إلى متى نمارى
جمعه عبد الله الفقير لعفوه ورحمته
أبوكفاح الدين
أحمد بن محمد السعيد
سبط بن دقيق العيد
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ثم أما بعد .
الله سبحانه أكبر من كل شئ وخزائن كل شئ يملكها وحده
{وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ }الحجر21
وما من شيء من منافع العباد إلا عندنا خزائنه من جميع الصنوف, وما ننزله إلا بمقدار محدد كما نشاء وكما نريد, فالخزائن بيد الله يعطي من يشاء ويمنع من يشاء, بحسب رحمته الواسعة, وحكمته البالغة.
قدرته تعالى ظاهرة فى الوجود أمامنا
يعاينها البر والفاجر والطائع والعاصى والمسلم والكافر .
فالسموات والأرض خلقها تعالى فى ستة أيام .
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }الأعراف54(1/1)
إن ربكم -أيها الناس- هو الله الذي أوجد السموات والأرض من العدم في ستة أيام, ثم استوى -سبحانه- على العرش -أي علا وارتفع- استواءً يليق بجلاله وعظمته, يُدخل سبحانه الليل على النهار, فيلبسه إياه حتى يذهب نوره, ويُدخل النهار على الليل فيذهب ظلامه, وكل واحد منهما يطلب الآخر سريعًا دائمًا, وهو -سبحانه- الذي خلق الشمس والقمر والنجوم مذللات له يسخرهن -سبحانه- كما يشاء, وهنَّ من آيات الله العظيمة. ألا له سبحانه وتعالى الخلق كله وله الأمر كله, تعالى الله وتعاظم وتنزَّه عن كل نقص, رب الخلق أجمعين.
وهو سبحانه قادر أن يقول لهما كونا فيكونا .
كل الكون فى قبضته تعالى منذ خلق الخلق وإلى أن تقوم الساعة .
ثم يأمر أسرآفيل بالنفخ فى الصور ويفنى الكون وليس بالتدرج كما كان الخلق ولكنه لمرة واحدة .
خلق الأشياء والمخلوقات بالتدرج من لدن آدم وإلى يوم تقوم الساعة .
ولكن يوم القيامة يخلقهم ويعيدهم مرة واحدة ودفعة واحدة وليس بالتدرج
{يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }غافر16
يوم القيامة تظهر الخلائق أمام ربهم, لا يخفى على الله منهم ولا مِن أعمالهم التي عملوها في الدنيا شيء, يقول الله سبحانه: لمن الملك والتصرف في هذا اليوم؟ فيجيب نفسه: لله المتفرد بأسمائه وصفاته وأفعاله, القهَّار الذي قهر جميع الخلائق بقدرته وعزته.
الجنين يتطور ويتدرج فى الخلق فى بطن أمه وخارجها .
فيولد طفلاً فشاباً فشيخاً(1/2)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }الحج5
يا أيها الناس إن كنتم في شك من أن الله يُحيي الموتى فإنَّا خلقنا أباكم آدم من تراب, ثم تناسلت ذريته من نطفة, هي المنيُّ يقذفه الرجل في رحم المرأة, فيتحول بقدرة الله إلى علقة, وهي الدم الأحمر الغليظ, ثم إلى مضغة, وهي قطعة لحم صغيرة قَدْر ما يُمْضَغ, فتكون تارة مخلَّقة, أي تامة الخلق تنتهي إلى خروح الجنين حيًا, وغير تامة الخلق تارة أخرى, فتسقط لغير تمام؛ لنبيِّن لكم تمام قدرتنا بتصريف أطوار الخلق, ونبقي في الأرحام ما نشاء, وهو المخلَّق إلى وقت ولادته, وتكتمل الأطوار بولادة الأجنَّة أطفالا صغارًا تكبَرُ حتى تبلغ الأشد, وهو وقت الشباب والقوة واكتمال العقل, وبعض الأطفال قد يموت قبل ذلك, وبعضهم يكبَرُ حتى يبلغ سن الهرم وضَعْف العقل; فلا يعلم هذا المعمَّر شيئًا مما كان يعلمه قبل ذلك. وترى الأرض يابسةً ميتة لا نبات فيها, فإذا أنزلنا عليها الماء تحركت بالنبات تتفتح عنه, وارتفعت وزادت لارتوائها, وأنبتت من كل نوع من أنواع النبات الحسن الذي يَسُرُّ الناظرين.
والنطفة أصلها تراب وهواء وماء .(1/3)
يدخل أهل الجنة وهم شباب طول الواحد منهم ستون ذراعاً لايفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم ولهم الخلود فى النعيم المقيم ويتلذذ بنعم الجنة وتزداد لذته فى كل مرة ولا يأتيه ملل أو يسئم .
{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }البقرة82
وحكم الله الثابتُ في مقابل هذا: أنَّ الذين صدَّقوا بالله ورسله تصديقًا خالصًا, وعملوا الأعمال المتفقة مع شريعة الله التي أوحاها إلى رسله, هؤلاء يلازمون الجنة في الآخرة ملازمةً دائمةً لا تنقطع.
{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }يونس26
للمؤمنين الذين أحسنوا عبادة الله فأطاعوه فيما أمر ونهى, الجنةُ, وزيادة عليها, وهي النظر إلى وجه الله تعالى في الجنة, والمغفرةُ والرضوان, ولا يغشى وجوههم غبار ولا ذلة, كما يلحق أهل النار. هؤلاء المتصفون بهذه الصفات هم أصحاب الجنة ماكثون فيها أبدًا.
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }هود23
إن الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا الأعمال الصالحة, وخضعوا لله في كل ما أُمروا به ونُهوا عنه, أولئك هم أهل الجنة, لا يموتون فيها, ولا يَخْرجون منها أبدًا.
{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً }الفرقان24
أصحاب الجنة يوم القيامة خير مستقرًا من أهل النار وأحسن منازل في الجنة, فراحتهم تامة، ونعيمهم لا يشوبه كدر.
{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ }يس55(1/4)
55 - (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل) بسكون الغين وضمها عما فيه أهل النار مما يتلذذون به لا شغل يتعبون فيه لأن الجنة لا نصب فيها (فاكهون) ناعمون خبر ثان لإن والأول في شغل
{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ }الأحقاف16
أولئك الذين نتقبل منهم أحسن ما عملوا من صالحات الأعمال, ونصفح عن سيئاتهم, في جملة أصحاب الجنة, هذا الوعد الذي وعدناهم به هو وعد الصدق الحق الذي لا شك فيه.
{لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ } الحشر20
لا يستوي أصحاب النار المعذَّبون, وأصحاب الجنة المنعَّمون, أصحاب الجنة هم الظافرون بكل مطلوب, الناجون من كل مكروه.
وعلى النقيض من ذلك تجد الذى هجر هدى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فى ضنك من عيشه..
{وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً }الإسراء97
ومن يهده الله فهو المهتدي إلى الحق، ومن يضلله فيخذلْه ويَكِلْه إلى نفسه فلا هادي له من دون الله، وهؤلاء الضُّلال يبعثهم الله يوم القيامة، ويحشرهم على وجوههم، وهم لا يرون ولا ينطقون ولا يسمعون، مصيرهم إلى نار جهنم الملتهبة، كلما سكن لهيبها، وخمدت نارها، زدناهم نارًا ملتهبة متأججة.
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }طه124(1/5)
ومن تولَّى عن ذكري الذي أذكِّره به فإن له في الحياة الأولى معيشة ضيِّقة شاقة -وإن ظهر أنه من أهل الفضل واليسار-، ويُضيَّق قبره عليه ويعذَّب فيه، ونحشره يوم القيامة أعمى عن الرؤية وعن الحجة.
وفوق هذا الزقوم لهم طعام والحميم لهم شراب والقطران لهم كساء .
ضرس الواحد منهم كجبل أحد .
غلظ وسمك جلده مسيرة ثلاث أيام .
يبكى فتنتهى الدموع فيسيل الدم فى المآقى وتجرى الأنهار بالدماء ولا يفنى منه شئ
{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ }الصافات62
أذلك الذي سبق وصفه مِن نعيم الجنة خير ضيافة وعطاء من الله, أم شجرة الزقوم الخبيثة الملعونة, طعام أهل النار؟
{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ }الحج19
هذان فريقان اختلفوا في ربهم: أهل الإيمان وأهل الكفر, كل يدَّعي أنه محقٌّ، فالذين كفروا يحيط بهم العذاب في هيئة ثياب جُعلت لهم من نار يَلْبَسونها, فتشوي أجسادهم، ويُصبُّ على رؤوسهم الماء المتناهي في حره،.
{فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ }غافر72
في الماء الحار الذي اشتدَّ غليانه وحرُّه, ثم في نار جهنم يوقد بهم.
{فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ }الواقعة54
فشاربون عليه ماء متناهيًا في الحرارة لا يَرْوي ظمأ,أى على الزقوم طعامهم .
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ }إبراهيم50
ثيابهم من القَطِران الشديد الاشتعال, وتلفح وجوههم النار فتحرقها.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً }النساء56(1/6)
إن الذين جحدوا ما أنزل الله من آياته ووحي كتابه ودلائله وحججه, سوف ندخلهم نارًا يقاسون حرَّها, كلما احترقت جلودهم بدَّلْناهم جلودًا أخرى; ليستمر عذابهم وألمهم. إن الله تعالى كان عزيزًا لا يمتنع عليه شيء, حكيمًا في تدبيره وقضائه.
{وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }فصلت21
وقال هؤلاء الذين يُحْشرون إلى النار من أعداء الله لجلودهم معاتبين: لِمَ شهدتم علينا؟ فأجابتهم جلودهم: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء, وهو الذي خلقكم أول مرة ولم تكونوا شيئًا, وإليه مصيركم بعد الموت للحساب والجزاء.
والله تعالى أعطانا جميعاً الفرصة قبل أنقضاء الأجل بالموت .
فلذا علينا التدبر فى المآل والمسارعة فى الخيرات وفى الأعمال الصالحة التى يرضاها ربنا وبعث بها رسولنا صلى الله عليه وسلم .
الكثير منا يعرف حديث السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ....
حدّثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ سَلاّمِ بْنِ عُبَيْدُ اللّهِ الْجُمَحِيّ: حَدّثَنَا الرّبِيعُ. يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ ، عَنْ مُحمّدُ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَدْخُلُ مِنْ أُمّتِي الْجَنّةَ سَبْعُونَ أَلْفاً بِغيرِ حِسَابٍ" فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ! ادْعُ الله! أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: "اللّهُمّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ" ثُمّ قَامَ آخَرُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: "سَبَقَكَ بِهَا عُكّاشَةُ".(1/7)
وحدّثنا مُحمّدُ بْنُ بَشّارٍ: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ مُحمّدَ بْنَ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَة يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، بِمِثْلِ حَدِيثِ الرّبِيعِ.
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَدْخُلُ مِنْ أُمّتِي زُمْرَةٌ هُمْ سَبْعُونَ أَلْفاً. تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ".
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَامَ عُكّاشَة بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِيّ، يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللّهُمّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ" ثُمّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَبَقَكَ بِهَا عُكّاشَةُ".
وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ قَالَ: حَدّثَنِي أَبُو يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَدْخُلُ الْجَنّةَ مِنْ أُمّتِي سَبْعُونَ أَلْفَاً، زُمَرَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُمْ، عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ".(1/8)
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ خَلَفٍ الْبَاهِلِيّ: حَدّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسّانَ، عَنْ مُحمّدٍ يَعْنِي ابْنَ سِيرينَ، قَالَ: حَدّثَنِي عِمْرَانُ قَالَ: قَالَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَدْخُلُ الْجَنّةَ مِنْ أُمّتِي سَبْعُونَ أَلْفاً بِغَيْرِ حِسَابٍ" قَالُوا: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: "هُمُ الّذِينَ لاَ يَكْتَوُونَ وَلاَ يَسْتَرْقُونَ. وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ" فَقَامَ عُكّاشَةُ فَقَالَ: ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: "أَنْتَ مِنْهُمْ" قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا نَبِيّ اللّهِ ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: "سَبَقَكَ بِهَا عُكّاشَةُ".
عكاشة بن محصن يسارع فى الخير ويطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء أن يكون منهم . فيبشره الرسول أنه منهم لموقفه مع الرسول يوم بدر ولما فيه من تمام التوكل على الله لما أعطاه الرسول خشبة ليقاتل بها بدلاً من سيفه الذى كسر .
والرسول صلى الله عليه وسلم يشهد لأبى بكر بالمسارعة هذه فيقول ::
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أبو بكر وعمر خير الأولين وخير أهل السموات وخير أهل الأرض، إلا النبيين والمرسلين).اخرجه ابن عدي والحاكم في الكنى،والخطيب في تاريخه.
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار فاعرفوا له ذلك، فلو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر ) . اخرجه عبدالله بن الامام احمد في زوائد المسند والديلمي وغيرهما.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي يدخل منه أمتي). قال أبو بكر: وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه، قال: (أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي).اخرجه ابو داوود وغيره،وصححه الحاكم من طريق اخر .(1/9)
عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتيت بكفة ميزان فوضعت فيها وجيء بأمتي فوضعت في الكفة الاخرى، فرجحت بأمتي. ثم رفعت وجيء بأبي بكر فوضع في كفة الميزان فرجح بأمتي. ثم رفع أبو بكر وجيء بعمر بن الخطاب فوضع في كفه الميزان فرجح بأمتي، ثم رفع الميزان إلى السماء وأنا أنظر إليه).اخرجه ابو نعيم في الفضائل.
عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أحب النساء إلي عائشة، ومن الرجال أبوها).اخرجه الشيخان.
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ادعي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاب، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر).اخرجه الامام احمد ومسلم.
عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر).اخرجه الترمذي وحسنه.
ولما دعاه الرسول ما كبا ولاتردد وكان مقدم ومقدام فى كل الخيرات والأعمال والتضحيات وكان خليفة الرسول خلفه فى أحلك مواقف الأمة فرضى الله تعالى عنه .
وكذا أمير المؤمنين عمربن الخطاب أوردنا بعض مناقبه سلفاً نزيد ....
عن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة).
حديث صحيح رواه الإمام أحمد وغيره
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه).
حديث صحيح أخرجه الترمذي وغيره.
عن أيوب بن موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق فَرَقَ الله به بين الحق والباطل).
أخرجه ابن سعد هكذا مرسلاً.(1/10)
عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب، فجاء أبو بكر فنزع دلواً أو دلوين وفي نزعه ضعف والله يغفر له، ثم أخذ عمر فاستحالت بيده غرباً فلم أر عبقرياً في الناس يفري فريه، حتى ضرب الناس بعطن).
حديث صحيح أخرجه البخاري وغيره.
الغرب بفتح الغين المعجمة وسكون الراء: الدلو الكبير.
والعبقري بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح القاف وكسر الراء: الرجل الشديد.
ويفري بسكون الفاء: ينزع.
عن سَمُرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت كأن دلواً دليت من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شرباً ضعيفاً، ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها حتى تضلع ثم جاء علي فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح عليه منها).
أخرجه الإمام أحمد وغيره.
عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت في النوم أني أُعطيت عساً مملوءاً لبناً فشربت منه حتى تملأت حتى رأيته يجري في عروقي بين الجلد واللحم ففضلت فضلة فأعطيتها عمر بن الخطاب) فأولوها قالوا: يا نبي الله هذا علم أعطاكه الله فملأت منه، وفضلت فضلة فأعطيتها عمر بن الخطاب، فقال: (أصبتم).
حديث صحيح أخرجه الحاكم وغيره.
أخرج الإمام أحمد والبزّار والطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: فضل عمر بن الخطاب الناس بأربعة: بذكرى الأسرى يوم بدر أفتى بقتلهم فأنزل الله عزوجل (لَولا كِتابٌ مِنَ اللَهِ سَبَقَ لَمَسَكُم فيما أَخَذتُم عَذابٌ عَظيمٌ).
وبذكر الحجاب أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتجبن فقالت له زينب: وإنك علينا يا ابن الخطاب والوحي ينزل في بيوتنا، فأنزل الله عزوجل (وَإِذا سَأَلتُموهُنَّ مَتاعاً فَاِسأَلوهُنَّ مِن وَراءِ حِجابٍ) وبدعوة النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم أيد الإسلام بعمر) ورأيه في أبي بكر كان أول من بايعه.(1/11)
وأخرج الطبراني عن طارق بن شهاب قالت أم أيمن يوم قتل عمر: اليوم وهى الإسلام.
وأخرج أيضاً عن عبد الله بن مسعود: إن كان إسلام عمر لفتحاً وهجرته لنصراً، وإمارته رحمة، والله ما استطعنا أن نصلي عند البيت حتى أسلم عمر. وفي رواية: ما استطعنا أن نصلي عند البيت الكعبة ظاهرين.
وفضائله رضي الله عنه أفضل من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، وإنما أردت أن نبين فضله رضي الله عنه بهذه الصبابة، وامتع من لا يعرف كثيراً من مناقبه ببعضها .
ونقتدى ونهتدى بطيب سيرة ومناقب الشيخين ورضى الله عن الصحب أجمعين .
وكذا بينت الأية ....
{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة100
والذين سبقوا الناس أولا إلى الإيمان بالله ورسوله من المهاجرين الذين هجروا قومهم وعشيرتهم وانتقلوا إلى دار الإسلام, والأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه الكفار, والذين اتبعوهم بإحسان في الاعتقاد والأقوال والأعمال طلبًا لمرضاة الله سبحانه وتعالى, أولئك الذين رضي الله عنهم لطاعتهم الله ورسوله, ورضوا عنه لما أجزل لهم من الثواب على طاعتهم وإيمانهم, وأعدَّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا, ذلك هو الفلاح العظيم. وفي هذه الآية تزكية للصحابة -رضي الله عنهم- وتعديل لهم, وثناء عليهم; ولهذا فإن توقيرهم من أصول الإيمان.
وكان سبقهم مسارعة وتضحية وبذل وتقديم ونصرة لهذ الدين .
وكذا ما حدث مع نبى الله زكريا عليه السلام ومن قول الحق فيه...
{وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ }الأنبياء89(1/12)
واذكر - أيها الرسول - قصة عبد الله زكريا حين دعا ربه أن يرزقه الذرية لما كَبِرت سنُّه قائلا رب لا تتركني وحيدًا لا عقب لي, هب لي وارثًا يقوم بأمر الدين في الناس من بعدي, وأنت خير الباقين وخير مَن خلفني بخير.
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }الأنبياء90
فاستجبنا له دعاءه ووهبنا له على الكبر ابنه يحيى, وجعلنا زوجته صالحة في أخلاقها وصالحة للحمل والولادة بعد أن كانت عاقرًا, إنهم كانوا يبادرون إلى كل خير, ويدعوننا راغبين فيما عندنا, خائفين من عقوبتنا, وكانوا لنا خاضعين متواضعين.
من هنا فمن يريد أجابة دعائه وإصلاح أهله وزوجته وبيته (( هو شخصياً )) عليه بالمسارعة فى الخيرات والدعاء رغبة ورهبة بالهمة والنشاط وبالفرح ان الله يستعمله ويستعمل جوارحه وفكره وماله لهذ الدين العظيم والذى هو أغلى من السموات والأرض .
والسير فى الدين بالتدرج والتمرين والصبر
وقد جاء فى الحديث الذى يشرحه أبن علان..(1/13)
(عن أبي سعيد سعدبن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه) الأولى عنهما لما سبق في ترجمته في باب التوبة من أنه وأباه كانا صحابيين (أن ناساً) في "تفسير البيضاوي" أصله أناس لقولهم إنسان وإنس وأناسي، فحذفت الهمزة حذفها في لوقة وعوض عنها حرف التعريف ولذا لا يكاد يجمع بينهما، مأخوذ من أنس بوزن فرح لأنهم يستأنسون بأمثالهم، أو من آنس لأنهم ظاهرون مبصرون اهـ. وقيل: مقلوب نسي، وقيل مأخوذ من ناس ينوس إذا اضطرب وتحرك. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": لم يتعين لي أسماؤهم إلا أن النسائي روي عن أبي سعيد ما يدل على أنه منهم، وذلك أنه قال: "سرحتني أمي إلى النبي ، يعني لأسأله من حاجة شديدة، فأتيته وقعدت فاستقبلني وقال: من استغنى أغناه ا" الحديث. وزاد فيه "من سأل وله أوقية فقد ألحف، فقلت: ناقتي خير من أوقية فرجعت ولم أسأله" ا هـ (من الأنصار) بفتح الهمزة اسم إسلامي علم بالغلبة على أولاد الأوس والخزرج سموا به لنصرتهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (سألوا رسول الله) حذف المفعول الثاني لعدم تعلق الغرض به (فأعطاهم) أي: عقب سؤالهم ولم يتوان لما جبل عليه من مكارم الأخلاق والسماحة (ثم سألوه فأعطاهم) فتكرر منهم السؤال مرتين ومنه الإعطاء عقب كل مرة (حتى نفد) بكسر الفاء وبالدال المهملة، ففي الصحاح نفد الشيء ينفد نفاداً: فنى (ما عنده) أي: ذهب بالإنفاق جميع ما عنده (فقال) عقب نفاده تنفيراً لهم من الاستكثار مما زاد على الحاجة من الدنيا، وتحريضاً على القناعة، وحثاً على الاستعفاف. واللام في (لهم) هي لام المبالغة (حين أنفق) هو مختص بإخراج الشيء في الخير (كل شيء) معدّ للإنفاق كائن (بيده: ما يكن) كذا هو بالجزم فيما وقفت عليه من نسخ مصححة من الرياض وهو كذلك في أصل مصحح عندي من "صحيح مسلم" فتكون ما شرطية، وفي البخاري "ما يكون" بالرفع، قال الشيخ زكريا: فما موصول متضمن معنى الشرط، وجوابه على الوجهين قوله:(1/14)
"فلن أدخره" (عندي من) بيانية (خير فلن أدخره) بتشديد الدال المهملة، وجاء إعجامها مدغماً وغير مدغم، وأصله ادتخر فقلبت التاء دالاً على اللغة الأولى وذالاً على اللغة الثانية، والمعنى: لا أجعله ذخيرة لغيركم معرضاً (عنكم) أو فلا أخبؤه وأمنعكم إياه (ومن يستعفف) بفك الإدغام فالفعل مجزوم بالسكون لفظاً: أي من طلب العفة عن سؤال الناس والاستشراف إلى ما في أيديهم (يعفه ا) أي: يرزقه العفة فيصير عفيفاً قنوعاً. وفي "النهاية": وقيل: الاستعفاف الصبر والنزاهة عن الشيء، يقال عفّ يعف عفة فهو عفيف، وهو بفتح الفاء لأنها أخف الحركات، أو بكسرها لأنها اوصل في التخلص من التقاء الساكنين (ومن يستغن) أي: يظهر الغناء بالتعفف عما في أيدي الناس (يغنه ا) أي: يجعله غنيّ النفس ولا غناء لا غناؤها (ومن يتصبر) أي: يتكلف الصبر على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا بأن يتجرّع مرارة ذلك ولا يشكو لغير مولاه (يصبره ا) أي: يعطه من حقائق الصبر الموصلة للرضى ما يهوّن عليه كل مشق ومكدّر؛ ولشرف مقام الصبر وعلوه، لأنه جامع لمكارم الأخلاق ومعالي الصفات فلا ينال شيئاً منها إلا من تحلى به، عقبه بقوله: (وما أعطي أحد عطاء) مفعول ثان لأعطى: أي ما أعطي أحد من خلق ولا مقام (خيراً) كذا هو بالنصب في النسخ، وفي البخاري: هو خير، وفي مسلم: خير، بحذف هو في رواية، وفي رواية بنصب خير (وأوسع من الصبر).(1/15)
قال الشيخ زكريا: خيراً هنا ليس بأفعل تفضيل بل هو كقوله تعالى: {أصحاب الجنة يومئذٍ خير مستقرّاً} (الفرقان: 24) اهـ. ومعنى كونه أوسع: أن به تتسع المعارف والمشاهد والمقاصد. فإن قلت: مقام الرضى أفضل منه كما صرحوا به. قلت: هو غايته لأنه لا يعتد به إلا معه فليس أجنبياً عنه، إذ الصبر من غير رضى مقام ناقص جداً (متفق عليه) وكذا أخرجه أصحاب "السنن الأربع"، وزاد رزين "قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه" وهذه الزيادة أخرجها مسلم والترمذي من رواية عمروبن العاص .
والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الإسراف ولو حتى فى الماء حتى لا نتعود على الإسراف
ولله تعالى أوامر ونواهى أجتهد الرسول صلى الله عليه وسلم على تبيينها وإيضاحها .
وحتى لا تكون النواحى معطلة لهذه المسارعة مع الله تعالى وفى طلب رضاه .
نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن التلفظ باللعن ولو كان لحيوان أو جماد حتى لا يتعود اللسان عليه _ ونهى عن النظر للمحرم لأنه يجر للوقوع فى الحرام والخوض فيه _ونهىعن مجالسة الفاسق ومطاعمته ومشاربته حتى لا يتاثر به ويتجرأ على معصية أوامر الله .
وكلها بالتمرين والتدرج
فالرسول صلى الله عليه وسلم فى طريق الإيمان يجتهد على الناس بالدعوة ألى التوحيد الخالص بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ووجوب الأيمان بالله وبأسمائه وصفاته .
فعلّم الصحابة الإيمان فعرفوا كبرياء الله وقدرته وعظيم فضله . وأنه السميع لو دعاه الناس جميعاً فى وقت واحد فهو يسمع دعائهم وكلامهم.
وأنه البصير يرى النملة السوداء فى الليلة الظلماء على الصخرة الصماء ويرى نياط عروقها ويشهد جريان الدم فى أوصالها لأنه من أجرى وقدر لها الحياة .
وهو العليم يعلم ...
{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ }غافر19
يعلم الله سبحانه ما تختلسه العيون من نظرات, وما يضمره الإنسان في نفسه من خير أو شر.(1/16)
الله جل جلآله قدرته عظيمة قطرتين من ماء مهين يكون منها الولد .
ونواة صغيرة تكون منها النخلة .
هناك قوات متعددة ( مخلوقة ) والخالق الله سبحانه.
السيف . البندقية . المدفع . القنبلة . الصاروخ .
قوة مخلوقة والله أستعمل الإنسان فى إيجادها
وفى هذه الأيام وفى عصر التطور وزيادة الأسباب زاد التهور .
فالأنسان عاجز عن ترويض ما صنع وعاجز عن رد الظلم عن نفسه رغم تطور الأسباب .
وهذا نتج عن أعتقاد المخلوق فى مثله صفات الخالق القادر المهيمن جل فى علاه .
ترك أمر الله أعظم من ضرراً من الزلازل والأوبئة والطواعين وأشد فتكاً منها وأعظم من أنكسار السماء وأنشقاق الأرض وأعظم من أن يذهب ضوء الشمس والقمر .
هناك مخلوقات أكبر من السماء والأرض والشمس والقمر .
إسرآفيل بنفخة واحدة بأمر ربه يفنى العالم كله .
جبريل أما بانت لك قوته فى إزالة قرى وأهلاك أمم .
وأعظم من هذه القوى تكون مع العبد إذا أمتثل أمر ربه .
الإنسان فيه الأستعداد لكى يكون عنده قوة أكبر من قوة الملائكة إذا أمتثل لأمر ربه .
وعندما يعصى أمر الله يكون أخس وأدنى من الحيوان .
العبد لو تحرك لتعلم أوامر الله الملائكة تصير خدماً له بل وتظله بأجنحتها بل وجميع مخلوقات الأرض تستغفر الله له.
فقوة الله فى الغيب وقوة المخلوق هاهى امامنا فى مخترعاته ومفسداته .
والإنسان لا يعرف قدرة الله تعالى إلا بخبره المّنزل على عبده ورسوله .
كل هذه القوات المستحدثة والمخلوقة مثل نسيج العنكبوت .
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الروم41(1/17)
ظهر الفساد في البر والبحر, كالجدب وقلة الأمطار وكثرة الأمراض والأوبئة; وذلك بسبب المعاصي التي يقترفها البشر; ليصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوها في الدنيا; كي يتوبوا إلى الله -سبحانه- ويرجعوا عن المعاصي, فتصلح أحوالهم, وتستقيم أمورهم.
وأسمع لكلام أبن القيم وهو يخاطبك لتبصر ...
والنظر في هذه الايات وامثالها نوعان نظر اليها بالبصر الظاهر
فيرى مثلا زرقة السماء ونجومها وعلوها وسعتها وهذا نظر يشارك الانسان فيه غيره من الحيوانات وليس هو المقصود بالأمر الثاني ان يتجاوز هذا الى النظر بالبصيرة الباطنة فتفتح له ابواب السماء فيجول في اقطارها وملكوتها وبين ملائكتها ثم يفتح له باب بعد باب حتى ينتهي به سير القلب إلى عرش الرحمن فينظر سعته وعظمته وجلاله ومجده ورفعته ويرى السموات السبع والارضين السبع بالنسبة اليه كحلقه ملقاة بأرض فلاة ويرى الملائكة حافين من حوله لهم زجل بالتسبيح والتحميد والتقديس والتكبير والامر ينزل من فوقه بتدبير الممالك والجنود التي لا يعلمها الا ربها ومليكها فينزل الامر باحياء قوم وإماتة آخرين وإعزاز قوم وإذلال آخرين واسعاد قوم وشقاوة آخرين وإنشاء ملك وسلب ملك وتحويل نعمة من محل الى محل وقضاء الحاجات على اختلافها وتباينها وكثرتها من جبر كسر وإغناء فقير وشفاء مريض وتفريج كرب ومغفرة ذنب وكشف ضر ونصر مظلوم وهداية حيران وتعليم جاهل ورد آبق وأمان خائف وإجارة مستجير ومدد لضعيف وإغاثة الملهوف وإعانة لعاجز وانتقام من ظالم وكف العدوان فهي مراسيم دائرة بين العدل والفضل والحكمة والرحمة تنفذ في أقطار العوالم لا يشغله سمع شيء منها عن سمع غيره ولا تغلطه كثرة المسائل والحوائج على اختلافها وتباينها واتحاد وقتها ولا يتبرم بالحاح الملحين ولا تنقص ذرة من خزائنه لا إله إلا هو العزيز الحكيم فحينئذ يقوم القلب بين يدي الرحمن مطرقا لهيبته خاشعا لعظمته عان لعزته فيسجد بين يدي الملك الحق(1/18)
المبين سجدة لا يرفع رأسه منها الى يوم المزيد فهذا سفر القلب وهو في وطنه وداره ومحل ملكه وهذا من اعظم آيات الله وعجائب صنعه فياله من سفر ما أبركه واروحه واعظم ثمرته وربحه واجل منفعته واحسن عاقبته سفر هو حياة الارواح ومفتاح السعادة وغنيمته العقول والالباب لا كالسفر الذي هو قطعة من العذاب
وختاماً أقول ...
إلهى ما عرفك إلا من وحدك
ما عرفك إلا من مجدك
ما عرفك إلا من قدسك
ما عرفك إلا من طالع دلآئل ربوبيتك
وما عرفك إلا من نزه ألوهيتك
أين مدعي العلمانية من الوقوف على ثوابت وحيك ؟
أين المتفلسفة من أجلآلك وتعظيم قدرتك ؟
أين المتفيهقة من معرفة أن مدد الكلام عنك منوط برضاك ؟
أين المتنصرة من الوقوف على أصح الأخبار ؟
أين الرافضة من أتباع سنة النبي المختار ؟
أين الحاكم والمحكوم تاهوا فى أعمار داراً مآلها للبوار ؟
أين متبعي النبي وصحبه الأخيار ؟
ولكم أحببت أن أذيل طرحي بقصيدة هى عندى من أروع الأشعار .
للأستاذ إبراهيم بديوى / شيخ المعهد الأزهرى بالأسكندرية
رحمه الله تعالى وجزاه الحسنى وزيادة تكرماً منه وفضلا
وهى بعنوان (( بك أستجير فمن يجير سواك ؟ ))
بك أستجير فمن يجير سواك ؟
بك أستجير فمن يجير سواكا *** فأجر ضعيفا يحتمي بحماك
إني ضعيف أستعين على قوى *** ذنبي ومعصيتي ببعض قواكا
أذنبت يا ربي وآذتني ذنوبي *** مالها من غافر إلاكا
دنياي غرتني وعفوك غرني *** ما حيلتي في هذه أو ذاكا
يا مدرك الأبصار والأبصار لا *** تدري له ولكنهه إدراكا
إن لم تكن عيني تراك فإنني *** في كل شيء استبين علاكا
يا منبت الأزهار عاطرة الشذا *** هذا الشذا الفواح نفح شذاكا
رباه ها أنذا خلصت من الهوى *** واستقبل القلب الخلي هواكا
وتركت أنسي بالحياة ولهوها *** ولقيت كل الأنس في نجواكا
ونسيت حبي واعتزلت أحبتي *** ونسيت نفسي خوف أن أنساكا
أنا كنت يا ربي أسير غشاوة *** رانت على قلبي فضل سناكا(1/19)
واليوم يا ربي مسحت غشاوتي *** وبدأت بالقلب البصير أراكا
يا غافر الذنب العظيم وقابلا *** للتوب قلب تائب ناجاكا
يا رب جئتك ثاويا أبكي على *** ما قدمته يداي لا أتباكى
أخشى من العرض الرهيب عليك يا *** ربي وأخشى منك إذ ألقاكا
يا رب عدت إلى رحابك تائبا *** مستسلما مستمسكا بعراكا
مالي وما للأغنياء وأنت يا *** ربي الغني ولا يحد غناكا
مالي وما للأقوياء وأنت يا *** ربي عظيم الشأن ما أقواكا
إني أويت لكل مأوى في الحياة *** فما رأيت أعز من مأواكا
وتلمست نفسي السبيل إلى النجاة *** فلم تجد منجى سوى منجاكا
وبحثت عن سر السعادة جاهدا *** فوجدت هذا السر في تقواكا
فليرضَ عني الناس أو فليسخطوا *** أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا
ادعوك يا ربي لتغفر حوبتي *** وتعينني وتمدني بهداكا
فاقبل دعائي واستجب لرجاوتي *** ما خاب يوما من دعا ورجاكا
يا رب هذا العصر أَلْحَدَ عندما *** سخرت يا ربي له دنياكا
ما كان يطلق للعلا صاروخه *** حتى أشاح بوجهه وقلاكا
أومآ درى الإنسان أن جميع ما *** وصلت إليه يداه من نعماكا
يا أيها الإنسان مهلا واتئد *** واشكر لربك فضل ما أولاكا
أفإن هداك بعلمه لعجيبةٍ *** تَزْوَرُّ عنه وينثني عطفاكا
قل للطبيب تخطفته يد الردى *** يا شافي الأمراض من أرداكا؟
قل للمريض نجا وعوفي بعدما *** عجزت فنون الطب، من عافاكا؟
قل للصحيح يموت لا من علة *** من بالمنايا يا صحيح دهاكا؟
قل للجنين يعيش معزولا بلا *** راع ومرعى ما الذي يرعاك؟
قل للوليد بكى وأجهش بالبكا *** عند الولادة ما الذي أبكاكا؟
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه *** فاسأله من ذا بالسموم حشاكا؟
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو *** تحيا وهذا السم يملأ فاكا؟
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت *** شهدا وقل للشهد من حلّاكا؟
بل سائل اللبن المصفى كان بين *** دم وفرث من الذي صفاكا؟
وإذا رأيت الحي يخرج من ثنايا *** ميت فاسأله من أحياكا؟(1/20)
قل للهواء تحسه الأيدي ويخفى *** عن عيون الناس من أخفاكا؟
وإذا رأيت البدر يسري ناشرا *** أنواره فاسأله من أسراكا؟
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى *** فاسأله من يا نخل شق نواكا؟
وإذا رأيت النار شب لهيبها *** فاسأل لهيب النار من أوراكا
وإذا ترى الجبل الأشم مناطحا *** قمم السحاب فسله من أرساكا؟
وإذا ترى صخرا تفجر بالمياه *** فسله من بالماء شق صفاكا؟
وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال *** جرى فسله من الذي أجراكا؟
وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج *** طغى فسله من الذي أطغاكا؟
وإذا رأيت الليل يغشى داجيا *** فاسأله من يا ليل حاك دجاكا؟
وإذا رأيت الصبح يسفر ضاحيا *** فاسأله من يا صبح صاغ ضحاكا؟
هذي العجائب طالما أخذت بها *** عيناك وانفتحت بها أذناكا
والله في كل العجائب مبدع *** إن لم تكن لتراه فهو يراكا
يا أيها الإنسان مهلا ما الذي *** بالله جل جلاله أغراكا؟
فاسجد لمولاك القدير فإنما *** لا بد يوما تنتهي دنياكا
وتكون في يوم القيامة ماثلا *** تجزي بما قد قدمته يداكا
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على المبعوث رحمة للعالمين وعلى الآل والصحب أجمعين
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك
جمعه عبد الله الفقير لعفوه ورحمته
أبوكفاح الدين
أحمد بن محمد السعيد
سبط بن دقيق العيد(1/21)