع
فلكم غدوتِ تراث أحمق جاهل
و لكم ظللت ضحية المتنطع
حتى إذا الغراء أشرق نورها
و بدت بآي المستبين المقنع
رفعتك من ذاك الحضيض و أطلقت
ساقيك من أسرٍ يعوق مروع
فرضت لجنسك مثل حق رجاله
بالعرف ذاك تعادل لم يسمع
لكنها حبت الرجال قيادة للفلك
خشية أن تصاب بتزعزع
فلدى النساء الرأي قل ثباته
و لدى الرجال يقل أي تزعزع
كم أفهموك بأن دينك جامدٌ
يأبى التقدم في الزمان المسرع
غشوك قد فرض الرسول تعلما(1/14)
فرضا على الجنسين غير تطوعي
لكن مع العلم الفضيلة و النّهى
تجتث كل رذيلة لم تشرع
ليس العلم ما ارتواه بنو الهوى
من كل شر لهم في الغواية موقع
أو جهر دار للتهتك و الخنا
و تبختر بين الورى و تسكع
إلقي على التاريخ نظرة منصف
و اتليهِ بين المسلمات و اسمعي
أولا ترين بنات دينك سالفا
قدن البلاد إلى الأهم الانفع
أنجبن من خير الرجال أئمة
و من النساء أعز جيل ممتع
ما إن لهون عن الصلاة بفاتن
أو عبن عابده الكريم المبدع
أو كن للأولياء شر ضحية
أو غال ِ ثروتهن ما لم ينفع ِ
أو كدن للرجل الكريم و أهله
لم تجدِ عشرته و لم تتشفع ِ
أو كن للأبناء أسوأ قدوة
تقضي على الأخلاق دون تورع ِ
يا بنتنا أما لغيك منتهى؟
سأم الزمان قبيح صنعك فارجعي
عودي لمنزلك الكريم و تدبري
و تفهمي سر الحياة و أقلعي
الغرب خداع يريد كتلة
جُمعت مفاسده لكي لا تنفع
حتى يضيع من الأمومة سرها
في المسلمين و ذاك شر تصدع
فذري الغواية و اعملي بنصيحتي
هذي لعمرك غايتي و تطلعي
أولا ترين من الزمان و همه
خذع الرجال و أنتِ لم لا تخضع ِ
فيا بنتنا أما لغيك مُنتهى ؟ .
إيضاح لِلَّهِ ثم قولي مساواة إن أردتي
كان بديهيا أن ترتفع الأصوات التي تنادي بإصلاح إجتماعي إبان هذه النهضة الفكرية ، و في مقدمة هذه الإصلاحات إصلاح حال المرأة . فإنها كما هو معلوم مُعدّة الجيل و حجر الزاوية في هيكل النظام الإجتماعي ، و هذا حسنٌ جميل لو عرف كل من الرجل و المرأة حقه نحو الآخر ، و وقف عند ما حدّه الشرع و نظمه ، إذاً لرفرف علم السلام على البيوت ، و عمّت الطمأنينة كل الناس ، و ارتاحوا من التقاضي و المغاضبة ، و لما اختلت أنظمة البيوت و تهدمت أركان الأسر.(1/15)
لكن أبى الفضول إلا أن يزج في هذا الميدان بكتّاب ماجنين دعاة رذيلة ، و كاتبات عابثات خاضوا فيما لا يفهمون و لايعون ، و لعل حافزهم على ذلك الغرور و حب الظهور ، فألجأهم ذلك إلى اللعب بالنار ، فأصابوا بها أنفسهم و قوما آمنين ، قوم غرهم زخرف قولهم ، فوقعوا في شرك تشدقهم ، و غرهم مازينوه من القول ، حتى ظن الناس فيهم أنهم علية القوم و مثقفيهم ، فمثلهم كاللص الذي يدخل البيوت فيزعج الآمنين ، و إني و الله لمنذرهم و منذر من يستمع لهم بالموت الذي يطبق على الناس من كل مكان ، فيستل الأرواح و يفرق بين المرأ و زوجه، و الأب و ابنه ، و الصاحب و صاحبه .
قبل أن أتكلم عن تلك القذائف التي يلقيها بلا وعي و لا ضمير و لا علم و لا حلم ، أولئك الكتاب الذين يتظاهرون بالغيرة على المرأة ، و هؤلاء الكاتبات المتمرنات اللآئي يرمين إلى الغائلات المهلكات ، نرى من اللازم أن نبين شيئا من موقف أحدهما أمام الآخر .
فالرجل هو رب الأسرة و عمادها ، يكد و يكدح على إسعادها ، و يسبح في لجج الحياة و يتعرض لأخطارها ، منقذا بذلك زوجته و أولاده من الخوض في صعاب الحياة و سهولها و صوارفها ، فإذا رأيته و هو يطلب وظيفة أو يتجر أو يجتهد ، أو يذوب عرقا في مصنع، و قد يتعرض له الشيطان في تناول رشوة ، أو يعتدي على حق غيره ، و يمنيه بأن ذلك لجلب النفع إلى الأسرة ، و هو يجاهده ، و هذه لعمري لمن أعظم المجاهدة ، فتراه مهموما في جلب ما ينفع هذه الأسرة ، ليضمن لها عيشا رغدا كريما .
و المرأة هي طب الأسرة و نورها و مربية الابناء و كفيلتهم ، و بدونها يمشي البيت كسفينة بلا ربان ، و الدار بدونها بلا سكان . و ما القبر في وحشته ، و الغريب في وحدته ، و الجسم بلا جوارح ، و القلب بلا جوانح بأسوأ حالا برجل صدف عن الزوجية و آثر الفردية ، يعيش غريبا و يموت كئيبا .(1/16)
و لكن نوازع النفس الإنسانية تأبى إلا أن تطغى على حقوق غيرها و لا تقف عند حدها ، فكما أن هناك رجالا لا يزالون يرون في المرأة متاعا مباعا و بضاعة مزجاة ، و ينزلونها منزلة الخادم و لا يلتفت إليها إلا عند حاجة ملحة ، و يغفل هذا الظالم عن الزوجة و الأنس بها ، و رعاية حقوقها التي هي من أوامر الله عز و جل ، فالله سبحانه و تعالى جعل الزوجة آية من آياته ، و جعلها سكنا ، و غرس سبحانه المودة و الرحمة بينهما ليتعاونا في محيط الحياة ، و يضمنا طريق النجاة .
و كذلك هنالك بعض النساء ، و خاصة الناشئات و أنصاف المتعلمات و من غرتهن أبواق المذياعات، يرون أن في الخضوع لقوامة الرجل و إشرافه هضم لحقوقهن ، و يسول لهن الشيطان وخاصة فيمن يحملن القلم ، أن عليهن التحلل من سلطة الرجل و قوامته و أن يقفن منه على قدم المساواة حتى فيما اقتضاه ديننا الحنيف ، و كذا المصلحة العامة ، فأنت ترى أن كلا منهما قد غالى مغالاة كبيرة ، و دفعته الأثره إلى الاستفاضة في الدعوة و إنكار ما يجب عليه .
غير أننا نقول : إن المرأة في أيامنا هذه قد نابذت الرجل في الادعاء و نكران ما قضاه الله عليهما، و ذلك بسبب تغرير بعض ذوي الأغراض الدنيئة و الأقلام الخبيثة من كتاب و كاتبات ، و قد بلغ الأمر بهم أن خرجوا عن التحشم و نابذونا العداء فيما خرجوا علينا بهم ، من إعلانات و دعاوي تقول " لا للفضيلة و نعم ، و ألف نعم للرذيلة " و هربوا بذلك و خلعوا عن أنفسهم ثوب الفضيلة ، و راحوا يكتبون عبارات هي نفثة من وحي الشيطان و تحلل من عرى الإيمان ، يا ويح هؤلاء الكتاب و الكاتبات ، قد جنوا على بنات جنسهم و يريدون أن يوقعوهن في حبائل الشيطان الرجيم ، شيطان الغواية الأثيم .
و جرمٌ جرهُ سفهاءُ قومٍ
و حلَّ بغيرِ فاعلهِ العقابُ
فيا من تشدقتهم بقشور علم ليقال مثقفين ، اسمعوا إن كان قد بقي من سمعكم شيء و افهموا إن كان لكم حظ من الفهم .(1/17)
جعل الله تعالى فوارق بائنة بين ما خلقه و ما أسماه في كتابه ذكراً ، و بين ما خلقه و أسماه أنثى، و هذه الفوارق جعلها الله سبحانه و تعالى جليّة ، لا تخفى حتى على من سلبه الله عقله ، فالمجنون قد يفرق بين الذكر و الأنثى ، المجنون قد يطلب من الذكر ما لا يطلبه من الأنثى ، المجنون تتجلى أمام ناظريه الفوارق بين الذكر و الانثى .
و اسمعوا إن شئتم قول الحق سبحانه و تعالى : { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } آل عمران36
فلما تمَّ حملها ووضعت مولودها قالت: ربِّ إني وضعتها أنثى لا تصلح للخدمة في "بيت المقدس" -والله أعلم بما وضَعَتْ, وسوف يجعل الله لها شأنًا- وقالت: وليس الذكر الذي أردت للخدمة كالأنثى في ذلك; لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقْوَم بها, وإني سمَّيتها مريم, وإني حصَّنتها بك هي وذريَّتها من الشيطان المطرود من رحمتك.
و هذا بيان الحق بأن الفرق بيّن ، إذ يقول جلّ في عُلاه : { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } الزخرف18
أتجترئون وتنسبون إلى الله تعالى مَن يُرَبَّى في الزينة, وهو في الجدال غير مبين لحجته; لأنوثته؟
فهذا بيان من الحق سبحانه و تعالى بأن نشأة المرأة قائمة على الرفاهية و التنعيم ، و عند المعترك الجدي و العملي يقل بيانها لضعفها .(1/18)
فإذا استطعتم تعديل خلق الخالق تبارك و تعالى ، و غيرتم هذه الفوارق أو عدلتموها و جعلتموها تخدم مساواتكم بين جنسين بائنين متفاوتين في الخصائص و الوظائف ، هنا قد نستطيع أن نتفكر معكم في أمر المساواة بين الرجل و المرأة ، أم أنكم عندما تخلعون جلبابها و تلبسونها بنطال فبذلك حولتموها إلى جنس ثالث أذكى من الرجل و أقوى من المرأة ؟! وا حسرتاه على حيائكم قبل أن أتحسر على عقولكم .
فإن لم تفعلوا و لن تفعلوا فاتقوا الله الذي خلقنا و خلق فينا تفاوت الفهم و تفاوت العقول و اختلاف الألسنة و اللغات و الصور .
أنقذوها إذا أردتم سناها أكرموها إذا أردتم علاها
واستروها إذا أردتم لها الخيـ ـر فإن الإنصاف أن تستروها
ليس شكاً فيها فحاشا وكلا غير أنّا نريدها في بهاها
نجمةً لا تنالُها أعيُن النـ ـاس تراها مصونةً في سماها
واجعلوا من حيائها خيرَ أُمٍّ هي للجيل زهرةٌ في رُباها
وانسجوا حولها نسيجاً من العلـ ـم ففي العلمِ نورُها وتُقاها
أُمُّ عِزٍ عظيمةٌ تصنع المجد وتبني للخير أعلى بِناها
ينشأ النشأُ طيباً وكريماً قد سما وتعاهدته يداها
علِّموها شرائعَ الدين دوماً علموها القرآن يحمي حماها
وهي أختٌ مَجيدةٌ ترفع الرأسَ سمواً كلٌ يداري رضاها
وهي زوجٌ مصونةٌ ذاتُ خدرٍ تبتغي فيه خير دنيا تراها
حشمةً واستقامةً وعفافاً وصلاحاً ؛ تهفوا إلى منتهاها
جنةِ الخلدِ إن يشأْ فاطرُ الكـ ـون إلهٌ قد صانها واجتباها
أختَنا أنتِ قدوةٌ للصبايا فاتقي النار إذ تلظى لظاها
فاحذري السوق واتقي فيه شراً مستطيراً ذئابَه في عواها
كثرةٌ همْ والخير أن تتقيهم قرنَ في البيت وأطعنَ الإلهَ
واحذري من قَتْلِ الفراغِ بلهوٍ فازت اليومَ من ستعصي هواها
واستعيني بالله في جلب نفعٍ ذي مَغانيهِ فابذلي واغنميها
واجعلي من حياتهن رياضاً كلُّ أختٍ تنالُ فيها مناها
راقبي الله واعملي للرحيل تفز النفسُ إذ تلقى تقاها(1/19)
صانك الله أنتِ فخرٌ وعزٌ ربنا فارزقها كريم مناها
و إليكم أسوق بعض هذه الفوارق التي خص الله سبحانه و تعالى بها المرأة من دون الرجل ،
أول هذه الفوارق أن المرأة تحمل و تلد و ترضع الأطفال ، { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } الأحقاف15
ووصينا الإنسان أن يحسن في صحبته لوالديه بِرًّا بهما في حياتهما وبعد مماتهما, فقد حملته أمه جنينًا في بطنها على مشقة وتعب, وولدته على مشقة وتعب أيضًا, ومدة حمله وفطامه ثلاثون شهرًا. وفي ذكر هذه المشاق التي تتحملها الأم دون الأب, دليل على أن حقها على ولدها أعظم من حق الأب. حتى إذا بلغ هذا الإنسان نهاية قوته البدنية والعقلية, وبلغ أربعين سنة دعا ربه قائلا: ربي ألهمني أن أشكر نعمتك التي أنعمتها عليَّ وعلى والديَّ, واجعلني أعمل صالحًا ترضاه, وأصلح لي في ذريتي, إني تبت إليك من ذنوبي, وإني من الخاضعين لك بالطاعة والمستسلمين لأمرك ونهيك, المنقادين لحكمك.(1/20)
{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } البقرة233
وعلى الوالدات إرضاع أولادهن مدة سنتين كاملتين لمن أراد إتمام الرضاعة, ويجب على الآباء أن يكفُلوا للمرضعات المطلقات طعامهن وكسوتهن, على الوجه المستحسن شرعًا وعرفًا; لأن الله لا يكلف نفسًا إلا قدر طاقتها, ولا يحل للوالدين أن يجعلوا المولود وسيلة للمضارة بينهما, ويجب على الوارث عند موت الوالد مثل ما يجب على الوالد قبل موته من النفقة والكسوة. فإن أراد الوالدان فطام المولود قبل انتهاء السنتين فلا حرج عليهما إذا تراضيا وتشاورا في ذلك; ليصلا إلى ما فيه مصلحة المولود. وإن اتفق الوالدان على إرضاع المولود من مرضعة أخرى غير والدته فلا حرج عليهما, إذا سلَّم الوالد للأم حقَّها، وسلَّم للمرضعة أجرها بما يتعارفه الناس. وخافوا الله في جميع أحوالكم, واعلموا أن الله بما تعملون بصير, وسيجازيكم على ذلك.
و الله سبحانه و تعالى جعل في المرأة هذه الصفات و التي لهي مرتبطة كليا و جزئيا بأهم وظيفة خلق الله الأنثى لأجلها ألا و هي الأمومة ، لما لم يخلق الله سبحانه و تعالى جميع ذرية آدم من أصل آدم فقط من غير حملٍ و إنجاب و رضاعة من حواء ؟ فعلى المرأة ألا تتنصل من الوظيفة التي خصها بها الخالق سبحانه و تعالى .(1/21)
و تعاني المرأة من خلال الحمل و الولادة و الرضاعة من متاعب مقدرة لها من خالقها سبحانه و تعالى ، و في هذه الأثناء كلها لا تستطيع المراة ان تدعي مساواتها بالرجل .
ثاني هذه الفوارق أن الله سبحانه عندما خلق المرأة جعل حجمها أقل من حجم الذكر ، بل إن حجم الأنثى في كل شيء أقل من حجم الرجل إلا للثديين للوظيفة الأساسية المنوطة بها ، و التي خص الله سبحانه و تعالى بها المرأة و هي الأمومة .
فجعل حجم الثديين عند الأنثى أكبر منه عند الذكر لأن الأنثى تقوم على إرضاع الأطفال و ليس الذكر ، و جعل الله سبحانه أعضاء الأنثى ألطف من الذكر ، و بشرتها تخالف بشرة الذكر تمام المخالفة ، فهي ملساء ناعمة لا خشونة فيها بخلاف الرجل ، و رأس المرأة أصغر من رأس الرجل ، و كثافة الشعر عند المراة أكثر منها عند الرجل ، لأن الله جعله أحد عناصر جمالها و زينتها .
ثالث هذه الفوارق العضلات ، فهي عند المرأة أضعف منها عند الرجل ، إذ هي ليست مستعدة أن تشارك الرجل في الأعمال الشاقة بمعناها الصحيح كالحروب ، و الزراعة، و الصناعات الكبرى كالتعدين في باطن الأرض و قطع الأشجار في الغابات ، و أعمال البناء ، و هذا الأمر تأكد علميا و عمليا ، ففي أثناء الحروب و بعد خوض المرأة للمجالات العملية بسبب الحرب ، أخذت النساء في أوروبا في العمل جاريات خلف نظرية المساواة فأثر العمل في بنيتهن و أذهانهن، و تفشى فيهن مرض خطير و هو مرض السكر و ازدادت الوفيات بينهن بهذا المرض بعد الحرب .(1/22)
و هناك أيضا فوارق كثيرة أهمها الصوت ، فصوت المرأة يخرج من حنجرة مغايرة تماما لحنجرة الرجل ، فصوتها غالبا صوت مطرب ، و الجهاز العصبي لدى المرأة على جانب عظيم من اليقظة و لذلك نجد أن حساسية المرأة شديدة ، فهي أشد اضطرابا من الرجال في الفزع ، و أسرع تأثرا من الرجل و أعمق شعورا ، و لكن مع ذلك تجد هذا الشعور سريع الزوال ، لأنهن إذا أحسسن بشيء جديد محى إحساسهن به إحساسهن السابق ، لأنهن كالأطفال لا يجمعن إحساسات مختلفة في آنٍ واحد كالرجل ، و أكثر ما تتأثر به المرأة الحب و الغيرة و الحسد ، فهي تبلغ في هذه الأحاسيس أعلى درجة ، و يظهر ذلك جليا في محبتها لأبنائها و مخاصمتها لأعدائها.
حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء، يكفرن). قيل: أيكفرن بالله؟ قال: (يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خير قط).
حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عباس قال:(1/23)
انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام قياما طويلا، نحوا من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعا طويلا، ثم رفع فقام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله). قالوا: يا رسول الله، رأيناك تناولت شيئا في مقامك، ثم رأيناك كعكعت؟ قال صلى الله عليه وسلم: (إني أريت الجنة، فتناولت عنقودا، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، وأريت النار، فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء). قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: (بكفرهن). قيل: يكفرن بالله؟. قال: (يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى أحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خيرا قط).
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد المقري أنا أحمد بن سلمان الفقيه نا إسحاق بن الحسن بن ميمون ثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الخوف فأريت النار فلم أر كاليوم منظرا أفظع ورأيت أكثر أهلها النساء قالوا بم يا رسول الله قال بكفرهن قيل أيكفرن بالله عز وجل قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط رواه البخاري في الصحيح عن القعنبي وأخرجه مسلم من وجه آخر عن مالك(1/24)
وكذلك انظر إلى فهم الأم لرضيعها و تامل خطابها له و قولها " إغ " ، وتعليمها إياه قول أبى وأمى , فكأنها تستنطق هذا الطفل الذي لم يع ِ و لم يفهم الكلام ، انظر إلى إحساسها بالألم في رضيعها و تحديدها له بدقة و كأنه يخاطبها و يكلمها بلغة خاصة .
و بسبب اختلاف المهمة التي خلقت لها المرأة عن المهمة التي خلق من أجلها الرجل و اختلاف تركيب جسميهما تبعا لذلك ، أصبحت المرأة تصاب بأمراض خاصة لا يصاب بها الرجل و لها متغيرات تشريحية و فسيولوجية لا تكون في الرجل ، و هذا يستتبع تخصيص جزء خاص بها في التشريع ، فالمشرع يضع تشريعا للمرأة يغاير تشريعه للرجل في بعض الأحوال و ذلك تطبيقا للفروق الخلقية و النفسية التي بينهما ، كفقه المحيض و الأحكام المترتبة على شهادة المرأة و قوامة الرجل في الطلاق .
حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، ثنا ابن وهب، عن بكر بن مضر، عن ابن الهاد، عن عبد اللّه بن دينار،
عن عبد اللّه بن عمر
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "ما رأيت من ناقصات عقلٍ ولا دين أغلب لذي لُبٍّ منكنَّ" قالت: وما نقصان العقل والدين؟ قال: "أمَّا نقصان العقل فشهادة امرأتين شهادة رجلٍ، وأما نقصان الدين فإِن إحداكنَّ تفطر رمضان وتقيم أياماً لا تصلِّي".
حدثنا محمد بن رمح. أنبأنا الليث بن سعد عن ابن الهاد، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال:
((يامعشر النساء! تصدقن وأكثرن من الاستغفار. فإني رأيتكن أكثر أهل النار)) فقالت امرأة منهن جزلة: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن. قالت: يا رسول الله! وما نقصان العقل والدين؟ قال ((أضما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل. فهذا من نقصان العقل. وتمكث الليالي ما تصلي. وتفطر في رمضان. فهذا من نقصان الدين)).(1/25)
قوله حدثنا سعيد بن أبي مريم هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم المصري الجمحي لقيه البخاري وروى مسلم وأصحاب السنن عنه بواسطة ومحمد بن جعفر هو بن أبي كثير أخو إسماعيل والإسناد منه فصاعدا مدنيون وفيه تابعي عن تابعي زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله وهو بن أبي سرح العامري لأبيه صحبه قوله في أضحى أو فطر شك من الراوي قوله إلى المصلي فمر على النساء اختصره المؤلف هنا وقد ساقه في كتاب الزكاة تاما ولفظه إلى المصلي فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال أيها الناس تصدقوا فمر على النساء وقد تقدم في كتاب العلم من وجه آخر عن أبي سعيد أنه كان وعد النساء بان يفردهن بالموعظة فأنجزه ذلك اليوم وفيه أنه وعظهن وبشرهن قوله يا معشر النساء المعشر كل جماعة أمرهم واحد ونقل عن ثعلب أنه مخصوص بالرجال وهذا الحديث يرد عليه إلا إن كان مراده بالتخصيص حالة إطلاق المعشر لا تقييده كما في الحديث قوله أريتكن بضم الهمزة وكسر الراء على البناء للمفعول والمراد إن الله تعالى أراهن له ليلة الإسراء وقد تقدم في العلم من حديث بن عباس بلفظ أرأيت النار فرأيت أكثر أهلها النساء , قوله وبم الواو استئنافيه والباء تعليليه والميم أصلها ما الاستفهامية فحذفت منها الألف تخفيفا قوله وتكفرن العشير أي تجحدن حق الخليط وهو الزوج أو أعم من ذلك قوله من ناقصات صفه موصوف محذوف قال الطيبي في قوله ما رأيت من ناقصات الخ زيادة على الجواب تسمى الاستتباع كذا قال وفيه نظر ويظهر لي أن ذلك من جملة أسباب كونهن أكثر أهل النار لأنهن إذا كن سببا لاذهاب عقل الرجل الحازم حتى يفعل أو يقول ما لا ينبغي فقد شاركته في الإثم وزدن عليه قوله أذهب أي أشد إذهابا واللب أخص من العقل وهو الخالص منه والحازم الضابط لأمره وهذه مبالغه في وصفهن بذلك لأن الضابط لأمره إذا كان ينقاد لهن فغير الضابط أولى واستعمال أفعل التفضيل من الإذهاب جائز عند سيبويه حيث جوزه من الثلاثي والمزيد قوله(1/26)
قلن وما نقصان ديننا كأنه خفي عليهن ذلك حتى سألن عنه ونفس السؤال دال على النقصان لأنهن سلمن ما نسب إليهن من الأمور الثلاثة الإكثار والكفران والإذهاب ثم استشكلن كونهن ناقصات وما الطف ما أجابهن به صلى الله عليه وسلم من غير تعنيف ولا لوم بل خاطبهن على قدر عقولهن وأشار بقوله مثل نصف شهادة الرجل إلى قوله تعالى فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء لأن الاستظهار بأخرى مؤذن بقلة ضبطها وهو مشعر بنقص عقلها وحكى بن التين عن بعضهم أنه حمل العقل هنا على الدية وفيه بعد قلت بل سياق الكلام يأباه قوله فذلك بكسر الكاف خطابا للواحدة التي تولت الخطاب ويجوز فتحها على أنه للخطاب العام قوله لم تصل ولم تصم فيه إشعار بان منع الحائض من الصوم والصلاة كان ثابتا بحكم الشرع قبل ذلك المجلس وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية الخروج إلى المصلى في العيد وأمر الإمام الناس بالصدقه فيه واستبط منه بعض الصوفية جواز الطلب من الأغنياء للفقراء وله شروط وفيه حضور النساء العيد لكن بحيث ينفردن عن الرجال خوف الفتنة وفيه جواز عظة الإمام النساء على حده وقد تقدم في العلم وفيه أن جحد النعم حرام وكذا كثرة استعمال الكلام القبيح كاللعن والشتم واستدل النووي على إنهما من الكبائر بالتوعد عليها بالنار وفيه ذم اللعن وهو الدعاء بالإبعاد من رحمة الله تعالى وهو محمول على ما إذا كان في معين وفيه إطلاق الكفر على الذنوب التي لا تخرج عن الملة تغليظا على فاعلها لقوله في بعض طرقه بكفرهن كما تقدم في الإيمان وهو كإطلاق نفي الإيمان وفيه الإغلاظ في النصح بما يكون سببا لإزالة الصفة التي تعاب وأن لا يواجه بذلك الشخص المعين لأن في التعميم تسهيلا على السامع وفيه إن الصدقة تدفع العذاب وإنها قد تكفر الذنوب التي بين المخلوقين وأن العقل يقبل الزيادة والنقصان وكذلك الإيمان كما تقدم وليس المقصود بذكر النقص في النساء لومهن على ذلك لأنه من أصل الخلقة لكن(1/27)
التنبيه على ذلك تحذيرا من الافتتان بهن ولهذا رتب العذاب على ما ذكر من الكفران وغيره لا على النقص وليس نقص الدين منحصرا فيما يحصل به الإثم بل في أعم من ذلك قاله النووي لأنه أمر نسبي فالكامل مثلا ناقص عن الأكمل ومن ذلك الحائض لا تأثم بترك الصلاة زمن الحيض لكنها ناقصة عن المصلي وهل تثاب على هذا الترك لكونها مكلفة به كما يثاب المريض على النوافل التي كان يعملها في صحته وشغل بالمرض عنها قال النووي الظاهري أنها لا تثاب والفرق بينها وبين المريض أنه كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته والحائض ليست كذلك وعندي في كون هذا الفرق مستلزما لكونها لا تثاب وقفة وفي الحديث أيضا مراجعة المتعلم لمعلمه والتابع لمتبوعة فيما لا يظهر له معناه وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الخلق العظيم والصفح الجميل والرفق والرأفة زاده الله تشريفا وتكريما وتعظيما(1/28)
قوله باب تقضي الحائض أي تؤدي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت قيل مقصود البخاري بما ذكر في هذا الباب من الأحاديث والآثار إن الحيض وما في معناه من الجنابة لا ينافي جميع العبادات بل صحت معه عبادات بدنيه من أذكار وغيرها فمناسك الحج من جملة ما لا ينافيها إلا الطواف فقط وفي كون هذا مراده نظر لأن كون مناسك الحج كذلك حاصل بالنص فلا يحتاج إلى الاستدلال عليه والأحسن ما قاله بن رشيد تبعا لابن بطال وغيره إن مراده الاستدلال على جواز قراءة والجنب بحديث عائشة رضي الله عنها لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستثن من جميع مناسك الحج إلا الطواف وإنما استثناه لكونه صلاة مخصوصة وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبية ودعاء ولم تمنع الحائض من شيء من ذلك فكذلك الجنب لأن حدثها أغلظ من حدثه ومنع القراءة إن كان لكونه ذكر الله فلا فرق بينه وبين ما ذكر وأن كان تعبدا فيحتاج إلى دليل خاص ولم يصح عند المصنف شيء من الأحاديث الوادره في ذلك وأن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحجة عند غيره لكن أكثرها قابل للتأويل كما سنشير إليه ولهذا تمسك البخاري ومن قال بالجواز غيره كالطبري وابن المنذر وداود بعموم حديث كان يذكر الله على كل أحيانه لأن الذكر أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره وإنما فرق بين الذكر والتلاوه بالعرف والحديث المذكور وصله مسلم من حديث عائشة وأورد المصنف أثر إبراهيم وهو النخعي إشعارا بان منع الحائض من القراءة ليس مجمعا عليه وقد وصله الدارمي وغيره بلفظ أربعة لا يقرءون القرآن الجنب والحائض وعند الخلاء وفي الحمام إلا الآية ونحوها للجنب والحائض وروى عن مالك نحو قول إبراهيم وروى عنه الجواز مطلقا وروى عنه الجواز للحائض دون الجنب وقد قيل أنه قول الشافعي في القديم ثم أورد أثر بن عباس وقد وصله بن المنذر بلفظ إن بن عباس كان يقرأ ورده وهو جنب وأما حديث أم عطية فوصله المؤلف في العيدين وقوله فيه ويدعون كذا لأكثر الرواة(1/29)
وللكشميهني يدعين بباء تحتانية بدل الواو ووجه الدلالة منه ما تقدم من أنه لا فرق بين التلاوة وغيرها ثم أورد المصنف طرفا من حديث أبي سفيان في قصة هرقل وهو موصول عنده في بدء الوحي وغيره ووجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى الروم وهم كفار والكافر جنب كأنه يقول إذا جاز مس الكتاب للجنب مع كونه مشتملا على آيتين فكذلك يجوز له قراءاته كذا قاله بن رشيد وتوجيه الدلالة منه إنما هي من حيث أنه إنما كتب إليهم ليقرءوه فاستلزم جواز القراءة بالنص لا بالاستنباط وقد أجيب ممن منع ذلك وهم الجمهور بان الكتاب اشتمل على أشياء غير الآيتين فأشبه ما لو ذكر بعض القرآن في كتاب في الفقه أو في التفسير فإنه لا يمنع قراءته ولا مسه عند الجمهور لأنه لا يقصد منه التلاوة ونص أحمد أنه يجوز مثل ذلك في المكاتبة لمصلحة التبليغ وقال به كثير من الشافعية ومنهم من خص الجواز بالقليل كالآية والآيتين قال الثوري لا بأس أن يعلم الرجل النصراني الحرف من القرآن عسى الله أن يهديه واكره أن يعلمه الآية هو كالجنب وعن أحمد أكره أن يضع القرآن في غير موضعه وعنه أن رجى منه الهداية جاز وإلا فلا وقال بعض من منع لا دلاله في القصة على جواز تلاوة الجنب القرآن لأن الجنب إنما منع التلاوة إذا قصدها وعرف إن الذي يقرأه قرآن أما لو قرأ في ورقة ما لا يعلم أنه من القرآن فإنه لا يمنع وكذلك الكافر وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى تنبيه ذكر صاحب المشارق أنه وقع في رواية القابسي والنسفي وعبدوس هنا ويا أهل الكتاب بزيادة واو قال وسقطت لأبي ذر والأصيلي وهو الصواب قلت فأفهم إن الأولى خطأ لكونها مخالفة للتلاوة وليست خطأ وقد تقدم توجيه إثبات الواو في بدء الوحي قوله وقال عطاء من جابر هو طرف من حديث موصول عند المصنف في كتاب الأحكام وفي آخره غير أنها لا تطوف بالبيت ولا تصلي وأما أثر الحكم وهو الفقيه الكوفي فوصله البغوي في(1/30)
الجعديات من روايته عن على بن الجعد عن شعبة عنه ووجه الدلالة منه إن الذبح مستلزم لذكر الله بحكم الآية التي ساقها وفي جميع ما استدل به نزاع يطول ذكره ولكن الظاهر من تصرفه ما ذكرناه واستدل الجمهور على المنع بحديث على كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان وضعف بعضهم بعض رواته والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة لكن قيل في الاستدلال به نظر لأنه فعل مجرد فلا يدل على تحريم ما عداه وأجاب الطبري عنه بأنه محمول على الأكمل جمعا بين الادله وأما حديث بن عمر مرفوعا لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن فضعيف من جميع طرقه , وقولها طمثت بفتح الميم وإسكان المثلثة أي حضت ويجوز كسر الميم يقال طمثت المرأه بالفتح والكسر في الماضي تطمث بالضم في المستقبل
قوله باب الاستحاضه , أنه جريان الدم من فرج المرأه في غير أوانه وأنه يخرج من عرق يقال له العاذل بعين مهملة وذال معجمه
فهل بعد هذا يحق لمن لديه مسحة من عقل أن تطوعه نفسٌ طيبة إلى اللجوج و المكابرة في طلب المساواة ، و يقلب نظام ما سنه الله سبحانه و قدره على خلقه ، و هو سبحانه الواحد الأحد ، و المتصرف في خلقه كيف يشاء ، و يخلق مايشاء بقدرته فهو جل في علاه يخلق بالسبب و بغير السبب و بضد السبب ، (( و لا يُسأل عما يفعل و هم يُسألون )).
فتن تهدّد بالنكال *** وتسوقُنا نحو الضلال
في عالم أخلاقه*** فيها مجونٌ وانحلال
الغرب ينفث سمه*** والشرق مسلوب النصال
وغدا الفضاء موزعاً *** لسمومهم دون انفصال
وتأثرت أجيالنا *** وخبا الحديث عن النضال
يقضي الشباب ليالياً *** مترنماً " يالالَ لال "
إلا فتى الإسلام من *** يصغي لصوت من بلال
وفتاة دين الله من *** تسعى لترضي ذا الجلال
هي عفة في نفسها *** ولأمر خالقها امتثال
ليست ترى إلا على *** أخلاق فضل واكتمال
إسلامها عزٌّ لها *** يسمو بها نحو الكمال(1/31)
مستورة في خدرها *** ليست مزاحمة الرجال
وحجابها شرف لها *** ينبيك عن حسن الخصال
وترى التبرج خصلة *** تودي إلى سوء الفعال
تصغي إلى صوت الهدى *** صماء عن صوت الضلال
ليست تهيم بموضة *** أو فكرة ذات انحلال
أو داعر يغري بها *** ليذيقها كلَّ الوبال
هي خولة في بأسها *** وصفية عند النزال
خنساء تضحيةً إذا *** نادى المنادي للقتال
وخدينُها قرآنها *** وتهيم في السبع الطوال
يا رب وفق سعيها *** فبمثلها تبنى الرجال
وأورد العلآمة (( بكر عبدالله أبو زيد )) فى كتابه :: حراسة الفضيلة ::
وفى نفس موضوع البحث . أستنباطات غاية فى الأهمية مفادها ::-
كان من آثار هذا الاختلاف في الخلقة: الاختلاف بينهما في القوى، والقُدرات الجسدية، والعقلية، والفكرية، والعاطفية، والإرادية، وفي العمل والأداء، والكفاية في ذلك، إضافة إلى ما توصل إليه علماء الطب الحديث من عجائب الآثار من تفاوت الخلق بين الجنسين .
وهذان النوعان من الاختلاف أنيطت بهما جملة كبيرة من أحكام التشريع، فقد أوجبا - ببالغ حكمة الله العليم الخبير - الاختلاف والتفاوت والتفاضل بين الرجل والمرأة في بعض أحكام التشريع، في المهمات والوظائف التي تُلائم كلَّ واحد منهما في خِلقته وتكوينه، وفي قدراته وأدائه، واختصاص كل منهما في مجاله من الحياة الإنسانية، لتتكامل الحياة، وليقوم كل منهما بمهمته فيها .
فخصَّ سبحانه الرجال ببعض الأحكام، التي تلائم خلقتهم وتكوينهم، وتركيب بنيتهم، وخصائص تركيبها، وأهليتهم، وكفايتهم في الأداء، وصبرهم وَجَلدهم ورزانتهم، وجملة وظيفتهم خارج البيت، والسعي والإنفاق على من في البيت.
وخص سبحانه النساء ببعض الأحكام التي تلائم خلقتهن وتكوينهن، وتركيب بنيتهن، وخصائصهن، وأهليتهن، وأداءهن، وضعف تحملهن، وجملة وظيفتهن ومهمتهن في البيت، والقيام بشؤون البيت، وتربية من فيه من جيل الأمة المقبل.(1/32)
وذكر الله عن امرأة قولها : { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } آل عمران36
- (فلما وضعتها) ولدتها جارية وكانت ترجو أن يكون غلاما إذ لم يكن يحرر إلا الغلمان (قالت) معتذرة يا (رب إني وضعتها أنثى والله أعلم) أي عالم (بما وضعتْ) جملة اعتراض من كلامه تعالى وفي قراءة بضم التاء (وليس الذكر) الذي طلبت (كالأنثى) التي وهبت لأنه يقصد للخدمة وهي لا تصلح لضعفها وعورتها وما يعتريها من الحيض ونحوه (وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها) أولادها (من الشيطان الرجيم) المطرود في الحديث "ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا إلا مريم وابنها" رواه الشيخان
، وسبحان من له الخلق والأمر والحكم والتشريع: { ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين } [الأعراف: 54] .
فتلك إرادة الله الكونية القدرية في الخلق والتكوين والمواهب، وهذه إرادة الله الدينية الشرعية في الأمر والحكم والتشريع، فالتقت الإرادتان على مصالح العباد وعمارة الكون، وانتظام حياة الفرد والبيت والجماعة والمجتمع الإنساني .
وهذا طرف مما اختص به كل واحد منهما
فمن الأحكام التي اختص بها الرجال :
أنهم قوامون على البيوت بالحفظ والرعاية وحراسة الفضيلة، وكف الرذائل، والذود عن الحمى من الغوائل، وقَوّامون على البيوت بمن فيها بالكسب والإنفاق عليهم .(1/33)
قال الله تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } النساء34
الرجال قوَّامون على توجيه النساء ورعايتهن, بما خصهم الله به من خصائص القِوامَة والتفضيل, وبما أعطوهن من المهور والنفقات. فالصالحات المستقيمات على شرع الله منهن, مطيعات لله تعالى ولأزواجهن, حافظات لكل ما غاب عن علم أزواجهن بما اؤتمنَّ عليه بحفظ الله وتوفيقه, واللاتي تخشون منهن ترفُّعهن عن طاعتكم, فانصحوهن بالكلمة الطيبة, فإن لم تثمر معهن الكلمة الطيبة, فاهجروهن في الفراش, ولا تقربوهن, فإن لم يؤثر فعل الهِجْران فيهن, فاضربوهن ضربًا لا ضرر فيه, فإن أطعنكم فاحذروا ظلمهن, فإن الله العليَّ الكبير وليُّهن, وهو منتقم ممَّن ظلمهنَّ وبغى عليهن.
وانظر إلى أثر هذا القيام في لفظ القرآن العظيم : { تَحْتَ } في قول الله تعالى في سورة التحريم : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ } التحريم10(1/34)
ضرب الله مثلا لحال الكفرة - في مخالطتهم المسلمين وقربهم منهم ومعاشرتهم لهم, وأن ذلك لا ينفعهم لكفرهم بالله- بحال زوجة نبي الله نوح, وزوجة نبي الله لوط: حيث كانتا في عصمة عبدَين من عبادنا صالحين, فوقعت منهما الخيانة لهما في الدين, فقد كانتا كافرتين, فلم يدفع هذان الرسولان عن زوجتيهما من عذاب الله شيئًا, وقيل للزوجتين: ادخلا النار مع الداخلين فيها. وفي ضرب هذا المثل دليل على أن القرب من الأنبياء, والصالحين, لا يفيد شيئا مع العمل السيِّئ..
فقوله سبحانه : { تحت } إعلام بأنه لا سلطان لهما على زوجيهما، وإنما السلطان للزوجين عليهما، فالمرأة لا تُسَاوَى بالرجل ولا تعلو فوقه أبداً .
ومنها : أن النبوة والرسالة لا تكون إلا في الرجال دون النساء، قال الله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } يوسف109
وما أرسلنا من قبلك -أيها الرسول- للناس إلا رجالا منهم ننزل عليهم وحينا, وهم من أهل الحاضرة, فهم أقدر على فهم الدعوة والرسالة, يصدقهم المهتدون للحق, ويكذبهم الضالون عنه, أفلم يمشوا في الأرض, فيعاينوا كيف كان مآل المكذبين السابقين وما حلَّ بهم من الهلاك؟ ولَثواب الدار الآخرة أفضل من الدنيا وما فيها للذين آمنوا وخافوا ربهم. أفلا تتفكرون فتعتبروا؟
وقال المفسرون : ما بعث الله نبياً : امرأة، ولا ملكاً، ولا جنياً، ولا بدوياً .
وأن الولاية العامة، والنيابة عنها، كالقضاء والإدارة وغيرهما، وسائر الولايات كالولاية في النكاح، لا تكون إلا للرجال دون النساء .(1/35)
وأن الرجال اختصوا بكثير من العبادات دون النساء، مثل : فرض الجهاد، والجُمع، والجماعات، والأذان والإقامة وغيرها، وجُعل الطلاق بيد الرجل لا بيدها، والأولاد ينسبون إليه لا إليها .
وأن للرجل ضعف ما للأنثى في الميراث، والدية، والشهادة وغيرها . (( وليس هذا هضماً لحقها ألم تروا أنه يصير إليها الضعف الذى للرجل وبذلك يكون للمرأة نصف من ميراثها فى أبيها على سبيل المثال ونصاب كامل من زوجها بقوامته عليها ورعايته إياها فنصيب المرأة وهو النصف خالصاً لها وأما نصيب الرجل الكامل فلها فيه كفالة الرجل لها وقيامه عليها فهى شريكة له فيه )) .
وهذه وغيرها من الأحكام التي اختص بها الرجال هو معنى ما ذكره الله سبحانه في آخر آية الطلاق [228 من سورة البقرة] في قوله تعالى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ } البقرة228(1/36)
والمطلقات ذوات الحيض, يجب أن ينتظرن دون نكاح بعد الطلاق مدة ثلاثة أطهار أو ثلاث حيضات على سبيل العدة; ليتأكدن من فراغ الرحم من الحمل. ولا يجوز لهن تزوج رجل آخر في أثناء هذه العدة حتى تنتهي. ولا يحل لهن أن يخفين ما خلق الله في أرحامهن من الحمل أو الحيض, إن كانت المطلقات مؤمنات حقًا بالله واليوم الآخر. وأزواج المطلقات أحق بمراجعتهن في العدة. وينبغي أن يكون ذلك بقصد الإصلاح والخير, وليس بقصد الإضرار تعذيبًا لهن بتطويل العدة. وللنساء حقوق على الأزواج, مثل التي عليهن, على الوجه المعروف, وللرجال على النساء منزلة زائدة من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف والقِوامة على البيت وملك الطلاق. والله عزيز له العزة القاهرة, حكيم يضع كل شيء في موضعه المناسب..
وأما الأحكام التي اختص الله بها النساء فكثيرة تنتظم أبواب : العبادات، والمعاملات، والأنكحة وما يتبعها، والقضاء وغيرها، وهي معلومة في القرآن والسنة والمدونات الفقهية، بل أفردت بالتأليف قديماً وحديثاً .ولله الحمد والمنه .
ويصدق على هذا القول أحد كتبة الغرب ومفكريهم وهو ::-
مارسيل بوازار ... M.Poizer
مفكر , وقانوني فرنسي معاصر . أولى اهتماما كبيرا لمسألة العلاقات الدولية وحقوق الإنسان وكتب عددا من الأبحاث للمؤتمرات والدوريات المعنية بهاتين المسألتين . يعتبر كتابه (إنسانية الإسلام) , الذي انبثق عن اهتمام نفسه , علامة مضيئة في مجال الدراسات الغربية للإسلام , بما تميز به من موضوعية , وعمق , وحرص على اعتماد المراجع التي لا يأسرها التحيز والهوى . فضلا عن الكتابات الإسلامية نفسها .
وقد قال كلامه هذا فى كتابه (( إنسانية الإسلام ))(1/37)
)) إن الإسلام يخاطب الرجال والنساء على السواء ويعاملهم بطريقة (شبه متساوية) وتهدف الشريعة الإسلامية بشكل عام إلى غاية متميزة هي الحماية ، ويقدم التشريع للمرأة تعريفات دقيقة عما لها من حقوق ويبدي اهتماما شديدا بضمانها . فالقرآن والسنة يحضان على معاملة المرأة بعدل ورفق وعطف , وقد أدخلا مفهوما اشد خلقية عن الزواج , وسعيا أخيرا إلى رفع وضع المؤمنة بمنحها عددا من الطموحات القانونية . أمام القانون و الملكية الخاصة الشخصية , والإرث ))
وأسهب فى الكلام وقال ::
))لقد خلقت المرأة في نظر القرآن من الجوهر الذي خلق منه الرجل . وهي ليست من ضلعه , بل (نصفه الشقيق )كما يقول الحديث النبوي ]النساء شقائق الرجال [المطابق كل المطابقة للتعاليم القرآنية التي تنص على أن الله قد خلق من كل شي زوجين. ولا يذكر التنزيل أن المرأة دفعت الرجل إلى ارتكاب الخطيئة الأصلية ,كما يقول سفر التكوين . وهكذا فان العقيدة الإسلامية لم تستخدم ألفاظا للتقليل من احترامها , كما فعل آباء الكنيسة الذين طالما اعتبروها (عميلة الشيطان) . بل إن القرآن يضفي آيات الكمال على امرأتين :امرأة فرعون ومر يم ابنة عمران أم المسيح ]عليه السلام[ " "....))
(( إلى كل مسلمة استترتْ من النار, بكلّ ستار.. واستمدّتْ حريّتها من عبوديتها للهِ, وسعادتها من التزامها بهُداه.. فارتفع جمالها بالإسلامِ إلى عرشٍ تحفُّهُ العِفَّةُ والجلال )) .
أنا مسلمهْ .. أنا مسلمهْ *** رمزُ الهدىَ والمَكرُمهْ
أنا أُمُّ أشبالِ العرينِ *** وأُمُّ أُسْدِ المَلْحمهْ
أنا قلعةٌ لم تُهدَمِ *** أنا أُمّةٌ لم تُهزَمِ
وأنَا العقيدةُ في دمي *** أنا أُمُّ جيل مُسلمٍ
أغذو الصّغارَ برحمتي *** وأنا رحيقُ الأُسرةِ
أنا أُمَّةٌ بعقيدتي *** فالأُمُّ أصلُ الأمّةِ
أنا بالحياءِ تَجَمُّلي *** أنا مَعقِلي في منزلي
أنا دُرَّةٌ مكنونَةٌ *** عن عرشها لم تَنْزلِ(1/38)
أَسمو بآياتِ الكتابْ *** فوقَ السّما, فوقَ السحابْ
أحيا بها, أحيا لها *** أرجو بها حُسنَ المآبْ
أتلو أحاديثَ الرسولْ *** تلكَ التي سَبَتِ العُقولْ
ونزيده من كيسنا ...::
حدثنا أبو النضر محمد بن يوسف الفقيه حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي وحدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى قالا حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا داود بن أبي الفرات عن علباء بن أحمد اليشكري عن عكرمة عن بن عباس رضى الله تعالى عنهما قال خط رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع خطوط ثم قال أتدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال إن أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون مع ما قص الله علينا من خبرها في القرآن قالت رب بن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا اللفظ .
ونزيده ......(1/39)
ما أورده وهب بن منبه قال ذكر مولد موسى بن عمران بن قاهت بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وحديث عدو الله فرعون حين كان يستعبد بني إسرائيل في أعماله بمصر وأمر موسى والخضر قال وهب ولما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها جميع الناس فلم يطلع على حملها أحد من خلق الله وذلك شيء أسرها الله به لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل فلما كانت السنة التي يولد فيها موسى بن عمران بعث فرعون القوابل وتقدم إليهن وفتش النساء تفتيشا لم يفتشهن قبل ذلك وحملت أم موسى بموسى فلم ينت بطنها ولم يتغير لونها ولم يفسد لبنها ولكن القوابل لا تعرض لها فلما كانت الليلة التي ولد فيها موسى ولدته أمه ولا رقيب عليها ولا قابل ولم يطلع عليها أحد إلا أختها مريم وأوحى الله إليها ... { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } القصص7
وألْهمنا أم موسى حين ولدته وخشيت عليه أن يذبحه فرعون كما يذبح أبناء بني إسرائيل: أن أرضعيه مطمئنة, فإذا خشيت أن يُعرف أمره فضعيه في صندوق وألقيه في النيل, دون خوف من فرعون وقومه أن يقتلوه, ودون حزن على فراقه, إنا رادُّو ولدك إليك وباعثوه رسولا. فوضعته في صندوق وألقته في النيل, ))(1/40)
قال فكتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها لا يبكي ولا يتحرك فلما خافت عليه وعليها عملت له تابوتا مطبقا ومهدت له فيه ثم ألقته في البحر ليلا كما أمرها الله وعمل التابوت على عمل سفن البحر خمسة أشبار في خمسة أشبار ولم يقير فأقبل التابوت يطفو على الماء فألقى البحر التابوت بالساحل في جوف الليل فلما أصبح فرعون جلس في مجلسه على شاطئ النيل فبصر بالتابوت فقال لمن حوله من خدمه إيتوني بهذا التابوت فأتوه به فلما وضع بين يديه فتحوه فوجد فيه موسى قال فلما نظر إليه فرعون قال غير أني من الأعداء فأعظمه ذلك وغاظه وقال كيف أخطئ هذا الغلام الذبح وقد أمرت القوابل أن لا يكتمن مولودا يولد قال وكان فرعون قد استنكح امرأة من بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم وكانت من خيار النساء المعدودات ومن بنات الأنبياء وكانت أما للمسلمين ترحمهم وتتصدق عليهم وتعطيهم ويدخلون عليها فقالت لفرعون وهي قاعدة إلى جنبه هذا الوليد أكبر من ابن سنة وإنما أمرت أن تذبح الولدان لهذه السنة فدعه يكون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون أن هلاكهم على يديه وكان فرعون لا يولد له إلا البنات فاستحياه فرعون ورفعه وألقى الله إليه محبته ورأفته ورحمته وقال لامرأته عسى أن ينفعك أنت فأما أنا فلا أريد نفعه قال وهب قال بن عباس لو أن عدو الله قال في موسى كما قالت امرأته عسى أن ينفعنا لنفعه الله به ولكنه أبى للشقاء التي كتب الله عليه وحرم الله على موسى المراضع ثمانية أيام ولياليهن كلما أتي بمرضعة لم يقبل ثديها فرق له فرعون ورحمه وطلبت له المراضع وذكر وهب حزن أم موسى وبكاءها عليه حتى كادت أن تبدي به ثم تداركها الله برحمته فربط على قلبها إلى أن بلغها خبره فقالت لأخته تنكري واذهبي مع الناس وانظري ماذا يفعلون به فدخلت أخته مع القوابل على آسية بنت مزاحم فلما رأت وجدهم بموسى وحبهم له ورقتهم عليه قالت هل أدلكم على أهل(1/41)
بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون إلى أن رد إلى أمه فمكث موسى عند أمه حتى فطمته ثم رددته إليه فنشأ موسى في حجر فرعون وامرأته يربيانه بأيديهما واتخذاه ولدا فبينا هو يلعب بين يدي فرعون وبيده قضيب له خفيف صغير يلعب به إذ رفع القضيب فضرب به رأس فرعون ونظر من ضربه حتى هم بقتله فقالت آسية بنت مزاحم أيها الملك لا تغضب ولا يشقن عليك فإنه صبي صغير لا يعقل جربه إن شئت اجعل في هذا الطشت جمرة وذهبا فانظر على أيهما يقبض فأمر فرعون بذلك فلما مد موسى يده ليقبض على الذهب قبض الملك الموكل به على يده فردها إلى الجمرة فقبض عليها موسى فألقاها في فيه ثم قذفها حين وجد حرارتها فقالت آسية لفرعون ألم أقل لك إنه لا يعقل شيئا ولا يعلمه وكف عنه فرعون وصدقها وكان أمر بقتله ويقال إن العقدة التي كانت في لسان موسى أثر تلك الجمرة التي التقمها قال وهب بن منبه ولما بلغ موسى أشده وبلغ أربعين سنة آتاه الله علما وحكما وفهما فلبث بذلك اثنتي عشر سنة داعيا إلى دين إبراهيم وشرائعه وإلى دين إسحاق ويعقوب فآمنت طائفة من بني إسرائيل ثم ذكر القصة بطولها
ويختتم مارسيل بوزار كلامه بهذه المقولة والتى لهى أشبه بالصفعة لكل من نادى من أبناء جنسه وأذنابهم بأن الإسلام يضطهد المرأة ويقلل من شأنها .
((...ليس في التعاليم القرآنية ما يسوغ وضع المرأة الراهن في العالم الإسلامي . والجهل وحده , جهل المسلمة حقوقها بصورة خاصة , هو الذي يسوغه ....)) أى أن وضع المرأة الراهن وما هى عليه من تيه وتخبط السبب فيه تخليها عن تعاليم دينها وإصغاءها لمن يريد إضلآلها بمعسول الكلام نسأل الله أن يحفظنا ويحفظ نساءنا وبناتنا أنه سميع عليم .
فبأى حديث ترعوى وبأى لغة .
خبرونى أنتم بأى عقل نخاطب من تبعوا أذناب العلمانية .
إن كان حديث سادتهم بهذه الطريقة واللهجة والصراحة
فسّر الهزيمة أننا من جهلنا
نلقى إلى الأعداء بالفلذاتِ(1/42)
إن قلتم هذا شذ عن نهجنا وفكرنا !!!! فإليكم شذوذ آخر عن عباءة علمانيتكم وهرطقتكم الفلسفية ...
وهو ....
- اميل درمنغم E.Dermenghem
مستشرق فرنسي , عمل مديرا لمكتبة الجزائر , من آثاره : ( حياة محمد) (باريس 1929) وهو من أدق ما صنفه مستشرق
عن النبي صلى الله عليه وسلم , و ( محمد والسنة الإسلامية ) (باريس 1955) , ونشر عددا من الأبحاث في المجلات الشهيرة مثل : (المجلة الأفريقية ) , و ( حوليات معهد الدراسات الشرقية) , و ( نشرة الدراسات العربية) ... ويقول ....(1/43)
))مما لا ريب فيه أن الإسلام رفع شأن المرأة في بلاد العرب و حسن حالها , قال عمر بن الخطاب ]رضي الله عنه [مافتئنا نعد النساء من المتاع حتى أوحى في أمرهن مبينا لهن ) , وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا, وخياركم خياركم لنسائهم) اجل , إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى الزوجات بإطاعة أزواجهن , ولكنه أمر بالرفق بهن ونهى عن تزويج الفتيات كرها وعن أكل أموالهن بالوعيد أو عند الطلاق .... ولم يكن للنساء نصيب في المواريث أيام الجاهلية ... فأنزلت الآية التي تورث النساء. وفي القرآن تحريم لوأد البنات , وأمر بمعاملة النساء والأيتام بالعدل ونهى محمد صلى الله عليه وسلم عن زواج المتعة وحمل الإماء على البغاء وأباح تعدد الزوجات..ولم يوصي الناس به , ولم يأذن فيه إلا بشرط العدل بين الزوجات فيهب لإحداهن إبرة دون الأخرى...وأباح الطلاق أيضاً مع قوله: (ابغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق ) وليس مبدأ الاقتصار على زوجة واحدة من الحقوق الطبيعية مع ذلك , ولم يفرضه كتاب العهد القديم على الآباء,وإذا كان هذا قد أصبح سنة في النصرانية فذلك لسابق انتشاره في بلاد الغرب ,وذلك من غير أن يحمله رعايا نيرون إلى بلاد إبراهيم ويعقوب ]غليهما السلام [ ...وأيهما أفضل : تعدد الزوجات الشرعي أم تعدد الزوجات السري ؟...إن تعدد الزوجات من شأنه إلغاء البغاء والقضاء على عزوبة النساء ذات المخاطر........)) " "
وها هى كلمات الحق تحرك لسانه لتهز أركان النصرانية فى مقتل إذ يقول ::(1/44)
(( من المزاعم الباطلة أن يقال إن المرأة في الإسلام قد جردت من نفوذها كزوجة وأماً كما تُذم النصرانية لعدها المرأة مصدر الذنوب والآثام ولعنها إياها , فعلى الإنسان أن يطوف في الشرق ليرى أن الأدب المنزلي فيه قوي متين وان المرأة فيه لا تحسد بحكم الضرورة نساءنا ذوات الثياب القصيرة والأذرع العارية ولا تحسد عاملاتنا في المصانع وعجائزنا , ولم يكن العالم الإسلامي ليجهل الحب المنزلي والحب الروحي ,ولا يجهل الإسلام ما أخذناه عنه من الفروسية المثالية ...))
وها هو ذآ ثلثُهم ممن تعايشوا مع روح الإسلآم ومعاملاته وهو ...
- الكونت هنري دي كاستري (1850-1927) Cte.H.de castries
مقدم في الجيش الفرنسي , قضى في الشمال الأفريقي ردحا من الزمن . من آثاره : - الإسلام : خواطر وسوانح
( مصادر غير منشورة عن تاريخ المغرب)
(1905) , (الأشراف السعديون) (1921) , (رحلة هولندي إلى المغرب ) (1926) , غيرهما .
-
وفى الإسلام : خواطر وسوانح يقول ::-
((...إننا لو رجعنا إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومكان ظهوره لما وجدنا عملا يفيد النساء أكثر مما أتاه ]عليه السلام [فهن مدينات لنبيهن بأمور كثيرة وفي القرآن آيات ساميات في حقوقهن وما يجب لهن على الرجال ..ويرى القارىء من جميع تلك الآيات مقدار اهتمام (الإسلام) بمنع عوامل الفساد الناشئة عن التعشق بين المسلمين لكي يجعل الأزواج والآباء في راحة ونعيم ..ولقد(أصبحت) للمسلمين أخلاق مخصوصة ,عملا بما جاء في القرآن أو في الحديث ,وتولدت في نفوسهم ملكات الحشمة والوقار, وجاء هذا مغايرا لآداب الأمم المتمدنة اليوم على خط مستقيم ومزيلا لما عساه كان يحدث عن ميل الشرقيين إلى الشهوات لولا هذه التعاليم والفروض.والفرق بين الحشمة عند المسلم وبينها عند المسيحي كما بين السماء والأرض ..))
وهذا والله لقليل من كثير ومن أراد الأستزادة فليراجع كتاب :: قالوا عن الإسلآم :: للدكتور عماد الدين خليل .(1/45)
وتقول صاحبة كتاب (( المرأة بين التحرير والتغرير )) الدكتورة / نهى قاطرجي
لقد أخذت قضية تحرير المرأة حيزاً مهماً من تفكير الناس في العصر الحالي حتى عُقدت من أجل هذه القضية المؤتمرات والندوات التي تطالب برفع الظلم عن المرأة وإعطائها حقوقها التي حرمتها منها الأديان والأعراف والتقاليد .
وقد استفحل هذا الأمر حتى خرج عن إطار اللهو والتسلية لبعض النساء الفارغات عن أي عمل لتنعكس آثاره الخطيرة على المرأة بالدرجة الأولى ، وإذا كنَّا في لحظة من اللحظات أُعجبنا بامرأة شابة تعمل شرطية على الطريق أو جندية تحمل السلاح ووجدنا في هذا الأمر قوة إرادة وتحدٍّ عند من فعلن هذا ، فإن الأمر خرج عن إطار التسلية عندما أصبحنا نرى امرأة أخرى عجوزاً تبحث في القمامة أو تجوب الشوارع تجر عربتها الثقيلة لتؤمن رغيف خبزها .
إن الأمر ، لم يعد لعبة ومزحة تتسلى بها الفتاة التي تخرجت من الجامعة لتثبت للناس أنه لا فرق بينها وبين الرجل في الذكاء والعطاء فتنافس الرجل في وظيفة وتتساوى معه في أجر أو حتى تسلبه وظيفة بأجر أقل لتنفق ما تقبضه على الزينة والتبرج والترف بينما يكون الرجل الذي نافسته مسؤولاً عن أسرة ، أو على الأقل يسعى لبناء أسرة .(1/46)
إن العمل بالنسبة للفتاة يبقى في إطار تمضية الوقت وإثبات الذات فترة طويلة من الزمن ، حتى تصبح ذات يوم فتجد أن الوظيفة التي كانت تتسلى بها أصبحت تأخذ منها كل وقتها (من الفجر إلى النجر ) فلا حياة اجتماعية ولا أصدقاء ولا فرصة حتى للتعرف على فتى الأحلام ، فهي تعود من العمل متعبة فتنام كالقتيل ، هذا الأمر لم يعد يرضي أحداً لِلَّهِ كيف ستمضي بقية عمرها لِلَّهِ وكيف ستتعرف على فتى أحلامها الآتي على حصان أبيض لِلَّهِ الأمر قد يطول على هذه الحالة لِلَّهِ ولكن لا بديل آخر ، فهي لا تستطيع أن تترك العمل وقد اعتادت أن تجد المال بين يديها ولا تستطيع أيضاً أن تعيش الفراغ في المنزل تنتظر فارس الأحلام الذي قد يتأخر في المجيء أو حتى لا يجيء لِلَّهِ أما إذا جاء فانه يجيء بشروط ، ففيما كان هو الذي يأتي على حصان أبيض لينقذ المرأة من وضعها الأسري، اختلف الوضع اليوم فأصبحت المرأة هي التي تأتي على حصان أبيض لتقدم للرجل حلولاً لمشاكله المادية ، فيعملان معاً ( من الفجر إلى النجر ) لكي يصبح العمل بالنسبة للمرأة واجباً وليس تطوعاً .
ما ورد كان نموذجاً عن وضع من أوضاع المرأة المتحررة اليوم ، ذكرتها كمقدمة للحديث عن قضية تحرير المرأة .
وتعرفنا الدكتورة الفاضلة على أصل قضية التغرير هذه ومنشأها فتقول .....
بدأت القضية مع المرأة الغربية(1/47)
، وهذا لا يعني أن المرأة المسلمة لم تكن تعاني من المشاكل والهموم ، فلو كان هذا الأمر صحيحاً لما وجد هؤلاء الغربيون ثغرة يدخلون بها إلى مجتمعاتنا، ولكن الفرق بين الشرق والغرب شاسع ، ذلك أن المرأة في العالم الإسلامي لم يكن لها قضية خاصة إنما كانت القضية الحقيقية هي تخلف المجتمع وانحرافه عن حقيقة الإسلام ،" وما نتج عن هذا التخلف في جميع مجالات الحياة ، وما تحقير المرأة وإهانتها وعدم إعطائها وصفها الإنساني الكريم إلا مجال من المجالات التي وقع فيها التخلف عن الصورة الحقيقة للإسلام " .
إن الصورة الحقيقية للإسلام ممكن أن تُقرأ واضحة في كتب السِّيَر والتاريخ الإسلامي التي ذكرت كيف كان للمرأة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كيان مستقل عن الرجل تطالب بحقها الذي أعطاها إياه الإسلام بكل جرأة ، فها هي تقف في وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه تطالب بحقها في صلاة الجماعة في المسجد كما فعلت عاتكة بن زيد ، وها هي تمارس حقها بإدارة أموالها بمعزل عن زوجها كما فعلت ميمونة أم المؤمنين بجاريتها دون علم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكما فعلت أم سليم بنت ملحان التي أهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرسه هدية باسمها لا باسم زوجها ، فقالت : " يا أنس ، اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل: بعثت بهذا إليك أمي ، وهي تقرؤك السلام وتقول : إنّ هذا منّا قليل يا رسول الله " .
هذا في الإسلام أما في الغرب فإنه كان للمرأة بالفعل قضية ومعاناة ، إذ أنها كانت " في اعتقاد وعقيدة الأوروبيين حتى مائتي سنة مطيّة الشيطان، وهي العقرب الذي لا يتردد قط عن لدغ أي إنسان ، وهي الأفعى التي تنفث السم الرعاف ... في أوروبا ( أيتها الأخوات ) انعقد مؤتمر في فرنسا عام 568م ، أي أيام شباب النبي صلى الله عليه وسلم ، للبحث هل تعدّ المرأة إنساناً أم غير إنسان ؟ وأخيراً قرروا : إنها إنسان خلقت لخدمة الرجل فحسب لِلَّهِ(1/48)
والقانون الإنكليزي حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته بستة بنسات فقط، حتى الثورة الفرنسية التي أعلنت تحرير الإنسان من العبودية والمهانة لم تشمل المرأة بحنوِّها ، والقاصرون في عرفها : الصبي والمجنون والمرأة ، واستمر ذلك حتى عام 1938 م ، حيث عُدِّ لت هذه النصوص لصالح المرأة " .
إن أصل القضية في الغرب يعود لاحتقار الكنيسة النصرانية للمرأة احتقاراً جعل رجالها يبحثون إذا كان ممكناً أن يكون للمرأة روح ، وهذا ما حصل " في مؤتمر " ماكون Macon " وما شفع بالمرأة آنذاك هو كون مريم أم يسوع امرأة ولا يجوز أن تكون أم يسوع بلا روح " .
إن أصل القضية إذاً بدأ من الديانة النصرانية حيث أساءت الكنيسة كمؤسسة في فهم الدين المسيحي في روحيته وأخذت تطبقه وفقاً لذهنية القائمين عليها ، ومن هؤلاء القديس بولس الذي قال : إن المرأة خُلقت للرجل، والقديس توما الأكويني الذي ذهب إلى أبعد من ذلك إذ صنّف المرأة بعد العبيد .
ولقد استمرت الكنيسة النصرانية في تغيير التعاليم الدينية وَفْقاً للمفاهيم والاعتبارات السائدة في البلدان التي كانت تريد السيطرة عليها فقدّست " مفهوم الأمومة مثلاً عندما أرادت السيطرة على الحضارة اليونانية ، وألغت هذا التقديس عندما انتقلت إلى السيطرة على الحضارة الجرمانية ، واستبدلته بالاعتبارات المعمول بها في هذه الحضارة حيث كان التقديس للملكية الخاصة ولاعتبار المرأة ملك الرجل وفي مصاف القاصرين " .(1/49)
من هنا يمكن أن نستشف أن الفرق بين المرأة الغربية والمرأة المسلمة يعود إلى الجذور ، ومن هنا عدم صحة إسقاط الحلول الغربية على الوضع الإسلامي ، فالوضع بين الحضارتين مختلف ، والمرأة هنا غير المرأة هناك ،وقد أكدت الراهبة "كارين أرمسترونغ "هذا الاختلاف بين ماضي المرأتين بما يلي: " إن رجال الغرب النصراني حين حبسوا نساءهم ومنعوهم من مخالطة الرجال ووضعوهن في غرف منعزلة في جوف البيوت إنما فعلوا ذلك لأنهم يكرهونهن ويخافونهن ولا يأمنون لهن وَيَرَوْنَ الخطيئة والغواية كامنة فيهن ، فهم يخرجوهن من الحياة بهذا الحبس إلى خارجها أو هامشها ، بينما حجز المسلمون نساءهم في البيوت ولم يخرجوهن إلى الشوارع تقديراً لهن ولأنهم يعتبرون زوجاتهم وأمهاتهم وبناتهم حَرَماً خاصاً وذاتاً مصونة وجواهر مقدسة يصونونهن ويحملون عنهن عبء الامتهان في الأسواق والطرق " .
إن هذا الاختلاف لم يفهمه دعاة التحرر الذين حاولوا إسقاط حلول المجتمع الغربي على المجتمع الإسلامي ، فلم يفهموا حرص الرجل على زوجته وحمايته لها بل اعتبروا أن حجاب المرأة وعدم اختلاطها بالرجل يعود إلى عدم ثقة الرجل بالمرأة وخوفه منها ، الأمر الذي جعلهم يرون أن المرأة مظلومة قد ظلمها الرجل عندما فرض عليها الحجاب وحرمها من إنسانيتها وقد تناسوا أنه " لم يكن الرجل هو الذي فرض الحجاب على المرأة فترفع المرأة قضيتها ضده لتتخلص من الظلم الذي أوقعه عليها ، كما كان وضع القضية في أوروبا بين المرأة والرجل ، إنما الذي فرض الحجاب على المرأة هو ربها وخالقها الذي لا تملك إن كانت مؤمنة أن تجادله سبحانه فيما أمر به ، ويكونَ لها الخِيَرَةُ من الأمر " .
تطور القضية(1/50)
ساعدت الثورة العلمية التي حصلت في أوائل القرن الماضي الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص على المطالبة بالتحرر من الظلم الذي وقع عليها من الكنيسة ، حيث كان لاستعانة الثورة الصناعية بالنساء من أجل التحرر من مطالب الرجال المالية دور مهم في خروج المرأة من قمقمها وسعيها لتغيير واقعها المعاش ، فلم تجد عدواً تواجهه وتعتبره سبباً مباشراً لمعاناتها إلا الكنيسة التي كانت تحمي الرجال وتحثهم على ظلم النساء ، مما جعل عدو النساء الأول هو الدين ، فالمرأة هي التي " تدفع ضريبة الانتماء الديني في هذا الواقع وتتحمل مآسيه أكثر من الرجل" . ومن هنا جاءت ضرورة نبذ الدين وتأييد النظريات العلمانية الحديثة التي تعتبر أن " الدين هو أفيون الشعوب"، وأن السبيل للنهوض بالأمم يكون بفصل الدين عن الدولة ، هذا الأمر الذي دعا إليه المسيح عليه السلام نفسه عندما قال : " دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله " .
فالعلمنة إذاً هي نبذ الدين و " إحلال العلم ، في نموذجه الطبيعي ، محل النص والإله في تفسير كل ما يختص ويتصل بالإنسان " ، وقد بالغ كثير من العلماء في تقديس العلم إلى حد أَن اعتبروه ديناً جديداً ، فقال أحدهم : " العلم الحديث هو إنجيل الحضارة الحديثة " ، وقال آخر : "العلم الصحيح ، أي العلم الاختياري ، دين أيضاً" .
وهكذا وجاءت نظرية التطور لـ " دارون " لتقول أن أصل الإنسان قرد تطور مع الزمن إلى أن وصل إلى الحالة التي هو عليها الآن ، لتعتمد على إيحاءين خطيرين كان لهما أثر في نصر نظرية المرأة الغربية الداعية إلى نبذ الدين ، وهذان الإيحاءان هما :
1-الإيحاء بالتطور الدائم الذي يلغي فكرة الثبات .
2- الإيحاء بحيوانية الإنسان وماديته وإرجاعه إلى الأصل الحيواني وإغفال الجانب الروحي إغفالاً تاماً .(1/51)
وهكذا أصبح الإنسان الغربي بعد هذه النظرية العلمانية " لا يستطيع تجنب اعتبار نفسه حيواناً " كما أصبح " التفسير التطوري لكل شيء هو العقيدة الجديدة للغرب " .
وقد استفادت المرأة ومن تبعها من دعاة التحرر من الرجال من هذه العقيدة الجديدة استفادة كبيرة ،فاعتبرت أن النصوص التشريعية التي تختص بها لم تعد تصلح لهذا الزمن المتطور ، وقالوا بنسبية القوانين والتشريعات والأخلاق مما يعني عدم صلاحية هذه التشريعات للتطبيق في هذا الزمن ، لذلك كانت الدعوة من أجل الثورة ، هذه الثورة التي وإن كانت ممكنة بالنسبة للمرأة النصرانية التي تدرك تماماً أن التشريع الكنسي تابع لأقوال العلماء إلا أنها صعبة بالنسبة للمرأة المسلمة التي تدرك أن التشريعات الإسلامية مستمدة من النصوص القرآنية ، لذلك دعا أنصار تحرير المرأة إلى رفع راية التطور التاريخي في حال أرادت المرأة مهاجمة النصوص الدينية ، تقول إحدى دعاتهن : أنه " إذا ثارت المرأة اللبنانية وتعاونت المرأة المسيحية مع المرأة المحمدية استطاعتا رفض الدين الأولى باسم الدين نفسه والثانية بموجب الإيمان بسنة التطور التاريخي " .
وهذه الدعوة إلى الإيمان بالتطور التاريخي لوضع المرأة ذكره أحد دعاتهم وهو سلامة موسى مخاطباً المرأة : " أنت ثمرة ألف مليون سنة من التطور " .
وبناء على ذلك كان " طبيعياً أن يفسر حجاب المرأة وعدم مخالفتها للرجل بأنه أثر من آثار الأمم الوحشية ونتيجة لتطور وظهور نظام العائلة ودخول المرأة فيه ، ووقوعها بذلك تحت سيطرة الرجل ، وهو التفسير الذي ذكره كل من تكلم من رواد تحرير المرأة " .
قضية تحرير المرأة المسلمة..!!!(1/52)
هبط الغرب على العالم الإسلامي بجيوشه وعساكره وهو يعلم بتجربة الحروب الصليبية أن تطويع هذا العالم لن يكون بالحروب بل يكون بإيجاد جيل جديد ينتمي إليه فكراً وعقيدة ، فعمدوا من أجل ذلك إلى إنشاء المدارس الغربية التي تدرِّس اللغة والتاريخ والثقافة الغربية ، وبعد ذلك عمدوا إلى إرسال خريجي هذه المدارس في بعثات خارجية إلى الجامعات التي تكفلت بما بقي من العقول الإسلامية كما تكفل الفساد المنتشر في البلاد التي سافرت إليها العقول بتضييع البقية الباقية من جيل شباب عاد ليخرب الأمة ويعمل على تحويل المجتمعات العربية الإسلامية إلى صورة من المجتمعات التي عاد منها .
وكان من بين الخريجين "قاسم أمين" المخرب الأول الذي عاد من الغرب بكل مفاهيمه ليطبقها على مجتمع لا يمت إليه بصلة ، فطالب بتعليم المرأة وتحريرها على المنهج ذاته الذي وضعه الغرب لهدم الإسلام ،" وقاسم أمين شاب نشأ في أسرة تركية مصرية فيه ذكاء غير عادي ، حصل على ليسانس الحقوق الفرنسية من القاهرة وهو في سن العشرين ... ومن هناك التقطه الذين يبحثون عن الكفاءات النادرة والعبقريات الفذة ليفسدوها ، ويفسدوا الأمة من ورائها لِلَّهِ التقطوه وابتعثوه إلى فرنسا ... اطلع قبل ذهابه إلى فرنسا على رسالة لمستشرق يتهم الإسلام باحتقار المرأة وعدم الاعتراف بكيانها الإنساني ، وغلى الدم في عروقه ، كما يصف في مذكراته ، وقرر أن يرد على هذا المستشرق ويفند افتراءاته على الإسلام . ولكنه عاد بوجه غير الذي ذهب به لِلَّهِ لقد أثرت رحلته إلى فرنسا في هذه السن المبكرة تأثيراً بالغاً في كيانه كله ، فعاد إلى مصر بفكر جديد ووجهة جديدة ، عاد يدعو إلى تعليم المرأة وتحريرها على المنهج ذاته الذي وضعه المستشرقون وهم يخططون لهدم الإسلام " .
عاد ليطالب بنزع حجاب المرأة ...
عاد ليطالب بتعليم المرأة وخروجها من بيتها...
عاد ليطالب باختلاط المرأة بالرجل...(1/53)
لقد أدرك قاسم أمين أن الوصول إلى الغاية لن تأتي مرة واحدة ، لذلك عمد هو ومن تبعه إلى أسلوبين :
1- أسلوب التدرج حيث أنه لم يطالب في البداية بنزع حجاب الرأس كلياً ، بل نادى بسفور الوجه فقط ، ولم يطالب بتعليم المرأة لتصل إلى مستوى جامعي بل نادي بالتعليم الابتدائي ، ولكنه كان حريصاً في كل ما يكتب على أن يضع كلمة "الآن" التي تعني الاكتفاء بهذا الحد من المطلب وقت مطالبته به إلى آن آخر فيقول: " ربما يتوهم ناظر أنني أرى ( الآن ) رفع الحجاب بالمرة .. إنني لا أقصد رفع الحجاب (الآن ) دفعة واحدة والنساء على ما هن عليه اليوم.. وإنما أطلب (الآن ) ولا أتردد في الطلب أن توجد هذه المساواة في التعليم الابتدائي " .
وهكذا تتطور الدعوة مع الزمن فمن المطالبة " بالمساواة في التعليم إلى المطالبة بالمساواة في الميراث ، ومن المطالبة بحريتها في الدخول والخروج والتنزه إلى المطالبة بحريتها في السفر وقضاء السنوات الطوال منفردة ، وافق زوجها أو لم يوافق ، ومن المطالبة بتقييد حق الرجل في التعدد إلى المطالبة بحقها هي في التعدد ثم حقها أن يكون لها الصديق التي ترتضيه " .
2- التشكيك بالنصوص القرآنية والدعوة إلى اللحاق بركب التطور ومن هنا كانت دعواهم إلى إعادة قراءة النصوص قراءة جديدة مراعين مبدأ تاريخية النصوص ونسبيتها ، حيث أن كثيراً من الأحكام لم تعد تلائم العصر المتطور الحالي ، فكما كان هناك رجال فقهاء اجتهدوا وفهموا النصوص القرآنية فهماً يوافق عصرهم يوجد في عصرنا الحالي رجال " بل ونساء " ممكن أن يجتهدوا بالنصوص اجتهاداً معاصراً ، لذلك كثيراً ما رفع هؤلاء شعار " هؤلاء رجال ونحن رجال " لرفض اجتهادات مثل اجتهاد الشافعي ومالك وغيرهما من الفقهاء واعتماد فتوى معاصرة مثل فتوى محمد شحرور الذي يرى أن الجيب الذي ورد في القرآن هو شِقُّ الإبط .(1/54)
ومن النماذج المعاصرة عن هجومهم على النصوص القرآنية قول أحدهم : " اعتبرت الشريعة المرأة نصف إنسان ، فشهادة امرأتين بشهادة رجل ونصيب الرجل من الميراث نصيب امرأتين ، كان ذلك طفرة في العصر الذي نزلت فيه الشريعة الإسلامية ، بل إنه أكثر من طفرة ، غير أن 15 قرناً من الزمان كافية في الواقع أن تهيئ العقلية الإنسانية إلى خطوات أخرى في التشريع للمرأة " .
هذا باختصار السبيل الذي سلكوه من أجل الوصول إلى ما سَمَّوْهُ تحرير المرأة تحريراً كاملاً يجعلها متساوية مع الرجل في كل المجالات دون مراعاة للفروقات البيولوجية بين الإثنين ، ودون مراعاة لشرع أو دين ، لأن الشرائع تتطور أحكامها كما سبق أن أسلفنا .
أما أبرز ما دعا إليه هؤلاء فيكمن في نبذ كل ما يمنع هذه المساواة بين الجنسين ويكرس التفرقة على أساس الجنس ، لهذا رَأَوْا في بنود المساواة رفع حجاب المرأة ، اختلاطها بالرجال ، وتعليمها .
وتبين لنا الدكتورة / نهى / أن الإسلآم جاء بأرقى معانى المساوآة فتقول :
مفهوم المساواة
إن أصل هذا المطلب بدأ أيضاً مع الثورة النسوية في أوروبا حيث كان للمرأة بالفعل قضية، قضية المساواة في الأجر مع الرجل الذي يعمل معها في المصنع نفسه وفي ساعات العمل نفسها بينما تتقاضى هي نصف ما يتقاضاه الرجل من الأجر .(1/55)
هذا المطلب كان في البداية يمثل منتهى العدل ، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان ، أما بعد ذلك فقد تطور هذا المطلب ليشمل المساواة في كل شيء ، وهذا أمر ، كما تعلمون ، مستحيل هذا ببساطة لأن بينهما اختلافات حقيقية جسمية ونفسية ، حتى ولو نجحت بعض النساء في تبوء المراكز العالية وفي القيام بأعمال جسدية شاقة إلا أن هذا لا يعني أن كافة النساء يمكنهن أداء ذلك العمل أو يرغبن فيه . فمهما ارتقت " المرأة في مستواها العلمي والثقافي ومهما كانت دوافعها النفسية أو الاقتصادية للخروج إلى العمل ، تبقى رغبة المشاركة في تكوين أسرة إحدى أهم مكونات فطرتها الأصلية ، كما يشير الاستبيان الذي أُجْرِي بين الفتيات في بعض الدول العربية " .
وقد أكدت الدكتورة إلهام منصور، إحدى مناصرات تحرير المرأة ، على هذا الأمر فقالت : " إن الثقافة كما لم تفعل بعد في الرجل اللبناني فهي كذلك لم تفعل بعد في المرأة اللبنانية التي تعتبر مثقفة لأن أغلب النساء المثقفات هن راضيات بوضعهن ، ويعملن على ترسيخه ، وينادين بوجوب إعطاء حقوق للرجل تفوق حقوق المرأة ، وهذا الواقع يدلنا دلالة مباشرة واضحة أن العلم بالنسبة للمرأة اللبنانية ليس سوى وسيلة للحصول على الزوج الأفضل وذلك لأن أغلب الشبان قد أصبحوا اليوم مثقفين ويفضلون الزوجات المثقفات ، والثقافة هنا تأخذ طابع الزيادة الخارجية عند المرأة فهي لا تنصهر مع شخصيتها كي تغيرها من الداخل " .(1/56)
هذه الحقيقة في تباين أهداف المرأة والرجل أكد عليها الفيلسوف " أوجست كونت" أحد فلاسفة الغرب المعاصرين حيث يقول : " إن الرجل والمرأة يهدفان إلى آيات متباينة في الحياة ، فمرمى الرجل هو العمل وآية المرأة الحب والحنان " ، ويقول الفيلسوف أيضاً : " حتى في الزواج لا يوجد مساواة بين الرجل والمرأة ، لأن لهما حقوقاً وواجبات مختلفة فالرجل قَوّامٌ على البيت وهو الذي يعول المرأة ، لأن المرأة يجب أن تجرّد من هموم المادة " .
هذا الكلام الذي ورد على لسانهن ولسان فلاسفتهن يعتبر أكبر دليل على أن ما يطالبون به مخالف لفطرة الله سبحانه وتعالى ، والإسلام إنما جاء ليثبت هذه الحقيقة لا ليدعُوَ إلى أمر لا أساس له من الصحة ، فالإسلام كدين لا يهتم بمصالح فرد دون آخر ، وهو عندما بيَّن للمرأة حقوقها وواجباتها فرض على الرجل أيضاً حقوقاً وواجبات مغايرة تتناسب مع تركيب كل منهما البيولوجي والنفسي والجسدي ، كما تتناسب مع قواعد العدل والتوازن لا المساواة المطلقة ، فالمساواة المطلقة كما قلنا عدوة الفطرة ، "بينما العدل هو الذي يضع الموازين القسط لكل شيء ، ولكل علاقة ، فيعطي لكل شيء حقه ، حسب فطرته وأهليته ووظيفته التي وجد من أجلها .
فللمرأة إذن وظيفة تتناسب مع فطرتها التي فطرها الله عليها ، " وعناصر تكوينها أنها ذات بطن يلد وحضن يربي ، ومكانتها الفذة هي فيما فُطرت عليه فقط ، ومن الممكن توفير المساواة المطلوبة بينها وبين الرجل .. ولكن ذلك يكون على حساب امتيازاتها .. والنتيجة تحويلها إلى نوع جديد من الرجال ".
ويمكن أن أختم فكرة المساواة بلطيفة وردت في القرآن الكريم تدل على قمة المساواة والعدل وعدم التفرقة بين المرأة والرجل حيث وردت كلمة رجل مفردة 24 مرة ، ووردت كلمة امرأة مفردة 24 مرة أيضاً ، قمة المساواة .
أنتهى كلآم الدكتور بتفصيله . وكما أوردته . نفع الله تعالى بها .
وإليكم نماذج ممن جرت لهن التسوية ....(1/57)
عجوز شمطاء رأسها كسعامة صوفية أجرت تغير لصواميل عقلها فأصبحت تعمل بطريقة هيدروكليكة على هدم الفضيلة . فى حياة البشرية . إنها المرأة العنكبوتية القائلة بأن الحج وثنية وأن الأضاحى فى منتهى الوحشية قالت بأن ختان الذكور منافى للفطرة السوية فضلاً عن تجريمها لختان الأناث والذى حكمه الوجوب والمسنون المأكد كما نقل عن الجمهور
بل وأرادت أن تُنسب فى هويتها لأمها وليس لأبيها ووالله لأحسبها رحمة من الله تعالى بإبيها ألا تنسب إليه ولو للباقى من عمرها .
أنظروا إلى فكر هذه المرأة وكيف أودى بها .
وهاهى حادثة أخرى حدثت فى مصر فى صدر التطور والرقى المزعوم فانظروا وعاينوا من يكون الملوم .(1/58)
يخرج [سعد زغلول] منفيًا مُرتبًا له من مصر إلى بريطانيا أيام الاحتلال، ليعود من هناك وهو بطل وزعيم وطني قومي، وقد رُتِّب له الأمر، فإذا بسرادق النساء في استقباله، وإذا بزوجته [صفية زغلول] -انتسبت إليه، ولا تنسب إلى أبيها على طريقة الغربيات الكابرات- تأتي معه على ظهر الباخرة، وتصل إلى هناك، ولمَّا وصلت إلى هناك، وجاءوا لاستقباله إذا الأمر مرتب، ينزل وينطلق مباشرة إلى سرادق النساء، إلى سرادق الحريم المحجبات فتقوم [هدى شعراوي] -عاملها الله بما تستحق- تقوم إليه محجبة، فينطلق إليها ليمد يده -وقد مدَّ اليهودي قبل ذلك يده فدفع ثمن ذلك نفسه- يمد يده إلى حجابها ويرفع ذلك، وهي تضحك وتصفِّق، ويضحك ويصفِّق، ثم تصفِّق النساء لِيُعْلِنَّ الرَّذيلة من ذلك اليوم، وليبدأنَ في تقليد الكافرات، هذا هو عمله، فماذا فعلت؟ التي قامت بالدور بعد ذلك [هدى] و[صفيَّة] ، انطلقا في مظاهرة ظاهرها وهدفها مناوأة الاحتلال الإنجليزي، وانطلقا إلى ميدان الإسماعيلية، ليقفا في ذلك الميدان محجبات سود كالغربان، كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن لحاجة في نفسهن، رمين الحجاب ودُسْنَهُ بالأقدام، ثم أحرقْنَه في تلك الساحات، ليُعلنَّ التمرد على القيم والأخلاق الإسلامية، فماذا كان بعد ذلك؟! حصل في <مصر> ما حصل ، حصل فيها أن بدأ التغريب هناك على يد هؤلاء، وبين أيادي المؤمنات، وعلى مرأى المسلمين والمسلمات.(1/59)
ماذا حصل؟! انطلقوا مباشرة، فإذا بالرجل ينطلق إلى جنب المرأة مباشرة، وإذا به يعمل معها، وإذا بها يخالطها في المدرسة تلميذًا ومعلِّمًا فيما بعد، وإذا بالأمور تنفرط، ليس هناك فتدب العدوى إلى بلاد عربية ، حتى يكاد لا يَسْلَم من ذلك بلد إلا من رحم الله، وقليل ما هم. وإذا بنا نئن ونشكو من اختلاط ، من فضيلة توأد، ومن طهر وعفاف يوأد، وإذا الفساد ينتشر، وإذا الداعية يطيح هنا وهناك، فإذا الآذان صُمَّت، واتجهت تقلِّد الغرب حتى في لباسها، قامت تقلدهم في الموضة والأزياء. جاءت هذه الصرعات فاستنفذت البيوت واستنفذت ميزانيات الأسر. حتى إنك لترى التي بلغت الخامسة عشر لا زال لباسها من فوق ركبتها، وتقول: لازلت صغيرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وما -والله- ذكرت من هؤلاء سواءً [هدى] أو [قاسم] أو [زغلول] أو غيرهم من الدعاة هنا وهناك إلا نماذج للدعاة على أبواب جهنم الذين ألقوا بحجابهم، وداسوه بالأقدام إنما يتَحَدَّوْن مشاعر المسلمين، والذين يكتبون لتحرير المرأة، والذين وقفوا بذلك الميدان وسموه ميدان التحرير إنما هو التحرر من الفضيلة والخُلُق والطُّهر ولاشك، يكتبون، والله يكتب ما يُبيِّتون هم وأذنابهم إلى يوم يبعثون. { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } الأعراف179(1/60)
ولقد خلقنا للنار -التي يعذِّب الله فيها مَن يستحق العذاب في الآخرة - كثيرًا من الجن والإنس, لهم قلوب لا يعقلون بها, فلا يرجون ثوابًا ولا يخافون عقابًا, ولهم أعين لا ينظرون بها إلى آيات الله وأدلته, ولهم آذان لا يسمعون بها آيات كتاب الله فيتفكروا فيها, هؤلاء كالبهائم التي لا تَفْقَهُ ما يقال لها, ولا تفهم ما تبصره, ولا تعقل بقلوبها الخير والشر فتميز بينهما, بل هم أضل منها; لأن البهائم تبصر منافعها ومضارها وتتبع راعيها, وهم بخلاف ذلك, أولئك هم الغافلون عن الإيمان بالله وطاعته.
{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } الحج46
أفلم يَسِر المكذبون في الأرض ليشاهدوا آثار المهلكين، فيتفكروا بعقولهم، فيعتبروا، ويسمعوا أخبارهم سماع تدبُّر فيتعظوا؟ فإن العمى ليس عمى البصر، وإنما العمى المُهْلِك هو عمى البصيرة عن إدراك الحق والاعتبار..
أختي المؤمنة؛ هل لهؤلاء ومن على أدرابهم من الكُتَّاب والمحررين والمحررات والراقصات والعاهرات أهلٌ لأن يَكُنَّ قدوة للصالحات المؤمنات القانتات الصابرات الخاشعات ؟ نعوذ بالله من الانتكاس ، ونسأل الله الثبات حتى الممات . أنت الطهر ، وأنت الفضيلة ، وأنت السُّمُوُّ ، والطهر لا يقتدي بالرِّجس والمهين ، والفضيلة لا تقتدي بالرذيلة ، والسمو لا يقتدي بالسُّفْل . خابوا وخسروا وتعسوا وانتكسوا .
أغيظيهم وقولي بلسان حالك ومقالك:
دعهم يعضوا على صُمِّ الحَصَى كمدًا *** من مات من غيظه منهم له كفن
أيتها الأخوات من أنتن لولا الإسلام والإيمان والقرآن؟(1/61)
أنتن بالإسلام وبالإيمان والقرآن شيء وبدونها والله لا شيء، ولعلكنَّ تُعِرنني أسماعكنَّ قليلا، لتعرفن تلك النعمة التي أنتنَّ تعِشْنَها في هذه الأيام، يوم تسمعْن لحال المرأة في عصور الجاهلية، وأنتنَّ تتبوأن نعمة الهداية. كيف كانت المرأة؟ كانت سلعة تُباع وتُشترى، يُتشاءم منها وتُزدرى، تُبَاع كالبهيمة والمتاع، تُكْرَه على الزواج والبِغَاء، تُورث ولا تَرث، تُملَك ولا تَمْلِك، للزوج حق التصرف في مالها -إن ملكت مالها- بدون إذنها، بل لقد أُخْتلِفَ فيها في بعض الجاهليات، هل هي إنسان ذو نفس وروح كالرجل أم لا؟
ويقرر أحد المجامع الروسية أنها حيوان نَجِس يجب عليه الخدمة فحسب، فهي ككلب عَقُور، تُمنَع من الضَّحِك -أيضا-؛ لأنها أحبولة شيطان، وتتعدد الجاهليات، والنهاية والنتيجة واحدة. جاهلية تبيح للوالد بيع ابنته، بل له حق قتلها ووأدها في مهدها، ثم لا قِصاص ولا قَصاص فيمن قتلها ولا دِيَة، إن بُشِّر بها ظلَّ وجهه مسودًا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بُشِّر به، أيُمْسِكَه على هونٍ، أم يدسُّه في التراب.
وعند اليهود إذا حاضت تكون نجسة، تنجس البيت، وكل ما تَمسُّه من طعام أو إنسان أو حيوان، وبعضهم يطردها من بيته؛ لأنها نجسة، فإذا تطهَّرت عادت لبيتها، وكان بعضهم ينصب لها خيمة عند بابه، ويضع أمامها خبزا وماء كالدابة، ويجعلها فيها حتى تطهر.
وعند الهنود الوثنيين عُبَّاد البقر يجب على كل زوجة يموت زوجها أن يُحرق جسدها حية على جسد زوجها المحروق.
وعند بعض النصارى أن المرأة ينبوع المعاصي، وأصل السيئات، وهي للرجل باب من أبواب جهنم، هذا كله قبل بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم-.(1/62)
فهل أتاكنَّ أيتها المؤمنات المسلمات القانتات، بل هل أتاكنَّ يا بنات حواء في هذا العالم كله أنباء ما جاء به نبي الرحمة والهدى محمد -صلى الله عليه وسلم- من التعاليم في حقِّكنَّ فحمدتنَّ الله على ما تبوأتنَّ به من هذه النعمة. بعد تلك المهانة والذِلَّة، يأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليرفع مكانة المرأة، ليُعلي شأنها، فإذا به -صلى الله عليه وسلم- يبايع النساء بيعة مستقلة عن الرجال، وإذا بالآيات تتنزل، وإذا المرأة فيها إلى جانب الرجل تكُلَّف كما يُكَلَّف الرجل إلا فيما اختصت به. { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1 { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } الحجرات13 { وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } النحل72 { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } النحل97(1/63)
صفات صالحة في الرجال، ما ذكرها الله إلا وذكر في جانبها النساء، والصالحة كذلك. { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } التوبة71 { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } النور26 (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) وإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد مدة ليست باليسيرة يقول: "إنما النساء شقائق الرجال" وإذا به -صلى الله عليه وسلم- بعدها يقول في خطبته الشهيرة: "استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عندكم عَوَان "يعني أسيرات، ثم يقول -صلى الله عليه وسلم- رافعًا شأن المرأة، وشأن من اهتم بالمرأة على ضوابط الشرع: " خياركم خياركم لنسائهم، خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" صلوات الله وسلامه عليه. يأتيه [ابن عاصم المنقري]؛ ليحدثه عن ضحاياه، وعن جهله المُطْبِق، ضحاياه المؤودات فيقول : لقد وأدت يا رسول الله اثنتي عشرة منهن، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "من لا يَرحم لا يُرحم ،من كانت له أنثى فلم يَئدْها، ولم يُهِنْها، ولم يؤثر ولده عليها، أدخله الله -عز وجل وتعالى- بها الجنة ". ثم يقول -صلوات الله وسلامه عليه-: "من عَالَ جاريتيْن حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين، وضمَّ بين أصابعه صلوات الله وسلامه عليه" ثم يقول -صلى الله عليه وسلم:" الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالقائم لا يفتر، أو كالصائم لا يفطر" أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-: أمٌّ مكرَّمَة مع الأب،(1/64)
أُمِرْنَا بحسن القول لهما (فَلاَ تَقُل لهما أُفٍّ) وحسن الرعاية (وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) وحسن الاستماع إليهما والخطاب (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) وحسن الدعاء لهما (وَقُل رّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبّيَانِي صَغِيرًا). أمٌّ مكرَّمة مقدَّمة على الأبِّ في البرِّ. "من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك". يأتي [جاهمة] إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يريد الجهاد في سبيل الله من >اليمن<، قد قطع الوِهَاد والوِجَاد حتى وصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: أردت يا رسول الله أن أغزو وجئت لأستشيرك، فقال -صلى الله عليه وسلم-": هل لك من أم؟ قال: نعم، قال: الْزمها؛ فإن الجنة عند رجليها " أو كما قال صلى الله عليه وسلم. بل أوصى -صلى الله عليه وسلم- بالأم وإن كانت غير مسلمة. فها هي [أسماء] تقول: "قدمت أمي عليَّ، وهي ما زالت مشركة، فاستفتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: قدمت أمي وهي راغبة أَفأَصِلُها؟ قال: نعم -صلى الله عليه وسلم-، صِلي أمك".(1/65)
ليس هذا فحسب، بل أنزل الله فيكِ سورة كاملة باسم سورة النساء، وخصَّكِ بأحكام خاصة، وكرَّمك، وطهَّرك، واصطفاك، ورفع منزلتك، ووعظك، وذكَّرك، وجعلك راعية ومسؤولة، وأرجو من الله -عز وجل- أن تكوني كذلك، فالأمل -والله- فيكن -أيتها المؤمنات المتعلمات- كبير، والمسئولية -والله- عليكن عظيمة وجسيمة. راعيات في المدارس، راعيات في البيوت، فلتكنَّ قدوات، قدوات في المظاهر، وقدوات في المخابر، قدوات في القول، وفي العمل، وفي كل أمورِكن؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي رفع شأنكن بهذا الدين يقول: "وما من راعٍ استرعاه الله رعية فضيَّعهم، أو بات غاشًا لهم إلا حرَّم الله عليه رائحة الجنة ". منذ بزوغ فجر الرسالة -يا أيتها المسلمة- والمرأة مُكرَّمة معزَّزة تقوم بدورها إلى جانب الرجل تؤازره، تشد من عزمه، تقوي همَّته، تناصره، تحفظه إن غاب، تسرُّهُ إذا حضر إليها، ثم تنال بعد ذلك نصيبها في شرف الدعوة إلى الله -عز وجل- . وتنال نصيبها من الإيذاء في سبيل الله. فها هي [سمية]، ما سمية؟! سمية أول شهيدة في الإسلام، وهاهو ابنها وزوجها يُعذَّبون، يُلبسون أذرع الحديد، ثم يُصهرون في الشمس، في رمضاء <مكة>، وما أدراكم ما تلك الرمضاء؟! ثم يمرُّ -صلى الله عليه وسلم- وهم يُعذَّبون بـ>الأبطح<، وهو في بداية دعوته لا يملك لنفسه شيئًا بل لا يملك ما يدفع به عنهم وعنها، فيقول: "اصبروا آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة" وذات يوم بالعشي يأتي [أبو جهل] إلى [سمية]، فيسبها، ويشتمها، ويتكلم بكل كلمة وَقِحَة ومهينة، وهي ثابتة بإيمانها، راسخة بيقينها، لا تلتفت إلى وقاحته، ولا تنظر إلى سفالته، وإنما رنت عينها مباشرة إلى جِنَانٍ ذاكية، وإلى منازل ذاكية، في دار النعيم والرِّضوان والتكريم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها، نظرت إلى هناك ولم ترد عليه ليتقدم -أخزاه الله- إلى تلك العجوز الضعيفة الكبيرة فيطعنها بالحربة في موطن عِفَّتِها، لم(1/66)
يرحم ضعفها ولا عَجْزَهَا لتسقط؛ فتكون أول شهيدة في الإسلام، ثم يموت زوجها بعد ذلك بالعذاب فيحتسبها، ثم يحتسبه أبناء هذا الرجل، ويشاء الله أن يعيش ابنها [عمار] حتى يرى قاتل أمه يوم >بدر < مجدلاً على الأرض، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول له: " قتل الله قاتل أمك يا عمار، قتل الله قاتل أمك يا عمار".
والأن هلآ تعرفتِ من عدوكِ ؟
يقول الدكتور : عبد الله وكيل الشيخ .
فى كتابه (( المرأة وكيد الأعداء )) ما تفصيله .
إن أعداء المرأة هم أعداء الرجال لا فرقَ ، وهم أربع طوائف :
الأولى : اليهود ، وهم أحرصُ الناس على إفساد البشرية ، وتدمير عقائدهم وأخلاقهم . وسببُ تفانيهم في هذا الإفساد أنهم لا يرون لأنفسهم وجوداً إلا بإهلاك الآخرين ، أو إفسادهم ، ليعيشوا عبيداً لهم ، كما يقولون .
الثانية : النصارى ، أصحابُ الدِّين المحرَّف ، الذين تَنَكبوا عن الدين ، وابتعدوا عن الحق .
الثالثة : العلمانيون ، وإن زعموا أنهم مسلمون ، فهم رسل العَلْمَنَة الغربية ، التي إن كان لها ما يُسَوِّغها في بلاد الغرب ، فليس لها ما يسوغها في بلاد المسلمين .
الرابعة : النفعيون ، الذين يريدون زيادة دخْلِهم وكثرة أرباحهم ؛ وإن كان ذلك على حساب المرأة ، فهي وسيلتهم للدعاية لسلعهم ، وهي وسيلتهم لا جتذاب الباعة في متاجرهم ، وهي أيضاً وسيلة ضغط لكثير من النفعيين الذين يستطيعون أن يضعوا في شباك المرأة أناساً مرموقين . ثم تُلْتَقطُ لهم الصورُ على أوضاع مُزْريةٍ ، لتكون ورقة ضغط عليهم ، يبقون بسببها عبيداً لأولئك الذين أوقعوهم في تلك المزالق .
هل هذه حريتك ومساواتك ؟؟؟؟
عندما يقنعوكِ بأن لا تكونى زوجة ثانية وأن تنبذى التعدد لتكونى فتارين متنقلة لهم ومعروضات مباحة وتصبحين لحم رخيص حتى تكادى تتمنين رجلاً يكون سببا فى الستر عليكِ ولو كنتِ الثالثة أو الرابعة .(1/67)
هيهات ...هيهات بعد أن دنستِ عفافكِ على عتبات الملآهى والكوفى شوب بل وحتى فى الطرقات بعد أن أنعدم فيكِ الحياء فصيروكِ متسكعة فى الطرقات .تقفين فى قارعات الطريق والأماكن المظلمة مع ذئب حقير ما يقبل ما يفعله بكِ أن يكون فى أخته . أما شاهدتيهم فى الحدائق والمتنزهات يتلمسون الأماكن المظلمة والتى خفيت عن عيون الناس . ولكن أنذرهم الرقيب سبحانه .
أنا لا أبالغ ولكنى أصف مشاهد وقعت عليها عينى ورب الكعبة . ولا أقصدك أنتِ يا بنت التحصن والعفاف يا من أندهشتى وأستعذتى بالله وتسآئلتى أوهذا كائن ؟ أى ورب الكعبة أنه لكان و حاصل وترافق الذئب .!!! أسماء وهبة وإسراء وفاطمة التى ما أعجبها أسمها فحولته (( لبطة ))فياللعجب لنساء ما عرف الإسلآم منهن غير أسمائهن .!!!!!
إليكِ نماذج جمعها فضيلة الشيخ :: إبراهيم بن عبد الله الدويش حفظه الله تعالى فى محاضرة رائعة بعنوان (( الفتاة ألم وأمل )) وللفائدة العظيمة فى كل كلمة أنقل المحاضرة بتمامها بعد تفريغها سائلاً الله تعالى الأجر والقبول فالدال على الخير كفاعله .
يقول الشيخ حفظه الله تعالى :
ما إن تفوهت بكلمات " الشباب ألم وأمل " إلا ووجدت نفسي غارقاً بسيل منهمر من العتاب ،لماذا الحديث خاص بالشباب ؟! ولماذا هذا التهميش للمرأة ،والغفلة عن مشاكلها وقضاياها ؟!(1/68)
وهاهو أخيتي "الفتاة ألم وأمل " بين يديك ، علماً أني يعلم الله قد طويت النية من تلك اللحظات التي أهديتُ فيها الشباب تلك الكلمات ، أن أوجه مثلها للفتيات . أما سبب التأخير فهو ذلك السيل الهادر، والبحر الكاسر من أكوام الورق والأخبار ، والصور والمواقف، والمشاكل والعقبات عن حال بعض بنات اليوم حتى أنني وقعت في حيرة وتردد ، وإقدام وإحجام عن الحديث للفتاة فهل أكون صريحاً فأتهم ،أم تكفي الإشارة والتلميح فأخشى أن يأتي العلاج بارداً باهتاً لا لون له ولا طعم . فآثرت التوسط بين التصريح والتلميح .. وهنا يعذرني الكثير من الاخوة والأخوات لترك ما ذكروه من بعض الصور والمواقف من باب حدثوا الناس بما يعقلون ،ولعل مثل هذه المظاهر شواذ ؛ فالكثير من أخواتنا وإن بعدت عن الله فإن فيها خيراً كثيراً،وفيها حباً لله ولرسوله لكنها الغفلة . ورسالتي هذه ليس لها حدود ، لا بجنس ولا سن ، بل هي تنبيهاً لكل أخت أسرفت على نفسها بالمعاصي والذنوب،وتذكير لكل بنت أصابها شيء من الغفلة والتقصير .
وأعرف بدءً أن الأبوين يشاركان الفتاة في بعض مشاكلها ، لكن ليس لهما نصيب من حديثي الليلة ،ولعله حديث خاص في مستقبل قريب إن شاء اللهُ تعالى .
وقد اعتمدت بعد الله على استبانة قام بها بعض الباحثات ،وكان عدد العينة في الاستبانة (759) فتاة ،واستفدت أيضاً من عدد من الاستبيانات قامت به بعض المجلات :كالدعوة ،وتحت العشرين ،ومن المشاركات من كثير من الاخوة والأخوات ،فشكر الله الجميع ،وجزاهم عني وعن المسلمين خير الجزاء .وأسأله التوفيق والسداد ،والعون والقبول والصواب .
أيتها الأخت:
أُقلب طرفي أتأملُ،فيتألم القلب ويأمل،ويحزن ويفرح،ويسعد ويشقى .من أجلك أنت،فأنا كغيري من الناصحين أحمل همك في الليل والنهار،وفي اليقظة والمنام ..أيْ والله
فما طَوَّفَتْ بالقلبِ مني سحابةٌ من الحزنِ إلا كنتِ منها على وعدي(1/69)
ولا رقصتْ في القلبِ أطيافُ فرحةٍ فغنّتْ إلا كنتِ طالعةَ السّعدِ
أثرتِ ابتسامتي وأحييتِ لوعتي فمن أنتِ يا اُنسي ومن أنتِ يا وَجْدِي
إنها أنت أيها الأمل : فالقلب يشقى ويحزن ويتألم عندما أراك أُلعوبة تتأرجح ،وسلعة رخيصة ، وفتاة لعوبا لا هم لها سوى اللذات والشهوات . ويسعد القلب ويفرح ، ويعقد الآمال وأنت تصارعين طوفان الفساد ،وتصرخين في وجه الرذيلة :أنا مسلمة مستقيمة ، وبنت أصيلة ،أعرف أن للمكر ألف صورة وحيلة .
أختاه ..أيتها الغالية ..يا نسمة العبير ،أنت بسمتنا المنشودة ،وأنت شمسنا التي تبدد الظلام،فا سمعي هذه الكلمات ..إنها ليست مجرد كلمات ..بل هي وربي آهات قلب المؤمن الغيور..فيا أيتها الأمل :تعالي قبل فوات الأوان فاسمعي هذا النداء ،فربما عرفت الداء ،والدواء ..
تعاليْ هذه الأيامُ لا تَرْجِعْ
ولا تُصغي لنا الدنيا ولا تَسمعْ
ولا تُجدي شِكاةُ الدهرِ أو تنفعْ
********
تعالي نحن بعثرنا السُّويعَات
وضحَّينا بأيامٍ عَزيزات
فيا أُختاه يكفينا حَماقات
********
أجلْ يا أختْ ما قد ضاع يكفينا
فَعُودي هاهو العمرُ يُنادينا
فلا نُخْرِبْه يا أُختُ بأيدينا
أخيتي :اسمعي هذه الكلمات ،بعيدا عن إله الهوى والشهوات ، فربما رق القلب فانقلب بعواطفه وأشجانه،وربما صحا الضمير فيحس بآلامه وآماله،وربما تنبه العقل ليتحرر بأفكاره وآرائه،إنها إشراقة لتشرقي في سمائنا يا شروق !!.وهي الحنان من نبع لا يجف يا حنان !!.إنها الأمل الذي نرجوه يا أمل !! فهل أنت أمل فنعقد عليك الآمال ؟ أم أنت ألم فتزيدين الآلام آلاما .(1/70)
** كتبت فتاة رسالة ـ بعد سماعها للشباب ألم وأمل ـ وكانت رسالتها ستاً وعشرون صفحة ،وعنونت لها ( الفتاة ألم بلا أمل ) وقد كتبتها بدم قلبها ،ووقعتها باسم :أمل ،وهي أمل إن شاء الله رغم كل ما كتبته ،فقلب يشتعل حرقة وندماً سيصل في النهاية مهما طال الطريق ، ومما قالت فيها :" المثيرات تحاصرني من كل مكان … قنوات فضائية .. أفلام هابطة ..أغانٍ وأشرطة تحوي كلام ساقط ،إلى من ألجأ في مثل هذه الظروف ،ارحموني نهايتي تقترب ..أوجدوا حلا لمعاناتي .. اسمعوا صرخاتي .. من قلبي .. من أعماقي ..أسرعوا في إيجاد الحل فها أنا اقفل حقائبي وألملم شتات نفسي للرحيل .. لقد عزمت على الرحيل .." الخ كلامها الذي سأعود إلى بعضه في هذا الدرس وغيره .
** وتتحسر أخرى فتقول: "أبحث عما يريح نفسي من الهم الذي أثقلها ..لم أجد في الأفلام أو الأغاني أو القصص ما ينسيني ما أنا فيه ..لا أدري ،ما الذي أفعله ؟وما نهاية هذا الطريق الذي أسير فيه .." [المعاكسات ..من التسلية إلى الزنا ص 72] .
** وثالثة تبث همومها وأحزانها كما ذكرت ، وتقول:" أعيش في موج من الكدر يحرم عيني المنام ،فأنا دائماً أُفكر في حالي ،وكيف أبحث عن السعادة ، فأنا كما يقولون :غريبة ،والغربة هنا ليست غربة المكان ، ولكنها غربة الروح ،وغربة المشاعر الحزينة ، التي تشتكي بين ضلوعي لما أفعله تجاه ربي ونفسي والناس ، فلقد طال صبري كثيراً على حالي ،فمتى وقت رجوعي .؟!." [من الاستبانة ]
**ورابعة تصرخ فتقول : "أُقسم بالله أن أياماً مرت عليَ حاولت فيها الانتحار ،ولكن كل محاولة تفشل ، لا أعلم لماذا ؟هل الله يريد أن يُطيل بعذابي ، أم أن أجلي لم يحن بعد ؟ ولكن ما أعرفه أنني أموت كل يوم وليلة .." [الاستبانة 107 الشرقية ]
وهكذا تتوالى الآهات والحسرات من الكثير الكثير من الفتيات الغافلات .
أيها الاخوة والأخوات : ارحموا الفتيات
أيها المجتمع:رويداً رويداً بالفتاة(1/71)
أيها الآباء والأمهات:حناناً وعطفاً للفتاة
أيها الإعلاميون : رفقاً بالقوارير
أيها الشباب:اتقوا الله في الأزهار والورود
لم يبقَ من ظلِّ الحياةِ سوى رَمقْ وحُطامُ قلبٍ عاشَ مشبوبَ القلقْ
قد أشرقَ المصباحُ يوماً..واحترقْ جفتْ به آمالُهُ حتىَّ اختنق
هذه حال الفتاة ،فالمشاكل والأخطار تفترسها : ( فراغ وسهر ، انحراف وفساد ، عشق وغرام تبرج وسفور ، عجب وغرور ، عقوق للوالدين ، ترك للصلاة ، تبذير للأموال ، تقليد للغرب ، ضياع للشخصية ، سفر لبلاد الكفر والإباحية ، جلساء السوء ، الكذب والغيبة وبذاءة اللسان ، التدخين والمخدرات ، العادة السرية ، التشبه بالرجال ، أفلام وقنوات ، فُحْش وروايات ، غناء ومجلات ، معاكسات ومقابلات، جنس وشهوة وإثارة للغرائز..)وغيرها من مشاكل الفتاة .
إنه الألم الذي تعيشه الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية ، وشان بين الألم والأمل
معاشر الأخوات:
لماذا بعض الفتيات حياتها من وحل إلى وحل ، ومن مستنقع إلى مستنقع ؟ مرة مع القنوات الفضائية ،ومرة مع المجلات الهابطة ،ومرة في المعاكسات ، وربما الزنا ، فهي غارقة في أوحال الفساد والشهوات لِلَّهِ
تقول صاحبة الرسالة : ( لم أجد بابا إلا طرقته ، ولا معصية وخطيئةً إلا جربتها ، والنهايةُ أسوأُ من البداية ، ألم وضياع ، وحرقة واكتئاب ) .
أيتها الأخوات:
قلب تفرق بين هذه المشاكل ، فإذا مل هذه انتقل إلى تلك ، قلب في الشهوات منغمس ، وعقل في اللذات منتكس ، همته مع السفليات،ودينُه مستهلك بالمعاصي والمخالفات،كيف حاله ؟كيف سيكون ؟
فيا أختاه :
شدّي وَثاق الطّهر لا تتغرّبي عن عالمِ الدينِ الحنيفِ الأَرْحبِ
شُدُّي وَثاق الطُّهْرِ سِيري حُرّةً لا تُخْدَعِي بِحَدِيثِ كُلِّ مُخرّبِ
لكِ من رحالِ المجدِ أَخْصَبُ بُقْعَةٍ وَلِغَيرِكِ الأرضُ التّي لمْ تُخْصَبِ
لكِ من عُيونِ الحَقِّ أصْفَى مَشْرَبٍ ولِعِاشِقَاتِ الوهْمِ أَسْوأُ مَشْرَبِ(1/72)
هُزّي إليك بجذعِ نخْلَتِنَا التّي تُعْطِي عَطَاءَ الخَيْرِ ، دُونَ تَهيّبِ
وقِفِي عَلى نَهْرِ المروءةِ إنّه يُرْوي العِطَاشَ بمائه المستعذبِ
وإذا رأيتِ الهَابِطاتِ فَحَوْقِلِي وَقِفِي عِلى قِمَمِ الهُدَى،وتحَجّبي
إنّ الحجَابَ هو التحرّرُ من هَوى "ولاّدة " ذاتِ الهَوى المتَذبذبِ
وهو الطريقُ إلى صَفاءِ سريرةٍ وعلوّ منزلةٍ ورفعةِ مَنْصِبِ
ولعلك تتساءلين ماذا نريد .. ؟:
فأقول : إن لك تأثيرا كبيرا في المجتمع ، وقد يكون التأثير سلباً أو إيجاباً ، فإن كنت ذا عقل ناضج كان لك تأثيرك البناء الفعال ، وإن كنت ذا عقل خفيف طائش ،أو عقل فاسد منحرف كنت بؤرة فساد وإفساد للمجتمع وهدمه .أخيتي أرجو أن لا تُزعجك صراحتي : فوالله إننا نستطيع كغيرنا أن نتلاعب بالعواطف ،وأن ندغدغ المشاعر بكلمات الحب والغرام ، وأن نجعلك تعشين في عالم الأحلام ،نعم لا تُعجزنا كلمات الغزل ،ولا همسات العشاق ، بل نتحدى كل من يعزف على أوتار المحبين .. ولكن ماذا بعد ؟! شتان بين من يريدك لشهوته ،وبين من يريدك لأمته ، نعم نريدك أن تكوني أكبر من هذا ، أن تنفعين ، أن تساهمين في بناء المجتمع ونهضته ، لا كما يريدك الآخرين للغزل والحب والشهوة ، والغناء والرقص والطرب . ألهذا خلقتِ فقط ؟ وهل الحياة حب وعشق فقط؟لماذا ننام على الشهوة ، ونصحوا عليها ؟إن من النساء من لا تنام ولا تقوم إلا على غناء العاشق الولهان ؟!أوقات لمشاهدة لقطات الحب والتقبيل ؟!وأوقات لقراءة روايات العشق والغرام؟!وأوقات لتصفح مجلات الفن والغناء؟!وأوقات للهمسات والمعاكسات؟!لماذا عواطف فقط ؟ أين العقل ؟ وأين الإيمان ؟ وأين المروءة ؟ بل أين البناء والتربية والفكر ،والمبادئ والأهداف في حياة المرأة ؟!
أيتها الأخت :(1/73)
هل تعلمين وتفهمين أن هناك من يريد إبعاد المرأة عن دينها ،وصدها عن كتاب ربها ؟ وإن كنت لا تعلمين ،فيكفي ما تشاهدين من ذاك الركام الذي يزكم الأنوف من المجلات والأفلام والقنوات ، والأقلام والروايات ،والتي لا هم لها إلا عبادة جسد المرأة ، من فن وطرب ، وشهوة وجنس ، ومساحيق وموضات فلماذا الاهتمام بالصورة لا بالحقيقة ،وبالجسد لا بالروح ؟ كم أتمنى _ أخيتي _ أن تفرقين بين من يحترم عقلك لا جسدك ،ويهتم بملء الفراغ الروحي والفكري لديك لا من يهتم بالشهوة والجسد والطرب .فهل عرفت ماذا نريد ؟وأنت تقرأين القرآن قفي وتأملي قول الحق عز وجل { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا }
فهل عرفت إذاً :إنه ابتلاء وامتحان ،فاسألي نفسك :هل نجحت أم رسبت في الامتحان ؟!(1/74)
إنني ممن يطالب وبقوة بحقوق المرأة ،وبالعدل بينها وبين الرجل،نعم بحقوق المرأة التي جاء بها الإسلام ليكرمها ،وبخسها بعض الرجال بجهله وظلمه وتسلطه . أقول بالعدل لا بالمساواة ،أتدرون ما تعني المساواة ؟:أن نجعل المرأة رجلاً،والرجل امرأة،وهذا انتكاس بالفطرة،وجهل بحقيقة الخِلقة لكل منهما،فإن الله تبارك وتعالى خلقهما وجعل لكل منهما وظيفة،وأعمالا،لكل منهما دور في الأسرة والمجتمع يجب أن يقوم به في الحياة ، "..وقد سبقتِ المرأةُ المسلمةُ غيرها في الإسهامِ الحضاري بمئات السنين ،لكنها لم تخرج عن وظيفتها ولا عن طبيعتها ،لم تطلب أن تتشبه بالرجال أو تتساوى بهم في الطبيعة والوظيفة لأن ذلك غير ممكن ،غير مستطاع.." بل محال إلا إذا انتكست الفطرة ، وانقلبت الموازين وتداخلت الأدوار، وفي هذا اضطراب للمجتمع وتفكك وشقاء .وإياك إياك أن تنسي الوظيفة الأولى والأصلية التي جعل الله لك :أن تكوني ملكة بيت ، ومربية أجيال ورجال . فالزمي بيتك لتسعدي، ولِنَهَبَ لك قلباً تحبينه ويحبك ، فيريحك من النفقة ، ويشبع غريزتك ، ويصونك عن الذئاب المسعورة .وإذا كان لديك فضل من وقت ،ونشاط وهمة ، فالمجتمع وبنات جنسك بأمس الحاجة إليك ،وإلى مَوَاهِبَكِ ، وبشرط الستر والعفاف ،لكن تذكري دائماً ،وكرري دائماً:بيتي أولاً .أما جعل الوظيفة أولاً ، وإهمال البيت والأولاد،والتبرج والسفور ،والاختلاط ، وباسم الحرية المزعومة ،فهذا والله خلل في المفاهيم ..انتكاس في الفطرة ، وتجربة البلاد المجاورة تُصدقُ ما يكذبه سفهاء الأحلام . فما أعظم الخطب !!وما أشد المصيبة !! إذا اختل المنطق ، وانتكست المفاهيم ، وأصبحت العبودية للشهوات واللذات حرية ندعوا لها .[ بعض الكلمات مقتبسة من رسالة :المرأة وذئاب تخنق ولا تأكل ص 28 بتصرف].(1/75)
هذا ما نريد باختصار . وإذا أردت أن تعرفي ماذا يريدون هم ،فاقرئي كتاباً نفيساً جداً بعنوان :ماذا يريدون من المرأة ؟ لعبد السلام بسيوني . ( وهو أحد كتب مجلة الأسرة ، وهي مجلة جميلة ، إضافة إلى مجلة الشقائق ، فهما شمعتان في طريق المرأة ) ( وكتابا آخر بعنوان : يا فتاة الإسلام اقرأي حتى لا تخدعي لفضية الشيخ صالح البليهي _ رحمه الله _ ) ، اقرأي أمثال هذه الكتب ، وأمثال هذه المجلات ؛ لتتضح لك الحقيقة .
"صناعة الفكر ، أيتها الغالية :اسألي نفسك بصراحة :من يصنع أفكارك ويبنيها ؟ أهو العلم والثقافة ،والتربية الصالحة وتوجيه الأبوين ؟! أم هو الإعلام ومجلات وروايات ومسلسلات الحب والغرام ؟!
أجاب 32% _ من فتيات الاستبانة _ بأن توجيه الأبوين والأسرة هو الذي يصنع العقل والفكر.وأجاب 30% بأنه العلم والتعليم .وأما التربية الذاتية فـ 26% .وقال 12% بأن الذي يصنع الفكر هو الإعلام.(1/76)
وعن سؤال آخر أجاب 50% أن للإعلام والمجلات ومسلسلات الحب والغرام أثراً في حياتهن وعلى أفكارهن وعقولهن .وقال 46% أنه ليس لذلك أثر في حياتنا ولا على الفكر والعقل . وربما استغرب البعض وهو يسمع هذه النسب الخاصة بالإعلام ، فإن المشهور أن للإعلام اليوم أثر كبير في حياة الناس،ولعل السر هنا أن الكثير من الناس ،لا يشعرون أن ما يشاهدونه ويقرءونه عبر وسائل الإعلام له أثر ،وأثر كبير في حياتهم ،أو أن البعض يشعر لكنه يتصنع الشخصية المستقلة التي لا تتأثر،خوفاً من الاتهام بالتَّبَعِيةِ والتقليد .والعجيب لو سألت هؤلاء هل للإعلام أثر على الآخرين ؟ ، لأجاب وبسرعة :بنعم ,وهذا ما حصل : فقد أجاب 60% بلا عندما سئلن : هل للقنوات تأثير عليك ؟!وعندما سئلن :هل للقنوات تأثير على الآخرين ؟ أجاب :93% بنعم ، منهم 55% ذكرن أن الآثار سلبية .و38% ذكرن أن الآثار سلبية وإيجابية .وهكذا فنحن نجيد فن اتهام الآخرين ،أما اتهامُ النفسِ والشجاعةُ في مواجهتِها ومصارحتها فآخر ما يفكر به الحيارى وضعاف النفوس.
أما البحوث والدراسات فقد أثبتت أن الذين يتعرضون لفترات طويلة لوسائل الإعلام يُتصور لديهم عالم خاص من صنعهم ،وهو في الواقع عالم مزيف ،مليء بالحقائق والأرقام الوهمية .وأما الاعترافات بأن للإعلام أثر في الحياة وعلى الفكر والعقل فاسمعي بعضاً منها :ومن مجلة تحت العشرين في عددها (27) تقول فتاة :" أحلم أن أُصبح فنانة مشهورة تملأ صوري الصحفَ والمجلات،ويشير المجتمع إليَّ في كل مكان ،ولهذا فإنني أُتابع بحرص شديد كلَّ أخبار فنانتي المفضلة والتي أعتبرها مثلي الأعلى ،وأُراقب بدقة حركاتها وأسلوبها سواء في التمثيل أو في الحياة ،ومن يدري قد أُصبح يوماً في مثل شهرتها لِلَّهِ " .
وتقول فتاة أخرى :" أنها تحب هذا الفنان كثيراً، فصوره تملأ كل مكان في غرفتي ،وأرفض أن ينتقده أي إنسان ،ولو كانت صديقتي المقربة ".(1/77)
وتقول ثالثة :" أنا أعشق عالم الموضة والأزياء ،وتبهرني كثيراً عارضات الأزياء برشاقتهن وطريقتهن في الحركة والمشي ، وأحاول قدر الإمكان تقليدهن في حركاتهن حتى أنني أتبع رجيماً قاسياً لأصل لنفس القوام الذي يتمتعن به " .ولا أدري أقرأتْ هذه وأمثالها توبة "فابيان " أشهر عارضة أزياء فرنسية ؟،وهل هي سمعتْ قولها : " إن بيوت الأزياء جعلت مني مجرد صنماً متحرك ،مهمته العبث بالقلوب والعقول..فقد تعلمت كيف أكون باردةً قاسيةً مغرورةً فارغةً من الداخل ،لا أكون سوى إطار يرتدي الملابس ،فكنت جماداً يتحرك ويبتسم ولكنه لا يشعر ..كنا نحيى في عالم الرذيلة بكل أبعادها ،والويل لمن تعترض عليها وتحاول الاكتفاء بعملها فقط "الخ حديثها .[المسلمون عدد 238،عن العائدون إلى الله 3/39-40] فهل نستيقظ
هل نستفيد من تجارب الآخرين الذين سبقونا في مثل هذا الطريق ؟
وحول سؤال عن الآثار السلبية للقنوات الفضائية ذكر 38% الانحراف والانحلال الخلقي.وذكر 25% التقليد.و 21% ضياع الوقت.وذكر 15% البعد عن الدين الإسلامي.و13% ذكرن عدم احترام المجتمع وزرع الأفكار السيئة.وذكر 6% أنها تُلهي عن الصلاة.و 4% أنها تُثير الغرائز الجنسية ..وغير ذلك من الآثار السلبية التي ذُكرت على لسان الفتيات من عينة الاستبانة .وكل ما نراه الآن من الآثار التخريبية للحرب الفضائية _ أو الفضائحية _ إنما هي مقدمات فقط ،ستتضح آثارها المدمرة على المجتمعات الإسلامية والعربية في الأجيال القادمة ،بل أقول : في الجيل القريب،نسأل الله أن يحفظ المسلمين من كل سوء ،وأن يرد كيد الكائدين في نحورهم .(1/78)
.إذاً فصياغة الإعلام للأفكار والمفاهيم لا ينكره عاقل "حتى كاد العيب أن يختفي من قاموس القيم والتقاليد العربية والآداب الإسلامية النقية "[مقتبس من كتيب مسؤولية الإعلام ..ص 17]واسألي نفسك بكل صراحة :لماذا سلمت أفكارك وعواطفك للتجار الفن ودعاة الرذيلة،يتلاعبون بها لمصالحهم وشهواتهم كيف شاءوا؟!لم لا نَزِنِي ما نقرأين وتشاهدين وتسمعين بميزان شرعنا وعقيدتنا فما وافقه قبلناه،وما أنكره رفضناه . أتقبلين _ يا أختاه _ أن يجعلوك أداة لهو لهم ،وتتركي لهم الصدارة في العلم والتربية والثقافة والأدب والفكر !! إن صلاح المرأة من أهم العناصر لبناء المجتمع ، فأين هؤلاء _ اسألي نفسك أنت وفكري _عن توجيه المرأة لصلاح دينها ودنياها ؟ أين هم عن المرأة فوق الأربعين ، وهمومها ومشاكلها ؟ لم نقرأ أو نسمع من يحمل همها ، ويُشاطرها أحزانها،ويطالب بحقوقها . وكذلك الفتاة الصغيرة ذات السبع ،والتسع، والثنتي عشر ،لماذا لا يهتم أولئك بهؤلاء ؟! أين هم عنها معاقة،ومطلقة،ومسجونة ؟أم أنهم يحملون هَم فتاة الخامسة عشر،والعشرين،والثلاثين،وربما أيضاً بشرط أن تكون جميلة، وبيضاء،وطويلة وأنيقة ؟! نعم .. هذه هي المرأة التي يطالبون بحقوقها وتحريرها؟!حتى هذه أين هم من فكرها،وأدبها،وخلقها، وثقافتها ؟!حتى المحتشمة ،والتائبة لم يتركوها؟!_ سبحان الله _ أليسوا يطالبون بحريتها كما يزعمون !!هاهي تريد أن تتوب،أن تحتشم فلم يرحموها ؟!ولم يتركوها !!أليست هذه حرية ؟! أم أنها الحرية التي يرسمونها هم ؟!ولهؤلاء قال المنفلوطي:" إنكم لا ترثون لها بل ترثون لأنفسكم ،ولا تبكون عليها بل على أيام قضيتموها في ديار يسيل جوها تبرجاً وسفوراً ،ويتدفق خلاعة واستهتاراً ،وتودون بجدع الأنف لو ظفرتم هنا بذلك العيش الذي خلفتموه هناك..."الخ كلام المنفلوطي في[العبرات ص 744]هذا خطاب المنفلوطي لهم ،وخطابي ليس لهم بل لك أنت أيتها الفتاة فتنبهي وأفيقي.وفكري .(1/79)
"الحياء بين العربية والغربية :
أخيتي :أتذكرين يوم كنت بنت تلك القرية الصغيرة ؟ أتذكرين يوم كنت تلعبين وتمرحين مع أبناء الحي ببراءة الصغار وطهارة القلب ؟ أتذكرين يوم كنت تستحين أشد الحياء من استعمال الأصباغ والعطور والزينة ،قبل أن يأخذ الزوج بيدك ؟
ما أجمل نعمة الحياء ووازع الدين والخلق ، وما أحسن عادات وتقاليد البيئة العربية الأصيلة ، فلماذا تتنكرين لها ؟ ولماذا التعالي عليها بحجة اتباع الموضات والصيحات ؟ لماذا نترك الآداب الإسلامية الأصيلة بعفتها وطهارتها ؟ ونتجه إلى التقليعات الغربية الدخيلة بنتنها ونجاستها { أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ } ؟.يا ابنة الإسلام ،يا ابنة العرب ، أيتها العفيفة الطاهرة لماذا هذا التميع ؟أين قوة الشخصية ؟لماذا هذه الهزيمة النفسية ؟أين العزة بالآداب الإسلامية ، أين الفخر بالتقاليد العربية ؟ اصرخي بأعلى صوتك ، قوليها وبكل فخر واعتزاز : نعم أنا مسلمة عربية ، مستمسكة بديني وآدابي وأخلاقي .
قولي للمرأة الغربية :إن كنت تفخرين بالمخترعات والتقنيات والحضارة العلمية ، فإني أفخر بالآداب والأخلاق والحضارة الإسلامية ،والعادات العربية .
قولي لها :إن هان عليك دينك ،أو كنت بلا دين ،فأنا أعز شيء علي ديني وعقيدتي .
قولي لها :إن كنت جارية كالمجاري لكل الرجال هناك ، فأنا ملكة لمملكتي الصغيرة ، عفيفة حصينة بزوج يرعى لي حقي وحق أولادي كله .
قولي لها :إن ما أنت فيه من عبودية للشهوة والإباحية ،حررني منها حبيبي وقدوتي - صلى الله عليه وسلم - وجعلها عبودية لله بيضاء نقية .(1/80)
قولي لها :أنا في بلادي وفي شبابي ملكة للقلوب أنْعُمُ بزوجِي وينْعُمُ بي ، وإذا كبرت وذبلت ؛ فسيدة للمنزل ، لا يصدر أحد في البيت إلا عن أمري ، يتسابق الجميع لإسعادي وكسب ودي. أما أنت ففي شبابك أسيرة للشهوة والمعامل والمصانع ،خادمة في المطاعم والفنادق ،حمالة في الأسواق والطرقات ، سائقة للعربات والعجلات ، وفي الشيخوخة فمكدودة منبوذة مهجورة . هكذا المرأة الغربية تبدو حرة وهي مقيدة _ نعم والله ، لا أقول حُدِّثْتُ ، بل رأيتُها بِأُمِّ عَيْنَيَّ ـ تُرى معززة وهي مهانة .حتى قالت إحداهن : " أن ثمن عنقود العنب في باريس يفوق ثمن امرأة " !!
ذكر أحد الأدباء أنه كان يتكلم عن المرأة المسلمة ، في إحدى محاضراته في أمريكا ،وذكر فيها استقلال المرأة المسلمة في شئون المال ،وأنه لا ولاية عليها في مالها ..وإن تزوجَتْ كُلِفَ زَوْجُهَا بنفقتها،ولو كانت تملك الملايين،ولو كان زوجها عاملاً لا يملك شيئاً ،إلى غير ذلك مما نعرفه نحن المسلمين ويجهلونه هم عنا .قال:فقامت سيدة أمريكية من الأديبات المشهورات وقالت : " إذا كانت المرأة عندكم على ما تقول فخذوني أعيش عندكم ستة أشهر ثم اقتلوني " .
هكذا هن يتحسرن ويرغبن أن يعشن كما تعيشين ، ففكري أختاه .
الفتيات والقنوات والتقليد :(1/81)
هل تشاهدين القنوات الفضائية ؟ هذا سؤال من الأسئلة المطروحة في الاستبانة ، وقد أجاب 63% بنعم ، ويحرص على مشاهدة الأفلام والمسلسلات والأغاني وأخبار الفن 59% ، و 12% على كل شيء ،أما نسبة اللاتي يحرصن على البرامج الثقافية 6% ،وعلى البرامج الدينية 4% ،وأما الأخبار والبرامج العلمية والوثائقية فـ 9% .ولعل هذه الأرقام تكشف لك أختي الفاضلة عن المصدر الأساسي لثقافة المرأة اليوم ،الأفلام والأغاني وأخبار الفن .وأنا أسأل : أفكار ومفاهيم زادها كل ليلة "أغانٍ ساقطة ،وأفلام آثمة ،وسهرات فاضحة ، وقصص داعرة ،وملابس خالعة ،وعبارات مثيرة،وحركات فاجرة "[من الغيرة على الأعراض ابن حميد ص 4]كيف ستعيش زوجة ؟وكيف تكون أماً؟ وهل تصلح مربية ومعلمة ؟ولنا أن نتخيل أمهات ومعلمات، وزوجات تربية قنوات فضائية . إنها رحلة الخداع إلى دنيا الضياع ؟!وأما المسلسلات المكسيكية المدبلجة والتي أقصر مسلسل فيها يزيد على خمسين حلقة ، فحدث ولا حرج عن دورها في ضياع الحياء ،وتمزيق الأسرة ،فهي تقوم كل ليلة بغسيل المخ للكثير من بنات عقيدتنا ،تقول مجلة تحت العشرين في عددها الرابع " قمنا بإجراء استبيان لـ (90) فتاة تحت سن العشرين، حول هذه المسلسلات ،وقد أظهرت نتائج هذا الاستبيان أن 70% من الفتيات يحرصن على مشاهدتها يومياً،ولما سألنا الفتيات عما يُعجبهن في هذه المسلسلات وجدنا أن القصة والحوار والأحداث إلى جانب الأزياء التي ترتديها الممثلات هي أهم ما تُعجب به الفتيات..وتراوحت نسبة الإعجاب بهذه الأشياء مابين 75%إلى80%" اهـ. وأقول:هذه المسلسلات تطبيع تدريجي تستمرئه العقول والأفكار، على مدار الليالي والأيام .نعم فهي مسلسلات مليئة بالخيانة،والتعري،والخموروالاغتصاب،والعنف .والعلاقات الجنسية فيها مباحة للجميع ،حتى بين المحارم كالأخ وأخته ،وزوجات الأصدقاء،وهي تؤكد أنه لا يمكن للمرأة أن تعيش بدون عشيق وصديق ،وتُعرض على الشاشات العربية(1/82)
على أنها عواطف ومشاعر ، وحب وإعجاب،وعلاقات، ورغبات .حتى تثور براكين العواطف لدى الفتاة ،وتتفجر الغرائز ، وتتصادم مع القيم العربية ،والآداب الإسلامية ، فيجن جنون الفتاة ، وتعيش في صراع وقلق،وأوهام اليقظة وأحلامها،وربما تلعب بالنار لتحرق كل شيء بعد ذلك ؟!إنه تدمير للقيم العربية ، والأخلاق الإسلامية ؟!
أختاه :وأنت تتحدثين مع الزميلات عن أحداث هذا المسلسلات،والأفلام هل نسيت أنها تتحدث عن واقع مجتمعاتهم الكافرة ،وأنك مسلمة ذات أخلاق وآداب .هل سألت يوماً :لماذا تُعرض هذه المسلسلات ؟ ولمصلحة من ؟ فكري بعقلك .
أختاه لماذا النظر لنساء قذرات دنسات سيئات الأخلاق،خبيثات .لماذا لم نعد نفرق بين مسلمة وكافرة ؟وبين صالحة وفاسقة ؟ _ سبحان الله _ الألبومات لكثير من الأخوات مليئة بالصور لكثير من الكافرين والكافرات لِلَّهِ لماذا بعض الأخوات لم تعد تُفرق بين الفضيلة والرذيلة ؟! حتى تعلقت قلوب الكثير من الفتيات بما يعرض ويشاهد على الشاشات من مناظر الجمال والخضرة ، ومشاهد الزينة والفتنة المزيفة بالمساحيق والمكاييج ، حتى اقتنع الكثير من الأخوات أن أولئك يعيشون في جنة الدنيا ، وأنه في غاية السعادة ، والأنس والانبساط ، ونسينا أن اسم هذا تمثيل لبضع لحظات وقت الوقوف خلف الشاشات ، وأنها أجساد تشترى ، وصور تنتقى ببضع ريالات أعوزهم لهذا الفقر والحاجة ، أو فساد الدين والمعتقد
اسمعي ، اسمعي إن كنتِ تعقلين : كتبت إحدى الكاتبات في الأيام . العدد / 3300 ، تقول تحت عنوان ( جواري الفيديو كليب )
فقالت :(1/83)
( قرأت تحقيقاً مصورا حول سوق لفتيات الفيديو كليب ،كان تحقيقا مخزيا بمعنى الكلمة لِلَّهِ كان عبارة عن سوق للرقيق سوق نخاسة يمارسه البعض تحت اسم الفن والإعلام!..إلى أن قالت: فذكروا:أن هناك أسعار متنوعة للفتيات ، و هناك قوائم مصنفة للفتيات،وكاتلوجات جاهزة للعرض.. فالسمراء لها سعر ، والشقراء لها سعر، والطول الفارع له سعر، والسن له سعر ، ونسبة الجمال لها سعر، والجنسيات لها سعر، وإجادة الرقص لها سعر، وهناك فتيات (رخيصات ) التكلفة للتصوير السريع وللميزانية التي على (قد حالها)..الخ المقال".أرأيتِ _ أخيتي _ إنه سوق لبيع الجواري ، إنه امتهان واحتقار لكرامة المرأة ، والأمثلة كثيرة ،والوقت يضيق ، ولا أحب أن أوذي مشاعرك بكثرة الغثاء ، فتنبهي أيتها الغافلة ،وأفيقي أيتها العاقلة فشتان بين الواقع والخيال ، وبين الوهم والحقيقة ، هل سألت نفسك بصدق : هل تلك النسوة اللاتي يعرضن أنفسهن بالليل والنهار على صفحات المجلات والشاشات،وهن يُظهرن الأفخاذ والنحور، ويبتسمن وكأنهن أسعد الخلق ، هل هن في حياتهن بسعادة حقيقية ؟ ولا يعرفن المشاكل والهموم والأحزان ؟ هيهات هيهات لو فطنت للحقيقة :
هي لو علمتِ ضحيّةُ لعصابةٍ ذهبتْ لجني المال أسوأ مذهبِ
هي صورةٌ لمجلّة ، هي لعبةٌ لعبت بها كفّ القصيّ المذنبِ
هي لوحة قد علِّقت في حائطٍ هي سلعةٌ بيعتْ لكلّ مخرّبِ
هي شهوةٌ وقتيّة لمسافرٍ هي آلةٌ مصنوعةٌ لمهرّبِ
هي رغبةٌ في ليلةٍ مأفونة تُرمَى وراءَ البابِ بعد تحبُّبِ
هي دُميَةٌ لمسابقات جمالهم جُلبت،ولو عصت الهوى لم تجلبِ
ياربّة البيت الكريم ـ لواؤها بالطّهر مرفوع عظيم الموكبِ
البيت مملكة الفتاة وحصنُها تحميه من لصِّ العفاف الأجنبي
لاتركني لقرار مؤتمر الهوى فسجيّة الداعي سجيّة ثعلبِ
لا تخدعنّك لفظة معسولةٌ مُزجت معانيها بسمِّ العقربِ(1/84)
فما بالك أخيتي ؟ ما بالك تخدعين بمعسول الكلام ؟ وتلهثن خلف وسائل الإعلام بدون عقل ولا تفكير ؟ وأسمعك ترددين :( هذه هي الحياة لِلَّهِ أتمنى أن أسافر لكذا !!.. كذا الدنيا ولا بلاش !! من يُخرجني مما أنا فيه ، طفش وضيق ؟!)).وغيرها من العبارات التي نسمعها من بعض الغافلات ؟!
إليك أختاه _ هذه الدراسة فقد قامت مجلة " ماري كير " الفرنسية باستفتاء للفتيات الفرنسيات من جميع الأعمار والمستويات الاجتماعية والثقافية ،شمل (5 ,2) مليون من الفتيات عن رأيهن في ( الزواج من العرب ولزوم البيت ) فكانت الإجابة المذهلة ، أجابت 90% منهن بنعم _ للزواج من العرب ولزوم البيت _ .. والأسباب كما قالتها النتيجة هي الآتي:
1- ملّت المساواة مع الرجل .
2- ملّت حالة التوتر الدائم ليل نهار .
3- ملّت الاستيقاظ عند الفجر للجري وراء القطار .
4- ملّت الحياة الزوجية التي لا يرى الزوج زوجته فيها إلا عند النوم .
5- ملّت الحياة العائلية التي لا ترى الأم فيها أطفالها إلا حول مائدة الطعام .
ولقد كان عنوان الاستفتاء "وداعاً عصر الحرية وأهلاً بعصر الحريم ".[رسالة إلى حواء ص 19] .
يا ابنة الإسلام :هذه هي الفتاة التي تحلمين أن تكوني مثلها ، هي تحلم أيضاً وتتمنى أن تكون مثلك .فأيكما على حق ؟!
أخيتي أيتها الغالية : كوني عاقلة فطنة ،واعلمي أن ما أنت فيه من أمن وإيمان ، ومال وخيرات حسان ، وقرب من الوالدين والأهل والإخوان ، وبيت وزوج وولد في المستقبل أو الآن ، وستر وعفاف، ودين وأخلاق ، وراحة واستقرار في هذه البلاد المباركة لهي أمنية للكثرين ،هذا أولاً . وثانياً:هل نسيت أنك في الدنيا ، وأنها مليئة بالهموم والآلام ، وأنها حقيرة لا تُساوي عند الله جناح بعوضة ، هل نسيت أن هناك شيء اسمه الزهد والورع وترك الشبهات، فضلاً عن ترك المحرمات،وأن هناك آخرة وموتا وقبرًا ، وحسن أو سوء خاتمة ، وجنة ونار ، وجزاء وحساب .(1/85)
أخيتي :تمني ما شئتِ ، واعملي ما شئتِ ولكن اعلمي أن الله يراكِ ، وأن اللحظات معدودة ، والأنفاس محسوبة ، والذي يذهب لا يرجع ، ومطايا الليل والنهار بنا تسرع ، فماذا قدمت لحياتك ؟ ..اسألي نفسك : ماذا قدمتِ لحياتك ؟..
وأنتِ أخيتي : وكيف تقضين يومك ؟
أجاب على هذا السؤال 36% ، أمام الدش والتلفاز والفيديو .و 30% في قراءة الكتب النافعة . و 21% متابعة كل جديد .و 20% في قراءة الصحف والمجلات.وغيرها مما ذكر هناك ، فأقول : اعلمي _ أخيتي _ أن النظر رائدُ الشهوة ورسولُها :
فلماذا أطلقت لبصرك العنان ينظر لكل شيء ؟ أو ما علمت أن أخطر شيء على القلب إطلاق العنان للنظر ؟ فالنظرة تجرح القلب جرحاً ، وأكثر ما تَدخل المعاصي على العبد من هذا الباب ، والنظرة سهم مسموم من سهام إبليس ، ألم تقرأي في القرآن قول ربك : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ.. } وكم اسْتُحِلَ من الفروج ،والسبب إطلاق العنان للنظر { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا. } وانظر الداء والدواء لابن القيم ص 235 .
فاتقي الله .. اتقي الله في سمعك وبصرك .. فهما نعمتان عظيمتان .. فربما ابتليتِ بفقدهما أو أحدهما لِلَّهِ
الفراغ العاطفي : [معاكسات وإعجاب ]
أجاب 37% أن السبب الرئيس في انتشار مثل هذه الظواهر _ المعاكسات والعشق والتعلق _ هو:الفراغ العاطفي.وذكر30% أنه الجهل وعدم الخوف من الله.وقال 19% أن السبب هي:وسائل الإعلام.وقال5%:انشغال الأهل عن المراقبة . وقال4%:التقليد والشعور بالنقص .
والفراغ أقسام أربعة :
فراغ عاطفي،وزمني،وفكري ،وروحي أو إيماني.وسأتحدث بمشيئة الله عنها،وعن ظاهرة المعاكسات والتعلق والإعجاب بالتفصيل في درس قادم بعنوان [عاطفة أم عاصفة ].
المعاكسات :(1/86)
فالمعاكسات من نتائج الفراغ العاطفي ،والفراغ الإيماني _ كما أسلفت _ فهل هذه الظاهرة موجودة وبكثرة ؟ أجاب 78% : بنعم ،و21% : بلا أدري ، وأجاب (بلا) أقل من 1% .
أيتها الفتاة :
هل صحيح ما يدعيه بعض الشباب ،أن الهاتف يقول:هيت لك في كل لحظة ؟! وأنك أنت التي تبدأين ؟!ولو لم تبدئي هل صحيح أنك مهما غضبت في المكالمة الأولى أو الثانية فإن بشاراً يقول لا تيأس ؟!أخيتي لا تأمني على نفسك الفتنة مهما بلغتِ ،فإن كانت النظرات سهم من سهام إبليس، فإن الكلمات من سهام شياطين الإنس .
قالت وهي تذرف دموع الندم :كانت البداية مكالمة هاتفية عفوية ، تطورت إلى قصة حب وهمية ،أوهمني أنه يحبني وسيتقدم لخطبتي ،طلب رؤيتي ،رفضت ، هددني بالهجر،بقطع العلاقة !!ضعفت ، أرسلت له صورتي مع رسالة وردية معطرة لِلَّهِ توالت الرسائل ،طلب مني أن أخرج معه ، رفضت بشدة ، هددني بالصور ، بالرسائل المعطرة ، بصوتي في الهاتف ،وقد كان يسجله ، خرجت معه على أن أعود في أسرع وقت ممكن ..لقد عدت ولكن ، وأنا أحمل العار..قلت له الزواج ..الفضيحة..قال لي بكل احتقار وسخرية :إني لا أتزوج فاجرة ..[ الهاربات إلى الأسواق للقاسم ص 17 ](1/87)
إيهٍ أيتها الفتاة إن من يمشي وراء قلبه يُضله ، فإذا لم يكن في قلبك خوف من الله ، فأين عقلك فأنت تريدين أن تكوني زوجة ، وأما ،وسيدةً لبيت فهل الطيش والعبث الذي تفعلينه الآن يؤهلك لهذا ؟أجزم بأن الإجابة:لا ، لأنه لا يمكن أن يرضى بك أحد وأنت على هذه الحال ، حتى هذا الذي يدعي محبتك فهو أول من يحتقرك ويسخر بك ، خاصة عندما يعلن البحث عن شريكة الحياة ، فهو يعلم أنك لا تصلحين زوجة ، ولا أماً وقد قالها أحدهم لما عرضتُ عليه الجمع بينه وبين محبوبة الهاتف في الحلال.. أتدرين ماذا قال ؟!!اسمعي يا أخيتي ، قالها بالحرف الواحد ، وبهذا اللفظ:" أعوذ بالله ، والله لو تقولي بلاش " ، وآخر قال لها لما عرضتْ عليه الزواج :"أُريدها عذراء العواطف ،وأنت لست كذلك ،وكيف أثق بك وقد أخذت رقمك من الشارع "[تحت العشرين 13/15] إلى هذا الحد فقط يريدوها بنتاً لهواه،ومحطة مؤقتة لشهوته ؟!! فأين العقل ؟وهكذا هم الذئاب يريدونها سافرة متبرجة خراجة ولاجة وقت نزواتهم وشهواتهم ،وذات دين وخلق بل ومحافظة وقت جِدهم وحياتهم ؟! لسان حاله يقول : إنها تكلمني وتضحك معي وربما تخرج معي وليس بيني وبينها أي رابط ،فما الذي يضمن لي أن لا تكلم غيري غداً ؟وأن لا تخرج مع غيري ؟لا فأنا ألهو معها اليوم ،وغداً أظفر بذات الدين ،ولن أخسر شيئاً !!كما قال أحدهم :"ليس عندي أي استعداد للزواج من فتاة كنت أعاكسها لأنني على يقين تام بأنها كما استجابت لي فقد سبق لها أن استجابت لغيري،وستستجيب لآخر ، فضلا عن أني أحتقر كل فتاة تسمح لنفسها بالمعاكسة ، وأنا أكلمها في الهاتف لأحقق غرضي ، ولكني في داخلي أنظر لها بكل احتقار ".ذُكِرَ ذلك في تحقيق لمجلة الدعوة في العدد (1622) .(1/88)
وقال شاب آخر وبكل وقاحة:" أنا شاب عمري خمسة وعشرون سنة،بكل صراحة وأنت تقرأ ورقتي ولا تعرف اسمي،إن في المعاكسة بديلاً عن الزواج، أي بإمكاني أن أتزوج عشر فتيات من غير تكاليف ".اهـ كلامه القبيح ."
وهذا شاب يستهزىء فيقول :أنه مرتبط بعلاقات مع نصف درزن فتيات " [تحت العشرين 13/1] أسمعت جيداً للذل التي وصلتِ إليه أيتها المعاكسة ، أترضين أن تكوني بعد هذا كله أداة لهو وعبث،أو من بنات الهوى لأمثال هؤلاء؟! اسأليه فقط : هل يرضى هذا لأخته ؟ قال أحدهم :"عندما أتخيل أن شقيقتي هي التي تقوم بذلك أشعر بأنني سأجن " .والغريب أن بعض المعاكِسَات تعرف أنه يخدعها ، ويكذب عليها ولكنها تواصل العبث بالنار بحجة التسلية وإضاعة الوقت ، أو أنه سعار الشهوة المحموم.
تقول صاحبة الرسالة : " في خمسة أشهر فقط ، عقدت صداقة ، وأقمت علاقة ، مع قرابة ستة عشر شابا "(1/89)
ولها ولكل معاكسة أقول :هَبي أن الخوف من الله غاب ، أو حتى الحياء والخوف من الناس غاب ؟ وهبي أن الخوف من الفضيحة وعلى الشرف والمستقبل غاب أيضاً،كل هذه التضحيات من أجل ماذا؟ من أجل عبث وطيش ؟ من أجل صديقة سوء ، من أجل شهوة مؤقتة أنت التي أوقعتِ نفسك فيها بالاستسلام لجميع وسائل الإباحية والشهوة من قنوات ومجلات ، وأفلام وصور وروايات؟المهم الشهوة وتلبية رغبات النفس ، المهم إعجاب الآخرين بي، إنه شعور بالنقص،وعبادة للهوى والشهوة ،حتى رضيتِ أن تكوني من بنات الهوى والمعاكسات ، بل ربما وصل الأمر أن تكوني جارية كالمجاري كل يقضي فيها وطره وشهوته ؟!أيتها الغافلة :لماذا هذا التهور واللامبالاة ، أهو الجهل وعدم العلم ، أم هو عدم الخوف من الله وموت الضمير، أم هي المراهقة وخفة العقل وطيش الشباب ، أم هو الشعور بالنقص وضعف الشخصية ؟ ألا تشعرين بالأسى وتأنيب الضمير، ألا تشعرين بالألم والحزن ، اختفيت عن أعين الأبوين ، فهل اختفيت عن عين الجبار الذي يغار، ألا تخافين من الله أن ينتقم من جرأتك عليه ؟!!!
عجباً لك أيتها المعاكسة المشاكسة :كيف تجرأت على خيانة أبوين فاضلين سهرا وتعبا من أجلك ،ووثقا فيك ؟! كيف تجرأت على خيانة زوج قرع الباب وأخذك بحق الله ،كيف تُغامرين بالعرض والشرف والذي هو ملك للأسرة كلها وليس لك وحدك ؟!إنها أنانية وخيانة أن تُفكري بنفسك فقط .
يا مَحْضِن الآلام:رضعت صدر أم حنون ،أم لم تعرف إلا الستر والعفاف والحياء .فهل ترضين أن تُرضعي طفلك الخيانة والتبرج والسفور .(1/90)
يا مَحْضِن الآلام: رضعت صدر أم لا يفتر لسانها من ذكر الله ، ولا جسدها من ركوع وسجود ،فهل ترضين أن تُرضعي طفلك كلمات الغناء والمجون ؟!فمن أكثر الأسباب المشجعة على المعاكسات وإثارة العواطف ،والتلاعب بالمشاعر ،الغناء والطرب،ألم تسمعي أنه بريد الزنا وداع من دواعيه ؟! لاسيما إذا صاحبه كلمات الحب والغرام.وقد أجاب 67% بأنهن يسمعن الغناء،واعترف بعضهن :بأنه يثير العاطفة والغريزة والميل إلى الجنس الآخر ، والتفكير بالعشق والهيام .وأنه يشجع على المعاكسات.وقالت 41% أنهن يعلمن حرمة الغناء ، ويبتعدن عنه ،وأما 57% فيعلمن حرمته ويسمعنه ،وماذا عساي أن أقول ،ولكن اسمعي: { إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ(22)وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ(23)يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 24) }
فهل تستجيبين لله ؟ وهل تسمعين ، وتطيعين ربك ؟ أم تطيعين هواك ورغباتك ؟
.وأخيراً في المعاكسات أقول :أيتها الفتاة ليس حل المشاكل والهموم الاجتماعية هو الهروب إلى المعاكسات كما تقول كثير من الفتيات ، والشكوى إلى الذئاب الحانية ،فالذئب يأكل كل شاة صادها في خفية .والحل للمشاكل هو مواجهتا بشجاعة ،والاستعانة بالله ،ثم بمن تثقين فيها من الناصحات .
موضات وصرعات ..ووقفات :
سؤال في الاستبانة يقول : هل تتبعين الموضة في اللباس والشكل ؟ فأجاب ( 56%) بنادراً.و(1/91)
(32%) بنعم ،وبنحو (12%) بلا .وكيف تعرف الفتاة الجديد في عالم الموضة ؟ أجاب (32%) عن طريق وسائل الإعلام ، و(27%) عن طريق المناسبات ، و27%عن طريق الزميلات، وذُكر أسباب أخرى بنسب ضئيلة جداً:كالسفر للخارج ،وما يستجد في السوق ، والابتكار والتصميم الذاتي ،وغيرها .وأنا أقول:الأناقة والشياكة صفة جميلة في الفتاة لاكنها لا تعني التعالى على الآداب الإسلامية والقيم العربية الأصيلة ،ولا تعني الغرور والعجب بالنفس ، واحتقار الآخرين ، ولا تعني التقليد لكل جديد وتعطيل العقل وضياع الشخصية .لكن بحدود وضوابط ديننا وعقيدتنا .وأقول هذا وأؤكد عليه وخاصة حين أرى في الاستبانة ما يقرب من 48% من فتيات الاستبانة تراعي العادات والتقاليد فقط أو ما يتناسب مع حياتها وقدراتها فقط بدون أي مراعاة لضوابط الشريعة ،بينما أجابت (52%) أنها تراعي ضوابط الشرع عند اتباعها للموضة ، وتنبهي أخيتي لقضية ربما تغفل عنها الكثير من نسائنا اليوم وهي :أن اللباس له آداب وأحكام في الإسلام ، فانظري مثلاً لكتاب اللباس في صحيح البخاري ،أو صحيح مسلم،وغيرهما من كتب السنة ،ارجعي إليها قبل أن تنظري لبرامج الموضة في القنوات أو في مجلات الأزياء والبردة لتعلمي كيف جاء الإسلام بأعظم الآداب والأحكام في اللباس، ليرفع من قيمتك ،ويحفظ حيائك وعفتك ،إذاً .. فأنت تنطلقين عن دين وعقيدة يأمرك بالستر والعفاف،ولا يمنعك من التجمل والاعتناء بالمظهر ،أما الذين ينطلقون عن عبادة الدينار والدرهم ،والشهوات والجنس،ويسخرون بالمرأة فيتعاملون مع شعرها وجسدها وجفونها،بالأقمشة والألوان والأصباغ وكأنها دمية تتقاذفها الأيدي،حتى شكى القبح من قيح شكلها ،ثم يدفعونها للجمهور لتعرض جنونهم وهوسهم أمام الأعين والشاشات ، فالمرأة بالنسبة لهم مصدر ثراء وربح ،وأسألك بالله وبكل صدق وإخلاص أليس هذا احتقار وإهانة للمرأة ؟! لا تتعجلي الإجابة فكري فأنت بنفسك الحكم ، وأنا على(1/92)
يقين أن نداء الفطرة والعقل سينتصر في النهاية ، ثم اسألي نفسك : هل لك شخصية مستقلة ؟وهل لك عقل وهوية ؟ لا تتعجبي من سؤالي فكم تمارس بعض الأخوات قتل شخصيتها ، وتأجير عقلها ، وبيع هويتها بتفاهات لا قيمة لها فماذا تقولين إذاً عن العشرات اللاتي يتهافتن وبجنون على ذلك الموديل،أو طريقة ذلك اللباس ،لمجرد أن مطربة أو فنانة أو مذيعة لبست ذلك اللباس أو تلك الحركة ؟؟
.يقول الكثير من تجار الملابس:لا تتخيل حين تظهر إحدى المذيعات بأي فستان !تجد الفتيات يتهافتن على المحل يسألن عن نفس الفستان ، وإذا كان لدينا نفس الموديل نبيع كل الكمية في يوم واحد.. [مجلة المنار الكويتية 9%98]،بل إن من المضحك المبكي أن نسمع من بعض تجار الملابس ،أن بعض النساء يسألن وبإلحاح عن إحدى الملابس الداخلية لفنانة ما ، لأنها ظهرت فيها بإحدى القنوات لتبرز مفاتنها ،ولكثرة الطلب ارتفع سعر تلك القطعة إلى ثلاثة أضعاف قيمتها الأصلية . "
فنّانةٌ " نسيَ المكابرُ أنها كبهيمةٍ جَرَّ البُغاةُ خطامَها
مشوارُها الفني رحلةُ غِرَّةٍ قد حكّمتْ في عقلها أوهامَها
ما الفنُّ إلا خطَّةٌ مشؤومة نارٌ يرى المستبصرون ضِرامَها
أخيتي :
إن الحديث عن عالم الموضات والملابس والإكسسوارات غريب وعجيب ،والأغرب والأعجب خفة العقل والطيش ،وتبذير الأموال وقلة الحياء لدى بعض النساء ومن مختلف الأعمار والطبقات !! ويعلم الله يأبى علي الحياء أن أذكر المواقف والأحداث التي سطرتها أو حكتها بنات جنسك ، أو أن أصف تلك الملابس العارية التي رأيتها بأم عيني ،والخلاصة : من النقاب والبنطال والعباءة الفرنسية ـ إلى اللثام وكشف الوجه وإظهار الساقين والركبتين والكاب والعباءة المطرزة والشفافة ـ إلى موضة اللف والغجري والثياب القصيرة والشفافة كالشيفون ،والدانيل ، والجوبير،والفتحات السفلية والعلوية والوسطى لإظهار البطن(1/93)
والظهر،أو الصدر ، أو بدون أكمام ، حتى أصبحت حفلات الأعراس ، وصالات الولائم والمناسبات ، والملاهي، والتجمعات العائلية أماكن لعرض الأجساد العارية من قبل بعضهن ـ وإن كن قلة ـ ممن باعت الحياء ،والدين ، والمبادئ،والعادات،والتقاليد .لكنه _ مرة أخرى _ الشعور بالنقص والتقليد ،وضياع الشخصية ،وتعطيل العقل مسكينة تلك الأخت تظنها تخطف نظرات الإعجاب والإطراء من الحاضرات،وما علمت أنها نظرات الاحتقار والازدراء ،والشفقة على قلة العقل والإيمان .إنه لباس الشهرة الذي قال عنه الحبيب - صلى الله عليه وسلم - :"من لبس ثوب شهرة ألبسه الله إياه يوم القيامة ثم أُلهب في النار .." كما في السنن لأبي داود (ح4029) ،وهو صحيح .
** ولم يقف العبث والجنون عند الملابس والإكسسوارات ،بل تعداه إلى الصفات الخَلْقية فقد قيل لي _ ولعله ليس صحيحاً _ :عن تلك التي تحلق الحاجبين ،وتضع مكانه خطا بالقلم الأسود !! وتأخذ من رموشها لتضع الرموش الصناعية !!وتضر عينيها من أجل العدسات الملونة !! وتقص أظفارها لتضع أظفاراً صناعية ؟!وتقص شعر رأسها لتصله بعد ذلك بشعر مستعار ؟!أوتقشر جلد وجهها ليكون أبيضاً ناصعاً!! .أسمع هذا القول مبهوتاً ، فإن كان حقاً ما يقولون كله أو بعضه فرحمة الله عليك ؟!(1/94)
أخيتي أهذا صحيح ؟! أيعقل هذا ؟!! ما رأيك هل أتركه بدون تعليق ؟! أم أعلق ،فماذا سأقول أظافر صناعية ، وشعر مستعار ، ورموش صناعية ، وعدسات لاصقة ملونة ، وعمليات لتضخيم الشفاه ، ورسم الحواجب ،وتكبير أو تصغير للصدر ،ووشم وعمل حبة الخال ، وعمليات تجميل لا نهاية لها ، أهو تجميل أم تزييف ؟!،أهو فن وذوق ؟! أم كذب وحمق ؟! أهو انتكاس في الفطرة ؟! أو تبديل لخلق الله ؟! أهو خفة في العقل ؟! أم تقليد أعمى ؟! لقد حكاها القرآن على لسان إبليس : { ولآمرنهم فليُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله } ..ولعنهن الله فقال على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" لعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ ،وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ،وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ،الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ ". كما البخاري ومسلم ." ويلعن الحبيب - صلى الله عليه وسلم - القاشرة والمقشورة ..والواصلة والموصولة " كما في المسند لأحمد . والقاشرة :التي تقشر وجهها أو وجه غيرها ليصفوا لونها .[النهاية 4/64].
واسمعيها أخيتي وبدون مجاملة :إن من ينظر إليك بهذا الشكل الغريب عن طبيعتك ، يسخر بك ويزدريك ؟!لقد أصبحت أضحوكة للحاضرات دون أن تشعرين .إنها الحيرة والازدواجية ، والتردد وضياع الهوية لدى الكثير من بنات المسلمين
من أين هذا الزَّي ، ما عرفتْ أرض الحجاز ولا رأتْ نَجْدُ
هذا التبُّذُّل يا محدثتي سَهْمٌ من الإلحادِ مرتدُّ
ضدّان يا أختاه ، ما اجتمعا دين الهدى والفِسْقُ والصَّدُّ
والله ما أزرى بأمتنا إلا ازدواجٌ ماله حَدُّ
*******
أما الحجاب العبادة العظيمة ، ونهر الحسنات الجاري ما تمسكت به الجواري!! عزنا وفخرنا نحن المسلمين رجالاً ونساء !!
أما الحجاب الذي نزل به الأمر من السماء ، فشرق به الأعداء ، وغص به السفهاء !! السلاح الذي هز الأرض ، وأرعب الغرب !!(1/95)
أما الحجاب الذي جعل المرأة درة مصونة ، وجوهرة مكنونة ، حتى جن جنون أهل النظرات الجائعة للظفر بنظرة ولو لبنان تلك اللؤلؤة الثمينة !!
الحجاب القضية الكبرى،والمسألة العظمى التي جهلها بعض النساء فظنت أن الأمر لباس يُلبس ، لها الحرية في اختيار شكله ، أو لها الحرية في نزعه،وغفلت أو تغافلت عن : { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } (الأحزاب 59).
ونسيت أو تناست: : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ . } . (النور 31) ثم عدد المحارم لها .
هل سمعتِ لعائشة رضي الله عنها وهي تقول:"رحم الله نساء المهاجرين الأول لما نزل : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } شققن أُزرهن فاختمرن بها " كما في صحيح البخاري (ح4758) .
وهل جهلت أو تجاهلت قول عائشة :" كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ " كما في أحمد وأبي داود وابن ماجه .وقول فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ " كُنَّا نُخَمِّرُ وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ وَنَحْنُ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ " كما في الموطأ لمالك .
هل قرأت أو تعاميت عن قول ابن عباس وعبيدة السلماني رضي الله عنهما :"أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يُغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة ".اهـ كلامهما من تفسير الطبري (12%49) . ؟؟(1/96)
إنها الدلائل البينات ،والبراهين الواضحات ،للمسلمات العاقلات اللاتي رضين بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولا . أما اللاتي في قلوبهن مرض فقد أغلقت قلبها وسمعها عن نداء الكتاب والسنة " لقد تركت فيكم أمرين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي :كتاب الله وسنتي " كما قال الحبيب - صلى الله عليه وسلم - وهو على فراش الموت .
أيها الغيد :إنه الحجاب الأمر السماوي ، نزل من السماء وليس من فرنسا ، عز وفخر لكل مسلم ومسلمة ، إنه الإسلام الذي لا يتغير بتغير الحدود ، ولا يهتز بركوب طائرة اتجهت للغرب أو للشرق، مسكينة تلك التي في الطائرة ركبت ،وحجابها نزعت ، وعن شعر رأسها حَسَرَت ، إنها الحضارة والتطور زعمت ، وهي ليست بالطائرة فقط بل أصبحنا نراها ـ وللأسف ـ في الأسواق والمناسبات وإن كانت نشاز .
أختاه من قال لك أنك لن تبلغي قمة المجد ، ولن ترقي سلم الحضارة ، ولن تحققي السعادة ، حتى تخوني الحجاب ،وتكسرين الباب ، وتصرخين هاأنا يا شباب .
أختاه من كان يعبد الله فإن الله معه في كل مكان يراه ويطلع عليه ، ومن كان يعبد البلاد والعادات فهو التردد والحيرة وعدم الثبات .
أختاه _ وبكل صراحة _ :هل نريد شرع الله ؟! أم نريد اتباع أهوائنا ؟ فقط تأملي :فتاة تضع على رأسها منديل ، فتهتز أكبر دولة في أوروبا ؟! ألا تهزك هذه الحادثة ؟ فقط تأملي : فتاة صغيرة تمشي في وسط شوارع لندن بحجابها بكل ثقة وفخر ، ألا يدعوك هذا لتصحيح المفاهيم ، وإعادة النظر في حياتك؟
يا شعري ، ليلانا خرجتْ كاشفةَ الَّلبَّةِ والنَّحرِ
قصّتْ بالوهم ضفائرها وانطلقتْ كالهائم تجري
بسمتُها الصّفراءُ بيانٌ عن قُبْح البسماتِ الصُّفْرِ
ليلانا ما عادتْ ترضى أن تُلْحَقَ بذوات الخَدْرِ
ليلانا باعتْ طرحتَها في سوق الوهم بلا سعر
غايتُها أن تُصبح وجهاً مصبوغاً يصلح للنشر
تركتْ شاطئها وانطلقتْ لعبور البحر بلا جسر(1/97)
ألقت في البحر قلائدها وانتظرتْ عالمَها السحري
أيتها المرأة ماذا يعني لك الحجاب ؟
أُسر وأفرح كثيراً عندما أجاب 94% من فتيات الاستبانة أنه :عقيدة ودين .و85% يرفضن تماماً دخول الموضة في شكل الحجاب.و18% ينتقدن دخول الموضة في شكل الحجاب.ويراه حرية شخصية نحو 20% . و5% يرين أن الحجاب لا علاقة له بالدين ، وإنما هو من العادات والتقاليد . وقال 2% أنهن يشعرن بالضيق معه .
وكما أننا نفرح ونسر بتمسك الكثير من أخواتنا بالحجاب ،وعدم المساومة عليه بحال من الأحوال فإننا نحزن ونخاف ونحن نرى الحال الذي وصل إليه تخريق الحجاب باسم الموضة والموديل ، متى تفهمين أيتها العفيفة أنها معركة الحجاب ؟!!! هدفهم نزعه وإحراقه ،كما قال الصليبي غلادستون :"لن يستقيم حال الشرق ما لم يُرفع الحجاب من وجه المرأة ويُغطى به القرآن ".ألا تثير فيك هذه الكلمات مشاعر التحدي والمسؤولية ؟ ألا تحرك فيك العزة والفخر بالعقيدة الإسلامية ؟ ..وهاهي البداية تمييع الحجاب كلبس الحرير والرقيق والشفاف والمزركش والملون ، ثم النقاب واللثام ، عندها وعندها فقط يرفعون راية الانتصار ، فهل تكوني أنت الجندي الجبان، وبوابة الهزيمة .أبداً .. فثقتي فيك أكبر:
يا أخت فاطمة وبنت خديجة ووريثة الخلق الكريم الطيب
إن العفاف هو السماء فحلقي وبطيب أخلاق الكرام تطيبي
فكوني شجاعة ، وذا همة وعزيمة ، وقوليها بصراحة :حجابي عبادة _ أتقرب بها إلى ربي _ له شروط وهذه العبادة لها شروط :أن يكون ساتراً، واسعاً ، متيناً ، ليس فيه زينة ولا طيب ،ولا يشبه لباس الرجال أو الكفار ، أو لباس شهرة ، وإنما لباس ستر وعفاف .
هذه شروط الحجاب الشرعي ، والأدلة عليها متظافرة في الكتاب والسنة ، ليس هذا مقامها وهي في مظانها معلومة .والكلام عن الحجاب ولباس المرأة ، وعالم الموضات يطول ، وحسبي ما ذكرت هنا للعاقلات.
السعادة والإيمان :(1/98)
يتوهم الكثير من الناس أن السعادة في المال والشهرة والجمال ، ثالوث السعادة كما يقال فاندفع الكثير من الفتيات تجري وراء بريقه ، وتسعى وراء تحقيقه ، وربما غرّها حصول الكثير من الشهيرات الجميلات الغنيات على هذا الثالوث ، لكن هل وجدن السعادة الحقيقية ؟!!.أخيتي أيتها الفتاة ،اسمعي الإجابة منهن نطقنها بألسنتهن ،وكتبنها بأيديهن ،فهذه إحداهن كتبت رسالتها .. من هي ؟؟ مارلين مونرو .. امرأة وصلت لحد الشهرة العالمية ، اسمعيها في النهاية تقول : " احذري المجد.احذري كل من يخدعك بالأضواء ، إني أتعس امرأة على هذه الأرض ، لم أستطع أن أكون أماً.إني امرأة أفضل البيت والحياة العائلية ، على كل شيء،إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة ، بل إن هذه الحياة لهي رمز سعادة المرأة .."اهـ[ مارلين مونرو رسالة إلى حواء ص 70]
أيتها الأخت :كوني فتاة عاقلة واستفيدي من تجارب الآخرين ، اسمعي لأقوال بعض الفنانات التائبات فهذه تقول:" لأول مرة أذوق طعم النوم قريرة العين ،مطمئنة البال ، مرتاحة الضمير ".وتلك تقول:" لم أكن أحيا قبل أن يهديني الله..لقد عرفت الحياة الحقيقية بعد الهداية ". وثالثة تقول:" ما أحلى حلاوة الإيمان..وعلى من تذوقتها أن تدل الناس عليها ..أشعر الآن بالأمان الحقيقي في ظل الإيمان ".هؤلاء الممثلات وصلن للشهرة والمال ، وما تحلم به الكثير من الفتيات ، فهل وجدن السعادة والرضا والطمأنينة ؟؟.أبداً إلا بالإيمان حياة الروح ، وروح الحياة .
أيتها الأمل :إن السعادة أمامك وأنت تبحثين عنها،وطريقها سهل واضح لصاحبة الهمة والعزيمة ، إنها في القرآن .. ألم تقرأي القرآن في القرآن ؟! : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }(1/99)
فالسعادة ليست بالمال والشهرة ،والسفر والطرب،إن الحياة الطيبة في الإيمان والعمل الصالح ، هكذا أخبر الرحمن في القرآن.
أيتها الأمل:
إن من أعظم أسباب السعادة المحافظة على الصلاة ؛ لأنها صلة بين العبد وربه ،وحال الفتاة مع الصلاة حال يرثى لها ليس بتركها ، فقد أجاب 91% أنهن من المحافظات على الصلاة والحمد الله. ولكن بإهمالها وتأخيرها عن وقتها ، ونقرها كنقر الغراب ، وعدم الطمأنينة فيها ، وهذه كلها من أسباب ردها وعدم قبولها ، فقد تقدمين على الله وليس لك منها ركعة .ومتى نشعر بقيمة الصلاة وأهميتها لحياتنا فأنتِ تعلمين أنك ضعيفة وعرضة للأمراض والعاهات ،وتحتاجين ولا شك لخالقك أن يحفظك ويشفيك ،وأن يوفقك ،وأنت تبحثين عن السعادة والراحة النفسية ، وتشترينها بمال الدنيا كلها .
ولو ألقيت نظرة على العيادات النفسية ،وعلى أماكن قراء الرقى الشرعية ،لوجدتِ عجباً من حالات الاكتئاب والضيق ،والهموم والغموم ، النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الصلاة نور" فهي نور للقلوب،والله تعالى يقول : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } (124) فهل بعد هذا كله نقطع الصلة بصلاتنا ، أو نتهاون فيها وهي مصدر سعادتنا في الدنيا والآخرة ؟؟ .فاسألي نفسك أخيتي كم هي الصلوات التي خشع فيها قلبك لله !! كم دمعت فيها عينيك خوفاً من الله ؟!وكم هي اللحظات التي اقشعر فيها جلدك من خشية الله ؟!إنها الصلاة مفتاح السعادة من حافظ عليها فهو علىخير مهما وقع منه . آهِ من قسوة قلوبنا ، ويا لله ما أشد غفلتنا !! .. وإلا فكم قد سمعنا عن تلك التي اشتعل عليها قبرها نارا ، والتي انقلب بياضها سوادا ، والتي جَحَضَت عيناها ،ونَتِن ريحُها ، وثقلت جثتها . وهذه صور كلها لسوء الخاتمة ، لمن تهاونت بالصلاة ، وأخرتها عن وقتها .. فكيف حال من تركها ؟!! نسأل الله العفو والمغفرة .(1/100)
مفاتيح للشر.. ؟!
أعتذر إليك أيتها العفيفة فما قادني لهذا العنوان ، إلا ما نسمعه عن بعض الصديقات مع الزميلة ، فهي تدلها كل صباح على كل شر فمرة :خذي هذا الرقم وجربي ؟ لا تكوني معقدة ومتخلفة ، هي مجرد تسلية .ومرة :انظري لصورة هذا الشاب كم هو جميل ، هل تحبين أن تُكلميه ، ثم بعد : هل تحبين أن تقابليه ومرة: خذي هذه الهدية شريط غناء أو فلم ، أو مجلة ساقطة.
ومرة :دعوة على مأدبة الدش الفاضح ، أو التسكع في الأسواق ، أو استراحة راقصة ، أو مناسبة آثمة. وهكذا امتهنت الدِلالة على الفساد بوسائله علمتْ أو لم تعلم . هي مفتاح للشر كل يوم وكل صباح .وربما في محاضن التعليم _ وللأسف _ عجباً لك يا ابنة الإسلام :كيف تستخدمين "صلة العلم التي هي أشرف الصلات وأكرمها "،في المدارس والكليات لتبادل الأرقام والأفلام ، وجميع وسائل الحرام ؟كيف تجرأت على "القلم الذي هو أفضل أداة للخير، وأعظم وسيلة للفضيلة ، وواسطة للأدب والكمال "،فخططت به الأرقام،ورسائل الحب والغرام ، ونشر الحرام .[ ما بين الأقواس اقتباس من مؤلفات المنفلوطي ص 607] ألم تسمعي للحبيب - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ويل لمن كان مفتاحاً للشر، مغلاقاً للخير" .
فيا ويلك من الله ،فهل تستطعين أن تتحملي وزرك لوحدك ، يوم أن حملت أوزار الأخريات.أنا على يقين أنك لم تقف وتفكري بقول الله تعالى : { لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ } (النحل25) اسألي نفسك الآن :كم فتاة كنت السبب في دلالتها على الضلال .فبادري بالتوبة ،واستغفري وكفري بالدلالة على الخير ووسائله ،والتحذير من الشر وأبوابه ، قبل فوات الأوان .فيكفيك ذنبك وضعفك .(1/101)
أيتها الفتاة الطيبة : فتشي في صداقاتك ، واحذري رفيقات السوء ، فإنهن لا يقر لهن قرار ، ولا يهدأ لهن بال حتى تكوني مثلهن ،وأداة طيعة في أيديهن إما لكراهتهن امتيازك عنهن بالخير ، وإما حسداً لك ،فإن الله تعالى أخبر عن المنافقين فقال: { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء } وقال عثمان - رضي الله عنه - :"ودت الزانية لو زنى النساء كلهن " .فإياك وقطاع الطريق إلى الآخرة ، اللاتي يصدن عن ذكر الله ،كما قال الله: { وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } .
اعلمي أخيتي :أن رفقة السوء بداية كل شر ،والنقطة الأولى للانحراف والضياع ، فكم من الفتيات هلكن بسببهن ، وكانت النهاية فضائح وسجون ، وهل ينفع حينها الندم ؟ بل هل ينفع الندم يوم القيامة عندما تقولين: { يَاوَيْلَتِى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا } (الفرقان 28) لماذا وهي صاحبة الشلل والجلسات ؟لماذا وهي صاحبة المرح والمزاح ؟ فتأتي الإجابة : { لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا } (الفرقان 29) لأنها ما أعانتني يوماً على ذكر الله ، بل كلما انتبهت أو تذكرت أو نصحني ناصح ، سخرتْ مني واستهزأتْ .نسأل الله أن يحفظ بنات المسلمين أجمعين .
يا نفس ويحك قد أتاك هداك ** أجيبي داعي الحق إذ ناداك .
.
وأخيراً التوبة التوبة :(1/102)
أيها الأخوات : أبشركن أن 85% من فتيات الاستبانة قلن : نعم ، نفكر في طريق الاستقامة ، وذكر 11% أنهن مترددات ، ولم يقل :لا سوى 4% .وقال 82% : بأن الشخصية المستقيمة ممتازة وأتمنى أن أكون مثلها ، فأقول : لمَ لا تتحول الأمنية إلى حقيقة ؟وما الفرق بينك وبين تلك المستقيمة ؟ وإلى متى وأنتن تحرمن أنفسكن السعادة والراحة ؟ ما الذي يمنعكن من الاستقامة ؟ أجاب60% : هوى في النفس .و11% البيت والأسرة .و10% الصديقات . وغيرها من الأسباب ، وأقول كل هذه الأسباب هي كبيت العنكبوت ، أمام الهمة والعزيمة الصادقة .أخيتي : استعيني بالله ، ثم بصحبة الصالحات ، واصدقي مع الله ، وألحي عليه بالدعاء،ومن يحول بينك وبين التوبة بعد ذلك ، واعلمي أن أعظم دلالات صدق التوبة الندم الذي يجعل القلب منكسراً أمام الله ، وَجِلاً من عذاب الله ، هل سمعت يا أختاه ،قصة الغامدية العجيبة ،أخرجها مسلم في صحيحه فاسمعي لهذه المرأة المؤمنة لقد زنت ، نعم أخطأت وغفلت عن رقابة الله للحظات ، لكن حرارة الإيمان ، وخوفها من الرحمن ،أشعلت قلبها ، وأقظت مضجعها،فلم يهدأ بالها،ولم يقر قرارها :
عصيت ربي وهو يراني
كيف ألقاه وقد نهاني
{ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا }
حَرُ المعصية تَتَأجَج ناراً في قلبها
وأقلقها كِبْرُ الكبيرة في عينها
وقبح الفاحشة يستعر في صدرها
حتى لم تقنع بالتوبة بينها وبين ربها
فقالت :أصبت حداً فطهرني !! عجباً لها
ولشأنها
هي محصنة وتعلم أن الرجم بالحجارة
حتى الموت هو حدها
فينصرف عنها الحبيب - صلى الله عليه وسلم - يمنة ويسرة ويردها
وفي الغد تأتي لتقدم له الدليل على فعلها
لِمَ تَرُدُّنِي؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا فَوَاللَّهِ إِنِّي لَحُبْلَى من الزنا.فقال لها :
:" اذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي "
فيا عجباً لأمرها
تمضي الشهور والشهور ولم تخمد النار في قلبها(1/103)
فأتت بالصبي في خرقة تتعجل أمرها
ها قد ولدتُهُ فطهرني،عجباً لها
قال:" اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ "
واهاً لها
سنة ،سنتان ولم يَطْفَأْ حرَّها
فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْ بِالصَّبِيِّ وفِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ دليلاً لها
وقالت : قَدْ فَطَمْتُهُ وَأَكَلُ الطَّعَامِ برهانها
فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا
فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا
وَأَمَرَ النَّاسَ برجمها
فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا
فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا
فَسَمِعَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَبَّهُ إِيَّاهَا فَقَالَ:
"مَهْلًا يَا خَالِدُ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَمَّ قَسْمُهَا عَلَى سَبْعِيْن مِنْ أَهْلِ الْمَدِيْنَةِ لَوَسِعَتْهُم "
ثُمَّ أَمَرَ بِهَا
فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ.
أفلا نعجب من حالها ؟
حولين كاملين وحرارة المعصية تلسع فؤادها
وتُحرق قلبها
وتُعذب ضميرها
فهنيئاً لها
إنه الخوف من ربها
من لم يبتْ والحبُّ حشو فؤاده لم يدر كيف تُفتت الأكبادُ(1/104)
إنها قصة عجيبة تعلمنا " أن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " ، لكنها التوبة الصادقة ،من القلب الصادق .وأنتِ أخيتي مسلمة عربية لها عادات وتقاليد ، ومن مجتمعات محافظة ، فمهما حاولت التمرد على كل هذا ، نعم .. مهما ابتعدتِ ، حتى لو تركتِ الصلاة ، حتى لو أفطرتِ في نهار رمضان حتى لو خلعتِ عنك جلباب الحياء والعفة ، حتى ولو استرجلتِ فإنك أبداً لا يمكن ان تقتلي بذرة الخير في نفسك ؛ فهي تنازعك ، وسيبقى نداء الفطرة يناديك من أعماق النفس ، وستبقى بذرة الانوثة برقتها وطيبتها ، فكم .. كم من فتاة طيبة القلب فيها حب لله ولرسوله نشأت في أسرة صالحة ، وبين أبوين صالحين ، ولكن بريق الدنيا ، وزيف الفن والغناء والطرب ، والتحضر والموضات أخذها بعيدا عن ربها وعن دينها . إن في الدنيا فتناً كثيرة ، تعصف بقلوب فتياتنا ، تلك القلوب البريئة البيضاء ، فكم في قلوب بناتنا من الخير ، وها هي تمد يدها ، وتصرخ بفيها ، فمن يأخذ بيدها ؟ إلى من تلجأ ؟
وأين تذهب ؟
أخيتي : ليس لك إلا هو ، ليس لك إلا الله ، إنه الله الرحيم اللطيف ، إنه السد المنيع ، حصن الإيمان والأخلاق ، فقوليها ولا تترددي : ( اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفري مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ) قوليها .. قوليها من قلب تراكمت عليه الهموم والغموم ( اللهم إني ظلمت نفسي كثيرا ، فإن لم تغفر لي وترحمني لأكوننّ من الخاسرين ) .(1/105)
قوليها بصدق لتنفضي عنه ظُلَمَ المعاصي والغفلة ، فقد اخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم , بقوله : " إِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نكتةٌ سَوْداءُ فيِ قَلْبِهِ ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ ، صُقِلَ قَلْبُه ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ ،حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَلِكَ الْرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ : { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ }
فهل تغسلين عن قلبن هذا الران ؛ لتذوقي بصدقٍ صَفَاء الإيمان ، والحب الحقيقي للرحمن ، ام انك تترددين وتضعفين ؟ من اجل نزوة وشهوة .!!
لاَ لاَ أَخَاْلُكِ تَفْعَلِينَ وَبَينَ جَنبْـ ـيكِ اعْتِرَافُ مُقَصِّرٍ مُتَنَدِّمِ
فَلأَنْتِ أَسْماْ مِنْ سَفَاسِفِ نَزْوَةٍ وَلَكِ الْمَكَنَةُ بَيْنَ تِلْكَ الأَنْجُمِ
وَلأَنْتِ أَكِبَرُ مِنْ غَوَايةِ حَاسِدٍ يَرْمِيْكِ فِي نَزَقٍ فَيُدْمِيْكِ الَّرَّميْ
فَتَفَطَّنْي لِلْمَكْرِ كِيْ لاْ تَقْرَعِي فِيْ النَّاسِ كَالْكُسَعِيِّ سِنَّ تَنَدُمِ
وَتَسَنَّمِي عَرْشَ الْعَفَافِ فَإِنَّهُ . عِزٌّ بِهِ تَحْلُوْ الْحَياةُ وَتَسْلَمِ
أختاه :
قولي لنفسك حدثيها ، وحاسبيها واصدقيها ..
يا نفس ويحك قد أتاك هداك ** أجيبي داعي الحق إذ ناداك .
كَمْ قَدْ دُعِيْتِ إِلَى الرَّشَادِ ، فَتُعْرِضِيْ ** وَأَجِبْتِ دَاعِي الْغِيِّ حِيْنَ دَعَاكِ
قُوْلِيْ لها :
يا نفسُ إلى متى ؟ .. أما آن لك أن ترعوي ؟! أما آن لك أن تزجري ؟! أما تخافين من الموت ، فهو يأتي بغتة ؟ .. أما تخشين من المرض ، فالنفسُ تذهب فلتة ؟
أختاه أخبريني : لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك ، أكان يسُرُّكِ حالُك وما أنت عليه ؟!
أختاه ، كيف بك لو نزل بجسمك عاهة فغيرت جمالك وبهجتك ؟!
أختاه ، إن للموت سكرات ، وللقبر ظلمات ، وللنار زفرات فاسألي نفسك ماذا أعددت لها ؟(1/106)
أختاه ، إنها الحقيقة لامفر منها ، فإن الله يقول:"ولا تنس نصيبك من الدنيا " فلماذا أصبح نصيبك أنت كله للدنيا ؟!لماذا نسيت الآخرة ؟ لماذا نسيت الجنة وما فيها من نعيم ، وخضرة وأنهار،وقصور وجمال وخمر وغناء ، وفيها ما لا يخطر على القلب .
أخيتي الغالية : الهوى يقسي القلب ، فكرري المحاولات ، اكثري من الاستغفار والتوبة ، حاولي جاهدي ، واصبري ولا تيأسي ، ولا تستعجلي النتائج ، فإن لهذه المحاولات المتكررة آثارا ستجدينها ولو بعد حين ..
أخيتي الغالية : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ } "(الحديد 61)
قولي:بلى والله لقد آن ،قولي كفاني ذنوبا وعصيان ،قوليها قبل فوات الأوان ، فرغي قلبك من الشهوات { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا(27)يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا } (28) النساء ، انتصري على نفسك الضعيفة ، لا تستجيبي لدعاة الرذيلة ، استعذي بالله من الشيطان الرجيم ، ارجعي إلى ربك ، توبي إليه ، انهضي فتوضأ وصل ركعتين ،ابك على ذنوبك وتقصيرك في حق ربك ، اسمعي للبشارة من الغفور الرحيم { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } (الفرقان70) ما أعظمها من بشارة فكل الذنوب تُبدل حسنات ، فما الذي تنتظرين ، هيا أبدلي الانحراف بالاستقامة والأغاني بالذكر والتسبيح ، وسارعي لحلق القرآن ، انكسري بين يدي الله ، أظهري له الذل والخضوع انثري له الدموع ،رددي وقولي:
يا الهي …
جاء بي حر ذنوبي
جاء بي خوف مصيري
ساقني يا رب تأنيب ضميري
ألهبت قلبي سياط الخوف من يوم رهيب
كادتا عيناي أن تبيض من فرط نحيبي(1/107)
آهٍ .. يا مولاي ما أعظم حوبي
يا الهي ..
أنا سافرت مع الشيطان في كل الدروب
غير درب الحق ما سافرت فيه
كان إبليس معي في درب تيهي
يجتبيني .. وأنا يا لغبائي اجتبيه
كان للشيطان من حولي جند خدعوني
غرروا بي …
وإذا فكرت في التوبة قالوا لاتتوبي
ربنا رب القلوب
آه يا مولاي ما أعظم حوبي ….
غرني يا رب مالي .. وجمالي .. وفراغي وشبابي
زين الفجار لي حرق حجابي
يا لحمقي …!!
كيف قصرت ومزقت ثيابي !!
أين عقلي !!
حينما فتحت للموضة شباكي وبابي
أنا ما فكرت في اخذ كتابي … بيميني .. أو شمالي
أنا ما فكرت في كي جباه وجنوب
آه يامولاي ما أعظم حوبي ….
يا الهي ..
أنا ما فكرت في يوم الحساب
حينما قدمني إبليس شاة للذئاب
يا لجهلي .. كيف أقدمت على قتل حيائي !!
وأنا أمقت قتل الأبرياء
يا إلهي ..
أنت من يعلم دائي … ودوائي
..
يا إلهي ..
اهد من سهٌل لي مشوار غيي
فلقد حيرني أمر وليي ..
أغبي ساذج أم متغابي
لم يكن يسأل عن سر غيابي
عن مجيئي وذهابي
لم يكن يعنيه ما نوع حجابي
كان معنيا بتوفير طعامي وشرابي
يا إلهي ..
جئت كي أعلن ذلي واعترافي
أنا ألغيت زوايا انحرافي
وتشبثت بطهري وعفافي
أنا لن أمشي بعد اليوم في درب الرذيلة
جرب الفجار كي يردونني كل وسيلة
دبروا لي ألف حيلة
فليعدوا لقتالي ما استطاعوا
فأمانيهم بقتلي مستحيلة
يا إلهي ..
يا مجيب الدعوات .. يا مقيل العثرات
أعف عني
وأنا عاهدت عهد المؤمنات .. أن تراني
بين تسبيح وصوم وصلاة
وأخيراً أيتها الفتاة ،وبعد هذا كله ،كوني شجاعة واتخذي القرار ، ولا تترددي ،كوني ممن وصفهن الله فقال { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ.. } [النساء 34] فاحفظ الله يحفظك .(1/108)
وفي النهاية : أعتذر إليك أيتها الفتاة فربما قسوت عليك ، ولكنها الغيرة والشفقة . ووالله لو كنت املك الهداية والسعادة لبذلتها لك ، لكنها الكلمة الطيبة ، والنصح الصادق ، ففي القلب شفقة ، وفي صدري حرقة ، فمن يناديك مناداتي ، ومن يناجيك مناجاتي ، فهل تسمعين وتستجيبين ؟ وإلا اللهم فاشهد وأنت خير الشاهدين .
وبعد الألم يحدونا الأمل ، فها نحن نرى كوكبة من فتياتنا في عمر الورود ، يبذرن بين الزميلات بذرة الخير، ويزرعن فيهن الصلاح
فَجْرٌ تَدَفَقَ مَنْ سَيَحْبِسَ نُوْرَهُ **** أَرِنيْ يَدَاً سَدَّتْ عَلَيْنَا المَشْرِقَا
.أما ما تقدم فهي كلمات لجميع الفتيات ، وخاصة أولئك اللاتي ظلمن أنفسهن ،وأسرفن عليها بالمعاصي والذنوب، فإن أصبت فيها فذلك من فضل الله ومنته عليَ فله الحمد وله الشكر ، وإن أخطأت فيها أو شيء منها فمن نفسي والشيطان وأعلن الرجوع عنها تائباً ومستغفراً ربي غافر الذنب وقابل التوب ، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم .اللهم رد نسائنا إليك رداً جميلا ، اللهم خذ بأيديهن إلى الحق ،اللهم اغفر لهن ذنوبهن ،واستر عيوبهن ،وطهر قلوبهن اللهم احفظ الإسلام والمسلمين ،وعليك بأعداء الدين ،وانصر عبادك الصالحين ،ووفق ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين ، اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحبه وترضاه وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة ،اللهم احفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين بالأمن والإيمان ، واجمع كلمتهم على التوحيد والقرآن ، سبحانك اللهم وبحمدك،أشهد أن لا إله إلا أنت،أستغفرك وأتوب إليك . وصلي اللهم على نبينا محمد ،وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن سارعلى هديهم إلى يوم الدين .
لنفتح صفحة إسلآمنا يا عتبة دارنا ..
يقول صاحب كتاب (( المرأة وكيد الأعداء )) . وتحت عنوان ...
صور مضيئة من إكرام الإسلام للمرأة(1/109)
لقد شُوِّه موقف الإسلام من المرأة حتى صار الدِّين عند الكثيرين متهماً يحتاج إلى من يدافع عنه ، ونحن نبتديء بذكر تلك الصور المضيئة من إكرام الإسلام لها ، مما لا مثيل له على الإطلاق في أي دين ، أو شريعة أو مجتمع ، فالمرأة في الإسلام ، هي تلك المخلوقة التي أكرمها الله بهذا الدين ، وحفظها بهذه الرسالة وشرّفها بهذه الشريعة الغراء ، إنها في أعلى مقامات التكريم أُماً كانت أو بنتاً أو زوجة ، أو امرأةً من سائر أفراد المجتمع .
فهي إن كانت أماً :
فقد قرنَ الله حقَّها بحقّه ، فقال : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياهُ وبالوالدين إحساناً } سورة الإسراء آية 23 ، وأي تكريم أعظم من أن يُقْرِن الله حقها بحقه .
وجعلها المصطفى صلى الله عليه وسلم أحقَّ الناس بحسن الصحبة وإسداء المعروف ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : { جاء رجل فقال : يارسول الله من أحقُّ الناس بحسن صحابتي ؟؟ قال : أُمُّك ، قال : ثم مَنْ ؟ قال : أمك ، قال : ثم مَنْ ؟؟ قال أُمُّك ، قال ثم مَنْ ؟
قال : أبوك } .
وقد تتشوق النفس إلأى الجهاد وتشرئب إلى منازل الشهداء ، وتَخِفُّ إلى مواقع النزال ، لكي تصرع في ميادين الكرامة أو تبقى في حياة السعداء ولكن حقَّ الأبوين في البقاء معهما ، والإحسان إليهما مقدم على ذلك كله مالم يتعين الجهاد روى أبو داود وغيره من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : جئت أبايعك على الهجرة ، وتركت أبويَّ يبكيان ، (( قال : أرجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما ))
وعنه - رضي الله عنه - قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم (( رضي الرب في رضى الوالد ، وسَخَطُ الربِّ في سَخَطِ الوالد ))(1/110)
وقد تغلبُك نفسك الأمارةُ بالسُّوء ، أو تغلبك الشياطين من الإنس والجنِّ فتلتمس أسباب التكفير لتلك الذنوب ، وموارد التطهير لتلك الأدناس ؛ ففي رضا والدتك أعظم معين على ذلك ، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله إني أصبت ذنباً عظيماً ، فهل لي من توبة ؟؟ قال : (( هل لك من أُمٍّ قال : لا ، قال : (( هل لك من خالةٍ ؟؟ ، قال : نعم ، قال : ( فبرَّها )
ويتسع صدرُ المؤمن للإحسان لمن كانتْ سبباً في وجوده وإن خالفَتْه في الدِّين ، وتنكَّبتِ الصراط المستقيم ، فعن أسماء بن أبي بكر ، قالتْ : قدمت علىَّ أمي وهي مشركةٌ فاستفيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : قدمتْ أمي وهي راغبةٌ أفأَصِلُ أمي ؟؟ قال : (( نعم صِلي أمَّكِ ))
وهي إن كانت بنتاً :
فحقها كحق أخيها في المعاملة الرحيمة ، والعطف الأبويِّ ؛ تحقيقاً لمبدأ العدالة : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } سورة النحل آية 90 .
وقال تعالى : { اعدلوا هو أقربُ للتقوى } سورة المائدة آية 8 .
وفي حديث عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اعدلوا بين أبنائكم ، اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم ))
ولولا أن العدل فريضةٌ لازمةٌ ، وأمر محكم ، لكان النساء أحق بالتفضيل والتكريم من الأبناء ، وذلك لما رواه ابن عباس مرفوعاً : (( سَوُّوا بين أولادكم في العطية ، فلو كنت مُفَضِّلاً أحداً لفضلتُ النساء ))
ولقد شنع القرآنُ على أصحاب العقائد المنحرفة الذين يبغضون الأنثى ، ويستنكفون عنها عند ولادتها ، فقال سبحانه : { وإذا بُشِّرَ أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء مابُشِّر به ، أيمسكهُ على هُونٍ أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون } .(1/111)
وهاهو رسولُ الهدى صلى الله عليه وسلم ، يُعدّ من كبائر الذنوب تلك اليد التي تمتد للطفلة البريئة فتواريها في التراب بعد أن اغتالت عاطفة الأبوة الجياشة في ذاتِ مادّها .
يقول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أيُّ الذنب أعظم ؟ قال : (( أن تجعل لله نداً وهو خلقك )) قلت : إن ذلك لعظيم ، ثم أيُّ ؟ قال : (( أن تقتل ولدك مخافة أن يَطْعَم معك ))
ويرغِّب صلى الله عليه وسلم في الإحسان إليهن ، فيقولُ : (( من كان له ثلاثُ بنات ، أو ثلاثُ أخواتٍ ، أو بنتان ، أو أختان ، فأحسن صحبتهن وصبر عليهن ، واتقى الله فيهن دخلَ الجنة ))
ولقد أثر هذا الأدب النبوي على أدباء الإسلام حتى كتبوا فيه صيغ التهنئة المشهورة ، حيث يهنيء الأديب من رزق بنتاً من أصحابه ، فيقول له كما في هذه القطعة الأدبية الجميلة للصاحب ابن عباد - وكان أديباً - :
أهلاً وسهلاً بعقيلة النساء ، وأم الإبناء ، وجالبة الأصهار ، والأولاد والأطهار ، والمبشرة بأخوةٍ يتناسقون ، ونجباء يتلاحقون .
فلو كان النساء كمن ذكرن .............. لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب .............. وما التذكير فخر للهلال
والله تعالى يعرِّفُكَ البركة في مطلعها ، والسعادة بموقعها ، فأدَّرع اغتباطاً واستأنفْ نشاطاً ، فالدنيا مؤنثةٌ ، والرّجالُ يخدمونها ، والأرضُ مؤنثةٌ ، ومنها خلقت البرية ، ومنها كثرت الذرية ، والسماء مؤنثة وقد زُيِّنَت بالكواكب ، وحُلِّيَتْ بالنجم الثاقب ، والنفس مؤنثة وهو قِوامُ الأبدان ، وملاك الحيوان ، والجنةُ مؤنثةٌ ، وبها وُعِدَ المتقون ، وفيها ينعم المرسلون ، فهنيئاً لك بما أُوتيتِ ، وأوزعكِ الله شكر ما أُعطيتِ .
وهي إن كانت زوجاً :
فهي من نعم الله التي استحقت الإشارةُ والذكر { ولقد أرسلنا رسلاً من قبلكَ ، وجعلنا لهم أزواجاً } سورة الرعد آية 38 .(1/112)
وهي مسألةُ عبادِ الله الصالحين { والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قُرة أعين } سورة الفرقان آية 74 .
وهي في الإسلام عمادُ المجتمع ، وأساسُه المتينُ ، ومن التنطع الاستنكافُ عن الزوجة ؛ بل هو خلاف هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم أخشى الناس وأتقاهم ، وقد عدَّ رسول الهدى صلى الله عليه وسلم مثل هذا الفعل من التنطع والرغبة عن سنتهِ إذ هو القائلُ : (( هلك المتنطعون .... )) والقائل (( من رغب عن سنتي فليس مني ))
وللزوجة على زوجها حقوقٌ يحميها الشرع ، وينفذها القضاء عند التَّشاحِ ، وليست تلك الحقوق موكولةً إلى ضمير الزوج فحسب وليس المقام مقام بسطها ، وإنما هي لمحة عابرة لبعض حقوقها عليه :
1-…المهر : وهو عطيَّةٌ محضةٌ فرضها للمرأة ، ليست مقابل شيء ، يجب عليها بذلُهُ إلا الوفاء بحقوق الزوجية ، كما أنه لا يقبلُ الإسقاط ، ولو رضيتِ المرأةُ إلا بعد العقد { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ، فإن طِبْنَ لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً } سورة النساء آية 4 .
2-…النفقة عليها بالمعروف : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } سورة البقرة آية 233 .
3-…المسكن والملبس : { أسكنوهن من حيثُ سكنتم من وُجْدِكم } سورة الطلاق آية 6 .
وبجانب هذه الحقوق المادية ، لها حقوقٌ معنويةٌ أخرى :
* فهي حرة في اختيار الزوج : ليس لأبيها أن يُكْرهَهَا على ما لا تريد قال صلى الله عليه وسلم : (( لا تنكح البكر حتى تستأذن ، ولا الثيب حتى تستأمر )) .
* ويجب على زوجها أن يعلمها أصول دينها : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة } سورة التحريم آية 6 .(1/113)
قال الألوسي - رحمه الله - (( أستدل بها على أنه يجب على الرجل تَعَلُّمُ ما يجب من الفرائض ، وتعليمهُ لهؤلاءِ )) وانظر إلى هذا التطبيق العمليِّ في سلوك إسماعيلُ عليه السلام ، { وكان يأمرُ أهله بالصلاة والزكاة ؛ وكان عند ربه مَرْضياًّ } سورة مريم آية 55 .
إن كثيراً منّا - ويا للأسف - مَنْ يغفل عن هذا الواجب ، فلا يقومُ به تجاه من هم أحقُّ الناس بالتعليم ، ويقتصر اهتمام هؤلاء على أداء واجب النفقة ، وما يتصلُ بها ، وما دَروْا أن هذا أعظم وأجلُّ .
* أن يغار عليها ويصونها من العيون الشريرة : والنفوس الشرهة ، فلا يوردها مشارع الفساد ، ولا يغشى بها دُور اللهو والخلاعة ، ولا ينزع حجابها بحجة المدنية والتطور .
* أن يترفع عن تلمس عثراتها وإحصاء سقطاتها : ولذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يكره أن يأتي الرجل أهله طُرُوقاً )) . والطُّرُوق : المجيء بالليل من سفر ، أو من غيره ، على غفلةٍ .
* وأخيراً فإن عليه أن يعاشرها بالمعروف والإحسان : فلا يَسْتفزُّه بعضُ خطئها ، أو يُنْسيه بعضُ إساءتها : { وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ، ويجعل الله فيه خيراً كثيراً } سورة النساء آية 19 . ويقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم : (( لا يفرك مؤمن مؤمنةً ، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر )) .
وهي إن لم تكن أماً ولا بنتاً ولا زوجة :
فهي من عموم المسلمين ، يُبْذل لها من المعروف والإحسان ما يُبذل لكل مؤمن ، ولها على المسلمين من الحقوق مايجب للرجال .
هذه لمحة سريعة عن صور من إكرام الإسلام للمرأة ، لا يمكن أن توجد في أي مجتمع من المجتمعات بدون الإسلام ، بل الأعداء الذين جاءوا إلى بلاد المسلمين قد أقرُّوا بأنه لا يوجدُ دينٌ أكرم المرأةَ كما أكرمها الإسلامُ ، ولا شريعةٌ أعزََّت المرأة ورفعت من رأسها ، وأعطتها كامل حقوقها كما فعل الإسلامُ .(1/114)
تقول الكاتبةُ ( آرنون ) : (( لأن يشتغل بناتنا في البيوت خوادمَ خيرٌ وأخفُّ بلاءً من اشتغالهن بالمعامل ، حيثُ تصبحُ المرأة ملوثةً بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد ، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة )) .هل قرأتى تمنى المرأة للحشمة والعفاف فى وقت تبحث فيه المسلمة عن الحيلة والوسيلة للتخلى عن حجابها . تحت مزاعم أنه رجعية وتخلف عن ركب الحضارة والتطور .
أختاه وما حديثهم هذا إلا مدخل ذميم قبيح ليثبوا على ثوابت دينك . ألا تنبهتى أخيتى كى لا يأتى الدين من قبلك ؟
اليوم تقولى حجابى تخلف ورجعية .. وغداً تقولين صلاتى قيود وصيامى إذلآل وزكاتى تبذير وحجى وثنية والتوحيد ليس العبودية .
الله أكبر هذا الذى يريدونه منك ولكن قصر طرفك عن دسائسهم وفهمك عن إدراك حيلهم فبالله أخيتى ترفقى بنفسك وإلتزمى شرعك ودينك الحنيف .
الأمر خطير وأناشدكِ الحل قبل التذمر ....
هذا كلام قد تقرأيه لأول مرة ووجهة نظر قد يُختلف حولها كثيراً ولكن قبل الطرح للموضوع أسوق هذه المقدمة البسيطة وأرجوا أن تسمعيها وتقرأيها بأنصاف .
يقول أهل التعداد والأحصاء أن معدل النساء بالنسبة للرجال 5 إلى 1 ...
أى أنه يقابل الرجل الواحد خمسة من النساء .
تراكِ هل ستتزوجين ؟
لا تغضبى منى إن قلت أنت السبب بمكابرتك على أمر الله وتشريعه تحت مسمى الغيرة !!!
نعم للغيرة ولكن بأعتدال دون التعدى على مراد الله فى خلقه . نساء النبى صلى الله عليه وسلم , غيرن وما تعدين وما ظلمن .
لما كثر صياحكن حول التعدد ومشروعياته وأسبابه أنزلكن الله هذا المنزل المخزى .
فلو نادى خطيبنا ومذياعنا وإعلامنا بالتعدد الأن لما أوجدنا الحل لتلكم الطامة التى تعيشها الكثير من بيوت المسلمين إن لم يكن كل بيت مسلم .
فلو تزوج الرجل الواحد بأربعةٍ من النسوة لبقت أمرأة بغير بعل يعولها أم ترانا سنستورد لها بعل كندى أو أسترالى(1/115)
نحى العواطف جانباً وأعطينى الحل ؟
فأن حارت أفكارك فأصغى وأقرأى وإن كان ثم خطأ فى كلآمى فالتبعية فيه علىّ ولك حق النقد والمراجعة وأنا على أتم الأستعداد للرجوع إلى الحق إن تخلى طرحك عن الهوى والمزاعم الإنشائية .
فتعالوا الأن أخوتى لندخل باحة الدرر ومواطن الأثر عبر باب شريعتنا الغراء . لنقف سوياً على معانى الأيات ومدلولآت الأحاديث حسب ما ذهب إليه جماعة المسلمين من غير خلاف ولا شذوذ ولا علل .
نبدأ كلامنا فى هذا الفصل بسؤال هام يجب طرحه .
هل الإسلآم وحده من أقام التعدد ؟؟؟
يقول صاحب بحث من أروع البحوث فى نفس الموضوع وهو الدكتور / جمعة الخولى / الأستاذ بكلية الدعوة .
(( الزواج سنة الإسلام، شرعه الله ليعف الإنسان نفسه، ويحافظ على بقاء نسله وليكون طريقا للتواصل والبر والرحمة، وسكنا يئوي إليه الزوجان، فيلقيان عنده أعباء الحياة الخارجية إلى حين.
**************************
والإسلام يرفع من مكانة الزواج وأهميته، ويسمو بحكمته حتى يجعله من أقوى أسباب التواد بين الغرباء، والتقارب بين البعداء، وتوثيق أواصر القربى بين الأسر بعضها وبعض قال سبحانه: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } الروم21
ومن آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق لأجلكم من جنسكم -أيها الرجال- أزواجًا; لتطمئن نفوسكم إليها وتسكن, وجعل بين المرأة وزوجها محبة وشفقة, إن في خلق الله ذلك لآيات دالة على قدرة الله ووحدانيته لقوم يتفكرون, ويتدبرون..
**************************(1/116)
ولقد ذهب كثير من فقهاء المسلمين إلى أن الزواج واجب يأثم من تثاقل عنه ما دام قادرا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم". كما قال عليه الصلاة والسلام: "من كان منكم ذا طول فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لا فالصوم له وجاء".. وقد أحاط الإسلام الزواج بما يحفظ عليه استمراره واستقراره، ويبقي على آثاره الطيبة، وغاياته النبيلة.
فكان أن شرع من ما شرع، رخصة تعدد الزوجات إلى أربع إذا اقتضته الضرورة وألجأت إليه الظروف، واشترط على الأزواج العدل والتسوية بينهن في السكن والرزق، وأن تكون لديهم القدرة على الحياة الزوجية.. قال سبحانه: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } النساء3.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل"، وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن - وكلتا يديه يمين - الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا".
وإن أعداء الإسلام ومثيري الشغب ضده، اتخذوا من ذلك التشريع الحكيم ذريعة للطعن في نظام الإسلام… والحط من قيمة المرأة، ليشككوا في صلاحية هذا الدين ومقومات خلوده وبقائه على امتداد العصور… وقبل الحديث عن التعدد وحكمته وواقعيته في الإسلام، أحب أن أسأل أولا… هل الإسلام هو الذي أنشأ التعدد وابتدعه وأطلقه حتى يؤاخذ به، أم هو الذي قيده وضبطه حتى يحمد له…(1/117)
إن الذين كتبوا عن تاريخ الزواج على اختلاف النظم الإنسانية بينوا أن التعدد كان معروفا في جميع البيئات قبل الإسلام، يهودية ومسيحية، عربية وغير عربية.. أباحته اليهودية دون حد، وكان ذلك شائعا في ملوكها وأنبيائها، ولا توجد في أسفار العهد القديم نصوص تحرم التعدد أوتمنعه عن الآباء والأنبياء ولمن دونهم من الخاصة والعامة.
كما كان التعدد فاشيا في العالم المسيحي بين العامة ورجال الدين، إذ أن أسفار العهد القديم وهي - مقدسة لدى النصارى - تبيحه ولا تمنعه.. ثم أنه لم يرد في النصوص الأولى للمسيحية التي تحكيها أناجيلهم المتداولة نص صريح يمنع تعدد الزوجات بل إنه يوجد في رسالة بولس إلى "تيموثاوس" ما يفيد أن التعدد جائز، فقد جاء فيها "يلزم أن يكون الأسقف بعل امراة واحدة"… وفي ذلك ما يدل على ان الزيادة على الواحدة لغير الأسقف جائزة، وإن منع تجدد الزوجات قاصر على رجال الدين، ومن يعدد منهم ينخرط في سلك العامة، ويمنع من الانخراط في سلك الكهنوت.
كما ثبت تاريخيا ان بين المسيحيين الأقدمين من كان يتزوج أكثر من واحدة، وفي أباء الكنيسة الأقدمين من كان له كثير من الزوجات، يذكر الأستاذ عباس العقاد أن "وسترمارك" العالم في تاريخ الزواج قال: "إن تعدد الزوجات باعتراف الكنيسة بقي إلىالقرن السابع عشر وكان يتكرر كثيرا في الحالات التي لا تحصيها الكنيسة والدولة".
ويقول الشيخ رشيد رضا: "وقد فشا التعدد في الرومان فعلا فلا قانونا , حتى حظره جوستنيان في قوانينه، ولكنه ظل فاشيا بالفعل، وأباحه ببعض البابوات لبعض الملوك بعد الإسلام كشرلمان ملك فرنسا الذي كان معاصرا للخليفتين المهدي والرشيد من العباسيين ويقول المستشرق الفرنسي: "إتيين دينيه" الذي أسلم وسمى نفسه "ناصر الدين" هؤلاء ملوك فرنسا دع عنك الأفراد الذين كانت لهم الزوجات المتعددات والنساء الكثيرات وفي الوقت نفسه كان لهم من الكنيسة كل تعظيم وإكرام.(1/118)
وهكذا لو ترك أتباع الكنيسة الأمر على عهوده الأولى لكان التعدد جائزا عندهم، لكن الكنيسة خضوعا لمؤثرات أجنبية بعيدة عن تعاليم المسيحية ذاتها هي التي ابتدعت القول بمنع تعدد الزوجات، وأخذ رؤساؤهم الدينيون يؤولون في آيات الزواج كما أولوا في غيرها حتى أصبح التزوج بأكثر من واحدة حراما عندهم كما هو معروف.. وحتى قبل المسيحية واليهودية كان التعدد مباحا مأثورا عن الأنبياء أنفسهم فإبراهيم عليه السلام تزوج سارة وهاجر، ويعقوب تزوج ليئة وراحيل، وفي العهد القديم ما يدل على أن موسى كانت له زوجة أخرى مع ابنة الرجل الصالح ، وأن كثيرا من أنبياء بني إسرائيل كانوا يعددون ومعروف أن داود وسليمان عليهما السلام كان لهما زوجات كثيرة، ولقد جاء في سفر الملوك الأول أن سليمان عليه السلام كان له سبعمائة من النساء السيدات، وثلاثمائة من الجواري.
فالإسلام لم يبتدع التعدد، وإنما جاء فوجده منتشرا في جميع الطبقات يمارسه اليهود والعرب وغيرهم على أوسع نطاق، دون التقيد بأي اعتبار، قال الطبري: "كان الرجل في الجاهلية يتزوج عشرة من النساء والأكثر والأقل".
فكان لا بد أن يتدخل الإسلام لعلاج هذه الظاهرة التي وصلت إلى حد الفوضى في كثير من الأحيان، وأصبح لا دافع من ورائها إلا التلذذ الحيواني، والتنقل بين الزوجات كما ينتقل الخليل بين الخليلات.. فكيف كان علاج الإسلام لها..ذلك ما نبينه في الفقرات التالية:(1/119)
أولا: بعد أن كان الزواج مطلقا دون حد، متروكا للهوى دون قيد، من شاء فليستكثر ومن شاء فليقلل، قيد الإسلام ذلك بأربع نساء فقط، { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } .. وعلى إثر نزول هذه الآية قام رسول الله عليه الصلاة والسلام يأمر من كان معه أكثر من أربع أن يمسك منهن أربعا، ويسرح الباقي… روى ابن ماجه أن غيلان بن مسلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "اختر منهن أربعا" وروى أيضا أن قيس بن الحارث قال: أسلمت وعندي ثماني نسوة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اختر مهن أربعا".
وعن نوفل بن معاوية الرملي قال أيضا: "أسملت وعندي خمس نسوة" فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فارق واحدة وامسك أربعا، فعمدت إلى أقدمهن عندي عاقر منذ ستين سنة ففارقتها".
وهكذا ضبط الإسلام نظام التعدد وحدده بما لا يزيد عن أربعة، بعد أن كان مطلقا بدون حد، منطلقا دون قيد.(1/120)
ثانيا: إذا كان الإسلام حدد الزواج بما لا يزيد عن أربعة إلا أنه جعل لذلك شرطا هو إمكان القدرة على النفقة والقيام بأعباء الزوجية كاملة، وقيدا، هو ضرورة العدل بينهن في المعيشة والمعاشرة، وإلا { فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } ، وبذلك الشرط والقيد تصان الحياة الزوجية من الفوضى والاختلال، ومن الجور والظلم … وتحفظ كرامة المرأة حتى لا تتعرض للمهانة بدون ضرورة ملجئة واحتياط كامل.. والعدل المشروط هنا هو العدل المادي في المعاشرة والمعاملة، وفي النفقة والمعاشرة، وفي كل ما يمكن تحقيق العدل فيه ويدخل تحت طاقة الإنسان وإرادته بحيث لا تبخس زوجة حقها، ولا تؤثر واحدة دون الأخرى بشيء.. أما فيما يتعلق بمشاعر القلوب وأحاسيس النفوس، فذلك خارج عن إرادة الإنسان، واستطاعته، ولا يطالب بالعدل فيه أحد، وإلى هذا المعنى جاءت الإشارة في قول الله تعالى: { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } .
ومع أن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم كان يعدل بين نسائه كأرفع ما يكون وأنبل ما يكون إلا أنه مع ذلك كان يقول: "اللهم هذا فعلي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"، ذلك أن القلوب بيد الله، يقلبها كيف يشاء، ولا سلطان لبشر عليها.(1/121)
ثالثا: التعدد علاج يقدمه الإسلام لما قد يطرأ على حياة الأسرة من علل وأدواء.. وهذا العلاج محكوم عليه بحكم الحاجة، وبحسب الحالة الطارئة الواقعة، فمن خرج به عن هذه الملابسات فقد ظلم نفسه، وجاوز حدود الله، والإسلام في تشريعه هذا قائم على أساس أنه دين البشرية العام بمختلف أجناسها وبيئاتها وقد ضمنه الله عز وجل من الشرائع والأحكام ما يجعله صالحا وافيا بحاجات البشرية إلى قيام الساعة، وقد رخص في موضوع التعدد لمواجهة حالات واقعة في الحياة البشرية لا يمكن أن يقف حيالها مكتوف الأيدي، وإلا كان قاصرا عن مواجهة ظروف الحياة، وحاشا لشرع الله الكامل أن يكون كذلك.. ومن الحالات التي راعاها الإسلام، ورخص في التعدد إزاءها ما يلي:
1- إذا عقمت المرأة، أو ثبت أنها عاقر لا تلد، ووجدت لدى الزوج الرغبة الفطرية في النسل والإنجاب، أو إذا مرضت الزوجة مرضا مزمنا يطول برؤه أو يستعصي على العلاج، وقد لا يتمكن الزوج معه أن يعاشرها معاشرة الأزواج، وقد لا تستطيع هي الأخرى بإزائه أن تقوم بواجباتها كزوجة.. إن المرأة في هاتين الحالتين تكون أمام أحد أمرين.. إما أن يطلقها الزوج ويتزوج بأخرى تستطيع القيام بحقوق الزوجية وتحملها، وقد لا يكون هذا من الوفاء مع زوجة أعطته خدمتها وإخلاصها، وإما أن يبقي عليها مع زواجه بأخرى، وهذا حل قد ترتاح له المرأة العاقلة وتفضله على الطلاق، لأنه بالنسبة لحالة المرض تكون المرأة بحاجة إلى من يقف بجوارها ويتولى شئون علاجها، وفي حالة العقم نجد أن المرأة في كثير من ا الأحيان هي التي تقوم بعرض الزواج على الرجل وترغبه فيه، وقد تقوم هي بالخطبة له، وتعيش مع غيرها كعيشة الأختين، وقد كان ذلك أمرا عاديا في صدر الإسلام عندما كان النسوة متدينات مسلمات، يعرفن حق الله والزوج، فلما ساد الجهل بالإسلام، وفسدت التربية الصحيحة به أصبح الزواج بثانية مثار بغض بين العشائر وخلاف بين الأزواج.(1/122)
2- يوجد لدى بعض الرجال شبق. لا يستطيعون معه التحكم في غرائزهم. ولا تكفى المرأة الواحدة لإحصانهم إما لعزوف المرأة عن ذلك الشيء لضعفها العام، أو لكبر سنها، أو أنها ذات طبع لا ينشط لتلبية رغبات الزوج كثيرا، فهل يكبت الرجل شهوته - والحالة هذه - أو يطلق لنفسه العنان فيخادن من يشاء من النساء؟ إن هذا وذاك لا يقبله شرع ولا دين، فلم يبق إلا أن يرخص له في الزواج بأخرى مع الإبقاء على الأولى، خاصة وأنه قد توجد لديها الرغبة الأكيدة في استدامة العشرة وعدم الانفصال بعضهما عن بعض.
3- هناك حالات يزيد فيها عدد النساء على عدد الرجال، ويظهر ذلك واضحا في أعقاب الحروب التي تأتي على كثير من الشباب، فماذا يكون الوضع والحالة هذه… إننا إذا منعنا التعدد، وقلنا لا بد من الاقتصار على نظام الزوجة الواحدة كنا أمام احتمالات ثلاث أمام ذلك العدد الزائد من النساء:
أ- إما أن تظل البنت حبيسة في بيت أبيها بدون زواج، وتقضي حياتها هكذا، لا تعرف الرجال، ولا يعرفها الرجال، وهذا حل لا ترضاه المرأة لنفسها لأنه يناقض فطرتها وطبيعة تكوينها مهما كابر المكابرون وادعوا أنه من الممكن أن تستغني المرأة عن الرجل بالكسب والعمل فتلك مثالية صعبة التطبيق والتحقيق وجهل بنفسية المرأة وطبيعة تكوينها الجسدي والغريزي وحاجتها إلى السكن والأُنس بالعشير.
ب- وإما أن تتخذ المرأة الرجل خدنا أو خليلا في الحرام، وتتصل به اتصالا غير شريف في الظلام ... وهذا الحل لا ترضاه امرأة شريفة لنفسها، فهو ضد كرامتها ومكانتها الإنسانية.
ج- فلم يبق إلا الحل الثالث وهو الزواج من رجل متزوج من قبل، يصونها ويحميها من التبذل والضياع..(1/123)
وهذا الحل هو الذي يقول به الإسلام كرخصة لعلاج حالة واقعية مقيدا ذلك بالعدل والقدرة على الإنفاق والإحصان، وهو حل ترضاه المرأة نفسها عن طيب خاطر إزاء تلك الظروف الطارئة وتشجعه، وقد تطالب به، كما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية عندما طالبت نساء ألمانيا أنفسهن بتعدد الزوجات لذهاب كثير من رجالها وشبابها وقودا للحروب، ورغبة في حماية المرأة من احتراف البغاء وما يتأدى عنه من أولاد غير شرعيين، ففي عام 1948 أوصى مؤتمر الشباب العالمي في ميونخ بألمانيا بإباحة تعدد الزوجات حلا لمشكلة تكاثر النساء وقلة الرجال بعد الحرب العالمية الثانية[25]، وتقول إحدى الألمانيات: "إن حل مشكلة المرأة الألمانية هو إباحة تعدد الزوجات"[26] فالتعدد- على ما به - رحمة بالمرأة، فحياة برجل، أفضل للمرأة من حياة بلا رجل وهي تعلم ذلك جيدا ومن يعرف نفسية المرأة يجد أنها - حتى في غير أوقات الحروب - قد تختار التزوج برجل معه امرأة أخرى عن رضا واختيار، تقول أستاذة ألمانية: "إنني أفضل أن أكون زوجة مع عشر نساء لرجل ناجح على أن أكون الزوجة الوحيدة لرجل فاشل تافه، إن هذا ليس رأيي وحدي، بل هو رأي كل نساء ألمانيا"[27].. وأخيرا.. فنحن لا ننكر أن الزواج الثاني شديد على نفسية الأولى، وبغيض إليها، ولكن ماذا نفعل أمام ضرورات هذه أمثلة لها، لا بد أن تتجرع الزوجة الكأس مع ما فيها من مرارة فذلك أخف الضررين.
4- المتمعن في موضوع التعدد في الإسلام يجد أن الفقهاء وكلوا الرضا به والرفض إلى المرأة، فمن الممكن أن تقبله ومن الممكن ألا تقبله دون إكراه…كيف؟ المرأة يؤخذ رأيها أولا في موضوع الزواج كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن" قالوا: "يا رسول الله وكيف إذنها" قال: "أن تسكت" وفي رواية "الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأذنها أبوها في نفسها وإذنها صماتها".(1/124)
ولما شكت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم موضوع إقدام والدها على تزويجها من ابن عمها على غير رغبة منها وكل عليه السلام ذلك الأمر إليها إن شاءت قبلته، وإن شاءت رفضته دون إرغام، روى النسائي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن فتاة دخلت عليها فقالت: "إن أبي زوجني من ابن أخيه يرفع بي خسيسته وأنا كارهة"، فقلت: "اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر إليها فقالت: "يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن أعلم أَللِنِّساء من الأمر شيء".
وعن خنساء بنت خذام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها.
فالرأي في موضوع الزواج - تعدادا أو ابتداء - موكول إلى المرأة، تقبل منه ما ترى فيه السكن والمودة، وتنتظر ورائه الخير والأمان، أو ترى فيه ضرورة أخف من غيرها، وترفض منه ما تتوقع من ورائه القلق والمتاعب.
وبعد فإن الشريعة الإسلامية في إباحتها للتعدد إنما اعتبرته نوافذ ضيقة لحالات استثنائية اضطرارية، وأدوية محدودة لحالات قائمة، وقد سلكت فيه مسلكا سائغا ومقبولا لا غلو فيه ولا إفراط، ولعل فيما هو منتشر الآن في البلاد التي لا تسمح نظمها بالتعدد وتحتم على أتباعها الاقتصار على واحدة مهما كانت الظروف والأسباب، أقول: لعل فيما هو منتشر الآن في تلك البلاد من الفوضى الجنسية واستباحة الأعراض والتفسخ الأخلاقي والتخالل السري والعلني، والتحايل على النظم ونقضها بشتى الحيل، أن في بعض ذلك ما يكفي كدليل قاطع على سمو التشريع الإسلامي وحكمته التي يلتقي فيها مع الإنسان في فطرته وواقعه، ويتوافق مع شئونه وملابسات حياته لأنه ينظر إليها من جميع زواياها القريبة والبعيدة.(1/125)
يقول "اتيين دينيه" إن نظرية التوحيد في الزوجة، وهي النظرية الآخذة بها المسيحية ظاهرا تنطوى تحتها سيئات متعددة ظهرت على الأخص في ثلاث نتائج واقعية شديدة الخطر جسيمة البلاء، تلك هي الدعارة والعوانس من النساء، والأبناء غير الشرعيين، وأن هذه الأمراض الاجتماعية ذات السيئات الأخلاقية لم تكن تعرف في البلاد التي طبقت فيها الشريعة الإسلامية تمام التطبيق، وإنما دخلتها وانتشرت فيها بعد الاحتكاك بالمدنية الغربية.
إن الغرب إذا كان قد عالج موضوع التعدد، بالإغضاء عن الزنا وتيسير سبله للراغبين فيه والراغبات، و بالاعتراف بالخنا والعلاقات المحرمة، والاعتراف باللقطاء وأولاد الزنا الذين امتلأت بهم دور الحضانات وغيرها، إذا كان الغرب رضي لنفسه هذا، فإن الإسلام لا يرضى لرجاله هذا السقوط والتحلل من قيود العفة والتسلل من حين لآخر إلى بؤر الفسق وأماكن الشيطان.. وإنما ينشد لهم مجتمعا نظيفا طاهرا، يحوطه العفاف والشرف، وتجمله المروءة والتقوى.(1/126)
يقول جوستاف لوبون: "إن مبدأ تعدد الزوجات الشرقي نظام طيب يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تقول به، ويزيد الأسرة ارتباطا، ويمنح المرأة احتراما وسعادة لا تراهما في أوربة".. وهذه امرأة غربية تقول عن بني جنسها من النساء: "لقد كثرت الشاردات من بناتنا وعم البلاء، وقل الباحثون عن أسباب ذلك، وإذا كنت امرأة تراني انظر إلى هاتيك البنات وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحزنا، وماذا عسى يفيدهن بثي وحزني، وإن شاركني فيه الناس أجمعون، لا فائدة إلا في العمل بما يمنع هذه الحالة الرجسة، وهو الإباحة للرجل بأن يتزوج بأكثر من واحدة، وبهذه الواسطة يزول البلاء لا محالة وتصبح بناتنا ربات بيوت، فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوربي على الاكتفاء بامرأة واحدة، إن هذا التحديد بواحدة هو الذي جعل بناتنا شوارد وقذف بهن إلى التماس أعمال الرجال" وتقول: "..أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال الذين لهم أولاد غير شرعيين أصبحوا كلا وعارا وعالة على المجتمع فلو كان تعدد الزوجات مباحا لما حاق بأولئك الأولاد وأمهاتهم ما هم فيه من العذاب الهون ولسلم عرضهن وعرض أولادهن، إن إباحة تعدد الزوجات يجعل كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين".
ويقول الفيلسوف الألماني شوبنهور: "إنه من العبث الجدال في أمر تعدد الزوجات مادام منتشرا بيننا لا ينقصه إلا قانون ونظام".. وهو يقصد تعدد الزوجات بصورة غير مشروعة.
واعلموا وانتبهوا ...
إن الواقع يشهد والإحصائيات تدل على أن التعدد بين المسلمين يعتبر في حكم الشاذ، وأن الذين يعددون قلة في المجتمع الإسلامي، أما الذين يقتصرون على واحدة فهم الكثرة الساحقة في المجتمعات الإسلامية، ذلك أن ارتفاع النفقات وتكاليف المعيشة، وما يترتب على التعدد من مشاكل أسرية وخلافات مستمرة، كل ذلك جعل الرجل يفكر أكثر من مرة في الإقدام على مثل هذا العمل.(1/127)
فالتعدد ليس منتشرا بالصورة التي تزعج المرأة، أو تقلق المفكرين، إن نسبته لا تزيد في معظم بلاد المسلمين عن 2% فهل من أجل هذه النسبة الضئيلة تصرخ النسوة ويتقول المتقولون على الإسلام، وهي ما جاءت إلا لظروف مقرونة بقيودها.. مع أننا لم نسمع لهؤلاء صوتا بكلمة استنكار واحدة لما ينتشر في بلاد العرب والمسلمين من عادات الغرب في الفسق والفجور واتخاذ الخليلات وسهولة بذل الأعراض فأي المسلكين أولى بحملات التنديد والاستنكار؟؟.
استطراد في تعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم:
قلما يتعرض خصوم الإسلام لموضع تعدد الزوجات فيه دون أن يتناولوا موضوع تعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليتخذوا منه مادة انتقاد وغمز لنبي الإسلام وإظهاره لأتباعهم بصورة لا تناسب شرف النبوة ومقامها.
وقد ناقش كثير من علماء المسلمين هذا الموضوع، وردوا على هؤلاء بردود وجيهة أذكر منها في إيجاز:
أنه كان من وراء ذلك الأغراض التشريعية والإنسانية والتعليمية وغير ذلك مما يتعلق بمصلحة الدعوة وتبليغ الرسالة، توخى في بعضها عليه الصلاة والسلم توثيق الرابطة بين الإسلام وبعض القبائل، واستطاع عن طريق ذلك أن يصل إلى قلوب زعماء الشرك وأن يصاهرهم فيصهر ما في قلوبهم من حقد على الإسلام، كما حدث عندما تزوج بجويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق التي كان من آثاره إسلام جميع قبيلتها، وكزواجه صلى الله عليه وسلم من أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان وصفية بنت حيي بن أخطب.. وتوخى في بعضها الآخر تكريم أرامل الشهداء الذين ماتوا في الحبشة، أو استشهدوا من أجل الدعوة في سبيل الله. وتركوا أرامل لا يقدرون على تحمل أثقال الحياة وأعبائها الجمة مثل هند أم سلمة المخزومية، وزينب بنت خزيمة، وسودة بنت زمعة.(1/128)
وكان في بعضها الآخر زواجا تشريعيا كزواجه صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش لهدم نظام التبني عند العرب، والذي كان يحرم على الرجل أن يتزوج امرأة ابنه المتبنى ولذلك كان وقع ذلك الزواج شديدا على نفس النبي صلى الله عليه وسلم لأنه سوف يطيل عليه الألسنة، ويفتح أفواه المنافقين بالقيل والقال.. ولمثل هذه الأمور التي كانت تجول في نفس النبي عليه الصلاة والسلام نزل القرآن الكريم يعاتبه { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً } الأحزاب37(1/129)
وإذ تقول -أيها النبي- للذي أنعم الله عليه بالإسلام -وهو زيد بن حارثة الذي أعتقه وتبنَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم- وأنعمت عليه بالعتق: أَبْقِ زوجك زينب بنت جحش ولا تطلقها, واتق الله يا زيد, وتخفي -يا محمد- في نفسك ما أوحى الله به إليك من طلاق زيد لزوجه وزواجك منها, والله تعالى مظهر ما أخفيت, وتخاف المنافقين أن يقولوا: تزوج محمد مطلقة متبناه, والله تعالى أحق أن تخافه, فلما قضى زيد منها حاجته, وطلقها, وانقضت عدتها, زوجناكها; لتكون أسوة في إبطال عادة تحريم الزواج بزوجة المتبنى بعد طلاقها, ولا يكون على المؤمنين إثم وذنب في أن يتزوجوا من زوجات من كانوا يتبنَّوْنهم بعد طلاقهن إذا قضوا منهن حاجتهم. وكان أمر الله مفعولا لا عائق له ولا مانع. [37].. وفي الخطاب بزوجناكها بيان أن التزويج من الله، وليس للنبي أي دخل فيه، ومنها توثيق أواصر الترابط بينه وبين صاحبيه الجليلين أبى بكر وعمر وتكريمهما بشرف المصاهرة به عليه الصلاة والسلام لجهادهما الصادق، وإخلاصهما العميق في سبيل الدعوة، وذلك ظاهر في زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بعائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر رضي الله عنهم.(1/130)
وأمر آخر يصح أن يزاد.. وهو أن الدعوة كانت بحاجة إلى من يبلغ أحكامها الشرعية الخاصة بالنساء وهي كثيرة، وإذا كنا في موضوع الشهادة العادية في الديون والأقضية مثلا تقبل شهادة امرأتين مع رجل إذا لم يوجد رجلان، فما بالنا بالأحكام الأخرى المتنوعة التي تتعلق بالنساء خاصة وما أكثرها، إن زوجة واحدة لا تستطيع القيام بهذا العبء وحدها، فالأمر أكبر بكثير من ذلك، إذ أنه لا يقتصر على أمور الطهارة والحيض فقط، كما قد يتصور البعض وإنما كل ما يتعلق بأحكام الزوجية، وآداب البيت، وشئون المرأة عبادة ومعاملة وأخلاقا، خاصة تلك الأمور التي كان صلى الله عليه وسلم يستحي أن يصارح بها النساء، أو يستحين أنفسهن من أن يسألنه فيها من أحكام الجنابة والطهارة وغيرها.. من أمثلة ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة من الأنصار سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض، فأمرها كيف تغتسل، تم قال: "خذي فرصة ممسكة فتطهري بها" قالت: "كيف أتطهر بها؟" قال: "سبحان الله تطهري بها" قالت عائشة ـ وكأنها تخفي ذلك -: "تتبعي بها أثر الدم"[38] ثم إنه صلى الله عليه وسلم استحيا أو استتر بثوب كما في رواية الترمذي، أي منعه الحياء بأن يصرح لها بوضع القطنة المطيبة بالمسك في المكان الذي كان يخرج منه الدم إتماما للطهارة، فأخذتها السيدة عائشة وأفهمتها المراد، هكذا كانت أمهات المؤمنين خير مبلغ لمثل هذه الأمور النسائية في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما كن فيها وفي غيرها من رواية الحديث والاستفتاء خير مرجع بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.. يقول السيد رشيد رضا: "كان الرجال يرجعون بعده عليه الصلاة والسلام إلى أمهات المؤمنين في كثير من أحكام الدين، ولاسيما الزوجية، فمن كان له قرابة منهن، كان يسألها دون غيرها، فكان أكثر الرواة عن عائشة أختها أم كلثوم، وأخوها من الرضاعة عوف بن الحارث، وابن أخيها القاسم وعبد الله ابنا محمد بن أبي(1/131)
بكر، وحفصة وأسماء بنتا أخيها عبد الرحمن، وعبد الله وعروة ابنا عبد الله بن الزبير من أختها أسماء وروى عنها غيرهم من أقاربها ومن الصحابة والتابعين. وهم كثيرون جدا.
كذلك كان أكثر الرواة عن حفصة أخوها عبد الله بن عمر، وابنه حمزة وزوجه صفية بنت عبيد، وأم بشر الأنصارية.. الخ.
وأكثر الرواة عن ميمونة بنت الحارث أبناء أخوتها، ولا سيما أعلمهم، وأشهرهم عبد الله بن عباس، وأشهر الرواة عن رملة بنت أبي سفيان ابنتها حبيبة وأخواها معاوية وعتبة وابنا أخيها وأختها.
وهكذا نرى كل واحدة من أمهات المؤمنين قد روى عنها من علم الدين كثير من أولي قرباها، ومن النساء والرجال الآخرين..، ولعل أكثر ما سمعه النساء منهن لم يصل إلى الذين دونوا أحاديثهن.
إن أمهات المؤمنين التسع اللائي توفي عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم كن كلهن معلمات ومفتيات لنساء أمته ولرجالها في ما لم يعلمه غيرهن من أحكام شرعية وآداب زوجية، وحكم نبوية".
أجل لقد ساهمت أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن مساهمة فعالة في نقل السنة النبوية - وهي المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله - بأمانة وضبط إلى الأمة الإسلامية وناهيك بهؤلاء النسوة اللاتي ما خفيت عنهن صغيرة ولا كبيرة من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكن جميعا في إذن عام بأن يخبرن الناس ما دار في ظلام الليل قولا سمعنه، أو فعلا رأينه من صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام، ولقد ذكر رواة السنة أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم روين عنه عليه الصلاة والسلام أكثر من ثلاثة آلاف حديث، كان للسيدة عائشة فيه النصيب الأكبر، فقد روت ألفين ومائتين وعشر أحاديث.. ثم تلتها السيدة أم سلمة حيث روت حوالي ثلاثمائة وثمانية وسبعين وتتابع الباقي يروين ما بين خمسة وستين مثل أم حبيبة رملة بنت أيى سفيان ، وستين كحفصة بنت عمر ، وستة وأربعين كميمونة بنت الحارث ، وأحد عشر كزينب بنت جحش ، وغير ذلك، رضي الله عنهن جميعا..(1/132)
وبعد إبراز هذا البحث بمصادره نزيدكم تأكيداً بأقوال باحث آخر أجاد وأفاد نفع الله تعالى به .
وهو صاحب رسالة (( الزواج مثنى وثلآث ورباع ))
الأستاذ الدكتور مازن صلاح مطبقاني
الزواج مثنى وثلاث ورباع
مقدمة :
إن بناء الأسرة يستغرق جهوداً عظيمة ابتداء بالبناء العقدي والأخلاقي ، ومن المعروف أن موقف الإسلام من المرأة يعد رائداً متميزاً مقارنة بالأمم الأخرى قديماً وحديثاً ، ومن الواضح أن الأسرة المسلمة يتربى أفرادها أولاً تربية عقدية أخلاقية ، ثم لا يكون تأسيسها لأسرة جديدة عشوائياً بل يخض لاختبارات من قبل أهل الفتاة ، وكذلك عند أهل الزوج حتى إذا تكونت الأسرة واكبها الإسلام بالتوجيهات والنصح وأحاطها بالأهداف السامية العظيمة .
لهذا كله لما جاء الإسلام ووجد أن التعدد موجد ولكن لاينتظمه نظام ولا حدود ولا قيود ما كان منه إلا أن وضع له نظاماً تشريعياً . ونود أن نشير هنا إلى أن الكتابة عن التعدد لم تكن تحتل مستحة كبيرة في تراثنا الإسلامي أيام عظمة المسلمين وحضاراتهم ، فما كان الأمر يتعدى كتاب النكاح والعدل بين الزوجات دون إطالة زائدة أو حديث حول الأصل في الزواج هل هو التعدد أو الزوج الواحدة ، وما أجمل ما قاله سيد قطب رحمه الله : (أن الإسلام لم ينشئ التعدد بل حدده ، ولم يامر بالتعدد بل رخص فيه وقيده وأنه رخص فيه لمواجهة واقعيات الحياة البشرية ، وضرورات الفطر الإنسانية … فالحكمة والمصلحة مفترضتان وواقعتنا في ك لتشريع إلهي سواء أدركها البشر أم لم يدركوها في فترة من فترات التاريخ الإنساني القصير عن طريق الإدراك البشري المحدود) (1).
__________
(1) سيد قطب ، في ظلال القرآن م1 ص 582 - 583 .(1/133)
وفي هذا الفصل نتناول الزواج بأكثر من زوجة بالحديث أولاً عن التعدد عند اليهود وعند النصارى وفي الواقع الأليم ثم نتناول حكمة الزواج بأكثر من زوجة في الإسلام ونحاول بعد ذلك التعرف على حكم هذا الزواج ، هل هو للضرورة أو للحاجة أو هل هو مباح وغير ذلك من المصطلحات الفقهية ، ويكون خاتمة البحث الحديث عن ضوابط الزواج بأكثر من زوجة .
1) : التعدد عند اليهود :
هل تعدد الزوجات نظام جديد على البشرية ؟! الحقيقة أنه نظام قديم جداً لكنه لم يعرف التنظيم والضوابط إلا في التشريع الإسلامي ؛ فاليهود عرفوا تعدد الزوجات وكان لهم أمراً طبيعياً فقد كثر ذكر زوجات الأنبياء من بني إسرائيل كما وردت عبارات في كتابهم (المحرف) حول مسائل التعدد من مثل "إذا كان لرجل امرأتان إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة فولدتا له بنين المحبوبة والمكروهة الخ"(1).
ومن الدواعي للتعدد عند اليهود دعوة كتابهم (المقدس) لهم أن يكثروا من التناسل ليملؤا الأرض "خلق الله الإنسان ذكراً وأنثى وخلقهم وباركهم الله وقال لهم أثمروا وأكثروا واملؤا الأرض واخضعوها" (2)، وقد دعا هذا علماء اليهود أن يسنوا القوانين الداعية للزواج كما جاء في كتاب الأحكام العبرية :
"النكاح بنية التناسل ودوام حفظ النوع الإنساني فرض على كل يهودي ، ومن تأخر عن أداء هذا الفرض وعاش عزباً بدون زواج كان سبباً في غضب الله على بني إسرائيل" (3).
__________
(1) سفر التثنية 21 : 15 وما بعدها .
(2) التكوين 1 : 27 وما بعده .
(3) أحمد عبدالوهاب ، تعدد نساء الأنبياء ومكانة المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام ، ص 116 .(1/134)
ولما كان دأب اليهود والنصارى أن يخضعوا لأحبارهم ورهبانهم فيما يشرعون من دون الله فقد رأى هؤلاء الزعماء الدينيين أن يحدثوا تغييرات في شرع تعدد الزوجات ، فقد ذكر عبدالناصر العطار بعد استقرائه لتشريعات اليهود أن "أحبارهم كرهوا تعدد الزوجات فحاولوا التضييق منه وذلك لتحديد عدد الزوجات بأربع واشتراط وجود مبرر شرعي عند الزواج بأخرى واشتراط قدرة الرجل على الإنفاق على زوجاته واستطاعته العدل بينهن" (1).
2) التعدد عند النصارى :
من المعلوم أن عيسى عليه السلام صرح لأتباعه وفقاً لما جاء في الإنجيل أنه لم يأت بتشريع جديد "لا تظنوا أني جئت لأنقص الناموس أو الأنبياء ، ما جئت لأنقص بل لأكمل" (2).
ومن أبرز النصوص التي زعم النصارى أنها تمنع تعدد الزوجات ما جاء على لسان المسيح عند سؤاله عن الطلاق قوله : "من بدأ الخليقة ذكراً وأنثى خلقهما الله ، من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق (ويلزم) بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً إذ ليسا بعد اثنين بل جسد واحد ، فالذي جمعه الله لايفرقه الإنسان" (3).
وقد وردت تفسيرات عديدة لهذه العبارة أبرزها أنه لمنع الطلاق منعاً باتاً وليس لمنع التعدد ، ذلك أ، التعدد كان شائعاً عند اليهود ولم يأت المسيح عليه السلام إلا مكملاً وليس ناقضاً ، وفي ذلك يقول أحمد عبدالوهاب : (إن الحديث عن الرجل والمرأة كجسد واحد ليس إذن حديثاً عن نظام الزوجة الوحدة لكنه حديث عن استمرارية العلاقة بينهما ومن ثم فهو حديث يتعلق بالطلاق وليس بتعدد الزوجات) (4).
__________
(1) عطار ، تعدد الزوجات من النواحي الدينية والاجتماعية والقانونية ، ص 86 .
(2) متى 5 : 17 وما بعدها .
(3) انجيل مرقس .
(4) عبدالوهاب ، مرجع سابق ص146 .(1/135)
لكن هذا الموقف لم يتبناه جميع النصارى فقد ظهر منهم رجال دين يبيحون الزواج مرة ثانية وثالثة ورابعة ، بل ويبيحون الجمع بين أكثر من زوجة ، ومن هؤلاء فرقة الان نابتست Ananabaptistes، والمورمون Mormons ، وهؤلاء الأخيرون ظلوا يمارسون التعدد حتى أوائل القرن التاسع عشر (1)، بل ظهرت دعوات من مفكرين وعلمائهم تدعو إلى إباحة التعدد الزوجات وبخاصة بعد أن عانت أوروبا من نقص شديد في عدد الرجال نتيجة للحربين العالميتين التي قتل فيهما أكثر من ثمانية وأربعين مليون رجل (2)، وكذلك لانتشار الفواحش والزنا وزيادة عدد اللقطاء ومن هؤلاء بول بيرو Boul Bureou ، وفردينا ند دريفوس Ferdinand Dryfus ، و بن لندسي Ben Lindsey ، وغيرهم .
3) التعدد الأثيم في الواقع الأليم :
ظن اليهود والنصارى أنهم بإصرارهم على منع التعدد وإجبار الرجل على الزواج بزوجة واحدة قد بلغوا قمة العقل والرشد في التشريع . مع أن حقيقة دينهم وكتبهم ـ مهما دخلها من تحريف ـ لا تمنع التعدد مطلقاً وإلا كيف ينظرون إلى أنبيائهم الذين تزوجوا العديد من النساء وكان لبعضهم السراري الكثر ؟ أليس النبي قدوة لمن آمن به ، لكنهم قوم يجهلون .
__________
(1) عطار ، مرجع سابق ص108 عن محمود سلام زناتي ، النظم القانونية الإفريقية وتطورها (1966) ص101 ـ 107 .
(2) قتل في الحرب العالمية الأولى 5 ـ 8 مليون كما أشار إلى ذلك نور الدين حاطوم في الموسوعة التاريخية الحديثة ـ تاريخ القرن العشرين (لبنان ، 1385 ـ 1965) ص 122. وفي الحرب العالمية الثانية قتل أكثر من 40 مليون عن :
Encyclopaedia International (U.S.A : 1981) voi . 19 P 493(1/136)
ظل الطلاق محرماً في ظل الكنيسة زمناً طويلاً حتى حدث الانفصام بين الكنيسة والدولة فأباحت التشريعات الوضعية الطلاق ثم تبعتها بعض الطوائف المسيحية ، أما تعدد النساء فإنه مازال محرماً وإن نظرت إليه طائفة أو طائفتان على أنه مباح وما زالوا يمارسونه بشكل سري في بعض الولايات الإمريكية .
هل انتهى التعدد بمجرد وجود هذه التشريعات الجاهلة ؟ الحق أنه موجود لكنه تعدد إباحي فاسق فاجر ، وإليك صورة موجزة عن أحوال المرأة في المجتمعات الغربية وغيرها من المجتمعات التي أخذت بقانون منع الزواج بأكثر من زوجة .
قد تبدو الأرقام التي سنوردها عن الخيانة الزوجية مبالغاً فيها ، ولكن المصدر الذي أورد هذه الإحصائية وهي جريدة عربية يومية تصدر في لندن وليس بقصد انتقاد الغرب أو إظهار محاسن الإسلام بل لكونها مجرد خبر صحفي ، فقد جاء في هذه الإحصائية (29/5/1980) أن 75% من الأزواج يخونون زوجاتهم في أوروبا ، وأن نسبة أقل من المتزوجات يفعلن الشئ ذاته (1).
وينقل المودودي رحمه الله تعالى عن بول بيورد عن انتشار الزنى بين المتزوجين والمتزوجات قوله: "وإن زنا المحصنين والمحصنات لا يعد من العيب أو اللوم في فرنسا ، فإذا كان أحد من المحصنين متخذاً خليلة دون زوجته فلا يرى لإخفاء الأمر لزوم ويعد المجتمع فعله ذلك شيئاً عادياً طبيعياً في الرجال" (2).
أما عن نتائج هذه الإباحية ومنع التعدد فمنها ازدياد الأطفال غير الشرعيين زيادة كبيرة جداً ، ففي إحدى الإحصائيات أن عدد هؤلاء الأطفال يفوق المليون سنوياً في أمريكا وحدها وقد كان هذا عام 1979م ، أما الآن فقد يكون الرقم أكثر من هذا (3).
__________
(1) محمد علي البار ، عمل المرأة في الميزان ص 131 .
(2) المودودي ، الحجاب ص95 عن بول بيرول ص 76 ـ 77 من كتابه نحو انهيار أخلاقي ، نشر في لندن سنة 1925.
(3) محمد علي البار ، مرجع سابق ص 131.(1/137)
ولن تكون هذه النتائج السيئة قاصرة على المجتمعات الغربية ، فإن البلاد الإسلامية التي تأثرت بالغرب ابتداء من إخراج المرأة وسفورها ، واختلاطها بالرجال بالإضافة إلى دفعها للعمل تحت شتى المبررات ومن التشريعات المختلفة للحد من الزواج بأكثر من زوجة أو تحريمه مطلقاً ، فلا بد أن تكون قد جنت الثمار الخبيثة لذلك كله .
4) الزواج مثنى وثلاث ورباع :
لا شك أن الذين كتبوا عن المرأة وأفردوا فصولاً للحديث عن تعدد الزوجات قد تناولوا أسباب الزواج بأكثر من واحدة ، ولكن هل يحتاج الأمر حقاً إلى إجهاد الفكر للبحث عن أسباب التعدد وحكمته؟ هل التعدد قضية ينبغي أن تنفرد بالكتابة حولها ؟ يبدو أن احتكاك العالم الإسلامي بالغرب الأوروبي النصراني واليهودي والملحد زمناً طويلاً وتحول المسلمون من وضع الأمة الغالبة إلى وضع المغلوب (المولع دائماً بتقليد الغالب) قد فرض على الكتاب الإسلاميين والكتاب المتغربين أن يتناولوا هذه المسألة كل من وجهة النظر التي يعتنقها .
فالإسلاميون يرون أن الإسلام وحده هو الذي أعطى المرأة حريتها وكرامتها واعترف بها إنساناً كامل الإنسانية ونظر إلى طبيعتها وطبيعة الرجل فحدد نظاماً اجتماعياً يكفل مشاركة الجميع مشاركة فعالة، بينما يرى المتغربون ـ المغلوبون حقاً ـ أن الإسلام لم يعترف للمرأة بكيان مستقل وأنها في وضع أدنى من الرجل وحرمها من المساواة التي يتطلع إليها هؤلاء .(1/138)
ومن اللافت للانتباه أن الدراسات الغربية (باللغات الأوروبية المختلفة) حول المرأة في العالم الإسلامي تفوق بوضوح حجم الكتابات التي كتبها الإسلاميون ، كما تفوقها في الانتشار ، ولعل من أبرز الدلائل على هذا العدد الكبير من المجلات الأسوعية النسائية وغير النسائية المنتشرة بلغات المسلمين وهي تحمل الفكر المتغرب بصراحة (1).
وما زالت الكتب الداعية إلى خروج المرأة وسفورها تصدر تباعاً منذ كتاب قاسم أمين "تحرير المرأة" وكتاب الطاهر الحداد "امرأتنا في المجتمع والشريعة" حيث دعا كلاهما إلى خروج المرأة وسفورها وحارب الزواج بأكثر من زوجة . وبين يدي كتاب تولت اليونسكو نشره باللغة الإنجليزية أولاً ثم مولت ترجمته ونشره إلى اللغة العربية بعنوان "الدراسات الاجتماعية عن المرأة في العالم العربي" وفي هذا الكتاب تكرار لدعوة قاسم أمين ولكن بأسلوب أكثر تطوراً باستخدام معطيات عن الاجتماع ومصطلحاته .
لهذا يبدوا أن لابد من الاستمرار في الكتابة في هذا الموضوع وإجراء البحوث والدراسات الاجتماعية حول قضايا الأمة المختلفة وبخاصة موضوع المرأة ، ولابد من أخذ زمام المبادرة من دعاة التغريب ، ولقد أصبح القارئ من كثرة ما يجد من هذه الدراسات التي تزعم لنفسها العلمية والمنهجية أن يقع فريسة لأطروحاتها .
__________
(1) يذكر الآن عن الجزائر بعد انتشار الصحوة الإسلامية ومشاركة المرأة المسلمة في المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية أن قام المتغربون ـ المغلوبون حقاً ـ بإصدرا عدد من المجلات النسائية لإفساد المرأة ليكون ذلك مدخلاً لهم .(1/139)
أما الحكمة من إباحة الإسلام لتعدد الزوجات فيمكن أن نجدها في معرفة البناء العقدي والأخلاقي للإسلام ، فهل يرضى أحد من المسلمين لأمه أو أخته أو ابنته أو عمته أو خالته أن تكون زانية ؟ هل يرضى مسلم أن تصبح مهنة الخنا والفجور مهنة رسمية تصرح بها الحكومات وتفرض عليها الضرائب؟ هل يرضى مسلم لابنه أن يكون من رواد مثل هذه الأماكن القذرة؟ هل ترضى مسلمة أن تعيش هانئة سعيدة وترى حولها نساء لا يجدن فرصة لدخول أبواب الحياة الزوجية؟ ألا يخالف موقف المرأة الرافضة لمشاركة أخرى لها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)(1)
لا شك أن التربية العقدية والأخلاقية للمسلم تجعله ينفر من الزنا والخنا والفجور لأنه يسأل ربه دائماً أن يرزقه العفاف والغنى، كما أن التربية العقدية في الإسلام لا تركز على الجانب الفردي على حساب الجماعة بل المسلم بطبيعته صاحب نظرة شاملة يهمه دائماً أمر الإسلام والمسلمين. بالرغم من هذا الوضوح في تشريعات الإسلام العقدية والأخلاقية إلاّ أنه ظهر من المسلمين وغير المسلمين من أثار
الشبهات حول إباحة التعدد ، وفيما يأتي
بعض هذه..(1/140)
ان تلك الأحكام التي أمر بعض البشر أن تكون كلمتهم هي النافذة فيها ، وهي مسألة إن لم تكن أخطر المسائل فإنها من أخطرها. وليس الزواج بأكثر من واحدة مسألة جديدة فقد حاربته أوروبا في عصر "النهضة الحديثة" حينما اتفق رجال الدين عندهم مع رجال القانون المدني الوضعي على إلغاء حق الرجل في الزواج بأكثر من واحدة مهما كانت الأسباب والدوافع خرجت أوروبا من نطاق حدودها الجغرافية لتهيمن رجاء العالم الإسلامي مبتدئة بالسيطرة العسكرية والسياسية والاقتصادية ، حيث سلبت الشعوب الإسلامية قدرتها على حكم نفسها واستغلال ثرواتها . وتحول (( الأستخراب )) الاستعمار فيما بعد إلى سيطرة على شؤون الحياة حينما استسلم العالم الإسلامي لحالة التبعية المطلقة ورضي أن يكون في وضع ((المغلوب المغرم دائماً بتقليد الغالب)) . وهذه هي المرحلة التي تكون فيها الأمة مغزوة في عقيدتها وفكرها .وكان مما تأثرنا به أن أصبحنا نستهجن تعدد الزوجات كم يستهجنونه ، وأن
نأكل الربا كما يأكلونه ، وأن نستخف بالزنى والخنا كما يفعلون إلا من رحم الله .اعلم أن موضوع تعدد الزوجات ليس جديداً في تناوله من وجهة النظر الإسلامية ، فثمة عشرات الكتب التي تناولته ، لمنها اختلفت مس بالإنفاق على العديد من أولاده وزوجاته في الوقت الذي ازدادت فيه مطالب كل فرد وقلت الموارد المالية (1).
5) الرد على هذه الشبهات :
__________
(1) عطار، تعدد الزوجات ص62 مرجع سابق .(1/141)
إن معرفة الإسلام صحيحة كفيلة بالرد على هذه الشبهات فالزعم بأن التعدد كان في بداية الإسلام منتشر في العالم حيث كان ينظر إلى المرأة نظرة دونية . فإذا كان الإسلام قد جاء في القرن السادس الميلادي فلماذا استمر نظام التعدد معمولاً به في جميع أنحاء العالم حتى القرن السادس عشر ؟ فأي مغالطة هذه ؟ أما المغالطة الثانية فهي ربط التعدد باحتقار المرأة ، ألا يكفيه أن يعرف حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (النساء شقائق الرجال) (1)، وحديث (إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثلاثاً …) (2)، أو حديث (من كان عنده ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة) (3)، بالإضافة إلى التشريعات الإسلامية كلها التي تساوي بين المرأة والرجل في التكاليف والأجر والثواب إلا ما كان من اختلاف في الخلقة والتكوين بين المرأة والرجل لا شك أن إباحة الزواج بأكثر من زوجة سيعطي الفرصة للكثير من النساء للنجاة من براثن العنوسة بل ولعله يعطيهن الفرصة ليصبحن أمهات ويجدن من يبرهن حين نعلم توجيه رسولنا صلى الله عليه وسلم لمن سأله : أي الناس أحق بحسن صحابتي ؟ فقال له : (أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ..) (4).
__________
(1) الترمذي ، كتاب الطهارة حديث 113 .
(2) ابن ماجة ، أبواب الآداب ـ باب برناردلويس الوالدين حديث 3705 .
(3) الترمذي كتاب البر والصلة حديث 1916 .
(4) البخاري كتاب الأدب (71/2007)(1/142)
أما الإدعاء بالمحافظة على شعور المرأة من أن تشاركها زوجة أخرى في زوجها فأمر نرد عليه بأن نسأل هؤلاء : هل الأولى أن تشاركها امرأة أخرى شريفة عفيفة ذات خلق إسلامي أو ترضى لنفسها أن تستقبل زوجاً يعاشر الساقطات ؟ إن المرأة تقبل راضية أو كارهة أن ينشغل عنها زوجها بأعماله الكثيرة وسفره المتواصل والتقائه مع النساء سواء في محيط عمله أو خارجه ولا ترضى أن يكون لها ضرة . ويبدو لي أن كثيراً من النساء يفضلن زوجة أخرى على مثل هذا العمل الذي يساوي أكثر من عشرات النساء لِلَّهِ .
وحين يزعمون بوجود الخصومة والشقاق بين أبناء الرجل من زوجات مختلفات ، فنذكر هؤلاء بأن الإسلام حريص جداً على تماسك المجتمع الإسلامي الأباعد منهم والأقارب ، وفيما ياتي بعض التوجيهات القرآنية التي تؤكد ذلك { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } الحجرات10
إنما المؤمنون إخوة في الدين, فأصلحوا بين أخويكم إذا اقتتلا وخافوا الله في جميع أموركم؛ رجاء أن تُرحموا. (1) ، وقوله تعالى { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } آل عمران103
__________
(1) سورة الحجرات آية (10).(1/143)
وتمسَّكوا جميعًا بكتاب ربكم وهدي نبيكم, ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فرقتكم. واذكروا نعمة جليلة أنعم الله بها عليكم: إذ كنتم -أيها المؤمنون- قبل الإسلام أعداء, فجمع الله قلوبكم على محبته ومحبة رسوله, وألقى في قلوبكم محبة بعضكم لبعض, فأصبحتم -بفضله- إخوانا متحابين, وكنتم على حافة نار جهنم, فهداكم الله بالإسلام ونجَّاكم من النار. وكما بيَّن الله لكم معالم الإيمان الصحيح فكذلك يبيِّن لكم كل ما فيه صلاحكم; لتهتدوا إلى سبيل الرشاد, وتسلكوها, فلا تضلوا عنها. (1)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } (2)وقوله صلى الله عليه وسلم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) (3)، هذا بين من تجمعهم كذلك أخوة النسب بانتمائهم إلى أب واحد . إن المغالاة في تصوير النزاعات المتوهمة بين أبناء العلات قد سيقت للتشكيك في إباحة تعدد الزوجات ، بل جعلهم ذلك يركبون الصعب للعبث بالشريعة الإسلامية . فماذا عليهم لو حكموا عقولهم ونظروا في أحوال البلاد التي قيدت الزواج وقيدت الطلاق كيف أصبح حال شبابها ونسائها ، إن الدعاة قد أصبحت في هذه البلاد مؤسسة ضخمة تدر مئات الملايين من الدولارات شهرياً أو سنوياً ، وأصبح عدد اللقطاء قريباً من عدد الأبناء الشرعيين ، بل إن الأبناء الشرعيين توشك شرعيتهم أن تضيع لما أصاب النساء والرجال من الانحراف والفساد .
__________
(1) سورة آل عمران آية (103) .
(2) البخاري ، كتاب الإيمان (2/13) ، الترمذي ، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع (38/2515).
(3) البخاري ، كتاب الإيمان (2/10) .(1/144)
ويمكن أن نضيف التساؤل حول الأرامل والمطلقات ولا سيما ذوات الأبناء هل يحرمون من الزواج من رجل متزوج من أجل هذه النزاعات والشقاقات المتوهمة أو المتوقعة ؟ أما التاريخ فيقول عن أبناء الرجال الذين تزوجوا زوجتين وأكثر هؤلاء هم الذين فتحوا الدنيا وأناروها بالإسلام فلو كانوا حقاً في شقاق ونزاع لما خرجوا من جزيرة العرب بل هم لم يخرجوا من الجزيرة حينما كانوا يعددون الزوجات بلا حدود ولا قيود وكانوا لايقيمون للمرأة وزنا .
وللرد على مسألة الاحتياجات الاقتصادية فنقول بأن الأرض لم تضق يوماً برزق من عليها والله عز وجل يقول : { وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } الذاريات22
وفي السماء رزقكم وما توعدون من الخير والشر والثواب والعقاب, وغير ذلك كله مكتوب مقدَّر. (1) ويقول سبحانه { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } هود6
__________
(1) سورة الذاريات ، آية (22) .(1/145)
لقد تكفَّل الله برزق جميع ما دبَّ على وجه الأرض, تفضلا منه, ويعلم مكان استقراره في حياته وبعد موته, ويعلم الموضع الذي يموت فيه, كل ذلك مكتوب في كتاب عند الله مبين عن جميع ذلك. (1) وقد قسمت الكرة الأرضية بعد سيطرة الغرب وهيمنته إلى قسمين ؛ مجتمعات الوفرة والفائض التي تحارب التعدد ، ومجتمعات الجوع والفقر ، وليس سبب هذا التقسيم أن الفقراء لا يملكون بل هم يملكون ولا يعرفون كيف يستغلون ما عندهم فيقعون ضحية لقوة الغرب الذي يأخذ ما عندهم، ألا ترى الدول الصناعية تأخذ الخامات من الدول الفقيرة لتصنيعها فإذا ما صنعتها أعدتها منتجات (أوهموا العالم بأنها ضرورية) وبيعت بأسعار تفوق قيمتها الحقيقة عشرات المرات بل بلغ من جشع هذه الدول أنها تلقي بفائض إنتاجها في البحر أو تحرقه أو تتلفه بأي وسيلة حتى لايتدنى سعره في الأسواق فأي حضارة هذه تموت فيها الملايين من أجل ترف المترفين . ولابد أن نذكر أن المرأة حين تتزوج بصفتها ثانية أو ثالثة فهي تأتي برزقها ذلك أن كل مولود يكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد قبل أن يولد . فهي من مخلوقات الله التي تكفل برزقها كما أن هذه المرأة قد تكون صاحبة فكر وتدبير أو صنعة أو مهن قد تعين الرجل في عمله فينتقل من حالة الفقر والعوز إلى الغنى .
__________
(1) سورة هود ، آية (6) .(1/146)
ويزعمون أيضاً أن التعدد برهان على تمكن الغريزة البهيمية من الرجل ، فهل يقولون هذا من علم وبينة ؟ { أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ } الأنبياء24 (1)، هل الدين الذي يأمر بالعفة وغض البصر وحفظ الفرج ويعاقب على الزنا ـ متى توفرت شروط العقوبة ـ بالجلد أو الرجم هل مثل هذا الدين يسمح بالبهيمية ؟ أم أن البهيمية تتمثل في الاختلاط والتبرج والسفور ووسائل الفن الداعية إلى الرذيلة بما تعرضه من مفاتن المرأة ؟ .
ولكن لنرد بأسلوب آخر فالمسلم يتحمل أضخم مسؤولية عرفها الإنسان لأن أمته هي الأمة الوسط وهو المسؤول عن دعوة البشرية جمعاء إلى الدين الحق وإقامة شرع الله فيها فالرسل قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يبعثون إلى أقوامهم خاصة وهم يتحملون مسؤولية الدعوة جميعها ، أما أتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أمروا أن يبلغوا فيشاركوا الرسول في مهمته { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } يوسف108
__________
(1) سورة البقرة ، آية (111) .(1/147)
قل لهم -أيها الرسول-: هذه طريقتي, أدعو إلى عبادة الله وحده, على حجة من الله ويقين, أنا ومن اقتدى بي, وأنزِّه الله سبحانه وتعالى عن الشركاء, ولستُ من المشركين مع الله غيره. (1)، وجاء عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قوله (نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما وعاها فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) (2)، فكيف لمن حمل هذه الدعوة والمسؤولية أن يكون بهيمياً ؟ كيف لمن حثه الإسلام على قيام الليل والغزو في سبيل الله ، ولمن دعاه الإسلام إلى التقلل من متع الدنيا (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)(3) أن يكون بهيميناً ؟ كيف لمن يؤمن بالإسلام الذي جاء من عند الله عز وجل القائل في كتابه { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ } آل عمران14
__________
(1) سورة يوسف ، آية (108) .
(2) أحمد ج1 ص131 ، وفي شرح السنة للبغوي ج10 ص44 ، والترمذي رقم 2658 .
(3) الترمذي كتاب الزهد (37/2333) .(1/148)
حُسِّن للناس حبُّ الشهوات من النساء والبنين, والأموال الكثيرة من الذهب والفضة, والخيل الحسان, والأنعام من الإبل والبقر والغنم, والأرض المتَّخَذة للغراس والزراعة. ذلك زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية. والله عنده حسن المرجع والثواب, وهو الجنَّة. (1) كيف لهذا أن يكون بهيميناً ؟ المسلم الحق لا تسيطر عليه الشهوانية والبهيمية إن سيطرت على غيره ، فهذه الصفة لو لم تكن حقاً مسيطرة على المجتمعات الغربية لما امتهنت المرأة هناك امتهاناً مزرياً بها وأصبحت تمتهن البغاء أو تمارسه دون أن تمتهن غيره من عشرات المجالات . ثم متى كانت المرأة محترمة إذا أوقفت في شباك زجاجي لتتلوى كالثعبان تعرض الأزياء ؟ أو تظهر في شتى الصور المثيرة التي تعرض فيها منتجات هذه الحضارة من الأحذية إلى الإطارات إلى الخطوط الجوية إلى أغلفة المجلات والكتب وغيرها .
وثمة جانب آخر فالإسلام حين أباح التعدد راعى أن للمرأة غريزة مثل الرجل ، وفي ذلك يقول محمد قطب : "ولكن حاجتها الطبيعية كيف تقضيها ؟ ومالم تكن معصومة فهل أمامها سبيل إلا الارتماء في أحضان الرجال لحظات خاطفة في ليل أو نهار ؟ ثم حاجتها إلى الأولاد … كيف تشبعها ؟ والنسل رغبة لا ينجو منها أحد" (2)، ولكنها لدى المرأة أعمق بكثير من الرجل ، إلى أن يقول : "فهل من سبيل إلى قضاء تلك الحاجات بالنسبة للمرأة بصرف النظر عن حاجة المجتمع إلى أخلاق نظيفة تحفظه من التحلل الذي أصاب دولاً كثيرة فأزالها من قائمة الدول التي كان لها دور في التاريخ ـ هل من سبيل إلى ذلك غير اشتراك أكثر من امرأة في رجل واحد علانية وبتصريح من الشرع) (3).
__________
(1) سورة آل عمران ، آية (14) .
(2) هذه الرغبة في النسل أودعها الله في نفوس البشر وهي ضرورية لرعاية النسل والاهتما به ويبدو أن التعبير بـ(لاينجو منها أحد) غير مناسب .
(3) محمد قطب ، شبهات جول الإسلام ص136 .(1/149)
إن شرع الله لا يسأل فيه البشر أيرضونه أم لا ؟ أيحبونه أم لا ؟ ولكن متى كان لدعاة ما يسمى بتحرير المرأة والنساء القاصرات النظر اللاتي تطغى عليهن غريزة حب التملك أو المتغربون الذين باعوا عقولهم للغرب يسألون عن شرع الله ؟ إن الغرب نفسه كما ذكرنا يشكو من مشكلة اللقطاء والبغاء وبيع الأطفال وقتل الأطفال المتسكعين بلا مأوى ، هذا الغرب لا يمكن أن يُنظر إلى رأيه ، ثم هل درسنا التاريخ الإسلامي دراسة اجتماعية ؟ هل سألنا النساء اللاتي شاركن غيرهن في رجل يلتزم بقيم الإسلام وأخلاق ؟ لا شك أننا لو استقرأنا التاريخ استقراء صادقا ولو التزم المسلمون بالاسلام لما ظهرت مشكلة يطلق عليها تعدد الزوجات .
6) زواج الرسول صلى الله عليه وسلم (1):
وإن من أبلغ ما يمكن الرد به على من يثير قضية تعدد الزوجات أن نعرض موجزاً حول تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم فإن فيها النور والهداية والحكمة والعقل .
عرف الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة قبل البعثة بالصدق والأمانة والعفة واستقامة الخلق فلم يعرف عنه مطلقاً أن شارك في أي
الزواج بها كبار أشراف قريش وكانت قد بلغت الأربعين من العمر ، تزوجها محمد صلى الله عليه وسلم وعاش معها في وئام زوجي وتفاهم وود حتى توفاها الله بعد ان بلغ الخمسين من العمر .
__________
(1) رجعت في هذا الجزء أساساً إلى كتاب أحمد عبدالوهاب ، تعدد نساء الأنبياء ص50 ـ 90 .(1/150)
وظل يتذكر هذه الزوجة بكل الوفاء والمحبة لأنها آمنت برسالته وكانت قد جعلت مالها في سبيل الدعوة إلى الله ، وأنجبت له الذرية التي حرمها من غيرها من زوجاته . وكان زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة من امرأة أرملة مسنة هي سودة بنت زمعة رضي الله عنها ، مات عنها زوجها وهي في الحبشة التي هاجرت إليها فراراً بدينها ، فما كان من النبي إلا أن تزوجها إكراما لها على تضحيتها في سبيل هذا الدين وخوفاً عليها من العودة إلى والدها المشرك ، ولكونها امرأة كبيرة في السن تستطيع أن ترعى شؤون أبنائه من خديجة رضي الله عنها التي توفيت منذ وقت قصير .(1/151)
وبعد سودة بنت زمعة التي شرفها الرسول صلى الله عليه وسلم بزواجه منها ولم تكن تملك مؤهلات الزوجة من الجمال والشباب تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها رفيق دعوته وخليله . إن زواجه صلى الله عليه وسلم من عائشة الشابة الجميلة كان زيادة في القربى من أبي بكر الصديق ، ولأن الصديقة رضي الله عنها كانت ذات ذكاء وفهم وفطنة فهي التي ستنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً من العلم لهذه الأمة ، ولو كان تزوجها للمتعة لما تزوج بعدها ، ولكن عائشة رضي الله عنها قد جاء بعدها نساء ينافسنها في الجمال والشباب . أما زواج الرسول صلى الله عليه وسلم الرابع فكان من حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، تلك المرأة التي بدأت تتخطى سن الشباب فقد كانت من الذين هاجروا إلى الحبشة وكانت متزوجة وتوفي زوجها بعد أن شهد بدراً وأحداً فتأيمت فما كان من أبيها إلا أن عرض تزويجها على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها إكراماً لها ولأبيها . (( وكذا لمقصد عظيم آخر من مقاصد التعدد وهو مد أواصر المحبة بين الأصحاب وهذا ظاهر جلي من تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من عائشة بنت أبى بكر , وبعدها حفصة بنت عمر , وتزويجه صلى الله عليه وسلم لعثمان بنتين من بناته وكذا تزويج على بن أبى طالب بفاطمة رضى الله تعالى عن الجميع , فكان من أسباب ذلك تقوية أواصر الدين بالرحم فأصبحوا جميعهم كالعائلة الصغرى التى تنتمى للعائلة الكبرى وهى الأمة الإسلامية جميعها . ونستخلص من هذا كذلك أن من أهم مقاصد التعدد ربط أواصر والود بين العشائر وبعضها فهى من مقاصد الخلق فلا يُغفل هذا فالله جل شأنه يقول : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ(1/152)
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } الحجرات13
يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من أب واحد هو آدم, وأُم واحدة هي حواء، فلا تفاضل بينكم في النسب, وجعلناكم بالتناسل شعوبًا وقبائل متعددة؛ ليعرف بعضكم بعضًا, إن أكرمكم عند الله أشدكم اتقاءً له. إن الله عليم بالمتقين, خبير بهم.
وتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك زينب بنت خزيمة (أم المساكين) وكانت متزوجة قبله ولم تمكث طويلاً حيث عاشت معه عدة أشهر وتوفاها الله .
وكان زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سلمة هند بنت أمية التي هاجرت مع زوجها إلى الحبشة ولما هاجرت مرة أخرى مع زوجها إلى المدينة استشهد زوجها يوم أحد كانت قد كبرت في السن ولها أطفال ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يعلم أمته الرحمة والرأفة فضمها إلى زوجاته .
وتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بعد أن طلقها زيد بن حارثة وكان زيد رضي الله عنه يدعى في الناس بيزد بن محمد ولكن الله عز وجل أراد أن يبطل التبني فلا يدعي أحد نسباً لأحد ما هو شرعي وكذلك أن المولى أو من كان في حكم المتبنى يحق للولي أن يتزوج امرأته إذا طلقها . إنه درس عظيم أراد الله عز وجل أن يتعلمه المسلمون فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون القدوة . والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي زوج زيداً بزينب ولم تكن زينب بعيدة عنه لا يعرفها حتى إذا أصبحت زوجاً لغيره أحبها . إن هذا لهو الافتراء حقاً ، ومن ذلك زعم رؤية الرسول لها وإعاجبه بها بل وحبه لها وولهه بها صلى الله عليه وسلم كيف يستسيغ عاقل أن ينسب للرسول صلى الله عليه وسلم مثل هذا الأمر ، وهل مسؤوليات النبوة والقيادة والقدوة كانت تترك الرسول صلى الله عليه وسلم لينظر إلى جمال امرأة وهو الذي تزوج الأرامل والمسنات لإكرامهن وتكريمهن ألم يكن لبشريته صلى الله عليه وسلم أن تظهر إلا في هذا الأمر .(1/153)
ونذكر من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث التي كان المسلمون في حرب مع قومها فوقعت في الأسر وكانت من نصيب أحد المسلمين وجاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تستعين به لفك أسرها فخيرها بين العتق أو أن يتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم وقبلت بالزواج من الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهنا تسابق المسلمون لعتق أسراهم فكانت بركة على قومها أي بركة .
وتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب اليهودي بعد مقتل زوجها وكان أقاربها من أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعداء الإسلام ولكنها اختارت الإسلام فتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة بها .
ومن أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان قائد معسكر الكفر قبل إسلامه ، وقد تزوجها وهي في الحبشة بعد أن ارتد زوجها عن الإسلام ، وحرصاً من النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تضيع هذه المرأة المسلمة في أرض الغربة وكل النجاشي أن يعقد له عليها فكانت بذلك محل إكرام من المسلمين ومن النجاشي .
فماذا في هذه التعدد ؟ إن من أجمل ما قرأت قول الشيخ محمد علي الصابوين في رد الشبهات حول مسألة تعدد الزوجات حيث يقول :
" مال الذي يفعله الرجل الشهوان الغارق في لذات الجسد إذا بلغ في المكانة والسلطان ما بلغه محمد بين قومه ؟ لم يكن عسيراً عليه أن يجمع إليه بنات العرب وأفتن جواري الفرس والروم على تخوم الجزيرة العربية ، ولم يكن عسيراً عليه أن يوفر لنفسه ولأهله من الطعام والكساء والزينة مالم يتوفر لسيد من سادات الجزيرة في زمانه ، فهل فعل محمد ذلك بعد نجاحه؟ هل فعل محمد ذلك في مطلع حياته ؟ كلا لم يفعله قط ، بل فعل نقيضه وكاد أن يفقد زوجاته لشكايتهن من شظف العيش في داره" (1).
__________
(1) محمد علي الصابوني، شبهات وأباطيل حول تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ، 1400 ـ 1980م ص(1/154)
فهل في مثل هذا التعدد ما يشين ؟ كلا والله بل إنه لفخر وأي فخر للإسلام والمسلمين .
7) الأسباب الداعية إلى الزواج مثنى وثلاث ورباع :
وإتماماً للحديث عن هذه القضية نورد فيما يأتي الأسباب الداعية للزواج بأكثر من زوجة كما أوردها بعض من سبق إلى درساة هذا الموضوع ، هناك أسباب عامة وأخرى خاصة ، ولنبدأ بالأسباب العامة .
أولاً : زيادة عدد العوانس والمطلقات (1):
يزداد عدد العوانس في أي مجتمع يعزف الشباب فيه عن الزواج لأسباب عديدة قد يكون منها توفر الفرص للالتقاء بالنساء خارج إطار الزواج ومسؤولياته ، أو قد تكون مسؤوليات الزواج وتكاليفه مما تنوء به ظهور الشباب عندما لايجد المسكن المناسب ، وإن وجده لاي جد ما يدفع مهراً ، إلى غير ذلك من تكاليف تجعله يعزف عن الزواج . وقد يزداد عدد العوانس لأسباب اجتماعية كأن لا يقبل الأب زوجاً لابنته إلا من طبقة اجتماعية أو انتماء قبلي معين .
أما زيادة الأرامل والمطلقات فيمكن أن تحدث لأسباب منها : أن مؤسسة الزواج أو الأسرة لم تعد لها احترامها ومكانتها فيكثر الطلاق ، أما الترمل فهو نتيجة الأحداث والحوادث من حروب وغيرها ، ويتعجب المرء حين يقرأ في تاريخنا الإسلامي أن امرأة مات زوجها فتزوجها آخر بسرعة ، أ إن طلقها أحدهم تزوجها الآخر . هل كانت النساء قلة أو أن المرأة كانت شخصيتها في ذلك الزمن أكثر جاذبية وأوقى مما وصلنا إليه في هذا الزمن . لا شك أن في هذا الأمر بعض الصحة . ومن أسباب الترمل أيضاً أن النساء يعشن في المتوسط أكثر من الرجل لما يتعرض له الرجل من مخاطر في حياته .
ثانياً : نقص عدد الرجال نقصاً كبيراً نتيجة الحروب :
__________
(1) عطار، تعدد الزوجات ، مرجع سابق ص37 .(1/155)
من الأمثلة الحديثة على هذا الأمر ما وقع في أوروبا من حربين عالميتين قضت على الملايين من الرجال مما دعا بعض المفكرين الغربيين أن ينصحوا بإقرار تعدد الزوجات ، ولكن أوروبا أصمت سمعها عن النصيحة مضحية بالقيم والأخلاق .
الأسباب الخاصة للتعدد(1) .. :
1) العقم :
من أبرز أهداف الزواج الذرية ، فلو ثبت أن المرأة لا تجنب وعاش الرجل معها أعواماً أينكر العشرة والمودة بينهما فيطلقها ويتزوج أخرى أم يبقيها معززة مكرمة ؟ إن الأطفال الذين قد تنجبهم المرأة الأخرى سيصبحون كأنهم أطفالها لصلتها بوالدهم ، والواقع يصدق ذلك كثيراً ، كذلك سيكون بيت المرأة التي ليس عندها أطفال مكانا لراحته وهدوئه فتكسبه مرتين . أما إذا كان الرجل عقيماً فمن حق المرأة أن تطلب الطلاق .
2) العجز عن القيام بالواجبات الزوجية لمرض أو سواه
وهذا إكرام آخر للمرأة فإن قعد بها المرض عن أداء واجباتها الزوجية فمن الوفاء لها إبقاؤها على ذمة الزوج والزواج بامرأة أخرى .
3) رغبة الرجل في الاقتران بامرأة أحبها
ثمة مناسبات تجعل الرجل يتعرف إلى امرأة ما وبخاصة المجتمعات التي فيها قدر من الاختلاط أو سمع بمزاياها وقد لا تكون لزوجته مثل هذه المزايا فيرغب في الزواج منها . فحرصاً على عفافه والتزامه الطريق السليم يتقدم للأخرى . فهل يكون من الإنصاف للأولى أن يطلقها أو أن يحاول الوصول إلى المرأة الأخرى خارج نطاق الزواج .
4) كره الرجل لزوجته
__________
(1) أخذنا هذه الأسباب من كتاب مصطفى السباعي ، "المرأة بين القه والقانون" ، وكتاب عبدالناصر عطار "تعدد الزوجات" وغيرهما.(1/156)
(القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) (1)، فمن كان حبيب اليوم لقد تغير نحوه غداً وقد تشتد الكراهية وتكثر الخصومات فبدلاً من التفريق بين الزوجين ، وبخاصة إذا كان عندهما أطفال فلا بأس أن يتزوج بأخرى ، الأمر الذي قد يؤدي إلى هدوء العش الزوجي بل وربما عودة الحب من جديد ، وكم من رجل كره زوجته وتزوج بأخرى فعاد إلى الأولى أشد حباً وتقديراً فتكون قد كسبت مرتين ، انتهاء الكراهية بينهما وازدياد حبه لها من جهة أخرى .
5) كثرة أسفار الزوج وإقامته في بلد آخر
قد تطول فهل يتخذ زوجة يعيش معها بطريقة مشروعة أو يترك الرجل ليقع في الخطأ ؟ إن بعض الرجال ينتقل عمله من بلد إلى آخر فتأبى زوجته الانتقال معه وهو لا يريد مفارقتها فهل يتركها وأطفالها بالطلاق أو تبقى على ذمته يزورها ويؤدي واجبه نحوها.
6) الدافع الجنسي
سبق أن أوردنا الآية { زين للناس حب الشهوات } (2) وبعض الرجال أصحاب طاقة تفوق المعدل بل إن طاقة الرجل حتى في الأحوال العادية تستطيع أن توفي بحق أكثر من زوجة والدليل على ذلك أن المجتمعات الغربية (أو الشرقية) المنفتحة جداً قليلاً ما تجد رجلاً يكتفي بزوجته الوحيدة ، ويمكن أن نضيف أن العلاقة بين الرجل والمرأة ليست دائماً على نموذج قيس وليلى أو روميو وجوليت أي رومانس (غرام) لامرأة واحدة .
7) نظرة المرأة إلى الرجل
قد يكون الرجل من أهل الصلاح والورع أو صاحب شخصية جذابة وذا مكانة اجتماعية مرموقة فترى كثير من النساء أنه مما يشرفهن الارتباط بمثل هذا الرجل والمثل الأعلى للمسلمين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وهبت بعض النساء أنفسهن له وقد كان معروفاً عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه خير من تزوج وخير من طلق .
8) زوجة واحدة أم تعدد ؟
__________
(1) الترمذي ، كتاب القدر (33/2140) .
(2) سورة آل عمران آية (14) .(1/157)
يقول مصطفى السباعي ـ رحمه الله تعالى ـ : (فما من شك أن وحدة الزوجة أولى وأقرب للفطرة وأحق للأسرة وأدعى لتماسكها وتحاب أفرادها ، ومن أجل ذلك كان هذا النظام الطبيعي الذي لا يفكر الإنسان المتزوج العاقل في العدول عنه إلا عند الضرورات وهي التي تسبغ عليه وصف الحسن وتضفي عليه الحسنات) (1).
ويقول محمد قطب : "أما تعدد الزوجات فتشريع للطوارئ وليس هو الأصل في الإسلام" (2).
والحقيقة أن تشريع التعدد يستجيب للفطرة ويحقق العفة للرجل والمرأة على السواء ، لذا بدأ القرآن بالتعدد وجعل الإفراد هو الاستثناء { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } (3)، والقول بأن الخوف من عدم العدل متحقق دائماً يتعارض مع شرع التعدد مما لايتصور فيه أن الشارع الحكيم قصد إليه ومن ثم فالأولى هو القول بأن الخوف من عدم العدل هو الاستثناء وهو ما نتبينه من صياغة الآية الكريمة ، أما الاحتجاج بالآية الأخرى { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم } (4)، فمردود بأن العدل المقصود هنا هو العدل القلبي وهو غير مطلوب في القسمة بين النساء لأنه غير مقدور عليه ، أما العدل المقصود فهو العدل الظاهر في القسمة بين النساء وهو عدل ممكن إذا تمسك الرجال بمبادئ الإسلام وأخلاقه (5).
الضوابط :
__________
(1) مصطفى السباعي ، المرأة بين الفقه والقانون ، مرجع سابق ص80 .
(2) محمد قطب ، شبهات حول الإسلام ص135 .
(3) سورة النساء ، آية (3).
(4) سورة النساء ، آية (128).
(5) اشترك فضيلة الدكتور المستشار علي جريشة في صياغة هذه الأفكار في لقاء شخصي في المدينة المنورة .(1/158)
ونأتي هنا للضوابط التي وضعها الإسلام للزواج مثنى وثلاث ورباع ولعل أبرز هذه الضوابط أن لايتجاوز عدد النساء أربعة والعدل بينهن ، ويضيف بعض الكتاب مسألة القدرة على الإنفاق ، ولكن الحقيقة أنه لا يمكن للإنسان أن يضمن ذلك ولو كان عنده زوجة واحدة فقط ، وفي الغالب أن الرجل لا يقدم على الزواج إلا وهو يأنس من نفسه القدرة على الإنفاق ، أما اشتراط امتلاك الرجل للمال الوفير للزوج فلم يجعله الإسلام شرطاً ، وإلا كيف تفسر تزويج الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل بأن قال له : (التمس ولو خاتماً من حديد) (1)، وزوج الرجل نفسه بما معه من القرآن الكريم أن يحفظ تلك السور زوجته (2)، والزوجة الأولى أو غيرها هي من عباد الله الذين تكفل الله لهم برزقهم كما جاء في الآية الكريمة { وفي السماء رزقكم وما توعدون } (3) وورد في الحديث الشريف أيضاً أن كل نفس يكتب رزقها وأجلها قبل أن تولد .))
ولنا هنا وقفة هامة مع حديث سقط من الأمة لا أدرى سهواً أم تعمداً أم تغافلاً وأسأل الله أن لا يكون إلحاداً ...
عن أبي هريرة؛ قال:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه. إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)).
أنعدمت الأخلآق فى أمة محمد حتى جف نبع الزواج ؟
أنعدم الدين فى أمة الحبيب حتى آل الحال إلى ما نحن فيه ؟
لا ورب الكعبة فأمتنا خير أمة أخرجت للناس ولكن قلت بصائر الناس عموماً وأولياء الأمور خصوصاً .
أسمعنى أيها الأب المنصف .....
أليس فساداً وأبنتك التى سميتها (( منة الله )) جاحدة لنعم الله بسفورها وتبرجها ؟
على ماذا ربيتها ؟
وأمها ماذا أرضعتها ؟
__________
(1) صحيح مسلم ، كتاب النكاح ، باب التزويج على تعليم القرآن المختصر حديث 82 (م4/143) .
(2) الحديث نفسه .
(3) سورة الذاريات ، آية (22).(1/159)
أليس فساداً أن تُتعس حياة أبنتك من أجل (( نيش أو تليفزيون )) أو حتى الأساس كله أذا ما توفر شرطى المعلم الأول لهذه الأمة ؟
أليس فساداً والنساء متسكعات فى الطرقات لا يجدن العفاف بسبب مغالاة فى دنيا إلى فناء ؟
أليس فساداً أن تكون دول المغرب العربى أكثر البلاد بها أطفال مجهولى الهوية ؟
أليس فساداً أن تشترى نساء الخليج رجال للعفاف (( المسيار )) ؟
إلى كل مسئول وراعى . لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم . من ترضون سكنه . لم يقل من ترضون وظيفته . لم يقل من ترضون دولته . لم يقل من ترضون حتى مستقبله هذا أن ملك أحدُنا التصرف فى مستقبله .
بل قال صلى الله عليه وسلم :: ((إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه. إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)).
أم تراك أحرص من محمد على بناتك ؟
أم تراك ألب من محمد وأشد فطنة ؟
أم تراك أرحم من الرحمة المهداه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
من هنا أقول أبدأ بشرطى الرسول فهما الأصل
راعى شرطى الرسول ففيهما النجاة لك ولمن تعول .
أفهم عنه أم تراك ذهب عنك الفهم ؟
أم تستورد فهمك من دعاة الأباحية والرذيلة ؟
أم ظننت أن مركزك المرموق ودكتوارة السربون تشفعانِ لك يوم العرض .؟
والله لو تحصلت على أمتيازات جميع جامعات الأرض وما تحصلت على منهج من جاع يوماً وشبِع غيره فلآ نجاة لك .
أما ضابط العدد فقد وردت الأحاديث الشريفة أو السنة الفعلية للرسول صلى الله عليه وسلم كما يأتي :
1) روى البخاري أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشرة نسوة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (اختر منهن أربعاً) (1).
__________
(1) الترمذي ، كتاب النكاح (9/1128).(1/160)
ومسألة العدل مسألة جوهرية في تربية المسلم وقد جاءت الآيات القرآنية الكثيرة التي تأمر بالعدل { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } النحل90
إن الله سبحانه وتعالى يأمر عباده في هذا القرآن بالعدل والإنصاف في حقه بتوحيده وعدم الإشراك به, وفي حق عباده بإعطاء كل ذي حق حقه, ويأمر بالإحسان في حقه بعبادته وأداء فرائضه على الوجه المشروع, وإلى الخلق في الأقوال والأفعال, ويأمر بإعطاء ذوي القرابة ما به صلتهم وبرُّهم, وينهى عن كل ما قَبُحَ قولا أو عملا وعما ينكره الشرع ولا يرضاه من الكفر والمعاصي, وعن ظلم الناس والتعدي عليهم, والله -بهذا الأمر وهذا النهي- يَعِظكم ويذكِّركم العواقب; لكي تتذكروا أوامر الله وتنتفعوا بها. (1)،
(2)، وجاءت التوجيهات النبوية الكريمة تأمر بالعدل كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط) (3)، ومن صور العدل "المساواة بين الزوجات في المعاملة" وذلك في نفقتها الخاصة بمأكلها وملبسها بحيث لا تزيد واحدة عن أخرى ، وكذلك العدل في المسكن حيث يكون لكل زوجة مسكن مستقل ، ومنذ لك أيضاً المساواة في المبيت ، أما الجانب الذي يصعب العدل فيه فيكفينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي روته عائشة وهو قوله صلى الله عليه وسلم : (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) (4).
__________
(1) سورة النحل ، آية (90).
(2) سورة المطففين ، الآيات (1 ـ 3).
(3) الترمذي ، كتاب النكاح حديث رقم (1141).
(4) الترمذي ، كتاب النكاح (9/1140).(1/161)
وكان قدوتنا صلى الله عليه وسلم يضرب المثل في العدل حتى لما كان في مرضه الذي مات فيه كان يسأل أين أنا غداً ؟ يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه أن يكون حيث يشاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها (1).
ومن عدله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه (2)
وكيف لا يكون المسلم عادلاً ؟ وإن لم يكون المسلم عادلاً فمن يكون ؟ وفي هذا يقول مصطفى السباعي (رحمه الله تعالى): (وكان من إصلاح الإسلام في هذا الأمر أن ربى ضمير الزوج على خوف الله ومراقبته ورغبته إن نفذ أوامره وخشيته من عذابه إن خالفها)(3)
وثمة قيد آخر هو تحريم الجمع بين الأختين أو بين المرأة وعمتها أو ابنتها والعلة واضحة في ذلك وهي الحفاظ على المجتمع الإسلامي من التمزق بسبب الغيرة التي يمكن أن تحدث بين الضرائر.
الزواج بأكثر من زوجة واحدة حتى أربع رخصة أو أمر أباحه الإسلام للرجل الذي تربى عقدياً وأخلاقياً على مائدة القرآن ، يعيش بضمير حي يراقب الله عز وجل فيما يفعل أو يترك . هذا المسلم يعتقد أن "النساء شقائق الرجال" وأنهن كيان مستقل يتحملن التكليف ويترقين في درجات التقوى حتى كانت منهن مثلين للذين آمنوا كما جاء عن امرأة فرعون ومريم عليها السلام والمرأة المسلمة تعتقد بقوامة الرجل عليها لأنه مكلف بالإنفاق عليها زوجاً أو أماً أو أختاً ، ومن تكاليف الرجل أن أوصي بإكرام المرأة أماً و زوجة (أمك ثم أمك ثم أمك تم أبوك)و(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)وبنتاً وأختاً (من كان عنده أختان أو ابنتان …..)
من هذه المنطلقات تبنى الأسرة المسلمة : اختيار للمرأة ذات الدين، وللرجل المرضىّ في دينه وخلقه وبعد ذلك حدد الشرع الكريم حقوق كل طرف....
****************************
__________
(1) البخاري 6/155 .
(2) البخاري 6/154.
(3) مصطفى السباعي: المرأة بين الفقه والقانون، مرجع سابق ص 102.(1/162)
فتناول البحث بإيجاز تعدد الزوجات تجنبنا فيه الخوض في القضايا الفقهية التي لها أهلها ولكن أوضحنا أن المجتمع المسلم حين لم تكن قضية الزواج بأكثر من واحدة سوى مسألة فرعية كان مشتغلاً بالدعوة إلى الله وكان همه إنقاذ البشرية مما وصلت إليه من انحراف وفساد وزيغ وضلال، كانت قضية المسلمين الأولى أن يحكم شرع الله وهنا ساد أبناء الرجال الذين تزوجوا بأكثر من واحدة ، وساروا على نهج آبائهم .
ويهدف هذا الكتاب إلى وضع مسألة التعدد في وضعها الصحيح بأن نخرج من دائرة النفوذ التغريبي الذي يستهجن الزواج بأكثر من واحدة ، وليؤكد على أن القضية الأكبر هي طهارة المجتمع المسلم أولاً ثم المجتمع الإنساني ثانياً من العقائد الفاسدة والأخلاق المنحرفة وأن مسؤولية المسلمين في هذا الزمن أكبر وأشد إلحاحاً لتقدم وسائل المواصلات والاتصالات فلم يعد ما يحدث في أي بلد بعيد عنا مهما كانت المسافات .
وقد أوضح هذا البحث كيف عانى الغرب ويعاني من منع التعدد ومن غير ذلك من مثل التحلل من المثل والقيم ، وتجدر الإشارة إلى أ، هؤلاء سرعان ما ينتقدون التعدد في الإسلام رغم ماتعج به مجتمعاتهم من مشكلات ونحن في هذا نلتزم بالمنهج القرآني في دعوة الكفار حيث يوضح القرآن الكريم عيوب مجتمعاتهم وعيوب نظمهم بدلاً من الوقوف موقف الدفاع .
والحقيقة أن تكون المرأة زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة خير بألف مرة من أن تكون زوجة وحيدة عند أوروبي أو غيره بنى بها نتيجة قصة غرام فما هو إلا عنصر لوقت وتنطفئ شعلة الحب ثم لا تجد منه المعروف والإحسان وأنى له ذلك وهو لا يرجو الله ولا اليوم الآخر .
نرجوا الله أن يبصرنا بطريق الحق وأن يردنا إلى الإسلام رداً جميلاً ، ونسأله سبحانه أن يغفر زلاتنا إنه سميع مجيب .
أنتهى الجزء الأول من الكتاب... وهاكم جزءه الثانى
يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلآل وجهك وعظيم سلطانك .(1/163)
سلام على الجوهرة المصونة، إليها أهدى هذه الكلمات، إليك يا أختنا الغالية، إلى من جعلت القرآن ربيع قلبها، والحجاب حياتها وعفافها، إلى من جعلت العفة تاجها ولباسها، إليك أيتها الجوهرية المصونة.
****************************
أختاه..أوصيك أختاه بالتقوى، فإن بها طعم السعادة، فيا أم الأجيال، ويا حفيدة الأبطال، أختاه فلتقبلي مني هذه الرسالة غالية الثمن، مهرها الآيات البينات، والحكم الواضحات، والأبيات الجميلات برًا منّا لها؛ لأن في طاعتها رضا لرب الأرض والسماوات.
إنها الأم صاحبة القلب الحنون حبيبة البنات والبنون، فلها نقول :
أمنا الغالية يا من شهدت الساعات الطوال، وما نامت الليالي في خدمة الأبناء أنت في أعيننا جميعًا أغلى والله من الجواهر، ولا تقدرين عندنا بثمن، كيف لا وحقك بحق الله مقرون، وبرك أقرب طريق للجنة التي فيها ما لم تره العيون، حسبك أنك أحق الناس بالصحبة على لسان النبي الميمون، ألم تسمعي أن النفوس المؤمنة تشتاق إلى الجهاد في سبيل الله، ومع ذلك تمنع إذا كان ذلك يتعارض مع البر بك، وحاجتك للأبناء ليقوموا بحقك، بل من أراد رضا الله منهم فليحرص على رضاك، وليعلموا أن من أسخطك فبدأ بسخط الله.
***************************
أيتها الأم: إن الإسلام قد أعطاك حقوقًا وطلب منك أُخَر، [كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ]رواه البخاري ومسلم. فأنت راعية ومسئولة عمن ولاك الله أمرهم من البنين والبنات، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً... } [سورة التحريم] فكيف تقين هذه الأسرة، وكيف تحمين هذه المملكة الصغيرة.(1/164)
فأين أنت من فلذة الكبد، البنت.. يوم سلك الكثيرات منهن طريق العار والدمار، فأصبحن وقودًا للنار، أغلت فانحرفت، وإلى ملذات الفتن انجرفت، تسللت إلى مخالب الذئاب حتى افترسها الكلاب.. وأنت أيتها الأم لا تشعرين، وبملذات الحياة تنعمين، فمن كانت هذه حالها مع ابنتها، فلتعلم أنها موجودة ومع ابنتها مفقودة.
***************************
أيتها الأم: إليك هذه القصة:
اتصلت بي إحدى الفتيات تبكي وتصيح عبر الهاتف، فإذا ببنت من البنات تبكي بصوت عالٍ وتصيح: أنقذني، قلت: ما الذي أصابك؟ قالت: إنني فتاة من الفتيات تعرفت على شاب عبر الهاتف، ثم جلست أحادثه أيامًا حتى قلت له كلامًا، وقال لي كلامًا يستحي والله أن يقوله الزوج لزوجته، فكان يحاول مرارًا أن يراني وأراه لكن فطرتي وحبي للخير منعتني أن أقابله، فقام مع إلحاح منه وغيبة من والدي ووالدتي، نعم..غيبة من الوالد والوالدة وافقت أن أقابله، فخرجت له، فإذا به ينتابني بسيارة، ثم ركبت معه حاول أن أذهب معه إلى منزله، فرفضت، لكنه قال إن جلوسنا في الشارع قد يلفت أنظار الناس لنا، فلنذهب إلى أحد البيوت، فتقول: وافقت فذهبت معه وجلست معه في بيت، ففوجئت أني دخلت في إحدى الغرف، فإذا بها سبعة من الشباب غيره.
قالت: فحاول حتى فعل بي الزنا بعد تهديد مرارًا، ثم ليته اكتفى بذلك ذلك المجرم لكنه مكن الأصدقاء الذين كانوا معه بالبيت بأن يفعلوا بي، فقام بتصويري، ثم ها هو يضعني عند البيت، والله إني أحدثك والحادثة لم يتم عليها أكثر من نصف الساعة، وما ذاك إلا لغياب أمي عني، وابتعاد أبي عن شعوري وعن حالي.(1/165)
أيتها الأم: ها هي البنت فلذة الكبد تلوح لواح الثكلى، وتأن أنين اليتيم، وتصيح صياح الأرامل، وتناجيك لعلها تجد بين أحضانك دفء الكلمة الصالحة، وعذوبة التلذذ بالهداية، لعلها أن تجد لها نصيحة تظهر لها طريق الحياة، وموعظة تنقذها من جحيم الهلاك.. تنادي بأعلى صوتها: أماه .. أماه هل تسمعينني؟ هل تنصتين إليّ؟ هل تسمعين صراخي؟ آه .. آه إذا كنت لا تسمعيني؟ آه كيف لا تسمعينني وأنا بين يديك؟ آه كيف لا تسمعين وقلبي معلق براحتيك؟ فافتحي صدرك إلى وقربيني إليك لأرتمي بين أحضانك، وأبث شكواي لك، فكفكفي حزني، وامسحي دمعي، وكبليني
بقيودك فلا قيد أطيق اليوم سوى قيدك الحنون، خذي .
يا أماه.. استري عليّ أجفانك واحميني من الثعالب الماكرة، والذئاب الغادرة، فصدرك برد وسلام، وحضنك دفء ووئام ونصحك نور أستضيء به مدى الأيام.. لا تدعيني إليهم بين أدراج الحياة أتخبط في جحيم العصاة، وأكون أسيرة بين أيديهم يفعلون بي ما يشاءون، يبيعونني في أي سوق ويشترون، فأنا أصبحت كالسلعة التي بها يسومون، وعلى
بضائعها ينادون.
أماه.. أنقذيني..أجيبي أيتها الأم.. أجيبي ابنتك بعد أن بح صوتها، وارحمي دمعتها، قولي لها: أفديك يا شمعة تبكي ذوائبها، أفديك بنتاه بدمي إن كنت لؤلؤة فالقلب محار.. قولي لها: مازال دمعك مرسوم بذاكرتي.. وأيم الله ما زال دمع الفتاة التي تبكي عبر الهاتف مرسوم بذاكرتي يوم البكاء.
أيتها الأم.. كوني لها ولسائر أخوتها المربية الصالحة، والأم النافعة، تقتدي بالسابقات الصالحات من النساء المؤمنات، وإياك أن تقتليها من غير سكين، وتضعيها في درب الردى وأنت لا تشعرين.
***************************
أما سمعت بنماذج بعض الصالحات في العالمين:(1/166)
فخذي مثلا في الخنساء يوم كانت مثلًا صالحًا في تربية الأبناء، حضرت مع أولادها في حرب القادسية، فقالت لهم:' يا بَني أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله إنكم أبناء رجل واحد، وأم واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم، وأنت تعلمون ما أعد الله للمؤمنين المجاهدين من الثواب العظيم، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستنصرين بالله على أعدائه، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وأبرمت لظى على سياقها، وجعلت نارًا على رواقها، فتيموا وطيسها'. حتى استشهدوا جميعًا فبلغها الخبر، ويا لأم يبلغها الخبر بوفاة ولد من أولادها، فكيف بأم تفجع وتخبر بمقتلهم جميعًا، فلتقتدي بالصابرة حينما بلغها الخبر قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في جنات النعيم.. تلك والله الأم .
**************************
عذرًا أيتها الجوهرة الأم. لم نوفك حقًا، وإنما تلميحات تغني عن التصريحات، وأن من جد وجد، ومن زرع حصد، فمن سار على الدرب وصل .
****************************
وإن كنت قد حسرت الستار عن بعض الجواهر، فهناك الكثير، فالجواهر كثر، والدر أكثر، والحديث عنك ذو شجون، فالبنات عندنا جواهر، والأخوات درر، ألا يكفيهن أن القرآن شن على أصحاب العقائد المنحرفة كالذين يبغضون الأنثى ويستنكفون عند ولادتها، يقول الله عنهم: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ[59]يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } [سورة النحل]. إنه حكم جائر، وتصرف وحشي، فمن يمد يده على تلك الطفلة البريئة يواريها التراب بعد أن اغتيلت عاطفة الأبوة الجياشة، والرحمة الفطرية.(1/167)
****************************
ألست تشعرين أيتها البنت والأخت بل وسائر الأخوات المؤمنات أنكن جوهرة مصونة، ودرة مكنونة، إذًا: فاسمعي يوم رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإحسان إليك، يوم دوت تلك الكلمات في الآذان دويًا، وهو يقول صلى الله عليه وسلم: [ مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ] رواه الترمذي.
أيتها الجوهرة.. ألا تشعرين أن الإسلام قعّد لك حقوقًا لا تحتاج إلى زيادة، وهي بعيدة عن النقصان، إذًا فاحذري دعاة الفساد، وأعداء المرأة الأوغاد، الذين يخططون بخطى عاتية في إفساد المرأة وإخراجها عن وصفها المستقيم، فجعلوها قضية تزعجهم.
***************************
ومن هنا يحرص أولئك أن يجدونك قضية تحتاج إلى نقاش، وتستدعي الدفاع عنها؛ ولذلك يكثرون الطنطنة عبر وسائل الإعلام المختلفة على هذا الوطر بأن المرأة في مجتمعنا تعاني، وأنها مظلومة، وأنها شق معطل، وأنها رئة مهملة لا تنال حقوقها كاملة، وإن الرجل قد استأثر دونها بكل شيء، وأن المرأة الغربية فاقتها بكل شيء.. وكذبوا وخابوا وخسروا.
**************************
اسمعي أيتها الجوهرة شيئاً من حقائق ومآسي المرأة الغربية التي جعلوها في نظرهم قدوة، فأصبحوا لها ينادون، وعلى طريقتها يدعون:
***********************
لست أرضى العيش عيش الهمجية سابقي خيل العنان واركبي أغلى مطية
زادك الإيمان تمضين بقصد وروية لا تبالي بالدعاوى والأباطيل الدعية
*************************
اسمعي لمأساة المرأة الغربية، وتأملي معي في بعض صور حياتها الموثقة بالتقارير والأرقام والنِسَب وأكتفي هنا بسرد بعضها باختصار للاعتبار والعظة:
*************************(1/168)
هذه صورة قالها أحد الدعاة: أن امرأة غربية وابنها الصغير رآها في أحد الدول تفترش الرصيف تنام عليه لا مأوى لها، فأين أنتم يا دعاة التحرير؟ أين أنتم عن هذه الغربية التي نامت في الشارع لا مأوى لها؟
**********************
وصورة أخرى: لأم تعرض طفلتها للسعات الفئران حتى تموت.
*********************
وصورة: تحكي أن أما تضرب ابنها الذي لم يتجاوز العام حتى فارق الحياة.. فسبحان الله لِلَّهِ أين حقوق الإنسان؟!
***********************
وصورة نقلتها مجلة المجتمع:أن مائة وخمسين ألف طفل أمريكي يقتلون بالإجهاض.
وصورة أخرى ذكرتها مجلة الأسرة: أن خمس عشرة طفلة يقتلون يوميا في أمريكا.
************************
ومن الصور: أن الأب يعتدي على طفلته جنسيًا في بريطانيا، ويفعل بها الفاحشة، والعياذ بالله .
**************************
وهناك حوالي عشرة آلاف امرأة في الولايات المتحدة يلدن سفاحًا.
وصورة أخرى: تنقلها الدراسات في أمريكا توضح أن في كل 6 دقائق تقع حادثة اغتصاب لفتاة، وحالة ايدز في أمريكا في كل 10 دقائق.
***********************
ومن المآسي ما ذكرته الدراسات: أن أكثر من 50% من المراهقات يلدن بدون علاقات زوجية، وأكثر من 5 مليون رجل متزوج له علاقة غير شرعية خارج عش الزوجية..أين دعاة التحرير؟ أين الذين ينادون المرأة الشرقية كما يزعمون.
**********************
وهذه عن دراسة ذكرتها مجلة الأسرة قالت: في أمريكا حالات الاغتصاب والضرب بلغت ثلاث آلاف أمريكية يقتلن على يدي شركائهم في العيش أزواجًا كانوا أو عشقاء، وإن 4 مليون أمريكية يضربن كل سنة بمعدل امرأة واحدة كل خمس عشر ثانية تضرب، وفي فرنسا خمسة ملايين امرأة متزوجة على علاقة جنسية بغير زوجها، كما تشير الإحصاءات إلى أن عشرة آلاف أنثى دون الثامنة عشر اغتصبن في العاصمة واشنطن وإحدى عشر ولاية، وأن ثلاثة آلاف وثماني مائة من هؤلاء كن دون الثانية عشر.(1/169)
**********************
ويزداد رعب الأرقام ورعب المأساة عندما نقرأ: أن عشرين في المائة من الفتيات دون الثانية عشر اغتصبهن آباؤهن، 26% اغتصبهن أقارب لهن، وأن 50% اغتصبهن أصدقاء ومعارف لهم.
***********************
أعرفت أيتها الجوهرة حال المرأة الغربية وصور مآسيها، وخذي هذه الزيادة: قال أحد الذين كانوا يدرسون اللغة في إحدى الدول الغربية وكان يسكن عند إحدى العائلات، يقول دخلت ذات مرة إلى البيت الذي أسكن فيه، فإذا بنت صاحب المنزل تبكي بكاء حارًا وأبوها يرفع صوته عليها، كان عمرها 15 عامًا يقول: فلما سألتها ما سبب البكاء؟ فقالت: أن أبي يطلب مني إيجار الغرفة أسبوعيًا، ولم أستطع إلا أن أدفع إلا جزء هذا الأسبوع، فرفض الأب إلا أن أدفع له كامل المبلغ، وإلا مآلي إلى الطرد ومصيري إلى الشارع. فلذلك تسعى أغلب الفتيات هناك للتعرف على الرجال لإيجاد مأوى لهن.
فأين المساواة يا من تدعون المساواة، ويا من غررتم المرأة بأنكم تنادون بحريتها؟!
************************
لقد مر على قيام المنظمات والمؤتمرات أكثر من 50 عامًا فأين هم؟ إنها المآسي .
أيتها الجوهرة ومن المآسي: ما ذكره الدكتور محمد عبد الرزاق وهو ما رآه في مدينة لاسكو قائلًا: بينما كنا ننتظر وصول الحافلة والناس مصطنعين وأنا بامرأة وقعت عينها على فتاة فسلمت عليها سلامًا حارًا وسألتها كم مضى عليك هنا؟ قالت: خمس سنوات، فقالت العجوز: ألا تعرفين أنني أعيش وأسكن في هذه المدينة نفسها أجابت الفتاة بلا أعلم.
فقالت العجوز بصوت حزين. لماذا لا تزورينني قالت الفتاة المشاغل كثيرة والوقت ضيق، فنظرت لها العجوز قائلة أنسيت الأيام والسنين كيف لا تزورينني وأنا أمك يا بنتاه؟! أرأيت أيتها الجوهرة.
*************************(1/170)
أما في مدينة في انجلترا فتسكن عجوز في بيت مستقر وقد تركها الزوج والأبناء، فما كان منها إلا أن اهتمت بتربية القطط فاتخذت نحو عشر قطط قامت بتربيتها، وكان باعة الحليب على عادتهم في بريطانيا يجيئون في الصباح لمن اشترك في شراء الحليب، ثم يضعون الحليب في زجاج عند الأبواب، وهكذا في سائر الأيام، فجاء في اليوم الثاني فوجد لبن حليب الأمس عند باب العجوز لم تؤخذ فاتصل هذا البائع بالشرطة، فوجدوا أن العجوز قد ماتت، والقطط أكلت رجلها وأنفها وأذنيها، فحققت الشرطة في هويتها، فوجدت أن ابنًا من أبناء هذه العجوز يسكن في نفس الشارع التي تسكن فيه العجوز على مسير بضع دقائق، فقالوا له: منذ متى لم تشاهد هذه المرأة- وهي أمه-. فقال: منذ خمسة أشهر، وهو يسكن معها في نفس الشارع لِلَّهِ
أرأيت أيتها الجوهرية تلك الحياة المضطربة التي نزعت منها كل خصائص الحياة الاجتماعية والأسرية فضلًا عن الحياة الدينية.
************************
وأخيرًا من الصور والمآسي: ما ذكرته مجلة النور في عددها '127' في محاولات الانتحار بين الشباب والشابات الفرنسيين وأنه بمعدل 12 ألف ينتحرون كل عام، حتى وصل الأمر فيهم لدرجة انتشار كتب عن الانتحار بعناوين شتى منها كتاب 'كيف تتخلص من حياتك بسهولة' والغريب أن هذه الكتب تجد رواجًا عجيبًا. فيباع منها الآلاف في وقت قصير.
****************************
أرأيت أيتها الجوهرة كيف تعيش المرأة الغربية، أرأيت تلك الصور والمآسي هي من صور أولئك اللاتي تعجب بهن البعض من نساءنا اللاتي تأثرن بالمظهر ودعاة الحرية والاستقلال، وليست والله لا حرية ولا استقلال إنما هي الذلة والنكال.
****************************
أما نحن معشر الرجال فلم نرخي الذمام، ولن نطلق قيادنا مهما بلغ بنا الأمر، ولو قدمنا رقابنا دفاعًا عن محارمنا، و عن نساءنا.(1/171)
ونحن اليوم نشكو من جاهلية هذا القرن إذ وئدت المرأة وأدًا أشد من الجاهلية، فالمؤودة في الجاهلية في الجنة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أما المؤودة في هذا القرن فهي التي وأدت نفسها، وباعت عفتها، وهدرت حيائها، فلا تجد الجنة -وربي- كاسية عارية مائلة مميلة أصغت بأذنها إلى الدعاة على أبواب جهنم، فشقيت وخسرت في دنياها وأخراها.
فلتحذر المتبرجة يوم تركت حجابها، عجبًا لتلك الشريفة العفيفة كيف تقبل أن تعرض جمالها في السوق، وأن تكون سلعة رخيصة تتداولها الأعين، وكيف يرضى لها حياؤها أن تكون مبعث إثارة وشهوة في نفس رجل يراها، بل وكيف تطيق الشعور بأن يصبو إليها ويتمناها، وأين هي من قول ربها { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ...[59] } [سورة الأحزاب].
**********************
أيتها الجوهرة.. إنك تفقدين عفافك عندما تخلعين الحجاب، فتخلعين الحياء والوقار، إن الحجاب شعار التقوى والإسلام، وبرهان الحياء والاحتشام، وأعظم دليل على أدبك وكمالك، فصونيه أيتها الشريفة. صوني جسمك الطاهر من اعتداء الأعين الزانية وحسنيه بالاحتشام تزودي عنه السهام الغازية .
********************
لا خير في حسن الفتاة وعلمها إن كان في غير الصلاح رضاؤها
فجمالها وقف عليها وإنمـ ـا للناس منها دينها وحياؤها.
**********************(1/172)
أيتها الجوهرة : إن أهل الباطل يريدون منك أن تكون فاجرة عاهرة كافرة، يريدون أن تكون بهيمة في مسخ بشر. حاشاك يا ابنة الإسلام، وأنت المقتدية بقول عائشة رضي الله عنها:' أقلوا من الذنوب فإنكم لن تلقوا الله بشيء أفضل من قلة الذنوب'. فإن الذنب أخرج الأبوين من الجنة، وأخرج إبليس من ملكوت السماوات وطرده الله ولعنه. وبالذنب سلطت الريح على قوم عاد، وأرسل على قوم ثمود الصيحة، ورفعت قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم، وخسف بقارون داره وماله وأهله، أفأمنت مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } [سورة الملك].
*********************
أيتها الجوهرة: إنهم يتحدثون ويقولون ماتت فلانة وفلانة، فهل تدري متى يقولون متى أنتِ؟ هل تذكرت حالك إذا غُسّلتِ بسدر وحنوط وكفنت بخمسة أثواب؟ يا ترى كيف سيكون حالك عند الموت؟ هل تريدي أن تموتي وأنت تنتقلين من قناة إلى قناة، أو وأنت ممسكة بسماعة الهاتف، أو تفكرين بالزنا، أو تاركة للصلاة؟!
**********************(1/173)
إن آمالنا بك يا أيتها الجوهرة الكبيرة أن تعودي إلى الله قبل فوات الأوان، لأن الدقائق تؤذن بالرحيل، فالوصية للجواهر والدرر أن يرجعن لكتاب الله، وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، التوبة التوبة قوليها واعملي بها؛ لأنها كلمة سهلة على اللسان، ولكن أين الذين يطبقونها، واتقي الله أن يكون أهون الناظرين إليك، وإياكي أن تبغي بالصحة والعافية والمأكل والمشرب، فرب مسرور مغبون بأكل وبشرب ويضحك وقد كتب أنه من وفود النار، احذري جليسة السوء وكل جليسة لا تستفيدين منها خيرًا فاجتنبيها، وتذكري أن الحساب غدًا شديد، والاحصاء دقيق، واحذري الغيبة والنميمة والاستهزاء والسخرية، احذري أن تطلقي العنان للسان، واعلمي أنه لا يجوز كشف الزينة والوجه للرجال الأجانب وأخص منهم الحمو أخو الزوج لأنه الموت كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
********************
احذري الطبيب والسائق والخياط والبائع؛ فإن الحساب عسير، والعقاب شديد وإياك واللباس الفاضح كالبنطال والخفيف والضيق والشفاف واحذري أن تكون قطعة قماش كهذه سبب دخولك إلى النار وعليك بالستر والحشمة.
**********************
يا أمة الله.. العباءة ليست رداءً تلبسينه ولباسًا تتزينين به، بل هو طاعة لأمر الله، فأرى الله منك خيرًا بالاحتشام والستر والعفاف، واعلمي أن حجابك هو السور الذي يسترك ويحفظك من لصوص النظر والإغراء والمدينة تبقى أمينة ما دامت الأسوار فيها منيعة بأعمدة متينة.
********************
واحذري من شراء المجلات الهابطة، واحذري أن تفسدي جيبك بالشراء، وعقلك بالشبه وعينك بالنظر إلى ما حرم الله. بل تصدقي بقيمة هذه المجلة تؤجري في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، واحذري الخلوة مع الرجل الأجنبي، وإياك وكثرة الخروج من بيتك من غير حاجة، وخصوصًا إلى شر البقاع الأسواق.
********************(1/174)
أيتها الجوهرة.. إن المرأة عورة إذا خرجت استشرفها الشيطان أي زينها للرجال والحديث رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم، احذري التطيب عند الخروج والذهاب واستحضري قول النبي صلى الله عليه وسلم: [أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ ثُمَّ مَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ]رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد .
************************
أيتها الجوهرة.. سارعي إلى التزود من الطاعات، فهي طريق الخير والمنافسات، وقربة لله من رب الأرض والسماوات.
اقرئي القرآن، حافظي على السنة والرواتب، كوني حريصة على الوقت والاستفادة منه فالوقت المفقود لا يعود ولا يشتري بالنقود. صلاتك حافظي عليها تغنمي. أديها في أوقاتها .
************************
أيتها الجوهرة.. أخيرًا: لا تنسي أنك تعودين إلى نساء خالدات عطرن التاريخ بطيب ذكرهن، وأضفين على صفحاته كرم العطاء ونبل التضحية، وصنعوا لدينهن أجيالًا من الأبطال، فكن مصانع الرجال، وتذكري يوم تبلى السرائر، ويوم تكشف الضمائر، يوم الحاقة، القارعة، يوم الزلزلة، يوم الطامة، يوم الصاخة، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه، يوم يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله.. حفظ الله نساء المسلمين وهداهن بالتوفيق والسداد.
*********************
من:' الجوهرة المصونة' للشيخ / بدر بن نادر المشاري نسأل الله تعالى أن يحفظه
وبعد ....
كنا قد أتممنا الحديث ولله الحمد فى المجلد الأول , عن مقالنا في تحرير المرأة ومفهوم المسآواة .(1/175)
, ومن قبلها بينا أن الإسلام هو من أنصف المرأة من افتراءات الأمم السابقة عليها ,ثم عرجنا على إشكالية كبرى أثار حولها أعداء الإسلآم ثوراتهم وكالوا الافتراءات على هذا الدين من قِبل مفهوم الزواج في الإسلآم وأن الزواج في الإسلآم هو مثنى وثلاث ورباع وأن الأصل فيه التعدد ولبيان هذا الأمر تاماً نفرد هذه الصفحات .
والآن حان موعدنا إن لم أكن أمللتكم مع بحث آخر من أفضل البحوث التي دونت في هذا الموضوع وجعلته في الخاتمة للملمة ما قد تبعثر منى في معرض طرحي للقضية .
وهو للفضيلة الدكتور / محمد بن مسفر بن حسين الطويل , حفظه الله تعالى وسدد على طريق الحق خطاي وخطاه .
وهو من مواليد وادي قريش بلاد زهران 1363 هـ حصل على الدكتوراه من كلية الآداب جامعة القاهرة في التاريخ والحضارة الإسلامية عام 1395 هـ . عمل وكيلاً لعمادة شئون المكتبات بجامعة الإمام محمد بن سعود ويعمل الآن أستاذاً مشاركاً وعضو هيئة تدريس في قسم التاريخ والحضارة بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود.
تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءاً
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وبعد:
فهذا بحث قصير عن نظام تعدد الزوجات في الإسلام ، وتعدد الزوجات موضوع هام وحساس اشتد حوله الجدل كثيراً ، وما زال وسيبقى إلى ما شاء الله . وهذا النظام الاجتماعي الإسلامي مثار نقد وطعن ومادة للهجوم على الإسلام والمسلمين عند الغربيين وعند من تأثر بأفكارهم . وهؤلاء جميعاً يحاولون دائماً أن يوهموا الناس أن الدين الإسلامي هو الذي / أتى بتعدد الزوجات ، وأن التعدد يكاد يكون مقصوراً على الأمم التي تدين بالإسلام ، وأن تعدد الزوجات لا تقوم له قائمة إلا لدى الشعوب المتأخرة في ميدان الحضارة والمدنية.(1/176)
والحقيقة أن هذا النظام كان سائداً قبل ظهور الإسلام في شعوب كثيرة متحضرة وغير متحضرة ، مثل الصينيين والهنود والفرس والمصريين القدماء والعبريين والعرب والشعوب الجرمانية والسكسونية التي ينتمي إليها سكان أوربا الشرقية والغربية مثل : ألمانيا والنمسا وسويسرا وتشيكوسلوفاكيا والسويد وانجلترا وبلجيكا وهولندا والنرويج. وما زال هذا النظام منتشراً في الوقت الحاضر في بلاد الهند والصين واليابان وأفريقيا(1).
والإسلام لم ينشئ نظام تعدد الزوجات ولم يوجبه على المسلمين خاصة ، فلقد سبقته إلى إباحته الأديان السماوية التي أرسل بها أنبياء الله قبل محمد صلى الله عليه وسلم . (( اليهودية والنصرانية )) / والنظم الدينية الأخرى كالوثنية والمجوسية ، فلما جاء الإسلام أبقى على التعدد مباحاً ووضع له أسساً تنظمه وتحد من مساوئه وأضراره التي كانت موجودة في المجتمعات البشرية التي انتشر فيها التعدد .
كما أن الشريعة الإسلامية لم تجعل نظام تعدد الزوجات فرضاً لازما على الرجل المسلم ، ولا أوجبت الشريعة الإسلامية على المرأة وأهلها أن يقبلوا الزواج برجل له زوجة أو أكثر . بل أعطت الشريعة المرأة وأهلها الحق في القبول إذا وجدوا أن هذا الزواج منفعة ومصلحة لابنتهم أو الرفض إذا كان الأمر على العكس من ذلك .
وسنتحدث هنا على تعدد الزوجات في الإسلام بتركيز شديد ومن خلال أربعة مباحث هي :
1-مشروعية تعدد الزوجات في الإسلام .
2-شروط تعدد الزوجات في الإسلام.
3-/ مبررات تعدد الزوجات في الإسلام.
4-موقف أعداء الإسلام من تعدد الزوجات.
************************************
1- مشروعية تعدد الزوجات في الإسلام :
ورد تشريع تعدد الزوجات في القرآن الكريم ، وبالتحديد في آيتين فقط من سورة النساء وهما :
__________
(1) على عبد الواحد وافي : قصة الزواج والعزوبة ، القاهرة 1395 هـ ص52 .(1/177)
1- { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } . [ النساء : 3 ]
2- { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا } . [ النساء : 129 ]
وتفيد هاتان الآيتان كما فهمهما الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته والتابعون وجمهور المسلمين الأحكام التالية:
1- إباحة تعدد الزوجات حتى أربع كحد أعلى.
2- / أن التعدد مشروط بالعدل بين الزوجات ، ومن لم يكن متأكداً من قدرته على تحقيق العدل بين زوجاته فإنه لا يجوز له أن يتزوج بأكثر من واحدة . ولو تزوج الرجل بأكثر من واحدة وهو واثق من عدم قدرته على العدل بينهن فإن الزواج صحيح وهو آثم.
3- العدل المشروط في الآية الأولى هو العدل المادي في المسكن والمأكل والمشرب والملبس والمبيت والمعاملة.
4- تضمنت الآية الأولى كذلك شرطاً ثالثاً هو القدرة على الإنفاق على الزوجة الثانية وأولادها ، كما يظهر في تفسير قوله تعالى : { ألا تعولوا } أي لا تكثر عيالكم فتصبحوا غير قادرين على تأمين النفقة لهم . والأرجح أن العول الجور اى ظلم احداهن على حساب الأخرى . (( وكذلك من أهم أسباب سعة الرزق الزواج لحديث "التمسوا الرزق بالنكاح". هذا الحديث ضعيف " أخرجه الديلمي من حديث ابن عباس، ولكن معناه صحيح ، وقد وردت أحاديث أخرى صحيحة بهذا المعنى .
قال الإمام العجلوني في كشف الخفاء :
هذا الحديث رواه الثعلبي في تفسيره والديلمي بسند فيه لين عن ابن عباس رفعه.(1/178)
لكن له شاهد أخرجه البزار والدارقطني في العلل والحاكم وابن مردويه عن عائشة مرفوعا: تزوجوا النساء فإنهن يأتين بالمال، وقال الدارقطني والبزار : يرويه سَلْم بن جُنادة مرسلا. قال في المقاصد : وهو كما قالا.
وروى الثعلبي أيضا عن ابن عُجلان أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه الحاجة والفقر، فقال "عليك بالباءة".
وروى عبد الرزاق عن عمر أنه قال: عجبت لرجل لا يطلب الغنى بالباءة، والله تعالى يقول في كتابه : { إن يكونوا فقراء يُغنِهمُ الله من فضله } .
وقال القفَّال في محاسن الشريعة: قد وعد الله على النكاح الغنى فقال { وأنكِحوا الأيامى منكم والصالحين } الآية.
وفي معناه ما في صحيحي ابن حبان والحاكم عن أبي هريرة مرفوعا: "ثلاثة حق على الله أن يغنيهم"، وفي لفظ "عونهم"، : "المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف"، وفي لفظ: "والناكح ليستعفف".
ولابن منيع عن أبي هريرة رفعه: "حق على الله عون من نكح يريد العفاف عما حرم الله".
وروى الديلمي عن أبي أمامة وجابر: "ثلاثة حق واجب على الله أن يؤدى عنهم"، وذكر منهم "متزوج ليستعف".
وروى الحارث بن أبي الصامت في مسنده عن ابن عمر ورفعه: "ثلاثة من اِدّانَ فيهن ثم مات ولم يقض، قضى الله عنه" وذكر "ورجل يخاف على نفسه العنت في العزوبة، فاستعَفّ بدَيْنٍ".
قال في التمييز: قلت والذي يدور على ألسنة العوّام معناه، وهو قولهم "تزوّجوا فقراء يغنكم الله". انتهى.
قال الإمام المناوي في فيض القدير في شرح هذا الحديث :
أي بالنكاح أي : بالتزوج ؛ فإنه جالب للبركة جارّ للرزق ؛ موسع إذا صلحت النية.
قال الزمخشري: والرزق الحظ والنصيب مطعوماً أو مالاً أو علماً أو ولداً أو غيرها. قال في الإتحاف: خبر تزوجوا النساء فإنهن يأتين بالمال يدل على ندب التزويج للفقير ، ومذهب الشافعي رضي اللّه تعالى عنه ندبه قدرته على المؤنة . أهـ(1/179)
فالنكاح جالب للبركة ، وفي خبر آخر: "تزوجوا النساء فإنهن يأتين بالمال" أي : بما يرزق الله بسببهن هذا إذا خلصت النية في هذا العمل لله ،وهذا أمر مجرب مشاهد بالعيان ، ويصدق هذا الحديث قول الله تعالى في محكم تنزيله :
(وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم.)
وقد أخرج عبد الرزاق وأحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"ثلاثة حق على الله عونهم الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والغازي في سبيل الله".
وقد روى السيوطي في الدر المنثور أن الخطيب أخرج في تاريخه عن جابر قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه الفاقة فأمره أن يتزوج.
وقال ابن كثير في تفسيره :
قال ابن عباس: رغبهم اللّه في التزويج ، وأمر به الأحرار والعبيد، ووعدهم عليه الغنى، فقال: { إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله } ، وقال أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه: أطيعوا اللّه فيما أمركم به من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم من الغنى، قال تعالى: { إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله } ، وعن ابن مسعود التمسوا الغنى في النكاح، يقول اللّه تعالى: { إن يكونوا فقراء يغنيهم اللّه من فضله } . ))
وقول الحبيب صلى الله عليه وسلم :
(( أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة )) . رواه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
نستخلص من هذا أن من أهم أسباب التعدد التوسعة فى الأسباب الجالبة للرزق .
والله أعلم .(1/180)
5- تفيد الآية الثانية أن العدل في الحب والميل القلبي بين النساء غير مستطاع ، وأنه يجب على الزوج ألا ينصرف كلية عن زوجته فيذرها كالمعلقة ، فلا هي ذات زوج ولا هي مطلقة ، / بل عليه أن يعاملها بالحسنى حتى يكسب مودتها ، وأن الله لا يؤاخذه على بعض الميل إلا إذا أفرط في الجفاء ، ومال كل الميل عن الزوجة الأولى(1).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم . يعدل كل العدل في الأمور المادية بين زوجاته ولكنه صلى الله عليه وسلم . كان يميل عاطفياً إلى زوجته السيدة عائشة - رضي الله عنها - أكثر من بقية زوجاته ، وكان صلى الله عليه وسلم . يبرر ميله القلبي هذا بقوله : " اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك "(2) وقد زعم بعض من ليس له علم بالشريعة الإسلامية أن القرآن منع تعدد الزوجات في الآيتين السابقتين ، بحجة أن الآية الأولى تبيح التعدد شريطة العدل بين الزوجات . وتقرر الآية الثانية / - كما يزعمون - أن العدل بين الزوجات مستحيل ، وعلى هذا الاعتبار فإن التعدد مشروط بأمر يستحيل القيام به ، وبالتالي فهو ممنوع.
ونرى هنا أن هذه الدعوى باطلة كل البطلان للأسباب التالية :
1- أن العدل المشروط في الآية الأولى { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء } [ النساء : 3 ] هو غير العدل الذي حكم باستحالته في الآية الثانية { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ } [ النساء : 129 ] فالعدل في الآية الأولى هو العدل في الأمور المادية المحسوسة والذي يستطيع الإنسان أن يقوم به ، وهو العدل في المسكن والملبس والطعام والشراب والمبيت والمعاملة . أما العدل المستحيل الذي لا يستطيعه الرجل فهو العدل المعنوي في المحبة والميل القلبي.
__________
(1) مصطفى السباعي " المرأة بين الفقه والقانون " بيروت 1982 ص97-98.
(2) سنن الترمذي بيروت 1394 هـ ، جـ3 ص304 ، وسنن أبي داود جـ1 ص333.(1/181)
2- ليس معقولاً أن يبيح الله تعدد الزوجات ثم يعلقه بشرط مستحيل لا يقدر الإنسان على فعله ، ولو أراد الله سبحانه وتعالى أن يمنع التعدد لمنعه مباشرة وبلفظ واحد، وفي آية / واحدة ، لأن الله قادر على ذلك وعالم بأحوال عباده.
3-نص الله - سبحانه وتعالى - في كتابه الكريم على تحريم الجمع بين الأختين فقال تعالى : { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } [ النسا : 23 ] كما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم . عن أن تنكح المرأة على عمتها أو العمة على ابنة أخيها ، أو المرأة على خالتها أو الخالة على بنت أختها(1). فما هو معنى تحريم الجمع بين الأختين والجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها إذا كان التعدد - أصلاً - محرماً ؟.
4- ثبت من الحديث النبوي الشريف أن العرب الذين دخلوا في الإسلام كان لدى بعضهم أكثر من أربع زوجات ، وكان لدى قيس بن ثابت عندما أسلم ثمان زوجات(2) ، وكان لدى غيلان بن سلمة الثقفي عشر زوجات(3) ، وكان عند نوفل بن معاوية خمس زوجات(4) فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم . بأن يقتصر كل واحد منهم على أربع زوجات فقط ويفارق الأخريات. وهذا دليل قوي على إباحة الإسلام للتعدد.
5- عدد الرسول صلى الله عليه وسلم . زوجاته ، وكان في عصمته عندما توفي تسع زوجات . وظل المسلمون يقومون بالتعدد خلال 1400 سنة لفهمهم التام واعتقادهم الراسخ بإباحة الإسلام للتعدد ، ويرى الدكتور مصطفى السباعي أن القائلين بهذه الدعوى الباطلة عبارة عن فريقين ؛
الأول منهما : حسن النية ، رأى هجوم الغربيين ومن يجري في فلكهم على نظام تعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية ، فظن أنه يستطيع بهذا القول أن يخلص الإسلام مما يتهمونه به.
__________
(1) سنن الترمذي ،جـ2 ص297.
(2) سنن ابن ماجة بيروت جـ1 ص628.
(3) سنن الترمذي جـ3 ص435 ، وسنن ابن ماجة جـ1 ص638.
(4) الصنعاني سبل السلام الرياض 1400 هـ ص224 ، وابن قدامة : المغني القاهرة ، جـ6 ص540 .(1/182)
أما الفريق الثاني : فيرى السباعي أنه فريق سيئ النية ، وهدفه هو أن يخدع المسلمين بهذا القول الباطل ويشككهم في فعل الرسول صلى الله عليه وسلم . وصحابته ومن جاء بعدهم من المسلمين / خلال أربعة عشر قرناً ، بحجة أنهم جميعاً لم يفهموا الآيات الكريمة التي ورد فيها ذكر التعدد(1).
ويرى الشيخ محمود شلتوت أن الآية الثانية (2) تتعاون مع الآية الأولى(3) على تقرير مبدأ التعدد ، الأمر الذي يزيل التحرج منه ، وفي ضوء هذا المبدأ عدد النبي صلى الله عليه وسلم . زوجاته ، وعدد الأصحاب والتابعون زوجاتهم ، ودرج المسلمون بجميع طبقاتهم وفي جميع عصورهم يعددون الزوجات ، ويرون أن التعدد مع العدل بين النساء حسنة من حسنات الرجال إلى النساء بصفة خاصة وإلى المجتمع بصفة عامة(4) ويصف الشيخ محمود شلتوت القائلين بأن التعدد غير مشروع لارتباطه بشرط يستحيل القيام به بأنهم يعبثون بآيات الله ويحرفونها عن مواضعها(5).
/ كذلك وضحت السنة النبوية الشريفة أفضلية الزواج بأكثر من واحدة فقد جاء في (( صحيح البخاري ))(6) أن سعيد بن جبير قال : ( وقال لي ابن عباس : هل تزوجت؟ فقلت : لا . قال : فتزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءً ).
__________
(1) مصطفى السباعي : المرأة بين الفقه والقانون ص101.
(2) هي : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم } .
(3) هي : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } .
(4) محمود شلتوت : الإسلام عقيدة وشريعة ، القاهرة 1395هـ ص183.
(5) المرجع نفسه ص182.
(6) كتاب النكاح جـ5 ص1951.(1/183)
ويذكر ابن حجر(1) أن معنى هذا الحديث هو أن خير أمة محمد صلى الله عليه وسلم . هو من كان أكثر نساءً من غيره ممن يتساوى معه فيما عدا ذلك من الفضائل. وورد في حديث نبوي آخر ما معناه : أن بعض الصحابة أرادوا أن يضاعفوا جهودهم في العبادة ، وينقطعوا لها ، ويتركوا شهوات الدنيا ، فقال واحد منهم : ( أما أنا فلا آكل اللحم ) وقال الثاني : ( أما أنا فأصلي ولا أنام ) وقال الثالث : ( أما أنا فأصوم ولا أفطر ) وقال الرابع : ( أما أنا فلا أتزوج النساء ) فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم . بذلك خطب في الناس وقال : " إنه بلغني كذا وكذا ، ولكني أصوم وأفطر / وأصلي وأنام ، وآكل اللحم ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني "(2).
ويبين ابن قدامة في معرض حديثه عن النكاح أن الإسلام يحث على تعدد الزوجات وأن التعدد ليس مجرد إباحة ، ولكنه مندوب إليه ، فيقول : (( ولأن النبي صلى الله عليه وسلم . تزوج وبالغ في العدد ، وفعل ذلك أصحابه ، ولا يشتغل النبي صلى الله عليه وسلم . وأصحابه إلا بالأفضل))(3).
ويلاحظ كذلك أن الإسلام أباح للمسلم بأن يعاشر ما ملكت يمينه من الإماء دون التقيد بعدد معين ، كما قال تعالى : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } [ النساء : 3 ].
__________
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، الرياض جـ9 ص114.
(2) صحيح مسلم بيروت 1389 هـ جـ9 ص114.
(3) ابن قدامة : المغني جـ6 ص447.(1/184)
ولكن الشريعة الإسلامية لا تسمى هذه المعاشرة زواجاً ، / وإنما يطلق عليها : تسرياً ؛ والحكمة من التسري هي أنه يترتب على التسري بعض الالتزامات والحقوق ومنها أن ولد الأمَة ((ملك اليمين )) الذي أنجبته من سيدها يعتبر ابناً شرعياً لذلك السيد، ويولد حراً ، والأمَة نفسها تصبح تبعاً لذلك أم ولد. وهذا العمل قصد منه - بلا شك - تيسير عتق ملك اليمين(1).
وقد قامت عدة حركات - مناوئة للعقيدة الإسلامية - تطالب بمنع التعدد وتقييده ، وكان من أبرزها تلك الحركة التي قامت في الديار المصرية سنة 1365 هـ / 1945 م ، ونادى القائمون بها بمنع تعدد الزوجات أو على الأقل وضع شروط جديدة له غير الشروط التي حددتها الشريعة الإسلامية من أجل الحد من الإقبال على التعدد ، ومؤدى الشروط الجديدة هو : عدم إباحة تعدد الزوجات إلا بوجود مبرر قوي يخضع تقديره للقضاء ، وأن على من يرغب أن يعدد أن يقدم دليلاً على أن زواجه / بامرأة أخرى له مبرر قوي ، فإذا اقتنع القاضي بما أبداه الرجل من أسباب تدعوه للزواج على زوجته ، أذن له القاضي عند ذلك بالزواج ، وإذا لم يقتنع القاضي رفض طلب الرجل .
وقد حدد بعض هؤلاء الدعاة نوع المبرر المقبول الذي يسمح القضاء بموجبه تعدد الزوجات ، ويتمثل في حالتين فقط لا ثالث لهما ، وهما مرض الزوجة مرضاً مزمناً لا شفاء منه ، وعقم الزوجة الثابت بمرور أكثر من ثلاث سنوات عليه . وفي غير هاتين الحالتين يحرم القانون على الرجل الزواج على امرأته.
ويرى أصحاب هذه الدعوى أن الزواج بواحدة هو الأصل في الإسلام ، وأن التعدد هو الاستثناء ، ولا يعمل بالاستثناء إلا عند الضرورة(2).
__________
(1) صبحي الصالح : النظم الإسلامية نشأتها وتطورها ، بيروت 1982م ص471.
(2) العطار : تعدد الزوجات ، بيروت 1396 هـ ص279-286.(1/185)
ونقول نحن هنا : إن هذا الكلام غير صحيح ، فالآيتان / الكريمتان اللتان جاء فيهما تشريع التعدد وهما الآية (3) والآية (129) من سورة النساء لم يظهر فيهما ما يفيد أن الزواج بواحدة هو الأصل ، وأن التعدد هو الاستثناء والعكس - في نظرنا - هو الصحيح ، فقد بدأت الآية الكريمة (3) بالتعدد وهو الأصل ، ثم ذكرت الزواج بواحدة ، وهو الاستثناء والأصل دائماً يقدم على الاستثناء.
كذلك لم تشترط آيتا التعدد أن تكون الزوجة مريضة ، أو عقيماً لكي يتسنى للرجل الزواج عليها. هذا بالإضافة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم . طلب من أصحابه بعد نزول آيتي التعدد أن يفارقوا ما زاد على الأربع زوجات ، ولم يقل لهم آنذاك أن بقاء أكثر من زوجة لدى الرجل مشروط بكون زوجته مريضة مرضاً مستعصياً أو بكونها عقيماً. وكان الوقت آنذاك وقت تشريع.
ويرى الشيخ محمد أبو زهرة أن تقييد تعدد الزوجات بدعة دينية ضالة لم تقع في عصر النبي صلى الله عليه وسلم .، ولا في عصر / الصحابة ، ولا في عصر التابعين(1).
وإذا كان نظام تعدد الزوجات يفرض على الزوجة الأولى لظرف من الظروف زوجة أخرى ، فإنه لا يحرمها من أن تكون سيدة منزلها والمتصرفة في شئونه ، فالإسلام يجعل لكل امرأة متزوجة الحق في أن تكون لها دار مستقلة ، ولا يجعل لإحدى الزوجات سيطرة على الزوجات الأخريات.
__________
(1) محمد أبو زهرة : تنظيم الإسلام للمجتمع ، القاهرة 1385 هـ ص77-79.(1/186)
ويرى بعض الفقهاء أن للمرأة الحق في أن تشترط وقت زواجها أن لا يتزوج عليها ، وهذه من مفردات الأمام أحمد بن حنبل (( أى مما أنفرد به عن جمهور الفقهاء )) فإذا تم الزواج ، ولم يلتزم الزوج فيما بعد بهذا الشرط كان للمرأة الحق في طلب الطلاق ، كما يظهر في النص الفقهي : (( وإن تزوجها وشرط لها أن لا يتزوج عليها ، فلها فراقه إذا تزوج عليها ))(1) وإذا فات الزوجة أن تشترط هذا الشرط في عقد الزواج فإن لها الحق في / طلب الطلاق إذا قصر زوجها في حق من حقوقها أو ألحق بها أذى ، ولا نختلف هنا على أن اشتراك امرأة مع امرأة أخرى أو أكثر في زوج واحد لا يريحها ولا يمنحها السعادة التي تنشدها في حياتها ولكن الضرر الذي يلحق بالمرأة عند اشتراكها مع غيرها في زوج واحد أقل كثيراً من الضرر الذي يلحق بها إذا بقيت بدون زواج.
ونرى هنا أن الغيرة عند بعض النساء تكون قوية جداً لدرجة أنها تسيطر على كل تصرفاتها ، وتكون أشد ما تكون عند اقتران زوجها بامرأة أخرى ، والغيرة أمر عاطفي بحت ، يظهر منها ثلاثة مشاعر مختلفة هي حب المرأة لزوجها ، وأنانيتها المفرطة في الاستئثار به دون غيرها من النساء ، ثم خوف المرأة على مستقبلها . والعاطفة لا تقدم إطلاقاً على الشرع في أي أمر من الأمور ، وكما أن تعدد الزوجات يبعث الألم والغيرة في نفس الزوجة الأولى فإنه يبعث الأمل في نفس الزوجة / الجديدة ، ويتيح لها أن تحيا حياة زوجية آمنة. زد على ذلك أنه ليس كل النساء هن المتزوجات فقط ، فالتشريع جاء لكل النساء المتزوجات وغير المتزوجات ، فإذا وفق بعضهن في الحصول على أزواج فما هو ذنب الأخريات - وهن بلا شك كثيرات - أن يبقين بدون زواج وقد جعل لهن الإسلام الحق كل الحق في الزواج والعيش في بيت وأسرة تماماً مثل المتزوجات ؟
__________
(1) ابن قدامة : المغني جـ6 ص548.(1/187)
وأى غيرة تستحوذ على قلب من عرفت ربها وأمتثلت أوامره وأنتهت عن نواهيه . قد تسيطر الفكرة على عقلها ولكن سرعان ما تذهبها عن نفسها مخافة أن تتمكن المخالفة لأمر الله من قلبها .
أختاه أن سائلك فأجيبى . أيعصى الرجل ربه أم يعصاكِ أنت ؟
أليست المرأة أى كانت هى أختك التى تسعين لهدايتها وإلى أمتثالها أمر ربها ؟
أوما يضرك لو أنها أحدى البغايا ؟
ويرى العقاد - ونحن معه - أن تحريم التعدد يكره المرأة على حالة واحدة لا تملك سواها ، وهي البقاء عزباء لا عائل لها ، وقد تكون عاجزة عن إعالة نفسها (1). وعلى وجه العموم فإن أخذ بعض الرجال والنساء بنظام تعدد الزوجات يعد برهاناً واضحاً وقوياً على أنهم اختاروا طريق الاستقامة بدلاً من طريق الغواية والضلال ، لأن التعدد يرسم سبيلاً للمحافظة على الأخلاق ، ويوثق الروابط الاجتماعية ، ويحفظ للبيت / المسلم أمنه واستقراره ، وهو الطريق السليم المشروع لإشباع الرغبات دون التردي في مهاوي الشهوات.
2- شروط تعدد الزوجات في الإسلام:
شرع الله تعالى تعدد الزوجات وأباحه لعباده ، وحددت الشريعة الإسلامية له شروطاً لا يجوز الأخذ به دونها وهي :
(أ) العدد.
(ب) النفقة.
(ج) العدل بين الزوجات.
**********************************
(أ) العدد :
__________
(1) المرأة في القرآن ، بيروت 1389 هـ ص107-108.(1/188)
كان نظام تعدد الزوجات معروفاً ومباحاً قبل ظهور الإسلام وكانت الديانة اليهودية(1) والديانات الوضعية مثل الوثنية والمجوسية والبوذية تبيح التعدد بغير تحديد للعدد. ولم يرد في / الديانة المسيحية(2) نص صريح يمنع إتباع هذه الديانة من التزوج بامرأتين أو أكثر(3).
وكان نظام تعدد الزوجات معروفاً لدى القبائل العربية في الجاهلية ولم تكن له آنذاك ضوابط معينة ولا حدود معروفة. وقد تضمن الحديث النبوي الشريف - كما ذكرنا سابقاً - عدة شواهد على وجود التعدد لدى العرب قبل الإسلام على هذا النحو غير المحدد ، ومنها :
1- روي عن قيس بن ثابت(4) أنه قال : أسلمت وعندي ثمان نسوة ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم . ، فقال : (( اختر منهن أربعاً ))(5).
/2- وروي أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم . : (( اختر منهن أربعاً وفارق سائرهن ))(6).
__________
(1) اليهودية : ديانة سماوية أرسل بها موسى عليه السلام لبني إسرائيل.
(2) المسيحية ديانة سماوية جاءت على لسان عيسى عليه السلام لبني إسرائيل. ولكن اليهود والنصارى عدلوا فيها كما أخبر القرآن الكريم عن بني إسرائيل.
(3) مصطفى السباعي : المرأة بين الفقه والقانون ص74 ، أحمد على طه : تعدد الزوجات القاهرة 1394 هـ ص8.
(4) من سبل للصناعي جـ3 ص224 : "قيس بن الحارث".
(5) سنن ابن ماجة جـ1 ص628.
(6) سنن الترمذي ، جـ 3 ص435 ، سنن ابن ماجة جـ1 ص638.(1/189)
3- وروي عن نوفل بن معاوية أنه قال : أسلمت وتحتي خمس نسوة فسألت النبي صلى الله عليه وسلم . فقال : (( فارق واحدة وأمسك أربعاً ))(1) ولما ظهر الإسلام هذب التعدد ، ووضع له الأسس والشروط المناسبة وقيده بالعدد ، وجعله قاصراً على أربع زوجات فقط ، وشدد فيه على العدل بين الزوجات في الأمور المادية التي يستطيع الإنسان القيام بها. واشترط فيه قدرة الرجل على الإنفاق على زوجاته وأولاده. وظهر هذا بوضوح في الآية الكريمة : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } . [ النساء : 3 ]
/ ويلاحظ أن التعدد في الإسلام ليس مشروطاً - كما يقال - بكون الزوجة الأولى مريضة أو لا تنجب، وإنما هو مباح من الأصل ، وللمسلم أن يتزوج اثنين أو ثلاثاً أو أربعاً ما دام يرى في نفسه القدرة على الإنفاق على زوجاته والعدل بينهن(2).
وها هو عمر بن الخطاب أمير المؤمنين - رضي الله عنه - يعرض ابنته حفصة على أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، وهو يعرف أن لدى الصديق أكثر من زوجة ولم يكنَّ مريضات ولا عقيمات . وعرض عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ابنته حفصة كذلك على عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وهو زوج لإحدى بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم . ، ولم يجد - رضي الله عنه - في ذلك غضاضة ولا ضرراً على ابنته.
وهناك ثلاث وجهات نظر حول الحد الأقصى لتعدد الزوجات تخالف ما أجمع عليه المسلمون وهو أنه لا يجوز الزواج بأكثر من أربع ، وهي:
__________
(1) الصنعاني : سبل السلام جـ3 ص224 ، ابن قدامة : المغني ، جـ6 ص540.
(2) محمود شلتوت : الإسلام عقيدة وشريعة ص187.(1/190)
أولاً: زعم فريق أن الآية الكريمة : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } تفيد إباحة الجمع إلى تسع زوجات ، مستدلين على زعمهم بأن الكلمات : (( مثنى وثلاث ورباع )) الواردة في الآية الكريمة ألفاظ مفردة معدول بها عن أعداد مفردة ، وأن الواو الموجودة بين هذه الكلمات للجمع ، فيكون معنى (( مثنى وثلاث ورباع)) : اثنين وثلاثاً وأربعاً ومجموعها تسع (2+3+4=9).
ثانياً : ويقول فريق آخر أن الآية الكريمة : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } تفيد إباحة الجمع إلى ثماني عشرة زوجة ، ويرون أن الكلمات : ((مثنى وثلاث ورباع)) ألفاظ مفردة معدول بها عن ألفاظ مكررة وأن الواو الموجودة بين هذه الكلمات للجمع ، وتفسير الآية الكريمة عندهم هو فانكحوا ما طاب لكم من النساء اثنين اثنين ، وثلاثا ثلاثاً ، وأربعاً أربعاً فيكون المجموع / حسب فهمهم ثماني عشرة (2+2+3+3+4+4=18).
ثالثاً: وادعى فريق ثالث أن الآية الكريمة : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } ، تبيح تعدد الزوجات بدون حصر للأسباب التالية :
1- أن صيغة : (( ما طاب لكم )) تفيد العموم ، وأن (( مثنى وثلاث ورباع )) كلمات معدول بها عن أعداد مكررة إلى غير نهاية ذكرت بعد صيغة العموم السابقة الذكر على سبيل المثال لا الحصر والتحديد وأنها بهذا الوضع تفيد رفع الحرج عن المسلم في تزوج من شاء من الزوجات إلى غير حد.
2- أن الزواج كملك اليمين كلاهما غير مقيد بعدد.
3- أن الأخبار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم . في تقييد تعدد الزوجات بأربع إنما هي أخبار آحاد ، وخبر الآحاد لا ينسخ به القرآن الذي فهموا منه أنه يبيح تعدد الزوجات بدون حد.(1/191)
ونقول لهؤلاء : إن المراد هو أحد هذه الأعداد ، فمثنى يراد / بها اثنين ، وكلمة ثلاث يراد بها ثلاثة ، وكلمة ورباع يراد بها أربعة ، وأن الواو الموجودة بين هذه الكلمات هي للتخيير وليست للجمع ، فقد أجمعت الأمة الإسلامية على أنه لا يجوز الزواج بأكثر من أربع نسوة ، ولم ينقل عن أحد في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا بعده إلى يومنا هذا أنه جمع بين أكثر من أربع زوجات ، وأن فهم هؤلاء للآية الكريمة : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } فهم خاطئ بني على أساس خاطئ ، ولو كان تعدد الزوجات يباح في الإسلام إلى تسع أو إلى ثماني عشرة أو إلى ما لا نهاية لصرح القرآن بهذا ولم يدع للمسلمين مجالاً للشك والحيرة ، كما أن تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم . بأكثر من أربع زوجات يعتبر من خصوصياته التي لا يجوز الاقتداء به فيها(1).
وقد يسأل بعض من الناس عن حكمة تحديد الإسلام للحد / الأقصى لعدد الزوجات بأربع فقط لا أقل ولا أكثر. وهنا نقول: إن التحديد العددي لكثير من الأمور شيء يعلمه الله - سبحانه وتعالى - وحده ، فبالنسبة للأمور الشرعية لا نعلم لماذا كان عدد الصلوات المفروضة في اليوم والليلة خمس صلوات فقط؟ ولماذا لم تكن أربعاً أو ستاً؟ ولا نعلم شيئاً عن تحديد عدد ركعات صلاة الظهر بأربع ، وصلاة المغرب بثلاث ركعات فقط بينما صلاة الفجر ركعتان.
__________
(1) انظر هذه القضية في كتاب تعدد الزوجات لعبد التواب هيكل ص22-54.(1/192)
وهكذا الأمر بالنسبة لعدد الأعضاء في جسم الإنسان؛ فالإنسان له عينان ويدان ورجلان ، فما الحكمة في الاقتصار على عينين فقط أو يدين فقط؟ ولماذا تشتمل اليد الواحدة والرجل الواحدة على خمس أصابع فقط؟ وليست أربع أو ست أو أكثر أو أقل؟ علم هذه الأمور عند الله تعالى. ولم تخل كتابات بعض المفكرين من محاولات لتبرير جعل الحد الأقصى لتعدد الزوجات أربع زوجات فقط فذكر بعضهم أنه ربما كان / التحديد متفقاً على عدد فصول السنة. وقد يكون التحديد منسجماً مع نسبة عدد الرجال إلى نسبة عدد النساء ، وهذه النسبة في الغالب (1 : 4 ) بحيث لو اقتصر التعدد على زوجتين فقط لظل هناك عدد من النساء بدون أزواج ولو زاد العدد على أربع زوجات لأدى ذلك إلى بقاء بعض الرجال عزاباً بدون زواج ، ومن ثم كان الحد الأقصى المعقول بناءً على هذا الاعتبار هو أربع زوجات فقط.
ويرى آخرون أن هذا التحديد قد يستهدف كل أنواع النساء في الغالب وبالتالي يتمكن الرجل من أن تكون لديه الزوجة الطويلة والزوجة القصيرة والزوجة النحيفة والزوجة البدينة هذا بالنسبة للقوام. أما بالنسبة للون فيكون له إذا أراد الزوجة ذات الدين ، وذات الجمال ، وذات المال ، وذات الحسب والنسب ، وهي الخصال الأربع التي تغري الواحدة منها الرجل بالتزوج بالمرأة ، فالبعض يفضل المرأة المتدينة ، والبعض الآخر يفضل / المرأة الجميلة أو ذات المال أو ذات الحسب.
وقد يتفق هذا التحديد مع الدورة الشهرية للمرأة ، وعادة يستمر حيض المرأة أسبوعاً كل شهر ، وبطبيعة الحال يترك الرجل زوجته في فترة الحيض حتى إذا مضت أربعة أسابيع - إذا كان متزوجاً أربع زوجات - عاد إلى الزوجة الأولى فيجدها طاهرة(1).
__________
(1) لمعلومات أكثر فضلاً انظر : كتاب حادي الأرواح على هامش إعلام الموقعين ، جـ 2 ص204 ، وكذلك كتاب المرأة في القرآن للعقاد ص85 ، وكتاب تعدد الزوجات لعبد الناصر العطار ص187-188.(1/193)
وعلى العموم فإن هذه كلها تفسيرات اجتهادية قابلة للخطأ والصواب ، والأخذ والرد والله - سبحانه وتعالى - أعلم بمراده.
(ب) النفقة:
وتشمل النفقة الطعام والشراب والكسوة والمسكن والأثاث اللازم له ويجب أن تكون لدى الرجل الذي يقدم على الزواج بادئ ذي بدء القدرة المالية على الإنفاق على المرأة التي سيتزوج / بها. وإذا لم يكن لديه من أسباب الرزق ما يمكنه من الإنفاق عليها ، فلا يجوز له شرعاً الإقدام على الزواج. ويظهر هذا واضحاً جلياً في الحديث النبوي الشريف التالي : قال صلى الله عليه وسلم . : (( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة(1) فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ))(2).
وهكذا الأمر بالنسبة للرجل الذي لا يستطيع أن ينفق على أكثر من زوجة واحدة ، فإنه لا يحل له شرعاً أن يتزوج بأخرى ، فالنفقة على الزوجة أو الزوجات واجبة بالإجماع(3).
__________
(1) الباءة : القدرة على تكاليف الزواج.
(2) صحيح مسلم جـ9 ص172 ، وابن حجر : فتح الباري جـ9 ص112.
(3) ابن قدامة : المغني جـ7 ص564.(1/194)
ويظهر هذا الوجوب من ثنايا خطبة حجة الوداع(1) ، حيث قال صلى الله عليه وسلم . مخاطباً المسلمين : (( واتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن شرباً غير مبرح(2) ولهن عليكن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ))(3) كما يتبين وجوب النفقة على الزوجة في الحديث النبوي الشريف : (( ألا وحقهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ))(4) وجاء في حديث آخر أن الرسول صلى الله عليه وسلم . سئل عن حق الزوجة على زوجها فقال مخاطباً السائل : (( وتطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت ))(5).
ولا خلاف بين الفقهاء في أنه يجب على الرجل القيام بكل / ما يلزم زوجته أو زوجاته من طعام مناسب ولبس ومسكن مناسب وما يتبع ذلك من احتياجات.
3- العدل بين الزوجات:
قال تعالى : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } . [ النساء : 3 ]
__________
(1) ابن هشام ، سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - القاهرة 1356 هـ جـ4 ص276.
(2) ضرباً غير مبرح أي ضرباً غير شديد مؤلم.
(3) ابن هشام : سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - جـ4 ص276.
(4) ابن قدامة : المقنع جـ3 ص307.
(5) سنن أبي داود جـ1 ص334.(1/195)
والمراد بالعدل في هذه الآية الكريمة هو العدل الذي يستطيعه الإنسان ويقدر على تحقيقه ، وهو التسوية بين الزوجات في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمبيت والمعاملة بما يليق بكل واحدة منهن أما العدل في الأمور التي لا يستطيعها الإنسان ، ولا يقدر عليها مثل المحبة والميل القلبي ، فالزوج ليس مطالباً به لأن هذا الأمر لا يندرج تحت الاختيار ، وهو خارج عن إرادة الإنسان ، والإنسان - بلا شك - لا يكلف إلا بما يقدر / عليه(1) كما يظهر في قوله تعالى : { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } [ البقرة : 286 ] والعدل والمحبة والميل القلبي هو الذي قال عنه الله سبحانه وتعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم } . [ النساء : 129 ]
__________
(1) سيد قطب : في ظلال القرآن دار الشروق بيروت 1402 هـ جـ1 ص582 ، زكي شعبان : الزواج والطلاق القاهرة 1384 هـ ص40.(1/196)
ويحاول بعض الناس أن يتخذ من هذه الآية الكريمة دليلاً على تحريم التعدد وهذا غير صحيح فشريعة الله لا يمكن أن تبيح الأمر في آية وتحرمه في آية أخرى فالعدل المطلوب في الآية الأولى هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة وسائر الأوضاع الظاهرة بحيث لا تتميز إحدى الزوجات بشيء دون الأخريات سواء في الملبس أو المسكن أو الطعام أو المبيت. أما العدل في المحبة والعاطفة والمشاعر ، وهو المشار إليه في الآية الثانية ، فهذا شيء لا يملكه الإنسان ، فالقلوب ليست ملكاً / لأصحابها ، وإنما هو (( بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ))(1). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم . ، وهو أكثر الناس معرفة بدينه وبمشاعره وأحاسيسه القلبية وأشد الناس حرصاً على تحقيق العدل بين زوجاته ، كان يقول : (( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ))(2) وذلك بعد أن عدل بين زوجاته في كل شيء ما عدا العاطفة فإن قلبه صلى الله عليه وسلم . كان يميل أكثر إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها . وفي حالة حب الزوج لإحدى زوجاته لجمالها أو لخلقها وتعلقه بها أكثر من زوجاته الأخريات فإن الله - سبحانه وتعالى - قد نهاه وحذره من أن يميل نهائياً أو يشتط في الميل إلى التي تعلق بها قلبه الأمر الذي يؤدي إلى ترك الزوجة الأخرى أو الزوجات الأخريات معلقات فلا هن متزوجات لعدم حصولهن على / حقوقهن كزوجات ولا هن مطلقات فيستطعن الزواج وذلك لأنهن مرتبطات بعلاقة زوجية ،
__________
(1) سيد قطب : في ظلال القرآن جـ1 ص582.
(2) سنن أبي داود ، جـ 1 ص333 ، سنن الترمذي ، جـ3 ص304 ، ابن حجر : فتح الباري ، جـ9 ص313.(1/197)
ويظهر هذا النهي عن الاشتطاط في الميل في قوله تعالى : { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا } . [ النساء : 129 ]
وقال عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - : إن العدل المشار إليه في هذه الآية هو العدل في الحب والجماع(1).
وإذا أقدم المسلم على التعدد وهو على يقين بعدم قدرته على العدل بين زوجاته في الأشياء المادية ، وهي المعاملة والمأكل والمشرب والملبس والمسكن والمبيت ، فهو آثم عند الله - سبحانه وتعالى - ، وكان من الواجب عليه ألا يتزوج بأكثر من واحدة.
وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وشدد على موضوع العدل بين الزوجات ووضح صلى الله عليه وسلم . عقاب الزوج الذي / يقصر في حق من حقوق زوجاته فقال : (( إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما ، جاء يوم القيامة وشقه ساقط ))(2).
وإذا ثبت تقصير الزوج في حق زوجة من زوجاته ، فإن لها الحق شرعاً في الشكوى إلى الحاكم ، وهناك يطلب الحاكم من الزوج إمساك زوجته بالمعروف أو تسريحها بإحسان كما قال تعالى : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } [ البقرة : 229 ].
وفي آية ثانية : { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } [ البقرة : 231 ]
أما المبيت(3)
__________
(1) ابن حجر : فتح الباري جـ9 ص313.
(2) سنن الترمذي جـ2 ص304 ، وسنن أب داود جـ1 ص333 . وتعني عبارة (( وشقه ساقط )) أي أن نصفه مائل .
(3) يلاحظ أن المبيت لدى الزوجة لا يعني بالضرورة حصول الجماع فيه بين الزوجين ، لأن هذا الأمر خارج عن إرادة الإنسان ، وعائد إلى القلب وعليه فإن الجماع ليس شرطاً من شروط العدل بين الزوجات.
ابن حجر : فتح الباري جـ10 ص46.(1/198)
فهو أن يخصص الزوج لكل زوجة من زوجاته / ليلة أو أكثر يبيت فيها معها في بيتها إذا كان لها بيت مستقل ، أو في الحجرة الخاصة بها ، ويتساوى في ذلك الصحيحة والمريضة والحائض والنفساء . لأن القصد من المبيت هو الأنس الذي يحصل للزوجة ، لأن الرجل يستمتع بزوجته دون حدوث الوطء فيستمتع كل منهما بالآخر بالنظر والملامسة والتقبيل وما إلى ذلك(1).
ولا يلزم الزوج أن يجامع زوجته في ليلتها ، ولا يجب عليه أ، يساوي بين الزوجات في الجماع ، وله أ، يجامع بعضهن دون البعض الآخر ، ولكن يستحب له أن يسوي بينهن في ذلك(2).
والسنة في المبيت أن يكون لكل زوجة ليلة واحدة مع يومها(3). ويجوز أن يجعل القسم ليلتين ليلتين ، أو ثلاثاً / ثلاثاً ، ولا يجوز الزيادة على ثلاث ليالٍ إلا برضى زوجاته(4).
وإذا سافر الزوج سفراً يحتاج معه إلى مرافقة إحدى زوجاته فإن له الحق في اختيار من يريد أن ترافقه منهن وإذا رفضت زوجاته الأخريات ذلك ، وتنازعن فيمن تسافر معه ، فعند ذلك لابد للزوج أن يلجأ إلى الاقتراع ، ومن وقعت عليها القرعة خرجت معه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم . يختار رفيقته في السفر من زوجاته بالقرعة كما جاء في حيث أم عائشة رضي الله عنها ، وهو : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم . كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه ، وأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ))(5).
وإذا تزوج الزوج بامرأة أخرى ، فإن كانت ثيباً أقام معها ثلاثة أيام وإن كانت بكراً أقام معها سبعة أيام ، ولا يحق للزوجات الأخريات المطالبة بقضاء مثل هذه المدة عندهن(6).
__________
(1) صحيح مسلم ، جـ10 ص46.
(2) المصدر نفسه ص46-47.
(3) ابن الأثير : جامع الأصول ، بيروت 1392 هـ جـ11 ص515.
(4) صحيح مسلم ، جـ10 ص46-47.
(5) سنن أبي داود جـ1 ص334 ، ابن الأثير : جامع الأصول جـ11 ص515.
(6) صحيح مسلم ، جـ10 ص44-45 والكلام للإمام النووي.(1/199)
/ وأخيراً نقول : إن العدل بين الزوجات لا يعني مطلق التسوية بين الزوجتين أو الزوجات ، بل العدل هنا هو إعطاء كل زوجة ما هي في حاجة إليه فعلاً إلى درجة الكفاية اللائقة بمثلها في الطعام والشراب والمسكن والملبس والمسكن. يقول ابن حجر : "فإذا وفّى لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها لم يضره ما زاد على ذلك من ميل قلب أو تبرع بتحفة "(1).
هذه هي الشروط الثلاثة التي وضعتها الشريعة الإسلامية لإباحة تعدد الزوجات ، وأرى هنا اجتهاداً - إذا جاز لي ذلك - أن أضيف إلى هذه الشروط تحريم الجمع بين المحارم ، فقد ورد في الكتاب والسنة نصوص تحرم تحريماً قطعياً أن يجمع الرجل المسلم في عصمته بين الأختين وقال الله - سبحانه وتعالى - في ذلك : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ } وتستمر الآية في تعديد المحرمات من / النساء حتى قوله تعالى : { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا } [ النساء : 23 ] وجاء في الحديث النبوي الشريف عن أبي خراش الرعيني عن الديلمي قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم . ، وعندي أختان تزوجتهما في الجاهلية فقال : (( إذا رجعت فطلق إحداهما))(2).
__________
(1) فتح الباري ، جـ9 ص313.
(2) سنن ابن ماجة جـ1 ص627 . وورد الحديث بألفاظ مختلفة في سنن الترمذي جـ2 ص 299.(1/200)
وتحريم الجمع بين الأختين هو من أجل الحفاظ على صلات المودة والرحمة بين أفراد الأسرة المسلمة. والمعروف أن كل زوجة تعمل باستمرار على أن يكون خير زوجها لها، وتكره أن يعطي زوجها لوالده أو لوالدته أو لواحد من إخوانه أو أخواته شيئاً من ماله. وهكذا الأمر بالنسبة لمن لديه أكثر من زوجة ، فإن الزوجة تكره أن يعطي لضرتها مثل ما يعطيها، ولهذا الاحتمال حرم الله على الرجل أن يجمع في عصمته بين / أختين حتى لا تسعى الواحدة منهما إلى حرمان أختها من خير زوجها، فيكون ذلك سبباً في قطع صلات الرحمة والمودة والقرابة بينهما ، أو على الأقل تفتر بينهما هذه العلاقات بسبب الغيرة والنزاع حول الزوج. ويذكر ابن حجر(1) أن الجمع بين الأختين حرام بالإجماع سواءً كانتا شقيقتين أو من أب أو من أم. ويستوي في ذلك النسب والرضاع.
وإذا كان الجمع بين الأختين حراماً فإن الجمع بين الأم وابنتها يكون من باب أولى حراماً ، وذلك لأن قرابة بين الأم وابنتها واجبة الأصل والجمع بينهما كزوجتين لرجل واحد يؤدي إلى قطع أواصر القرابة والمودة ، ويتسبب في إيقاع العداوة بينهما(2).
كذلك يحرم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها ، وبين العمة وبنت أخيها، وبين الخالة وبنت أخيها، وقد ثبت / هذا التحريم بأحاديث رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . منها :
1- قال جابر - رضي الله عنه - : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم . نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها))(3).
2- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم . نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو العمة على ابنة أخيها أو المرأة على خالتها أو الخالة على بنت أخيها))(4).
__________
(1) فتح الباري ، ج9 ص160.
(2) صحيح البخاري جـ5 ص1965.
(3) صحيح البخاري جـ5 ص1965 ، وقد ورد الحديث بألفاظ مختلفة قليلاً في كتاب سنن الترمذي. جـ2 ص297.
(4) سنن الترمذي جـ2 ص297 ، سنن أبي داود جـ1 ص322.(1/201)
وجاء في بعض الروايات تحريم الجمع بين العمتين أو الخالتين سواء كانت العمتان أو الخالتان أختين أو غير أختين(1).
وعلى العموم فإنه يحرم على الرجل أن يجمع في عصمته بين امرأتين بينهما رحم محرمة ، لما قد يؤدي هذا الجمع من إيقاع العداوة بينهما وقطع صلة الأرحام.
مبررات تعدد الزوجات في الإسلام :
الإسلام نظام يتوافق مع فطرة الإنسان وتكوينه ، وينسجم مع ضرورات حياته ، ويعني الدين الإسلامي برعاية خلق الإنسان ، ويحرص على نظافة المجتمع ، ولا يسمح بقيام واقع مادي يؤدي إلى فساد الأخلاق وانحلال المجتمع(2).
وقد أراد الله تعالى أن يجعل الأسرة عماد الحياة وقاعدة العمران ، وأساس نشأة المجتمعات ، وقيام الحضارات ، ولذلك أحاط الله - سبحانه وتعالى - بنيان الأسرة بمجموعة من القواعد الثابتة والركائز الصلبة لحماية هذا البنيان مما قد يعتريه من وهن أو ضعف. ومن هذه القواعد تشريع نظام تعدد الزوجات.
والدين الإسلامي ، وهو يبيح للمسلم أن يتزوج بأربع زوجات كحد أعلى لم يكن هدفه إشباع الرغبة الجنسية لدى / الرجل فحسب ، وإنما هناك مبررات ودوافع قد تحمل الرجل على أن يتزوج بأكثر من امرأة. ومن هذه المبررات ما يلي :
1- (( أرضاء الله تعالى وتدبر مصالح المسلمين والأهتمام بأحوالهم . إذ يعد من الضروريات الأن أن تطبق كل الدول الإسلآمية التعدد . لما آل له حال المرأة فى هذه الآونة وزيادة عدد النساء . إذ أن كل رجل الأن يقابله خمسة من النسوة !!!
فكيف السبيل لمعالجة هذا إلا بالتعدد كما أمر الله تعالى .
(( ومن لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم ))
__________
(1) سنن أبي داود ، جـ1 ص323 ، ابن قدامة : المغني جـ6 ص573.
(2) سيد قطب. في ظلال القرآن جـ1 ص579.(1/202)
2- الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم . ، الذي توفي وفي عصمته تسع زوجات ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم . - بلا شك - أسوة وقدوة للمسلم في كل شيء إلا ما خص به من أمور. قال تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ } [الأحزاب:21] ومن هذا المنطلق يجب على كل مسلم ومسلمة الاعتقاد بإباحة التعدد سمعاً وطاعة لله ولرسوله ، لأن إنكار هذه الإباحة يؤدي إلى الكفر والعياذ بالله.
2- تدل الإحصائيات التي جرت وتجري في بلاد العالم المختلفة دلالة واضحة على أن عدد الإناث أكثر من عدد الذكور ، وذلك نتيجة لكثرة ولادة البنات.
ولأن موت الرجال بمشيئة الله تعالى وقدرته أكثر من موت / النساء ، فالرجال هم وقود المعارك العسكرية ، وتلتهم الحروب عدداً كبيراً منهم. هذا بالإضافة إلى تعرض الرجال للحوادث بشكل أكثر من النساء ، فهم يخرجون للكسب وطلب الرزق وينتقلون من أجل ذلك من مكان لآخر ، ويذلون كل ما في وسعهم من جهد للحصول على لقمة العيش ، الأمر الذي يجعلهم أكثر قابلية للمرض والموت هذا في الوقت الذي يكون فيه النساء في بيوتهن.
ويترتب على ما سبق أن ذكرناه آنفاً وجود فارق بين نسبة الإناث ونسبة الذكور ، ومن ثم يكون تعدد الزوجات هو العلاج الناجح لهذا الفارق . وقد أظهرت الإحصائيات التي أجريت في أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية أن نسبة النساء هناك كانت تمثل آنذاك (7) إلى (1) من نسبة الرجال أي أن كل رجل يقابله سبع نسوة ، حيث كثر النساء في أوروبا كثرة فاحشة عقب تلك الحروب التي ذهبت بالكثير من الرجال.(1/203)
/ وجاء في الكتاب السنوي للأمم المتحدة عن تعداد السكان الصادر سنة 1964م - 1384 هـ أن الإحصاءات أثبتت أن عدد النساء في الاتحاد السوفيتي يزيد على عدد الرجال بنحو عشرين مليون نسمة ، ونحو مليوني نسمة في الولايات المتحدة الأمريكية ، ونحو ثلاثة ملايين في ألمانيا الغربية(1).
ومما يضاعف المشكلة ويزيد الفرق أن بعض الرجال لا يتزوجون بسبب ظروف اقتصادية تتمثل في عدم قدرتهم على توفير النفقة اللازمة لفتح بيت وتكوين أسرة.
كما أن بعضهم يؤخر الزواج إلى سن متأخرة نسبيا من أجل تحسين مستواه المادي ليتمكن من الإنفاق على المرأة التي سيرتبط بها والأولاد الذين سيرزق بهم . وهذا على العكس من الفتيات اللاتي يكن مستعدات للزواج في سن مبكرة.
/ وتظهر في أغلب التقديرات زيادة عدد النساء الصالحات للزواج على عدد الرجال الصالحين للزواج بنسبة (4) إلى (1) وهذا بطبيعة الحال اختلال يجب معالجته لتكرر وقوعه بنسب مختلفة ونجد أمامنا في هذه الحالة ثلاثة حلول هي :
1- أن يتزوج كل رجل صال للزواج امرأة صالحة للزواج ثم يبقي عدد من النساء دون زواج.
2- أن يتزوج كل رجل صالح للزواج امرأة واحدة فقط زواجاً شرعياً ثم يعاشر حراماً في الظلام واحدة أو أكثر من النساء اللواتي ليس لهن مقابل من الرجال في المجتمع.
3- أن يتزوج الصالحون للزواج - كلهم أو بعضهم - أكثر من امرأة واحدة زواجاً شرعياً في وضح النهار بدلاً من العشيقة أو البغيّ التي يعاشرها حراماً بعيداً عن أعين الناس .
__________
(1) محمد فتحي عثمان : الفكر الإسلامي والتطور الكويت 1388 هـ ص232.(1/204)
ولمناقشة هذه الحلول واختيار الحل الأفضل منها نرى أن الحل الأول وهو أن تبقى المرأة بلا زوج أمر غير طبيعي ، وضد / الفطرة التي فطر الله الناس عليها فالمرأة لا يمكن أن تستغني عن الرجل ، والعمل والكسب لن يعوضا المرأة عن حاجتها الفطرية إلى الحياة الطبيعية ، سواءً في ذلك مطالب الجسد والغريزة أو مطالب الروح والعقل من السكن والأنس بالعشير.
أما الحل الثاني فهو ضد الشريعة الإسلامية ، ولا يتناسب مع أخلاق المجتمع الإسلامي العفيف ، كما أنه ضد كرامة المرأة وإنسانيتها ، ويؤدي بالتالي إلى شيوع الفاحشة في المجتمع.
ويكون الحل الثالث - بلا شك - هو الحل الأمثل الملائم الذي يختاره الإسلام لمواجهة الواقع الذي يعيشه الناس(1).
ويقول الشيخ محمد الغزالي في أحد أعداد صحيفة (المسلمون) الصادرة في عام 1410 هـ يقول : إن النسبة بين الرجال وعدد النساء إما أن تكون متساوية وإما أن تكون راجحة / لأحد الطرفين ، فإذا كانت متساوية أو كان عدد النساء أقل فإن نظام تعدد الزوجات لابد أن يختفي تلقائياً ، ويكتفي كل شخص طوعاً أو كرهاً بما عنده. أما إذا كان عدد النساء أكثر من عدد الرجال فنكون بين واحدة من ثلاثة حلول ، فإما أنه نقضي على بعض النساء بالحرمان حتى الموت من الزواج. وإما أن نبيح اتخاذ العشيقات والخليلات فنقر بذلك جريمة الزنا. وإما أن نسمح بتعدد الزوجات. وبالتأكيد فإن المرأة ترفض حياة الحرمان من الزواج ، وتأبى فراش الجريمة والعصيان ، وبالتالي فلا يبقى أمامها إلا أن تشارك غيرها في رجل يرعاها وينسب إليه أولادها. ولا مناص بعد ذلك من الاعتراف بمبدأ تعدد الزوجات الذي أباحه الإسلام.
__________
(1) سيد قطب : في ظلال القرآن جـ1 ص579-580.(1/205)
وعموماً فإن النساء دائماً أكثر من الرجال ، وجاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم . أنه قال : ((يقل الرجال ويكثر النساء حتى / يكون لخمسين امرأة القيم الواحد))(1) وجاء في حديث آخر : ((وترى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء))(2) والحديثان يدلان دلالة واضحة على أن عدد النساء يكون دائماً أكثر من عدد الرجال. ويمكن للواحد منا أن يتأكد من هذا الأمر بالنظر في عدد الشباب والشابات خاصة أو في عدد الأطفال ذكراً وإناثاً في الأسرة التي له صلة بها ، وسيرى -كما رأيت- الفارق الواضح بين عدد الجانبين.
3- ومن المعروف أن الرجل يكون مستعداً لوظيفة النسل من البلوغ إلى نهاية العمر الطبيعي ، وهو في المتوسط ثمانون سنة ، قد تزيد قليلاً أو تنقص ، وأن فترة الإخصاب عند المرأة تقف عند سن اليأس ، وتكون هذه السن عند بعضهن في الأربعين وعند البعض الآخر في الخامسة والأربعين، والغالبية في / الخمسين من العمر. ويكون الفارق هنا قرابة ثلاثين سنة بين فترتي الإخصاب عند الرجل والمرأة. ومن الطبيعي أن يستفاد من هذا الفرق في الإخصاب لعمران الأرض بالتكاثر والتناسل(3). وكثرة النسل مطلب شرعي ، وفيها تحقيق لمباهاة الرسول صلى الله عليه وسلم . بأمته كما جاء في الحديث النبوي الشريف التالي : (( النكاح من سنتي ، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني ، وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ))(4).
__________
(1) صحيح البخاري ، جـ5 ص2005.
(2) المصدر نفسه جـ5 ص2005.
(3) سيد قطب : في ظلال القرآن جـ1 ص580 محمد رشيد رضا : حقوق النساء في الإسلام ، القاهرة 1398 هـ ، ص50-51.
(4) سنن ابن ماجة جـ1 ص592 ، الشوكاني : نيل الأوطار بيروت جـ6 ص226.(1/206)
كما أن المرأة إذا حملت يكون حملها شاغلاً لها عن الأمور الحياتية الأخرى حتى نهاية مدة الحمل ، وهي تسعة شهور. هذا بالإضافة إلى أن استعداد المرأة للحمل في فترة الرضاعة يكون ضعيفاً جداً ، ومدة الحمل والرضاعة في الغالب عامان ونصف / العام كما قال تعالى : { وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } [الأحقاف:15] ويكون الرجل في خلال هذه الثلاثين شهراً على أهبة الاستعداد للقيام بوظيفته الطبيعية إن لم يكن يومياً فثلاث أو أربع في الأسبوع ، وذلك حسب المزاج وسلامة البنية وحسن الغذاء(1). واقتصار الرجل على زوجة واحدة في هذه الفترة التي ليست بقصيرة يكون عائقاً له عن أداء وظيفته الطبيعية لإعفاف نفسه أولاً وللإنجاب وهو الأهم ثانياً.
4- أعطى الله بعض الرجال طاقة جنسية كبيرة ، ورغبة قوية على الوطء (الجماع) ويشعر هذا الرجل أن الزوجة الواحدة لا تكفي لإعفافه وسد حاجته الجنسية وبخاصة إذا كان زمن حيض المرأة يستغرق جزءاً كبيراً من أيام الشهر ، وعند ذلك يجد الرجل أنه أصبح مضطراً إلى أحد أمرين أولهما : أن يجد / مصرفاً مباحاً مشروعاً لشهوته ، وهو الزواج بامرأة ثانية ، وثانيهما : ارتكاب جريمة الزنا التي تذهب بالدين والمال والصحة ، وتكون شراً على الزوجة(2).
يقول سيد قطب(3) عن هذه القضية : إن من الأمور الواقعية التي لا نستطيع أن ننكرها أنّ الزوج يرغب في أداء الوظيفة الفطرية ((الجنس)) ولا تكون لدى المرأة رغبة في معاشرة الرجل لمرضها أو كبر سنها مع وجود رغبة مشتركة لدى الزوجين في دوام العشرة الزوجية وكراهية الانفصال وهنا نجد أنفسنا في مواجهة هذه المشكلة أمام ثلاثة احتمالات هي:
أ- أن نكبت الرجل ، ونمنعه بالقوة من مزاولة نشاطه الفطري.
__________
(1) محمد رشيد رضا : حقوق النساء في الإسلام ص51-52 محمد عبد الله عرفة : حقوق المرأة في الإسلام.
(2) محمد رشيد رضا : حقوق النساء في الإسلام ص51-52.
(3) في ظلال القرآن ، جـ1 ص580-581.(1/207)
ب- إعطاء الرجل الحرية في معاشرة من يشاء من النساء / الساقطات.
ج- أن نبيح لهذا الرجل أن يتزوج بامرأة ثانية مع الاحتفاظ بزوجته.
ويظهر هنا أن الاحتمال الأول ضد الفطرة ، وفوق طاقة الإنسان ، وإذا أكرهناه على ذلك فالنتيجة ستكون حتماً كراهية الحياة الزوجية والنفور منها.
أما الاحتمال الثاني فهو ضد الأخلاق الإسلامية ، ويخالف المنهج الإسلامي الرامي إلى تطير الحياة البشرية وتزكيتها.
ويكون الاحتمال الثالث هو وحده الذي يلبي ضرورات الحياة الفطرية الواقعية ويحقق المنهج الإسلامي ، ويحتفظ للزوجة الأولى بالرعاية ودوام العشرة.
5- قد يقابل المسلم فى حياته الدنيوية أُناس ليس بينه وبينه قرابة أو رحم فمن مشروعيات التعدد إنشاء قرابات ومصاهرات يكون فيها تحقيق لمقصد الخلق { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } الحجرات13
يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من أب واحد هو آدم, وأُم واحدة هي حواء، فلا تفاضل بينكم في النسب, وجعلناكم بالتناسل شعوبًا وقبائل متعددة؛ ليعرف بعضكم بعضًا, إن أكرمكم عند الله أشدكم اتقاءً له. إن الله عليم بالمتقين, خبير بهم.
أليس فى حياتك من تتمنى أن تزوجه أختك أو أبنتك ويمنعك أنه قد يكون متزوج وتظن أن هذا يمنعك وهو ليس بمانع شرعي خاصة إن كان فى هذا الرجل خير وصلآح ؟
6- قد تكون الزوجة عقيماً وليست لديها القدرة على الإنجاب ، والزوج يرغب في الذرية ، ومن ثم يكون أمامه طريقان لا ثالث لهما وهما :
أ- أن يطلق زوجته العقيم ، ويتزوج بثانية تحقق رغبته في النسل.
ب- أن يتزوج امرأة أخرى ، ويبقي الزوجة الأولى في عصمته.(1/208)
والطريق الأول يؤدي إلى أن تبقى المرأة - في أغلب الأحوال- بلا زوج لأن الرجال لا يرغبون بطبيعة الحال في التزوج بامرأة مطلقة وعقيم لا تنجب ، الأمر الذي يسبب لها التعاسة والشقاء طوال حياتها.
ولا شك أن 99% من الزوجات يفضلن الطريق الثاني ، ويعملن جاهدات على الابتعاد عن الطريق الأول الذي يحطم عليهن بيوتهن ، ويحرمهن مما يحتجن إليه من مسكن وكساء وغذاء ودواء ، وشريك للحياة(1).
ويلاحظ هنا أن إبقاء الرجل زوجة هذه حالتها تحت عصمته / من الأمور التي يستحق عليها الشكر والثناء من الناس والأجر من الله تعالى.
7- قد تكون الزوجة مصابة بمرض مزمن لا تستطيع معه القيام بالواجبات الزوجية فيضطر الزوج إلى أن يتزوج عليها. وتبقى في عصمته يرعاها ويؤمن لها ما تحتاج من متطلبات الحياة.
8- قد يكون لدى الرجل رغبة قوية في الإكثار من النسل، وأولاد زوجته الأولى قليلون، فيتزوج الرجل عند ذلك بأخرى من أجل تحقيق هذه الرغبة النبيلة التي دعاها إليها الرسول صلى الله عليه وسلم . في قوله : ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة))(2). وفي قوله في حديث آخر : ((تناكحوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم))(3).
__________
(1) سيد قطب : في ظلال القرآن جـ1 ص581.
(2) سنن النسائي جـ6 ص65-66 ابن الأثير : جامع الأصول جـ11 ص428 ، الشوكاني : نيل الأوطار جـ6 ص231-232.
(3) ابن حجر : فتح الباري ، جـ9 ص111.(1/209)
9- يكون الرجل كثير الأسفار بحكم عمله ، وتطول مدة إقامته في غير بلده ، ولا يستطيع أن يأخذ زوجته معه كلما دعته الضرورة إلى السفر وبطبيعة الحال سيكون في غربته بين أمرين من أجل إشباع حاجته الفطرية (الجنس) أولهما أن يفتش عن امرأة يعاشرها بطريقة غير مشروعة، وثانيهما أن يتزوج بثانية ويقيم معها إقامة مشروعة وهو قادر على ذلك صحياً ومادياً. وبالتأكيد فإن الأمر الثاني هو الحل الأفضل والأمثل لحل مشكلته ، لأن في الأمر الأول إشاعة للفاحشة وانتشار الفساد.
10- قد يكره الرجل زوجته لسبب من الأسباب ، ولا يجد نحوها ميلاً أو رغبة، ربما لأنها سيئة الخلق أو دميمة الخلقة، الأمر الذي يفقد الرجل رغبته الجنسية ونحوها. وترى هذه المرأة أن من مصلحتها وخيرها أن تعيش مع زوجها الكاره لها لأسباب تحتم عليها ذلك ، فيتزوج الرجل بامرأة يستمتع بها / وتعصمه عن الوقوع في الفاحشة(1).
11- يتيح نظام تعدد الزوجات فرص الزواج أمام كثير من العوانس والأرامل والمطلقات ، فيعيش بعض النساء بدون زواج أشد ضرراً من عيش بعضهن بنصف أو ثلث أو ربع زوج(2).
12- كما أن نظام تعدد الزوجات يعالج بعض المشكلات الإنسانية ، ويسهم في حلها إسهاماً ومنها :
أ- امرأة توفي زوجها وعندها أطفال ، ففي هذه الحالة الإسلام يحث الرجل على الزواج منها لسببين هامين ، أولهما : إعفاف المرأة وصون كرامتها في بيت تجد فيه الراحة والاطمئنان ، وكل ما تحتاج إليه من متطلبات الحياة. وثانيهما : كفالة أطفالها الأيتام ورعايتهم ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك : ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا)) وأشار بالسبابة والوسطى وفرق بينهما(3).
__________
(1) محمد عبد الله عرفة : حقوق المرأة في الإسلام ص88-89.
(2) عبد الناصر العطار : تعدد الزوجات ص15-17.
(3) صحيح البخاري بيروت 1410هـ جـ9 ص439 ، سنن الترمذي جـ2 ص321.(1/210)
ب- امرأة تولد وجمالها بسيط أو يكون بها عاهة ، وهي بطبيعة الحال ليس لها دخل في خلقها ، فهل يجوز لنا أن نحرمها من متعة الحياة الزوجية وإنجاب الأطفال ؟ والجواب لا يجوز لنا ذلك ، والإسلام يشحذ همم المؤمنين ويشجعهم على الزواج بأمثال هذه المرأة ، وإدخال الفرحة والسرور إلى قلبها.
ج- امرأة بقيت لظروف معينة بدون زوج ، حتى وصلت سن اليأس وهي راغبة في الزواج، فالأفضل لها طبعاً أن تتزوج رجلاً متزوجاً بأخرى فيملأ عليها حياتها، ويؤنس وحدتها بدلاً من أن تظل بقية حياتها عزباء.
د- قد يتوفى أحد أخوان الرجل أو أحد أقاربه ، ويترك زوجته وأولاده فيخشى عليهم الرجل من الضياع والتشرد، / فيتزوج عند ذلك بدافع إنساني محض بأرملة أخيه أو قريبه ليرعاها ويرعى أولادها ، ويحميهم من العوز والضياع(1).
هـ- قد يكون للرجل المتزوج قريبة لا يأويها أحد غيره ، ويكون لديها أولاد لا يمكن أن يؤمن لهم الزوج الغريب الرعاية الكافية ، فإذا تزوجها قريبها المتزوج أصلاً ، وأصبحت في عصمته ، فقد كفل لها بذلك ولأولادها الأيتام العطف والحنان والرعاية والحماية من شرور الحياة(2).
وأخيراً نقول : إن هذه ليس كل المبررات للأخذ بنظام تعدد الزوجات وهناك بالتأكيد مبررات أخرى تختلف من مجتمع إلى آخر ، وتكون دافعاً للرجل المسلم على تعدد زوجاته.
ومما لا شك فيه أن نظام تعدد الزوجات - كما رأينا - يحفظ المجتمعات الإنسانية من الفساد الخلقي الذي يؤدي إلى انتشار البغاء وكثرة اللقطاء ويحمي الناس من الإصابات بالأمراض التناسلية التي تنتشر الآن على نطاق واسع ومنها الزهري / ومرض انعدام المناعة ((الإيدز)).
4- موقف أعداء الإسلام من تعدد الزوجات:
__________
(1) وهبي سليمان : المرأة المسلمة ص163.
(2) العقاد : المرأة في القرآن ص108.(1/211)
إن نظام تعدد الزوجات نظام إلهي محكم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لأن كل ما يأتينا من الله - سبحانه وتعالى - عن طريق القرآن الكريم أو السنة النبوية المشرفة فهو حق لا باطل فيه. وإذا كان لتعدد الزوجات مساوئ كما يذكر بعض من كتب عن هذا النظام من أعداء الأمة الإسلامية فإن تلك المساوئ ناتجة عن قصورنا وسوء تطبيقنا للنظام ، وإن ما يحدث في بعض حالات تعدد الزوجات من خلافات وظلم سببها هو تهاون الزوج وعدم عدالته وسوء معاملته لبعض زوجاته. هذا بالإضافة إلى ضعف الوازع الديني لدى بعض الزوجات الأمر الذي يدفعها إلى إثارة المشاكل مع زوجها وزوجاته الأخريات.
وفيما يلي بعض الشبه التي يثيرها أعداء الإسلام نحو نظام تعدد الزوجات وسنذكرها ونقوم بالرد عليها إن شاء الله رداً مقنعاً ، وهي ولله الحمد شبه وليس حقائق كما سنرى. وهذه / هي الشبه :
1- إباحة الدين الإسلامي للرجل أن يعدد زوجاته وتحريم ذلك على المرأة.
2- يكون الزواج بأكثر من امرأة سبباً في إثارة الخصام والنزاع بين أفراد الأسرة الواحدة الأمر الذي يؤدي إلى تفكك الأسرة ، وتشرد الأطفال . وبمعنى آخر يكون التعدد سبباً للعداوة بين زوجات الرجل الواحد وتنتقل العداوة بالتالي إلى أولادهن.
3- إن في تعدد الزوجات ظلماً للمرأة وهضماً لحقوقها وإهداراً لكرامتها ووسيلة لتسلط الرجل عليها من أجل إشباع شهواته.
4- يؤدي تعدد الزوجات إلى إهمال تربية النشء وتشردهم.
5- يكون تعدد الزوجات سبباً رئيساً في كثرة النسل ، وكثرة النسل يؤدي إلى انتشار الفقر والبطالة في البلاد.
6- الظروف الاقتصادية في العصر الحديث لا تسمح للرجل بأن يعدد زوجاته لأنه هذا التعدد يفرض عليه أعباء مالية فهو / سيطالب بالإنفاق على عدد من الزوجات والأولاد في الوقت الذي ازدادت فيه مطالب كل فرد وقلت الموارد المالية.(1/212)
ونقول هنا لأعداء الإسلام الذي يحاربون نظام تعدد الزوجات :إن الله - سبحانه وتعالى - شرع التعدد، وأباحه لعباده، وأن التعدد سنة أنبياء الله عليهم أفضل الصلاة والسلام، فقد تزوجوا النساء، وجمعوا بينهن في حدود شريعة الله، وأنتم أيها المتحاملون على التعدد أعداء لله ورسوله وأعداء للمرأة نفسها ، فالتعدد يكون في معظم الأحيان سياجاً يحمي الأسرة من التصدع، ويصون المرأة من الضياع والحرمان.
أما فيما يتعلق بالشبهة الأولى وهي أن الإسلام أباح للرجل أن يعدد زوجاته وحرم ذلك على المرأة فنقول : إن المساواة بين الرجل والمرأة في نظام الزواج لا ينبغي أن تكون مساواة مطلقة لاختلاف طبيعة كل من الرجل والمرأة ، والمساواة بين مختلفين تعني ظلم أحدهما ، فالمرأة خلق الله تعالى لها رحماً واحدة ، وهي تحمل في وقت واحد ومرة واحدة في السنة ويكون لها تبعاً لذلك مولود واحد من رجل واحد. أما الرجل فغير ذلك / من الممكن أن يكون له عدة أولاد من عدة زوجات ، ينتسبون إليه ويتحمل مسئولية تربيتهم والإنفاق عليهم ، وتعليمهم وعلاجهم وكل ما يتعلق بهم وبأمهاتهم من أمور. أما المرأة فعندما تتزوج بثلاثة أو أربعة رجال ، فمن من هؤلاء الرجال يتحمل مسئولية الحياة الزوجية ؟ أيتحملها الزوج الأول ؟ أو الزوج الثاني؟ أم يتحملها الأزواج الثلاثة أو الأربعة؟ ثم لمن ينتسب أولاد هذه المرأة متعددة الأزواج؟ أينتسبون لواحد من الأزواج؟ أم ينتسبون لهم جميعاً؟ أم تختار الزوجة أحد أزواجها فتلحق أولادها به؟(1).
__________
(1) سعيد جندول : الجنس الناعم في ظل الإسلام ، بيروت 1399 هـ ص73-74.(1/213)
وفي الحقيقة إن سنة الله - سبحانه وتعالى - في خلقه جعلت نظام الزوج الواحد والزوجة الواحدة يصلح لكل من الرجل والمرأة. وجعلت نظام تعدد الأزواج لا يصلح للمرأة، بينما جعلت نظام تعدد الزوجات مناسباً جداً للرجل؛ فالمرأة - كما هو معروف- لها رحم واحد ، فلو تزوجت بأكثر من رجل / لأتى الجنين من دماء متفرقة، فيتعذر عند ذلك تحديد الشخص المسئول عنه اجتماعاً واقتصادياً وقانونياً. بينما صلحت طبيعة الرجل لأن يكون له عدة زوجات، فيأتي الجنين من نطفة واحدة، وبالتالي يكون والد هذا الجنين معروفاً ومسئولاً عنه مسئولية كاملة في جميع الأحوال.
وتقوم المسئولية الاجتماعية في نظام تعدد الزوجات على أساس رابطة الدم وهي رابطة طبيعية متينة ، بينما يفتقر نظام تعدد الأزواج إلى أساس طبيعي تبني عليه الروابط الاجتماعية، لأن الإنسان بغير اقتصار المرأة على زوج واحد لا يستطيع أن يعرف الأصل الطبيعي له ولأولاده(1).
كما أن تعدد الأزواج يمنع المرأة من أداء واجبات الزوجة بصورة متساوية وعادلة بين أزواجها سواء أكان ذلك في الواجبات المنزلية أو في العلاقات الجنسية وبخاصة وأنها تحيض لمدة خمسة أو سبعة أيام في كل شهر ، وإذا حملت تمكث تسعة أشهر في معاناة جسدية تحول دون القيام بواجباتها نحو الرجال / الذين تزوجوها. وعند ذلك سيلجأ الأزواج - بلا شك - إلى الخليلات من بنات الهوى أو يطلقونها فتعيش حياة قلقة غير مستقرة(2).
__________
(1) عبد الناصر العطار : تعدد الزوجات ص13-16.
(2) محمد عبده : المسلمون والإسلام ، القاهرة 1964م ص94.(1/214)
وختاماً فإن المجتمع لا يستفيد شيئاً من نظام تعدد الأزواج للمرأة بعكس نظام تعدد الزوجات للرجل الذي يتيح فرص الزواج أمام كثيرات من العانسات والمطلقات والأرامل. هذا إلى جانب أنه لو أبيح للمرأة أن تتزوج ثلاثة أو أربعة رجال لزاد عدد العانسات زيادة كبيرة وأصبح النساء في وضع اجتماعي لا يحسدن عليه(1).
وهكذا فإنه ليس من العدالة في شيء أن يباح للمرأة أن تعدد أزواجها بحجة مساواتها بالرجل. وليس عدلاً كذلك أن يحرم الرجل من صلاحيته في أن يعدد زوجاته بدعوى مساواته بالمرأة في حق الزواج، وسنرى في الصفحات القليلة لهذا البحث أن الله - سبحانه وتعالى - قد أعطى الرجل صلاحية تعدد الزوجات لخير المرأة ومن أجل إسعادها ، وزيادة فرص الزواج أمامها.
ونأتي بعد ذلك إلى الشبهة الثانية القائلة بأن تعدد الزوجات يؤدي إلى قيام النزاع بين أفراد الأسرة الواحدة نتيجة للعداوة بين زوجات الرجل الواحد وبين أولادهن فنقول : إن هذا النزاع يرجع إلى الغيرة الطبيعية التي لا يمكن أن تتخلص منها النفوس البشرية ، فالغيرة موجودة في كل مكان تتساوى فيه الفرص للأفراد ، وهكذا تظهر الغيرة بين النساء في ظل نظام تعدد الزوجات والغيرة والحزن اللذين تحس بهما المرأة حين يتزوج زوجها بأخرى شيء عاطفي ، والعاطفة لا يصح أن تقدم في أي أمر من الأمور على الشرع(2). والضرر الذي يلحق بالمرأة نتيجة للتعدد أخف بكثير من الأضرار التي تلحق بها في حالة بقائها بدون زوج.
__________
(1) العطار : تعدد الزوجات ص13-16.
(2) زكي شعبان : الزواج والطلاق في الإسلام ص43.(1/215)
ويلاحظ أن الغيرة بين الزوجات لم تمنع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم تمنع أصحابه من الأخذ بنظام تعدد الزوجات. وتحث العداوة كثيراً بين الزوجة الواحدة وبين أصحابه من الأخذ بنظام تعدد الزوجات. وتحدث العداوة كثيراً بين الزوجة الواحدة وبين / أقرباء زوجها ، وقد ما يرجع ما يحدث من خلافات ومنازعات في بعض حالات تعدد الزوجات إلى تهاون الزوج وضعفه وعدم عدله وإنصافه في معاملة أهل بيته، هذا بالإضافة إلى ضعف الوازع الديني في نفوس بعض الزوجات بحيث لا يستطعن كبح جماح الغيرة، ومن ثم يعمدن إلى العمل على إلحاق الضرر بضرائرهن، وتعكير صفو الأسرة(1).
كما يلاحظ أن النزاع بين الزوجات وبين الزوج إنما يحدث في الغالب من أجل الحصول على مطلب من مطالب الحياة الأسرية من مأكل وملبس ومسكن وما شابه ذلك. وقد يكون النزاع حول مكانة كل زوجة من زوجها ، ومكانة ولد لدى والده. ولهذه المنازعات شبيه في حالة وحدة الزوجة ففيه نجد الزوجة تتنازع مع زوجها في بعض الأحيان من أجل مكانتها عنده بالنسبة لأمه أو أخته. وقد تختلف معه خلافاً حاداً يؤدي إلى الطلاق لأنه لم يوفر لها بعض ما تحتاج إليه من ملابس أو أثاث أو حلي.
ونرى أن علاج هذه المشكلات الأسرية يعتمد في الدرجة الأولى على شخصية الرجل وعلى قدرته على إدارة شئون / منزله، فإذا كان الرجل عادلاً حازماً فإن النزاع لا يجد طريقاً إلى منزله. أما إذا كان ضعيف الشخصية فإن النزاع سيدب - بلا شك - بين أفراد أسرته، وسواءً أكان لديه زوجة واحدة أم عدة زوجات.
وقد تتألف الأسرة من زوج واحد وزوجة واحدة فقط وأولاد ولكن أمور هذه الأسرة ليست على ما يرام وذلك لوجود تنافر بين الزوجين أو لأن العلاقة الزوجية بينهما لم تقم على أساس سليم. أو يكون النزاع لسوء خلقهما معاً أو سوء خلق واحد منهما.
__________
(1) محمد عبد الله عرفة : حقوق المرأة في الإسلام ص96.(1/216)
وتقول الشبهة الثالثة: إن في نظام تعدد الزوجات هضماً لحقوق المرأة، وإهداراً لكرامتها، وهذا كلام غير صحيح البتة، فتعدد الزوجات رحمة للنساء، وذلك لأن عدد الرجال الصالحين للزواج أقل بكثير من عدد النساء الصالحات للزواج كما مر بنا في ثنايا هذا البحث، ووجود المرأة كزوجة ثانية أو ثالثة أو حتى رابعة في أسرة خير لها من أن تكون بدون زواج.
ويقول أحد المفكرين الغربيين المنصفين عن هذا الموضوع : / (( إن نظام الزواج بامرأة واحدة فقط وتطبيقه تطبيقاً صارماً قائم على أساس افتراض أن عدد أعضاء الجنسين متساوياً ، وما دامت الحالة ليست كذلك، فإن في بقائه قسوة بالغة لأولئك اللاتي تضطرهن الظروف إلى البقاء عانسات ))(1).
كذلك نرى أن في التعدد صيانة للمرأة بجعلها زوجة فاضلة بدلاً من أن تكون خالية أو عشيقة. ويجب أن يعلم النساء أن اكتفاء الرجل بزوجة واحدة لا يحقق آمال الكثيرات من النساء اللواتي لهن الحق في أن يكن زوجات وأمهات وربات بيوت. وعدم أخذ الرجال بنظام التعدد يؤدي إلى بقاء الكثيرات من النساء بلا زواج ولا أولاد ولا أسر، وهذا يمثل خطراً كبيراً على المرأة نفسها وعلى المجتمع الذي تعيش فيه(2).
وليس في إباحة الإسلام لتعدد الزوجات ظلماً للمرأة ولا هضماً لحقوقها فقد أعطاها الإسلام الحق في أن تشترط في عقد الزواج أن لا يتزوج زوجها عليها، ويكون لها حسب هذا الشرط الخيار في أن تطالب بفسخ عقد الزواج إذا تزوج زوجها عليها لأن الزوج قد أخل بشرط من شروطه. أو ترضى بالأمر الواقع وتقبل بمشاركة غيرها لها في بيت الزوجية.
ولو فات الزوجة أن تشترط هذا الشرط في عقد الزواج فإن الشريعة الإسلامية تعطيها الحق في طلب الطلاق إذا قصر زوجها في حق من حقوقها(3).
__________
(1) محمد فتحي عثمان : الفكر الإسلامي والتطور ص232.
(2) محمد عبد الله عرفة : حقوق المرأة في الإسلام ص87 وما بعدها.
(3) أبو زهرة : تنظيم الإسلام للمجتمع ص76.(1/217)
وإذا كان التعدد يلحق بعض الضرر بالمرأة التي يتزوج عليها زوجها ، فإن منفعته مؤكدة للزوجة الجديدة، لأنها لم تقبل بالزواج من رجل متزوج في الأصل إلا لأنها لم تقبل بالزواج من رجل متزوج في الأصل إلا لأنها ترى في قبولها فائدة لها، وأن الضرر الذي ينالها كزوجة ثانية أقل بكثير من الأضرار التي ستتعرض لها إذا بقيت بدون زواج، والضرر الكثير يدفع - كما هو معروف شرعاً - بالضرر القليل.
ونأتي الآن إلى الشبهة الرابعة التي تقول أن التعدد يكون سبباً رئيسياً في إهمال تربية النشء ، ونقول : إن الإهمال لا ينجم عن التعدد وحده بل إن له أسباباً كثيرة منها عدم مبالاة الأب بتربية أولاده أو انحرافه عن جادة الصواب بشرب الخمر أو تعاطي المخدرات أو لعب القمار أو مصاحبة رفقاء السوء وغير ذلك. وقد يكون الإهمال نتيجة لاختلاف وقع بين الزوجين حول أمر من الأمور المتعلقة بشئون الأسرة.(( فهلآ جرمتم الملآهي والكازينوهات والإعلآم الفارغ الذى يفسد النشئ يا من تراعون مصالح النشئ ))
كما أن فقد الأطفال لمن يعولهم ويتعهدهم بالرعاية والتوجيه يعد سبباً من الأسباب التي تحول دون تربيتهم تربية سليمة.
أما بخصوص تشرد الأطفال وارتباطه بتعدد الزوجات فيقول الشيخ محمود شلتوت:(1) إنه ليس لتعدد الزوجات من حالات التشرد أكثر من (3%) بالمائة وهي نسبة ضئيلة جداً لا يصح أن يذكر بإزائها أن للتشرد أثراً بتعدد الزوجات ، وأن تتخذ تلك العلاقة أساساً للتفكير في وضع حد للتعدد مع ما للتعدد من فوائد اجتماعية كثيرة. واعتمد الشيخ شلتوت في كلامه هذا على إحصائية أجراها مكتب الخدمة الاجتماعية في القاهرة لبحث حالات التشرد.
__________
(1) الإسلام عقيدة وشريعة ص190.(1/218)
وتقرر الشبهة الخامسة أن تعدد الزوجات يؤدي إلى كثرة / النسل وكثرة النسل تؤدي إلى البطالة والفقر: وهذا بطبيعة الحال منطق غير سليم ومرفوض فكثرة النسل مع حسن التربية من أعظم عوامل قوة الأمة وازدهار حياتها وأوضح الأمثلة على ذلك اليابان والصين. والبطالة والفقر موجودان - كما نعلم - في بعض البلاد العربية والأفريقية واستراليا مع أن أرضها واسعة، ومواردها كثيرة ، ولو أحسن أهلها استغلالها لزال الفقر واختفت البطالة ، واستوعبت تلك البلاد أضعاف من يعيشون فيها.
ونرى أن الإكثار من النسل في البلاد الإسلامية مطلب شرعي وهام، فهو يساعد الأمة على زيادة الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري، وبه يستغني المسلمون عن العمالة الأجنبية، المخالفة لهم في المعتقد والعادات والتقاليد.
وأخيراً فإن كثرة النسل في المجتمعات الإسلامية ليست سبباً في الفقر فإن رزقهم على الله تعالى ، وهو الرزاق ذو القوة المتين، والعكس هو الصحيح فإن كثرة الأولاد توسع في الرزق ولا تضيقه، قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } الأنعام151(1/219)
قل -أيها الرسول- لهم: تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم: أن لا تشركوا معه شيئًا من مخلوقاته في عبادته, بل اصرفوا جميع أنواع العبادة له وحده, كالخوف والرجاء والدعاء, وغير ذلك, وأن تحسنوا إلى الوالدين بالبر والدعاء ونحو ذلك من الإحسان, ولا تقتلوا أولادكم مِن أجل فقر نزل بكم; فإن الله يرزقكم وإياهم, ولا تقربوا ما كان ظاهرًا من كبير الآثام, وما كان خفيًّا, ولا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق, وذلك في حال القصاص من القاتل أو الزنى بعد الإحصان أو الردة عن الإسلام, ذلكم المذكور مما نهاكم الله عنه, وعهد إليكم باجتنابه, ومما أمركم به, وصَّاكم به ربكم; لعلكم تعقلون أوامره ونواهيه. { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً } الإسراء31
وإذا علمتم أن الرزق بيد الله سبحانه فلا تقتلوا -أيها الناس- أولادكم خوفًا من الفقر؛ فإنه -سبحانه- هو الرزاق لعباده، يرزق الأبناء كما يرزق الآباء، إنَّ قَتْلَ الأولاد ذنب عظيم.
أما الشبهة الأخيرة ، وهي أن الظروف الاقتصادية في العصر الحديث لا تسمح للرجل بأن يعدد زوجاته لأن هذا التعدد يفرض عليه أعباءً مالية ، فهو سيكون مطالباً بالإنفاق على عدد الزوجات والأولاد ، في الوقت الذي ازدادت فيه مطالب كل فرد، وقلّت في الوقت نفسه الموارد المالية.(1/220)
وأقول هنا: إن قضية تعدد الزوجات قضية اجتماعية ودينية وليست قضية اقتصادية، وأن المشكلات الاقتصادية التي تتعرض لها الأسرة عند تعدد الزوجات أهون بكثير من المشكلات الاجتماعية التي تتعرض لها الأسرة عندما يكون بها عانس أو مطلقة أو أرملة، والأرزاق بيد الله تعالى، والإنسان لا يضمن رزقه في ظل نظام الزوجة الواحدة ، حتى يشكو منه في ظل تعدد الزوجات. وقد يكون للرجل الواحد زوجة واحدة / ولكنها مسرفة مبذرة، وأكثر خطورة اقتصادية من أربع زوجات صالحات مدبرات لدى رجل آخر. وفي العصر الحديث بعض البلاد الإسلامية يزيد دخل الفرد كلما زاد عدد زوجاته، لأن أبواب العمل أصبحت مفتوحة أمام النساء ، وكل امرأة تعمل تحصل على راتب شهري وهذا يتيح للزوجة والزوج فرصة طيبة للادخار والاستثمار ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرفاهية لكل أفراد الأسرة. وحديث عبد الله بن مسعود الذي رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . في خلق الإنسان بين أن الرزق والأجل والعمل والشقاوة والسعادة تكتب على الإنسان عند نفخ الروح وهو في بطن أمه بعد مضي 120 يوماً(1).. ولا يخرج أي إنسان للحياة إلا ورزقه مقدر من الله فيجب التوكل عليه سبحانه. فالحق جل وعلآ يقول : { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } الطلاق3
وييسِّر له أسباب الرزق من حيث لا يخطر على باله, ولا يكون في حسبانه. ومن يتوكل على الله فهو كافيه ما أهمَّه في جميع أموره. إن الله بالغ أمره, لا يفوته شيء, ولا يعجزه مطلوب, قد جعل الله لكل شيء أجلا ينتهي إليه, وتقديرًا لا يجاوزه.
__________
(1) انظر الحديث بتمامه وشرحه الذي رواه البخاري ومسلم في جامع العلوم والحكم لابن رجب ص44-55.(1/221)
بهذا إخوة الخير نكون قد سقنا أدلة واضحة وضوح الشمس فى الظهيرة على أهمية التعدد وخاصة فى هذه الآونة التى عمت فيها الطآمات وكثرت فيها البليات فاللهم نسألك الثبات حتى الممات . ولا نجد لمن يماري أو يجادل أدلة بهذه القوة ومن عنده فليراجعنا فيما سقنا فالحق أحب إلينا من الدنيا وما عليها .(( أُحب الحق وفلآن ما إجتمعا فإن افترقا فالحق أحق أن يتبع )) .
*******************
حجب الشئ أى غطاه .
الحجاب هو تغطية الوجه ولا مماراة فى ذلك . هذا قولنا ونشهدكم عليه . فكونوا شهدائنا يوم نلقى الله .
ومما أثار أعداء الإسلآم حوله الكثير من الشبهات (( الحجاب ))
ولا أدري من أى تشريع أتواْ بهرطقتهم الفارغة ولا أدري كيف أثروا فيكِ يا أختاه ؟ الله يقول : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ } المؤمنون115
أفحسبتم- أيها الخلق- أنما خلقناكم مهملين, لا أمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب، وأنكم إلينا لا ترجعون في الآخرة للحساب والجزاء؟
تقول صاحبة رسالة لطيفة بعنوان : مقارنة بين الحجاب والسفور
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } آل عمران102(1/222)
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله، وعملوا بشرعه, خافوا الله حق خوفه: وذلك بأن يطاع فلا يُعصى, ويُشكَر فلا يكفر, ويُذكَر فلا ينسى, وداوموا على تمسككم بإسلامكم إلى آخر حياتكم; لتلقوا الله وأنتم عليه.،. { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } التوبة71
والمؤمنون والمؤمنات بالله ورسوله بعضهم أنصار بعض, يأمرون الناس بالإيمان والعمل الصالح, وينهونهم عن الكفر والمعاصي, ويؤدون الصلاة, ويعطون الزكاة, ويطيعون الله ورسوله, وينتهون عما نُهوا عنه, أولئك سيرحمهم الله فينقذهم من عذابه ويدخلهم جنته. إن الله عزيز في ملكه, حكيم في تشريعاته وأحكامه..
أما بعد:
إليك أختي المسلمة مقارنة بين الحجاب والسفور بين (الفضيلة والرذيلة) أو بالأحرى بين (الحق والباطل) فالحق أحق أن يتبع لقوله صلى الله عليه وسلم "تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي " إذا فكل منكر خالف لقول الله ورسوله وما حدد الشرع يجب أن يترك ويسمى باطلا لقوله تعالى { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً } النساء115
ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم من بعد ما ظهر له الحق, ويسلك طريقًا غير طريق المؤمنين, وما هم عليه من الحق, نتركه وما توجَّه إليه, فلا نوفقه للخير, وندخله نار جهنم يقاسي حرَّها, وبئس هذا المرجع والمآل.(1/223)
الحمد لله الذي خلقنا من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء. أحمده حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا لشريك له وأن محمدا عبده ورسوله.
موضوع المرأة اهتم به الإسلام وأنزل الله من أجل المرأة آيات. بل سميت سورة في القرآن باسم النساء. وبين الله في كتابه وعلى لسان رسوله الأحكام المتعلقة بالمرأة والتعاليم التي أنقذتها من براثين الجاهلية ومن مجاري أهل الهوى والشهوات والجنس. فهي في الإسلام أم وزوجة وأخت وبنت لها حقوق وعليها واجبات وصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم خيرا وذلك في حجة الوداع. أمرها الله بالحجاب والإقرار في البيت. فهي السكن المريح للزوج، والأم الرؤوم للولد، فمكانها الطبيعي المناسب لحنانها وعطفها هو البيت (( وقرن في بيوتكن )). نهاها الإسلام عن التبرج والسفور، وأمرها بأن تلقي جلبابها عليها حتى لا تعرف { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } الأحزاب59
يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يرخين على رؤوسهن ووجوههن من أرديتهن وملاحفهن؛ لستر وجوههن وصدورهن ورؤوسهن; ذلك أقرب أن يميَّزن بالستر والصيانة, فلا يُتعَرَّض لهن بمكروه أو أذى. وكان الله غفورًا رحيمًا حيث غفر لكم ما سلف, ورحمكم بما أوضح لكم من الحلال والحرام.. فلما رأى أعداء الدين هذه المكرمة للمرأة المسلمة حسدوها على ذلك. فكادوا لها المكائد، وتربصوا بها الدوائر، ونصبوا لها الشباك، والشراك , فأتو بحركات مسمومة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. حركة التحرر- حركة المساواة- حركة الأغراء. وهذه الحركات تعمل جاهدة لتحطيم القيم والأخلاق وعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس وذلك عن طريق الأزياء والموديلات وغيرها.(1/224)
فأصبح أكبر هم المرأة المسلمة لباسا عاريا تلبسه، ونزلت إلى الميدان بأقذر أسلحتها، أسلحة الأغراء، وتعلمت المرأة المسلمة فنون الأغراء وذلك عبر الأفلام العارية، والقصة العارية، والصورة العارية. ووجدت المرأة المسلمة محررين ومحررات ممن يتكلم بلسانها ومن بني جلدتها يشرحون لها كيف تكون جذابة "مغرية" إغراء في البيت وفي الشارع، إغراء في اللفظ والحركة، إغراء في الملبس والزينة، إغراء في المشية والجلسة والنظرة.
فنخرت هذه الأفكار حياء المرأة المسلمة، فخرجت عارية في الطريق تعرض فتنتها لكل راغب تثير في الرجل شهوة الحيوان. ولو التزمت المرأة بالحجاب الشرعي لاعتبروها رجعية متخلفة وهناك تتلاشى المقاومة ويحل محلها ا لاستسلام.
قال الشيخ : محمد قطب- حفظه الله- حدث منظر على الشاطئ قبل سنوات، فتاة كان بها بقية ضئيلة من الحياء، حياء الأنثى الطبيعي الفطري- هذه المرأة لبست "المايوه" وجلست على الرمال حول الشاطئ ليلتقط المصور لها صورة، ما الذي حدث؟
جلست بهذه البقية الضئيلة من الحياء مضمومة الرجلين، فقام المصور يفسح ما بين رجليها ليلتقط لها صورة تقدمية ولكنها راحت في حياء ضئيل - تتأبى عليه- عندئذ قال لها بلهجة ذات معنى "الله !! هوه أنت فلاحة ولا إيه؟ ".
وفي الحال دبت هذه الكلمة في صدرها فنخرت ما بقي من الحياء وجلست منفرجة الرجلين في طلاقة همجية، هذه القصة تصور لك مخططات أعداء الإسلام لفتاة الإسلام، ولكن { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } التوبة32 هذه الأفكار الهدامة لم تمش على فتياتنا بل رأينها بعين السخرية، رأينها بعين العزة لهذا الدين وما يأمر به فحفظ الله لهن حجابهن وسترهن ولله الحمد والمنة.
وقامت بعض الصالحات بتوجيه من مال عن الطريق "وهن قلة" وفي طريقهن إلى الرجوع على المنهج المستقيم بمشيئة الله.(1/225)
وعلى راس هؤلاء الصالحات الناصحات لفتيات الأمة. الأخت هاله بنت عبدالله التي كتبت هذه الرسالة الصغيرة في حجمها الكبير في معناها، هذه الرسالة التي هي كمين مسلح بالأدلة الشرعية والأمثلة الحية والنصائح الغالية. تبعثر بأذن الله دعاة الضلالة وتمزقهم كل ممزق.
شكر الله لأختنا على ما بذلته وجزاها الله عن أخواتها خير الجزاء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الإسلام نعمة
أختي المسلمة قد من الله عز وجل علينا بنعمة الإسلام والإيمان بما فيهما من القوة والاعزاز للنفس البشرية عامة وللمرأة خاصة، فلقد كرمها كثيرا فشرع لها من الدين ما يصون عفتها، ويكفل لها كرامتها، ويوفيها حقوقها، وذلك بما يميزها بميزات لا مثيل لها، رفعت من شأنها، وقدرها، جاعلها تفتخر وتعتز بأنها امرأة ذات وقار، وهيبة، وذات شرف رفيع، لا يداني أبدا لا تصل إليها أيدي العابثين ولا تنظر إليها أعين الفاسقين وهاهي الفتاة المتحجبة تفتخر بحجابها وتقول:
بيد العفاف أصون عز حجابي وبعصمتي أعلو على أترابي
وبفكرة وقادة وقريحة نقادة قد كملت آدابي
ما ضرني أدبي وحسن تعليمي إلا بكوني زهرة الألباب
ما عاقني خجلي عن العليا إلا سدل الخمار بلمتي ونقابي(1/226)
ومن هنا نجد أعظم التدابير الوقائية للنساء، هو فرض الحجاب، لأن الحجاب هو الحصن الحصين لكل امرأة لأنه هو الذي يمنع الأذى وتسلط من بقلبة مرض، والحجاب هو في الشرع هو ما ستر عموم جسم المرأة بما في ذلك وجهها وكفيها بثياب واسعة فضفاضة، لا تصف بشرتها ولا تظهر محاسنها، وشرع من أجل منع وقوع الفتنة بين الرجال والنساء، لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } الأحزاب59 فيا لعظمة هذه الآيات وما أجل وأكرم توجيهاتها فلقد أمر الله عز وجل رسوله المصطفى الكريم بأن يأمر أزواجه أمهات المؤمنين وبناته رضي الله عنهن ونساء المؤمنين بالتزام الحجاب لما فيه من الستر والحماية لهن من التعرض للأذى. ففي الحديث "رحم الله نساء الأنصار لما نزل قوله تعالى: (( يدنين عليهن من جلابيبهن )) خرجن كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها" وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً } الأحزاب53(1/227)
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تدخلوا بيوت النبي إلا بإذنه لتناول طعام غير منتظرين نضجه, ولكن إذا دعيتم فادخلوا, فإذا أكلتم فانصرفوا غير مستأنسين لحديث بينكم؛ فإن انتظاركم واستئناسكم يؤذي النبي, فيستحيي من إخراجكم من البيوت مع أن ذلك حق له, والله لا يستحيي من بيان الحق وإظهاره. وإذا سألتم نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة من أواني البيت ونحوها فاسألوهن من وراء ستر؛ ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء, وللنساء في أمر الرجال؛ فالرؤية سبب الفتنة, وما ينبغي لكم أن تؤذوا رسول الله, ولا أن تتزوجوا أزواجه من بعد موته أبدًا؛ لأنهن أمهاتكم, ولا يحلُّ للرجل أن يتزوج أمَّه, إنَّ أذاكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكاحكم أزواجه من بعده إثم عظيم عند الله. (وقد امتثلت هذه الأمة هذا الأمر, واجتنبت ما نهى الله عنه منه).وذلك لأن الحجاب طهارة لقلوب المؤمنين والمؤمنات وأقوى وأطهر أي أسلم للقلوب من الميل إلى المحرم وأسلم من الوقوع في الفتنة وأكثر حماية لعفة الرجل والمرأة، وأكثر إبعادا لهما من الوقوع في المعصية، أو التفكير فيها، وسبحانه جلا وعلا ما أرفع شأنه وما أكرمه، لقد جعل من المرأة في هذه الآيات الكريمات وكأنها جوهرة ثمينة، بل هي أغلى من الجوهر وأنفس منه في شريعة الإسلام ذلك لأنها محل النسل الطاهر ومصدر الشرف والفضيلة، إذا تأدبت بآداب الإسلام والتزمت بتعاليمه السامية، وهذا ما جاء في الآيات الكريمات التي نزلت في أمهات المؤمنين الطاهرات العفيفات القانتات، وفي نساء المؤمنين اللاتي امتثلن لأوامر الله جل جلاله، وعملن بها على أحسن وجه، فرضي الله عن أمهات المؤمنين، وجزاهن عن المسلمين والمسلمات خير الجزاء، فلقد كن الأسوة الحسنة والقدوة المثلى لجميع النساء المسلمات، فلقد سبقن إلى فضيلة اتباع هدى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتأدبن بما(1/228)
أدبهن الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم وطبقن أحكام الإسلام وتعاليمه على نحو ما أمر الله به وما أراد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .
الحجاب المشروع وشروطه
أختي المسلمة: للحجاب الشرعي صفات وشروط تتميز بها المرأة المسلمة المؤمنة عن غيرها من النساء الأخريات، فالحجاب أفضله الجلباب، وهو الذي يستر المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها، لقوله تعالى: (( يدنين عليهن من جلابيبهن )) ولقوله تعالى: ((وليضربن بخمرهن على جيوبهن )) والله سبحانه وتعالى لم يخاطب بالحجاب إلا النساء المؤمنات في قوله تعالى: ((قل للمؤمنات )) وقوله ((ونساء المؤمنين )) وفي الحديث دخل نسوة على عائشة رضي الله عنها وعليهن ثياب رقاق فقالت: "إن كنتن مؤمنات فليس هذا بلباس المؤمنات وإن كنتن غير مؤمنات فتمتعن به ".
إذا، فالحجاب المشروع ما ستر جميع أجزاء الجسم والوجه، وسنبين الأدلة على قولنا هذا نقلاً وعقلاً فى معرض حديثنا بأذن الله .
وليس ذلك ما يسمى بحجاب"التبرج " الذي يغطي الرأس فقط ويظهر كل شيء من الجسد والوجه، فذلك يعد من التبرج، ما غطى الجسم والرأس ولكنه يكشف بشرة المرأة أو يحجم أعضائها ويبرز مفاتنها أمام من ينظر إليها وقد حذر الله عز وجل بني آدم من فتنة الشيطان في موضوع اللباس فقال جلا وعلا: { يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } الأعراف27(1/229)
يا بني آدم لا يخدعنَّكم الشيطان, فيزين لكم المعصية, كما زيَّنها لأبويكم آدم وحواء, فأخرجهما بسببها من الجنة, ينزع عنهما لباسهما الذي سترهما الله به; لتنكشف لهما عوراتهما. إن الشيطان يراكم هو وذريته وجنسه وأنتم لا ترونهم فاحذروهم. إنَّا جعلنا الشياطين أولياء للكفار الذين لا يوحدون الله, ولا يصدقون رسله, ولا يعملون بهديه.،.
وقوله تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } الأعراف26
يا بني آدم قد جعلنا لكم لباسًا يستر عوراتكم, وهو لباس الضرورة, ولباسًا للزينة والتجمل, وهو من الكمال والتنعم. ولباسُ تقوى الله تعالى بفعل الأوامر واجتناب النواهي هو خير لباس للمؤمن. ذلك الذي مَنَّ الله به عليكم من الدلائل على ربوبية الله تعالى ووحدانيته وفضله ورحمته بعباده; لكي تتذكروا هذه النعم, فتشكروا لله عليها. وفي ذلك امتنان من الله تعالى على خَلْقه بهذه النعم.،.
هذا وقد حذر الله سبحانه وتعالى بني آدم في آيات عديدة في كتابه الكريم وعلى ألسنة الأنبياء والمرسلين من فتنة الشيطان الرجيم الذي كان سببا في خروج آدم وزوجه من الجنة ونزع عنهما لباسهما وهو الآن يعيد الكرة في بني آدم ويأمرهم بالفحشاء والمنكر لإغوائهم وصدهم عن الحق، فلذلك شرع الله لبني آدم وأنزل عليهم لباسا يستر عوراتهم ويصون أعراضهم ويقيهم شر الفتنة والضلال وكفى بالإنسان خيرا ورحمة له إن الله أكرمه وأنعم عليه وشرع من الدين ما يحفظ له حقه وكرامته وأوضح له ما ينفعه وما يضره ودله على الطريق المستقيم الذي من سار عليه لا يضل أبدا.
و إلى هنا أختي المسلمة نصل إلى شروط الحجاب الشرعي وهي:
أولا: من شروطه أن يكون ساترا لجميع بدن المرأة ووجهها ساترا لمفاتنها.(1/230)
ثانيا: أن لا يكون مزخرفا ومزركشاً بألوان عديدة بل يكون بلون واحد قاتم لا يجذب ولا يلفت الأنظار.
ثالثا: أن لا يكون شفافاً كاشفاً للبشرة بل يكون سميكاً لا يصف، وواسعاً غير ضيق .
رابعا: أن لا يشبه لباس الكافرات من حيث الموضة والأزياء المبتكرة بل يكون عاديا بشكله طبيعيًا بمظهره.
خامسا: أن لا يشبه لباس الرجل في اللون والشكل لقوله صلى الله عليه وسلم : "لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ".
سادسا: أن لا يكون غالي الثمن باهظ القيمة ينم عن الإسراف والتبذير وإضاعة المال حتى لا يوقع ذلك في الرياء، والرغبة في السمعة للحديث: "من سمع سمع الله به ومن راءى راءا الله به ".
سابعا: أن لا يمسه طيب أو بخور لأنه لا يحل للمرأة المسلمة أن تتطيب وتخرج من بيتها لقوله صلى الله عليه وسلم : "كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا" يعنى زانية رواه أبو داود والترمذي.
بدعة السفور ومساؤه
السفور هو بدعة وضلالة وأمر خارج عن دين الإسلام والسنة النبوية المطهرة، وعلامة من علامات ضعف الإيمان عند المرأة حيث إنه يسلب المرأة حياءها وعفتها، تلك الخصلتان اللتان هما من شعب الإيمان، علاوة على ذلك فإنه يجردها من كرامتها، ومن حقوقها المشروعة لها، كاشفا لعورتها، موضحا لعيوبها، مهدرا لأنوثتها، تعرف به المرأة المجردة من الحياء والعفة دونا عن غيرها من اللآئي التزمن بشرائع الله وحكمته لهن، ومن مساوئه:
أولا: تمرد المرأة على مجتمعها المسلم وعصيانها لأوامر خالقها عزوجل.
ثانيا: مخالفتها لشريعة دينها الحنيف والسنة النبوية المطهرة.
ثالثا: إخلال المرأة بآداب الإسلام الكريمة وتهاونها بها.
رابعا: تخلي المرأة عن الحياء والعفة اللتان هما من صفات أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن وهما من صفات كل مؤمنة كذلك.
خامسا: تجريد المرأة من كل شيء يستر لها مفاتنها وعورتها.(1/231)
سادسا: مساواة المرأة بالرجل من حيث المعاملة والحقوق، وخاصة في بعض الدول الإسلامية والعربية.
سابعا: نزول المرأة إلى ميدان العمل واختلاطها بالرجال.
ثامنا: اتباع المرأة لما يفرضه عليها الغرب من الأفكار والمعتقدات.
تاسعاً : تقليد المرأة للكافرات من حيث العادات والتقاليد. (( والتقليد صفة الببغاوات والقردة ))
عاشرا: جعل القوامة للمرأة على زوجها. ((بمفهوم أنه لا سلطان للرجل على المرأة فى تلكما المخالفة فالرجل وهن ضعيف لا يستطيع أن ينهى أبنته أو زوجته أو أخته عن تبرجها وسفورها .)) ولا حول ولا قوة إلا بالله على أشباه الرجال .
الحادي عشر: عدم اكتفاء الرجل بزوجته ولا المرأة بزوجها وتطلع كلا منهما إلى غير الآخر (( فتنتشر الرذيلة بسبب هذا التهاون عافانا الله تعالى وإياكم ))
الثاني عشر: تحكم الموضة والأزياء الغربية (( فى إدارة شئون الحياة الأقتصادية وتأثر الأسرة بكاملها )) بلباس المرأة وشكلها. ((فالولد قد يؤآخذ على ما تلبسه أمه أو أخته ولو حتى نفسياً فتراه ينشئ بغير حيلة ولا شخصية سوية .))
الثالث عشر: جعل المرأة الرمز الوحيد لجذب الأنظار وترويج السلع والكسب الغير المشروع . (( فتجدها الموديل فى الأعلآن وأداة الجذب للملآهى الليلية وتصوروا أن تبرجها يكون بتعليمات رؤسائها فى البلآيا ))
الرابع عشر: امتهان المرأة وإذلالها في ميادين العمل الخاص بالرجل.(( لأنه يطلبها ذات مواصفات خاصة جداً جداً بل وبعض الهيئات تصرف لها بدل ملابس وماكياج عافانا الله تعالى ))
الخامس عشر: جعل المرأة عرضة للاغتصاب وسلب عرضها وهذا ما نسمعه ونراه في المجتمعات المتحضرة التي تدعي الحضارة والتقدم.
مقارنة بين الحجاب والسفور(1/232)
قال الله تعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } الأحزاب33
والْزَمْنَ بيوتكن, ولا تخرجن منها إلا لحاجة, ولا تُظهرن محاسنكن, كما كان يفعل نساء الجاهلية الأولى في الأزمنة السابقة على الإسلام, وهو خطاب للنساء المؤمنات في كل عصر. وأدِّين - يا نساء النبي- الصلاة كاملة في أوقاتها, وأعطين الزكاة كما شرع الله, وأطعن الله ورسوله في أمرهما ونهيهما, إنما أوصاكن الله بهذا؛ ليزكيكنَّ, ويبعد عنكنَّ الأذى والسوء والشر يا أهل بيت النبي -ومنهم زوجاته وذريته عليه الصلاة والسلام-, ويطهِّر نفوسكم غاية الطهارة.، ولله الحمد والشكر والثناء على ما أنعمه علينا من نعم الإيمان والإسلام الذي يرفع شأن المسلم والمسلمة إلى منزلة الشرف، والعفة، والطهارة، وسمو الخلق، وألبسهم لباس التقوى والإيمان وحصنهم به ورد عنهم كيد الكائدين، وعبث الشيطان وحقد الحاقدين، بحيث جعل من البيت المكان الطبيعي للمرأة ومكان عبادته وطاعته وعمل بيتها هو عملها في الدنيا وجعل من الحجاب الستر الواقي لها من كل شرا وأذى وجعل العمل هو المكان الطبيعي للرجل، وصلاته في المساجد، والرجل هو الذي يسعى ويجول لكسب القوت، وليست المرأة، وسبحان الله ما أجل شأنه ما أعظم حكمته وما أكثر عفوه ورحمته، إذ رحم المرأة ووفر لها سبل الراحة والأمان ورسم لها طريق الخلاص من عبث الرجال وشر مقاصدهم وخبث نوايا من في قلبه مرض منهم وصان عفافها وطهارتها من أيدي الفاسقين وعدوان المفسدين.(1/233)
وحفظ لها حقوقها كلها من حيث الزواج والطلاق والحمل والعدة والنفقة، ومن كل شيء يخصها. ولقد ذكر ذلك كله عز وجل في بعض السور والآيات من القرآن الكريم وأوصى الله بها خيرا لأن المرأة قد خلقت كائنا ضعيفا وخلق الرجل قويا صلبا قادرا على مواجهة مصاعب الحياة في طلب الرزق، ومع هذا أوصى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالمرأة كثيرا في أحاديث مختلفة وحذرها كذلك في أحاديث، أخرى كلها صحيحة ا لإسناد.
ومن هذا المنطلق إليك أختي المسلمة الفاضلة هدانا الله وإياك هذه المقارنة بين الحجاب والسفور لكي تكوني على بينة عندما تقرئين وتقتنعي بميزات الحجاب ومنافعه الكثيرة الذي هو أمر قد أوجبه الله عز وجل وبين مساويء السفور الذي هو زيغ من الشيطان وفعلاً من أفعاله ومنكراً من منكراته أعاذنا الله منه انه سمع مجيب.
************************************
الحجاب: هو بأمر من الله عز شأنه ورد في كتابه العزيز وسنة رسوله المطهرة و على المرأة المسلمة اتباع وتطبيق تعاليم الكتاب والسنة بالالتزام والاتباع والانقياد كما شرعه الله ورسوله لها بهذا الخصوص مرضاة لخالقها وحفظا لها ولكرامتها.
**********************************
السفور: هو بأمر الشيطان وأعداء الله وفعلاً من أفعالهم وتقليد أعمى لمن قد خرجوا عن الإسلام والذين لم يعترفوا به ولا بشرائعه و لا بأحكامه على المرأة المسلمة أن تتجنبه وتبتعد عنه لأنه مسلك سيء يحط من شأنها ومن شرفها ويخفض من قدرها ويجعلها سلعة رخيصة لدعاة الشر والفساد وعرضة لأعين السوء.
*************************************
الحجاب: علامة من علامات كمال الإيمان عند المرأة التي التزمته خوفا من الله ومرضاة له ليس بحكم العادات والتقاليد لأن من التزمته التزمت الحياء والعفة والطهارة التي هي من شعب الإيمان.
*********************************(1/234)
السفور: علامة من علامات ضعف الإيمان عند المرأة لأنه ليس قاصرا على تجريد المرأة من حجابها بل دافعا لها إلى الوقوع في مهاوي الرذيلة لتقع فريسة سائغة لكل منحرف ضال ومجرم محتال يسلب عفتها وشرفها ويدنس طهارتها وينتهي بها إلى أسوأ حال وأشقى مئال.
************************************
الحجاب: ستر للمرأة لأن المرأة كلها عورة من منبت شعرها إلى أخمص قدميها مع ذلك يعلى من قدرها ويحفظ شرفها وطهارتها وينأ بها عن المسالك المؤلمة والهوان مانعا لأي شخص أجنبي من غير محارمها أن يرى منها شيئا إذ أنه لا يمكن لأحد أن يرى مفاتنها أو عيوبها لأنها تستر الجميل منها والقبيح وفي ذلك سترا لها وحفظا لكرامتها ومشاعرها وأنوثتها وحقوقها كإنسانة غير مضطهده في نفسها وجسدها.
*************************************
السفور: يجرد المرأة من كل شيء يحفظ لها حقها وكرامتها فيظهرها شبه عارية مجردة من الهيبة والوقار جاعلها عرضة لأنظار الرجال المغرضة. والشهوات الطامعة بها والكاشفة لعيوب جسدها ومحاسنه فهي في ذلك الوضع إنسانة مضطهدة وضعيفة.
*************************************
الحجاب: تاج على رأس كل امرأة مسلمة تقية تدرك ما الذي ينفعها وما الذي يؤذيها ويجرح كرامتها ومشاعرها فإنها بذلك تشبه الدر المكنون المحفوظ عن أيدي العابثين وعيون الفضوليين ومن ألسنة المستهترين بالمرأة وحقها.
************************************(1/235)
السفور: لافتة تعلق على رأس كل امرأة خلعت ثوب الحياء وجف وجهها من ماؤه وأصبح لوحة تضم أشكالا وألوانا مختلفة عبثت بها أقلام العابثين وريش الماجنين الماكرين المستبيحين للأعراض وأصبحت بين أيديهم كالسلعة تدور بالأسواق منها الجميل ومنها القبيح علقت عليها الموضة الشيطانية ألوان أزياؤها وأهوائها مجردة لها من كل شيء هو عفيف وتجعلها في النهاية مجرد سلعة أو لوحة يجرب عليها كل منكر وخبيث جاعلة منها أداة للكسب الغير المشروع وهدفا للأعمال الإباحية المختلفة باسم التحرر تاركة ورائها كل ما يسمى بالقيم والأخلاق الحميدة التي تحتفظ بها لنفسها كامرأة محترمة وقورة.
**********************************
وفي هذه المناسبة أختي المسلمة أقدم إليك بعض الأمثلة البسيطة التي من خلالها أحاول أن أوضح مميزات الحجاب وأهميته فإليك أختي هذه الأمثلة.
مثال (1):
أختي المسلمة: افرضي أن عندك عقدا من الماس الحقيقي وهو ثمين جدا أو جوهرة ثمينة تخافين عليها جدا وهي عليك غالية جدا فهل تجعليها بين أيدي الآخرين أو تضعيها هكذا معرضة لخطر السرقة أو الضياع أم أنك تحفظيها وتخافين عليها وتحتفظين بها في مكان أمين لا تتوصل إليها يد أحد ولا تنظر إليها عين كائن من كان فالكل من حولك يعلم أن لديك جوهر ثمينة ولكنهم لا يقدرون على رؤيتها أو تفسير شكلها أو معرفة لونها ولكنهم يقدرون ويثمنون تلك الجوهرة القيمة التي هي بحوزتك، ولم يستطيعوا رؤيتها أو لمسها، مع ذلك هم يعرفون ويقدرون كم هي ثمينة وجميلة ولكنها محصنة بشيء كالحجاب يجعلهم يحسبون ألف حساب قبل أن تمتد أيديهم إليها مثلها في حصانتها وروعتها وكمالها كمثل المرأة المسلمة المتحجبة التي هي نفسها جوهرة قيمة ويزيد من قيمتها ذلك الحجاب الحصن الحصين لها الذي يمنع عنها كل ما يسؤها ويؤذيها لقوله تعالى: (( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين )).
مثال (2):(1/236)
تخيلي أختي المسلمة أنك بين مدينتين جميلتين تجذبان كل من ينظر إليها، ولكن واحدة منهما عليها حصن كبير وهو (السور العظيم) يكاد أن يغطي المدينة كلها بحيث يحجب عنها الرؤية.
والمدينة الثانية ليس عليها حصن أو أي سور يبين حدودها ومعالمها، وهي بادية لكل الناس، كل من يمر ويراها يتمتع برؤيتها وجمالها وربما دخلها وأخذ من خيراتها ومكنوناتها فهي بذلك أصبحت ممرا لكل الناس يمرون وينظرون ويطيلون النظر، ويدخلون ويغتنمون الفرصة، إنه لا يوجد لها سور يمنعهم ويأخذون منها الغالي والثمين، غير آبهين بعقوبة أو برادع يردعهم عن، الذي يفعلونه، وأصبحت تلك المدينة تعطي ولا تأخذ تزرع ولا تحصد تنتج ولا تستفيد حتى تصبح مجردة من كل شيء هو حقها وعند ذلك تهجر تلك المدينة وتحتقر وتهمل وتصبح لا خير فيها أبدا لأنها فتحت أبوابها للغرباء، وأطلعتهم على مكنوناتها وجمالها، وجعلتهم يلعبون ويعبثون بها، إلى أن جردوها من الغالي والنفيس، وهذا هو الشيء الوحيد الذي حصدته منهم الندامة والحسرة.(1/237)
أما المدينة الجميلة الثانية وما تحتويه من الخيرات والغنائم والجمال المكنون فكله محفوظ وهذا بفضل الله عز وجل ومن ثم الحصن الذي يحيطها من جميع الجهات المانع عنها الفضوليين الذي يرغبون في دخولها أو رؤيتها على الأقل ولكنه منعهم بشدة، فلم يكتفي بذلك ولكنه جعل منها مدينة ذات هيبة ومكانة رفيعة لا يقدر أي أحد أن يتعدى عليها وهو يعلم كل العلم أن بداخل هذا الحصن الضخم مدينة جميلة بهية ذات خيرات كثيرة ولكنه لا يقدر ولا يتجرأ أن يتعدى عليها أبدا فهي بذلك قد حافظت على نفسها وعلى سمعتها وعلى ما حباها الله من النعم والكرامة محتفظة بها لنفسها ولأهلها ولذوي الشأن عندها غير آبهة بما يقوله عنها ذوي الأنفس الضعيفة والقلوب المريضة الحاقدة الذين إن لم يقدروا على أخذ شيء هم يريدونه أشانوا به واتهموه وجعلوه حديث ألسنتهم وموضوع أقلامهم المغرضة العابثة، والآن فلقد قرأت أختي المسلمة تلك الأمثلة ورأيت أن أي شيء محصن ومنيع لا يصبه أذى أبدا ولا يستغل أبدا.
أما الشيء الظاهر أو البادي للعيان فإن مصيره الإتلاف والدمار، وبالرغم أن المرأة المسلمة المؤمنة لا تشبه بأي شيء ولا تمثل بأي شيء لأنها أثمن من الجوهر نفسه ومن أي شيء آخر وسبحانه عز وجل حيث شبه نساء الجنة في سورة الصافات ((كأنهن بيض مكنون )) وفي سورة الواقعة ((كأمثال اللؤلؤ المكنون )) هو وما أجل شأنه وما أقوى قدرته وعظمته فلقد كرم الله سبحانه وتعالى المرأة المسلمة كثيرا وحرص عليها بشدة وهو سبحانه جل جلاله هو الخالق المبدع المصور وأن له في ذلك حكمة وعبرة بالغة، لا تدركها العقول، ولا تحتار بها النفوس، وأنه سبحانه وتعالى لأشد منا حرصا على خلقه، فبين لهم طريق الخير وطريق الشر ووضحه لهم لقوله تعالى: ((وهديناه النجدين ))
وهذه نصائح أقدمها إلى كل فتاة مسلمة مؤمنة غيورة على دينها ونفسها.(1/238)
1- أختي المسلمة الحجاب واجب مشروع، فقد التزمته أمهات المؤمنين من قبلك وهم أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم وبناته الكرام رضوان الله عليهن ونساء المؤمنين في كل قرن وكل زمان.
2-أختي المسلمة إن من التزمت الحجاب الذي شرعه الله لها وسنه لها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم كان لها الدرع الواقي في هذا الزمان لتجابه به أعداء الإسلام.
3- أختي المسلمة الحجاب سلاحك، معك في أي مجال ومكان تدخلينه، فهو يرهب كل من يراك به فاجعليه سلاح لك ضد تلك الحروب التي يشنا أعداء الإسلام على المرأة المسلمة.
4- أختي المسلمة اجعلي الحجاب حجة لك لا عليك، اجعله حجة تحاجين بها كل جاهل وباغي وتخرسين به ألسنتهم وتفقئين به أعينهم.
5- نصيحة إلى كل مسلمة تسافر إلى خارج بلدها المسلم: الحجاب هو الذي يرفعك ويزيد من هيبتك وقيمتك.
6- أختي المسلمة لا تقلدي أعداء الإسلام لا تقلدي الكفار واليهود والنصارى في لبسهم ولا في تبرجهم.
7- أختي المسلمة لا تتبعي خطوات الشيطان أو بالأحرى الموضة والأزياء.
8-أختي المسلمة لا تنزعي عنك ثوب العفاف والشرف عندما تخرجين من بلدك المسلم وتستبدلينه بثوب الخزي والعار.
9- أختي المسلمة لا تحاولي أن تقلديهم عندما تذهبين إليهم فهم لم يحاولوا أن يقلدوننا عندما يأتون إلى بلدنا ولكنهم يحاولون أن يجعلونا نقلدهم ونفعل مثلهم.
10-أختي المسلمة لو أنك تعملين بفكرتهم هذه وتذهبين إلى بلدهم وأنت ملتزمة بحجابك لكي تحاولي أنت بأن تجعلينهم يقلدوك ويتبعونك
11- أختي المسلمة ما من فتاة مسلمة خلعت حجابها واستهترت به عندهم إلا واستهتروا هم بها وشككوا في عقيدتها وإسلامها واحتقروها أشد الاحتقار.
12- أختي المسلمة الحجاب هو الذي يحميك من أذاهم وشرورهم ومن أفكارهم المستبيحة للأعراض والأديان(1/239)
13- أختي المسلمة: إن أعداء الإسلام يتمنون رؤية المرأة المسلمة وقد تخلت عن آدابها وأخلاقها وشريعتها واتبعتهم ليفعلوا بها ما فعلوا بغيرها من النساء الضعيفات (ضعيفات الإيمان).
14- أختي المسلمة: إن أعداء الإسلام يتربصون بك وبغيرك من المسلمات العفيفات ويحاولون جاهدين بث سمومهم و أباطيلهم لنا عبر كل شيء مرئي أو غير مرئي ليثنوا المرأة المسلمة عن حجابها وعفتها وهو الشيء الوحيد الذي يقهرهم ويكيدهم ويقلق راحتهم.
15- أختي المسلمة: لو حاولت ولو لمرة أن تدعينهم إلى دينك أو إلى نبذ عاداتهم وتقاليدهم التي نشأوا عليها واتبعوها مع العلم أنها كلها باطل وكفر، هل سيتبعونك وينبذون كل شيء وراءهم من أجلك، لا.. إنهم أذكى من ذلك بكثير وأحرص وأنت أختي المسلمة من غير أن يدعوك أو يحاولوا معك ذهبت إليهم وفعلت ما يفعلونه وللأسف.؟؟
16- اختي المسلمة كوني أنت الرمز الجميل للإسلام وحلاوته وكوني أنت الداعية إليه أينما ذهبت وكوني القدوة الحسنة لأخواتك المسلمات وارفعي كلمة ربك ودينك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم فوق كل شيء واخذلي أعداء الإسلام وافشلي مخططاتهم الباغية وتشبهي بنساء أهل الجنة ولو بعفتهن لتصبحي إن شاء الله منهن. وسلام على من اتبع الهدى والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
---
والآن لنا الكرة عليهم .
لن أستطرد فى النقد الآن ولكن مقالنا معكم بعد سرد الأدلة الواضحة الدلآلة .(1/240)
هل تعلموا أن أبرز من تصدى لإفهام الناس بأن الحجاب لا يشترط تغطية الوجه هو محدث هذا القرن الشيخ ناصر الدين الألبانى رحمه الله تعالى . ورغم مقولته بأنه يفضل تغطية الوجه على كشفه . فأن ذلك لمن يشفع لمحدث مثله . لأنه أستند لقوله بكشف الوجه على احاديث ضعفها هو بنفسه فياللعجب عندما يأخذ هذا العالم الجليل من الكدر الراكد ويدع العذب الزلال .هذا وإن دل فأنما هو جرس أنذار من هذا الحبر الجليل بأن لا يفتتن بأقواله أحد . لأنه جانبه الصواب فى كثير من فتاواه ومن أراد الأستزادة فاليراجع كتاب (( الحاوى فى فتاوى الشيخ الألبانى )) وهو مطبوع فى مجلدين .
والأعجب أن بنتا الشيخ رحمه الله تعالى خالفتاه فى قوله هذا .
ولكن الأعجب أن فتوى الشيخ هذه أخذها أنصاف المتعلمين ومن لم يتعرفوا على أدلة الشيخ أخذوها وفرحوا بها لأنها تخدم عندهم أغراض خاصة جداً !!!
أقول لهم :
هل بلغت نيتكم نية الشيخ فى قوله ؟
أقول لهم هل تخليتم عن أهوائكم عن تلقى الفتوى ؟
أقول لهم هل قلتم كما قال الشيخ والأفضل للمرأة أن تغطى وجهها وخاصة فى هذا الزمان الذى كثرت فيه الفتن ؟
هيا لنتعرف على فصل الخطاب فيما عندنا وفيما جاء به كل صاحب رأى أسأل الله تعالى أن تكون قراءتنا خالصة من الهوى
والأنتصار للنفس .
ومن أروع ما وقفت عليه فى هذا الموضوع هذا البحث النفيس أسأل الله تعالى أن يثيب صاحبه رضاه والجنة .
وهو للشيخ : سليمان بن صالح الخراشي حفظه الله تعالى
ويقول فيه :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين:
تعد مسألة "كشف وجه المرأة" البوابة الأولى التي عبر عليها "التحرير والتغريب" إلى بلاد المسلمين؛ حيث كانت بداية ومرحلة أولى لما بعدها من الشرور(1).
__________
(1) … لهذا تجد أن قاسم أمين في كتابه "تحرير المرأة" ركز عليها واتخذها ذريعة أولى لتغريب المرأة المسلمة.(1/241)
وقد كان المسلمون مجمعين (عمليًا) على أن المرأة تغطي وجهها عن الأجانب. قال الحافظ ابن حجر: "لم تزل عادة النساء قديمًا وحديثاً يسترن وجوههن عن الأجانب"(1) ونقل ابن رسلان "اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه"(2). ومما يؤكد هذا أنك لا تجد مسألة كشف الوجه من قبل لا تكاد تجد - فيما أعلم - مصنّفًا خاصًا بهذه المسألة ؛ ولو على شكل رسالة صغيرة ؛ مما يدل دلالة واضحة أن هذه القضية من الوضوح بمكان ، وأن عمل المسلمين كما هو قائم ، يتوارثه الخلف عن السلف ، وهذا التواتر العملي يدلنا أيضًا على طبيعة تلقي العلماء لمثل هذه المسائل ، وأنهم يرشدون أمتهم لما فيه العفة والطهر والإستقامة على أرشد الأمور ، وأفضل السبل .
ولم يبدأ انتشار السفور وكشف الوجه إلا بعد وقوع معظم بلاد المسلمين تحت سيطرة الكفار في العصر الحديث، فهؤلاء الكفار كانوا يحرصون على نشر الرذيلة ومقدماتها في ديار الإسلام لإضعافها وتوهين ما بقي من قوتها. وقد تابعهم في هذا أذنابهم من العلمانيين المنافقين الذين قاموا بتتبع الأقوال الضعيفة في هذه المسألة ليتكئوا عليها ويتخذوها سلاحًا بأيديهم في مقابلة دعاة الكتاب والسنة. لا سيما في الجزيرة العربية ، آخر معاقل الإسلام.
(( فيا دعاة كشف الوجه أترضون لآنفسكم أن تبعثوا يوم القيامة تحت لواء قاسم أمين . وقد رفعت هدى شعراوى راية العصيان وهم منتكسوا الرؤوس فى عرصات القيامة وأنتم من خلفهم كالذنب , بعد أن تخليتم عن أمر ربكم والذى ورب الكعبة لهو واضح جلى . ولكنه خفى عن ناظريكم فأبحثوا عن دواء لعشى أبصاركم . أوما أقر فضلآئكم بأن التغطية أفضل فلما الميوعة فى محجتنا البيضاء ))
__________
(1) … فتح الباري (9/235-236).
(2) … نيل الأوطار للشوكاني (6/114).(1/242)
وحيث أن الشيخ الألباني رحمه الله أشهر من نصر القول بجواز كشف المرأة لوجهها في هذا العصر، وتبنى هذا القول الضعيف في كتابه "جلباب المرأة"، فإن أنصار السفور قد فرحوا بزلته هذه ، وطاروا بها ، وأصبحت ترسًا لهم يواجهون به الناصحين .
فقد أحببت أن أبين في هذه الرسالة شيئاً من تناقضات الشيخ-غفر الله له- يجهلها كثير من أولئك الذين اغتروا بترجيحاته ؛ لكي يتبين لهم مدى ضعف قوله وأنه قد جانب الصواب في هذه المسألة ، فكانت زلته فيها سبباً في زلة غيره وفتنتهم. وقد قدمت لذلك بتنبيهات مهمة، وبذكر أقوى أدلة وجوب تغطية الوجه.
تنبيهات مهمة :
1- أن الألباني رحمه الله معذور -إن شاء الله- في ما ذهب إليه من جواز كشف الوجه ؛ لأنه من العلماء الثقات المجتهدين، وقد أداه اجتهاده إلى هذا القول الضعيف، قال صلى الله عليه وسلم : "إذا اجتهد الحاكم ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" متفق عليه. فينبغي علينا حفظ مكانته، لكن مع عدم متابعته على زلته ومع التنبيه على خطئه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة ، وهو من الإسلام وأهله بمكانة عليا؛ قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور ، لا يجوز أن يُتْبع فيها ، مع بقاء مكانه ومنزلته في قلوب المؤمنين" (1).
2- إذا كان الألباني معذورًا، فما عذر من يتابعه لمجرد أن قوله وافق هواه وشهوته؟! فهؤلاء غير معذورين، وهم ممن يتتبعون زلات العلماء بعد أن استبان لهم الحق؛ متابعة لأهوائهم.
__________
(1) … بيان الدليل على بطلان التحليل ( ص 203) ، وانظر : الفتاوى ( 32 / 239 ) .(1/243)
ولتتأكد من هذا فإنك سوف تجد بعض من تابعه في هذه المسألة لا يتابعه - وهو مصيب - في تحريمه للأغاني مثلاً! أو في تحريمه لحلق اللحية! أو تحريم الإسبال! بل لا يتابعونه في الشروط التي ذكرها - وهي حق - للحجاب الشرعي! لتعلم بعدها أنهم ممن قال الله عنهم { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } الفرقان43
انظر - أيها الرسول - متعجبًا إلى مَن أطاع هواه كطاعة الله، أفأنت تكون عليه حفيظًا حتى تردَّه إلى الإيمان؟
{ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } القصص50
فإن لم يستجيبوا لك بالإيمان بالكتاب, ولم تبق لهم حجة, فاعلم أنما يتبعون أهواءهم, ولا أحد أكثر ضلالا ممن اتبع هواه بغير هدى من الله. إن الله لا يوفِّق لإصابة الحق القوم الظالمين الذين خالفوا أمر الله, وتجاوزوا حدوده.
3- أن الألباني رغم قوله بهذا القول الضعيف فإنه يرى أن تغطية المرأة لوجهها أفضل. قال رحمه الله: "نلفت نظر النساء المؤمنات إلى أن كشف الوجه وإن كان جائزاً فستره أفضل"(1) وقال: "فمن حجبهما -أي الوجه والكفين- أيضاً منهن، فذلك ما نستحبه وندعو إليه"(2).
(( فياليت أصحاب الأغراض مضيعى الأعراض فى الطرقات تنبهوا إلى هذه الكلمات . فياللعجب من أمرأة غطت رأسها بقطعة قماش أختارت لونها ليوافق مكياجها , وأسفلها لبثت البنطال وقالت بأن الألبانى يجيز الحجاب المكشوف الوجه . والله إنها لطامة ومصيبة كبرى ..))
__________
(1) … جلباب المرأة .. ، ص 28.
(2) … السابق ، ص 32.(1/244)
4- أن الألباني عندما اختار هذا القول الضعيف فإنه اجتهد كثيرًا في البحث عن أي دليل يرى أنه يدل عليه. ولكنه في المقابل لا يذكر جميع أدلة من أوجب تغطية الوجه؛ لأنه -في ظني- لا يستطيع أن يجيب عن أكثرها لصراحتها! أما القائلون بتغطية الوجه فإنهم يذكرون أدلتهم، ثم يذكرون أدلة الألباني جميعها ويجيبون عنها ويفندونها. وما هذا إلا دليل على قوة موقفهم -ولله الحمد-(1) )
5- أن الأولى -عندي- لمن يريد أن يناقش من يرون جواز كشف الوجه أن لا يُشغل نفسه بالرد على شبهاتهم ، إنما يكتفي بذكر أدلة وجوب تغطية الوجه مما لا يستطيعون له ردًا ، ولأنه ناقل عن الأصل. وقد ذكرت أهمها كما سيأتي -إن شاء الله-.
6- أن الواجب على المسلم الذي يريد السلامة لدينه أن يلزم النصوص المحكمة الصريحة في هذه المسألة وغيرها ويدع تتبع النصوص المتشابهة؛ لكي لا يكون ممن قال الله فيهم { هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ } آل عمران7
__________
(1) انظر أدلتهم في كتاب ( الصارم المشهور ) للشيخ حمود التويجري . وكتاب ( إبراز الحق والصواب ) للمباركفوري .
وكتاب ( عودة الحجاب ) لمحمد بن اسماعيل المقدم .(1/245)
هو وحده الذي أنزل عليك القرآن: منه آيات واضحات الدلالة, هن أصل الكتاب الذي يُرجع إليه عند الاشتباه, ويُرَدُّ ما خالفه إليه, ومنه آيات أخر متشابهات تحتمل بعض المعاني, لا يتعيَّن المراد منها إلا بضمها إلى المحكم, فأصحاب القلوب المريضة الزائغة, لسوء قصدهم يتبعون هذه الآيات المتشابهات وحدها; ليثيروا الشبهات عند الناس, كي يضلوهم, ولتأويلهم لها على مذاهبهم الباطلة. ولا يعلم حقيقة معاني هذه الآيات إلا الله. والمتمكنون في العلم يقولون: آمنا بهذا القرآن, كله قد جاءنا من عند ربنا على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم, ويردُّون متشابهه إلى محكمه, وإنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها الصحيح أولو العقول السليمة..
7- أنه يلزم من يرى جواز كشف المرأة لوجهها أمام الأجانب في البلاد التي يسود فيها تغطية الوجه ما يأتي :
أ - أن يكون ذلك صادرًا عن اجتهاد منه وتأمل في الأدلة، لا عن اتباع هوى وشهوة.
ب- أن لا يدعو إلى كشف الوجه ؛ لأننا علمنا سابقاً أن تغطية الوجه أفضل وأولى حتى عند القائلين بجواز كشفه ؛كالألباني، فكيف يُدْعى من يعمل بالفاضل إلى تركه ؟! وهل هذا إلا دليلٌ على مرض القلب ، لمن تأمل ؟!
ولك أن تعجب إذا رأيت من يتحمس لنشر هذا الرأي الضعيف بين النساء العفيفات المتسترات، ولا تجده يتحمس هذا الحماس لدعوة المتبرجات الفاسقات إلى التزام الحجاب! مع أن المتبرجات يرتكبن (المحرم) بالاتفاق، وأولئك النسوة المتسترات يفعلن الأفضل لِلَّهِ نعوذ بالله من زيغ القلوب وانتكاسها.
أهم أدلة تغطية الوجه :(1/246)
1-أن جميع العلماء -سواءً القائلين بتغطية الوجه أو كشفه- متفقون على أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم واجبٌ عليهن أن يغطين وجوههن عن الأجانب. قال القاضي عياض: "فرض الحجاب مما اختصصن به -أي زوجاته صلى الله عليه وسلم- فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين فلا يجوز لهن كشف ذلك"(1).
وقد قال تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) ومعنى هذه الآية أن حجاب نساء المؤمنين كحجاب زوجاته صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأمر واحد للجميع، وقد اتفق العلماء بلا خلاف كما سبق على أن حجاب نسائه صلى الله عليه وسلم هو وجوب تغطية الوجه. إذاً: فحجاب نساء المؤمنين هو تغطية الوجه. وهو معنى قوله تعالى (يدنين عليهن من جلابيبهن) .
فالجلباب مع الإدناء يستر جميع بدن المرأة حتى وجهها، ويشهد لهذا حديث عائشة -رضي الله عنه- في حادثة الإفك لما رآها صفوان بن المعطل -رضي الله عنه-، قالت: "فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمّرت وجهي بجلبابي" (أخرجه البخاري4750).
2-قوله تعالى : (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن).
هذه الآية يتفق العلماء على أنها تدل على وجوب الحجاب وتغطية الوجه، ولكن القائلين بجواز كشف الوجه يرونها خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا ليس بصحيح؛ بل الآية تعم جميع النساء، ويدل لهذا عدة أمور:
أ- أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ب- أن أزواجه صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين كن أطهر نساء الدنيا قلوبًا وأعظمهن قدرًا في قلوب المؤمنين، وهن مُحرّمات على غيره صلى الله عليه وسلم؛ ومع هذا كله أُمرن بالحجاب طلباً لتزكية قلوبهن، فغيرهن من النساء أولى بهذا الأمر.
__________
(1) … فتح الباري (8/391). وأقره الألباني على هذا في : (جلباب المرأة، ص 106).(1/247)
ج- أن الله جعل الحكمة من الحجاب في هذه الآية أنه (أطهر لقلوبكم وقلوبهن)، وهذه علة متعدية مطلوب تحصيلها للمؤمنين في كل زمان ومكان . فلو قلنا بأن الحجاب خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فمعنى هذا أن نساء المؤمنين لا يحتجن إلى هذه الطهارة !! ومعناه أيضاً أنهن أفضل من زوجاته صلى الله عليه وسلم !! هل يعقل أن تكون سائر النساء أفضل من زوجات النبى صلى الله عليه وسلم , هل هناك من هن أطهر منهن ؟ نعوذ بالله تعالى من سوء الفهم .
وهل يقول بهذا مسلم؟!
د- أن الله تعالى قال بعدها { لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً } الأحزاب55
لا إثم على النساء في عدم الاحتجاب من آبائهن وأبنائهن وإخوانهن وأبناء إخوانهن وأبناء أخواتهن والنساء المؤمنات والعبيد المملوكين لهن؛ لشدة الحاجة إليهم في الخدمة. وخفن الله -أيتها النساء- أن تتعدَّيْن ما حَدَّ لكنَّ, فتبدين من زينتكن ما ليس لكُنَّ أن تبدينه, أو تتركن الحجاب أمام مَن يجب عليكن الاحتجاب منه. إن الله كان على كل شيء شهيدًا, يشهد أعمال العباد ظاهرها وباطنها, وسيجزيهم عليها. الآية).قال ابن كثير في تفسيرها: "لما أمر الله النساء بالحجاب عن الأجانب بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم" وهذا حكم عام لجميع النساء، فكيف يقال -حينئذٍ- بأن أول الآية خاص بزوجاته صلى الله عليه وسلم ؟!(1/248)
3-قوله صلى الله عليه وسلم: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" فقالت أم سلمة رضي الله عنها": فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: "يرخين شبرًا" قالت: إذاً تنكشف أقدامهن. قال: "فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه"(1).
ففي هذا الحديث الصحيح دليل على أنه كان من المعلوم والمتقرر في زمنه صلى الله عليه وسلم أن قدم المرأة عورة، يجب عليها سترها عن الأجانب، والألباني نفسه يوافق على هذا(2).
وإذا كان قدم المرأة عورة يجب ستره، فوجهها أولى أن يُستر.
فهل يليق -بعد هذا- أن تأتي الشريعة بتغطية القدم وهو أقل فتنة وتبيح كشف الوجه وهو مجمع محاسن المرأة وجمالها وفتنتها ؟! (( هل يرخى على القدمين ذراع وهو الأقل فتنة ولا يخمر الوجه حُليه المرأة وموضع بهائها ؟ ))
إن هذا من التناقض الذي تتنزه عنه شريعة رب العالمين
4-قوله صلى الله عليه وسلم : "لا تباشر المرأة المرأة، فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها" (أخرجه البخاري).
فقوله صلى الله عليه وسلم : "كأنه ينظر إليها" دليل على أن النساء كن يُغطين وجوههن وإلا لما احتاج الرجال إلى أن تُنعت لهم النساء الأجنبيات، بل كانوا يستغنون عن ذلك بالنظر إليهن مباشرة. كيف توصف للرجل المرأة المكشوفة الوجه أهناك فى الوجه ما يخفى عن ناظريه لو أنه مكشوف ؟
__________
(1) … أخرجه الترمذي وغيره، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1864).
(2) … فقد صحح الحديث السابق وذكره في السلسلة الصحيحة تحت عنوان : "قدما المرأة عورة" لِلَّهِ(1/249)
5-أحاديثه الكثيرة صلى الله عليه وسلم في أمر الخاطب أن ينظر إلى مخطوبته(1)؛ ومن ذلك ما رواه المغيرة بن شعبة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له امرأة أخطبها. قال: "اذهب فانظر إليها؛ فإنه أجدر أن يؤدم بينكما". قال: فأتيت امرأة من الأنصار فخطبتها إلى أبويها وأخبرتهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم. فكأنهما كرها ذلك. قال: فسمعتْ ذلك المرأة وهي في خدرها فقالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر فانظر، وإلا فأنشدك. كأنها أعظمت ذلك. قال: فنظرت إليها، فتزوجتها"(2)
ففي هذا الحديث دليل على أن النساء كن يحتجبن عن الأجانب، ولهذا لا يستطيع الرجل أن يرى المرأة إلا إذا كان خاطباً.
ولو كنّ النساء يكشفن وجوههن لما احتاج الخاطب أن يذهب ليستأذن والدا المخطوبة في النظر إليها.
وأيضًا لو كنّ يكشفن وجوههن لما احتاج صلى الله عليه وسلم أن يأمر الخاطب بالنظر إلى المخطوبة. في أحاديث كثيرة .
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لمن خطب امرأة من الأنصار: "اذهب فانظر إليها؛ فإن في أعين الأنصار شيئاً" أخرجه مسلم.
(( وفى هذا دلآلة على دقة وصف ما يغطى وجه المرأة أيضاً إذ أنه لا تبين معه عينها وهذا مفهوم من النص جلى ليس يخفى .))
إذًا استثناء النظر إلى المخطوبة دليل على أن الأصل هو احتجاب النساء ، وإلا لم يكن لهذا الإستثناء فائدة .
تناقضات الألباني -رحمه الله- في كتابيه " جلباب المرأة.." و " الرد المفحم .." :
__________
(1) … انظر بعضاً منها في: "السلسلة الصحيحة" للألباني (1/149-159).
(2) … "السلسلة الصحيحة" للألباني (96).(1/250)
1-أن الألباني - عفا الله عنه - قرر أن الأمر الوارد بالجلباب في قوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) لا يشمل تغطية الوجه؛ لأن الجلباب هو ما يستر البدن مع الرأس فقط(1). ولو كان الأمر كما قرر الشيخ لقال الله تعالى (يتجلببن) ولم يقل (يدنين عليهن من جلابيبهن)؛ لأنه كيف يقال للمرأة: أدني الجلباب، وهو يغطي رأسها وبدنها ؟!
(فالإدناء) أمر زائد على لبس الجلباب؛ وهو تغطية الوجه؛ لقوله تعالى بعده (ذلك أدنى أن يعرفن) والوجه هو عنوان المعرفة. وهناك مثال نسوقه فى هذا المقام , أوقع أحد الرجال أذى برجل آخر وهذا الرجل الأخر ضعيف وخسيس النفس لما لم يستطع الأنتقام من الرجل أراد أيقاع الأذى بأهل هذا الرجل ونساؤه . لو أن نساء الرجل الأول مكشوفى الوجوه أليس يكونوا معروفات للرجل الأول ؟
ولكن لو أن وجوههن مستورة ومغطاه لم يكن الرجل ليتعرف عليهن .وهذا ما يفهمه أبسط الخلق من هذا اللفظ . إذ يقول الحق جل وعلا : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } الأحزاب59
2-قرر الألباني - عفا الله عنه - في كتابه بأن آية الحجاب (وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب…) عامة لكل النساء(2)، ومعلوم أن آية الحجاب نزلت في زينب بنت جحش رضي الله عنها، وهي إحدى زوجاته صلى الله عليه وسلم، وحجابهن الواجب هو تغطية الوجه باتفاق العلماء -وبإقرار الألباني نفسه!- (3) فيلزم أن يكون حجاب نساء المؤمنين هو تغطية الوجه أيضاً؛ لأن الآية عامة باعتراف الألباني لِلَّهِ
__________
(1) … انظر "جلباب المرأة المسلمة"، (ص 82-88).
(2) … جلباب المرأة ، ص 75.
(3) … كما في المصدر السابق، ص 106.(1/251)
3-ذكر الألباني حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "خرجت سودة بعدما ضُرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها.. الحديث، وفيه أن عمر رضي الله عنه عرفها لجسمها" ثم علق الألباني على قولها "بعدما ضُرب الحجاب" قال: "تعني حجاب أشخاص نسائه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) وهذه الآية مما وافق تنزيلها قول عمر رضي الله عنه كما روى البخاري (8/428) وغيره عن أنس قال: قال عمر رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله! يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب"(1).
قلت: قول الألباني "تعني حجاب أشخاص نسائه صلى الله عليه وسلم" يناقض ما ذكره بعد هذا من أن الوحي نزل بتأييد عمر في حجاب "أبدان" زوجاته صلى الله عليه وسلم، ولم يؤيده في حجاب "أشخاصهن". قال الألباني: "في الحديث -أي السابق- دلالة على أن عمر رضي الله عنه إنما عرف سودة من جسمها، فدل على أنها كانت مستورة الوجه، وقد ذكرت عائشة أنها كانت رضي الله عنها تُعرف بجسامتها، فلذلك رغب عمر رضي الله عنه أن لا تُعرف من شخصها، وذلك بأن لا تخرج من بيتها، ولكن الشارع الحكيم لم يوافقه هذه المرة لما في ذلك من الحرج.." (2)
قد يقال: بأن هذا سبق قلم من الشيخ، أراد أن يكتب: "تعني حجاب أبدان نسائه صلى الله عليه وسلم" فكتب "تعني حجاب أشخاص نسائه صلى الله عليه وسلم"
__________
(1) … جلباب المرأة ، ص 105.
(2) … السابق، ص105 - 106.(1/252)
فأقول: هذا ما أظنه، أنه سبق قلم من الشيخ بدليل ما بعده. ومع هذا ففيه تناقض شديد!! وهو ما أريد التنبيه عليه: وهو أن الشيخ هنا يرى أن آية الحجاب (فاسألوهن من وراء حجاب) نزلت في حجاب البدن، ومنه تغطية الوجه -كما سبق-. ولكننا نراه في (ص 87 من جلباب المرأة) يقول تعليقاً على أثر أم سلمة رضي الله عنها قالت: "لما انقضت عدتي من أبي سلمة أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمني بيني وبينه حجاب…" قال الألباني: "الظاهر أن الحجاب في هذه الرواية ليس هو الثوب الذي تتستر به المرأة، وإنما هو ما يحجب شخصها من جدار أو ستار أو غيرهما، وهو المراد من قوله تعالى (وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب...)" !! فهو هنا يرى أن الآية تدل على حجاب الأشخاص لا الأبدان؛ لكي يفر من القول بتغطية الوجه، وهناك يرى أنها تدل على حجاب الأبدان ومنه تغطية الوجه بدليل فعل سودة رضي الله عنها !! فتأمل هذا التناقض!
ولو ذهب الألباني إلى القول الصحيح لسلم من هذا التناقض، والله الموفق.
4-ذكر الألباني -عفا الله عنه - -كما سبق- أثر أم سلمة رضي الله عنها، قالت: لما انقضت عدتي من أبي سلمة أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمني بيني وبينه حجاب.." ثم قال : "الظاهر أن الحجاب في هذه الرواية ليس هو الثوب الذي تتستر به المرأة، وإنما هو ما يحجب شخصها من جدار أو ستار أو غيرهما، وهو المراد من قوله تعالى (.. وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن)" (1).
قلت: في هذا عدة أمور:
الأول: أن الألباني - عفا الله عنه - يقرر هنا بأن آية الحجاب عامة لجميع النساء؛ لأن أم سلمة عندما كلمها النبي صلى الله عليه وسلم في الأثر السابق لم تكن من زوجاته صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) … جلباب المرأة ، ص 87.(1/253)
الثاني: أن العلماء متفقون على أن هذه الآية نزلت -كما سبق- في زواجه صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش رضي الله عنها، وحجاب زوجاته بالاتفاق هو وجوب تغطية الوجه. فيلزم الألباني أن يقول به لجميع النساء المؤمنات لأنه يرى -كما سبق- أن الآية عامة لجميع النساء!
الثالث: إن قال الألباني كما سبق: نعم، هي عامة لجميع النساء، ولكنها لا تدل على تغطية الوجه، وإنما تدل على ستر النساء لأشخاصهن عند سؤال الرجال لهن المتاع. أقول: هذا تناقض عظيم تتنزه الشريعة عنه. إذ كيف تأمرهن بستر أشخاصهن عند سؤال المتاع، ثم ترخص لهن في كشف وجوههن أمام الرجال على حد قولك؟!!
فما الداعي لحجاب الأشخاص أصلاً ما دامت الوجوه مكشوفة ؟!
ولما لم يأمر النبى صلى الله عليه وسلم أم سلمة بأن تخرج من حجابها هذا عنه وتكلمه لو كان تغطية الوجه فى نساء النبى خاصة ؟ أم تراكم من نزل عليه التشريع أُختلف معه فى هذا ؟
أما من يرى تغطية الوجه -وهو القول الصحيح- فإنه لم يتناقض هنا، ولله الحمد، لأن هذه الآية عنده تدل على تغطية الوجه لجميع النساء المؤمنات.
والحجاب في الآية عنده يشمل تغطية الوجه ، وحجاب الجدار والستر ونحوه .
5-يرى الألباني أنه لا فرق بين حجاب الحرة المسلمة والأمة المسلمة فالواجب عليهن ستر أبدانهن ما عدا الوجه والكفين، ويشنع على من قال بالفرق بين حجاب الحرة وحجاب الأمة وهم جمهور الأمة. ثم نراه يصحح أثر قتادة في تفسير آية (يدنين عليهن من جلابيبهن) وهو قوله -أي قتادة- : "أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب"(1)
ولكن الألباني لم يكمل قول قتادة ! بل بتره كما سبق! فهو يقول بعد الكلام السابق: "وقد كانت المملوكة إذا مرت تناولوها بالإيذاء، فنهى الله الحرائر أن يتشبهن بالإماء" لِلَّهِ
__________
(1) … الرد المفحم ، ص 51 - 52.(1/254)
فقتادة كالجمهور يفرق بين حجاب الحرة والأمة. فيلزم الألباني حينئذٍ أن يفرق بين حجابيهما، أو أن لا يحتج بأثر قتادة الذي يناقض قوله لِلَّهِ
6-أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) شققن مروطهن فاختمرن بها" قال الحافظ ابن حجر: "اختمرن: أي غطين وجوههن"(1) فلم يعجب هذا التفسير الألباني رحمه الله لأنه يناقض قوله بجواز كشف الوجه. فقال مُخَطِّئًا الحافظ ابن حجر بأسلوب غريب: "قوله "وجوههن" يحتمل أن يكون خطأ من الناسخ، أو سبق قلم من المؤلف، أراد أن يقول "صدورهن" فسبقه القلم.." (2) !! فانظر كيف يخطئ العلماء في سبيل إقرار رأيه الضعيف؟!
وفاته - عفا الله عنه - أن الحافظ ابن حجر قال عند تعريف الخمر: "ومنه خمار المرأة لأنه يستر وجهها"(3) لِلَّهِ فهو يعني ما يقول، ولم يخطئ كما يزعم الألباني لِلَّهِ .
7-شنع الألباني رحمه الله على القائلين بأن الخمار هو ما يغطي الوجه والرأس، فلما أحرجوه واحتجوا عليه بأقوال شراح الحديث؛ كالحافظ ابن حجر -كما سبق-، وبقول الشاعر:
قل للمليحة في الخمار المذهب أفسدت نسك أخي التقي المذهب
نور الخمار ونور خدك تحته عجبًا لوجهك كيف لم يتلهب
قال الألباني: "لا يلزم من تغطية الوجه به أحياناً أن ذلك من لوازمه عادة"(4)! فاعترف رحمه الله بأن الخمار يغطي الوجه لِلَّهِ إذاً: فلماذا كل هذا التشنيع ؟!
__________
(1) … فتح الباري (8/347).
(2) … الرد المفحم، ص 20.
(3) … فتح الباري (10/51).
(4) … جلباب المرأة، ص 73.(1/255)
8-ذكر الألباني حديث أنس -في الصحيحين وغيرهما- : "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اصطفى لنفسه من سبي خيبر صفية بنت حيي قال الصحابة: ما ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد؟ فقالوا: إن يحجبها فهي امرأته، وإن لم يحجبها فهي أم ولد. فلما أراد أن يركب حجبها حتى قعدت على عجز البعير، فعرفوا أنه تزوجها. وفي رواية: وسترها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملها وراءه وجعل رداءه على ظهرها ووجهها"
ثم ذكر قول شيخ الإسلام تعليقاً على هذا الحديث: "والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أن الحرة تحتجب والأمة تبرز"(1) واستغربه !! لأن الألباني يرى أن نساء المؤمنين وإماءهم لا يجب عليهن تغطية الوجه بل الرأس.
قلت : لا غرابة في كلام شيخ الإسلام رحمه الله؛ لأنه من القائلين بأن حجاب الحرائر -سواء كن زوجاته صلى الله عليه وسلم أو نساء المؤمنين- هو تغطية الوجه، وأما الإماء فيكشفن وجوههن ورؤوسهن.
9-زعم الألباني عفا الله عنه أن الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله يذهب إلى أن الخمار هو غطاء الرأس فقط، وأن القواعد من النساء لا حرج عليهن في وضعه !! ثم نقل قوله مبتورًا! (2)
وفاته أن الشيخ ابن سعدي قال في تفسير قوله تعالى " والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم "
" والقواعد من النساء "
اللاتي قعدن عن الاستمتاع والشهوة
" اللاتي لا يرجون نكاحا "
أي : لا يطمعن في النكاح ، ولا يطمع فيهن ، وذلك لكونها عجوزا لا تشتهى ولا تشتهي ، أو دميمة الخلقة ، لا تشتهى ،
" فليس عليهن جناح "
أي : حرج وإثم
" أن يضعن ثيابهن "
أي : الثياب الظاهرة ، كالخمار ونحوه ، الذي قال الله فيه للنساء :
" وليضربن بخمرهن على جيوبهن "
__________
(1) … جلباب المرأة ، ص 95.
(2) … جلباب المرأة المسلمة ، ص111.(1/256)
. فهؤلاء ، يجوز لهن ، أن يكشفن وجوههن ، لأمن المحذور منها وعليها ، ولما كان نفي الحرج عنهن ، في وضع الثياب ، ربما توهم منه جواز استعمالها لكل شيء ، دفع هذا الاحتراز بقوله :
" غير متبرجات بزينة "
أي : غير مظهرات للناس ، زينة من تجمل بثياب ظاهرة ، وتستر وجهها ، ومن ضرب الأرض ، ليعلم ما تخفي من زينتها ، لأن مجرد الزينة على الأنثى ، ولو مع تسترها ، ولو كانت لا تشتهى ـ يفتتن فيها ، ويوقع الناظر إليها في الحرج .
" وأن يستعففن خير لهن "
. والاستعفاف : طلب العفة ، يفعل الأسباب المقتضية لذلك ، من تزوج وترك لما يخشى منه الفتنة .
" والله سميع "
لجميع الأصوات
" عليم "
بالنيات والمقاصد ، فليحذرن من كل قول وقصد فاسد وليعلمن أن الله يجازي على ذلك . (1) .
فان السعدي رحمه الله كغيره من العلماء يرى أن الخمار غطاء الوجه مع الرأس، لا الرأس فقط كما نسب إليه الألباني .
10-ذكر الشيخ الألباني رحمه الله أثراً صحيحاً عن عاصم الأحول قال: "كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الحجاب هكذا، وتنقبت به. فنقول لها: رحمك الله! قال الله تعالى (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحًا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة) هو الجلباب. قال: فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟ فنقول : (وأن يستعففن خير لهن) فتقول: هو إثبات الحجاب"(2)
قلت: هذا الأثر الذي ذكره الشيخ ينقض قوله بجواز كشف الوجه!! لأنه يدل على أن من المتقرر عند السلف أن المرأة تغطي وجهها عن الأجانب؛ كما فعلت حفصة بنت سيرين، وأن القواعد من النساء لهن أن يكشفن وجوههن غير متبرجات بزينة. ولو كان يجوز للنساء أن يكشفن وجوههن -كما يرى الألباني- لقال عاصم ومن معه لحفصة بنت سيرين: إنه يجوز لك كشف وجهك، ولما احتاجوا أن يذكروا لها آية (والقواعد) لِلَّهِ فتأمل لِلَّهِ
__________
(1) … تفسير ابن سعدي (5/445).
(2) … جلباب المرأة ، ص 110.(1/257)
وفي هذا الأثر أيضاً دليل على أن الجلباب يُغطى به الوجه.
11-يردد الألباني أن مذهب الإمام مالك جواز كشف الوجه(1) ولم يذكر نصاً عن الإمام مالك على هذا، وهذا خلاف ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية من أن مذهبه عدم جواز ذلك. قال : "إن كل شيء منها -أي المرأة- عورة حتى ظفرها ، وهو قول مالك"(2). ومما يشهد لما نقله شيخ الإسلام أن الإمام مالك ذكر في موطئه قول ابن عمر "لا تنتقب المرأة المحرمة" ثم أتبعه بقول فاطمة بنت المنذر: "كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق"(3) ليبين أن منع المرأة المحرمة من النقاب لا يعني عدم ستر وجهها بغيره مما لم يُفصل على مقدار العضو. والله أعلم .
هذا ما أردت بيانه من تناقضات الشيخ - رحمه الله - ؛ لكي لا يغتر أحد من المسلمين بقوله في هذه المسألة .
كشف وجه المرأة : هل هو من المسائل "الخلافية" أم "الاجتهادية" ؟!
هذه المسألة هي أكثر المسائل المطروقة في هذا الباب: وهي تقريباً أول مسألة تعرض للقارئ.
فالبعض قد يعدها من قبيل "المسائل الخلافية" التي ينكر فيها على المخالف لثبوت النص بوجوب تغطية المرأة لوجهها أمام الأجانب(4)، وأيضاً فقد ثبت فيها الإجماع العلمي لدى المسلمين. قال الحافظ ابن حجر: "لم تزل عادة النساء قديمًا وحديثاً يسترن وجوههن عن الأجانب"(5) . ونقل ابن رسلان: "اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه"(6)، ولهذا فإنه ينكر على من خالف هذا القول. مع الاعتذار للعلماء المتأخرين الذين اختاروا القول الآخر.
__________
(1) … كما في : جلباب المرأة، ص 89. والرد المفحم، ص 34-35.
(2) … الفتاوى (22/110).
(3) … الموطأ (ص224) رواية يحي الليثي، دار النفائس.
(4) … انظر أدلة هذا القول في رسالة: "عودة الحجاب" للشيخ محمد بن إسماعيل -وفقه الله-.
(5) … فتح الباري (9/235-236).
(6) … نيل الأوطار للشوكاني (6/114).(1/258)
والبعض الآخر قد يعدها من قبيل "المسائل الاجتهادية" التي يسوغ فيها الخلاف.
وعلى كلا القولين : فإنه يُنكر على من كشفت وجهها في البلاد التي يعمل أهلها بالقول الأول؛ وهو وجوب تغطية المرأة لوجهها؛ لأنه على القول بأنها من المسائل "الخلافية" التي ثبت فيها النص؛ فإنه ينكر على من خالف النص، وعلى القول بأنها من المسائل "الاجتهادية" فإنه ينكر على المخالف بسبب أن اختياره للقول الآخر وهو جواز كشف الوجه يسبب فتنة لأهل هذه البلاد ولنسائهم.
فتوى الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في هذه المسألة:
سئل -رحمه الله-:
"فضيلة الشيخ، لا شك أن من شروط الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون عالماً بشروطه. هل هو منكر أو غير منكر؟ وبعض الناس إذا رأى أحد رجال الهيئة يعترض على امرأة كاشفة الوجه. يقول: لا يجب عليك أن تنكر؛ لأنها لا تخلو من حالتين: إما أن تكون مسلمة ترى عدم وجوب ستر الوجه، وإلا كافرة فلا يجب في الأصل أن تتحجب. هل ما يقول هذا صحيح، أو غير صحيح؟
والجواب: لا، هذا غير صحيح، لأن المعاصي قسمان: قسم لا تضر إلا صاحبها فهذا ندعه ورأيه إذا كان أهلاً للاجتهاد. وقسم تضر غير صاحبها، ولا شك أن كشف المرأة وجهها لا يختص ضرره بها هي، بل يضر غيرها؛ لأن الناس يفتتنون بها، وعلى هذا يجب أن تنهاها سواء كانت كافرة أو مسلمة، وسواء كانت ترى هذا القول أولا تراه، انهها وأنت إذا فعلت ما فيه ردع الشر سلمت منه.
أما ما كان لا يضر إلا صاحبه؛ مثل رجل يشرب الدخان، وقال: أنا أرى حلّه ولا أرى أنه حرام، وعلمائي يقولون إنه حلال، فهذا ندعه إذا كان عاميًّا، لأن العاميّ قوله قول علمائه، فإذا قال: أنا أرى أنه ليس بحرام نتركه لأن هذا لا يضر إلا نفسه. إلا إذا ثبت صحيًّا أنه يضر الناس بخنقهم أو كان يؤذيهم برائحته، قد نمنعه من هذه الناحية.(1/259)
فاعرف هذه القاعدة: إن المعاصي قسمان: قسم لا تضر إلا صاحبها فهذه إذا خالفنا أحد في اجتهادنا ندعه، وقسم تضر الغير فهذا نمنعه من أجل الضرر المتعدي. لكن إذا خيف من ذلك فتنة تزيد على كشف هذا الوجه، فإنه يُدرأ أعظم الشرين بأخفهما. ولكن إذا رأيت امرأة كاشفة مع ولي أمرها تمسك ولي الأمر وتقول: يا أخي هذا لا يجوز هذا حرام هذا يضر أهلك ويضر غيرهم. تكلمه بالتي هي أحسن؛ باللين. لا تتكلم مع المرأة نفسها؛ قد يكون في هذا ضرر أكبر عليك أنت"(1) .
وسئل -رحمه الله-: "فضيلة الشيخ: هل ينكر على المرأة التي تكشف الوجه، أم أن المسألة خلافية، والمسائل الخلافية لا إنكار فيها ؟
__________
(1) … لقاء الباب المفتوح (33-34/66-68).(1/260)
الجواب: لو أننا قلنا: المسائل الخلافية لا ينكر فيها على الإطلاق، ذهب الدين كلّه حين تتبع الرخص لأنك لا تكاد تجد مسألة إلا وفيها خلاف بين الناس. نضرب مثلاً: هذا رجلٌ مسَّ امرأة لشهوة، وأكل لحم إبل، ثم قام ليصلي، فقال: أنا أتبع الإمام أحمد في أن مسَّ المرأة لا ينقض الوضوء، وأتبع الشافعي في أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وسأصلي على هذه الحال، فهل صلاته الآن صحيحة على المذهبين ؟ هي غير صحيحة؛ لأنها إن لم تبطل على مذهب الإمام أحمد بن حنبل بطلت على مذهب الإمام الشافعي، وإن لم تبطل على مذهب الإمام الشافعي بطلت على مذهب الإمام أحمد، فيضيع دين الإنسان. المسائل الخلافية تنقسم إلى قسمين؛ قسم: مسائل اجتهادية يسوغ فيها الخلاف؛ بمعنى أن الخلاف ثابت حقاً وله حكم النظر، فهذا لا إنكار فيه على المجتهد، أما عامة الناس، فإنهم يلزمون بما عليه علماء بلدهم، لئلا ينفلت العامة؛ لأننا لو قلنا للعامي: أي قول يمرُّ عليك لك أن تأخذ به، لم تكن الأمة أمة واحدة، ولهذا قال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله-: "العوام على مذهب علمائهم". فمثلاً عندنا هنا في المملكة العربية السعودية أنه يجب على المرأة أن تغطي وجهها، فنحن نلزم نساءنا بذلك، حتى لو قالت لنا امرأة: أنا سأتبع المذهب الفلاني وكشف الوجه فيه جائز، قلنا: ليس لك ذلك؛ لأنك عامية ما وصلت إلى درجة الاجتهاد، وإنما تريدين اتباع هذا المذهب لأنه رخصة، وتتبع الرخص حرام.(1/261)
أما لو ذهب عالم من العلماء الذي أداه اجتهاده إلى أن المرأة لا حرج عليها في كشف الوجه، ويقول: إنها امرأتي سوف أجعلها تكشف الوجه، قلنا: لا بأس، لكن لا يجعلها تكشف الوجه في بلاد يسترون الوجوه، يمنع من هذا؛ لأنه يفسد غيره، ولأن المسألة فيها اتفاق على أن ستر الوجه أولى، فإذا كان ستر الوجه أولى فنحن إذا ألزمناه بذلك لم نكن ألزمناه بما هو حرام على مذهبه، إنما ألزمناه بالأولى على مذهبه، ولأمر آخر هو ألا يقلده غيره من أهل هذه البلاد المحافظة، فيحصل من ذلك تفرق وتفتيت للكلمة. أما إذا ذهب إلى بلاده، فلا نلزمه برأينا، ما دامت المسألة اجتهادية وتخضع لشيء من النظر في الأدلة والترجيح بينها.
القسم الثاني من قسمي الخلاف: لا مساغ له ولا محل للاجتهاد فيه، فينكر على المخالف فيه لأنه لا عذر له"(1).
داعيًا الله له بالرحمة والمغفرة جزاء ما قدم لأمته من تقريب علوم السنة بين أيديهم . سائله سبحانه أن يجمعني به والمسلمين في جنات النعيم ، إخوانًا على سرر متقابلين . والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وهاهو بحث آخر يفند أقول القائلين بكشف الوجه ويرد عليها بالحجة الواضحة والبرهان الجلي 0
وهو معنون بأدلة تغطية الوجه من الكتاب والسنة .
وهو مراجع ومحقق من فضيلة الشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين . عضو لجنة الأفتاء . حفظه الله تعالى وسائر سيوخنا وعلماءنا الأجلآء .
وهو للشيخ : على بن عبد الله العماري . سدد الله على طريق الحق خطانا وخطاه بمنه وكرمه إنه ولي ذلك والقادر عليه .
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله قيوم السموات الأراضين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
__________
(1) … لقاء الباب المفتوح (49/192-193).(1/262)
فهذه نبذة يسيرة موجزة في وجوب التحجب والتستر للمرأة المسلمة عن الرجال الأجانب ، وتحريم إبداء الزينة لغير المحارم الذين ذكرهم الله بقوله " ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن .." الآية ، وبيان ما في التكشف وإظهار الزينة من المفاسد والأخطار،وفي واجب الأولياء نحو محارمهم ، وفي ذكر بعض الأدلة التي توضح وجوب التستر والاحتشام ومنع التبرج والتخلع والسفور،وفي مناقشة ما يشبه به المتساهلون في هذا الباب،وبيان سوء أهدافهم وما يرمونه من دعاياتهم إلى الاختلاط وإبداء المحاسن ، كتبها الأخ علي بن عبد الله العماري الذي عُرف بالعلم ، والفهم ، والإدراك ، والبحث ، واستخراج المسائل ، وعرف بالعقل والثبات والاتزان ، ولم يُعرف عنه شيء من التسرع والتهور. فجدير بالمسلم الذي يريد الحقَّ أن يتقبل ما جاء به الدليل ، وأن يتقبل الصواب ممن جاء به بقطع النظر عن قائله ، ويرد الباطل على من جاء به مهما كانت شهرته ومنزلته، فالحق أحق أن يُتبع ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
كتبه
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
عضو الإفتاء
******************
ويقول الشيخ / على عبد الله العماري :
الحمد لله رب العالمين ، أمر نساء المؤمنين بالحشمة والحجاب ، وصلى الله على محمد وآله وسائر الأصحاب وسلم تسليماً إلى يوم الدين ... أما بعد :
فقد أمر الله تعالى نساء المؤمنين بالتستر وعدم إظهاراً الزينة لغير المحارم خوفاً عليهن من الفواحش والآثام كما قال تعالى : " ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء" . فهؤلاء الأصناف الإثنا عشر يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر أمامهم وهي كاشفة عن وجهها وكفيها ونحوهما؛ لأنهم من المحارم، أما غيرهم فلا يجوز لها ذلك.(1/263)
ثم جاء بعد ذلك من يجادل في أن الوجه والكفين قد استثنيا واستدلوا بهذه الآية : " ولا يبدين زينتهم إلا ما ظهر منها" وبعض الأحاديث كحديث أسماء ، وحديث سفعاء الخدين ، وقصة الخثعمية ، ونهيه - صلى الله عليه وسلم - أنت تنتقب المرأة وتلبس القفازين وهي محرمة ، وقصة الواهبة وغيرها من الروايات.
لذا عزمت وتوكلت على الله في ذكر أدلة المبيحين والرد عليها من الكتاب والسنة وأقوال أئمة السلف والخلف رحمهم الله ، ثم أذكر الأدلة الثابتة في وجوب ستر الوجه والكفين عن غير المحارم , من ذلك أيضاً.
أدلة المبيحين والرد عليها
أولاً : يستدلون بآية سورة النور { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } النور31(1/264)
(( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن عمَّا لا يحلُّ لهن من العورات، ويحفظن فروجهن عمَّا حَرَّم الله، ولا يُظهرن زينتهن للرجال، بل يجتهدن في إخفائها إلا الثياب الظاهرة التي جرت العادة بلُبْسها، إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها، وليلقين بأغطية رؤوسهن على فتحات صدورهن مغطيات وجوههن؛ ليكمل سترهن، ولا يُظْهِرْنَ الزينة الخفية إلا لأزواجهن ؛ إذ يرون منهن ما لا يرى غيرهم. وبعضها، كالوجه، والعنق، واليدين، والساعدين يباح رؤيته لآبائهن أو آباء أزواجهن أو أبنائهن أو أبناء أزواجهن أو إخوانهن أو أبناء إخوانهن أو أبناء أخواتهن أو نسائهن المسلمات دون الكافرات, أو ما ملكن مِنَ العبيد، أو التابعين من الرجال الذين لا غرض ولا حاجة لهم في النساء، مثل البُلْه الذين يتبعون غيرهم للطعام والشراب فحسب، أو الأطفال الصغار الذين ليس لهم علم بأمور عورات النساء، ولم توجد فيهم الشهوة بعد، ولا يضرب النساء عند سَيْرهن بأرجلهن ليُسْمِعْن صوت ما خفي من زينتهن كالخلخال ونحوه، وارجعوا- أيها المؤمنون- إلى طاعة الله فيما أمركم به من هذه الصفات الجميلة والأخلاق الحميدة، واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات الرذيلة؛ رجاء أن تفوزوا بخيري الدنيا والآخرة.))(1/265)
وأن ابن عباس فد فسرها بأنها الوجه والكفان ، ويرد عليهم أن ابن مسعود قد قال - في تفسير هذه الآية " إلا ما ظهر منها " بأن المقصود هو الرداء والثياب ، وقال بقول ابن مسعود - رضي الله عنه - الحسن، وابن سيرين ، وأبو الجوزاء ، وإبراهيم النخعي ، وغيرهم. وقال ابن كثير في تفسيرها: أي لا يظهرن شيئاً من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه. وهذا الذي رجحه الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان حيث قال - رحمه الله - : " إن قول من قال في معنى " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " أن المراد بالزينة الوجه والكفان مثلاً ، توجد في الآية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول وهي أن الزينة في لغة العرب هي ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خلقتها : كالحلي والحلل ، ( والكحل ) فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف الظاهر، ولا يجوز الحمل عليه إلا بدليل يجب الرجوع إليه.
ثانياً : يستدلون بحديث أسماء - رضي الله عنها - فعن عائشة - رضي الله عنها - أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصح أن يُرى منها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفيه " ويرد عليهم بأن هذا الحديث ضعيف جداً كما قال بذلك أهل العلم ، وهو مرسل ؛ لأن خالد بن دريك لم يدرك عائشة - رضي الله عنها - فالسند منقطع ..
ورد سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ عبد العزيز بن باز - حفظه الله ورعاه - هذا الحديث بخمسة أوجه حيث قال سماحته:
1. إن الراوي عن عائشة المسمى خالد بن دريك لم يلق عائشة ، فالحديث منقطع، والحديث المنقطع لا يُحتج به لضعفه.
2. إن في إسناده رجلاً يُقال له سعيد بن بشير وهو ضعيف لا يُحتج بروايته.
3. إن قتادة الذي روى عن خالد بالعنعنة وهو مدلس يروي عن المجاهيل ونحوهم ويُخفي ذلك ، فإذا لم يصرح بالسماع صارت روايته ضعيفة.(1/266)
4. إن الحديث ليس فيه التصريح أن هذا كان بعد الحجاب، فيحتمل أنه كان قبل الحجاب.
5. إن أسماء هي زوج الزبير بن العوام ، وهي أخت عائشة بنت الصديق وامرأة من خيرة النساء ديناً وعقلاً، فكيف يليق بها أن تدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم وهي إمرأة صالحة في ثياب رقاق مكشوفة الوجه والكفين وزيادة على ذلك بثياب رقيقة وهي التي تُرى عورتها منها فلا يُظن بأسماء أن تدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل هذه الحال في ثياب رقيقة ترى من ورائها عورتها فيعرض عنها النبي صلى الله عليه وسلم ويقول لها عليك أن تستري كل شيء إلاّ الوجه والكفين.
معنى هذا أنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهي كاشفة لأشياء أخرى من الرأس أو الصدر أو الساقين أو ماشابه ذلك ، وهذا الوجه الخامس يظهر لمن تأمل المتن فيكون المتن بهذا المعنى منكراًً لا يليق أن يقع من أسماء رضي الله عنها.
ثالثاً : يستدلون بحديث سفعاء الخدين الذي رواه جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال : " تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم: فقامت امراة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت لم يارسول الله ؟ قال : " لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير" إلخ ، والحديث صحيح أخرجه النسائي.
ويُرد عليهم بما ذكره الشيخ المحدث مصطفى العدوي - حفظه الله - في كتابه ( الحجاب أدلة الموجبين وشبه المخالفين ) في ص (40):(1/267)
"والصواب أنها ( امرأة من سفلة النساء) ثم ذكر ثمانية أوجه كلها تدل على أو الرواية الصحيحة هي ( امرأة من سفلة النساء) ثم قال وفقه الله في ص (41) : فعلى هذا فقوله: " امرأة من سفلة النساء سفعاء الخدين ) أي ليست من علية النساء بل من سفلتهم ، وهي سوداء ، هذا القول يُشعر ويشير إشارة قوية إلى أن المرأة كانت من الإماء وليست من الحرائر ، وعليه فلا دليل في هذا لمن استدل به على جواز كشف المرأة ؛ إذ أنه يُغتفر في حق الإماء ما لا يغتفر في حق الحرائر ... وقد فسر سفعاء الخدين بأنها جرئية ذات جسارة ورعونة وقلة احتشام.
ونزيد أن اللفظ الدارج فى مثل هذه المواطن أن يقال عنها أنها امرأة (( برزة )) أى تبرز للرجال .وعدم أستعمال لفظ برزة فى هذا الموطن يؤيد ما ذهب إليه فضيلة الشيخ / مصطفى العدوى . حفظه الله تعالى .
رابعاً : يستدلون بقصة الخثعمية : حدثنا القعنبي، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، عن عبد اللّه بن عباس قال:
كان الفضل بن عباس رديف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشقِّ الآخر، فقالت: يارسول اللّه، إن فريضة اللّه [عزوجل] على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: "نعم" وذلك في حجة الوداع.
، فقالوا : لو كان كشف الوجه محرماً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة أن تغطي وجهها.(1/268)
ويرد عليهم أن المرأة كانت محرمة ، والمحرمة لا يجب عليها أن تغطي وجهها إلا إذا احتاجت عند مرور الرجال مثلاً كما جاء عن عائشة رضي الله عنها،في حجة الوداع (كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزناه كشفناه) (( هل كانت أم المؤمنين عائشة بهذا القول تدافع عن الحجاب وهل هو تغطية الوجه أو كشفه ؟!! ))
ويرد عليهم أيضاً بما قاله الشيخ حمود التويجري - رحمه الله - وأسكنه فسيح جناته - في كتابه " الصارم المشهور على التبرج والسفور" ص (232) : وأما حديث ابن عباس رضي الله عنه فإن ابن عباس رضي الله عنه لم يصرح في حديثه بأن المرأة كانت سافرة بوجهها. إلى أن قال رحمه الله تعالى - وغاية مافيه ذكر أن المرأة كانت وضيئة ؛ وفي الرواية الأخرى حسناء فيحتمل أنه أراد حسن قوامها وقدها ووضاءة ما ظهر من أطرافها.
(( وكل ذلك كان مما تستعمله العرب فى وصف النساء .
وكذلك كانت صفة الوجه عندهم باستعمال قولهم ( نضارة ) ونحوها .))
خامسا : يستدلون بنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتقب المرأة وأن تلبس القفازين في الإحرام ، ويرد عليهم أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم في الإحرام فقط ، فدل ذلك على أن النساء كن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسترن وجوههن وأيديهن عن الرجال الأجانب بعد نزول آيات الحجاب ، ومع هذا كله فالواجب على المرأة أن تستر وجهها إذا حاذاها الرجال كما كانت تفعل عائشة وأمهات المؤمنين عندما كانت إحداهن تغطي وجهها وهي محرمة عند المرور بين الرجال. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : هذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن وذلك بمقتضى ستر وجوههن وأيديهن.(1/269)
(( وأستدلآلهم بهذا يُرد عليهم لأن مثل هذا الدليل نحتج به نحن القائلين بتغطية وجه المرأة على الديمومة . ومع ذلك نضع عن المرأة النقاب والقفازين لأستثناء النبى صلى الله عليه وسلم عن لبس النقاب والقفاز فى هذا المكان والوقت والمحل لفعل عائشة رضى الله تعالى عنها والذى كانت تفعله والنبى صلى الله عليه وسلم إلى جوارها فما أمرها بترك تغطية وجهها ولا بالكف عن فعله .)) وإلا يلزمنا كذلك بنهى الرجل عن لبس القميص والعمامة والخفين لأنهم من المنهيات عنهم للرجل فى الحج .
كذلك يلزمنا هنا فى هذا المقام أن نبين ما الحكمة من ملابس الإحرام ؟
أليس الحكمة العظمى فى هذا المقام الأسنى أن يتذكر الإنسان البعث والحشر وهو حي ؟ فملابس الأحرام هى كالأكفان بل هى الأكفان على الحقيقة . والناس فى هذا المحل هم فى شغل عن أن ينظر بعضهم لبعض نظرات شهوة وأستمناء وهذا مراد الشارع جل فى علآه تمرين عملى نظرى بأن يسشعر المسلم هيبة يوم البعث .
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. ثنا أبو خالد الأضحمر عن حاتم بن أبي صغيرة عضن ابن أبي مليكة عن القاسم، قال: قالت عائشة، قلت: يا رسول الله! كيف يحشر الناس يوم القيامة؟ قال:
((حفاة، عراة)) قلت: والنساء؟ قال ((والنساء)) قلت: يا رسول الله! فما يستحي؟ قال ((ياعائشة! الأمر أهم من أن ينظر بعضهم إلى بعض)).
وهذا أمر يرتجيه كل مسلم فى الحج بأن يكون مشغول بالتوجه إلى الله تعالى ليغفر له ذنبه . فليس فى الحج رفث ولا فسوق ولا جدال . { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ } البقرة197(1/270)
وقت الحج أشهر معلومات, وهي: شوال, وذو القعدة, وعشر من ذي الحجة. فمن أوجب الحج على نفسه فيهن بالإحرام, فيحرم عليه الجماع ومقدماته القولية والفعلية, ويحرم عليه الخروج عن طاعة الله تعالى بفعل المعاصي, والجدال في الحج الذي يؤدي إلى الغضب والكراهية. وما تفعلوا من خير يعلمه الله, فيجازي كلا على عمله. وخذوا لأنفسكم زادًا من الطعام والشراب لسفر الحج, وزادًا من صالح الأعمال للدار الآخرة, فإن خير الزاد تقوى الله, وخافوني يا أصحاب العقول السليمة
سادسا : يستدلون بقصة الواهبة التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتهب نفسها فنظر إليها الرسول صلى الله عليه وسلم فصعد النظر إليها .. إلخ ، ويرد عليهم أن هذه المرأة جاءت تعرض نفسها ليتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك كشفت وجهها ليراها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أمر الخاطب أن ينظر إلى مخطوبته، بل هذا دليل عليهم كما قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله : " وفيه جواز تأمل محاسن المرأة لإرادة تزويجها. أي أنه يجوز للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته بقدر ما يسمح له من الوجه والكفين أما غيره فلا يجوز. والصحيح أنها كانت محجبة، وإنما نظر إلى حسن قوامها وقدها وبدنها وطولها أو قعرها مع تسترها.(1/271)
وقبل أن أشرع في ذكر الأدلة التي تأمر المرأة المسلمة بستر جميع بدنها بما فيه الوجه والكفان أود أن أذكر القاريء الحبيب أن النساء كن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يكشفن وجوههن حتى نزلت آيات الحجاب التي تأمرهن بتغطية سائر الجسد لقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في قصة الإفك إن صفوان بن المعطل السلمي عرفني حين رآني ، وكان قد رآني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي. فلا يُستبعد أن تكون جميع الأحاديث التي استدل بها أولئك قبل نزول آيات الحجاب منسوخة بالآيات والأحاديث التي سنذكرها إن شاء الله ؛ خاصة أن آيات الحجاب قد نزلت في السنة الخامسة للهجرة ، كما قال ابن كثير - رحمه الله .
الأدلة التي تأمر المرأة المسلمة
بتغطية سائر جسدها
الأدلة من الكتاب:
أولاً: قوله تعالى :" وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن"
قال ابن كثير -رحمه الله:" أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية ، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ولا يسألهن إلا من وراء حجاب.
وقال الشوكاني -رحمه الله- : أي من ستر بينكم وبينهن. وقال الطبري -رحمه الله- " إذا سألتم أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين متاعاً فاسألوهن من وراء ستر بينكم وبينهن، ولا تدخلوا عليهن بيوتهن. والسؤال من وراء حجاب أطهر لقلوب الرجال والنساء من عوارض العين التي تعرض في صدور الرجال والنساء وأحرى أن لا يكون للشيطان عليكم وعليهن سبيل. فهذه الآية الكريمة تبين وجوب الستر عن الرجال الأجانب.
قال سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز ابن باز - رحمه الله - في هذه الآية: " ولم يستثنِ شيئاً، وهي آية محكمة، فوجب الأخذ بها والتعويل عليها وحمل ما سواها عليها. ثم قال - جزاه الله خيراً - : " والآية المذكورة حجة ظاهرة وبرهان قاطع على تحريم سفور النساء وتبرجهن بالزينة.(1/272)
ثانياً: قوله تعالى: " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً".
قال الشيخ حمود التويجري -رحمه الله- في الصارم المشهور ص(187) : " روى ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه في هذه الآية قال : " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة.
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز -رحمه الله- في هذه الآية : " إن محمد بن سرين (سيرين) قال: " سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل :" يدنين عليهن من جلابيبهن" فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى.
ثالثا : قول الله تعالى : " ولا يبدين زينتهن إلاّ ما ظهر منها " قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الثياب.
رابعاً : قول الله تعالى: " وليضربن بخمرهن على جيوبهن"
قال الطبري -رحمه الله- في تفسير هذه الآية : " وليلقين خمرهن على جيوبهن ليسترن بذلك شعورهن وأعناقهن. وفي هذه الآية دليل على تغطية الوجه لأن الخمار هو الذي تغطي به المرأة رأسها فإذا أنزلته على صدرها غطت ما بينهما وهو الوجه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في هذه الآية : " فلما نزل ذلك عمد نساء المؤمنين إلى خمرهن فشققنها وأرخينها على أعناقهن ، والجيب هو شق في طول القميص فإذا ضربت المرأة بالخمار على الجيب سترت عنقها.
انظر أخي القارىء هل يكون ستر العنق إلا بعد ستر الوجه !!
الأدلة من السنة:
أولاً: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي ، وقال عنه حسن غريب " المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان " ففي هذا الحديث العظيم لم يستثن صلى الله عليه وسلم منها شيئاً بل قال : إنها عورة .(1/273)
ثانياً : فعل عائشة رضي الله عنه في قصة الإفك ، والحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم " قالت عائشة وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني ، وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي "
ثالثاً : عن عائشة رضي الله عنه قالت : "كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جوزنا كشفنا "
رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه .
رابعاً : حديث عائشة رضي الله عنه قالت : "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد " متفق عليه .
خامساً : عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " رواه الإمام أحمد والبخاري وأهل السنن .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - هذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن ، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن .
سادساً : عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها . رواه الإمام أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم .(1/274)
سابعاً : عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له امرأة أخطبها فقال : " اذهب فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما " فأتيت امرأة من الأنصار فخطبتها إلى أبويها وأخبرتها بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فكأنهما كرها ذلك ، قال : فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها فقالت : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر فانظر وإلا فأنشدك - كأنها أعظمت ذلك - قال : فنظرت إليها فتزوجتها فذكر من موافقتها "
رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا أبو داود وقال الترمذي هذا حديث حسن وصححه ابن حبان .
ثامناً : أخرج الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنه قالت : " خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها فرآها عمر بن الخطاب فقال : يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين " وفي هذا الحديث دلالة واضحة على أن وجهها كان مستوراً وأنه رضي الله عنه لم يعرفها إلا بجسمها .
وبعد أخي المسلم أختي المسلمة: هل يشك عاقل في تحريم كشف الوجه والكفين لغير المحارم لوضوح الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة علماً أن كثير من أهل العلم ساق أكثر من عشرين دليلاً من السنة في تحريم كشف الوجه ولكن اقتصرت على هذه الأدلة حتى لا أطيل، ومن أراد التفصيل في هذه المسألة فليرجع إلى مجموعة الرسائل في الحجاب والسفور لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وللشيخ عبد العزيز ابن باز ، وللشيخ محمد العثيمين - رحمهما الله - وكتاب الشيخ حمود التويجري -رحمه الله- " الصارم المسلول على أهل التبرج والسفور" وكتاب" يافتاة الإسلام اقرئي حتى لا تُخدعي" للشيخ صالح البليهي -رحمه الله- و"الحجاب أدلة الموجبين وشبه المخالفين" للشيخ مصطفى العدوي - حفظه الله- وغيرها من الكتب.(1/275)
خاصة أن نساء المؤمنين قد اعتدن هذه العبادة الطيبة الحميدة. أما في هذا الزمان الذي كثر فيه التبرج والسفور والإنحلال الخلقي من قبل الشعوب الإسلامية وغير الإسلامية، والتشبه بالكافرات في الزينة وما يسمونها بالموضة، وانتشرت الأصباغ التي توضع على الوجه فهل يرضى رجل في قلبه غيرة على محارمه أن تكشف زوجته أو أخته أو قريبته أمام الأجانب وقد قال صلى الله عليه وسلم :" ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"، وهل يختلف اثنان في أن الوجه هو محط الأنظار من قبل الرجال لأنه هو المكان الذي تُعرف به المرأة هل هي جميلة أم لا.
وقبل أن أختم هذه الرسالة أذكر إخواني المسلمين بحدث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم في صحيحه :" إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" وهذا الحديث يبين عظم وخطورة النساء إذا خرجن وهن نازعات للحجاب.
والله نسأل أن يحفظ أعراضنا ونساءنا من كيد الكائدين، وأن يجنبهن التبرج والسفور وأن يجعلهن صالحات مصلحات وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
---
فهل بعد هذا المنهل العذب نسمع إلى استنباطات المشمئزة
أو إلى دعي الثقافة ومؤيده الماجن ؟
هل يعقل عند أصحاب العقول أن تتهم الفضيلة ويستبرأوا المجون والخلآعة والملبس الخليع ؟. هلآ سمعنا لهم إتهاماً لكاشفات الصدر ومبينات الخصور ؟ هلا توقفتم مع ما أحدثه
جدلكم العقيم من ميوعة عند السواد وتغيير لمعالم الدين ؟(1/276)
هلا نظرتم إلى ما أحدثه سفهكم من تغير لمعنى الستر والعفاف حتى رأينا الأبتكارات والتفنن فى تغطية الرأس وسمى بالحجاب , حتى رأينا والله من تستعمله للغواية والأغراء . حتى رأينا الملف والوشاح وما يبرز الوجه ولآبد معه من (( ميكب )) ملآئم .ورأينا كيف يكون ما يسمى عندهم ((حجاب )) مع الجينز وطامة كبرى برزت هي الإيشارب مع ( البرامودا ) فياللعجب !!!
من المسئول عن هذا كله ؟ أليس أنتم من لويتم النصوص
وحرفتم المحكم وأحكمتم أفتراءآتكم بالمتشابه لأى هوى ألجئتم نساء الأمة لمرتع الهلكة هذا ؟ فالحق أحق أن يتبع . أتهموا الرأى لتحصلوا النجاة .. أتهموا الرأى لتحصلوا النجاة .
واعلموا أن رحى الحرب دائرة وأنتم فى نُعاس .
أومآ أُولبت المرأة على إسلآمها ؟ بأن شرعتها تظلمها وتضيع حقوفها ؟
أومآ زعم الأعداء بأن المرأة معطلة وحبيسة ورهينة شريعة جائرة تظلمها ؟
أومآ عودى حلآل الله الطيب بالتزوج مثنى وثلاث ورباع ؟
حتى أنى قلت لصديق لى مسلم ورب الكعبة , أنى أرغب فى الزواج بأخرى فقال لي :: يا رجل حرام عليك !!!
البلية أن الرجل مدرس للعربية ويقرأ كتاب رب البرية ويمر كثيراً بقول الحق جل وعلا , { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } النساء3
وإن خفتم ألا تعدلوا في يتامى النساء اللاتي تحت أيديكم بأن لا تعطوهن مهورهن كغيرهن, فاتركوهن وانكحوا ما طاب لكم من النساء من غيرهن: اثنتين أو ثلاثًا أو أربعًا, فإن خشيتم ألا تعدلوا بينهن فاكتفوا بواحدة, أو بما عندكم من الإماء. ذلك الذي شرعته لكم في اليتيمات والزواج من واحدة إلى أربع, أو الاقتصار على واحدة أو ملك اليمين, أقرب إلى عدم الجَوْرِ والتعدي.(1/277)
أومآ نعق ناعقهم على منصة الفجور والخلاعة وقال : أتحدى من يثبت لي أن بنات النبى صلى الله عليه وسلم كن مختتنات !!!! ولنا مع الختان الوقفة القادمة بأذن الله .
أومآ قالت أستاذة الفقه الإسلامى أنها تشمئز من مرآى الطهارة والعفاف . { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } النمل56
فما كان لقوم لوط جواب له إلا قول بعضهم لبعض: أَخْرجوا آل لوط من قريتكم, إنهم أناس يتنزهون عن إتيان الذكران. قالوا لهم ذلك استهزاءً بهم.
ما الفرق يا مفتيّ الفضاحيات بين الطهارة والقذارة ؟
ما الفرق بين المسلم والمسلمة وغيرهما من أهل الملل والنحل إلا بما يشملهما اللحية والحجاب ؟
والله وددت لو سمعت أو قرأت الرد المفحم ويكون فيه حق للسالكين وأسأل الله أن لا يحرمنى أن أكون واحداً منهم .
وأسأله سبحانه أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويوفقنا لاجتنابه . إنه ولي ذلك والقادر عليه .
*****************
الحق أثبت من الهوى فكونوا منصفين .
وقبل أن ندخل فى خضم معتركنا البياني وفى ظل تبدل المفاهيم السائد فى هذا الزمان وله الريادة عند من تحيرت بهم العقول وفى زمن تبدل فيه مفهوم (( الولاء والبراء ))
فالولاء أصبح ولآيات والغرابة أنها متحدة , والبراءة سقطت من متاعهم فألقوها فى جوانتانمو . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } آل عمران156(1/278)
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تُشابهوا الكافرين الذين لا يؤمنون بربهم, فهم يقولون لإخوانهم من أهل الكفر إذا خرجوا يبحثون في أرض الله عن معاشهم أو كانوا مع الغزاة المقاتلين فماتوا أو قُتِلوا: لو لم يخرج هؤلاء ولم يقاتلوا وأقاموا معنا ما ماتوا وما قُتلوا. وهذا القول يزيدهم ألمًا وحزنًا وحسرة تستقر في قلوبهم, أما المؤمنون فإنهم يعلمون أن ذلك بقدر الله فيهدي الله قلوبهم, ويخفف عنهم المصيبة, والله يحيي مَن قدَّر له الحياة -وإن كان مسافرًا أو غازيًا- ويميت مَنِ انتهى أجله -وإن كان مقيمًا- والله بكل ما تعملونه بصير, فيجازيكم به.
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } الأنفال36
إن الذين جحدوا وحدانية الله وعصوا رسوله ينفقون أموالهم فيعطونها أمثالهم من المشركين وأهل الضلال, ليصدوا عن سبيل الله ويمنعوا المؤمنين عن الإيمان بالله ورسوله, فينفقون أموالهم في ذلك, ثم تكون عاقبة نفقتهم تلك ندامة وحسرة عليهم; لأن أموالهم تذهب, ولا يظفرون بما يأمُلون مِن إطفاء نور الله والصد عن سبيله, ثم يهزمهم المؤمنون آخر الأمر. والذين كفروا إلى جهنم يحشرون فيعذبون فيها.
{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } مريم39
وأنذر - أيها الرسول - الناس يوم الندامة حين يُقضى الأمر, ويُجَاءُ بالموت كأنَّه كبش أملح, فيُذْبَح, ويُفصل بين الخلق, فيصير أهل الإيمان إلى الجنة, وأهل الكفر إلى النار, وهم اليوم في هذه الدنيا في غفلة عمَّا أُنذروا به, فهم لا يصدقون, ولا يعملون العمل الصالح.(1/279)
ويشرح لنا شيخ الإسلام أبن تيمية كيف تكون العبودية كاملة غير منقوصة عند العبد فيقول رحمه الله تعالى :
وقد ثبت فى الصحيح ان جبريل لما جاء الى النبى صلى الله عليه وسلم فى صورى اعرابى وسأله عن الاسلام قال ان تشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وتقيم الصلاو وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ان استطعت اليه سبيلا قال فما الايمان قال ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه وورسله والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره قال فما الإحسان قال ان نعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ثم قال فى آخر الحديث هذا جبريل جاءكم يعلمكم دنيكم فجعل هذا كله من الدين والدين يتضمن معنى الخضوع والذل يقال دنته فدان اى ذللته فذل ويقال يدين الله ويدين لله أي يعبد الله ويطيعه ويخضع له فدين الله عبادته وطاعته والخضوع له.
والعبادة اصل معناها الذل ايضا يقال طريق معبد اذا كان مذللا قد وطئته الاقدام.
لكن العبادة المأمور تتضمن معنى الذل ومعنى الحب فهى تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له فإن آخر مراتب الحب هو التتيم واوله العلاقة لتعلق القلب بالمحبوب ثم الصبابة لا نصباب القلب اليه ثم الغرام وهو الحب اللازم للقلب ثم العشق وآخرها التتيم يقال تيم الله أى عبد الله فالمتيم المعبد لمحبوبه.
ومن خضع لانسان مع بعضه له لايكون عابدا له ولو أحب شيئا ولم يخضع له لم يكن عابدا له كما قد يحب ولده وصديقه ولهذا لا يكفى أحدهما فى عبادة الله تعالى بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شئ وأن يكون الله أعظم عنده من كل شئ بل لا يستحق المحبة والذل التام إلا الله.(1/280)
وكل ما أحب لغير الله فمحبته فاسدةوما عظم بغير أمر الله كان تعظيمه باطلا قال الله تعالى قل إن كان آباؤكم وابناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره فجنس المحبة تكون لله ورسوله كالطاعة فإن الطاعة لله ورسوله والارضاء لله ورسوله والله ورسوله أحق أن يرضوه والايتاء لله ورسوله ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله .
وأما العبادة وما يناسبها من التوكل والخوف ونحو ذلك فلا يكون إلا لله وحده كما قال تعالى { قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا الى قوله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون } وقال تعالى { ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله انا إلى الله راغبون } فالايتاء لله والرسول كقوله { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } وأما الحسب وهو الكافى فهو الله وحده كما قال تعالى { الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } وقال تعالى { يا ايها النبى حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } اى حسبك وحسب من اتبعك الله .
ومن ظن ان المعنى حسبك الله والمؤمنون معه فقد غلط غلطا فاحشا كما قد بسطناه فى غير هذا الموضع وقال تعالى أليس الله بكاف عبده.
تحرير ذلك ان العبد يراد به المعبد الذى عبده الله فذلله ودبره.(1/281)
وصرفه وبهذا الاعتبار المخلوقون كلهم عباد الله من الابرار والفجار والمؤمنين والكفار وأهل الجنة واهل النار اذ هو ربهم كلهم ومليكهم لا يخرجون عن مشيئته وقدرته وكلماته التامات التى لا يجاوزهن برولا فاجر فمال شاء كان وان لم يشاؤا وما شاؤا ان لم يشأه لم يكن كما قال تعالى أفغير دين الله يبغون وله اسلم من فى السموات والارض طوعا وكرها واليه يرجعون.
فهو سبحانه رب العالمين وخالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم ومقلب قلوبهم ومصرف امورهم لا رب لهم غيره ولا مالك لهم سواه ولا خالق الا هو سواء اعترفوا بذلك أو انكروه وسواء علموا ذلك أو جهلوه لكن أهل الإيمان منهم عرفوا ذلك واعترفوا به بخلاف من كان جاهلا بذلك او جاحدا له مستكبرا على ربه لا يقر ولا يخضع له مع علمه بأن الله ربه وخالقه.
فالمعرفة بالحق اذا كانت مع الاستكبار عن قبوله والحجد له كان عذابا على صاحبه , كما قال تعالى : ( وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا ) فانظر كيف كان عاقبة المفسرين وقال تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ) وقال تعالى { فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } .
فإن اعترف العبد ان الله ربه وخالقه وأنه مفتقر اليه محتاج اليه عرف العبودية المتعلقة بربوبيةالله وهذا العبد يسأل ربه فيتضرع اليه ويتوكل عليه لكن قد يطيع امره وقد يعصيه وقد يعبده مع ذلك وقد يعبد الشيطان والاصنام.
ومثل هذه العبودية لاتفرق بين اهل الجنة والنار ولا يصير بها الرجل مؤمنا كما قال تعالى وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون فإن المشركين كانوا يقرون ان الله خالقهم ورازقهم وهم يعبدون غيره قال تعالى { ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله } وقال تعالى { قل لمن الارض ومن فيها ان كنتم تعلمون سيقولن لله قل افلا تذكرون الى قوله قل فأنى تسحرون } .(1/282)
وكثير ممن يتكلم فى الحقيقة ويشهدها يشهد هذه الحقيقة وهى الحقيقة الكونية التى يشترك فيها وفى شهودها ومعرفتها المؤمن والكافر والبر والفاجر وابليس معترف بهذه الحقيقة واهل النار قال ابليس رب ( فانظرنى الى يوم يبعثون ) وقال ( رب بما اغويتنى لا زينن لهم فى الارض ولا غوينهم اجمعين ) وقال { فبعزتك لا غوينهم اجمعين } وقال { أرأيتك هذا الذى كرمت على } وامثال هذا من الخطاب الذى يقر فيه بان الله ربه وخالقه وخالق غيره وكذلك اهل النار قالوا { ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين } وقال تعالى { ولو ترى اذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا } .
فمن وقف عند هذه الحقيقة وعند شهودها ولم يقم بما امر به من الحقيقة الدينية التى هى عبادته المتعلقة بالهيته وطاعة امره وامر رسوله كان من جنس ابليس واهل النار وان ظن مع ذلك انه خواص اولياء الله واهل المعرفة والتحقيق الذين يسقط عنهم الأمر والنهى الشرعيان كان من اشر اهل الكفر والالحاد.
ومن ظن ان الخضر وغيره سقط عنهم الامر لمشاهدة الارادة ونحو ذلك كان قوله هذا من شر اقوال الكافرين بالله ورسوله حتى يدخل فى النوع الثانى من معنى العبد وهو العبد العابد فيكون عابدا لله لا يعبد الا اياه فيطيع امره وأمر رسله ويوالى أولياءه المؤمنين المتقين ويعادى اعداءه وهذا العبادة متعلقة بالهيته ولهذا كان عنوان التوحيد لا اله الا الله بخلاف من يقر بوبوبيته ولا يعبده او يعبد معه الها آخر فالاله الذى يألهه القلب بكمال الحب والتعظيم والاجلال والاكرام والخوف والرجاء ونحو ذلك وهذه العبادة هي التى يحبها الله ويرضاها بها وصف المصطفين من عباده وبها بعث رسله.(1/283)
وأما العبد بمعنى المعبد سواء اقر بذلك او أنكره فتلك يشترك فيها المؤمن والكافر وبالفرق بين هذين النوعين يعرف الفرق بين المقائق الدينية الداخلة فى عبادة الله ودينه وامره الشرعىالتى يحبها ويرضاها ويوالى اهلها ويكرمهم بجنته وبين الحقائق الكونية التى يشترك فيها المؤمن والكافر والبر والفاجر التى من اكتفى بها ولم يتبع الحقائق الدينية كان من أتباع ابليس اللعين والكافرين برب العالمين ومن اكتفى بها فى بعض الأمور دون بعض أو فى مقام او حال نقص من إيمانه وولايته لله بحسب ما نقص من الحقائق الدينية.
وهذا مقام عظيم فيه غلط الغالطون وكره فيه الاشتباه على السالكين حتى زلق فيه من اكابر الشيوخ المدعين التحقيق والتوحيد والعرفان مالا يحصيهم الا الله الذى يعلم السر والاعلان والى هذا اشار الشيخ عبد القادر رحمه الله فيما ذكر عنه فبين ان كثيرا من الرجال إذا وصلوا الى إلى القضاء والقدر أمسكوا الا انا فإنى انفتحت لى فيه روزنة فنازعت اقدار الحق بالحق للحق والرجل من يكون منازعا للقدر لا من يكون موافقا للقدر.(1/284)
والذى ذكره الشيخ رحمه الله هو الذى امر الله به ورسوله لكن كثير من الرجال غلطوا فإنهم قد يشهدون ما يقدر على احدهم من المعاصى والذنوب أو ما يقدر على الناس من ذلك بل من الكفر ويشهدون ان هذا جار بمشيئة الله وقضائه وقدرة داخل فى حكم ربوبيته ومقتضى مشيئته فيظنون الاستسلام لذلك وموافقته والرضا به ونحو ذلك دينا وطريقا وعبادة فيضاهون المشركين الذين قالوا { لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء } وقالوا { انطعم من لويشاء الله اطعمه } وقالوا { لو شاء الرحمن ما عبدناهم } ولو هدوا لعلموا أن القدر أمرنا ان نرضى به ونصبر على موجبه فى المصائب التى تصيبنا كالفقر والمرض والخوف قال تعالى ما اصاب من مصيبة الا باذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه قال بعض السلف هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم انها من عند الله فيرضى ويسلم وقال تعالى { ما اصاب من مصيبة فى الارض ولا فى انفسكم الا فى كتاب من قبل ان نبرأها ان ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا علىما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم } . وفى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : احتج آدم وموسى فقال انمت آدم الذى خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته وعلمك اسماء كل شئ فلماذا أخرجتنا ونفسك مكن الجنة فقال أدم أنت موسى الذى اصطفاك الله برسالته وبكلامه فهل وجدت ذلك مكتوبا على قبل ان أخلق قال نعم قال فحج آدم موسى . وأدم عليه السلام لم يحتج على موسى بالقدر ظنا أن المذنب يحتج بالقدر قان هذا لايقوله مسلم ولا عاقل ولو كان هذا عذرا لكان عذرا لابليس وقوم هود وكل كافر ولا موسى لام آدم أيضا لأجل الذنب فان آدم قد تاب إلى ربه فاجتباه وهدى ولكن لامه لأجله المصيبة التى لحقتهم بالخطيئة ولهذا قال فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة فأجابه آدم أن أن هذا كان مكتوبا قبل أن أخلق فكان العمل والمصيبةالمترتبة عليه مقدار وما قدر من المصائب يجب لاستسلام له فإنه من تمام(1/285)
الرضا بالله ربا.
واما الذنوب فليس للعبد ان يذنب واذا اذنب فعليه ان يستغفر وفيتوب من المعائب ويصبر على المصائب قال تعالى ( فاصبر ان وعد الله حق واستغفر لذنبك ) وقال تعالى { وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا } وقال { وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الامور } وقال يوسف { انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين }
وكذلك ذنوب العباد يجب على العبد فيها ان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بحسب قدرته ويجاهد فى سبيل الله الكفار والمنافقين ويوالي اولياء الله ويعادي اعداء الله ويحب فى الله ويبغض فى الله كما قال تعالى { يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون اليهم بالمودة } الى قوله { قد كانت لكم اسوة حسنة فى ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء ابدا حتى تؤمنوا بالله وحده } وقال تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } الى قوله { اولئك كتب فى قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه } وقال تعالى { افنجعل المسلمين كالمجرمين } وقال { ام نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض ام نجعل المتقين كالفجار } وقال تعالى { ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } وقال تعالى { وما يستوى الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوى الأحياء ولا الاموات وقال تعالى ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا } وقال تعالى { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء الى قوله بل اكثرهم لا يعلمون وضرب الله مثلا رجلين احدهما ابكم لا يقدر على شيء } الى قوله { وهو على صراط مستقيم } وقال تعالى { لا يستوى اصحاب النار واصحاب الجنة اصحاب الجنة هم الفائزون } ونظائر(1/286)
ذلك مما يفرق الله فيه بين اهل الحق والباطل واهل الطاعة واهل المعصية واهل البر واهل الفجور واهل الهدى والضلال واهل الغي والرشاد واهل الصدق والكذب.
فمن شهد الحقيقة الكونية دون الدينية سوى بين هذه الأجناس المختلفة التى فرق الله بينها غاية التفريق حتى يؤل به الأمر الى ان يسوى الله بالاصنام كما قال تعالى عنهم الله { ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين } بل قد آل الامر بهؤلاء الى ان سووا الله بكل موجود وجعلوا ما يستحقه من العبادة والطاعة حقا لكل موجود اذ جعلوه هو وجود المخلوقات وهذا من اعظم الكفر والالحاد برب العباد.
وهؤلاء يصل بهم الكفر الى انهم لا يشهدون انهم عباد لا بمعنى انهم معبدون ولا بمعنى انهم عابدون اذ يشهدون انفسهم هي الحق كما صرح بذلك طواغيتهم كابن عربي صاحب الفصوص وامثاله من الملحدين المفترين كابن سبعين وامثاله ويشهدون انهم هم العابدون والمعبودون وهذا ليس بشهود لحقيقة لا كونية ولا دينية بل هو ضلال وعمى عن شهود الحقيقة الكونية حيث جعلوا وجود الخالق هو وجود المخلوق وجعلوا كل وصف مذموم وممدوح نعتا للخالق والمخلوق اذ وجود هذا هو وجود هذا عندهم واما المؤمنون بالله ورسوله عوامهم وخواصهم الذين هم اهل الكتاب كما قال النبى صلى الله عليه وسلم ان لله اهلين من الناس قيل من هم يا رسول الله قال [اهل القرآن هم اهل الله وخاصته] فهؤلاء يعلمون ان الله رب كل شيء ومليكه وخالقه وان الخالق سبحانه مباين للمخلوق ليس هو حالا فيه ولا متحدا به ولا وجوده وجوده.(1/287)
و النصاري كفرهم بأن قالوا بالحلول والاتحاد بالمسيح خاصة فكيف من جعل ذلك عاما فى كل مخلوق ويعلمون مع ذلك ان الله امر بطاعته وطاعة رسوله ونهى عن معصيته ومعصية رسوله وانه لا يحب الفساد ولا يرضي لعباده الكفر وان على الخلق ان يعبدوه فيطيعوا امره ويستعينوا به على ذلك كما قال { إياك نعبد واياك نستعين } ومن عبادته وطاعته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب الامكان والجهاد فى سبيله لاهل الكفر والنفاق فيجتهدون فى اقامة دينه مستعينين به دافعين مزيلين بذلك ما قدر من السيئات دافعين بذلك ما قد يخاف من ذلك كما يزيل الانسان الجوع الحاضر بالاكل ويدفع به الجوع المستقبل وكذلك اذا آن اوان البرد دفعه باللباس وكذلك كل مطلوب يدفع به مكروه كما قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ارأيت ادوية نتداوى بها ورقى نسترقى بها وتقاة نتقى بها هل ترد من قدر الله شيئا فقال هي من قدر الله وفى الحديث ان الدعاء والبلاء ليلتقيان فيعتلجان بين السماء والارض فهذا حال المؤمنين بالله ورسوله العابدين لله وكل ذلك من العبادة.
وهؤلاء الذين يشهدون الحقيقة الكونية وهي ربوبيته تعالى لكل شيء ويجعلون ذلك مانعا من اتباع امره الدينى الشرعي على مراتب فى الضلال فغلاتهم يجعلون ذلك مطلقا عاما فيحتجون بالقدر فى كل ما يخالفون فيه الشيعة وقول هؤلاء شر من قول اليهود والنصارى وهو من جنس قول المشركين الذين قالوا لو شاء اله ما اشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم.(1/288)
وهؤلاء من اعظم اهل الارض تناقضا بل كل من احتج بالقدر فانه متناقض فانه لا يمكن ان يقر كل آدمى على ما فعل فلا بد اذا ظلمه ظالم او ظلم الناس ظالم وسعى فى الارض بالفساد واخذ يسفك دماء الناس ويستحل الفروج ويهلك الحرث والنسل ونحو ذلك من انواع الضرر التى لا قوام للناس بها ان يدفع هذا القدر وان يعاقب الظالم بما يكف عدوان امثاله يقال له ان كان القدر حجة فدع كل احد يفعل ما يشاء بك وبغيرك وان لم يكن حجة بطل اصل قولك حجة واصحاب هذا القول الذين يحتجون بالحقيقة الكونية لا يطردون هذا القول ولا يلتزمونه وانما هم بحسب آرائهم واهوائهم كما قال فيهم بعض العلماء انت عند الطاعة قدرى وعند المعصية جبرى اى مذهب وافق هواك تمذهبت به.
ومنهم صنف يدعون التحقيق والمعرفة فيزعمون ان الامر والنهى لازم لمن شهد لنفسة فعلآ واثبت لة صنعا اما من شهدا أن افعالة مخلوقة او انة مجبور على ذلك وان الله هو المتصرف فية كما تحرك سائر المتحركات فانة يرتفع عنة الأمر والنهى والوعد والوعيد.
وقد يقولون من شهد الارادة سقط عنة التكليف ويزعم احدهم ان الخضر سقط عنة التكليف لشهودة الارادة فهؤلاء لا يفرق بين العامة والخاصة الذين شهدوا الحقيقة الكونية فشهدوا ان الله خالق أفعال العباد وانة يدبر جميع الكائنات وقد يفرقون بين من يعلم ذلك علما وبين من يراة شهودا فلآ يسقطون التكليف عمن يؤمن بذلك ويعلمة فقط ولكن عمن يشهدة فلآ يرى لنفسة فعلآ أصلآ وهؤلآء لا يجعلون الجبر وإثبات القدر مانعا من التكليف على هذا الوجه.(1/289)
وقد وقع فى هذا طوائف من المنتسبين الى التحقيق والمعرفة والتوحيد وسبب ذلك أنة ضاق نطاقهم عن كون العبد يؤمر بما يقدر علية خلآفة كما ضاق نطاق المعتزلة ونحوهم من القدرية عن ذلك ثم المعتزلة اثبتت الامر والنهى الشرعيين دون القضاء والقدر الذى هو إرادة اللة العامة وحلقة لآفعال العباد وهؤلآء اثبتوا القضاء والقدر ونفوا الأمر والنهى فى حق من سهد القدر إذا لم يمكنهم نفى ذلك مطلقا وقول هؤلآء شر من قولة المعتزلة ولهذا لم يكن فى السلف من هؤلآء احد وهؤلآء يجعلون الامر والنهى للمحجوبين الذين لم يشهدوا هذة الحقيقة الكونية ولهذا يجعلون من وصل الى شهود هذة الحقيقة يسقط عنة الامر والنهى وصار من الخاصة وربما تأولوا على ذلك قولة تعالى واعبد ربك حتى يأتيك اليقين وجعلوا اليقين هو معرفة هذه الحقيقة وقول هؤلاء كفر صريح وان وقع فيه طوائف لم يعلموا انه كفر فانه قد علم بالاضطرار من دين الاسلام ان الأمر والنهي لازم لكل عبد ما دام عقله حاضرا الى ان يموت لا يسقط عنه الامر والنهي لا بشهوده القدر ولا بغير ذلك فمن لم يعرف ذلك عرفه وبين له فإن اصر على اعتقاد سقوط الأمر والنهي فانه يقتل.
وقد كثرت مثل هذه المقالات فى المستأخرين ، واما المستقدمون من هذه الأمة فلم تكن هذه المقالات معروفة فيهم.
وهذه المقالات هي محادة لله ورسوله ومعاداة له وصد عن سبيله ومشاقة له وتكذيب لرسله ومضادة له في حكمه وان كان من يقول هذه المقالات قد يجهل ذلك ويعتقد ان هذا الذي هو عليه هو طريق الرسول وطريق اولياء الله المحققين فهو فى ذلك بمنزلة من يعتقد ان الصلاة لا تجب عليه لاستغنائه عنها بما حصل له من الأحوال القلبية او ان الخمر حلال له لكونه من الخواص الذين لا يضرهم شرب الخمر او ان الفاحشة حلال له لأنه صار كالبحر لا تكدره الذنوب ونحو ذلك.(1/290)
ولا ريب ان المشركين الذين كذبوا الرسل يترددون بين البدعة المخالفة لشرع الله وبين الاحتجاج بالقدر على مخالفة امر الله فهؤلاء الأصناف فيهم شبه من المشركين اما ان يبتدعوا واما ان يحتجوا بالقدر واما ان يجمعوا بين الأمرين كما قال تعالى عن المشركين واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله امرنا بها قل ان الله لا يأمر بالفحشاء اتقولون على الله ما لا تعلمون وكما قال تعالى عنهم { وقال الذين اشركوا لو شاء الله ما اشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء } .
وقد ذكر عن المشركين ما ابتدعوه من الدين الذي فيه تحليل الحرام والعبادة التى لم يشرعها الله بمثل قوله تعالى { وقالوا هذه انعام وحرث حجر لا يطعمها الا من نشاء بزعمهم وانعام حرمت ظهورها وانعام لا يذكرون اسم الله عليها } افتراء عليه الى آخر السورة وكذلك فى سورة الاعراف فى قوله { يا بنى آدم لا يفتتنكم الشيطان كما اخرج ابويكم من الجنة ) الى قوله ( واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله امرنا بها قل ان الله لا يأمر بالفحشاء } الى قوله { قل امر ربى بالقسط واقيموا وجوهكم عند كل مسجد } الى قوله { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين قل من حرم زينة الله التى اخرج لعبادة والطيبات من الرزق } الى قوله { قل انما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغى بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون } .(1/291)
وهؤلاء قد يسمون ما احدثوه من البدع حقيقة كما يسمون ما يشهدون من القدر حقيقة وطريق الحقيقة عندهم هو السلوك الذي لا يتقيد صاحبه بامر الشارع ونهيه ولكن بما يراه ويذوقه ويجده ونحو ذلك وهؤلاء لا يحتجون بالقدر مطلقا بل عمدتهم اتباع آرائهم واهوائهم وجعلهم لما يرونه ويهوونه حقيقة وامرهم باتباعها دون اتباع امر الله ورسوله نظير بدع اهل الكلام من الجهمية وغيرهم الذين يجعلون ما ابتدعوه من الاقوال المخالفة للكتاب والسنة حقائق عقلية يجب اعتقادها دون ما دلت عليه السمعيات ثم الكتاب والسنة اما ان يحرفوه عن مواضعه واما ان يعرضوا عنه بالكلية فلا يتدبرونه ولا يعقلونه بل يقولون نفوض معناه الى الله مع اعتقادهم نقيض مدلوله واذا حقق على هؤلاء ما يزعمونه من العقليات المخالفة للكتاب والسنة وجدت جهليات واعتقادات فاسدة.
وكذلك اولئك اذا حقق عليهم ما يزعمونه من حقائق اولياء الله المخالفة للكتاب والسنة وجدت من الاهواءالتى يتبعها اعداء الله لا اولياؤه.
واصل ضلال من ضل هو بتقديم قياسه على النص المنزل من عند الله واختياره الهوى على اتباع امر الله فإن الذوق والوجد ونحو ذلك هو بحسب ما يحبه العبد فكل محب له ذوق ووجد بحسب محبته فأهل الايمان لهم من الذوق والوجد مثل ما بينه النبى صلى الله عليه وسلم بقوله فى الحديث الصحيح ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان من كان الله ورسوله (4) اليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه الا الله ومن كان يكره ان يرجع فى الكفر بعد اذا انقذه الله منه كما يكره ان يلقى فى النار وقال صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح ذاق طعم الايمان من رضى باله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا.(1/292)
وأما أهل الكفر والبدع والشهوات فكل بحسبه قيل لسفيان بن عيينة ما بال أهل الأهواء لهم محبة شديدة لأهوائهم فقال أنسيت قوله تعالى واشربوا فى قلوبهم العجل بكفرهم أو نحو هذا من الكلام فعباد الاصنام يحبون آلهتهم كما قال تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله وقال فان لم يستجيبوا لك فاعلم انما يتبعون أهواءهم ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله وقال أن يتبعون الا الظن وما تهوى الانفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ولهذا يميل هؤلاء الى سماع الشعر والأصوات التى تهيج المحبة المطلقة التى لا تختص بأهل الايمان بل يشترك فيها محب الرحمن ومحب الاوثان ومحب الصلبان ومحب الاوطان ومحب الاخوان ومحب المردان ومحب النسوان وهؤلاء الذين يتبعون أذواقهم ومواجيدهم من غير اعتبار لذلك بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة.
فالمخالف لما بعث به رسوله من عبادته وطاعته وطاعة رسوله لا يكون متبعا لدين شرعه الله كما قال تعالى ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون أنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا الى قوله والله ولى المتقين بل يكون متبعا لهواه بغير هدى من الله قال تعالى { ام لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } وهم فى ذلك تارة يكونون على بدعة يسمونها حقيقة يقدمونها على ما شرعه الله وتارة يحتجون بالقدر الكونى على الشريعة كما أخبر الله به عن المشركين كما تقدم.(1/293)
ومن هؤلاء طائفة هم اعلاهم قدرا وهم مستمسكون بالدين فى اداء الفرائض المشهوره واجتناب المحرمات المشهوره لكن يغلطون فى ترك ما امروا به من الاسباب التى هي عبادة ظانين ان العارف اذا شهد القدر اعرض عن ذلك مثل من يجعل التوكل منهم او الدعاء ونحو ذلك من مقامات العامة دون الخاصة بناء على ان من شهد القدر علم ان ما قدر سيكون فلا حاجة الى ذلك وهذا غلط عظيم فان الله قدر الاشياء باسبابها كما قدر السعادة والشقاوة باسبابها كما قال النبى صلى الله عله وسلم ان الله خلق للجنة اهلا خلقها لهم وهم فى اصلاب آبائهم وبعمل اهل الجنة يعملون وكما قال النبى صلى الله عليه وسلم لما أخبرهم بان الله كتب المقادير فقالوا يا رسول الله افلا ندع العمل ونتكل على الكتاب فقال : لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له اما من كان من اهل السعادة فسييسر لعمل اهل السعادة واما من كان من اهل الشقاوة فسييسر لعمل اهل الشقاوة فما امر الله به عباده من الأسباب فهو عبادة والتوكل مقرون بالعبادة كما فى قوله تعالى فاعبده وتوكل عليه وفى قوله قل هو ربي لا اله الا هو عليه توكلت واليه متاب وقول شعيب عليه السلام عليه توكلت وإليه انيب.
ومنهم طائفة قد تترك المستحبات من الاعمال دون الواجبات فتنقص بقدر ذلك.
ومنهم طائفة يغترون بما يحصل لهم من خرق عادة مثل مكاشفة او استجابة دعوة مخالفة للعادة العامة ونحو ذلك فيشتغل احدهم عما امر به من العبادة والشكر ونحو ذلك.
فهذه الأمور ونحوها كثيرا ما تعرض لاهل السلوك والتوجه وانما ينجو العبد منها بملازمة امر الله الذي بعث به رسوله في كل وقت كما قال الزهري كان من مضى من سلفنا يقولون الاعتصام بالسنة نجاة وذلك ان السنة كما قال مالك رحمه الله مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق والعبادة والطاعة.
والاستقامة ولزوم الصراط المستقيم ونحو ذلك الاسماء مقصودها واحد ولها اصلان:
احدهما : الا يعبد الا الله.(1/294)
والثاني : ان يعبد بما امر وشرع لا بغير ذلك من البدع قال تعالى { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } وقال تعالى { بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } وقال تعالى { ومن احسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة ابراهيم حنيفا واتخذ الله ابراهيم خليلا } فالعمل الصالح هو الاحسان وهو فعل الحسنات والحسنات هي ما احبه الله ورسوله وهو ما امر به امر ايجاب او استحباب فما كان من البدع في الدين التى ليست مشروعة فان الله لايحبها ولا رسوله فلا تكون من الحسنات ولا من العمل الصالح كما ان يعمل مالا يجوز كالفواحش والظلم ليس من الحسنات ولا من العمل الصالح.
واما قوله { ولا يشرك بعبادة ربه احدا } وقوله { اسلم وجهه لله فهو اخلاص الدين لله } وحده وكان عمر بن الخطاب يقول اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لاحد فيه شيئا .
وقال الفضيل بن عياض فى قوله { ليبلوكم أيكم احسن عملا } قال اخلصه واصوبه قالوا يا ابا علي ما اخلصه واصوبه قال ان العمل اذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل واذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص ان يكون لله والصواب ان يكون على السنة.(1/295)
فإن قيل فإذا كان جميع ما يحبه الله داخلا فى اسم العبادة لماذا عطف عليها غيرها كقوله اياك نعبد واياك نستعين وقوله فاعبده وتوكل عليه وقول نوح { اعبدوا الله واتقوه واطيعون } وكذلك قول غيره من الرسل قيل هذا له نظائر كما فى قوله { ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } والفحشاء من المنكر وكذلك قوله { ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي } وايتاء ذي القربى هو من العدل والاحسان كما ان الفحشاء والبغي من المنكر وكذلك قوله { والذين يمسكون بالكتاب واقاموا الصلاة } واقامة الصلاة من اعظم التمسك بالكتاب وكذلك قوله { انهم كانوا يسارعون فى الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا } ودعاؤهم رغبا ورهبا من الخيرات وامثال ذلك فى القرآن كثير .
وهذا الباب يكون تارة مع كون احدهما بعض الاخر فيعطف عليه تخصيصا له بالذكر لكونه مطلوبا بالمعنى العام والمعنى الخاص وتارة تكون دلالة الاسم تتنوع بحال الانفراد والاقتران فاذا افرد عم واذا قرن بغيره خص كاسم الفقير والمسكين لما افرد احدهما في مثل قوله { للفقراء الذين احصروا فى سبيل الله } وقوله { او طعام عشرة مساكين } دخل فيه الاخر ولما قرن بينهما فى قوله انما الصدقات للفقراء والمساكين صارا نوعين.
وقد قيل ان الخاص المعطوف على العام لا يدخل فى العام حال اقتران بل يكون من هذا الباب والتحقيق ان هذا ليس لازما قاال تعالى { من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال } وقال تعالى { واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم } .(1/296)
وذكر الخاص مع العام يكون لأسباب متنوعة تارة لكونه له خاصية ليست لسائر أفراد العام كما في نوح وابراهيم وموسى وعيسى وتارة لكون العام فيه اطلاق قد لا يفهم منه العموم كما فى قوله { هدى للمتقين } { والذين يؤمنون الغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك } فقوله يؤمنون بالغيب يتناول الغيب الذي يجب الايمان به لكن فيه اجمال فليس فيه دلالة على ان من الغيب ما انزل اليك وما انزل من قبلك وقد يكون المقصود انهم يؤمنون بالمخبر به وهو الغيب وبالاخبار بالغيب وهو ما انزل إليك وما انزل من قبلك ومن هذا الباب قوله تعالى { اتل ما اوحى اليك من الكتاب واقم الصلاة وقوله والذين يمسكون بالكتاب واقاموا الصلاة } و تلاوة الكتاب هي اتباعه كما قال ابن مسعود فى قوله تعالى { الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته } قال يحللون حلاله ويحرمون حرامه ويؤمنون بمتشابهة ويعملون بمحكمه فاتباع الكتاب يتناول الصلاة وغيرها لكن خصها بالذكر لمزيتها وكذلك قوله لموسى { اننى انا الله لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلاة لذكرى } واقامة الصلاة لذكره من اجل عبادته وكذلك قوله تعالى { اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة } وقوله { اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } فإن هذه الامور هي ايضا من تمام تقوى الله وكذلك قوله { فاعبده وتوكل عليه } فان التوكل والاستعانة هي من عبادة الله لكن خصت بالذكر ليقصدها المتعبد بخصوصها فانها هى العون على سائر انواع العبادة اذ هو سبحانه لا يعبد الا بمعونته اذا تبين هذا فكمال المخلوق فى تحقيق عبوديته لله وكلما ازداد العبد تحقيقا للعبودية ازداد كماله وعلت درجته ومن توهم ان المخلوق يخرج من العبودية بوجه من الوجوه او ان الخروج عنها اكمل فهو من اجهل الخلق واضلهم قال تعالى { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عياد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون } الى قوله { وهم من(1/297)
خشيته مشفقون } وقال تعالى { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا ادا } الى قوله { ان كل من فى السموات والأرض الا آتى الرحمن عبدا لقد احصاهم وعدهم عدا وكلهم آتية يوم القيامة فردا } وقال تعالى فى المسيح { ان هو الا عبد انعمنا عليه وجعلناه مثلا لبنى اسرائيل } وقال تعالى { وله من فى السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون } وقال تعالى { لن يستنكف المسيح ان يكون عبدا لله والملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعا } الى قوله { ولا يجدون لهم دون وليا ولا نصيرا } وقال تعالى { وقال ربكم ادعونى استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين } وقال تعالى { ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذى خلقهن ان كنتم اياه تعبدون فان استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون } وقال تعالى { واذكر ربك فى نفس تضرعا وخيفة } الى قوله { ان الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحون وله يسجدون } .
وهذا ونحوه مما فيه وصف اكابر المخلوقات بالعبادة وذم من خرج عن ذلك متعدد فى القرآن وقد اخبر انه ارسل جميع الرسل بذلك فقال تعالى { وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون } وقال { ولقد بعثنا فى كل امة رسولا ان اعبدواواجتنبوا الطاغوت } وقال تعالى لبنى اسرائيل { يا عبادى الذين آمنوا ان ارضي واسعة فاياى فاعبدون واياي فاتقون } وقال { يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } وقال { وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون } وقال تعالى { قل انى امرت ان اعبد الله مخلصا له الدين وامرت لأن اكون اول المسلمين قل انى اخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم قل الله اعبد مخلصا له دينى فاعبدوا ما شئتم من دونه } .(1/298)
وكل رسول من الرسل افتتح دعوته بالدعاء الى عبادة الله كقول نوح ومن بعده عليم السلام اعبدوا الله ما لكم من اله غيره وفى المسند عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقى تحت ظل رمحى وجعل الذلة والصغار على من خالف امرى.
وقد بين ان عباده هم الذين ينجون من السيئات قال الشيطان { فبما اغويتنى لازينن لهم فى الأرض ولاغوينهم اجمعين الاعبادك منهم المخلصين } قال تعالى { ان عبادى ليس عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين } وقال { فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين } وقال فى حق يوسف { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين } وقال { سبحان الله عما يصفون الا عباد الله المخلصين } وقال { انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون انما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون } وبها نعت كل من اصطفى من خلقه كقوله { واذكر عبادنا ابراهيم واسحق ويعقوب اولي الايدى والأبصار انا اخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وانهم عندنا لمن المصطفين الاخيار } وقوله { واذكر عبدنا داود ذا الايد انه أواب } وقال عن سليمان { نعم العبد انه أواب } وعن أيوب { نعم العبد } وقال { واذكر عبدنا ايوب اذ نادى ربه } وقال عن نوح عليه السلام { ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبدا شكورا } وقال { سبحان الذى اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى } وقال { وانه لما قام عبد الله يدعوه } وقال { وان كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا } وقال { فأوحى الى عبده ما أوحى } وقال { عينا يشرب بها عباد الله } وقال { وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا } ومثل هذا كثير متعدد فى القرآن.
وبعد أن هدأت النفس واطمأنت ولانت واستكانت .
نعرض عليكم طرحنا وقضيتنا التى تحدث فيها الكثيرين وأوسعوها مقالاً ولكن ما زآل حالها كأغلب القضايا التى أثرناها(1/299)
غلب فيها الهوى على الحق وبكل الأسف عند من أمتلكوا وسادوا إلا من رحم الله تعالى .
حديثنا الآن عن الختان . وهل هو من أوامر الرحمن ؟
وبالفرض أنه ليس فيه قولاُ فصل وهذا والله هزل إنه فيه البيان الأوفى ممن أخذنا عنهم جُل فهمهم لشريعة الإسلام , من أفضل من فهموا عن خير الأنام .
أبعد قول أئمة الأجتهاد فى خير القرون والذى يليه أتلقف الفتوى الآن من مداوي ما عرف لولآ أن الله هداه .
قل للطبيب تخطفته يدُ الردى
يا ( مداوي) الأمراض من أرداكا
قل للصحيح نجا وعوفي بعدما
عجزت فنون الطب من عافاك
ليس أنتقاصاً فى حق الأطباء ورب الكعبة ولكنهم سيقرونى بأذن الله تعالى فيما سأورده .
إذ أن هناك أمر هام لآبد أن يراعى عندما يحتدم الأمر بين الفقهاء وعلماء الشريعة . هو نفسه عندما يتعارض النقل مع العقل فالفرق ليس شاسع واللبيب يفهم .
وهو أنا لو سألنا الأطباء من منكما أجدر على فهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم أم الفقهاء ؟ وأعنى بالفقهاء أهل الفهم فى العلوم الربانية .
من يفهم أخوتى منهما ؟
أيفهم من تغرب بعلمه بجميع المصطلحات الآتينية . أكثر ممن تعايش سويعات عمره مع جوامع كلآم خير البرية ؟
أيفهم من كان علمه مبني على البحث والتجربة ؟ أكثر ممكن تلقى علمه عمن يأتيه خبر السماء ؟
طب الأنبياء يا سادة مبني على الوحي وطب الطبيب مبنى على البحث والتجربة فى الحيوان ( الفأر والأرنب والقرد ) ثم فى المساجين ( المعتقلين والمحكوم عليهم بالأعدام ) ثم لو قدر الله فيه الشفاء أعلنه للناس . من تريدون الزج به فى الموضوع ليس عنده الشفاء . بل ينتظر أن يتنزل الأمر من رب السماء,
شتان والله أن يتساوى فى هذه المسألة الشرعية رأى الفقيه بالطبيب . واسألوا إن شئتم فقيهاً طبيباً .
ولا أعنى بذلك قدحاً فى دين الأطباء معاذ الله ولكن من كيس من تخرج الفتوى والإجابة ؟(1/300)
لم يختلف فقهاء المذاهب الثمانية الذين رجعت إلى كتبهم فى مشروعية الختان للأنثى ، والدليل على ذلك أن فقهاء المذاهب الأربعة المشهورة الذين رجعت إلى كتبهم (1) اختلفوا فى وجوبه وسنيته ، ولم أجد واحداً منهم قال بحرمته أو بكراهته .
وتكلم فقهاء النحل الإمامية ، والزيدية، والإباضية الذين رجعت إلى كتبهم عن تضمين الخاتن ولم يتعرضوا لحكمه (2) وهذا يفهم منه أنه مشروع عندهم ، وتكلم ابن حزم الظاهرى عن تضمين الأجير (3) بعد أن تكلم عن استئجار الطبيب (4) .
بل نص ابن قدامة على مشروعيته حيث قال : " ويشرع فى حق النساء أيضاً ، قال أبو عبد الله : حديث النبى - صلى الله عليه وسلم - : "إذا التقى الختانان وجب الغسل " (5) فيه بيان أن النساء كن يختتن (6) .
ونص الشيخ جاد الحق على جاد الحق على أنه مشروع عند الفقهاء حيث قال بعد أن ذكر أقوال العلماء فى حكمه : " وخلاصة هذه الأقوال أن الختان فى حق الرجال والخفاض فى حق الإناث مشروع "(7) .
__________
(1) وهم الحصكفى فى الدر المختار ج7 ص342 ، تكملة رد المحتار على الدر المختار ج7 ص342 ، والخرشى فى شرحه على مختصر خليل ج3 ص412 ، والعدوى فى حاشيته على الخرشى ج3 ص412 ، والشيرازى فى المهذب ج1 ص14 ، والنووى فى المجموع ج3 ص148 ، ومنصور بن يوسف البهوتى فى الروض المربع ج1 ص19 ، وابن قدامة فى المغنى ج1 ص85 : 86 ، فى منار السبيل ج1 ص30 .
(2) وهم محمد حسن النجفى فى جواهر الكلام شرح شرائع الإسلام ج43 ص34 - 36 ، ج43 ص71 ، وابن المرتضى فى البحر الزخار ج5 ص57 - 58 ، ومحمد يوسف أطفيش فى شرح النيل وشفاء العليل ج6 ص388 .
(3) المحلى ج7 ص28 - 29 .
(4) المحلى ج7 ص22 .
(5) سبق تخريجه ص8 من هذا البحث .
(6) المغنى ج1 ص86 .
(7) الختان ص11 .(1/301)
وكذلك نص الدكتور على الشريف على أن الفقهاء ذهبوا إلى مشروعيته حيث قال : " وكما ثبتت مشروعية ختان الإناث بالكتاب والسنة على نحو ما بينا وفصلنا من قبل ، فإنه كذلك ثابت ومشروع عند الفقهاء ، فقد اتفقوا على مشروعيته وإن كانوا قد اختلفوا فى حكمه من حيث الوجوب والندب " (1) ثم ذكر اختلاف العلماء فيه .
وقد استدل الشيخ أبو الأشبال الزهيرى (2) على مشروعية ختان البنات والبنين بأدلة من القرآن والسنة وأقوال السلف الصالح ، وسوف أذكرها ملخصة مع التقديم والتأخير فى بعض الفقرات ،
فمن القرآن الكريم قوله تعالى : { وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (3)
قال الشيخ أبو الأشبال الزهيرى : " والكتاب وهو القرآن قد جاءنا بالقواعد الكلية فمثلاً لو علمنا أن الختان فيه الخير كل الخير للذكور والإناث ، وأنه يضبط الشهوات عندهما لعلمنا أن ذلك يندرج تحت قوله تعالى : { وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (4) .
ومنه قوله تعالى : { مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله } (5) ، وقوله تعالى : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (6) ، وقوله تعالى : { وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا } (7) ، وأمرنا الله بالامتثال له أمراً ونهياً حيث قال : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } (8) .
__________
(1) الختان وهو مقال فى مجلة التوحيد ، السنة الثالثة والعشرون ، العدد الثامن ، ص47 .
(2) انظر كتاب القول المبين فى إثبات مشروعية الختان للبنات والبنين والرد على من أنكر ذلك من ص30 - 59 .
(3) سورة الحج الآية 77 .
(4) سورة الحج الآية 77 .
(5) سورة النساء الآية 80 .
(6) سورة النور الآية 63 .
(7) سورة الأحزاب الآية 36 .
(8) سورة الحشر الآية 7 .(1/302)
ومن السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - : "خمس من الفطرة: الاستحداد - أى استخدام الحديدة والموس فى حلق العانة- والختان، وقص الشارب ، ونتف الإبط ، وتقليم الأظافر " (1)
__________
(1) فتح البارى ج10ص347 اللباس (63) باب قص الشارب حديث رقم (5889) بسنده عن أبى هريرة " الفطرة خمس - أو خمس من الفطرة : الختان ، والاستحداد، ونتف الإبط ، وتقليم الأظفار ، وقص الشارب " .
وفى فتح البارى ج10ص361 اللباس (64) باب تقليم الأظفار حديث رقم (5891) بسنده عن أبى هريرة " الفطرة خمس . . . " نحوه بدون شك .
وفتح البارى ج11 ص90 الاستئذان (51) باب الختان بعد الكبر ، ونتف الإبط حديث رقم (6297) بسنده عن أبى هريرة به بدون شك .
شرح النووى لمسلم ج3 ص146 الطهارة باب خصال الفطرة بسنده عن أبى هريرة به برواية الشك ورواية بدون شك ولكن بدل الختان الاختتان .
وأبو داود ج1ص14- 15 الطهارة (29) باب السواك من الفطرة حديث رقم (54) بسنده عن سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر قال موسى : عن أبيه ، وقال داود : عن عمار بن ياسر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن من الفطرة المضمضة والاستنشاق " فذكر نحوه ( أى نحو حديث رقم 53 بنفس الكتاب ) ولم يذكر إعفاء اللحية ، وزاد " والختان " قال " والانتضاح " ولم يذكر انتفاض الماء يعنى الاستنجاء . قال أبو داود : وروى نحوه عن ابن عباس وقال : خمس كلها فى الرأس وذكر ص15 فيها الفرق ، ولم يذكر إعفاء اللحية . قال أبو داود : وروى نحو حديث حماد عن طلحة بن حبيب ومجاهد وعن بكر ( بن عبد الله ) المزنى قولهم ولم يذكروا إعفاء اللحية ، وفى حديث محمد بن عبد الله ابن أبى مريم ، عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - فيه " وإعفاء اللحية " وعن إبراهيم النخعى نحوه ، وذكر إعفاء اللحية والختان .
وأبو داود ج4 ص84 الترجل (16) باب فى أخذ الشارب حديث رقم (4198) بسنده عن أبى هريرة " الفطرة خمس أو خمس من الفطرة : الختان ، والاستحداد ، ونتف الإبط ، وتقليم الأظفار ، وقص الشارب " وسكت عنه .
ولم أجده فى الأدب .
والنسائى ج1 ص13 : 14 الطهارة (9) باب ذكر الفطرة بسنده عن أبى هريرة به بدون شك وفيه " الاختتان " بدل " الختان " ، ج1 ص14 الطهارة (10) تقليم الأظفار بسنده عن أبى هريرة به بدون شك . ، ج1 ص15 الطهارة (11) باب نتف الإبط بسنده عن أبى هريرة به بدون شك .
=والنسائى ج8 ص128 الزينة (1) من السنن الفطرة بسنده عن طلق بن حبيب بلفظ عشرة من السنة وذكر منها الختان ، ج8 ص128 - 129 بسنده عن أبى هريرة " خمس من الفطرة . . . " وذكر منها الختان ، لكن فيه " ونتف الضبع " بدلاً من " نتف الإبط " والضبع بفتح الضاد وسط العضد أو ما تحت الإبط كما فى شرح السيوطى ج8 ص129 ، وكما فى حاشية السندى على النسائى ج8 ص129 ، وبه ج8 ص129 بسنده عن أبى هريرة به .
وابن ماجة ج1 ص107 الطهارة (8) باب الفطرة حديث رقم (292) بسنده عن أبى هريرة به مع الشك الذى فى قوله " الفطرة خمس أو خمس من الفطرة " .
ونفس الكتاب والباب حديث رقم (294) بلفظ من الفطرة " المضمضة والاستنشاق... والاختتان .
هو فى الفتح الربانى ج17 ص310 - 311 فى الأدب أبواب سنن الفطرة .
وقال فى بلوغ الأمانى ج17 ص310 " تخريجه م والأربعة " .
وهو فى السنن الكبرى للبيهقى ج1 ص232 كتاب الطهارة باب السنة فى الأخذ من الأظفار والشارب وما ذكر معهما وأن لا وضوء فى شئ من ذلك حديث رقم(686) بسنده عن أبى هريرة يبلغ به النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : الفطرة خمس أو خمس من الفطرة : الختان ، والاستحداد ، ونتف الإبط ، وقص الشارب ، وتقليم الأظفار " رواه البخارى فى =الصحيح عن على بن المدينى ، ورواه مسلم عن أبى بكر بن أبى شيبة وغيرهم عن سفيان بن عيينة .
وهو فى السنن الكبرى للبيهقى ج8 ص560 الأشربة (22) باب السلطان يكره على الاختتان أو الصبى ( فى الهامش لعله الولى ) وسيد المملوك يأمران به وما ورد فى الختان حديث رقم (17556) بسنده عن أبى هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الفطرة خمس : الختان ، والاستحداد ، ونتف الإبط ، وقص الشارب ، وتقليم الأظفار " .
الموطأ ج2 ص333 - 334 كتاب صفة النبى - صلى الله عليه وسلم - (3) باب ما جاء فى السنة فى الفطرة حديث رقم (3) بسنده عن منالك ، عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى ، عن أبيه ، عن أبى هريرة قال خمس من الفطرة : تقليم الأظفار ، وقص الشارب ونتف الإبط ، وحلق العانة ، والاختتان " هكذا بدون ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم .
وفى الهامش ج2 ص333 - 334 : " موقوف لجميع رواة الموطأ قال ابن عبد البر : وهو الصحيح عن مالك ، وهو فى الصحيحين من طريق الزهرى عن سعيد ابن المسيب عن أبى هريرة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - فأخرجه البخارى فى =77 كتاب اللباس ، 63 باب قص الشارب ، ومسلم فى 2- كتاب الطهارة 16 - باب خصال الفطرة حديث رقم (49).(1/303)
.
قال الشيخ أبو الأشبال الزهرى : قال الخطابى نقلاً عن أكثر العلماء : " إن المقصود بالفطرة هى السنة أو الدين . . . إذن تكون هذه الخصال الخمس من السنة ومن الدين ، بل قال بعض أهل العلم : بل هى الخلق والجبلة " (1) .
وقال أيضاً : قال البيضاوى : " الفطرة المذكورة فى الحديث هى السنة ، إنها السنة التى اختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جبلى فطروا عليها - يعنى خلقوا عليها " (2) .
وقال أيضاً قال الحافظ ابن حجر : " المراد بالفطرة فى حديث الباب أن هذه الأشياء الخمسة إذا فعلت اتصف صاحبها وفاعلها بالفطرة التى فطر الله العباد عليها ، وحثهم عليها ، واستحبها لهم ، ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها وأحسنها صورة والتى من بينها الختان " (3) .
ومنها أيضاً قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا التقى الختانان وجب الغسل " (4) .
قال إبراهيم ضويان فى منار السبيل : " وفى قوله - صلى الله عليه وسلم - " إذا التقى الختانان وجب الغسل " دليل على أن النساء كن يختتن " ، وقال أحمد : كان ابن عباس يشدد فى أمره حتى قد روى عنه أنه لا حج له ولا صلاة " (5) .
__________
(1) القول المبين فى إثبات مشروعية الختان للبنات والبنين ، ص37 .
(2) القول المبين فى إثبات مشروعية الختان للبنات والبنين ، ص37 .
(3) القول المبين فى إثبات مشروعية الختان للبنات والبنين ، ص37- 38 وهذا الكلام فى فتح البارى ج10 ص351 - 352 .
(4) سبق تخريجه ص8 من هذا البحث .
(5) منار السبيل ج1 ص30 .(1/304)
وقال الشيخ أبو الأشبال الزهيرى : " والختانان : موضع الختان عند الذكر وعند الأنثى وإلا كان قال : " إذا التقى ختان الرجل مع فرج المرأة فقد وجب الغسل " الختانان دل على مشروعيته عند الرجل وعند المرأة على السواء . . . أما تخصيص الحديث بوجوب الختان للرجل وأنه عادة سيئة قبيحة للنساء هذا تخصيص بغير دليل (1) .
ومنها حديث أم عطية الأنصارية أن امرأة كانت خاتنة بالمدينة قال لها النبى - صلى الله عليه وسلم - عندما قدم المدينة : " إذا خفضت فأشمى ولا تنهكى ، فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج " (2)
__________
(1) القول المبين فى إثبات مشروعية الختان للبنات والبنين ، ص39 .
(2) أبو داود ج4 ص368 - 369 الأدب (178) باب ما جاء فى الختان حديث رقم (5271) بسنده عن عبد الملك بن عمير ، عن أم عطية الأنصارية أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبى - صلى الله عليه وسلم - " لا تنهكى ، فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل " قال أبو داود : روى عن عبيد الله بن عمرو عن ، عبد الملك بمعناه وإسناده ، قال أبو داود : ليس هو بالقوى وقد روى مرسلاً ، قال أبو داود : ومحمد بن حسان مجهول ، وهذا الحديث ضعيف " .
وهو فى بلوغ الأمانى من أسرار الفتح الربانى ج17 ص312 وقال عنه إنه فى ( د ك طب ) .
فى السنن الكبرى للبيهقى ج8 ص561 - 562 الأشربة (22) باب السلطان يكره على الاختتان بسنده عن أم عطية الأنصارية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر خاتنة تختن فقال : إذا ختنت فلا تنهكى ، فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل " وهذا الحديث رقم (17559) وبه نفس الجزء ص562 نفس الكتاب والباب حديث رقم (17560) بسنده عن أم عطية به ، ثم قال : قال أبو داود : محمد بن حسان مجهول ، وهذا الحديث ضعيف .
وبه نفس الجزء والكتاب والباب ص562 رقم (17561) بسنده عن الضحاك بن قيس قال : كان بالمدينة امرأة يقال لها أم عطية تخفض الجوارى فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم = " يا أم عطية أخفضى ولا تنهكى ، فإنه أسرى للوجه ، وأحظى عند الزواج " قال الغلابى : فقال أبو زكريا وهو يحيى بن معين : الضحاك ابن قيس هذا ليس بالفهرى . وفى الهامش:"الحديث رقم (17561) أخرجه المصنف فى معرفة السنن (5257) ، وبه نفس الكتاب والباب والصفحة رقم (17562) بسنده عن زائدة بن أبى الرقاد عن ثابت عن أنس ، عن النبى - صلى الله عليه وسلم: " إذا خفضت فأشمى ولا تنهكى " ( فى الكتاب بالياء والأصح بالتاء أى لا تنهكى ) فإنه أسرى للمرأة وأحظى عند الزوج " قال أبو أحمد : هذا يرويه عن ثابت زائدة بن أبى الرقاد ولا أعلم يرويه عنه غيره " .
=وقال ابن حجر فى تلخيص الحبير ج4 ص93 كتاب الختان حديث رقم (2) أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال لأم عطية وكانت خافضة : أشمى ولا تنهكى " : " الحاكم فى المستدرك من طريق عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبى أسيد ، عن عبد الملك بن عمير ، عن الضحاك بن قيس : كان بالمدينة امرأة يقال لها أم عطية تخفض الجوارى ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أم عطية اخفضى ولا تنهكى ، فإنه أنضر للوجه ، وأحظى عند الزوج " ، رواه الطبرانى وأبو نعيم فى المعرفة والبيهقى من هذا الوجه عن عبيد الله بن عمرو قال : حدثنى رجل من أهل الكوفة عن عبد الملك بن عمير به ، وقال المفضل العلائى : سألت ابن معين عن هذا الحديث فقال : الضحاك بن قيس هذا ليس بالفهرى . قلت : أورده الحاكم وأبو نعيم فى ترجمة الفهرى ، وقد اختلف فيه على عبد الملك بن عمير فقيل : عنه كذا ، وقيل : عنه ، عن عطية القرظى ، قال : كانت بالمدينة خافضة يقال لها أم عطية فذكره ، رواه أبو نعيم فى المعرفة ، وقيل : عنه ، عن أم عطية رواه أبو داود فى السنن ، وأعله بمحمد بن حسان، فقال : إنه مجهول ضعيف ، وتبعه ابن عدى فى تجهيله والبيهقى ، وخالفهم عبد الغنى بن سعيد فقال : هو محمد بن سعيد المصلوب ، وأورد هذا الحديث من طريقه فى ترجمته من إيضاح الشك ، وله طريقان آخران . رواه ابن عدى من حديث سالم بن عبد الله بن عمر ، ورواه البزار من حديث نافع ، كلاهما عن عبد الله بن عمر رفعه " يا نساء الأنصار اختضبن غمساً ، واخفضن ولا تنهكن فإنه أحظى عند أزواجكن ، وإياكن وكفران النعم " لفظ البزار وفى إسناده مندل ابن على وهو ضعيف ، وفى إسناد ابن عدى : خالد بن عمرو القرشى ، وهو أضعف من =مندل ، ورواه الطبرانى فى الصغير وابن عدى أيضاً عن أبى خليفة ، عن محمد بن سلام الجمحى ، عن زائدة ابن أبى الرقاد ، عن ثابت ، عن أنس نحو حديث أبى داود ، قال ابن عدى : تفرد به زائدة ، عن ثابت .
وقال الطبرانى : تفرد به محمد بن سلام ، وقال ثعلبى : رأيت يحيى بن معين فى جماعة بين يدى محمد بن سلام فسأله عن هذا الحديث ، وقد قال البخارى فى زائدة إنه منكر الحديث ، وقال ابن المنذر : ليس فى الختان خبر يرجع إليه ، ولا سند يتبع" .
وذكر الشيخ محمد ناصر الدين الألبانى فى سلسلة الأحاديث الصحيحة ج2 ص344 - 349 حديث رقم (722) " إذا خفضت فأشمى ولا تنهكى ، فإنه أسرى للوجه وأحظى للزوج " وذكر أنه رواه الدولابى (2 / 122) ، والخطيب فى التاريخ ( 5/327) عن محمد بن سلام الجمحى مولى قدامة بن مظعون ، قال : حدثنا زائدة بن أبى الرقاد ، أو معاذ ، عن ثابت ، عن أنس ، ثم قال الألبانى : " قلت : وهذا إسناد ضعيف ، رجاله ثقات غير زائدة بن أبى الرقاد ، فإنه منكر الحديث كما قال الحافظ =فى التقريب " ثم ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/172) قال : رواه الطبرانى فى الأوسط وإسناده حسن " ثم ذكر أنه فى الأوسط للطبرانى (3/133/2274/ط) من الوجه المذكور ، وقال : " قلت : لكن للحديث طريق أخرى عن أنس أخرجه أبو نعيم فى أخبار أصبهان (1/245) عن إسماعيل بن أبى أمية ، ثنا أبو هلال الراسبى، سمعت الحسن ثنا أنس قال : كانت خاتنة بالمدينة يقال لها أم أيمن ، فقال لها النبى - صلى الله عليه وسلم - . . . " فذكره ، قلت رجاله موثقون غير إسماعيل هذا ، والظاهر أنه الذى فى الميزان واللسان " : إسماعيل بن أمية ، حدث عن أبى الأشهب العطاردى ، تركه الدارقطنى ، وله شاهد من حديث على قال : كانت خافضة بالمدينة فأرسل إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره ، أخرجه الخطيب (ج12 / 291) من طريق عوف بن محمد أبى غسان ، حدثنا أبو تغلب عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن الأنصارى ، حدثنا مسعر ، عن عروة بن مرة ، عن أبى البخترى عنه، ذكره فى ترجمة عوف هذا ، وقال عنه (فى الكتب عن ، والصواب عنه ) ابن مندة : " روى عنه عمرو بن على وبندار " ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وقد وثقه ابن حبان (8/521) وذكر له راوياً ثالثاً ثقة حافظاً ، وروى عنه أبو =حاتم ووثقه انظر تيسير الانتفاع " وأبو تغلب هذا لم أجد له ترجمة وبقية رجاله معروفون ثقات ، من رجال التهذيب لكن أبا البخترى لم يسمع من على شيئاً ، واسمه سعيد بن فيروز وله شاهد آخر عن الضحاك بن قيس قال : كانت أم عطية خافضة فى المدينة ، فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - فذكره . أخرجه ابن عساكر فى تاريخ دمشق (8/206/1) عن أبى أمية الطرطوسى، نا منصور بن صقير ، نا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الملك بن عمير ، عنه ، وقال : " ذكر أبو الطيب أن الضحاك بن قيس هذا آخر غير الفهيرى " قلت : وهو الذى جزم به غير واحد ، وحكاه فى التهذيب عن ابن معين والخطيب ، ص346 ، قال المفضل العلائى فى " أسئلة ابن معين " " وسألته عن حديث عبد الله بن جعفر - هو الرقى - ، عن عبيد الله بن عمرو - هو الرقى - قال : حدثنى رجل من أهل الكوفة عن عبد الملك بن عمير ، عن الضحاك بن قيس قال : قلت فذكره فقال : الضحاك حدثنيه بن قيس ليس بالفهرى ، قلت : رواية ابن جعفر هذه تدل على أنه سقط من إسناد ابن عساكر الرجل الكوفى ، ولعل ذلك من منصور بن صقير ، فإنه ضعيف ، ومن طريقه أخرجه ابن مندة ، كما فى التهذيب ، وتابع عبد الله بن جعفر الرقى على بن معبد الرقى ، عند الطبرانى فى الكبير (8/358/8137) ، وقد جاءت رواية فيها تسمية الرجل الكوفى أخرجها أبو داود (5271) من طريق مروان ، ثنا محمد بن حسان الكوفى ، عن عبد الملك بن عمير ، عن أم عطية الأنصارية أن امرأة كانت تختن فى المدينة فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - =فذكره بنحوه ، وقال : روى عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بمعناه وإسناده. قال أبو داود : " ليس هو بالقوى ، وقد روى مرسلاً ، ومحمد بن حسان مجهول ، وهذا الحديث ضعيف " قلت : وسبب الضعف الجهالة والاضطراب فى إسناده كما ترى ، وقد قال الحافظ عقب رواية ابن صقير عن ابن مندة ، وقد أدخل عبد الله بن جعفر الرقى - وهو أوثق من منصور - بين عبيد الله ، وعبد الملك الرجل الكوفى الذى لم يسمه فيظهر من رواية مروان بن معاوية أنه محمد بن حسان الكوفى ، وهو الذى تفرد به ، وهو مجهول ، ويحصل من هذا أنه اختلف على عبد الملك بن عمير هل رواه عن أم عطية بواسطة أم لا ؟ وهل رواه الضحاك ابن قيس عن النبى وسمعه منه أو أرسله ؟ أو أخذه عن أم عطية أو أرسله عنها ؟ كل ذلك محتمل . وأقول : لكن =مجئ الحديث من طرق متعددة ومخارج متباينة ، لا يبعد أن يعطى ذلك للحديث قوة يرتقى بها إلى درجة الحسن لاسيما وقد حسن الطريقة الأولى الهيثمى كما سبق " سلسلة الأحاديث الصحيحة ج2 ص344 - 347. ثم قال : "ثم وجدت للكوفى متابعاً أخرجه الحاكم (3/525) من طريق هلال ابن العلاء الرقى، ثنا أبى ثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبى أنيسة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن الضحاك بن قيس " كانت بالمدينة امرأة تخفض . . . " الحديث ، وسكت عنه الحاكم والذهبى ، ورجاله ثقات ، غير العلاء بن هلال الرقى، والد هلال قال الحافظ : فيه لين ، وزيد بن أبى أنيسة حرانى ، فلم يتفرد به محمد ابن حسان الكوفى والله أعلم . والضحاك بن قيس صحابى ثبت سماعه فى غير ما حديث واحد ، وسيأتى أحدهما برقم (1189) ووجدت له شادهاً آخر يرويه عنه ابن على عن ابن جريج ، عن إسماعيل بن أمية ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : دخل على النبى - صلى الله عليه وسلم - نسوة من الأنصار فقال :"يا نساء الأنصار : اخضبن غمساً ، واخفضن ولا تنهكن ، فإنه أحظى عند أزواجكن ، وإياكن وكفر المنعمين " قال مندل : يعنى : " الزوج " أخرجه البزار (175) وقال : مندل ضعيف ، وكذا قال الهيثمى فى المجمع (5/171- 172) وزاد : " وثق وبقية رجاله ثقات " قلت : وبالجملة فالحديث بهذه الطرق والشواهد صحيح والله أعلم " سلسلة الأحاديث الصحيحة ج2 ص347 - 348 .(1/305)
.
قال الشيخ أبو الأشبال الزهيرى : " يعنى خذى القدر الزائد فقط ، شبَّه القطع اليسير بإشمام الرائحة ، أى اقطعى بعض النواة ، واتركى الموضع أشم ، ( يعنى : مرتفع ) - ولا تنهكى " - أى لا تستأصلى كل العضو ، ولا تبالغى فى الخفض والنهك ، وهو المبالغة فى الضرب بالقطع والشم وغير ذلك .
وبهذا نعرف أن الخطأ ليس فى الشريعة ، إنما الخطأ فيمن يطبق الشريعة ، وهذا ما قلته فى أول المحاضرة أن الإسلام أتى من قِبَل أهله الجُهَّال أو حسنى النية .
والإشمام : هو أخذ القدر الزائد من العضو عند الإناث ؛ لأنه لا يقال لختان الذكور خفض ، والنبى - صلى الله عليه وسلم - قال لها : "إذا خفضت فأشمى " يعنى القدر الزائد فقط (1) .
ومن السنة أيضاً قوله - - صلى الله عليه وسلم - - : " اختتن إبراهيم - عليه السلام - وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم " (2) .
__________
(1) القول المبين ، ص40 : 41 .
(2) فتح البارى ج6 ص447 (60) أحاديث الأنبياء (8) باب قول الله تعالى (النساء 165) { واتخذ الله إبراهيم خليلا } حديث رقم (3656) بسنده عن أبى هريرة به .
وفى فتح البارى ج11 ص91 (79) الاستئذان (51) باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط حديث رقم (6298) بسنده عن أبى هريرة به .
ومسلم بشرح النووى ج15 ص122 الفضائل باب فضائل إبراهيم الخليل بسنده عن أبى هريرة .
وفى الفتح الربانى ج17 ص313 الأدب باب الختان بسنده عن أبى هريرة به .
وفى السنن الكبرى للبيهقى ج8 ص564 الأشربة (22) باب السلطان يكره على الاختتان حديث رقم (17571) بسنده عن أبى هريرة .(1/306)
قال الشيخ أبو الأشبال الزهيرى : " وقد أمر الله نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - باتباع ملة إبراهيم عليه السلام فقال : { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } (1) ، ومن ملة إبراهيم الختان . وقال تعالى : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ } (2) " (3).
ومن السنة أيضاً قوله - صلى الله عليه وسلم - : " الختان سنة للرجال مكرمة للنساء " (4)
__________
(1) سورة النحل الآية 123 .
(2) سورة الممتحنة الآية 4 .
(3) القول المبين ، ص52 - 53 .
(4) فى الفتح الربانى ج17 ص312 كتاب الأدب ( باب الختان ) من حديث الحجاج بن أرطأة ، عن أبى المليح بن أسامة ، عن أبيه به .
وفى بلوغ الأمانى ج17 ص312 : تخريجه (هق) وضعفه ، وقال ابن عبد البر فى التمهيد : هذا الحديث يدور على حجاج بن أرطأة ، وليس ممن يحتج به أ. هـ . قلت: ليس ممن يحتج به إذا عنعن كما هنا ، فهو ضعيف لكونه مدلسا ، وقد عنعن ، أما إذا قال حدثنا فقد قال أبو حاتم فهو صالح لا يرتاب فى حفظه وصدقه " .
وهو فى السنن الكبرى للبيهقى ج8 ص563 الأشربة (22) باب السلطان يكره على الختان رقم (17565) بسنده عن ابن ثوبان ، عن محمد بن عجلان ، عن عكرمة عن ابن عباس به ، وقال : " هذا إسناد ضعيف والمحفوظ موقوف " .
ونفس الكتاب والباب والجزء والصفحة حديث رقم (17566) بسنده عن وكيع بن الجراح ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس به ، ولم يتكلم عليه .
وحديث رقم (17567) بسنده عن الحجاج بن أرطأة عن أبى المليح بن أسامة عن أبيه به ، وقال : الحجاج بن أرطأة لا يحتج به ، وقيل : عنه عن مكحول ، عن أبى أيوب .
وحديث رقم (17568) بسنده عن الحجاج ، عن مكحول ، عن أبى أيوب به .
وقال ابن حجر فى فتح البارى ج10 ص353 بعد أن ذكر أنه لا يثبت لأنه من رواية حجاج ابن أرطأة ، وهو لا يحتج به ، وأنه أخرجه أحمد والبيهقى : " لكن له شاهد أخرجه الطبرانى فى مسند الشاميين من طريق سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، وسعيد مختلف فيه " ، وأخرجه أبو الشيخ والبيهقى من وجه آخر عن ابن عباس ، وأخرجه البيهقى أيضاً من حديث أبى أيوب.
وقال ابن حجر أيضاً فى تلخيص الحبير ج4 ص92 : " أحمد والبيهقى من حديث الحجاج ابن أرطأة ، عن أبى المليح بن أسامة ، عن أبيه به ، والحجاج مدلس وقد اضطرب فيه ، فتارة رواه كذا ، وتارة رواه بزيادة شداد بن أوس بعد والد أبى المليح أخرجه ابن أبى شيبة ، وابن أبى حاتم فى العلل ، والطبرانى فى الكبير ، وتارة رواه عن مكحول ، عن أبى أيوب أخرجه أحمد ، وذكره ابن أبى حاتم فى العلل ، وحكى عن أبيه أنه خطأ من حجاج ، أو من الراوى عنه ، عبد الواحد بن =زياد ، وقال البيهقى : هو ضعيف منقطع ، وقال ابن عبد البر فى التمهيد : هذا الحديث يدور على حجاج بن أرطأة وليس ممن يحتج به قلت : وله طريق آخر من غير رواية حجاج فقد رواه الطبرانى فى الكبير والبيهقى من حديث ابن عباس مرفوعاً ، وضعفه البيهقى فى السنن ، وقال فى المعرفة : لا يصح رفعه وهو من رواية الوليد عن ابن ثوبان ، عن ابن عجلان ، عن عكرمة ، عنه ، ورواته موثقون إلا أن فيه تدليساً " .
وانظر أيضاً نيل الأوطار للشوكانى ج1 ص146 فقد نقل كلام ابن حجر فى التلخيص .(1/307)
، قال الشيخ أبو الأشبال الزهيرى : " أى يسبب الحظوة للنساء عند الأزواج ، وهذا معنى مكرمة ، أى تكون لها
كرامة وحظوة عند زوجها " (1) .
والسنة معناها : السبيل والطريقة المتبعة وجوباً واستحباباً لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من رغب عن سنتى فليس منى " (2) ، وقوله صلى الله عليه وسلم - : " عليكم بسننتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى " (3) ، وتخصيص السنة بما يجوز تركه اصطلاح حادث (4) .
ومنها أيضاً ما رواه البخارى عن ابن عباس وقد سئل مثل من أنت يوم قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟ قال : قال أنا يومئذ مختون " (5) .
__________
(1) القول المبين ، ص55 .
(2) فى البخارى كتاب النكاح (1) باب الترغيب فى النكاح ج7 ص2 ، ومسلم فى النكاح باب (10/5) ، ورواه النسائى فى النكاح باب (4) ، وابن خزيمة (197) ، والبيهقى ( 7/77) ، والطحاوى فى المشكل (2/136)، والحافظ فى الفتح(9/104) كما فى هامش تحفة الودود ص156 .
(3) عند أبى داود (4/200 - 201) السنة (5) باب فى لزوم اتباع السنة حديث رقم (4607) ، والترمذى (5/44 - 45) العلم باب (61) باب ما جاء فى الأخذ بالسنة واجتناب البدع حديث رقم (2676) ، وابن ماجة (1/15 - 17) المقدمة(6) باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين حديث رقم (42 ، 43 ، 44) ، وأحمد فى المسند (4/126 - 127) والحاكم فى المستدرك ج1 ص96 - 97 ، وهو حديث صحيح ، انظر صحيح الجامع (2/346) كما قال محققاً سنن الدارمى هامش ص57 من الجزء الأول .
(4) تحفة الودود ص156 ، وفتح البارى ج10 ص353 ، ونيل الأوطار ج1 ص146 ، والقول المبين ص55 - 56 .
(5) فتح البارى ج11 ص91 (79) الاستئذان (51) باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط حديث رقم (6299) به ، ونفس الكتاب والباب والصفحة حديث رقم (6300) وقال ابن إدريس ، عن أبيه ، عن أبى إسحاق ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : " قبض النبى - صلى الله عليه وسلم - وأنا ختين " .(1/308)
قال الشيخ أبو الأشبال الزهيرى بعد ذكره لهذا الحديث : " فلو لم يكن الختان معروفاً عند العرب ، وعند المسلمين وعند الأوائل وفى القرون الخيرية لم يقل ابن عباس " أنا يومئذ مختون " ، قال : " وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك " أى حتى يبلغ .
ومن السنة أيضاً قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلاً يوم القيامة " (1) ، قال الشيخ أبو الأشبال الزهيرى : " والأغرل هو الأقلف الذى لم تقطع غُرلته وقُلفته وجلدته . . . قال النووى رحمه الله : " الغرل - بضم الغين وإسكان الراء- معناه غير مختونين ، جمع أغرل ، وهو الذى لم يختن وبقيت معه غرلته وهى قلفته ، وهى الجلدة التى لم تقطع فى الختان ، والمقصود أنهم يحشرون كما خلقوا لا شئ معهم ، ولا يؤخذ منهم شئ ، يعنى ليس معهم زيادة أو نقصان حتى الغرلة تكون معهم " (2) .
ثم نقل عن ابن القيم قوله : " إنما شرع الختان فى الدنيا لتكميل الطهارة والتنزه من البول ، وأهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون ، وليس هناك نجاسة تصيب الغرلة فيحتاج إلى التحرز منها " (3) .
__________
(1) صحيح مسلم ج4 ص2194 (51) كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (13) باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء حديث رقم (2859) نحوه .
صحيح البخارى ج5 ص2391 حديث رقم (6159) به مع زيادة ( مشاة ) (45) باب كيف الحشر (84) كتاب الرقاق ويوجد فيه فى مواضع أخرى نحوه .
سنن النسائى ج4 ص615 حديث رقم (2423) نحوه (38) كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (3) باب ما جاء فى شأن الحشر وقال : حسن صحيح .
سنن الترمذى ج4 ص114 (21) كتاب الجنائز (118) باب البعث حديث رقم (2081) .
سنن ابن ماجة ج2 ص1429 حديث رقم (4276) نحوه (37) كتاب الزهد (33) باب ذكر البعث .
ومسند أحمد ج1 ص220 ، 223 . …
(2) القول المبين ، ص65 .
(3) القول المبين ، ص65 - 67 .(1/309)
ومن الآثار ما أخرجه البخارى فى الأدب المفرد (1) عن أم المهاجر قالت : سبيتُ وجوارى من الروم ، فعرض علينا عثمان بن عفان - رضى الله عنه - الإسلام ، فلم يسلم منا غيرى وغير أخرى - أى الذى أسلم اثنان فقط - فقال عثمان : أخفضوهما ، وطهروهما " .
ومنها أيضاً ما أخرجه البخارى فى الأدب المفرد (2) عن أم علقمة قالت : إن بنات أخى عائشة خُتن ، فقيل لعائشة : ألا ندعو إليهن من يلهيهن ؟ قالت : بلى " .
وقد ذهب إلى وجوب الختان الشعبى ، وربيعة ، والأوازعى ، ويحيى ابن سعيد الأنصارى ، والشافعية ، والحنابلة دون تفريق بين الذكور والإناث (3) فقد قال النووى : " فرع : الختان واجب على الرجال والنساء عندنا ، وبه قال كثيرون من السلف " (4) .
وقال منصور بن يوسف البهوتى : " ويجب الختان عند البلوغ ما لم يخف على نفسه ذكراً كان أو خنثى أو أنثى " (5) .
__________
(1) الأدب المفرد ( 1245 ، 1249 ) كما فى سلسلة الأحاديث الصحيحة للألبانى ج2ص349 ، وهو فى ميزان الاعتدال للذهبى ج7 ص479 ترجمة رقم(11043) ترجمة أم المهاجر الرومية ، وقال : رواه عبد الواحد بن زياد ، عن عجوز ، عنها.
(2) الأدب المفرد (1247) كما فى سلسلة الأحاديث الصحيحة للألبانى ج ص348. وهو فعلاً فى الأدب المفرد للبخارى ص266 رقم (1283) باب رقم(599) باب اللهو فى الختان . وقال الألبانى فى سلسلة الأحاديث الصحيحة ج2 ص349 أثناء تخريجه لحديث رقم (722) :" قلت : وإسناده محتمل للتحسين ، رجاله ثقات ، غير أم علقمة هذه واسمها مرجانة ، وثقها العجلى وابن حبان ، وروى عنها ثقات .
(3) المجموع ج1 ص349 ، والروض المربع مع الحاشية ج1 ص159 ، ومنار السبيل ج1 ص30 ، وفتح البارى ج10 ص353 ، وتحفة الودود ص146 ، ونيل الأوطار ج1 ص145 - 146 .
(4) المجموع ج1 ص349 .
(5) الروض المربع بدون الحاشية ج1 ص19 .(1/310)
وقال إبراهيم ضويان : " والختان واجب على الذكر والأنثى " (1) .
وذهب الحنفية والمالكية إلى أنه سنة (2) ، لكن السنة عندهم يأثم
الإنسان بتركها (3) .
فما أدلة القائلين بوجوب الختان ؟ وما أدلة القائلين بالاستحباب ؟
أولاً : أدلة القائلين بوجوب الختان سواء للذكر أو للأنثى .
استدل هؤلاء بعدة أدلة (4)منها :
__________
(1) منار السبيل ج1 ص30 . انظر تكملة رد المحتار على الدر المختار ج7 ص342 ، وشرح الخرشى على مختصر خليل ج3 ص412 ، وحاشية العدوى على الخرشى ج3 ص412 ، والمجموع للنووى ج1 ص349 ، وفتح البار ج10 ص353 ، ونيل الأوطار ج1 ص145 - 146 ، وتحفة الودود ص146 .
(2) انظر تكملة رد المحتار على الدر المختار ج7 ص342 ، وشرح الخرشى على مختصر خليل ج3 ص412 ، وحاشية العدوى على الخرشى ج3 ص412 ، والمجموع للنووى ج1 ص349 ، وفتح البارى ج10 ص353 ، ونيل الأوطار ج1 ص145 - 146 ، وتحفة الودود ص146 .
(3) فتح البارى ج10 ص353 ، وتحفة الودود ص146 .
(4) انظر فتح البارى ج10 ص353 - 355 ، والمغنى لابن قدامة ج1 ص85 - 86 ، وتحفة الودود ص146 - 150 ، ونيل الأوطار ج1 ص145 - 146 .(1/311)
1- قوله تعالى : { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } (1) والختان من ملته (2) ، وهو من الكلمات التى ابتلى الله بها إبراهيم عليه السلام كما فى قوله تعالى: { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } (3)، والابتلاء غالباً إنما يقع بما يكون واجباً (4) ، وقد روى عن ابن عباس أنه قال فى هذه الآية : " ابتلاه بالطهارة خمس فى الرأس ، وخمس فى الجسد : قص الشارب ، والمضمضة ، والاستنشاق ، والسواك ، وفَرْق الرأس ، وفى الجسد : تقليم الأظافر ، وحلق العانة ، والاختتان ، ونتف الإبط ، وغسل مكان الغائط والبول بالماء " (5) .
2- حديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : " اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم " (6) .
3- ما رواه الإمام أحمد بسنده عن ابن جريج قال : " أخبرنى عثيم ابن كليب ، عن أبيه ، عن جده أنه جاء إلى النبى - صلى الله عليه وسلم- فقال : قد أسلمت . قال : ألق عنك شعر الكفر " يقول : احلق ، وأخبرنى آخر معه أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال لآخر : " ألق عنك شعر الكفر واختتن " (7)
__________
(1) سورة النحل الآية 123 .
(2) تحفة الودود ص146 ، ومنار السبيل ج1 ص30 .
(3) سورة البقرة الآية 124 .
(4) فتح البارى ج10 ص354 .
(5) تحفة الودود ص144 - 145 ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبى ج1 ص98 .
(6) سبق تخريجه ص27 من هذا البحث .
(7) أبو داود ج1 ص98 الطهارة (131) باب فى الرجل يسلم فيؤمر بالغسل حديث رقم (356) بسنده عن عُثَيْم بن كليب عن أبيه ، عن جده أنه جاء إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال : قد أسلمتُ فقال له النبى - صلى الله عليه وسلم - "ألق عنك شعر الكفر" يقول : احلق ، قال : وأخبرنى آخر أن النبى قال لآخر معه : "ألق عنك شعر الكفر واختتن" وسكت عنه أبو داود .
وهو فى الفتح الربانى ج17 ص312 كتاب الأدب باب الختان عن عثيم بن كليب ، عن أبيه ، عن جده مثل الذى فى أبى داود . قال الساعاتى: قال الحافظ فى الإصابة: " ذكره أبو نعيم ، وأورده من طريق الواقدى عن عثيم بن كليب عن أبيه ، عن جده أنه رأى النبى - صلى الله عليه وسلم - دفع من عرفة بعد أن غابت الشمس قال أبو موسى أورده أبو نعيم على ظاهر الإسناد وعثيم نسب إلى جده وإنما هو عثيم بن كثير بن كليب والصحبة لجده كليب أ . هـ . تخريجه ( د - طب - هق ) وابن عدى ( قال الحافظ ) وفيه انقطاع ، وعثيم وأبوه مجهولان " أ . هـ . قلت : أما كونه =منقطعاً فلقول ابن جريج : أخبرت ولم يذكر من أخبره ، لكن قال ابن عدى الذى أخبر ابن جريج هو إبراهيم بن أبى يحيى ومع هذا فجهالة عثيم ووالده تكفى لتضعيفه ، وقد استدل به من قال بوجوب الختان لما فيه من لفظ الأمر به ، وقد علمت ما فيه " - بلوغ الأمانى ج17 ص312 - 313 .
وهو فى السنن الكبرى للبيهقى ج1 ص265 الطهارة (173) باب الكافر يسلم فيغتسل حديث رقم (811) بسنده عن عثيم بن كليب ، عن أبيه ، عن جده به كما فى أبى داود .
وفى الهامش ج1 ص265 - 266 " قال ابن التركمانى : هذا الحديث غير مناسب للباب وفيه أيضاً مجهول وهو الذى أخبر ابن جريج فقال ابن عدى فى الكامل : هذا الذى قاله ابن جريج فى الإسناد : أخبرت عن عثيم إنما حدثه ص266 إبراهيم بن يحيى وكنى عن اسمه وقد ذكر البيهقى ذلك فيما بعد فى الحدود فى باب السلطان يكره على الاختتان " .
وهو فى السنن الكبرى ج8 ص561 كتاب الأشربة (22) باب السلطان يكره على الاختتان حديث رقم (17557) بسنده عن ابن جريج قال : أخبرت عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فأسلم فقال النبى صلى الله عليه وسلم - : " ألق عنك شعر الكفر واختتن " قال أبو أحمد : وهذا الذى قاله ابن جريج فى هذا الإسناد أخبرت عن عثيم بن كليب إنما حدثه إبراهيم بن ابى يحيى فكنى عن اسمه " .
وفى هامش السنن الكبرى للبيهقى ج8 ص561 : " قال فى الجوهر هو عثيم بن كثير مع ضعف الواسطة بين ابن جريج وعثيم يحمل الحديث على الاستحباب بقرينة أنه ذكر معه إلقاء شعر الكفر وليس بواجب ، والحديث رقم (17557) أخرجه المصنف فى معرفة السنن (5256) وأبى داود فى سننه (356) وأحمد فى المسند ج3 ص415 وعبد الرزاق فى المصنف (9835) " .
وقال الدكتور عبد الغفار البندارى : "ضعيف ، وفيه ابن جريج مدلس ، وقد عنعنه ، قال الدارقطنى : شر التدليس تدليس ابن جريج ، فإنه قبيح التدليس ، وقد دلسه ، فقال : أخبرت عن عثيم بن كليب ، إنما حدثه إبراهيم بن أبى يحيى ، وإبراهيم هذا متفق على ضعفه بين أهل الحديث ما خلا الشافعى وحده - كما ذكره المؤلف معقباً، والحديث أخرجه ابن حجر فى التلخيص (4/82) - هامش تحفة الودود ص146 لكنه فى التلخيص الحبير ج4 ص92 .
وقال ابن حجر فى التلخيص (4/92) بعد أن ذكر أنه عند أحمد ، وأبى داود ، والطبرانى ، وابن عدى ، والبيهقى : " وفيه انقطاع ، وعثيم وأبوه مجهولان قاله ابن القطان ، وقال عبدان : هو عثيم بن كثير بن كليب ، والصحابى هو كليب ، =وإنما نسب عثيم فى الإسناد إلى جده ، قلت : وهذا قد وقع مبيناً فى رواية الواقدى أخرجه ابن مندة فى المعرفة ، وقال ابن عدى : الذى أخبر ابن جريج هو إبراهيم ابن أبى يحيى " .(1/312)
.
4- قال حرب فى مسائله عن الزهرى قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أسلم فليختتن وإن كان كبيراً " (1) .
ثم قال ابن القيم بعد أن ذكره : " وهذا وإن كان مرسلاً فهو يصلح للاعتضاد " (2) .
5- ما رواه البيهقى عن موسى بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن على بن حسين بن على عن آبائه واحد بعد واحد عن على - رضى الله عنه - قال : " وجدنا فى قائم سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى الصحيفة أن الأقلف لا يترك فى الإسلام حتى يختتن ولو بلغ ثمانين سنة " (3) .
ثم قال ابن القيم : " قال البيهقى : هذا حديث ينفرد به أهل البيت بهذا الإسناد " (4) .
6- ما رواه ابن المنذر من حديث أبى برزة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - فى الأقلف : لا يحج بيت الله حتى يختتن ، وفى لفظ : " سألت رسول الله عليه الصلاة والسلام عن رجل أقلف يحج بيت الله ؟ قال : لا حتى يختتن " (5)
__________
(1) ذكره ابن القيم فى تحفة الودود ص147 ، وقال الدكتور عبد الغفار البندارى فى تحقيقه لتحفة الودود هامش ص147 : " هو من مراسيل الزهرى ، ومراسيله واهية ، وجاء فى الدر المنثور (1/114) " .
(2) تحفة الودود ص147 .
(3) قال ابن القيم فى تحفة الودود ص147 : " قال البيهقى : هذا حديث ينفرد به أهل البيت بهذا الإسناد " .
وهو فى السنن الكبرى للبيهقى ج8 ص561 الأشربة (22) باب السلطان يكره على الاختتان حديث رقم (17558) به ، وقال ما نقله ابن القيم عنه .
وذكر الدكتور عبد الغفار البندارى هامش تحفة الودود ص147 بعد أن عزاه للبيهقى : " وجاء أيضاً فى كنز العمال (45310) بهذا اللفظ وعزاه للبيهقى " .
(4) تحفة الودود ص147 .
(5) فى السنن الكبرى للبيهقى ج8 ص324 . وفى تلخيص الحبير ج4 ص92 كتاب الختان ، ثم قال : " رواه ابن المنذر " .
وفى تحفة الودود ص147 أن ابن المنذر رواه ، وقال لا يثبت ؛ لأن إسناده مجهول، وفى هامش تحفة الودود ص147 : " ضعيف ، وقد أورد المؤلف ما أجاب به ابن المنذر فى علة ضعفه " .(1/313)
، ثم ذكر ابن القيم عن ابن المنذر قوله: " لا يثبت ؛ لأن إسناده مجهول " (1) .
7- حديث أم عطية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لخاتنة كانت تختن بالمدينة : " إذا خفضت فأشمى ولا تنهكى " (2) .
8- ما رواه وكيع عن سالم أبى العلاء المرادى عن عمرو بن هرم، عن جابر ، عن يزيد ، عن ابن عباس قال : " الأقلف لا تقبل له صلاة ولا تؤكل ذبيحته " ، وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، عن سالم المرادى ، عن عمرو بن هرم ، عن جابر بن يزيد (3) عن ابن عباس لا تؤكل ذبيحة الأقلف " (4) .
__________
(1) تحفة الودود ص147 .
(2) سبق تخريجه ص23 من هذا البحث .
(3) فى هذا الموضع جابر بن يزيد وفى الموضع السابق عليه مباشرة جابر ، عن يزيد .
(4) تحفة الودود ص147 - 148 ، مصنف عبد الرزاق ج4 ص483 باب ذبيحة الأقلف ، والسبى ، والأخرس ، والزنجى أثر رقم (8562) كان ابن عباس يكره ذبيحة الأغرل ، ويقول لا تجوز شهادته ، ولا تقبل صلاته ، قال معمر : وكان الحسن يرخص فى الرجل إذا أسلم بعدما يكبر فخاف على نفسه العنت إن اختتن أن لا يختتن ، وكان لا يرى بأكل ذبيحته بأساً .
وفى فتح البارى ج9ص637 "الأقلف لا تؤكل ذبيحته ولا تقبل صلاته ولا شهادته ، وقال ابن المنذر : قال جمهور أهل العلم : تجوز ذبيحته ؛ لأن الله سبحانه وتعالى أباح ذبائح أهل الكتاب ومنهم من لا يختن " وذلك عند شرحه لترجمة " باب ذبائح أهل الكتاب وشحومها من أهل الحرب وغيرهم .
وفى المحلى ج7 ص454 " لا يعرف لابن عباس فى ذبيحة الأقلف مخالف من الصحابة " .
=والمغنى ج9 ص311 " وعن ابن عباس " ولا تؤكل ذبيحة الأقلف " وعن أحمد مثله والصحيح إباحته " .(1/314)
9- أن الختان أظهر الشعائر التى يفرق بها بين المسلم والكافر فوجوبه من وجوب الوتر وزكاة الخيل ، ووجوب الوضوء من القهقهة ، ووجوب الوضوء على من احتجم أو تقيأ أو رعف ، وغير ذلك مما وجوب الختان أظهر من وجوبه وأقوى ، حتى إن المسلمين لا يكادون يعدون الأقلف منهم . وإذا وجد المختون بين جماعة قتلى غير مختونين صلى عليه ودفن فى مقابر المسلمين (1) .
10- أنه قطع عضو لا يستخلف من الجسد تعبداً فيكون واجباً كقطع اليد فى السرقة (2) .
11- جواز كشف العورة من المختون ، وجواز نظر الخاتن ، وكلاهما حرام ، فلو لم يجب لما أبيح ذلك (3) .
12- فى الختان إدخال ألم عظيم على النفس ، وتعريضه للتلف بالسراية ، وإخراج أجرة الخاتن وثمن الدواء من ماله ، ولو لم يكن واجباً لما جاز ذلك (4) .
13- قالوا لو لم يكن واجباً لما جاز للخاتن الإقدام عليه وإن أذن فيه المختون أو وليه ، فإنه لا يجوز له الإقدام على قطع عضو لم يأمر الله ورسوله بقطعه ، ولا أوجب قطعه كما لو أذن له فى قطع أذنه أو إصبعه فإنه لا يجوز له ذلك ولا يسقط الإثم عنه بالإذن (5) .
14- أن الأقلف معرض لفساد طهارته وصلاته ، فإن القلفة تستر الذكر كله فيصيبها البول ولا يمكن الاستجمار لها ، فصحة الطهارة والصلاة موقوفة على الختان (6) .
وإذا كان هذا الكلام خاصاً بالرجال فإن النساء ينطبق عليهن نفس المصلحة حيث يتحقق بالختان كمال الطهارة والنظافة ،
__________
(1) فتح البارى ج10 ص354 ، وتحفة الودود ص146 ، 147 ، والمغنى ج1 ص85 .
(2) فتح البارى ج10 ص354 ، وتحفة الودود ص148 .
(3) فتح البارى ج10 ص354 ، وتحفة الودود ص149 ، والمغنى ج1 ص85 .
(4) تحفة الودود ص149 - 150 ، وفتح البارى ج10 ص354 .
(5) تحفة الودود ص149 .
(6) تحفة الودود ص149 - 150 ، وفتح البارى ج10 ص354 .(1/315)
قال ابن القيم : " والحكمة التى ذكرناها فى الختان تعم الذكر والأنثى ، وإن كانت فى الذكر أبين " (1) .
وبعد الوقوف على أقوال أغلب الفقهاء الذين هم حجج الدين عند سواد المسلمين ويعتمد أقوالهم حتى الأطباء غير مكابرين إن كانوا منصفين .
نجد هنا طامة كبرى وهو أن يشعرنا أحد أنه ثم فى الأمر خلاف يجب من أجله ترك ختان أو خفض النساء ياللعجب . فالقائلين بالوجوب كُثر وأئمة أعلام فلما الزخم وردئ الكلام ؟
حتى من قال بأنه سنة ومكرمة عندهم السنة يأثم تاركها .
أنختلف فى أمر بين (( الجواز واللزوم )) فنتركه !!!
أى عقول نخاطب ؟
وحول ضعف بعض النصوص فى مشروعية ختان الأناث نقول:هل كان يعرف الضعفاء فى الآثار الواردة بأن ثم خلآف سيقوم حول هذا الموضوع أم أنهم قاموا بختن إناثهم وهم مطمئنين لفهم فقهاء زمانهم لأمر الختان ؟
وأقول أنكم أنزلتم الضعيف منزل الموضوع وهذا من سوء الفهم فالرويات الضعيفة لو كثرت طرقها لعضد بعضها بعضاً
لكثرتها وتواترها فترتقى للحسن وهذا ثابت عن أهل صنعة الحديث .
أرجوا الحكم بإنصاف أومآ دلس على الشيخ محمد متولى الشعراوى فى كلآمه فى تعقيبه على مقررات مؤتمر الصحة والسكان . ؟
إذ نقل عنه أنه قال في الجريدة الرسمية ...
__________
(1) تحفة الودود ص168 .(1/316)
العلماء يسمونه كرامة للمرأة ، أضاف الشيخ : إن رسو الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال للقابلة أم عطية: " اخفضى ولا تنهكى " فإنه لم يمنع الخفاض (1) ، ولكن شرطه بشرطين : أمر "بالخفض" ونهى "بلا تنهكى" وعلة الأمر بالخفض أن الذى يقطع من الأنثى إن كان زائداً وعالياً عن حواف محلها ينقطع الزائد منه فقط ، لأن بروزه يجعله عرضة لاحتكاك الثوب أو أى شئ به فتظل الأنثى معرضة للاشتهاء ، أو يهيج فيها الشهوة فتتهافت على الرجل مما يسقط كرامتها عنده ، أما الإنهاك فقد جاء النهى عنه لما يسبب من متاعب فى العملية الجنسية ؛ لأنه يجعل الرجل يريق قبل أن تشتهى المرأة ، فتكبت غريزتها ، ويترتب على ذلك متاعب تعقد المرأة وذلك خطر الإنهاك " (2) .
هذا ما بينه الشيخ رحمه تعالى بعد ان جعلوا العناوين الرئيسية للمقال والتى تكتب بطريقة اكبر من نص المقال نفسه . هكذا .
__________
(1) انظر هذه العبارة مع العبارة التى وضعت عنواناً للمقال حيث يؤدى الاقتصار عليها واجتزاؤها بهذا الشكل إلى خلاف ما أراد الشيخ .
(2) أخبار اليوم 14/9/1994م .(1/317)
وإن كان عنوان المقال كما فى جريدة الأخبار الصادرة بتاريخ 14/9/94 يدل على خلاف كلام الشيخ لأنهم اجتزأوا عبارة من كلامه وتركوا بقية الكلام ، جاء فى الجريدة : قال فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى : " ليس فى الإسلام ختان للأنثى ، ولكنه خاص بالذكر ، وهو ليس فرضاً ولا واجباً - بالنسبة له - ولكنه سنة يثاب فاعلها ، ولا يعاقب من لا يفعلها ، كان الشيخ يعلق على ما نشر أمس حول ما دار فى ندوة ختان الأنثى التى رأسها وزير الصحة بمنتدى المنظمات غير الحكومية ، والتى عقدت على هامش مؤتمر السكان الدولى وجاء فيها أن الختان للأنثى مرفوض فى كل الأديان ، قال الشيخ الشعراوى : إن كلمة ختان للأنثى خطأ (1) لأنه ليس للأنثى ختان ، ولكن الختان خاص بالذكر ، وهو ليس فرضاً ولا سنة . أما بالنسبة للأنثى أو ما يتصل بقطع شئ من الأنثى فاسمه خفاض، وهو ليس فرضاً ولا سنة ،!!! وما ذكر يتبين لنا أن اللفظ عند الشيخ هو الخفاض وليس الختان فدلسوا عليه بأن أبرزوا أن الختان مرفوض للأنثى كما قال وهو يقصد أن اللفظ الذي لآبد أن يستعمل هو الخفاض كما بينت المقالة فى الجريدة ويا للزيف الإعلامي الهابط !!!
وهذا مما اغضب الشيخ رحمه الله تعالى وأفهمه اللعبة التى تحاك بقذارة فكان بيانه عن أهداف المؤتمر الخسيسة غاية فى القوة والصلابة .
والأعجب أن لفضيلة الشيخ سيد طنطاوي ثلاث أراء مقاسات مختلفة . سنبينها فى محلها وسأتصدر بعون الله لبيان أوجه التقصير فيها .
ما هو الختان لغةً وإصطلآحاً ؟
معنى ختان الإناث لغة : هو القطع ، جاء فى لسان العرب : " ختن الغلام والجارية يختِنُهما ويختُنُهُما ختنا .
__________
(1) قوله : " إن كلمة ختان للأنثى خطأ " غير صحيح ؛ لأنه ورد فى لسان العرب وفى القاموس المحيط كما بينا ص12 من هذا البحث : أن الختان يطلق على الذكر والأنثى ، وقد ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل " .(1/318)
والاسم الختان والختانة ، وهو مختون ، وقيل : الختن للرجال والخفض للنساء ، والختين : المختون ، الذكر والأنثى فى ذلك سواء ، والختانة : صناعة الخاتن ، والختن : فعل الخاتن الغلام ، والختان ذلك الموضع كله وعلاجه ، والختان موضع القطع من نواة المرأة ، قال أبو منصور : هو موضع القطع من الذكر والأنثى ، ومنه الحديث المروى : " إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل " (1)
__________
(1) شرح النووى ج4 ص41 - 42 الحيض باب ما يوجب الغسل ، ونصه " إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل " ، وقال النووى فى شرحه : " قال العلماء معناه : غيبت ذكرك فى فرجها ، وليس المراد حقيقة المس ، وذلك أن ختان المرأة فى أعلى الفرج ، ولا يمسه الذكر فى الجماع ، وقد أجمع العلماء على أنه لو وضع ذكره على ختانها ولم يولجه لم يجب الغسل لا عليه ولا عليها فدل على أن المراد بالمماسة المحاذاة وكذلك الرواية الأخرى " إذا التقى الختانان أى تحاذيا " . شرح النووى ج4 ص42.
أبو داود ج1 ص56 الطهارة (84) باب فى الإكسال حديث رقم (216) بسنده عن أبى هريرة به لكن بدلاً من " مس " " وأزلق " وزيادة " إذا قعد بين شعبها " .
والترمذى ج1 ص72 الطهارة (80) باب ما جاء : إذا التقى الختانان وجب الغسل حديث رقم (108) ، بلفظ " إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل فعلته أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاغتسلنا " ، وقال : " وفى الباب عن أبى هريرة وعبد الله بن عمرو ، ورافع بن خديج ، ج1 ص73 من نفس الكتاب والباب حديث رقم (109) بسنده به ، وقال : حديث حسن صحيح ، قال : وقد روى هذا الحديث عن عائشة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه ، " إذا جاوز =الختان الختان فقد وجب الغسل " وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وعائشة والفقهاء من التابعين ومن بعدهم مثل : سفيان الثورى والشافعى وأحمد وإسحاق . قالوا : إذا التقى الختانان وجب الغسل .
الذى فى النسائى ليس هذا اللفظ وإنما " إذا جلس بين شعبها الأربع ثم اجتهد فقد وجب الغسل ج1 ص110 - 111 الطهارة (129) باب وجوب الغسل إذا التقى الختانان .
وابن ماجة ج1 ص199 الطهارة (111) باب ما جاء فى وجوب الغسل إذا التقى الختانان حديث رقم (608) مع زيادة " فعلته أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا " ونفس الكتاب والباب ص200 حديث رقم (611) مع زيادة " وتوارت الحشفة " وفى الزوائد : إسناد هذا الحديث ضعيف لضعف حجاج بن أرطأة ، والحديث أخرجه مسلم وغيره من وجوه أخرى .
والموطأ ج1 ص30 الطهارة (18) باب واجب الغسل إذا التقى الختانان حديث رقم (71) بسنده عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعائشة زوج النبى - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقولون " إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل " .
ونفس الكتاب والباب والصفحة حديث رقم (72) بسنده عن عائشة به ، وحديث رقم (73) ج1 ص30 - 31 بسنده عن عائشة به وفيه قصة .
و ج1 ص31 نفس الكتاب والباب حديث رقم (75) مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يقول " إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل " ولم أجد فى تحفة الأحوذى ج1 ص361 - 364 شيئاً عن رأى الفقهاء فى الختان ولا وقته وإن كان أشار إلى موضعه ج1 ص363 حيث قال: "وذلك أن ختان المرأة فى أعلى الفرج".
الفتح الربانى ج2 ص111 - 113 أبواب الغسل (2) باب فى أى ذلك كان رخصة ثم نسخ حديث رقم (421) بلفظ " إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل" مع زيادة قصة طويلة.
وفى بلوغ الأمانى ج2 ص112 : " ورد بلفظ المجاوزة وبلفظ الملاقاة وبلفظ الملامسة ، والمراد بالملاقاة المحاذاة . قال القاضى أبو بكر إذا غابت الحشفة فى الفرج فقد وقعت الملاقاة ، وقال ابن سيد الناس : وهكذا معنى مس الختان الختان أى قاربه وداناه ، ومعنى إلزاق الختان بالختان إلصاقه به ، ومعنى المجاوزة ظاهرة ، وقال ابن سيد الناس فى شرح الترمذى حاكياً عن ابن العربى وليس المراد حقيقة اللمس ولا حقيقة الملاقاة وإنما هو من باب المجاز والكناية ، الشئ بما بينه وبينه ملابسة أو مقارنة وهو ظاهر ، وذلك أن ختان المرأة فى أعلى الفرج ولا =يمسه الذكر فى الجماع ، وقد أجمع العلماء كما أشار إليه على أنه لو وضع ذكره على ختانها ولم يولجه لم يجب الغسل على واحد منهما فلابد من قدر زائد على الملاقاة وهو ما وقع مصرحاً به فى حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ " إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل " أخرجه ابن أبى شيبة والتصريح بلفظ الوجوب فى هذا الحديث مشعر بأن ذلك على وجه الحتم ولا خلاف فيه بين القائلين بأن مجرد ملاقاة الختان الختان سبب للغسل قاله الشوكانى . قلت : حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رواه أيضاً الإمام أحمد وسيأتى فى الباب الآتى . قال الهيثمى : رواه أحمد ، والطبرانى فى الكبير ورجاله ثقات إلا أن ابن إسحاق مدلس، وهو ثقة ، وفى الصحيح طرف منه أ . هـ . ونقله الزرقانى فى شرحه على الموطأ حاكياً عن ابن عبد البر عزوه إلى ابن أبى شيبة والطبرانى بإسناد حسن " - بلوغ الأمانى ج2 ص112 .
والفتح الربانى ج2 ص113 أبواب الغسل (3) باب فى وجوب الغسل بالتقاء الختانين ولو لم ينزل حديث رقم (422) عن عائشة بلفظ " إذا قعد بين الشعب الأربع ثم ألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل " .
وفى بلوغ الأمانى ج2 ص113(422) عن عائشة بسنده ثنا عبد الله ، حدثنى أبى ، ثنا أبو معاوية ، ثنا عمرو بن ميمون بن مهران ، عن سليمان بن يسار ، عن عائشة " الحديث " تخريجه : ( م : مذ ) وصححه .
وبالفتح الربانى ج2 ص113 - 114 أبواب الغسل (3) باب فى وجوب الغسل بالتقاء الختانين ولو لم ينزل حديث رقم (423) عن عبد الله بن عمرو بن العاص .
وفى بلوغ الأمانى ج2 ص114: تخريجه " جه وابن أبى شيبة ، وفى إسناده حجاج ابن أرطأة . قال الحافظ فى التقريب : صدوق كثير الخطأ والتدليس أ . هـ . وأحاديث الباب تؤيده " .
وفى الفتح الربانى ج2 ص114 أبواب الغسل (3) باب فى وجوب الغسل بالتقاء الختانين ولو لم ينزل حديث رقم (425) بسنده عن عائشة" إذا أصاب الختان الختان فقد وجب الغسل " .
وفى بلوغ الأمانى ج2 ص114 تخريجه ( م - لك - فع - هق ) باختلاف فى بعض الألفاظ .
وفى الفتح الربانى ج2 ص115 نفس الكتاب والباب حديث رقم (426) عن معاذ ابن جبل به نحوه .
وفى بلوغ الأمانى ج2 ص114 - 115 " تخريجه ص115 " قال الهيثمى رواه البزار وفى إسناده أبو بكر بن أبى مريم ، وهو ضعيف . قلت : وفيه أيضاً راوٍ لم يسم فالحديث لا يحتج به ، ولكن أحاديث الباب تؤيده " .
=وفى السنن الكبرى للبيهقى ج1 ص252 الطهارة جماع أبواب ما يوجب الغسل(165) باب وجوب الغسل بالتقاء الختانين حديث رقم (763) بسنده عن أبى هريرة ، عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا قعد بين شعبها الأربع ، وألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل ".
وقال العجلونى فى كشف الخفاء ج1 ص86 حديث رقم (207) : " رواه أحمد ، والترمذى ، والنسائى عن عائشة وفى رواية " إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل ، ورواه الطبرانى عن أبى أمامة عن رافع بن خديج ، وذكره الحنفية فى كتبهم بزيادة من ذلك قول الأكمل فى العناية شرح الهداية ، ولنا قوله - صلى الله عليه وسلم - " إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة وجب الغسل أنزل أو لم ينزل " . انتهى ، وعزاه فى الجامع الكبير للعقيلى عن ابن عمر بلفظ " إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل " وعزاه فيه للطبرانى عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ " إذا التقى الختانان وغابت الحشفة فقد وجب الغسل أنزل أو لم ينزل انتهى " وانظر تخريجه فى نصب الراية ج1 ص84 - 85 .(1/319)
وهما موضع القطع من ذكر الغلام وفرج الجارية ، ويقال لقطعهما الإعذار والخفض . . . .
وأصل الختن : القطع " (1) .
جاء فى القاموس المحيط : " ختن الولد يخْتِنُهُ ، ويختُنُهُ ، فهو ختين ومختون ، قطع غُرْلته ، والاسم ككتاب وكتابة ، والختان صناعته ، والختان موضعه من الذكر ، والختن : القطع " (2).
المسألة الثانية : معنى الختان اصطلاحاً : أتناول معنى الختان فى اصطلاح الفقهاء وفى اصطلاح الأطباء .
فعند الفقهاء هو: قطع بعض مخصوص من عضو مخصوص (3).
ومعناه عند الأطباء هو : إزالة الزائد عن السطح من الأنسجة فإذا لم يكن هناك زيادة فوق السطح فلا مشكلة (4) .
وإذا أردنا رأى بعض منصفى مهنة الطب من أطباء مسلمين وغير مسلمين فإليكم هذا البحث بمراجعه ومواثيقه .
الختان بين موازين الطب والشريعة
بحث للعلامة الدكتور الطبيب محمد نزار الدقر
الختان بكسر الخاء اسم لفعل الخاتن ويسمى به موضع الختن، وهو الجلدة التي تقطع والتي تغطي الحشفة عادة، وختان الرجل هو الحرف المستدير على أسفل الحشفة وأما ختان المرأة فهي الجلد كعرف الديك فوق الفرج تعرف بالبظر، وهو عضو انتصابي عند المرأة مثل القضيب لكنه صغير الحجم ولا تخترقه قناة البول.
الختان عبر التاريخ :
تشير المصادر التاريخية إلى أن بعض الأقوام القديمة قد عرفت الختان، وفي إنجيل برنابا إشارة إلى أن آدم عليه السلام كان أول من اختتن وأنه فعله بعد توبته من أكل الشجرة ولعل ذريته تركوا سنته حتى أمر الله سبحانه نبيه إبراهيم عليه السلام بإحيائها.
__________
(1) لسان العرب ج2 ص1102 مادة ختن باب الخاء مع التاء والنون .
(2) القاموس المحيط ص1075 مادة ختن باب النون فصل الخاء مع التاء ، وانظر فتح البارى ج10 ص353 ، والفقه الإسلامى وأدلته ج1 ص460 ، وكيف تستقبلين مولودك ص44 .
(3) فتح البارى ج10 ص279 ، 352 ، ونيل الأوطار ج1 ص144 .
(4) FEMAL CIRCUM. ، ص1(1/320)
وقد وجدت ألواح طينية ترجع إلى الحضارتين البابلية والسومرية [3500 ق.م] ذكرت تفاصيل عن عملية الختان ، كما وجدت لوحة في قبر عنخ آمون [ 2200ق.م] تصف عملية الختان عند الفراعنة وتشير إلى أنهم طبقوا مرهماً مخدراً على الحشفة قبل الشروع في إجرائها، وأنهم كانوا يجرون الختان لغرض صحي .
وأهتم اليهود بالختان واعتبر التلمود من لم يختتن من الوثنيين الأشرار فقد جاء في سفر التثنية :" أختتنوا للرب وانزعوا غرل قلوبكم يا رجال يهوذا وسكان أورشليم " .
أما في النصرانية فالأصل فيها الختان، وتشير نصوص من إنجيل برنابا إلى أن المسيح قد أختتن وأنه أمر أبتاعه بالختان، لكن النصارى لا يختتنون .
أما العرب في جاهليتهم فقد كانوا يختتنون اتباعاً لسنة أبيهم إبراهيم .
وذكر القرطبي إجماع العلماء على أن إبراهيم عليه السلام أول من أختتن.
فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كان إبراهيم أول من اختتن ، وأول من رأى الشيب وأول من قص شاربه وأول من استحد".
وفد فصل ابن القيم في ختان النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقوال ، ويرى أنها كلها تعتمد على أحاديث ضعيفة، أو أنه ليس لها إسناد قائم أو أن في إسنادها عدة مجاهيل مع التناقض الكبير في متونها.
فالقول الأول وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً، فهو علاوة على ضعف إسناده، فهو يتناقض مع حديث صحيح اعتبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن الختان من الفطرة، ذلك أن الابتلاء مع الصبر مما يضاعف أجر المبتلى وثوابه، والأليق بحال النبي صلى الله عليه وسلم ألا يُسلب هذه الفضيلة .
والقول الثاني أن الملك ختنه حين شق صدره لا يصح له إسناد مطلقاً،
والأرجح القول الثالث وهو أن جده عبد المطلب ختنه على عادة العرب وسماه محمداً وأقام له وليمة يوم سابعة .
الختان في السنة النبوية المطهرة :(1/321)
دعا الإسلام إلى الختان دعوة صريحة و جعله على رأس خصال الفطرة البشرية، فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " الفطرة خمس : الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب " البخاري رقم/5439/.
وجاءت دعوة الإسلام إلى الختان متوافقة مع الحنيفية ـ ملة إبراهيم عليه السلام ـ فكان الختان كما أورد القرطبي عن عبد الله بن عباس ـ من الكلمات التي ابتلى بها إبراهيم ربه بهن فأتمهن وأكملهن فجعله إماماً للناس .
كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤكد امتداحه لفعل إبراهيم هذا، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : "اختتن إبراهيم بعدما مرت عليه ثمانون سنة، اختتن بالقدوم" رواه البخاري ومسلم والقدوم آلة صغيرة، وقيل هو موضع بالشام.
وعن موسى بن علي اللخمي عن أبيه قال : " أمر الله إبراهيم فاختتن بقدوم فاشتد عليه الوجع فأوحى الله عز وجل إليه، عجلت قبل أن نأمرك بالآلة، قال : يا رب كرهت أن أؤخر أمرك " أخرجه البيهقي بسند حسن.
وعن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الختان سنة الرجال، ومكرمة للنساء" أخرجه أحمد في مسنده والبيهقي وقال حديث ضعيف منقطع.
وعن كثيم بن كليب عن أبيه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد أسلمت فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ألق عنك شعر الكفر واختتن " أخرجه أحمد وأبو داود، وقال السيوطي بضعفه وفي أسناده مجهولان (نيل الأوطار)، وقد أورده ابن حجر في التلخيص ولم يضعفه ولكن برواية : " من أسلم فليختتن ".
الحكم الفقهي في الختان :
يقول ابن القيم: اختلف الفقهاء في حكم الختان، فقال الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد هو واجب، وشدد مالك حتى قال : من لم يختتن لم تجز إمامته ولم تقبل شهادته. ونقل كثير من الفقهاء عن مالك أنه سنة .(1/322)
حتى قال القاضي عياض : الاختتان عند مالك وعامة العلماء سنة، السنة عندهم يأثم بتركها فهم يطلقونها على مرتبة بين الفرض والندب.
وذهب البصري وأبو حنيفة : لا يجب بل هو سنة، ونقل عنه قوله : قد أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس: الأسود والأبيض فما فتش أحداً.
وخلاصة القول: ذهب الشافعية وبعض المالكية بوجوب الختان للرجال والنساء، و ذهب مالك وأصحابه على أنه سنة للرجال و مستحب للنساء، وذهب أحمد إلى أنه واجب في حق الرجال و سنة للنساء وذهب أبو حنيفة إلى أنه سنة، لكن يأثم تاركه...
ويتابع ابن القيم : " ولا يخرج الختان عن كونه واجباً أو سنة مؤكدة، لكنه في حق الرجال آكد لغلظ القلفة ووقوعها على الإحليل فيجتمع تحتها ما بقي من البول، ولا تتم الطهارة ـ المطلوبة في كل وقت والواجبة في الصلاة ـ إلا بإزالتها .
ويقول النووي: " ويجب الختان لقوله تعالى : " (أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً ) . ولأنه لو لم يكن واجباً لما كشفت له العورة، لأنه كشف العورة محرم، فلما كشفت له العورة دل على وجوبه " .
ويعدد ابن القيم المواضع التي يسقط فيها وجوب الختان : منها " أن يولد الرجل ولا قلفة له، وضعف المولود عن احتماله بحيث يخاف عليه من التلف، وأن يسلم الرجل كبيراً ويخشى على نفسه منه، والموت فلا ينبغي ختان الميت باتفاق الأمة ولأن النبي صلى الله عليه قد أخبر أن الميت يبعث يوم القيامة بغرلته غير مختون فليس ثمة فائدة من ختنه عند الموت ".
وهنا يأتي دور الطب إذ يحدد أمراضاً تمنع حاملها من أن يعمد إلى ختانه. منها إصابة الطفل بالتهاب الكبد الإنتاني (اليرقان) أو إصابته بأحد الأمراض المنتقلة بالجنس كالإفرنجي والإيدز، ففي هذه الحالات يجب معالجة المولود حتى يتم شفاؤه أو إعداده بشكل يكفل سلامته قبل إجراء الختان.(1/323)
وقد أتفق الجمهور على عدم ثبوت وقت معين للختان، لكن من أوجبه من الفقهاء جعلوا البلوغ " وقت الوجوب " لأنه سن التكليف، لكن يستحب للولي أن يختن الصغير لأنه أرفق به " .
وقال النووي باستحباب الختان لسابع يوم من ولادته لما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : " عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين رضي الله عنهما وختنهما لسبعة أيام .
إلا أن يكون ضعيفاً لا يحتمله، فيؤخره حتى يحتمله ويبقى الأمر على الندب إلى قبيل البلوغ، فإن لم يختتن حتى بلوغه وجب في حقه حينئذ.
وفي هذا يقول ابن القيم: " وعندي يجب على الولي أن يختن الصبي قبل البلوغ بحيث يبلغ مختوناً فإن ذلك مما لا يتم الواجب إلا به ".
وقال النووي: " وأما الرجل الكبير يسلم فالختان و(3) على الفور إلا أن يكون ضعيفاً لا يحتمله بحيث لو ختن خيف عليه، فينتظر حتى يغلب على الظن سلامته ".
يقول د. محمد علي البار : أن الأبحاث الطبية أثبتت فائدة الختان العظمى في الطفولة المبكرة ابتداءً من يوم ولادته وحتى الأربعين يوماً من عمره على الأكثر، وكلما تأخر الختان بعدها كثرت الالتهابات في القلفة والحشفة والمجاري البولية.
وفي حكمة الختان يقول ابن القيم: " .. فشرع الله للختان صيغة الحنيفية وجعل ميسمها الختان.. هذا عدا ما في الختان من الطهارة والنظافة والتزين وتحسين الخلقة وتعديل الشهوة التي إذا أفرطت ألحقت الإنسان بالحيوانات، فالختان يعدلها ولهذا تجد الأقلف من الرجال والقلفاء من النسا لا يشبع من الجماع. والحكمة التي ذكرناها في الختان تعم الذكر والأنثى وإن كانت في الذكر أبين والله أعلم ".
أما في بيان القدر الذي يوخذ في الختان فقد ذكر النووي أن الو(3) في ختان الرجل قطع الجلد التي تغطي الحشفة كلها فإن قطع بعضها وجب قطع الباقي ثانياً.
ويستحب أن يقتصر في المرأة على شيء يسير ولا يبالغ في القطع.
الختان ينتصر :(1/324)
في عام 1990 كتب البروفيسور ويزويل : "لقد كنت من اشد أعداء الختان و شاركت في الجهود التي بذلت عام 1975 ضد إجرائه، إلا أنه في بداية الثمانينات أظهرت الدراسات الطبية زيادة في نسبة حوادث التهابات المجاري البولية عند الأطفال غير المختونين، و بعد تمحيص دقيق للأبحاث التي نشرت، فقد وصلت إلى نتيجة مخالفة وأصبحت من أنصار جعل الختان أمراً روتينياً يجب أن يجري لكل مولود " .
نعم لِلَّهِ لقد عادت الفطرة البشرية لتثبت من جديد أنها الفطرة التي لا تتغير على مدى العصور، وأن دعوة الأنبياء من عهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليتحلى المؤمن ويتخلق بخصال الفطرة هي دعوة حق إلى سعادة البشر جميعاً.
الحكم الصحية من ختان الذكور :
أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أن أمراضاً عديدة في الجهاز التناسلي بعضها مهلك للإنسان تشاهد بكثرة عند غير المختونين بينما هي نادرة معدومة عند المختونين.
1 ـ الختان وقاية من الالتهابات الموضعية في القضيب : فالقلفة التي تحيط برأس القضيب تشكل جوفاً ذو فتحة ضيقة يصعب تنظيفها، إذ تتجمع فيه مفرزات القضيب المختلفة بما فيها ما يفرز سطح القلفة الداخلي من مادة بيضاء ثخينة تدعى " اللخن "Smegma وبقايا البول والخلايا المتوسفة والتي تساعد على نمو الجراثيم المختلفة مؤدية إلى التهاب الحشفة أو التهاب الحشفة و القلفة الحاد أو المزمن والتي يصبح معها الختان أمراً علاجياً لا مفر منه وقد تؤدي إلى التهاب المجاري البولية عند الأطفال غير المختونين.
وتؤكد دراسة د.شوبن أن ختان الوليد يسهل نظافة الأعضاء الجنسية ويمنع تجمع الجراثيم تحت القلفة في تفرة الطفولة، وأكد د.فرغسون أن الأطفال غير المختونين هم أكثر عرضة للإصابة بالتهاب الحشفة وتضيق القلفة Phemosis من المختونين.(1/325)
2 ـ الختان يقي الأطفال من الإصابة بالتهاب المجاري البولية : وجد جنز برغ أن 95% من التهابات المجاري البولية عند الأطفال تحدث عند غير المختونين. ويؤكد أن جعل الختان أمراً روتينياً يجري لكل مولود في الولايات المتحدة منع حدوث أكثر من 50 ألف حالة من التهاب الحويضة والكلية سنوياً عند الأطفال. وتؤكد مصادر د. محمد علي البار (5) الخطورة البالغة لالتهاب المجاري البولية عند الأطفال وأنها تؤدي في 35% من الحالات إلى تجرثم الدم وقد تؤدي إلى التهاب السحايا والفشل الكلوي.
3 ـ الختان و الأمراض الجنسية : أكد البروفيسور وليم بيكوز الذي عمل في البلاد العربية لأكثر من عشرين عاماً، وفحص أكثر من 30 ألف امرأة، ندرة الأمراض الجنسية عندهم وخاصة العقبول التناسلي والسيلان والكلاميديا والتريكوموناز وسرطان عنق الرحم، ويُرجع ذلك لسببين هامين ندرة الزنى وختان الرجال.
ويرى آريا وزملاؤه أن للختان دوراً وقائياً هاماً من الإصابة بكثير من الأمراض الجنسية وخاصة العقبول والثآليل التناسلية. كما عدد فنك Fink أكثر من 60 دراسة علمية أثبتت كلها ازدياد حدوث الأمراض الجنسية عند غير المختونين.
وأورد د. ماركس Marks(4) خلاصة 3 دراسات تثبت انخفاض نسبة مرض الإيدز عند المختونين، في حين وجد سيمونس وزملاؤه أن احتمال الإصابة بالإيدز بعد التعرض لفيروساته عند غير المختونين هي تسعة أضعاف ما هو عليه عند المختونين.
أليس هذا بالأمر العجيب ؟
حتى أولئك الذين يجرؤون على معصية الله يجدون في التزامهم بخصلة من خصال الفطرة إمكانية أن تدفع عنهم ويلات هذا الداء الخبيت، لكن لا ننكر أن الوقاية التامة من الإيدز تكون بالعفة والامتناع عن الزنى.
4 ـ الختان و الوقاية من السرطان :(1/326)
يقول البرفسور كلو دري : " يمكن القول و بدون مبالغة بأن الختان الذي يجري للذكور في سن مبكرة يخفض كثيراً من نسبة حدوث سرطان القضيب عندهم، مما يجعل الختان عملية ضرورية لابد منها للوقاية من حدوث الأورام الخبيثة ".
وقد أحصى د.أولبرتس [1103] مرضى مصابين بسرطان القضيب في الولايات المتحدة، لم يكن من بينهم رجل واحد مختون منذ طفولته.
وفي بحث نشره د. هيلبرغ وزملاؤه أكدوا فيه أن سرطان القضيب نادر جداً عند اليهود، وعند المسلمين حيث يجري الختان أيام الطفولة الأولى . وإن أبحاثاً كثيرة جداً تؤكد أن الختان يقي من السرطان في القضيب.
وتذكر هذه الأبحاث أن التهاب الحشفة وتضيق القلفة هما من أهم مسببات سرطان القضيب، ولما كان الختان يزيل القلفة من أساسها، فإن المختونين لا يمكن أن يحدث عندهم تضيق القلفة، ويندر جداً حدوث التهاب الحشفة.
وقد ثبت أم مادة اللخن (4و5) التي تفرزها بطانة القلفة عند غير المختونين والتي تتجمع تحت القلفة لها فعل مسرطن أيضاً.
فقد أثبتت الأبحاث أن هذه المادة تشجع على نمو فيروس الثآليل الإنساني HPV الذي ثبت بشكل قاطع أثره المسرطن.
أما الدكتور رافيتش فيؤكد على دور الختان في الوقاية من أورام البروستات، على الرغم من أنه لا توجد دلالة قاطعة تثبت ذلك، غير أنه في المؤتمر الذي عقد في مدينة دوسلدورف الألمانية عن السرطان والبيئة، أشير إلى العلاقة السلبية بين سرطان البروستات الذي يصيب الرجال وبين الختان، وأن الرجال المختونين أقل تعرضاً للإصابة بهذا السرطان من غير المختونين.
وفي نفس المؤتمر كشف النقاب أيضاً عن أن النساء المتزوجات من رجال مختونين هن أقل تعرضاً للإصابة بسرطان الرحم من النساء المتزوجات من رجال غير مختونين.
من هنا نفهم أن دور الختان لا يقتصر على حماية الرجل " المختون " من الإصابة بالسرطان بل يظهر تأثيره الوقائي عند زوجات المختونين أيضاً.(1/327)
وهكذا يؤكد د. هاندلي أن الختان عند الرجال يقي نساءهم من الإصابة بسرطان عنق الرحم، وذكر أن الحالة الصحية للقضيب والتهاباته تشكل خطراً على المرأة يفوق الخطر الذي يتعرض له الرجال نفسه.
وقد وجد الباحثون أدلة على اتهام فيروس الثآليل الإنساني HPV بتسبب سرطان القضيب لدى غير المختونين، وسرطان عنق الرحم عند زوجاتهم إذ أنهن يتعرضن لنفس العامل المسرطن الذي يتعرض له الزوج.
نخلص من ذلك إلى القول بأن عدم إجراء الختان في سن الطفولة المبكرة يؤدي على ظهور مجموعة من العوامل، منها وجود اللخن (مفرز باطن القلفة )، وتجمع البول حولها ومن ثم تعطنه وتنامي فيروس الثآليل الإنساني وغيره من العوامل المخرشة واليت تؤدي في النهاية إلى ظهور سرطان القضيب عند الأقلف الذي تجاوز عمره الخمسين وحتى السبعين عاماً.
وبانتقال تلك المخرشات إلى عنق الرحم عند زوجته أمكن أن يؤدي عندها إلى الأصابة بسرطان عنق الرحم أو سرطان الفرج.
وإن عملية التنظيف للقلفة لدى غير المختونين لوقايتهم من السرطان، كما يدعو إلى ذلك بعض أطباء الغرب، هي عملية غير مدية على الإطلاق كما يؤكد البروفسور ويزويل فهو يقول بأنه ليس هناك أي دليل على الاطلاق على أن تنطيف القلفة يمكن أن يفيد في الوقاية من السرطان والاختلاطات الأخرى المرتبطة بعدم إجراء عملية الختان.
ونحن مع الدكتور محمد علي البار ـ نرى أن الطب الحديث يؤيد وبقوة ما ذهب إليه الشافعية من استحباب الختان في اليوم السابع، ولحد أقصى [يوم الأربعين] من ولادة الطفل.
وإن ترك الطفل سنوات حتى يكبر دون أن يختن، يمكن ـ كما رأيناـ أن يؤدي إلى مضاعفات خطرة هو في غنى عنها.
ختان البنات :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم عطية وهي ختانة كانت تختن النساء في المدينة : " إذا خفضت فأشمّي ولا تُنهكي، فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج ".(1/328)
وفي رواية قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا ختنت فلا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب للبعل ".
وعن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء".
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم على نسوة من الأنصار فقال: " يا معشر الأنصار اختضبن غمساً واخفضن ولا تُنهكن فإنه أحظى عند أزواجكن وإياكن وكفر المنعمين "
والمنعم هنا هو الزوج، ويقال لختان المرأة : الخفض والإعذار.
وقوله [أشمّي] من الإشمام وهو كما قال ابن الأثير: أخذ اليسير في خفض المرأة، أو اتركي الموضع أشم، والأشم المرتفع، [ ولا تنهكي] أي لا تبالغي في القطع، وخذي من البظر الشيء اليسير، وشبه القطع اليسير بإشمام الرائحة، والنهك بالمبالغة فيه، أي أقطعي من الجلدة التي على نواة البظر ولا تستأصليها.
ونقل ابن القيم عن الماوردي قوله : " وأما خفض المرأة فهو قطع جلدة في الفرج فوق مدخل الذكر ومخرج البول على أصل النواة، ويؤخذ من الجلدة المستعلية دون أصلها " .
هذه النواة هي البظر، والجلدة التي عليها وهي التي تقطع في الختان، والتي شبهها الفقهاء بعرف الديك والمسماة بالقلفة، والتي تتجمع فيها مفرزات اللخن (مفرزات باطن القلفة) مثل ما يحدث في الذكر عندما تكون تلك القلفة مفرطة النمو، لذا أمرت السنة المطهرة بإزالتها .
يقول د. محمد علي البار: هذا هو الختان الذي أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم .
وأما ما يتم في مناطق من العالم من أخذ البظر بكامله، أو البظر مع الشفرين الصغيرين، أو حتى مع الشفرين الكبيرين أحياناً، فهو مخالف للسنة ويؤدي إلى مضاعفات كثيرة.
وهو الختان المعروف بالختان الفرعوني، وهو على وصفه، لا علاقة له مطلقاً بالختان الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.(1/329)
لذا فإن الضجة المفتعلة ضد ختان البنات لا مبرر لها، لأن المضاعفات التي يتحدثون عنها ناتجة عن شيئين لا ثالث لهما: مخالفة السنة، وإجراء العملية دون طهارة مسبقة ومن قبل غير ذوي الخبرة من الجاهلات.
الختان الشرعي له فوائده، فهو اتباع لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وطاعة لأمره خاصة وأنه من شعائر الإسلام، وفيه ذهاب الغلمة والشبق عن المرأة وما في ذلك من المحافظة على عفتها، وفيه وقاية من الالتهابات الجرثومية التي تتجمع تحت القلفة النامية " .
أما د. حامد الغوابي فيقول: " فانظر إلى كلمة (لا تنهكي) أي لا تستأصلي، أليس هذه معجزة تنطق عن نفسها، فلم يكن الطب قد أظهر شيئاً عن هذا العضو الحساس [ البظر]، ولا التشريح أبان عن الأعصاب التي فيه، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي علمه الخبير العليم، عرف ذلك الأمر فأمر بألا يستأصل العضو كله ".
ويتابع د. الغوابي كلامه عن فوائد ختان البنات : " تتراكم مفرزات الشفرين الصغيرين عند القلفاء وتتزنخ ويكون لها رائحة كريهة وقد يؤدي إلى التهاب المهبل أو الإحليل، وقد رأيت حالات كثيرة سببها عدم إجراء الختان عند المصابات.
والختان يقلل الحساسية المفرطة للبظر الذي قد يكون شديد النمو بحيث يبلغ أكثر من 3 سنتمترات عند انتصابه فكيف للرجل أن يختلط بزوجته ولها عضو كعضوه، ينتصب كانتصابه " .
ويرد د. الغوابي على من يدعي أن ختان البنات يؤدي على البرودة الجنسية عندهن، بأن البرود الجنسي له أسباب كثيرة، وأن هذا الإدعاء ليس مبنياً على إحصاءات وشواهد بين المختتنات وغير المختتنات، طبعاً إلا أن يكون ختاناً فرعونياً أدى إلى قطع البظر بكامله.
ثم ينقل عن البروفسور هوهنر ـ أستاذ أمراض النساء في جامعة نيويوركـ بأن التمزقات التي تحدث في المهبل أثناء الوضع تحدث بردواً جنسياً بعكس ما كان منتظراً، في حين أن الأضرار التي تصيب البظر نادراً ما تقود إلى البرود الجنسي.(1/330)
ومن فوائد الختان منعه من ظهور تضخم البظر أو ما يسمى بإنعاظ النساء، وهو إنعاظ متكرر أو مؤلم مستمر للبظر، كما يمنع ما يسمى نوبة البظر وهو تهيج عند النساء المصابات بالضنى يرافقه تخبط بالحركة وغلمنة شديدة وهو معند على المعالجة.
وفي المؤتمر الطبي الإسلامي عن الشريعة والقضايا المعاصرة [القاهرة 1987] قدمت فيه بحوث عن خفاض الأنثى أكد فيه د. محمد عبد الله سيد خليفة أضرار الختان الفرعوني وتشويهه للأماكن الحساسة من جسد الأنثى، وأن الخافضة هنا تنهك إنهاكاً فتزيل البظر بكامله والشفرين إزالة شبه تامة مما ينتج عنه ما يسمى بالرتق وهو التصاق الشفرين ببعضهما .
وأكد ذلك د. محمد حسن الحفناوي وزملاؤه من جامعة عين شمس وبينوا أن أضرار ختان الأنثى ناتج عن المبالغة في القطع الذي نهى عنه نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم أو عن إجراء الخفض بأدوات غير عقيمة أو بأيدي غير خبيرة، وليس عن الختان الشرعي نفسه.
وخلاصة القول يتضح لنا أن الحكمة الطبية من الختان، الذي دعت إليه الشريعة الإسلامية، تظهر عند الرجال أكثر بكثير مما تظهر عند النساء، ونستطيع القول أنه في البلاد ذات الطقس الحار كصعيد مصر والسودان والجزيرة العربية وغيرها، فإنه يغلب أن يكون للنساء بظر نام يزيد في الشهوة الجنسية بشكل مفرط، وقد يكون شديد النمو إلى درجة يستحيل معها الجماع ومن هنا كان من المستحب استئصال مقدم البظر لتعديل الشهوة في الحالة الأولى، ووجب استئصاله لجعل الجماع ممكناً في الحالة الثانية وهذا الرأي الطبي يتوافق مع رأي الجمهور من فقهاء الأمة الذين أوجبوا الختان على الرجال وجعلوه سنة أو مكرمة للنساء مصداقاً لتوجيهات نبي الأمة صلى الله عليه وسلم .
*****************
مراجع البحث :
د . محمد نزار الدقر : مقالة " الختان بين الطب والإسلام " مجلة حضارة الإسلام 14 رمضان 1393هـ.(1/331)
د. عبد السلام السكري : " ختان الذكر وخفاض الأنثى " الدار المصرية للنشر 1989.
د. عبد الرحمن القادري : " الختان بين الطب والشريعة " ابن النفيس دمشق 1996.
د. حسان شمسي باشا : أسرار الختان تتجلى في الطب و الشريعة مكتبة السوادي جدة 1991
د . محمد علي البار الختان دار المنار
الإمام القرطبي : " الجامع لأحكام القرآن " أو ما يسمى بتفسير القرطبي.
ابن القيم الجوزية: " تحفة المودود في أحكام المولود " .
الإمام النووي : " المجموع " .
9. Schoen: New England J. Of Medicine.1990.322.
10. Pikers W: Med .Dijest Jour.April.1977.
11. Fink A J.Circumcision .Mountion View .California .1988.
12. Cowdry E.V:" Cancer Cells
****************
وهنا يحثنا هذا البحث الرائع على فتح صفحة هامة من صفحات كتابنا ألا وهى ::
أنواع الختان
وهنا يفض الإشكال بعونٍ من الكريم المتعال .كل قطر نظر إلى الختان القائم عنده . وبناءاً على ما عنده أصدر حكمه لا على ميزان الشرع صدر ولا إليه ألتفت وعبر !!!
فعندنا على سبيل المثال فى الصعيد أشهد بأن مذبحة تحدث للبنات . ولكن قفوا وتنبهوا ....حتى لا تعترينا الشبهة فتزلزل أركان العفة فى أركان بيوتنا نحن المسلمين .
فالبنت هنا تدفع فاتورة لم تتحملها هى وحدها فالأسرة تضع فى الولد أياً كان جنسه اللبنات الأساسية لحياته فإذا ما نشأة البنت ذات حياء ودين أستبشرت فيها الأسرة الخير وعلموا أنها قد أستبصرت الطريق الذى يصلحها , وهذا قليل فى هذا الزمان بل قد يندر . فأولآدنا ربوا فى أحضان القنوات والكرتونات والمهرجانات وأصبحت قدوة بناتنا ساقطات (( آآآلو ...بابا فين )) الصغيرات !!!!(1/332)
فعلى العفة الرحمة فى إيجادها في الصغيرات , والأب منشغل فى تقليب قنوات الفضحيات . وهم فى كل ليلة يتسفذوه ويقيموا عليه الحجة بإبرازهم لقول (( لا إله إلا الله محمد رسول الله )) على قنواتهم الداعرة الماجنة على مآ يربى هذا الأب بناته الصغيرات ؟
فينشأن بغير حياء عرّآها أبوها وقد يقع عليها فى سكرة الملذات فى زمن تنتهك فيه الحرمات ولآ حريات إن هى إلا نعقات .
هذه البنت التى نزع عنها الحياء تمسكها أمها مراراً وتعاقبها للعبها مع الذكور لعبة (( الأزواج )) أو ما يسمى عندنا بلعبة (( عريس وعروسة )) ويعرض هذا الأمر المتكرر على كمندان البيت فيقرر أن البنت شهوانية ولآبد من تأديبها بالجور عليها فيما قد حان وقت الألتفات إليه وحصاد جزء منه . وتهذيب شهوتها قبل أنتقالها لمرحلة أخرى من حياتها تبدأ فى العمل فيه الكثير من الهرمونات . ولكن بما يزرع الأب جنت الفتاة خاف أن يراها وهى عِرضه ممن يشاهدهم على القنوات أرأيتم كيف تتنزل البليات .
{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } الروم41
ظهر الفساد في البر والبحر, كالجدب وقلة الأمطار وكثرة الأمراض والأوبئة; وذلك بسبب المعاصي التي يقترفها البشر; ليصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوها في الدنيا; كي يتوبوا إلى الله -سبحانه- ويرجعوا عن المعاصي, فتصلح أحوالهم, وتستقيم أمورهم.
أرأيتم كيف يُجنى على الفتاة في تلكم الأنحاء من البلاد ؟
وهذا ورب الكعبة مخالفة للدين ولما جاءت به سنة خاتم النبيين والمرسلين بل هذا لهو الجور المبين والظلم العظيم أن نُعاقب بخطأ الآخرين سبحان ربنا رب العالمين .!!!(1/333)
ولعل ذلك مما تأثر به مفتي جمهورية مصر العربية السابق وشيخ أزهرها الحالي حفظه الله وختم لنا وله بصالحات الأعمال في فتواه الأخيرة حول ختان الإناث ففي مثل هذه البيئة التي تمارس الختان الوحشي الجارف الذى هو أشبه بالعقاب منه من الإعفاف
إذ العنف اكتساب موروث في تلكم الأنحاء وترون القتل هناك لأتفه الأسباب ولكنه القدر الغالب الذي قدره الخالق . وقد قاسى شيخنا المبجل ويلات الثأر وعانى منه شخصياً وكذا كل صعيدي مثلي ربى في هذا الأنحاء فهذه أحد أنواعه تعجلت بها إليكم بشكل غير مرتب فلعل فيها هفوة قلم ...ولكنها عندي والله زفرة ألم .
{ وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } البقرة281
واحذروا -أيها الناس- يومًا ترجعون فيه إلى الله, وهو يوم القيامة, حيث تعرضون على الله ليحاسبكم, فيجازي كل واحد منكم بما عمل من خير أو شر دون أن يناله ظلم. وفي الآية إشارة إلى أن اجتناب ما حرم الله من المكاسب الربوية, تكميل للإيمان وحقوقه من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وعمل الصالحات.
*********************************
تقول صاحبة بحث من أروع ما قيل فى هذا الموضوع .
و هى :: الدكتورة مريم إبراهيم هندي
مدرسة الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة(1/334)
كثُرت الحلقات التى تنشر فى وسائل الإعلام المسموعة والمرئية عن ختان الإناث ، منها حلقة يوم الأربعاء الموافق 10/9/1997م فى إذاعة القاهرة الكبرى ، وحلقة يوم الأربعاء الموافق 17/9/1997م فى إذاعة القاهرة الكبرى أيضاً (1) ، وحلقة شاهدتها فى التلفاز المصرى يوم 7/5/2001م فى القناة الأولى فى برنامج " كلمة حق " ، وقد استمرت الحلقة ساعة ونصف ، وقد شعرت من خلال مشاهدة هذه الحلقة أن الهدف منها هو تنفير الناس من ختان الإناث ، وصد الناس عنه وبيان أنه ليس مشروعاً ، بل هو جريمة وفيه امتهان للمرأة ، ففكرت فى بحث هذا الموضوع لدى علماء الدين والأطباء ليظهر هل ختان الإناث جريمة وامتهان لها واعتداء على حقوقها ؟ أم هو سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وليظهر أيضاً الهدف من وراء هذه الحلقات هل هو الخوف على المرأة المسلمة والحفاظ عليها ؟ أم الهدف شئ آخر ؟
يعتبر هذا البحث الرائع من أوثق الأبحاث التى أستدللت بها فى هذا الجزء من الكتاب لشموله وتفصيل طرحه .
وحول قولها فى أنواع الختان ذكرت ...
أنواع ختان الأنثى كما هو في الواقع
يتم ختان الأنثى في الواقع على أربعة أنواع ، لكن اختلف الأطباء فى درجة من هذه الدرجات ،
فذكر بعضهم أن هذه الدرجات هي :
أ -قطع الجلدة التي فوق رأس البظر .
ب- استئصال جزء من البظر وجزء من الشفرين الصغيرين .
ج- استئصال كل البظر وكل الشفرين الصغيرين .
د- يزال كل البظر وكل الشفرين الصغيرين وكل الشفرين الكبيرين(2) .
وذكر البعض أن هذه الأربع درجات هى :
1-إزالة قلفة البظر وأجزاء من الشفرين الصغيرين .
2-إزالة جزء من البظر وجزء من الشفرين الصغيرين .
__________
(1) الختان فى الشريعة الإسلامية للدكتور نجاشى على إبراهيم ، ص19 .
(2) انظر البتر التناسلى للإناث ( ختان الإناث ) للدكتور محمد فياض ص28 ، وانظر CIRCUMCISION , MUTINATION MALE , FEMAIE للدكتور محمود كريم بجامعة عين شمس ، ص34 .(1/335)
3-إزالة كل البظر وكل الشفريين الصغيرين .
4-إزالة كل البظر وكل الشفرين الصغيرين ، وأجزاء أو كل الشفرين الكبيرين (1) .
فالفرق بينهما فى الدرجة الأولى فقط حيث إن الدرجة الأولى فى التقسيم الثانى فيه قطع جزء من الشفرين الصغيرين وفى التقسيم السابق لا يوجد فيه هذا مع اتفاقهما فى قطع جزء من الجلدة فوق البظر .
وكذلك أرى أن درجات الختان التى جاءت فى كتاب الزواج المثالى ليست دقيقة لأننى أرى أن الدرجة الأولى والثانية درجة واحدة حيث جاء فيه تحت عنوان " درجات الختان " :
1-الدرجة الأولى : يستأصل فيه الشفران الصغيران وجزء صغير من البظر ( هو طرف البظر ) .
2-الدرجة الثانية : يستأصل فيه الشفران الصغيران وجزء من البظر .
3-الدرجة الثالثة : يستأصل فيها الشفران الصغيران بالكامل والبظر كله .
4-الخفاض الفرعونى : وهو الدرجة الرابعة وأشد الدرجات خطراً وأذى ، وفيه يستأصل كل الشفرين الصغيرين وكل الشفرين الكبيرين وكل البظر " (2) .
وهذه الأنواع هى التى تحدث فى الواقع سواء ما أقره الإسلام وما لم يقره ؛ لأن الإسلام أقر الختان للأنثى بطريقة معينة ولم يقر بعض هذه الطرق الأخرى كما سيتضح ذلك فى المبحث الخاص بكيفية ختان الأنثى.
وهنا بيت القصيد وفيه حتمية إجمال القول (( أختلف الفقهاء بين وجوبه وسنته فهذا يوجب مراعاته وإقامته لأنه هام لتهذيب شهوة المرأة ووقاية الرجل من مهلكات ويزيد فى نضارة وجه المرأة ويلقى الحظوة عنده بأن أمرأته أمرأةً معتدلة تجيبه إذا رغبها ويجيبها إذا رغبته بأعتدال بغير تعبد لشهوة الفرج معاذ الله . وهذا يحتم علينا مراعاة قول النبى صلى الله عليه وسلم فى طريقة القيام بهذه الطهارة
__________
(1) انظر : FEMALE CIRCUMCISION IN ARURAL COMMUNITY IN EGYPT للدكتورة صافيناز السيد شلبى ، ص3 : 4 ، ETHICS IN FEMALE CICUMCISION للدكتورة سوسن الغزالى ، ص2 .
(2) الزواج المثالى ، ص43 .(1/336)
قبل الكلام عن الطريقة التى حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتمام ختان الأنثى . , . لي وقفة هامة جداً وهى :
فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إذا التقى الختانان وجب الغسل )) يا أهل العقول هنا النبى يكنّى للغسل ومتى يجب والموضوع هنا عن متى يكون الغسل , لم تحدث مباشرة ولم يكن إيلاج والنبى يدقق فى تحديد الغسل
فأستعمل للكناية عن الغسل وميقاته بما يكون أكثر شهرة منه أليس كذلك ؟
بماذا كنّى النبى صلى الله عليه وسلم للغسل وميقاته ؟
أليس بمقابلة الختان الختان ؟
هل تكون مقابلة بين ذكرين لبعضهما البعض فى المسلمين معاااااااااااااذ الله . إذاً فالشاهد أن الختانين متساويان فى الشهرة عند القوم ولذا أستعملها النبى صلى الله عليه وسلم فى الدلالة على وجوب الغسل ووقته . أى أن وقت الغسل يكون إذا ألتقى ختان الرجل بختان المرأة ))
1- أنه أمر تعبدى ، قال العدوى فى حاشيته على الخرشى : "الخفاض أمر تعبدى ، فيفعل ويتحصل بأدنى شئ " (1) .
وقال ابن القيم بعد ذكره لحديث : " إذا ختنت فلا تنهكى ، فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب للبعل " وأن من فوائده تعديل شهوة المرأة .
فما ينكر أن يكون قطع هذا الطرف علماً على عبودية صاحبه لله - سبحانه - حتى يعرف الناس أنه من كان كذلك كان من عبيد الله الحنفاء ، فيكون الختان علماً لهذه النسبة التى لا أشرف منها مع ما فيه من الطهارة ، والنظافة ، والزينة ، وتعديل الشهوة " (2) .
2- أن فى الختان كما وصفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعديلاً لشهوة المرأة ،
__________
(1) حاشية الخرشى ج3 ص412 .
(2) تحفة الودود ص165 .(1/337)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " نعم تختتن ، وختانها أنه تقطع أعلى الجلدة التى كعرف الديك ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للخافضة - وهى الخاتنة - " أشمى ولا تنهكى ، فإنه أبهى للوجه ، وأحظى لها عند الزوج " . يعنى لا تبالغى فى القطع ، وذلك أن المقصد بختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة فى القلفة ، والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها ، فإنها إذا كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة ، ولهذا يقال فى المشاتمة يا ابن القلفاء ، فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر ، ولهذا من الفواحش فى نساء التتر ونساء الإفرنج ما لا يوجد فى نساء المسلمين . وإذا حصلت المبالغة فى الختان ضعفت الشهوة ، فلا يكتمل مقصود الرجل ، فإذا قطع من غير مبالغة حصل المقصود باعتدال " (1) .
وقال الساعاتى فى بلوغ الأمانى : " والحكمة فى مشروعيته - كما قال الإمام الرازى - أن الحشفة قوية الحس ، فما دامت مستورة بالقلفة، تقوى اللذة عند المباشرة ، وإذا قطعت صلبت الحشفة فضعفت اللذة وهو اللائق بشرعنا : تقليلاً للذة لا قطعاً لها ، توسيطاً بين الإفراط والتفريط .
قلت : ويقال ذلك فى خفاض المرأة لما جاء (د . ك . ط ) (2) : أن النبى - صلى الله عليه وسلم- قال لأم عطية - وكانت تخفض الجوارى- : " اخفضى ولا تنهكى " بفتح التاء وسكون النون وكسر الهاء " فإنه أنضر للوجه " أى أكثر لمائه ودمه " وأحظى عند الزوج "أى أحسن لجماعها عنده ، وأحب إليه ، وأشهى له ؛ لأن الخافضة إذا استأصلت جلدة الختان ضعفت شهوة المرأة ، فكرهت الجماع ، فقلت حظوتها عند حليلها ، كما أنها إذا تركتها بحالها فلم تأخذ منها شيئاً بقيت غلمتها فقد لا تكتفى بجماع زوجها فتقع فى الزنا ، فأخذ بعضها تعديلاً للشهوة والخلقة " (3) .
__________
(1) الفتاوى الكبرى ج1 ص273 - 274 . ، وانظر تحفة الودود ص165 .
(2) أى عند أبى داود والحاكم والطبرانى .
(3) بلوغ الأمانى ، ج17 ص312 .(1/338)
وقال المناوى عند شرحه لحديث : " اخفضى ولا تنهكى " : " لأن الخافضة إذا استأصلت جلدة الختان ضعفت شهوة المرأة فكرهت الجماع، فقلت حظوتها عند حليلها ، كما أنها إذا تركت بحالها فلم تأخذ منها شيئاً بقيت غلمتها فقد لا تكتفى بجماع زوجها فتقع فى الزنا " (1) .
وقال حجة الإسلام الغزالى بعد ذكره لحديث " اخفضى ولا تنهكى فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج " (2) : " أى أكثر لماء الوجه ودمه وأحسن فى جماعها ، فانظر إلى جزالة لفظه - صلى الله عليه وسلم - فى الكناية ، وإلى إشراق نور النبوة من مصالح الآخرة التى هى أهم مقاصد النبوة إلى مصالح الدنيا حتى انكشف له - وهو أمى - من هذا الأمر النازل قدره ما لو وقعت الغفلة عنه خيف ضرره ، فسبحان من أرسله رحمة للعالمين ليجمع لهم بيمن بعثه مصالح الدنيا والدين " (3) .
__________
(1) فيض القدير ، ج1 ص413 .
(2) سبق تخريجه ص23 من هذا البحث .
(3) إحياء علوم الدين ج1 ص168 .(1/339)
وقال الشيخ جاد الحق تحت عنوان " رأى الأطباء " وأنهم اختلفوا فيه . قال :" فمنهم من يرى ترك ختان النساء ، وآخرون يرون ختانهن؛ لأن هذا يهذب كثيراً من إثارة الجنس ، لا سيما فى سن المراهقة التى هى من أخطر مراحل حياة الفتاة ، ولعل تعبير بعض روايات الحديث الشريف فى ختان النساء بأنه مكرمة يهدينا إلى أن فيه الصون ، وأنه طريق للعفة فوق أنه يقطع تلك الإفرازات الدهنية التى تؤدى إلى التهابات مجرى البول ، وموضع التناسل ، والتعرض بذلك للأمراض الخبيثة . هذا خلاصة ما قاله الأطباء المؤيدون لختان النساء ، وأضافوا أن الفتاة التى تعرض عن الختان تنشا من صغرها ، وفى مراهقتها حادة المزاج سيئة الطبع ، وهذا أمر قد يصوره لنا ، ويحذر من آثاره ما صرنا إليه فى عصرنا من تداخل وتزاحم ، بل وتلاحم بين الرجال والنساء فى مجالات الملاصقة التى لا تخفى على أحد ، فلو لم تختتن الفتيات على الوجه الذى شرحه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لأم حبيبة لتعرضن لمثيرات عديدة تؤدى بهن - مع موجبات أخرى تزخر بها حياة العصر ، وانكماش الضوابط فيه - إلى الانحراف والفساد " (1) .
وقال فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوى بعد ذكره لحديث أم عطية أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال لها : " اخفضى ولا تنهكى " وغيره . قال : " وهذا التوجيه النبوى إنما هو لضبط ميزان الحس عند الفتاة ، فأمر بخفض الجزء الذى يعلو مخرج البول لضبط الاشتهاء والإبقاء على لذات النساء واستمتاعهن مع أزواجهن ، ونهى عن إبادة مصدر هذا الحس واستئصاله ، وبذلك يكون الاعتدال ، فلم يعدم المرأة مصدر الاستمتاع والاستجابة ، ولم يبقها دون خفض ، فيدفعها إلى الاستهتار، وعدم القدرة على التحكم فى نفسها عند الإثارة " (2) .
__________
(1) الختان ، ص18 .
(2) الفتاوى الإسلامية ، المجلد الحادى والعشرون ، ص7865 .(1/340)
والعجب كل العجب من فضيلة الشيخ عندما يتراجع عن هذا الكلام لأجل محافل دولية ولخدمة أهداف إبليسبة ويقول أن الختان من عادات الجاهلية . وعوتب على هذا القول . فزاد الطين بلة وقال عن الواجب والمسنون على إختلاف أراء العلماء أنه عادة قبيحة يجب منعها !!!
يا شيخ ألك فتوى للمسلمين ... وفتوى للإعلاميين ... وفتوى للمؤتمرين ؟
سبحان الله العظيم
وتضيف الدكتورة ....
وقد أكد هذه الفائدة أيضاً بعض الأطباء منهم الدكتور محمد على البار حيث قال : " والختان فى النساء سنة ، ويقطع شئ من البظر ، والبظر فى المرأة يقابل القضيب فى الرجل إلا أن حجمه صغير جداً ولا تخترقه قناة مجرى البول ، وعلى البظر قلفة ، وإن كانت صغيرة ، ولها عيوب القلفة فى الرجل ، إذ تتجمع فيها الإفرازات ، وتنمو الميكروبات، والبظر عضو حساس جداً مثل حشفة القضيب ، وهو عضو انتصابى كذلك ، ولا شك أنه مما يزيد الغلمة والشبق ، وذلك من دواعى الزنا إذا لم يتسنَّ الزواج ، ومع هذا فقد أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الخاتنة أن تزيل شيئاً يسيراً من البظر ، ولا تخفض حتى لا تصاب المرأة بالبرود الجنسى ، فقد روت أم عطية قوله -صلى الله عليه وسلم-: " إذا ختنت فلا تنهكى ، فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب للبعل " (1) ، وقالت ميمونة أم المؤمنين - رضى الله عنها : " إذا خفضت فأشمى ( أى ارفعى ) ولا تنهكى ، فإنه أسرى للوجه وأحظى لها عند زوجها " ، وهكذا تتضح حكمة الختان فى الرجال والنساء ، وتبدو ملة أبينا إبراهيم الذى سمانا المسلمين ، والذى سن لنا الختان . . . تبدو ناصعة نقية تهتم للصغير كما تهتم بالكبير ، والختان من المسائل التى تبدو هينة بسيطة... ولكن فى طياته خير كثير . . . ، وفى تركه أذى وشر مستطير . واتباع هذا الدين فى الصغير والكبير ، . . . هو السبيل الوحيد للنجاة من خزى الدنيا وعذاب الآخرة . . . والله الهادى إلى سواء
__________
(1) سبق تخريجه ص23 من هذا البحث .(1/341)
السبيل " (1) .
كيفية ختان الأنثى
ذكر بعض الفقهاء أن ختان الأنثى يكون بقطع أدنى جزء من الجلدة التى فى أعلى فرج المرأة التى تشبه النواة أو عرف الديك (2) .
وذهب البعض الآخر إلى أنه يكون بقطع الجلدة التى فى أعلى الفرج والتى تشبه النواة بشرط ألا تستأصل (3) .
وأرى أن الفرق بين الفريقين هو فى حجم الجزء المقطوع حيث إنه عند الفريق الأولى أدنى جزء أى جزء قليل ، لكنه عند الفريق الثانى يمكن أن يكون كبيراً لكنه مشروط بعدم استئصال البظر كاملاً .
وأرى أيضاً أن الفريقين جميعاً متفقون مع حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أشمى ولا تنهكى " أى اقطعى بشرط أن تتركى المكان أشم ، ولا تستأصلى هذا العضو .
وهم بهذا متفقون مع الدرجة الأولى والثانية من درجات الختان التى تحدث فى الواقع فى قطع الجلدة التى فوق البظر أو قطع جزء من البظروجزء من الشفرين الصغيرين (3 ) .
وأ رى أنه ليس فى كلام الفقهاء ما يمنع من ذلك وليس فى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم : " أشمى ولا تنهكى " ما يمنع ذلك أيضاً حيث إنه ليس فيه أسلوب قصر ولكن لعله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم أن الختان يتم باستئصال البظر فأرشد من تقوم به بألا تستأصل دون ذكر لكل ما يقطع .
__________
(1) خلق الإنسان بين الطب والقرآن ، ص33 - 34 ، وانظر :
FEMALE CIRCUMCISION ، ص1 .
(2) حاشية الخرشى ج3 ص412 ، وحاشية العدوى ج3 ص412 ، وشرح مسلم للنووى ج3 ص148 ، والمجموع للنووى ج1 ص349 ، وبلوغ الأمانى ج17 ص312 .
(3) فتح البارى ج10 ص279 - 280، ج10 ص353، ج1 ص470 ، والفتاوى الكبرى لابن تيمية ج1 ص273 ، ونيل الأوطار ج1 ص145 .(1/342)
بل إننى أرى أن حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل " (1) يشير إلى ذلك ؛ لأنه إذا جاوز ختان الرجل ختان المرأة ( أى موضع قطع شفريها الصغيرين ) يجب الغسل ؛ لأنه يكون قد غابت الحشفة فى فرج المرأة .
وعلى ذلك يكون حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "أشمى ولا تنهكى" ، وحديثه : "إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل" متفقة مع الدرجة الأولى والثانية من درجات الختان التى تتم فى الواقع .
وقد ذكرت الدكتورة عبير عبده محمد بركات : " أن ختان الدرجة الأولى والثانية يسمى بختان السنة - حتى فى الكتب الأجنبية (راجع الموسوعات الطبية الآتية) (2) .
أما عن الكيفية الطبية لهذه العملية فقد وضحت فى بحث " عملية ختان الأنثى " على النحو التالى :
1-تستمر الجرعة المنومة حتى تصبح جرعة مخدر كاملة .
2-تطهير جراحى كامل .
3-مخدر الترشيح الموضعى بحيث يتم إعطاء 5 مل من المخدر الموضعى ، ويتم إعطاء 3 مل منها بطريقة خاصة خلف العانة ، والباقى يتم عن طريق الترشيح المباشر على الشفر الأصغر والبظر على كلا الجانبين .
4-يتم إمساك غرلة البظر عن طريق الجفت ، ورفعه إلى أعلى لمعرفة الأجزاء التى تحتاج إلى القطع فوق سطح الشفر الأسفل ، ويتم قطع هذه الأجزاء بمقص صغير أو مشرط .
5-يتم تأمين أماكن النزيف حتى تجف تماماً .
6-يتم تقريب حافة الجروح عن طريق خيط غرز رفيع .
7-الأجزاء التى يتم استئصالها هى : الأجزاء البارزة من البظر والأجزاء البارزة من الشفرين الصغيرين .
__________
(1) سبق تخريجه ص8 من هذا البحث .
(2) PROFILE OF FEMALE GENITAL MUTILATION AMONG AT TENDANTS ، ص5 .(1/343)
ثم وضح البحث أنه ربما يكون هناك حاجة إلى المخدرات البسيطة فى اليوم الأول بعد الجراحة ويكون الشفاء سريعاً وهادئاً ، ويتم الشفاء بمشيئة الله تعالى فى خلال 3 - 4 أيام (1) .
هذا رأى الطب والأطباء عن كيفية الختان فى حق الأناث وأن هذا لا يتعارض من نصوص الصادق الأمين , فهل بعد هذا من مماراة أو جدل ؟
الفوائد الصحية فى الختان عند الذكر والأنثى
وقال الدكتور محمود ناظم النسيمى : " تتضح الحكمة الصحية من الختان عند الرجال أكثر منها عند النساء ، ونستطيع القول : إنه فى البلاد ذات الطقس الحار كما فى السودان وغيرها من البلاد الإفريقية وفى مصر والجزيرة العربية وغيرها ، فإنه يغلب أن يكون للنساء بظر نامٍ مما يزيد فى الشهوة الجنسية لدى احتكاكه بما جاوره من بدن وثياب أثناء المشى ، وقد يكون شديد النمو إلى درجة يستحيل (2) معها الجماع ، ومن هذا وجب استئصال مقدم البظر فى مثل هذه الظروف لتعديل الشهوة ، ولجعل الجماع ممكناً فى الحالة الثانية " (3) .
وقال الدكتور حامد الغوابى مبيناً فوائد ختان الأنثى : " هذا وإنى أرى فائدة الختان للبنات تتلخص فيما يأتى :
__________
(1) FEMALE CIRCUMCISION للأستاذ الدكتور صفوت محمد لطفى ، الأستاذ الدكتور منير من فوزى ، الأستاذ الدكتور عادل حسن ، الدكتور علاء الجندى ، والدكتور حاتم سعد شلبى .
(2) هكذا قال ، وأرى أن الصواب " يصعب معها أو يشق " نظراً لكبر حجمه .
(3) الطب النبوى والعلم الحديث ، ج1 ص383 .(1/344)
أولاً : الإفرازات الدهنية المنفرزة من ( الشفرين الصغيرين ) (1) إن لم يقطعهما مع جزء من البظر فى الختان تتجمع وتترنخ ، ويكون لها رائحة غير مقبولة ، وتحدث التهابات قد تمتد إلى المهبل بل إلى قناة مجرى البول . وقد رأيت حالات كثيرة بهذه الالتهابات فى بعض السيدات سببها عدم الختان .
ثانياً : هذا القطع كما أشرنا يقلل الحساسية للبنت حيث لا شئ لديها ينشأ عنه احتكاك جالب للاشتهاء ، وحينئذ لا تصير البنت عصبية منذ الصغر " (2) .
__________
(1) فى الكتاب " الكبيرين " وهو خطأ مطبعى نص على ذلك الدكتور حامد الغوابى نفسه بعد ذلك أثناء رده على من انتقده - انظر ختان البنات بين الطب والإسلام ( رد على مقال للدكتور حامد الغوابى ) من كتاب الختان لأبى بكر عبد الرازق ، ص54 - 55 .
(2) ختان البنات بين الطب والإسلام من كتاب الختان لأبى بكر عبد الرازق ، ص50 - 51 ، وانظر : FEMALE CIRCUMCISION ، ص1 .(1/345)
وقال الدكتور حامد الغوابى أيضاً فى رده على من انتقده قائلاً:" ثم يقول الزميل المحترم : إن للأنثى عضواً حساساً يسمى البظر ، يقابل عضو الرجل من الوجهة التكوينية ، وهو صغير يبلغ طوله 3 سنتيمترات، وبه نسيج انتصابى اسفنجى ، وهو حساس ، وبطرفه حشفة ( رأس ) هى الأخرى جزء من نسيج انتصابى ، وهأنذا أرى أن هذا الزميل المحترم قد ناقض نفسه بنفسه فإنه ذكر أن هذا العضو ينتصب كما ينتصب عضو الرجل ، وإن كان فى حدود 3 سنتيمترات ، إلا أنه قد يكون فى بعض الحالات أكثر من ذلك ، وإن كانت قليلة فكيف لرجل أن يختلط بزوجه وهى لها عضو كعضوه ينتصب كانتصابه أليس ذلك أدعى إلى استئصال جزء من هذا العضو كما جاء فى حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم ؟ وإذا كان قد نهى عن المساحقة بين البنات وهن بلا بظر ينتصب فكيف بهذه العادة بينهن وعندهن عضو ينتصب كما جاء فى كلام الزميل المحترم " (1) .
__________
(1) ختان البنات بين الطب والإسلام فى كتاب الختان لأبى بكر عبد الرازق ، ص55 .(1/346)
وقال الدكتور أحمد خفاجى : " وإذا كان الهدف من ختان الذكور هو تعديل الشهوة ، ومنع الإفرازات الصادرة من الحشفة ، فإن الختان للإناث مرتبط أساساً بتقليل الشهوة أو تعديلها ، فأكثر أعضاء الإناث استثارة البظر ، ويأتى من بعده الشفران الصغيران ، ثم الكبيران ، ولذلك فإن من يختنون البنات بإزالة كل هذه الأجزاء الحساسة إنما يظلمونهن ، ويمنعونهن نعمة وهبها الله لهن . بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى ما هو أخطر منه ، حيث تصاب الأنثى - أحياناً - بضيق فى فتحة البول ، أو فى المهبل ، ينتج عنه مشاكل بولية ، أو مشاكل فى الولادة بعد ذلك ، ونحن نتفق كلية مع الذين يحاربون الختان بهذه الطريقة البشعة المشوهة للأنثى، أما إزالة جزء معين من البظر ، فإنه تعديل لهذه الشهوة التى قد تؤذى الأنثى وترهقها ، وتكون سبباً فى عدم إشباعها من الطرق الطبيعية عن طريق زوجها ، وحافزاً لها على تكملته من طرق أخرى (1) .
وقال أيضاً : " وال . . . حينما يتكلم عن ختان الأنثى وكونه جريمة وتشويهاً للأنثى ، فنحن نتفق معه إذا كان يتكلم عن التشويه الذى ذكرناه آنفاً أما إذا كان يدعو إلى منع هذه السنة الكريمة كلية ، فإنه بذلك يدعو إلى الفجور ، لا إلى الفضيلة والمحافظة على حقوق الأنثى التى نحرص نحن عليها أكثر منه ، حيث نجعلها فى صورة غير مرهقة لها ولا مضرة بها ولا بغيرها " (2) .
__________
(1) حكم الإسلام فى الختان للشيخ عبد الرحمن حسن محمود ، ص27 .
(2) المرجع السابق ، ص28 .(1/347)
فإن قيل إن العفة والشرف وشدة الشهوة وضعفها لا ترتبط تمام الارتباط بالختان وعدمه بل تتدخل فيها عوامل أخرى من حسن التربية والقدوة أو سوءهما ، وشيوع الفضيلة أو الرذيلة وعوامل الإغراء والفتنة، والتكوين الجسمى ، وما فيه من غدد ، والحالة الصحية والنفسية للمرأة وهو ما ذكره الدكتور زكريا البرى (1) ، وذكره أيضاً الشيخ محمود شلتوت (2) .
أقول هذا صحيح فإن الختان ليس هو سبب العفة الوحيد ، ولكنه سبب من عدة أسباب ، وعلى ولى أمر الأنثى أن يقوم بما يقدر عليه من هذه الأسباب مما شرعه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فعليه أن يقوم بحسن تربيتها ، وأن يؤدبها ، وأن يبعدها عن جو الرذيلة وأن يهيئ لها جو الفضيلة قدر طاقته ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - " كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته " ، وعليه أن يقوم بختانها بالطريقة التى وضحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفى السن المناسبة لذلك ، ثم بعد ذلك يدعو الله أن يحفظ بناته عن المحرمات وأن يجعلهن صالحات .
***************
وفى الختام ...
( ما بقى إلا التواصى بالحق والتواصى بالصبر )
كلمة نقولها لكل ناعق بأسم الحرية الزائفة ...
مهلاً مهلا يا روايا الإرجاف، وأبناء النفاق، وأنسال الأحزاب وكفوا عن الخوض فيما كفيتم، والتخطي إلى ما حذرتم قبل أن تتلف نفوسٌ، ويقل عذرٌ، ويذل عز. وما أنتم وتلك? ولم? ألم تجدوا ما وعد ربكم حقاً من إيراث المستضعفين مشارق الأرض ومغاربها? بلى، ولكنه حسدٌ مضمرٌ، وحسك في الصدور. فرغماً للمعاطس، وبعداً للقوم الظالمين.
فحتى متى? وإلى متى? لقد كذبتهم العيدان التي افترعوها، وأمسكت السماء درها، والأرض ريقها، وقحل الزرع، وجفر فنيق الكفر، واشتمل جلباب الشرك، وأبطلت الحدود، وأهدرت الدماء، وكان ربك بالمرصاد، "فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقبها".
__________
(1) الختان لأبى بكر عبد الرازق ، ص96 .
(2) الفتاوى ، ص333 - 334 .(1/348)
وانتاشكم عباد الله لينظر كيف تعملون. فالشكر الشكر عباد الله؛ فإنه من دواعي المزيد. أعاذنا الله وإياكم من نفثات الفتن. "ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار"
أيها القوم. حتى متى يهتف بكم صريخكم? أما آن لراقدكم أن يهب من رقدته? بلى و"كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون". طال الإمهال حتى حسبتموه الإهمال. هيهات كيف يكون ذلك والسيف مشهورٌ? لا والله، حتى يجوسكم خلال الديار.
حتى تبيد قبيلةٌ وقبيلةٌ * ويعض كل مهند بالهام
ويقمن ربات الخدور حواسراً * يمسحن عرض ذوائب الأيتام
الإنصاف راحة، والإلحاح قحة، والشح شناعة، والتواني إضاعة، والصحة بضاعة، والخيانة وضاعة، والحرص مفقرة، والدناءة محقرة، والبخل غل، والفقر ذل، والسخاء قربة، واللؤم غربة، والذلة استكانة، والعجز مهانة، والأدب رياسة، والحزم كياسة، والعجب هلاك، والصبر ملاك، والعجلة زلل، والإبطاء ملل.
ثلاثة أشياء لا ثبات لها: المال في يد من يبذر، وسحابة الصيف، وغضب العاشق.
وقال معاوية رضى الله تعالى عنه: آفةُ المروءة الكبر وإخوانُ السوء، وآفةُ العلم النسيان، وآفةُ الحلمِ الذُّل، وآفةُ الجودِ السرف، وآفةُ القصد البُخْلِ، وآفةُ المنطق الفُحشِ، وآفة الجلدِ الكسل، وآفةُ الرزانة الكبر، وآفةُ الصمتِ العيّ، وآفة اللبّ العجب، وآفة الظَّرف الصلف، وآفة الحياءِ الضَّعف. وقال: لا جَدَّ إلا ما أقعص عنك ما تكره. وقال: لا تعدنَّ شيئاً، وحسبك جوداً أن تُعْطِيَ إذا سُئِلْتَ. وقال معاوية: المروءة مؤاخاةُ الأكفاء، ومداجاةُ الأعداء. وقال: ما وجدتُ لذةَ شيءٍ ألذَّ عندي غباًّ من غيظٍ أتجرعُهُ، ومن سفهٍ بالحلمِ أقمعُهُ. وقال له رجل: ما أشبه أستك بأستِ أمك فقال: ذاك الذي كان يُعْجِبُ أبا سفيان منها.(1/349)
قالت خالدة بنت هاشم بن عبد مناف لأخ لها - وقد سمعته تجهم صديقاً له: أي أخي، لا تطلع من الكلام إلا ما قد روأت فيه قبل ذلك، ومزجته بالحلم، وداويته بالرفق؛ فإن ذلك أشبه بك. فسمعها أبوها هاشم فقام إليها فاعتنقها وقبلها وقال: واهاً لك يا قبة الديباج. فلقبت بذلك.
روي أن عمر أمير المؤمنين رضى الله عنه : نهى أبا سفيان رضى الله تعالى عنه عن رش باب منزله لئلا يمر به الحاج فيزلقون فيه، فلم ينته. ومر عمر فزلق ببابه فعلاه بالدرة وقال: ألم آمرك ألا تفعل هذا. فوضع أبو سفيان سبابته على فيه. فقال عمر: الحمد لله الذي أراني أبا سفيان ببطحاء مكة أضربه فلا ينتصر، وآمره فيأتمر. فسمعته هند بنت عتبة فقالت: احمده يا عمر فإنك إن تحمده فقد أراك عظيماً.(1/350)
أقول منبهاً لنفسي، ولمن كان من أبناء جنسي: من لم يطع ناصحه بقبول ما يسمع منه، ولم يملك صديقه كله فيما يمثله له، ولم ينقد لبيانه فيما يريغه إليه ويطلعه عليه؛ ولم ير أن عقل العالم الرشيد، فوق عقل المتعلم البليد؛ وأن رأى المجرب البصير، مقدمٌ على رأي الغمر الغرير فقد خسر حظه في العاجل، ولعله أيضاً يخسر حظه في الآجل؛ فإن مصالح الدنيا معقودةٌ بمراشد الآخرة، وكليات الحس في هذا العالم، في مقابلة موجودات العقل في ذلك العالم؛ وظاهر ما يرى بالعيان مفضٍ إلى باطن ما يصدق عنه الخبر؛ وبالجملة، الداران متفقتان في الخير المغتبط به، والشر المندوم عليه؛ وإنما يختلفان بالعمل المتقدم في إحداهما، والجزاء المتأخر في الأخرى؛ وأنا أعوذ بالله الملك الحق الجبار العزيز الكريم الماجد أن أجهل حظي، وأعمى عن رشدي، وألقي بيدي إلى التهلكة، وأتجانف إلى ما يسوءني أولاً ولا يسرني آخراً؛ هذا وأنا في حال من إن لم تهده التجارب فيما سلف من أيامه، في حالي سفره ومقامه؛ وفقره وغنائه، وشدته ورخائه، وسرآئه وضرائه، وخيفته ورجائه؛ فقد انقطع الطمع من فلاحه ووقع اليأس من تداركه واستصلاحه؛ فإلى الله أفزع من كل ريثٍ وعجل وعليه أتوكل في كل سؤل وأمل، وإياه أستعين في كل قول وعمل.(1/351)
" اللهم كما علمتنا بالقلم، وأنطقتنا بالسان الأفصح، وأريتنا لفم الطريق الأوضح، وهديتنا لصراطك المستقيم، وفقهتنا في الدين، فأوزعنا إن نطلب الزلفى لديك، بالحمد لك والثناء عليك، ووفقنا لارتباط آلائك بشكرها، وأعذنا من أن يحل عقالها بكفرها، وأيدينا بأيدك، وأجرنا من كيدك، وسددنا لقضاء حقك وأداء فرضك، وشكر نعمتك، ولزوم محجتك، والتزام حجتك، والاستضاءة بنورك الذي لا يضل من جعله معلماً لدينه، وعلماً يتلقاه بيمينه. اللهم أنت المأمول، وعدلك المأمون، وفضلك المرجو. بإحسانك الملاذ، وبك من سخطك العياذ. أعوذ بك من الخطل في القول، كما أعوذ بك من الخطإ في العمل. أعوذ بك من زلل اللسان والقلم كما أعوذ بك من ذلل القدم، وأعوذ بك من النطق الفاضح، كما أعوذ بك من العي الفادح. فاجعل نطقنا ثناءً على عزتك، وصمتاً فكراً في قدرتك. وجنبنا في جميع أحوالنا ومختلفات أقوالنا وأفعالنا ما نستجلب به غضبك، ونحتقب به الشرك بك، تشبيها لك بخلقك وتصويراً وتظليما لك في فعلك، وتجويرا وعدولا في دينك عن الجدد، وتنكبا للسنن الأرشد، الذي هدانا إليه نبيّك محمد صلى الله عليه وسلم، بوحيك الذي أوحيته إليه، وكلامك الذي أنزلته عليه، مبلغاً لرسالتك، نادياً إلى عبادتك، صادعا بالدعاء إلى توحيدك، معلنا بتعظيمك وتمجيدك. ناصحاً لأمته وعبيدك. صلى الله عليه صلاتاً نامية زاكية وسلم سلاما طيبا كثيرا وعلى أصحابه وأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهير.
سبحانك اللهم وبحمد أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
جمعه وألفه ورتبه
الفقير إلى رب البريات
أبوكفاح الدين
أحمد بن محمد السعيد العزيزى
سبط الإمام المجدد
تقى الدين أبو الفتح القشيرى
إبن دقيق العيد
رحمه الله(1/352)