ومن قال بذلك مالك بن أنس والليث بن سعد وسفيان الثوري والإمام أحمد وقال إسماعيل بن سعيد سألت الإمام أحمد عن الرجل يتزوج المرأة وفي نفسه أن يحلها لزوجها الأول ولم تعلم المرأة بذلك ؟ فقال: هو محلل وإذا أراد بذلك الإحلال فهو ملعون.
باب
تحريم الجمع بين الأختين
حرم الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز الجمع بين الأختين في النكاح، فقال الله تعالى في آية التحريم: { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ } . (1)
وورد في السنة عن عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أنها، قالت : يا رسول الله انكح أختي بنت أبي سفيان ، فقال: "أو تحبين ذلك"، فقلت: نعم لست لك بمخلية وأحب من شاركني في خير أختي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن ذلك لا يحل لي"، قلت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة، قال: "بنت أم سلمة"، قلت: "نعم"، فقال: "لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن"، قال عروة : وثويبة مولاة لأبي لهب كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشرحيبة، قال له: ماذا لقيت، قال: أبو لهب لم ألق أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة" . (2)
باب
تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها
__________
(1) سورة النساء الآية (23) .
(2) )) رواه البخاري برقم (4813) ، باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، ومسلم برقم(1449)،باب تحريم الربيبة وأخت المرأة.(2/156)
عن الشعبي، سمع جابراً - رضي الله عنه - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها " . (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها" . (2)
قال الشافعي : ما نهى الله عن الجمع بينه من الأخوات وما نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجمع بين العمة والخالة ففيه دلالة على أن كل واحدة منهما تحل بعد الأخرى فلا بأس أن فإذا ماتت أو طلقها طلاقا يملك فيه الرجعة وانقضت عدتها
أو طلاقا لا يملك فيه الرجعة وهي في عدتها أن ينكح الأخرى وهكذا العمة والخالة وكل من نهى عن الجمع بينه . (3)
باب
التحذير من أن يخطب المسلم على خطبة أخيه
نهى الشارع الحكيم العبد أن يحطب على خطية أخيه المسلم ولا يبيع على بيعه حتى يترك .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يخطب أحدكم أو أحد على خطبة أخيه، حتى يترك الخاطب الأول أو يأذنه فيخطب". (4)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر". (5)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (4819) ، باب لا تنكح المرأة على عمتها ، ومسلم برقم (1408) ، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح .
(2) )) رواه البخاري برقم (4820) ، باب لا تنكح المرأة على عمتها ، ومسلم برقم (1408) ، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح .
(3) )) الأم (5/6) .
(4) أخرجه أحمد وأخرجاه بنحوه مفرقا وهو في الصحيحة برقم (1030).
(5) رواه مسلم في كتاب النكاح برقم (1414)، باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك .(2/157)
على المسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، كما جاء في الحديث، ولا يجوز له أن يبيع على بيع أخيه، أو أن يخطب على خطبة أخيه، فهذا من الأمور المحرمة التي نهى الشارع عنها.
باب
النهي عن أخذ صداق المرأة
لايحل للرجل أخذ صداق المرأة عند فراقها واستبدالها بامرأة أخرى .
قال الله تعالى: { وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً } . (1)
قال ابن كثير: وقوله تعالى: { وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } . أي إذا أراد أحدكم أن يفارق امرأة ويستبدل مكانها غيرها فلا يأخذ مما كان أصدق الأولى شيئاً ولو كان قنطاراً من مال، وقد قدمنا في سورة آل عمران الكلام على القنطار بما فيه كفاية عن إعادته ههنا. وفي هذه الآية دلالة على جواز الإصداق بالمال الجزيل . اهـ. (2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أعظم الذنوب عند الله: رجل تزوج امرأة فلما قضى حاجته منها طلقها وذهب بمهرها، و رجل استعمل رجلا فذهب بأجرته، وآخر يقتل دابة عبثا" . (3)
باب
النهي عن الغناء والموسيقى
قال الله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } (4) .
__________
(1) سورة النساء الآية (20) .
(2) تفسير ابن كثير (2/209) .
(3) صحيح الجامع حديث رقم (1567).
(4) سورة لقمان الآية (6) .(2/158)
وقال تعالى: { وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } (1) .
لهو الحديث: فسره ابن عباس بأنه الغناء وكذلك ابن مسعود حيث قال: والذي لا إله إلا هو لهو الغناء.
والمكاء والتصدية: هو التصفيق والصفير.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة وصوت عند مصيبة" (2) .
وصح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الربيع البقل".
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف" (3) .
الحِرَ: هو الفرج والزنا به.
المعازف: اسم لآلات اللهو والطرب .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تعالى حرم على أمتي الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وكل مسكر حرام" (4) .
الكوبة: هو الطبل الصغير وهو آلة من آلات الطرب.
وقال رسول - صلى الله عليه وسلم - : "إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء" فذكر منها: "إذا اتخذت القينات والمعازف" (5) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الجرس مزمار الشيطان" (6) .
قال ابن حجر : وهو دال على أن الكراهية فيه لصوته لأن فيها شبها بصوت الناقوس وشكله .اهـ. (7)
__________
(1) سورة الأنفال الآية (35) .
(2) رواه الترمذي وإسناده حسن .
(3) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم، ووصله الطبراني والبيهقي وابن عساكر وغيرهم، انظر الصحيحة برقم (91).
(4) رواه أحمد في مسنده وأبو داود عن عبدالله بن عمر، صحيح الجامع برقم (1747) و (1748).
(5) رواه الترمذي عن علي - رضي الله عنه - ، ضعيف الجامع برقم (608).
(6) رواه مسلم .
(7) فتح الباري (6/142) .(2/159)
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى معلم أولاده: ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن فقد بلغني عن الثقات من أهل العلم أن صوت المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب على الماء.
باب
ما جاء في الشعر والشعراء
قال الله تبارك وتعالى: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } . (1)
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الشعر بمنزلة الكلام، حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام". (2)
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن أعظم الناس عند الله فرية لرجل هاجى رجلاً فهجا القبيلة بأسرها". (3)
وقال أبو سعيد الخدري: بينما كنا نسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عرض شاعر نشيد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"خذوا الشيطان أو أمسكوا الشيطان، لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً" (4) .
يريه: أي حتى يغلبه فيشغله عن القرآن، وعن ذكر الله. "فيض القدير"
__________
(1) سورة الشعراء الآية (224-227).
(2) السلسلة الصحيحة رقم )448)، صحيح الأدب المفرد برقم (336).
(3) أخرجه ابن ماجه وغيره وانظر السلسلة الصحيحة في تخريج وتحقيق حديث رقم (762)، صحيح الأدب المفرد (340).
(4) رواه البخاري برقم (5802)، باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعلم والقرآن ، ورواه مسلم في كتاب الشعر برقم (2259).(2/160)
قال عليه الصلاة والسلام: "إن من الشعر حكمة". (1)
عن مالك عن أبيه - رضي الله عنه - أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أن الله عز وجل قد انزل في الشعر ما أنزل. فقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضحُ النبْل". (2)
فقد علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الاستعاذة أن نقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه". (3)
باب
الحث على تعليم المرأة الكتابة
عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال لشفاء بنت عبد الله : "علمي حفصة رقية النملة" . (4)
وفي رواية : "ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة" . (5)
قوله : "علمي" يا شفاء بنت عبد اللّه "حفصة رقية" : بالضم وسكون القاف "النملة" ورقيتها ، كما في الفائق وغيره العروس تحتفل أي تتزين وتختضب وتكتحل وكل شيء تفتعل غير أن لا تعاصي الرجل ، وقيل : النملة بالفتح قروح تخرج بالجنب فترقى فتذهب ورده بعض أذكياء الماربة بأنه من الخرافات التي كان ينهى عنها فكيف يأمر بها وإنما أراد الأول وقصد به تأديب حفصة حيث أشاعت السر الذي استودعها إياه على ما نطق به التنزيل بقوله : { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً } . (6)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب (8/42).
(2) أخرجه أحمد وغيره، وانظر السلسلة الصحيحة برقم (1631).
(3) رواه أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم وصححه هو ابن حبان والذهبي كما في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - (ص 89).
(4) ) ) صحيح الجامع حديث رقم (4028) .
(5) ) ) أخرجه أبو داود برقم (3887) ، السلسلة الصحيحة برقم (178) .
(6) ) ) سورة التحريم الآية (3) .(2/161)
وذلك أن حفصة دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتها وهو يطأ مارية ، فقال : لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة فإن أباك يلي الأمر بعد أبي بكر إذا أنا مت فاكتمي فأخبرت حفصة عائشة فلم تكتم رواه الطبراني . (1)
قال المجد ابن تيمية في منتقى الأخبار : وهو دليل على جواز تعلم النساء الكتابة . (2)
وقال الخطابي : فيه دلالة على أن تعلم النساء الكتابة غير مكروه . (3)
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : وفي الحديث دليل على جواز تعليم النساء الكتابة . (4)
وقال ابن مفلح:ظاهر كلام الأكثرين أن الكتابة لا تكره للمرأة كالرجل، وذكره ابن عقيل في الفنون وهو ظاهر المنقول عن الإمام أحمد رضي الله عنه . . (5)
باب
ثواب من كان له ابنتان أو أختان
فصبر عليهما وأحسن إليهما
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كنَّ له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن وسرائهن أدخله الله الجنة برحمته أياهن" فقال رجل: وابنتان يا رسول الله قال: " وابنتان" قال رجل : يا رسول الله وواحدة قال : " وواحدة" . (6) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ليس أحدٌ من أُمتي يعول ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن ألهين إلا كنَّ له ستراً من النار" (7) .
__________
(1) ) ) فيض القدير .
(2) ) ) نيل الأوطار (10/183) .
(3) ) ) معلم السنن على حاشية سنن أبي داود (4/215) .
(4) ) ) زاد المعاد (4/185) .
(5) ) ) الآداب الشرعية لابن مفلح (3/461) .
(6) رواه الحاكم في المستدرك (4/176) وقال : (صحيح الإسناد ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي.
(7) رواه البيهقي في شعب الإيمان ، صحيح الجامع برقم (5248).(2/162)
وعن عقبه بن عامر - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كنَّ له حجاباً من النار يوم القيامة" (1) .
وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين" (2) وضم أصابعه.
جاريتين : أي بنتين.
عالَ : قام عليهما بالتربية والإحسان إليهما.
عناية الأبوين بالبنات تربية وتهذيباً سبب في دخول الجنة وعلو المنزلة فيها.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت عليَّ امرأة ومعها ابنتان لها تسأل فلم تجد عندي شيئاً غير تمرةٍ واحدة فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها ثم قامت فخرجت فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا فأخبرته فقال: "من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كنًّ له ستراً من النار" (3) .
تسأل : تطلب مالاً عن حاجة.
ابتُلي: امتحن واختبر.
ستراً: حجاباً ووقاية.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها إبنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما فأعجبني شأنها فذكرت الذي صنعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " إن الله قد أوجب لها الجنة أو أعتقها من النار" (4) .
شأنها: حالها. فاستطعمتها: طلبتا أن تطعمهما إياها.
__________
(1) رواه أحمد في مسنده عن عقبه بن عامر، السلسة الصحيحة برقم (293).
(2) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2631)، والترمذي والحاكم.
(3) رواه البخار ي في كتاب الزكاة برقم (14118)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2629).
(4) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2630).(2/163)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من مسلم له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه إلا أدخلتاه الجنة" (1) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من أنفق على ابنتين أو أختين أو ذواتي قرابة يحتسب النفقة عليهما حتى يغنيا من فضل الله أو يكفيهما كانتا له ستراً من النار" (2) .
وفي رواية:"حتى يغنيهما الله من فضله" بدل "حتى يغنيهما من فضل الله" .
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كنًّ له ثلاث بنات يؤوبهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت له الجنة البتة" قيل يا رسول الله فإن كانتا اثنتين قال: "وإن كانتا اثنتين" قال: فرأى بعض القوم أن يقول لو قال واحدة لقال: (واحدة). (3) .
باب
ثواب من مات له ثلاثة من المواليد لم يبلغوا
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم" (4) .
وعنه قال: أتت امرأة بصبيٍ لها فقالت يا نبي الله أدعُ الله لي فلقد دفنت ثلاثة فقال: "دفنت ثلاثة " قالت: نعم، قال: "لقد احتضرت بحظار شديد من النار" (5) .
__________
(1) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1971).
(2) رواه أحمد في مسنده (6/293)، والطبراني، صحيح الترغيب برقم (1974).
(3) رواه أحمد في مسنده (3/303)بإسناد جيد ، والطبراني و زاد: ويزوجهن ، قال في جمع الزوائد (8/175) : "رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط بنحو وزاد :ويزوجهن، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1975).
(4) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1251)، ومسلم في البر والصلة برقم(2632).
(5) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2636).(2/164)
الحِظار : بكسر الحاء المهملة وبالظاء المعجمة هو الحائط يجعل كالصور على الشيء.
ومعنى الحديث: لقد احتميت من النار وتحصنت منها بحصن حصين وحمى منيع.
وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم يموت له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم" (1) .
الحنث: بكسر الحاء وسكون النون : هو الإثم والذنب والمعنى أنهم لم يبلغوا السن الذي تكتب عليهم في الذنوب.
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من أشكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله في سبيل الله عزَّ وجلَّ وجبت له الجنة" (2) .
وعن عتبة بن عبد السلمي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل" (3) .
وعن حبيبه أنها كانت عند عائشة رضي الله عنها فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى دخل عليها فقال: " ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا جيء بهم يوم القيامة حتى يوقفوا على باب الجنة فيقال لهم ادخلوا الجنة فيقولون حتى يدخل آباؤنا فيقال لهم :"ادخلوا أنتم وآباؤكم" (4) .
باب
ثواب من مات له ولدان
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1191) ، باب فضل من مات له ولد فاحتسب وقال الله عز وجل وبشر الصابرين، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2633)، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه .
(2) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2000)، والصحيحة برقم (2296).
(3) رواه ابن ماجه بإسناد جيد، صحيح الجامع (5772)، الرياض (958)، الجنائز (ص23). وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1993).
(4) رواه الطبراني بإسناد جيد، المشكاة (1754) ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2003).(2/165)
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله قال: " اجتمعن في يوم كذا وكذا في موضع كذا وكذا" فاجتمعن فأتاهن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلمهن مما علمه الله ثم قال: " ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجاباً من النار"، فقالت امرأة واثنتين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" واثنتين" (1) .
وعن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة - رضي الله عنه - ، إنه قد مات لي ابنان فما أنت محدثي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث يطيب أنفسنا عن موتانا؟ قال: نعم " صغارهم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم أباه أو قال أبويه فيأخذ بثوبه أو قال بيده كما آخذ أنا بصنفة ثوب هذا فلا يتناهى أو قال ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة" (2) .
الدعاميص: بفتح الدال وبالصاد مهملتين جمع دعموص بضم الدال وهي دويبة صغيرة تكون في العذران إذا نشفت يضرب لونها إلى السواد وشبه الطفل به لصغره وسرعة حركته في الجنة. وقيل الدعموص هو الرجل كثير الدخول على الملوك من غير إذن منهم.
وصنفة الثوب: بفتح الصاد المهملة والنون معاً بعدهما فاء هي حاشيته وطرفه الذي لا هدب له، وقيل هي الناحية ذات الهدب والله تعالى أعلم.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الاعتصام برقم (7310)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2633).
(2) رواه أحمد (2/510)، مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2635) .(2/166)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من مات له ثلاثة من الولد فاحتسبهم دخل الجنة" قال: قلنا يا رسول الله واثنان قال: "واثنان" قال محمود يعني ابن لبيد لجابر : أراكم لو قلتم واحد لقال واحداً قال : وأنا أظن ذلك. (1) .
باب
من مات له ولد واحد
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من كان له فرطان من أمتي أدخله الله بهما الجنة" فقالت له عائشة : فمن كان له فرط ؟ قال: " من كان له فرط ؟؟" قالت : فمن لم يكن له فرط من أمتك ؟ قال: " فأما فرط أمتي لن يصابوا بمثلي" (2) .
الفرط بالتحريك هو الذي يتقدم القوم ليرتاد لهم الماء ويهيء لهم الدلاء والرشاء والمراد به هنا الولد دون البلوغ يقدمه المرء بين يديه ذكراً كان أو أنثى وجمعه أفراط.
وقوله " فأنا فرط أمتي" أي أتقدمهم إلى الحوض قبل ورودهم أهيء مصالحهم في دار القرار والله تعالى أعلم.
وعن أبي سلمة راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " بخٍ بخ وأشار بيده لخمس ما أثقلهن في الميزان سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه" (3) .
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كان له حصناً حصيناً من النار" فقال أبو ذر: قدمت اثنين قال: "واثنين" قال أُبي بن
__________
(1) رواه أحمد وابن حبان في صحيحه ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2006).
(2) رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسن، المشكاة (1735).
(3) رواه النسائي وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد ورواه البزار من حديث ثوبان بإسناد جيد، وصححه الألباني رحمه الله، السلسلة الصحيحة رقم (1204) ، وصحيح الترغيب رقم (2009).(2/167)
كعب سيد القراء: قدمت واحداً قال: "وواحد" (1) .
وعن أبي موسى الأشعري ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي المؤمن فيقولون: نعم ، فيقول قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون : نعم، فيقول ماذا قال عبدي فيقولون: حمدك واسترجع فيقول ابنوا له بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد" (2) .
وعن قرة بن إياس - رضي الله عنه - ، أن رجلاً كان يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه ابن له فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أتحبه"؟ قال : نعم يا رسول الله أَحبكَ الله كما أحبه ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : "ما فعل فلان بن فلان" قالوا يا رسول الله مات فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبيه:
"ألا تحب أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك" فقال رجلٌ : يا رسول الله أله خاصة أم لكلنا؟ قال "بل لكلكم" (3) .
__________
(1) أخرجه بان ماجة بإسناده عن ابن مسعود، المشكاة (1755).
(2) المشكاة (1736)، والصحيحة رقم (1408)، صحيح الترغيب رقم (2012).
(3) رواه أحمد،والنسائي وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم(2007).(2/168)
وفي رواية للنسائي قال: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس جلس إليه نفر من أصحابه فيهم رجلٌ له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعد بين يديه فهلك فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مالي لا أرى فلاناً" قالوا : يا رسول الله بُنيه الذي رأيته هلك فلقيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن بُنيه فأخبره أنه هلك فعزاه عليه ثم قال: "يا فلان أيهما كان أحب إليك؟ أن تمتع به عمرك أو لا تأتي إلى باب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟" قال: يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لهو أحب إليَّ قال: "فذاك لك" (1) .
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من مسلمين يتوفى لهما ثلاثة من الولد إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهم" فقالوا: يا رسول الله أو اثنان قال: "أو اثنان" قالوا: أو واحد؟ قال: "أو واحد" ثم قال: "والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته" (2) .
السرر: بسين مهملة وراء مكررة محركاً : هو ما تقطعه القابلة وما بقي بعد القطع فهو السُّرَّة.
??????
كتاب القضاء
باب
تحذير المرء من القضاء والولاية وغيره
قال الله تعالى: { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } (3) .
وقال الله تعالى: { أفحكم الجاهلية يبغون } (4) .
__________
(1) رواه ابن حبان في صحيحه برقم (2947) ، ذكر رجاء نوال الجنان لمن قدم ابنا واحدا محتسبا فيه ، وموارد الظمآن برقم (725) ، باب موت الأولاد ، والحاكم في المستدرك برقم (1417) ، صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (599).
(2) أخرجه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2008)، المشكاة برقم (1754).
(3) سورة المائدة الآية (44).
(4) سورة المائدة الآية (50).(2/169)
وقال تعالى: { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه لناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } (1) .
وعن بريدة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قاضيان في النار وقاض في الجنة قاضٍ عرف الحق فقضى به فهو في الجنة وقاضٍ عرف الحق فجار متعمداً فهو في النار وقاضٍ قضى بغير علم فهو في النار" (2) .
قالوا: فما ذنب الذي يجهل ؟ قال: ذنبه أن لا يكون قاضياً حتى يعلم.
وفي رواية عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "القُضاةُ ثلاثة، واحِدٌ في الجنَّةِ واثْنان في النارِ، فأما الذي في الجنَّةِ، فرجل عرفَ الحقَّ فقَضى به، ورجلٌ عَرفَ الحقَّ فجارَ في الحُكْمِ فهو في النارِ، ورجل قَضى لِلنَّاسِ على جَهْلٍ فهو في النارِ". (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من جُعِلَ قاضياً بين الناس فكأنما ذبح بغير سكين" (4) .
__________
(1) سورة البقرة الآية (159).
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الأقضية (3573)، والترمذي في أبواب الأحكام (1322)، والنسائي في السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف (2/95)، وابن ماجة في كتاب الأحكام (2/776)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/116)، والحاكم في المستدرك (4/90)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال أيضاً:له شاهد بإسناد صحيح على شرط مسلم، وتعقبه الذهبي فقال في سند هذا الحديث:قلت:ابن بكير الغنوي منكر الحديث،الإرواء (8/235).
(3) صحيح الترغيب برقم (2172) .
(4) أخرجه أبو داود في أبواب الأقضية (3571)، والترمذي في كتاب الأحكام (1325)، وأحمد في المسند (2/230و365)، والدارقطني في السنن (4/204)، والنسائي في السنن الكبرى في كتاب القضاء كما في تحفة الأشراف (9/481)، والحاكم في المستدرك(4/91)، وابن ماجة في كتاب الأحكام (2/774)، وأبو يعلى وابن أبي شيبة، والبزار كما في نصب الراية (4/64) من طرق عن أبي هريرة.(2/170)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ليوشك رجل أن يتمنى أنه خر من الثريا ولم يل من أمر الناس شيئاً" . (1) .
عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر" (2) .
وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لعنة الله على الراشي والمرتشي" (3) .
وقال: "أيما راعٍ غش رعيته فهو في النار" (4) .
وقال: "ما من أمير عشرة إلا يؤتى به مغلولةً يداه إلى عنقه أطلقه عدله أو أوبقه جوره" (5) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "اللهم من ولي أمر هذه الأمة شيئاً فرفق بها فارفق به ومن شق عليها فاشقق عليه" (6) .
قال النووي: هذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس وأعظم الحث
__________
(1) حسنه الألباني رحمه الله في غاية المرام (ص129) تحت حديث رقم (173) .
(2) رواه البخاري في كتاب الإعتصام (7352)، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ ، ومسلم في كتاب الأقضية (1716)، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ .
(3) أخرجه أحمد في المسند (2/164و190و194و212) والترمذي في الجامع أبواب الأحكام (1337) وابن الجارود في المنتقى (585) وأبو داود في السنن (3/300) رقم (3580) وابن ماجة في السنن (2/775) رقم (2313)، والحاكم في المستدرك (4/102ـ103). و الترغيب والترهيب (3/143).
(4) أخرجه أحمد في المسند (5/25)، وابن مندة في الإيمان برقم (560و561)، السلسة الصحيحة برقم (1754).
(5) أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب (3/129 ) و (10/95و96)، وقال الطبراني: لم يروه عن عبدالله إلا ابراهيم وأخرجه أبو نعيم فضل العادلين (3/1) مع تخريج السخاوي، وأبو يعلى في مسنده والبغوي في شرح السنة (10/59) وابن أبي شيبة وابن عساكر كما في كنز العمال (6/33). وصححه الألباني في الترغيب (2200).
(6) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1828).(2/171)
على الرفق بهم، وقد تظاهرت الأحاديث بهاذ المعنى.أ.هـ (1)
وقال: "سيكون أمراء فسقة جورة فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولن يرد علي الحوض" (2) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعمله ثم لم يغيروا إلا عمهم الله بعقاب" (3) .
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد المسيء ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعَنكم كما لعنهم -يعني بني إسرائيل- على لسان عيسى وداود وعيسى ابن مريم" (4) .
وعن معقد بن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي: سلطان ظلوم غشوم وغالٍ في الدين يشهد عليهم وتبرأ منهم" (5) .
__________
(1) شرح مسلم برقم (2/176-168).
(2) أخرجه أحمد في المسند (6/395) و (5/111) من حديث خباب بن الأرت، والنسائي في المجتبى (7/160) والسنن الكبرى كما في تحفة الأشراف (8/297)، والترمذي في جامعه (2259)، وابن حبان (1571ـ موارد) والحاكم في المستدرك(1/79) و (4/422) وأبو نعيم في الحلية (1/79) والطحاوي في مشكل الآثار (2/136) من طرق عن كعب بن مجرة، والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي وحسنه الترمذي.
(3) أخرجه أبو داود في الملاحم (4339) وابن حبان (300) و (302ـ الإحسان) الطيالسي رقم (663).والطحاوي في مشكل الآثار (2/65).
(4) أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم برقم (4336)، والترمذي في أبواب تفسير القرآن برقم (3050) وابن ماجة في كتاب الفتن والملاحم رقم (4006).
(5) قال الهيثمي في المجمع (5/236): رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما منيع قال ابن عدي: له أفراد وأرجو أنه لا بأس به وبقية رجال الأول ثقات السلسلة الصحيحة(470).(2/172)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - مرفوعاً: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة إمام جائر" (1) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" (2) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً" (3) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة" (4) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من لا يرحم لا يُرحم" (5) .
وقل - صلى الله عليه وسلم - : "لا يرحم الله من لا يرحم الناس" (6) .
وعن أبي مريم عمرو بن مرة الجهني - رضي الله عنه - ، أنه قال لمعاوية: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من ولاه الله شيئاً من أمور المسلمين فاحتجب دون
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (3/22و55) والترمذي في كتاب الأحكام (1329) والبيهقي في السنن الكبرى (10/88) والطبراني في الأوسط و الكبير كما في المجمع (5/236)، و البغوي في معالم التنزيل (2/93ـ94) كلهم من طريق عطية العوضي عن أبي سعيد قال ابن القطان: عطية ضعيف، وقال ابن معين فيه: صالح الحديث به حسن.
(2) رواه البخاري في كتاب الصلح برقم (2697)، ومسلم في كتاب الأقضية برقم (1718).
(3) أخرجه البخاري في كتاب فضائل المدينة برقم (1870)، ورواه مسلم في كتاب الحج برقم (1365و1366).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأحكام (7150)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (142) وفي كتاب الإمارة برقم (21).
(5) أخرجه البخاري في كتاب الأدب برقم (5997)، ومسلم في كتاب الفضائل برقم (2318).
(6) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد رقم (7376)، ومسلم في كتاب الفضائل رقم (2319).(2/173)
حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة" (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عدل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" (2) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "المقسطون على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلوُا" (3) .
وقال: "شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم" قالوا: يا رسول الله! أفلا ننابذهم؟ قال: "لا ما أقاموا فيكم الصلاة" (4) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } (5) " (6) .
__________
(1) رواه أبو داود في السنن (2948) والترمذي (1332و1333) و العلل الكبير(213) وأحمد في المسند (4/231) و (3/441و480) وأبو يعلى في المسند (3/134) رقم (1565)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2208).
(2) رواه البخاري برقم (1357) ، باب الصدقة باليمين ، ومسلم برقم (1031)، باب فضل إخفاء الصدقة .
(3) رواه مسلم في كتاب الإمارة (1827) ورواه النسائي في كتاب آداب القضاة (8/221) ورواه أحمد في المسند (2/160).
(4) رواه مسلم في كتاب "الإمارة" برقم (1855).
(5) سورة هود آية (102) .
(6) رواه البخاري في كتاب التفسير برقم(4686)، ورواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب برقم (2583).(2/174)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يكلمهم ... " فذكر منهم الملك الكذاب (1) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن: "إياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" (2) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن شر الرعاء الحطمة" (3) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إنا والله لا نولي هذا العمل أحداً سأله أو أحداً حرص عليه" (4) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "يا كعب بن عجرة! أعاذك الله من إمارة السفهاء وأمراء يكونون من بعدي ولا يهتدون بهدي ولا يستنون بسنتي" (5) .
__________
(1) رواه البخاري برقم (2240)، باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه، ومسلم برقم (108)، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم .
(2) رواه البخاري في كتاب المغازي برقم (4347). ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (190).
(3) رواه مسلم في كتاب الإمامة برقم (1830).
(4) رواه البخاري في كتاب الأحكام برقم (7149)، ورواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1733).
(5) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/79) و ( 4/422) وصححه، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف (8/297) والمجتبى (7/160) والترمذي في الجامع (4/525) رقم (2259) وابن حبان رقم (1571) موارد، والطحاوي في مشكل الآثار (2/136) وأبو نعيم في حلية الأولياء (1/79) من طرق عن كعب بن عجرة. وحسنه الترمذي.(2/175)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن، دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده" (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال شريك: لا أدري رفعه أم لا - قال: "الإمارةُ أولُها ندامةٌ، وأوسطُها غرامةٌ، وآخرها عذابُ يوم القيامة" (2) .
وعن عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا عبدالرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارَةَ فإنَّك إنْ أُعطيتَها مِنْ غير مسألةٍ، أُعِنْتَ عليها وإنْ أُعطيتها عن مسألةٍ وُكِلْتَ إليها، وإن أوتيتها مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير" (3) .
قال الله تعالى: { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم } (4) .
وقال تعالى: { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } (5) .
وقال تعالى: { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } (6) .
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (2/258و348و523) والترمذي في الجامع(1905) والبخاري في الأدب المفرد رقم (32) و (481) والطيالسي المسند (7/25) والبغوي في شرح السنة (5/195) رقم (1394) وأبو داود في السنن (20/89) رقم (1536) وابن ماجة السنن (2/1270) رقم (3862) وابن حبان (2406) موارد الظمآن، صحيح الجامع برقم (3031).
(2) رواه الطبراني، وقال الشيخ الألباني صحيح لغيره،صحيح الترغيب رقم(2174)
(3) رواه البخاري في كتاب الأيمان والنذور برقم (6248)، ومسلم برقم (1652)، باب ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه .
(4) سورة الشورى الآية (42).
(5) سورة الشعراء الآية (227).
(6) سورة المائدة الآية (79).(2/176)
وقال تعالى: { ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء } (1) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من استرعاه الله رعية ثم لم يحطها بنصح إلا حرم الله عليه الجنة".
وفي لفظ "يموت حين يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".
وفي لفظ "لم يجد رائحة الجنة" (2) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" (3) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من غشنا فليس منا" (4) .
وقال: "الظلم ظلمات يوم القيامة" (5) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قل - صلى الله عليه وسلم - : "مَنْ وَلِيَ القَضاءَ أوْ جُعِلَ قاضياً بينَ الناسِ فقد ذُبِحَ بغيرِ سكِّين" (6) .
قال الحافظ: ( ومعنى قوله "ذبح بغير سكين" أن الذبح بالسكين تحصل به إراحة الذبيحة بتعجيل إزهاق روحها فإذا ذبحت بغير سكين كان فيه تعذيب لها. وقيل: إن الذبح لما كان في ظاهر العرف وغالب العادة بالسكين، عدل - صلى الله عليه وسلم - عن ظاهر العرف والعادة إلى غير ذلك، ليعلم أن مراده - صلى الله عليه وسلم - بهذا القول ما يخاف عليه من هلاك دينه ودون هلاك بدنه. ذكره الخطابي.
__________
(1) سورة ابراهيم الآية (43ـ44).
(2) رواه البخاري في كتاب الأحكام (126و127)، ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (142).
(3) رواه البخاري في الأحكام برقم (7138)، ورواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1829).
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (101)، والترمذي في كتاب البيوع برقم (1315).
(5) رواه البخاري في كتاب المظالم برقم (2447)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2579).
(6) رواه أبو داود والترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، ورواه ابن ماجة، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وقال الألباني: حسن صحيح، صحيح الترغيب رقم (2171).(2/177)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنَّ الله سائلُ كلَّ راعٍ عما اسْتَرْعَاهُ، حَفِظَ أمْ ضَيعَّ، حتى يسأل الرجُلَ عن أهلِ بَيْتهِ" (1) .
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلتُ: يا رسول الله! ألا تَسْتعْمِلني؟ قال: فَضَرَبَ بيدِهِ على مَنْكِبيَ ثُمَّ قال: "يا أبا ذر! إنَّك ضعيفٌ، وإنَّها أمانَةٌ، وإنَّها يومَ القيامَةِ خِزْيٌ وندامَةٌ، إلا مَنْ أخذَهَا بحقِّها، وأدَّى الَّذي عليه منها" (2) .
وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يا أبا ذر إني أراكَ ضعيفاً، وإني أُحِبُّ لك ما أُحِبُّ لِنَفْسِي، لا تأَمَّرنَّ على اثنين، ولا تَلِيَنَّ مال اليتيم" (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّكم سَتَحْرِصون على الإمارَةِ،وستكونُ ندامَةً يومَ القيامةِ، فنِعْمتِ المرْضِعَةُ، وبِئْسَتِ الفاطِمَةُ" (4) .
نعمت المرضعة أي: في الدنيا فإنها تدل على المنافع واللذات العاجلة.
وبئست الفاطمة: عند انفصاله عنها بالموت أو غيره، فإنها تقطع عنه اللذائذ والمنافع، وتبقى عليه الحسرة والتبعة. قاله الألباني.
باب
النهي عن الظلم وأخذ أموال الناس بالباطل ودعاء المظلوم
قال الله تعالى: { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام } (5) .
وقال الله تعالى: { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم } (6) .
__________
(1) رواه ابن حبان في صحيحه. وقال الألباني: حسن صحيح، صحيح الترغيب رقم (2170)، و السلسلة الصحيحة رقم (1626).
(2) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1825).
(3) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1826)، وأبو داود، والحاكم وقال صحيح على شرطهما.
(4) رواه البخاري في كتاب الأحكام برقم (7148).
(5) سورة البقرة الآية (188).
(6) سورة الشورى الآية (42).(2/178)
وقال تعالى: { والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير } (1) .
وقال تعالى: { إن الله لا يظلم مثقال ذرة } (2) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "الظلم ظلمات يوم القيامة" (3) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من ظلم شبراً من الأرض طوقه إلى سبع أرضين يوم القيامة" (4) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "مطل الغني ظلم" (5) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من اقتطع حق امرئٍ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار" قيل: يا رسول الله أو إن كان شيئاً يسيراً؟ قال: "وإن كان قضيباً من أراك" (6) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من استعلمناه على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة" (7) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتدرونَ ما المفْلِسُ؟". قالوا: المُفْلِسُ فينا مَنْ لا درهمَ له ولا مَتاعَ. فقال: "إن المفْلِسَ من أمتي مَنْ يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد شتم هذا، وقَذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعطي هذا مِنْ حَسناتِه، وهذا من حَسناتِه، فإنْ فَنيتْ حسَناتُه قبْلَ أنْ يَقْضيَ ما عليه، أُخِذَ من خطاياهُمْ، فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النارِ" (8) .
__________
(1) سورة الشورى الآية (8).
(2) سورة النساء الآية (40).
(3) رواه البخاري في كتاب المظالم برقم (2447)، ومسلم في البر برقم (2579).
(4) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3195) وفي كتاب المظالم برقم(2453) ، ورواه مسلم في كتاب المساقاة برقم (1612).
(5) رواه البخاري في الإستقراض برقم (2400)، ومسلم في المساقاة برقم(1564).
(6) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (137).
(7) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1833).
(8) رواه مسلم برقم (2581) ، باب تحريم الظلم .(2/179)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال: "يا عبادي إني حَرمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا" (1) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بَعثَ معاذاً إلى اليمن فقال: "اتقِ دعوة المظلوم، فإنه ليسَ بينها وبينَ الله حِجابٌ" (2) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثُ دعَوات لا شكَّ في إجابتِهِنَّ دعوَةُ المظْلومِ، ودعوةُ المسافرِ، ودعوةُ الوالدِ على الولدِ" (3) .
وعن خزيمة بن ثابت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اتقوا دعوةَ المظلوم، فإنها تُحملُ على الغَمامِ، يقولُ الله: وعزتي وجلالي لأنْصُرنَّك ولو بعد حينٍ" (4) .
وعن أبي عبدالله الأسْدي قال: سمعت أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "دعوة المظلوم وإنْ كانَ كافِراً، ليسَ دونَها حِجَابٌ".
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "دع ما يُريبُكَ إلى ما لا يُريبُكَ" (5) .
__________
(1) رواه مسلم برقم (2577)، باب تحريم الظلم .
(2) رواه البخاري برقم (2316)، باب الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم ، ومسلم برقم (19)، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام .
(3) رواه أبو داود والترمذي. وقال الألباني:حسن لغيره، صحيح الترغيب رقم (2226).
(4) رواه الطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب رقم (2230).
(5) رواه أحمد. وقال الألباني حسن لغيره، صحيح الترغيب رقم (2231).(2/180)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الشملة التي غلها لتشتعل عليه ناراً" فقام رجل فجاء بشراك كان أخذه لم تصبه المقاسم فقال: "شراك من نار" (1) .
وقال رجل: يا رسول الله: إن قتلت صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر أتكفر عني خطاياي ؟ قال: "نعم إلا الدين" (2) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة" (3) .
وعن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب بن عجرة: "لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت النار أولى به".
وفي رواية: "لا يدخل الجنة جسد غُذي بحرام" (4) .
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنَّ الله لَيُملي للظالِم، فإذا أَخَذَهُ لم يُفْلِتْهُ"، ثم قرأ: "وكذلِكَ أخْذُ ربك إذا أَخَذَ القُرى وهي ظالِمةٌ إنَّ أَخذَهُ أليم شديد" (5) .
يملي: يمهل ويؤخر ويطيل له في المدة، وهو مشتق من المَلْوَة، وهي المدة والزمان. ومعنى لم يفلته: لم يطلقه. شرح النووي (16/137)
فما من يدٍ إلا
يد الله فوقها
ولا ظالمٌ إلا
سيبلى بأظلمِ
تنام عينك
والمظلوم منتبه
يدعوا عليك
وعين الله لم تنم .
باب
ثواب الوالي العادل
قال الله تعالى { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } (6) .
__________
(1) البخاري برقم (6329)، باب هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم والزروع والأمتعة ، ومسلم برقم (115)، اب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون .
(2) رواه مسلم في كتاب الإمارة (1885).
(3) رواه البخاري في كتاب الجهاد رقم (3118).
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/422)، وأحمد في المسند (3/321و399) وابن حبان (7/436ـ437) رقم (5541مع الإحسان ).
(5) رواه البخاري برقم (4409)، باب قوله وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد، ومسلم برقم (2583)، باب تحريم الظلم .
(6) سورة النحل (الآية (90).(2/181)
وقال تعالى { وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } (1) .
عن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى، ومسلم عفيف متعفف ذو عيال" (2) .
ذو سلطان : صاحب ولاية.
موفق: يوفقه الله تعالى لما فيه مرضاته من العدل.
رقيق القلب: لديه حنان وعطف ولطف وشفقة.
عفيف : لديه عفة عن السؤال، و(متعفف): مبالغ في ترك السؤال.
ذو عيال: كثير العيال.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "اللهم من ولي أمر هذه الأمة شيئاً فرفِقَ بها فارفق به ومن شقَّ عليها فاشقق عليه" (3) .
وعن ابن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله مع القاضي ما لم يَجُرْ، فإذا جارَ تخلى عنه ولزمه الشيطان" (4) .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه" (5) .
__________
(1) سورة الحجرات الآية (9).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنة برقم (2865).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1828).
(4) رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، والحاكم إلا أنه قال " فإذا جار تبرأ الله منه"، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2196).
(5) رواه البخاري برقم (6421)، باب فضل من ترك الفواحش ، ومسلم برقم(1031)، باب فضل إخفاء الصدقة .(2/182)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن – وكلتا يديه يمين- الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا" (1) .
المقسطون: هم العادلون، والإقساط والقِسط بكسر القاف: العَدْل.
وعن أبي عثمان قال: كتب إلينا عمر رضي الله عنه ونحن بأذربيجان، يا عتبة بن فرقد إنه ليس من كدك ولا كدِّ أبيك ولا كدَّ أمك فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك وإياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير (2) .
وعن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاش رعيته إلا حرَّم الله عليه الجنة" وفي رواية "فلم يحطها بنصحه لم يرح رائحة الجنة" (3) .
وعن معقل بن يسار - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من أمير يلي أٌمور المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة" (4) .
باب
تحذير الحاكم وغيره من إرضاء الناس
بما يسخط الله عز وجل
عن رجل من أهل المدينة قال: كتبَ معاويَةُ إلى عائشة: أن اكْتُبي إلي كتاباً توصيني فيه، ولا تُكثِري عَلي، فكتبتْ عائشةُ إلى معاويَةَ: سلامٌ عليك، أما بعْد، فإني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنِ التمس رضا الله بسخط الناسِ، كفاه الله مؤونَةَ الناسِ، ومَنِ الْتَمَسَ رضا الناسِ بسخط الله، وكَلَه إلى الناس" والسلام عليك (5) .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1827).
(2) رواه مسلم في كتاب اللباس برقم (2069).
(3) رواه البخاري في كتاب الأحكام برقم (7150، 7151) ومسلم في كتاب الإمارة برقم (142).
(4) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (142).
(5) رواه الترمذي وابن حبان والبيهقي، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب رقم (2250)، وصحيح الجامع رقم (6097) .(2/183)
وفي رواية لابن حبان: ولفظه: قالتْ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من التمس رضا الله بسخط الناسِ، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس. ومن التَمس رضا الناسِ بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناسَ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومما يجب أن يعلم أنه لا يسوغ في العقل، ولا الدين طلب رضى المخلوقين لوجهين:
أحدهما: أن هذا غير ممكن. كما قال الشافعي رضي الله عنه: الناس غاية لا تدرك. فعليك بالأمر الذي يصلحك فألزمه،ودع ما سواه ولا تعانه.
والثاني: أنا مأمورون بأن نتحرى رضى الله ورسوله. كما قال تعالى: { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } . (1) وعلينا أن نخاف الله فلا نخاف أحداً إلا الله كما قال تعالى : { إِنَّمَا ذالِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَه ُفَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } . (2) وقال: { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُو?اْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } . (3) وقال: { وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ الهيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ اله وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ } . (4) { وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُو?اْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَإِيَّاىَ فَاتَّقُونِ } . (5) فعلينا أن نخاف الله، ونتقيه في الناس: فلا نظلمهم بقلوبنا، ولا جوارحنا، ونؤدي إليهم حقوقهم بقلوبنا وجوارحنا؛ ولا نخافهم في الله فنترك ما أمر الله به ورسوله خيفة منهم.
__________
(1) سورة التوبة آية (62) .
(2) سورة آل عمران آية (175) .
(3) سورة الأنعام آية (44) .
(4) سورة النحل آية (51) .
(5) سورة البقرة آية (41) .(2/184)
ومن لزم هذه الطريقة كانت العاقبة له كما كتبت عائشة إلى معاوية: «أما بعد؛ فإنه من التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس، وعاد حامده من الناس ذاماً. ومن التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه،وأرضى عنه الناس».فالمؤمن لا تكون فكرته وقصده إلا رضى ربه،واجتناب سخطه والعاقبة له؛ولا حوله ولا قوة إلا بالله.اهـ (1)
باب
ثواب الشفقة على الضعفاء من خلق الله
ورحمتهم والرفق بهم
قال الله تعالى: { محمدٌ رسول الله والذين معه أشداءٌ على الكفار رحماءُ بينهم } (2) .
وقال تعالى: { ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة } (3) .
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" (4)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" (5) .
ورواه الترمذي وزاد في آخره: "الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله".
__________
(1) مجموع الفتاوى (3/232) .
(2) سورة الفتح الآية (29) .
(3) سورة البلد الآية (17-18).
(4) رواه البخاري برقم (6942) ، باب قول الله تبارك وتعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى، ومسلم برقم (922) ، باب البكاء على الميت .
(5) رواه أبو داوود في الأدب برقم (4941)، والترمذي في البر والصلة برقم(1924) ،الصحيحة(925)، الإيمان(ص225)، صحيح الترغيب برقم(2256).(2/185)
وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ارحموا تُرحموا واغفروا يُغفر لكم ، ويل لأقماع القول ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون" (1) .
وعن بكير بن وهب قال: قال لي أنس بن مالك - رضي الله عنه - : أحدثكم حديثاً ما أحدثه كل أحد إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على باب البيت ونحن فيه فقال: "الأئمة من قريش إن لي عليكم حقاً ولهم عليكم حقاً مثل ذلك ما إن استرحموا رحموا وإن عاهدوا وفوا وإن حكموا عدلوا فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" (2) .
وعن معاوية بن قرة عن أبيه - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال: يا رسول الله إني لأرحم الشاة أن أذبحها فقال: "إن رحمتها رحمك الله" (3) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "دنا رجل إلى بئر فنزل فشرب منها وعلى البئر كلبٌ يلهث فرحمه فنزع أحد خفيه فسقاه فشكر الله له فأدخله الجنة" (4) .
__________
(1) رواه الإمام أحمد في المسند (2/165، 219) وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الحديث وهو برقم (6541)إسناده صحيح، وقال الهشمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير حبان بن زيد الشرعي ووثقه، ابن حبان ورواه الطبراني كذلك، صحيح الترغيب رقم(2257).
(2) رواه أحمد ، وقال في المجمع (5/192): رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط أتم منها والبزار إلا أنه قال الملك في قريش ورجال أحمد ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (2755).
(3) رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2264).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأدب برقم (6120) . باب فضل سقي الماء ، وفي كتاب الشرب والمساقاة برقم (2363) وفي كتاب المظالم برقم (2466)، ومسلم في كتاب السلام برقم (5820)، باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها .(2/186)
وفي رواية للبخاري: "بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فاستقت له به فسقته فغفر لها به".
الركية: هي البئر والموق بضم الميم هو الخُف.
وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله" (1) .
ورواه أحمد وزاد "ومن لا يغفر لا يُغفر له".
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لن تؤمنوا حتى تراحموا" قالوا : يا رسول الله! كلنا رحيم، قال: "إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكنها رحمةُ العامة" (2) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنكم تقبلون الصبيات وما نقبلهم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟!" (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قبلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن أو الحسين بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قَبَّلتُ منهم أحداً قط ! فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "من لا يَرحم لا يُرحَم" (4) .
وعنه قال: سمعت الصادق المصدوق صاحب هذه الحجرة أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تُنزَعُ الرحمة إلا من شَقي" (5) .
باب
__________
(1) رواه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7376)، ومسلم في كتاب الفضائل برقم (2319).
(2) رواه الطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2253).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5997)، ومسلم في كتاب الفضائل برقم (2318).
(4) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5998)، ومسلم في كتاب الفضائل برقم (2317).
(5) رواه أبو داوود واللفظ له والترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي حديث حسن، وفي بعض النسخ حسن صحيح، صحيح الترغيب برقم (2261).(2/187)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قال الله تعالى: { ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } (1) .
وقال تعالى: { كنتم خير أمةٍ أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر } (2) .
وقال تعالى: { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم } (3) .
وقال تعالى: { فلما نسوا ما ذُكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون } (4) .
قال الله تعالى: { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } . (5) وقال الله تعالى حكاية عن لقمان - عليه السلام - : { يا بُني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور } (6) .
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من نبيٍ بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أُمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" (7) .
__________
(1) سورة آل عمران الآية (104).
(2) سورة آل عمران الآية (110).
(3) سورة التوبة، الآية (71).
(4) سورة الأعراف الآية (165).
(5) سورة المائدة الآية (78،79).
(6) سورة لقمان الآية (17).
(7) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (177).(2/188)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من أُمتي قوماً يُعطون مثل أُجورِ أولهم ينكرون المنكر" (1) .
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من رأى منكم منكراً فيلغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" (2) .
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرةٍ علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان وعلى أن نقول بالحق كنا لا نخاف في الله لومة لائمٍ" (3)
وعن زينب بنت جحش رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فزعا يقول: "لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه" وحلق بأصبعيه: الإبهام والتي تليها فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال: "نعم إذا كثر الخبث" (4) .
وعن جرير - رضي الله عنه - قال: بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه وسلم على السمع والطاعة فلقنني "فيما استطعت" والنصح لكل مسلم (5) .
__________
(1) رواه الإمام أحمد، في مسنده، السلسلة الصحيحة رقم (1700).
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (49).
(3) رواه البخاري في كتاب الفتن برقم (7056)، وفي كتاب الأحكام برقم (7200)، ومسلم في كتاب الإمارة برقم (1709).
(4) رواه البخاري في كتاب الأنبياء برقم (3346)، ومسلم في كتاب الفتن برقم(2880).
(5) رواه البخاري في كتاب الأحكام برقم (7204)، ومسلم في الإيمان برقم (56).(2/189)
وتقدم حديث تميم الداري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدين النصيحة" قاله ثلاثا قال: قلنا: لمن يا رسول الله! قال: "لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" (1) .
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذِ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً" (2) .
(القائم على حدود الله) يعني القائم في إزالتها ودفعها وإنكارها.
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن ناساً قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم ويتصدقون كما نتصدق ويتصدقون بفضول أموالهم قال: "أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة" (3) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاث مئة مفصل فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله وعزل حجراً عن طريق الناس أو شوكة أو عظماً عن طريق الناس وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاث مئة السلامى فإنه يمسي يومئذٍ وقد زحزح نفسه عن النار" (4) .
__________
(1) رواه البخاري برقم (57)، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الدين النصيحة، ومسلم برقم(55)، باب بيان أن الدين النصيحة .
(2) رواه البخاري في كتاب الشركة برقم (2493).
(3) رواه البخاري برقم (807)، باب الذكر بعد الصلاة ، ومسلم برقم (595)، باب إستحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته .
(4) أخرجه مسلم برقم (1007).(2/190)
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه" (1) .
مجخيا :هو بضم الميم بعدها جيم مفتوحة ثم خاء معجمة مكسورة مشددة و معناه مائلاً منكوساً .
وعن طارق بن شهاب البجلي الأحمسي أ ن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد وضع رجله في الغرز أي الجهاد أفضل قال: "كلمة حق عند سلطان جائر" (2) .
الغرز: بفتح الغين وإسكان الراء والزاي: هو ركاب كور الجمل.
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: عرض لرسول - صلى الله عليه وسلم - رجل عند الجمرة الأولى فقال: يا رسول الله أي الجهاد أفضل فسكت عنه فلما رمى الجمرة الثانية سأله: فسكت عنه فلما رمى جمرة العقبة وضع رجله في الغرز ليركب قال: "أين السائل" قال : أنا يا رسول الله قال: "كلمة حق عند ذي سلطان جائر" (3) .
وعن جابر - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" (4) .
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفضل الجهاد كلمة عدد عند سلطان جائر. (5)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (367).
(2) رواه النسائي بإسناد صحيح، السلسة الصحيحة (491) الترغيب (2306).
(3) رواه ابن ماجه، السلسة الصحيحة رقم (491)، وصحيح الترغيب (2307).
(4) رواه الحاكم، صحيح الترغيب برقم (2308).
(5) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن، الصحيحة (1/5/365) و (3/479) ، صحيح الترغيب رقم (2305).(2/191)
وفي رواية: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" (1) .
قال عثمان - رضي الله عنه - : وجدتُ حلاوة العبادة في أربعة أشياء : في أداء فرائض الله ، والثاني : في اجتناب محارم الله ، والثالث : في الأمر بالمعروف ابتغاءَ ثواب الله ، والرابع : في النهي عن المنكر اتقاء غضب الله .
وعن سفيان الثوري أنه قال : اختار الفقراء خمساً واختار الأغنياء خمساً :
اختار الفقراء: راحة النفس ، وفراغ القلب ، وعبودية الرب ، وخفة الحساب ، والدرحة العليا .
واختار الأغنياء: تعبَ النفس، وشغل القلب، وعبودية الدنيا، وشِدَّةَ الحساب، والدرجة السفلى . (2)
وقال ابن مفلح رحمه الله : وينبغي أن يكون الآمرُ بالمعروف والناهي عن المنكر متواضعاً ، رفيقاً فيما يدعوا إليه شفيقاً رحيماً ، غير فظ ولا غليض القلب ، ولا متعنتاً ، حراً ويتوجه أن العبد مثله ، وإن كان الحر أكمل ، عدلاً فقيهاً ، عالماً بالمأمورات والمنهيات شرعاً ، ديناً نزيهاً ، عفيفاً ، ذا رأي وصرامه وشدة في الدين ، ، قصداً بذلك وجه الله عزوجل ، وإقامة دينه ، ونصرة شرعه ، وامتثال أمره وإحياء سنته بلا رياء ولا منافقة ولا مداهنة ، غير منافس ولا مفاخر ، ولا ممن يخالف قوله فعله ، ويسن له العمل بالنوافل والمندوبات ، والرفق ، وطلاقة الوجه ، وحسن الخلق عند إنكاره ، والتثبت والمسامحة بالهفوة عند أول مرة . (3)
وقال ابن الجوزي: من لم يقطع الطمعَ من الناس من شيئين لم يقدر على الإنكار:أحدهما:من لطفٍ ينالونه به ، والثاني : من رضاهم عنه وثنائهم عليه . (4)
باب
ثواب من ستر عورة أخيه المسلم
__________
(1) السلسة الصحيحة (491)، وإصلاح المساجد ص29.
(2) إرشاد العباد للاستعداد ليوم المعاد (91-92) .
(3) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/256) .
(4) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/259) .(2/192)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يستر عبدٌ عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة" (1) .
وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على مسلم في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" (2) .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة" (3) .
فَرَجَ : أزال
كُربة: شدة وهم
لا يظلمه: لا ينقصه من ماله أو من حقه ولا يتعدى عليه.
لا يسلمه: لا يتركه إلى عدوه أو مبغضه ينالون منه في حضرته أو غيبته ولا ينصره.
وعن أبي أمامة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من غسل ميتاً فستره ستره الله من الذنوب ومن كفنه كساه الله من السندس" (4) .
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه التقوى ههنا بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم" (5) .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2590).
(2) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6793).
(3) أخرجه البخاري برقم (2310)، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، ومسلم برقم (2580)، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر .
(4) رواه الطبراني عن أبي أمامة، صحيح الجامع رقم (6279).
(5) أخرجه الترمذي برقم (1927)، الإرواء (2450).(2/193)
من ستر عبداً في الدنيا ستره الله يوم القيامة إما بغفران ذنوبه فلا يسأله عنها أو لا يفضحه على رؤوس الأشهاد.
وعن مكحول : أن عقبة بن عامر أتى مسلمة بن مخلد فكان بينه وبين البواب شيء فسمع صوته فأذنَ له فقال له: إني لم آتك زائراً جئتُكَ لحاجةٍ أتذكر يوم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من علم من أخيه سيئة فسترها ستر الله عليه يوم القيامة"؟
قال: نعم ، قال: لهذا جئت (1) .
باب
ثواب من حفظ فرجه خوفاً من الله عز وجل
قال الله تعالى: { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما } (2) .
وقال تعالى: { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } إلى قوله { الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون } (3) .
وقال تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن" (4) .
وقال تعالى: " { والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً } (5) .
وقال تعالى: { وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى } (6) .
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة ). (7)
والمراد بما (بين لحييه): اللسان وبما (بين رجليه) الفرج.
__________
(1) رواه الطبراني ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2336).
(2) سورة النساء الآية (31).
(3) سورة المؤمنون الآية (5-7)
(4) سورة النور (30-31).
(5) سورة الأحزاب (35).
(6) سورة النازعات الآية (40-41).
(7) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6474).(2/194)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة" (1) .
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه وسلم: "من حفظ ما بين فقميه وفرجه دخل الجنة" (2) .
ورواه الطبراني من حديث أبي رافع إلا أنه قال: "من حفظ ما بين فقميه وفخذيه دخل الجنة" (3) .
الفقمان:بفتح الفاء وإسكان القاف هما عظم الحنك وهما اللحيان أيضا.
وعن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة اصدقوا إذا حدثتم
وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم ) (4) .
__________
(1) رواه الترمذي (2409) وقال: هذا حديث حسن غريب، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع برقم (6469).
(2) رواه أبو يعلى ورجاله ثقات. صحيح الجامع رقم (6202) .
(3) قال في مجمع الزوائد (10/298، 300): رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني بنحوه ورجال الطبراني وأبي يعلى ثقات وفي رجال أحمد راوٍ لم يسم وبقية رجاله ثقات والظاهر أن الراوي الذي سقط عند أحمد هو سليمان بن يسار. وصححه الألباني رحمه الله، صحيح الجامع (6078).
(4) رواه أحمد وابن حبان والحاكم وقال : صحيح الإسناد،قال الهيثمي في مجمع الزوائد(4/145) : (رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله ثقات إلا أن المطلب لم يسمع من عبادة )، وحسنه الألباني، صحيح الجامع (1029)والصحيحة (1470).(2/195)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا صلت المرأة خمسها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت" (1) .
وفي رواية عن أبي هريرة نحوه" "أيما امرأة اتقت ربها ...".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا شباب قريش احفظوا فروجكم لا تزنوا من حفظ فرجه فله الجنة. (2) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فذكر ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله" (3) .
__________
(1) رواه ابن حبان، قال في المجمع (4/306): رواه أحمد والطبراني في الأوسط وفيه لهيعة وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني رحمه الله، صحيح الجامع (673)، آداب الزفاف (ص268)
(2) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم، ورواه البيهقي.
(3) رواه البخاري برقم (6421)، باب فضل من ترك الفواحش ، ومسلم برقم(1031)، باب فضل إخفاء الصدقة .(2/196)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحطت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فقال: أحدهم كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلى فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تُخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها وفي رواية فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحق فتحرجت من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة" (1)
تحرجت: أي خفتُ من الحرج وهو الإثم.
باب
العفو عن القاتل والجاني والظالم
قال الله تعالى: { فمن عُفِيَ لهُ من أخيه شَيءٌ فاتباعٌ بالمعروف وأداءٌ إليه بإحسان ذلك تخفيفٌ من ربكم ورحمة } (2)
قال تعالى: { فمن تصدق به فهي كفارةٌ له } (3) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما نقصت صَدَقةٌ من مالٍ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عِزاً، وما تواضَعَ أحدٌ لله إلا رفعهُ الله" (4) .
باب
النهي عن السرقة
قال الله تعالى: { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم } . (5)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3465) وفي كتاب البيوع برقم (2215)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2743).
(2) سورة البقرة الآية (178)
(3) سورة المائدة الآية (45).
(4) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2588).
(5) سورة المائدة الآية (38).(2/197)
وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها، أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمه أسامة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أتشفع في حد من حدود الله"، ثم قام فاختطب فقال أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها وفي حديث بن رمح إنما هلك الذين من قبلكم ". (1)
قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبا فقال: "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". (2)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده". (3)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". (4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولكن التوبة معروضة بعد". (5)
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب الحدود، برقم (3526)، باب ذكر أسامة بن زيد رضي الله عنه، باب كراهية الشفاعة في الحد، ومسلم برقم (1688)، باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود .
(2) متفق عليه.
(3) رواه البخاري في كتاب الحدود برقم (6783)،ومسلم في الحدود برقم(1687).
(4) رواه البخاري في كتاب الحدود برقم (3788)،ومسلم في كتاب الحدود برقم(1688).
(5) البخاري برقم (6425)، باب إثم الزناة وقول الله تعالى ولا يزنون ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ، ومسلم برقم (57)، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفي كماله .(2/198)
وعن هلال بن يساف عن سلمة بن قيس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا إنما هن أربع: أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تزنوا ولا تسرقوا". (1)
قال القاضي عياض: صان الله الأموال بإيجاب القطع على السارق ولم يجعل ذلك في غير السرقة كالإختلاس والانتهاب والغصب لأن ذلك قليل بالنسبة إلى السرقة ولأنه يمكن استرجاع هذا النوع بالإستدعاء إلى ولاة الأمور وتسهل إقامة البينة عليه بخلاف السرقة فإنه تندر إقامة البينة عليها فعظم أمرها واشتدت عقوبتها ليكون أبلغ في الزجر عنها.أ.هـ. (2)
باب
النهي عن قطع الطريق
قال الله تعالى: { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } . (3)
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا أو صلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل الطريق ولم يأخذوا مالاً نفوا من الأرض".
هذا مذهب الشافعي وأحمد وأبو حنيفة.
باب
تحذير الغادر بأميره وغير ذلك
قال الله تعالى: { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا } . (4)
وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أوفو بالعقود } . (5)
وقال تعالى: { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } . (6)
__________
(1) أخرجه النسائي في السنن الكبرى كتاب التفسير (4/51) كما في تحفة الأشراف وأحمد في المسند (4/331) وابن أبي عاصم السنة (2/470) والحاكم في المستدرك (4/351) وقال: هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(2) شرح مسلم للنووي .
(3) سورة المائدة الآية (33).
(4) سورة الإسراء الآية (34).
(5) سورة المائدة الآية (1).
(6) سورة النحل الآية (91).(2/199)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أربع من كن فيه كان منافقا حقا: من إذا حدث كذب وإذا ائتمن خان وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر". (1)
وقال: "لكل غادر لواء يوم القيامة عند إسته يقال: هذه غدرة فلان ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامةٍ". (2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطي بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره". (3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من خلع يداً من طاعةٍ لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية". (4)
وقال عليه الصلاة والسلام: "من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر". (5)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعصي الأمير فقد عصاني". (6)
وقال عليه الصلاة والسلام: "من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة الجاهلية". (7)
__________
(1) البخاري برقم (34)،باب علامة المنافق ، ومسلم برقم(58)،باب بيان خصال المنافق .
(2) رواه مسلم في كتاب الجهاد برقم (1738).
(3) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2227).
(4) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1851).
(5) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1844).
(6) رواه البخاري في كتاب الأحكام برقم(7137)،ورواه مسلم في الإمارة برقم(1835).
(7) رواه البخاري في كتاب الفتن(3/5)برقم(70)،ومسلم في كتاب الإمارة برقم(1849).(2/200)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع رقبة الإسلام من عنقه". (1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من حمل علينا السلاح فليس منا". (2)
باب
النهي عن تكفير المسلم
وما جاء من الوعيد الشديد في ذلك
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليه". (3)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه". (4)
حار: أي رجع.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما". (5)
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (5/180) والحاكم في المستدرك (4/117)، وأبو داود في كتاب السنة (4758) وابن أبي عاصم السنة (892 و 1053و 1054) تلخيص الكبير(4/41) ، السلسلة الصحيحة (984).
(2) رواه البخاري في كتاب الفتن برقم(7070)، ومسلم في الإيمان برقم (100).
(3) رواه البخاري في كتاب الآدب برقم (6104)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (60).
(4) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6045)، ومسلم في الإيمان برقم (61).
(5) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6103).(2/201)
وعن أبي قلابة أن ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - أخبره أنه بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف على يمين بملةٍ غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشئ عذب به يوم القيامة وليس على رجل نذر فيما لا يملك ولعن المؤمن كقتله ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله ومن ذبح نفسه بشيء عذب به يوم القيامة". (1)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما أكفر رجلٌ رجلاً، إلا باءَ أحدهما بها، إن كان كافراً، وإلا كفر بتكفيره". (2)
باب
تحريم السحر
قال الله تعالى: { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت } إلى قوله: { ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق } . (3)
فالسحر كفر والساحر لا بد أن يكفر وحد الساحر القتل لأنه كفر بالله تعالى.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "حد الساحر ضربه بالسيف". (4)
__________
(1) رواه البخاري برقم (5754)، باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال ، ومسلم برقم (110)، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وإن من قتل نفسه بشيء عذب به في النار وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة .
(2) صحيح الترغيب برقم (2775).
(3) سورة البقرة الآية (102).
(4) أخرجه الترمذي برقم (1460) ، والدراقطني (3/114) ، وعبد الرزاق في المصنف (10/184) ، والحاكم في المستدرك (4/360) والطبراني في الكبير (2/172) رقم (1665). وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي برقم (241) .(2/202)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا، وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات". (1)
وقال بجالة بن عبدة: أتانا كتاب عمر - رضي الله عنه - قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. (2)
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر وقاطع رحم ومصدق بالسحر". (3)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعا: "الرقا والتمائم والتولة شرك". (4)
وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منا من تطير أو تُطير له، أو تكهن له، أو سحر أو سُحر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ". (5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الوصايا برقم (2766)، ورواه مسلم في الإيمان برقم (89).
(2) أخرجه أحمد في المسند (1/190و191)، وأبو داود (3403)، وابن حزم في المحلى(1/397)،وعبد الرزاق في المصنف(10/179و10و181)،وأبو عبيد في الأموال(ص35)
(3) أخرجه أحمد في المسند (4/399) والحاكم في المستدرك (4/146) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، صحيح الترغيب برقم (3050).
(4) أخرجه أبو داود في الطب برقم (3883) وابن ماجة (3530) في الطب وأحمد في المسند (1/381)، والبغوي في شرح السنة (12/156-157) وابن حبان برقم ==
== (1412) والطبراني في الكبير (10503)، والحاكم في المستدرك (4/217) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
(5) صحيح الترغيب برقم (3041).(2/203)
وعن صفية بنت ابي عبيد عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه، لم تقبل له صلاة اربعين يوما". (1)
وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده: في كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كتبه إلى أهل اليمن في الفرائض والسنن والديات والزكاة، فذكر فيه: "وإن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة، الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير الحق، والفرار في سبيل الله يوم الزحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلم السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم". (2)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى عرافاً أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد". (3)
(العراف) : هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها كالمسروق من الذي سرقه، ومعرفة مكان الضالة ونحو ذلك، ومنهم من يسمى المنجم كاهنا. انتهى.
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لن ينال الدرجات العلى من تكهن، أو استقسم، أو رجع من سفرٍ تطيراً". (4)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا، فسأله فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - . (5)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2230).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه أبو داود والترمذي، والنسائي وابن ماجة، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3047).
(4) رواه الطبراني وقال الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب برقم (3045).
(5) رواه البزار وأبو يعلى، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3048).(2/204)
وعنه قال: "من أتى عرافا أو كاهنا، يؤمن بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ". (1)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من اقتبس علما من النجوم، اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد". (2)
باب
تصديق الكاهن والمنجم
قال الله تعالى: { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر
والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } . (3)
وقال الله تعالى: { إن بعض الظن إثم } . (4)
وقال تعالى: { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } . (5)
وقال تعالى: { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول } . (6)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقة بما يقول: فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ". (7)
__________
(1) رواه الطبراني في الكبير (10/93/10005) وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3049).
(2) صحيح الترغيب (3/173).
(3) سورة الإسراء الآية (36).
(4) سورة الحجرات الآية (12).
(5) سورة آل عمران الآية (179).
(6) سورة الجن الآية (26-27).
(7) أخرجه أحمد في المسند (2/408 و 429 و 476)،والحاكم في المستدرك(1/8)، وابو داود في كتاب الطب (3904) والبيهقي في السنن الكبرى (8/135) والدارمي في السنن (1/259) والترمذي أبواب الطهارة (1/209) رقم (639) وابن الجارود المنتقى (ً 58)، والحديث صححه الحاكم، وصححه العراقي في أماليه كذا في فيض القدير (6/23).(2/205)
وعن زيد بن خالد الجهني أنه، قال : "صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلة فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال أصبح من عبادي مؤمن وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب وأما من قال بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب ". (1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما". (2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من اقتبس شعبة من النجوم اقتبس شعبة من السحر". (3)
باب
التحذير من الخيانة
قال الله تعالى: { لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } . (4)
وقال الله تعالى: { وأن الله لا يهدي كيد الخائنين } . (5)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له". (6)
__________
(1) البخاري برقم (810)، باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم، ومسلم برقم (71)، باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء .
(2) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2230).
(3) أخرجه أحمد (1/227 و 311)، وأبو داوود رقم (3905)، وابن ماجة رقم (3726) ، والطبراني في الكبير رقم (11278)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/138)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/39).
(4) سورة الأنفال الآية (27).
(5) سورة يوسف الآية (52).
(6) أخرجه ابن أبي شيبة الإيمان رقم (7) والمصنف(11/11)،وأحمد في المسند(3/135و145 و210 و 251)،وابن حبان(1/208)، والبيهقي السنن الكبرى(6/288) و (9/231) وشعب الإيمان(6/381)، والطبراني في الأو سط(1/96) والبغوي شرح السنة رقم (38) وقال: هذا حديث حسن، وأبو يعلى في المسند رقم(2863)وهناد في الزهد رقم(1033و1135) عن الحسن مرسلاً.(2/206)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان". (1)
ورواه مسلم وزاد في رواية: "وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم".
حكى أن رجلاً من البصرة حج فجلس بمجلس عطاء بن أبي رباح فقال سمعت الحسن يقول من كان فيه ثلاث خصال لم أنحرج أن أقول إنه منافق فقال له عطاء إذا رجعت إليه فقل له عطاء يقرئك السلام ويقول لك ما تقول في أخوة يوسف إذ حدثوا فكذبوا ووعدوا فأخلفوا وائتمنوا فخانوا أكانوا منافقين؟ ففعل فسر الحسن وقال جزاه الله خيراً وقال لأصحابه إذا سمعتم مني حديثاً فاصنعوا كما صنع أخوكم حدثوا به العلماء فما كان صواباً فحسن وإذا كان غير ذلك فردوه عليّ
وعن عدي بن عميرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة، فقام إليه رجل أسود من الأنصار، كأني أنظر إليه فقال يا رسول الله! أقبل عني عملك. قال: "وما لك". قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال: "وأنا أقوله الآن: من استعملنا منكم على عمل فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهى عنه انتهى". (2)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (23)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (59).
(2) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1833).(2/207)
وعن يزيد بن شريك قال: رأيت عليّا - رضي الله عنه - على المنبر يخطب فسمعته يقول: لا والله ما عندنا من كتاب نقرؤه إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة، فنشرها فإذا فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات، وفيها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ذمّة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً". (1)
أخفر: يقال اخفر بالرجل: إذا غدره ونقض عهده.
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أن الأمانة نزلت في جذْر قلوب الرّجال، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: "ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظلُّ أثرها مثل الوكت، ثم ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظلّ أثرها مثل أثر المجل كجمرٍ دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبراً وليس فيه شيء حتى يقال: إن في بني فلان رجلاً أمينا، حتى يقال للرجل: (ما أجلَدَه!) ما أظرفه! ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبةٍ من خردل من إيمان". (2)
الجذر: هو أصل الشيء.
الوكت: هو الأثر اليسير، قاله الهروي، وقال غيره: هو سواد يسير.
المجل: هو تنفّط اليد من العمل وغيره، ويصير كالقبة فيه ماء قليل والنفطة: بثرة تخرج في اليد من العمل ملأن ماء.
منبترا: أي مرتفعاً.
__________
(1) رواه البخاري برقم (3001)، باب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة يسعى بها أدناهم ، ومسلم برقم (1370)، باب فضل المدينة .
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (143).(2/208)
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السّمن". (1)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر". (2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا جمع الله الأولين والاخرين يوم القيامة، يرفع لكل غادر لواء، فقيل: هذه غدرة فلان بن فلان". (3)
وفي رواية: "لكل غادر لواء يوم القيامة يُعرف به، يقال: هذه غدرة فلان". (4)
اللواء: الراية العظيمة، ولا يمسكها إلا صاحب جيش الحرب، أو صاحب دعوة الجيش، ويكون الناس تبعاً له.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حرا ثم أكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً، فاستوفى منه العمل، ولم يوفه أجره". (5)
باب
الحكم بين الخصمين
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الشهادات برقم (2651)، وفي كتاب الرقاق برقم )6428)، ورواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (2532).
(2) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (34)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (58).
(3) رواه مسلم في كتاب الجهاد والسير برقم (1735).
(4) رواه مسلم في كتاب الجهاد والسير برقم (1736).
(5) رواه البخاري برقم (2114)، باب إثم من باع حرا .(2/209)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا جلس إليك الخصمان فلا تقضي بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول؛ فإذا فعلت، تبين لك القضاء". (1)
وقال عليه الصلاة والسلام: "إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقابٍ منه". (2)
باب
النهي عن إعانة المبطل
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حالت شفاعَتُه دونَ حدٍّ من حدود الله، فقد ضاد الله عز وجل، ومن خاصمَ في باطلٍ وهو يعلَمُ، لم يَزَلْ في سَخَط الله حتى يَنزِعَ، ومَنْ قال في مؤمنٍ ما ليس فيه، أسكنه الله رَدْغَة الخَبالِ، حتى يَخْرُجَ مِما قال" (3) . وفي لفظ للحاكم مختصراً ولفظه: "من أعانَ على خُصومَةٍ بغير حقٍّ، كانَ في سَخَطِ الله حتى يَنْزِعَ".
وفي رواية لأبي داود: "من أعانَ على خُصومَةٍ بظُلمٍ، فقد باءَ بغضبٍ منَ الله" (4) .
(الرَّدْغَةُ) بفتح الراء وسكون الدال المهملة وتحريكها أيضاً وبالغين المعجمة: هي الوحل.
و "ردعةُ الخَبالِ) بفتح الخاء المعجمة وبالباء الوحدة : هو عصارة أهل النار أو عرقهم، كما جاء مفسراً في صحيح مسلم من حديث جابر (6/100)
وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَثَلُ الذي يُعينُ قومَهُ على غيرِ الحقِّ، كَمثَلِ بعيرٍ تَرَدَّى في بئْرٍ، فهو يُنزَعُ منها بذَنَبِه" (5) .
__________
(1) أخرجه أبو داود والحاكم والطيالسي، وصححه الألباني في الصحيحة برقم(1300).
(2) ابو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم وهو من صحيح سنن الترمذي برقم(1761). المشكاة (5142).
(3) رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2845).
(4) صحيح الترغيب (2/545) .
(5) السلسة الصحيحة رقم (198) وصحيح الترغيب برقم (2249) .(2/210)
وعن حماد عن إبراهيم قال: كان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: الغيبة: أن تذكر من أخيك ما تعلم فيه وإذا قلت ما ليس فيه فذلك البهتان. (1)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: من نصر أخاه المسلم بالغيب، نصره الله في الدنيا والآخرة". (2)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة". (3)
عن الحسن رحمه الله أنه كان يقول: إياكم والغيبة والذي نفسي بيده، لهي أسرع في الحسنات من النار في الحطب. (4)
??????
كتاب البر وصلة الأرحام
باب
ثواب صلة الرحم
قال الله تعالى: { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله } (5)
وقال تعالى: { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم } (6)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحب أن يُبسط له في رزقه وينسأ له في أثر فليصل رحمه" (7)
(ينسأ): أي يؤخر له في أجله.
وفي (أثره): أي في أجله، وسمي الأجل أثراً لأنه يتبع العمر.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ليس شيء أُطيع الله تعالى فيه أعجل ثواباً من صلة الرحم وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بلا قلاع" (8) .
__________
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة، وفي كتاب الصمت برقم (211).
(2) السلسلة الصحيحة رقم (1217).
(3) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب رقم (2848).
(4) أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة، وفي الصمت برقم (300).
(5) سورة الأنفال الآية (75)
(6) سورة محمد الآية (22).
(7) رواه البخاري في الأدب برقم (5986)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم(2557).
(8) رواه البيهقي في السنن، صحيح الجامع(5267).(2/211)
وعن سلمان بن عامر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة" (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه وسلم "إن الله تعالى خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم: أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: "فذاك لَكِ" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إقرؤا إ ن شئتم: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها } (2) .
و قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة ولا بعد بها إذا وصلت وإن كانت بعيدة" (3) .
قال القاضي عياض: الرحم التي توصل وتقطع وتبر إنما هي معنى من المعاني ليست بجسم ، وإنما هي قرابة ونسب، تجمعه رحم والدة، ويتصل بعضه ببعض فسمي ذلك الاتصال رحماً. أ.هـ. (4)
باب
النهي عن قطع الرحم
قال الله تعالى: { واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } . (5)
وقال تعالى: { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } . (6)
__________
(1) رواه الترمذي، وحسنه والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم(892).
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5987)، ومسلم في البر والصلة برقم (2554).
(3) رواه الطيالسي والحاكم عن ابن عباس، صحيح الجامع برقم(1062).
(4) شرح النووي (16/112) .
(5) سورة النساء الآية (1).
(6) سورة محمد الآية (22-23).(2/212)
وعن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يدخل الجنة قاطع". قال سفيان: يعني قاطع رحم. (1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه". (2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائد بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت بلى. قال: فذاك لكِ" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اقرأوا إن شئتم: "فهل عسيتم أن توليتم إن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم". (3)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسا له في اثره فليصل رحمه". (4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله". (5)
وفي لفظ: "قال الله عز وجل: أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي من وصلها وصلته ومن قطعها بتته". (6)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم(5984)،ورواه مسلم في البر والصلة رقم(2556)
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم(6138)،ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم(74).
(3) رواه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7502) وفي كتاب التفسير برقم (8/575 - 580 فتح)، ورواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2554).
(4) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5986) وفي كتاب البيوع برقم (4/306) ، ورواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2556).
(5) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5988)، ورواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2555).
(6) رواه أبو داود في كتاب الزكاة برقم (1694)، ورواه الترمذي في أبواب البر والصلة برقم (1908)،وقال الألباني:صحيح لغيره،صحيح الترغيب رقم(2528)(2/213)
وعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق، وإن هذه الرحم شجنة من الرحمن عز وجل، فمن قطعها حرم الله عليه الجنة". (1)
قوله: (شجنة) يعني قرابة مشتبكة كأشباك العروق. قاله أبو عبيد.
وقال تعالى: { والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار } . (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يقول الله تعالى: "أنا الرحمن وهي الرحم من وصلها وصلته ومن قطعها قطعته". (3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "بلو أرحامكم ولو بالسلام". (4)
وعن ابي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم". (5)
باب
ثواب بر الوالدين وطاعتهما
قال الله تعالى: { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى و الجارالجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل" (6) .
وقال تعالى: { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً } (7) .
وقال تعالى: { ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن } (8) .
__________
(1) رواه أحمد والبزار، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2532).
(2) سورة الرعد الآية (25).
(3) رواه هناد في الزهد (2/487) رقم (999)، والحاكم في المستدرك (4/157) وصححه على شرط مسلم .
(4) أخرجه وكيع في الزهد (1011)وابن حبان في الثقات(4/324)،الصحيحة رقم(1777).
(5) رواه ابن ماجة، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2537).
(6) سورة النساء الآية (36).
(7) سورة الإسراء الآية (23).
(8) سورة لقمان الآية (14).(2/214)
وقال تعالى: { ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً } (1) .
وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال" الصلاة على وقتها" قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين"، قلت ثم أي؟ قال "الجهاد في سبيل الله" (2) .
وقد تقدم حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر فمالوا إلى غار الجبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالاً عملتموها لله عز وجل صالحة فادعوا الله بها لعله يفرجها فقال أحدهم : اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ولي صبية صغار وكنت أرعى فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالداي أسقيهما قبل ولدي وإنه نأت بي الشجر فما أتيت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما فحلبت كما كنت أحلب فجئت قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي فلم يزل ذلك دأبي و دأبهم حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء ففرج الله عز وجل لهم يرون السماء" . (3)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأذنه في الجهاد فقال: "أحيٌ والداك" قال: نعم قال: "ففيهما فجاهد". (4) .
__________
(1) سورة الأحقاف الآية (15).
(2) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة برقم (504) وفي كتاب الجهاد برقم
(2630)، وفي كتاب الأدب برقم (5625)، وفي كتاب التوحيد برقم (7096)، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (248 و 249).
(3) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3465)، وفي كتاب البيوع برقم
(2215)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2743).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير برقم (3004) ، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (6451).(2/215)
وعن معاوية بن جاهمة - رضي الله عنه - ،جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله: أردت أن أغزوا وجئت أستشيرك؟ فقال: "هل لك من أم" قال: نعم: قال "فالزمها فأن الجنة عند رجليها" (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فقال يا رسول الله: من أحقُ الناس بحُسن صحابتي؟ قال: "أمُّكَ " قال: ثم مَنْ؟ قال: "أمُّكَ " قال : ثم مَنْ؟ قال: "أمُّكَ": قال ثم مَنْ قال: "أبوك" (2) .
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قَدِمتْ عليَّ أُمي وهي مُشْرِكَة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاستَفتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: قدمت عليَّ أمي راغبةٌ، أفأصِلُ أُميِّ؟ قال: "نعم صِلِي أُمَّكِ" (3) .
راغبة : أي طامعة فيما عندي.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أقبل رجلٌ إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أُبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى قال: "فهل لك من والديك أحد حيّ؟" قال نعم بل كلاهما. قال: "فتبتغي الأجر من الله تعالى؟" قال: نعم. قال: "فأرجع إلى والديك فأحسن صحبتهما" (4) .
__________
(1) رواه النسائي وابن ماجه والحاكم وقال: صحيح الإسناد، والطبراني بإسناد صحيح، وصححه الألباني، المشكاة برقم (4935 و 4939) ، وصحيح الترغيب برقم (2485).
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5971)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم
(2548).
(3) رواه البخاري في كتاب الهبة برقم (2620)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم
(1003).
(4) رواه البخاري في كتاب الجهاد والسِبر برقم (3004) وفي الأدب برقم (5972) ، ورواه مسلم في كتاب البر و الصلة برقم (6451).(2/216)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سره أن يمد في عمره ويزاد في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه" (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رغم أنفه ثم رغم أنفه" قيل من يا رسول الله؟ قال: "من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة" (2) .
قوله رغم أنفه: أي لصق بالرغام وهو التراب .
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، أن رجلا أتاه فقال: إن لي امرأة وإن أمي تأمرني أن أطلقها، قال: ما أنا بالذي آمرك أن تعق والديك ولا بالذي آمرك أن تطلق إمراتك غير أنك إن شئت حدثتك ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعته يقول: "الوالد أوسط أبواب الجنة" (3) . فحافظ على ذلك الباب إن شئت أو دع، قال: فأحسب عطاء قال: فطلقها .
وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يُصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر" (4) .
وعن سلمان - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر (5) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يُجزئُ ولدٌ والدَهُ إلا أن يجد مملوكاً فيشتريه فَيُعْتِقُه" (6) .
__________
(1) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح وهو في الصحيح دون ذكر البر فيه، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2488).
(2) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6457و6458و6459).
(3) السلسلة الصحيحة رقم(914).
(4) رواه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وقال : صحيح الإسناد ، السلسلة الصحيحة
(154).
(5) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، الصحيحة رقم (154)، المشكاة رقم
(2233)، وصحيح الترغيب برقم (2489).
(6) رواه مسلم في كتاب العتق برقم (1510) والترمذي والنسائي وابن ماجة .(2/217)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد" (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن الله تعالى خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم: أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: "فذاك لك" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إقرؤا إ ن شئتم : { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها } (2) . (3) .
وفي رواية للبخاري فقال الله تعالى: "من وصلكِ وصلته ومن قطعك قطعتهُ"
فرغ منهم: أكمل خلقهم.
العائذ: المتلجئ إليك والمستعين بك.
صلة الأرحام سبب في رحمة الله تعالى لعباده وسبب في ظهور الخير بين الناس.
و عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحب أن يُبسط له في رزقه وينسأ له في أثر فليصل رحمه" (4)
(ينسأ له في أثره): أي يؤخر له في أجله وعمره.
صلة الأرحام سبب في بسط الرزق وسعة البركة في العمر.
__________
(1) رواه الترمذي ، وابن حبان في (صحيحه) والحاكم وقال: (صحيح على شرط المسلم) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2501).
(2) سورة محمد (22-24) .
(3) أخرجه البخاري في كتاب التفسير برقم (4830 و 4831 و 4832)، وفي كتاب التوحيد برقم (5987)، وأخرجه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6465).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأدب برقم (5986)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (6470 و6471).(2/218)
وعن محمد بن سيرين قال: بلغت النخلة في عهد عثمان بن عفان ألف درهم. قال: فعمد أسامة (1) إلى نخلة فعقرها فأخرج جُمّارها فأطعمه أمه، فقالوا له: ما يحملك على هذا وأنت ترى النخلة قد بلغت ألف درهم؟ قال: إن أمي سألتنيه، ولا تسألني شيئاً أقدر عليه إلا أعطيتها (2) .
جمارها: جمار النخلة: قبها وشحمتها التي في قمة رأس النخلة، وهي بيضاء كأنها سنام ضخمة، تؤكل بالعسل.
وعن ابن عون: أن أمه نادته فأجابها، فعلا صوته صوتها، فأعتق رقبتين (3) .
باب
لين الكلام للوالدين
عن طَيْسَلة بن ميَّاس قال: كنت مع النجدات، فأصبت ذنوبا لا أراها إلا من الكبائر، فذكرت ذلك لابن عمر قال: ما هي؟ قلت: كذا وكذا. قال: ليست هذه من الكبائر، هن تسع: الإشراك بالله، وقتل نسمة، والفرار من الزحف، وقذف المحصنة، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وإلحاد في المسجد، والذي يستسخر، وبكاء الوالدين من العقوق.
قال لي ابن عمر: أتفرق من النار وتحب أن تدخل الجنة؟ قلت: أي والله! قال: أحيٌّ والدك؟ قلت: عندي أمي. قال: فوالله! لو ألنت لها الكلام وأطعمتها الطعام لتدخلنَّ الجنة ما اجتنبت الكبائر. (4)
النجدات: أصحاب نجدة بن عامر الخارجي، وهم قوم من الحرورية.
يستسخر: من السخرية.
أتفرق من النار: الفرَق هو الخوف والفزع.
باب
جزاء الوالدين
__________
(1) هو أسامة بن زيد بن حارثة حبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن حبه. أمه أم أيمن حاضنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
(2) صفة الصفوة (1/522).
(3) سير أعلام النبلاء (6/366).
(4) السلسلة الصحيحة رقم (2898)، صحيح الأدب المفرد (ص 35).(2/219)
عن أبي مرّة، مولى أم هانئ بنت ابي طالب: أنه ركب مع أبي هريرة إلى أرضه بـ (العقيق) فإذا دخل أرضه صاح بأعلى صوته: عليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أمتاه! تقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، يقول: رحمك الله كما ربيتني صغيراً. فتقول: يا بنيّ! وأنت، فجزاك الله خيراً ورضي عنك كما بررتني كبيراً. (1)
باب
لعن الله من لعن والديه
عن أبي الطُّفيل قال: سئل عليّ: هل خصّكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء لم يخصّ به الناس كافة؟ قال: ما خصّنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء لم يخصّ به الناس، إلا ما في قراب سيفي، ثم أخرج صحيفة فإذا فيها مكتوب: "لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من سرق منار الأرض، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من أوى مُحدثاً". (2)
محدِثا بكسر الدال: من يأتي بفساد في الأرض، أي: من نصر جانياً أو آواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه.
عن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من الكبائر أن يشتم الرجل والديه" فقالوا: كيف يشتم؟ قال: "يشتم الرجل، فيشتم أباه وأمه". (3)
باب
النهي عن عقوق الوالدين
قال الله تعالى: { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } . (4)
وقال تعالى: { والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار } . (5)
__________
(1) صحيح الأدب المفرد رقم (11).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي برقم (44).
(3) أخرجه مسلم في الإيمان برقم (146).
(4) سورة محمد الآية (22-23).
(5) سورة الرعد الآية (25).(2/220)
وقال تعالى: { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً } . (1)
العقوق مأخوذ من العق وهو القطع، ومنه سميت العقيقة التي تذبح عن المولود في اليوم السابع لأنها تعق: يعني تقطع رقبتها عند الذبح.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس". (2)
واليمين الغموس التي يحلفها كاذباً عامداً سميت غموساً لأنها تغمس الحالف في الإثم.
وعنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من الكبائر شتم الرجل والديه!" قالوا: يا رسول الله! وهل يشتم الرجل والديه؟! قال: "نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه". (3)
وفي رواية: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه!" قيل: يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه؟! قال: "يسب أبا الرجل فيسب أباه
ويسب أمه فيسب أمه". (4)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد". (5)
__________
(1) سورة الإسراء الآية (23-24).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان والنذور برقم (6675).
(3) أخرجه البخاري برقم (5628)، باب لا يسب الرجل والديه ، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (90) وهذا لفظه.
(4) أخرجه البخاري في الأدب برقم (5973).
(5) أخرجه الترمذي برقم (1900)، والعلل الكبير (340)، وابن حبان (429 الإحسان)، والبخاري في الأدب المفرد برقم (2)، والبغوي في شرح السنة برقم
(3424)، ومعالم التنزيل (3/490)، والخطيب في جامع أخلاق الراوي (2/230)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (6/215)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (516).(2/221)
وعن أبي محمد جبير بن مطعم - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة قاطع". قال سفيان في روايته: يعني قاطع رحم. (1)
وعن أبي عيسى المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعاً وهات ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال". (2)
منعاً معناه: منع ما وجب عليه
و وهات: طلب ما ليس له.
و وأد البنات معناه: دفنهن في الحياة، و قيل وقال: معناه: الحديث بكل ما يسمعه فيقول: قيل كذا وقال فلان كذا مما لا يعلم صحته ولا يظنها وكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع.
و إضاعة المال تبذيره وصرفه في غير الوجوه المأذون فيها من مقاصد الآخرة والدنيا وترك حفظه مع إمكان الحفظ.
و كثرة السؤال: الإلحاح فيما لا حاجة إليه.
والحديث الذي تقدم عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور"، قال: فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت. (3)
__________
(1) أخرجه البخاري في الأدب برقم(5984)،ومسلم في البر والصلة برقم(2556).
(2) أخرجه البخاري في الأدب برقم (5975)، وفي الاستقراض برقم (2408).
(3) رواه البخاري في كتاب الشهادات برقم (2654)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم
(87).(2/222)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فاحفظ وإن شئت فضيع". (1)
وجاء رجل يستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد معه فقال له: "أحي والداك؟" قال: نعم قال: "ففيهما فجاهد". (2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمان عطاءه، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، والرجلة". (3)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر
الخبث في أهله". (4)
وعن ابي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يقبل الله عز وجل منهم صرفاً، ولا عدلاً: عاق، ومنان، ومكذب بقدر". (5)
__________
(1) أخرجه الترمذي برقم (1901)، وأحمد في المسند (5/196) و (6/445 و 451)، وابن ماجة برقم (2089) و (3663)، والبغوي في معالم التنزيل (3/490)، والحميد المسند رقم(395)، والطيالسي في المسند (2/34)، وابن حبان رقم (425 الإحسان)، والطحاوي في مشكل الآثار (2/158)، والحاكم في المستدرك (4/152)، وصححه وأقره الذهبي. و صححه الألباني في نن الترمذي برقم (1900).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (6/140) رقم (3004)، وفي الأدب برقم
(59)، وأخرجه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2549).
(3) صحيح الجامع رقم (3071) .
(4) صحيح الجامع رقم (3052) .
(5) رواه ابن أبي عاصم في السنة، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2513) و السنة برقم (323).(2/223)
وعن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال: "لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله تخوم الأرض، ولعن الله من كمّه أعمى عن السبيل، ولعن الله من سبَّ والديه، ولعن الله من تولى غير مواليه، ولعن الله من عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط، قالها ثلاثا في عمل قوم لوط ". (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ملعون من عمل عمل قوم لوط ملعون من عمل عمل قوم لوط، معلون من عمل عمل قوم لوط، معلون من ذبح لغير الله، ملعون من عق والديه". (2)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا مؤمن بسحر". (3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة عاق ولا مكذب بالقدر". (4)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله عز وجل: أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها إسماً من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته". (5)
__________
(1) موارد الظمآن برقم (51) ، وصحيح ابن حبان برقم (4417) ، والبيهقي في الكبرى (8/231) ، حسنه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (47) ، وأحكام الجنائز
(260) ، والسلسلة الصحيحة برقم (3462) .
(2) رواه الطبراني في الأوس، ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2420).
(3) أخرجه النسائي في كتاب الأشربة (8/318) وأحمد في المسند (3/314) وصححه الحاكم كما في فتح الباري (10/405).
(4) أخرجه أحمد في المسند (6/441)، والبغوي في معالم التنزيل (3/490)، والبزار (3/36) رقم (2182 كشف الأستار)، والطبراني وزاد (ولا منان) كما في مجمع الزوائد
(7/203).
(5) رواه أبو داود والترمذي. وصححه الألباني في سنن الترمذي برقم (1907).(2/224)
وعن عمرو بن مرة الجهني - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال: يا رسول الله! أرأيت إن صليت الصلوات الخمس وصمت رمضان وأديت الزكاة وحججت البيت فماذا لي، قال: "من فعل ذلك كان مع النبيين والصديقيين والشهداء إلا أن يعق والديه". (1)
وعن أبي بكر: "كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه". (2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها". (3)
قال النووي رحمه الله تعالى: من استحل قطيعة الرحم بلا سبب ولا شبهة مع علمه بتحريمها فهو كافر مخلد في النار، ومن لم يستحل قطيعتها فإنه لا يدخل الجنة في أول الأمر مع السابقين بل يعاقب بتأخره القدر الذي يريد الله سبحانه وتعالى.
باب
فضل بر أصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة وسائر من يندب إكرامه
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه" (4)
أبر البر : أكمله وأبلغه .
ود : الحب والمودة والصداقة .
__________
(1) رواه ابن حبان (5/184) رقم (3429 مع الإحسان)، والخطيب في جامع أخلاق الراوي (2/207) وأخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/333).
(2) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (67)، وأخرجه وكيع في الزهد رقم (243) و (429)، وهناد في الزهد رقم (1398)، وأحمد في المسند (5/36)، وابن المبارك في الزهد (252)، ==والطيالسي (2/58 مع منحة المعبود)، وأبو داود رقم (4902)، والترمذي (2513)، وابن ماجة (4211)، وابن حبان رقم (455) و (456) مع الإحسان، والحاكم في المستدرك (2/356) و (4/162 - 163)، والبغوي في شرح السنة (13/26) وقال الترمذي:حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الاسناد. وصححه الألباني في سنن ابن ماجة برقم (4211).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5991) .
(4) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6460و6461).(2/225)
الأعراب : جمع أعرابي وهم أهل البادية .
وعن أبي أُسَيد بضم الهمزة وفتح السين مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال: "نعم الصلاة عليهما والإستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما" (1) .
وعن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة فسلم عليه عبد الله بن عمر وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه قال ابن دينار : فقلنا له : أصلحك الله إنهم الأعراب وهم يرضون بالسير فقال عبد الله بن عمر : إن أبها هذا كان وداً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أن أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه" (2) .
وفي رواية عن أبن دينار عن ابن عمر أنه كان إذا خرج إلى مكة كان له حمار يتروح عليه إذا مل ركوب الراحلة وعمامة يشد بها رأسه فبينما هو على ذلك الحمار إذ مر به أعرابي فقال : ألست ابن فلان ؟ قال بلى فأعطاه الحمار فقال : أركب هذا وأعطاه العمامة وقال : اشدد بها رأسك فقال له بعض أصحابه : غفر الله لك ! أعطيت هذا الأعرابي حمارا كنت تروح عليه وعمامة كنت تشد بها رأسك؟ فقال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي" وإن أباه كان صديقا لعمر رضي الله عنه (3) .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأدب المفرد (35) وأبو داود برقم (5142)وابن ماجة
(3664) وأحمد (3/497و498)وابن حبان (418).
(2) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة برعم (2552).
(3) أخرجه مسلم أيضا في كتاب البر والصلة برقم (255).(2/226)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ما غرت على خديجة رضي الله عنها وما رأيتها قط ولكن كان يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له: كأن لم يكن في الدنيا إلا خديجة: فيقول: "إنها كانت وكانت وكان لي منها ولدا" (1) .
وفي رواية: "وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن" (2) .
وفي رواية: كان إذا ذبح الشاة يقول "أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة" (3) .
وفي رواية : قالت: أستأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على سول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاح لذلك فقال: "اللهم هالة بنت خويلد" (4) .
(فارتَاحَ): معناه: أهتم به.
باب
ثواب صلة الرحم وإن قطعت
قال الله تعالى: { والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرأون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار جنات عدنٍ يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم ممن كل باب سلامٌ عليكم بما صبرتم فنِعمَ عقبى الدار } (5) .
وقال تعالى: { فآتِ ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خيرُ للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون } (6) .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار برقم (3818).
(2) أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار برقم (3816)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (2435).
(3) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (2435).
(4) أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار برقم (3821)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (2437).
(5) سورة الرعد الآية (21-24).
(6) سورة الروم الآية (38)(2/227)
عن أبي أيوب - رضي الله عنه - ، أن أعرابياً عرض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في سفر فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها ثم قال: يا رسول الله أو يا محمد أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال: فكف النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نظر في أصحابه ثم قال : "لقد وفق أوهُدي" قال: " كيف قلت" قال: فأعادها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم دع الناقة".
وفي رواية "تصل ذا رحمك" فلما أدبر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن تمسك بما أمرته به دخل الجنة". (1)
دع الناقة: إنما قاله لأنه كان ممسكاً بخطامها أو زمامها ليتمكن من سؤاله بلا مشقة، فلما حصل جوابه قال "دعها". شرح النووي (1/173)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" (2) .
وعنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من سره أن يُبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه" (3) .
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله " (4) .
__________
(1) رواه البخاري في الأدب برقم (5985)، ومسلم في البر والصلة برقم (6466).
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6183)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم
(47).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5985).
(4) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5989)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم
(2555).(2/228)
وعن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " قال الله عز وجل أنا الله أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها إسماً من إسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته
أو قال: بتته" (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الرحم شجنة من الرحمن تقول: يارب إني قُطعتُ، يا ربّ إني أُسيء إلي، إني ظلمت يا رب يا رب، فيجيبها ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك" (2) .
شجنه : بكسر الشين المعجمة وضمها وإسكان الجيم يعني قرابة مشتبكة كاشتباك العروق.
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحَبَّ أن يُبسَطَ له في رِزْقِه، ويُنسأ له في أثَرِه، فليصل رَحمَه" (3) .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَهَا" (4) .
الواصل : كامل الصلة لأهله وأقربائه ، والمكافئ الذي يكافؤهم على صلتهم وإحسانهم.
وعن ميمونة رضي الله عنها أنها أعتقت وليدة ولم تستأذِن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما كان يَوْمُها الذي يدورُ عليها فيه قالت: أشعرت يا رسولَ الله أني أعتقتُ وليدَتي؟ قال "أو فَعلْتِ؟" قالت: نعم، قال: "أما إنّك لو أعطَيتِها أخوالَكِ كانَ أعْظم لأجرك" (5) .
__________
(1) رواه أبو داود و الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيح ، وابن حبان، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2528) والصحيحة برقم (520).
(2) رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2530) ، والصحيحة (1602)، والسنة (536-540).
(3) رواه البخاري في الأدب برقم (5986)،ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2557).
(4) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5991)
(5) رواه البخاري في كتاب الهبة برقم (2592) ، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (999).(2/229)
قال ابن حجر في الفتح (5/219): وقع في رواية النسائي المذكورة فقال: "أفلا فديت بها بنت أخيك من رعاية الغنم" فبين الوجه في الأولوية المذكورة ، وهو احتياج إلى قرابتها من يخدمها.أ.هـ.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابةً أصلُهمْ ويَقطعوني، وأُحسِنُ إليهم ويُسيئونَ إليّ، وأحلُم عنهم ويجهلون عليّ، فقال: "إن كنتَ كما قلت فكأنما تُسِفَّهم المَلَّ، ولا يزالُ مَعَكَ من الله ظهير مادُمتَ على ذلك" (1) .
تُسِفَّهم: بضم التاء وكسر السين المهملة وتشديد الفاء، والملُّ: بفتح الميم وتشديد اللام : وهو الرماد الحار، معناه : كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن ، بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته، وإدخالهم الأذى عليه . (2) .
والظهير: المعين.
باب
النهي عن التهاجر والتشاحن والتدابر
عن أبي أيوب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - رضي الله عنه - قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام". (3)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ". (4)
وزاد الطبراني: "يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهم الذي يبدأ بالسلام".
قال مالك: "ولا أحسب التدابر إلا الإعراض عن المسلم، يُدبِر عنه بوجهه". (5)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2558).
(2) شرح النووي (16/115).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6077)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم
(2560).
(4) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6065)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم
(2559).
(5) الموطأ (3/100).(2/230)
وعن هشام بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لمسلم أن يهجر مسلماً فوق ثلاث ليالٍ، فإنهما ناكبان عن الحق ما داما على حرامهما، وأولهما فيئاً يكون سبقه بالفيء كفارةً له، وإن سلَّم فلم يقل ورد عليه سلامه، ردت عليه الملائكة، ورد على الآخر الشيطان، فإن ماتا على حرامهما لم يدخلا الجنة جميعاً أبداً". (1)
ورواه ابن حبان في "صحيحه" إلا أنه قال: "لم يدخلا الجنة ولم يجتمعا في الجنة".
وعن أبي ثعلبة - رضي الله عنه - ، أن النبي - رضي الله عنه - قال: "يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين، ويمهل الكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه". (2)
وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من هجر أخاه فوق ثلاثٍ فهو في النار، إلا أن يتداركه الله برحمته". (3)
باب
ما جاء في الإصلاح بين الناس
قال الله تعالى: { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ
نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } (4) .
وقال تعالى: { يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (5) .
__________
(1) رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2759).
(2) صحيح الترغيب رقم (2771).
(3) رواه الطبراني، وقال المنذري: رواته رواه الصحيح، وقال الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب رقم (2761).
(4) سورة النساء الآية (114).
(5) سورة الأنفال الآية (1).(2/231)
وقال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (1) .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة" (2) .
سلامى: عظام البدن ومفاصله.
متاعه: كل ما ينتفع به من عرض الدنيا قلَّ أو كثُر.
خطوة: للمرة الواحدة وخطوة ما بين القدمين .
تميط: تزيل
الأذى: ما يؤذي من حجر وشوك في الطريق.
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة " قالوا بلى يا رسول الله قال: "إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة" (3) .
وعن أم كلثوم بنت عقبة بن معيط رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً" (4) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : فالإنسان إذا قصد الإصلاح بين الناس وقال للشخص : إن فلاناً يثني عليك ويمدحك ويدعو لك وما أشبه ذلك من الكلمات ، فإن ذلك لا بئس به .
__________
(1) سورة الحجرات الآية (10).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح برقم (2707) وفي كتاب الجهاد برقم (2891 و2989) ومسلم في كتاب الزكاة (2332).
(3) رواه أبو داود وابن حبان والترمذي وقال: حديث(حسن صحيح) ورواه البزار والطبراني بإسناد لا بأس به غاية المرام (414)، المشكاة (5038).
(4) رواه البخاري برقم (2546)، باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس ، ومسلم برقم (2605)، باب تحريم الكذب وبيان المباح منه .(2/232)
وقد اختلف العلماء في المسألة هل المراد أن يكذب الإنسان كذباً صريحاً ، أو أن المراد أن يوري ، بمعنى أن يظهر للمخاطب غير الواقع ، لكنه له وجه صحيح كأن يعني بقوله مثلاً : فلان يُثني عليك أي على جنسك وأمثالك من المسلمين فإن كل إنسان يثني على المسلمين من غير تخصيص .
أو يريد بقوله : إنه يدعو لك؛ أنه من عباد الله، والإنسان يدعو لك عبد صالح في كل صلاة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : " إنكم إذا قلتم ذلك – يعني قلتم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين – فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض " .
وقال بعضهم : إن التورية تُعد كذباً؛ لأنها خلاف الواقع، وإن كان المتكلم قد نوى بها معنى صحيحاً، واستدلوا على ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام يعتذر عن الشفاعة بأنه كذب ثلاث كذبات في ذات الله " وهو لم يكذب عليه الصلاة والسلام ولكنه ورّى .
وعلى كل حال فالإنسان المصلح ينبغي له أن يتحرز من الكذب ، وإذا كان ولا بد فليتأول ليكون بذلك مورّي ، والإنسان إذا كان مورّي فلا إثم عليه فيما بينه وبين الله ، والتورية جائزة عند المصلحة .
أما اللفظ الثاني ففيه زيادة عن الإصلاح بين الناس ، وهو الكذب في الحرب.
والكذب في الحرب هو أيضاً نوع مثل أن يقول للعدو : إن ورائي جنوداً عظيمة وما أشبه ذلك من الأشياء التي يرهب بها الأعداء .
وتنقسم التورية في الحرب إلى قسمين :
قسم في اللفظ ، وقسم في الفعل ، مثل ما فعل القعقاع بن عمرو رضي الله عنه في إحدى الغزوات فإنه أراد أن يُرهب العدو فصار يأتي بالجيش في الصباح ثم يُغادر المكان ثم يأتي به في صباح يوم آخر وكأنه مدد جديد جاء ليُساعد المحاربين المجاهدين، فيتوهم العدو إن هذا مدد جديد جاء ليساعد المحاربين المجاهدين، فيتوهم العدو فيرهب ويخاف، وهذا جائز للمصلحة .(2/233)
أما المسألة الثالثة فهي أن يحدث الرجل زوجته وتحدث المرأة زوجها، وهذا أيضاً من باب التورية، مثل أن يقول لها : إنك من أحبّ الناس إليّ، وإني أرغب في مثلك، وما أشبه ذلك من الكلمات التي توجب الألفة والمحبة بينهما .
ولكن مع هذا لا ينبغي فيما بين الزوجين أن يكثر الإنسان من هذا الأمر؛ لأن المرأة إذا عثرت على شيء يخالف ما حدثها به فإنه ربما تنعكس الحال وتكرهه أكثر مما كان يُتوقع ، وكذلك المرأة مع الرجل . (1)
باب
ثواب كفالة اليتيم والنفقة عليه
قال الله تعالى: { وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } (2) .
وقال تعالى: { يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خيرٍ فإن الله به عليم } (3) .
وقال تعالى: { ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً } (4) .
اليتيم: حده البلوغ، فإذا بلغ اليتيم زال عنه اليتم هذا إن مات أبوه و أما إذا ماتت أمه دون أبيه فإنه ليس بيتيم.
__________
(1) ) ) شرح رياض الصالحين (2/107-108) طبعة مكتبة الأنصار .
(2) سورة البقرة الآية (177) .
(3) سورة البقرة الآية (215)
(4) سورة الإنسان الآية (8-9)(2/234)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما (1) .
كافل اليتيم: القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة" وأشار مالك بالسبابة والوسطى (2) .
قوله: ( له أو لغيره): يعني سواء كان اليتيم قريباً منه كالأم تكفل ولدها اليتيم أو الجد أو الجدة أو الأخ أو كان أجنبياً منه لا قرابة بينه وبينه فإن كل واحد من هؤلاء يحوز هذا الأجر العظيم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُحسنُ إليه وشرُ بيتٍ في المسلمين بيتٌ فيه يتيم يُساء إليه" (3) .
عن مالك بن الحويرث أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ضمَّ يتيماً بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة ومن أعتق امرءً مسلماً كان فكاكه من النار يجزئ بكل عضوٍ منه عضواً منه" (4) .
باب
ثواب من مسح على رأس يتيم رحمةً له وشفقة عليه
عن أبي أمامة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من مسح على رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له في كل شعرة مرت عليها يده حسنات ومن أحسن إلى يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين" وفرق بين أصبعيه السبابة
والوسطى. (5) .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6005)
(2) رواه مسلم في كتاب الزهد والرقاق برقم (2983).
(3) رواه ابن ماجه في كتاب الأدب برقم (3679)، باب حق اليتيم .
(4) رواه أحمد ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1895).
(5) رواه أحمد في المسند (5/250، 565)مع بعض الاختلافات في الألفاظ ، المشكاة
(4974).(2/235)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رجلاً شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسوة قلبه فقال: "امسح رأس يتيم وأطعم المسكين" (1) .
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ يشكو قَسوة قلبِهِ، قال: "أتحب أن يلين قلبُك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يَلِنْ قلبُك، وتدرك حاجتك" (2) .
باب
ثواب الساعي على الأرملة و المسكين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال: "وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يُفطر" (3) .
الأرملة : المرأة التي مات عنها زوجها.
القائم : في الصلاة مجتهداً.
لا يفتر: لا يذهب فينقطع عن ملازمة العبادة.
السعي على الأرملة والمسكين واليتيم والإنفاق عليهما والقيام على أمورهما جهادٌ في سبيل الله .
باب
ثواب حق الجار
قال الله تعالى: { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجُنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم" (4) .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره" (5) .
__________
(1) رواه أحمد في المسند (2/263) ورجاله رجال الصحيح، وقال في مجمع الزوائد
(8/160): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2545).
(2) رواه الطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2544).
(3) أخرجه البخاري في كتاب النفقات برقم (5353)، وفي الأدب برقم(606و 607)، ومسلم في كتاب الزهد برقم (7393).
(4) سورة النساء الآية (36).
(5) رواه الترمذي (1944) وأحمد(2/168) ، الصحيحة (103) ، والمشكاة (5987)، وصحيح الترغيب (2568).(2/236)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت" (1) .
وفي رواية لمسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره" (2) .
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيدِه، لا يؤمِنُ عبدٌ حتى يُحبّ لجارِهِ أو قال: لأخيه ما يُحِبُّ لِنَفْسِه". (3) .
باب
النهي عن أذية الجار
قال الله تعالى: { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت إيمانكم } . (4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه". (5)
وفي رواية: "لا يدخل الجنة من لايؤمن جاره بوائقه". (6)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت". (7)
وفي رواية لمسلم: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره".
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأدب برقم (6018)، و مسلم في كتاب الإيمان برقم
(172 و 174) .
(2) صحيح مسلم كتاب الإيمان برقم (47).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (45).
(4) سورة النساء الآية (36).
(5) رواه البخاري برقم (5670)، باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه يوبقهن يهلكهن موبقا مهلكا ، ومسلم برقم (46)، باب بيان تحريم إيذاء الجار .
(6) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (46).
(7) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6018)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (47).(2/237)
وعن المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "ما تقولون في الزنا؟"
قالوا: حرام، حرمه الله ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره".
قال: "ما تقولون في السرقة؟"
قالوا: حرمها الله ورسوله، فهي حرام. قال: "لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات، أيسر عليه من أن يسرق من جاره". (1)
وعن ابي شريح الكعبي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - رضي الله عنه - : "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن".
قيل: يا رسول الله! لقد خاب وخسر، من هذا؟ قال: "من لا يؤمن جاره بوائقه".
قالوا: وما بوائقه؟ قال: "شره". (2)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه".
وفي رواية عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤمن من أمنه الناس، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر السوء والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبدٌ لا يأمن جاره بوائقه". (3)
وعن أبي جحيفة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشكو جاره قال: "اطرح متاعك على الطريق".
فطرحه، فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونه، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! لقيت من الناس، قال: "وما لقيت منهم؟"
__________
(1) قال الهيثمي : رواه أحمد، والطبراني في الكبير، والأوسط ورجاله ثقات . مجمع الزوائد (8/168) .
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6016)، ولكن لفظه خاب وخسر ليست عنده وإنما هي عند أحمد (4/31 و 6) 85.
(3) رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2555).(2/238)
قال: "يلعنونني" قال: "قد لعنك الله قبل الناس".
فقال: إني لا أعود، فجاء الذي شكاه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ارفع متاعك فقد كُفيت.
وفي رواية أنه قال: "ضع متاعك على الطريق أو على ظهر الطريق" فوضعه، فكان كل من مر به قال: ما شأنك؟ قال: جاري يؤذيني. قال: فيدعو عليه، فجاء جاره فقال: رد متاعك، فإني لا أوذيك أبدا". (1)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبدٌ حتى يحب لجاره أو قال -لأخيه- ما يحب لنفسه". (2)
وعنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما هو بمؤمن من لم يأمن جاره بوائقه". (3)
(البوائق): جمع (بائقة) وهي: الشر وغائلته.
وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما زال جبريل عليه
السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه". (4)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه". (5)
وفي رواية عن أنس: "ما آمن بي من بات شبعانَ وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم".
__________
(1) رواه الطبراني والبزار، والبخاري في الأدب المفرد (125) والحاكم (4/166)، وقال: صحيح على شرط مسلم، صحيح الترغيب رقم (2558).
(2) رواه مسلم في كتاب الايمان برقم (45).
(3) رواه أبو يعلى من رواية إسحاق، صحيح الترغيب رقم (2552).
(4) رواه البخاري برقم (5668)، باب الوصاءة بالجار وقول الله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا الآية ، ومسلم برقم (2625)، باب الوصية بالجار والإحسان إليه .
(5) رواه الطبراني و أبو يعلى، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (149)، وصحيح الترغيب (برقم 2562).(2/239)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله! إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: "هي في النار".
قال: يا رسول الله! فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: "هي في الجنة". (1)
(الأثوار) بالمثلثة: جمع (ثور) وهي القطعة من الأقط.
و (الأقط) بفتح الهمزة وكسر القاف وبضمها أيضا وبكسر الهمزة والقاف معا وبفتحهما: هي شيء يتخذ من مخيض اللبن الغنمي، وهو لبن جامد مستحجر، كما في النهاية.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره". (2)
وعن مطرف يعني ابن عبد الله قال: كان يبلغني عن أبي ذر حديث، وكنت اشتهي لقاءه، فلقيته، فقلت: يا أبا ذر! كان يبلغني عنك حديث، وكنت أشتهي لقاءك، قال: لله أبوك، لقد لقيتني فهات. قلت: حديث بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثك فقال: "إن الله عز وجل يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة".
قال: فما أخالني أكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال: فقلت: فمن هؤلاء الثلاثة الذين يحبهم الله عز وجل؟ قال: "رجل غزا في سبيل الله صابراً محتسباً فقاتل حتى قتل، وأنتم تجدونه عندكم مكتوباً في كتاب الله عز وجل ثم تلا: { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } . (3)
__________
(1) رواه البخاري في الأدب المفرد برقم (119)، وأحمد والبزار، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (190).
(2) رواه الترمذي وقال:حديث حسن غريب، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما،والحاكم وقال:صحيح على شرط مسلم،صحيح الترغيب برقم(2568)
(3) سورة الصف آية (4) .(2/240)
قلت: ومن؟ قال: "رجل كان له جار سوء يؤذيه فيصبر على أذاه حتى يكفيه الله إياه بحياة أو موت" فذكر الحديث. (1)
باب
زيارة أهل الخير ومجالستهم
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من عبدٍ أتى أخاً يزورهُ في الله إلا نادى منادٍ من السماء:أن طِبْتَ وطابت لك الجنّةُ،وإلا قال اللهُ في مَلَكوتِ عَرْشِهِ :عبدى زارَ فيّ،وعليَّ قِراهُ،فلم أرضَ له بِقرىً دون الجنَّة" . (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أن رجلاً زار أخاً له في قريةٍ أخرى فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية ، قال: هل لك عليه من نعمةٍ تربها عليه؟ قال: لا غير أني أحببته في الله تعالى، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه" (3) .
المدرجة : بفتح الميم والراء الطريق
تربها: تقوم بها وتسعى في صلاحها.
من أحب في الله فقد أحبه الله .
قال النووي رحمه الله تعالى : تربها : أي تقوم بإصلاحها وتنهض إليه بسبب ذلك.
قوله : "بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه" : قال العلماء محبة الله عبده هي رحمته له ورضاه عنه وإرادته له الخير وأن يفعل به فعل المحب من الخير ، وأصل المحبة في حق العباد ميل القلب والله تعالى منزه عن ذلك في هذا الحديث فضل المحبة في الله تعالى وأنها سبب لحب الله تعالى العبد ، وفيه فضيلة زيارة الصالحين والأصحاب . (4)
من أحب في الله فقد أحبه الله .
__________
(1) رواه أحمد، والطبراني واللفظ له، ورواه الحاكم وغيره بنحوه، وقال: صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2569).
(2) السلسلة الصحيحة رقم (2632) .
(3) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6495) .
(4) شرح مسلم (16/124) .(2/241)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ بأن طبتَ وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً" (1) .
طبت : انشرحت وسررت وطهرت.
طاب ممشاك: عظم ثوابك.
تبوأت من الجنة منزلاً: اتخذت منها داراً تنزلها.
وعن عون قال: قال عبد الله يعني ابن مسعود لأصحابه حين قدموا عليه: هل تجالسون؟ قالوا : لا نترك ذلك ، قال: فهل تزاورون ؟ قالوا : نعم يا أبا عبد الرحمن إن الرجل منا ليفقد أخاه فيمشي على رجليه إلى آخر الكوفة ، قال: إنكم لن تزالوا بخيرٍ ما فعلتم ذلك. (2) .
باب
ثواب الضيافة وإكرام الضيف
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" (3) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " ألم أُخبرك أنك تقوم الليل وتصوم النهار" ؟ قلت: بلى قال: " فلا تفعل قم ونم وصم وأفطر فإن لجسدك عليك حقاً وإن لعينك عليك حقاً وإن لزوركَ عليك حقاً وإن لزوجك عليك حقاً" (4) .
__________
(1) رواه الترمذي برقم (2008) ، وابن ماجه برقم (1443) ، صحيح الجامع برقم (6263).
(2) رواه الطبراني .
(3) رواه البخاري برقم (5672)، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومسلم برقم (57)، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير وكون ذلك كله من الإيمان
(4) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1979) ، ومسلم في كتاب الصيام برقم
(1159).(2/242)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ثم أرسل إلى أُخرى فقالت مثل ذلك حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ماعندي إلا ماء فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "من يضيف هذا الليلة رحمه الله"؟ فقام رجلٌ من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته : هل عندك شيء قالت: لا إلا قوت صبياني قال: فعلليهم بشيء فإذا أرداوا العشاء فنوميهم فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنّا نأكل وفي رواية : فإذا أهو ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه قال: فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين فلما أصبح غدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:"قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما" زاد في رواية فنزلت هذه الآية " { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } (1) .
وعن أبي شريح خويلد بن عمرو رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة الضيافة ثلاثة أيام فما كان بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه" (2) .
باب
ثواب من قضى حوائج إخوانه المسلمين
الحوائج : ما يحتاجه الإنسان ليكمل به أموره
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجته ومن فرجّ عن مسلم كربة فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة " (3) .
لا يظلمه: يعني لا يظلمه بأي نوع من الظلم.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (2054).
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6135)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (48).
(3) أخرجه البخاري في كتاب المظالم برقم (2442) ، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2580).(2/243)
ولا يسلمه: أي لا يسلمه لمن يظلمه فهو يدافع عنه ويحميه من شره.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" (1) .
نفس : أزال وفرًّج.
يسر على معسر: بالإبراء أن تصدق عليه أو بالانظار إلى ميسرة.
يلتمس : يطلب.
يتدارسونه : يتلونه ويتعلمونه.
بطأ: قصر.
إعانة المحتاج وتفريج عنه الكروب قربة إلى الله وسبب في رحمة الله لعبده يوم القيامة.
وإعانة العبد لأخيه المسلم سبب في عون الله للعبد.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكاف عشر سنين ومن اعتكف يوماً ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق كل خندق أبعد مما بن الخافقين" (2) .
ورواه الحاكم إلا أنه قال: "لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجةٍ وأشار بأصبعه أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين" (3) .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2699).
(2) رواه الطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد، قال في مجمع الزوائد(8/192): رواه الطبراني في الأوسط وإسناده جيد)، الصحيحة (608).
(3) رواه الطبراني في (الأوسط)، الصحيحة (607).(2/244)
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "على كل مسلم صدقة قال: قيل: أرأيت إن لم يجد، قال: يعتمل بيديه فينفع ويتصدق قال: أرأيت إن لم يستطع قال: يعين ذا الحاجة الملهوف قال: قيل له أرأيت إن لم يجد قال: يأمر بالمعروف أو الخير ، قال: أرأيت إن لم يفعل قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة" (1) .
ذا الحاجة الملهوف: يطلق على المتعسر وعلى المضطر وعلى المظلوم.
يعدل بين الإثنين: أي يصلح بينهما بالعدل.
وعن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من مشى في حاجةِ أخيه حتى يثبتها له أظله الله عز وجل بخمسةٍ وسبعين ألف ملك يصلون عليه ويدعون له إن كان صباحاً حتى يُمسي وإن كان مساءً حتى يصبح ولا يرفع قدماً إلا حط الله عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة"
وفي رواية له عن ابن عمر وحده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعان عبداً في حاجته ثبت الله له مقامه يوم تزول الأقدام" (2) .
وعن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من يكن في حاجة أخيه يكن الله في حاجته" (3) .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6022) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6868).
(2) أخرجه أبو الشيخ ابن حبان، السلسلة الصحيحة رقم (608).
(3) صحيح الجامع رقم (6495).(2/245)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجته أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضىً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام وأن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل" (1) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "دعوا الناس فليصب بعضهم من بعض فإذا استنصح رجلٌ أخاه فلينصح له" (2) .
باب
ثواب إدخال السرور على المؤمن
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن تقضي عنه ديناً تقضي له حاجة تنفس له كربة" (3) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سروراً أو تقضي عنه ديناً أو تطعمه خبزاً " (4) .
عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، أن مكاتباً جاءه فقال: إني عجزت عن كتابتي فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو كان عليك مثل جبل صبر ديناً أداه الله عنك؟ قل: "اللهم أكفني بحلالك عن حرامك وأغنني من فضلك عمن سواك" (5) .
__________
(1) رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج والطبراني في الكبير عن ابن عمر ، السلسلة الصحيحة
(906).
(2) خرجه أحمد عن أبي عوانه وغيره ، السلسلة الصحيحة رقم (1855).
(3) رواه البيهقي في شعب الإيمان، صحيح الجامع رقم (5773).
(4) رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج ، صحيح الجامع (1107) ، والصحيحة رقم
(2715).
(5) رواه الترمذي واللفظ له وقال: (حديث حسن غريب)، والحاكم وقال : (صحيح الإسناد) ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1820).(2/246)
صُبير: هو بالصاد المهملة : اسم جبل باليمن. (1)
باب
ثواب الحُبّ في الله تعالى
قال الله تعالى: { الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدو إلا المتقين يا عباد لا خوفٌ عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين } إلى قوله تعالى: { منها تأكلون } (2) .
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحبّ قوماً ولم يلحق بهم فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "المرء مع من أحبّ" (3) .
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أنه قال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يُحبُّ القوم ولا يستطيع أن يعمل بعملهم قال: "أنت يا أبا ذر مع من أحببت" قال: فإني أحب الله ورسوله قال: "فإنك أبو ذر مع من أحببت " قال: فأعادها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (4) .
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : متى الساعة؟ قال: "وما أعددت لها" قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله قال "أنت مع من أحببت " قال أنس فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنت مع من أحببت " قال أنس "فأنا أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم (5) .
__________
(1) النهاية لابن الأثير .
(2) سورة الزخرف الآيات (67-73).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم(6169)،ومسلم في البر والصلة برقم(2640).
(4) رواه أبو داود في سننه برقم (5126)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3035).
(5) رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة برقم (3688) ، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2639).(2/247)
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث أحلف عليهن لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له وأسهم الإسلام ثلاثة:الصلاة والصوم والزكاة ولا يتولى الله عبداً في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة ولا يحب رجل قوماً إلا جعله الله معهم" (1) .
وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ثلاث من كنًّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحبُّ إليه مما سواه، ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النار"
وفي رواية "ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان وطعمه أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما وأن تحب في الله وتبغض" (2) .
وعن أبي أُمامة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحب لله وأبعض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان" (3) .
وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء" (4) .
(منابر) جمع منبر وهو المكان العالي.
(يغبطهم) يتمنون أن لهم مثلهم من المنزلة والشرف دون زوالهما عنهم وهو حسد الغِبطة.
__________
(1) واه أحمد ، ذكره في مجمع الزوائد بأتم منه (1/37) وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات ورواه أبو يعلى أيضاً، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة برقم (1387) ، وصحيح الجامع (3/3018).
(2) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (16) وفي كتاب الإكراه برقم (6542) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (163).
(3) رواه أبو داود في سننه (4681)، السلسلة الصحيحة (380)، وصحيح الجامع (5/5841) وصحيح الترغيب رقم (3029).
(4) أخرجه أحمد (5/236-237)، الترمذي (2390) ، المشكاة (5011) وقال الألباني: صحيح، صحيح الترغيب برقم (3019).(2/248)
المتحابين في جلال الله تعالى لهم منزلة عظيمة ومقام كريم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وعن أبي إدريس الخولاني رحمه الله تعالى قال: دخلت مسجد دمشق فإذا فتى بَرَّاق الثنايا وإذا الناس معه فإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه وصدروا عن رأيه فسألت عنه فقيل: هذا معاذ بن جبل رضي الله عنه فلما كان من الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه ثم قلت والله إني لأحبك في الله فقال: آلله ؟فقلت: الله فقال: آلله؟ فقلت: الله فأخذني بحبوة ردائي فجذبني إليه فقال: أبشر فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى وجبت محبتي للمتحابين فيَّ والمتجالسين فيَّ والمتزاورين فيَّ والمتباذلين فيَّ" (1) .
هجرت: أي بكرت وهو بتشديد الجيم.
آلله ، فقلت الله: الأول بهمزة ممدودة للاستفهام والثاني بلا مدّ.
براق الثنايا: مضيء الأسنان حسن الثغر لا يرى إلا مُبتسماً.
أسندوه: سألوه.
صدروا عن رأيه: رجعوا عنه وأخذوا به.
حبوة ردئي: أحذ بردائي من عند سرتي.
المتباذلين : المتعاونين والمنفقين من أجلي.
وعن البراء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن أوثق عُرى الإسلام أن تحق في الله وتبغض في الله ". (2) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سره أن يجد حلاوة الإيمان فليُحب المرء لا يُحبه إلا لله" (3) .
__________
(1) أخرجه مالك في الموطأ (2/953-954)، وابن حبان (575)، وأحمد (5/229 و 233 و247)والحاكم (4/169 و170)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4321)،و صحيح الترغيب برقم (3018).
(2) رواه أحمد في مسنده عن البراء، وقال الألباني: حسن لغيره، صحيح الجامع رقم (2005)، صحيح الترغيب برقم (3030).
(3) رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، المستدرك(1/3)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5/6164).(2/249)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما تحاب رجلان في الله إلا كان أحبهما إلى الله عز وجل أشدهما حباً لصاحبه" (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي" (2) .
وعنه - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أن رجلاً زار أخاً له في قرية أُخرى فأرصد الله على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد قال: أريد أخاً في هذه القرية قال: هل لك عليه من نعمة تريدها قال: لا غير أني أُحبه في الله قال: فإني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليك إن الله قد أحبك كما أحببته فيه" (3) .
أرصد: وكل بحفظه ، و(المدرجة ) بفتح الميم والراء: الطريق.
تربها: تقوم بها وتسعى في صلاحها.
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأثر عن ربه عز وجل "حقت محبتي للمتحابين فيَّ وحقت محبتي للمتواصلين فيَّ وحقت محبتي للمتزاورين فيَّ وحقت محبتي للمتباذلين فيَّ" (4) .
__________
(1) رواه الطبراني وأبو يعلى وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/276): رواه الطبراني وأبو يعلى والزار بنحوه ورجال أبي يعلى والبزار رجال الصحيح غير مبارك بن فضالة وقد وثقه غير واحد على ضعف فيه، صحيح الجامع رقم (5470)، وصحيح الترغيب رقم (3014).
(2) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6494)
(3) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6495).
(4) رواه أحمد في مسنده (5/229، 237)،قال الهيثمي في مجمع الزوائد(10/278-279) : رواه عبد الله بن أحمد والطبراني باختصار والبزار ورجال عبد الله والطبراني قد وثقوا، صحيح الجامع (4321).(2/250)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إما عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه" (1) .
سبعة: أي سبعة أصناف من الناس.
يظلهم الله في ظله: في ظل عرش الرحمن.
معلق بالمساجد: دلالة على شدة الحب لأماكن الذكر والصلاة فكأن قلبه قنديل معلق بسقفها لا يلبث أن يخرج منها حتى يعود إليها.
تفرقا عليه: بأجسادهما وأبدانهما لسفر أو موت وبقيا مجتمعين بأرواحهما على منهج الله تعالى.
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه" قال النووي رحمه اله تعالى : معناه اجتمعا على حبّ الله وافترقا على حبّ الله أي كان سبب اجتماعهما حبّ الله واستمرا على ذلك حتى تفرقا من مجلسهما وهما صادقان في حبّ كل واجد منهما صاحبه لله تعالى حال اجتمعا وافتراقهما وفي هذا الحديث الحث على التحاب في الله وبيان عظم فضله وهو من المهمات فإن الحب في الله والبعض في الله من الإيمان وهو بحمد الله كثير يوفق له أكثر الناس أو من وفق له .أ.هـ.شرح مسلم
و قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما أحب عبد عبداً لله إلا أكرم ربّه" (2) .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (660)، وفي كتاب الزكاة برقم (1423) ، وفي كتاب الرقاق برقم (6479)، وفي كتاب الحدود برقم (6806) ،ومسلم في كتاب الزكاة برقم (2377).
(2) رواه أحمد في مسنده عن أبي أُمامة ، صحيح الجامع (5393).(2/251)
وعن شرحبيل بن السمط أنه قال لعمرو بن عبسة: هل أنت محدثي حديثاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس فيه نسيان ولا كذب قال: نعم سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول "قال الله عز وجل : حقت محبتي للذين يتحابون من أجلي وقد حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلي وقد حقت محبتي للذين يتباذلون من أجلي" (1) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن لله جلساء يوم القيامة عن يمين العرش وكلتا يدي الله يمين على منابر من نور وجوههم من نور ليسوا بأنبياء ولا شهداء ولا صديقون " قيل يا رسول الله من هم قال:"هم المتحابون بجلال الله تبارك وتعالى" (2) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ألا أُخبركم برجالكم في الجنة؟" قالوا: بلى يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "النبي في الجنة والصديق في الجنة والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة" (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبّ إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أُحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجهل التي يمشي بها وإن سألني لأُعطينه ولئن استعاذني لأُعيذنه " (4) .
آذنته: أعلمته بأني محارب له.
__________
(1) رواه أحمد بإسناد صحيح والطبراني والحاكم وقال: صحيح الإسناد ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/279) (رواه الطبراني في الثلاثة وأحمد بنحوه ورجال أحمد ثقات ، وقال الألباني: حسن صحيح، صحيح الترغيب برقم (3021)
(2) رواه أحمد بإسناد حسن، قال في مجمع الزوائد (10/277): رواه الطبراني ورجاله وثقوا، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (9022).
(3) رواه الطبراني بإسناد حسن، الصحيحة (287).
(4) رواه البخاري.(2/252)
استعاذني: روي بالباء وروي بالنون.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من أحبَّ أن يجد طعم الإيمان فليحبّ المرء لا يحبه إلا لله" (1) .
وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ (قل هو الله أحد)، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟" فسألوه فقال :لأنها صفة الرحمن فأنا أحبُّ أن أقرأ بها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أخبروه أن الله يحبه" (2) .
سرية : القطعة من الجيش ليس فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
باب
ثواب دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب سيما المسافر
عن أم الدرداء قالت : حدثني سيدي (يعني زوجها أبو الدرداء وهي الصغرى) أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة: ولك بمثل" (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المظلوم ، ودعوة المسافر" (4) .
__________
(1) رواه البيهقي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، رواه الحاكم، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3012)، وصحيح الجامع برقم (5834).
(2) رواه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7375)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1887).
(3) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6865)، وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1534)، واللفظ له. (وقال الحافظ): أم الدرداء هذه هي الصغرى تابعية واسمها (هُجيمة) ويقال (جهيمة) بتقديم الجيم ويقال (جُمانة) ليس لها صحبة إنما الصحبة لأم الدرداء الكبرى واسمها (خيرة) وليس لها في البخاري ولا مسلم حديث قاله: غير واحد من الحُفاظ "انظر العجالة".
(4) رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3132).(2/253)
باب
فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب
و عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما من عبدٍ مسلم يدعوا لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل" (1) .
وعنه - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل" (2) .
وعن صفوان بن عبد الله بن صفوان كانت تحته، الدرداء قال: قدمت الشام ، فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء فقالت: أتريد الحج العام؟ فقلت : نعم قالت: فادع الله لنا بخير فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: " دعوة المرء بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل"
قال فخرجت إلى السوق فلقيت أبا الدرداء فقال لي مثل ذلك يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (3) .
بظهر الغيب معناه: في غيبة المدعو له وفي سِره لأنه أبلغ في الإخلاص
بمثل: بكسر الميم وإسكان الثاء أي عديله سواء.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وفي هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة ولو دعا لجملة المسلمين فالظاهر حصولها أيضاً وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعوا لأخيه المسلم بتلك الدعوة لأنها تستجاب ويحصل له مثلها.
كتاب الأدب والخلق والتواضع
باب
حفظ اللسان
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6864)،وأبو داود في الصلاة برقم(1534).
(2) أخرجه مسلم برقم (2732)، باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم(6866)، وابن ماجه في كتاب الحج برقم (2895).(2/254)
قال الله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ } . (1)
قال الله تعالى: { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . (2)
وقال تعالى: { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً } . (3)
وقال تعالى: { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } . (4)
تقف: تتبع.
وقال تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } . (5)
رقيب: ملك يرقبه. وعتيد : أي حاضر.
وقال تعالى: { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } . (6)
الهُمزة: هو الذي يغتاب الرجل في وجهه.
واللُمزة: الذي يغتابه من خلفه.
وفسر الحافظ ابن حجر (حفظ اللسان) بالامتناع عن النطق بما لا يسوغ شرعاً، مما لا حاجة للمتكلم به. فتح الباري (11/308)
وقال النووي: وينبغي لمن أراد النطق بكلمة أو كلام، أن يتدبره في نفسه قبل نطقه، فإن ظهرت مصلحته تكلم، وإلا أمسك. شرح مسلم (18/328)
فالضابط الأساسي لحفظ اللسان هو عدم التسرع في الكلام، والتدبر والتفكر قبل إخراج الكلمة، وعليه أن يزن الكلمة في ميزان الشرع، وأن تكون ضمن حدود المصلحة الشرعية، وإلا فليكف عن الكلام وليلزم الصمت فإنه نجاة له وخير.
ولذلك جاء في الحديث: "فكفّ لسانك إلا من الخير" (7) ، فالأصل هو الصمت والكف عن الكلام إلا بالخير.
__________
(1) سورة المؤمنون الآية (1-3).
(2) سورة النور الآية (24).
(3) سورة الفرقان الآية (72).
(4) سورة الإسراء الآية (36).
(5) سورة ق الآية (18).
(6) سورة الهمزة الآية (1).
(7) رواه أحمد في مسنده (4/299).(2/255)
وعليك أخي الكريم بالحيطة والحذر حيث يقتضيان من المرء أن يتنبه ويتيقظ في حفظ لسانه وألا يدع نفسه على هواها، فيقع فيما يلجئه إلى الاعتذار، وقد كان من وصيته - صلى الله عليه وسلم - لرجل قال له: عظني وأوجز. قال له - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع، ولا تكلّم بكلام تعتذر منه غداّ، وأجمع الإياس مما في أيدي الناس" (1) .
وقد كان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحذرون من الكلام المباح، خشية الوقوع في الكلام المحظور، مبالغة منهم في حفظ ألسنتهم، واحتياطاً لدينهم، وهذا من ورعهم رضي الله عنهم لذلك كانوا يقولون: "كنّا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - هيبة أن ينزل فينا شيء، فلما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلمنا وانبسطنا" (2) .
قال ابن حجر: قوله "فلما توفي" يشعر بأن الذي كانوا يتركونه كان من المباح، الذي يدخل تحت البراءة الأصلية. أ.هـ. (3)
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم أصحابه الاستعاذة من شر اللسان: "قل أعوذ بك من شر سمعي، وشرّ بصري، وشرّ لساني، وشرّ قلبي، وشرّ منيّي". (4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدّثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم". (5)
واعلم أن الصمت يجمع الهمة ويفرغ الفكر.
__________
(1) صحيح ابن ماجة (2/405)، السلسلة الصحيحة (4/546).
(2) رواه البخاري في كتاب النكاح برقم (5187).
(3) فتح الباري (9/254) .
(4) صحيح سنن النسائي (3/1108) كتاب الاستعاذة.
(5) رواه البخاري كتاب الأيمان والنذور، ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (327).(2/256)
عن عبد الله ابن سفيان عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أخبرني عن الإسلام بأمر لا أسأل عنه أحداً بعدك؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : "قل آمنت بالله، ثم استقم" قلت: فما أتقي؟ فأومأ بيده إلى لسانه. (1)
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: "من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده". (2)
عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة". (3)
وعن بلال بن الحارث المُزني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سُخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه". (4)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال عقبة بن عامر - رضي الله عنه - : قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: "أملِك عليك لسانك وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتكَ". (5)
وفي رواية: عن عقبة بن عامر قال: لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: "يا عقبة بن عامر! أملك عليك لسانك، وابكِ على خطيئتك، وليسعدك بيتك". (6)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (158).
(2) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (4)، ورواه مسلم في الإيمان برقم (162).
(3) رواه البخاري (6109)، باب حفظ اللسان .
(4) أخرجه: مالك والترمذي وابن ماجه وغيرهم، السلسلة الصحيحة برقم(888).
(5) رواه الترمذي برقم(2406)وأحمد (5/259)وابنه في زوائد الزهد(ص 15) ،وقال الترمذي:حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة برقم(890).
(6) أخرجه أحمد (4/158)، وهناد في الزهد (460، 1126) من طريق اسماعيل بن عياش، السلسلة الصحيحة (3/115).(2/257)
وعن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يتوكل لي بما بين رجليه ومابين لحييه توكلت له بالجنة". (1)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سُئِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: "تقوى الله، وحسن الخلق". وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال: "الأجوفان: الفم، والفرج". (2)
عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ، قال: قلت: يا رسول الله أنؤاخذ بما نقول: قال: "ثكتلك أمك يا بن جبل، وهل يكبُّ الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟!". قال حبيب في هذا الحديث: وهل تقول شيئاً إلا لك أو عليك...؟! (3)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان، ولا بالفاحش ولا بالبذيء". (4)
عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به؟ قال: "قل ربي الله ثم استقم" قال: قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسانه ثم قال: "كف عليك هذا". (5)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صَمَتَ نجا". (6)
__________
(1) رواه البخاري (6422)، باب فضل من ترك الفواحش .
(2) أخرجه ابن ماجة برقم (4246)، والبغوي في شرح السنة (13/80). وحسنه الألباني في سنن ابن ماجة برقم (4246).
(3) أخرجه هناد في الزهد(1090)والطبري (21/64)، والحاكم(2/412-413)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3/115).
(4) السلسلة الصحيحة رقم (320).
(5) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (158)، والترمذي في كتاب الزهد برقم (2410).
(6) رواه الترمذي برقم (2501) والدارمي (2/209)، وأحمد (2/177)، وصححه العلامة الألباني في صحيح الترمذي برقم (2501) و المشكاة (4836).(2/258)
وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، اطلع على أبي بكر - رضي الله عنه - ، وهو يمدّ لسانه فقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن هذا أوردني الموارد إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته". (1)
وعن سالم بن أبي الجعد قال: قال عيسى عليه السلام: "طوبى على من بكى على خطيئته وخزن لسانه ووسعه بيته". (2)
وعن عقبة التيمي قال: قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : والذي لا إله غيره، ما على الأرض شيء أفقر- وقال أبو معاوية: أحوج- إلى طول سجنٍ من لسانٍ. (3)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، أنه كان على الصفاء يلبي ويقول: يا لسان قل خيراً تغنْم، أو أنصت تسلم من قبلِ أن تندم؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن، هذا شيء تقوله، أو شيء سمعته؟ قال: لا بل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه". (4)
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفّر اللسان فتقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا". (5)
__________
(1) أخرجه ابن السني (7)،وأبو يعلى (ج1/رقم 5)، والمصنف في الورع (ق 9/1) ، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (535).
(2) أخرجه وكيع (31، 255)، وأحمد (ص 55) وهناد (462، 1128)، وفي رواية (طوبى لمن ملك لسانه) صحيح الجامع (3929).
(3) أخرجه ابن المبارك (129)، وأحمد (162) وابن أبي عاصم (رقم 23) ثلاثتهم في الزهد. أخرجه الطبراني وابن عساكر وغيرهما كما في السلسلة الصحيحة برقم (534).
(4) أخرجه الخطيب في الموضح (1/436)، قال الهيثمي: (10/300): رجاله رجال الصحيح.
(5) رواه الترمذي وغيره صحيح سنن الترمذي (1912)، و المشكاة (4838)، التحقيق الثاني.(2/259)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي: حسبك من صفية (زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ) كذا وكذا –تعني أنها قصيرة- فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لقد قلت كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته". (1)
عن زيد بن أسلم عن أبيه رضي الله عنهما قال: أخذ أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - لسانه وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من وقاه الله عز وجل شر ما بين لحييه وما بين رجليه دخل الجنة". (2)
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "ما شيء أحق بطول سجنٍ من اللسان". (3)
عن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤمن من أمِنَهُ الناس والمسلم من سَلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر السوء والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جارُهُ بوائقه". (4)
عن وهب بن مُنبه قال في حكمة آل داود: حق على العاقل أن يكون عارفاً بزمانه حافظاً للسانه مقبلاً على شانِه. (5)
عن زيد بن حيان التيمي قال: كان يقول: ينبغي للرجل أن يكون أحفظ للسانه منه لموضع قدمه. (6)
عن الحسن - رضي الله عنه - قال: "وما عقل دينه من لم يحفظ لسانه". (7)
__________
(1) أخرجه: أبو داود والترمذي وغيرهما وانظر غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام لشيخنا الألباني برقم (427).
(2) السلسلة الصحيحة رقم (510).
(3) أخرجه ابن أبي عاصم في الزهد برقم(24)،وأبو الشيخ في الأمثال برقم(362).
(4) أخرجه أحمد (3/154) وأبو يعلى (ج7/ رقم 4187)، والبزار رقم (21)، وابن حبان (26)،والحاكم(1/11).وصححه الألباني في الصحيحة:(549)،الإيمان:ص(244).
(5) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (31).
(6) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (32).
(7) أخرجه ابن المبارك في الزهد (3/111)، ونسبه الغزالي الى الحسن في الإحياء (3/111).(2/260)
عن وهيب بن الورد رحمه الله قال: "كان يقال: الحكمة عشرة أجزاء، فتسعة منها في الصمت والعاشرة عزلة الناس". (1)
عن عبد الله ابن المبارك رحمه الله تعالى قال: "قال بعضهم في تفسير العزلة: هو أن تكون مع القوم، فإن خاضوا في ذكر الله فخض معهم، وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت". (2)
وعن وهيب بن الورد قال: "وجدت العزلة في اللسان". (3)
وعن سفيان قال: "قال بعض الماضين: إنما لساني سبعٌ وإن أرسلته خِفت أن يأكلني. (4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليسكت". (5)
وعن أبي شريح - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت". (6)
وعن اسماعيل بن مسلم قال: قال ابن عباس - رضي الله عنه - : "يا لسان قل خيراً تغنم، أو اسكت عن شر تسلم". (7)
وعن سفيان قال: قالوا لعيسى ابن مريم عليه السلام : دلنا على عمل ندخل به الجنة؟ قال: "لا تنطقوا أبداً" قالوا: لا نستطيع ذلك؟ قال: "فلا تنطقوا إلا بخير". (8)
وعن الأوزاعي قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام: إن كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب. (9)
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/142) والبيهقي في الزهد برقم (127)، والإحياء (3/110-111) وعزاه لعيسى ابن مريم.
(2) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (37).
(3) الحلية (8/153).
(4) الإحياء (3/11).
(5) أخرجه البخاري برقم (6111)، باب حفظ اللسان، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (47)، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير وكون ذلك كله من الإيمان .
(6) رواه مسلم في كتاب اللقطة برقم (4488).
(7) أخرجه ابن المبارك (370)، وأحمد (ص 189)، وعنه أبو نعيم (1/327 – 328).
(8) الإحياء (3/110) وعزاه لعيسى بن مريم.
(9) أخرجه ابن عساكر في تاريخه (38).(2/261)
وقال محمد بن الحسين: سمعت محمد بن عبد الوهاب الكوفي يقول: الصمت يجمع للرجل خصلتين: السلامة في دينه، والفهم عن صاحبه. (1)
وقال داود الطائي لمحمد بن عبد العزيز ذات يوم: أما علمت أن حفظ اللسان أشدُ الأعمال وأفضلها؟ قال محمد: بلى؟ وكيف لنا بذلك؟ (2)
وعن عمران بن يزيد قال: قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : "اللسان قوام البدن، فإذا استقام اللسان استقامت الجوارح وإذا اضطرب اللسان لم يقم له جارحة".
وعن الحسن - رضي الله عنه - قال: كانوا يتكلمون عند معاوية - رضي الله عنه - ، والأحنف ساكت فقالوا: مالك لا تتكلم يا أبا بحر؟ قال: أخشى الله إن كذبت، وأخشاكم إن صدقت. (3)
وعن خالد بن أبي عمران، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أمسك لسانه طويلا ثم قال: "رحم الله عبداً قال خيراً فغنم، أو سكت عن سوء فسلم". (4)
عن البراء - رضي الله عنه - ، قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: دُلني على عمل يدخلني الجنة قال: "أطعم الجائع، واسق الظمآن وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر فإن لم تطق فكف لسانك إلا من خير". (5)
عن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "... تكُفّ شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك". (6)
__________
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (55).
(2) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (56).
(3) أخرجه ابن المبارك في الزهد (1353).
(4) أخرجه ابن المبارك في الزهد (380)، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (755).
(5) أخرجه أحمد (4/299)، وابن حبان (ج6/ رقم 4298) والطحاوي في المشكل (4/2-3) والدارقطني (2/135) والبيهقي (10/272-273).
(6) رواه مسلم برقم (136) وأحمد (5/150).(2/262)
عن ابي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب". (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار". (2)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار" معناه: لا يتدبرها، ويفكر في قبحها، ولا يخاف ما يترتب عليها، وهذا كالكلمة عند السلطان، وغيره من الولاة، وكالكلمة تقذف، أو معناه: كالكلمة التي يترتب عليها إضرار مسلم ونحو ذلك، وهذا كله حث على حفظ اللسان، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً، أو ليصمت". وينبغي لمن أراد النطق بكلمة، أو كلام أن يتدبره في نفسه قبل نطقه، فإن ظهرت مصلحته تكلم، وإلا أمسك. أ.هـ. (3)
فينبغي للمؤمن أن لا يتكلم إلا بكلام حسن وطيب، وأن يكون صادقا في قوله، وقد شبهه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بالنحلة التي لا تأكل إلا طيباً ولا تضع إلا طيباً.
فعن أبي زيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المؤمن مثل النحلة لا تأكل إلا طيبا ولا تضع إلا طيبا". (4)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6477) دون قوله (والمغرب) ، ومسلم في كتاب الزهد برقم (7406)، وغيرهما.
(2) رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما، وصححه العلامة الألباني كما في صحيح سنن الترمذي برقم (1884) ، الصحيحة: (540).
(3) شرح النووي (18/317) .
(4) أخرجه ابن حبان وابن عساكر وغيرهما،وصححه الألباني في الصحيحة برقم(355).(2/263)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال عليه الصلاة والسلام: "مثل المؤمن مثل النحلة ما أخذت منها من شيء نفعك". (1)
باب
قلة الكلام والتحفظ في النطق
عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله، أي المسلمين أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده". (2)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه". (3)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله! أي الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة على ميقاتها". قلت: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: "أن يسلم الناس من لسانك". (4)
عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! علّمني عملاً يدخلني الجنة قال: "إن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أعتق النسمة وفك الرقبة فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلا عن خير". (5)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله! ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك". (6)
وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال عليه الصلاة والسلام: "طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته". (7)
__________
(1) رواه الطبراني وصححه شيخنا الألباني في الصحيحة برقم (2285).
(2) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم(11)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (42).
(3) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (10)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم(40).
(4) رواه الطبراني بإسناد صحيح وصدره في الصحيحين، الإوراء (1198).
(5) رواه أحمد وغيره.
(6) أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما وانظر الصحيحة رقم (890).
(7) رواه الطبراني في الأوسط و الصغير. صحيح الجامع (3929).(2/264)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة". (1)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يدخل الجنة رجلٌ لا يأمن جاره بوائقه". (2)
وعن معاذ أيضا - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله أوصني. قال: "أعبد الله كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى، وإن شئت، أنبأتك بما هو أملك بك من هذا كله؟ قال: "هذا"، وأشار بيده إلى لسانه. (3)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلّها تكفّر اللسان فتقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا". (4)
عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قال رسول - رضي الله عنه - : "ليس شيء من الجسد إلا يشكو ذرب اللسان على حدته". (5)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صمت نجا". (6)
__________
(1) رواه البخاري برقم (6109) ، باب حفظ اللسان .
(2) رواه أحمد وغيره.
(3) رواه ابن أبي الدنيا بإسناد جيد كما قال المنذري، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (415)، السلسلة الصحيحة (1473).
(4) صحيح الترمذي برقم (1962).
(5) رواه أبو يعلى في مسنده، وابن السني في عمل اليوم والليلة وغيرهما، وهو في السلسلة الصحيحة برقم (535).
(6) رواه الترمذي برقم (2502) ، والدارمي برقم (2713) .(2/265)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا هل عسى رجل منكم أن يتكلم بالكلمة يُضحك بها القوم، فيسقط بها أبعد من السماء ألا هل عسى رجل منكم يتكلم بالكلمة يُضحك بها أصحابه فيسخط الله عليه لا يرضى عنه حتى يدخله النار". (1)
عن أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل كلام ابن آدم عليه، لا له، إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر لله". (2)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال عليه الصلاة والسلام: "من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". (3)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "والذي لا إله غيره، ما على ظهر الأرض من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان". (4)
وعن أسلم أن عمر دخل يوماً على ابي بكر الصديق رضي الله عنهما وهو يجبذ لسانه، فقال عمر: مه، غفر الله لك، فقال له أبو بكر: "إن هذا أوردني بشر الموارد". (5)
عن هشيم عن العوام بن حوشب قال: ما رأيت إبراهيم اليتمي رافعاً رأسه إلى السماء في الصلاة ولا في غيرها، ولا سمعته قط يخوض في شيء من أمر الدنيا. (6)
وعن أبو حيان التيمي عن أبيه قال: قال رأيت ابنة الربيع بن خيثم أتته فقالت: يا أبتاه أذهب ألعب؟ قال: يا بُنيتي اذهبي قولي خيراً. (7)
__________
(1) رواه أبو الشيخ بإسناد حسن وغيره، كما في الترغيب للمنذري.
(2) رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما. المشكاة (2275)،السلسلة الضعيفة رقم(1366) ، الإيمان ص 46.
(3) سبق تخريجه.
(4) صحيح الترغيب.
(5) صحيح الترغيب.
(6) أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/213)، وابن أبي الدنيا في الصمت (415).
(7) أخرجه ابن المبارك في الزهد (371)، وابن سعد (6/188)، وابن أبي شيبة (14/14) وابن سعد (6/188).(2/266)
وعن الحسن - رضي الله عنه - قال: كانوا يقولون: لسانه الحكيم من وراء قلبه، فإذا أراد أن يقول رَجَع إلى قلبه، فإن كان له قال: وإن كان عليه أمسك، وإن الجاهل قلبُه على طرف لسانه، لا يرجع إلى قلبه، ما جرى على لسانه تكلم به. (1)
وعن مطرف أبي مصعب، قال: سمعت عبد العزيز بن الماجشون قال: قال أبو حازم لبعض أولئك الأمراء، والله لو تَبِعه لساني، لأشفيت منكم اليوم صدري. (2)
وعن عبد الصمد بن يزيد قال: سمعت فضيل بن عياض رحمه الله يقول: كان بعض أصحابنا يحفظ كلامه من الجمعة إلى الجمعة. (3)
وعن مطرق بن الشخير قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما للسانه: ويحك، قل خيراً تغنم، وإلا فاعلم أنك ستندم، قال: فقيل له: أتقول هذا! قال: بلغني أن الإنسان ليس هو يوم القيامة أشد منه على لسانه، إلا أن يكون قال خيراً فغنم، أو سكت فسلم. (4)
باب
التحذير من كثرة الكلام
عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله، أي المسلمين أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده". (5)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه". (6)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة". (7)
__________
(1) أخرجه أحمد في الزهد (271).
(2) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (423).
(3) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (436).
(4) أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/327-328)، وابن أبي الدنيا في الصمت برقم(439).
(5) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (11)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم(42).
(6) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (10)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم(40).
(7) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6474).(2/267)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن العالم ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب". (1)
ما يتبين فيها: أي ما يتفكر هل هي خير ام شر.
وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجات في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم". (2)
وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعا وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال". (3)
قوله: "وكره لكم ... قيل وقال" قال النووي: فهو الخوض في أخبار الناس وحكايات ما لا يعني من أحوالهم وتصرفاتهم. أ.هـ.شرح النووي (12/10)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة، الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيقهون". قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيقهون؟ قال: "المتكبرون". (4)
الثرثار المتشدق: كثير الكلام، والثرثرة في الكلام، الكثرة والترديد.
قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : لا خير في فضول الكلام.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6477)، ومسلم في الزهد والرقاق برقم (2988).
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6478).
(3) رواه البخاري برقم (5975)، ومسلم برقم (593).
(4) رواه الترمذي من حديث جابر برقم (2018)، واللفظ له، قال الترمذي: حديث حسن غريب، وأحمد من حديث أبي ثعلبة الخشني (17278). وصححه الألباني في سنن الترمذي برقم (2018).(2/268)
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : من كثر كلامه كثر سقطه.
وقال ابن القاسم: سمعت مالكاً يقول: لا خير في كثرة الكلام، واعتبر ذلك بالنساء والصبيان، أعمالهم أبدا يتكلمون ولا يصمتون.
وقال الآخر:
يموت الفتى من عثرةٍ بلسانه ...
وليس يموتُ المرء من عثرة الرِّجل
فعثرتُهُ من فِيهِ ترمي برأسه ...
وعثرتُهُ بالرِّجل تبرا على مهل (1)
عن الحسن - رضي الله عنه - قال: من كثر قالُهُ كثرت ذنوبه ومن كثر كلامه كثر كذبه ومن ساء خلُقُه عذب نفسه. (2)
باب
النهي عن قيل وقال
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال". (3)
باب
ذم المداحين
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن رجلاً مدح رجلاً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ويحك قطعت عنق صاحبك" ثم قال: "إن كان لا بدّ أحدكم مادحاً أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلاناً ولا أزكي على الله أحداً حسيبه الله إن كان يرى أنه كذلك". (4)
عن همام بن الحارث قال: قال المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - : أمرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - : إذا رأينا المدّاحين أن نحثو في وجوههم التراب. (5)
__________
(1) هذا القول والأقوال السابقة من الآداب الشرعية لابن مفلح (1/66-67) بتصرف.
(2) الإحياء (3/112).
(3) رواه مسلم (1715) وغيره.
(4) أخرجه البخاري برقم (5714)، باب ما يكره من التمادح، ومسلم برقم (3000) ، باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وخيف منه فتنة على الممدوح .
(5) أخرجه مسلم (3002/69)، والبخاري في الأدب المفرد (339)، وأبو داود
(4804)، والترمذي (2393)، وابن ماجه (3742)، وأحمد (6/5)، والطيالسي (1158،1159)، والبيهقي في الآداب (512)، والبغوي (13/150)، من حديث المقداد.(2/269)
عن خالد بن معدان - رضي الله عنه - قال: من مدح إماماً أو أحداً بما ليس فيه على رؤوس الأشهاد
بعثه الله يوم القيامة يتعثر بلسانه. (1)
عن إبراهيم ابن عمر قال: قال وهب بن مُنبّه رحمه الله: إذا مدحك الرجل بما ليس فيك فلا تأمنه أن يذمك بما ليس فيك. (2)
عن الأوزاعي قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام: "إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب". (3)
عن مجاهد - رضي الله عنه - قال: إن لبني آدم جُلساء من الملائكة فإذا ذكر الرجل المسلم بخير قالت الملائكة: ولك بمثله وإذا ذكره بسوء قالت الملائكة: ابن آدم المستور عورته أربع على نفسك واحمد الله الذي ستر عورتك. (4)
عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: والذي لا إله غيره ما على الأرض شيء أفقر إلى طول سجنٍ من لسانٍ. (5)
عن جابر - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فهاجت ريح منتنة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن ناسا من المنافقين اغتابوا أناسا من المسلمين فلذلك هاجت هذه الريح". (6)
عن عمران بن الجعد قال: قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : إنّ الناس قد أحسنوا القول كلّهم فمن وافق قولُهُ فِعلهُ فذلك الذي أصاب حظّهُ ومن خالف قولُهُ عمله فإنما يوبخ نفسه. (7)
عن مسروق - رضي الله عنه - أنه سئل عن بيتٍ من شعر فكرِهَه فقيل له؟ فقال: إني
أكره أن يوجد في صحيفتي شعر. (8)
__________
(1) أخرجه بن أبي الدنيا في الصمت برقم (599).
(2) أخرجه بن أبي الدنيا في الصمت برقم (605).
(3) سبق تخريجه.
(4) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (611).
(5) سبق تخريجه.
(6) سبق تخريجه.
(7) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (627).
(8) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (632) وابن المبارك في الزهد (374).(2/270)
وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والتمادح فإنه الذبح". (1)
وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : لا تعجلن بمدح أحد ولا بذمه، فإنه رُبَّ مَنْ يَسُرّك اليوم يسوؤُك غداً . (2)
باب
كفُّ اللسان من الجهاد
إن من الأشياء التي يؤجر عليها العبد هو كف اللسان عما لا يعنيه، ويُعد ذلك من الجهاد، حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله". (3)
و عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله عز وجل". (4)
وقال عليه الصلاة والسلام: "أفضل المؤمنين إسلاماً من سَلِم المسلمون من لسانه ويده وأفضل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وأفضل المهاجرين من هجر ما نهى الله تعالى عنه وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل". (5)
وكما جاء في حديث النعمان بن بشير: "... ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب". (6)
باب
النهي عن الكلام فيما لا يعنيك
عن علي بن الحسين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". (7)
__________
(1) أخرجه ابن ماجه وغيره كما في الصحيحة برقم (1284).
(2) الآداب الشرعية لابن مفلح (4/114) .
(3) جزء من حديث أخرجه الإمام وهو في السلسلة الصحيحة برقم (549).
(4) رواه أبو نعيم في الحلية والديلمي وغيرهما، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1496).
(5) أخرجه الطبراني في الكبير وابن نصر نحوه في الصلاة وانظر السلسلة الصحيحة برقم (1491).
(6) جزء من حديث رواه البخاري (1/20)، ومسلم (1599) وغيرهما.
(7) رواه البيهقي في الأربعون الصغرى برقم (118)،صحيح ابن ماجة (2/360).(2/271)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من حسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه". (1)
وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعاً وهات ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال". (2)
عن يسار أبي الحكم قال: قلت للقمان الحكيم: ما حكمتك؟ قال: لا أسأل عما كُفيت ولا أتكلّف ما لا يعنيني. (3)
عن داود بن أبي هند قال: بلغني أن معاوية - رضي الله عنه - ، قال لرجل: ما بقي من حلمك؟ قال: لا يعنيني ما لا يعنيني. (4)
عن المعلى بن زياد، قال موّرق العجلي: أمر أنا أطلبه منذ عشر سنين، لم أقدر عليه ولست بتارك طلبه، قالوا ما هو يا أبا المعتمر؟ قال: الصمت عما لا يعنيني. (5)
عن زيد بن أسلم قال: دُخِل على أبي دجانة وهو مريض ووجهه يتهلل فقال: ما من عملي شيءٌ أوثق في نفسي من اثنتين: لم أتكلم فيما لا يعنيني،
وكان قلبي للمسلمين سليماً. (6)
قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله عز وجل كريم يحب الكرم ومعالي الأخلاق ويبغض سفسافها". (7)
باب
ذم التقعر في الكلام
ومن آفات اللسان كذلك التقعر في الكلام، ويكون بالتشدق، وهو أن يلوي شدقه للتفصح، وتكلف السجع.
__________
(1) سبق تخرجيه.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأدب برقم (5975)، وفي كتاب الاستقراض برقم
(2408).
(3) أخرجه أحمد في الزهد برقم (106).
(4) رواه ابن ابي الدنيا في الصمت برقم (117).
(5) أخرجه أحمد في الزهد برقم (305)، وابن حبان في روضة العقلاء برقم (50)، وأبو نعيم في الحلية (2/235).
(6) أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/557)، وذكره الذهبي في السير (1/243).
(7) أخرجه الحاكم في المستدرك، وأبو نعيم في الحلية، وغيرهما، وهو في السلسلة الصحيحة برقم (1378).(2/272)
وعن جابر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون" قالوا: قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: "المتكبرون". (1)
الثرثار المتشدق: كثير الكلام، والثرثرة في الكلام: الكثرة والترديد.
وقال عليه الصلاة والسلام: "سيكون قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر من الأرض". (2)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا هلك المتنطعون" ثلاث مرات. (3)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان". (4)
عن مصعب بن سعد قال: جاء عمر بن سعد إلى أبيه يسأله حاجة، فتكلّم بين حاجته بكلام فقال له سعد - رضي الله عنه - : ما كنت في حاجتك أبعد منك اليوم، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يأتي الناس زمان يتخللون فيه الكلام بألسنتهم، كما تتخلل البقر الكلأ بألسنتها". (5)
__________
(1) أخرجه الترمذي وغيره، وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة برقم
(791).
(2) أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما وهو في السلسلة الصحيحة برقم (420).
(3) رواه مسلم برقم (2670/7)، وأبو داود برقم (4608)، وأحمد (1/386)، والبغوي في شرح السنة (12/367).
(4) أخرجه أحمد (1/22، 44)، والفريابي في صفة النفاق برقم (24)، وابن عدي في الكامل (3/970)، صحيح الترغيب (128).
(5) أخرجه أحمد (1/175-176).(2/273)
عن فاطمة - بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "شرار أمتي الذين غذوا بالنعّيم الذين يأكلون ألوان الطعام ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في الكلام". (1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن من شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم الذين يطلبون ألوان الطعام وألوان الثياب يتشدقون بالكلام". (2)
باب
خطر اللسان على الإنسان
على المؤمن أن يترقب لسانه حيث لا يتكلم إلا بخير، ويجب عليه أن يخاف من لسانه، فعن سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به. قال: "قل ربي الله ثم استقم" قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: "هذا". (3)
وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : "إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان". (4)
وفي الحديث: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ فلعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها". (5)
باب
التعوذ من شر اللسان
__________
(1) أخرجه ابن عدي في الكامل (5/1956) السلسلة الصحيحة (1891).
(2) أخرجه أحمد في الزهد وغيره كما في السلسلة الصحيحة برقم (1891).
(3) رواه مسلم ، ورواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
(4) رواه أحمد في المسند (1/22 و 44)، والفريابي صفة النفاق (ص 13)، وغيره، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1013).
(5) رواه البخاري برقم (2534)، باب من أقام البينة بعد اليمين ، ومسلم برقم (1713)، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة .(2/274)
عن شكل بن حميد - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله! علّمني تعوّذاً أتعوذ به، قال: فأخذ بكفي فقال: "قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني ومن شر قلبي ومن شر منيّي". (1)
باب
النهي عن أذية المسلمين
قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً } . (2)
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله ثم الرافضة الذين ينتقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه بنقيض ما أخبر الله عز وجل قد أخبر أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم هؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم وينتقصونهم ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبداً فهم في الحقيقة منكسو القلوب ويذمون الممدوحين ويمدحون المذمومين. أ.هـ. (3)
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } . (4)
اللمز: الاغتياب.
التنابز: التلقيب.
__________
(1) صحيح سنن الترمذي برقم (2775).
(2) سورة الأحزاب (الآية 58).
(3) تفسير ابن كثير (3/517).
(4) سورة الحجرات : (الآية 11).(2/275)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف رحله". (1) وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه حرام وماله وعرضه". (2)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس أو تركه الناس اتقاء فحشه". (3)
باب
الحث على طيب الكلام وفضله.
قال الله تعالى: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } (4)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كل سُلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الإثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة قال: والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة" (5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت" (6)
__________
(1) صحيح الترمذي برقم (1655). المشكاة (5044).
(2) رواه مسلم برقم (2564) ، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله .
(3) رواه البخاري برقم (5707) ، باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب ، ومسلم برقم (2591)، باب مداراة من يتقي فحشه .
(4) سورة الحجر، الآية (88).
(5) سبق تخريجه.
(6) أخرجه البخاري في كتاب الأدب برقم (6018)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (172 و174) .(2/276)
وفي رواية : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" (1)
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "في الجنة غرفة يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها" فقال أبو مالك الأشعري : لمن هي يا رسول الله قال: " لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وبات قائماً والناس نيام" (2)
وعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربّه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم فلا يرى إلا ماقدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرةٍ فمن لم يجد فبكلمةٍ طيبة" (3)
"ليس بينه وبينه ترجمان" بفتح التاء وضمها وهو المعبر عن لسان بلسان.
قوله " ولو بكلمة طيبة" فيه أن الكلمة الطيبة سبب للنجاة من النار وهي الكلمة التي فيها تطيب قلب إنسان إذا كانت مباحة أو طاعة.
باب
النهي عن الفحش وبذاء اللسان
قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } . (4)
وقال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً } . (5)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (171).
(2) رواه الطبراني والحاكم وقال : صحيح على شرطهما، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/16): رواه أحمد وفيه ابن ليهعة وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2692).
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6539) وفي كتاب التوحيد برقم (7443و 7512)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (2345 و2346و5347).
(4) سورة ق الآية (18).
(5) سورة الأحزاب الآية (70).(2/277)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والفحش فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش". (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب" فقال له معاذ بن جبل: يا رسول الله وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم –وفي رواية على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم". (2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة". (3)
وقال عقبة بن عامر - رضي الله عنه - : قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك". (4)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شئ إلا زانه". (5)
__________
(1) أخرجه أحمد (2/159، 195)، والحاكم (1/11، 415)،والبيهقي(10/243) والطيالسي (2272)، وأبو داود (1698)، والنسائي في التفسير كما في أطراف المزي(6/290)طرفا منه. وصححه الألباني في سنن أبي داود برقم(1698).
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه البخاري برقم (6109)، باب حفظ اللسان .
(4) رواه الترمذي وأحمد.وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم(2406).
(5) رواه الترمذي، وابن ماجة، وغيرهما، صحيح سنن الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2635).(2/278)
وعن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - اطلع على ابي بكر - رضي الله عنه - وهو يمد لسانه فقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله فقال: "إن هذا أوردني الموارد إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته". (1)
وعن سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: "كف عليك هذا". (2)
وسئل النبي - رضي الله عنه - عن أكثر ما يدخل الناس النار قال: "الفم والفرج". (3)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت". (4)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أكثر خطايا ابن آدم في لسانه". (5)
وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن : "زنا اللسان النطق". (6)
يعني الكلام الباطل بالفحش والرفث من القول.
ولذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن تصف المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها، فقال عليه الصلاة والسلام: "لا تباشر المرأة المرأة، فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها". (7)
__________
(1) رواه أحمد ومالك وأبو يعلى وقال: رجاله رجال الصحيح، رقم (1607).
(2) رواه الترمذي برقم (2410) ، باب ما جاء في حفظ اللسان ، وابن حبان في صحيحه برقم (5699) ، ذكر البيان بأن لسان المرء من أخوف ما يخاف عليه منه .
(3) رواه الترمذي وقال: صحيح غريب، وصححه الحاكم.
(4) رواه البخاري برقم (5784) ، باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه ، ومسلم برقم (47)، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير .
(5) السلسلة الصحيحة (534).
(6) متفق عليه.
(7) رواه البخاري برقم (4924)، باب لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها .(2/279)
وأخبر - صلى الله عليه وسلم - عن شرار الخلق فقال عليه الصلاة والسلام: "شرار أمتي: الثرثارون المتشدقون المتفيقهون". (1)
الثرثارون: هم المتوسعون في الكلام من غير احتراز ولا احتياط.
والمتشدق: قيل هو المستهزئ بالناس في كلامه.
وكان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: والله الذي لا إله إلا هو، ويقول: ما شيء أحوج إلى طول سجن من لسان!!
وقال الأصمعي: الكلمة أسيرة في وثاق الرجل، فإذا تكلم بها كان أسيراً في وثاقها.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان، ولا بالفاحش ولا بالبذيء". (2)
وعن عبد الله - رضي الله عنه - قال: ألأم خُلق المؤمن الفحش". (3)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المستبان ما قالا، فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم". (4)
قال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم: معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار فيقول للبادئ أكثر مما قال له. أ.هـ.
وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تعالى يبغض الفاحش المتفحش". (5)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن شر الناس عند
__________
(1) رواه البخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني.
(2) أخرجه أحمد، وابن أبي شيبة في كتاب الإيمان، والبخاري في الأدب المفرد، السلسلة الصحيحة (320).
(3) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (314) عن شعبة، وأخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت (325).
(4) رواه مسلم في البر والصلة برقم (2587)، باب النهي عن السباب .
(5) أخرجه أحمد، السلسلة الصحيحة، رقم (876).(2/280)
الله بمنزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شرّه". (1)
باب
النهي عن الغضب
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - أوصني. قال: "لا تغضب" فردد مراراً، قال: "لا تغضب". (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". (3)
الصرعة: هو الذي يصرع الناس كثيراً بقوته.
وعن سليمان بن صرد - رضي الله عنه - قال: استب رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه، وتنتفخ أوداجه: فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ذا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" فقام إلى الرجل رجل سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هل تدري ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: لا. "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ذا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
فقال له الرجل: أمجنون تراني؟ (4)
وعن حميد بن عبد الرحمن عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رجل: يا رسول الله! أوصني. قال: "لا تغضب".
قال: ففكرت حين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قاله، فإذا الغضب يجمع الشرَّ كلَّه. (5)
__________
(1) رواه البخاري برقم (5707) ، باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب ، ومسلم برقم (2591)، باب مداراة من يتقي فحشه .
(2) رواه البخاري في الأدب برقم (6116).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6114)، ومسلم في البر والصلة برقم (2609).
(4) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3282)، وفي كتاب الأدب برقم (6048)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2610).
(5) صحيح الترغيب رقم (2746)(2/281)
وعن ابن عمرو رضي الله عنهما: أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يباعدني من غضب الله عز وجل؟ قال: "لا تغضب". وفي رواية ابن حبان قال: "ما يمنعني". (1)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دلني على عمل يدخلني الجنة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تغضب، ولك الجنَّة". (2)
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من جُرعة أعظم أجراً عند الله من جرعة غيظٍ كظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله". (3)
باب
علاج اللسان عند الغضب
قال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا غضب أحدكم فليسكت". (4)
وعن معاذ بن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كَظَم غيظاً وهو قادرٌ على أن ينفذه، دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخيّره من الحور العين ما شاء". (5)
"غيظاً": الغيظ هو الغضب الشديد.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع". (6)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا غضب الرجل فقال: أعوذ بالله سكن غضبه". (7)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". (8)
الصُرعة: بضم الصاد وفتح الراء، وهو الذي يصرع الناس كثيراً.
__________
(1) صحيح الترغيب رقم (2747).
(2) صحيح الترغيب رقم (2749).
(3) صحيح الترغيب رقم (2752).
(4) السلسلة الصحيحة برقم (1375).
(5) رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (6522) .
(6) رواه أحمد والترمذي، المشكاة برقم (5114).
(7) أخرجه الطبري، الصحيحة برقم (1376).
(8) رواه البخاري برقم (5763)، باب الحذر من الغضب، ومسلم برقم (2609)، باب فضل من يملك نفسه ثم الغضب وبأي شيء يذهب الغضب .(2/282)
فعلى الإنسان أن يملك نفسه عند الغضب وأن لا يسترسل فيه لأنه يندم بعده.
عن سليمان بن مرد قال: استبّ رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه، فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب هذا عنه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". (1)
أعوذ بالله: اعتصم به، أي اعتصم بالله من الشيطان لأن ما أصابه من الشيطان.
فعلى الإنسان أن يحبس نفسه عند الغضب وأن يمسك لسانه، وأن يتعوذ بالله من الشيطان، وأن يتوضأ فإن الوضوء يطفئ الغضب، وإذا كان قائما فليقعد وإن كان قاعداً فليضطجع وإن ترك المكان يكون أفضل لكي يؤجل أولا، ولكي لا يندم إذا خرجت منه كلمة عند الغضب.
باب
ثواب السلام على المؤمنين والأمر بإفشائه
قال الله تعالى: { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً } . (2)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الإسلام خير؟ قال: " تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف". (3)
أي الإسلام: أي خصاله.
تطعم الطعام: على وجه الصدقة أو الهدية أو الضيافة، ونحو ذلك.
وتقرأ السلام: تفشي السلام.
و قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفشوا السلام وأطعموا الطعام وكونوا إخواناً كما أمركم الله". (4)
__________
(1) رواه البخاري برقم (5701)، باب ما ينهى من السباب واللعن ، ومسلم برقم (2610)، باب فضل من يملك نفسه ثم الغضب وبأي شيء يذهب الغضب وهذا لفظه.
(2) سورة النساء الآية (86).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان برقم (12) و (28)، وفي كتاب الاستئذان برقم (5882)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (159).
(4) رواه النسائي في القضاء، السلسلة الصحيحة(1501).(2/283)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن السلام إسم من أسماء الله وضعه الله في الأرض فأفشوه فيكم فإن الرجل إذا سلم على القوم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة لأنه ذكرهم فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب". (1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام". (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم". (3)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: فيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف، والسلام أول أسباب التآلف ومفتاح استجلاب المودة وفي إفشائه تكمن ألفه المسلمين بعضهم لبعض وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع وإعظام حرمات المسلمين.
وقال رحمه الله : وفيها لطيفة أخرى وهي أنها تتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء وفساد ذات البين التي هي الحالقة وأن سلامه لله لا يتبع فيه هواه ولا يخص أصحابه وأحبابه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .أ.هـ. (4)
__________
(1) رواه الطبراني عن سفيان بن بشر، السلسة الصحيحة (1607).
(2) رواه الطبراني في الكبير عن هانئ بن زيد، صحيح الجامع رقم (2228) ، وصححه الالباني كذلك في الترغيب برقم (2699).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (192 و193)، وابن ماجه في المقدمة (68).
(4) شرح مسلم (2/244-245) .(2/284)
وعن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلّوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام" (1)
يجب الحرص على إفشاء السلام لتنال الأجر والثواب الكثير حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا لقى أحدكم أخاه فليسلم عليه فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه". (2)
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم حريصين على إفشاء السلام بينهم لما يترتب عليه من الأجر والثواب الكثير.
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتماشون فإذا استقبلتهم شجرة أو أكمة فتفرقوا يميناً وشمالاً ثم التقوا من ورائها سلَّم بعضهم على بعض". (3)
وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام " فينبغي لكل واحد من المتلاقين أن يحرص على أن يبتدئ بالسلام.
ولا ينبغي للمسلم أن يبدأ بالكلام قبل أن يُسلم حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من بدأكم بالكلام قبل السلام فلا تكلموه" وفي رواية " فلا تجيبوه". (4)
وأن يحرص على المصافحة مع السلام لما في ذلك من الأجر وغفران الذنوب بإذن الله تعالى.
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - : عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفشوا
السلام تسلموا" (5)
__________
(1) رواه الترمذي برقم (2485)، والدارمي وابن ماجه وقال الترمذي: حديث صحيح، الصحيحة(569) ، صحيح الجامع (7742).
(2) صحيح أبي داود (4331).
(3) رواه ابن السني وهو في صحيح الأدب المفرد برقم (773).
(4) رواه الطبراني في الأوسط عن ابن عمر ، صحيح الجامع (5998).
(5) رواه ابن حبان ، قال في مجمع الزوائد (8/29): (رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله ثقات)، الصحيحة (1493) الإرواء(769).(2/285)
وعن أبي شريخ - رضي الله عنه - أنه قال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرني بشيء يوجب لي الجنة قال: "طيب الكلام وبذل السلام وإطعام الطعام". (1)
وقال عمار : ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعَالَم والإنفاق مِنَ الإقتار (2)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وقد تضمنت هذه الكلمات أصول الخير وفروعه فإن الإنصاف يُوجب عليه أداء حقوق الله كاملة موفَّرة وأداء حقوق الناس ، كذلك وأن لا يطالبهم بما ليس له ولا يُحمِّلهم فوق وسعهم ويعاملهم بما يحب أن يعاملوه به ويعفيهم مما يحب أن يُعفُوه منه ويحكم لهم وعليهم بما يحكم به لنفسه وعليها.
ويدخل في هذا إنصافه نفسه من نفسه فلا يدَّعي لها ما ليس لها ولا يُخبثها بتدنيسه لها وتصغيره إياها وتحقيرها بمعاصي الله ويُنميها ويكبرها ويرفعها بطاعة الله وتوحيده وحبه وخوفه ورجائه والتوكل عليه والإنابة إليه وإيثار مرضاته ومحابِّه على مراضي الخلق ومحابِّهم.
وقال رحمه الله تعالى : وبذل السلام للعالم يتضمن تواضعه وأنه لا يتكبر على أحد بل يُبذل السلام للصغير والكبير والشريف والوضيع ومن يعرفه ومن لا يعرفه والمتكبر ضد هذا فإنه لا يرد السلام على كل من سلم عليه كبراً منه وتيهاً فكيف يبذل السلام لكل أحد. أ.هـ. (3)
__________
(1) رواه الطبراني وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد ذكره في مجمع الزوائد (1/54) من حديث عمرو بن عبسة وقال الهيثمي: رواه أحمد وفي إسناده شهر بن حشي وقد وثق على ضعف فيه، وذكره أيضاً في (1/61)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2699).
(2) أخرجه البخاري في الإيمان تعليقاً ووصله عبد الرزاق في مصنفه(19439/10)، وذكره الذهبي في السير (1/427) ، ووصله ابن أبي شيبة في الإيمان (131).
(3) )) زاد المعاد (2/353) .(2/286)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام. (1)
وقال عمران بن حصين : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليكم فرد عليه ثم جلس فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "عشر " ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فجلس فقال "عشرون" ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه فجلس فقال: "ثلاثون" (2)
وزاد أبو داوود: ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال: "أربعون" فقال: "هكذا تكون الفضائل".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربعون خصلةً أعلاهُنَّ منيحةُ العنز ما من عاملٍ يعمَلُ بخصلَةٍ منها رجاءَ ثوابها وتصدِيقَ موعُودِها إلا أدخَلهُ الله بها الجنة".
قال حسَّان " فعددنا ما دون منيحة العنز من ردَّ السلام، وتشميت العاطس ، وإماطة الأذى عن الطريق ونحوه، فما استطعنا أن تبلغ خمس عشرة". (3)
منيحة العنز: المنيحة في الأصل: العطية، قال أبو عبيد: المنيحة عند العرب على وجهين: أحدهما أن يعطي الرجل صاحبه صلةً فتكون له، والآخر أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمناً ثم يردها.فتح الباري(5/243)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "أبخل الناس الذي يبخل بالسلام، وإن أعجز الناس، من عجز بالدعاء". (4)
باب
يسلم القليل على الكثير والصغير على الكبير
__________
(1) رواه أبو داود في الأدب (5197)، وأحمد في المسند (22342/8)، وصححه الألباني، المشكاة رقم (46460)، الكلم رقم (198)، صحيح الجامع رقم (5997)، صحيح الترغيب رقم (2703).
(2) أخرجه أبو داوود في الأدب، الترمذي وحسنه، والنسائي والبيهقي وحسنه أيضاً، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2710).
(3) رواه البخاري في كتاب الإستئذان برقم (6263).
(4) السلسلة الصحيحة رقم (601)، صحيح الأدب المفرد رقم (795).(2/287)
من آداب السلام التي علمنا الشارع الحكيم ، هو أن يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير" . (1)
وفي رواية للبخاري : "والصغير على الكبير " .
وخير الناس من يبدأ بالسلام . فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام" . (2)
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبدأ بالسلام على الناس ، بل وكان يسلم على الصبيان لتواضعه ورحمته وشفقته .
فعن أنس - رضي الله عنه - ،أنه مر على صبيان فسلم عليهم،وقال:كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله. (3)
باب
ما جاء في فضل المصافحة
عن البراء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا" (4) .
وعن أنس - رضي الله عنه - : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه إلا كان حقاً على الله عز وجل أن يحضر دعاءهما ولا يفرق بين أيديهما حتى يغفر لهما" (5) .
__________
(1) رواه البخاري برقم (6232)، ومسلم برقم (2160) .
(2) صحيح الترمذي برقم (2167) .
(3) رواه البخاري برقم (6247)، ومسلم برقم (2168) .
(4) أخرجه أبو داود (5212) والترمذي (2727)، وابن ماجة (3703) وأحمد (4/289 و303)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم(5654)،والصحيحة (524)،وصحيح الترغيب(2718).
(5) رواه أحمد والبزار وأبو يعلى، قال في مجمع الزوائد (8/36): رواه أحمد والبزار وأبو يعلى ورجال أحمد رجال الصحيح غير ميمون ين عجلان وثقه ابن حبان و لم يضعفه أحد.(2/288)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه فتصافحا وحمدا الله تعالى جميعاً تفرقا وليس بينهما خطيئة". (1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن المسلمين إذا التقيا فتصافحا وتكاثرا بود ونصيحة تناثرت خطاياهما بينهما ".
وفي رواية : "إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله تعالى واستغفرا غفر الله عز وجل لهما". (2) .
ويستحب مع المصافحة البشاشة بالوجه والدعاء بالمغفرة وغيرها .
فعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليق" (3) .
فتكون الابتسامة صدقة لك وزيادة في الألفة والمحبة .
وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال: "إن المسلم إذا لقي أخاه فأخذ بيده تحاتت عنه ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف وإلا غفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحر" (4) .
وفي رواية لأبي داود قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله واستغفراه غفر لهما".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي حذيفة فأراد أن يصافحه فتنحى حذيفة فقال : "إن المسلم إذا صافح أخاه تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر" (5) .
باب
ما جاء في فضل من سلم إذا دخل بيته
__________
(1) رواه أحمد في مسنده والضياء، صحيح الجامع (2738).
(2) السلسلة الصحيحة (525).
(3) رواه مسلم برقم (2626) ، باب إستحباب طلاقة الوجه ثم اللقاء .
(4) رواه الطبراني بإسناد حسن، قال في صحيح الزوائد (8/37): "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير سالم بن غيلان وهو ثقة".
(5) رواه البزار ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب رقم (2721)، والصحيحة برقم (526).(2/289)
قال الله تعالى : { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً } (1) .
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا بُني إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك " (2) .
وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثةٌ كلهم ضامن على الله عز وجل رجل خرج غازياً في سبيل الله فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرد بما نال من أجرٍ أو غنيمة ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخل الجنة أو يرد بما نال من أجرٍ أو غنيمة ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله عز وجل" (3) .
باب
من أراد الدخول على قوم ولم يسلِّم
عن رجل من بني عامر جاء الى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أألج؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للجارية: "أخرجي فقولي له: قل: السلام عليكم، أأدخل؟ فإنه لم يحسن الاستئذان"، قال: فسمعتها قبل أن تخرج إلي الجارية، فقلت: السلام عليكم أأدخل؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : "وعليك، ادخل" فدخلت فقلت: بأي شيء جئت؟ فقال: "لم أتيكم إلا بخير، أتيتكم لتعبدوا الله وحده لا شريك له، وتدعو عبادة اللات والعزى، وتصلوا في الليل والنهار خمس صلوات، وتصوموا في السنة شهرا، وتحجوا هذا البيت، وتأخذوا من مال أغنيائكم فتردوها على فقرائكم".
__________
(1) سورة النور الآية (61).
(2) رواه الترمذي من طريق علي بن زيد عن ابن المسيب عنه وقال : حديث حسن صحيح، الكلم الطيب (ص 46).
(3) رواه أبو داوود في سننه برقم (2494)،وصححه الألباني، صحيح الجامع(3048).(2/290)
قال: فقلت له: هل من العلم شيء لا تعمله؟ قال: "لقد علّم الله خيراً، وإن من العلم ما لا يعمله إلا الله، الخمس لا يعلمهن إلا الله: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } (1) . (2)
باب
النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه". (3)
فيه النهي عن ابتداء أهل الكتاب من اليهود والنصارى بالسلام، وظاهر الحديث المنع، إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك فليكن بغير السلام، ككيف أصبحت، أو كيف أمسيت ونحو ذلك.
قال ابن مفلح: قال الشيخ تقي الدين: إن خاطبه بكلامٍ غير السلام مما يؤنسه به، فلا باس بذلك. (4)
وإما إذاً لا تكون هناك حاجة فلا يجوز، قال النووي رحمه الله: إما إذا لم يحتج إليه، فالاختيار أن لا يقول شيئاً، فإن ذلك بسط له وإيناس وإظهار صورة ود، ونحن مأمورون بالإغلاظ عليهم ومنهون عن ودهم فلا تظهره، والله أعلم. (5)
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم". (6)
فالحديث بين لنا أن صفة الرد على أهل الكتاب أن تقول وعليكم.
ولكن إذا سمعنا الكتابي يقول: "السلام عليكم" بلفظ واضح، فهل نرد عليه بـ "وعليكم" عملاً بظاهر الحديث، أم نرد عليه سلامه ونقول "وعليكم السلام".
__________
(1) سورة لقمان الآية (34).
(2) السلسلة الصحيحة برقم (819)، صحيح الأدب المفرد رقم (826).
(3) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2167).
(4) الآداب الشرعية (1/391).
(5) الأذكار ( ص 366-367).
(6) رواه البخاري في كتاب الاستئذان برقم (6258)، ومسلم في كتاب السلام برقم (2163).(2/291)
أجابت اللجنة الدائمة: قالت "ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا تحققنا من لفظ السلام ولم نشك فيه فإنه ينبغي علينا أن نرد السلام، وقالوا: إن هذا هو مقتضى العدل، والله تعالى يأمر بالعدل والإحسان. (1) وذهب آخرون - وهو الراجح- أننا نرد عليهم كما جاء في الحديث الصحيح الصريح (وعليكم). (2)
ويجوز السلام على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين.
روى البخاري ومسلم وغيرهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ركب حماراً عليه إكاف تحته قطيفة فدكية، واردف وراءه أسامة بن زيد وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج -وذلك قبل وقعة بدر- حتى مرّ في مجلس فيه أخلاطٌ من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفيهم عبد الله بن أبيّ بن سلول، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمَّر عبد الله بن أبيّ أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن..." الحديث. (3)
قال النووي: "والابتداء بالسلام على قوم فيهم مسلمون وكفار مجمع على جوازه". (4)
قيل للإمام أحمد رحمه الله تعالى: نعامل اليهود والنصارى ونأتيهم في منازلهم وعندهم قوم مسلمون، أسلم عليهم؟ قال: نعم، وتنوي السلام على المسلمين. (5)
وأما السلام على أهل المعاصي، قال النووي: "اعلم أن الرجل المسلم الذي ليس بمشهور بفسق ولا بدعة يسلمَّ ويسلَّم عليه، فيسن له السلام ويجب الرد عليه". (6) أ.هـ.
__________
(1) انظر أحكام أهل الذمة (1/425 - 426) وانظر فتاوى العقيدة لابن عثيمين ( ص 235 - 236) والسلسلة الصحيحة للألباني (2/327 - 330).
(2) فتاوى اللجنة الدائمة (3/312) رقم (11123).
(3) رواه البخاري برقم (6254)، ومسلم برقم (1798).
(4) شرح مسلم (12/125).
(5) الآداب الشرعية (1/390).
(6) الأذكار ( ص 364).(2/292)
وأما أهل البدعة فإن من البدع ما يكون مكفراً ومنها دون ذلك فصاحب البدعة المكفرة لا يسلم عليه بحال، وقد حجب الله سبحانه وتعالى عنه التوبة حتى يدع بدعته، كما قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله حَجَب التوبة عن كل صاحب بدعةٍ حتى يدع بدعته". (1)
وأما صاحب البدعة غير المكفرة فإنه يأخذ حكم أهل المعاصي، ويكون حسب المصلحة الراجحة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في بيان هجر أهل البدع: "أما هجرهم -أي المبتدعة- فهذا يترتب على البدعة، فإذا كانت البدعة مكفرة وجب هجره، وإذا كانت دون ذلك فإننا نتوقف في هجره إن كان في هجره مصلحة فعلناه، وإن لم يكن فيه مصلحة اجتنبناه، وذلك أن الأصل في المؤمن تحريم هجره لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لرجل مؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث". (2) أ.هـ.
باب
النهي عن أن يطلع الإنسان في دار قبل أن يستأذن
قال الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } . (3)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) فتاوى العقيدة (ص 614)، والحديث أخرجه البخاري في كتاب الأدب برقم (6077) ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2560).
(3) سورة النور الأية رقم (28-29).(2/293)
عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما رجل كشف ستراً، فأدخل بصره قبل أن يؤذن له، فقد أتى حداً لا يحل له أن يأتيه، ولو أن رجلاً فقأ عينه لهدرت، ولو أن رجلاً على باب لا ستر له، فرأى عورة أهله فلا خطيئة عليه، إنما الخطيئة على أهل المنزل". (1)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه". (2)
وعن أنس - رضي الله عنه - : أن رجلا اطلع من بعض حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقام إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بمشقص أو بمشاقص، فكأني أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه". (3)
وفي رواية للنسائي ولفظه:
أن أعرابياً أتى باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فالقم عينه خصاصة الباب، فبصُر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فتوخاه بحديدة أو عود ليفقأ عينه، فلما أن أبصره انقمع، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أما إنك لو ثبت لفقأت عينك". (4)
المشقص: بكسر الميم بعدها شين معجمة ساكنة وقاف مفتوحة: هو السهم له نصل عريض، وقيل: طويل. وقيل: هو النصل العريض نفسه. وقيل: الطويل.
يختله: بكسر التاء المثناة فوق، أي: يخدعه ويراوغه.
و خصاصة الباب: بفتح الخاء المعجمة وصادين مهملتين: هي الثقب فيه والشقوق، ومعناه أنه جعل الشق الذي في الباب محاذياً له.
توَّخاه: بتشديد الخاء المعجمة أي: قصده.
__________
(1) رواه أحمد، ورواه الترمذي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم(3463).
(2) رواه البخاري في كتاب الديات برقم(6902)،ومسلم في كتاب الآداب برقم(2158).
(3) رواه البخاري في كتاب الاستئذان برقم (6242)، ومسلم في كتاب الآداب برقم(2157).
(4) صحيح الترغيب (3/36).(2/294)
وعن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - : أن رجلاً اطلع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جحر في حجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - مدراة يحكُّ بها رأسه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لو علمت أنك تنظر لطعنت بها في عينك، إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر". (1)
مدراة: شيء يعمل من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه يسرح به الشعر المتلبد.
وعن عبد الله بن بسر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تأتوا البيوت من أبوابها، ولكن ائتوها من جوانبها، فاستأذنوا فإن أذن لكم فادخلوا، وإلا فارجعوا". (2)
باب
النهي عن التجسس على الناس ما يُسرونه
قال الله تعالى: { وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } . (3)
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تحلم بِحُلمٍ لم يره كُلِّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الأنك يوم القيامة ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ". (4)
الآنك: الرصاص المذاب.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه". (5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الاستئذان برقم (6241)، ومسلم في كتاب الآداب برقم (2156).
(2) أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ورواه الطبراني في الكبير، وحسنه الألباني المشكاة (46730) وصحيح الترغيب (2731).
(3) الحجرات آية (12).
(4) أخرجه البخاري في كتاب التعبير برقم (7042)، ومسلم برقم (2110)، باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه ممتهنة بالفرش ونحوه وأن الملائكة عليهم السلام لا يدخلون بيتا فيه صورة ولا كلب .
(5) متفق عليه.(2/295)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لا تتبعوا عورات المسلمين ولا عثراتهم فإنه من يتبع عثرات المسلمين يتبع الله عثرته ومن يتبع الله عثرته يفضحه وإن كان في بيته". (1)
وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم". (2)
باب
النهي عن تناجي اثنين دون الثالث
لا يجوز تناجي الاثنين دون الثالث لكي لا يكون ذلك طريقاً للشيطان، ولكي لا يظن المسلم بإخوانه سوءاً، ولا يكونوا هم سبب لحزن أخيهم المسلم.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن يحزنه". (3)
وفي رواية: "لا ينتجي اثنان دون الثالث فإن ذلك يحزنه". (4)
وفي رواية: "لا يتسارَّ اثنان دون الثالث". (5)
وأما إذا كان القوم أربعة فما فوق فلا بأس بذلك لانتفاء العلة. والله أعلم.
باب
دعاء نزول المنزل
عن خولة بنت حكيم السلمية رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك (6) .
التامات: معناه الكاملات التي لا يدخل فيها نقص ولا عيب، وقيل النافعة الشافية .
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه البخاري برقم (6290)، ومسلم برقم (2184) واللفظ له.
(4) رواه البخاري برقم (6288)، ومسلم برقم (2183).
(5) رواه أحمد برقم (4650).
(6) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2708)، وأحمد برقم (6579) والترمذي برقم (3437)، وابن ماجه برقم (3547)، الدارمي برقم (2680).(2/296)
قال ابن عبد البر : أن هذا الدعاء يقال عند حلول كل مكان أو النزول فيه وليس مخصوصاً بنزول المسافر من مركوبه، ومنها أن كلام الله منه تبارك اسمه وصفة من صفاته ليس بمخلوق، لأنه محال أن يستعاذ بمخلوق ، وعلى هذا جماعة أهل السنة.أ.هـ. (1) .
وقال القرطبي: هذا خبر صحيح وقول صادق علمنا صدقه دليلاً وتجربة، فإني مذ سمعت هذا الخبر عملت عليه فلم يضرني شيء إلى أن تركته ، فلدغتني عقرب بالمهدبة ليلاً، فتفكرت في نفسي فإذا بي قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات (2) .
باب
ما جاء في فضل من رد غيبة أخيه المسلم
وذب عن عرضه
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة" (3) .
وعن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حمى مؤمناً من منافق أراه قال: بعث الله ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى مسلماً بشيء يريد به شينه حبسه الله عز وجل على جسر حتى يخرج مما قال" (4) .
شينه: أي عيبه وتنقصه والشين العيب.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من رد عن عرض أخيه كان له حجاباً من النار" (5) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار" (6) .
__________
(1) التمهيد (24/186).
(2) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص(161).
(3) رواه الترمذي وقال( حديث حسن) ورواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب التوبيخ، وصححه العلامة الألباني في غاية المرام (431)، وصحيح الجامع (6138) ، وصحيح الترغيب برقم (2848).
(4) رواه أبو داود، المشكاة (4986).
(5) رواه البيهقي في السنن، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6139).
(6) رواه الطبراني عن أسماء بنت يزيد ، ورواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا، وقال الألباني في الترغيب: صحيح لغيره (2847).(2/297)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من نصر أخاه بظهر الغيب نصره الله في الدنيا والآخرة" (1) .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "من نصر أخاه المسلم بالغيب، نصره اللهُ في الدنيا والآخرة " (2) .
باب
ما جاء في فضل الصدق
قال الله تعالى: { قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (3) .
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } (4)
وقال الله تعالى: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } (5) .
وقال تعالى: { لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ } (6) .
وقال تعالى: { وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ } إلى قوله تعالى { أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } (7) .
__________
(1) رواه البيهقي في السنن والضياء عن أنس ، وصححه الألباني في صحيح الجامع
(6450)، وصحيح الترغيب (2848).
(2) رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً، وقال الألباني رحمه الله: ورواه بعضهم مرفوعاً، انظر الصحيحة برقم (1217)، وصحيح الترغيب برقم (2849).
(3) سورة المائدة الآية (119).
(4) سورة التوبة الآية (119).
(5) سورة الأحزاب الآية (23).
(6) سورة الأحزاب الآية (24).
(7) سورة الأحزاب (35).(2/298)
وقال تعالى { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ، لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ، لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } (1) .
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر وهما في الجنة وإياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور وهما في النار" (2) .
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صِديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" (3) .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا حفظ أمانة ، وصدق حديث، وحسن خليقةٍ، وعفةُ في طُعمةٍ" (4) .
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً ، وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خلقه"". (5)
ربض الجنة : أي ما حولها .
__________
(1) سورة الزمر الآية (33-35).
(2) رواه الطبراني ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد(1/93): رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن، صحيح الجامع (4071)، المشكاة(2824) والطحاوية (98).
(3) رواه البخاري في الأدب برقم(6094)، ومسلم في البر والصلة برقم (2607).
(4) رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي، صحيح الترغيب برقم(2929).
(5) رواه أبو داود، الصحيحة رقم (273)، صحيح الجامع رقم (1464).(2/299)
وفي رواية عن فضالة بن عبيد ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
"أنا زعيم لمن آمن بي و أسلم و هاجر ببيت في ربض الجنة ، و بيت في وسط الجنة ، و بيت في أعلى غرف الجنة ، و أنا زعيم لمن آمن بي و أسلم و جاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة ، و بيت في وسط الجنة ، و بيت في أعلى
غرف الجنة ، فمن فعل ذلك لم يدع للخير مطلبا و لا من الشر مهربا يموت حيث شاء أن يموت . (1)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اضمنوا لي ستاً من أنفسكم، أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم ،و غضوا أبصاركم ، وكُفُوا أيديكم" (2) .
وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بالصدق فإنه مع البر، وهما في الجنة وإياكم والكذب، فإنه مع الفجور وهما في النار" (3) .
والصدق عاقبته خير وإن توقع المتكلم شراً وفيه النجاة والصلاح، قال الله تعالى: { فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ } . (4)
وفي قصة توبة كعب بن مالك، يقول كعب بعد أن نزلت توبة الله على الثلاثة الذين خلفوا: "يا رسول الله ! إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت".
__________
(1) ) ) صحيح الجامع حديث رقم (1465) .
(2) رواه أحمد وابن أبي الدنيا، وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي، قال الحاكم صحيح الإسناد ، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب (2925).
(3) رواه ابن حبان في صحيحه،وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم(2933)
(4) سورة محمد الآية (21).(2/300)
ويقول - رضي الله عنه - كذلك: "فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط، بعد أن هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوا...". (1)
وروى ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد أنه قيل له: كيف تخصلت من سيف المعتصم وسوط الواثق؟ فقال: لو وضع الصدق على جرح لبرأ.
عن يزيد بن خمير قال: سمعت سليم بن عامر يحدث عن أوسط بن إسماعيل بن أوسط، سمع ابا بكر الصديق - رضي الله عنه - ، بعد ما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسنة فقال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام أو مقامي هذا، ثم بكى أبو بكر ثم قال: عليكم بالصدق، فإنه مع البر، وهما في الجنة، وإياكم والذكب، فإنه مع الفجور، وهما في النار". (2)
وعن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الصدق يهدي الى البر، وإن البر يهدي الى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب صدِّيقا". (3)
وعن عمرو بن مرة قال: سمعت مرة الهمداني قال: كان عبد الله - رضي الله عنه - يقول: عليكم الصدق، فإنه يهدي الى الجنة، وما يزال الرجل يصدق حتى يكتب عند الله صديقا، ويثبت البر في قلبه، فلا يكون للفجور موضع إبرة يستقر فيها. (4)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي برقم (4418).
(2) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (724)، وابن ماجة (3849)، وأحمد (1/3، 5، 7) والحميدي (7) وأبو يعلى (121)، وابن حبان (106)، والخرائطي في المكارم (307)، والطحاوي في المشكل (1/189-190).
(3) أخرجه البخاري (5743)، باب قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وما ينهى عن الكذب، ومسلم برقم (2607)، باب تحريم النميمة .
(4) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (443).(2/301)
وعن عمارة بن أبي حفصة، سمع أبا مجلز يقول: قال رجل لقومه: عليكم بالصدق فإنه نجاة. (1)
باب
النهي عن الكذب
قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } . (2)
قال الله تعالى: { قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ } . (3)
الخراصون: الكذابون.
وقال الله تعالى: { ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } . (4)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا". (5)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان". (6)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر". (7)
باب
الكذب في الرؤيا أو الحلم
وفي ذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين يوم القيامة ولن يفعل". (8)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن أفرى الفرى أن يرى الرجل عينيه مالم تريا". (9)
__________
(1) أخرجه ابن ابي الدنيا في الصمت برقم (450).
(2) غافر آية (28).
(3) سورة الذاريات الآية (10).
(4) سورة آل عمران الآية (61).
(5) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6094)، ومسلم في كتاب البر برقم (2606 و 2607).
(6) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (23)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم(59).
(7) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (34)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم(58).
(8) رواه البخاري في كتاب التعبير برقم (7042).
(9) رواه البخاري في كتاب المناقب برقم (3509 - مع فتح الباري).(2/302)
قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } . (1)
وقال سبحانه : { إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ } . (2)
وقال تعالى: { لهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } . (3)
وقال تعالى: { وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } . (4)
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الصدق يهدي الى البر وإن البر يهدي الى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإن الكذب يهدي الى الفجور وإن الفجور يهدي الى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذّاباً". (5)
عن عمر بن مرة قال: سمعت مرة الهمداني قال: كان عبد الله - رضي الله عنه - يقول: "إياكم والكذب فإنه يهدي الى النار وما يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا ويثبت الفجور في قلبه فلا يكون للبر موضع إبرة يستقر فيها". (6)
عن منصور قال: سمعت أبا وائل عن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان". (7)
__________
(1) سورة ق الآية (18).
(2) سورة النحل الآية (105).
(3) سورة البقرة الآية (10)..
(4) سورة الجاثية الآية (7).
(5) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6094)، ومسلم في البر والصلة برقم (2607).
(6) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (23)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (59).
(7) أخرجه البزار (رقم 86) والخرائطي في المكارم (191، 200) والفريابي في صفة النفاق (7)، وابن مندة في الإيمان (رقم 531) وأبو نعيم في الحلية (5/43).(2/303)
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً وإن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا وعد أخلف وإذا حدث كذب وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر". (1)
عن مصعب بن سعد عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "على كل خلةٍ يُطبع أو يطوي عليها المؤمن إلا الخيانة والكذب". (2)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: الشيخ الزاني، والإمام الكذاب، والعائل المزهوّ". (3)
عن قيس بن أبي حازم سمع أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - يقول: أيها الناس إياكم والكذب فإنه مجانب الإيمان. (4)
عن عبد الله - رضي الله عنه - أنه كان يقول في خطبته: شر الروايا روايا الكذب وأعظم الخطايا اللسان الكذوب. (5)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان". (6)
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (34)، باب علامة المنافق، ومسلم (58)، باب بيان خصال المنافق .
(2) أخرجه البزار (ج1/ رقم 102) وأبو يعلى (ج2/ رقم 711) وابن عدي في الكامل (1/44)، والبيهقي (10/197)، وابن الجوزي في الواهيات (2/706).
(3) أخرجه النسائي (5/86) وأحمد (2/433)، وأخرجه مسلم (107/172) من وجه آخر عن أبي هريرة صحيح الجامع رقم (3069).
(4) أخرجه وكيع (399) وعنه هناد (1368) كلاهما في الزهد وأحمد (1/5) وابن عدي (1/43) والبيهقي (10/196-197).
(5) أخرجه ابن عدي في الكامل (1/55-569) وأبو نعيم في الحلية (1/138-139) وعبد الرزاق (11/159-160).
(6) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (23)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم(59).(2/304)
عن الحسن - رضي الله عنه - قال: يعدّ من النفاق اختلاف القول والعمل واختلاف السرّ والعلانية والمدخل والمخرج وأصل النفاق والذي بُني عليه النفاق: الكذب. (1)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - : ما كذبت كذبة منذ شددت عليّ إزاري. (2)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول في خطبته: ليس فيما دون الصدق من الحديث خير من يكذب يفجر ومن يفجر يهلك. (3)
عن إبراهيم رحمه الله قال: كانوا يقولون: إن الكذب يفطر الصائم. (4)
عن عبد العزيز قال: سمعت مالك بن دينار رحمه الله يقول: قرأت في بعض الكتب: ما من خطيب يخطب إلا عرفت خطبته على عمله فإن كان صادقا صدّق وإن كان كاذباً قرضت شفتاه بمقراضين من نار كلما قرضتا نبتتا. (5)
عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس فقال: "أيها الناس ما يحملكم أن تتتابعوا بالكذب كما تتتابع الفراش في النار كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا ثلاث خصال: رجل كذب امرأته ليرضيها ورجل كذب بين إمرأين ليصلح بينهما ورجل كذب في حديعة الحرب". (6)
عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن أمه وهي أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط أخبرته أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيراً وينمي خيراً" .
__________
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (480).
(2) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (483).
(3) أخرجه البيهقي (3/215) وابن أبي الدنيا في الصمت برقم (488).
(4) أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/227).
(5) أخره ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (498).
(6) أخرجه الترمذي (6/68-تحفة) وأحمد (6/454، 459، 461) وابن جرير في تهذيب الآثار (3/128).(2/305)
قال ابن شهاب: فلم أسمع يرخص فيما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. (1)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا حدثتم فلا تكذبوا وإذا أؤتمنتم فلا تخونوا". (2)
عن ابن عون قال: اعتذر رجل عند إبراهيم فقال: قد عذرناك غير معتذر إن الاعتذار يخالطه الكذب. (3)
عن ابو اسحاق قال: سمعت أبا الأحوص يحدث: أن عبد الله - رضي الله عنه - كان يقول: إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "الا أنبئكم بالعضة: وهي النميمة، القالة بين الناس وإن شر الروايا الكذب وإن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ولا يعد أحدكم صبياً ولا ينجز له". (4)
عن شقيق بن سلمة قال:قال أخي عبد الرحمن بن سلمة،ما كذبت منذ أسلمت إلا أن ليدعوني الى طعامه فأقول:ما أشتهيه فعسى أن يكتب. (5)
عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه قال: سمعت يونس بن عبيد يقول: كل حلّةٍ يرجى تركها يوماً ما، إلا صاحب الكذب. (6)
عن الأعمش قال: ذكرت لإبراهيم رحمه الله حديث ابي الضُّحى عن مسروق أنه رخص في الكذب في إصلاح بين الناس؟ فقال: ما كانوا يرخصون في الكذب في جدّ ولا هزل. (7)
__________
(1) رواه البخاري برقم (2546)، باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس، ومسلم برقم (2605)، باب تحريم الكذب وبيان المباح منه .
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه ابن المبارك في الزهد (365)، وابو نعيم في الحلية (4/224).
(4) أخرجه مسلم (2606)، واحمد (1/437)، والبيهقي (10/246)، والطيالسي (2211)، الصحيحة: (846).
(5) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (521).
(6) أخرجه ابن ابي الدنيا في الصمت برقم (528).
(7) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (531).(2/306)
عن محمد أنه ذكر عنده أنه يصلح الكذب في الحرب فأنكر ذلك وقال: ما أعلم الكذب إلا حراماً قال ابن عون: فغزوت فخطبنا معاوية بن هشام فقال: اللهم انصرنا على عمورية وهو يريد غيرها فلما قدمت ذكرت ذلك لمحمد فقال: أمّا هذا فلا بأس به. (1)
عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين". (2)
عن سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من روى عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين". (3)
عن عون بن عبد الله قال: كساني أبي حلّةً فخرجت فيها فقال لي أصحابي: كساك هذه الأمير؟ فأحببت أن يروا أن الأمير كسانيها، فقلت: جزى الله الأمير خيراً كسا الله الأمير من كسوة الجنة فذكرت ذلك لأبي فقال: يا بني لا تكذب ولا تشبه بالكذب. (4)
عن الشعبي قال: ما أدري أيهما أبعد غَوراً في النار: الكذب أو البخل. (5)
عن الشعبي قال: من كذب فهو منافق. (6)
عن أبي رزمة عن ابيه قال: سمعت ابن المبارك يقول: أول عقوبة الكاذب من كذبه أنه يردّ عليه صدقُه. (7)
عن مسروق رحمه الله قال: ليس شيء أعظم عند الله من الكذب. (8)
__________
(1) أخرجه ابن ابي الدنيا في الصمت برقم (532).
(2) أخرجه مسلم في المقدمة (1/9)، والترمذي (2664)، وابن ماجة (41)، وأحمد
(4/252)، والطيالسي (690)، والبغوي في شرح السنة (1/266)، والخطيب في الجامع (284)، والطحاوي في المشكل (1/175) وغيرهم.
(3) أخرجه مسلم في المقدمة ابن ماجة (39) وأحمد (5/14، 20) والطيالسي (895)، والطحاوي في المشكل (1/174)، وابن عدي (1/29).
(4) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (536).
(5) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (539).
(6) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (540).
(7) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (546).
(8) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (550).(2/307)
عن علي بن حملة قال: قال عبد الله بن أبي زكريا الدمشقي: عالجت الصمت كما لا يعنيني عشرين سنة قلّ أن أقدر منه علي ما أريد قال: وكان لا يدع يُغتاب في مجلسه أحدٌ يقول: إن ذكرتم الله أعنّاكم وإن ذكرتم الناس تركناكم. (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت". (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه كان يقول: من لم ير أن كلامه من عمله وأن خُلقه من دينه هلك وهو لا يشعر. (3)
وعن الحسن - رضي الله عنه - قال: ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه. (4)
وعن عبد الملك بن شريح قال: لو أن عبداً اختار لنفسه ما اختار شيئا أفضل من الصمت. (5)
وعن سحبل بن محمد الأسلمي قال: سمعت محمد بن عجلان يقول: إنما الكلام أربعة أن تذكر الله وأن تقرأ القرآن وتسأل عن علم فتخبر به أو تكلم فيما يعنيك من أمر دنياك. (6)
وعن عبد الله بن حبيب رحمه الله: أن داود النبي عليه السلام قال: "ربّ كلام قد ندمت عليه ولم أندم على صمت قط". (7)
وعن يحيى بن أبي كثير رحمه الله قال: خصلتان إذا رأيتهما في الرجل فاعلم أن ما وراءهما خير منهما وإذا كان حابساً للسانه يحافظ على صلاته. (8)
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (5/149) وابن أبي الدنيا في الصمت برقم (552).
(2) أخرجه البخاري برقم (6111)، باب حفظ اللسان، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (47)، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير وكون ذلك كله من الإيمان .
(3) أخرجه ابن ابي الدنيا في الصمت برقم (557).
(4) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (559).
(5) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (560).
(6) أخرجه ابن وهب في جامعه (1/65)،وابن أبي الدنيا في الصمت برقم(561).
(7) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (563).
(8) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (564).(2/308)
وعن ابي السائب عن أبيه قال: كان عبد الله بن أبي زكريا إذا كان في مجلس فخاض جلساؤه في غير ذكر الله فكأنه ساهٍ وإذا أخذوا في ذكر الله كان اشدّ القوم استماعا إليه. (1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أبغض الرجال الى الرسول - صلى الله عليه وسلم - الألد الخصم. (2)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لما عُرج بي مررت بقومٍ لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم". (3)
وعن مطرف بن الشخير قال من صفا عمله صفا لسانه ومن خلط خُلط له. (4)
وعن عنبسة الخوّاص قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما وهو في الطواف: يا لسان قل فاغنم أو اسكت واسلم قبل أن تندم. (5)
وعن المعلى قال: قال مورق: أمرٌ أنا في طلبه منذ كذا وكذا سنة لم أقدر عليه ولست بتاركٍ طلبه أبداً قالوا وما هو يا ابا المعتمد؟ قال: الكف عما لا يعنيني. (6)
وعن إبراهيم التيمي رحمه الله قال: ما عرفت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبا. (7)
وعن ابن شوذب قال: دخل رجل على عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - : فجعل يشكو إليه رجلاً ظلمه ويقع فيه فقال له عمر - رضي الله عنه - : إنك إن تلقى الله ومظلمتك كما هي خير لك من أن تلقاه وقد انتقصتها. (8)
وعن مخلد قال: جاء رجل الى أبان بن ابي عياش فقال: إن فلاناً يقع فيك. قال: أقرئه السلام وأعلمه أنه قد هيجني على الاستغفار. (9)
__________
(1) أخرجه ابن الجوزي في الصفة (4/217).
(2) سبق تخريجه.
(3) سبق تخريجه.
(4) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (573).
(5) سبق تخريجه.
(6) سبق تخريجه.
(7) سبق تخريجه.
(8) أخره ابن المبارك في الزهد (381)، وابن ابي الدنيا في الصمت برقم (581).
(9) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (585).(2/309)
وعن إبراهيم بن أدهم رحمه الله ونفعنا ببركته قال: إذا تكلم في الحلقة عندنا أيسنا من خيره. (1)
وعن معاوية بن بهز قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له". (2)
والكذب في البيع والشراء كالذي يخفي عن الناس عيوب سلعته أو يتعمد الحلف ويجعل الحلف والأيمان أداة في ترويج بضاعته .
فعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدق البيعان وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا فعسى أن
يربحا ربحاً ويمحقا بركة بيعهما اليمين الفاجرة منفقة للسلعة ممحقة للكسب". (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب". (4)
ومعنى الحديث: إن اليمين الكاذبة على البيع تروج السلعة وتنفقها ولكنها تذهب البركة منها.وقد تقدم .
والكذب لإفساد ذات البين:
قال الله تعالى: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم } . (5)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من خبب زوجة امرئ أو مملوكه فليس منا". (6)
إلى غير ذلك من أنواع الكذب أعاذنا الله وإياكم منه.
باب
عقوبة الكذب
__________
(1) أخرجه ابن ماجة (3761) والبخاري في المفرد (874) وابن حبان (2014) والبيهقي (10/241).
(2) اخرجه ابو داود في الأدب برقم (4990)،وحسنه الألباني، صحيح أبي داود رقم(4175).
(3) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2114)، ومسلم في كتاب البيوع برقم(1532).
(4) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2114)، ومسلم في كتاب البيوع برقم(1532).
(5) سورة محمد الآية (22).
(6) أخرجه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6233).(2/310)
أخرج البخاري من حديث سمرة بن جندب بطوله في منام النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: "أما الرجل الذي رايته يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق". (1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يكلمهم الله..." الحديث وفيه "ملك كذاب". (2)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - : "يطبع المؤمن على كل شيء ليس الخيانة والكذب". (3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع". (4)
باب
الكذب في إظهار الفضل وإيحاء ما ليس له
والنهي عن التشبع بما لم يعط
قال الله تعالى: { لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (5)
عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أعطي عطاء فوجد، فليجز به، ومن لم يجد فليثن، فإنه من أثنى فقد شكر ومن كتم فقد كفر، ومن تحلى بما لم يُعطه، كان كلابس ثوبي زور". (6)
وعن أسماء رضي الله عنها، أن امرأة قالت: يا رسول الله إن لي ضرّة فهل عليّ جناح إن تشبعّت من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "المتشبع بما لم يُعط، كلابس ثوبي زور". (7)
فيجب على العبد أن يقنع بما رزقه الله، وان لا يتشبع بما لم يُعط، فإن ذلك مما نهى عنه الشارع الحكيم.
قال النووي رحمه الله في "رياض الصالحين":
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه مسلم في المقدمة (1/10).
(5) آل عمران الآية (188).
(6) البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، وغيرهما، الصحيحة برقم (617).
(7) متفق عليه.(2/311)
(والمتشبع: هو الذي يظهر الشبع وليس بشبعان ومعناه هنا: أن يُظهر أنه حصل له فضيلة وليست حاصلة، "ولابس ثوبي زور" أي ذي زور، وهو الذي يزور على الناس؛ بأن يتزيّا بزي أهل الزهد والعلم أو الثروة ليغتر به الناس، وليس هو بتلك الصفة، وقيل غير ذلك، والله أعلم).
وفي ذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "المتشبع ما لم يعط كلابس ثوبي زور". (1)
وقال عليه الصلاة والسلام: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث". (2)
باب
النهي عن الكذب بقصد المزاح
والصدق فيه
يجب على المسلم أن لا يتكلم إلا بحق وصدق، حتى لو كان مازحاً، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمازح أصحابه ولا يقول إلا حقاً، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يا ذا الأذنين". (3)
قال أبو أسامة يعني يمازحه.
وعن أنس أيضا - رضي الله عنه - قال: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: "يا ابا عمير! ما فعل النغير". (4)
النغير: طائر صغير.
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رجلاً استحمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إني حاملك على ولد ناقة"! فقال: يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة. فقال - صلى الله عليه وسلم - : وهل تلد الإبل إلا النوق". (5)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب اللباس (2130).
(2) رواه البخاري في النكاح برقم (5143) ، ورواه مسلم في البر والصلة برقم (2563).
(3) رواه البخاري في (كتاب الأدب).
(4) رواه مسلم في كتاب الأدب بدون كلمة يا برقم (2150)، والترمذي وغيرهما.
(5) أخرجه الترمذي، وأبو داود وغيرهما، مختصر الشمائل برقم (203).(2/312)
وعنه - رضي الله عنه - أيضاً: أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهراً وكان يهدي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هدية من البادية فيجهزه النبي إذا أراد أن يخرج فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن زاهراً باديتنا ونحن حاضروه" وكان يحبه وكان رجلاً دميماً، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً وهو يبيع متاعه فاحتضه من خلفه، وهو لا يبصره، فقال: من هذا؟ أرسلني فالتفت فعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل لا يألوا ما ألصق ظهره بصدر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين عرفه فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من يشتري هذا العبد؟" فقال: يا رسول الله! إذاً والله تجدني كاسداً. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لكن عند الله لست بكاسد" أو قال: "أنت عند الله غالٍ". (1)
البادي: المقيم بالبادية، وحاضروه: أي حاضروا المدينة له.
دميماً: أي قبيح الصورة.
يألوا: لا يقصر.
وعن الحسن رحمه الله و رضي عنه قال: أتت عجوز إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله! ادعُ الله أن يدخلني الجنة فقال: يا أم فلان! إن الجنة لا تدخلها عجوز" قال: فولّت تبكي، فقال: "أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، وإن الله تعالى يقول: { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً، فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً، عُرُباً أَتْرَاباً } (2) ". (3)
الأبكار: هن العذارى.
عُربا: أي متحببات إلى أزواجهن بحسن التبعل.
أترابا: أي مستويات من سنّ واحدة.
فالمزاح لا بأس به، ولكن على المرء أن لا يكثر منه، ولا يكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب.
قال عليه الصلاة والسلام: "لا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك
__________
(1) رواه الترمذي في الشمائل، والبغوي في شرح السنة، واحمد وغيرهم وهو من مختصر الشمائل برقم (204).
(2) الواقعة: (35، 36، 37).
(3) حسن لغيره لشاهد له خرّجه شيخنا في غاية المرام برقم (375).(2/313)
تميت القلب". (1)
عن جابر - رضي الله عنه - أنه يصف النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول: "كان طويل الصمت، قليل الضحك". (2)
باب
حفظ السر وعدم إفشائه
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت، فهي أمانة" (3)
وقال عمرو بن العاص - رضي الله عنه - : ما وضعت سري عند أحدٍ أخشاه علي فلمته، إنما كنت أضيق به، حيث استودعته إياه. (4)
فيجب على المسلم أن يحفظ السر ولا يفشيه وأن يفي بالعهد، حيث قال الله تعالى: { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } . (5)
__________
(1) ابن ماجه، وغيره، وهو في الصحيحة برقم (506).
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه أحمد (3/324 و 352، 379، 380، 394)، وأبو داود برقم(4868)، والترمذي (1959)، والطحاوي في المشكل (4/335-336)والطيالسي (1761)، وصححه الألباني في المشكاة برقم (5061)، و الصحيحة برقم (1090).
(4) أخرجه ابن حبان في الروضة (188)، وابن أبي الدنيا في الصمت برقم(406).
(5) سورة الإسراء الآية (34).(2/314)
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن عمر - رضي الله عنه - حين تأيمت بنته حفصة قال: لقيت عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فعرضت عليه حفصة فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر؟ قال: سأنظر في أمري. فلبث ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. فلقيت ابا بكر الصديق - رضي الله عنه - فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئاً فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر - رضي الله عنه - فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ فقلت: نعم. قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكرها فلم أكن لأفشي سرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو تركها النبي - صلى الله عليه وسلم - لقبلتها. (1)
"تأيمت" : مات زوجها ، وأصبحت بلا زوج .
"وجدت" : غضبت .
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: أتى عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ألعب مع الغلمان، فسلّم علينا، فبعثني في حاجته، فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت: ما حبسك. فقلت: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاجة، قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سر. قالت: لا تخبرني بسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحداً. قال أنس: والله لو حدّثت به أحد لحدثتك به يا ثابت". (2)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان". (3)
__________
(1) ) ) رواه البخاري برقم (5122) .
(2) رواه مسلم.
(3) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (23)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (59).(2/315)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا حدّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة". (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن المجاهرة، أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه". (2)
معافى: أي قد عافهم الله عز وجل.
المجاهرون: هم الذين يجاهرون بمعصية الله عز وجل.
باب
تحذير من دعا إلى عصبية
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا. (3)
وقال تعالى: { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا } . (4)
وقال تعالى: { لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } . (5)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية". (6)
باب
سباب العبيد
__________
(1) أخرجه أحمد ، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم، وهو في السلسلة الصحيحة برقم (1090).
(2) رواه البخاري (8/24)، وبنحوه مسلم برقم (2990).
(3) سورة النساء الآية (135).
(4) سورة المائدة الآية (8).
(5) سورة المجادلة الآية (22).
(6) رواه أبو داود عن جبير بن مطعم. وضعفه الألباني في سنن أبي داود برقم (5121).(2/316)
عن المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذر وعليه حلّة، وعلى غلامه حلّة، -وفي رواية: وعليه ثوب وعلى غلامه حلّة-، فقلنا: لو أخذت هذا، وأعطيت هذا غيره كانت حله فسألناه عن ذلك؟ فقال: إني ساببت رجلاً، فشكاني الى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أعيّرته بأمه؟" قلت: نعم، ثم قال: "إن إخوانكم خوَلكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه، فيطعمه مما يأكل، ويلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم". (1)
باب
التحذير من القول للفاسق أو المبتدع: يا سيدي
عن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تقولوا للمنافق سيداً، فإنه إن يك سيداً، فقد أسخطتم ربكم عز وجل". (2)
ورواه الحاكم ولفظه:
"إذا قال الرجل للمنافق: يا سيد! فقد أغضب ربه". (3)
قال ابن الأثير: "لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن كان سيدكم وهو منافق فحالكم دون حاله، والله لا يرضى لكم ذلك.أ.هـ. (عون المعبود)
وكذلك لا يجوز للعبد أن يأخذ اسم من أسماء الله تعالى، أو صفة من صفاته وينسبها لنفسه، ويُعد ذلك من الكبائر، وقد يخرج من الملة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك". (4)
أخنع: أذل.
باب
النهي عن سب الدابة والريح
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان برقم (22)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (38).
(2) رواه أبو داود برقم (4977)، والنسائي والبخاري في الأدب المفرد (760)، وأحمد (22420)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2923).
(3) السلسلة الصحيحة برقم (3/112).
(4) أخرجه البخاري برقم (6206)، ومسلم برقم (2143) وهذا لفظه.(2/317)
عن عمران بن الحصين - رضي الله عنه - قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة" قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد. (1)
كما أن الشارع نهانا عن سب المسلم ولعنه، فكذلك نهانا عن سب الدابة والريح ولعنهما.
وعن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: بينما جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم إذ بصرت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وتضايق بهم الجبل، فقالت: حل اللهم ألعنها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تصابحنا ناقة عليها لعنة". (2)
حل: كلمة تقال لزجر الإبل.
و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الريح من روح الله، تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فإذا رأيتموها فلا تسبوها وأسألوا الله خيرها واستعيذوا بالله من شرها". (3)
باب
التحذير من ذي الوجهين و اللسانين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خيار الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهة، وتجدون أشر الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه". (4)
__________
(1) رواه مسلم برقم (2595)، باب النهى عن لعن الدواب وغيرها .
(2) رواه مسلم برقم (2596) .
(3) أخرجه أبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح الكلم الطيب(153).
(4) رواه البخاري في كتاب المناقب برقم (3304)، ومسلم برقم (2526)، باب ذم ذي الوجهين وتحريم فعله .(2/318)
وروي عن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان ذا لسانين، جعل الله له يوم القيامة لسانين من نار". (1)
وعن محمد بن زيد: أن ناساً قالوا لجده عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إنا ندخل على سلطاننا فنقول بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم؟ فقال: "كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". (2)
وفي رواية: عن عريب الهمداني قال: قلت لابن عمر رضي الله عنهما: إنا إذا دخلنا على الأمراء زكيناهم بما ليس فيهم فإذا خرجنا دعونا عليهم؟ قال كنا نعدّ ذلك النفاق. (3)
وعن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان له وجهان في الدنيا، كان له يوم القيامة لسانان من نار". (4)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعيرُ إلى هذه مرة وإلى هذه مرة ولا تدري أيهما تتبع". (5)
باب
النهي عن النميمة
قال الله تعالى: { وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } . (6)
__________
(1) رواه ابن أبي الدنيا في الصمت، والطبراني و الأصبهاني وغيرهم، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب (2950).
(2) رواه البخاري برقم (6756)، باب ما يكره من ثناء السلطان وإذا خرج ذلك ، والبيهقي في الكبرى برقم (1638)، باب ما يكره من ثناء السلطان وإذا خرج ذلك
(3) أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة وفي الصمت برقم (278)، وعزاه الحافظ في الفتح (13/170) لبعد الرحمن بن عمر الأصبهاني في كتاب الإيمان.
(4) رواه أبو داود، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2949).
(5) أخرجه مسلم برقم (2784) دون قوله: لا تدري أيهما تتبع.
(6) سورة يونس الآية (10-11).(2/319)
وقال تعالى: { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً } . (1)
النميمة: نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم.
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة نمام" وفي رواية: "قتات". (2)
القتات و النمام بمعنى واحد.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما احدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله". (3)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "تجد من شرار الناس ذا الوجهين هو الذي يأتي هؤلاء بوجهٍ وهؤلاء بوجه". (4)
وفي لفظ: "تجد شرار الناس ذا الوجهين".
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يبلغني أحد عن أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر". (5)
عن أبي إسحق قال: سمعت أبا الأحوص يحدث عن عبد الله بن عمر رضي الله عهما قال: إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "ألا أنبئكم بالعضة: هي النميمة، القالة بين الناس". (6)
__________
(1) سورة الحجرات الآية (12).
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6056)، ورواه مسلم في الإيمان برقم (105).
(3) رواه البخاري في كتاب الوضوء برقم (216)، ورواه مسلم في كتاب االطهارة برقم (292).
(4) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6058)، ورواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2526).
(5) أخرجه أبو داود في "الأدب" برقم (4860) والترمذي في "أبواب المناقب" (3896 و 3897)، والبغوي في "شرح السنة" (3571) وأحمد في "المسند" (1/396) والبيهقي في "الآداب" (142) وقال الترمذي: "هذا حديث غريب من هذا الوجه". وضعفه الشيخ الألباني في سنن أبي داود برقم (4860).
(6) أخرجه مسلم (2606/102).(2/320)
وعن بشيل بن عوف رحمه الله قال: كان يقال: من سمع بفاحشةٍ فأفشاها فهو كالذي ابداها. (1)
وعن كعب قال: اتقوا النميمة فإن صاحبها لا يستريح من عذاب القبر.
وروى منصور عن مجاهد: حمالة الحطب قال: كانت تشمي بالنميمة. (2)
وعن ابي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟" قالوا: بلى. قال: "إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة".
وفي رواية: "هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن أقول تحلق الدين". (3)
وعن عبد الرحمن بن غنم يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - : "خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبراء العيب". (4)
وفي رواية: "المفسدون بين الأحبة".
وفي رواية: "ألا أخبركم بخياركم؟" قالوا: بلى. قال: "الذين إذا رؤوا ذُكر الله، أفلا أخبركم بشراركم؟" قالوا: بلى. قال: "المشاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون البُراء العنت". (5)
باب
النهي عن الغيبة والبهت
قال الله تعالى: { وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوه } . (6)
__________
(1) أخرجه وكيع (450)، وعنه هناد (1401) كلاهما في الزهد، والبخاري في الأدب المفرد برقم (325)، وأبو نعيم في الحلية (4/160).
(2) أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة وفي كتاب الصمت برقم (263)، وابن جرير (30/339).
(3) رواه أبو داود، وابن حبان في صحيحه، والترمذي وصححه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3/75).
(4) رواه أحمد وقال الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب (2824).
(5) التعليق الرغيب (3/260، 295)، صحيح الأدب المفرد رقم (246).
(6) سورة الحجرات الآية (12).(2/321)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الغيبة ذكر أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: فإن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن ما تقول فقد بهته". (1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : حسبك من صفية كذا وكذا يعني أنها قصيرة. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته". -يعني لأفسدته وأنتنته.
قالت: وحكيت له إنساناً فقال: "ما أحب أني حكيت إنساناً، وأن لي كذا وكذا". (2)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. (3)
يخمشون: أي يجرحون.
عن أبي بكرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت". (4)
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الربا اثنان وسبعون بابا، أدناها مثل إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه". (5)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2589)، وأبو داود والترمذي والنسائي.
(2) أخرجه الترمذي وأبو داود والبيهقي، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2834).
(3) أخرجه أحمد (3/224) ، وأبو داود برقم (4878)، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2839).
(4) رواه البخاري في كتاب العلم برقم (67) وفي كتاب "الفتن" برقم (7078)، ومسلم في كتاب "القسامة" برقم (1679).
(5) سبق تخريجه.(2/322)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وبهت مؤمن، والفرار من الزحف، ويمين صابرة يقتطع بها مالاً بغير حق". (1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم، اتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته". (2)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول.
ولا يدري هؤلاء أن كلمة واحدة يمكن أن تحبط جميع أعمالهم، وتوبق دنياهم وأخراهم.
ينبغي على من حلت إليه نميمة ستة أمور. (3)
الأول: أن لا يصدقه لأن النمام فاسق.
الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح له فعله.
الثالث: أن يبغضه في الله تعالى فإنه بغيض عند الله تعالى، ويجب بغض من أبغضه الله تعالى.
الرابع: أن لا يظن بأخيه الغائب السوء.
الخامس: أن لا يحمله ما حكي له على التجسس والبحث عن ذلك.
السادس: أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فلا يحكي عنه فيقول: فلان حكى كذا فيصير نماماً، ويكون آتيا ما نهى عنه هذا آخر كلام أبي حامد الغزالي رحمه الله.
وبعد هذا كله عليه كذلك أن يتثبت إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وأن ينصح إذا تيقن، وأن يستر والله أعلم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله". (4)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني.
(3) من كتاب الآداب للأخ فؤاد عبد العزيز الشلهوب.
(4) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2564)، والترمذي.(2/323)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر أمر الربا، وعظّم شأنه وقال: "إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل، وإن أدنى الربى عرض الرجل المسلم". (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه".
وفي رواية لأبي داود أنه قال: "إن من الكبائر استطالة الرجل في عرض رجل مسلم بغير حق، ومن الكبائر السُّباب بالسُّبة". (2)
ورواه ابن ابي الدنيا ولفظه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الربا تسعون حُوباً، وأيسرها كنكاح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم". (3)
(الحوب): بضم الحاء المهملة هو الإثم .
وعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - : إنه مر على بغل ميت فقال لبعض أصحابه: لأن يأكل الرجل من هذا حتى يملأ بطنه، خير له من أن يأكل لحم رجل مسلم". (4)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام رجل فوقع فيه رجل من بعده، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "تخلل!" فقال: ومما أتخلّل؟ ما أكلت لحماً! قال: "إنك أكلت لحم أخيك". (5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتدرون من المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع.
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه البزار وأبو داود، وقال الألباني: صحيح لغيره صحيح الترغيب (2832).
(3) صحيح الترغيب (3/77).
(4) رواه أبو الشيخ ابن حيان وغيره، وصححه الألباني، الترغيب (2838).
(5) رواه أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني، وصححه الألباني،السلسلة الصحيحة(2608).(2/324)
فقال: "إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار". (1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال، حتى يخرج مما قال". (2)
(ردغة الخبال): هي عصارة أهل النار.
وعن حماد عن إبراهيم قال: كان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: الغيبة: أن تذكر من أخيك ما تعلم فيه وإذا قلت ما ليس فيه فذلك البهتان. (3)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: من نصر أخاه المسلم بالغيب، نصره الله في الدنيا والآخرة". (4)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة". (5)
عن الحسن رحمه الله أنه كان يقول: إياكم والغيبة والذي نفسي بيده، لهي أسرع في الحسنات من النار في الحطب. (6)
باب
تحذير من جس على المسلمين ودل على عوراتهم
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا } . (7)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2581)، والترمذي وغيرهما.
(2) رواه أبو داود، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2845).
(3) أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة، وفي كتاب الصمت برقم (211).
(4) رواه ابن ابي الدنيا موقوفا، ورواه بعضهم مرفوعا، الصحيحة (1217).
(5) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وقال الألباني: صحيح لغيره، الترغيب (2848).
(6) أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة، وفي الصمت برقم (300).
(7) سورة الحجرات الآية (12).(2/325)
وقال تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً } . (1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله أخواناً". (2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا". (3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم". (4)
باب
النهي عن تعيير المسلم وتوبيخه
من الأشياء التي حافظ عليها الشارع واهتم بها هي مسألة الأحاسيس والمشاعر، فعلى المسلم أن لا يؤذي أحد ولو بكلمة واحدة، ولا يجوز لهأن يعييره بما يفعله، ولكن عليه النصح له، والتستر عليه، وأن لا يفضحه، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إذا زنت الأمة فتبين زناها، فليجلدها ولا يثرب، ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر". (5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل قد شرب خمراً فقال: "اضربوه" قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله قال: "لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان". (6)
__________
(1) سورة الأحزاب الآ]ة (58).
(2) رواه مسلم.
(3) متفق عليه.
(4) أخرجه أبو داود. وصححه الألباني في سنن أبي داود برقم (4888).
(5) رواه البخاري في كتاب البيوع (باب بيع العبد الزاني) وهذا لفظه، ومسلم في (كتاب الحدود) (باب رجم اليهود وأهل الذمة في الزنا).
(6) سبق تخريجه.(2/326)
وعن جابر بن سليم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اتق الله (عز وجل) ولا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي وإياك والمخيلة فإن الله (تبارك وتعالى) لا يحب المخيلة وإن امرؤ شتمك وعيّرك بأمر يعلمه فيك فلا تعيره بأمر تعلمه فيه فيكون لك أجرك وعليه إثمه ولا تشتمن أحداً". (1)
باب
ذم الخصومات
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من جادل في خصومةٍ بغير علم لم يزل في سخط الله حتى ينزع". (2)
وعن عبد الكريم أبي أمية قال:ما خاصم ورع قط- يعني في الدين. (3)
وعن صالح ابن مسلم قال: قال عامر: لقد تركتني هذه الصّعافِقَةُ، وللمسجد أبغض إليّ من كناسة داري- يعني أصحاب القياس. (4)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخصِمُ". (5)
__________
(1) أخرجه أحمد وغيره، وصححه الألباني في: الصحيحة برقم (770).
(2) رواه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (153). ضعيف الجامع: (5551).
(3) ذكره الغزالي في الإحياء (3/116).
(4) أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/320).
(5) أخرجه البخاري (5/106،13/180)، ومسلم برقم (2668).(2/327)
وعن سلم ابن قتيبة قال: مر بي بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة، فقال: ما يجلسك؟ قلت: خصومةٌ بيني وبين ابن عم لي، ادّعى أشياء في داري، قال: فإن لأبيك عندي يداً وإني أريد أن أجزيك بها وإني والله، ما رأيت من شيء أذهب لدينٍ ولا أنقص لمروءةٍ ولا أضيع للذةٍ ولا أشغل لقلب من خصومة ... قال: فقمت لأرجع فقال خصمي: مالك قلت لا أخاصِمُكَ. قال: عرفت أنه حقيِّ؟ قلت: لا ولكني لا أكرم نفسي عن هذا وسأبقيك بحاجتك... قال: فإني لا أطلب ُ منك شيئاً هو لك قال: فمررت بعد ببشير وهو يخاصم، فذكّرتُهُ قوله: قال: لو كان قدر خصومتك عشر مرات فعلته، ولكنه مِرغابٌ أكثر من عشرين ألف ألف. (1)
وعن ابن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن؛ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا أئتمن خان وإذا حدّث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر". (2)
وعن فضيل قال: قال إبراهيم: ما صمت؟ قلت: لا ... قال: قط؟ قال قلت: قط؟ قال ابن داود: كذا يعني. (3)
وعن يحيى بن سعيد قال: قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقّل. (4)
باب
النهي عن السخرية
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } . (5)
__________
(1) أخرجه الغزالي في الإحياء (3/116)، وعزاه الزبيدي في الاتحاف (7/471)
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/222).
(4) أخرجه ابن سعد (5/371)، وأخرجه أحمد في الزهد برقم (302).
(5) سورة الحجرات الآية (11).(2/328)
وقال الله تعالى: { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } . (1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: حكيت إنساناً قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما أحبُّ أني حكيتُ إنساناً وأن لي كذا وكذا". (2)
وعن عبد الله بن زمعة - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فوعظهم في ضحكهم في الضرطة وقال: "علام يضحك أحدكم مما يفعل. (3)
وعن إبراهيم رحمة الله عليه قال: إني أجد نفسي تحدثني بالشيء فما
يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن أبتلي به. (4)
وفي الحديث: "بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم" (5)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من الكبر" قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسن؟ قال: "إن الله جميل يحب الجمال. والكبر بطر الحق، وغمط الناس". (6)
باب
الترغيب في الكلالام الحسن
عن هانىء أبو شُريح - رضي الله عنه - قال: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - "أخبرني بشيء يوجب الجنّة" قال: "عليك بحسن الكلامِ وبذلِ الطعامِ". (7)
وعن سفيان، سمع محمد بن المنكدر يقول: يمكِّنكمْ من الجنّة، إطعامُ الطعامِ، وطيب الكلام. (8)
__________
(1) سورة الهمزة الآية (1).
(2) أخرجه أبو داود (4875) والترمذي (2503) وأحمد (6/2065136)ووكيع(436) وهناد (1189) وابن المبارك (742) ثلاثتهم في الزهد والبيهقي(10/247) وأبو نعيم في أخبار أجهان (2/278) وانظر المشكاة: (4857).
(3) أخرجه البخاري (8/705-فتح) والسياق له، ومسلم (4/2191).
(4) أخرجه وكيع (313) وهناد (1192) كلاهما في الزهد.
(5) رواه مسلم من حديث أبي هريرة برقم (2564) وغيره.
(6) رواه مسلم في صحيحه (كتاب الإيمان).
(7) أخرجه البخاري في الآدب المفرد (811) وابن حبان (ج1/رقم 504).
(8) أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/149).(2/329)
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنّ في الجنّة غرفاً يرى من في باطنها من في ظاهرها، ومن في ظاهرها من في باطنها هي لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وصلى بالليل والناس نيام". (1)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنّ في الجنّة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأطاب الكلام". (2)
وعن مالك ابن أنس - رضي الله عنه - قال: مر بعيسى ابن مريم عليه السلام خنزير فقال: "مرّ بسلام" فقيل: يا روح الله لهذا الخنزير تقول؟ قال: "أكره أن أعود لساني على الشر". (3)
وعن عطاء - رضي الله عنه - : (وقولوا للنّاس حسناً) قال: للناس كلّهم المشرك وغيره. (4)
وعن أبي عائشة قال: قتال بعض الحكماء: الكلام اللّينُ، يغسل الضغائن المستكنة في الجوانح. (5)
وعن هشام بن عروة رضي الله عنهما قال: عطس نصراني طبيب عند أبي فقال: له يرحمك الله ... فقيل له: إنه نصراني؟! فقال إنّ رحمة الله على العالمين. (6)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الكلمة الطيبة صدقة". (7)
__________
(1) أخرجه أحمد (5/343)، وعبد الرزاق (20883)، والخرائطي في المكارم (149)، والبغوي في شرح االسنة (4/41-40) والطبراني في الكبير (ج3/رقم3466). وصححه الألباني في المشكاة (1232)، (1233) صحيح الترغيب: (614)، (938) صحيح ابن خزيمة: (2137).
(2) رواه بن أبي الدنيا في الصمت رقم (305) سبق تخريجه.
(3) أخرجه ما لك في الموطأ (2/985/4).
(4) أخرجه ابن جرير (2/296-شاكر).
(5) أخرجه بن أبي الدنيا في كتاب الصمت برقم (310).
(6) أخرجه بن أبي الدنيا في الصمت برقم (311).
(7) أخرجه البخاري، ومسلم.(2/330)
وعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اتقوا النار ولو بشقّ تمرةٍ فإن لم يكن بشقّ تمرةٍ فكلمة طيبة". (1)
باب
ذم المداحين
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن رجلاً مدح رجلاً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ويحك قطعت عنق صاحبك" ثم قال: "إن كان لا بدّ أحدكم مادحاً أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلاناً ولا أزكي على الله أحداً حسيبه الله إن كان يرى أنه كذلك". (2)
وعن همام بن الحارث قال: قال المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - : أمرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - : إذا رأينا المدّاحين أن نحثو في وجوههم التراب. (3)
وعن خالد بن معدان - رضي الله عنه - قال: من مدح إماماً أو أحداً بما ليس فيه على رؤوس الأشهاد بعثه الله يوم القيامة يتعثر بلسانه. (4)
وعن إبراهيم ابن عمر قال: قال وهب بن مُنبّه رحمه الله: إذا مدحك الرجل بما ليس فيك فلا تأمنه أن يذمك بما ليس فيك. (5)
وعن الأوزاعي قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام: "إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب". (6)
__________
(1) أخرجه البخاري (10/448-فتح) ومسلم (1016/66-68).
(2) أخرجه البخاري (5/202،10/476) ومسلم (3000/35-36).
(3) أخرجه مسلم (3002/69)، والبخاري في الأدب المفرد (339)،وأبو داود(4804)، والترمذي (2393) وابن ماجه (3742)، وأحمد (6/5)، والطيالسي (1158،1159)، والبيهقي في الآداب (512)، والبغوي (13/150) من حديث المقداد.
(4) أخرجه بن أبي الدنيا في الصمت برقم (599).
(5) أخرجه بن أبي الدنيا في الصمت برقم (605).
(6) سبق تخريجه.(2/331)
وعن مجاهد - رضي الله عنه - قال: إن لبني آدم جُلساء من الملائكة فإذا ذكر الرجل المسلم بخير قالت الملائكة: ولك بمثله وإذا ذكره بسوء قالت الملائكة: ابن آدم المستور عورته أربع على نفسك واحمد الله الذي ستر عورتك. (1)
عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: والذي لا إله غيره ما على الأرض شيء أفقر إلى طول سجنٍ من لسانٍ. (2)
عن جابر - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فهاجت ريح منتنة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن ناسا من المنافقين اغتابوا أناسا من المسلمين فلذلك هاجت هذه الريح". (3)
عن عمران بن الجعد قال: قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : إنّ الناس قد أحسنوا القول كلّهم فمن وافق قولُهُ فِعلهُ فذلك الذي أصاب حظّهُ ومن خالف قولُهُ عمله فإنما يوبخ نفسه. (4)
عن مسروق - رضي الله عنه - أنه سئل عن بيتٍ من شعر فكرِهَه فقيل له؟ فقال: إني أكره أن يوجد في صحيفتي شعر. (5)
وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والتمادح فإنه الذبح". (6)
باب
وجوب التبين قبل الكلام والتثبت فيما يقوله المرء
قال الله تعالى: { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } . (7)
وقال تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } . (8)
__________
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (611).
(2) سبق تخريجه.
(3) سبق تخريجه.
(4) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (627).
(5) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (632) وابن المبارك في الزهد (374).
(6) أخرجه ابن ماجه وغيره كما في الصحيحة برقم (1284).
(7) الإسراء:36، وقد أخذت هذا الموضوع من كتاب "حصائد الألسن".
(8) سورة ق آية (18) .(2/332)
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } . (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب". (2)
وعنه - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما لا يلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يُلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم" (3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع". (4)
وقال عليه الصلاة والسلام: "كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكل ما سمع". (5)
فعلى العبد أن يلتزم الصمت، وأن لا يتكلم إلا بخير، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمتْ". (6)
وقال - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صَمَت نجا". (7)
باب
التحذير من جليس السوء والجلوس وسط الحلقة
__________
(1) سورة الحجرات الآية (6).
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه البخاري (6478-فتح)، (كتاب الرقاق) (باب حفظ اللسان).
(4) رواه أبو داود وغيره، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (4177) ، وصحيح الجامع (4480).
(5) رواه مسلم في مقدمته وغيره، الصحيحة برقم (2025).
(6) سبق تخريجه.
(7) سبق تخريجه.(2/333)
عن بي موسى - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة". (1)
الكير، بالكسر: كير الحداد، وهو المبني من الطين. وقيل: الزِّق الذي ينفخ به النار، والمبني: الكور. النهاية (4/217)
ويحذيك: يعطيك.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ومثل الجليس الصالح كمثل المسك، إن لم يصبك منه شيء أصابك من ريحه ومثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير، إن لم يصبك منه سواده أصابك من دخانه". (2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يقيمن أحدكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن توسعوا وتفسحوا يفسح الله لكم".
وفي رواية قال: وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه. (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قام أحدكم من مجلسٍ ثم رجع إليه فهو أحق به". (4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2101)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2628).
(2) صحيح الترغيب (3065).
(3) رواه البخاري في كتاب الجمعة برقم (911) وفي كتاب الاستئذان برقم (6269 و 6271)، ورواه مسلم في كتاب السلام برقم (2177).
(4) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2179).(2/334)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم والجلوس بالطرقات" قالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه" قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر المعروف والنهي عن المنكر". (1)
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما".
وفي رواية: "لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما". (2)
باب
الحث على صداقة المؤمن واصطحابه
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك، وكير الحدّاد لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه، وكير الحداد، يُحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحاً خبيثة". (3)
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي". (4)
فينبغي للمسلم أن لا يصاحب إلا المؤمن، إذا نسي ذكره، وإذا أخطأ نصحه وأرشده للصواب، حيث أن الشيطان أبعد عن الاثنين من الواحد، فإذا شذ العبد وكان لوحده ولم يهتد إلى الطريق الصحيح المستقيم، غرق في الخطايا ويكون على قلبه الران والعياذ بالله، حيث قال الله تعالى: { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } . (5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الصيد برقم (2121).
(2) صحيح الترغيب (3071).
(3) رواه البخاري في صحيحه في (كتاب البيوع).
(4) رواه أحمد في مسنده، وأبو داود وغيرهما، وهو في المشكاة برقم (5018).
(5) سورة المطففين الآية (14).(2/335)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنّ العبد إذا أخطأ، نُكِتَت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب، صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها، حتى تعلو على قلبه". (1)
باب
التحذير من اقتناء الكلب إلا لصيد أو ماشية
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من اقتنى كلبا إلا صيدٍ أو ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان". (2)
وفي رواية للبخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اقتنى كلباً ليس بكلب ماشية أو صيد نقص من عمله كل يوم قيراطان". (3)
ولمسلم: أيما أهل دارٍ اتخذوا كلباً إلا كلب ماشية أو كلباً صائداً نقص من عملهم كل يوم قيراطان". (4)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أمسك كلباً فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط إلا كلب حرث أو ماشية". (5)
وفي رواية لمسلم: "من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم". (6)
__________
(1) رواه أحمد في مسنده، وابن ماجه، والنسائي، وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2654)، صحيح الجامع (1670).
(2) رواه البخاري في كتاب الذبائح والصيد برقم (5481)، ومسلم في كتاب المساقاة برقم (1574).
(3) فتح الباري كتاب الذبائح والصيد برقم (5482).
(4) صحيح مسلم كتاب المساقاة برقم (1574).
(5) رواه البخاري في كتاب الخلق برقم (3324)،ومسلم في كتاب المساقاة برقم(1575).
(6) صحيح مسلم في كتاب المساقاة برقم (1575).(2/336)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: واعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبرائيل عليه السلام في ساعة أن يأتيه فجاءت تلك الساعة ولم يأته قالت: وكان بيده عصا فطرحها من يده وهو يقول: "ما يخلف الله وعده ولا رسله"! ثم التفت فإذا جرو كلب تحت سريره فقال: "متى دخل هذا الكلب؟" فقلت: والله ما دريت فأمر به فأخرج فجاءه جبريل عليه السلام فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "وعدتني فجلست لك ولم تأتيني" فقال: منعني الكلب الذي كان في بيتك إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة. (1)
وعن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: إني لممّن يرفع أغصان الشجرة عن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب فقال: "لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم، وما من أهل بيت يرتبطون كلبا، إلا نقص من عملهم كل يوم قيراط إلا كلب صيد، أو كلب حرث، أو كلب غنم".
ورواه ابن ماجة إلا أنه قال: وما من قوم اتخذوا كلبا إلا كلب ماشية، أو كلب صيد، أو كلب حرث، إلا نقص من أجورهم كلّ يوم قيراطان". (2)
باب
النهي عن البهتان والإفتراء
قال الله تعالى: { وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً } (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتدرون ما الغيبة"؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهتّه". (4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2104).
(2) صحيح الترغيب (3102).
(3) سورة النساء الآية (112).
(4) رواه مسلم في صحيحة (كتاب البر والصلة والآداب).(2/337)
بهته: أي افتريت عليه الكذب فهي هنا أشد من الغيبة لأنها تزيد على ذكر ما يكرهه من خلفه بالافتراء عليه، وهذا حرام، ويكون وبالاً على صاحبه يوم القيامة والعياذ بالله.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حالت شفاعته دون حدّ من حدود الله، فقد ضادّ الله في أمره ومن مات وعليه دين فليس ثمّ دينار ولا درهم، ولكنها الحسنات والسيئات ومن خاصم في باطل وهو يعلم، لم يزل في سخط الله حتى ينزع، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه، حُبس في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج مما قال". (1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من رمى مسلماً يريد به شينه حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال". (2)
شينه: أي عيبه ونقصه
باب
النهي عن مخاطبة المنافق بسيد ونحوه
عن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تقولوا للمنافق سيدنا فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم عز وجل". (3)
وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا قال الرجل للمنافق يا سيد فقد أغضب ربه تبارك وتعالى". (4)
باب
النهي عن لفظة (( لو )) وما يجوز منها
قال الله تعالى: { يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } (5)
وقال تعالى: { الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } (6)
__________
(1) أخرجه أبو داود والحاكم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (437).
(2) رواه أبو داود وغيره وهو من "صحيح الترغيب والترهيب".
(3) أخرجه أبو داود، والبخاري في الأدب المفرد، وأحمد وغيرهم، و صححه الألباني في الصحيحة برقم (371).
(4) أخرجه الحاكم، وغيره، وهو في الصحيحة برقم (1389).
(5) سورة آل عمران آية (154).
(6) سورة آل عمران: (168).(2/338)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المؤمن القوي خير واحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان". (1)
وقوله: "لو تفتح عمل الشيطان" هذا في الأمور الدنيوية، أما في الأمور الدينية فلا بأس بها، بل تكون محمودة.
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت، ما سقت الهدي معي". (2)
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إنما الدنيا لأربعة نفر"، وذكر منهم: "ورجل آتاه الله علماً ولم يؤتيه مالاً وقال لو أن لي مثل مال فلان لعملت مثل ما عمل فهم في الأجر سواء" الحديث.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي" هذا دليل على جواز قول "لو" في التأسف على فوات أمور الدين ومصالح الشرع، وأما الحديث الصحيح في أن لو تفتح عمل الشيطان، فمحمول على التأسف على حظوظ الدنيا ونحوها، وقد كثرت الأحاديث الصحيحة في استعمال "لو" في غير حظوظ الدنيا ونحوها، فيجمع بين الأحاديث بما ذكرناه والله أعلم. (3) أ.هـ
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولقد خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما قال لي قط: أف ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا". (4)
باب
التحذير من التحدث عن الرؤيا
__________
(1) رواه مسلم في ( كتاب القدر) برقم (2664).
(2) رواه البخاري في كتاب الشركة برقم (2505)، ورواه مسلم في كتاب الحج برقم (2923).
(3) شرح النووي (8/390).
(4) سبق تخريجه.(2/339)
لقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الرؤيا معلقة بجناح طائر إذا عُبرت وقعت" أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - ، فعليك يا أخي أن لا تتحدث عن الرؤيا في المنام لأي شخص كان، وإلا لمن تعلم إن هذا الشخص الذي تقص الرؤيا عليه يؤولها على خير، وأن لا تدع الشيطان يتغلب بك في منامك.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! رأيت في المنام كأن رأسي ضُرب فتدحرج فاشددت على أثره قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي: "لا تحدّث الناس يتلعب الشيطان بك في منامك".
وقال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال: "لا يحدثّن أحدكم يتلعب الشيطان في منامه". (1)
وعلى المرء أن لا يكذب، وأن يدعي أنه رأى شيء وهو لم يره، فذلك من المحرمات، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تحلّم بحلم لم يره كُلّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل". (2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أفرى الفِرى أن يري عينيه في المنام ما لم تر". (3)
الفِرى: جمع فرية وهي الكذبة.
باب
التعوذ بالله من الشيطان وعدم سّبه
عن أبي المليح عن رجل قال: كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - فعثرت دابته فقلت: تعس الشيطان فقال: "لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول: بقوتي ولكن قل "بسم الله" فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب". (4)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسبوا الشيطان وتعوذوا بالله من شره". (5)
باب
ما ورد في شتم الكفار وآلهتهم
__________
(1) انظر مختصر مسلم برقم (1522).
(2) رواه البخاري برقم (7042 ).
(3) رواه البخاري برقم (7043).
(4) أخرجه ابو داود وغيره، وانظر الكلم الطيب برقم (237).
(5) السلسلة الصحيحة برقم (2422).(2/340)
قال الله تعالى: { وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } (1)
وعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تؤذوا مسلماً بشتم كافر". (2)
باب
الطيرة والشؤم والتفاؤل
الطِّيَرة: بكسر الطاء وفتح الياء , وقد تُسَكّن : هي التَّشاؤُم بالشَّيء 0 وهو مصدر تَطيَّر، يقال : تَطيَّر طِيَرةً , وتَخَيَّرَ خِيَرَةً , ولم يجيء من المصادر هكذا غيرهما 0 وأصلُه فيما يُقال : التّطير بالسَّوانح والبَوارِح من الطَّيْر والظباء وغَيرهما 0 وكان ذلك يَصُدّهم عن مَقاصِدِهم , فنفاه الشَّرْعُ , وابْطَله ونهى عنه .
وإنما جَعَل الطَّيرة من الشِّرك , لأنَّهُم كانوا يَعْتَقِدون أن التَّطيُّر ييَجْلب لهم نفْعاً أو يَدفَع عنهم ضرًّا إذا عمِلُوا بمُوجبه , فكأَّهُم أشْرَكُوه مع اللهِ في ذلك . (3)
قال النووي رحمه الله : وكانوا يتطيرون بالسوانح والبوارح فينفرون الظباء والطيور فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به ومضوا فى سفرهم وحوائجهم وإن أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا بها فكانت تصدهم فى كثير من الأوقات عن مصالحهم فنفى الشرع ذلك وأبطله ونهي عنه وأخبر أنه ليس له تأثير بنفع ولاضر . (4)
وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النهي عن الطيرة وعدها من الشرك .
__________
(1) الأنعام آية (108).
(2) رواه البيهقي في الشعب، وغيره، صحيح الترغيب والترهيب (4/175).
(3) النهاية في غريب الحديث (3/152) .
(4) شرح النووي (4/218-219) .(2/341)
فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الطيرة شرك الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله يُذهبه بالتوكل". (1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل قيل: يا رسول الله! وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة". (2)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لن ينال الدرجات العلى من تكهن أو استقسم، أو رجع من سفر تطيراً". (3)
باب
النهي عن احتقار المسلم
__________
(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (909)، وابو داود (3910) والترمذي الجامع رقم (1614) وقال: حسن صحيح، وأخرجه الطيالسي (1780 - مع منحة المعبود)، وأحمد (1/389 و 438 و 440)، وابن ماجة (3538)، والحاكم في المستدرك (1/17-18)، وابن حبان (7/642) رقم (6089 - مع الإحسان)، والبيهقي السنن الكبرى(8/139)، والبغوي شرح السنة (12/177 - 178) وصححه الحاكم .وصححه العراقي في أماليه فيض القدير (4/294)، وقال سليمان بن حرب: وما منا... هو من قول ابن مسعود.
قال البخاري حكاه عنه تلميذه الترمذي في الجامع، وفي العلل الكبير (2/691) ونص على ذلك جمع من الحفاظ منهم المنذري في الترغيب (4/64) وابن القيم في مفتاح دار السعادة (2/234) والهيثمي في موارد الظمآن ( ص 345) وابن حجر في فتح الباري (10/213) وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3098)، وفي سنن ابن ماجة برقم (3538).
(2) رواه البخاري في كتاب الطب رقم (5756 و 5776) ورواه مسلم في كتاب السلام برقم (2224).
(3) رواه الطبراني والبيهقي، وقال الألباني:حسن لغيره،صحيح الترغيب(3099).(2/342)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى هاهنا التقوى هاهنا التقوى هاهنا" ويشير إلى صدره "بحسب امرئ من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله". (1)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر" فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال: "إن الله تعالى جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس". (2)
بطر الحق: أي دفعه ورده.
وغمط الناس: هو احتقارهم وازدراؤهم كما جاء مفسراً عند الحاكم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم". (3)
وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان: فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر له إني قد غفرت له وأحبطت عملك". (4)
يتألى: يحلف، والأَلِيّةُ بتشديد الياء وكسر اللام: اليمين.
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "انظر! فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود، إلا أن تفضُله بتقوى". (5)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2623).
(4) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2621).
(5) صحيح الترغيب (2963).(2/343)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله عز وجل أذهب عنكم عُبية الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس بنو آدم، وآدم من تراب، مؤمن تقيً، وفاجر شقيٌّ، لينتهين أقوامٌ يفتخرون برجال إنما هم فحم من جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجِعلان، التي تدفع النَتن بأنفها". (1)
باب
التحذير من الحسد
قال الله تعالى: { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } . (2)
وقال تعالى: { وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ } . (3)
وقال تعالى: { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقّ } . (4)
وقال الله تعالى: { وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } . (5)
الحسد:هو أن يتمنى الحاسد زوال النعمة عن أخيه شفاء لحقد نفسه وغيظ قلبه.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث". (6)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه". (7)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله! أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب، صدوق اللسان".
قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟.
__________
(1) صحيح الترغيب (2965).
(2) سورة النساء آية (54).
(3) سورة النساء آية (32).
(4) سورة البقرة آية (103).
(5) سورة الفلق آية (5).
(6) متفق عليه.
(7) رواه البخاري.(2/344)
قال: "هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد". (1)
وعن ابن الزبير - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "دب إليكم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء هي الحالقة، أما إني لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين". (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يجتمع في جوف عبد غبار في سبيل الله وفيح جهنم، ولا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد". (3)
وعن حمزة بن ثعلبة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا". (4)
ويندفع شرُّ الحساد عن المحسود بعشرة أسباب: (5)
أحدها: التعوذ بالله من شرّه، والتحصن به واللجوء إليه.
السبب الثاني: تقوى الله، وحفظه عند أمره ونهيه.
السبب الثالث: الصبر على عدوّه، وأن لا يقاتله ولا يشكوه، ولا يحدّث نفسه بأذاه أصلاً.
السبب الرابع: التوكل على الله. فمن يتوكل على الله فهو حسبه، والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، وهو من أقوى الأسباب في ذلك، فإن الله حسبه، أي: كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوّه، ولا يضرّه إلا أذىً لا بد منه، كالحر والبرد والجوع والعطش.
السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه.
السبب السادس: وهو الإقبال على الله، والإخلاص له.
السبب السابع: تجريد التوبة الى الله من الذنوب التي سلّطت عليه أعداءه.
__________
(1) رواه ابن ماجة، والبيهقي وغيره، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2889).
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه النسائي في الجهاد (2/55)، وابن حبان في صحيحه، ومن طريقه البيهقي، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2886).
(4) رواه الطبراني، وقال الألباني: حسن، صحيح الترغيب رقم (2887).
(5) ذم الحسد وأهله للعلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى، بتصرف.(2/345)
السبب الثامن: الصدقة والإحسان ما أمكنه.
فإن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء، ودفع العين، وشر الحاسد، ولو لم يكن هذا إلا بتجارب الأمم قديماً وحديثاً، لكفى به.
السبب التاسع: وهو من أصعب الأسباب على النفس، وأشقّها عليها، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله، وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذىً وشراً وبغياً وحسداً ازددت إليه إحساناً، وله نصيحة، وعليه شفقة.
السبب العاشر: وهو الجامع لذلك كله، وعليه مدار هذه الأسباب وهو تجريد التوحيد، والترحّل بالفكر في الأسباب الى المسبب العزيز الحكيم، والعلي بأن هذه الآلات بمنزلة حركات الرياح، وهي بيد محركها، وفاطرها وبارئها، ولا تضرُّ ولا تنفع إلا بإذنه، فهو الذي يحسن عبده بها، وهو الذي يصرفها عنه وحده لا أحد سواه. قال تعالى: { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ، وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ } . (1)
باب
التحذير من الكبر والفخر والخيلاء والعجب
قال الله تعالى: { إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } . (2)
وقال تعالى: { وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ } . (3)
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } . (4)
وقال تعالى: { وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } . (5)
__________
(1) سورة يونس الآية (107).
(2) سورة النحل الآية (23).
(3) سورة غافر الآية (27).
(4) سورة غافر الآية (60).
(5) سورة لقمان الآية (18).(2/346)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يقول الله تبارك وتعالى: العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما ألقيته في النار". (1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً قال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس". (2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ما من رجل يختال في مشيته ويتعاظم في نفسه إلا لقي الله وهو عليه غضبان".
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل رأسه يختال في مشيته إذا خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة". (3)
ويقول - صلى الله عليه وسلم - : "لا يزال الرجل يتكبر ويذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم". (4)
وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا ثعلبة باعتزال أهل العجب فقال: "إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك". (5)
ومر عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - ، وعلى رأسه حزمة حطب فقيل له: ما يحملك على هذا وقد أغناك الله عز وجل؟ قال: أردت أن أدفع به الكبر فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يدخل الجنة عبد في قلبه مثقال ذرة من كبر". (6)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر". (7)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2620).
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (91).
(3) رواه الطبراني والحاكم.
(4) متفق عليه.
(5) رواه مسلم.
(6) أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة. وصححه العلامة الألباني في سنن الترمذي برقم (1999).
(7) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (142 و 148 و 149)، وأحمد في المسند (1/385 و 427)، والحاكم في المستدرك (4/182).(2/347)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "بينما رجل يتبختر في برديه إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة". (1)
وعن ابن عمرو، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال" . (2)
باب
في كراهة سفر الرجل ومبيته وحده
قال الخلال : "ا يكره أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده "
أنبأنا عبد الله : سمعت أبي يقول : لا يسافر الرجل وحده ، ولا يبيت في بيتٍ وحده .
وقال جعفر : سألتُ أحمد عن الرجل يبيتُ وحده ؟ قال : أحَبُّ إليَّ أنْ يتوقَّى ذلك ، قال : وسألت أحمد عن الرجل يسافر وحده ؟ قال : لا يعجبني .
وقال في رواية الحسن بن علي بن الحسن : ما أُحِبُّ ذلك - يعني في المسألتين - إلا أن يضطر مضطر، وقال في رواية صالح في الرجل يسير وحده : مع الجماعة أحبُّ إليَّ . وقال : قال القاسم بن محمد : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد إلى رجل .
وقال أبو داود في الرجل يسافر وحده : حدثنا القعنبي، عن مالك، عن عبد الرحمن بن حَرْمَلَة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الراكبُ شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب" . (3) حديث حسن ورواه النسائي والترمذي وحسنه من حديث مالك ورواه أحمد . (4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب اللباس (5790)، ومسلم في كتاب اللباس (2088).
(2) صحيح الجامع رقم (8040) .
(3) )) رواه أبو داود برقم (2607) ، وأحمد (2/186)، والترمذي برقم (1674) وصححه الحاكم (2/102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3524) .
(4) )) الآداب الشرعية لابن مفلح (2/55) .(2/348)
( الراكب شيطان ) بمعنى أن الشيطان يطمع في الواحد كما يطمع فيه اللص والسبع فإذا خرج وحده فقد تعرض للشيطان والسبع واللص فكأنه شيطان ثم قال : ( والراكبان شيطانان ) لأن كلاً منهما متعرض لذلك ذكره كله ابن قتيبة قال : سميا بذلك لأن واحداً من المقبلين يسلك طريق الشيطان في اختياره الوحدة في السفر وقال المنذري : قوله شيطان أي عاص كقوله شياطين الإنس والجن فإن معناه عصاتهم وقال القاضي : سمى الواحد والاثنين شيطاناً لمخالفة النهي عن التوحد في السفر والتعرض للآفات التي لا تندفع إلا بالكثرة ولأن المتوحد بالسفر تفوت عنه الجماعة ويعسر عليه التعيش ولعل الموت يدركه فلا يجد من يوصي إليه بإيفاء ديون الناس وأماناتهم وسائر ما يجب أو بين على المحتضر أن يوصي به ولم يكن ثم من يقوم بتجهيزه ودفنه وقال الطبري : هذا زجر أدب وإرشاد لما يخاف على الواحد من الوحشة وليس بحرام فالسائر وحده بفلاة والبائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش سيما إن كان ذا فكرة رديئة أو قلب ضعيف والحق أن الناس يتفاوتون في ذلك فوقع الزجر لحسم المادة فيكره الانفراد سداً للباب والكراهة في الاثنين أخف منها في الواحد ( والثلاثة ركب ) لزوال الوحشة وحصول الأنس وانقطاع الأطماع عنهم وخروج النبي صلى اللّه عليه وسلم مع أبي بكر رضي اللّه عنه مهاجرين لضرورة الخوف على نفسهما من المشركين أو أن من خصائصه عدم كراهة الانفراد في السفر وحده لا منه من الشيطان بخلاف غيره كما ذكره الحافظ العراقي وإيراد النبي البريد وحده إنما هو لضرورة طلب السرعة في إبلاغ ما أرسل به على أنه كان يأمره أن ينضم في الطريق بالرفقاء فسقط ما لبعض الضالين هنا من زعم التناقض .
باب
التحذير من تصوير الحيوانات والطيور(2/349)
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الذين يضعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم: أحيوا ما خلقتم". (1)
وعن حيان بن حصين قال: قال لي عليّ - رضي الله عنه - : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفا إلا سويته". (2)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلمّا رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلون وجهه وقال: "يا عائشة أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله" فقالت: قطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين.
السهوة: هي الطاق في الحائط، يوضع فيه الشيء، وقيل: هي الصفة تكون بين يدي البيت.
وقيل: المخدع بين البيتين، وقيل بيت صغير كالخزانة الصغيرة. فتح الباري (10/387)
والقرام: هو الستر فيه رقم ونقش.
وفي رواية قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي البيت قرام فيه صور فتلون وجهه ثم تناول الستر فهتكه وقال: "من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور".
وفي رواية للبخاري ومسلم: "إن أشد الناس عذابا يوم القيامة، المصوّرون".
__________
(1) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (4951)، وفي كتاب الأدب برقم (6109) ، ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2106).
(2) رواه مسلم.(2/350)
وفي اخرى: "أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية قالت: فقلت يا رسول الله أتوب إلى الله والى رسوله ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما بال هذه النمرقة؟ فقلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم" وقال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة". (1)
النمرقة: المخدة، وقيل: هي مرفقة. شرح النووي (14/90)
وقوله: "يقال لهم أحيوا ما خلقتم" فهو الذي يسميه الأصوليون أمر تعجيز كقوله تعالى: { قل فأتوا بعشر سور مثله } . قاله النووي، شرح مسلم (14/90)
وقال النووي: قال العلماء: سبب امتناعهم أي الملائكة من بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة، وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى، وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى.
وعن أبي طلحة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة". (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، يقول: إني وكلت بثلاثة: بمن جعل مع الله إلها آخر، وبكل جبار عنيد، وبالمصورين". (3)
باب
النهي عن القمار واللعب بالنرد
__________
(1) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5954)، وفي كتاب الأدب برقم(6109)، ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2106).
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) السلسلة الصحيحة: (512)، وصحيح الترغيب (3061).(2/351)
قال الله تعالى: { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } . (1)
وقال تعالى: { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } . (2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق". (3)
قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: فإذا كان مجرد القول معصية موجبة للصدقة المكفرة فما ظنك بالفعل؟! وهو داخل في اكل المال بالباطل. أ.هـ (4)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة". (5)
عن بريدة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لعب بالنرد شير فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير ودمه". (6)
وفي رواية لأبي داود وابن ماجة: "فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه". (7)
النرد: بفتح النون وسكون الراء": لعب معروف، ويسمى: الكعاب، والنردشير.
قال النووي: هو النرد، فـ (النرد) عجمي معرب و (شير) معناه حلو).
قال الحافظ: ذهب جمهور العلماء إلى أن اللعب بالنرد حرام، ونقل بعض مشايخنا الإجماع على تحريمه، واختلفوا في اللعب بالشطرنج، فذهب بعضهم إلى إباحته، لأنه يستعان به في أمور الحرب ومكائده، لكن شروط ثلاث: أحدهما: أن لا يؤخر بسببه صلاة عن وقتها.
والثاني: أن لا يكون فيه قمار.
__________
(1) المائدة آية (90-91).
(2) البقرة آية (188).
(3) رواه البخاري في التفسير برقم (4860)، ومسلم في الإيمان برقم (1647).
(4) الكبائر.
(5) رواه البخاري.
(6) رواه مسلم في كتاب الشعر برقم (2260).
(7) صحيح الترغيب (3/180).(2/352)
والثالث: أن يحفظ لسانه حال اللعب في الفحش والخناء وردئ الكلام، فمتى لعب به أو فعل شيئا من هذه الأمور كان ساقط المروءة مردود الشهادة، وممن ذهب إلى إباحته سعيد بن جبير والشعبي، وكرهه الشافعي كراهة تنزيه، وذهب جماعات من العلماء إلى تحريمه كالنرد وقد ورد ذكر الشطرنج في أحاديث لا اعلم لشيء منها إسناداً صحيحاً ولا حسنا. والله أعلم. أ.هـ (1)
باب
تحذير المرأة أن تسافر وحدها بغير محرم
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها". (2)
وفي رواية لهما: "لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرمٍ منها أو زوجها". (3)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثاً إلا ومعها ذو محرمٍ منها"". (4)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها".
وفي رواية: "مسيرة يوم".
وفي أخرى: "مسيرة ليلة إلا ومعها ذو محرم منها". (5)
__________
(1) صحيح الترغيب (3/180 - 181).
(2) رواه البخاري في كتاب جزاء الصيد برقم (1764)، ومسلم في كتاب الحج برقم (1340).
(3) رواه البخاري في كتاب فضل الصلاة برقم (1197)، ومسلم في كتاب الحج برقم (827).
(4) رواه البخاري في كتاب تقصير الصلاة برقم (1086 و 1087)، ومسلم في كتاب الحج برقم (1338).
(5) رواه البخاري في كتاب تقصير الصلاة برقم (1088)، ومسلم في كتاب الحج برقم (1339).(2/353)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم فقام رجل فقال يا رسول الله: اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا
وخرجت امرأتي حاجَّة. قال: "اذهب فحج مع امرأتك". (1)
انظر أخي وفقك الله في هذا الحديث، فإن النهي فيه صريح في منع المرأة من السفر مسيرة يوم وليلة بدون محرم لها، ومع ذلك نجد في هذا الزمان وللأسف الشديد بعض النساء يسافرن بدون محرم سواء إلى العمرة أو إلى غيرها، وتقوم على الرحلات بعض الجمعيات!!! قال النووي: فيه تقديم الأهم من الأمور المتعارضة لأنه لما تعارض سفره في الغزوة وفي الحج معها رجح الحج معها لأن الغزو يقوم غيره في مقامه عنه بخلاف الحج معها. أ.هـ.شرح مسلم (9/93)
باب
التحذير من استصحاب الكلب والجرس في سفر وغيره
عن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تصحب الملائكة رفقةً فيها كلب ولا جرس". (2)
الجرس: الذي يضرب به، وأجرسه: ضربه.
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس"، هو الجلجل الذي يعلق علي الدواب. لسان العرب (6/36) مادة جرس
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجرس مزامير الشيطان". (3)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (2844) ، باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة وكان له عذر هل يؤذن له ، ومسلم برقم (1341) ، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره .
(2) رواه مسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2113)، وأحمد برقم (7512) والترمذي برقم (1703)، وأبو داود برقم (2555)، والدارمي برقم (2676).
(3) رواه مسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2114)، وأحمد برقم (8565) وابو داود برقم (2556).(2/354)
قال النووي رحمه الله: وأما الجرس فقيل سبب منافرة الملائكة له أنه شبيه بالنواقيس أو لأنه من المعاليق المنهي عنها، وقيل سببه كراهة صوتها، وتؤيده رواية
مزامير الشيطان. (1)
ويقاس على الجرس الذي هو مزامير الشيطان، المعازف كذلك هي من مزامير الشيطان فيشتركان في العلة، فالراجح لا تصحب الملائكة الرفقة التي فيها الجرس والمعازف. والله أعلم
وأما الكلب فقد اختلف في سبب النهي عن اصطحابه، فقيل لما كان الكلب منهيا عن اقتنائه -إلا كلب ماشية أو صيد- عوقب متخذه بتجنب الملائكة عن صحبته فحرم من بركتهم واستغفراهم وإعانتهم على طاعة الله، وقيل لكونه نجسا. (2) والله أعلم.
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أمر بالأجراس أن تقطّع من أعناق الإبل يوم بدر". (3)
وعن أنس - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقطع الأجراس. (4)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا تصحب
الملائكة رفقةً فيها جُلجُل". (5)
الجلجل: هو الجرس الصغير الذي يعلق في أعناق الدواب وغيرها النهاية.
باب
التحذير من إرسال المواشي أول الليل والتعريس في الطريق
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا ترسلوا مواشيكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء فإن الشياطين تبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء". (6)
مواشيكم، وجاء: فواشيكم قال أهل اللغة: الفواشي كل منتشر من المال كالإبل والغنم وسائر البهائم وغيرها وهي جمع فاشية لأنها تفشوا أي تنتشر في الأرض.
__________
(1) شرح مسلم (14/78) .
(2) انظر عون المعبود (7/162) المجلد الرابع.
(3) صحيح الترغيب رقم (3118).
(4) صحيح الترغيب رقم (3119).
(5) صحيح الترغيب رقم (3121)
(6) رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (2013).(2/355)
فحمة العشاء: ظلمتها وسوادها، وفسرها بعضهم هنا بإقباله وأول ظلامه.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا عليها وبادروا بها نقيها وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنها طريق الدواب ومأوى الهوام بالليل". (1)
الخِصب: بكسر الخاء، هو كثرة العشب والمرعى وهو ضد الجدب.
نقيها: أي فحيها ومعناه: اسرعوا حتى تصلوا مقصدكم قبل أن يذهب مخّها من ضنك السير والتعب.
والتعريس: النزول في أواخر الليل للنوم والراحة .
باب
التحذير من الجلوس بين الظل والشمس
عن ابي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان أحدكم في الفيء فقلص عنه الظل فصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل، فليقم". (2)
وعن أبي عياض عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يجلس الرجل بين الضح والظل، وقال: "مجلس الشيطان". (3)
(الضح): بكسر الضاد المعجمة وبالحاء المهملة: هو ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض، وقال ابن الأعرابي: هو لون الشمس.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجلس الرجل بين الظلّ والشمس". (4)
??????
كتاب الحدود
باب
النهي عن مواقعة الحدود وانتهاك المحارم
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الامارة برقم (1926).
(2) رواه أبو داود برقم (4821)، وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة برقم (838)، وصحيح الترغيب برقم (3084).
(3) رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3081).
(4) رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3/191).(2/356)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه". (1)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أنا آخذ بحجزكم أقول: إياكم وجهنم، إياكم والحدود! إياكم وجهنم، إياكم والحدود، إياكم وجهنم، إياكم والحدود، ثلاث مرات فإذا أنا متُّ تركتكم، وأنا فرطكم على الحوض، فمن ورد أفلح"الحديث. (2)
وعن ثوبان - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لأعلمنَّ أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمالٍ أمثال جبال تهامةَ بيضاء، فيجعلها الله هباءً منثورا".
قال ثوبان: يا رسول الله! صِفهُم لنا، جلِّهم لنا، لا نكون منهم ونحن لا نعلمُ. قال: "أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها". (3)
جلهم لنا : التجلية: كشف الحال، أي: اكشف حالهم لنا.
جلدتكم : بالجيم: أي من جنسكم.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعن جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحةُ وعلى الأبواب سُتور مرخاة، وعند رأس الصراط داعٍ يقول: استقيموا على الصراط ولا تعوجُّوا، وفوق ذلك داعٍ يدعو كلما هم عبد أن يفتح شيئا من تلك الأبواب، قال: ويلك! لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجْهُ، ثم فسَّرهُ، فأخبر أن الصراط هو الإسلام، وأن الأبواب المفتحة محارم الله وأن الستور المرخاة حدود الله، والداعي على رأس الصراط هو القرآن، والداعي من فوقه هو واعظ الله في قلب كلِّ مؤمن". (4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب النكاح برقم (5223)، ومسلم في كتاب التوبة برقم (2761).
(2) صحيح الترغيب رقم (2344).
(3) صحيح الترغيب رقم (2346).
(4) صحيح الترغيب رقم (2348).(2/357)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من يأخُذ مني هذه الكلمات فيعمل بهنّ، أو يُعلِّم من يعمل بهنّ؟".
فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله! فأخذ بيدي وعدَّ خمساً، قال: "اتق المحارمَ تكن أعبد الناس، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسنْ إلى جارِكَ تكن مؤمناً، وأحبَّ للناس ما تحبُّ لنفسك تكن مسلماً، ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلبَ". (1)
باب
النهي عن شرب الخمر
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } . (2)
وقال تعالى: { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير } (3) الآية.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرقُ السارقُ حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمنٌ". (4)
وزاد مسلم في رواية: "ولكن التوبة معروضةٌ بعدُ".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أتاني جبريلُ فقال: يا محمد إن الله لعن الخمرَ، وعاصرها، ومعصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومسقاها". (5)
__________
(1) صحيح الترغيب برقم (2349).
(2) سورة المائدة الآية (90-91).
(3) سورة البقرة الآية (219).
(4) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3475)، ومسلم في الحدود برقم(1688).
(5) رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2360).(2/358)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكل مسكرٍ حرامٌ، ومن شرب الخمرَ في الدنيا، فمات وهو يُدمنُها، لم يشربها في الآخرة". (1)
وفي رواية للبيهقي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شرب الخمرَ في الدنيا ولم يتُب، لم يشربها في الآخرة وإن دخل الجنة". (2)
وفي رواية لمسلم قال: "من شرب الخمر في الدنيا، ثم لم يتُب منها، حُرمها في الآخرة".
وعن ابي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة مُدمنُ خمرٍ، ولا مؤمنُ بسحرٍ ولا قطاع رحمٍ". (3)
وعن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن على الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قيل: وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار. أو قال: عصارة أهل النار". (4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من شرب الخمر في الدنيا حرمها في الآخرة". (5)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - : "مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن". (6)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأشربة برقم (5575)، ومسلم في كتاب الأشربة برقم (2203).
(2) صحيح الترغيب (2/599).
(3) أخرجه أحمد في المسند (4/399) والحاكم في المستدرك (4/146)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، صحيح الترغيب رقم(3050).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الأشربة برقم (2002).
(5) أخرجه البخاري في كتاب الأشربة برقم (5575)، ومسلم في الأشربة برقم (2003).
(6) أخرجه أحمد في المسند (1/272) والبخاري في التاريخ الكبير (1/129) وابن ماجة في كتاب الأشربة (2/1120) رقم )3375)، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب رقم (2364).(2/359)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - : "مدمن الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن شربها فاجلدوه فإن شربها الرابعة فاقتلوه". (1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لعنت الخمر بعينها وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها". (2)
وفي رواية لابن ماجة والترمذي، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عشرةً: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشترية لهُ".
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل مسكر خمر وكل خمر حرام ومن شرب الخمر في الدنيا ومات ولم يتب منها وهو مدمن لها لم يشربها في الآخرة". (3)
قال الخطابي ثم البغوي في "شرح السنة": وفي قوله "حرمها في الآخرة" وعدٌ بأنه لا يدخل الجنة لأن شراب أهل الجنة خمر، { إلا أنهم لا يصدعون عنها ولا ينزفون } ومن دخل الجنة لا يحرم شرابها.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الحدود (1444)، وأبو داود في الحدود (4482)، وابن ماجة (2572 و 2573)، والبغوي في شرح السنة (10/335)، وأبو يعلى في المسند (10/51-52)، والحاكم في المستدرك (4/372)، وابن حبان (6/309 و 310) رقم (4428-4429) و (4430 مع الإحسان)، وعبد الرزاق في المصنف، كما في نصب الراية (3/346-347)، والبزار في كشف الأستار (2/221)، والنسائي في السنن الكبرى و المجتبي (8/314)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2380).
(2) رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2356).
(3) رواه مسلم برقم (2003) ، باب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام .(2/360)
وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزل تحريم الخمر مشى الصحابة بعضهم إلى بعض وقالوا حرمت الخمر وجعلت عدلاً للشرك وذهب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إلى أن الخمر أكبر الكبائر وهي بلا ريب أم الخبائث وقد لعن شاربها في غير ما حديث.
وقال عمر بن الحارث حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ترك الصلاة سكراً مرة واحدة فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها ومن ترك الصلاة أربع مرات سكر كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال" قيل: يا رسول الله! وما طينة الخبال؟ قال: "عصارةُ أهل جهنم". (1)
وقال عليه الصلاة والسلام عن الخمر: "أنه ليس بدواء ولكنه داء". (2)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فلا يشرب الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر" (3) . الحديث
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثةٌ قد حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمنُ الخمر، والعاقّ، والديّوث الذي يقر في أهله الخبث". (4)
وقد تقدم حديث عمار بن ياسر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة.. والديوت، والرجُلة من النساء، ومدمن الخمر".
قالوا: يا رسول الله! أما مُدمنُ الخمرِ فقدْ عَرْفناه، فما الديُّوثُ؟
قال: "الذي لا يُبالي مَنْ دَخلَ على أهْلهِ"
قلنا: فما الرجُلَةُ مِنَ النساء؟ قال:
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (2/178)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/389).
(2) رواه مسلم برقم (1984)، باب تحريم التداوي بالخمر .
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه أحمد واللفظ له، والنسائي والبزار، والحاكم وقال: صحيح الإسناد ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2366)، والسلسلة الصحيحة برقم (674).(2/361)
"التي تتشّبه بالرجالِ" (1) .
وعن جابر - رضي الله عنه - : أن رجلاً قدم من جيشان - وجيشانُ من اليمن- فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له: "المِزر"؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أو مسكر هو؟" قال: نعم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل مسكر حرام، وإنّ عند الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخُبال".
قالوا: يا رسول الله! وما طينة الخبال؟ قال: "عرق اهل النار، أن عصارة
أهل النار". (2)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ثلاثةٌ لا تقربهم الملائكةُ: الجُنُب، والسكرانُ، والمتضمخ بالخَلوقِ". (3)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مطعمين، عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، وأن يأكل وهو منبطح على بطنه". (4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سرَّه أن يسقيه الله الخمر في الآخرة، فليتركها في الدنيا، ومن سرّه أن يكسوه الله الحرير في الآخرة فليتركه في الدنيا". (5)
وعن أبي مالك الأشعري - صلى الله عليه وسلم - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يشرب ناسٌ من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها، يُضرب على رؤوسهم بالمعازفِ والقانياتِ، يخسفُ الله بهم الأرض، ويجعل الله منهم القردة والخنازير". (6)
__________
(1) صححه اشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب برقم (2071).
(2) رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (2002)، والنسائي.
(3) سبق تخريجه.
(4) سبق تخريجه.
(5) سبق تخريجه.
(6) رواه ابن ماجة، وابن حبان في صحيحه، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب رقم (2378).(2/362)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شرب الخمر لم تقبل ه صلاةٌ أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد في الرابعة لم تقبل له صلاة اربعين صباحاً، فإن تاب لم يتُب الله عليه وغضب الله عليه وسقاه من نهر الخبالِ".
قيل: يا أبا عبد الرحمن! وما نهر الخبال؟ قال: نهر يجري من صديد أهل النار. (1)
ورواه النسائي موقوفا عليه مختصرا، ولفظه: "من شرب الخمر فلم ينْتشِ، لم تقبل له صلاة ما دام في جوفه أو عروقه منها شيء، وإن مات مات كافراً، وإن انتشى، لم تقبل له صلاةٌ أربعين يوما، وإن مات فيها، مات كافراً". (2)
الانشاء: أول السكر ومقدماته، وقيل هو السكر نفسه، والظاهر أن المراد به السكر هنا قال الألباني.
ورواه الحاكم مختصرا قال: "لا يشرب الخمر رجل من أمتي فتقبل له صلاة أربعين صباحاً".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ترك الصلاة سكراً مرةً واحدةً، فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها، ومن ترك الصلاة أربع مرات سكرا، كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبّال".
قيل: وما طينة الخبال؟ قال: "عصارة أهل جهنّم". (3)
ورواه أحمد: "من ترك الصلاة سكراً مرةً واحدةً، فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها". (4)
__________
(1) رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب رقم (2383).
(2) صحيح الترغيب (2/307).
(3) رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2385).
(4) السلسلة الصحيحة رقم (3419).(2/363)
وتقدم حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا استحلت أمتي خمساً فعليهم الدمار: إذا ظهر التلاعن، وشربوا الخمور، ولبسوا الحرير، واتخذوا القيان، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء" (1)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "سيكون في آخر الزمان : خسف،وقذف،و مسخ إذا ظهرت المعازف، والقينات،واستحلت الخمر". (2)
قوله: "إذا ظهرت المعازف" قال المناوي: بعين مهملة زاي جمع معزفة بفتح الزاي آلة اللهو ونقل القرطبي عن الجوهري أن المعازف الغناء والذي في صحاحه آلات اللهو وفي حواشي الدمياطي أنها الدفوف ويطلق على كل لعب عزف "والقينات واستحلت الخمر" أشار إلى أن العدوان إذا قوي في قوم وتظاهروا بأشنع الأعمال القبيحة قوبلوا بأشنع المعاقبات فالمعاقبات والمثوبات من جنس السيئات والحسنات ثم إن من العلماء من أجرى المسخ هنا على الحقيقة فقال: سيكون كما كان فيمن سبق، وقال البعض: أراد مسخ القلب فيصير على قلب الحيوان الذي أشبهه في خلقه وعمله وطبعه فمنهم من يكون على أخلاق السباع العادية ومنهم على أخلاق الكلاب والخنازير والحمير ومنهم من يتطوس في ثيابه كما يتطوس الطاوس في ريشه ومنهم من يكون بليداً كالحمار ومن يألف ويؤلف كالحمام ومن يحقن كالجمل ومن يروع كالذئب والثعلب ومن هو خير كله كالغنم وتقوى المشابهة باطناً حتى تظهر في الصورة الظاهرة ظهوراً خفياً ثم جلياً تدركه أهل الفراسة، وقوله: "واستحلت الخمر" قال ابن عربي: يحتمل أن معناه يعتقدونها حلالاً ويحتمل أنه مجاز عن الاسترسال أو يسترسلون في شربها كالاسترسال في الحلال وقد سمعنا بل رأينا من يفعله.اهـ. (3)
باب
النهي عن الزنا وبعضه أكبر إثما من بعض
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه الطبراني عن سهل بن سعد، صحيح الجامع حديث رقم (3665).
(3) فيض القدير .(2/364)
قال الله تعالى: { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً } . (1)
وقال تعالى: { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } . (2)
وقال تعالى: { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } . (3)
وقال تعالى: { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } . (4)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل دمُ امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاثٍ: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة". (5)
وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تفتح أبوابُ السماء نصف الليل، فينادي منادٍ: هل من داعٍ فيُستجاب له؟ هل من سائل فيعطى؟ هل من مكروب فيفرج عنه؟ فلا يبقى مسلمٌ يدعو بدعوةٍ، إلا استجاب الله عزَّ وجل له، إلا زانيةً تسعى بفرجها أو عشّارا". (6)
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرضٍ مقدسةٍ" فذكر الحديث إلى أن قال: "فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاهُ ضيق، وأسفله واسع، يتوقد تحته نارٌ، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، وإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجالٌ ونساءٌ عراة".
وفي رواية:
__________
(1) سورة الفرقان الآية (68).
(2) سورة الإسراء الآية (32).
(3) سورة النور الآية (2).
(4) سورة النور الآية (3).
(5) رواه البخاري في كتاب الديات برقم (6876)، ومسلم في كتاب القسامة برقم (1676).
(6) رواه أحمد، والطبراني واللفظ له،وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم(2391).(2/365)
"فانطلقنا على مثل التنور قال: فأحسبُ أنه كان يقولُ: فإذا فيه لغطٌ وأصواتٌ، قال: فاطّلعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ، وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا"... الحديث وفي آخره: "وأما الرجالُ والنساءُ العراةُ الذين هم في مثل بناء التَّنُّور، فإنهم الزُّناة والزَّواني". (1)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسئل أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك" قال: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك". قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك". (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن". (3)
وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان عليه كالظُّلة فإذا أقلع منها رجع إليه الإيمان". (4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه". (5)
__________
(1) رواه البخاري برقم (1979)، باب قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون .
(2) رواه البخاري في كتاب التفسير برقم (4477)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (86).
(3) رواه البخاري في كتاب المظالم برقم(2475)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم(57).
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/22) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين فقد احتجا بروايته)، وأخرجه أبو داود في كتاب السنة برقم (4690) وأخرجه ابن مندة في الإيمان (5/600) رقم (519)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2394)، والسلسلة الصحيحة برقم (509).
(5) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/22) وقال: على شرط مسلم، وقال الذهبي في الكبائر: إسناده جيد.(2/366)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم وما من رجل يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء فما ظنكم؟". (1)
وقال عليه الصلاة والسلام: "أربعة يبغضهم الله البياع الحلاف والفقير المختال والشيخ الزاني والإمام الجائر". (2)
وحديث البراء أن خاله بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل عرَّس بامرأة أبيه أن يقتله ويخمس ماله". (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ، وملكٌ كذَّاب، وعائلٌ مستكبرٌ". (4)
العائل : الفقير .
وفي لفظ للطبراني: "لا ينظر الله يوم القيامة إلى الشيخ الزاني، ولا
العجوز الزانية". (5)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ظهر الزنا في قريةٍ، فقد أحلُّوا بأنفسهم عذاب الله". (6)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1897).
(2) أخرجه النسائي في الزكاة (6/86)، وابن حبان (7/434) رقم (5532) مع الإحسان والخطيب في تاريخ بغداد (9/358)، والبيهقي في شعب الإيمان (16/86) ، وفي كنز العمال، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2397).
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الأحكام (1362)، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه في كتاب الحدود برقم (2607)، وأحمد في المسند (4/295)، وأبو داود في كتاب الحدود (4456)و (4457)، والنسائي في النكاح (6/109-110).
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (107) .
(5) صحيح الترغيب (2/613).
(6) سبق تخريجه.(2/367)
وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "ما تقولون في الزنا؟" قالوا: حرام حرَّمه الله ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جارهِ". (1)
وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا، فأوشك أن يعمهم الله بعذاب". (2)
وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما ظهر في قوم الزنا أو الربا، إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله". (3)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا شباب قريش! احفظوا فروجكم ولا تزنوا، الا من حفظ فرجه فله الجنة". (4)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يضمن لي ما بين لحييهِ وما بين رجليه، اضمن له الجنة". (5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنّة شائت". (6)
__________
(1) رواه أحمد، والطبراني في الكبير، و الأوسط، والبخاري في الأدب المفرد، السلسلة الصحيحة برقم (65).
(2) رواه أحمد، وقال الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب رقم (2400).
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه الحاكم والبيهقي، وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم، السلسلة الصحيحة رقم (2696).
(5) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6474).
(6) سبق تخريجه.(2/368)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اضمنوا لي ستا من انفسكم، أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وافوا إذا وعدتم، وأدوا إذا إئتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا ابصاركم، وكفوا أيديكم". (1)
وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الزنى كذلك يقع على الجوارج من خلال النظر، والتفكر، والنطق، والسمع، والبطش، والمشي حيث يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : "لكل ابن آدم حظه من الزنا، فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والأذنان زناهما الاستماع واليدان يزنيان فزناهما البطش والرجلان تزنيان فزناهما المشي والفم يزني وزناه القبل". (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوي ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه". (3)
باب
تحذير القواد المستحسن على أهله
قال الله تعالى: { والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } . (4)
__________
(1) رواه أحمد وابن أبي الدنيا، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وقال الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب رقم (2416).
(2) أبو داود عن أبي هريرة وغيره وانظر: صحيح أبي داود (1884) و (1885) و (1886)، الإرواء (2370).
(3) رواه مسلم (2657) (كتاب القدر)، والبخاري نحوه (8/156).
(4) سورة النور آية (3).(2/369)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق والديه والديوث ورجلة النساء". (1)
باب
النهي عن اللواط وإتيان البهيمة والمرأة في دبرها
سواء كانت زوجته أو غيرها
قال الله تعالى: { أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون } . (2)
واللواط أفحش وأقبح من الزنا.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوطٍ، فاقتلوا الفاعل والمفعول له". (3)
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب الزكاة (5/80-81) والحاكم في المستدرك (4/146-147) وأحمد في المسند (2/69 و 28) وأبو يعلى في المسند (9/408-409) رقم (5559) والبيهقي في شعب الإيمان (16/32) كما في كنز العمال و السنن الكبرى (10/226). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/147-148): رواه البزار والنسائي، والضياء في المختارة" (1/75) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه والقلب إلى رواية أيوب بن سليمان أميل حيث لم يذكر في إسناده عمر. وقال الذهبي في التلخيص: صحيح الإسناد وبعضهم يقول: عن أبيه عن عمر، وصححه ابن حبان برقم (2032 - موارد).
(2) سورة الشعراء الآية (165-166).
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الحدود برقم (4462) والترمذي في أبوبا الحدود برقم (1456)، و العلل الكبير (251)، وابن ماجة في كتاب الحدود رقم (4462) والدارقطني في السنن (3/124) وأحمد في المسند (820) وابن الجارود في المنتقى (820) والحاكم في المستدرك (4/355) والبيهقي في السنن الكبرى (8/232) ، إرواء الغليل (8/16-18)، وصحيح الترغيب برقم (2422).(2/370)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله من عمل عمل قوم لوط -قالها ثلاثاً- في عمل قوم لوطٍ". (1)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينظر الله إلى رجل أتى ذكراً أو امرأة في دبرها". (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى النساء في أعجازهن فقد كفر".
وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فصدَّقه، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ".
وفي رواية: "فقد برئ مما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ". (3)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله الذين يأتون النساء في محاشِّهنّ". (4)
المحاش: بفتح الميم وبالحاء المهملة وبعد الألف شين معجمة مشددة، جمع (مَحِشة) بفتح الميم وكسرها: وهي الدبر.
وعن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن محاشّ النساء. (5)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "استحيوا، فإن الله لا يستحي من الحق، ولا تأتوا النساء في أدبارهنّ". (6)
وعن خزيمة بن ثابت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله لا يستحي من الحق - ثلاث مرات - : لا تأتون النساء في أدبارهنّ". (7)
__________
(1) أخرجه النسائي في السنن الكبرى في كتاب الرجم (5/159)، والترمذي في جامعه (4/58)، صحيح الترغيب رقم(5421)، والسلسلة الصحيحة رقم(3462).
(2) رواه الترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2424).
(3) صحيح الترغيب (2/626).
(4) صحيح الترغيب برقم (2429).
(5) صحيح الترغيب رقم (2428).
(6) صحيح الترغيب رقم (2426).
(7) رواه ابن ماجة واللفظ له، والنسائي، صحيح الترغيب رقم (2427).(2/371)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أخوف ما أخاف على
أمتي عمل قوم لوط". (1)
وعن بريدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما نقض قوم العهد، إلا كان القتل بينهم، ولا ظهرت الفاحشةُ في قوم، إلا سلّط الله عليهم الموت، ولا منع قوم الزكاة، إلا حبس عنهم القطرُ". (2)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "هي اللوطية الصغرى: يعني الرجل يأتي امرأته في دبرها". (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "... ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من أتى شيئا من البهائم، ملعون من عق والديه، ...، ملعون من غير حدود الأرض، ملعون من أدعى إلى غير مواليه". (4)
وعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتى بهيمة فاقتلوه، واقتلوها معه".
وفي رواية عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اقتلوا الفاعل والمفعول به، والذي
يأتي البهيمة". (5)
__________
(1) رواه الترمذي، وابن ماجة وقال: حديث حسن غريب، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2417).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه أحمد (2/210،182) ، والبزار، وحسنه الألباني في غاية المرام برقم(234) ص149 ، و صحيح الترغيب برقم (2425).
(4) رواه الطبراني في الأوس، ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2420).
(5) صحيح الترغيب (2/623).(2/372)
قال البغوي: "اختلف أهل العلم في حد اللوطي، فذهب قوم إلى أن حد الفاعل حد الزنا، إن كان محصناً يرجم، وإن لم يكن محصنا يجلد مئة، وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح و الحسن وقتادة والنخعي، وبه قال الثوري والأوزاعي، وهو أظهر قولي الشافعي، ويحكى أيضا عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وعلى المفعول به عند الشافعي على هذا القول جلد مئة، وتغريب عام، رجلاً كان أو امرأة، محصناً كان أو غير محصن، وذهب قوم إلى أن اللوطي يرجم محصنا كان أو غير محصن". رواه سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس.
وروي ذلك عن الشعبي، وبه قال الزهري، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق. (1)
قال الحافظ: "حرّق اللوطية بالنار أربعة من الخلفا: أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن الزبير، وهشام بن عبد الملك".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها". (2)
وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ملعون من أتى امرأة في دبرها". (3)
باب
النهي عن القول على الله بلا علم
قال الله تعالى: { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } . (4)
وقال تعالى: { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاعٌ قليل ولهم عذاب أليم } . (5)
وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } . (6)
__________
(1) صحيح الترغيب (2/623).
(2) رواه ابن ماجة والبيهقي، صحيح الترغيب (2432).
(3) رواه أحمد وأبو داود، صحيح الترغيب (2423).
(4) سورة الأعراف الآية (33).
(5) سورة النحل الآية (116 و 117).
(6) سورة المائدة الآية (87).(2/373)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه". (1)
قال الشوكاني، رحمه الله تعالى: ومعناه: أي لا تحرموا ولا تحللوا لأجل قولٍ تنطق به ألسنتكم من غير حجة. (2) أ.هـ.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يقبض العلم بموت العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا". (3)
وروي عن الإمام مالك رحمه الله أنه سئل عن مائة مسألة فأجاب عن اربع منها، وقال في الباقيات: الله أعلم، فعوتب في ذلك، فقال: من قال الله أعلم فقد أفتى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعليقاً على كلمة: (حرام عليك) أو (حرام عليك أن تفعل كذا) قال: لا يجوز أن يوصف شيء بالتحريم إلا أن يكون شيئاً حرمه الله أو رسوله، وذلك أن وصف شيء غير محرم بالحرمة -ولو مع سلامة النية- فيه تعدي على جناب الربوبية، وفيه إيهام بأن ذلك الشيء محرم وهو ليس كذلك، والأسلم للمرء في دينه أن يبتعد عن هذا اللفظ. (4) أ.هـ.
باب
التحذير من الإعراض عن الله تعالى بالغفلة
قال الله تعالى: { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون } . (5)
وقال تعالى: { ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون } . (6)
__________
(1) أخرجه أبو داود.
(2) فتح القدير (3/227).
(3) رواه البخاري عن ابن عمر - صلى الله عليه وسلم - .
(4) انظر فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين، إعداد: أشرف عبد المقصود. دار عالم الكتب، الطبعة الثانية (1/200-201).
(5) سورة الزخرف الآية (36، 37).
(6) سورة الحشر الآية (19).(2/374)
وقال تعالى: { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمر فقست قلوبهم وكثير نهم فاسقون } . (1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت". (2)
باب
التحذير عن أن يلتقي المسلمان بسيفيهما
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"، قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه". (3)
قال القاضي عياض: إنما هم من أهل النار لأنهم ما قصدوا بتلك المقاتلة والخروج إليه إعلاء دين، أو دفع ظالم، أو إعانة محق، وإنما كان قصدهم التباغي والتشاجر طعما في المال أو الملك.
وفي رواية: "إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار".
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "سباب المؤمن فسوق وقتاله كفرٌ". (4)
باب
النهي عن قتل النفس
قال الله تعالى: { ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً } . (5)
__________
(1) سورة الحديد الآية (16).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6407) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1820).
(3) رواه البخاري برقم (31)، باب وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فسماهم المؤمنين، ومسلم برقم (2888)، باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما.
(4) رواه البخاري برقم (48)، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر ، ومسلم برقم (64)، باب بيان قول النبي - صلى الله عليه وسلم - سباب المسلم فسوق وقتاله كفر .
(5) سورة النساء الآية (93).(2/375)
وقال الله تعالى: { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهنا إلا من تاب وآمن } . (1)
وقال تعالى: { من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل
الناس جميعاَ } . (2)
وقال تعالى: { وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت } . (3)
وتقدم حديث:"اجتنبوا السبع الموبقات" وذكر منها قتل النفس التي حرم الله. (4)
وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك قال: ثم أي: قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قيل: ثم أي قال: أن تزاني حليلة جارك". (5)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل أخيه". (6)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يزال المرء في فسحةٍ من دينه ما لم يتند بدم حرام". (7)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض". (8)
وقال بشير بن مهاجر عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لقتل مؤمن أعظم عند
__________
(1) سورة الفرقان الآية (68-70).
(2) سورة المائدة الآية (32) .
(3) سورة التكوير الآية (8-9).
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه البخاري في كتاب التفسير برقم (4477)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (86).
(6) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (31)، ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة برقم (2888).
(7) أخرجه أحمد في المسند (4/148) وابن ماجة في كتاب الديات (2/873) رقم (2618)، والحاكم في المستدرك(4/351)من حيدث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - وصححه الحاكم .
(8) رواه البخاري في كتاب العلم (1/217) رقم (121) ورواه مسلم في كتاب الإيمان رقم (65).(2/376)
الله من زوال الدنيا". (1)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال عليه الصلاة والسلام: "لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً". (2)
قال ابن عمر: من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم والحرام بغير حِلِّه.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء". (3)
وفي رواية للنسائي: "أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة، وأنّ أول ما يقضى بين الناس في الدماء".
قال ابن حجر: والمعنى: اول القضايا في الدماء ويحتمل أن يكون التقدير: أول ما يقضى فيه الأمر الكائن في الدماء. فتح الباري (11/396)
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أكبر الكبائر: الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين واليمين الغموس". (4)
وعن عقبة بن مالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله أبى عليَّ من قتل مؤمناً" (5) . قالها ثلاثاً
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب تحريم الدم (7/83 و 84)، والبيهقي، وابن ماجة ، والضياء المقدسي في المختارة كما في المقاصد الحسنة (ص 340) من حديث بريدة.
(2) رواه البخاري في كتاب الديات (6862) وهذا لفظه.
(3) رواه البخاري في كتاب الديات برقم (6864)، ورواه مسلم في كتاب القسامة برقم (1678).
(4) رواه البخاري في كتاب الإيمان والنذور رقم (6675).
(5) أخرجه ابن أبي عاصم في الديات (ص 42) والنسائي في الكبرى في كتاب الدين (7/343) كما في تحفة الأشراف، وأحمد في المسند (4/110) و (5/288-289) من طريق بشر بن عاصم وأخرجه ابن سعد في الطبقات (7/48-49) والبيهقي في السنن الكبرى (8/22) و (9-116) والحاكم في المستدرك (1/18-19) وقال على شرط مسلم.(2/377)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما من نفس تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل". (1)
وعن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة اربعين عاماً". (2)
وعن ابي هريرة - صلى الله عليه وسلم - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا من قتل نفسا معاهدةً لها ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر ذمة الله ولا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفاً". (3)
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق". (4)
وزاد الأصبهاني في رواية: "ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن، لأدخلهمُ الله النار".
وفي رواية للبيهقي: "لزوال الدنيا جميعاً، أهون على الله من دمٍ يسفك بغير حقِّ". (5)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلمٍ". (6)
وعنه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالكعبة ويقول: "ما أطيبك، وما أطيب ريحك، ما أعظمك وما أعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم حرمةً
منك، ماله ودمه وأن تظن به إلا خيراً". (7)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3335)، ورواه مسلم في كتاب القسامة برقم (1677).
(2) رواه البخاري في كتاب الجزية والموادعة (3166).
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الديات (3/14)، وابن ماجة في كتاب الديات (2687) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(4) رواه ابن ماجة، والبيهقي والأصبهاني، صحيح الترغيب (2438).
(5) قال الشيخ الألباني رحمه الله : صحيح لغيره، صحيح الترغيب (2/629).
(6) صحيح الترغيب رقم (2439).
(7) رواه ابن ماجة، السلسلة الصحيحة رقم (3420).(2/378)
وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمداً". (1)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يموت مشركا، أو يقتل مؤمناً متعمداً". (2)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سأله سائلٌ فقال: يا أبا العباس! هل للقاتل من توبة؟ فقال ابن عباس كالمعجب من شأنه: ماذا تقول؟! فأعاد عليه مسألته، فقال: ماذا تقول؟! مرتين أو ثلاثا، ثم قال ابن عباس: أنَّى له التوبة! سمعت نبيكم - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يأتي المقتول متعلقاً رأسه بإحدى يديه، متلبِّباً قاتله بيده الأخرى تشحب أوداجه دماً، حتى يأتي به العرش، فيقول المقتول لرب العالمين: هذا قتلني، فيقول الله للقاتل: تعست ويذهب به إلى النار". (3)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يجيء المقتول آخذاً قاتله وأوداجه تشحب دماً عند ذي العزة، فيقول: يا رب! سل هذا فيم قتلني؟ فيقول: فيم قتلته؟ قال: قتلته لتكون العزة لفلان. قيل: هي له". (4)
__________
(1) رواه النسائي، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2445).
(2) رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه" والحاكم وقال: صحيح الإسناد ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب رقم (2446).
(3) رواه الترمذي وحسنه، والطبراني في الكبير والأوسط، السلسلة الصحيحة رقم (2697).
(4) رواه الطبراني في الأوسط، والنسائي، السلسلة الصحيحة (2698)، صحيح الترغيب رقم (2448).(2/379)
وعن ابن سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يخرج عنق من النار يتكلم فيقول: وكلت اليوم بثلاثةً: بكل جبار عنيد، ومن جعل مع الله آلها آخر، ومن قتل نفسا بغير حق، فينطوي عليهم، فيقذفهم في غمرات جهنم". (1)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قتل معاهداً لم يرح رائحةِ الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً". (2)
باب
تحذير الذي يقتل نفسه
قال الله تعالى: { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ومن يفعل ذلك عدواناً وظلما فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيرا إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً } . (3)
وقال تعالى: { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق } . (4)
وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "كان ممن كان قبلكم رجل به جرح فَجَزِعَ فأخذ سكيناً فحزَّ بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة". (5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً". (6)
__________
(1) رواه أحمد، والطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2451).
(2) رواه البخاري برقم (2995) ، باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم .
(3) سورة النساء الآية (29-31).
(4) سورة الفرقان الآية (68).
(5) رواه البخاري في كتاب الأنبياء برقم (3463)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم(113).
(6) رواه البخاري في كتاب الطب برقم (5778)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (109).(2/380)
والرجل الذي آلمته الجراح فاستعجل الموت فقتل نفسه بذباب سيفه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "هو من أهل النار". (1)
وعن ثابت الضحاك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لعن المؤمن كقتله ومن قذف مؤمنا بكفر فهو
كقاتله ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله به يوم القيامة". (2)
عن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تردى من جبل، فقتل نفسه، فهو في نار جهنم، يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً، فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابداً". (3)
تردى : أي رمى بنفسه من الجبل وغيره فهلك.
يتوجأ، مهموز : أي يضرب بها نفسه.
وفي رواية لأبي داود ولفظه: "ومن حسا سماً فسمه في يده يتحسا، في نار جهنم".
وعن ابي قلابة، أن ثابت بن الضحاك أخره: أنه بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف على يمين بملةٍ غير الاسلام كاذباً متعمداً، فهو كما قال: ومن قتل نفسه بشئ عذب به يوم القيامة، ومن رمى مؤمناً بكفرٍ فهو كقاتله، ومن ذبح نفسه بشيء، عذب به يوم القيامة". (4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (3062)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (112).
(2) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (6652)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (110).
(3) رواه البخاري في كتاب الطب برقم (5778)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (109).
(4) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1363) وفي كتاب الأدب برقم (6047) وفي كتاب الإيمان برقم (6652)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (110).(2/381)
وفي رواية للترمذي ولفظه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس على المرءِ ندرٌ فيما لا يملك، ولا عن المؤمن كقتلِهِ، ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقاتله، ون قتل نفسه بشيء، عذبه الله بما قتل به نفسه يوم القيامة".
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن رجلاً كان ممن كان قبلكم، خرجت بوجهه قرحة، فلما آذته انتزع سهماً من كنانته، فنكأها، فلم يرقأ الدم حتى مات، قال ربكم: قد حرمتُ عليه الجنة". (1)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التقى هو والمشركون، فاقتتلوا، فلما مال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا أتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أما إنه من أهل النار؟!" فقال رجل من القوم: أنا صاحبه أبداً، قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جُرحاً شديداً، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض، وذُبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أشهد أنك رسول الله قال: "وما ذاك؟" قال: الرجل الذي ذكرت آنفا إنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه حتى جرح جرحا شديداً، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض، وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة". (2)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (113).
(2) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2898)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (112).(2/382)
الشاذة والفاذة: هي التي انفردت عن الجماعة، وأصل ذلك في المنفردة عن الغنم، فنقل إلى كل من فارق جماعة وانفرد عنها.
باب
التحذير من ارتكاب الصغائر والمحقرات من الذنوب
عن أنس - رضي الله عنه - قال: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الموبقات. (1)
الموبقات: المهلكات.
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يُهلكنه".
وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب لهن مثلا: "كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجيءُ بالعود، والرجل يجيءُ بالعود، حتى جمعوا سواداً، وأججوا ناراً، وانضجوا ما قذفوا فيها". (2)
صنيع القوم : أي طعامهم.
وسواداً : أي شخصاً يبين من بعد.
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب، كمثل قوم نزلوا بطن وادٍ، فجاء ذا بعودٍ، وجاء ذا بعودٍ، حتى جملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب، متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه". (3)
وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا عائشة! إياك ومحقِّرات الذنوب، فإنّ لها من الله طالباً". (4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لو أن يُؤاخذني وعيسى بذنوبنا لعذبنا ولا يظلمنا شيئاً"، قال وأشار بالسبابة والتي تليها.
وفي رواية: "لو يُؤاخذني الله وابن مريم بما جنت هاتان -يعني الإبهام والتي تليها- لعذبنا، ثم لم يظلمنا شيئاً". (5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6492).
(2) صحيح الترغيب رقم (2470).
(3) صحيح الترغيب رقم (2471).
(4) صحيح الترغيب رقم (2472).
(5) صحيح الترغيب رقم (2475).(2/383)
وعن أبي الأحوص قال: قرأ ابن مسعود: "ولو يؤاخذُ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم" الآية، فقال: كاد الجُعل يعذَّب في جحره بذنب ابن آدم". (1)
الجُعل: بضم الجيم وفتح العين: دُويبة تكاد تشبه الخنفساء تدحرج الروث.
باب
النهي عن أذية المسلمين وشتمهم واللعن سيما لمعين
قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِينا } . (2)
وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } . (3)
وقال تعالى: { وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } . (4)
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ } . (5)
وقال تعالى: { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } . (6)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المستبان ما قالا فعلى البادئ ما لم يَعتَدٍ المظلوم". (7)
وعن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال: قلت: يا نبي الله! الرجل يشتمني وهو دوني، أعليَّ من بأس أن أنتصر منه؟ قال: "المستبان شيطانان يتهاتران، ويتكاذبان". (8)
وعن عبد الله بن عمرو رفعه قال: "سباب المسلم كالمشرف على الهلكة". (9)
__________
(1) صحيح الترغيب رقم (2477).
(2) سورة الأحزاب الآية (158).
(3) سورة النور الآية (19).
(4) سورة الحجرات الآية (12).
(5) سورة الحجرات الآية (11).
(6) سورة الهمزة الآية (1).
(7) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2587).
(8) رواه ابن حبان في صحيحه،وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم(2781).
(9) صحيح الترغيب (3/57).(2/384)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن شر الناس منزلة عند الله من ودعه الناس اتقاء فحشه". (1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله يبغض الفاحش البذيء". (2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "كل المسلم على المسلم حرام: عرضه وماله ودمه، التقوى ها هنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم". (3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم". (4)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر". (5)
وفي الصحيحين: "والله لا يؤمن! والله لا يؤمن! والله لا يؤمن! قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه". (6)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب (3132) ورواه مسلم في كتاب البر والصلة رقم (2591).
(2) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (464) والترمذي أبواب البر والصلة (2002) وابن حبان ( ص 474) رقم (1920 - موارد) والبيهقي السنن الكبرى (10/193) وقال الترمذي: حسن صحيح صحيح الجامع (134).
(3) أخرجه مسلم في البر والصلة (2564) وأحمد المسند (3/491) و (22/36) والترمذي أبواب البر والصلة (1927) وأبو داود الأدب (4882) وابن ماجة كتاب الفتن (3933) والطبراني الكبير (22/183) وابن أبي الدنيا الصمت رقم (162) والقضاعي مسند الشهاب (1/36) رقم (121) مختصرا ومطولا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(4) رواه مسلم في كتاب البر والصلة رقم (2564).
(5) رواه البخاري في الأدب رقم (6044)، ورواه مسلم في الإيمان رقم (64).
(6) البخاري في الأدب رقم (6016)، ومسلم في الإيمان رقم (73).(2/385)
وفي لفظ على شرط الصحيحن: "لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه". (1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره". (2)
وفي لفظ لمسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره". (3)
وعن الأعمش عن أبي يحيى مولى جعدة، قال: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول قيل: يا رسول الله! إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار وفي لسانها شيء يؤذي جيرانها سليطة فقال: "لا خير فيها هي في النار". (4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم". (5)
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لعن المؤمن كقتله". (6)
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (8/547) والحاكم المستدرك (4/165) والأصبهاني في الترغيب والترهيب (9/ب) مخطوط وأحمد في المسند (2/372-373) والذهبي في حق الجار رقم (16 و 17) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/169): رجال أحمد رجال الصحيح. وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري (10/444) تعقيب على كلام الحاكم مع موافقته له في صحة الحديث فراجعه.
(2) رواه البخاري في الأدب رقم (6018)، ومسلم في الإيمان رقم (47).
(3) رواه مسلم في الإيمان برقم (48).
(4) أخرجه أحمد في المسند، السلسلة الصحيحة (190).
(5) أخرجه أبو داود في الأدب (4/375) والترمذي أبواب الجنائز (1019) والبيهقي في السنن الكبرى (4/75) وابن حبان (3009 - مع الاحسان) والطبراني في الصغير (1/166)، والحاكم في المستدرك (1/385). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وضعفه الشيخ الألباني في سنن الترمذي برقم (1019).
(6) رواه البخاري في الأدب برقم (6047) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (110).(2/386)
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر". (1)
وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضب الله ولا بالنار". (2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة". (3)
و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينبغي لصديق أن يكون لعاناً". (4)
وقال عليه الصلاة والسلام: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء". (5)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تأخذ يميناً وشمالاً فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن إن كان أهلاً لذلك وإلا رجعت إلى قائلها". (6)
__________
(1) رواه البخاري في الأدب، ومسلم في الإيمان برقم (64).
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب برقم (4906)، والبخاري في الأدب المفرد برقم
(320)، والترمذي في أبواب البر والصلة برقم (1976)، وأحمد في المسند (5/15)، والحاكم في المستدرك (1/48) كلهم من حديث هشام عن قتادة عن الحسن عن سمرة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح. وقال الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب رقم (2789).
(3) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2598).
(4) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2597).
(5) أخرجه الترمذي في ابواب البر والصلة (1977)، والبخاري في الأدب المفرد (312)، وأحمد في المسند (1/405 و 416)، والحاكم في المستدرك (1/12)، والبزار والطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (8/72). وصححه الألباني في سنن الترمذي برقم (1977).
(6) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب(4905)والطبراني كما في تحفة الأشراف(11000) ، الصحيحة رقم(1269)،وصحيح الجامع(4/78)،وصحيح الترغيب برقم(2792).(2/387)
وعن عمران بن حصين قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة" قال عمران: فكأني أنظر إليها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد. (1)
"ضجرت": أي: أصابها الضجر من علاج الناقة وصعوبتها.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن اربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه المسلم". (2)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يقول الله تعالى: من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب".
وفي لفظ: "فقد بارزني بالمحاربة". (3)
وفي الحديث: "يا أبا بكر! إن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك". يعني: فقراء المهاجرين. (4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه". (5)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه".
قيل: يا رسول الله! وكيف يلعن الرجل والديه؟
قال: "يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسبُّ أمه فيسبُّ أمه". (6)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة (2595).
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب (4877) وأحمد في المسند (190) وابن أبي شيبة المصنف (6/561) والمروزي في السنة (56)، وهناد في الزهد (2/564)، والطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد (4/116)،الصحيحة برقم (1871و1433)، الترغيب والترهيب (3/7).
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق (6502).
(4) رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة رقم (2504).
(5) رواه البخاري برقم (10)، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، ومسلم برقم (40و41) ، باب بيان تفاضل الإسلام ونصف أموره أفضل .
(6) سبق تخريجه.(2/388)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر يسير، فلعن رجل ناقة، فقال: "أين صاحب الناقة؟" فقال الرجلُ: أنا، فقال: "أخرها فقد أجيب فيها". (1)
وعن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسبوا الديك، فإنه يوقظ للصلاة". (2)
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "أن ديكاً صرخ قريباً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل: اللهم العنه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مه! كلا، إنَّه يدعوا إلى الصلاة". (3)
وعن أبي جُري جابر بن سليم - رضي الله عنه - قال: رأيت رجلاً يصدر الناس عن رأيه، لا يقول شيئاً إلا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .قلتُ: عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الميت، قل: السلام عليك".
قال: قلتُ: أنت رسول الله؟ قال: "أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضرٌ فدعوته، كشف عنك، وإن أصابك عام سنة فدعوته، أنبتها لك، وإذا كنت بارض قفر أو فلاة، فضلّت راحلتك، فدعوته، ردها عليك".
قال: قلت: اعهد إليَّ، قال: "لا تسبَّن أحداً".
قال: فما سببت بعده حراً ولا عبداً، ولا بعيراً ولا شاةً.
قال: "ولا تحقرن شيئا من المعروف، وأن تُكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، إن ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار، فإنها من المخيلة، وإن امرؤٌ شتمك وعيَّرك بما يعلم فيك، فلا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبالُ ذلك عليه".
وفي رواية:
__________
(1) رواه أحمد، وقال الألباني: حسن صحيح،صحيح الترغيب رقم (2796).
(2) رواه أبو داود، وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: فإنه يدعو للصلاة، ورواه النسائي مسنداً ومرسلاً، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2797).
(3) صحيح الترغيب (3/63).(2/389)
وإن امرؤ عيرك بشيء يعلمه فيك، فلا تعيره بشيء تعلمه فيه، ودعه يكون وباله عليه، وأجره لك، ولا تسبَّنَ شيئاً". قال: فما سببت بعد ذلك دابة ولا إنساناً. (1)
(السّنة): هي العام المقحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئاً، سواء أنزل غيث أم لم ينزل.
(المخيلة): بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة من (الاختيال): هو الكبر واستحقار الناس.
هناك حالات يجوز فيها اللعن، كلعن من يؤذي المسلمين في طرقاتهم، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "من أذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم". (2)
والرجل الذي أخرج متاعه في الطريق لأذية جارٌ له فلعنوه.
باب
النهي عن ترويع المسلم
عن ابي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله قال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يُشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار". (3)
ينزع: معناه بالمهملة يرمي وبالمعجمة يرمي ويفسد، وأصل النزع: الطعن.
فيه النهي عن رفع السلاح بوجه المسلم سواء كان على سبيل الهزل أو الجد، لأن ترويع المسلم وتخويفه حرام، ولعن الملائكة لفاعل ذلك دليل على عظم التحريم.
ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع
وإن كان أخاه لأبيه وأمه". (4)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أن يتعاطى السيف مسلولاً". (5)
__________
(1) رواه أبو داود واللفظ له، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2782).
(2) رواه الطبراني في الكبير وغيره، وانظر صحيح الترغيب برقم (143).
(3) متفق عليه، فتح الباري (7072) كتاب الفتن، وصحيح مسلم برقم (2617) كتاب البر والصلة.
(4) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2616).
(5) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، ورواه أبو داود.(2/390)
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسيرٍ، فخفق رجلٌ على راحلته، فأخذ رجل بسهماً من كنانته، فانتبه الرجل ففزع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لرجل أن يروَّع مسلماً". (1)
خفق الرجل: إذا نعس، وقال الجوهري: "خفق الرجل": إذا حرك رأسه وهو ناعس .
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - : أنهم كانوا يسيرون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبلٍ معه فأخذه، ففزع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلماً". (2)
باب
النهي عن إفشاء الفاحشة
__________
(1) رواه الطبراني في الكبير، وقال المنذري: رواته ثقات، وقال الألباني: حسن صحيح، صحيح الترغيب رقم (2806).
(2) رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2805).(2/391)
نهانا الشارع الحكيم عن إفشاء الفاحشة وإشاعتها ، قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } . (1) قال ابن كثير : هذا تأديب لمن سمع شيئا من الكلام السيء فقام بذهنه شيء منه وتكلم به فلا يكثر منه ولا يشيعه ويذيعه فقد قال تعالى إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم أي يختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح لهم عذاب أليم في الدنيا أي بالحد وفي الآخرة بالعذاب الأليم والله يعلم وأنتم لا تعلمون أي فردوا الأمور إليه ترشدوا، وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن بكر حدثنا ميمون بن موسى المرائي حدثنا محمد بن عباد المخزومي عن ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاتؤذوا عباد الله ولاتعيروهم ولاتطلبوا عوراتهم فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته" . (2)
عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: القائل الفاحشة، والذي يشيع بها في الإثم سواء. (3)
وعن شبيل بن عوق قال: كان يقال: "من سمع بفاحشة فأفشاها، فهو فيها كالذي أبداها". (4)
باب
النهي عن قذف المحصنات
قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . (5)
وقال الله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } . (6)
__________
(1) سورة النور الآية (19) .
(2) تفسير ابن كثير (3/276) .
(3) صحيح الأدب المفرد برقم (247).
(4) صحيح الأدب المفرد رقم (248).
(5) سورة النور الآية (23).
(6) سورة النور الآية (4).(2/392)
وقال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } . (1)
وقال الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِينا } . (2)
وتقدم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اجتنبوا السبع الموبقات..." فذكر منها قذف المحصنات الغافلات المؤمنات. (3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من قذف مملوكة بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال". (4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". (5)
وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ: "ثكلتك أمك! وهل يكب الناس على مناخرهم –وفي رواية على وجوههم- يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم". (6)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب". (7)
وفي الحديث: "ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغةالخبال حتى يخرج مما قال، وليس بخارج". (8)
ونظر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يوما إلى الكعبة فقال: "ما أعظمك وأعظم حرمتك! والمؤمن أعظم حرمة منك". (9)
باب
النهي عن الخروج بالسيف والتكفير بالكبائر
__________
(1) سورة النور الآية (19).
(2) سورة الأحزاب الآية (58).
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه البخاري في الحدود (6858)، ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (1660).
(5) رواه البخاري في كتاب الإيمان (10)، ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (40).
(6) رواه البخاري في خلق أفعال العباد رقم ( ص 55)، صحيح الترمذي برقم (2110).
(7) رواه البخاري ومسلم.
(8) أخرجه أحمد، وأبو داود، وغيرهما، وصححه الألباني في آداب الزفاف، والإرواء(2318).
(9) أخرجه الترمذي وابن حبان وغيرهما وهو في غاية المرام برقم (435).(2/393)
قال الله تعالى: { وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } . (1)
وقال تعالى: { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً } . (2)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من قال لأخيه المسلم: يا كافرّ! فقد باء بها أحدهما". (3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخوارج: "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم". (4)
وقال فيهم: "شر قتلى تحت أديم السماء خير قتيل من قتلوه". (5)
وعن ابن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الخوارج كلاب النار". (6)
__________
(1) سورة البقرة آية (190).
(2) سورة الأحزاب آية (36).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6103 و 6104).
(4) رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5057)، ورواه مسلم في كتاب الزكاة رقم (1066).
(5) أخرجه الحميدي في المسند (2/404) رقم (908)، والترمذي الجامع أبواب تفسير القرآن (3000)، وابن ماجة في المقدمة (176) والطبراني كما في مجمع الزوائد (6/234) والآجري في الشريعة (ص 35، 36)، وقال الهيثمي في المجمع (6/234): رجاله ثقات. وحسنه العلامة الألباني في سنن أبي ماجة برقم (176).
(6) أخرجه ابن ماجة في المقدمة (173)، وابن أبي عاصم في السنة (176) والخطيب في تاريخ بغداد (6/319 و 320) والآجري في الشريعة (ص 37) عن إسحاق الأزرق به.
وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/83): إسناد ابن ابي أوفى رجاله ثقات إلا أنه منقطع الأعمش لم يسمع من ابن أبي أوفى قاله غير واحد. وصححه الشيخ الألباني في سنن ابن ماجه برقم (173).(2/394)
عن سعيد بن جمهان قال: دخلت على ابن أبي أوفى وهو مكفوف فقال: من أنت! قلت سعيد بن جمهان قال: ما فعل والدك! قلت: قتله الأزارقة فقال: قتل الله الأزارقة ثم قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنهم كلاب النار قلت: الأزارقة وحدهم؟ قال: الخوارج كلها. (1)
وعن عبد الله بن ابي أوفى وهم يقاتلون الخوارج يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "طوبى لمن قتلهم وقتلوه". (2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه". (3)
حار : أي رجع .
باب
النهي عن تكفير المسلم
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليه". (4)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه". (5)
(حار): أي رجع.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما". (6)
__________
(1) أخرجه الطيالسي في المسند (822)، وأحمد في المسند (4/382) وأحمد بن منيع في المسند كما في مصباح الزجاجة (1/84) وابن أبي عاصم في السنة (905) وقال محققه الإمام الألباني: إسناده حسن رجاله ثقات وفي حشرج بن نباته كلام من قبل حفظه.
(2) أخرجه أحمد في المسند (2/382) والآجري في الشريعة (ص 35-36) وابن أبي عاصم السنة (2/438 - 439) رقم (906) وإسناده حسن.
(3) متفق عليه.
(4) رواه البخاري في كتاب الآدب برقم (6104)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (60).
(5) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6045)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (61).
(6) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6103).(2/395)
وعن أبي قلابة أن ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - أخبره أنه بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف على يمين بملةٍ غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشئ عذب به يوم القيامة وليس
على رجل نذر فيما لا يملك ولعن المؤمن كقتله ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله ومن ذبح نفسه بشيء عذب به يوم القيامة". (1)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما أكفر رجلٌ رجلاً، إلا باءَ أحدهما بها، إن كان كافراً، وإلا كفر بتكفيره". (2)
باب
النهي عن الطعن في الأنساب
قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً } . (3)
وقال عليه الصلاة والسلام: "اثنتان في الناس هما بهم كُفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت". (4)
باب
النهي عن الفخر بالأنساب
قال تعالى: { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . سورة الشورى الآية (42).
عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنّ الله تعالى أوحى إليّ أنْ تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد". (5)
__________
(1) رواه البخاري برقم (5754)، باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال .
(2) صحيح الترغيب (2775).
(3) سورة الأحزاب الآية (1) .
(4) رواه: مسلم في كتاب الجنة، وأبو داود، والترمذي وبن ماجه وغيرهم.
(5) رواه مسلم برقم (2856) .(2/396)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخرء بأنفه، إنّ الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء إنّما هو مؤمن تقيّ أو فاخر شقي الناس كلهم بنو آدم، وآدم خلق من التراب". (1)
الجعل: في لسان العرب: حيوان معروف كالخنفساء.
يدهده: أي يُدحرج.
عيبة: الكبر، "النهاية".
قال عليه الصلاة والسلام: "إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضّوه بهن أبيه ولا تكنوا". (2)
"يتعزى: الإنتماء إلى القوم يقال: عزيت الشيء وعزوته وأعزوه إذا أسندته إلى أحد والعزاء والعزوة: اسم لدعوى المستغيث وهو أن يقال يا فلان أو ياللأنصار، وياللمهاجرين" (النهاية).
بهن: أي قولوا له: "عضّ أيرأبيك" (النهاية).
باب
نهي المرء أن يدعي إلى غير أبيه
أو ينتمي إلى غير مواليه
عن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلم فالجنة عليه حرام". (3)
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم - : "من ادعى إلى غير أبيه أو انتمي إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً". (4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رَغِب عن أبيه فهو كفر". (5)
__________
(1) أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما، وهو في غاية المرام برقم (312).
(2) أحمد في مسنده، والبخاري في الآدب المفرد وغيرهما، من حديث أُبي رضي الله عنه. وهو في الصحيحة برقم (269).
(3) رواه البخاري برقم (6766).
(4) رواه البخاري برقم (6374)، باب إثم من تبرأ من مواليه ، ومسلم برقم (1370)، باب تحريم تولي مواليه .
(5) رواه البخاري (6768-فتح)، ومسلم (62) (كتاب الإيمان).(2/397)
وعن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كُفْر بالله تبرؤ من نسب وإن دَقّ". (1)
باب
عظم حُرمة المؤمن
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قعد بعيره، وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه، قال: "أي يوم هذا؟" فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، قال: "أليس يوم النحر؟" قلنا: بلى قال: "فأي شهر هذا؟" فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: "أليس بذي الحجة". قلنا: بلى قال: "فإن دمائكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه". (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه". (3)
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسير، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها، فلما استيقظ الرجل فزع، فضحك القوم فقال: "ما يضحككم؟" فقالوا: لا؛ إلا أنا أخذنا نبل هذا ففزع.فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لمسلم أن يروّع مسلماً". (4)
__________
(1) رواه أحمد وابن ماجه والطبراني في المعجم الصغير بسند حسن كما في تخريج كتاب الإيمان لابن تيمية (ص340).
(2) رواه البخاري برقم (67)، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم رب مبلغ أوعى من سامع ، ومسلم برقم (1679)، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال .
(3) رواه مسلم برقم (2564)، وابن ماجة برقم (3933).
(4) رواه أحمد (5/362/ 33057)، وأبو داود برقم (5004)، والبيهقي (10/249)، والطحاوي في مشكل الآثار (4/308)، وصححه الألباني في غاية المرام برقم (447).(2/398)
قال المناوي: لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً وإن كان هازلاً، كإشارة سيف أو حديدة أو أفعى أو أخذ متاعه، فيفزع لفقده لما فيه من إدخال الأذى والضرر عليه والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (1) .أ.هـ
ونظر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يوماً إلى الكعبة، وقال مخاطباً لها: إنك أشد حرمةً عند الله، والمؤمن أشد حرمة منك.
باب
النهي عن البغي
قال الله تعالى: { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والأثم والبغي بغير الحق } (2) .
وقال الله تعالى: { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم } (3) .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد" (4) .
البغي: هو الظلم وطلب الأذى وقصد الفساد والتكبر والتبختر والاستطالة على الناس.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يرضى الله له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم" (5) .
__________
(1) فيض القدير (6/447).
(2) الأعراف (33).
(3) الشورى (42).
(4) رواه مسلم في كتاب صفة الجنة برقم (2865)، وأبو داود في كتاب الأدب برقم (4895).
(5) أخرجه وكيع في الزهد (243و429) وهناد في الزهد (1398) و (1399) وأحمد في المسند (5/36) والبخاري في الأدب المفرد (29و67) وأبو داود في السنن (4902) والترمذي الجامع (2511) وابن ماجة في السنن (4211) وابن حبان (456و457 مع الإحسان) والبغوي في شرح السنة (13/26) والحاكم في المستدرك (4/163) وأبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان (1/319)، والمروزي زوائد الزهد (252).(2/399)
قال ابن مسعود: قال مالك الرهاوي: يا رسول الله: قد أُعطيت من الجمال ما ترى وما أحب أن أحداً يفوقني بشراكي أفذاك من البغي ؟ قال: "ليس ذلك من البغي ولكن البغي بطر الحق أو قال سفه الحق وغمط الناس" (1) .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "عذبت امرأة في هرةٍ سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لاهي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشائش الأرض" (2) .
الخشائش: الحشرات.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً" (3) .
الغرض: الهدف أو ما يرمي إليه.
وقال أبو مسعود: كنت أضرب غلاماً لي بالسوط فسمعت صوتاً من خلفي: "أعلم أبا مسعود" فلم أفهم الصوت من الغضب فلما دنا إذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يقول: "إن الله أقدر عليك منك عليه" ) فقلت: لا أضرب لي مملوكاً بعده.
وفي لفظ: فسقط السوط من يدي من هيبته.
وفي رواية: فقلت: يا رسول الله ! هو حر لوجه الله فقال: "أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار" (4) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من ضرب غلاماً له حداً لم يأته أو لطمه فإن كفارته أن يعتقهُ" (5) .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا" (6) .
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (1/93)والترمذي أبواب البر والصلة برقم (1999) وأحمد في المسند (1/385و427) والحاكم في المستدرك (4/182) و (1/26)، والطبراني في المعجم الصغير (10/273).
(2) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3482) وفي كتاب المساقاة برقم (2365) ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2242).
(3) رواه البخاري في الذبائح والصيد برقم (5515)، ومسلم في كتاب الصيد والذبائح برقم (1958).
(4) رواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (1659).
(5) رواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (1657).
(6) رواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2613).(2/400)
ومر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحمار قد وسم في وجهه فقال: "لعن الله من وسمه" (1) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من قتل نفساً معاهدة بغير حقها لم يجد رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام".
وفيه "وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً" (2) .
باب
تحذير فيمن خص عبده أو جدعه أو عذبه ظلماً
قال الله تعالى مخبراً عن إبليس: { ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله } (3) .
قال بعض المفسرين: هو (الخصاء) رواه عكرمة عن ابن عباس وهو مروي عن أنس بن مالك وعن مجاهد وعن قتادة وعكرمة (زاد الميسر 2/205)
وعن سمرة بن جندب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه" (4) .
وعن سمرة بن جندب مرفوعاً قال: "من أخصى عبده أخصيناه".
وفي الصحيحين: "من قذف مملوكه أُقيم عليه الحد يوم القيامة".
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم".
__________
(1) رواه مسلم في كتاب "اللباس والزينة" برقم (2117).
(2) رواه البخاري في كتاب "الجزية والموادعة" برقم (3166).
(3) سورة النساء الآية (119).
(4) أخرجه أحمد المسند (5/10و11و12و18و19)، وأبو داود في الديات (4515) و (4516و4518)، وابن أبي عاصم الديات: ( ص95و96و100)، والنسائي في كتاب القسامة باب القود من السيد للمولى (8/20ـ21)، والترمذي أبواب الديات رقم(1414) والدرامي في ال الديات(2/191)، ، والبيهقي السنن الكبرى (8/35) وابن ماجة في الديات (2/888) رقم (2663) وعلي بن الجعد المسند (1/513ـ514) رقم (1019)، والطيالسي المسند رقم (905)، والحاكم المستدرك (4/367) والبغوي شرح السنة (10/177) وقال: هذا حديث حسن غريب وقال الحاكم:هذا حديث حسن صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص.(2/401)
وعن ابن عمر - رضي الله عنه - : "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إخصاء الخيل والبهائم".
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
وفي حديث لمسلم في الظَّلمة: "فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".
قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: (وفيه دليل على أن من لم ينكر المعاصي بقلبه ولا يود زوالها فإنه عديم الإيمان ، ومن جهاد القلب التوجه إلى الله تعالى أن يمحق الباطل وأهله أو أن يصلحهم).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع وقيل: أفلا نقاتلهم ؟ قال "لا ما أقاموا فيكم الصلاة".
وعن ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعان على خصومةٍ بغير حق كان في سخط الله حتى ينزع".
باب
النهي عن وسم الدابة في الوجه
عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بحمار قد وسم في وجهه فقال: "لعن الله الذي وسمه" (1) .
وعند أبي داود فقال: "أما بلغكم أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها ونهى عن ذلك" (2) .
وفي الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - "رأى امرأة معلقة في النار والهرة تخدشها في وجهها وصدرها وهي تعذبها كما عذبتها في الدنيا بالحبس والجوع" (3) .
وعن جابر: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الضرب في الوجه، وعن الوسْمِ في الوجْهِ" (4) .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2116).
(2) رواه أبو داود في كتاب الجهاد رقم (2564)، صحيح الجامع رقم (1326).
(3) رواه البخاري برقم (2235)، باب فضل سقي الماء .
(4) رواه مسلم برقم (2116)، باب النهي عن ضرب الحيوان في وجهه ووسمه فيه.(2/402)
وعنه قال: مر حمارٌ برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قد كُوِيَ في وجهه، يفورٌ منخَراهٌ من دَمٍ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لَعَنَ الله مَنْ فعَل هذا".
ثم نهى عن الكي في الوجه، والضربِ في الوجْهِ (1) .
باب
التحذير من شهادة الزور
قال الله تعالى: { والذين لا يشهدون الزور } (2) .
وقال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين } (3) .
وقال الله تعالى: { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور } (4) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "يُطبع المؤمن على كل شيء ليس الخيانة والكذب" (5) .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من قضيت له من مال أخيه بغير حق لا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار" (6) .
وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين ألا وقول الزور وكان متكئاً فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت" (7) .
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: عَدَلَتْ شهادةٌ الزور الشركَ بالله، قرأ: { واجتنبوا قول الزور } (8) .
__________
(1) رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه الترمذي مختصراً وصححه. وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2295).
(2) سورة الفرقان الآية (72).
(3) سورة النساء الآية (35).
(4) سورة الحج الآية (30).
(5) سبق تخريجه.
(6) رواه البخاري في كتاب الشهادات برقم (2680)، ومسلم في كتاب الأقضية برقم (1713).
(7) رواه البخاري في كتاب الشهادات برقم (2654)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم(87).
(8) رواه الطبراني في الكبير موقوفاً على ابن مسعود. وقال الألباني: حسن موقوف، صحيح الترغيب برقم (2301).(2/403)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبائر فقال: "الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس" وقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزور" أو قال: "شهادة الزور" (1) .
الزور: الكذب والباطل والتُهمة. النهاية (2/318)
باب
التحذير من أن يأمر بمعروف وينهى عن منكر
ويخالف قوله فعله
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه". (2)
فتندلق : أي تخرج. والأقتاب : الأمعاء، واحدها قَتَب.
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رأيتُ ليلة أُسري بي رجالاً تُقرض شفاههم بمقاريض من النار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: الخطباء من أُمتِك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون؟!". (3)
وفي رواية لابن أبي الدنيا: "مررتُ ليلة أُسري بي على قوم تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، كلما قُرضت عادت، فقلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: خطباء من أمتك، يقولون ما لا يفعلون".
وعن طريف بن مجالد الهجيمي عن جندب بن عبد الله الآزدي صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه، كمثل السِّراج، يضيءُ للناس ويحرِقُ نفسهُ" الحديث. (4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم(5977)،ومسلم في كتاب الإيمان برقم(88).
(2) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3267)، ومسلم في كتاب الزهد برقم (2989).
(3) صحيح الجامع رقم (129) .
(4) سبق تخريجه.(2/404)
وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أخوف ما أخافُ عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان". (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يبصر أحدكم القَذَاةَ في عين أخيه، وينسى الجِذع أو الجِذل في عَينْه معترضاً". (2)
باب
النهي عن هتك ستر المسلم وتتبع عورته
عن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ستر عورة أخيه، ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم، كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته". (3)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: "يا معشر من أسلَمَ بلسانه، ولم يُفضي الإيمان إلى قلبه! إلا تُؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحْله".
ونظر ابن عمر يوماً إلى الكعبة فقال: ما أعظمك! وأعظم حُرمتك! والمؤمن أعظم حُرمة عند الله منك. (4)
ورواه ابن حبان في صحيحه إلا أنه قال فيه: "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه! لا تؤذوا المسلمين ولا تعيِّروهم ولا تطلبوا عثراتهم". (5)
وعن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه! لا تغتابوا المسلمين، ولا تتتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته". (6)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) صحيح الترغيب رقم (2331)، والسلسلة الصحيحة برقم (33) .
(3) صحيح الترغيب رقم (2338).
(4) صحيح الترغيب رقم (2339).
(5) صحيح الترغيب (2/589).
(6) صحيح الترغيب رقم (2340).(2/405)
وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم، أو كدت تفسدهُم". (1)
وعن شريح بن عبيد بن جبير بن نُفير وكثير بن مرة وعمرو ابن الأسود والمقدام بن معد يكرب وابي أمامة رضي الله عنهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهُم". (2)
باب
النهي عن الرشوة
قال الله تعالى: { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون } (3) .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "لَعنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتَشِي" (4) .
(الرشوة): الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة. وما يعطى توصلاً إلى أخذ الحق، أو دفع ظلم، فغير داخل فيه. والله أعلم. قاله الشيخ الألباني رحمه الله .
وقال: (الراشي): أصله من الرشا الذي يتوصل به إلى الماء، فـ (الراشي) من يعطي الذي يعينه على الباطل.
وقال: (المرتشي): الآخذ، والذي يسعى بينهما. يسمى (رائش)، يستزيد لهذا ويستنقص لهذا (5) .
ورواه ابن ماجة ولفظه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لعنةُ الله على الراشي والمرْتَشي" (6) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتشي في الحُكْمِ" (7) .
__________
(1) صحيح الترغيب رقم(2342).
(2) صحيح الترغيب رقم (2343).
(3) سورة البقرة الآية (188) .
(4) رواه أبو داود، والترمذي وقال: (حديث حسن صحيح)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2211).
(5) صحيح الترغيب (2/529).
(6) صحيح الترغيب (2/529).
(7) رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في صحيحه، وقال الألباني : صحيح لغيره، صحيح الترغيب رقم (2212)، وإرواء الغليل (8/245) .(2/406)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: الرشوة في الحكم كُفْرٌ، وهي بينَ الناسِ سُحْتٌ (1) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من شفع لرجل شفاعة فأهدى له عليها هدية فقد أتى بابا كبيراً من أبواب الربا" (2) .
حكم مصافحة غير المحارم
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
نحن في قرية لها عادات سيئة من ذلك مثلاً أنه إذا جاء ضيف إلى المنزل فإن الكل يصافحونه ذكوراً وإناثاً فإذا امتنعت عن ذلك قالوا عني أنثى شاذة فما الحكم ؟
فأجاب : الواجب على المسلم أن يطيع الله عز وجل بامتثال أمره والبعد عن نهيه والتمسك بذلك ليس شاذاً بل الشاذ هو الذي يخالف أوامر الله وهذه العادة ـ المسئول عنهاـ عادة سيئة فمصافحة المرأة للرجل غير المحرم سواء كانت من وراء حائل أو مباشرة حرام لما يفضي إليه الملمس من الفتنة وقد وردت في ذلك أحاديث في الوعيد عليه وإن كانت غير قوية السند ولكن المعنى يؤيدها ـ والله أعلم ـ وأقول للسائلة لا تصغي لذم أهلها بل الواجب عليها أن تنصحهم بأن يقلعوا عن هذه العادة السيئة وأن يعملوا بما يرضي الله ورسوله . (3)
كتاب الجنائز وما يتقدمها
باب
ما جاء في فضل ذكر الموت وقصر الأمل
إعلم أن حب الدنيا يندُرُ من يسلم منه وهو ينبعِثُ من طول الأمل لأن الإنسان يقول الأيام بين يدي وأفعلُ غداً كذا وكذا وبعدَ غدٍ سأفعل وأتمتع بالدنيا والتوبة مفتوحٌ بابها وتتمادى به الأيام في جمع الأموال وبناءِ القصور ونحو ذلك وتتشعبُ آماله إلى أن ينسى أن النفس الواحد يبعِّدُهُ من الدنيا ويدنيهِ من الآخرة .
ولكن من العلاج النافع أن يقول الموت ليس بيدي فكيف اعتمدُ على الحياة فربنا قضى والموت لا يتأخر بكراهتي ، قال الله تعالى : { فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ } . (4) .
__________
(1) صحيح الترغيب برقم (2213) .
(2) رواه أبو داود .
(3) المسلمون عدد (59) .
(4) سورة النحل الآية (61) .(2/407)
ومن العلاج زيارة المقابر والنظرُ في مصارع الآباء والأمهات والأخوة والأخوات وسائر القرابات والأقران والزملاء والأصدقاء ويزور المستشفيات والمرضى والسجون والمستوصفات ليشكر الله على نعمه العظيمة .
تَزَوَّدْ مِن الدُنيا فإنكَ رَاحِلُ وَبَادِرْ فإنَّ الموتَ لا شَكَّ نَازِلُ. (1)
عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - ، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ثلث الليل قام فقال: "يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما
فيه جاء الموت بما فيه" قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: "ما شئت" قلت: الرُبُع؟ قال: "ما شئت فإن زدت فهو خير لك" قلت: فالثلثين؟ قال: "ما شئت فإن زدت فهو خير لك" قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: "إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك" (2) .
الراجفة: النفخة الأولى.
الرادفة: النفخة الثانية.
من صلاتي: من دعائي.
تكفي همك: المتعلق بالدارين كما في الرواية المرسلة "يكفيك الله هم الدنيا وهم الآخرة".
الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الذكر المشروع المستحب والذي تطمئن به القلوب وتذهب الهموم والأحزان.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت" (3) .
ورواه ابن حبان وزاد: "فإنه ما ذكره أحد في ضيق إلا وسعه، ولا ذكره في سعةٍ إلا ضيقها عليه" (4) .
باب
ثواب من سأل الله العفو والعافية
__________
(1) إرشاد العباد للاستعداد ليوم المعاد بتصرف .
(2) رواه أحمد والترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح، والحاكم وقال : صحيح الإسناد، السلسلة الصحيحة برقم (952)، والمشكاة برقم (5351)، وفضل الصلاة برقم (14) .
(3) رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3333).
(4) المصدر السابق.(2/408)
عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه، أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! كيف أقولُ حيث أسألُ ربِّي؟ قال: "قل: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني" -ويَجمَعُ أصابِعَهُ إلا الإبهام – "فإن هؤلاءِ تَجمَعُ لك دنياكَ وآخرَتُكَ" (1) .
ثواب من أحب لقاء الله تعالى
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" (2) .
والمعني أن المحبة والكراهة تكون عند النزع، أي عندما يرى المؤمن ما أعد الله له من النعيم والكرامة يحب لقاء الله تعالى ويحب الموت فيحب الله لقاءه، والكافر عندما يرى ما أعد الله له من العذاب والسخط يكره لقاء الله تعالى فيكره الله لقاءه . وعلى هذا المعنى الحديث الآتي .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2697)، باب الحث على ذكر الله تعالى، ورواه أحمد برقم (26805) . (26805) ــ قل اللهم اغفر لي و ارحمني و عافني و ارزقني فإن هؤلاء تجمع لك دنياك و آخرتك .
أبو مالك الأشجعي هو: طارق بن أشيم الأشجعي والد أبي مالك يعد في الكوفيين، قال: كان الرجل إذا أسلم علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة ثم أمره أن يدعو بهذه الكلمات وفي رواية قال : جاء أعرابي إلى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فقال علمني كلاماً أقوله قال قل لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له إلخ قال هؤلاء لربي فما لي؟ قال قل اللهم إلخ . فيض القدير .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6507)، باب مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَه ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6761)، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه .(2/409)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" فقلت: يا نبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت قال: "ليس ذلك ولكن المؤمن إذا بشر برحمةِ الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه" (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله عز وجل: إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه وإذا كره لقائي كرهت لقاءه" (2) .
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن شئتم أنبأتكم ما أول ما يقول الله عز وجل للمؤمنين يوم القيامة؟ وما أول ما يقولون له؟" قلنا: نعم يا رسول الله. قال: "إن الله عز وجل يقول للمؤمنين هل أحببتم لقائي فيقولون: نعم يا ربنا فيقول: لم فيقولون: رجونا عفوك ومغفرتك فيقول قد وجبت لكم مغفرتي" (3) .
باب
كلمات يقولهن من آلمه شيء من جسده
عن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - ، أنه شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعاً يَجدُهُ في جسده منذ أسلمَ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ضع يَدَكَ على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثاً وقلْ سبعَ مرات: أعوذ بالله وقدرتِهِ من شَرِّ ما أجِدُ وأحاذِرُ (4) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومعلوم أن المستعاذ به أفضل من المستعاذ منه، فقد استعاذ برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6507)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6763).
(2) أخرجه البخاري برقم (7338) .
(3) أخرجه أحمد بإسناده عن معاذ، المشكاة (1606).
(4) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2202)، وأحمد في مسنده (4/21 و 217).(2/410)
وأما استعاذته به منه فلا بد أن يكون باعتبار جهتين: يستعيذ به باعتبار تلك الجهة، ومنه باعتبار تلك الجهة ليتغاير المستعاذ به والمستعاذ منه، إذ أن المستعاذ منه مخوف مرهوب منه، والمستعاذ به مدعو مستجار به ملتجأ إليه، والجهة الواحدة لا تكون مطلوبة مهروباً منها، لكن باعتبار جهتين تصح، كما في الحديث الذي في الصحيحين: عن البراء بن عازب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم رجلاً أن يقول عند النوم: «اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك، وفوضت أمري
إليك، رغبة ورهبة إليك، لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك. آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت» فبين أنه لا ينجي منه إلا هو، ولا يلتجأ منه إلا إليه. وأعمل الفعل الثاني لما تنازع الفعلان في العمل. ومعلوم أن جهة كونه منجياً غير جهة كونه منجياً منه، وكذلك جهة كونه ملتجأ إليه غير كونه ملتجأ منه، سواء قيل إن ذلك يتعلق بمفعولاته أو أفعاله القائمة به أو صفاته أو بذاته باعتبارين .اهـ. (1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى أخاه المسلم عائداً مشى في خرافة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح". (2)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا دخلت على مريض فمره أن يدعوا له فإن دعاءه كدعاء الملائكة". (3)
__________
(1) مجموع الفتاوى (16/534) .
(2) رواه ابن ماجة والحاكم عن علي، صحيح الجامع (5810).
(3) رواه ابن ماجة وإسناده جيد إلا أن فيه انقطاعاً، وقال العلامة الألباني: ضعيف جداً، سنن ابن ماجة (1441)، المشكاة (1588).(2/411)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا لم يصبه ذلك البلاء". (1)
باب
ما يقول إذا رأى مبتلى بمرض أو غيره
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من رأى صاحب بلاء فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، إلا عوفي من ذلك البلاء كائناً ما كان ما عاش".
وفي رواية: "لم يصبه ذلك البلاء". (2)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: ينبغي أن يقول هذا الذكر سراً بحيث يسمع نفسه ولا يسمعه المبتلي لئلا يتألم قلبه بذلك إلا أن تكون بليته معصية فلا بأس أن يسمعه ذلك إن لم يخف من ذلك مفسدة والله أعلم. أ. هـ . (3)
باب
ثواب من كان آخر كلامه لا إله إلا الله
عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" (4) .
باب
ثواب تغسيل الميت وكتم ما يرى من مكروه
عن أبي رافع عن أسلم مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" من غَسَّلَ ميتاً فكتم عليه غفر الله له أربعين مرة، ومن كفن ميتاً كساه الله من سندس واستبرق في الجنة ، ومن حفر لميت قبراً فأجنه فيه أجرى الله له من الأجر كأجر مسكنٍ أسكنه إلى يوم القيامة" (5) .
__________
(1) رواه الترمذي، المشكاة (3668)، الإرواء (2453).
(2) صحيح الترمذي برقم (2728)،والصحيحة برقم(602)،وصحيح الترغيب(3392).
(3) كتاب الأذكار (ص48) .
(4) رواه أبو داود، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (6355)، الإرواء (679).
(5) رواه الحاكم (354 و362) والبيهقي (3/395)، وصححه الألباني، الجنائز(ص51) ، صحيح الترغيب برقم (3492) .(2/412)
"فكتم عليه" أي : كتم عليه ما قد يرى في بعض الأموات من سواد الوجه وتغير الخلقة ونحو ذلك.
وفي رواية عن أبي أمامة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من غسل ميتا فستره ستره الله من الذنوب و من كفنه كساه الله من السندس" . (1) .
قال المناوي: يحتمل أن المراد ستر عورته ويحتمل أن المراد ستر ما يبدو له من علامة ردية كظلمة ويحتمل الأمرين وهو أظهر، "ومن كفنه كساه اللّه من السندس" قال النووي: فيه أنه يسن إذا رأى الغاسل ما يعجبه أن يذكره وإذا رأى ما يكره لا يحدث به قال: وهكذا أطلقه أصحابنا لكن قال صاحب البيان: لو كان الميت مبتدعاً معلناً ببدعته فينبغي ذكر ما يكره منه زجراً للناس عن البدعة.اهـ .
باب
صلاة الجنازة
صلاة الجنازة أربع تكبيرات: بعد التكبيرة الأولى يتعوذ ويقرأ الفاتحة .
وبعد التكبيرة الثانية يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والأفضل الصلاة الإبراهيمية، وهي : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبرلاهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
وبعد التكبيرة الثالثة يدعو للميت وللمسلمين ، ويدعو بأي دعاء ، والأفضل يدعو بالدعاء المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن الدعاء المأثور :
__________
(1) رواه الطبراني عن أبي أمامة، صحيح الجامع رقم (6403) .(2/413)
عن جبير بن نفير سمعه يقول سمع عوف بن مالك يقول: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جنازة فحفظت من دعائه، وهو يقول: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر، أو من عذاب النار"، قال:حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت . (1) .
أو : عن أبي هُرَيْرَةَ ، قالَ: « صَلَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى جَنَازَةٍ فقالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا. اللَّهُمَّ مَنْ أحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأحْيِهِ عَلَى الإيمَانِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإسْلاَمِ. اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أجْرَهُ، وَلاَ تُضْلَّنَا بَعْدَهُ».. (2) .
__________
(1) رواه مسلم برقم (963)، باب الدعاء للميت في الصلاة .
(2) رواه أحمد برقم (17213)، وأبو داود برقم (3203)، والترمذي برقم (1018)، والنسائي برقم (1987) . مختصر أحكام الجنائز للشيخ الألباني(56).(2/414)
أو : عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ، كَيْفَ تُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَةِ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا لَعَمْرُ اللَّهِ أُخْبِرُكَ أَتَّبِعُهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَإذَا وُضِعَتْ كَبَّرْتُ وَحَمِدْتُ اللَّهَ وَصَلَّيْتُ عَلَى نَبِيِّهِ، ثُمَّ أَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّهُ عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ اله إلاَّ أَنْتَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِناً، فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ، وَإنْ كَانَ مُسِيئاً، فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ. اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُ. (1) .
وبعد الرابعة يدعو لنفسه وللمسلمين ، ومن الدعاء الذي يقال بعد التكبيرة الرابعة : اللهم لاتفتنا بعده، ولا تحرمنا أجره، واغفر لنا وله .
باب
ثواب من مات غريباً
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: مات رجل بالمدينة ممن ولد بها فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: " يا ليته مات بغير مولد" قالوا: ولِمَ ذاك يا رسول الله ؟ قال:" إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس بين مولده إلى منقطع أثره في الجنة" (2) .
__________
(1) رواه الإمام مالك في موطأه برقم (535)، مختصر أحكام الجنائز للشيخ الألباني(56).
(2) رواه النسائي وابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي، وقال الألباني: حسن صحيح الجامع رقم (1612) .(2/415)
قوله: "إن الرجل إذا مات بغير مولده" قال المناوي: أي بأرض غير الأرض الذي ولد بها يعني مات غريباً، "فليس له" بالبناء للمفعول يعني أمر اللّه الملائكة أن تقيس أي تذرع له من مولده أي المكان الذي ولد فيه، "إلى منقطع" بفتح الطاء، "أثره" أي إلى موضع قطع أجله مي الأجل أثراً لأنه يتبع العمر قال: والمرء ما عاش ممدود له أجل لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأجل وأصله من أثر مشيه في الأرض فإن مات لا يبقى له أثر فلا يرى لأقدامه أثر وقوله: "في الجنة" متعلق بقيس يعني من مات في غربة يفسح له في قبره مقدار ما بين قبره وبين مولده ويفتح له باب إلى الجنة ومن البين أن هذا الفضل العظيم لمن لم يعص بغربته . (1) .
باب
ثواب ما يقول من مات له ميت
قال الله تعالى: { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } (2) .
وعن ابن موسى - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون نعم فيقول:قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم فيقول : فماذا قال عبدي ؟ فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد. (3) .
__________
(1) فيض القدير .
(2) سورة البقرة الآية (156)
(3) رواه الترمذي و حسنه ابن ماجه، وحسنه الألباني رحمه الله، صحيح الجامع رقم (807)، السلسلة الصحيحة رقم (1408).(2/416)
وعن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله تعالى عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها" قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خيرٌُ من أبي سلمة أول بيتٍ هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم إني قلتها فأخلف الله خيراً منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (1) .
وفي رواية لمسلم : عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" قالت: فلما مات أبو سلمة أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات، قال: "قولي :اللهم اغفر لي وله، واعقبني منه عُقبى حسنة" فقلت، فأعقبني الله مَنْ هو خيرٌ لي منه محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - (2) .
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر فقال: " اتقي الله واصبري فقالت: إليك عني فإنك لم تُصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها: إنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بوابين فقالت: لم أعرفك يا رسول الله فقال: " إنما الصبر عند الصدمة الأولى" . (3)
وفي رواية لمسلم: "تبكي على صبي لها".
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (918)
(2) صحيح مسلم ، كتاب الجنائز رقم (919)
(3) أخرجه البخاري في الجنائز برقم (1283) ، ومسلم في كتاب الجنائز برقم (926)، واللفظ للبخاري.(2/417)
قال ابن قيم الجوزية: إن مفاجآت المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمها فإن صبر للصدمة الأولى انكسر حدها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر وأيضاً: فإن المصيبة ترد على القلب وهو غير موطن لها فتزعجه وهي الصدمة الأولى وأما اذا وردت عليه بعد ذلك فقد توطن لها وعلم أنه لا بد له منها فيصح صبره شبيه الاضطرار وهذه المرأة لما علمت أن جزعها لا يجدي عليها شيئاً جاءت تعتذر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنها تقول له قد صبرت فأخبرها أن الصبر انما هو عند الصدمة الأولى.اهـ. (1)
باب
ما يقوله إذا أصابه هَمٌّ أو حزن
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من أصابه هَمّ أو حزن فليدعُ بهذه الكلمات يقول: اللهم أنا عبدك ابن عبدك ابن أمتك في قبضتك ناصيتي بيدك ماضٍ في حكمك عدلٌ فيَّ قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن نور صدري وربيع قلبي وجلاء حزني وذهاب همي"إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجاً"
فقال رجل من القوم: يا رسول الله إن المغبون لمن غُبٍنَ هؤلاء الكلمات فقال: " أجل فقولوهن وعلموهن فإنه من قالهن التماس ما فيهن أذهب الله تعالى حزنه وأطال فرحه" (2) .
باب
النهي عن النياحة واللطم
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اثنتان هما بالناس كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت". (3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "النائحة إذا لم تتب أُلبست درعاً من جرب وسربالا من قطران يوم القيامة". (4)
__________
(1) عدة الصابرين (ص80) .
(2) رواه أحمد(4318/2) وابن السني انظر الفتوحات (4/13)، صحيح الكلم الطيب(ص72)
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (67).
(4) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (974).(2/418)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية". (1)
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الميت يعذب في قبره بما نيح عليه". (2)
وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة". (3)
وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته تعدد عليه فتقول: واكذا واكذا، فقال حين افاق: ما قلت شيئا إلا قيل لي أنت كذا أنت كذا". (4)
وزاد البخاري: "فلما مات لم تبك عليه" أي بعد هذه القصة، فإنه مات شهيداً في غزوة مؤتة كما هو معروف في كتب الحديث والسيرة. قاله الألباني
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول: واجبلاه، واسيداه! أو نحو ذلك، إلا وكل به ملكان يلهزانه: أهكذا أنت؟!". (5)
(اللهز): هو الدفع بجمع اليد في الصدر.
وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الميت ليعذب ببكاء الحي، إذا قالت: واعضداه! وامانعاه، واناصراه، واكاسياه، جبذ الميت فقيل: أنا حِرها أنت؟! أكاسيها أنت؟!". (6)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1297)، ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (103).
(2) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1292)، ورواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (927).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز برقم(1291)،ومسلم في كتاب الجنائز برقم(933).
(4) أخرجه البخاري في كتاب المغازي برقم (4267).
(5) رواه ابن ماجة، والترمذي واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3522).
(6) رواه الحاكم وقال:صحيح الإسناد،وحسنه لألباني في صحيح الترغيب برقم(3523).(2/419)
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة".
وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب". (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة من الكفر بالله، شقً الجيب، والنياحة، والطعن في النسب". (2)
وفي رواية لابن حبان: "ثلاثة هي الكفر".
وفي أخرى: "ثلاث من عمل الجاهلية لا يتركهن أهل الاسلام" فذكر الحديث.
(الجيب): هو الخرق الذي يخرج الانسان منه رأسه في القميص ونحوه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة رن إبليس رنةً اجتمعت إليه جنوده. فقال: ايأسوا بأن تردوا أمة محمد على الشرك بعد يومكم هذا، ولكن افتنوهم في دينهم، وافشوا فيهم النوح. (3)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة". (4)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "النياحة من أمر الجاهلية، وإن النائحة إذا ماتت ولم تتب قطّع الله لها ثيابا من قطران، ودرعاً من لهب النار". (5)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (934).
(2) رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3525).
(3) رواه الطبراني في الكبير، وأبو يعلى في المسند الكبير، والضياء في امختارة، وحسنه الألباني في الترغيب (3526)، والصحيحة برقم (3417).
(4) رواه البزار، وقال المنذر في الترغيب: رواته ثقات، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3527).
(5) رواه ابن ماجة، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب (3/382).(2/420)
(القطران) بفتح القاف وكسر الطاء، قال ابن عباس: "هو النحاس المذاب"
وقال الحسن: "هو قطران الإبل" وقيل غير ذلك.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
ولما مات أبو سلمة قلت: غريب وفي أرضه غربة، لأبكيّنه بكاءً يتحدث عنه، فكنت قد تهيأت للبكاء عليه إذ أقبلت امرأة تريد أن تساعدني، فاستقبلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أتريدين أن تدخلي الشيطان بيتاً أخرجه الله منه؟".
فكففت عن البكاء، فلم أبك. (1)
تساعدني: أي في البكاء والنوح، قولها (غريب في أرض غربة) لأنه من أهل مكة ومات بالمدينة.
وعن أسيد بن أبي أسيد التابعي عن امرأة من المبايعات قالت: "كان فيما أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعروف الذي أخذ علينا، أن لا نخمش وجها، ولا ندعو ويلاً، ولا نشق جيباً، ولا ننشر شعراً". (2)
وعن أبي امامة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية يالويل والثبور". (3)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتلُ زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرف فيه الحزن، قالت: وأنا أطلع من شق الباب فأتاه رجل فقال: أي رسول الله! إن نساء جعفر - وذكر بكاءهن، فأمره أن ينهاهن، فذهب الرجل ثم أتى فقال: والله لقد غلبنني أو غلبننا.
فزعمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فاحثِ في أفواههن التراب".
فقلت: أرغم الله أنفك، فو الله ما أنت بفاعل ولا تركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العَنا. (4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (922).
(2) رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3535).
(3) رواه ابن ماجة، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3536).
(4) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم )1305)، واللفظ له، ومسلم في كتاب الجنائز برقم(935).(2/421)
قال النووي: مرادها أن الرجل قاصر عن القيام بما أمر به من الإنكار والتأديب، ومع ذلك لم يفصح بعجزه عن ذلك ليرسل غيره فيستريح من التعب. أ.هـ.
وعن حذيفة - رضي الله عنه - ، أنه قال: إذ حُضِر: إذا أنا مت فلا يؤذن علي أحد، إني أخاف أن يكون نعياً وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن النعي. (1)
باب
جواز البكاء من غير نياحة
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : "دخلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم عليه السلام فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم فقبله وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول - صلى الله عليه وسلم - تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأنت يا رسول الله فقال يا بن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال - صلى الله عليه وسلم - إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" . (2)
قال ابن سعد : عبد الله بلغ سنة فنقره ديك في وجهه فمات . (3)
وقال البلاذري في الأنساب : أن عبد الله بن عثمان بن عفان من رقية بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مات وضعه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجره ، وقال : "إنما يرحم الله من عباده الرحماء" . (4)
__________
(1) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3531)، وأحكام الجنائز ( ص 44).
(2) )) رواه البخاري برقم (1241) ، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إنا بك لمحزونون .
(3) ) ) الطبقات الكبرى (8/30) .
(4) ) ) فتح الباري (3/186) .(2/422)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال قد قضى قالوا لا يا رسول الله فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رأى القوم بكاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بكوا فقال ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه وكان عمر رضي الله عنه يضرب فيه بالعصا ويرمى بالحجارة ويحثي بالتراب . (1)
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب وإن عيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتذرفان، ثم أخذها خالد بن الوليد إمرة ففتح له" . (2)
وعن أسامة بن زيد قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيا لها أو ابنا لها في الموت، فقال للرسول: "ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب" ، فعاد الرسول، فقال: إنها قد أقسمت لتأتينها، قال: فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وانطلقت معهم، فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها في شنة ففاضت عيناه،فقال له سعد:ما هذا يا رسول الله! قال:"هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" . (3)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1242) ، باب البكاء ثم المريض ، ومسلم برقم (924) ، باب البكاء على الميت .
(2) )) رواه البخاري برقم (1189) ، باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه .
(3) ) ) البخاري برقم (1224) ، ومسلم برقم (923) .(2/423)
قوله فقال هذه أي الدمعة أثر رحمة أي أن الذي يفيض من الدمع من حزن القلب بغير تعمد من صاحبه ولا استدعاء لا مؤاخذه عليه وإنما المنهي عنه الجزع وعدم الصبر قوله وإنما يرحم الله من عباده الرحماء في رواية شعبة في أواخر رآه ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء ومن في قوله من عباده بيانية وهي حال من المفعول قدمه فيكون أوقع والرحماء جمع رحيم وهو من صيغ المبالغه ومقتضاه أن رحمة الله تختص بمن اتصف بالرحمة وتحقق بها بخلاف من فيه أدنى رحمة لكن ثبت في حديث عبد الله بن عمرو ثم أبي داود وغيره الراحمون يرحمهم الرحمن والراحمون جمع راحم فيدخل كل من فيه أدنى رحمة وقد ذكر الحربي مناسبة الإتيان بلفظ الرحماء في حديث الباب بما حاصله أن لفظ الجلالة دال على العظمة وقد عرف بالاستقراء أنه حيث ورد يكون الكلام مسوقا للتعظيم فلما ذكر هنا ناسب ذكر من الغرماء رحمته وعظمته ليكون الكلام جاريا على نسق التعظيم بخلاف الحديث الآخر فإن لفظ الرحمن دال على العفو فناسب أن يذكر معه كل ذي رحمة وأن قلت والله أعلم وفي هذا الحديث من ما تقدم جواز استحضار ذوي الفضل للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم وجواز القسم عليه لذلك وجواز المشي إلى التعزية والعيادة بغير إذن بخلاف الوليمة وجواز إطلاق اللفظ الموهم لما لم يقع بأنه يقع مبالغة في ذلك لينبعث خاطر المسئول في المجيء للإجابة إلى ذلك وفيه استحباب إبرار القسم وأمر صاحب المصيبة بالصبر قبل وقوع الموت ليقع وهو مستشعر بالرضا مقاوما للحزن بالصبر وإخبار من يستدعى بالأمر الذي يستدعى من أجله وتقديم السلام على الكلام وعيادة المريض ولو كان مفضولاً أو صبياً صغيرا وفيه أن أهل الفضل لا ينبغي أن يقطعوا الناس عن فضلهم ولو ردوا أول مرة واستفهام التابع من أمامه عما يشكل عليه مما يتعارض ظاهره وحسن الأدب في السؤال لتقديمه قوله يا رسول الله على الاستفهام وفيه الترغيب في الشفقة على خلق الله والرحمة لهم(2/424)
والترهيب من قساوة القلب وجمود العين وجواز البكاء نوح ونحوه . (1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتلُ زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرف فيه الحزن، قالت: وأنا أطلع من شق الباب فأتاه رجل فقال: أي رسول الله! إن نساء جعفر - وذكر بكاءهن، فأمره أن ينهاهن، فذهب الرجل ثم أتى فقال: والله لقد غلبنني أو غلبننا.
فزعمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فاحثِ في أفواههن التراب".
فقلت: أرغم الله أنفك، فو الله ما أنت بفاعل ولا تركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العَنا. (2)
قال النووي: مرادها أن الرجل قاصر عن القيام بما أمر به من الإنكار والتأديب، ومع ذلك لم يفصح بعجزه عن ذلك ليرسل غيره فيستريح من التعب. أ.هـ.
وعن حذيفة - رضي الله عنه - ، أنه قال: إذ حُضِر: إذا أنا مت فلا يؤذن علي أحد، إني أخاف أن يكون نعياً وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن النعي. (3)
عن أنس - رضي الله عنه - قال : شهدنا بنتاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على القبر ، قال : فرُأيت عيناه تدمعان ،
قال : فقال :" هل منكم رجل لم يقارف الليلة " ؟
فقال أبو طلحة : أنا ، قال :" فانزل "
قال : فنزل في قبرها . (4)
لم يقارف : أي لم يجامع .
باب
المرأة تغسل زوجها
__________
(1) ) ) فتح الباري (3/157،158) .
(2) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم )1305)، واللفظ له، ومسلم في كتاب الجنائز برقم(935).
(3) رواه الترمذي وقال:حديث حسن،وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم(3531)، وأحكام الجنائز ( ص 44).
(4) ) ) رواه البخاري برقم ( 3/ 126، 127، 167) .(2/425)
عن يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير قال سمعت عائشة تقول ثم لما أرادوا غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن اغسلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثيابه فقاموا إلى رسول الله فغسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم وكانت عائشة تقول لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه . (1)
وعن وكيع عن سفيان عن إبراهيم بن مهاجر أن أبا موسى غسلته امرأته في الرجل يغسل امرأته . (2)
وعن معمر عن أيوب عن ابن أبي مليكة أن امرأة أبي بكر غسلته حين توفي أوصى بذلك . (3)
وعن الثوري عن إبراهيم النخعي أن أبا بكر غسلته امرأته أسماء وأن أبا موسى الأشعري غسلته امرأته أم عبد الله قال الثوري ونقول نحن لا يغسل الرجل امرأته لأنها لو شاء تزوج أختها حين ماتت ونقول تغسل المرأة زوجها لأنها في عدة منه . (4)
و عن عبد الله بن أبي بكر ثم أن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصديق حين توفي ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت إني صائمة وإن هذا يوم شديد البرد فهل علي من غسل فقالوا لا . (5)
باب
صفة تغسيل الميت
__________
(1) )) رواه أحمد في المسند برقم (26349)، وأبو داود برقم (3141) ، باب في ستر الميت ثم غسله.
(2) )) رواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم (10976)، في المرأة تغسل زوجها ألها ذلك.
(3) )) رواه عبد الرزاق في المصنف برقم (6117) ، باب المرأة تغسل الرجل .
(4) )) رواه عبد الرزاق في المصنف برقم (6119) ، باب المرأة تغسل الرجل .
(5) )) رواه مالك في الموطأ برقم (521) ،(2/426)
عن أم عطية قالت : دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نغسل ابنته أم كلثوم ، فقال : " أغسلنها ثلاثاً ، أو خمساً ، أوأكثر من ذلك إن رأيتن ذلك ، بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور ، فإذا فرغتن فآذنني"،فلما فرغنا آذناه ، فألقى إلينا حَقْوَهُ ، وقال : "أشعرنيها إياه". (1)
حقوه : الحقو : الإزار .
وقوله : أشعرنيها إياه : أي اجعلنه شعاراً لها ، وهو الثوب يلي جسدها .
ثلاثة قرون : أي ثلاث ضفائر .
وكان ممن غسل أم كلثوم رضي الله عنها ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أم عطية ، وأسماء بنت عميس ، وصفية بنت عبد المطلب ، وليلى بنت قانف الثقفية ، وأم سليم . (2)
وصلى عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . (3)
باب
النهي عن سب الميت والإساءة له
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسبوا الأموات، فإنهم أفضوا إلى ما قدموا". (4)
قوله: "أفضوا إلى ما قدموا": أي وصلوا إلى ما عملوا من خير أو شر.
قال ابن حجر رحمه الله: "واستدل به على منع سب الأموات مطلقا، وأصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساوئهم للتحذير منهم والتنفير عنهم، وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأموات. أ.هـ. (5)
الطب النبوي والعلاج بالأعشاب
__________
(1) ) ) أخرجه ابن ماجة برقم (1458) ونحوه في الصحيحين بدون التصريح باسم أم كلثوم . رواه البخاري برقم (1195) ، باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر ، ومسلم برقم (939) ، باب في غسل الميت .
(2) ) ) فتح الباري (3/153) .
(3) ) ) أسد الغابة (5/486) ، والطبقات الكبرى (8/31) .
(4) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1393).
(5) فتح الباري (3/259) .(2/427)
من كمال هذه الشريعة الغراء شملت كل جوانب الحياة، وفيها كل ما يُحتاج إليه حتى في العلوم الطبية، وهذا من رحمة الله تعالى المنان ونعمه على عباده سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً } . (1)
قال ابن مفلح الحنبلي: أن هذه الشريعة كاملة كما قال تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً } ، وأنها تضمنت جميع الطب المحتاج إليه نصاً أو ظاهراً أو إيماءً أو قياساً، وكيف لا يكون الأمر كذلك وهي شريعة سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه الذي أرسله الله سبحانه رحمة للعالمين، وبعثه إلى الناس عامةً الإنس والجن بمصالح الدنيا والآخرة، فاشتملت شريعته الطاهرة على مصالح الأبدان كما اشتملت على مصالح القلوب، وفيها من الطب المحتاج إليه ملا يعلمه إلا الأشياء وأتباعهم كما سبق ذكره، وهذا مما شك فيه ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو معاند،وقد قال تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } . (2) .اهـ. (3)
ومن المعلوم أن الله تعالى يبتلي عباده بالأمراض والأسقام ليكفر عنهم سيئاتهم إذا صبروا على ذلك، وهذا من رحمته سبحانه وتعالى بعباده المؤمنين .
فعن أبي هريرة ، وعن جبير بن مطعم رضي الله عنهما: "إن الله تعالى يبتلي عبده المؤمن بالسقم حتى يكفر عنه كل ذنب" . (4)
__________
(1) سورة المائدة الآية (3) .
(2) سورة آل عمران الآية (110) .
(3) الآداب الشرعية طبعة مؤسسة الرسالة.
(4) رواه الطبراني عن جبير بن مطعم والحاكم عن أبي هريرة، صحيح الجامع حديث رقم (1870) .(2/428)
أي يختبر ويمتحن عبده المؤمن القوي على احتمال ذلك، بالسقم، بضم فسكون أي المرض، حتى يكفر عنه كل ذنب، فيجب على العبد أن يشكر اللّه على البلاء لأنه في الحقيقة نعمة لا نقمة لأن عقوبة الدنيا منقطعة وعقوبة الآخر دائمة ومن عجلت عقوبته في الدنيا لا يعاقب في العقبى، قال القرطبي: والمكفر بالمرض الصغائر بشرط الصبر أما الكافر فقد يزاد له بالبلاء في المال والولد وقد يخفف عنه به عقوبة غير الشرك . (1)
وفي القرآن الكريم والسنة الصحيحة أنواعاً من الرقية الشرعية الثابتة، ومن العلاجات والأدوية النافعة بإذن الله تعالى، فعلى العبد أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى في الخير والشر، وفي السر والعلن، وأن يدعوه في كشف الضر عنه، قال الله تعالى : { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ } . (2) ، فإنه لا شافي إلا الله، ولا منجي إلا هو سبحانه وتعالى، قال تعالى: { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } . (3)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء لا يعدل إلى الدواء ، ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب ، قالوا وكل داء قدر على دفعه بالأغذية والحمية لم يحاول دفعه بالأدوية ، قالوا ولا ينبغي للطبيب أن يولع بسقي الأدوية فإن الدواء إذا لم يجد في البدن داء يحلله أو وجد داء لا يوافقه أو وجد ما يوافقه فزادت كميته عليه أو كيفيته تشبث بالصحة وعبث بها، وأرباب التجارب من الأطباء طبهم بالمفردات غالبا وهم أحد فرق الطب الثلاث . (4) .
وقال في مكان آخر : فإعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء النافع . اهـ. (5) .
__________
(1) فيض القدير .
(2) سورة النمل الآية (62) .
(3) سورة الشعراء الآية (80) .
(4) الطب النبوي (ص6) .
(5) الطب النبوي(ص29).(2/429)
وقال ابن حجر رحمه الله تعالى في تعليقه على حديث المرأة التي تصرع: "وفيه أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير ، وأن تأثير ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية، ولكن إنما ينجع بأمرين: أحدهما من جهة العليل وهو صدق القصد، والآخر: من جهة المداوي وهو قوة توجهه وقوة قلبه بالتقوى والتوكل والله أعلم" . (1)
باب
الصبر على البلاء
إذا ابتلى الله سبحانه وتعالى عبده المؤمن وصبر على ذلك واحتسب الأجر عند الله تعالى نال بذلك الأجر العظيم يوم القيامة .
قال الله تعالى: { والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرؤون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } . (2)
وقال تعالى: { وبشر المخبتين الذين إذا ذكرا لله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم } . (3)
وقال تعالى: { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } (4)
الصبر لغة : الحبس
قال مالك بن أنس في قوله: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } قال: هو الصبر على فجائع الدنيا وأحزانها. ولا شك أن كل من سلّم فيما أصابه، وترك ما نهي عنه، فلا مقدار لأجره. (5)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ومن يتصبر يصبره الله وما أُعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر" (6)
__________
(1) فتح الباري (10/115) .
(2) سورة الرعد الآية (22-24).
(3) سورة الحج الآية (34-35).
(4) سورة الزمر الآية (10).
(5) تفسير القرطبي (15/240) .
(6) رواه البخاري ومسلم.(2/430)
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: وأما من وفقه الله تعالى للصبر عند وجود هذه المصائب فحبس نفسه عن التسخط قولاً وفعلاً واحتسب أجرها عند الله وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له، بل المصيبة تكون نعمة في حقه لأنها صارت طريقاً لحصول ما هو خير له وأنفع منها فقد امتثل أمر الله وفاز بالثواب.
فلهذا قال الله تعالى : { وبشر الصابرين } .
أي بشرهم بأنهم يوفون أجورهم بغير حساب فالصابرين هم الذين
فازوا بالبشارة العظيمة والمنحة الجسيمة .أ.هـ . (1)
قال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي ، فإنها أعظم المصائب" (2)
قال المناوي: "إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر" : أي يتذكر "مصيبته بي" : أي بفقدي من بين أظهر هذه الأمة وانقطاع الوحي والإمداد السماوي .
"فإنها من أعظم" : وفي رواية من أشد .
وعن صهيب الرومي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك إلا للمؤمن إذا أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإذا أصابته ضراء صبر فكان خيراً له " (3)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : فالمؤمن إذا كان صبورا شكورا يكون ما يقضى عليه من المصائب خيرا له و إذا كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر مجاهدا في سبيله كان ما قدر له من كفر الكفار سبب للخير في حقه و كذلك إذا دعاه الشيطان و الهوى كان ذلك سببا لما حصل له من الخير فيكون ما يقدر من الشر إذا نازعه و دافعه كما أمره الله و رسوله سببا لما يحصل له من البر و التقوي و حصول الخير و الثواب و ارتفاع الدرجات فهذا و أمثاله مما يبين معنى هذا الكلام والله أعلم.اهـ. (4)
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن (1/100) .
(2) صحيح الجامع رقم (347) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق برقم (2999).
(4) مجموع الفتاوى (8/549).(2/431)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط" (1) .
فيه الحث للعبد على الصبر على المصائب حتى يكتب له الرضى من الله عز وجل والثواب الكامل بإذن الله تعالى.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه من خطيئة" (2) .
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال : قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً قال: " الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يُبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلاه الله على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة" (3) .
وفي الصحيحين مرفوعاً: "الصبر عند الصدمة الأولى" (4) .
وقال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: ومن علاج المصيبة :أن يوازن بين أعظم اللذتين والتمتعين، و أدومهما لذة تمتعه بما أُصيب به ولذةِ توفيقه ، وإن آثر المرجوح من كل وجه فليعلم أن مصيبته في عقله وقلبه ودينه أعظم من مصيبته التي أُصيب بها في دنياه.أ.هـ. (5)
__________
(1) أخرجه الترمذي برقم (2396) في كتاب الزهد، صحيح الجامع (308) والصحيحة (146) عن أنس رضي الله عنه.
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الزهد برقم (2399)، وأحمد في مسنده (2/287، 450) وقال الترمذي: حسن صحيح، صحيح الجامع (5815).
(3) رواه ابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وابن حبان ، وصححه الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم (143).
(4) البخاري في كتاب الجنائز برقم (1302) ومسلم في كتاب الجنائز برقم (926).
(5) زاد المعاد (4/153) .(2/432)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال : مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر فقال: " اتقي الله واصبري فقالت: إليك عني فإنك لم تُصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها: إنه
النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بوابين فقالت: لم أعرفك يا رسول الله فقال: " إنما الصبر عند الصدمة الأولى" (1) .
وفي رواية لمسلم: "تبكي علي صبي لها".
الصبر الذي يثاب الإنسان عليه هو أن يصبر أول ما تصيبه المصيبة ويحتسب عند الله الأجر والثواب هذا هو الصبر.
قال النووي: معناه الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر الجزيل لكثرة المشقة فيه، وأصل الصدم الضرب في شيء صلب، ثم استعمل مجازاً في كل مكروه حصل بغتة. (2)
قال ابن حجر: والمعني إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر، وأصل الصدم ضرب الشيء الصلب بمثله فاستعير للمصيبة الواردة على القلب، قال الخطابي: المعنى أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة، بخلاف ما بعد ذلك فإنه على الأيام يسلو، وحكى الخطابي عن غيره أن المرء لا يؤجر على المصيبة لأنها ليست من صنعه، وإنما يؤجر على حسن تثبته وجميل صبره، وقال ابن بطال: أراد أن لا يجتمع عليها مصيبة الهلاك وفقد الأجر. (3)
__________
(1) أخرجه البخاري في الجنائز برقم(1283)، باب الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى، واللفظ له، ومسلم في كتاب الجنائز برقم (926)، باب في الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم .
(3) فتح الباري .(2/433)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد هذا الحديث أن الصبر الذي يُحمد فاعله الصبر عند الصدمة الأولى: يصبر الإنسان ويحتسب ويعلم أن لله ما أخذ وله ما أعطى وأن كل شيء عنده بأجل مسمى. أ.هـ. (1) وفي الحديث القدسي ، قال الله عز وجل: "ابن آدم إن صبرت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثواباً دون الجنة" (2) .
باب
عيادة المريض
عيادة المريض من أفضل الأعمال والقربات التي يتقرب بها العبد إلى الله سبحانه وتعالى، ويترتب عليها الأجر العظيم إذا قصد الزائر وجه الله تعالى .
فعن ثوبان - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن المسلم إذا عادَ أخاه المسلم لم يزل في خرفةٍ الجنة حتى يرفع" قيل: يا رسول الله وما خرفة الجنة؟ قال: "جناها". (3)
الخرمة : جنى الجنة وهو ما يجتنى من الثمر.
عيادة المريض من الطاعات التي تقرب من الجنة وتباعد من النار.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من عاد مريضاً أو زار أخا له في الله ناداه منادٍ من السماء طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً". (4)
ورواه ابن حبان إلا أنه قال : "إذا عاد الرجل أخاه أو زاره قال الله تعالى: طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً".
__________
(1) شرح رياض الصالحين (1/169) .
(2) رواه ابن ماجة.
(3) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6498).
(4) رواه الترمذي (969) وقال: حديث حسن، وأبو داود (3098 و 3099)، وابن ماجة برقم (1442)، الصحيحة (1367)، وصحيح الجامع رقم (6387) .(2/434)
وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من مسلم يعود مسلماً غدوةً إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن عاده عشيةً إلا صلى عليه سبعون ألف ملكٍ حتى يصبح وكان خريفٌ في الجنة". (1)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة: من عاد مريضاً وشهد جنازة وصام يوماً وراح إلى الجمعة وأعتق رقبة". (2)
وعنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عودوا المريض واتبعوا الجنائز تذكركم الآخرة". (3)
قال ابن الأثير: العيادة الزيارة ثم اشتهرت في زيارة المريض حتى صار كأنه مختص به (واتبعوا الجنازة) فإنها (تذكركم الآخرة) أي أحوالها وأهوالها وهذا كالمحسوس والأمر للندب المؤكد قال بعضهم: أمر بذلك لحق المسلم وللاتعاظ فإن المرض والموت يذكران الآخرة لأنهما من أسباب الرحيل فيستعد وكأنه يشير به إلى أن يكون معظم قصدكم من اتباع الجنائز ذكر الآخرة لا ما أحدثوا من الرسم والعادة مع ما فيها من البركة بحضور المؤمنين ومعونة أهله على تجهيزه . (4)
__________
(1) رواه الترمذي (969) وقال: حديث حسن، وأبو داود (3098 و 3099) وابن ماجة (1442)، الصحيحة (1367).
(2) رواه ابن حبان، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (1023)، وصحيح الترغيب برقم (3496 و 3470)، وصحيح الجامع برقم (4109) .
(3) رواه أحمد وابن حبان قال في مجمع الزوائد (3/29): رواه أحمد والبزار ورجاله ثقات، وفيه : وامشوا مع الجنائز، الصحيحة (1981)، والجنائز (66 و 67).
(4) فيض القدير.(2/435)
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " خمس من فعل واحدة منهن كان ضامناً على الله عز وجل من عاد مريضاً أو خرج مع جنازة أو خرج غازياً أو دخل على إمام يريد تعزيره وتوقيره أو قعد في بيته فسلم الناس منه وسلم من الناس". (1)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من عاد مريضاً لم يزل يخوض في الرحمة حتى يجلس فإذا جلس اغتمس فيها". (2)
وفي رواية: "من عاد مريضاً خاض في الرحمة، حتى إذا قعد استقر فيها". صحيح الأدب المفرد
وعن علي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا عاد المسلم أخاه مشى في خرافة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة وما من رجل يعود مريضاً ممسياً إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي". (3)
وفي رواية: "إذا عاد الرجل أخاهُ المسلم، مشى في خرافة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف حتى يمسي، وإن كان عشياً صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يُصبح". (4)
__________
(1) رواه أحمد والطبراني وابن خزيمة وابن حبان قال في مجمع الزوائد (2/299): رواه الطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة وفيه كلام وبقية رجاله ثقات وله طرق، السنة (1021، 1022) صحيح الجامع (3253).
(2) رواه أحمد، والبزار وابن حبان، قال في المجمع (2/297): رواه أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح، السلسلة الصحيحة رقم (2504)، المشكاة (1581).
(3) رواه أحمد وابن ماجة، وأبو داود موقوفاً باختصار وزاد فيه: وكان له خريف في الجنة،ورواه الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم،الصحيحة(1367).
(4) رواه أحمد، وأبو يعلى، والبيهقي في سننه عن علي، وكذا رواه أبو داود والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (682).(2/436)
قوله: "في خرافة الجنة" بكسر الخاء أي أحشاء ثمر الجنة شبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما يحوزه المخترف من الثمر والله أعلم.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من امريء مسلم يعود مسلماً إلا ابتعث الله سبعين ألف ملك، يصلون عليه في أي ساعات النهار كان حتى يمسي وأي ساعات الليل كان حتى يصبح". (1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من رجل يعود مريضاً ممسياً إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح ومن أتاه مصبحاً خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون حتى يمسي وكان له خريف في الجنة". (2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى أخاه المسلم عائداً مثنى في خرافة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح". (3)
العلاج بالقرآن والسنة
أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن على نبيه - صلى الله عليه وسلم - وجعل فيه الشفاء والرحمة، وأوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعلاج بالقرآن ورخص به .
فعن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها، فقال: "عالجيها بكتاب الله". (4)
وعن أم سلمة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة، فقال: "استرقوا لها فإن بها النظرة" . (5)
__________
(1) رواه ابن حبان عن علي، صحيح الجامع(5563)، وصحيح الترغيب(3476).
(2) رواه أبو داود والحاكم عن علي، صحيح الجامع(5593)، وصحيح الترغيب رقم
(3476).
(3) رواه ابن ماجة والحاكم عن علي، صحيح الجامع (5810).
(4) رواه ابن حبان، صحيح الجامع حديث رقم (3969). والسلسلة الصحيحة رقم
(1931) .
(5) رواه البخاري برقم (5607)، ما أنزل الله من داء إلا أنزل معه دواء، ومسلم برقم
(5679)، باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة .(2/437)
قوله: استرقوا: الرقية هي ما يتعوذ به، وفي القاموس قال الطيبي: ما يرقى به من الدعاء لطلب الشفاء .
سفعة: أي آثر سواد أو غبرة أو صفرة .
النظرة: أي أصابتها عين .
وللعين نظر باستحسان مشوب بحسد من حيث الطبع يحصل للمنظور ضرر وفيه مشروعية الرقيا فلا يعارضه النهي عن الرقيا في عدة أحاديث كقوله في الحديث الآتي: الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، لأن الرقية المأذون فيها هي ما كانت بما يفهم معناه ويجوز شرعاً مع اعتقاد أنها لا تؤثر بذاتها بل بتقديره تعالى والمنهي عنها ما فقد فيها شرط من ذلك.
آداب و ضوابط الراقي
هناك آداب وضوابط تخص كل من يعالج بالقرآن والسنة، فعلى الراقي أن
يتحلى :
1- أن تكون الرقية شرعية وثابتة في الكتاب والسنة .
2- أن يتوكل ويعتمد على الله تعالى وأن يتضرع إلى الله بشفاء هذا المريض، وعلى المريض كذلك أن يعتمد على الله تعالى لأنه سبحانه هو الشافي لا أحد غيره .
3- على المعالج أن يتقي الله تعالى وأن لا يتعامل مع الجن أو السحر أو استخدام أمور غير شرعية بعلاجه للمرضى، لأن هذه الأمور كلها حرام وتُعد من الكبائر، بل ويؤدي بعضها إلى الكفر والعياذ بالله .
4- أن يكون على طهارة .
5- وعلى المعالج كذلك أن يأمر المريض بالمعروف مثل المحافظة على الصلوات وبقية العبادات والمحافظة على الأذكار العامة كأذكار الصباح والمساء والنوم وما شابه ذلك، وأن ينهاه عن المنكر كسماع الأغاني والموسيقى وما شابه ذلك .
6- وعليه أن لا يتكلم مع الجن إذا نطق على لسان المريض، بل يستمر بقراءة القرآن، لأن الكلام مع الجن فيه راحة له والقرآن عذاب عليه، فأنت ترفع عنه العذاب وتريحه وهذا الذي يريده الجن فاحذر من هذا.(2/438)
7- وعلى المعالج أيضاً أن لا يتكلم أي شيء بخصوص المريض الذي عالجه أو يفتخر هو بمعالجته لفلان من الناس، لأن هذا مدخل كبير للشيطان ومزلق خطير، وربما يؤدي للرياء وبالتالي يُحبط العمل والعياذ بالله، وفيها تشهير للمريض، وربما يؤدي للغرور، عليه أن يكثر من دعاء: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله و لا تكلني إلى نفسي طرفة عين. (1)
8- أن يوصي المريض بأن يجعل له ورد من القرآن كل يوم، مع انكساره بين يدي الله وتضرعه بشفائه .
والرقية الشرعية تكون بكل القرآن الكريم يقرأ على المريض بأي جزء أو أي آية ويكون فيه الشفاء بإذن الله تعالى، ولكن هناك بعض الآيات والسور يكون فيها النفع أكثر بإذن الله تعالى وجاء في بعضها النصوص.
وهي :
1- سورة الفاتحة .
2- أول خمس آيات من سورة البقرة .
3- آية 102 من سورة البقرة، واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، كاملة.
4- آية الكرسي .
5- آخر آيتين من سورة البقرة، آمن الرسول إلى الأخير .
6- سورة الإخلاص .
7- سورة الفلق كاملة، وسورة الناس كاملة .
هذا إذا كان البلاء شديد يقرأ عليه سورة البقرة كاملة، وكذلك سورة الصافات .
باب
الرقية بالفاتحة
ثبت العلاج بفاتحة الكتاب وهي من العلاجات النافعة بإذن الله تعالى .
__________
(1) الحديث عن أنس، انظر صحيح الجامع حديث رقم (5820).(2/439)
فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، قال: انطلق نفرٌ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرةٍ سافروها حتى نزلوا على حيّ من أحياء العرب ، فاستضافوهم ، فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاءِ الرهطَ الذين نزلوا لعلهم أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم ،فقالوا: يا أيها الرهط ! إن سيدنا لُدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه ، فهل عند أحدكم من شيء ؟ فقال بعضهم: نعم والله إني لأرقي، ولكن استضفناكم، فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ حتى تجعلوا لنا جعلاً ، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ، ويقرأ : الحمد لله رب العالمين، فكأنما أنشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قلبةٌ، قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه ، فقال بعضهم: اقتسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذكروا له ذلك ، فقال: "وما يدريك أنها رقية؟" ،ثم قال : "قد أصبتم ،اقسموا واضربوا لي معكم سهماً" . (1)
ما به قلبة: معناه ليست به علة ، يُقَلَّبُ لها فيُنْظَرُ إِليه . تقول: ما بالبعير قَلَبة، أَي ليس به داءٌ يُقَلْبُ له، فيُنْظَرُ إِليه؛ وقال الطائي: معناه ما به شيءٌ يُقْلِقُه، فَيَتَقَلَّبُ من أَجْلِه على فراشه.اهـ. (2)
__________
(1) أخرجه البخاري في الطب برقم (2242)، باب مَا يُعْطَى فِي الرُّقْيَةِ عَلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب، ومسلم في السلام برقم (2201)، باب جواز أخذ الأجرة على الرقية .
(2) لسان العرب (1/ 687).(2/440)
قال ابن قيم الجوزية: ومن المعلوم أن بعض الكلام له خواصُّ ومنافعُ مجربة، فما الظنُّ بكلام ربّ العالمين، الذي فَضلُهُ على كل كلامٍ كفضل الله على خلقه الذي هو الشفاء التام، والعصمةُ النافعة، والنورُ الهادي، والرحمة العامة، الذي لو أُنزلَ على جبل لتَصَدعَ من عظمته وجلالته. قال تعالى: { ونُنَزلُ منَ القُرآن مَا هُوَ شفَاءٌ وَرَحمَةٌ للمُؤمنينَ } و { من } ها هنا لبيان الجنس لا للتبعيض، هذا أصَحُّ القولين، كقوله تعالى: { وَعَدَ الله الذينَ آمَنُوا وعَملُوا الصالحَات منهُم مَغفرَةً وأجراً عَظيمَاً } وكلُّهُم من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فما الظنُّ بفاتحة الكتاب التي لم يُنزل في القرآن، ولا في التوراة ولا في الإنجيل، ولا في الزبور مثلُها، المتضمنة لجميع معاني كتب الله، المشتملة على ذكر أصول أسماء الرب تعالى ومجامعها، وهي «الله» و«الرب» و«الرحمن» و«إثبات المعاد» و«ذكر التوحيدين» توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية. وذكر الافتقار إلى الرب سُبحانه في طلب الإعانة وطلب الهداية، وتخصيصه سبحانه بذلك، وذكر أفضل الدعاء على الإطلاق وأنفعه وأفرضه، وما العبادُ أحوج شيءٍ إليه، وهو الهدايةُ إلى صراطه المستقيم، المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته، بفعل ما أَمَر به، واجتناب ما نَهَى عنه، والاستقامة عليه إلى الممات، ويتضمن ذكر أصناف الخلائق وانقسامهم إلى مُنعمٍ عليه بمعرفة الحق، والعمل به، ومحبته، وإيثاره، ومغضوب عليه بعدُوله عن الحق بعد معرفته له، وضال بعدم معرفته له. وهؤلاء أقسامُ الخليقة مع تضمنها لإثبات القدر، والشرع، والأسماء، والصفات، والمعاد، والنبوات، وتزكية النفوس، وإصلاح القلوب، وذكر عدل الله وإحسانه، والرد على جميع أهل البدع والباطل، كما ذكرنا ذلك في كتابنا الكبير «مدارج السالكين» في شرحها. وحقيقٌ بسورةٍ هذا بعضُ شأنها، أن يُستشفى بها من الأدواء، ويُرقى بها اللديغُ.(2/441)
وبالجملة فما تضمنته الفاتحةُ من إخلاص العبودية والثناء على الله، وتفويض الأمر كُله إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، وسؤاله مجامع النعم كلها، وهي الهداية التي تجلبُ النعم، وتدفَعُ النقم، من أعظم الأدوية الشافية الكافية. (1)
باب
قراءة آية الكرسي وفضلها
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه كان على تمر الصدقة فوجد أثر كف كأنه قد أخذ منه فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:تريد أن تأخذه؟ قل: من سخرك لمحمد - صلى الله عليه وسلم - قال أبو هريرة: فقلت فإذا جني قائم بين يديّ فأخذته لأذهب به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنما أخذته لأهل بيت فقراء من الجن ولن أعود قال: فعاد فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: تريد أن تأخذه؟ فقلت: نعم فقال: قل سبحان من سخرك لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقلت فإذا أنا به فأردت أن أذهب به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فعاهدني أن لا يعود فتركته ثم عاد فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: تريد أن تأخذه فقلت: نعم فقال: قل سبحان من سخرك لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقلت فإذا أنا به فقلت: عاهدتني فكذبت وعدت لأذهبن بك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: خل عني أعلمك كلمات إذا قلتهن لم يقربك ذكر ولا أنثى من الجن قلت: وما هؤلاء الكلمات؟! قال: آية الكرسي إقرأها عند كل صباح ومساء قال أبو هريرة: فخليت عنه فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: "أو ما علمت أنه كذلك".
وفي رواية فإنه لن يزال عليك من الله حافظا حتى تصبح قال "صدقك وهو كذوب ذاك الشيطان". (2)
__________
(1) ) ) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن.
(2) رواه الترمذي عن أبي أيوب الأنصاري وقال: حديث حسن غريب، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1469).(2/442)
وعن أُبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا أبا المنذر! آية من كتاب الله معك أعظم؟" قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "يا أبا المنذر! أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟" قال: الله لا إله إلا هو الحي القيوم. قال فضرب في صدري وقال: "والله ليهنك العلم أبا المنذر". (1)
قال النووي رحمه الله تعالى: إنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم لما جمعت من أصول الأسماء والصفات من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات والله اعلم. أ.هـ. (2)
قراءة آخر آيتين من سورة البقرة كل ليلة
أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقراءة آخر آيتين من سورة كل ليلة وحث عليها، ومن قرأ بهما في ليلة تكفيه من كل شيء بإذن الله تعالى .
فعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه". (3)
وعن النعمان بن بشير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله تعالى كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام وهو عند العرش وإنه أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ولا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها الشيطان" (4)
كَفَتاه: أَي أَغْنَتاه عن قيام الليل، وقيل: إِنهما أَقل ما يُجزىء من القراءة في قيام الليل، وقيل: تَكْفِيانِ الشرَّ وتَقِيان من المكروه. (5)
وقيل: كفتاه من الشيطان، وقيل: من الآفات، ويحتمل من الجميع .
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1882)، وابو داود في كتاب الصلاة برقم (1460).
(2) شرح مسلم (6/333-334) .
(3) أخرجه البخاري برقم (3921)، في فضائل القرآن ، باب فضل سورة البقرة ، ومسلم في المسافرين برقم (808) ، باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة.
(4) رواه الترمذي والنسائي والحاكم، صحيح الجامع رقم (1799) .
(5) لسان العرب .(2/443)
قال ابن حجر: وكأنهما اختصتا بذلك لما تضمنتاه من الثناء على الصحابة بجميل انقيادهم إلى الله وابتهالهم ورجوعهم إليه وما حصل لهم من الإجابة إلى
مطلوبهم. (1)
إنما خص الليل لأنه محل سكون الآدميين وانشار الشياطين "فيقر بها شيطان" فضلاً عن أن يدخلها فعبر بنفي القرب ليفيد نفي الدخول بالأولى.
باب
ما جاء في المعوذتين وفضلهما
عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنزلت عليَّ آيات لم ير مثلهن قط المعوذتين" . (2)
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من أعين الجان والأنس بأدعية معينة ولما نزلت المعوذتان أخذ يتعوذ بهما وترك ما سواهما .
فعن أبي سعيد، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوذ من أعين الجان وأعين الإنسان، فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سواهما. (3)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : وفي المعوذتين الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلاً فإن الاستعاذة من شر ما خلق تعم لك شر يستعاذ منه سواء كان في الأجسام أو الأرواح.
وقال رحمه الله تعالى: فقد جمعت السورتان الاستعاذة من كل شر ولهما شأن عظيم في الاحتراس والتحصن من الشرور قبل وقوعها ولهذا أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - عقبة بن عامر بقراءتها عقب كل صلاة، ذكره الترمذي في جامعه . (4)
__________
(1) فتح الباري .
(2) ) ) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين ، برقم (1889)، باب فضل قراءة المعوذتين، وأحمد في مسنده (3/150 و 153) ، والدارمي في سننه، والترمذي في أبواب فضائل القرآن.
(3) ) ) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين ، برقم (1889)، باب فضل قراءة المعوذتين، وأحمد في مسنده (3/150 و 153) ، والدارمي في سننه، والترمذي في أبواب فضائل القرآن.
(4) ) ) أخرجه الترمذي في أبواب فضائل القرآن برقم (2912).(2/444)
وقال في هذا سر عظيم في استدفاع الشرور من الصلاة إلى الصلاة وقال: ما تعوذ المعوذون بمثلهما. أ.هـ . (1)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اقرأ يا جابر!" ، فقلت : وما أقرأ بأبي أنت وأمي؟ قال : { قل أعوذ برب الفلق }
و { قل أعوذ برب الناس } .فقرأتهما فقال : "أقرأ بهما ولن تقرأ بمثلهما". (2)
عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه
{ قل هو الله أحد } والمعوذتين . ثم يمسح بهما وجهه ، وما بلغت يده من جسده . (3)
قوله نفث: النفث نفخ لطيف بلا ريق، وفيه استحباب النفث في الرقية قال النووي وقد أجمعوا على جوازه واستحبه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم . (4)
والرقية الثابتة في السنة هي:
باب
وضع اليد على موضع الألم مع الدعاء
عن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - ، أنه شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعاً يَجدُهُ في جسده منذ أسلمَ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ضع يَدَكَ على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثاً وقلْ سبعَ مرات: أعوذ بالله وقدرتِهِ من شَرِّ ما أجِدُ وأحاذِرُ". (5)
فيه استحباب وضع اليد على مكان الألم مع الدعاء .
__________
(1) زاد المعاد (4/143) .
(2) رواه النسائي، وابن حبان في صحيحه، وقال الألباني: حسن صحيح، صحيح الترغيب رقم (1486).
(3) أخرجه البخاري (11/ 107) في الدعوات ، باب التعوذ والقراءة عند النوم ،ومسلم في السلام برقم (2192) ، باب رقية المريض بالمعوذات .
(4) نيل الأوطار (9/106).
(5) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2202) ، وفي كتاب الطب برقم (5701) ، وأخرجه أحمد في مسنده (4/21 و 217) .(2/445)
وعن كريب الكندي ، قال : أخذ بيدي علي بن الحسين ، فانطلقنا إلى شيخ من قريش ـ يقال له : ابن حثمة ـ يصلي إلى إسطوانه ، فجلسنا إليه ، فلما رأى عليّاً انصرف إليه ، فقال له علي:حدثنا حديث أُمك في الرقية ، فقال : حدثتني أُمي أنها كانت ترقي في الجاهلية ، فلما جاء الإسلام قالت : لا حتى أستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأتته فاستأذنته ؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ارقي؛ ما لم يكن فيها شرك". (1)
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "العين حق، ولو كان شيءٌ سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا". (2)
فيه إثبات القدر ، وإن كل شيء كائن بقدر الله تعالى ، وهو بيده النفع والضر . وإذا طلب من الحاسد الاغتسال عليه أن يغتسل ، ويصب وضوءه على المحسود .
وعن محمد بن حاطب ، قال : انصبت على يدي مرقمة فأحرقتها،فذهبت بي أُمي إلى رسول الله فأتيناه وهو في الرحبة ، فأحفظ أنه قال :
"أذهب البأس ، رب الناس ! ـ وأكثر علمي أنه قال ـ أنت الشافي لا إله إلا أنت" . (3)
وعن عبد الرحمن بن السائب ابن أخي ميمونة أن ميمونة : قالت لي : يا ابن أخي !ألا أرقيك برقية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟! قلت بلى : قالت:
"بسم الله أرقيك ، والله يشفيك ، من كل داءٍ فيك ، أذهب البأس ، رب الناس ! اشفِ أنت الشافي ، لا شافي إلا أنت". (4)
وعن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها ـ وامرأة تعالجها أو ترقيها ـ ، فقال : "عالجيها بكتابِ الله" . (5)
__________
(1) السلسلة الصحيحة رقم (178) ، وصحيح موارد الظمآن رقم (1185) .
(2) رواه مسلم في الطب برقم (5666).
(3) التعليقات الحسان (2965) ، وصحيح موارد الظمآن (1186).
(4) الضعيفة تحت الحديث (3357) ، صحيح موارد الظمآن (1187).
(5) الصحيحة (1931)، صحيح موارد الظمآن (1188).(2/446)
عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ! ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة فقال:"أما لو قلت حين أمسيت :أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، لم تضرك". (1)
باب
لا عدوى ولا طيرة
عن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - رضي الله عنه - : " لا عدوى ولا غول ولا صفر ". (2) .
وعن جابر بن عبد الله يقول سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : "لا عدوى ولا صفر ولا غول" . (3) .
وسمعت أبا الزبير يذكر أن جابرا فسر لهم قوله : "ولا صفر". فقال أبو الزبير الصفر البطن فقيل لجابر كيف قال كان يقال دواب البطن قال ولم يفسر الغول قال أبو الزبير هذه الغول التي تغول .
الصفر: دواب البطن. قال أبو عبيدة: سمعت يونس يسأل رؤبة بن العجاج عن الصفر, فقال: هي حيّة تكون في البطن تصيب الماشية . (4) .
عدوى : يقال أعْدَى فلان فلانا من خُلُقه أو من علة به أو من جرب وفي الحديث لا عدوى أي لا يعدي شيء شيئا و العَدْوُ الحضر تقول عَدَا يعدو عَدْواً و أعْدَى فرسه وأعدى في منطقه أي جار ودفعت عنك عَاديَةَ فلان أي ظلمه وشره . (5) .
والغُولُ : أحد الغِيلان , وهي جِنُس من الجنّ والشياطين , كانت العَرب تَزْعُم أن الغُول في الفَلاة تتراءى للناس فَتَتَغوّل تغولا : أي تَتَلُّون تلَوُّنا في صُوَر شَتَّى , وتَغُولهم أي تُضِلُّهم عن الطريق وتُهْلِكُهم , فَنَفاه النبي صلى الله عليه وسلم وأبطله . (6) ..
__________
(1) أخرجه مسلم في السلام برقم (2709) ، باب الذكر والدعاء.
(2) رواه مسلم في الطب برقم (5757) .
(3) رواه مسلم برقم (5758).
(4) الغريب لابن سلام (1/25) .
(5) مختار الصحاح (1/176) .
(6) النهاية في غريب الحديث (3/396)(2/447)
وقال الإمام النووي : الصفر دواب في البطن وهى دود ، وكانوا يعتقدون أن في البطن دابة تهيج عند الجوع وربما قتلت صاحبها ، وكانت العرب تراها أعدى من الجرب ، وهذا التفسير هو الصحيح وبه قال مطرف وابن وهب وابن حبيت وأبو عبيد وخلائق من العلماء . ا هـ . (1) .
وعن أبي هريرة قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : "لا طيرة وخيرها الفأل قيل يا رسول الله وما الفأل قال الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم" . (2) .
قال النووي : قوله - صلى الله عليه وسلم - من رواية أبى هريرة : "لا عدوى ولا صفر ولا هامة فقال أعرابي يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلها قال فمن أعدى الأول وفى رواية لا عدوى ولا طيرة ولاصفر ولا هامة" .
وفى رواية : أن أبا هريرة كان يحدث بحديث لا عدوى ويحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضا أنه قال : "لا يورد ممرض على مصح" ، ثم إن أبا هريرة اقتصر على رواية
__________
(1) شرح النووي (14/433ـ437).
(2) رواه البخاري في الطب برقم (5754) ، ومسلم في الطب برقم (5759) .(2/448)
حديث "لا يورد ممرض على مصح" وأمسك عن حديث "لا عدوى" فراجعوه فيه ، وقالوا له إنا سمعناك تحدثه فأبى أن يعترف به ، قال أبو سلمة الراوي عن أبى هريرة : فلا أدري أنسى أبو هريرة أو نسخ أحد القولين الآخر ، قال جمهور العلماء : يجب الجمع بين هذين الحديثين وهما صحيحان ، قالوا وطريق الجمع أن حديث "لا عدوى" المراد به نفى ما كانت الجاهلية تزعمه وتعتقده أن المرض والعاهة تعدى بطبعها لا بفعل الله تعالى ، وأما حديث "لا يورد ممرض على مصح" ، فأرشد فيه إلى مجانية ما يحصل الضرر عنده في العادة بفعل الله تعالى وقدره ، فنفى في الحديث الأول العدوى بطبعها ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بقدر الله تعالى وفعله ، وأرشد في الثاني إلى الاحتراز مما يحصل عنده الضرر بفعل الله وإرادته وقدره ، فهذا الذي ذكرناه من تصحيح الحديثين والجمع بينهما هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء ويتعين المصير إليه ، ولا يؤثر نسيان أبى هريرة لحديث "لا عدوى" لوجهين: أحدهما أن نسيان الراوي للحديث الذي رواه لا يقدح في صحته عند جماهير العلماء بل يجب العمل به ، والثاني أن هذا اللفظ ثابت من رواية غير أبي هريرة ، فقد ذكر مسلم هذا من رواية السائب بن يزيد ، وجابر بن عبد الله ، وأنس ابن مالك ، وابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وحكى المازري ، والقاضي عياض ، عن بعض العلماء أن حديث "لا يورد ممرض على مصح" منسوخ بحديث "لا عدوى" وهذا غلط لوجهين أحدهما أن النسخ يشترط فيه تعذر الجمع بين الحديثين ولم يتعذر بل قد جمعنا بينهما ، والثاني أنه يشترط فيه معرفة التاريخ وتأخر الناسخ وليس ذلك موجود هنا ، وقال آخرون حديث "لا عدوى" على ظاهره ، وأما النهى عن إيراد الممرض على المصح فليس
للعدوى بل للتأذي بالرائحة الكريهة وقبح صورته وصورة المجذوم ، والصواب ما سبق والله أعلم . اهـ . (1) .
__________
(1) شرح النووي (14/433ـ437).(2/449)
قوله قال عن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الطيرة شرك ، وما منا إلا .. ولكن الله يذهبه بالتوكل".
وقول: "وما منا ... " الخ من قول ابن مسعود . (1) .
وعن أنس بن مالك ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"لا طيرة على من تطير،وإن في شيء؛ففي الدار والمرأة".
وفي "الصحيح"طرف من أوله . (2) .
وعن سعيد بن المسيب ، قال : سألت سعد بن أبي وقاص عن الطيرة ؟ فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
"لا عدوى ولا طيرة، ولا هام ؛ فإن تك الطيرة في شيء ؛ ففي الفرس والدار". (3) .
وفي رواية :"لا عدوى ، ولا طيرة ، ولا هام ، إن تكن الطيرة في شيءٍ ؛ ففي الفرس ، والمرأة والدار ، وإذا سمعتم بالطاعون بأرضٍ فلا تهبطوا ، وإذا كان بأرضٍ وأنتم بها فلا تفروا منه " . (4) .
وعن أبي هريرة،قال :كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "يعجبه الفأل، ويكره الطيرة". (5)
وفي رواية عنه - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أصدق الطيرة الفأل ،والعين حق". (6) .
وعن عقبة بن عامر الجهني قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الطيرة ؟ قال :"أصدقها الفأل ، ولا تردّ مسلماً " . (7) .
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا شيء في الهام ، والعين حق ،وأصدق الطير الفأل " . (8) .
__________
(1) السلسلة الصحيحة رقم ( 429) ، و غاية المرام(186/303) ، وصحيح موارد الظمآن رقم (1194) .
(2) الصحيحة ( 789)، صحيح موارد الظمآن (1195).
(3) السلسلة الصحيحة رقم (789) ، والظلال (266و267) ، وصحيح موارد الظمآن رقم (1196).
(4) السلسلة الصحيحة برقم (789) .
(5) الكلم الطيب برقم (248)،صحيح موارد الظمآن برقم (1197).
(6) السلسلة الصحيحة (2576)و (6/1088) .
(7) السلسلة الصحيحة (6/155) .
(8) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (914) ، الصحيحة رقم (2949) .(2/450)
وعن بريدة ، قال :كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يتطير من شيء ، غير أنه إذا أراد أن يأتي أرضاً ؛ سأل عن اسمها ، فإن كان حسناً ؛ رُئي البشر من وجهه ، وإن كان قبيحاً ؛ رُئي ذلك من وجهه" . (1) .
عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منّا من سحر ،أو سُحر له ،تكهن ، أو تُكُهن له أو تطير ، أو تُطير له ". (2) .
وعن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا طيرة ولا هامة ولا عدوى ، ولا صفر" .
فقال رجل : يا رسول الله ! إنا لنأخذ الشاة الجرباء فنطرحها في الغنم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فمن أعدى الأول ؟!" . (3) .
وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يعدي شيء شيئاً لا يعدي شيء شيئاً "ثلاثاً" .فقال أعرابي فقال : يا رسول الله إن النّقبة تكون بمشفر البعير أو بعجبه فتشمل الإبل جرباً ؟ قال فسكت ساعة فقال : ما أعدى الأول ؟ لا عدوى ولا صفرة ولا هامة ،خلق الله كل نفس فكتب حياتها وموتها ومصيباتها ورزقها ". (4) .
وعن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال : حدثني رجال أهل رضىً وقناعة من أبناء الصحابة وأولية الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا عدوى ، ولا هامة ، ولا صفر ، واتقوا المجذوم كما يتقى الأسد" . (5) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا عدوى ، ولا طيرة، ولا
هامة ، ولا صفرة ، وفرّ من المجذوم كما تفر من الأسد " . (6)
__________
(1) الصحيحة برقم(762)، صحيح موارد الظمآن رقم (1198).
(2) الصحيحة برقم (2650) .
(3) السلسلة الصحيحة ر قم (782) ، وصحيح موارد الظمآن رقم (1199).
(4) السلسلة الصحيحة رقم (1152) .
(5) الصحيحة (780) .
(6) أخرجه البخاري معلقاً (10/129) .(2/451)
الصفر: دواب البطن ، قال أبو عبيدة : سمعت يونس يسأل رؤبة بن العجاج عن الصفر ، فقال : هي حيّة تكون في البطن تصيب الماشية . (1) .
عدوى : يقال أعْدَى فلان فلانا من خُلُقه أو من علة به أو من جرب وفي الحديث لا عدوى أي لا يعدي شيء شيئا و العَدْوُ الحضر تقول عَدَا يعدو عَدْواً و أعْدَى فرسه وأعدى في منطقه أي جار ودفعت عنك عَاديَةَ فلان أي ظلمه وشره . (2) .
والغُولُ : أحد الغِيلان , وهي جِنُس من الجنّ والشياطين , كانت العَرب تَزْعُم أن الغُول في الفَلاة تتراءى للناس فَتَتَغوّل تغولا : أي تَتَلُّون تلَوُّنا في صُوَر شَتَّى , وتَغُولهم أي تُضِلُّهم عن الطريق وتُهْلِكُهم , فَنَفاه النبي صلى الله عليه وسلم وأبطله. (3) .
وقوله : "مجذوم" ، الأَجْذَمُ : المقطوع اليَد، وقيل: هو الذي ذهبت أَنامِلُه، جَذِمَتْ يَدُه جَذَماً و جَذَمها و أَجْذَمَها، و الجَذْمةُ و الجَذَمةُ: موضع الجَذْم منها. و الجِذْمة : القطعة من الحبل وغيره. وحبل جِذْمٌ مَجْذُوم ٌ: مقطوع، قال: هَلاَّ تُسَلِّي حاجةٌ عَرَضَتْ عَلَقَ القَرينةِ حَبْلُها جِذْمُ و الجَذَم: مصدر الأَجْذَم اليَدِ، وهو الذي ذهبت أَصابع كفيه. ويقال: ما الذي جَذَّمَ يَديه وما الذي أَجْذمه حتى جَذِم.والجُذام من الدَّاء: معروف لِتَجذُّم الأَصابع وتقطُّعها. (4)
وعن ابن عباس مرفوعاً قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"لا تديموا النظر إلى
المجذومين ". (5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يعدي سقيم صحيحاً " . (6)
__________
(1) الغريب لابن سلام (1/25) .
(2) مختار الصحاح (1/176) .
(3) النهاية في غريب الحديث (3/396) .
(4) لسان العرب (12/87) .
(5) أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/1/138) ،الصحيحة (1064).
(6) الصحيحة (3/143) .(2/452)
وفي رواية:"لا عدوى، وإذا رأيت المجذوم ففر منه كما تفر من الأسد" (1)
وعن أبي هريرة أيضاً قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يورد الممرض على
المصح" . (2) .
قال النووي: قال جمهور العلماء: يجب الجمع بين هذين الحديثين وهما صحيحان، قالوا: وطريق الجمع أن حديث لا عدوى المراد به نفي ما كانت الجاهلية تزعمه وتعتقده أن المرض والعاهة تعدي بطبعها لا بفعل الله تعالى. وأما حديث: «لا يورد ممرض على مصح» فأرشد فيه إلى مجانبة ما يحصل الضرر عنده في العادة بفعل الله تعالى وقدره، فنفى في الحديث الأول العدوى بطبعها ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بقدر الله تعالى وفعله. وأرشد في الثاني إلى الاحتراز مما يحصل عنده الضرر بفعل الله وإرادته وقدره، فهذا الذي ذكرناه من تصحيح الحديثين والجمع بينهما هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء ويتعين المصير إليه.اهـ. (3)
باب
ما جاء في تضمين من طبّ الناس
وهو جاهل بالطب
لا ينبغي لأحد أن يطبب الناس وهو لا يعلم بالطب لأنه يتسبب في مضرة كثير من الناس بل ربما يؤدي فعله هذا إلى الوفاة، فمن طبب الناس ولم يعلم بالطب فهو ضامن، وقد حذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك .
فعن الوليد بن مسلم ، ثنا بن جريج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تطبب ولم يعرف منه طب فهو ضامن". (4) .
__________
(1) السلسلة الصحيحة (2/ 414) .
(2) أخرجه البخاري برقم (5641)، باب ما أنزل الله من داء إلا أنزل معه شفاء، ومسلم برقم (5743)، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، ولا نوء ولا غول، ولا يورد ممرض على مصح .
(3) شرح النووي على صحيح مسلم .
(4) رواه أبو داود برقم (4587) ، وابن ماجة برقم (3467) ، والحاكم في المستدرك برقم (7484) ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6153) .(2/453)
الطَّبيبُ في الأَصل: الحاذقُ بالأَمور، العارف بها، وبه سمي الطبيب الذي يُعالج المَرْضى، وكُنِيَ به ههنا عن القضاء والحُكمِ بين الخصوم، لأَن منزلة القاضي من الخصوم، بمنزلة الطبيب من إِصلاح البَدَن. و المُتَطَبِّبُ: الذي يُعاني الطِّبَّ، ولا يعرفه معرفة جيدة. (1) .
قال ابن قيم الجوزية : هذا الحديث يتعلق به أمر الشرعي، فإيجاب الضمان على الطبيب الجاهل، فإذا تعاطى علمَ الطب وعمله، ولم يتقدم له به معرفة، فقد هجم بجهله على إتلاف الأنفس، وأقدمَ بالتهور على ما لم يعلمه، فيكون قد غرَّرَ بالعليل، فيلزمه الضمانُ لذلك، وهذا إجماع من أهل العلم.
قال الخطابي: لا أعلم خلافاً في أن المعالج إذا تعدى، فتَلفَ المريض كان ضامناً، والمتعاطي علماً أو عملاً لا يعرفه متعد، فإذا تولد مِن فعله التلف ضمن الدية، وسقط عنه القود، لأنه لا يستبِدُّ بذلك بدون إذن المريض وجناية المتطبب في قول عامة الفقهاء على عاقلته.
وعن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز : حدثني بعض الوفد الذين قدموا على أبي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك ،فأعنت ؛ فهو ضامن" . قال عبد العزيز : أما إنه ليس بالعنت ؛ إنما هو قطع العروق والبط والكي . (2) .
فكما أن الله سبحانه وتعالى أنزل الداء أنزل معه الدواء ، ويكون رحمةً منه وفضلاً على عباده ، مؤمنهم وكافرهم . فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن الله لم ينزل داءً إلا وأنزل له دواءً ؛ جهله من جهله ، وعلمه من علمه". (3) .
باب
ما جاء في الحجامة
__________
(1) لسان العرب (1/554) .
(2) السلسلة الصحيحة (2/227) .
(3) السلسلة الصحيحة رقم (452) ، وصحيح موارد الظمآن رقم (1196).(2/454)
عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "الشفاء في ثلاث : شُربة عسل ، وشُرطة محجم ، وكية نار ، وأنا أنهي أمتي عن الكي". (1) .
وعن جابر مرفوعاً : "إن كان في شيءٍ من أدويتكم خير ، ففي شرطةِ محجمٍ ، أو شربةٍ من عسلٍ ، أو لذعةٍ بنارٍ ، وما أُحبُّ أن أكتوي" . (2) .
وفي رواية : "إن كان في شيء مما تداويتم به خيرٌ ففي الحجامة" . (3) .
الحَجْمُ : المصُّ؛ يقال:حَجَمَ الصبيُّ ثَدي أُمه إذا مصه . وما حَجَمَ الصبيُّ ثدي أُمه أي ما مَصَّه . وَثَدْيٌ مَحْجوم أَي مَمْصوص . و الحَجَّامُ : المَصَّاص.قال الأزهري : يقال للحاجم حَجَّامٌ لامْتِصاصه فم
المِحْجَمَة،قال الأزهري : المِحْجَمَةُ قارُورَتُهُ ، قال ابن الأثير : المِحْجَمُ،بالكسر،الآلة التي يجمع فيها دم الحِجامة عند المصّ،قال : والمِحْجَمُ أَيضاً مِشْرَطُ الحَجَّام . اهـ . (4) .
قال الإمام النووي : قوله "شرطة محجم" فالمراد بالمحجم هنا الحديدة التي يشرط بها موضع الحجامة ليخرج الدم .
ثم قال : فهذا من بديع الطب عند أهله ، لأن الأمراض الامتلائية دموية ، أو صفراوية ، أو سوداوية ، أو بلغمية ، فإذا كانت دموية فشفاؤها إخراج الدم ، وإن كانت من الثلاثة الباقية فشفاؤها بالإسهال بالمسهل اللائق لكل خلط منها ، فكأنه نبه - صلى الله عليه وسلم - بالعسل على المسهلات . وبالحجامة على إخراج الدم بها ، وبالفصد ووضع العلق وغيرها ، مما في معناها ، وذكر الكي لأنه يستعمل عند نفع الأدوية المشروبة ونحوها ، فآخر الطب الكي. اهـ. (5) .
__________
(1) أخرجه البخاري ( 10/116) في الطب : باب الشفاء في ثلاث.
(2) أخرجه البخاري (10/114-115و126) ، و (7/21-22) .وأخرجه مسلم في الطب برقم (5707).
(3) السلسلة الصحيحة رقم (760) .
(4) لسان العرب(12/117).
(5) شرح مسلم (14/414) .(2/455)
عن ابن عباس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "احتجم وأعطى الحجّام أجره". (1) .
عن حميد الطويل ، عن أنس ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجمه أبو طيبة ، فأمر له بصاعين من طعام ، وكلم مواليه ، فخففوا عنه من ضريبته ، وقال:"خيرُ ما تداويتم به الحجامة". (2) .
وعن نافع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،قال :"من احتجم فعلى بركة الله وهو على الريق أفضل وتزيد في الحفظ وتذهب البلغم". (3) .
وفي رواية :"الحجامة على الريق أمثل،وفيه شفاء وبركة،وتزيد في العقل وفي الحفظ،فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس،واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء،والجمعة،والسبت ،ويوم الأحد تحرياً،واحتجموا يوم الإثنين والثلاثاء؛فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب من البلاء وضربه بالبلاء يوم الأربعاء فإنه لايبدوا جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء أو ليلة الأربعاء". (4) .
وعن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :"نِعمَ الدواء الحجامة تذهب الداء والصداع وتخف الصلب وتجلوا البصر". (5) .
وعن سَلمى خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت : ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعاً في رأسه إلا قال : "احْتَجِمْ" . ولا وجعاً في رجليه إلا قال : "اخْضُبْهُما". (6) .
__________
(1) أخرجه البخاري (10/ 124) ، في الطب ، باب السعوط ، ومسلم (1202) في السلام ، باب لكل داء دواء وزاد في آخره: واستعط.
(2) أخرجه البخاري (10/ 126،127) في الطب ، باب الحجامة من الداء ، ومسلم
(1577) في المساقاة / باب حل أجرة الحجامة .
(3) رواه ابن ماجة في السنن (3488).
(4) الصحيحة رقم (766) .
(5) رواه الحاكم في المستدرك (4: 410).
(6) السلسلة الصحيحة(2059) ، وصحيح الترغيب (3461).(2/456)
وعن أبي هريرة : أن أبا هند حجم النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليافوخ فقال - صلى الله عليه وسلم - :"يا معشر الأنصار ! أنكحوا أبا هند ، وأنكحوا إليه" ، فقال : "إن كان في شيءٍ مما تداوون به خير ؛ فالحجامة" . (1) .
اليافوخ: فجوة مغطاة بغشاء تكون عند تلاقي عظام الجمجمة ، وهما يافوخان : أمامي خلفي . "المعجم الوسيط".
وعن أنس : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم على ظهر القدم ؛من وجع كان به". (2) .
وعن أنس بن مالك : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم على الأخدعين والكاهل". (3) .
الأخدع: بخاء معجمة ودال وعين مهملتين ؛ قال أهل اللغة : "هو عرق في سالفة العنق" .
والأَخْدَعانِ: عِرْقان في جَانِبَيِ العُنُق . نهاية .
والسالفة:جانب العنق ، وهما سالفتان ، وهما عرقان باطنان غير ظاهرين .
الكاهل: ما بين الكتفين ، أو مجمع الكتفين .
وعن كثير بن سليم ، قال : سمعت أنس بن مالك يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"ما مررت ليلة أسري بي بملإٍ إلا قالوا : يا محمد ! مُر أمتك بالحجامة". (4) .
وفي رواية : "خير ما تداويتم به الحجامة ، والقسط البحري ، ولا تعذبوا صبيانكم ". (5) .
وعن أنس :"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحتجم في الأخدعين والكاهل ، وكان يحتجم لسبعة عشر،وتسعة عشر، وفي إحدى وعشرين". (6) .
__________
(1) الصحيحة ( 760) ، صحيح موارد الظمآن ( 1174) .
(2) صحيح أبي داود ( 1661/ 2) ، وصحيح موارد الظمآن ( 1175) .
(3) الصحيحة رقم (908)،المشكاة(4546)، صحيح موارد الظمآن رقم (1176).
(4) أخرجه ابن ماجة برقم (3479) ، وفي الباب عن ابن عباس عند الترمذي برقم (2054) ، وعن ابن مسعود عند الترمذي برقم (2053) ،السلسلة الصحيحة رقم (1847).
(5) السلسلة الصحيحة رقم (1504) .
(6) السلسلة الصحيحة رقم (908) .(2/457)
عن أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :"جعل الله الشفاء في العسل وفي الحجامة واحتجموا فإن الدم (يتبيّغ) بالإنسان حتى يقتله".
قوله : "يتبيغ" أي يتهيج .
وعن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إذا هاج بأحدكم الدمٌ فليحتجم ، فإن الدم إذا تبيغ بصاحبه يقتله" . (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من احتجم لسبع عشرة من الشهر كان
له شفاء من كل داء". (2) .
وفي رواية:"من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاءً من كل داءٍ". (3) .
وعن شهاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :"من احتجم يوم الأربعاء ،أو يوم السبت فأصابه وضح فلا يلوم إلا نفسه". (4) .
وعن جابر بن عبد الله أنه عاد المقنع ،ثم قال : لا أبرح حتى تحتجم ؛فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "إن فيه شفاءً يعني : الحجامة" . (5) .
وعن ابن عمر قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كان يحتجم في رأسه ،ويسميه أم مغيث" . (6) .
وعن عبد الرحمن بن أبي نُعم ، قال دخلت على أبي هريرة - رضي الله عنه - وهو يحتجم ، فقال لي : يا أبا الحكم . احتجم قال : فقلت ما احتجمت قط . قال : أخبرني أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - أن جبريل عليه السلام أخبره : "أن الحجم أفضل ما تداوى به الناس " . (7)
__________
(1) الصحيحة رقم (2747) .
(2) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، صحيح الترغيب رقم (3465) ، السلسلة الصحيحة رقم (622).
(3) صحيح الترغيب (3465) ، و السلسلة الصحيحة (622) .
(4) رواه الترمذي، الترغيب والترهيب (4: 316)،والبغوي في شرح السنة (12: 151) . وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (5346) .
(5) أخرجه البخاري (10/ 124) ، ومسلم (7/ 21) .
(6) الصحيحة (753) .
(7) الصحيحة (3/ 170) .(2/458)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وهذه الأحاديث موافقة لما أجمع عليه الأطباء، أن الحجامة في النصف الثاني وما يليه من الربع الثالث من أرباعه أنفع من أوله وآخره، وإذا استُعمِلَتْ عند الحاجة إليها نفعت أي وقت كان من أول الشهر وآخره. اهـ. (1)
باب
ما جاء في العلاج بالعسل
العسل من أنفع العلاجات، وهو من الأدوية التي يكون فيهل الشفاء بإذن الله تعالى وقد ثبت ذلك في الكتاب والسنة .
قال الله تعالى: { يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ
لِلنَّاسِ } . (2) .
قال ابن كثير في تفسيره : ما بين أبيض وأصفر وأحمر وغير ذلك من الألوان الحسنة على اختلاف مراعيها ومأكلها منها ، وقوله :"فيه شفاء للناس" أي في العسل شفاء للناس ، أي من أدواء تعرض لهم قال بعض من تكلم على الطب النبوي لو قال فيه الشفاء للناس لكان دواء لكل داء ولكن قال فيه شفاء للناس أي يصلح لكل أحد من أدواء باردة فإنه حار والشيء يداوى
بضده . اهـ . (3) .
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ،أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أخي يشتكي بطنه: وفي رواية: استطلق بطنه، فقال "اسقه عسلاً"، فذهب ثم رجع، فقال: قد سقيته، فلم يغن عنه شيئاً. وفي لفظ: فلم يزده إلا استطلاقاً مرتين أو ثلاثاً ، كل ذلك يقول له : "اسقه عسلاً"، فقال له في الثالثة أو الرابعة: "صدق الله وكذب بطن أخيك". (4) .
وفي "صحيح مسلم" في لفظ له : "إن أخي عرب بطنه" ، أي فسد هضمه ، واعتلت معدته ، والاسم العرب بفتح الراء ، والذرب أيضاً .
__________
(1) زاد المعاد المجلد الرابع .
(2) سورة النحل الآية (69) .
(3) تفسير ابن كثير (2/276) .
(4) أخرجه البخاري في الطب( 10/119)، باب الدواء بالعسل ، وقول الله تعالى: فيه شفاء للناس، وأخرجه مسلم في السلام برقم ( 2217)، باب التداوي بالعسل .(2/459)
قال ابن كثير : قال بعض العلماء بالطب كان هذا الرجل عنده فضلات فلما سقاه عسلا وهو حار تحللت فأسرعت في الاندفاع فزاده إسهالا فاعتقد الأعرابي أن هذا يضره وهو مصلحة لأخيه ثم سقاه فازداد التحليل والدفع ثم سقاه فكذلك فلما اندفعت الفضلات الفاسدة المضرة بالبدن استمسك بطنه وصلح مزاجه واندفعت الأسقام والآلام ببركة إشارته عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام ، وفي الصحيحين البخاري رقم (5614) ، ومسلم برقم (1474) من حديث هشام
بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعجبه الحلواء والعسل" . هذا لفظ البخاري.اهـ. (1) .
وعن جابر مرفوعاً : "إن كان في شيءٍ من أدويتكم خير ، ففي شَرطةِ محجمٍ ، أو شربةٍ من عسلٍ ، أو لذعةٍ بنارٍ ، وما أُحبُّ أن أكتوي" . (2) .
قوله : "شرطة محجم" فالمراد بالمحجم هنا الحديدة التي يشرط بها موضع الحجامة ليخرج الدم . شرح مسلم .
لَذْعَةٌ بنار : يعني الكيّ ، واللَّذع الخفيف من الإحراق.ومنه لَذَعة بلسانه ، وهو أذًى يسير. (3) .
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
__________
(1) تفسير ابن كثير (2/276) .
(2) أخرجه البخاري (10/114-115و126) ، و (7/21-22) ، ومسلم برقم
(2205) .
(3) الفائق (3/314).(2/460)
والعسل فيه منافع عظيمة، فإنه جلاء للأوساخ التي في العروق والأمعاء وغيرها ، محلل للرطوبات أكلا وطلاء، نافع للمشايخ وأصحاب البلغم ومن كان مزاجه باردا رطبا، وهو مغذ ملين للطبيعة ، حافظ لقوى المعاجين ولما استودع فيه مذهب لكيفيات الأدوية الكريهة، منق للكبد والصدر، مدر للبول موافق للسعال الكائن عن البلغم، وإذا شرب حارا بدهن الورد نفع من نهش الهوام وشرب الأفيون، وإن شرب وحده ممزوجا بماء نفع من عضه الكلب واكل الفطر القتال، وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاث أشهر، وكذلك إن جعل فيه القثاء والخيار والقرع والباذنجان، ويحفظ كثيرا من الفاكهة ستة أشهر، ويحفظ جثة الموتى ويسمى الحافظ الأمين، وإذا لطخ به البدن المقمل والشعر قتل قمله وصئبانه وطول الشعر وحسنه ونعمه، وإن اكتحل به جلا ظلمة البصر، وإن استن به بيض الأسنان وصقلها وحفظ صحتها وصحة اللثة، ويفتح أفواه العروق ويدر الطمث، ولعقه على الريق يذهب البلغم ويغسل خمل المعدة ويدفع الفضلات عنها ويسخنها تسخينا معتدلا ويفتح سددها ويفعل ذلك بالكبد والكلى والمثانة ، وهو أقل ضررا لسدد الكبد والطحال من كل حلو وهو مع هذا كله مأمون الغائلة قليل المضار مضر بالعرض للصفراويين ودفعها بالخل ونحوه فيعود حينئذ نافعا له جداً، وهو غذاء مع الأغذية ودواء مع الأدوية وشراب مع الأشربة وحلو مع الحلوى وطلاء مع الأطلية ومفرح مع المفرحات، فما خلق لنا شيء في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريبا منه، ولم يكن معول القدماء إلا عليه وأكثر كتب القدماء لا ذكر فيها للسكر البتة ولا يعرفونه فإنه حديث العهد حدث قريبا، وكان النبي يشربه بالماء على الريق وفي ذلك سر بديع في حفظ الصحة لا يدركه إلا الفطن الفاضل .(2/461)
ثم قال رحمه الله تعالى : إذا عرف هذا فهذا الذي وصف له النبي - صلى الله عليه وسلم - العسل كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته عن امتلاء فأمره بشرب العسل لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء ، فإن العسل فيه جلاء ودفع للفضول وكان قد أصاب المعدة أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها للزوجتها فإن المعدة لها خمل كخمل القطيفة فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء فدواؤها بما يجلوها من تلك الأخلاط والعسل جلاء ، والعسل من أحسن ما عولج به هذا الداء لا سيما إن مزج بالماء الحار، وفي تكرار سقيه العسل معنى طبي بديع وهو أن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب حال الداء إن قصر عنه لم يزله بالكلية وإن جاوزه أوهى القوى فأحدث ضررا آخر فلما أمره أن يسقيه العسل سقاه مقدارا لا يفي بمقاومة الداء ولا يبلغ الغرض فلما أخبره علم أن الذي سقاه لا يبلغ مقدار الحاجة فلما تكرر ترداده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أكد عليه المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء فلما تكرر الشربات بحسب مادة الداء برأ بإذن الله ، واعتبار مقادير الأدوية وكيفياتها ومقدار قوة المرض والمريض من أكبر قواعد الطب وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - : "صدق الله وكذب بطن أخيك" إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه ولكن لكذب البطن وكثرة المادة الفاسدة فيه فأمره بتكرار الدواء لكثرة المادة ، وليس طبه كطب الأطباء فإن طب النبي - صلى الله عليه وسلم - متيقن قطعي إلهي صادر عن الوحي ومشكاة النبوة وكمال العقل ، وطب غيره أكثره حدس وظنون وتجارب ولا ينكر عدم انتفاع كثير من
المرضى . اهـ . (1) .
__________
(1) زاد المعاد (4/34ـ35) .(2/462)
وعن أم المنذر بنت قيس الأنصاري - رضي الله عنه - قالت : دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه علي - رضي الله عنه - ، وعلي ناقه ، ولنا دوالي معلقة ، فقام رسوا الله - صلى الله عليه وسلم - ليأكل ، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لعلي: "مه ؛ إنك ناقه"حتى كف علي - رضي الله عنه - . قالت: وصنعت شعيراً وسلقاً، فجئت به ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا علي أصب من هذا فهو أنفع لك". (1) .
ناقه : أي حديث عهد بالإفاقة من المرض .
دوالي : جمع دالية ، وهي العذق من التمر يعلق حتى إذا أرطب أكل .
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : واعلم أن في منع النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي من الأكل من الدوالي وهو ناقه ، أحسن التدبير ، فإن الدوالي : أقناء من الرطب تعلق في البيت للأكل بمنزلة عناقيد العنب ، والفاكهة تضر بالناقه لسرعة استحالتها ، وضعف الطبيعة عن دفعها ، فإنه بعد لم تتمكن قوتها ، وهي مشغولةٌ بدفع آثار العلة وإزالتها من البدن ، وفي الرطب خاصة نوع من ثقل على المعدة ، فتشتعل بمعالجته وإصلاحه عما هي بصدده من إزالة بقية المرض وآثاره،فأما أن تقف تلك البقية ، وإما أن تتزايد ، فلما وضع بين يديه وأما السلق والشعير فنافعٌ له ويوافق لمن في معدته ضعف . وفي ماء الشعير تبريدٌ وتغذيةٌ
وتلطيف وتليين وتقوية الطبيعية أمره أن يصيب منه ، فإنه من أنفع الأغذية للناقه ، لا سيما مع أصول السلق ، فهذا من أوفق الغذاء لمن في معدته ضعف ، ولا يتولد عنه من الأخلاط ما يخاف منه.اهـ. (2)
باب
ما جاء في علاج الصرع
__________
(1) قال الألباني رحمه الله تعالى : أخرجه ابن ماجة (3442) ، والترمذي (2038) ، وأبو داود (3856) ، وأحمد (6/364) ، وسنده حسن. الصحيحة رقم ( 59) .
(2) زاد المعاد (3/97) ، والآداب الشرعية (2/343) .(2/463)
عن عطاء بن أبي رباح ، قال : قال ابن عباس : ألا أخبرك امرأةً من أهل الجنة ؟ قلت : بلى . قال : هذه المرأة السوداء ، أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إني أُصرع ، وإني أتكشف ، فادع الله لي ، فقال: "إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة ، وإن شئتِ دعوت الله لكِ أن يعافيكِ" ، فقالت : أصبر . قالت : فإني أتكشف ، فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها . (1) .
وفي رواية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : جاءتِ امرأةٌ بِها لَمَمٌ إلى رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقالتْ : يا رسولَ الله ! ادْعُ الله لي ، فقال : "إنْ شِئْتِ دَعوتُ الله فشفاكِ ، وإن شئتِ فصبرتِ ولا حسابَ عليكِ" قالت : بَلْ أصبرُ ولا حساب
عَليَّ . (2) .
اللمم : طرف من الجنون يَلُمُّ بالإنسان أي يقرب منه ويعتريه "نهاية" .
قال ابن حجر العسقلاني : وفي الحديث فضل من يصرع ، وأن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة ، وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة ، وفيه دليل على جواز ترك التداوي ، وفيه أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير ، وأن تأثير ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية ، ولكن إنما ينجع بأمرين أحدهما من جهة العليل وهو صدق القصد ، والآخر من جهة المداوي وهو قوة توجهه وقوة قلبه بالتقوى والتوكل والله أعلم .اهـ. (3) .
__________
(1) أخرجه البخاري(10/ 99) في المرضى : باب من يصرع من الريح ، ومسلم برقم
(2265) في البر والصلة : باب ثواب المؤمن فيما يصيبه .
(2) رواه البزار وابن حبان في صحيحه، صحيح الترغيب رقم (3419)، والصحيحة برقم (2502)
(3) فتح الباري (10/115) .(2/464)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : الصرع صرعان صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية وصرع من الأخلاط الرديئة ، والثاني هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه ، وأما صرع الأرواح فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه ويعترفون بأن علاجه مقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة فتدفع آثارها وتعارض أفعالها وتبطلها ، وقد نص على ذلك أبقراط في بعض كتبه فذكر بعض علاج الصرع ، وقال هذا إنما ينفع في الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة ، وأما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا العلاج ، أما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ومن يعتقد بالزندقة فضيلة فأولئك ينكرون صرع الأوراح ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع وليس معهم إلا الجهل وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك والحس والوجود شاهد به ، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها ، وقدماء الأطباء كانوا يسمون هذا الصرع المرض الإلهي . (1) .
قال الإمام أبي عبد الله محمد المقدسي : أما الصرع أخلاط رديئة فمتفق عليه، وهو علة تمنع الأعضاء النفسية عن الأفعال والحركة والإنتصاب منعاً غير تام . وله أسباب مختلفة ذكره الأطباء وذكروا علاجه .ومعلوم أن الأرواح تختلف في ذاتها وصفاتها ، وبحسب ذلك قد يخرج بأيسر شيء أو بوعظٍ أو بتخويفٍ ، وقد لا يخرج إلا بالضرب على اختلافه أيضاً ؛فيفيق المصروع ولا ألم به . (2) .
باب
ما جاء في علاج الطاعون
__________
(1) الطب النبوي (1/51) .
(2) الآداب الشرعية (340ـ 341).(2/465)
عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد : ماذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الطاعون ؟ فقال أسامة : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل ، وعلى من كان قبلكم ، فإذا سمعتم به بأرض ، فلا تدخلوا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها ، فلا تخرجوا منها فراراً منه". (1) .
وهذا هو المتبع حتى الآن في الوقاية من الطاعون ، فإذا أصيبت بلده بهذا المرض ، عمل حولها الحجر الصحي ، فيمنع أي شخص من الخروج منها ، ويمنع دخول أي شخص إليها ما عدا الأطباء ومن يعاونهم وبذلك يمنع المرض من الانتشار خارج هذه البلدة .
وعن حفصة بنت سيرين قالت:قال أنس بن مالك:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"الطاعون شهادة لكل مسلم". (2) .
وفي أثر عن عائشة أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : الطعن قد عرفناه ، فما الطاعون ؟ قال : "غدة كغدة البعير يخرج في المراق والإبط". (3) .
وعن جابر مرفوعاً بلفظ :"الفار من الطاعون كالفار من الزحف ،والصابر فيه كالصابر في الزحف" . (4) .
وعن جعفر بن كيسان ن حدثتنا عمرة بنت قيس العدوية قالت : دخلت على عائشة فسألتها عن الفرار من الطاعون ؟ فقالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف" . (5) .
__________
(1) أخرجه البخاري : ( 6/ 377) في الأنبياء : باب ما ذكره عن بين إسرائيل ، ومسلم في السلام برقم ( 2218)، باب الطاعون والطيرة .
(2) أخرجه البخاري ( 10/ 162) في الطب : باب ما يذكر في الطاعون ، ومسلم
( 1961) في الإمارة : باب بيان الشهداء .
(3) أخرجه أحمد ( 6/ 145) و ( 255) ، السلسلة الصحيحة رقم (1928).
(4) السلسلة الصحيحة (3/ 282) .
(5) السلسلة الصحيحة رقم (1292) .(2/466)
قال الإمام النووي : وأما الطاعون فهو قروح تخرج في الجسد فتكون في المرافق أو الآباط أو الأيدي أو الأصابع وسائر البدن ، ويكون معه ورم وألم شديد ، وتخرج تلك القروح مع لهيب ، ويسود ما حواليه أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة ، ويحصل معه خفقان القلب والقيء، وأما الوباء: الصحيح الذي قاله المحققون أنه مرض الكثيرين من الناس في جهة من الأرض دون سائر الجهات ، ويكون مخالفا للمعتاد من أمراض في الكثرة وغيرها ، ويكون مرضهم نوعا واحدا بخلاف سائر الأوقات فان أمراضهم فيها مختلفة قالوا وكل طاعون وباء وليس كل وباء طاعونا والوباء الذي وقع في الشام في زمن عمر كان طاعونا وهو طاعون عمواس وهى قرية معروفة بالشام . وجاء في هذه الأحاديث أنه أرسل على بنى إسرائيل أو من كان قبلكم عذابا لهم هذا الوصف بكونه عذابا مختص بمن كان قبلنا ، وأما هذه الأمة فهو لها رحمة وشهادة ، ففي الصحيحين قوله - رضي الله عنه - "المطعون شهيد" ، وفى حديث آخر في غير الصحيحين "أن الطاعون كان عذابا يبعثه الله على من يشاء فجعله رحمة للمؤمنين فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا يعلم أنه لن يصبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد". وفى حديث آخر "الطاعون شهادة لكل مسلم وإنما يكون شهادة لمن صبر" ، كما بينه في الحديث المذكور ، وفى هذه الأحاديث منع القدوم على بلد الطاعون ومنع الخروج منه فرارا من ذلك ، أما الخروج لعارض فلا بأس به وهذا الذي ذكرناه هو مذهبنا ومذهب الجمهور ، قال القاضي هو قول الأكثرين قال حتى قالت عائشة : الفرار منه كالفرار من الزحف ، قال ومنهم من جوز القدوم عليه والخروج منه فرار . اهـ . (1) .
باب
ما جاء في التداوي بأبوال وألبان الإبل
__________
(1) شرح مسلم (14/425ـ426) .(2/467)
عن أنس قال : "قدم أناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا فلما صحوا قتلوا راعي النبي - رضي الله عنه - واستاقوا النعم فجاء الخبر في أول النهار فبعث في آثارهم فلما ارتفع النهار جيء بهم فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون" . وفي رواية "وألقاهم في الشمس حتى ماتوا" . قال أبو قلابة فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله. (1) .
وفي النسائي ( 7/ 98) "حتى اصفرت ألوانهم ، وعظمت بطونهم " .
ونقل الحافظ في "الفتح" عن أبي عوانة "فعظمت بطونهم" .
وقوله "اجتووا المدينة" معناه : عافوا المقام بالمدينة ، وأصابهم بها الجوى في بطونهم .
وقوله " وسمل أعينهم" أي : فقأَ أعينهم .
قال النووي : قوله أن ناسا من عرينة،هي بضم العين المهملة وفتح الراء وآخرها نون،ثم هاء وهي قبيلة معروفة.قوله - صلى الله عليه وسلم - : "إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا فصحوا".
في هذا الحديث أنها إبل الصدقة ، وفي غير مسلم أنها لقاح النبي - صلى الله عليه وسلم - وكلاهما صحيح ، فكان بعض الإبل للصدقة وبعضها للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، واستدل أصحاب مالك وأحمد بهذا الحديث أن بول ما يؤكل لحمة وروثه طاهران ، وأجاب أصحابنا وغيرهم من القائلين بنجاستهما بأن شربهم الأبوال كان للتداوي ، وهو جائز بكل النجاسات سوى الخمر والمسكرات ، فإن قيل كيف أذن لهم في شرب لبن الصدقة فالجواب أن ألبانها للمحتاجين من المسلمين وهؤلاء إذ ذاك
منهم . اهـ . (2) .
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (231) ، ومسلم برقم (1671) .
(2) شرح مسلم (11/154).(2/468)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما أنزل الله داءً إلا وأنزل له دواء ، فعليكم بألبان البقر؛ فإنها ترم من كل الشجر". (1) .
وزاد في رواية : " إلا الهرم" . (2) .
وفي رواية : "تداووا بألبان البقر ؛فإني أرجو أن يجعل الله فيها شفاء ؛فإنها تأكل من الشجر" . (3) .
ترم : أي تأكل ،كما في"النهاية" .
لبن البقر : الأكثر استعمالاً خاصة في أنظمة تغذية الأطفال لأنه قليل الكلفة وأسهل أنواع الحليب للمراقبة من جميع النواحي ، بعد حليب المرأة طبعاً . يغدو حليب البدن ويخصبه ، ويطلق البطن باعتدال ، يبطئ الهرم ، ينفع من السل والنقرس ، والحمى العتيقة .
عن هلال بن يساف عن ذكوان عن رجل من الأنصار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "سبحان الله ! وهل أنزل الله من داءٍ في الأرض إلا جعل له شفاء" . (4) .
وقالوا أيضاً : إن في أبوال الإبل شفاءً من مرض الاستسقاء . وقد روى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعاً : "إن في أبوال الإبل شفاءً لمذربة بطونهم".
والذرب : هو فساد المعدة . اهـ. (5) .
وعن مليكة بنت عمرو ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألبان البقر شفاء و سمنها دواء و لحومها داء" . (6) .
قال المناوي في فيض القدير : ألبان البقر شفاء من الأمراض السوداوية والغم والوسواس ، ويحفظ الصحة ويرطب البدن ويطلق البدن باعتدال ، وشربه بالعسل ينقي القروح الباطنة وينفع من كل سم ولدغ حية وعقرب وتفصيله في الطب .
__________
(1) الصحيحة رقم (452) ، صحيح موارد الظمآن رقم (1173) .
(2) السلسلة الصحيحة رقم (581) .
(3) السلسلة الصحيحة رقم (2/46) .
(4) السلسلة الصحيحة رقم (517) .
(5) المنة الكبرى شرح السنن الصغرى للبيهقي (8/389).
(6) صحيح الجامع حديث رقم (1233) .(2/469)
وسمنها دواء إذ هو ترياق السموم المشروبة كما في الموجز وغيره ، ولحومها داء مضرة بالبدن جالبة للسوداء. قال في الإرشاد: عسير الهضم يولد أخلاطاً غليظة وأمراضاً سوداوية كسرطان وجرب وقوبا وجذام وداء الفيل وحمى الربع ويغلظ الطحال . اهـ .
باب
ما جاء في الكمأة
في الكمأ فوائد قيمة حيث أن ماؤها شفاء للعين، كما ثبت ذلك عن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - : قال : خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي يده أكمؤ، فقال: "هؤلاء من المنّ وماؤها شفاء للعين". (1) .
الكمأ : جنس من الفطريات ، لا ورق له ، ولا جذع ، ينمو في الصحراء ، باردة رطبة .
المنّ: أي: مما منّ الله به على عباده، وقيل: شبهها بالمنّ وهو العسل الحلو، الذي ينزل من السماء عفواً بلا علاج، وكذلك الكمأة، لا مؤونة فيها ببذر ولا سقي، كذا في . "النهاية".
وفي رواية، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :"الكمأ دواء العين ،وإن العجوة فاكهة الجنة". (2)
قال ابن قيم الجوزية : وقوله في الكمأة "وماؤها شفاء للعين"، فيه ثلاثة أقوال : أحدها أن ماءها يخلط في الأدوية التي يعالج بها العين لا أنه يستعمل وحده ، وذكره أبو عبيدة . الثاني أنه يستعمل بحتا بعد شيها،واستقطار مائها لأن النار تلطفه وتنضجه وتذيب فضلاته ورطوبته المؤذية ويبقى النافع . الثالث أن المراد بمائها الماء الذي يحدث به من المطر ، وهو أول قطر ينزل إلى الأرض،فتكون الإضافة إضافة اقتران لا إضافة جزء . وقال الغافقي ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الإثمد واكتحل به ، ويقوى أجفانها ويزيد الروح الباصرة قوة وحدة ، ويدفع عنها نزول النوازل.اهـ . (3) .
__________
(1) أخرجه البخاري (4478)، باب المن شفاء للعين، ومسلم (2049)، باب فضل الكمأة ومداواة العين بها.
(2) السلسلة الصحيحة (4/531).
(3) الطب النبوي (284).(2/470)
وقال المناوي : عليكم بماء الكمأة الرطبة بفتح الكاف وسكون الميم وبهمز ودونه واحدة الكمأ بفتح فسكون فهمز ، نبت لا ورق له ولا ساق له يوجد في الأرض بغير زرع ، فإنها من المن المنزل على بني إسرائيل وهو الطل الذي يسقط على الشجر فيجمع ويؤكل ، ومنه الترنجبين يشبه الكمأة بجامع وجود كل بلا علاج ، وماؤها شفاء للعين بأن تؤخذ فتقشر ثم تسلق حتى تنضج أدنى نضج ثم تشق ويستخرج ماؤها ويكتحل به ، وهو حار وقد فعل ذلك المتوكل في رمد أعيا الأطباء فبرأ في الدفعة الثانية ، فقال زعيم الأطباء يوحنا أشهد أن صاحبكم يعني النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم لحكيم فإن جعل المسيل في مائها وهو بارد لم ينجع بل يضر . اهـ . (1) .
باب
ما جاء في علاج الحكة من الجسم وما يولد القمل
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : "رخَّص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام رضي الله عنهما في لُبس الحرير لحكَّةٍ كانت بِهما".
وفي رواية: "إن عبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما، شَكَوا القَمْلَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاةٍ لهما، فرخّص لهما في قُمُصِ الحريرِ، ورأيتُه عليهما" . (2) .
__________
(1) فيض القدير (4/352)
(2) أخرجه البخاري في الجهاد برقم (2919) باب الحرير في الحرب، ومسلم في اللباس في اللباس برقم (2076) ، باب إباحة لبس الحرير للرجل .(2/471)
قال الإمام النووي : هذا الحديث صريح في الدلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أنه يجوز لبس الحرير للرجل إذا كانت به حكة لما فيه من البرودة ، وكذلك للقمل وما في معنى ذلك ، وقال مالك لا يجوز وهذا الحديث حجة عليه ، وفي هذا الحديث دليل لجواز لبس الحرير عند الضرورة كمن فاجأته الحرب ولم يجد غيره ، وأما قوله لحكة فهي بكسر الحاء وتشديد الكاف وهى الجر أو نحوه ، ثم الصحيح عند أصحابنا والذي قطع به جماهيرهم أنه يجوز لبس الحرير للحكة ونحوها في السفر والحضر جميعا ، وقال بعض أصحابنا يختص بالسفر وهو ضعيف. اهـ . (1) .
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
هذا الحديثُ يتعلق به أمران : أحدهما : فقهي ، والآخر طبي :
فأما الفقهي : فالذي استقرت عليه سنَّتُه - صلى الله عليه وسلم - إباحةُ الحرير للنساء مطلقاً، وتحريمه على الرجال إلا لحاجة ومصلحة راجحة ، فالحاجة إما من شدة البرد، ولا يجد غيره ، أو لا يجد سترة سواه . ومنها ؛ لباسه للجرب ، والمرض ، والحكة ، وكثرة القَمْل كما دل عليه حديثُ أنس هذا صحيح .
والجواز أصح الروايتين عن الإمام أحمد، وأصح قولي الشافعي ، إذ الأصل عدمُ التخصيص ، والرخصة إذا ثبتت في حقِّ بعض الأمة لمعنى تعدَّت إلى كُلِّ من وُجِدَ فيه ذلك المعنى ، إذ الحُكْمُ يعُم بعُمُومِ سببه .
__________
(1) شرح النووي (14/53) .(2/472)
وأما الأمر الطبي : فهو أن الحرير من الأدوية المتخذة من الحيوان ، ولذلك يعد في الأدوية الحيوانية ، لأن مخرجه من الحيوان ، وهو كثيرُ المنافع ، جليلُ الموقع ، ومن خاصيته تقويةُ القلب، وتفريحُه والنفعُ من كثير من أمراضه ، ومن غلبة المِرة السوداء ، والأدواء الحادثة عنها ، وهو مقو للبصر إذا اكتُحِلَ به، والخام منه ، وهو المستعمل في صناعة الطب ، حار يابس في الدرجة الأولى ، وقيل : حار رطب فيها . وقيل : معتدل ، وإذا اتُّخِذَ منه ملبوسٌ كان معتدل الحرارة في مزاجه ، مسخناً للبدن،وربما برد البدن بتسمينه إياه.اهـ . (1) .
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى بعد أن ذكر فوائد العسل ثم قال: وإذا لطخ به البدن المقمل والشعر قتل قمله وصئبانه وطول الشعر وحسنه ونعمه (2) .
باب
ما جاء في علاج القمل الذي في الرأس وإزالته
عن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - ، قال : كان بي أذىً من رأسي ، فحملت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقمل يتناثر على وجهي ، فقال:"ما كنت أرى الجهد قد بلغ بك ما أرى" ،وفي رواية :"فأمره أن يحلق رأسه ،وأن يطعم فرقاً بين ستةٍ ، أو يهدي شاة ، أو يصوم ثلاثة أيام" . . (3) .
__________
(1) زاد المعاد .
(2) زاد المعاد (4/34ـ35) .
(3) أخرجه البخاري (4/10،13) في الحج : باب قول الله تعالى { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية } ، وباب قول الله تعالى: { أو صدقة } ، وباب الإطعام في الفدية نصف صاع ، وباب النسك شاة ، وفي المغازي: باب غزوة الحديبية ، وفي تفسير سورة البقرة : باب { فمن كان منكم مريضاً } وفي المرضى: باب قول المريض : إني وجع أو : وارأساه أو اشتد بي الوجع، وفي الطب: باب الحلق من الأذى ، وفي الإيمان والنذور : باب كفارات الإيمان ، وأخرجه مسلم في الحج برقم (1201) ، باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى.(2/473)
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى بعد أن ذكر فوائد العسل ثم قال : وإذا لطخ به البدن المقمل والشعر قتل قمله وصئبانه وطول الشعر وحسنه
ونعمه . اهـ . (1) .
باب
ما جاء في الكي
عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال :"الشفاء في ثلاث : شُربة عسل ، وشُرطة محجم ، وكية نار ، وأنا أنهي أمتي عن الكي". (2) .
وعن عائشة :أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أمر بابن زرارة أن يكوى". (3) .
وفي رواية عن أنس : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كوى أسعد بن زرارة من الشوكة". (4) .
وعن عمران بن حصين ، قال : "نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكي ، فاكتوينا ؛ فما أفلحنا ، ولا أنجحنا". (5) .
عن المغيرة بن شعبة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال:"من اكتوى أو استرقى ؛ فقد برىء من التوكل".
التوكل: أي التوكل الكامل الذي يؤهل صاحبه أن يدخل الجنة بغير حساب ، وذلك لا ينافي الجواز كما في أحاديث الباب وغيره.
عن جابر بن عبد الله ، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى أُبي بن كعب طبيباً،فقطع له عرقاً وكواه عليه". (6) .
ولما رُمي سعد بن معاذ في أكحله"حسمه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ورمت..فحسمه الثانية". (7) .
الحسم: هو الكي.
__________
(1) زاد المعاد (4/34ـ35) .
(2) أخرجه البخاري ( 10/116) في الطب : باب الشفاء في ثلاث.
(3) التعليقات الحسان (6047) ، صحيح موارد الظمآن رقم (1187).
(4) رواه الترمذي (2051)، والطحاوي (2/385)، ورجاله ثقات، المشكاة
(4534/التحقيق الثاني)،صحيح موارد الظمآن (1179).
(5) التعليق على ابن ماجة (2/252)، صحيح موارد الظمآن رقم (1182)، الفتح
(10/164).
(6) أخرجه مسلم في السلام برقم (2207)، باب لكل داء دواء.
(7) أخرجه مسلم (2208)، وأحمد (3/ 213،350و386).(2/474)
وعن أنس - رضي الله عنه - : "أنه كوي من ذات الجنب والنبي - صلى الله عليه وسلم - حيٌ" . (1) .
في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم "الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون". (2) .
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : فقد تضمنت أحاديثُ الكي أربعةَ أنواع، أحدُها: فعله ؛ والثاني عدمُ محبته له، والثالث: الثناء على من تركه، والرابع: النهي عنه، ولا تعارضَ بينها بحمد الله تعالى، فإن فعله يدل على جوازه، وعدم محبته له لا يدلُّ على المنع منه، وأما الثناءُ على تاركه، فيدل على أن تركه أولى وأفضل، وأما النهي عنه، فعلى سبيل الاختيار والكراهة، أو عن النوع الذي لا يحتاج إليه، بل يفعل خوفاً من حدوث الداء، والله أعلم . اهـ . (3) .
باب
ما جاء في علاج عرق النسا
عن محمد بن سيرين ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "دواء عرق النسا ألية شاةٍ أعرابية تذاب،ثم تجزأ ثلاثة أجزاءٍ،ثم يشرب على الريق في كل يوم جزء". (4) .
__________
(1) أخرجه البخاري في الطب (10/ 145)، باب ذات الجنب.
(2) أخرجه البخاري في الطب (10/ 279)، باب من لم يرق ، ومسلم في الإيمان برقم
(220)، باب الدليل على دخول طوائف المسلمين إلى الجنة بغير حساب .
(3) زاد المعاد ..
(4) أخرجه ابن ماجة (3463) في الطب : باب دواء عرق النسا ، ورجاله ثقات،وقال البوصيري في الزوائد (1/216):إسناده صحيح، السلسلة الصحيحة رقم (1899).(2/475)
قال الأمام أبو عبد الله محمد المقدسي : (عرق النسا) : وجع يبتدئ من مفصل الورك ، وينزل من خلف على الفخذ وربما على الكعب ، وكلما طالت مدته زاد نزوله وتهزل معه الرجل والفخذ . وفي هذا الخبر تسميةُ هذا المرض بعرق النسا أعمُّ من النساء ؛فهو من إضافة العام إلى الخاص ككل الدرهم أو بعضها . وإن النسا هو المرض الحالُّ بالعرق فهو إضافة الشيء إلى محله . ومنع بعضهم من هذه التسمية وقال :
النسا: هو العرق نفسه فيكون من إضافة الشيء إلى نفسه وهو ممتنع . وقيل: سمي بذلك لأن ألمه ينسي ما سواه، وهذا الخبرُ خطابٌ لأهل الحجاز وما قاربهم ، لأن هذا المرض يحدثُ من يبس أو مادة غليظة أو لزجة فعلاجها بالإسهال . والألية فيها الخاصتان الإنضاجُ والإخراج . وتعيين الشاة بالأعرابية لقلة فضولها ورعيها نبات البر الحار كالشيح والغالب على استعمال الأدوية المفردة ، وغالب أطباء الهند والروم واليونان يعتنون بالمركبة. والتحقيق اختلاف الدواء باختلاف الغذاء ، فالعرب والبوادي غذاؤهم بسيط ، فمرضهم بسيط ، فدواؤهم بسيط ، والعكس بالعكس ، والله أعلم . (1) .
باب
ما جاء في اللدد والقسط البحري وعلاج ذات الجنب
عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : لددنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأشار أن لا تلدوني، فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال: "ألم أنهكم أن تلدوني، لا يبقى منكم أحد إلا لدّ غير عمي العباس ، فإنه لم يشهدكم". (2) .
__________
(1) الآداب الشرعية (2/396).
(2) أخرجه البخاري (10/ 140) في الطب ، باب اللدود ، ومسلم في السلام برقم
(2213) ، باب كراهة التداوي باللدود .(2/476)
قال أهل اللغة اللدود : بفتح اللام هو الدواء الذي يصب في أحد جانبي فم المريض ويسقا أو يدخل هناك بإصبع وغيرها ويحنك به ، ويقال منه لددته ألده ، وحكى الجوهري أيضا ألددته رباعيا والتددت أنا ، قال الجوهري ويقال للدود لديد أيضا ، وإنما أمر - صلى الله عليه وسلم - بلدهم عقوبة لهم حين خالفوه في إشارته إليهم لا تلدوني ، ففيه أن الإشارة المفهمة تصريح العبارة في نحو هذه المسألة ، وفيه تعزيز المتعدى بنحو من فعله الذي تعدى به إلا أن يكون فعلا محرماً . اهـ . (1) .
وفي "الصحيحين": من حديث انس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "خيرُ ما تداويتم به الحِجامة والقُسطُ البحري" سبق تخريجه.
القُسط نوعان : أحدهما : الأبيض الذي يقال له : البحري ، والآخر : الهندي وهو أشدهما حراً ، والأبيض ألينهما ، ومنافعهما كثيرة جداً .
وقال جالينوس : ينفع من الكزاز ، ووجع الجنبين ، ويقتل حب القَرَع .
وقد خفي على جهال الأطباء نفعه من وجع ذات الجنب، فأنكروه، ولو ظفر هذا الجاهل بهذا النقل عن جالينوس لنزله منزلة النص، كيف وقد نصّ كثير من الأطباء المتقدمين على أن القسط يصلح للنوع البلغمي من ذات الجنب، ذكره الخطابي عن محمد بن الجهم . (2) .
عن أم قيس بنت محصن أخت عكاشة بن محصن قالت : "دخلت بابن لي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأكل الطعام فبال عليه فدعا بماء فرشه" .
قالت ودخلت عليه بابن لي قد أعلقت عليه من العذرة فقال : "علام تدغرن أولادكن بهذا العلاق عليكن بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفيه منها ذات الجنب يسعط من العذرة ويلد من ذات الجنب" . (3) .
قال النووي رحمه الله تعالى :
__________
(1) شرح النووي (14/419ـ420) .
(2) الطب النبوي (1/223) .
(3) رواه البخاري في الطب برقم (663،664) ، ومسلم في الطب برقم (5726) .(2/477)
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : "فيه سبعة أشفية" . فقد أطبق الأطباء في كتبهم على أنه يدر الطمث والبول ، وينفع من السموم ، ويحرك شهوة الجماع ، ويقتل الدود وحب القرع في الأمعاء إذا شرب بعسل ، ويذهب الكلف إذا طلى عليه ، وينفع من بدر المعدة والكبد ويردهما ومن حمى الورد والربع وغير ذلك صنفان بحري
وهندي ، والبحري هو القسط الأبيض وهو أكثر من صنفين ، ونص بعضهم أن البحري أفضل من الهندي وهو أقل حرارة منه ، وقيل هما حاران يابسان في الدرجة الثالثة ، والهندي أشد حرا في الجزء الثالث من الحرارة ، وقال ابن سنيا القسط حار في الثالثة يابس في الثانية ، فقد اتفق العلماء على هذه المنافع التي ذكرناها في القسط فصار ممدوحا شرعا وطبا وإنما عددنا منافع القسط من كتب الأطباء لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر منها عددا مجملا . اهـ . (1) .
وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في "الصحيحين" أنه قال : "خير ما تداويتم به الحجامة ، والقسط البحري ، ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة" . (2) .
عن جابر بن عبد الله قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عائشة ، وعندها صبي يسيل منخراه دماً، فقال: "ما هذا ؟"، فقالوا: به العذرة، أو وجع في رأسه ، فقال: "ويلكن لا تقتلن أولادكن، أيما امرأةٍ أصاب ولدها عذرةٌ أو وجع في رأسه، فلتأخذ قسطاً هندياً فلتحكه بماءٍ، ثم تسعطه إياه". فأمرت عائشة رضي الله عنها فصنع ذلك بالصبي ، فبرأ . (3) .
__________
(1) شرح مسلم (14/416).
(2) أخرجه البخاري (10/ 127) في الطب : باب الحجامة من الدواء ، ومسلم في المساقاة برقم (1577) ، باب حل أجرة الحجامة .
(3) أخرجه أحمد (3/31) وإسناده صحيح ، وأورده الهيثمي في المجمع (5/89) وزاد نسبته لأبي يعلى والبزار وقال : ورجالهم رجال الصحيح ، المطالب العالية (3/80ـ81) .(2/478)
عن أم قيس بنت محصن : أنها دخلت على النبي بابن لها ، قد أعلقت عليه من العذرة ـ قال يونس : أعلقت : غمزت،فهي تخاف أن يكون به عذرة فقال : "علام تدغرن أولادكن بهذا القلاق ؟".
وفي لفظ الأعلاق ، "عليكن بهذا العود الهندي ، يعني به الكست ، فإن فيه سبعة أشفية منها : ذات الجنب يُسعط من العذرة ، ويلد من ذات الجنب". (1) .
والعذرة : بضم العين وبالذال المعجمة ، وهي وجع في الحلق يهيج من الدم ، يقال في علاجها :عذرته فهو معذور ، وقيل : هي قرحة تخرج في الخرم الذي بين الأنف والحلق تعرض للصبيان غالباً عند طلوع العذرة وهي العذارى خمسة كواكب ، قيل : في وسط المجرة .
وقال الجوهري في آخرها : وتعالج المرأة العذرة عادةً بفتل خرقة تدخلها في أنف الصبي ، وتطعن ذلك الموضع ، فينفجر منه دمٌ أسود ، وربما أحرقته ،وذلك الطعن يسمى دغراً وعذراً . (2) .
__________
(1) أخرجه البخاري (5692)، ومسلم (2214) .
(2) الآداب الشرعية (2/405).(2/479)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : قال بعض الأطباء : وأما معنى ذات الجنب في لغة اليونان فهو ورم الجنب الحار ، وكذلك ورم كل واحد من الأعضاء الباطنة ، وإنما سمى ذات الجنب ورم ذلك العضو إذا كان ورما حارا فقط ، ويلزم ذات الجنب الحقيقي خمسة أعراض وهي : الحمى ، والسعال ، والوجع الناخس ، وضيق النفس ، والنبض المنشاري ، والعلاج الموجود في الحديث ليس هو لهذا القسم لكن للقسم الثاني الكائن عن الريح الغليظة ، فإن القسط البحري وهو العود الهندي على ما جاء مفسرا في أحاديث آخر صنف من القسط إذا دق دقا ناعما وخلط بالزيت المسخن ودلك به مكان الريح المذكور أو لعق كان دواء موافقا لذلك نافعا له محللا لمادته مذهبا لها مقويا للأعضاء الباطنة مفتحا للسدد والعود المذكور في منافعه كذلك ، قال المسيحي : العود حار يابس قابض يحبس البطن ويقوي الأعضاء الباطنة ويطرد الريح ويفتح السدد نافع من ذات الجنب ويذهب فضل الرطوبة ، والعود المذكور جيد للدماغ ، قال ويجوز أن ينفع القسط من ذات الجنب الحقيقية أيضا إذا كان حدوثها عن مادة بلغمية لا سيما في وقت انحطاط العلة والله أعلم. اهـ. (1) .
وقال رحمه الله تعالى : ومن منافع الحناء أنه محلل نافع من حرق النار ، وفيه قوةٌ للعصب إذا ضُمد به ، وينفع إذا مضغ ، من قروح الفم والسُّلاق العارض فيه ، ويبرىء القلاع الحادث في أفواه الصبيان ، والضماد به ينفع من الأورام الحارة الملهبة ، ويفعل في الجراحات فهل دم الأخوين . وإذا خلط نوره مع الشمع المصفى ، ودهن الورد ، ينفع من أوجاع الجنب .
باب
ما جاء في علاج الصداع والشقيقة
__________
(1) الطب النبوي (1/65) .(2/480)
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صدع، غلف رأسه بالحناء، ويقول: "إنه نافع بإذن الله من الصداع". (1) .
وفي "الصحيح" ، أنه قال في مرض موته : "وارأساه" وكان يعصب رأسه في مرضه ، وعصب الرأس ينفع في وجع الشقيقة وغيرها من أوجاع الرأس . (2) .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : والصداع : ألم في بعض أجزاء الرأس أو كله ، فما كان منه في أحد شقي الرأس لازماً يسمى شقيقة ، وإن كان شاملاً لجميعه لازماً ، يسمى بيضة وخودة تشبيهاً ببيضة السلاح التي تشمل على الرأس كله، وربما كان في مؤخر الرأس أو في مقدمه. (3)
وعن سلمى امرأة أبي رافع قالت : ما سمعت أحداً قطٌّ يشكو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعاً في رأسه إلا قال له "احتجم" ، ولا وجعاً في رجليه إلا قال "اخضبهما" .
وفي رواية عنها : "كان إذا اشتكى أحد من رأسه قال : اذهب فاحتجم ، وإذا اشتكى رجله قال : اذهب فأخضبها بالحناء". (4) .
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد (6/462) ، وابن ماجة (3502)، وأبو داود (3858)، والهيثمي في المجمع (5/95) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه الوحي ، صدع ، فيغلف رأسه بالحناء . قال الهيثمي : وفيه الأحوص بن حكيم،وقد وثق ، وفيه ضعف كثير ، وأبو عون لم أعرفه.
(2) أخرجه البخاري في المرض (10/ 105).
(3) زاد المعاد (4/78) .
(4) رواه أحمد ، وأبو داود. السلسلة الصحيحة رقم (2059)، صحيح الجامع رقم
(4671) .(2/481)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى عن الصداع : وأنواعه كثيرة وأسبابه مختلفة ، وحقيقة الصداع سخونة الرأس واحتماؤه لما دار فيه من البخار الذي يطلب النفوذ من الرأس فلا يجد منفذا فيصدعه كما يصدع الوعاء إذا حمى ما فيه وطلب النفوذ فكل شيء رطب إذا حمى طلب مكانا أوسع من مكانه الذي كان فيه فإذا عرض هذا البخار في الرأس كله بحيث لا يمكنه التفشي والتحلل وجال في الرأس سمى السدر ، والصداع يكون عن أسباب عديدة أحدها من غلبة واحدة من الطبائع الأربعة ، والخامس يكون من قروح تكون في المعدة فيألم الرأس لذلك الورم للاتصال من العصب المنحدر من الرأس بالمعدة ، والسادس من ريح غليظة تكون في المعدة فتصعد إلى الرأس فتصدعه ، والسابع يكون من ورم في عروق المعدة فيألم الرأس بألم المعدة للاتصال الذي بينهما ، والثامن صداع يحصل من امتلاء المعدة من الطعام ثم ينحدر ويبقى بعضه نيئا فيصدع الرأس ويثقله ، والتاسع يعرض بعد الجماع لتخلل الجسم فيصل إليه من حر الهواء أكثر من قدره، والعاشر صداع يحصل بعد القيء والاستفراغ إما لغلبة اليبس وإما لتصاعد الأبخرة من المعدة إليه ، والحادي عشر صداع يعرض عن شدة الحر وسخونة الهواء، والثاني عشر ما يعرض من شدة البرد وتكاثف الأبخرة في الرأس وعدم تحللها، والثالث عشر ما يحدث من السهر وحبس النوم، والرابع عشر ما يحدث من ضغط الرأس وحمل الشيء الثقيل عليه، والخامس عشر ما يحدث من كثرة الكلام فتضعف قوة الدماغ لأجله ، والسادس عشر ما يحدث من كثرة الحركة والرياضة المفرطة ، والسابع عشر ما يحدث من الأعراض النفسانية كالهموم والغموم والأحزان والوسواس والأفكار الرديئة ، والثامن عشر ما يحدث من شدة الجوع فإن الأبخرة لا تجد ما تعمل فيه فتكثر وتتصاعد إلى الدماغ فتؤلمه ، والتاسع عشر ما يحدث من ورم في صفاق الدماغ ويجد صاحبه كأنه يضرب بالمطارق على رأسه ، والعشرون ما يحدث بسبب الحمى لاشتعال حرارتها فيه(2/482)
فيتألم . والله أعلم.
ثم قال : وسبب صداع الشقيقة مادة في شرايين الرأس وحدها حاصلة فيها أو مرتقية إليها فيقلبها الجانب الأضعف من جانبيه وتلك المادة إما بخارية وإما أخلاط حارة أو باردة ، وعلامتها الخاصة بها ضربان الشرايين وخاصة في الدموي وإذا ضبطت بالعصائب ومنعت الضربان سكن الوجع ،وقد ذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي له أن هذا النوع كان يصيب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمكث اليوم واليومين ولا يخرج ، وفيه عن ابن عباس :
قال : "خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد عصب رأسه بعصابة" ، وفي الصحيح "أنه قال في مرض موته وارأساه وكان يعصب رأسه في مرضه" . وعصب الرأس ينفع في وجع الشقيقة وغيرها من أوجاع الرأس .
وعلاجه يختلف باختلاف أنواعه وأسبابه ، فمنه ما علاجه بالاستفراغ ، ومنه ما علاجه بتناول الغذاء ، ومنه ما علاجه بالسكون والدعة ، ومنه ما علاجه بالضمادات ، ومنه ما علاجه بالتبريد ، ومنه ما علاجه بالتسخين، ومنه ما علاجه بأن يجتنب سماع الأصوات والحركات .اهـ. (1) .
باب
ما جاء في علاج الصداع وفوائد الحناء
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "سيد ريحان أهل الجنة الحناء" . (2) .
__________
(1) الطب النبوي(69) .
(2) السلسلة الصحيحة رقم (1420) ، صحيح الجامع رقم (3677) .(2/483)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : إذا عرف هذا ـ [ أي ما جاء في الموضوع السابق ] ـ فعلاج الصداع في هذا الحديث بالحناء هو جزئي لا كلي وهو علاج نوع من أنواعه ، فإن الصداع إذا كان من حرارة ملتهبة ولم يكن من مادة يجب استفراغها نفع فيه الحناء ظاهرا ، وإذا دق وضمدت به الجبهة مع الخل سكن الصداع وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضمد به سكن أوجاعه وهذا لا يختص بوجع الرأس بل يعم الأعضاء وفيه قبض تشد به الأعضاء ، وإذا ضمد به موضع الورم الحار والملتهب سكنه وقد روى البخاري في تاريخه وأبو داود في السنن : "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شكا إليه أحد وجعا في رأسه إلا قال احتجم ولا شكا إليه وجعا في رجليه إلا قال له اختضب بالحناء". (1) .
وفي الترمذي عن سلمى أم رافع خادمة النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : "كان لا يصيب النبي - صلى الله عليه وسلم - قرحة ولا شوكة إلا وضع عليها بالحناء". (2) .
والحناء بارد في الأولى يابس في الثانية وقوة شجر الحناء وأغصانها مركبة من قوة محللة اكتسبتها من جوهر فيها مائي حار باعتدال ومن قوة قابضة اكتسبتها من جوهر فيها أرضي بارد .
__________
(1) السلسلة الصحيحة(2059) ، وصحيح الترغيب (3461).
(2) أنظر صحيح الجامع رقم (4671) .(2/484)
ومن منافعه أنه محلل نافع من حرق النار ، وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضمد به وينفع إذا مضغ من قروح الفم والسلاق العارض فيه ، ويبرىء القلاع الحادث في أفواه الصبيان ، والضماد به ينفع من الأورام الحارة الملهبة ويفعل في الخراجات فعل دم الأخوين ، وإذا خلط نوره مع الشمع المصفى ودهن الورد ينفع من أوجاع الجنب ، ومن خواصه أنه إذا بدأ الجدري يخرج بصبي فخضبت أسافل رجليه بحناء فإنه يؤمن على عينيه أن يخرج فيها شيء منه وهذا صحيح مجرب لا شك فيه ، وإذا جعل نوره بين طي ثياب الصوف طيبها ومنع السوس عنها ، وإذا نقع ورقة في ماء عذب يغمره ثم عصر وشرب من صفوه أربعين يوما كل يوم عشرون درهما مع عشرة دراهم سكر ويغذى عليه بلحم الضأن الصغير فإنه ينفع من ابتداء الجذام بخاصية فيه عجيبة ، وحكى أن رجلا تشققت أظافير أصابع يده وأنه بذل لمن يبرئه مالا فلم يجد فوصفت له امرأة أن يشرب عشر أيام حناء فلم يقدم عليه ثم نقعه بماء وشربه فبرأ ورجعت أظافيره إلى حسنها ، والحناء إذا ألزمت به الأظفار معجونا حسنها ونفعها ، وإذا عجن بالسمن وضمد به بقايا الأورام الحارة التي ترشح ماء أصفر نفعها ، ونفع من الجرب المتقرح المزمن منفعة بليغة وهو ينبت الشعر ويقويه ويحسنه ويقوي الرأس وينفع من النفاطات والبثور العارضة في الساقين والرجلين وسائر البدن . اهـ. (1) .
الكتم ، روى البخاري في صحيحه ، عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: دخلنا على أم سلمة رضى الله عنها ، فأخرجت إلينا شعرا من شعر رسول الله فإذا هو مخضوب بالحناء والكتم" . وفي السننن الأربعة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم" .
__________
(1) الطب النبوي (1/69- 70،229) .(2/485)
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن أبا بكر - رضي الله عنه - اختضب بالحناء والكتم . وفي سنن أبى داود عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : مر على النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل قد خضب بالحناء ، فقال : "ما أحسن هذا" ، فمر آخر قد خضب بالحناء والكتم فقال : "هذا أحسن من هذا" ، فمر آخر قد خضب بالصفرة وقال هذا أحسن من هذا كله" .(2/486)
قال ابن قيم الجوزية : قال الغافقي : الكتم نبت ينبت بالسهول ورقه قريب من ورق الزيتون يعلو فوق القامة وله ثمر قدر حب الفلفل في داخله نوى إذا رضخ أسود ، وإذا استخرجت عصارة ورقه وشرب منها قدر أوقية قيأ قيئا شديدا ، وينفع من عضة الكلب ، وأصله إذا طبخ بالماء كان منه مداد يكتب به ، وقال الكندي : بزر الكتم إذا اكتحل به حلل الماء النازل في العين وأبرأها ، وقد ظن بعض الناس أن الكتم هو الوسمة وهى ورق النيل وهذا وهم فإن الوسمة غير الكتم ، قال صاحب الصحاح: الكتم بالتحريك نبت يخلط بالوسمة يختضب به ، وقيل والوسمة نبات له ورق طويل يضرب لونه إلى الزرقة أكبر من ورق الخلاف يشبه ورق اللوبياء وأكبر منه يؤتى به من الحجاز واليمن ، فإن قيل قد ثبت في الصحيح عن أنس - رضي الله عنه - ، أنه قال لم يختضب النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل قد أجاب الإمام أحمد بن حنبل عن هذا ، قال قد شهد به غير أنس بن مالك رضى الله عنه على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خضب ، وليس من شهد بمنزلة من لم يشهد ، فأحمد اثبت خضاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه جماعة من المحدثين ومالك أنكره ، فإن قيل قد ثبت في صحيح مسلم النهى عن الخضاب بالسواد في شأن أبى قحافة لما أتى به ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا ، فقال : "غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد"، والكتم يسود الشعر فالجواب من وجهين أحدهما أن النهى عن التسويد البحت ، فأما إذا أضيف إلى الحناء شيء أخر كالكتم ونحوه فلا بأس به فإن الكتم والحناء يجعل الشعر بين الأحمر والأسود بخلاف الوسمة فإنها تجعله اسود فاحما ، وهذا أصح الجوابين ، الجواب الثاني أن الخضاب بالسواد المنهي عنه خضاب التدليس كخضاب شعر الجارية والمرأة الكبيرة تغر الزوج والسيد بذلك وخضاب الشيخ يغر المرأة بذلك فأنه من الغش والخداع ، فأما إذا لم يتضمن تدليسا ولا خداعا فقد صح عن الحسن والحسين رضى الله عنهما أنهما كانا يخضبان بالسواد ،(2/487)
ذكر ذلك ابن جرير عنهما في كتاب تهذيب الآثار ، وذكره عن عثمان بن عفان ، وعبد الله بن جعفر ، وسعد بن أبى وقاص ، وعقبة ابن عامر ، والمغيرة بن شعبة ، وجرير بن عبد الله ، وعمرو بن العاص رضى الله عنهم أجمعين ، وحكاه عن جماعة من التابعين منهم عمر بن عثمان ، وعلى بن عبد الله بن عباس ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعبد الرحمن بن الأسود ، وموسى بن طلحة ، والزهري ، وأيوب، وإسماعيل بن معد يكرب رضى الله عنهم أجمعين ، وحكاه ابن الجوزي عن محارب بن دثار ، ويزيد ، وابن جريج ، وأبي يوسف ، وأبي إسحاق ، وابن أبي ليلى ، وزياد بن علاقة، وغيلان بن جامع، ونافع بن جبير، وعمرو بن على المقدمي، والقاسم بن سلام رضى الله عنهم أجمعين.اهـ. (1) .
ثم قال : رحمه الله تعالى : ومن منافع الحناء أنه محلل نافع من حرق النار ، وفيه قوةٌ للعصب إذا ضُمد به ، وينفع إذا مضغ ، من قروح الفم والسُّلاق العارض فيه ، ويبرىء القلاع الحادث في أفواه الصبيان ، والضماد به ينفع من الأورام الحارة الملهبة ، ويفعل في الجراحات مع دم الأخوين . وإذا خلط نوره مع الشمع المصفى ، ودهن الورد ، ينفع من أوجاع الجنب .
ومن خواصه أنه إذا بدأ الجدري يخرج بصبي، فخضبت أسافل رجليه بحناء، فإنه يؤمن على عينيه أن يخرج فيها شيء منه . (2)
باب
ما جاء في التلبينة
عن عروة ،عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تأمر بالتلبين للمريض ،وللمحزون على الهالك وكانت تقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "إن التلبينة تجم فؤاد المريض ، وتذهب ببعض الحزن". (3) .
__________
(1) الطب النبوي (ص286) .
(2) زاد المعاد (4/82).
(3) صحيح الجامع رقم (3018) .(2/488)
وفي رواية عنها ، أنها كانت إذا مات الميت من أهلها ، واجتمع لذلك النساء ، ثم تفرقن إلى أهلهن ،أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ، وصنعت ثريداً ثم صبت التلبينة عليه ، ثم قالت : كلوا منها ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :"التلبينة مجمّةٌ لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن". (1) .
التلبينة: بفتح فسكون حساء يتخذ من دقيق أو نخالة وربما جعل بعسل أو لبن وشبهه باللبن في بياضه سمي بالمرة من التلبين مصدر لبن القوم إذا سقاهم اللبن حكى الزيادي عن بعض العرب لبناهم فلبنوا أي سقيناهم اللبن فأصابهم منه شبه سكر ، ذكره الزمخشري .
مجمة : بالتشديد وفتح الميمين أي مريحة قال القرطبي : روي بفتح الميم والجيم وبضم الميم وكسر الجيم فعلى الأول مصدر أي جمام ، وعلى الثاني اسم فاعل من أجم ، وفي رواية البخاري تجم بضم الجيم لفؤاد المريض ، أي تريح قلبه وتسكنه وتقويه وتزيل عنه الهم وتنشطه بإخمادها للحمى ، من الإجمام وهو الراحة فلا حاجة لما تكلفه بعض الأعاظم من تأويل الفؤاد برأس المعدة فتدبر ، ونفع ماء الشعير للحي لا ينكره إلا جاهل بالطب .
تذهب ببعض الحزن ، فإن فؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته لقلة الغذاء والحساء يرطبها ويغذيها ويقويها لكن كثيراً ما يجتمع بمعدته خلط مراري أو بلغمي أو صديدي والحساء يجلوه عن المعدة قال ابن حجر: النافع منها ما كان رقيقاً نضيجاً غليظاً نيئاً .
وقال أبو نعيم في الطب : هي دقيق بحت أو فيه شحم والداودي يؤخذ العجين غير خمير فيخرج ماؤه فيجعل حسواً فيكون لا يخالطه شيء فلذا يكثر نفعه ، وقال الموفق البغدادي : التلبينة الحساء ويكون في قوام اللبن وهو الرقيق النضيج لا الغليظ النيئ .
__________
(1) رواه البخاري في الأطعمة باب التلبينة برقم (5417) ، ومسلم في الطب باب التلبينة مجمة لفؤاد المريض برقم (5730) .(2/489)
وعن عائشة أيضاً ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بالبغيض النافع التلبين".
وقالت : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتكى أحدٌ من أهله لم تزل البرمة على النار حتى ينتهي أحد طرفيه . يعني يبرأ أو يموت .
قال ابن القيم : التلبين : هو الحساء الرقيق الذي هو في قوام اللبن ومنه اشتق اسمه قال الهروي "سميت تلبينة لشبهها باللبن ، لبياض ورقاتها" ، وهذا الغذاء هو النافع للعليل وهو الرقيق النضيج لا الغليظ النيء إذا شئت أن تعرف فضل التلبينة فاعرف فضل ماء الشعير ، بل هي أفضل من ماء الشعير لهم فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته ، والفرق بينهما وبين ماء الشعير ، أنه يطبخ صحاحاً ،والتلبينة تطبخ منه مطحونة . وهي أنفع لخروج خاصية الشعير بالطحن . (1) .
قال النووي:قوله - صلى الله عليه وسلم - "التلبينة مجمة لفؤاد المريض وتذهب بعض الحزن" أما مجمة فبفتح الميم والجيم ، ويقال بضم الميم وكسر الجيم ، أي تريح فؤاده وتزيل عنه الهم وتنشطه والجمام المستريح كأهل النشاط ، وأما التلبينة فبفتح التاء وهى حساء من دقيق أو نخالة قالوا وربما جعل فيها عسل ، قال الهراوي وغيره سميت تلبينة تشبيها بالبن لبياضها ورقتها وفيه استحباب التلبينة للمحزون.اهـ . (2) .
باب
إصلاح الطعام الذي يقع فيه الذباب
عن أبي هريرة ، أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال : "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم ، فامقلوه ،فإن في أحد جناحيه داءً ، وفي الآخر شفاء". (3) .
وعن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "أحد جناحي الذباب سمٌّ ، والآخر شفاءٌ ، فإذا وقع في الطعام ، فامقلوه ، فإنه يقدم السمّ ، ويؤخر الشفاء". (4) .
__________
(1) الطب النبوي (128) .
(2) شرح مسلم (14/423ـ424) .
(3) أخرجه البخاري (10/213) في الطب : باب إذا وقع الذباب في الإناء.
(4) أخرجه ابن ماجة (3504) . صحيح الجامع رقم (4234).(2/490)
"فامقلوه" بضم القاف أي اغموه في الطعام أو الشراب ، والمقل الغمس ، وفي الآخر شفاء بكسر الشين ، وفي بعض النسخ مكانه دواء ، وإنه يتقي بجناحه الذي فيها الداء ، أي إنه يقدم بجناحه يقال اتقى بحق عمر إذا استقبله به وقدمه إليه ، ويجوز أن يكون معناه إنه يحفظ نفسه بتقديم ذلك الجناح من أذية تلحقه من حرارة ذلك الطعام . ذكره ابن الملك ، فليغمسه أي كل الذباب ليتعادل داؤه ودواؤه ، والحديث دليل ظاهر على جواز قتله دفعا لضرره وأنه يطرح ولا يؤكل ، وأن الذباب إذا مات في ماء فإنه لا ينجسه لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بغمسه ، ومعلوم أنه
يموت من ذلك ولا سيما إذا كان الطعام حارا فلو كان ينجسه لكان أمرا بإفساد الطعام وهو - صلى الله عليه وسلم - إنما أمر بإصلاحه ثم أدى هذا الحكم إلى كل مالا نفس له سائلة كالنحلة والزنبور والعنكبوت وأشباه ذلك . اهـ. (1) .
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
قال الإمام أبو عبد الله محمد المقدسي : وفي الذباب قوةٌ سميةٌ يدل عليها الورم والحكة العارضة عن لسعه وهي كالسلاح ، فإذا سقط فيما يؤذيه ألقاه بسلاحه ، وذكر غير واحد من الأطباء أن لسع الزنبور والعقرب إذا دلك موضعه بالذباب نفع منه نفعاً بيناً وسكنه ؛ لما فيه من الشفاء ، وإذا دلك به الورم الذي يخرج في شعر العين المسمى سعيرة بعد قطع رأس الذباب ، أبرأه.
هذا الحديث فيه أمران : أمر فقهي وأمر طبي فأما الفقهي فهو دليل ظاهر الدلالة جداً على أن الذباب إذا مات في ماء أو مائع فإنه لا ينجسه هذا قول جمهور العلماء ولا يعرف له مخالف في ذلك . اهـ . (2) .
باب
ما جاء في علاج السم
__________
(1) عون المعبود (10/231) .
(2) الطب النبوي ، والآداب الشرعية (359).(2/491)
ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك : أن امرأة يهودية أهدت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - شاةً مصليّةً ، فقال :"ما هذه"؟ قالت:هدية ، وحذرت أن تقول : من الصدقة ، فلا يأكل منها ، فأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأكل الصحابة ، ثم قال :"أمسكوا" ،ثم قال للمرأة : "هل سممت هذه الشاة"؟ قالت : من أخبرك بهذا؟ قال:"هذا العظم لساقها"، وهو في يده ؟ قالت : نعم قال : "لمَ" ؟قالت : أردت إن كنت كاذباً أن يستريح منك الناس ، وإن كنت نبياً ، لم يضرك ، قال : فاحتجم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة على الكاهل ، وأمر أصحابه أن يحتجموا فاحتجموا ، فمات بعضهم . (1) .
شاةً مصليّةً : أي مشوية .
وعن عائشة - رضي الله عنه - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في مرضه الذي مات فيه : "يا عائشة ، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ،فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم". (2) .
قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله تعالى : ومعالجة السم باستفراغ أو دواء يعارض فعله ويبطله بكيفيته أو بخاصيته ، وإن عدم الدواء ،فالاستفراغ الكلي ، وأنفعه الحجامة لا سيما مع حر المكان والزمان ،فإن القوة السمية تسري في الدم فتنبعث في العروق والمجاري حتى تصل إلى القلب فيكون الهلاك ، فإذا خرج معه الكيفية السمية فإن كان استفراغاً تاماً ذهب السم أو تقوى عليه الطبيعة ، وإنما احتجم عليه السلام في الكاهل وهو الحارك وهو ما بين الكتفين مقدم أعلى الظهر ، لأنه أقرب موضع يمكن حجمه إلى القلب . ا هـ . (3) .
باب
ما جاء في السحر وعلاجه
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (6/195)و(10/208).
(2) أخرجه البخاري برقم (4428) .
(3) الآداب الشرعية (3/80).(2/492)
قال الله تعالى: { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت } إلى قوله: { ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق } . (1) .
فالسحر كفر ، والساحر لا بد أن يكفر ، وحد الساحر القتل لأنه كفر بالله تعالى.
قال ابن حجر العسقلاني بعد أن ساق الإمام البخاري الآية : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } الآية برقم (5429) ، قال : فصل الخطاب في هذه المسألة وفي إيراد المصنف هذه الآية إشارة إلى اختيار الحكم بكفر الساحر لقوله فيها وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر فإن ظاهرها أنهم كفروا بذلك ولا يكفر بتعليم الشيء إلا وذلك الشيء كفر ، وكذا قوله في الآية على لسان الملكين إنما نحن فتنة فلا تكفر فإن فيه إشارة إلى أن تعلم السحر كفر فيكون العمل به كفرا ، وهذا كله واضح على ما قررته من العمل ببعض أنواعه. اهـ. (2) .
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "حد الساحر ضربه بالسيف". (3) .
قال بجالة بن عبدة : "أتانا كتاب عمر - رضي الله عنه - قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر
وساحرة" . (4) .
__________
(1) سورة البقرة الآية (102).
(2) فتح الباري (10/225) .
(3) أخرجه الترمذي برقم (1460) والدراقطني (3/114) وعبد الرزاق في المصنف
(10/184)، والحاكم في المستدرك (4/360) والطبراني في الكبير (2/172) رقم
(1665). هذا حديث ضعيف ، ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي برقم (241) . وإنما صح عن عمر ، وأم سلمة رضي الله عنهما ، وغيرهما .
(4) أخرجه أحمد(1/190و191)،وأبو داود(3403)،وابن حزم في المحلى(1/397) ، وعبد الرزاق في المصنف(10/179و10و181)، وأبو عبيد في الأموال(ص 35).(2/493)
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "ثلاثة لا يدخلون الجنة : مدمن خمر وقاطع رحم ومصدق بالسحر". (1) .
وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: "سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إن كان ليخيل إليه أنه يأتي نساءه، ولم يأتيهن، وذلك أشد ما يكون من السحر". (2) .
قال ابن حجر رحمه الله تعالى: السحر قد يكون من تأثير الأرواح الخبيثة، وقد يكون من انفعال الطبيعة، وهو أشد السحر، واستعمال الحجم لهذا الثاني نافع لأنه إذا هيج الأخلاط وظهر أثره في عضو كان استفراغ المادة الخبيثة نافعا في ذلك، وقال القرطبي: إنما قيل للسحر طب لأن أصل الطب الحذق بالشيء والتفطن له فلما كان كل من علاج المرض والسحر إنما يتأتى عن فطنة وحذق أطلق على كل منهما هذا الاسم . اهـ . (3) .
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (4/399)، والحاكم في المستدرك (4/146) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. صحيح الترغيب (3050).
(2) أخرجه البخاري (10/199) في الطب : باب هل يستخرج السحر ، ومسلم برقم
(2189) في السلام : باب السحر .
(3) فتح الباري (10/229) .(2/494)
وفي رواية عنها رضي الله عنها قالت : "سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله حتى كان ذات يوم دعا ودعا، ثم قال أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفائي أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال أحدهما للآخر ما وجع الرجل، قال مطبوب، قال ومن طبه قال لبيد بن الأعصم قال فيما ذا قال في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر، قال فأين هو، قال في بئر ذروان فخرج إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم رجع، فقال لعائشة حين رجع نخلها كأنه رؤوس الشياطين ، فقلت استخرجته، فقال لا أما أنا فقد شفاني الله وخشيت أن يثير ذلك على الناس شرا ثم دفنت البئر" . (1) .
قوله "في مشط ومشاطة" : أما المشط فهو بضم الميم ويجوز كسرها أثبته أبو عبيد وأنكره أبو زيد وبالسكون فيهما وقد يضم ثانيه مع ضم أوله فقط وهو الآلة المعروفة التي يسرح بها شعر الرأس واللحية وهذا هو المشهور . (2) .
قال ابن مفلح رحمه الله تعالى :
أما علاج المسحور : فإما باستخراجه وتبطيله كما في الخبر ،فهو كإزالة المادة الخبيثة بالاستفراغ ،وإما بالاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السحر ؛فإن للسحر تأثيراً عند جمهور العلماء ،لا مجرد خيال باطل لا حقيقة له .وللمسألة وأحكام السحر والساحر مسائل مشهورة ليس هذا محلها.
والسحر مركب من تأثيرات الأرواح الخبيثة ، وانفعال القوى الطبيعية عنه ،وهو سحر النمريجات ، وهو أشد ما يكون من السحر ، فاستعمال الحجامة على المكان الذي تضرر بالسحر على ما ينبغي ،من أنفع المعالجة . اهـ . (3) .
وهناك وصفة ناجحة بإذن الله تعالى ، ونحن نستخدمها لعلاج الذين يعانون من السحر ، وهي مفيدة جداً إنشاء الله تعالى :
__________
(1) رواه البخاري في الطب برقم (3095) ، باب هل يستخرج السحر ، ومسلم في السلام برقم (2189) ، باب السحر .
(2) فتح الباري (10/229) .
(3) الآداب الشرعية (3/85).(2/495)
تأخذ كأساً من الحليب وتجعله في إناء وتضع معه فنجان زيت زيتون مع فنجان من العسل ، وبعد تسخين هذه الخلطة على النار ، تقرأ عليها آيات الرقية ، مثل سورة الفاتحة ، وآية : وأتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان . الآية ، وآية الكرسي ، وآخر آيتين من سورة البقرة ، وكذلك تقرأ سورة الإخلاص ، مع قل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس . ثم يشرب المسحور هذه الخلطة على الريق بحيث تكون معدته فارغة ، لمدة ثلاثة أيام ، وبعد ذلك يخرج السحر الذي في الجسد بإذن الله تعالى ، أما عن طريق المراجعة وهو القيء ، أو عن طريق الإسهال . والله هو الشافي وحده .
باب
ما جاء في منافع الجماع
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج فانه أغض للبصر واحفظ للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء" . (1) .
وقال : "إني أتزوج النساء وآكل اللحم وأنام وأقوم وأصوم وأفطر ، فمن رغب عن سنتي فليس منى " . (2) .
ولما تزوج جابر ثيبا قال له : "هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك" . (3)
وفي سنن ابن ماجة من حديث ابن عباس يرفعه قال : "لم ير للمتحابين مثل النكاح" . (4)
__________
(1) رواه البخاري برقم (5066) ، ومسلم برقم (1400) .
(2) رواه البخاري برقم (5063) ، ومسلم برقم (1401) .
(3) رواه البخاري برقم (5079) ، ومسلم برقم (715) .
(4) صحيح الجامع رقم (5200) .(2/496)
الباءة ، وهو الجماع ، وفي الحديث : أَن امرأَة مات عنها زوجُها فمرّ بها رجلٌ وقد تزيَّنتْ للباه أَي للنكاح ؛ ومثله حديث ابن مسعود عن النبي : "من استَطاع منكم الباهَ فليتزوجْ، ومن لا يَسْتَطيع فعليه بالصوم فإِنه له وِجاءٌ" ؛ أَراد من استطاع منكم أَن يتزوج ولم يُرد به الجماع ، يدلك على ذلك قوله : ومن لم يقدر فعليه بالصوم ، لأَنه إِن لم يقدر على الجماع لم يحتج إِلى الصوم ليُحْفِر ، وإِنما أَراد من لم يكن عنده جِدَةٌ فيُصْدِقَ المنكوحة ويَعُولَها .
الباهُ و الباهةُ : النكاح ، وقيل : الباهُ الحظُّ من النكاح . قال الجوهري : والباهُ مثل الجاه . (1)
قال ابن قيم الجوزية : وأما الجماع والباه فكان هديه - صلى الله عليه وسلم - فيه أكمل هدى، وتحفظ به الصحة ، ويتم به اللذة وسرور النفس ، ويحصل به مقاصده التي وضع من أجلها ، فإن الجماع وضع بالأصل لثلاثة أمور هي مقاصده الأصلية : أحدها حفظ النسل ودوام النوع الإنساني إلى أن تتكامل العدة التي قدر الله بروزها إلى هذا العالم .
الثاني إخراج الماء الذي يضر احتباسه واحتقانه بجملة البدن . الثالث قضاء الوطر ونيل اللذة والتمتع بالنعمة ، وهذه وحدها هي الفائدة التي في الجنة إذ لا تناسل هناك ولا احتقان يستفرغه الإنزال ، وفضلاء الأطباء يرون أن الجماع من أحد أسباب حفظ الصحة .
__________
(1) لسان العرب (13/479ـ480) .(2/497)
وقال رحمه الله تعالى : ومن منافعه غض البصر وكف النفس والقدرة على العفة عن الحرام ، وتحصيل ذلك للمرأة فهو ينفع نفسه في دنياه وأخراه وينفع المرأة ، ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعاهده ويحبه ويقول : "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب". (1)
وفي كتاب الزهد لأحمد بن حنبل ، في هذا الحديث زيادة لطيفة ، وهى اصبر عن الطعام والشراب ولا أصبر عنهن وحث على تزويج أمته فقال : "تزوجوا فاني مكاثر بكم الأمم" . وقال ابن عباس : خير هذه الأمة أكثرها نساء
ثم قال رحمه الله تعالى : وقال بعض السلف ينبغي للرجل أن يتعاهد من نفسه ثلاثا : ينبغي أن لا يدع المشي فإن احتاج إليه يوما قدر عليه ، وينبغي ألا يدع الأكل فإن أمعاءه تضيق ، وينبغي ألا يدع الجماع فإن البئر إذا لم تنزح ذهب ماؤها . وقال محمد بن زكريا : من ترك الجماع مدة طويلة ضعفت قوى أعصابه واستد مجاريها وتقلص ذكره قال ورأيت جماعة تركوه لنوع من التقشف فبردت أبدانهم وعسرت حركتهم ووقعت عليهم كآبة بلا سبب وقلت شهواتهم وهضمهم . انتهى . (2) .
__________
(1) الحديث عن أنس - رضي الله عنه - : حبب إلي من دنياكم: النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة. صحيح الجامع رقم (3124) . بالمناسبة ينتشر بين العامة حديث: حبب إلي من ==دنياكم ثلاث، ولم يرد ذكر الثلاث في الحديث ولأن الصلاة ليس من أمور الدنيا . والصحيح هذه الرواية دون ذكر الثلاث .
(2) زاد المعاد .(2/498)
عن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف على نسائه في ليلة فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلا فقلت يا رسول الله لو اغتسلت غسلا واحدا فقال : "هذا أطهر وأطيب" ، وشرع للمجامع إذا أراد العود قبل الغسل الوضوء بين الجماعين كما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليوضأ" ، وفي الغسل والوضوء بعد الوطء من النشاط وطيب النفس وأخلاق بعض ما تحلل بالجماع وكمال الطهر والنظافة واجتماع الحار الغريزي إلى داخل البدن بعد انتشاره بالجماع ، وحصول النظافة التي يحبها الله ويبغض خلافها ما هو من أحسن التدبير في الجماع وحفظ الصحة والقوى منه .(2/499)
وأنفع الجماع ما حصل بعد الهضم وعند اعتدال البدن وفي حره وبرده ويبوسته ورطوبته وخلائه وامتلائه وضرره عند امتلاء البدن أسهل وأقل من ضرره عند خلوه وكذلك ضرره عند كثرة الرطوبة وأقل منه عند اليبوسة وعند حرارته اقل منه عند برودته وإنما ينبغي أن يجامع إذا اشتدت الشهوة وحصل الانتشار التام الذي ليس عن تكلف ولا فكر في صورة ولا نظر متتابع ، ولا ينبغي أن يستدعى الشهوة ويتكلفها ويحمل نفسه عليها وليبادر إليه إذا هاجت به كثرة المنى واشتد شبقه وليحذر جماع العجوز والصغيرة التي لا يوطأ مثلها والتي لا شهوة لها والمريضة والقبيحة المنظر والبغيضة ، فوطء هؤلاء يوهن القوى ويضعف الجماع بالخاصية ، وغلط من قال من الأطباء أن جماع الثيب أنفع من جماع البكر واحفظ للصحة ، وهذا من القياس الفاسد حتى ربما حذر منه بعضهم وهو مخالف لما عليه عقلاء الناس ولما اتفقت عليه الطبيعة والشريعة ، وفي جماع البكر من الخاصية وكمال التعلق بينها وبين مجامعها وامتلاء قلبها من محبته وعدم تقسيم هواها بينه وبين غيره ما ليس للثيب ، وقد قال النبي لجابر : "هلا تزوجت بكرا" ، وقد جعل الله سبحانه من كمال نساء أهل الجنة من الحور العين انهم لم يطمثهن أحد قبل من جعلن له من أهل الجنة وقالت عائشة للنبي - صلى الله عليه وسلم - : "أرأيت لو مررت بشجرة قد ارتع فيها وشجرة لم يرتع فيها ففي أيهما كنت ترتع بعيرك قال في التي لم يرتع فيها تريد أنه لم يأخذ بكرا غيرها" ، وجماع المرأة المحبوبة في النفس يقل أضعافه للبدن مع كثرة استفراغه للمني ، وجماع البغيضة يحل البدن ويوهن القوى مع قلة استفراغه ، وجماع الحائض حرام طبعا وشرعا فإنه مضر جدا ، والأطباء قاطبة تحذر منه ، واحسن أشكال الجماع أن يعلو الرجل المرأة مستفرشا لها وبعد الملاعبة والقبلة ، وبهذا سميت المرأة فراشا كما قال "الولد للفراش" وهذا من تمام قوامية الرجل على المرأة كما قال تعالى "الرجال قوامون(2/500)
على النساء" وكما قيل إذا رمتها كانت فراشا يقلني وعند فراغي خادم يتملق وقد قال الله تعالى : "هن لباس لكم وانتم لباس لهن" ، وأكمل اللباس وأسبغه على هذه الحال فان فراش الرجل لباس له وكذلك لحاف المرأة لباس لها فهذا الشكل الفاضل مأخوذ من هذه الآية وبه يحسن موقع استعارة اللباس من كل من الزوجين للآخر ، وفيه وجه آخر وهو أنها تنعطف عليه أحيانا فتكون عليه كاللباس قال الشاعر إذا ما الضجيع ثنى عطفه تثنت ، فكانت عليه لباسا ، وأردأ أشكاله أن تعلوه المرأة ويجامعها على ظهره وهو خلاف الشكل الطبيعي الذي طبع الله عليه الرجل والمرأة بل نوع الذكر والأنثى وفيه من المفاسد أن المني يتعسر خروجه كله فربما بقى في العضو منه بقية فيتعفن ويفسد فيضر ، وأيضا فربما سال إلى الذكر رطوبات من الفرج ، وأيضا فان الرحم لا يتمكن من اشتمال على الماء واجتماعه فيه وانضمامه عليه لتخليق الولد . اهـ . (1) .
جاء في كتاب تذكرة أولي الألباب (2/72) وبعد أن ذكر منافع الجماع ثم قال : [ومما] يضعف الشهوة : الجوع والنوم على الجانب الأيمن عند الرجال والنساء ، واشتغال الفكر والهم وأكل الكزبرة الرطبة والقرع والرجلة والسذاب ، واستعمال الورد مطلقاً وكل بارد رطباً كان أو يابساً لا سيما الحامض .
ثم سئل عن العانة بالموسى فقال : الإكثار من حلق الموسى فإنه كالضرع إن حلبته در ، وإن تركته فر ، وكذا وقوعه مع مستلذ شتى ، ولكن يكون مضعفاً بما يستفرغ كما تكون القوة في عكس ذلك . اهـ .
باب
ما جاء في خواص التمر
قال الله تعالى لمريم : { وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً } . (2) .
جنيا : معناه قد طابت وصلحت للاجتناء ، وهي من جنيت الثمرة . (3) .
__________
(1) الطب النبوي (1/194ـ197) .
(2) سورة مريم الآية (25) .
(3) تفسير القرطبي (11/95) .(3/1)
وقال تعالى : { والنخل باسقاتٍ لها طلعٌ نضيد } . (1)
"باسقات" : أي طوالاً ، والنخل باسقات قال البسوق الطول .
وقوله "لها طلع نضيد" يقول لهذا النخل الباسقات طلع وهو الكفري نضيد يقول منضود بعضه على بعض متراكب. (2) .
وقال تعالى: { ونخلٍ طلعها هضيم } . (3) .
"طلعها هضيم" : قال عكرمة وقتادة الهضيم الرطب اللين ، وقال الضحاك إذا كثر حمل الثمرة وركب بعضها بعضا فهو هضيم ، وقال مرة هو الطلع حين يتفرق ويخضر . (4) .
ثبت في "الصحيح"عنه - صلى الله عليه وسلم - : "من تصبح بسبع تمرات". وفي لفظ : "من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم سمٌ ولا سحرٌ" . (5) .
وفي رواية لمسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه،أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي" .
وفي رواية عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "في عجوة العالية أول البكرة على الريق النفس شفاءٌ من كل سحرٍ أو سمٍ". (6)
وفي رواية عنها رضي الله عنها ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "إن في عجوة العالية شفاء ، وإنها ترياق أول البكرة" . (7) .
__________
(1) سورة ق الآية (10) .
(2) تفسير الطبري (26/153) .
(3) سورة الشعراء الآية (148).
(4) تفسير ابن كثير (3/344) .
(5) أخرجه البخاري (10/203،204) في الطب، باب الدواء بالعجوة، ومسلم في الأشربة برقم (2047)، باب فضل تمر المدينة، من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - .
(6) السلسلة الصحيحة رقم (2000) .
(7) أخرجه مسلم (2048).(3/2)
قال ابن حجر : والترياق بكسر المثناة وقد تضم وقد تبدل المثناة دالا أو طاء بالإهمال فيهما ، وهو دواء مركب معروف يعالج به المسموم فأطلق على العجوة اسم الترياق تشبيها لها به ، وأما الغاية في قوله إلى الليل فمفهومه أن السر الذي في العجوة من دفع ضرر السحر والسم يرتفع إذا دخل الليل في حق من تناوله من أول النهار ، ويستفاد منه إطلاق اليوم على ما بين طلوع الفجر ، أو الشمس إلى غروب الشمس ولا يستلزم دخول الليل . اهـ . (1) .
وقال المناوي رحمه الله تعالى : "أول البكرة" ، بضم فسكون نصب على الظرفية على ريق النفس أي بزاق الإنسان نفسه شفاء من كل سحر ، أو سم لخاصية فيه ، أو لدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - له أو لغير ذلك ، وهل تناوله أول الليل كتناوله أول النهار حتى يندفع عنه ضرر السحر والسم إلى الصباح احتمالان ، وظاهر الإطلاق المواظبة على ذلك قال ، الخطابي كون العجوة ينفع من السحر والسم إنما هو ببركة دعوة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لتمر المدينة لا لخاصية في التمر . اهـ . (2) .
وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "بيت لا تمر فيه جياع أهله". (3) .
عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا عائشة بيت لا تمر فيه جياع أهله ، يا عائشة بيت لا تمر فيه جياع أهله أو جاع أهله ، قالها مرتين أو ثلاثا". (4) .
في الحديث فضيلة التمر وما جعله الله تعالى فيه من البركة ، والحث عليه ، وإدخاله على الأهل والعيال . وعنها رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يجوع أهل بيت عندهم التمر" . (5) .
__________
(1) فتح الباري (10/239) .
(2) فيض القدير (4/457) .
(3) أخرجه مسلم (2046).
(4) رواه مسلم برقم (2046) باب فضل تمر المدينة .
(5) صحيح الجامع حديث رقم (7627) .(3/3)
لا يجوع أهل بيت عندهم التمر هذا وارد في بلاد ليس من عادتهم الشبع بغيره ، وفيه حث على القنع وتنبيه على حل ادخار قوت العيال فإنه أسكن للنفس وأحصن عن الملال .
وعن جابر - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "نعم السحور التمر" . (1) .
نعم السحور التمر : أي فإن في التسحر به ثواباً كبيراً ، قال الطيبي : إنما مدحه في هذا الوقت لأن في نفس السحور بركة ، فيكون المبدوء به والمنتهى إليه بركة . اهـ . (2) .
وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - " أنه أكل التمر بالزبد، وأكل التمر بالخبز، وأكله مفرداً". (3) .
وعن ابني بسر السلميين،أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"كان يحب الزبد و التمر" (4) .
وعن عائشة قالت : "أرادت أمي أن تسمنني لدخولي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلم أقبل عليها بشيء مما تريد حتى أطعمتني القثاء بالرطب ، فسمنت عليه كأحسن السّمن" . (5) .
القثاء بكسر القاف وتشديد الثاء المثلثة ويجوز ضم القاف ، وهو اسم جنس لما يقوله الناس الخيار ، وبعض الناس يطلق القثاء على نوع يشبه الخيار . اهـ . (6) .
وعن عائشة قالت : "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل البطيخ بالرطب يقول : "يدفع حرّ هذا برد هذا" . (7) .
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (6772) .
(2) فيض القدير .
(3) أنظر سنن أبي داود (3259)، والترمذي (1531)، في الجامع و(184) في الشمائل، وأبي داود (3837)، وابن ماجة (3434).
(4) صحيح الجامع حديث رقم (4921) .
(5) أخرجه ابن ماجة (3324) ،وسنده حسن .
(6) تحفة الأحوذي (5/468) .
(7) أخرجه أبو داود برقم (3836) ، والترمذي برقم (1843) ، وصححه ابن حبان
(5247) ، السلسلة الصحيحة رقم (57).(3/4)
وفي "الصحيحين" عن عبد الله بن جعفر ، قال : "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل القثاء بالرطب" . (1) .
وعن أنس قال: كان رسول - صلى الله عليه وسلم - "يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء". (2) .
وعن بريدة ، وأنس ، وأبي سعيد رضي الله عنهم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "خير تمراتكم البرني يذهب الداء و لا داء فيه" . (3) .
قال ابن قيم الجوزية : ثبت في الصحيح عنه : "من تصبح بسبع تمرات" ، وفي لفظ : "من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر" ، وثبت عنه أنه قال : "بيت لا تمر فيه جياع أهله" ، وثبت عنه : "أنه أكل التمر بالزبد ، وأكل التمر بالخبز وأكله مفردا" ، وهو حار في الثانية ، وهل هو رطب في الأولى أو يابس فيها على قولين ، وهو مقو للكبد ملين للطبع يزيد في الباه ولا سيما مع حب الصنوبر ، ويبرىء من خشونة الحلق ، ومن لم يعتده كأهل البلاد الباردة فإنه يورث لهم السدد ويؤذى الأسنان ويهيج الصداع ودفع ضرره باللوز والخشخاش ، وهو من أكثر الثمار تغذية للبدن بما فيه من الجوهر الحار الرطب ، وأكله على الريق يقتل الدود فإنه مع حرارته فيه قوة ترياقية فإذا أديم استعماله على الريق جفف مادة الدود وأضعفه وقلله أو قتله ، وهو فاكهة وغذاء ودواء
وشراب حلو.
__________
(1) أخرجه البخاري (9/488) في الأطعمة : باب القثاء بالرطب ، ومسلم برقم
(2043) في الأشربة : باب أكل القثاء بالرطب .
(2) رواه أبو داود برقم (2356) ، والترمذي (696) ، وأحمد (3/164) ، صحيح الجامع رقم (4995) .
(3) صحيح الجامع حديث رقم (3303) .(3/5)
ثم قال رحمه الله تعالى : وفي فطر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصوم عليه ، أو على التمر ، أو الماء تدبير لطيف جداً ، فإن الصوم يخلي المعدة من الغذاء ، فلا تجد الكبد فيها ما تجذبه وترسله إلى القوى والأعضاء ، والحلو أسرع شيء وصولاً إلى الكبد ، وأحبه إليها ، ولا سيما إن كان رطباً ، فيشتد قبولها له ، فتنتفع به هي والقوى ، فإن لم يكن ، فالتمر لحلاوته وتغذيته ، فإن لم يكن ، فحسوات الماء تطفئ لهيب المعدة ، وحرارة الصوم ، فتتنبه بعده للطعام ، وتأخذه بشهوة . (1) .
والبلح: غني جداً بالفيتامين (A) وهذا ما يقوي النظر ، كما يزيد من مقاومة الجسم ضد الأمراض المختلفة .
ولكن البلح يساعد على الإمساك ، بينما التمر يساعد على تلين الأمعاء . والحالات المرضية التي يمنع فيها التمر :
1ـ السكري . 2ـ البدانة . 3ـ انتفاخ البطن . 4ـ تضخم القولون (الأمعاء الغليظة) . 5ـ الإسهال .اهـ ."كتاب غذاؤك حياتك" (123).
وطلع التمر: ما يبدو من ثمرته أول ظهوره . تكلم الأطباء قديماً عن فوائد فهو ينفع في الباه ،ويعين على الحبل إعانة بالغة .وفي الطب الحديث ثبت أنه يمنع النزف الداخلي ،ومقوّ للشعيرات الدموية . ا هـ . (2) .
وطلع النخل ينفع من الباه ويزيد في المباضعة ودقيق طلعه إذا تحملت به المرأة قبل الجماع أعان على الحبل إعانة بالغة ، وهو في البرودة واليبوسة في الدرجة الثانية ، ويقوى المعدة ويجففها ويسكن ثائرة الدم مع غلظ وبطئ هضم ، ولا يحتمله إلا أصحاب الأمزجة الحارة ، ومن أكثر منه فإنه ينبغي أن يأخذ عليه شيئا من الجوارشات الحارة ، وهو يعقل الطبع ويقوى الأحشاء ، والجمار يجرى مجراه كذلك البلح والبسر ، والإكثار منه يضر بالمعدة والصدر وربما أورث القولنج ، وإصلاحه بالسمن أو ما تقدم ذكره . اهـ . (3) .
__________
(1) زاد المعاد(4/287).
(2) كتاب العلاج بالأغذية الطبيعية والأعشاب ص78).
(3) الطب النبوي (262) .(3/6)
جاء في كتاب الإبداعات الطبية لرسول الإنسانية (ص234ـ235) ما يلي:
الإبداع الطبي لفوائد التمر :
يكتشف الخبراء بين الحين والآخر فوائد غذائية وعلاجية جديدة للتمر بكافة أنواعه ، حيث اتضح أن قيمته الغذائية مرتفعة ، بل وكافية تماماً لحياة الإنسان الذي يتغذى على البلح فقط .لذلك يعتبر التمر غذاء نموذجياً ومنافساً لعسل النحل لمرض فقر الدم نظراً لارتفاع نسبة الحديد فيه ، كما أنه مساعد رائع لعلاج ضعف العظام والكساح نظراً لارتفاع نسبة الكالسيوم فيه .
وأكدت الدراسات الطبية المعاصرة أن تناول التمر يحافظ على مستوى نشاط وحيوية الكليتين ، ويزيد من إدرار البول ، ويمنع من تكوين الحصوات ويعالج التهاب المسالك البولية ، ويساعد على الهضم ، وينظف القولون ويمنع الإمساك .. بينما البلح غير دام النضج يوقف حالات الإسهال . اهـ .
باب
ما جاء في الإثمد
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بالإثمد عند النوم ، فإنه يجلوا البصر ، وينبت الشعر". (1) .
وفي رواية :"فإنه منبتة للشعر ،مذهبة للقذى ،مصفاة للبصر". (2) .
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم ، و كفنوا فيها موتاكم ، و إن من خير أكحالكم الإثمد يجلوا البصر و ينبت الشعر" . (3) .
__________
(1) السلسلة الصحيحة رقم (724) .
(2) أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/178) والطبراني في الكبير رقم (183)، وحسنه الحافظان المنذري وابن حجر . الصحيحة رقم (665) . وحديث ابن عمر السابق ، وحديث ابن عباس اللاحق يشهدان له .
(3) أخرجه ابن ماجة (3497) ، وأحمد (3036)و(3426) ، وأبو داود (3878) ، والبيهقي (3/254) ، وإسناده صحيح ، وصححه ابن حبان برقم (1439)و(1440) ، صحيح الجامع حديث رقم (1236) .(3/7)
الإثمد: حجر يُتخذ منه الكحل ،وقيل: ضرب من الكحل ،وقيل : هو نفس الكحل ،وقيل :شبيه به "لسان العرب ،مادة :ثمد". (1) .
وهو حجر الكحل الأسود ، يؤتى به من أصبهان ، وهو أفضله ويؤتى به من جهة المغرب أيضاً ، وأجوده السريع التفتيت الذي لفتاته بصيص ، وداخله أملس ليس فيه شيء من الأوساخ .
ينشف الدمعة والقروح ، ويحفظ صحة العين ويقوي غصنها لا سيما للشيوخ والصبيان ، فإنه أي الإثمد أو الاكتحال به يجلو البصر من الجلاء أي يحسن النظر ويزيد نور العين ، وينظف الباصرة لدفع الردية النازلة إليها من الرأس ، ينبت من الإنبات الشعر بفتح الشين والعين المهملة ويجوز إسكانها ، والمراد به هنا الهدب وهو بالفارسية شره وهو الذي ينبت على أشفار العين . اهـ . (2) .
باب
ما جاء في الحبة السوداء
عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاءً من كل داءٍ إلا السام".والسام:الموت. (3) .
عن أبي بريدة يقول ،سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - :"عليكم بهذه الحبة السوداء ،وهي الشونيز ،فإن فيها شفاءً". (4) .
وعن جابر بن عبد الله ،أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من داء إلا وفي الحبة السوداء منه شفاء إلا السام ". والسام الموت . (5) .
وعن عبد الله بن أم حرام ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بالسنا و السنوت فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام و هو الموت" . (6) .
__________
(1) كتاب العلاج بالأغذية الطبيعية والأعشاب (21) .
(2) تحفة الأحوذي (6/171) .
(3) أخرجه البخاري (10/121) في الطب ، باب الحبة السوداء ، ومسلم في السلام برقم (2215) باب التداوي بالحبة السوداء .
(4) السلسلة الصحيحة رقم5).
(5) ذكره ابن القيم في الطب النبوي (296) . بمعناه .
(6) صحيح الجامع حديث رقم (4067) .(3/8)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء إلا الهرم فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل شجر". (1)
وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "خير الدواء
الحجامة والكست والحبة السوداء". (2)
وعن عبد الله بن بريدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن هذه الحبة السوداء فيها شفاء".
قال في لفظ آخر : "قيل وما الحبة السوداء ؟ قال الشونيز.قال : وكيف أصنع بها ؟ قال : تأخذ إحدى وعشرين حبة فتصرها في خرقة ثم تضعها في ماء ليلة فإذا أصبحت قطرت في المنخر الأيمن واحدة وفي الأيسر اثنتين،فإذا كان من الغد قطرت في المنخر الأيمن اثنتين وفي الأيسر واحدة ، فإذا كان اليوم الثالث قطرت في الأيمن واحدة وفي الأيسر اثنتين". (3) .
قال ابن مفلح رحمه الله تعالى : الشونيز : حار يابس في الثالثة مقطع للبلغم ، محلل للرياح ،يقلع الثآليل والبهق والبرص ،وينفع من الزكام البارد وخصوصاً مقلواً مجعولاً في خرقة كتان ويطلى على جبهة من به صداع بماء بارد ويفتح سدد الصفاة ، والسعوط به يمنع ابتداء الماء من انتصاب النفس ،ويقتل الديدان لو طلي على السرة ،ويدر الحيض واللبن وبالماء للحصاة ،ويحل الحميات البلغمية والسوداوية ، ودخانه يهرب منه الهوام وإذا نقع منه سبع حبات عدداً في لبن امرأة وسعط به صاحب اليرقان نفعاً بليغاً .
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (1810) .
(2) ذكره ابن القيم في الطب النبوي (52).
(3) الفتح (10/150ـ152).(3/9)
وإذا ضمد به مع الخل قلع البثور والجرب المتقرح ،وحلل الأورام البلغمية المزمنة والأورام الصلبة ،وينفع من اللقوة والفالج إذا سعط بدهنه ،وإن شرب منه نصف مثقال ،نفع من لسع الرتيلا ،وإن سحق واستف بماء بارد درهمان من عضة الكلب قبل أن يفرغ من الماء نفعه نفعاً بليغاً وقيل :الإكثار منه قاتل ،وإن أذيب الأنزروت بماء ،ولطخ على داخل الحلقة ،ثم ذر عليها الشونيز كان عجباً في النفع من البواسير ،ويكون استعماله تارة منفرداً وتارة مركباً . ا هـ . (1) .
__________
(1) الآداب الشرعية لابن مفلح (3/102).(3/10)
وقال النووي رحمه الله تعالى : وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - "إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام" فيحمل أيضا على العلل الباردة على نحو ما سبق في القسط وهو - صلى الله عليه وسلم - قد يصف بحسب ما شاهده من غالب أحوال أصحابه رضى الله عنهم ، وذكر القاضي عياض كلام المازري الذي قدمناه ، ثم قال وذكر الأطباء في منفعة الحبة السوداء التي هي الشونيز أشياء كثيرة وخواص عجيبة يصدقها قوله - صلى الله عليه وسلم - . فذكر جالينوس أنها تحل النفخ وتقل ديدان البطن إذا أكل أو وضع على البطن وتنفى الزكام إذا قلى وصر في خرقة وشم وتزيل العلة التي تقشر منها الجلد ، ويقلع الثآليل المتعلقة والمنكسة والخيلان ، وتدر الطمث المنحبس إذا كان انحبله من أخلاط غليظة لزجة ، وينفع الصداع إذا طلى به الجبين وتقلع البثور والجرب ، وتحلل الأورام البلغمية إذا تضمد به مع الخل ، وتنفع من الماء العارض في العين إذا استعط به مسحوقا بدهن الأوليا، وتنفع من انتصاب النفس ويتمضمض به من وجع الأسنان ، وتدر البول والبن ، وتنفع من نهشة الرتيلا وإذا بخر به طرد والهوام ، قال القاضي وقال غير جالينوس خاصيته إذهاب حمى البلغم والسوداء وتقتل حت القرع وإذا علق في عنق المزكوم نفعه وينفع من حمى الربع قال ولا يبعد منفعة الحار من أدواء حارة بخواص فيها فقد نجد ذلك في أدوية كثيرة فيكون الشونيز منها لعموم الحديث ويكون استعماله أحيانا منفردا وأحيانا مركبا ، قال القاضي : وفى جملة هذه الأحاديث ما حواه من علوم الدين والدنيا وصحة علم الطب وجواز التطبب في الجملة ، واستحبابه بالأمور المذكورة ، من الحجامة، وشرب الأدوية ، والسعوط واللدود وقطع العروق والرقى . اهـ . (1) .
__________
(1) شرح مسلم (14/416ـ418).(3/11)
وقال ابن حجر : ذكره الأطباء في علاج الزكام العارض معه عطاس كثير وقالوا تقلى الحبة السوداء ثم تدق ناعما ثم تنقع في زيت ثم يقطر منه في الأنف ثلاث قطرات فلعل غالب بن أبجر كان مزكوما فلذلك وصف له ابن أبي عتيق الصفة المذكورة . (1) .
وقال ابن قيم الجوزية : الحبة السوداء هي الشونيز في لغة الفرس وهى الكمون الأسود وتسمى الكمون الهندي ، قال الحربي عن الحسن رضى الله عنه إنها الخردل ، وحكى الهروي إنها الحبة الخضراء وثمرة البطم وكلاهما وهم والصواب أنها الشونيز ، وهي كثيرة المنافع جدا ، وقوله شفاء من كل داء مثل قوله تعالى تدمر كل شيء بأمر ربها أي كل شيء يقبل التدمير ونظائره، وهى نافعة من جميع الأمراض الباردة ، وتدخل في الأمراض الحارة اليابسة بالعرض فتوصل قوى الأدوية الباردة الرطبة إليها بسرعة تنفيذها إذا أخذ يسيرها ، وقد نص صاحب القانون وغيره على الزعفران في قرص الكافور لسرعة تنفيذه وإيصاله قوته وله نظائر يعرفها حذاق الصناعة ، ولا تستبعد منفعة الحار في أمراض حارة بالخاصية فانك تجد ذلك في أدوية كثيرة منها الانزروت وما يركب معه من أدوية الرمد كالسكر وغيره من المفردات الحارة والرمد ورم حار باتفاق الأطباء ، وكذلك نفع الكبريت الحار جدا من الجرب . اهـ . (2) .
باب
في فوائد الحلبة
يذكر عن القاسم بن عبد الرحمن مرسلاً، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :"استشفوا بالحلبة". (3) .
الحلبة : عشبة حولية ،يصل ارتفاعها إلى (80سم ) وهي غزيرة التفريع القاعدي المنبسط أو القائم ، الأوراق مركبة ثلاثية الوريقات ، معنّقة متبادلة الوضع على السوق ، الأزهار صغيرة جداً .
قال بعض الأطباء :لو علم الناس منافعها لاشتروها بوزنها ذهباً ،وقال بعضهم :تولد كيموساً رديئاً وتصدع. (4) .
__________
(1) فتح الباري (10/144) .
(2) الطب النبوي (229) .
(3) انظر زاد المعاد (4/303) .
(4) الآداب الشرعية (3/9).(3/12)
وقال ابن قيم رحمه الله تعالى : يقتل الدود وحب القرع ويحلل الطحال ويحرك شهوة الجماع ويجلوا الجرب المتقرح والقوباء وإذا ضمد به مع العسل حلل ورم الطحال ، إذا طبخ مع الحناء أخرج الفضول التي في الصدر ، وشربه ينفع من نهش الهوام ولسعها ، وإذا دخن به في موضع طرد الهوام عنه ، ويمسك الشعر المتساقط ، وإذا خلط بسويق الشعير والخل وتضمد به نفع من عرق النسا وحلل الأورام الحارة في آخرها ، وإذا تضمد به مع الماء أنضج الدماميل ، وينفع من الاسترخاء في جميع الأعضاء ويزيد في الباه ، ويشهي الطعام ، وينفع الربو وعسرة النفس وغلظ الطحال ، وينقى الرئة ويدر الطمث وينفع من عرق النسا ووجع حق الورك مما يخرج من الفضول إذا شرب أو احتق به ويجلوا الصدر والرئة من البلغم اللزج وإن شرب منه بعد سحقه وزن خمسة دراهم بالماء الحار أسهل الطبيعة وحلل الرياح ، ونفع من وجع القولنج البارد السبب ، وإذا سحق وشرب نفع من البرص وإن لطخ عليه وعلى البهق البيض بالخل نفع منهما ، وينفع من الصداع الحادث من البرد والبلغم وإن قلى وشرب عقل الطبع لا سيما إذا غسل بمائه الرأس نقاه من الأوساخ والرطوبات اللزجة قال جالينوس قوته مثل قوة بزر الخردل ولذلك قد يسخن به أوجاع الورك لمعرفة بالنسا وأوجاع الرأس وكل واحد من العلل التي تحتاج إلى تسخين كما يسخن بزر الخردل ، وقد يخلط أيضا في أدوية يسقاها أصحاب الربو من طريق إن الأمر فيه معلوم أنه يقطع الأخلاط الغليظة تقطيعا قويا كما يقطعها بزر الخردل لأنه شبيه في كل شيء حلبة يذكر عن النبي أنه عاد سعد بن أبى وقاص - رضي الله عنه - بمكة فقال ادعوا له طبيبا فدعي الحارث بن كلدة فنظر إليه فقال ليس عليه بأس فاتخذوا له فريقه وهى الحلبة مع تمر عجوة رطبة يطبخان فيحساهما ففعل ذلك فبرأ ، وقوة الحلبة من الحرارة في الدرجة الثانية ومن اليبوسة في الأولى ، وإذا طبخت بالماء لينت الحلق والصدر والبطن وتسكن السعال والخشونة(3/13)
والربو وعسر التنفس وتزيد في ألباه وهى جيدة للريح والبلغم والبواسير محدرة الكيموسات المرتبكة في الأمعاء وتحلل البلغم اللزج من الصدر وتنفع من الدبيلات وأمراض الرئة وتستعمل لهذه الأدواء في الأحشاء مع السمن والفانيذ ، وإذا شربت مع وزن خمسة دراهم فوة أدرت الحيض ، وإذا طبخت وغسل بها الشعر جعدته واذهبت الحزاز ، ودقيقها إذا خلط بالنطرون والخل وضمد به حلل ورم الطحال ، وقد تجلس المرأة في الماء الذي طبخت فيه الحلبة فتنتفح به من وجع الرحم العارض من ورم فيه ، وإذا ضمد به الأورام الصلبة القليلة الحرارة فنفعتها وحلتها ، وإذا شرب ماؤها نفع من المغص العارض من الرياح وازلق الأمعاء ، وإذا أكلت مطبوخة بالتمر والعسل أو التين على الريق حللت البلغم اللزج العارض في الصدر والمعدة ونفعت من السعال المتطاول منه ، وهى نافعة من الحصر مطلقة للبطن ، وإذا وضعت على الظفر المتشنج أصلحته ، ودهنها ينفع إذا خلط بالشمع من الشقاق العارض من البرد ، ومنافعها أضعاف ما ذكرنا ، ويذكر عن القاسم بن عبد الرحمن أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "استشفوا بالحلبة" . وقال بعض الأطباء لو علم الناس منافعها لاشتروها بوزنها ذهبا . اهـ . (1)
باب
ما جاء في خواص الزيت
قال الله تعالى : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ } . (2) .
__________
(1) الطب النبوي (232ـ233) .
(2) سورة النور الآية (35) .(3/14)
وفي الترمذي وابن ماجة من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "كلوا الزيت وادّهنوا به ،فإنه من شجرة مباركة". (1) .
وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعلي بن أبي طالب : "كل بالزيت وادّهن بالزيت فإنه من دهن بالزيت لم يقربه شيطان أربعين يوماً" . (2) .
وعن ابن عمر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ائتدموا بالزيت وادهنوا به فانه يخرج من شجرة مباركة". (3)
وفي رواية عن ابن عباس، "ائتدموا من هذه الشجرة - يعني الزيت - و من عرض عليه طيب فليصب منه". (4)
قوله: "يخرج من شجرة مباركة " قال المناوي: لكثرة ما فيها من القوى النافعة أو لأنها لا تكاد تنبت إلا في شريف البقاع التي بورك فيها ويلزم من بركتها بركة ما يخرج منها والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء، ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس ولا يدرك قيل لكل ما يشاهد فيه زيادة هو مبارك وفيه بركة. ذكره الراغب . (5)
__________
(1) أخرجه الترمذي في الأطعمة برقم (1853) ، وابن ماجة برقم (3319) ، السلسلة الصحيحة رقم (379) .
(2) رواه الترمذي في السنن برقم (1851)، وابن ماجة في السنن برقم(3320) .
(3) صحيح الجامع حديث رقم (18) .
(4) صحيح الجامع حديث رقم (19) .
(5) فيض القدير .(3/15)
الزيت حار رطب في الأولى وغلط من قال يابس والزيت بحسب زيتونه فالمعتصر من النضيج أعدله وأجوده ومن الفج فيه برودة ويبوسة ومن الزيتون الأحمر متوسط بين الزيتين من الأسود يسخن ويرطب باعتدال وينفع من السموم ويطلق البطن ويخرج الدود والعتيق منه أشد تسخينا وتحليلا وما استخرج منه بالماء فهو أقل حرارة والطف وابلغ في النفع وجميع أصنافه ملينة للبشرة وتبطئ الشيب وماء الزيتون المالح يمنع من تنفط حرق النار ويشد اللثة وورقه ينفع من الحمرة النملة والقروح الوسخة والشرى ويمنع العرق ومنافعه أضعاف ما ذكرناه . (1)
الزيت: حار رطب وهو دون رطوبة السمن . والسمن أغذى من الزيت وأشفى وأصح ، وما عتق من السمن والزيت كان أحر له .
والزيت صنفان : صنف منه يقال له الإنفاق : يصنع من الزيتون الغليظ ، وفيه حرارة يسيرة مختلفة بالبرودة وليست فيه رطوبة ، وهو لطيف ، وفيه قبض ، ينفع المعدة ويقويها ، وأجوده الجديد منه . وإذا (عُتق) اشتدت حرارته وقلت فيه قوة القبض .
وصنف منه يقال له : الزيت السوقي الذي يصنع من الزيتون النضيج وهو حار رطب وفيه قبض .
زيت الخروع :أحر هذه الزيوت كلها وأحر من زيت الزيتون العتيق ، وهو أرق وألطف من الزيت ولذلك يطلى داء الثعلب ويخلط مع المرهمات ويشرب فينزل الحيضة وينفض الوسخ من الجوف .
الخروع نبات شجري معمر غزير التفريع ، يعتبر الموطن الرئيسي له المناطق الاستوائية لكل من أفريقيا وآسيا ، يستخدم الزيت الطبي المستخلص بالعصر على البارد في الصناعات الغذائية كمادة مضادة للجفاف ، والتصلب . يعتبر دواء مفيداً جداً في علاج تقرحات الجلد ، واحمرار العين. ا هـ. (2) .
السمن :حار رطب يزيد في المني . والبقري منه خير من المعزي .
__________
(1) الطب النبوي (1/244) .
(2) كتاب العلاج بالأغذية الطبيعية والأعشاب (73) .(3/16)
وغذا شرب السمن بالعسل ينفع من السم القاتل ، ومن لدغ الحيات والعقارب ، وهو جيد للحر الذي يكون في فؤاد الصبيان ، ونافع من الأورام والصلابة التي تكون في الإحليل ، ومن القروح التي تكون في الأرحام . (1) .
قال الغزالي : والزيت يختص من سائر الأدهان بخاصية زيادة الإشراق مع قلة الدخان ، واعلم أن المخصوص المخاطب بهذا الحديث أهل قطر مخصوص وهو الحجاز ونحوه ، قال ابن القيم : الدهن في البلاد الحارة كالحجاز من أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن وهو كالضروري لهم ، وأما بالبلاد الباردة فضار ، وكثرة دهن الرأس به فيه خطر بالبصر ، وأنفع الأدهان البسيطة الزيت فالسمن فالشيرج ، قال والزيت رطب حار في الأولى ، وغلط من قال يابس انتهى وكلا الاطلاقين غلط ، وإنما هو بحسب زيتونه فالمعتصر من نضيج أسود حار رطب باعتدال وهو أعدله وأجوده ، ومن فج خام بارد يابس ، ومن زيتون أحمر متوسط ، والزيت ينفع من السم ويطلق البطن ، وعتيقه أشد إسخانا وتحليلا ، والمستخرج بالماء أبلغ نقعا ، وهذا أنموذج من منافعه التي لا تكاد
تحصى . اهـ . (2) .
وأصدرت مجلة الفرقان ، والتي تصدرها جمعية المحافظة على القرآن الكريم ، العدد السابع ، بحثاً عن زيت الزيتوت ، فأحببت أن أضعه للفائدة :
زيت الزيتون يساعد في علاج ارتفاع ضغط الدم .
إلى جانب الاستخدامات الصحية المعروفة لزيت الزيتون ، وتأكد الأطباء على الفوائد المدهشة له ، فقد بينت دراسة بريطانية جديدة أن هذا الزيت يساعد في معالجة ارتفاع ضغط الدم ، أيضاً ، حيث ثبت أن بعض المرضى استطاعوا بالفعل التخلي تماماً عن تعاطي الأدوية المخصصة لارتفاع ضغط الدم باتباع برنامج غذائي غني بزيت الزيتون .
__________
(1) كتاب العلاج بالأغذية الطبيعية والأعشاب (72) .
(2) فيض القدير (1/68).(3/17)
ويقول الباحثون : إن الفوائد العلاجية لزيت الزيتون تكمن في احتوائه على مواد قوية مضادة للأكسدة ، واعتبروا هذا الزيت من الناحية التقنية نوعاً من الفاكهة لأنه عصارة ثمار الزيتون ، ومن المعروف أن الغذاء الغني بالخضار والفواكه يملك خصائص خافضة لضغط الدم ، حيث تساعد مضادات الأكسدة فيها على توسيع الشرايين وبالتالي تحسين تدفق الدم .
وبهذا ينتهي الخبر من مصدره، لكن مصادرنا لا تنتهي، فهل تنهل من النبع الرباني، من وحي آيات قرآننا العظيم ، فهل يكتشفون منافع وفوائد شجرة الزيتون المباركة، وهو أيضن يتبصرون في مخلوقات الله عز وجل، وفي القيامة " والتين والزيتون، وطور سينين "، وفيما يبدوا أننا لا نقرأ ولا نتلو التلاوة والواعية الفاهمة، والتي تدفعنا إلى الاكتشاف ولابتكار، فلوا قرأنا قرآننا كما يجب لسبقناهم إلى كل ما يكتشفونه، ولكن هل من متعظ . انتهى . (1) .
زيت الزيتون علاج للمس والسحر
زيتون الزيتون من العلاجات النافعة بإذن الله للشخص الممسوس والمسحور وذلك بأن يؤخذ شيء يسير من الزيت ويقرأ عليه الرقية الشرعية من القرآن ويشرب منه ويدهن به الجسد مع قراءة الرقية الشرعية من القرآن والسنة على الموضع أثناء الأدهان فهو علاج نافع ومؤثر بإذن الله تعالى ومؤذي للجن الذي يكون في جسد الإنسان .
باب
ما جاء في خواص الزيتون
__________
(1) الفرقان (ص68) .(3/18)
{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } (1) .قال ابن زيد : إنها من شجرة الشأم، فإن شجرة الشأم لاشرقي ولا غربي وشجر الشأم هو أفضل الشجر وهي الأرض المباركة، و شرقية نعت ل زيتونة ولا ليست تحول بين النعت والمنعوت ، ولا غربية عطف عليه . قوله تعالى "يكاد زيتها يضيء ولولم تمسسه نار" مبالغة في حسنه وصفائه وجودته ، نور على نور : أي اجتمع في المشكاة ضوء المصباح إلى ضوء الزجاجة وإلى ضوء الزيت فصار لذلك نور على نور ، واعتقلت هذه الأنوار في المشكاة فصارت كأنور ما يكون ، فكذلك براهين الله تعالى واضحة وهي برهان بعد برهان وتنبيه بعد تنبيه ، كإرساله الرسل وإنزاله الكتب ومواعظ تتكرر فيها لمن له عقل معتبر ، ثم ذكر تعالى هداه لنوره من شاء وأسعد من عباده ، وذكر تفضله للعباد في ضرب الأمثال لتقع لهم العبرة والنظر المؤدي إلى الإيمان . ا هـ . (2) .
والزيت يفيد الجسم بما يحتويه من المواد الدهنية وخاصة الفيتامين (F )وبما يولده من وحدات حرارية . (3) .
قال الأطباء : الزيت حار باعتدال إلى رطوبة ، وقيل : حار رطب وقيل : يابس ، والمعتصر من الزيتون النضيج أعدلُ وأجود من الفج منه ، فيه برد ويبس ، ومن الزيتون الأحمر متوسط بين الزيتين ، ومن الأسود يسخن ويرطب باعتدال وينفع
__________
(1) سورة النور الآية (35) .
(2) تفسير القرطبي (12/259) .
(3) غذاؤك حياتك (128) .(3/19)
من السموم ، وينفع البطن ، ويخرج الدود ، والعتيق منه أشد إسخاناً وتحليلاً يطلى به النقرس .ا هـ . (1) .
باب
ما جاء في خواص الزنجبيل
قال الله تعالى : { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً } . (2) قوله تعالى "ويسقون فيها كأسا" وهي الخمر في الإناء ، كان مزاجها زنجبيلا كان صلة أي مزاجها زنجبيل أو كان في حكم الله زنجبيلا ، وكانت العرب تستلذ من الشراب ما يمزج بالزنجبيل لطيب رائحته لأنه يحذو اللسان ويهضم المأكول ، فرغبوا في نعيم الآخرة بما اعتقدوه نهاية النعمة والطيب . اهـ . (3) .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : الزنجبيل حار في الثانية،رطب في الأولى ،مسخن معين على هضم الطعام،ملين للبطن تليينا معتدلاً ،نافع من سدد الكبد العارضة عن البرد والرطوبة،ومن ظلمة البصر الحادثة عن الرطوبة أكلا واكتحالا معين على الجماع،وهو محلل للرياح الغليظة الحادثة في الأمعاء والمعدة،وبالجملة فهو صالح للكبد والمعدة الباردتي المزاج،وإذا أخذ منه مع السكر وزن درهمين بالماء الحار أسهل فضولا لزجة لعابية،ويقع في المعجونات التي تحلل البلغم وتذيبه،والمزي منه حار يابس يهيج الجماع ويزيد المني، ويسخن المعدة والكبد ويعين على الاستمرار،وينشف البلغم الغالب على البدن ويزيد في الحفظ ويوافق برد الكبد . ا هـ . (4) .
وأخبر سبحانه أن لهم شرابا آخر ممزوجا من الزنجبيل لما فيه من طيب الرائحة ولذة الطعم والحرارة التي توجب تغير برد الكافور وإذابة الفضلات وتطهير الأجواف ولهذا وصفه سبحانه بكونه شرابا طهورا أي مطرها لبطونهم . (5) .
باب
ما جاء في خواص الزبيب
__________
(1) الآداب الشرعية (401) .
(2) سورة الإنسان الآية (17) .
(3) تفسير القرطبي (19/141ـ142) .
(4) زاد المعاد (4/293) ،
(5) رسالة في المعاني المستنبطة (1/70) .(3/20)
قال ابن العربي رحمه الله تعالى: وأنا أقول ما يناسب الخلقة والشرعة وتصدقه التجربة بيت لا زبيب فيه جياع أهله ، وأهل كل قطر يقولون في قوتهم مثله. (1) .
الزبيب حار رطب في الأولى ، وحبه بارد يابس ، وهو كالعنب المتخذ منه الحلو منه حار ،والحامض والقابض بارد.والأبيض أشد قبضاً من غيره. (2) .
قال ابن قيم الجوزية : نعم الطعام الزبيب يذهب النصب ويشد العصب ويطفئ الغضب ويصفى اللون ويطيب النكهة ، وهذا أيضا لا يصح فيه شيء عن رسول الله ، وبعد فأجود الزبيب ما كبر جسمه وسمن شحمه ولحمه ورق قشره ونزع عجمه وصغر حبه ، وجرم الزبيب حار رطب في الأولى وحبه بارد يابس وهو كالعنب المتخذ منه الحلو منه حار ، والحامض قابض بارد والأبيض أشد قبضا من غيره ، وإذا أكل لحمه وافق قصبة الرئة ، ونفع من السعال ووجع الكلى والمثانة ، ويقوى المعدة ويلين البطن ، والحلو اللحم أكثر غذاء من العنب وأقل غذاء من التين اليابس ، وله قوة منضجة هاضمة قابضة محللة باعتدال ، وهو بالجملة يقوى المعدة والكبد والطحال ، نافع من وجع الحلق والصدر والرئة والكلى والمثانة ، وأعدله أن يؤكل بغير حبه وهو يغذي غذاء صالحا ، ولا يسدد كما يفعل التمر ، وإذا أكل منه بعجمه كان أكثر نفعا للمعدة والطحال والكبد ، وإذا لصق لحمه على الأظافر المتحركة أسرع قلعها ، والحلو منه وما لا عجم له نافع لأصحاب الرطوبات والبلغم ، وهو يخصب الكبد وينفعها بخاصيته ، وفيه نفع للحفظ ، قال الزهري : من أحب أن يحفظ الحديث فليأكل الزبيب ، وكان المنصور يذكر عن جده عبد الله بن العباس عجمه داء ولحمه الدواء . اهـ. (3)
باب
ما جاء في خواص السواك
__________
(1) فيض القدير (3/209) .
(2) الآداب الشرعية لابن مفلح (3/27).
(3) الطب النبوي(245ـ246).(3/21)
قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمتَطَهِّرِينَ } (1) . وفي "الصحيحين" عنه - صلى الله عليه وسلم - : "لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاةٍ". (2) .
وفيهما : أنه - صلى الله عليه وسلم - ،"كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك" .
يشوص:أي يغسل . وشاص فاه بالسواك أي غسله ونظفه بالسواك . (3) .
وفي "صحيح البخاري" تعليقاً عنه - صلى الله عليه وسلم - : "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب".
قال النووي : قال أهل اللغة السواك بكسر السين وهو يطلق على الفعل وعلى العود الذي يتسوك به وهو مذكر قال الليث وتؤنثه العرب .
ثم قال : ثم أن السواك مستحب في جميع الأوقات ولكن في خمسة أوقات أشد استحبابا أحدها عند الصلاة سواء كان متطهرا بماء أو بتراب أو غير متطهر كمن لم يجد ماء ولا ترابا الثاني عند الوضوء الثالث عند قراءة القرآن الرابع عند الاستيقاظ من النوم الخامس عند تغير الفم وتغيره يكون بأشياء منها ترك الأكل والشرب ومنها أكل ما له رائحة كريهة ومنها طول السكوت ومنها كثرة الكلام . ا هـ . (4) .
السواك يكون سبب لرضى الرب ، وهو مطهرة للفم . (5) .
"وكان - صلى الله عليه وسلم - لا ينام إلا والسواك عند رأسه فإذا استيقظ بدأ بالسواك".
أخرجه أحمد في مسنده ، وصححه الألباني صحيح الجامع .
__________
(1) سورة البقرة الآية (222) .
(2) أخرجه البخاري (2/312) في الجمعة :باب السواك يوم الجمعة ، ومسلم (252) في الطهارة :باب السواك . من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(3) أخرجه البخاري (2/312) ، ومسلم (252) .
(4) شرح النووي (3/142ـ143) .
(5) أخرجه البخاري تعليقاً (4/137) في الصوم : باب سواك الرطب واليابس للصائم ، من حديث عائشة رضي الله عنها .(3/22)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وفي السواك عدة منافع : يطيب الفم ، ويشد اللثة ، ويقطع البلغم ، ويجلوا البصر ، ويذهب بالحفر ، ويصح المعدة ، ويصفي الصوت ، ويعين على هضم الطعام ، ويسهل مجاري الكلام ، وينشط للقراءة ، والذكر والصلاة ، ويطرد النوم ، ويرضي الرب ، ويعجب الملائكة ، ويكثر الحسنات ، ويستحب كل وقت ويتأكد عند الصلاة والوضوء والانتباه من النوم وتغير رائحة الفم ، ويستحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث فيه ولحاجة الصائم إليه ولأنه مرضاة للرب ومرضاته مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر ولأنه مطهرة للفم والطهور للصائم من أفضل أعماله ، وفي السنن عن عمر بن - رضي الله عنه - قال : "رأيت رسول الله ما أحصى يستاك وهو صائم" . وقال البخاري: قال ابن عمر:"يستاك أول النهار وأخره"، وأجمع الناس على أن الصائم يتمضمض وجوبا واستحبابا والمضمضة أبلغ من السواك، وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة ولا هي من جنس ما شرع التعبد به وإنما ذكر طيب الخلوف عند الله يوم القيامة حثا منه على الصوم لا حثا منه على إبقاء الرائحة بل الصائم أحوج إلى السواك من المفطر وأيضا فان رضوان الله أكبر من استطابتة الخلوف لفم الصائم.اهـ (1) .
قلت : وانتشر بين الناس وخصوصاً العوام منهم أنه لا يجوز للصائم أن يتسوك ؟ وهذا خطأ ، وقد علمنا من الأحاديث المتقدمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتسوك في كل أحواله وفي كل الأوقات ، وبهذا قال السلف ، وقد علمنا من كلام ابن قيم الجوزية آنفاً أن الصائم أحوج للسواك من المفطر ، لتغير رائحة فمه بسبب الصيام . والله أعلم .
جاء في كتاب الإبداعات الطبية (ص225ـ226) ما يلي :
شغل السواك أذهان أساتذة طب الأسنان في العالم بعد أن عرفوه .
__________
(1) الطب النبوي (ص249).(3/23)
فأجريت التجارب في المعهد الوطني للصحة في أميركا على المستخلصات النباتية للسواك أكدت فاعليتها في مكافحة سرطان الفم نظراً لاحتوائها على مركبات تمنع نمو بعض أنواع الأمراض السرطانية ، وأن الذين يستعملون السواك بصفة منتظمة يحتمل أن يكونوا أقل تعرضاً للإصابة بسرطان الفم من الذين لا يستعملون السواك .
أجريت في الباكستان عام (1981) دراسة على تأثيرات استعمال السواك ، اتضح منها وجود مواد فعالة في السواك تقلل أو تمنع الإصابة بسرطان الفم .
وأجريت دراسة طبية في جنوب غانا عام (1980) لمعرفة مدى فاعلية السواك في نظافة الأسنان واللثة وتقليل نسبة التسوس في الأسنان ... فاكتشفوا مدى فاعلية السواك في الوقاية من الإصابة بتسوس الأسنان .
وبناء على هذه الدراسات تسابقت الشركات العالمية على صناعة المعاجين أو المساحيق لتنظيف الأسنان التي تحتوي على خلاصة السواك ، وأشهرها معجون (ساركان) و معجون (نيم) حيث تؤكد هذه الدراسات المنتجة لهذه المعاجين أن المواد الفعالة في السواك لها تأثيرات عظيمة في تقليل التهابات اللثة ، ويمكن الاستفادة منها أيضاً في علاج جروح الجلد الخارجية من الجسم ، والكثير من الالتهابات والأمراض الجلدية . اهـ . بتصرف .
باب
ما جاء في خواص الشعير
عن أنس - رضي الله عنه - ، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعى إلى خبز الشعير و الإهالة السنخة". (1) .
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : "إن رسولله - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس على الأرض و يأكل على الأرض و يعتقل الشاة و يجيب دعوة المملوك على خبز الشعير" (2) .
وعنه - رضي الله عنه - : "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبيت الليالي المتتابعة طاويا و أهله لا يجدون عشاء و كان أكثر خبزهم خبز الشعي" . (3) .
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (4939) .
(2) صحيح الجامع حديث رقم (4915) .
(3) صحيح الجامع حديث رقم (4895) .(3/24)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ أحداً من أهله الوعك ، أمر بالحساء من الشعير ،فصنع ،ثم أمرهم فحسوا منه ،ثم يقول : "إنه ليرتو فؤاد الحزين ويسرو فؤاد السقيم كما تسروا إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها". (1) .
وفي الباب عن عائشة مرفوعاً : "التلبينة مجمة لفؤاد المريض ، تذهب ببعض الحزن" ، وهو متفق عليه .
يرتو :يشده ويقويه .
ويسرو:يكشف ويزيل .
وهو مبرد، مرطب ،يكسر حِدّةَ الأخلاط ويدر البول وينفع من الحميات الحادة ويولد دماً معتدلاً ،ويسكن العطش ،ويجلو ويسرع نفوذه في الأعظاء ،ويخرج عن المعدة والمعي بسرعة ،وتستفرغ معه الأخلاط المحترقة ،وهو يضر بالأحشاء الباردة ،وينفخ ،وهو رديء للمعدة الباردة ،ويدفع ضرره السكر. (2) .
الشعير : جنس نباتات زراعية ،حبية ،سنوية ،في الفصيلة النجيلية التي منها القمح وقيل :أنه أول نبات زرع وعرفته حضارات العالم القديم . (3) .
قال ابن قيم الجوزية : فإن في ماء الشعير من التبريد والتغذية والتلطيف والتليين وتقوية الطبيعة ما هو أصلح للناقة ولا سيما إذا طبخ بأصول السلق فهذا من أوفق الغذاء لمن في معدته ضعف ولا يتولد عنه من الأخلاط ما يخاف
منه . ا هـ . (4) .
__________
(1) أخرجه ابن ماجة (3445) في الطب :باب التلبينة ،والترمذي في الطب : باب ما يطعم المريض ،وأحمد (6/32)، ضعيف ابن ماجة برقم (747) .
(2) الآداب الشرعية (3/32).
(3) كتاب العلاج بالأغذية الطبيعية والأعشاب (63) .
(4) الطب النبوي (83)(3/25)
قال الموفق البغدادي : إذا شئت منافع التلبينة فاعرف منافع ماء الشعير ، سيما إذا كان نخالة فإنه يجلو وينفذ بسرعة ويغذي غذاء لطيفا ، وإذا شرب حارا كان أحلى وأقوى نفوذا ، تنبيه قال الراغب : النافع هو ما يعين على بلوغ الشيء كالفضيلة والسعادة والخير والشفاء ، والنافع في الشيء ضربان ، ضروري وهو ما لا يمكن الوصول إلى المطلوب إلا به كالعلم والعمل الصالح للمكلف في البلوغ إلى النعيم الدائمي ، وغير ضروري وهو الذي قد يسد غيره مسده كالسكنجبين في كونه نافعا في قمع الصفراء . ا هـ . (1) .
باب
ما جاء في خواص العنب
قال الله تعالى: { وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ
الْعُيُونِ } . (2) . { ليَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ } (3) .وقال تعالى:
{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً } . (4) . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يقولن أحدكم العنب والكرم ، فإن الكرم هو الرجل المسلم ، وقولوا العنب والحبلة" . (5) .
عن سعيد بن زياد بن أبي هند أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : "نعم الطعام الزبيب ، يطيب النكهة ويذهب البلغم".الأحكام النبوية / علاء الدين الكحال .
قال الدكتور محمد سالم : إن بعض العلماء يعتبر العنب في نفس المستوى الغذائي للبن الحليب ، بينما يؤكد البعض الآخر أن في العنب خصائص لا توجد في الحليب .. وبالرغم من ذلك الاختلاف إن معظم علماء الكيمياء الحيوية متفقون على أهمية فائدة العنب في بناء أنسجة الجسم وعلاج الكثير من
__________
(1) فيض القدير (4/338) .
(2) سورة يس الآية (34).
(3) سورة يّس الآية (35) .
(4) سورة الكهف الآية (32) .
(5) أخرجه البخاري برقم (6183) ، ومسلم برقم (2247)و(2248).(3/26)
الأمراض . اهـ . (1) .
وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لو أخذت منها عنقوداً أو قطفاً لأكلتم ما بقيت الدنيا". (2) .
وقال ابن مفلح رحمه الله تعالى : العنب:جيد الغذاء ، مقوّ للبدن ،يسمن بسرعة ، ويولد دماً جيداً ويزيد في الإنعاظ ،وينفع الصدر والرئة وهو منفخٌ مطلق للبطن ، والحامض منه يبرد المعدة ويكسر القيء .اهـ. (3) .
وشجرة العنب :باردة يابسة ،ورقها وعلائقها وعرموشها مبرد في آخر الدرجة الأولى ،وإذا دُقّت وضمد بها من الصداع سكنته من الأورام الحارة والتهاب المعدة ، وعصارة قضبانه إذا شربت سكنت القيء وعلقت البطن .وكذا إذا مضغت عروقها الرطبة ، وعصارة ورقها تنفع من قروح الأمعاء ونفث الدم وقيئه ووجع المعدة .
ورماد قضبانه إذا تضمد به الخل ودهن الورد والسذاب نفع من الورم العارض في الطحال .وقوة دهن زهرة الكرم قابضةٌ شبيهة بقوةِ دهن الورد ،ومنافعها تقرب من منافع النخلة لكثرتها. (4) .
والعنب الأبيض: أبرد وأغلظ وأبطأ انهضاماً من الأحمر .
والأسود: أشد حرّاً وألطف، والعنب الغض يعني الحصرم، بارد يابس. (5) .
العنب : أصله من آسيا أدخله الفينيقيون إلى جزر الأرخبيل ، وجزائر اليونان وصقلية . عرفه البشر منذ القدم ، ورد ذكره في الأساطير والحكايات ، وروي في أخبار الهند والصين .اعتبرته بعض الشعوب رمزاً للخصب مع حبوب القمح الناضج . عرفت للعنب أنواع كثيرة من أيام نوح عليه السلام . العنب مفيد في حالات سوء الهضم ، والقبض والبواسير ، والحصاة الكبدية والحصاة البولية . مغذ مرطب للجوف ومضاد للالتهابات ، سريع الهضم ذو طاقة عضلية وعصبية للسموم ، مقو للكبد اكتشف الطب حديثاً أهمية العنب لمرض
__________
(1) الإبداعات الطبية (243).
(2) أخرجه البخاري برقم (487)،ومسلم برقم (907).
(3) الآداب الشرعية (3/37).
(4) الآداب الشرعية (3/42ـ43).
(5) كتاب العلاج بالأغذية الطبيعية والأعشاب (76) .(3/27)
السرطان . اهـ . (1) .
عنب : ويذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يحب العنب والبطيخ،وقد ذكر الله سبحانه العنب في ستة مواضع من كتابه في جملة نعمه التي أنعم بها على عباده في هذه الدار وفي الجنة،وهو من أفضل الفواكه وأكثرها منافع،وهو يؤكل رطبا يابسا وأخضر ويانعا،وهو فاكهة من الفواكه وقوت من الأقوات وأدم مع الإدام ودواء مع الأدوية وشراب مع الأشربة،وطبعه طبع الحبات الحرارة والرطوبة،وجيدة الكبار المائي والأبيض أحمد من الأسود إذا تساويا في الحلاوة،والمتروك بعد قطفه يومين أوثلاثة أحمد من المقطوف في يومه، فإنه منفخ مطلق للبطن والمعلق حتى يضمر قشره جيد للغذاء مقو للبدن وغذاؤه كغذاء التين والزبيب،وإذا ألقىعجم العنب كان أكثر تلينا للطبيعة، والإكثار منه مصدع للرأس،ودفع مضرته بالرمان المز ومنفعة العنب يسهل الطبع ويسمن ويغذو جيده غذاء حينا،وهو أحد الفواكه الثلاث التي هي ملك الفواكه وهو الرطب والتين والعنب.اهـ. . (2) .
باب
ما جاء في الرضاعة الطبيعية
قال الله تعالى: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } (3) .
__________
(1) العلاج بالأغذية الطبيعية والأعشاب .
(2) الطب النبوي(262-263).
(3) سورة البقرة الآية (233) .(3/28)
وقال تعالى : { وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } . (1) . وقال تعالى : { َوَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً } . (2) .
وقال تعالى: { وَأَوْحيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ } . (3) .
وقال تعالى : { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ } . (4) .
ويروى عن أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، أرادت أن ترضع وليدها عبد الله بن الزبير قال لها الرسول - صلى الله عليه وسلم - : "أرضعيه ولو بماء عينيك".
قال رسول - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل اللهم بارك لنا فيه ، وأطعمنا خيراً منه ، وإذا سقي لبناً فليقل اللهم بارك لنا فيه ، وزدنا منه فإنه ليس شيء يجزي من الطعام والشراب إلا اللبن".
قال الدكتور مختار سالم : أن الرضاعة الطبيعية تعطي الأم الفرصة للتخلص من مخزون الطاقة والشحم المتراكم في الجسم أثناء فترة الحمل فإذا لم تقم الأم بإفراز لبن الثدي بانتظام لإرضاع وليدها فإن الطاقة المتراكمة في جسمها سوف تزداد تركماً ويرتفع معدل وزنها وتصاب بالسمنة .
كما أن الرضاعة من الأم تمنع في كثير من الحالات خروج البويضة الأنثوية إلى قناة فالوب وبالتالي تساعد على انقطاع الدورة الشهرية للأم وتمنع الحمل وبذلك يحصل الطفل الوليد على أطول فترة من العناية قبل حدوث حمل آخر . اهـ . (5) .
__________
(1) سورة لقمان الآية (14) .
(2) سورة الأحقاف الآية (15) .
(3) سورة القصص الآية (7) .
(4) سورة القصص الآية ( 12) .
(5) الإبداعات الطبية(170).(3/29)
وقال الدكتور محمد علي الحاج : فلبن الأم هو الغذاء الفيزيولوجي لطفل الإنسان ، وما عداه فهو مخصص لأطفال الحيوان الذي ينتج ذلك اللبن ، وسبب ذلك هو أن لبن الأم يتناسب تماماً مع حاجات الطفل الفيزيولوجية ومتطلباته الحيوية .
ثم قال : إن إفراز اللبن لا يتم إلا في اليوم الثالث أو الرابع بعد الولادة ، ففي الأيام الأولى الثلاثة يفرز الثدي سائلاً لزجا يميل إلى الصفرة ويدعي الصمغة ، أي كولوستروم ((colostrum أو لبأ .
تركيب اللبأ (الصمغة) :
يحتوي اللبأ على المواد التالية :
1ـ بروتينات .
2ـ أملاح معدنية بنسبة أكبر مما في البن .
3ـ سكر .
4ـ دهنيات بنسبة أقل مما في اللبن .
والبروتينات في اللبأ هي في الغالب من نوع الزلال(ALBUMINE) .
ويمتاز اللبأ عن اللبن العادي في أن الكازيين الموجود فيه أقل من الكازيين الموجود في اللبن العادي ، وهذا ما يجعله يتخثر بسرعة بمجرد تسخينه على النار . والكريات الموجودة في اللبأ أكبر حجماً منها في اللبن العادي ، وهذا ما يجعل اللبأ يحدث عند المولود إسهالاً يساعده على "التزفيت" ، أي إخراج العقي أو الميكونيوم (meconium) من جوفه ... ". (1) .
باب
ما جاء في خواص التين
قال الله تعالى: { والتين والزيتون } . (2) .
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُهدي له طبق من تين فقال :"كلوا" وأكل منه ،وقال : "لو قلت:إن فاكهةً نزلت من الجنة،قلت:هذه؛لأن فاكهة الجنة بلا عجم ،فكلوا منها تقطع البواسير وينفع من النقرس". (3) .
__________
(1) غذاؤك حياتك (ص414ـ420) .
(2) سورة التين الآية (1).
(3) قال ابن القيم :وفي ثبوت هذا نظر ."زاد المعاد" (4/292ـ 293).(3/30)
وهو حار قليلاً ،رطبٌ في الثانية ،وقيل:يابس .وأجوده الأبيض الناضج المقشر . وهو أغذى من جميع الفواكه ،ويسرع نفوذه ويسمن ويوافق الصدر ويسكن العطش ، الذي هو من بلغم مالح ،وينفع الكلى والمثانة ويجلوا رملها ،ويؤمن من السموم ،وينفع خشونة الحلق وقصبة الرئة ،ويغسل الكبد والطحال ،وينقي الخلط البلغمي من المعدة ،وينفع السعال المزمن ،ويزيد البول. قال بعضهم :وفي أكله على الريق منفعةٌ في فتح مجاري الغذاء. (1) .
وقال ابن قيم الجوزية : التين لما لم يكن التين بأرض الحجاز والمدينة لم يأت له ذكر في السنة فإن أرضه تنافى أرض النخل ولكن قد أقسم الله به في كتابه لكثرة منافعه وفوائده والصحيح أن المقسم به هو التين المعروف ، وهو حار وفي رطوبته ويبوسته قولان ، وأجوده الأبيض الناضج القشر يجلو رمل الكلى والمثانة ويؤمن من السموم ، وهو أغذا من جميع الفواكه ، وينفع خشونة الحلق والصدر وقصبة الرئة ويغسل الكبد والطحال وينقى الخلط البلغمي من المعدة ويغذو البدن غذاء جيدا ، إلا أنه يولد القمل إذا كثر منه جدا ويابسه يغذو وينفع العصب وهو مع الجوز واللوز محمود ، قال جالينوس ، وإذا أكل مع الجوز والسذاب قبل أخذ السم القاتل نفع وحفظ من الضرر ، ويذكر عن أبي الدرداء أهدى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - طبق من تين فقال كلوا وأكل منه وقال لو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة قلت هذه لأن فاكهة الجنة بلا عجم. اهـ . (2) .
منقوع التين للجهاز التنفسي وتقرحات الفم واللثة :
تأكد للخبراء أن منقوع التين في الماء _ خشاف_ أو اللبن المغلي يهدئ حالات الحميات والجدري والحصبة ويعتبر علاجاً فعالاً لالتهابات الجهاز التنفسي وخاصة الحنجرة والقصبات الهوائية والسعال الديكي ، كما يستعمل منقوع التين كغرغرة ومضمضة لعلاج تقرحات الفم واللثة .
وهو مهم جداً لتنقية الكليتين والمسالك البولية .
__________
(1) الآداب الشرعية (3/17).
(2) الطب النبوي (1/227)(3/31)
وأثبتت الدراسات الطبية أن المادة اللبنية التي تسيل من سيقان ثمار التين الغير ناضج تحتوي على عدة مواد مطهرة وفعالة كدهان لعلاج أمراض الصدفية والقوباء وبعض الأمراض الجلدية الأخرى حيث لها خاصية تعقيم والتئام الجروح والتقرحات وإبادة الفطريات والميكروبات . (1)
باب
في خواص الجبن
ويروى عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : "أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بجبنةٍ في تبوك ،فدعا بسكينٍ وسمّى وقطع". (2) .
قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله تعالى : قال الأطباء : الجبن الرطب باردٌ رطب في الثالثة،مسمن ملين تلييناً معتدلاً وهو غليظ يزيد في اللحم،مولد للحصى والسدد،ويصلحه الجوز والزيت أو العسل،قال بعضهم: جيد للمعدة ،والحريف منه العتيق حارٌ يابسٌ في الثالثة مُلهب معطش رديء الغذاء وفيه جلاءٌ ويقوي فم المعدة إذا تلقم به بعد الطعام. (3)
__________
(1) الإبداعات الطبية (ص238ـ239) .
(2) رواه أبو داود في سننه برقم (3819) ،وأخرجه البيهقي في الكبرى (10/6) ، أنظر زاد المعاد (4/296).
(3) الآداب الشرعية (3/18) .(3/32)
قال ابن قيم الجوزية: قال الله تعالى : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ } . (1) وقال في الجنة فيها انهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وفي السنن مرفوعا : "من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وارزقنا خيرا منه ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه" . فإني لا أعلم ما يجزى من الطعام والشراب إلا اللبن وإن كان بسيطا في الحس إلا أنه مركب في اصل الخلقة تركيبا طبيعيا من جواهر ثلاثة الجبنية والسمنية والمائية فالجبنية باردة رطبة مغذية للبدن والسمنية معتدلة في الحرارة والرطوبة ملائمة للبدن الإنساني الصحيح كثيرة المنافع والمائية حارة رطبة مطلقة للطبيعة مرطبة للبدن واللبن على الإطلاق ابرد وأرطب من المعتدل وقيل قوته عند حلبه الحرارة والرطوبة وقيل معتدل في الحرارة والبرودة وأجود ما يكون اللبن حين يحلب ثم لا يزال تنقص جودته على ممر الساعات . (2) .
أهم الحالات المرضية التي تعطى فيها الأجبان الطازجة :
1ـ الضعف العام . 2ـ السكري . 3ـ عسر الهضم . 4ـ الإسهال . 5ـ التهاب الأمعاء الحاد .
والحالات المرضية التي يمنع فيها الجبن :
1ـ ارتفاع ضغط الدم . 2ـ زيادة نسبة البولينا في الدم . 3ـ أمراض الكلى المصحوبة بتورم . (3) .
بابما جاء في خواص القرع ( الدباء )
عن أنس - رضي الله عنه - قال : "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب القرع". (4) .
وعنه أيضاً :أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كانت تعجبه الفاغية ،وكان أحب الطعام إليه الدُّباء". (5) .
__________
(1) سورة النحل الآية (66) .
(2) الطب النبوي (ص299) .
(3) الإبداعات الطبية (ص81) .
(4) أخرجه أحمد (3/108)،وابن ماجة (3302)، صحيح الجامع برقم (4986) .
(5) أخرجه أحمد (3/153)،وسنده صحيح .(3/33)
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "هذا القرع -هو الدباء -نكثر به طعامنا" . (1) .
قوله : "الفاغية" ، وقيل: الفَغْو و الفاغية نَور الحِناء خاصة، وهي طيبة الريح تَخْرج أَمثال العناقيد وينفتح فيها نَوْر صِغار فتُجْتَنَى ويُرَبَّب بها الدُّهن. وفي حديث أَنس، رضي الله عنه: كان رسولُا،، تُعْجبه الفاغِيةُ. ودُهْنٌ مَفْغُوٌّ: مُطَيَّب بها. و فَغَا الشجَرُ فَغَواً و أَفْغَى: تَفَتَّح نَوْره قبل أَن يُثْمِر. ويقال: وجدت منه فَغْوةً طيبة و فَغْمة. وفي الحديث: سَيِّدُ رَيْحانِ أَهل الجنَّةِ الفاغِيةُ؛ قال الأَصمعي: الفاغِيةُ نَوْرُ الحِنَّاء، وقيل: نور الريحان، وقيل: نَوْر كل نبت من أَنوار الصحراء التي لا تزرع، وقيل: فاغية كل نبت نوره. وكلُّ نَوْرٍ فاغِيةٌ؛ وأَنشد ابن بري لأَوْس بن حَجر: لا زالَ رَيْحانٌ وفَغْوٌ ناضِرٌ يَجْرِي عَليكَ بِمُسْبِلٍ هَطَّالِ قال: وقال العريان: فَقُلْتُ له: جادَتْ عَلَيْكَ سحابةٌ بِنَوْءٍ يُنَدِّي كلَّ فَغْوٍ ورَيْحانِ وسئل الحسن عن السَّلف في الزعفران فقال: إِذا فغا، يريد إِذا نَوَّر، قال: ويجوز أَن يريد إِذا انتشرت رائحته، من فَغَتِ الرائحة فَغْواً، والمعروف في خروج النَّور من النبات أَفْغى لا فَغا. الفراء: هو الفَغْوُ و الفاغِيةُ لنَوْرِ الحِناء. وقال ابن الأَعرابي : الفاغِيةُ أَحْسَنُ الرَّياحِينِ وأَطيَبُها رائحة. شمر: الفَغْوُ نَوْر، و الفَغْوُ رائحة طيِّبة . (2) .
القرع: وهو الدُّباء ،أو اليقطين أو اللقطين .
__________
(1) السلسلة الصحيحة رقم (2400) .
(2) لسان العرب (15/160) .(3/34)
بارد رطب في الثانية ،وقيل :حار رطب يتولد منه خلطاً شبيه بما يصحبه ،فإن أكل بالخردل ولد خلطاً حريفاً غذاؤه يسير وينحدر سريعاً ،ويقطع العطش جداً ويلين البطن ويولد بلة المعدة ،وعصارته تسكن وجع الأذن مع دهن ورد ،وتنفع من أورام الدماغ . ا هـ . (1) .
وهو كذلك يذهب الصداع إذا شُرب أو غسل الرأس به ، وملين للمعدة .
وفى الغيلانيات من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها قالت : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا عائشة إذا طبختم قدرا فأكثروا فيها من الدباء فإنها تشد قلب الحزين". (2) .
قال ابن قيم الجوزية : شجرة لا تقوم على ساق كالبطيخ والقثاء والخيار ، قال الله تعالى : { وأنبتنا عليه شجرة من يقطين } (3) ، فإن قيل مالا يقوم على ساق يسمى نجما لا شجرا والشجر ما له ساق قاله أهل اللغة ، فكيف قال شجرة من يقطين ، فالجواب أن الشجر إذا طلق كان ماله ساق يقوم عليه وإذا قيد بشيء تقيد به ، فالفرق بين المطلق والمقيد في الأسماء باب مهم عظيم النفع في الفهم ومراتب اللغة ، واليقطين المذكور في القرآن هو نبات الدباء وثمره يسمى الدباء والقرع وشجرة اليقطين وقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - : "أن خياطا دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطعام صنعه ، قال أنس : فذهبت مع رسول الله ، فقرب إليه خبزا من شعير ومرقا فيه دباء وقديد ، قال أنس : فرأيت رسول الله يتتبع الدباء من حوالي الصحفة ، فلم أزل أحب الدباء من ذلك اليوم" .
وقال أبو طالوت دخلت على أنس بن مالك - رضي الله عنه - وهو يأكل القرع ويقول يالك من شجرة ما أحبك إلي لحب رسول الله إياك .
__________
(1) الآداب الشرعية(3/38).
(2) ذكره ابن القيم في زاد المعاد (4/404).
(3) سورة الصافات آية (146)(3/35)
اليقطين بارد رطب ويغدو غذاء يسيرا ، وهو سريع الانحدار وإن لم يفسد قبل الهضم تولد منه خلط محمود ، ومن خاصيته أنه يتولد منه خلط محمود مجانس لما يصحبه ، فان أكل بالخردل تولد منه خلط حريف وبالملح خلط مالح ومع القابض قابض وأن طبخ بالسفرجل غذا البدن غذاء جيدا ، وهو لطيف مائي يغذوا غذاء رطبا بلغميا وينفع الحرورين ولا يلائم المبرودين ومن الغالب عليهم البلغم ، وماؤه يقطع العطش ، ويذهب الصداع الحار إذا شرب أو غسل به الرأس ، وهو ملين للبطن كيف استعمل ولا يتداوى المحرورن بمثله ولا أعجل منه نفعا ، ومن منافعه إنه إذا لطخ بعجين وشوى في الفرن أو التنور واستخرج ماؤه وشرب ببعض الأشربة اللطيفة سكن حرارة الحمى الملتهبة وقطع العطش وغذا غذاء حسنا ، وإذا شرب بترنجبين وسفرجل مربى أسهل صفراء محضة ، وإذا طبخ القرع وشرب ماؤه بشيء من عسل وشيء من نطرون أحدر وبلغما ومرة معا ، وإذا دق وعمل منه خماد على اليافوخ نفع من الأورام الحارة في الدماغ ، وإذا عصرت جرادته وخلط ماؤها بدهن الورد وقطر منها في الأذن نفعت من الأورام الحارة ، وجرادته نافعة من أورام العين الحارة ومن النقرس الحار ، وهو شديد النفع لأصحاب الأمزجة الحارة والمحمومين ومتى صادف في المعدة خلطا رديئا استحال إلى طبيعته وفسد وولد في البدن خلطا رديئا ودفع مضرته بالخل والمري ، وبالجملة فهو من ألطف الأغذية وأسرعها انفعالا ويذكر عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله كان يكثر من أكله . (1) .
تأكد للعلماء أن بذور القرع العسلي تحتوي على مواد فعالة لإبادة ديدان الأمعاء ، وأن تناول مغلي البذور يساعد في التهابات غدة البروستاتة عند كبار السن ، وكذلك في التخلص من السوائل المختزنة في الجسم ...
وإذا طبخ القرع العسلي مع السفرجل كان غذاء رائعاً للجسم وله قدرة عظيمة على مقاومة العطش . اهـ . (2) .
باب
__________
(1) الطب النبوي (316ـ317) .
(2) الإبداعات الطبية (ص247ـ248).(3/36)
ما جاء في قصب السكر
قصب السكر: بارد ، وأجوده الأبيض الشفاف الطبرزد ،وكلما عتق ألطف ،إلا أنه أميل إلى الحرارة ،وهو ملين جداً ،ويلين الصدر ويزيل خشونته ،وهو ينفع المعدة سوى التي تتولد فيها المرة الصفراء فإنه يضرها لاستحالته إليها ،ودفع ضرره بماء الليمون أو النارنج أو الرمان المز ، وهو مفتح للسدد ،ويسهل مع دهن اللوز ،وينفع في القلنوج ، وينفع الكلى والمثانة ، وينفع من البياض الرقيق الذي في العين .
وقصب السكر يعين على القيء ،وينفع الصدر والسعال ،ويولد دماً معتدلاً ،ويدر البول ،ويجلوا رطوبة الصدر . (1) .
__________
(1) الآداب الشرعية (3/40) ، والطب النبوي (275) .(3/37)
قصب السكر جاء في بعض ألفاظ السنة الصحيحة في الحوض ماؤه أحلى من السكر ، ولا أعرف السكر في حديث إلا في الموضع والسكر حادث لم يتكلم فيه متقدموا الأطباء ولا كانوا يعرفونه ولا يصفونه في الأشربة وإنما يعرفون العسل ، ويدخلونه في الأدوية ، وقصب السكر حار رطب ينفع من السعال ويجلو الرطوبة والمثانة وقصبة الرئة وهو أشد تلينا من السكر ، وفيه معونة على القيء ويدر البول ويزيد في الباه ، قال عفان بن مسفر الصفار من مص قصب السكر بعد طعامه لم يزل يومه أجمع في سرور انتهى ، وهو ينفع من خشونة الصدر والحلق ، وإذا شوي ويولد رياحا دفعها بأن يقشر ويغسل بماء حار ، والسكر الحار رطب على الأصح وقيل بارد وأجوده الأبيض الشفاف الطبرزذ وعتيقه ألطف من جديده ، وإذا طبخ ونزعت رغوته سكن العطش والسعال ، وهو يضر المعدة التي تتولد فيها الصفراء لاستحالته إليها ودفع ضرره بماء الليمون أو النارنج أو الرمان اللفاء ، وبعض الناس يفضله على العسل لقلة حرارته ولينه ، وهذا تحامل منه على العسل فإن منافع العسل أضعاف منافع السكر وقد جعله الله شفاء ودواء وإداما وحلاوة ، وأين نفع السكر من منافع العسل من تقوية المعدة وتليين الطبع وإحداد البصر وجلاء ظلمته ودفع الخوانيق بالغرغرة به وإبرائه من الفالج واللقوة ومن جميع العلل الباردة التي تحدث في جميع البدن من الرطوبات فيجذبها من قعر البدن ومن جميع البدن وحفظ صحته وتسخينه والزيادة في الباه والتحليل والجلاء وفتح أفواه العروق وتنقية المعي واحدار الدود ومنع التخم وغيره من العفن والأدم النافع وموافقة من غلب عليه البلغم والمشايخ وأهل الأمزجة الباردة وبالجملة فلا شيء أنفع منه للبدن وفي العلاج وعجن الأدوية وحفظ قواها وتقوية المعدة وإلى أضعاف هذه المنافع فأين للسكر مثل هذه المنافع والخصائص أو قريب منها . اهـ . (1) .
__________
(1) الطب النبوي (276) .(3/38)
والبردي : نبات مائي كالقصب تصنع منه الحصر ، وكان القدماء يستعملون قشره للكتابة.
باب
ما جاء في الحمى وعلاجها
عن جابر - رضي الله عنه - :أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أُم السائب أو أُم المسيب ،فقال : "مالك يا أُم السائب ـ أو ـ يا أُم المسيب تزفزفين ؟".فقالت : الحمى لا بارك الله فيها ، فقال : "لا تسبي الحمى ،فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد". (1) .
عن ابن مسعود، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "ما من مسلم يصيبه أذى من مرضٍ ،فما سواه إلا حطّ الله به سيآته كما تحطُّ الشجرة ورقها". (2) .
عن عائشة رضي الله عنها،قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الحمى ـ أو ـ شدة الحمى من فيح جهنم ،فأبردوها بالماء" . (3) .
فيح جهنم :شدة لهبها وانتشارها ،وكذا قال عليه الصلاة والسلام : "أبردوا بالصلاة ؛ فإنّ شدة الحر من فيح جهنم".
قال النووي : قوله - رضي الله عنه - : "الحمى من فيح جهنم فابردوها بالماء" .
__________
(1) أخرجه مسلم برقم (2575) .
(2) أخرجه البخاري (5647) ، ومسلم (2571).
(3) أخرجه البخاري برقم (5723)، ومسلم برقم (2209).(3/39)
وفى رواية "من فور جهنم" ، هو بفتح الفاء فيهما ، وهو شدة حرها ولهبها وانتشارها ، وأما أبردوها فبهمزة وصل وبضم الراء يقال بردت الحمى أبردها بردا على وزن قتلتها أقتلها قتلا أي أسكنت حرارتها وأطفأت لهبها كما قال في الرواية الأخرى فأطفئوها بالماء وهذا الذي ذكرناه من كونه بهمزة وصل وضم الراء هو الصحيح الفصيح المشهور في الروايات وكتب اللغة وغيرها ، وحكى القاضي عياض في المشارق أنه يقال بهمزة قطع وكسر الراء في لغة قد حكاه الجوهر وقال هي لغة رديئة ، وفى هذا الحديث دليل لأهل السنة أن جهنم مخلوقة الآن موجودة. قوله عن أسماء أنها كانت تؤتى بالمرأة الموعوكة فتدعو بالماء فتصبه في جيبها وتقول : أن رسول - رضي الله عنه - قال: "أبردوها بالماء" ،وفى رواية "صبت الماء بينها وبين جيبها" .قال القاضي : هذا يرد قول الأطباء ويصحح حصول البرء باستعمال المحموم الماء ، وأنه على ظاهره لا على ما سبق من تأويل المازري قال : ولو لا تجربة أسماء والمسلمين لمنفعة لما استعملوه .
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "الحمى أمّ ملدم تلدم اللحم والدم بردها الشياطين وحرّها من جهنم فإذا حستموها فاغتسلوا بالماء الجاري ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً". (1) .
وروي "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا حُمّ أمر بقربة من ماء فبردت ، ثم صبها على قرنه فاغتسل بها" . (2) .
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إذا حُمّ أحدكم فليسنّ عليه الماء البارد ثلاث ليالٍ من السحرّ ". (3) .
باب
ما جاء في خواص البطيخ
__________
(1) ذكره ابن القيم في الطب النبوي (ص33ـ 34) بمعناه .
(2) كتاب العلاج بالأغذية الطبيعية والأعشاب (ص20).
(3) السلسة الصحيحة رقم (1310) .(3/40)
عن عائشة قالت : "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل البطيخ بالرطب يقول : "يدفع حرّ هذا برد هذا" . (1) .
البطيخ :بارد رطب سريع الإنهضام ليّن ينقي البطن ،وقد ينزل البول والحيضة وحبّه جيد للصدر والسعال والكليتين والقرح في المثانة .
البطيخ : نبات عشبي سنوي متمدد ،تزرع ثماره في المناطق المعتدلة والدافئة وهو من الفصيلة القرعية .عرف في المناطق الحارة من أفريقيا حيث كانت تعرفه القبائل منذ زمن بعيد .ينقي الجلد مدر للبول ،ينفع في علاج أمراض الكلى كالحصى والرمل .ويبرد الجوف . اهـ . (2) .
البطيخ : نبات عشبي سنوي متمدد تزرع ثماره في الناطق المعتدلة والدافئة ، وهو من الفصيلة القرعية . عرف في الناطق الحارة من أفريقيا حيث كانت تعرفه القبائل منذ زمن بعيد . ينقي الجلد مدر للبول ، ينفع في علاج أمراض الكلى كالحصى والرمل . يبرد الجوف ، وروى أبو داود والترمذى عن النبي أنه كان يأكل البطيخ بالرطب ويقول يدفع حر هذا برد هذا وفي البطيخ عدة أحاديث لا يصح منها شئ غير هذا الحديث الواحد والمراد به الأخضر وهو بارد رطب وفيه جلاء وهو أسرع انحدارا عن المعدة من القثاء والخيار وهو سريع الاستحالة إلى أى خلط كان صادفه في المعدة وإذا كان آكله محرورا انتفع به جدا وإن كان مبرودا دفع ضرره بيسير من الزنجبيل ونحوه وينبغي أكله قبل الطعام ويتبع به وإلا غثي وقيأ وقال بعض الأطباء إنه قبل الطعام يغسل البطن غسلا ويذهب بالداء أصلا . اهـ . (3) .
باب
ما جاء في بيض الدجاج
__________
(1) أخرجه أبو داود برقم (3836) ، والترمذي برقم (1843) وسنده حسن، وصححه ابن حبان برقم (5247) ، السلسلة الصحيحة رقم (57).
(2) كتاب العلاج بالأغذية الطبيعية والأعشاب (78ـ 79).
(3) الطب النبوي (221) .(3/41)
وبيض الدجاج على سائر بيض الطير ، وهو معتدل يميل إلى البرودة قليلا ، قال صاحب القانون : ومحه حار رطب يولد دما صحيحا محمودا ويغذى غذاء يسيرا ويسرع الانحدار من المعدة إذا كان رخوا وقال غيره مح البيض مسكن للألم ومملس للحلق وقصبة الرئة نافع للحلق والسعال وقروح الرئة والكلى والمثانة وذهب للخشونة لا سيما إذا أخذ بدهن اللوز الحلو ومنضج لما في الصدر ملين له مسهل لخشونة الحلق وبياضه إذا قطر في العين الوارمة ورما حارا برده وسكن الوجع وإذا لطخ به حرق النار أول ما يعرض له لم يدعه يتنفط وإذا لطخ به الوجه منع من الاحتراق العارض من الشمس وإذا خلط بالكندر ولطخ على الجبهة نفع مع النزلة وذكره صاحب القانون في الأدوية القلبية ثم قال وهو وإن لم يكن من الأدوية المطلقة فإنه مما له مدخل في تقوية القلب جدا أعني الصفرة وهى تجمع ثلاثة معان سرعة الاستحالة إلى الدم وقلة الفضل وكون الدم المتولد منه مجانسا للدم الذي يغذو القلب خفيفا مندفعا إليه بسرعة ولذلك هو أوفق ما يتلافى به عادية الأمراض المحللة لجوهر الروح . اهـ . (1) .
باب
ما جاء في فوائد العدس
العدس : نبتة سنوية تزهر في الربيع وأزهارها بيضاء جميلة . وعندما تجف الأوراق تقلع النبتة وتضرب حتى تتساقط منها الحبوب . (2) .
والعدس: بارد يابس ولبابه يقبض البطن إذا طبخ ثم صفي منه الماء الأول ، ثم صب عليه ماء آخر وطبخ ثانيه ، ثم أكل .عقل البطن وقوي المعدة ، وإذا نقي من قشره أضرّ بالبول، وأحبسه، وأغلظ الدم في العروق ولم يجر .
والعدس : عشب سنوي دقيق الساق من الفصيلة القرنية ، مغذّ جداً ، سهل الهضم ، مدر للحليب عند المرضع ، ومدر للبول ، يفيد في علاج فقر الدم ، يحفظ الأسنان من النخر . (3) .
باب
ما جاء في فوائد الترمس
__________
(1) الطب النبوي (ص223) .
(2) غذاؤك حياتك (ص98) .
(3) كتاب العلاج بالأغذية الطبيعية والأعشاب (66) .(3/42)
الترمس حار في الجزء الثاني من الحرارة وهي إلى الدواء أقرب منه إلى الطعام إذا تدوي به كان أقوى منه إذا أكل ، وذلك أنه ينقي المرة، ويهضم الفضول، ويقتل حب القرع والدود الذي في البطن إذا طبخ وشرب بالعسل والماء الحار ، وإذا طبخ ثم ذرّ في الموضع الذي يريد الإنسان ألا ينبت فيه الشعر لم ينبت فيه الشعر إذا تعاهد ذلك في كل حين.
والترمس : نبات زراعي من الفصيلة القرنية ، يزرع لأجل حبوبه التي تؤكل كنقول . قيل : إن كلمة الترمس (ترمس ) يونانية الأصل يحتوي الترمس على كميات كبيرة من الزلال والدهون ، ونسبته أعلى في الترمس منها في فول الصويا غير إنه لا يمكن تناوله كما هو لمرارة طعمه لأنه يحتوي على المادة القلوية. مقو جيد للقلب والأعصاب، يخرج الأخلاط اللزجة من الجسم، يقتل القمل والديدان باطناً وظاهراً كيفما استعمل. ماؤه مع الحنظل يقتل البقّ والبراغيث .اهـ . (1) .
لضمور ثدي المرأة (2)
العلاج:
يؤخذ قدر (100)جم من الحلبة ويوضع مع (30) جم من البابونج في نصف لتر ماء وتسخن على نار، حتى تغلى وتترك لتغلى مدة دقيقتين، ويترك حتى يبرد ثم يضاف إليه عصير العنب والحليب الطازج ويحلى بعسل نحل صافي . وتشرب منه المرأة التي قل عمرها عن (35)سنة مقدار كوب واحد صباحاً، أما المرأة التي تزيد عمرها عن (35) سنة يجب أن تشرب صباحاً ومساءاً قدر كوب ويستمر على ذلك لمدة ثلاثة أسابيع .
للبرود الجنسي عند الرجال والنساء (3)
__________
(1) كتاب العلاج بالأغذية الطبيعية والأعشاب (ص67) .
(2) كتاب أسرار التداوي بالأعشاب (ص67) .
(3) كتاب أسرار التداوي بالأعشاب (ص67) .(3/43)
يؤخذ قدر ثلاث ملاعق صغير ة من بذور الحلبة وثلاث ملاعق صغيرة من الزعتر البري، وملعقة صغيرة من أكليل الجبل، وملعقة صغيرة من النعناع الأخضر، وملعقة من عشبة رعي الحمام، ثم توضع كل المقادير في لتر ماء، وتوضع في وعاء ويغطى وتغلى المقادير مدة 5 دقائق على نار هادئة، يضاف إليه ملعقتان عسل نحل طبيعي يترك ليبرد ويوضع في قارورة نظيفة بعد أن يصفى ويحفظ في مكان جاف وبارد، ويشرب منه قدر فنجانين صباحاً على الريق لمدة شهر ونصف .
باب
الأكل والشرب بالشمال
ورد النهي عن الأكل والشرب بالشمال، وفيه تشبيه بالشيطان .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يأكُلنَّ أحدكم بشمالهِ، ولا يشْرَبَنَّ بها، فإنَّ الشيطانَ يأكلُ بشمالِهِ ويشربُ بِها".
قال: وكان نافعُ يزيد فيها: "ولا يأخُذْ بها، ولا يُعْطِ بها" (1) .
قال الصنعاني: أنه من أدلة تحريم الأكل بالشمال وإن ذهب الجماهير إلى
كراهته. (2) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليأكل أحدُكم بيمينه، وليشرب بيمينه، وليأخذ بيمينهِ، وليُعْطِ بيَمينهِ، فإن الشيطان يأكل بشمالِهِ، ويشرب بشِمالهِ، ويُعطي بشِمالهِ، ويأخذ بشِمالِه" (3) .
قال ابن الجوزي: لما جُعلت الشمال للاستنجاء ومباشرة الأنجاس، واليُمنى لتناول الغذاء، لم يصلح استعمال أحدهما في شغل الأخرى لأنه حطاًّ لرتبة ذي الرتبة، ورفع للمحطوط، فمن خالف ما اقتضته الحكمة وافق الشيطان.أ.هـ. (4)
النهي عن النفخ في الإناء والشرب من في السقاء ومن ثلمة القدح
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (2020)، والبخاري في الأدب المفرد برقم (1089)، والترمذي بدون الزيادة.
(2) سبل السلام (3/160) .
(3) رواه ابن ماجة. وقال الألباني صحيح لغيره، صحيح الترغيب برقم (214) ، والصحيحة برقم (1236).
(4) كشف المشكل (3/594) .(3/44)
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النفخ في الشراب".
فقال رجلٌ: القذاة أراها في الإناءِ ؟ فقال: "أهرقها".
قال: فإني لا أروى من نَفَسٍ واحدٍ ؟
قال: "فَأبِنِ القَدحَ إذاً عَنْ فيكَ ثم تَنَفَّسْ" (1) .
وعنه قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنِ الشربِ من ثُلْمَةِ القَدحِ، وأن يُنفَخَ في الشرابِ" (2) .
قال الألباني رحمه الله: (ثلمة القدح) أي: موضع الكسر منه كما جاء مصرحاً بذلك في حديث آخر، والظاهر أن ذلك لما قد يخشى أن يتجمع في الثلمة من الأوساخ والجراثيم، فيتسرب شيء منها إلى الجوف إذا شرب منها، فالنهي طبي دقيق، والله أعلم. انظر الحديث (2689ـ الصحيحة).أ.هـ (3) .
وعن ثمامة عن أنس: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتنفس في الإناء ثلاثاً" (4) .
قال الحافظ عبد العظيم: "وهذا محمول على أنه كان يبين القدح عن فيه كل مرة، ثم يتنفس كما جاء في حديث أبي سعيد المتقدم، لا أنه كان يتنفس في الإناء"أ.هـ.
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - الله عنهما: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يُتَنَفَّسَ في الإناءِ، ويُنفَخَ فيهِ" (5) .
ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يشربَ الرجلُ مِنْ فِي السقاءِ، وأن يَتَنَفَّسَ في الإناءِ" (6)
__________
(1) رواه الترمذي برقم (1887) وقال: حديث حسن صحيح، وأحمد برقم (10819)، ومالك (1718) واللفظ له. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2115)، والصحيحة برقم (386).
(2) رواه أبو داود، وابن حبان في صحيحه، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب رقم (2116)، والصحيحة رقم (2689).
(3) صحيح الترغيب (2/294).
(4) رواه مسلم، ورواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح .
(5) رواه أبو داود وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2117).
(6) صحيح الترغيب (2/494).(3/45)
قال الحافظ: "وروى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي النهي عن التنفس في الإناء من حديث أبي قتادة" أ.هـ.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اخْتِناثِ الأسْقِيَة، يعني أن يُكْسَر أفْواهُها فيشرَبَ مِنها" (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يُشرَب مِنْ فِي السقاء" (2) .
وزاد الحاكم: فأنبئت أن رجلاً شرِبَ من في السقاء فخرجت حية.
وعن أنس - رضي الله عنه - : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يَتنفَّسُ في الإناءِ ثلاثاً. ويقول: "هو أَمْرأُ وأرْوَى" (3) .
باب
فوائد الثوم والبصل
روى أبو داود في «سننه»: عن عائشة رضي الله عنها أنها سُئلَت عن البصل، فقالت: "إن آخرَ طعام أكلهُ رسولُ الله كَانَ فيه بَصَلٌ". (4)
وثبت عنه في «الصحيحين» أنه منع آكلَه من دُخُول المَسجد.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأشربة برقم (5625)، ومسلم في كتاب الأشربة برقم
(2023).
(2) رواه البخاري في كتاب الأشربة برقم (5628).
(3) رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2119).
(4) قال الشيخ شعيب: أخرجه أحمد (6/89)، وأبو داود برقم (3829)، وسنده ضعيف. الآداب الشرعية (3/132) طبعة مؤسسة الرسالة .(3/46)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: والبصل: حار في الثالثة، وفيه رطوبة فضلية ينفعُ من تغير المياه، ويدفعُ ريحُ السموم، ويفتق الشهوة، ويقوي المعدة، ويُهيج الباه، ويزيد في المني، ويحسن اللون، ويقطع البلغم، ويجلُو المعدة، وبزره يذهب البهق، ويدلك به حول داء الثعلب، فينفع جداً، وهو بالملح يقلع الثآليل، وإذا شمهُ مَن شرب دواء مسهلاً منعه من القيء والغثيان، وأذهب رائحة ذلك الدواء، وإذا استُعطَ بمائه، نقى الرأس، ويُقطر، ويُقطر في الأذن لثقل السمع والطنين والقيح، والماء الحادث في الأذنين، وينفع من الماء النازل في العينين واكتحالاً يُكتحل ببزره مع العسل لبياض العين، والمطبوخ منه كثيرُ الغذاء ينفع من اليرقان والسُّعال، وخشونة الصدر، ويُدر البول، ويلين الطبع، وينفع من عضة الكلب غير الكَلب إذا نُطلَ عليها ماؤه بملح وسَذَاب، وإذا احتُمل، فتح أفواهَ البواسير.
وأما ضررُه؛ فإنه يُورث الشقيقة، ويُصدع الرأس، ويُولد أرياحاً، ويظلم البصر، وكثرةُ أكله تُورث النسيان، ويُفسد العقل، ويُغير رائحةَ الفم والنكهة، ويؤذي الجليس، والملائكة، وإماتته طبخاً تذهب بهاذه المضرات منه.
وفي السنن: أنه أمَرَ آكلَ الثُّوم أَن يُميتَهُا طبخاً ويذهب رائحته مضغ ورق السذَاب عليه. (1)
وقال عن الثوم: هو قريب من البصل، وفي الحديث: «مَن أَكَلَهُمَا فَليُمتهُمَا طبخاً». وأهدي إليه طعام فيه ثومٌ، فأرسل به إلى أبي أيوب الأنصاري، فقال: يا رسولَ الله، تكرهه وترسلُ به إلي فقال: «إني أُنَاجي مَن لاَ تُنَاجي».
__________
(1) زاد المعاد/ الطب النبوي .(3/47)
وبعد فهو حار يابس في الرابعة، يُسخن تسخيناً قوياً، ويُجفف تجفيفاً بالغاً، نافع للمبرودين، ولمن مزاجه بلغمي ولمن أشرف على الوقوع في الفالج، وهو مجفف للمني، مفتح للسدد، محلل للرياح الغليظة، هاضم للطعام، قاطعٌ للعطش، مطلق البطن، مُدر للبول، يقوم في لسع الهوام وجميع الأورام الباردة مقام الترياق، وإذا دُق وعمل منه ضماد على نهش الحيات، أو على لسع العقارب، نفعها وجذب السمومَ منها، يُسخن البدن، ويزيد في حرارته، ويقطع البلغم، ويُحلل النفخ، ويُصفي الحلق، ويحفظ صحة أكثر الأبدان، وينفع من تغير المياه، والسعال المزمن، ويؤكل نيئاً ومطبوخاً ومشوياً، وينفع من وجع الصدر من البَرد، ويُخرج العلق من الحلق وإذا دُق مع الخل والملح والعسل، ثم وضع على الضرس المتأكل، فتتَهُ وأسقطه، وعلى الضرس الوجع، سكن وجعه. وإن دُق منه مقدار درهمين، وأخذ مع ماء العسل، أخرج البلغم والدود، وإذا طُلي بالعسل على البهق، نفع.
ومن مضاره: أنه يُصدع، ويَضُرُّ الدماغَ والعينَين، ويُضعف البصر والباه، ويعطش، ويهيجُ الصفراء، ويجيف رائحة الفم، ويذهب رائحته أن يُمضغ عليه ورقُ السذاب. (1)
باب
حرمة التداوي بالأشياء النجسة والمحرمة
ثبت في الكتاب والسنة النهي عن التداوي بالأشياء النجسة والمحرمة .
__________
(1) زاد المعاد في الطب النبوي .(3/48)
قال الله تعالى: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الأُمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ في التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاَْغْلَالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِى? أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } . (1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها».
وعن أم الدرداء: قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله أنزل الدواء، وأنزل الداء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام». (2)
وعن أبي هريرة قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدواء بالخبيث»، وفي لفظ: يعني: السم . (3)
وعن عبد الرحمن بن عثمان قال: «ذكر طبيب عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دواء، وذكر الضفدع تجعل فيه، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل الضفدع». (4)
وقال عبد الله بن مسعود في السكر: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» ذكره البخاري في صحيحه. وقد رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ،
وعن وائل بن حجر أن طارق بن سويد الجعفي. سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر، فنهاه عنها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: «إنه ليس بدواء، ولكنه داء». (5)
__________
(1) سورة الأعراف آية (157) .
(2) رواه الطبراني، صحيح الجامع رقم (1762) .
(3) رواه أحمد وابن ماجة والترمذي.صحيح الجامع رقم (6878) .
(4) رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، صحيح الجامع رقم (6971) .
(5) رواه الإمام أحمد، ومسلم في صحيحه.(3/49)
قوله: ليس بدواء ولكنه داء: فيه التصريح بأن الخمر ليست بدواء فيحرم التداوي بها كما يحرم شربها وكذلك سائر الأمور النجسة أو المحرمة وإليه ذهب الجمهور. (1)
وقال الإمام أبو عبد الله المازري: ذهب جمهور العلماء من السلف وغيرهم إلى أن كل ما يسكر نوعه حرم شربه قليلا كان أو كثيرا نيئا كان أو مطبوخا ولا فرق بين المستخرج من العنب أو غيره وإن من شرب شيئا من ذلك حد فأما المستخرج من العنب المسكر النيئ فهو الذي انعقد الإجماع على تحريم قليله وكثيره ولو نقطة منه . (2)
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن المريض إذا قالت له الأطباء: ما لك دواء غير أكل لحم الكلب، أو الخنزير. فهل يجوز له أكله، وإذا وصف له الخمر أو النبيذ: هل يجوز شربه مع هذه النصوص أم لا؟
فأجاب: لا يجوز التداوي بالخمر وغيرها من الخبائث، لما رواه وائل بن حجر أن طارق بن سويد الجعفي. سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر، فنهاه عنها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: «إنه ليس بدواء، ولكنه داء» رواه الإمام أحمد، ومسلم في صحيحه.
ثم ذكر النصوص التي ذكرناها آنفاً فقال: فهذه النصوص وأمثالها صريحة في النهي عن التداوي بالخبائث، مصرحة بتحريم التداوي بالخمر إذ هي أم الخبائث، وجماع كل إثم.
والخمر اسم لكل مسكر، كما ثبت بالنصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رواه مسلم في صحيحه، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام» وفي رواية «كل مسكر حرام».
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: قلت: يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن: البتع، وهو من العسل، ينبذ حتى يشتد، والمزر: وهو من الذرة والشعير، ينبذ حتى يشتد؟ وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أعطى جوامع الكلم، فقال: «كل مسكر حرام».
__________
(1) نيل الأوطار (9/94).
(2) تفسير القرطبي (6/295) .(3/50)
وكذلك في الصحيحين عن عائشة قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البتع. وهو نبيذ العسل ـ وكان أهل اليمن يشربونه، فقال: «كل شراب أسكر فهو حرام». ورواه مسلم في صحيحه، والنسائي، وغيرهما: عن جابر أن رجلاً من حبشان من اليمن «سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة، يقال له: المزر، فقال: أمسكر هو؟ قال: نعم، فقال: «كل مسكر حرام، إن على الله عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال» الحديث. فهذه الأحاديث المستفيضة صريحة بأن كل مسكر حرام، وأنه خمر من أي شيء كان، ولا يجوز التداوي بشيء من ذلك.
وأما قول الأطباء: أنه لا يبرأ من هذا المرض إلا بهذا الدواء المعين. فهذا قول جاهل، لا يقوله من يعلم الطب أصلاً، فضلاً عمن يعرف الله ورسوله، فإن الشفاء ليس في سبب معين يوجبه في العادة، كما للشبع سبب معين يوجبه في العادة، إذ من الناس من يشفيه الله بلا دواء، ومنهم من يشفيه الله بالأدوية الجثمانية، حلالها وحرامها، وقد يستعمل فلا يحصل الشفاء لفوات شرط، أو لوجود مانع، وهذا بخلاف الأكل فإنه سبب للشبع. ولهذا أباح الله للمضطر الخبائث أن يأكلها عند الاضطرار إليها في المخمصة، فإن الجوع يزول بها، ولا يزوال بغيرها، بل يموت أو يمرض من الجوع، فلما تعينت طريقاً إلى المقصود أباحها الله، بخلاف الأدوية الخبيثة.
بل قد قيل: من استشفى بالأدوية الخبيثة كان دليلاً على مرض في قلبه، وذلك في إيمانه، فإنه لو كان من أمة محمد المؤمنين لما جعل الله شفاءه فيما حرم عليه، ولهذا إذا اضطر إلى الميتة ونحوها وجب عليه الأكل في المشهور من مذاهب الأئمة الأربعة، وأما التداوي فلا يجب عند أكثر العلماء بالحلال، وتنازعوا: هل الأفضل فعله؟ أو تركه على طريق التوكل؟.(3/51)
ومما يبين ذلك أن الله لما حرم الميتة والدم ولحم الخنزير، وغيرها، لم يبح ذلك إلا لمن اضطر إليها غير باغ ولا عاد، وفي آية أخرى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالاَْزْلاَمِ ذالِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . (1) ومعلوم أن المتداوي غير مضطر إليها، فعلم أنها لم تحل له.
وأما ما أبيح للحاجة لا لمجرد الضرورة: كلباس الحرير. فقد ثبت في الصحيح: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للزبير، وعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير، لحكة كانت بهما» وهذا جائز على أصح قولي العلماء؛ لأن لبس الحرير إنما حرم عند الاستغناء عنه. ولهذا أبيح للنساء لحاجتهن إلى التزين به، وأبيح لهن التستر به مطلقاً فالحاجة إلى التداوي به كذلك، بل أولى، وهذه حرمت لما فيها من السرف والخيلاء والفخر، وذلك منتف إذا احتيج إليه، وكذلك لبسها للبرد: أو إذا لم يكن عنده ما يستتر به غيرها.اهـ. (2)
__________
(1) سورة المائدة آية (3).
(2) مجموع الفتاوى (24/271) .(3/52)
وقال ابن مفلح الحنبلي: وتحرمُ المداواة والكحل بكل نجس وطاهر محرم أو مضر ونحوه، وبسماع الغناء والملاهي ونحو ذلك، نصَّ عليه ، وقال في رواية أبي طالب ، وذكر له قول أبي ثور يتداوى بالخمر فقال : هذا قول سوءٍ، وذكر له أن فتى اعتلَّ فوصفوا له دواءً يشربه بنبيذ، فأبى الفتى أن يشربه، فحلف الرجلُ بالطلاق من امرأته ثلاثاً إن لم يشربه؟ فقال: لا يشربه، حرامٌ شربه.اهـ. (1)
باب
النهي عن لحوم الحمر الأهلية
عن أنس بن مالكٍ - رضي الله عنه - «أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - جاءَهُ جاءٍ فقال: أُكِلَتِ الحمر. ثم جاءَهُ جاء فقال: أُكلَت الحمر. ثم جاءهُ جاءٍ فقال: أُفْنِيَتِ الحمر. فأمرَ مُنادياً فنادَى في الناس: إن الله ورسولَهُ يَنهَيانكم عن لحوم الحمر الأهلية. فإنها رِجْس. فأُكفِئَتِ القُدُورُ، وإِنها لتَفورُ باللحم». (2)
وعَنْ عَلِيَ ، "أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ". (3)
__________
(1) الآداب الشرعية طبعة مؤسسة الرسالة .
(2) رواه البخاري برقم (5401)، باب التسمية على الصيد، ومسلم برقم(3387) ، باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية .
(3) رواه مسلم برقم (3387)، باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية .(3/53)
قال النووي : وفى رواية نهينا عن لحوم الحمر الأهلية وفى رواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أهريقوها واكسروها فقال رجل يا رسول الله أو نهريقها ونغسلها قال أو ذاك وفى رواية نادى منادي النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا أن الله ورسوله ينهيانكم عنها فانه رجس من عمل الشيطان وفى رواية ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس أو نجس فأكفئت القدور بما فيها اختلف العلماء في المسألة فقال الجماهير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم بتحريم لحومها لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة وقال ابن عباس ليست بحرام وعن مالك ثلاث روايات أشهرها أنها مكروهة كراهية تنزيه شديدة والثانية حرام والثالثة مباحة والصواب التحريم كما قاله الجماهير الأحاديث الصريحة.اهـ. (1)
وقال الصنعاني: والنهي عن لحوم الحمر الأهلية ثابت في حديث علي عليه السلام وابن عمر وجابر بن عبد الله وابن أبي أوفى والبراء وأبي ثعلبة وأبي هريرة والعرباض بن سارية وخالد بن الوليد وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والمقدام بن معد يكرب وابن عباس وكلها ثابتة في دواوين الإسلام وقد ذكر من أخرجها في الشرح وهي دالة على تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية وتحريمها هو قول الجماهير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم لهذه الأدلة. (2)
وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - أن امرأة ذبحت شاة بحجر فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فأمر بأكلها رواه البخاري الحديث دليل على صحة تذكية المرأة وهو قول الجماهير وفيه خلاف شاذ أنه يكره ولا وجه له. (3)
باب
اللجوء إلى الله في كل الأمور
__________
(1) شرح مسلم (13/91) .
(2) سبل السلام (1/35)، ونيل الأوطار (1/80) .
(3) سبل السلام (4/86) .(3/54)
هذا وعلى العبد أن يلتجئ إلى الله سبحانه وتعالى في كل أموره وفي السر والعلن ويدعوه في جوف الليل والنهار وعند السجود وفي كل وقت ويتضرع إليه، ويظهر الخضوع التذلل والافتقار إليه سبحانه وتعالى، ومن الدعاء المأثور :
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أصاب أحداً قط همٌّ ولا حَزَن فقال: " اللهم إني عبدك وابن عبدك ، وابن أمتك ، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك ، عدلٌ فيَّ قضاؤك ، أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري ، وجلاء حزني، وذهاب همي".
إلا أذهب الله عز وجل هَمَّهُ، وأبدَلَهُ مكان حزنِهِ فرحاً" قالوا: يا رسول الله! ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات ؟ قال: " أجل : ينبغي لمن سَمِعَهُنَّ أن يتعلمَهُنَّ" (1)
قال ابن تيمية: فقد بيّن أن كل قضائه في عبده عدل؛ ولهذا يقال: كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل. ويقال: أطعتك بفضلك والمنّة لك، وعصيتك بعلمك ـ أو بعدلك ـ والحجة لك، فأسألك بوجوب حجتك علي وانقطاع حجتي إلا ما غفرت لي. (2) .
__________
(1) رواه أحمد والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه، والحاكم، وكلهم عن أبي سلمة الجهني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود ، وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن عن أبيه،وصححه الألباني في الصحيحة برقم (199)، وصحيح الترغيب برقم (1822).
(2) مجموع الفتاوى (18/129) .(3/55)
وفي «سنن أبي داود» عن أبي سعيد الخدري، قال: دخل رسول الله ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال: «يا أبَا أُمَامَة مَا لي أَرَاكَ في المَسجد في غَير وَقت الصلاَة» فقال: همومٌ لَزمَتني، وديونٌ يا رسولَ الله، فقال: «أَلاَ أَعَلمُكَ كَلاَماً إذَا أَنتَ قُلتَهُ أَذهَبَ اللهُ عَز وجَل هَمكَ وَقَضَى دَينَكَ» قال: قلتُ: بلى يا رسولَ الله، قال: «قُل إذَا أَصبَحتَ وَإذَا أَمسَيتَ: اللهُم إني أَعُوذُ بكَ منَ الهَم والحَزَن، وَأَعُوذُ بكَ منَ العَجز والكَسَل، وأَعُوذُ بكَ منَ الجُبن والبُخل، وأَعُوذُ بكَ من غَلَبَة الدين وَقَهر الرجَال»، قال: ففعلتُ ذلك، فأذهب الله عز وجل همي، وقضى عني ديني". (1) .
وفي «سنن أبي داود» عن ابن عباس، قال: قال رسول الله : «مَن لَزمَ الاستغفَارَ، جَعَلَ اللهُ لَهُ من كُل هَمَ فَرَجاً، ومن كُل ضيقٍ مَخرَجاً، وَرَزَقَهُ من حَيثُ لاَ يَحتَسب».
وفي «المسند» أن النبي كان إذا حَزَبَه أمرٌ، فَزعَ إلى الصلاة، وقد قال تعالى: { واستَعينُوا بالصبر والصلاة } . (2)
وفي «السنن»: «عَلَيكُم بالجهَاد، فإنهُ بَابٌ من أبواب الجَنة، يَدفَعُ اللهُ به عَن النُّفُوس الهَم والغَم».
ويذكر عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : «مَن كَثُرَت هُمُومُهُ وغُمُومُهُ، فَليُكثر من قَول: لاَ حَولَ وَلاَ قُوةَ إلا بالله». (3) .
وثبت في «الصحيحين» "أنها كنز من كنوز الجنة".
وفي «الترمذي»: «أنها بابٌ من أبواب الجنة».
__________
(1) أخرجه أبو داود في آخر كتاب الصلاة برقم (1555) من طريق أحمد بن عبيد الله الغداني.
(2) سورة البقرة الآية (45) .
(3) رواه البخاري برقم (4205 و 6384 و 6409 و 6610 و 7386) ، ورواه ومسلم برقم (2704) و (6802).(3/56)
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" فإنه لم يدعُ بها رجلٌ مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له". (1)
وفي رواية أخرى: "ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من أمر الدنيا دعا به ففرج عنه؟ دعاء ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين". (2)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وأما دعوة ذي النون فإن فيها من كمال التوحيد والتنزية للرب تعالى واعتراف العبد بظلمة وذنبه ما هو من أبلغ أدوية الكرب والهم والغم وأبلغ الوسائل إلى الله سبحانه في قضاء حوائجه ، فإن التوحيد والتنزيه يتضمنان إثبات كل كمال لله وسلب كل نقص وعيب وتمثيل عنه، والاعتراف بالظلم يتضمن إيمان العبد بالشرع والثواب والعقاب ويوجب انكساره ورجوعه إلى الله واستقالة عثرته والاعتراف بعبوديته وافتقاره إلى ربه ، فمنها أربعة أمور قد وقع التوسل بها التوحيد والتنزيه والعبودية
والاعتراف . اهـ. (3)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب: " لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله ربّ العرش العظيم ، لا إله إلا الله ربُّ السماوات والأرض وربّ العرش الكريم" (4) .
__________
(1) رواه الترمذي واللفظ له ، والنسائي والحكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1826)، وصحيح الجامع رقم (3383) .
(2) صحيح الجامع رقم (2605) .
(3) حاشية ابن القيم (1/162) .
(4) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6346) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2730).(3/57)
قال المناوي : كان يدعو عند الكرب ، أي عند حلوله يقول لا إله إلا اللّه العظيم الذي لا شيء يعظم عليه الحليم الذي يؤخر العقوبة مع القدرة لا إله إلا اللّه رب العرش العظيم ، وفي رواية بدل العظيم والكريم المعطي تفضلاً روي برفع العظيم والكريم على أنهما نعتان للرب، والثابت في رواية الجمهور الجر نعت للعرش .
قال الطيبي: صدر الثناء بذكر الرب ليناسب كشف الكرب لأنه مقتضى التربية لا إله إلا اللّه رب السماوات السبع ورب الأرض ورب العرش الكريم ، قالوا هذا دعاء جليل ينبغي الاعتناء به والإكثار منه عند العظائم فيه التهليل المشتمل على التوحيد ، وهو أصل التنزيهات الجلاليه والعظمة الدالة على تمام القدرة والحلم الدال على العلم إذ الجاهل لا يتصور منه حلم ولا كرم ، وهما أصل الأوصاف الإكرامية .
قال الإمام ابن جرير: كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب، وهو وإن كان ذكراً لكنه بمنزلة الدعاء لخبر من شغله ذكري عن مسئلتي. اهـ .
وأشار به إلى رد ما قيل هذا ذكر لا دعاء ولما كان في جواب البعض بأن المراد أنه يفتتح دعاءه به فائدة : قال ابن بطال: عن أبي بكر الرازي كنت بأصبهان عند أبي نعيم وهناك شيخ يسمى أبا بكر عليه مدار الفتيا فسعى به عند السلطان فسجن فرأيت المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في المنام وجبريل عن يمينه يحرك شفتيه بالتسبيح لا يفتر فقال لي المصطفى صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم: قل لأبي بكر يدعو بدعاء الكرب الذي في صحيح البخاري حتى يفرج اللّه عنه فأصبحت فأخبرته فدعا به فلم يكن إلا قليلاً حتى أخرج . اهـ .
وعن أنس - رضي الله عنه - : "كان إذا كربه أمر قال: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث" . (1)
وفي رواية عن ابن مسعود - رضي الله عنه - : "كان إذا نزل به هم أو غم قال: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث" . (2)
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (4777).
(2) صحيح الجامع حديث رقم (4791).(3/58)
وعن عمار بن ياسر، قال: كان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يدعو: "اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الإخلاص في الرضا والغضب وأسألك القصد في الفقر و الغنى وأسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع وأسألك الرضا بالقضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين" . (1)
__________
(1) رواه النسائي والحاكم، صحيح الجامع حديث رقم (1301).(3/59)
قوله: اللّهم بعلمك الغيب: قال المناوي: الباء للاستعطاف والتذلل أي أنشدك بحق علمك ما خفي على خلقك مما استأثرت به وقدرتك على الخلق أي جميع المخلوقات من إنس وجن وملك وغيرها أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي عبر بما في الحياة لاتصافه بالحياة حالاً وبإذا الشرطية في الوفاة لانعدامها حال التمني أي إذا آل الحال أن تكون الوفاة بهذا الوصف فتوفني اللّهم وأسألك خشيتك عطف على محذوف واللّهم معترضة في الغيب والشهادة أي في السر والعلانية أو المشهد والمغيب فإن خشية اللّه رأس كل خير والشأن في الخشية في الغيب لمدحه تعالى من يخافه بالغيب وأسألك كلمة الإخلاص أي النطق بالحق في الرضا والغضب أي في حالتي رضا الخلق مني وغضبهم علي فيما أقوله فلا أداهن ولا أنافق أو في حالتي رضاي وغضبي بحيث لا تلجئني شدّة الغضب إلا النطق بخلاف الحق ككثير من الناس إذا اشتد غضبه أخرجه من الحق إلى الباطل وأسألك القصد أي التوسط في الغنى والفقر وهو الذي ليس معه إسراف ولا تقصير فإن الغنى يبسط اليد ويطفىء النفس والفقر يكاد أن يكون كفراً فالتوسط هو المحبوب المطلوب وأسألك نعيماً لا ينفد أي لا ينقضي وذلك ليس إلا نعيم الآخرة وأسألك قرة عين بكثرة النسل المستمر بعدي أو بالمحافظة على الصلاة لقوله وجعلت قرة عيني في الصلاة لا تنقطع بل تستمر ما بقيت الدنيا وقيل أراد قرّة عينه أي بدوام ذكره وكمال محبته والأنس به. قال بعضهم: من قرت عينه باللّه قرت به كل عين وأسألك الرضا بالقضاء أي بما قدرته لي في الأزل لأتلقاه بوجه منبسط وخاطر منشرح وأعلم أن كل قضاء قضيته خير فلي فيه خير .(3/60)
قال العارف الشاذلي: البلاء كله مجموع في ثلاث خوف الخلق وهم الرزق والرضا عن النفس والعافية والخير مجموع في ثلاث الثقة باللّه في كل شيء والرضا عن اللّه في كل شيء واتقاء شرور الناس ما أمكن وأسألك برد العيش بعد الموت برفع الروح إلى منازل السعداء ومقامات المقربين والعيش في هذه الدار لا يبرد لأحد بل محشو بالغصص والنكد والكدر ممحوق بالآلام الباطنة والأسقام الظاهرة وأسألك لذة النظر إلى وجهك أي الفوز بالتجلي الذاتي الأبدي الذي لا حجاب بعده ولا مستقر للكمل دونه وهو الكمال الحقيقي قيد النظر باللذة لأن النظر إلى اللّه إما نظر هيبة وجلال في عرصات القيامة أو نظر لطف وجمال في الجنة إيذاناً بأن المسؤول هذا والشوق إلى لقائك . (1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكلما كان الشيء أحب كانت اللذة بنيله أعظم، وهذا متفق عليه بين السلف والأئمة ومشائخ الطريق. كما روى عن الحسن البصري إنه قال: لو علم العابدون بأنهم لا يرون ربهم في الآخرة لذابت نفوسهم في الدنيا شوقا إليه، وكلامهم في ذلك كثير. (2)
وقال ابن قيم الجوزية: جمع في هذا الدعاء بين أطيب ما في الدنيا وهو الشوق إلى لقائه وأطيب ما في الآخرة وهو النظر إليه ولما كان كلامه موقوفاً على عدم ما يضر في الدنيا ويفتن في الدين قال في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.اهـ. (3)
__________
(1) فيض القدير .
(2) مجموع الفتاوى (6/41) .
(3) إغاثة اللهفان (1/33) .(3/61)
وقال الطيبي: متعلق الظرف مشكل ولعله يتصل بالقرينة الأخيرة وهي الشوق إلى لقائك. سأل شوقاً إليه في الدنيا بحيث يكون في ضراء غير مضرة أي شوقاً لا يؤثر في سلوكي وإن ضرني مضرة ما، قال: إذا قلت أهدى الهجر لي حلل البلا * تقولين لولا الهجر لم يطب الحب وإن قلت كربي دائم قلت إنما * يعد محباً من يدوم له كرب ويجوز اتصاله بقوله أحيني إلى آخره. ومعنى ضراء مضرة: الضر الذي لا يصبر عليه ولا فتنة مضلة أي موقعة في الحيرة مفضية إلى الهلاك وقال القونوي: الضراء المضرة حصول الحجاب بعد التجلي والتجلي بصفة تستلزم سدل الحجب والفتنة المضلة كل شبهة توجب الخلل أو تنقص في العلم والشهود اللّهم زينا بزينة الإيمان وهي زينة الباطن ولا معول إلا عليها لأن الزينة زينتين زينة البدن وزينة القلب وهي أعظمها قدراً وإذا حصلت حصلت زينة البدن على أكمل وجه في العقبى ولما كان كمال العبد في كونه عالماً بالحق متبعاً له معلماً لغيره قال واجعلنا هداة مهتدين وصف الهداة بالمهتدين لأن الهادي إذا لم يكن مهتدياً في نفسه لم يصلح كونه هادياً لغيره لأنه يوقع الناس في الضلال من حيث لا يشعر وهذا الحديث أفرد بالشرح.اهـ. (1)
??????
كتاب المواعظ
والتوبة والزهد
اعلم أخي رحمك الله أن كل ما في الكون من المخلوقات مصيرها إلى الفناء والزوال، وإنك ميت لا محالة . قال الله تعالى: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ } . (2)
والسعيد من يخرج من هذه الدنيا وقد أخذ معه أعماله الصالحة من صلاة، وصيام، وصدقة، وغيرها من الأعمال وأهمها التوحيد الخالص لله تعالى .
__________
(1) فيض القدير .
(2) سورة الرحمن الآية (26-27) .(3/62)
قال رسول الله @: "أتاني جبريل فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس" . (1)
قوله @:"أتاني جبريل فقال لي يا محمد" قال المناوي: خاطبه به دون رسول الله أو النبي @ لأنه المناسب لمقام الوعظ والتذكير والإيذان بفراق الأحباب والخروج من الدنيا ودخول الآخرة والحساب والجزاء وبدأ بذكر الموت لأنه أفظع ما يلقاه الإنسان وأبشعه فقال: عش ما شئت فإنك ميت. (2)
وفي رواية عن جابر >، عن رسول الله @ : "قال لي جبريل: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت و أحبب من شئت فإنك مفارقه و اعمل ما شئت فإنك ملاقيه". (3)
__________
(1) الحديث رواه الطيالسي والبيهقي والحاكم والشيراز في الألقاب، عن سهل بن سعد، وجابر، صحيح الجامع حديث رقم(73)، والسلسلة الصحيحة رقم(1312).
(2) فيض القدير .
(3) رواه الطيالسي والبيهقي عن جابر - رضي الله عنه - . صحيح الجامع حديث رقم (4355).(3/63)
والمعنى فليتأهب من غايته للموت بالاستعداد لما بعده ومن هو راحل عن الدنيا كيف يطمئن إليها فيخرب آخرته التي هو قادم عليها وقال ابن الحاجب: هذا تسمية للشيء بعاقبته نحو لدو للموت وابنوا للخراب وأحبب من شئت فإنك مفارقه، أي تأمل من تصاحب من الإخوان عالماً بأنه لا بد من مفارقته فلا تسكن إليه بقلبك ولا تطعه فيما يعصي ربك فإنه لا بد من فرقة الأخلاء كلهم إلى يوم قيل فيه { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلا المتقين } (1) فإن كان ولا بد فأحبب في اللّه من يعينك على طاعة الحق تعالى ولا تعلق قلباً عرف مولاه بمحبة سواء قال بعض العارفين: من أحب بقلبه من يموت مات قلبه قبل أن يموت، واعمل ما شئت، مبالغة في التقريع والتهديد من قبيل { اعملوا ما شئتم } يجازيكم به فإن كان العمل حسناً سرك جزاؤه أو سيئاً ساءك لقاؤه، فإنك ملاقيه، قال الغزالي: هذا تنبيه على أن فراق المحبوب شديد فينبغي أن تحب لا يفارقك وهو اللّه ولا تحب من يفارقك وهو الدنيا فإنك إذا أحببت الدنيا كرهت لقاء اللّه فيكون قدومك بالموت على ما تكرهه وفراقك لما تحبه وكل من فارق محبوباً أذاه في فراقه بقدر حبه وأنسه وأنس الواحد للدنيا أكثر من أنس فاقدها وأنشدوا: يافرقة الأحباب لا بد لي منك * ويا دار دنيا إنني راحل عنك ويا قصر الأيام مالي وللمنى* ويا سكرت الموت ما لي وللضحك وما لي لا أبكي لنفسي بعبرة * إذا كنت لا أبكي لنفسي فمن يبك ألا أي حي ليس للموت موقناً * وأي يقين منه أشبه بالشك. فائدة قال ابن السمعاني: سمعت إمام الحرمين يقول كنت بمكة فرأيت شيخاً من أهل المغرب يطوف ويقول: تمتع بالرقاد على شمال فسوف يطول نومك باليمين ومتع من يحبك من تلاق * فأنت من الفراق على يقين. (2)
ودخلت عائشة أم المؤمنين < على أبيها أبي بكر الصديق > وهو في سكرات الموت، فقالت:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى
__________
(1) سورة الزخرف (67) .
(2) فيض القدير .(3/64)
إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدروا
فقال لها: ليس كذلك ولكن قولي : { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ } . (1)
وعن زيد بن ثابت > قال: سمعت رسول الله @ يقول: "من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في لبه وأتته الدنيا وهي راغبة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له" (2) .
وعن عبد الله بن الشخير - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ { ألهاكم التكاثر } (3) قال: "يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت" (4) .
وقال عثمان - رضي الله عنه - : الدنيا دار ممر لا دار مقر، والناس فيها رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها، ورجل باع نفسه فاعتقها .
وقال أيضاً: مثل الدنيا كمثل الحية لين لمسها وفي جوفها السم الناقع يهوي إليها الصبي الجاهل، ويحذرها ذو اللب الحاذر .
وصدق من قال: الدنيا إذا حَلَت أوحَلَت، وإذا أوجلت جلت، وإذا أينعت نعت، وإذا أدبرت برت، وإذا أوكست كست، وكم من ملك رفعت له علامات فلما علا مات .
وعن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال: "أزهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما أيدي الناس يحبك الناس". (5)
__________
(1) سورة ق آية (19) .
(2) رواه ابن ماجة بإسناد صحيح (4105)، والطبراني وابن حبان، وصححه الألباني رحمه الله في الصحيحة برقم (950) من حديث زيد بن ثابت.
(3) سورة التكاثر آية (1) .
(4) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2958).
(5) رواه ابن ماجة والبيهقي، الصحيحة رقم (942)، وصحيح الجامع (1/935).(3/65)
وعن جابرٍ - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بالسوق والناس على كنفتية فمد بجديٍ أسك ميت فتناوله بأذنه ثم قال: "أيكم يحب أن هذا له بدرهم"؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيءٍ وما نصنع به؟ قال: "أتحبون أنه لكم"؟ قالوا: والله لو كان حياً كان عيباً فيه لأنه أسك فكيف وهو ميت فقال: "والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم" (1) .
الأسك: الصغير الأذن.
وعن المستورد أخي بني فهرٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم – وأشار يحيى بن يحيى بالسبابة فلينظر بم يرجع" (2)
ولله در القائل: في طلب الدنيا ذل النفوس، وفي طلب الآخرة عز النفوس، فيا عجباً ثم يا عجباً لمن يؤثر مذلة النفوس في طلب ما يفنى على عز النفوس في طلب ما يبقى .
غير أحد الصالحين مبيته يوماً فلم ينم، فقال: غيرت مبيتِ ليلة ففارقني السكون، فأول ليلة في القبر فكيف يكون .
وعن أنس مرفوعاً: "إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا و إذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة" . (3)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2957). وسيمر معنا .
(2) رواه مسلم في كتاب الجنة برقم (2858).
(3) قال المناوي: رواه الترمذي والحاكم عن أنس، والطبراني والحاكم والبيهقي عن عبدالله بن مغفل، والطبراني عن عمار بن ياسر، وروي عن أبي هريرة . السلسلة الصحيحة رقم (1321)، وصحيح الجامع حديث رقم (308) .(3/66)
قال المناوي: عجل له العقوبة بصب البلاء والمصائب عليه، في الدنيا، جزاء لما فرط منه من الذنوب فيخرج منها وليس عليه ذنب يوافى به يوم القيامةكما يعلم من مقابلة الآتي ومن فعل ذلك معه فقد أعظم اللطف به لأن من حوسب بعمله عاجلاً في الدنيا خف جزاؤه عليه حتى يكفر عنه بالشوكة يشاكها حتى بالقلم الذي يسقط من الكاتب فيكفر عن المؤمن بكل ما يلحقه في دنياه حتى يموت على طهارة من دنسه وفراغ من جنايته كالذي يتعاهد ثوبه وبدنه بالتنظيف قاله الحراني. وإذا أراد بعبده الشر، وفي رواية شراً، أمسك عنه بذنبه، أي أمسك عنه ما يستحقه بسبب ذنبه من العقوبة في الدنيا حتى يوافى به يوم القيامة، إن لم يدركه العفو { ولعذاب الآخرة أشد وأبقى } (1) والله تعالى لم يرض الدنيا أهلاً لعقوبة أعدائه كما لم يرضها أهلاً لمثابة أحبابه، ومن هذا التقرير عرف أن الضمير المرفوع في يوافى راجع إلى الله والمنصوب، إلى العبد قال الطيبي: ويجوز عكسه والمعنى لا يجازيه بذنبه حتى يجيء في الآخرة مستوفي الذنوب وافيها فيستوفي حقه من العذاب. قال الغزالي: والذنب عبارة عن كل ما هو مخالف لأمر الله تعالى من قول أو فعل، والحديث له تتمة عند مخرجه الترمذي وهي وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط.اهـ. (2)
وعن أبي عنبة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أراد الله بعبد خيرا عسله قيل: و ما عسله؟ قال: يفتح له عملا صالحا قبل موته ثم يقبضه عليه". (3)
__________
(1) سورة طه آية (27) .
(2) فيض القدير .
(3) صحيح الجامع حديث رقم (307)، والصحيحة رقم (1322) .(3/67)
قوله: "إذا أراد الله بعبد خيراً عسله"، قال المناوي: أي طيب ثناءه بين الناس من عسل الطعام يعسله إذا جعل فيه العسل. شبه ما رزقه الله من العمل الصالح الذي طاب ذكره وفاح نشره بالعسل الذي هو الطعام الصالح الذي يحلو به كل شيء ويصلح كل ما خالطه ذكره الزمخشري، قال الحكيم الترمذي فهذا عبد أدركته دولة السعادة فأصاب حظه ومراده بعد ما قطع عمره في رفض العبودية وتعطيلها وعطل الحدود وأهمل الفرائض فلما قرب أوان شخوصه إلى الحق أدركته السعادة بذلك الحظ الذي كان سبق له فاستنار الصدر بالنور وانكشف الغطاء فأدركته الخشية وعظمت مساويه عنده فاستقام أمره فعمل صالحاً قليلاً فأعطى جزيلاً .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نصح لك جسمك و نرويك من الماء البارد ؟" . (1)
وعن رجل من بني سليم، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تعالى يبتلي العبد فيما أعطاه فإن رضي بما قسم الله له بورك له فيه و وسعه و إن لم يرض لم يبارك له و لم يزد على ما كتب له" . (2)
__________
(1) رواه الترمذي والحاكم،صحيح الجامع حديث رقم (2022)، والسلسلة الصحيحة رقم (539) .
(2) رواه أحمد وابن قانع والبيهقي، صحيح الجامع حديث رقم (1869)، السلسلة الصحيحة رقم (1658) .(3/68)
قوله: "إن اللّه تعالى يبتلي" أي يمتحن ويختبر، العبد فيما أعطاه، من الرزق ، فإن رضى بما قسم اللّه له، أي بالذي قسم له منه أو بقسمة اللّه، بورك له، بالبناء للمفعول يعني بارك اللّه له فيه، ووسعه، عليه، وإن لم يرضى، به ،لم يبرك له، فيه، ولم يزده على ما كتب له، أي قدر له في الأزل أو في بطن أمه لأن من لم يرض بالمقسوم كأنه سخط على ربه حيث لم يقسم له فوق ما قسم فاستحق حرمانه من البركة لكونه يرى نفسه أهلاً لأكثر مما قدر له واعترض على اللّه في حكمته . قال بعضهم: وهذا الداء قد كثر في أبناء الدنيا فترى أحدهم يحتقر ما قسم له ويقللّه ويقبحه ويعظم ما بيد غيره ويكثره ويحسنه ويجهد في المزيد دائماً فيذهب عمره وتنحل قواه ويهرم من كثرة الهم والتعب فيتعب بدنه ويفرق جبينه وتسود صفحته من كثرة الآثام بسبب الإنهماك في التحصيل مع أنه لا ينال إلا المقسوم فخرج من الدنيا مفلساً لا هو شاكر ولا نال ما طلب . (1)
وعن ابن عمرو، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المؤمن مثل النحلة إن أكلت أكلت طيبا و إن وضعت وضعت طيبا و إن وقعت على عود نخر لم تكسره و مثل المؤمن مثل سبيكة الذهب إن نفخت عليها احمرت و إن وزنت لم تنقص" . (2)
ومعنى إن أكلت إلخ: أي أنها لا تأكل بمرادها وما يلذ لها بل تأكل بأمر مسخرها في قوله { كلي من كل الثمرات } (3) حلوها ومرها لا تتعداه إلى غيره من غير تخليط فلذلك طاب وصفها لذة وحلاوة وشفاء فكذا المؤمن لا يأكل إلا طيباً وهو الذي حلى بإذن ربه لا بهوى نفسه فلذلك لا يصدر من باطنه وظاهره إلا طيب الأفعال وذكي الأخلاق وصالح الأعمال فلا يطمح في صلاح الأعمال إلا بعد طيب الغذاء وبقدر صفاء حله تنمو أعماله وتذكو .
__________
(1) فيض القدير .
(2) صحيح الجامع حديث رقم (5846).
(3) سورة النحل آية (11) .(3/69)
وعن أبي رزين، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل المؤمن مثل النحلة لا تأكل إلا طيبا و لا تضع إلا طيبا" . (1)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقولون وهم يحفرون الخندق :
نحن الذين بايعوا محمدا
على الجهاد ما بقينا أبدا
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:
اللهم إن الخير خير الآخرة
فاغفر للأنصار والمهاجرة
وأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخبز شعير عليه إهالة سنخة، فأكلوا منها. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إنما الخير خير الآخرة" . . (2)
وعن ثوبان، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا أما إنهم إخوانكم و من جلدتكم و يأخذون من الليل كما تأخذون و لكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها".. (3)
وفي رواية: عن ثوبان: "لا ألفين أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا أما إنهم إخوانكم و من جلدتكم و يأخذون من الليل كما تأخذون و لكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها".. (4)
وعن جابر - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت" . (5)
وعن عتبة بن عبد، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أن رجلا يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرما في مرضاة الله تعالى لحقره يوم القيامة" . (6)
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (5847) .
(2) الصحيحة رقم (1102) .
(3) صحيح الجامع حديث رقم (5028)، و الصحيحة رقم (505) .
(4) صحيح الجامع حديث رقم (7174). الصحيحة رقم (505)
(5) صحيح الجامع حديث رقم (5240) . الصحيحة رقم (952)
(6) صحيح الجامع حديث رقم (5249). الصحيحة رقم (446)(3/70)
قوله: "لو أن رجلاً يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرماً في مرضاة اللّه تعالى لحقره يوم القيامة، لما يرى وينكشف له عياناً من عظيم نواله وباهر عظائه وظاهر هذا أن الرضاء من جملة المقامات التي يتوصل إليها بالاكتساب وهو ما عليه صوفية خراسان لكن جعله الراقيون من الأحوال الوهيبة لا الكسبية وجمع بأن بدايته كسبية ونهايته وهيبة .
قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وهو جالس في فناء الكعبة: ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا، والله لو تعلمون العلم الحقيقي لصلى أحدكم حتى ينكسر ظهره، وبكى حتى ينقطع صوته .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما للتابعين: كان الصحابة قلوبهم بالخوف فرحة، وعيونهم باكية، يقولون كيف نفرح والموت وراءنا، والقبر أمامنا ، والقيامة موعدنا، وعلى الصراط مرورنا، والوقوف بين يدي الله مشهدنا ، والله أن المؤمن لا يسكن روعه ولا يهدأ خوفه حتى يترك جسر جهنم وراءه.
فعليك أخي حفظك الله تعالى: أن تعبد الله على تقوى من الله ونور من الله ترجوا ثواب الله،وتترك المعصية على تقوى من الله ونور من الله تخشى عقاب الله.
وعن عمر - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لو أنكم توكلون على الله تعالى حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا و تروح بطانا" . (1)
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (5254). الصحيحة رقم (310) .(3/71)
"تغدو خماصاً" أي ضامرة البطون من الجوع جمع خميص أي جائع، "وتروح" أي ترجع آخر النهار، "بطاناً" أي ممتلئة البطون جمع بطين أي شبعان أي تفدو بكرة وهي جياع وتروح عشاءاً وهي ممتلئة الأجواف أرشد بها إلى ترك الأسباب الدنيوية والاشتغال بالأعمال الأخروية ثقة باللّه وبكفايته فإن احتج من غلب عليه الشغف بالأسباب بأن طيران الطائر سبب في رزقه فجوابه أن الهواء لا حب فيه يلقط ولا جهة تقصد ألا ترى أنه ينزل في مواضع شتى لا شيء فيها فلا عقل له يدرك به فدل على أن طيرانه في الهواء ليس من باب طلب الرزق بل هو من باب حركة يد المرتعش لا حكم لها فيتردد في الهواء حتى يؤتى برزقه أو يؤتى به إلى رزقه هذا الذي يتعين حمل طيران الطائر عليه أعني أنه لا حكم له في الرزق ولا ينسب إليه لأن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - سماه متوكلاً مع طيرانه ولذلك مثل به والمكلف العاقل أولى بالتوكل منه سيما من دخل إلى باب الاشتغال بأفضل الأعمال بعد الإيمان وهو طلب العلم كذا قرره ابن الحاج وهو أوجه من قول البعض الحديث مسوق للتنبيه على أن الكسب ليس برازق بل الرازق هو اللّه تعالى لا للمنع عن الكسب { فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه } (1) وفيه أن المؤمن ينبغي أن لا يقصد لرزقه جهة معينة إذ ليس للطائر جهة معينة ومراتب الناس فيه مختلفة وما أحسن ما قال شيخ الإسلام الصابوني: توكل على الرحمن في كل حاجة * أردت فإن اللّه يقضي ويقدر متى ما يرد ذو العرش أمراً بعبده * يصبه وما للعبد ما يتخير وقد يهلك الإنسان من رجه أمنه * وينجو بإذن اللّه من حيث يحذر .
وعن ثوبان - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا و لسانا ذاكرا و زوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة" . (2)
__________
(1) سورة الملك آية (15) .
(2) صحيح الجامع حديث رقم (5355). الصحيحة رقم (2176) .(3/72)
قاله لما نزل في الذهب والفضة ما نزل فقالوا: فأي مال نتخذ فذكره قال حجة الإسلام : فأمر باقتناء القلب الشاكر وما معه بدلاً من المال .
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أخرج من طريق المسلمين شيئا يؤذيهم كتب الله له به حسنة و من كتب له عنده حسنة أدخله بها الجنة". (1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أراد أن يعلم ماله عند الله فلينظر ما لله عنده" . (2)
زاد الحاكم في روايته: فإن اللّه ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه فمنزلة اللّه عند العبد في قلبه على قدر معرفته إياه وعلمه به وإجلاله وتعظيمه والحياء والخوف منه وقامة الحرمة لأمره ونهيه والوقوف عند أحكامه بقلب سليم ونفس مطمئنة والتسليم له بدناً وروحاً وقلباً ومراقبة تدبيره في أموره ولزوم ذكره والنهوض بأثقال نعمه ومننه وترك مشيئته لمشيئته وحسن الظن به والناس في ذلك درجات وحظوظهم بقدر حظوظهم من هذه الأشياء فأوفرهم حظاً منها أعظمهم درجة عنده وعكسه بعكسه اهـ.
وقال ابن عطاء اللّه: إذا أردت أن تعرف مقامك عنده فانظر ما أقامك فيه فإن كان في الخدمة فاجتهد في تصحيح عبوديتك ودوام المراقبة في خدمتك لأن شرط العبودية المراقبة في الخدمة لمراد المولى وهي المعرفة لأنك إذا عرفت أنه أوجدك وأعانك واستعملك قيما شاء وأنت عاجز عرفت نفسك وعرفت ربك ولزمت طاعته ، وقال بعض العارفين : إن أردت أن تعرف قدرك عنده فانظر فيما يقيمك متى رزقك الطاعة والغنى به عنها فاعلم أنه أسبغ نعمة عليك ظاهرة وباطنة وخير ما تطلبه منه ما هو طالبه منك .
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (5985). الصحيحة رقم (2306) .
(2) رواه الدارقطني في الأفراد عن أنس، وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة وسمرة. صحيح الجامع حديث رقم (6006). الصحيحة رقم (2310) .(3/73)
وعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كانت همه الآخرة جمع الله له شمله و جعل غناه في قلبه و أتته الدنيا راغمة و من كانت همه الدنيا فرق الله عليه أمره و جعل فقره بين عينيه و لم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له" . (1)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له". (2)
وعن كعب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه». (3)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فحرص الرجل على المال والشرف يوجب فساد الدين، فأما مجرد الحب الذي في القلب إذا كان الإنسان يفعل ما أمره الله به، ويترك ما نهى الله عنه. ويخاف مقام ربه، وينهى النفس عن الهوى، فإن الله لا يعاقبه على مثل هذا إذا لم يكن معه عمل، وجمع المال، إذا قام بالواجبات فيه ولم يكتسبه من الحرام، لا يعاقب عليه؛ لكن اخراج فضول المال، والاقتصار على الكفاية أفضل واسلم، وأفرغ للقلب، وأجمع للهم، وأنفع في الدنيا والآخرة. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «من أصبح والدنيا أكبر همه شتت الله عليه شمله، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن أصبح والآخرة أكبر همه جعل الله غناه
في قلبه، وجمع عليه ضيعته وأتته الدنيا وهي راغمة».اهـ. (4)
__________
(1) صحيح الجامع حديث رقم (6516). الصحيحة رقم (950) .
(2) صحيح الجامع حديث رقم (6510). الصحيحة رقم (949) .
(3) رواه أحمد والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن. صحيح الجامع حديث رقم (5620) .
(4) مجموع الفتاوى (11/106) .(3/74)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ليس للعاقل ثمن إلا الجنة، ولا للمحب مستراح إلا تحت شجرة طوبى , ولا للعابد قرار إلا يوم مزيد , لا تبذل نفسك إلا فيما هو أعلى منها، ولن يكون ذلك إلا في الله عزوجل , وباذل نفسه في عرض من أعراض الدنيا كبائع الياقوت بالحصى .
باب
ثواب التوبة إلى الله تعالى
قال الله تعالى : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } . (1)
التوبة: هي الندم على ما مضى من المعاصي والذنوب والعزم على تركها دائماً لله عزوجل ، لا لأجل نفع الدنيا أو أذى وأن لا يكون عن إكراه أو إلجاء ، بل اختيار حال التكليف .
فينبغي للعاقل أن يبادر بالتوبة من الذنوب الصغيرة والكبيرة، الماضية والحاضرة، من رياءٍ، أو كبرٍ، أو قطيعة رحم، أو كذب، أو غبيبة، أو نميمة، أو نحو ذلك من الذنوب .
قيل إن يعقوب عليه السلام قال لملكِ الموت : إني أسألك حاجة ، قال : وما هي ، قال : أن تعلمني إذا دنى أجلي وأردت أن تقبض روحي ، فقال : نعم أرسلْ إليك رسولين أو ثلاثة .
فلما انقضى أجله أتى إليه ملك الموت فقال : أزائرٌ جئتَ أم لقبضِ روحي؟ فقال : لقبض روجكَ ، فقال أو لستَ كُنتَ أخبرتني أنك تُرسل إلي رسولين أو ثلاثة قال : قد فعلت .
1- بياضُ شعركَ بعد سوادِهِ
2- ضُعْفُ بدنك بعدَ قُوتِهِ
3- وإنحناءُ جسمكَ بعدَ استقامته .
هذه رُسلي يا يعقوب إلى بني آدمَ قبلَ الموت .
فبادر متاباً قبلَ يُغلقُ بابهُ وتُطوَى على الأعمالِ صُحفُ التزوُدِ
ومثل ورود القبر مهما رأيتهُ لنفسِكَ نفاعاً فقدمْهُ تَسعَدِ. (2)
واعلم أن الملائكة الذين يحملون العرش يستغفرون للمؤمنين ويدعون الله تعالى بأن يغفر للذين تابوا واتبعوا سبيله .
__________
(1) سورة النور الآية (31) .
(2) إرشاد العباد للاستعداد ليوم المعاد (ص7) .(3/75)
قال الله تعالى: { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمةً وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدنٍ التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يؤمئذٍ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم } (1)
ومن تاب من الذنوب وكان صادقاً مع الله في التوبة وجد الله غفوراً رحيماً.
قال الله تعالى : { وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا } . (2)
وقال الله تعالى: { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } (3)
قال ابن قيم الجوزية: قالوا: وأيضاً فإن التوبة من أجلِّ الطاعات وأوجبها على المؤمنين: وأعظمها عناءً عنهم، وهم إليها أحوج من كل شئ، وهى من أحب الطاعات إلى الله [سبحانه] فإنه يحب التوابين، ويفرح بتوبة عبده إذا تاب إليه أعظم فرح وأكمله، وإذا كانت بهذه المثابة فالآتى بها آت بما هو أفضل القربات وأجل الطاعات، فإذا كان قد حصل له بالمعصية انحطاط ونزول مرتبة فبالتوبة يحصل [له] مزيد تقدم وعلو درجة، فإن لم تكن درجته بعد التوبة أعلى فإنها لا تكون أنزل .اهـ. (4)
وقال تعالى: { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً } . (5)
وقال تعالى: { إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً } (6)
__________
(1) سورة غافر الآية (7-9).
(2) سورة النساء الآية (110) .
(3) سورة البقرة الآية (222).
(4) طرق الهجرتين (1/402) .
(5) سورة مريم الآية (60).
(6) سورة الفرقان الآية (70).(3/76)
وقال الله تعالى: { وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } . (1) وعن أبي بردة، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "يجئ يوم القيامة ناسٌ من المسلمين بذنوبٍ أمثال الجبال فيغفرها الله عزوجل لهم، ويضعها على اليهود والنصارى" . (2)
وعن أبي موسى رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مُسيء النهار ويبسط يدهُ بالنهار ليتوب مُسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن عبداً أصاب ذنباً فقال: يا رب إني أذنبت فاغفره لي فقال له ربه: علم عبدي أن لهُ رباً يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له ثم مكث ما شاء اله ثم أصاب ذنباً آخر – وربما قال: ثم أذنب ذنباً آخر – فقال: يا رب! إني أذنبت ذنباً آخر فاغفره لي قال ربه: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً آخر – وربما قال: ثم أذنب ذنباً آخر – فقال: يا رب! إني أذنبت ذنباً فاغفره لي فقال ربه: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فقال ربه: غفرت لعبدي فليعمل ما شاء" (4) .
__________
(1) سورة هود الآية (3).
(2) رواه مسلم برقم (2767)، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله .
(3) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (2759).
(4) رواه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7507)، ومسلم في التوبة برقم (758).(3/77)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه وليس أحدٌ أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش وليس أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل" (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم" (2) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه" (3) .
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "للجنة ثمانية أبواب سبعة مغلقة وباب مفتوح للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوِهِ" (4) .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (2760).
(2) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (2749).
(3) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2703).
(4) رواه أبو يعلى والطبراني ، قال في المجمع (10/198): رواه أحمد والطبراني وإسناده جيد.(3/78)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة فقال: لا فقتله فكمل به المائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال: نعم من يحول بينه وبين التوبة؟! انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيراً قط فأتاهم ملك في صورة رجل آدمي فجعلوه بينهم فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة" وفي رواية: "فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجعل من أهلها". وفي رواية "فأوحى الله جل جلاله إلى هذه أن تباعدي وإلى هذه أن تقربي وقال: "قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له".
وفي رواية: قال قتادة: قال الحسن: "ذُكر لنا أنَّهُ لما أتاهُ ملكُ الموتِ نأى
بِصَدرهِ نحوها" (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني والله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة ومن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه أهرول" (2) .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3470)، ومسلم في كتاب التوبة برقم (2766).
(2) رواه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7405). ورواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2675) .(3/79)
وعن قتادة عن أنس - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل منها وإن زاد زادت حتى تغلف قلبه فذلك الران الذي ذكر الله كتابه : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } . (2) . (3) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" (4) .
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في ارض دوية مملكة؟ معه راحلة عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح فالله أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته" (5) .
الدوية: بفتح الدال المهملة وتشديد الواو والياء المثناة معاً هي المفازة والأرض القفر.
__________
(1) رواه ابن ماجة والترمذي وقال: غريب، والحاكم وقال:صحيح الإسناد، التنكيل (2/213) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3139).
(2) سورة المطففين الآية (14) .
(3) رواه الترمذي وقال:حديث حسن صحيح، والنسائي وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3141).
(4) رواه ابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3143)، المشكاة (2343، 2449).
(5) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6309)، ومسلم في كتاب التوبة برقم (2747).(3/80)
وعن حميد الطويل قال: قلت لأنس بن مالك: أقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الندم توبة" قال: نعم (1) .
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما، أن امرأةً من جهينة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي حبلى من الزنى فقالت: يا رسول الله أصبت حداً فأقمه علي فدعا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وليها فقال: "أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها" ففعل فأمر بها نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فشدت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال له عمر: تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت؟! قال - صلى الله عليه وسلم - : "لقد تابت توبةً لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت [توبةً] أفضل من أن جاءت بنفسها لله عز وجل؟" (2) .
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لله أفرح بتوبة عبدهِ من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله بأرض فلاةٍ" (3) .
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رجلاً أصاب من امرأةٍ قبلةً.
وفي رواية: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني عالجت امرأةً في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن أمسها فأنا هذا فأقض في ما شئت فقال له عمر: لقد سترك الله لو سترت نفسك قال: ولم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئاً فقام الرجل فانطلق فأتبعهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً فدعاه فتلا عليه هذه الآية { أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين } (4)
__________
(1) رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3146).
(2) رواه مسلم في كتاب الحدود برقم (1696).
(3) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6309)، ومسلم في كتاب التوبة برقم (2747).
(4) سورة هود الآية (114).(3/81)
فقال رجل من القوم: يا نبي الله هذا له خاصة؟ قال: "بل للناس كافة" (1) .
وعن الحارث بن سويد، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لله أفرح بتوبة عبدِه المؤمنِ من رجل نزل في أرض دوية مهلكة، معه راحلته، عليها طعامه وشرابُه، فوضع رأسَهُ فنامَ، فاستيقظ وقد ذهبت راحلَتُه، فطلبها حتى إذا اشتدَّ عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى أموت، فوضَعَ يَدَهُ على ساعِدِهِ ليموت، فاستيقظ فإذا راحلَتُهُ عندَه، عليها زاده وشرابُه. فالله أشدُّ فرحاً بتَوْبةِ العبد المؤمن من هذا براحِلَتِه" (2) .
الدوية: هي الفلاة القفر، والمفازة.
باب
ثواب من عمل سيئة فأتبعها حسنة
قال الله تعالى: { إن الحسنات يذهبن السيئات } (3) .
عن أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" (4) .
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته ثم عمل حسنة فانفكت حلقة ثم حسنة أخرى فانفكت أخرى حتى تخرج إلى الأرض" (5) .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (2763).
(2) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6308)، ومسلم في كتاب التوبة برقم (2744).
(3) سورة هود الآية (114).
(4) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3/362)، وصحح الجامع برقم (97)، والمشكاة برقم (5083)، وصحيح الترغيب برقم (2655).
(5) رواه أحمد والطبراني، قال في المجمع (201-202): رواه أحمد والطبراني وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح، المشكاة برقم (2375)، وصحيح الترغيب برقم (3157).(3/82)
قال ابن قيم الجوزية: أول ذنب عصى الله به أبوى الثقلين ((الكبر)) و ((الحرص)) فكان ((الكبر)) ذنب إبليس اللعين فآل أمره ما آل إليه وذنب آدم على نبينا وعليه السلام : كان من ((الحرص والشهوة)) فكان عاقبته التوبة والهداية ، وذنب إبليس حمله على الاحتجاج بالقدر والإصرار وذنب آدم أوجب له إلى نفسه والاعتراف به والاستغفار .
فأهل الكبر والاصرار والاحتجاج بالاقدار مع شيخهم وقائدهم إلى النار إبليس وأهل الشهوة المستغفرون التائبون المعترفون بالذنوب، الذين لا يحتجوم عليها بالقدر مع أبيهم آدم في الجنة .
وسمعت شيخ الأسلام ابن تيمية رحمه الله يقول : التكبر شر من الشرك فإن المكتبر يتكبر عن عبادة الله تعالى ، والمشرك يعبد الله وغيره .
باب
ثواب العمل الصالح عند فساد الزمان
عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عبادة في الهرج كهجرة إلي" (1) .
الهرج: بإسكان الراء هو الاختلاف والفتن.
وعن أبي أمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة الخشني قال: قلت يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية { عليكم أنفسكم } (2) . قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً سألت عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ائتمروا بالمعروف وانتهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك ودع عنك العوام فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القابض على الجمر للعامل فيهن مل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله" (3) .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الفتن برقم (2948)، والترمذي (2202) وقال: حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجة وأحمد (5/25 و 27).
(2) سورة المائدة آية (105) .
(3) رواه ابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن، وأبو داود، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3172)، والنقد (ص 27).(3/83)
وفي رواية أبي داود زاد فيها: "قيل يا رسول الله أجر خمسين رجلاً منا أو منهم قال: "بل أجر خمسين منكم".
باب
المداومة على العمل وإنْ قَلَّ
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصير وكان يحجره بالليل فيصلي عليه ويبسطه بالنهار فيجلس عليه فجعل الناس يثوبون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيصلون بصلاته حتى كثروا فأقبل عليهم فقال: "يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل".
يحجره: أي يتخذه حجرةً وناحيةً ينفرد عليه فيها.
يثوبون: أي يرجعون إليه ويجتمعون عنده.
وفي رواية: كان آل محمد إذا عملوا عملاً أثبتوه.
أثبتوه: أي لازموه وداوموا عليه، والظاهر أن المراد بالآل هنا أهل بيته وخواصه - صلى الله عليه وسلم - من أزواجه وقرابته ونحوهم . (1) . شرح النووي (6/72)
وفي رواية قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي الأعمال أحب إلى الله تعالى؟ قال "أدومه وإن قل".
وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمل الجنة وإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" (2) .
وفي رواية للبخاري: "إن أحب الأعمال إلى الله الذي يدوم عليه صاحبه" (3) .
ولمسلم: "إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته" (4) .
باب
ثواب الفقر والفقراء والمستضعفين وفضلهم
__________
(1) شرح النووي (6/72) .
(2) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5861)، وفي كتاب الرقاق برقم(6464) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (782).
(3) في كتاب الرقاق برقم (6462).
(4) في كتاب صلاة المسافر برقم (782).(3/84)
عن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: قلت: أي لأبي الدرداء – ما لك لا تطلب كما يطلب فلان وفلان قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن وراءكم عقبة كؤوداً لا يجوزها المثقلون" فأنا أحب أن أتحقق لتلك العقبة" (1) .
الكؤود: بفتح الكاف وهمزة مضمومة هي العقبة الوعرة الصعبة.
وعن أبي إسلام الأسود أنه قال لعمر بن عبد العزيز: سمعت ثوبان رضي الله عنه يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "حوضي ما بين عدن إلى عمان البلقاء ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وأوانيه عدد النجوم من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً وأولى الناس وروداً عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤوساً الدنس ثياباً الذين لا ينكحون المنعمات ولا يفتح لهم السدد" قال عمر: لكني قد نكحت المنعمات فاطمة بنت عبد الملك وفتحت لي السدد لا جرم لا أغسل رأسي حتى يشعث ولا ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ (2) .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفاً" (3) .
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء" (4) ،
الجد: بفتح الجيم هو الحظ والغنى.
__________
(1) صحيح الجامع رقم (2001) .
(2) رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم وقال: صحيح الإسناد، قال في مجمع الزوائد (10/366) : رواه البزار بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح، والحديث صححه العلامة الألباني من حديث ثوبان كما في صحيح الجامع (3/3157).
(3) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (7388).
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق رقم (6547)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2736).(3/85)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما:عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء"(4).
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: مر رجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لرجل عنده جالس: " ما رأيك في هذا " فقال: رجل من أشراف الناس هذا والله حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم مر رجل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما رأيك في هذا" فقال: يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين هذا حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يسمع لقوله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هذا خير من ملءِ الأرض مثل هذا" (1) .
قوله: حري: هو بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وتشديد الياء أي: حقيق وجدير.
وعن محمود بن لبيد ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اثنتان يكرههما ابن آدم الموت والموت خير من الفتنة ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب". (2)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "احتجت الجنة والنار فقالت النار في الجبارون والمتكبرون وقالت الجنة في ضعفاء المسلمين ومساكينهم فقضى الله بينهما إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء ولكليكما علي ملؤها". (3)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6447).
(2) رواه الإمام أحمد ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (427)، والصحيحة برقم (813).
(3) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2847).(3/86)
وعن حارثة بن وهب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيفٍ مُستضعف لو يُقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار قال: كل عتل جواظ متكبر". (1)
وفي رواية: "مستكبر".
العتل: بضم العين والتاء جميعاً وتشديد اللام هو الغليظ الجافي والجواظ بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة هو الجموع المنوع وقيل: الضخم المختال في مشيته وقيل القصير البطن.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أهل النار كل جعظري جواظ متكبر جماع مناع وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون". (2)
الجعظري: المنتفخ بما ليس عنده.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رب أشعث أغبر موضوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره". (3)
وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اللهم من آمن بك وشهد أني رسولك فحبب إليه لقاءك وسهل عليه قضاءك وقلل له من الدنيا ومن لم يؤمن بك ويشهد أني رسولك فلا تحبب إليه لقائك ولا تسهل عليه قضاءك وكثر عليه من الدنيا". (4)
وعن مصعب بن سعد قال: رأى سعد - رضي الله عنه - أن لَهٌ فضلاً على من دونه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هل تُنصرون وترزقون إلا بضعفائِكُم". (5)
باب
__________
(1) رواه البخاري في كتاب التفسير برقم (4918)، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها برقم (2853).
(2) رواه أحمد والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.
(3) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2622).
(4) رواه الطبراني وابن حبان ورواه ابن ماجة بنحوه من حديث عمرو بن غيلان الثقفي، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/286): رواه الطبراني ورجاله ثقات، وصححه الألباني في الصحيحة وصحيح الجامع (1322)،.
(5) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2896).(3/87)
ثواب من زهد في الدنيا وأقبل على الله عز وجل
قال الله تعالى: { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين } . (1)
وقال تعالى: { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهوٌ وزينةٌ وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرةٌ من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } . (2)
وقال تعالى في قصة قارون: { فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظٍ عظيم، وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خيرٌ لمن ءامن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون } . (3)
والآيات في الباب كثيرة.
__________
(1) سورة القصص الآية (83).
(2) سورة الحديد الآية (20).
(3) سورة القصص الآية (79-80).(3/88)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: كنت أمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حرةٍ بالمدينة فاستقبلنا أُحدٌ فقال: "يا أبا ذر" قلت: لبيك يا رسول الله فقال: "ما يسرُني أن عندي مثل أُحدٍ هذا ذهباً تمضي علي ثلاثة أيام وعندي منه دينار إلا شيء أرصده لدينٍ إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله وعن خلفه" ثم سار فقال: "إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم" ثم قال لي: "مكانك لا تبرح حتى آتيك" ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى فسمعت صوتاً قد ارتفع فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأردت أن آتيه فذكرت قوله: "لا تبرح حتى آتيك" فلم أبرح حتى أتاني فقلت: لقد سمعت صوتاً تخوفت منه فذكرت له فقال: "وهل سمعته؟" قلت: نعم قال: "ذاك جبريل أتاني فقال: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة" قلت: وإن زنى وإن سرق قال: "وإن زنى وإن سرق". (1)
حرة: أرض ذات حجارة سوداء،
أُحُد: الجبل المعروف ويقع شمال المدينة النبوية.
أرصده: أعده وأحفظه.
إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة: المراد الإكثار من المال والإقلال من الثواب.
لا تبرح: لا تترك المكان.
توارى: غاب شخصه عن النظر فلم أعد أره.
عرض: تعرض له بسوء.
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (6079)، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا وهذا لفظه، ومسلم برقم (94)، باب الترغيب في الصدقة .(3/89)
و لفظ لمسلم قال: انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال: "هم الأخسرون ورب الكعبة" قال: فجئت حتى جلستُ، فلم أتقار أن قمت فقلت: يا رسول الله! فداك أبي وأمي، من هم؟ قال: "هم الأكثرون مالاً، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا وهكذا -من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله- وقليلُ ما هم". (1) الحديث.
وعن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وسأله رجل فقال: ألست من فقراء المهاجرين فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم قال: ألك مسكن تسكته قال: نعم قال: فأنت من الأغنياء قال: فإن لي خادماً قال: فأنت من الملوك. (2)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه". (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً". وفي روية: "كفافاً". (4)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يتبع الميت ثلاث: أهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله". (5)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: لم يأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - خوانٍ حتى مات ولم يأكل خبزاً مرققاً حتى مات.
وفي رواية: ولا رأى شاةً سميطاً بعينه قط. (6)
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الزكاة رقم (990).
(2) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2979).
(3) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (1054).
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6460)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم(1055).
(5) رواه البخاري في الرقاق برقم (6514)، ومسلم في كتاب الزهد برقم(2961).
(6) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6450).(3/90)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النقي من حين ابتعثه الله تعالى حتى قبضه الله فقيل: هل كان لكم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناخل قال: ما رأى رسول الله منخلاً من حين ابتعثه الله تعالى حتى قبضه، فقيل: فكيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال كنا نطبخه وننفخه فيطير ما طار وما بقي ثريناه. (1)
النقي: هو الخبز الأبيض الحواري.
ثريناه: أي بللناه وعجناه.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: ألستم في طعام وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيكم - صلى الله عليه وسلم - وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه. (2)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما طلعت الشمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان إنهما يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم فإن ما قل وكفى خيرهما كثر وألهى ولا غربت شمس قط إلا وبعث بجنبتيها ملكان يناديان اللهم عجل لمنفق خلفاً وعجل للممسك تلفاً". (3)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من جعل الهم هماً واحداً كفاه الله هم دنياه ومن تشعبته الهموم لم يبال الله في أي أودية الدنيا هلك". (4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم (5413).
(2) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2977).
(3) رواه أحمد بإسناد صحيح وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد، المستدرك (2/445) ولم يتعقبه الذهبي في التلخيص وقال في مجمع الزوائد (10/255): رواه الطبراني في الكبير و الأوسط وأحمد ورجال أحمد وبعض أسانيد الطبراني في الكبير رجال الصحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (443) ، والمشكاة (5218)، وصحيح الترغيب.
(4) رواه البيهقي، والحاكم المستدرك (4/329) وقال: صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي في التلخيص بقوله: يحيى ضعفوه، وحسنه الألباني في سنن ابن ماجة برقم (4106).(3/91)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { من كان يريد حرث الآخرة فزد له في حرثه } الآية. (1) ثم قال: "يقول الله: ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإلا تفعل صدرك شغلاً ولم أسد فقرك". (2)
وعن عمرو بن عوف الأنصاري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها فقدم بمالٍ من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم ابي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآهم ثم قال: "أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين" ثم قالوا: أجل يا رسول الله فقال: "أبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم". (3)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر وجلسنا حوله فقال: "إن مما أخاف عليكم ما يفتح الله عليكم من زهرة الدنيا وزينتها". (4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ما شبع آل محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - من طعام ثلاثة أيام تباعاً حتى قُبض.
__________
(1) سورة الشورى آية (20) .
(2) رواه الترمذي وقال: حديث حسن (2466)، وابن ماجة (4107)، وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وأحمد في المسند (2/358)، الصحيحة (1359).
(3) رواه البخاري في كتاب الجزية برقم (3158)، ومسلم في كتاب الزهد برقم (2961).
(4) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1465)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1052).(3/92)
وفي رواية: قال أبو حازم: رأيت أبا هريرة يشير بإصبعيه مراراً يقول: والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام تباعاً من خبز حنطةٍ حتى فارق الدنيا. (1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمدٍ من خبز شعيرٍ يومين متتابعين حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . (2)
وفي رواية لمسلم قالت: لقد مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين. (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه مر بقومٍ بين ايديهم شاة مصلية فدعوه فأبى أن يأكل وقال:خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ولم يشبع من خبز الشعير. (4)
وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلةٍ في شهرين وما أوقد في ابيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار. قلت: يا خالة فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيران من الأنصار وكانت لهم منائح فكانوا يرسلون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ألبانها فيسقيناه. (5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم (5414)، ومسلم في كتاب الزهد برقم (2976).
(2) رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم (5416)، ومسلم في كتاب الأطعمة برقم (2970).
(3) صحيح مسلم، كتاب الزهد رقم (2974).
(4) رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم (5414).
(5) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6459)،ومسلم في كتاب الزهد(2972).(3/93)
وعن عمر بن الحمق - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أحب الله عبداً عسله" قالوا ما عسله يا رسول قال: "يوفق له عملاً صالحاً بين يدي رجليه حتى يرضى عنه جيرانه أو قال: من حوله" (1) .
وعن عمرو بن عوف الأنصاري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها فقدم بمالٍ من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم ابي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآهم ثم قال: "أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين"؟ قالوا: أجل يا رسول الله فقال: "أبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم" (2) .
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر وجلسنا حوله فقال: "إن مما أخاف عليكم ما يفتح الله عليكم من زهرة الدنيا وزينتها" (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ما شبع آل محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - من طعام ثلاثة أيام تباعاً حتى قُبض.
__________
(1) رواه ابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد (1/340) ، وأحمد في المسند (4/200) من حديث ابن عنبة الخولاني مختلف في صحبته، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/214): رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط و الكبير ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح.
(2) رواه البخاري في كتاب الجزية برقم (3158)، ومسلم في كتاب الزهد برقم (2961).
(3) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1465)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1052).(3/94)
وفي روايةٍ: قال أبو حازم: رأيت أبا هريرة يشير بإصبعه مراراً يقول: والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام تباعاً من خبز حنطة
حتى فارق الدنيا (1) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمدٍ من خبز شعيرٍ يومين متتابعين حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2) .
وفي روايةٍ لمسلم قالت: لقد مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه مر بقومٍ بين أيديهم شاة مصلية فدعوه فأبى أن يأكل وقال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير (4) .
وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تقول: يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلةٍ في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار. قلت: يا خالة فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء إلا أنه قد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيران من الأنصار وكانت لهم منائح فكانوا يرسلون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ألبانها فيسقيناه (5) .
وعن معاذ بن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ترك اللباس تواضعاً لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها" (6) .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم(5414)،ومسلم في كتاب الزهد برقم(2976).
(2) رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم (5416)، ومسلم في كتاب الأطعمة برقم (2970).
(3) صحيح مسلم كتاب الزهد رقم (2974).
(4) رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم (5414).
(5) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6459)، ومسلم في كتاب الزهد برقم(2972).
(6) أخرجه الترمذي (2481) وأحمد (3/438 و 439) والحاكم (4/183) ،الصحيحة (718).(3/95)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك" (1) .
طمرين: الطمرة: بكسر الطاء هو الثوب الخلق.
وعن أبي أمامة بن ثعلبة الأنصاري - رضي الله عنه - قال: ذكر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما عنده الدنيا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا تسمعون ألا تسمعون إن البذاذة من الإيمان" (2) .
البذاذة: بفتح الباء الموحدة وذال معجمة مكررة: هو ترك الزينة ورثاثة الهيئة والرضا بالدون من الثياب.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لقد رأيتُ سبعينَ من أهل الصفةِ ما منهم رجلٌ عليه رداءٌ، إما إزارٌ وإما كِسَاءٌ قد رَبطُوا في أعناقهم منها ما يبلُغُ نصف الساقينِ، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعُهُ بيده كراهيةَ أن تُرى عَوْرتُه (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يقول العبد: مالي مالي وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو أعطى فأقنى وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس" (4) .
وعن عبد الله بن الشخير - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ { ألهاكم التكاثر } قال: "يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت" (5) .
__________
(1) رواه الترمذي (3854) وقال: حديث حسن، صحيح الجامع (4449).
(2) رواه أبو داود برقم (4161) وابن ماجة برقم (4118)، السلسلة الصحيحة، صحيح الجامع (3/2876).
(3) رواه البخاري في كتاب الصلاة برقم (442).
(4) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2959).
(5) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2958).(3/96)
وعن جابرٍ - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بالسوق والناس على كنفتية فمد بجديٍ أسك ميت فتناوله بأذنه ثم قال: "أيكم يحب أن هذا له بدرهم"؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيءٍ وما نصنع به؟ قال: "أتحبون أنه لكم"؟ قالوا: والله لو كان حياً كان عيباً فيه لأنه أسك فكيف وهو ميت فقال: "والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم" (1) .
الأسك: الصغير الأذن.
وعن المستورد أخي بني فهرٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم – وأشار يحيى بن يحيى بالسبابة فلينظر بم يرجع" (2) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبدٍ آخذٍ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرةٌ قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة وإن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع له" (3) .
وعن النعمان قال: ذكر عمر ما أصاب الناس من الدنيا فقال: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظل اليوم يلتوي ما يجد من الدقل ما يملأ بطنه" (4) .
وعن عائشة رضي الله عنها قال: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس عندي شيء يأكله ذو كبدٍ إلا شطرَ شعيرٍ في رَقٍّ لي، فأكلتُ منه حتى طالَ عليَّ، فكلته ففني (5) .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2957).
(2) رواه مسلم في كتاب الجنة برقم (2858).
(3) رواه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2887).
(4) رواه مسلم في كتاب الزهد برقم (2978).
(5) رواه البخاري في كتاب فرض الخمس برقم (3097)، ومسلم في كتاب الزهد برقم (2973).(3/97)
اختار أحد الحكماء أربع كلمات من أربع كتب : من التوراة : مَن رَضيَ بما أعطاه الله استراح في الدنيا والآخرة ، ومن الإنجيل : من هدَمَ الشهوات عزَّ في الدنيا والآخرة ، ومن الزبور : من تفرد عن الناس نجا في الدنيا و الآخرة ، ومن الفرقان : من حَفِظَ اللسانَ سَلِمَ في الدنيا والآخرة . قيل لإبراهيم بن أدهم بما وجدتَ الزهد ؟ قال: بثلاثة أشياء : رأيتُ القبرَ
موحشاً وليس معي مؤنس ، ورأيت طريقاً طويلاً وليس معي زاد ورأيتُ الجبارَ قاضياً وليس معي حجةً .
وأطعم أبو الدرداء ضيُوفَه ولمَّا نَامُوا لم يَكُنْ عنده لُحُفٌ تُغَطِيهم فأتاه أحَدُهُم فوجَدَ أبا الدرداء وأهله بدون غطاء، فسأله أين متاعكم؟ فقال أبو الدرداء: لنا دارٌ هناكَ (يُريدُ الآخرةَ) نُرْسِلُ إليها تِباعاً كُلّ ما نَحصُلُ عليه .
ولو اسْتَيْقَيْنَا في هذه الدار شيئاً لأرسَلْنَاهُ إليكم، إن الطريقَ إلى تِلكَ الدار عقبةٌ كؤود المُخِفّ فيها خَيرٌ مِن المثقِل فأرَدْنَا أنْ نُخَفِّفَ لَعَلَّنَا نَتَجَاوَزُهَا . (1)
وقيل لسفيان الثوري: أيكون ذو المال زاهداً؟ قال: نعم، إن كان إذا زيد في ماله شكر وإن نقص شكر وصبر .
باب
فضل وثواب البكاء من خشية الله
قال الله تعالى: { وإذا سمعوا ما أنزل على الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق" (2) .
وقال تعالى: { أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم ممن حملنا مع نوحٍ ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً" (3) .
__________
(1) إرشاد العباد للاستعداد ليوم المعاد بتصرف .
(2) سورة المائدة الآية (83).
(3) سورة مريم الآية (58).(3/98)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عينان لا تمسهما النار عين باتت تحرس في سبيل الله وعين بكت من خشية الله" (1) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله" (2) .
وفي رواية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"حرم على عينين أن تنالهما النار عين بكت
من خشية الله وعين باتت تحرس الإسلام وأهله من الكفر" (3) .
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم" (4) .
يلج: يدخل.
يعود اللبن في الضرع: يرجع الحليب إلى الثدي من مسامه وهو مستحيل.
غبار في سبيل الله: جهاد أعداء الدين إرضاء لله تعالى.
__________
(1) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/288): رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط بنحوه ورجال أبي يعلى ثقات، وصححه الشيخ الألباني كما في صحيح الجامع.
(2) رواه الترمذي وقال: حديث حسن ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، صحيح الجامع (4/3990 و 3991).
(3) رواه الحاكم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، صحيح الجامع (4/3992 و 3993).
(4) رواه أحمد (2/505)، والحاكم (4/260)، والترمذي (1633 و 2311)، والنسائي (6/12)، والبغوي في شرح السنة (4/264)، وابن ماجة (2774)، وابن حبان (4607) ، والبخاري في الأدب المفرد (281)، المشكاة (3828).(3/99)
وعن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس شيء أحب إلى الله تعالى من قطرتين وأثرين قطرة دموع من خشية الله وقطرة دم تهراق في سبيل الله وأما الأثران فأثر في سبيل الله تعالى وأثر في فريضةٍ من فرائض الله تعالى" (1) .
أثر: ما بقي من الشيء دلالة عليه.
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة قال: "أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وأبك على خطيئتك" (2) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال: إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه" (3) .
سبعة أي: سبعة أصناف من الناس.
يظلهم الله في ظله: في ظل عرشه، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ظل يخلقه الله عز وجل.
معلق بالمساجد: دلالة على شدة الحب لأماكن الذكر والصلاة فكأن قلبه قنديل معلق بسقفها لا يلبث أن يخرج منها حتى يعود إليها.
تفرقا عليه: بأجسادهما وأبدانهما لسفر أو موت وبقيا مجتمعين بأرواحهما على منهج الله تعالى.
1- الإمام العادل: هو الذي يعدل بين رعيته ويحكم شرع الله في شعبه وهذا أحب شيء إلى الله سبحانه وتعالى وهو رأس العدل لأن الله تعالى يقول: { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } . (4)
__________
(1) رواه الترمذي برقم (1669)، المشكاة (3837).
(2) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
(3) رواه البخاري برقم (1357)، باب الصدقة باليمين ، ومسلم برقم (1031)، باب فضل إخفاء الصدقة .
(4) سورة النحل الآية (90) .(3/100)
2- وشاب نشأ في عبادة الله: لأنه له أفكار واتجاهات كثيرة ولا يستقر على شيء فترك كل هذا لله تعالى.
3- ورجل قلبه معلق بالمساجد: يحب المساجد وهو مشغول بالصلاة إذا انتهت الصلاة انتظر الصلاة الأخرى وهو دائماً على ذلك.
4- رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه: أي أحب بعضهما بعضاً لا لمصلحة دنيوية ولا شيء من ذلك بل أحبه لله تعالى لأنه رآه مستقيماً يخشى الله ويعبد الله تعالى سواء كان قريبه أو صديقه أو غير ذلك فتكونت بينهما رابطة شرعية دينية وهي عبادة الله سبحانه وتعالى، فاجتمعوا على ذلك في الدنيا ولم يفرق بينهما إلا الموت فنتيجة هذا الحب أن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله نسأل الله أن نكون منهم.
5- ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله: رجل ذو شهوة وهو قادر على الجماع ويحب النساء وهي ذات منصب أي لا أحد يستطيع أن يؤذيه وهي كذلك ذات جمال فمنعه منها خوفه من الله تعالى فقال: إني أخاف الله، كما حصل لنبي الله يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز امتنع من الزنا مع قوة أسبابه.
6- ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه: فيه كمال الإخلاص لله تعالى لا يريد بذلك سمعة ولا مصلحة دنيوية ولا يرائي بهذه الصدقة بل يريد أن تكون هذه الصدقة بينه وبين الله سبحانه وتعالى.
7- ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه: ذكر الله تعالى بقلبه وبلسانه في مكان خالي لا يراه فيه أحد فيرائي بهذا الذكر فقلبه معلق بالله عز وجل وترك الدنيا خلف ظهره.
وقال نعيم بن حماد: كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق يصير كأنه ثور منحور أو بقرة منحورة، من البكاء، لا يجترئ أحدٌ منا أن يسأله عن شيء إلا دفعه (1) .
وقال بعض السلف: ليس الخائف من بكى وعصر عينيه وإنما الخائف الذي من ترك الذنب الذي عليه.
قسوة القلب وأسبابها (2)
__________
(1) سير أعلام النبلاء (8/394).
(2) مقالة للشيخ إحسان العتيبي .(3/101)
العين تتبع القلب ، فإذا رق القلب دمعت العين، وإذا قسى قحطت ، قال ابن القيّم - رحمه الله – في كتاب "بدائع الفوائد"(3/743) -:"ومتى أقحطت العين من البكاء من خشية الله تعالى فاعلم أن قحطها من قسوة القلب، وأبعد القلوب من الله: القلب القاسي "وكان كثير من السلف يحب أن يكون من البكائين، ويفضلونه على بعض من الطاعات ، كما قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:"لأن أدمع من خشية الله أحب إليَّ من أن أتصدق بألف دينار".
وكان النبي @ يستعيذ من القلب الذي لا يخشع فيقول " ... اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها".رواه مسلم(2722) .
ولقسوة القلوب أسبابها، ولرقتها أسبابها - كذلك - فمن أسباب قسوة القلوب :
1. كثرة الكلام .
2. نقض العهد مع الله تعالى بفعل المعاصي وترك الواجبات .
3. كثرة الضحك ." كثرة الضحك تميت القلب " رواه أحمد ( 8034 ) ، والترمذي ( 2305 ) ، وابن ماجه ( 4217 ) ، وصححه الشيخ الألباني في " الصحيحة " ( 506 و 927 و 2046 ) .
مرَّ الحسن البصري بشاب وهو مستغرق في ضحكه ، وهو جالس مع قوم في مجلس .
فقال له الحسن : يا فتى هل مررت بالصراط ؟! قال: لا! قال: فهل تدري إلى الجنة تصير أم إلا النار؟! قال: لا! قال: فما هذا الضحك؟! فما رؤُي الفتى بعدها ضاحكاً .
وكان الحسن يقول : يحق لمن يعلم : أن الموتَ موردُه ، وأن الساعةَ موعدُه ، والقيام بين يدي الله تعالى مشهدُه : يحق له أن يطول حزنُه .
4. كثرة الأكل . قال بشر بن الحارث : خصلتان تقسيان القلب : كثرة الكلام ، وكثرة الأكل .(3/102)
5. كثرة الذنوب .قال تعالى : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } [ المطففين / 14 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع واستغفر صُقل قلبه ، وإن زاد زادت حتى يعلو قلبه ، فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } [ المطففين / 14 ] . رواه أحمد ( 7892 ) ، والترمذي ( 3334 ) ، وابن ماجه ( 4244 ) ، وحسنه الشيخ الألباني في " صحيح ابن ماجه " ( 3422 ) .
وقال بعض السلف : البدن إذا عُرِّي رقَّ ، وكذلك القلب إذا قلت خطاياه أسرعت دمعته .
عن عقبة بن عامر قال : قلت يا رسول الله : ما النجاة ؟ ما النجاة ؟ قال : " أمسك عليك لسانك ، وليسعك بيتك ، وابك على خطيئتك " أخرجه الترمذي (2406) ، وقال: حديث حسن ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 2741 ) .
6. صحبة السوء .وقد شبهه النبي @بنافخ الكير- البخاري ( 1995 ) ، ومسلم ( 2628 ).
بل حتى كثرة المخالطة تقسِّي القلب ، قال بعض السلف : وقسوة القلب من أربعة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة : الأكل ، والنوم ، والكلام ، والمخالطة .
وقد قيل " الصاحب ساحب " ، و " الطبع يسرق من الطبع " ، فمن جالس أهل الغفلة والجرأة على المعاصي سرى إلى نفسه هذا الداء : { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً } [ الفرقان / 27 – 29 ] .
والنبي @ يقول:"المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" رواه أحمد(8212 ) ، والترمذي ( 2378 ) ، وأبو داود ( 4833 ) ،وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة" (927 ).(3/103)
قال ابن حبان-رحمه الله-:العاقل لا يصاحب الأشرار لأن صحبة السوء قطعة من النار،تُعقب الضغائن ، لا يستقيم ودُّه،ولا يفي بعهدِه .وقال ابن القيم :ومتى رأيت نفسك تهرب من الأنس به إلى الأنس بالخلق ومن الخلوة مع الله إلى الخلوة مع الأغيار فاعلم أنك لا تصلح له."بدائع الفوائد"(3/ 743 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - :وبالجملة : فمصاحبة الأشرار مُضرة من جميع الوجوه على مَن صاحبهم وشرٌّ على من خالطهم ، فكم هلك بسببهم أقوام ، وكم أقادوا أصحابهم إلى المهالك من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون " .
وقال أبو الأسود الدؤلي - رحمه الله - : " ما خلق الله خلقاً أضر من الصاحب السوء " .
أسباب وطرق تليين القلوب والبكاء من خشية الله
ويستطيع المسلم أن يليِّن قلبه ويدمع عينه بما يسمع ويقرأ ويرى ؛ وذلك - بعد توفيق الله تعالى – بالبحث عن الأسباب الموصلة لذلك ، وبقراءة سير السلف الصالح ومعرفة أحوالهم في هذا الأمر ، وسنذكر ما تيسر من الأمرين – الأسباب والأحوال - لعلَّ الله أن ينفع بها ، ومن ذلك :
1. معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله .فمن عرف الله خافه ورجاه ، ومن خافه ورجاه رق قلبه ودمعت عينه ، ومن جهل ربه قسى قلبه وقحطت عينه .
ومقامات الإيمان : الحب، والخوف، والرجاء، وكل أولئك تدعو المسلم للبكاء .
قال أبو سليمان الداراني - كما ذكر عنه ابن كثير في ترجمته في " البداية والنهاية " ( 10 / 256 ) : لكل شيء علَم وعلَم الخُذلان : ترك البكاء من خشية الله .
فإذا خذل الله العبد: سلبه هذه الخصلة المباركة، وصار شقيّاً قاسي القلب وجامد العين .
فالمحب يبكي شوقاً لمحبوبه والخائف يبكي من فراقه وخشيت فراقه والراجي يبكي لحصول مطلوبه فإذا أحببت الله دعاك حبُّه للبكاء شوقاً له ، وإذا خفت منه دعاك خوفُه للبكاء من خشيته وعقابه ، وإذا رجوته دعاك رجاؤه للبكاء طمعاً في رضوانه وثوابه .(3/104)
وإلى هذه الأمور الثلاثة - الحب ، والخوف ، والرجاء - أشار نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة <: أن النبي @ قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ... ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه "رواه البخاري( 629 )،ومسلم( 1031 ) .
ومعنى " ذكر الله " خائفاً أو محبّاً أو راجياً ، فإذا اتصف المسلم بهذا فهو سعيد وإلا فهو مخذول .
2. قراءة القرآن الكريم وتدبر آياته .
قال الله تعالى - في وصف عباده العلماء الصالحين - : { إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً. وَيَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}[الإسراء :107-109]. قال الطبري عند الكلام على هذه الآية: يقول تعالى ذكره: ويخر هؤلاء الذين أوتوا العلم من مؤمني أهل الكتابين , من قبل نزول الفرقان, إذا يتلى عليه القرآن لأذقانهم يبكون , ويزيدهم ما في القرآن من المواعظ والعبر خشوعا,يعني خضوعا لأمر الله وطاعته استكانة له.تفسير الطبري"(15/181).
وقال القرطبي : هذا مدح لهم , وحق لكل من توسم بالعلم , وحصل منه شيئا أن يجري إلى هذه المرتبة , فيخشع عند استماع القرآن ويتواضع ويذل ." تفسير القرطبي"(10/ 341 ).
{ من قبله } أي : من قَبل النبي @، ويبكون عند سماع ما نزل عليهم .(3/105)
وقيل : من قَبل القرآن ، وهم اليهود والنصارى ، وهي بشرى للمتقين منهم أنهم يسلمون ، وهو الذي حصل كما في قوله تعالى : { وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَق } [ المائدة : 83 ] .والآيات الأوَل - في الإسراء - مكية ، ومما نزل في مكة :قولُه تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا } [ مريم / 58 ] .
وآية " النجم " :{ هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى . أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ . لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ . أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ.وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ.وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ.فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}النجم/56– 62 وهذا لتربية الصحابة على رقة القلب وصدق الإيمان، وأن الضحك الحق لا يكون إلا في الآخرة.
{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ. وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ. وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ. وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ. وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ. فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ.عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ.هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَاكَانُوا يَفْعَلُونَ.المطففين29–36وهي سورة مكية .
وهذا هو حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع القرآن .(3/106)
عن عبد الله بن مسعود قال : قال لي رسول الله @: اقرأ عليَّ القرآن , قال : قلت : يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : إني أشتهي أن أسمعه من غيري , قال : فقرأت النساء حتى إذا بلغت { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } رفعت رأسي أو غمزني رجل إلى جنبي فرأيت دموعه تسيل .رواه البخاري ( 4306 ) ومسلم ( 800 ) .
وهذا هو حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع القرآن .
عن أبي صالح قال : لما قدم أهل اليمن في زمان أبي بكر فسمعوا القرآن جعلوا يبكون فقال أبو بكر : هكذا كنا ثم قست القلوب !!وحال أبي بكر تصفه عائشة فتقول :لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه أتاه بلال يوذنه بالصلاة فقال : مروا أبا بكر فليصل قلت : إن أبا بكر رجل أسيف - وفي رواية : لا يملك دمعه ، وفي روايةٍ : كان أبو بكر رجلا بكّاءً ؛ لا يملكُ عينيه إذا قرأ القرآن – إن يقم مقامك يبكي فلا يقدر على القراءة ... . البخاري ( 633 ) ، ومسلم ( 418 ) .
وعن عبد الله بن شداد أنه قال : سمعتُ نشيج عمر وأنا في آخر الصف وهو يقرأ سورة يوسف { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } [ يوسف / 86 ] . رواه البخاري معلقاً ، انظر : " فتح الباري " لابن حجر ( 2 / 206 ) .والنشيج : رفع الصوت بالبكاء .
وعن سالم بن عبد الله أن ابن عمر قرأ { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } الآية – [ البقرة / 284 ] - ; فدمعت عيناه فبلغ صنيعه ابن عباس فقال : يرحم الله أبا عبد الرحمن , لقد صنع كما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت , فنسختها الآية التي بعدها { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } – [ البقرة / 286 ] - .
وعن تميم الداري رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات } [ الجاثية / 21 ] فجعل يرددها إلى الصباح ويبكي .(3/107)
وقرأ ابن عمر رضي الله عنهما : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } [ سورة المطففين / 1 ] فلما بلغ : { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [ سورة المطففين / 6 ] بكى حتى خرَّ وامتنع عن قراءة ما بعده .
وقال مسروق رحمه الله : قرأتُ على عائشة هذه الآيات : { فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ } [ الطور / 27 ] فبكت ، وقالت : " ربِّ مُنَّ وقني عذاب السموم " .
وهكذا كان حال من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
قرأ رجلُ عند عمر بن عبد العزيز - وهو أمير على المدينة - قوله تعالى : { وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً } [ الفرقان / 13 ] فبكى حتى غلبه البكاء ، وعلا نشيجه ! فقام من مجلسه ، فدخل بيته ، وتفرَّق الناس .
كان محمد بن المنكدر من سادات القراء ، لا يتمالك البكاء إذا قرأ حديث رسول الله @، وذُكر عنه أنه بينا هو ذات ليلة قائم يصلي إذ استبكى ، فكثر بكاؤه حتى فزع له أهله وسألوه ، فاستعجم عليهم وتمادى في البكاء ، فأرسلوا إلى أبي حازم فجاء إليه ، فقال : ما الذي أبكاك ؟ قال : مرت بي آية ، قال : ما هي ؟ قال : { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } [ الزمر / 47 ] فبكى أبو حازم معه فاشتد بكاؤهما .
قال إبراهيم بن الأشعث: سمعت فضيلاً يقول ذات ليلة وهو يقرأ سورة محمد @، ويبكي ويردد هذه الآية: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم}[محمد/31] وجعل يقول : وتبلوا أخبارنا ، ويردد : وتبلو أخبارنا ، إن بلوتَ أخبارنا فضحتَنا ، وهتكتَ أستارنا ، إن بلوتَ أخبارنا أهلكتنا وعذبتنا ، ويبكي .وسبق ذِكر جملة من بكائهم - رحمهم الله - .
واستمع لبعض القراءات المؤثرة والتي بكى أصحابها فيها :(3/108)
- الشيخ سعود الشريم يبكي بعد موت الشيخ عمر السبيل- وقراءة أخرى للشيخ حفظه الله – وأظنها بعد وفاة الشيخ جار الله - :- وهذه قراءة للشيخ مشاري العفاسي : - وهذا مقطع للشيخ سعد الغامدي :- وهذا مقطع من سورة ق للشيخ خالد القحطاني :
3. كثرة ذكر الله عز وجل .
عن أبي هريرة عن النبي @ قال : سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : ... - وذكر منهم :- ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه .رواه البخاري ( 629 ) ومسلم (1031 ).
والخلوة مدعاة إلى قسوة القلب ، والجرأة على المعصية ، فإذا ما جاهد الإنسان نفسه فيها ، واستشعر عظمة الله فاضت عيناه ، فاستحق أن يكون تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله.
قال ابن القيم :إن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى ، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى وذكر حماد بن زيد عن المعلى بن زياد أن رجلا قال للحسن : يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي ، قال : أذبه بالذكر ؛ وهذا لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار ، فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز وجل. " الوابل الصيِّب " ( ص 99 ) .
4. الإكثار من الطاعات .قال أحمد بن سهل - رحمه الله - : " قال لي أبو معاوية الأسود : يا أبا علي من أكثر لله الصدق نَدِيت عيناه ، وأجابته إذا دعاهما " .
5. تذكر الموت ورؤية المحتضرين والأموات .عن جابر < قال : أخذ النبي @ بيد عبد الرحمن بن عوف فانطلق به إلى ابنه إبراهيم فوجده يجود بنفسه فأخذه النبي @ فوضعه في حجره فبكى ، فقال له عبد الرحمن : أتبكي ؟ أولم تكن نهيت عن البكاء ؟ قال : لا ، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند مصيبة - خمش وجوه وشق جيوب - ، ورنة شيطان .رواه الترمذي ( 1005 ) ، وقال : هذا حديث حسن ، وحسَّنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2157 ) .(3/109)
وثبت عنه @ أنه بكى على ابنه إبراهيم ، حينما رآه يجود بنفسه ، فجعلت عيناه تذرفان الدموع ثم قال : " إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون " رواه البخاري ( 1241 ) ومسلم ( 2315 ) .
وعن عبد الله بن عمر قال اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي @ يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود فلما دخل عليه وجده في غاشية فقال قد قضى ؟ قالوا لا يا رسول الله فبكى النبي @ فلما رأى القوم بكاء النبي @ بكوا فقال ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم.البخاري( 1242 ) ومسلم ( 924 ) .
وعن صفية أن امرأة أتت عائشة تشكو إليها القسوة فقالت : " أكثري ذكر الموت يرق قلبك وتقدرين على حاجتك " قالت : ففعلت ، فوجدت أن قلبها رق ، فجاءت تشكر لعائشة رضي الله عنها .
يقول أبو الدرداء رضي الله عنه : أضحكني ثلاث و أبكاني ثلاث :
أضحكني : مؤمل دنيا والموت يطلبه ، وغافل ليس بمغفول عنه ، وضاحك بملء فيه لا يدري أأرضى الله أم أسخطه .و أبكاني : فراق أحب الأحبة محمَّد @ وصحبه ، وهَول المطلع عند غمرات الموت ، والوقوف بين يدي الله يوم تبدو السريرة علانية فلا يدري أإلى الجنة أم إلى النار.
وكان سعيد بن جبير يقول : " لو فارق ذكر الموت قلوبنا ساعة لفسدت قلوبنا " .
- وهذا مقطع صوتي للشيخ خالد الراشد من محاضرة عن الموت بعنوان "مفرق الجماعات " :
6. أكل الحلال . سئل بعض الصالحين : بم تلين القلوب ؟ قال : بأكل الحلال .
7. الابتعاد عن المعاصي .قال مكحول رحمه الله : " أرقُّ الناس قلوباً أقلهم ذنوباً " .
8. سماع المواعظ .وقد انتشر في كثير من البلدان أشرطة لمشايخ ثقات يحسنون التأثير على قلوب الناس ، وقد كانت الخطبة المؤثرة والموعظة البليغة مما يوجل قلوب الصحابة ويُذرف دمع عيونهم .(3/110)
عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله @ يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغةً ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله قال:" أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيراً وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ" .رواه الترمذي(2676) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأبو داود(4607)وابن ماجه(42)،وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة"(2735 ) .
9. تذكر القيامة وقلة الزاد والخوف من الله .بكى أبو هريرة<في مرضه ، فقيل له : ما يبكيك ؟ فقال : " أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ، ولكن أبكي على بُعد سفري ، وقلة زادي ، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار ، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي " .روي أنه لما حضرت محمد بن سيرين الوفاة , بكى , فقيل له : ما يبكيك ؟
فقال : أبكي لتفريطي في الأيام الخالية و قلة عملي للجنة العالية و ما ينجيني من النار الحامية
سئل عطاء السليمي : ما هذا الحزن ؟ قال : ويحك ، الموت في عنقي ، والقبر بيتي ، وفي القيامة موقفي ، وعلى جسر جهنم طريقي لا أدري ما يُصنَع بي .
وكان فضالة بن صيفي كثير البكاء ، فدخل عليه رجل وهو يبكي فقال لزوجته ما شأنه ؟ قالت : زعم أنه يريد سفراً بعيداً ومالَه زاد .
لما احتضر هشام بن عبد الملك نظر إلى أهله يبكون حوله فقال : جاء هشام إليكم بالدنيا وجئتم له بالبكاء , ترك لكم ما جمَع و تركتم له ما حمل , ما أعظم مصيبة هشام إن لم يرحمه الله .
قال ابن القيم : اعرف قدر ما ضاع ، وابك بكاء من يدري مقدار الفائت .
وقال الألبيري - رحمه الله - :
ولا تضحكْ مع السفهاءِ يوماً فإنّك سوف تبكي إن ضحكتا !
ومَن لك بالسرور وأنتَ رهنٌ؟ وما تدري أتُفْدى ؟ أم غُلِلْتا ؟!
ولو بكت الدّما عيناك خوفاً ! لذنبك لم أقل لك قد أمِنْتا !(3/111)
ومَن لك بالأمان وأنتَ عبدٌ أُمِرْتَ فما ائتمرتَ ولا أطَعْتا!
10. البكاء عند زيارة القبور .عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله @" كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ؛ فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجراً " . رواه أحمد ( 13075 ) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 4584 ) .وروى مسلم في صحيحه ( 976 ) عن أبي هريرة < قال : زار النبي @ قبر أمه فبكى , وأبكى من حوله " .
وعن هانئ مولى عثمان < قال:كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته! فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا ؟! فقال إن رسول الله @ قال : " إن القبر أول منزل من منازل الآخرة ، فإن نجا منه ، فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه ؛ فما بعده أشد منه " قال : وقال رسول الله @: " ما رأيت منظراً قط إلاّ القبر أفظع منه " .رواه الترمذي ( 2308 ) وابن ماجه ( 4267 ) ، والحديث حسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " ( 3550 ) .
- وهذا مقطع من محاضرة للشيخ خالد الراشد بعنوان " أين دارك غداً ؟ " وهي عن القبر :
11. التفكر عند رؤية ما يُعتبَر كرؤية النار في الدنيا .
عن مغيرة بن سعد بن الأخرم قال : ما خرج عبد الله بن مسعود إلى السوق فمر على الحدادين فرأى ما يخرجون من النار إلا جعلت عيناه تسيلان . فإن المسلم أعرف أهل الأرض بربه تعالى ، فالواجب عليه أن يكون حاله لا كحال الآخرين ، فهو يعتبر ويتعظ بما يقرؤه ويسمعه من الآيات والمواعظ ، والقلب الخائف يثمر عيناً دامعة رجاء بلوغ رحمة الله تعالى ودخول الجنة ، تحقيقاً لوعد الله تعالى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله " رواه الترمذي ( 1639 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنه .(3/112)
12. الدعاء .وقد استعاذ النبي @ من القلب الذي لا يخشع ، وقد سبق ذِكر اتصال العين بالقلب .عن زيد بن أرقم قال لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله @ يقول ، كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها . رواه مسلم ( 2722 ) .
ومن أراد أن تدمع عينه فله أن يدعو الله بذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وكان عتبة الغلام سأل ربه ثلاث خصال : صوتاً حسناً ، ودمعاً غزيراً ، وطعاماً من غير تكلف ، فكان إذا قرأ بكى وأبكى ودموعه جارية دهره ، وكان يأوي إلى منزله فيصيب فيه قوته ولا يدري من أين يأتيه ." مجموع الفتاوى " ( 11 / 282 ) .
- وهذا مقطع من دعاء الشيخ ناصر القطامي :
13. التباكي .عن ابن أبي مليكة قال : جلسنا إلى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في الحِجر فقال : ابكوا ، فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا ، لو تعلموا العلم لصلَّى أحدكم حتى ينكسر ظهره ، ولبكى حتى ينقطع صوته . رواه الحاكم في "المستدرك" (4/622)، وصححه الألباني موقوفاً في " صحيح الترغيب " ( 3328 ) .وعن التباكي قال ابن القيم - بعد ذكره أنواع البكاء -: وما كان منه مستدعىً متكلفاً فهو التباكي وهو نوعان: محمود ومذموم فالمحمود : أن يُستحلب لرقة القلب ولخشية الله ، لا للرياء والسمعة ،
والمذموم : يُجتلب لأجل الخلق .
وقد قال عمر بن الخطاب < للنبي @ وقد رآه يبكي هو وأبو بكر في شأن أسارى بدر : أخبرني ما يبكيك يا رسول الله ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما ( أخرجه مسلم في صحيحه ( 1763 ) ضمن حديث مطول في الجهاد ) .ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم ، وقد قال بعض السلف : ابكوا من خشية الله فإن لم تبكوا فتباكوا .
" زاد المعاد " ( 1 / 185 ، 186 ) .(3/113)
ونسأل الله تعالى أن يجعل قلوبا وجلة ، وأعيننا دامعة من خشيته .
باب
باب ثواب ذكر الموت وقصر الأمل
عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - ، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ثلث الليل قام فقال: "يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه" قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: "ما شئت" قلت: الرُبُع؟ قال: "ما شئت فإن زدت فهو خير لك" قلت: فالثلثين؟ قال: "ما شئت فإن زدت فهو خير لك" قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: "إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك" (1) .
الراجفة: النفخة الأولى.
الرادفة: النفخة الثانية.
من صلاتي: من دعائي.
تكفي همك: المتعلق بالدارين كما في الرواية المرسلة "يكفيك الله هم الدنيا وهم الآخرة".
الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الذكر المشروع المستحب والذي تطمئن به القلوب وتذهب الهموم والأحزان.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت" (2) .
ورواه ابن حبان وزاد: "فإنه ما ذكره أحد في ضيق إلا وسعه، ولا ذكره في سعةٍ إلا ضيقها عليه" (3) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك (4) .
__________
(1) رواه أحمد، والترمذي وقال : حديث حسن صحيح، والحاكم وقال : صحيح الإسناد،السلسلة الصحيحة برقم(952)،والمشكاة برقم(5351)،وفضل الصلاة برقم(14)
(2) رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3333).
(3) المصدر السابق.
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6416).(3/114)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: خط النبي - صلى الله عليه وسلم - خطاً مربعاً وخط خطاً في الوسط خارجاً منه وخط خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط فقال: "هذا الإنسان وهذا أجله محيط به – أو قد أحاط به وهذا الذي هو خارج أمله وهذه الخطط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذه نهشه هذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا" (1) .
الأعراض: جمع عَرَض بفتحتين، وهو ما يتنفع به في الدنيا في الخير وفي الشر.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطاً وقال: "هذا الإنسان وخط إلى جنبه خطاً وقال: "هذا أجله" وخط آخر بعيداً منه فقال: "هذا الأمل" فبينما هو كذلك إذ جاءه الأقرب" (2) .
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك" (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا" (4) .
قال النووي رحمه الله: "معنى الحديث، الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل لا المقمر، ووصف - صلى الله عليه وسلم - نوعاً من شدائد تلك الفتن، وهو أن يمسي مؤمناً ثم يصبح كافراً أو عكسه – شك الراوي – وهذا لعظم الفتن ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب والله أعلم.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6417).
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6418).
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6488).
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (118).(3/115)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله قال - صلى الله عليه وسلم - : "بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان أو الدجال أو الدابة أو خاصة أحدكم أو أمر العامة" (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنةً" (2) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يتمنى أحدكم الموت إما محسناً فلعله يزداد وإما مسيئاً فلعله يستعتب" (3) .
يستعتب أي: يسترخي الله بالإقلاع والاستغفار والإستعتاب، الإعتاب بالهمز للإزالة، أي يطلب إزالة العتاب.
وفي رواية لمسلم: "لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه وإنه إذا مات انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً" (4) .
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا يتمنى أحدكم الموت لضرٍ نزل به فإن كان ولا بد فاعلاً فليقل اللهم أحيني ما دامت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي" (5) .
باب
ثواب الخوف من الله عز وجل وخشيته والخوف من عقابه
قال الله تعالى: { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجاتٍ عند ربهم ومغفرةٍ ورزقٍ كريم" (6) .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الفتن برقم (2947).
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6419).
(3) رواه البخاري في كتاب التمني برقم (7235) واللفظ له ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2682).
(4) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2682).
(5) رواه البخاري في كتاب المرض برقم (5671)، وفي كتاب الدعوات برقم (6351)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2680).
(6) سورة الأنفال الآية (2-4).(3/116)
وقال تعالى: { إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون } (1) .
وقال تعالى: { يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون } (2) .
وقال تعالى: { يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله } (3) .
وقال تعالى: { يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفسُ ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون } (4) .
والآيات في الباب كثيرة
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان رجل يُسرف على نفسه لما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً فلما مات فُعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك ففعلت فإذا هو قائم فقال: ما حملك على ما صنعت قال:خشيتك يا ربِّ أو قال مخافتك ، فغفر له" (5) .
وفي رواية، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله إذا مت فحرقوني فحرقوه ثم ذروه نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين فلما مات الرجل فعلوا به ما أمرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه، ثم قال: لم فعلت هذا قال: من خشيتك يا ربِّ وأنت أعلم فغفرَ الله تعالى له" (6) .
__________
(1) سورة المؤمنون (57-61)
(2) سورة النحل الآية (50).
(3) سورة النور الآية (37).
(4) سورة السجدة الآية (16-17).
(5) رواه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7506)، ومسلم في كتاب التوبة برقم (6914).
(6) المصدر السابق.(3/117)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن رجلاً كان قبلكم رغَسَهُ الله مالاً فقال لبنيه لما حُضِرَ أي أبٍ كنت لكم قالوا : خير أبٍ قال: فإني لم أعمل خيراً قط فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصفٍ ففعلوا فجمعه الله فقال: ما حملك فقال: مخافتك فتلقاه برحمته (1) .
قوله "رغسَه": بفتح الراء والغين المعجمة جميعاً وبالسين المهملة معناه: أكثر له منه وبارك له فيه.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" فذكرهم إلى أن قال" ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمالٍ فقال إني أخاف الله" (2) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" يقول الله عز وجل : إذا أراد عبدي أن يعمل سيئةً فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها بمثلها وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة" (3) .
وفي لفظ لمسلم: "إن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من جراي" (4) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد" (5) .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم(3478)،ومسلم في التوبة برق(2757).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6491)، ومسلم في الإيمان برقم (131).
(4) صحيح مسلم في كتاب الإيمان برقم (129).
(5) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (2755).(3/118)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة ما سمعت مثلها قط فقال: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" فغطى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم لهم خنين" (1) .
خنين: هو البكاء مع غنة بانتشار الصوت من الأنف.
وفي رواية: بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أصحابه شيء فخطب فقال: "عرضت علي الجنة والنار فلم أرَ كاليوم في الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" فما أتى على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أشد منه غطوا رؤوسهم ولهم خنين" (2) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزلة ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة" (3) .
"أدلج" : باسكان الدال أي سار من أول الليل، والمعنى أن من خاف الله تعالى شمر في طاعته وسار إليه عجلاً مع السابقين من السالكين فإذا مضى ليل المجاهدة وانفجر فجر الآخرة
وعن عبد العزيز وهو ابن صهيب قال: سأل قتادة أنساً: أي دعوة كان يدعو بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر؟ قال:كان أكثر دعوةٍ يدعو بها يقول: " اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"
قال: وكان أنس إذا أراد أن يدعو دعا بها (4) .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب التفسير برقم (4621)، ومسلم في كتاب الفضائل برقم (2359).
(2) رواه مسلم في كتاب الفضائل برقم (2359).
(3) رواه الترمذي وقال : حديث حسن برقم (2450)، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (5/6098).
(4) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6781)، وأبو داود في كتاب الصلاة باب الاستغفار برقم (1519).(3/119)
وعن أبي ربعي بن حنظلة بن الربيع الأسيدي الكاتب أحد كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لقيني أبو بكر - رضي الله عنه - فقال: كيف أنت يا حنظلة ؟ قلت : نافق حنظلة ! قال:سبحان الله ما تقول؟ قلت: نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرنا بالجنة والنار كأنا نراها رأي العين فإذا خرجنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، قال أبو بكر رضي الله عنه: فوالله لنلقى مثل هذا فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "وما ذاك" قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي العين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وطرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة" ثلاث مرات (1) .
عافسنا : بالعين والسين المهملتين أي : عالجنا ولاعبنا.
والضيعات: المعايش.
وقوله: "لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم" أي لشده اليقين الذي عندكم تصافحكم الملائكة إكراماً وتثبيتاً .
ساعة وساعة: ثلاث مرات: أي ساعة للرب عز وجل وساعة مع الأهل والأولاد وساعة للنفس حتى يُعطى الإنسان لنفسه راحتها ويعطي ذوي الحقوق حقوقهم لا كما يفهمها بعض الجهلة ساعة للرب عز وجل وساعة للمعاصي كما يقولون ساعة لربك وساعة لقلبك وهم في الحقيقة قد يقضون الساعتين في المعصية والله تعالى أعلم.
باب
ثواب اليقين والتوكل
__________
(1) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (2750).(3/120)
قال الله تعالى: { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبُنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضلٍ عظيم } (1) .
وقال تعالى : { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } (2) . أي : كافيه.
وقال تعالى: { إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجاتُ عند ربهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريم } (3) .
قوله: "وعلى ربهم يتوكلون": أي يفوضون أمورهم كلها إلى مالكهم ومدبرهم لا إلى أحد سواه.
وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، في قصة هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة قال:نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على روؤسنا فقلت : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا فقال: "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما" (4) .
وعن أبي عمارة البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يافلان إذا أويت إلى فراشك فقل : اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإنك إن مت من ليلتك مت على الفطرة وإن أصبحت أصبت خيراً" (5) .
وفي رواية قال:" واجعلهن آخر ما تقول"
__________
(1) سورة آل عمران الآية (173-174).
(2) سورة الطلاق الآية (3).
(3) سورة الأنفال الآية (2-4).
(4) أخرجه البخاري في كتاب التفسير برقم (4663)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (2381).
(5) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6313 و6315)، وفي كتاب الوضوء برقم (247)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2710).(3/121)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لو أنكم تتوكلون على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً" (1) .
"حق توكله" أي : توكلاً حقيقياً تعتمدون على الله تعالى اعتماداً كاملاً في طلب رزقكم وغيره.
"تغدو خماصاً " الغدو : الذهاب في أول النهار، وخماصاً : جائعة ليس في بطونها شيء لكنها متوكلة على ربها عز وجل.
" وتروح بطاناً" : أي ترجع في آخر النهار والرواح هو آخر النهار.
وبطاناً : أي ممتلئة البطون من رزق الله عز وجل.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : " عُرضت علي الأُمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أُمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي :أنظر إلى الأفق الآخر فإذا سواء عظيم فقيل لي : هذه أُمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب" فقال: بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئاً وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما الذي تخوضون فيه؟ " فأخبروه فقال: " هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون"
فقال عكاشة بن محصن : فقال : ادع الله أن يجعلني منهم فقال "أنت منهم" ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم فقال: "سبقك بها عكاشة" (2) .
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (1/30، 52)، والترمذي في كتاب الزهد برقم(2344) ، وابن ماجه في كتاب الزهد برقم (4164)، والحاكم في المستدرك (4/318)، وقال : حسن صحيح ولم يخرجاه، ،وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع برقم (5254).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق برقم(6541)،ومسلم في كتاب الإيمان برقم(220)(3/122)
الرهيط: بضم الراء تصغير رهط وهم دون عشرة أنفس.
الأفق : الناحية .
لا يرقون: هذه الكلمة أنكرها شيخ الإسلام ابن تيمية كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح(11/416) ، وهي كلمة غير صحيحة لأن معناها لا يقرؤون على المرضى وهذا باطل بينما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرقي المرضى، والقراءة على المريض ممدوحة وهي من الإحسان.
(لا يسترقون) أي: لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم إذا أصابهم شيء وهو من كمال الإيمان
لا يكتوون أي: لا يطلبون من أحد أن يكويهم إذا مرضوا.
لا يتطيرون أي: لا يتشاءمون.
وعلى ربهم يتوكلون أي: يعتمدون عليه وحده سبحانه وتعالى.
باب
القناعة بالكفاف والتعفف
قال الله تعالى: { للفقراء الذين أُحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً وما تنفقوا من خيرٍ فإن الله به عليم } (1) .
وقال تعالى: { فلنحيينه حياةً طيبة } (2) .
وروي عن ابن عباس : أنها القناعة .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه" (3) .
وعن فضالة بن عبد الله - رضي الله عنه - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "طوبى لمن هُدي للإسلام وكان عيشه كفافاً وقنع" (4) .
الكفاف: من الرزق: ما كفَّ عن الحاجة و السؤال مع القناعة لا يزيد على قدر الحاجة والضرورة.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس" (5) .
__________
(1) سورة البقرة الآية (273).
(2) سورة النحل الآية (97).
(3) رواه مسلم .
(4) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (830)
(5) رواه البخاري، ومسلم.(3/123)
وعن حكيم بن حزام قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة ، ما كان عن ظهر غنى ومن يستعفف يُعفه الله ومن يستغني يغنه الله" (1) .
اليد العليا: اليد المنفقة المعطية التي لا تمحق.
اليد السفلى : اليد السائلة .
خير الصدقة : أفضل ما أخرجه المسلم.
ظهر غنى : غير احتياج إليها بعد أن يستغني منه قدر الكفاية لأهله وعياله أو يرصده لسداد الدين.
يستعفف : يطلب من الله العفة وهي : الكف عن الحرام .
يعفه الله : يقنع بما قسم الله له .
يستغني : يقنع بما قسم الله له .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال، وهو على المنبر وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة: "اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى واليد العليا هي المتعففة والسفلى هي السائلة" (2) .
قال ابن حجر: فهذه الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا هي المنفقة المعطية وأن السفلى هي السائلة، وهذا هو المعتمد وهو قول الجمهور، وقيل اليد السفلى الآخذة سواء كان بسؤال أم بغير سؤال، وهذا أباه قوم واستندوا إلى أن الصدقة تقع في يد الله قبل يد المتصدق عليه. (3)
__________
(1) رواه البخاري، ومسلم.
(2) رواه البخاري في الزكاة برقم (1429)، باب لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (2382)، باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى وأن اليد العليا هي المنفقة وأن السفلى هي الآخذة .
(3) فتح الباري .(3/124)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى إذا نفد ما عنده قال: " ما يكون عندي من خيرٍ فلن أدخره عنكم ومن استعف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطى الله أحداً عطاءً هو خير وأوسع من الصبر" (1) .
باب
ثواب من رجا الله وأحسن الظن به
قال الله تعالى: { يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفسٌ ما أُخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون } (2) .
وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ } (3) .
قال ابن الجوزي: واعلم أن من رجا الرحمة تعرض لأسبابها، فمن أسبابها التوبة من الزلل، كما أنّ من رجا أن يحصد زرع، وقد قال الله عز وجل: { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم } ، يعني أن الرجاء بهؤلاء يليق، وأما المصرون على الذنوب وهم
يرجون الرحمة فرجاؤهم بعيد، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «الكَيِّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني». (4)
__________
(1) رواه البخاري (1469) وأخرجه في كتاب الرقاق (6470)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (2421).
(2) سورة السجدة الآية (16-17).
(3) سورة البقرة الآية (218).
(4) رواه أحمد والترمذي والبيهقي في الزهد، والحاكم في الإيمان من حديث أبي بكر بن أبي مريم الغساني عن ضمرة عن شداد بن أوس، قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري قال الذهبي: لا واللّه أبو بكر واه قال ابن طاهر: مدار الحديث عليه وهو ضعيف جداً.فيض القدير. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (4305) .
ضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (4305) .(3/125)
وقد قال معروف الكرخي: رجاؤك لرحمة من لا تطيعه خذلان وحمق . (1)
وقال تعالى : { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارةً لن تبور ليوفيهم أُجورهم من فضله } (2) .
وقال تعالى: { أمن هو قانتٌ آناء الليل ساجداً وقائماًُ يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب } (3) .
وتقدم حديث الثلاثة نفر الذين آووا إلى الغار فدعوا الله بصالح أعمالهم.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة" (4) .
عْنان السماء: صَفائحُها وما اعترَضَ من أَقطارها، كأَنه جمع عَنَنٍ. (5) .
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يقول الله عز وجل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة سيئة مثلها أو أغفر ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئاً لقيته بمثلها مغفرة (6) .
قراب الأرض: ملئ الأرض
الباع : طول ذراعي الإنسان وعضده وعرض صدره.
__________
(1) تلبيس إبليس (ص189) .
(2) سورة فاطر الآية (29).
(3) سورة الزمر الآية (9).
(4) رواه الترمذي برقم (3540)، وحسنه الألباني في الصحيحة برقم (127)، وصحيح الجامع (4/4214).
(5) لسان العرب .
(6) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6774).(3/126)
قال ابن قيم الجوزية: فلو لقى الموحد الذى لم يشرك بالله شيئا البتة ربه بقراب الأرض خطايا أتاه بقرابها مغفرة، ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده وشابه بالشرك. فإن التوحيد الخالص الذى لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب. فإنه يتضمن من محبة الله تعالى وإجلاله، وتعظيمه، وخوفه، ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب، ولو كانت قراب الأرض، فالنجاسة عارضة، والدافع لها قوى فلا تثبت معه، ولكن نجاسة الزنا واللواط أغلظ من غيرهما من النجاسات، من جهة أنها تفسد القلب، وتضعف توحيده جدا، ولهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركاء، فكلما كان الشرك فى العبد أغلب كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر، وكلما كان أعظم إخلاصا كان منها أبعد، كما قال تعالى عن يوسف الصديق عليه السلام.
{ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخْلَصِينَ } (1) اهـ. (2)
وعن جعفر بن سليمان، عن ثابت عن أنس - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على شاب وهو في الموت فقال: "كيف تجدك" قال: أرجو الله يا رسول الله وإني أخاف ذنوبي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يجتمعان في قلب عبد مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف". (3)
وعنه أيضا، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني". (4)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل موته بثلاثة
__________
(1) سورة يوسف آية (24) .
(2) إغاثة اللهفان (1/81) .
(3) رواه ابن ماجة برقم (4261) والترمذي برقم (983) وقال: هذا حديث حسن غريب، وحسنه الألباني رحمه الله في الصحيحة.
(4) رواه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7405)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6773).(3/127)
أيام يقول: "لا يموت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل". (1)
قال العلماء : معنى حسن الظن بالله تعالى : أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه". (2) .
وقال المروذي : دخلت يوماً على أحمد فقلتُ : كيف أصبحتَ؟ قال : كيف أصبح مَنْ رَبُّهُ يطالبه بأداء الفرائض، ونبِيُّهُ يطالبه بأداء السنة، والمَلَكانِ يطالبانه بتصحيح العمل، ونفسُه تطالبه بهواها، وإبليس يطالبه بالفحشاء ، ومَلَكُ الموت يطالبه بقبضِ روحه ، وعياله يطالبونه بنفقتهم؟!
وقال رجل لبشر بن الحارث : يا أبا نصر، إني واللهِ أُحبُّكَ ، فقال: وكيفَ لا تُحبني ولستَ لي بجارٍ ولا قرابة .
وقال إبراهيم بن جعفر : قلتُ لأحمدَ بن حنبل : الرجل يبلغني عنه صلاحٌ ، أفاذهبُ أصلي خلفه؟ قال لي أحمد : انظر إلى ما هو أصلح لقلبك فافعله . (3)
فالدنيا مصيرها إلى الفناء كما ذكرنا آنفاً والعاقل من زرع فيها الخير وترك العمل الصالح .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ركعتان خفيفتان بما تحقرون و تنفلون يزيدهما هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم" . (4)
ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون: أي تتنقلون به يزيدهما هذا الرجل الذي ترونه أشعث أغبر لا يؤبه به ولا يلتفت إليه في عمله أحب إليه من بقية دنياكم، لأن الصلاة توصل إلى علو الدرجات في الجنان والخلود في جوار الرحمن وسيأتي أن الصلاة مكال فمن وفى استوفى والصلاة فرضها أفضل الفروض ونفلها أفضل النوافل فلذلك كانت ركعتان يزيدهما الرجل في صلاته خير من الدنيا وما فيها . (5)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنة برقم (2877)، وأبو داود برقم (3113)، وأحمد برقم (13711) ، وابن ماجة برقم (4167).
(2) شرح النووي على مسلم .
(3) الآداب الشرعية لابن مفلح (2/354) .
(4) رواه ابن المبارك في الزهد عن أبي هريرة، صحيح الحاجع حديث رقم(3518).
(5) فيض القدير .(3/128)
قال ابن قيم الجوزية: وقد مثلت الدنيا بمنام والعيش فيها بالحلم والموت باليقظة، ومثلت بمزرعة والعمل فيها بالبذر والحصاد يوم المعاد ، ومثلت بدار لها بابان: باب يدخل منه الناس وباب يخرجون منه، ومثلت بحية ناعمة الملمس حسنة اللون وضربتها الموت، ومثلت بطعام مسموم لذيذ الطعم طيب الرائحة من تناول منه بقدر حاجته كان فيه شفاؤه ومن زاد على حاجته كان فيه حتفه، ومثلت بالطعام في المعدة اذا أخذت الأعضاء منه حاجتها فحبسه قاتل أو مؤذ ولا راحة لصاحبه الا في خروجه كما أشار اليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في آكلة الخضر وقد تقدم، ومثلت بامرأة من أقبح النساء قد انتقبت على عينين فتنت بهما الناس وهي تدعو الناس الى منزلها فإذا أجابوها كشفت لهم عن منظرها وذبحتهم بسكاكينها وألقتهم في الحفر وقد سلطت على عشاقها تفعل بهم ذلك قديما وحديثاً.
والعجب أن عشاقها يرون اخوانهم صرعى قد حلت بهم الآفات وهم ينافسون في مصارعهم { وسكَنتُم في مَساكِنِ الَّذينَ ظَلَموا أَنفُسَهُم وتَبَيَّنَ لَكُم كَيفَ فَعلنا بهم وَضَرَبنا لَكُم الأَمثَال } (1) ويكفي في تمثيلها ما مثلها الله سبحانه في كتابه فهو المثل المنطبق عليها.
__________
(1) سورة إبراهيم آية (45) .(3/129)
قالوا: وإذا كان هذا شأنها فالتقلل منها والزهد فيها خير من الإستكثار منها والرغبة فيها قالوا: ومن المعلوم أنه لا تجتمع الرغبة فيها مع الرغبة في الله والدار الآخرة أبداً ولا تسكن هاتان الرغبتان في مكان واحد الا وطردت إحداهما الأخرى واستبدت بالمسكن ولا تجتمع بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبنت عدو الله عند رجل واحد أبداً قالوا: ويكفي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرضت عليه مفاتيح كنوزها ولو أخذها لكان أشكر خلق الله بها ولم تنقصه مما له عند الله شيئاً فاختار جوع يوم وشبع يوم ومات ودرعه مرهونة على طعام لأهله كما تقدم ذكره. قالوا: وقد انقسم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أقسام: قسم لم يريدوا الدنيا ولم تردهم كالصديق ومن سلك سبيله وقسم أرادتهم الدنيا ولم يريدوها كعمر ابن الخطاب ومن سلك سبيله وقسم أرادوا الدنيا وأرادتهم كخلفاء بني أمية ومن سلك سبيلهم حاشا عمر بن عبد العزيز فانها أرادته ولم يردها وقسم أرادوها ولم تردهم كمن أفقر الله منها يده وأسكنها في قلبه وامتحنه بجمعها ولا يخفى أن خير الأقسام القسم الأول والثاني انما فضل لأنه لم يردها فالتحق بالأول.اهـ. (1)
وعن عُقبةَ رضيَ اللَّه عنه «أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خرَجَ يوماً فصلى على أهل أُحُدٍ صلاتَه على الميِّت، ثم انصرفَ على المنبر، فقال: إني فَرَطٌ لكم، وأنا شهيدٌ عليكم، وإني واللَّهِ لأنظرُ إلى حَوضي الآن. وإني أُعطيتُ مَفاتيحَ خزائن الأرض ـ أو مفاتيحَ الأرض ـ وإني واللَّه ما أخافُ عليكم أن تُشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تَنافَسوا فيها». (2)
__________
(1) عدة الصابرين (ص247) .
(2) رواه البخاري برقم (6443)، باب ما جاء في الرقاق، ومسلم برقم (5929)، باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته .(3/130)
وقد سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدله على عمل إذا فعله أحبه الله وأحبه الناس، فقال له: "إِزهَد في الدُنيا يُحِبُكَ اللَهُ واَزهَد في ما في أيدي الناس يُحِبُكَ الناس" (1) ، فلو كان الغنى أفضل لدله عليه.اهـ. (2)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه قال: يا أيها الناس إني لكم ناصح إني عليكم شفيق صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور، وصوموا الدنيا لحر يوم النشور، وتصدقوا مخافة يوم عسير ، يا أيها الناس إني لكم ناصح إني عليكم شفيق. (3)
من أجل ذلك فحبنا في الله يدفعنا دفعاً إلى أن يهز أحدنا أخاه إذا أحس منه غفلة، أولمس منه أملاً بعيداً يصرفه عن الطاعات ويصيح فيه :
أفق من سباتك قبل أن ينادي فيك بالرحيل .
لا تأمن الموت في طرف وفي نفس وإن تستَّرت بالحُجّاب والحرس
واعلم بأن سهام الموت قاصدة لكل مدرّع منا ومتّرس
ما بال دينك ترضى أن تدنسه وثوبك الدهر مغسول من الدنس
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس (4)
__________
(1) الحديث عن سهل بن سعد، رواه البيقي والطبراني والحاكم، صححه الألباني في صحيح الجامع برقم (922). وفي رواية عن أنس: ازهد في الدنيا يحبك الله وأما الناس فانبذ إليهم هذا يحبوك . صحيح حديث رقم (923) .
صحيح حديث رقم (923) .
(2) عدة الصابرين (ص247).
(3) الزهد لأحمد بن حنبل (ص148) .
(4) سباق نحو الجنان (ص105-106) .(3/131)
قال ابن قيم الجوزية: لما رأى المتيقظون سطوة لدنيا بأهلها وخداع الامل لاربابه وتملك الشيطان وقياد النفوس راوا الدولة للنفس الامارة لجأوا الى حصن التضرع والالتجاء كما يأوي العبد المذعور الي حرم سيده سيده شهوات الدنيا كلعب الخيال ونظر الجاهل مقصور على الظاهر فاما ذو العقل فيرى ما ووراء الستر لاح لهم المشتهى فلما مدوا أيدى التناول بأن لابصار البصائر خبط الفخ فطاروا بأجنحة الحذر وصوبوا الى الرحيل الثاني ياليت قومي يعلمون تلمح القوم الوجود ففهموا المقصود فاجمعوا الرحيل قبل الرحيل وشمروا للسير في سواء السبيل فالناس مشتغلون بالفضلات وهم في قطع الفلوات وعصافير الهوى في وثاق الشبكة ينتظرون الذبح وقع ثعلبان في شبكة فقال أحدهما للآخر أين الملتقى بعد هذا فقال بعد يومين في الدباغة تالله ما كانت الأيام الا مناما فليستيقظوا وقد حصلوا على الظفر ما مضى من الدنيا أحلام وما بقى منها أماني والوقت ضائع بينهما كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه وولد لا يعذره وجار لا يأمنه وصاحب لا ينصحه وشريك لا ينصفه وعدو لا ينام عن معاداته ونفس أمارة بالسوء ودنيا متزينة وهوى مرد وشهوة غالبة له وغضب قاهر وشيطان مزين وضعف مستول عليه فأن تولاه الله وجذبه إليه انقهرت له هذه كلها وان تخلى عنه ووكله إلى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة. الفوائد. (1)
وقال: فالكيس يقطع من المسافة بصحة العزيمة وعلو الهمة وتجريد القصد وصحة النية مع العمل القليل أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثير والسفر الشاق فان العزيمة والمحبة تذهب المشقة وتطيب السير والتقدم والسبق إلى الله سبحانه إنما هو بالهمم وصدق الرغبة والعزيمة فيتقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب العمل الكثير بمراحل فإن ساواه في همته تقدم عليه بعمله. (2)
__________
(1) الفوائد (1/48) .
(2) الفوائد (1/142) .(3/132)
وعن مصعب بن سعد مرسلا: "احذروا الدنيا فإنها خضرة حلوة". (1)
قوله: (احذروا الدنيا) قال المناوي: أي الاسترسال في شهواتها والانكباب على ملاذها واقتصروا منها على الكفاف (فإنها خضرة) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين أي حسنة المنظر مزينة في العيون آخذة بمجامع القلوب (حلوة) بالضم أي حلوة المذاق صعبة الفراق قال في المطامحفيه استعارة مجازية ومعجزة نبوية فخضرتها عبارة عن زهرتها وحسنها، وحلاوتها كناية عن كونها محببة للنفوس مزينة للناظرين وهو إخبار عن غيب واقع، فإن قلت إخباره عنها بخضرتها وحلاوتها يناقضه إخباره في عدة أخبار بقذارتها وأن الله جعل البول والغائط مثلاً لها؟ قلت لا منافاة فإنها جيفة قذرة في مرأى البصائر وحلوة خضرة في مرأى الأبصار فذكر ثم أنها جيفة قذرة للتنفير وهنا كونها حلوة خضرة للتحذير فكأنه قال لا تغرنكم بحلاوتها وخضرتها فإن حلاوتها في الحقيقة مرارة وخضرتها يبس. فللّه در كلام المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ما أبدعه . (2)
وعن عمرة بنت الحارث بن أبي ضرار: "إن الدنيا حلوة خضرة فمن أصاب منها شيئا من حله فذاك الذي يبارك له فيه و كم من متخوض في مال الله و مال رسوله له النار يوم القيامة" . (3)
وعن أبي مالك الأشعري: "حلوة الدنيا مرة الآخرة و مرة الدنيا حلوة الآخرة" . (4)
__________
(1) رواه أحمد في الزهد عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، صحيح الجامع حديث رقم (192).
(2) فيض القدير .
(3) صحيح الجامع حديث رقم (1608).
(4) صحيح الجامع حديث رقم (3155).(3/133)
قوله: (حلوة الدنيا مرة الآخرة ومرة الدنيا حلوة الآخرة) قال المناوي: يعني لا تجتمع الرغبة فيها والرغبة في اللّه والآخرة بها ولا يسكن هاتان الرغبتان في محل واحد إلا طردت إحداهما الأخرى واستبدت بالمسكن فإن النفس واحدة والقلب واحد فإذا اشتغلت بشيء انقطع عن ضده .قال الإمام الرازي: الجمع بين تحصيل لذات الدنيا ولذات الآخرة ممتنع غير ممكن واللّه يمكن المكلف من تحصيل أيهما شاء فإذا أشغله بتحصيل أحدهما فقط فقد فوت الأجر على نفسه . اهـ. (1)
ولهذا قال روح اللّه عيسى لا يستقيم حب الدنيا والآخرة في قلب مؤمن كما لا يستقيم الماء والنار في إناء واحد ويحتمل أن يكون المراد حلوة الدنيا ما تشتهيه النفس في الدنيا مرة الآخرة أي يعاقب عليه في الآخرة ومرة الدنيا ما يشق عليه من الطاعات حلوة الآخرة أي يثاب عليه في الآخرة .
وعن ابن عمرو الدنيا: "حلوة خضرة فمن أخذها بحقه بورك له فيها و رب متخوض فيما اشتهت نفسه ليس له يوم القيامة إلا النار" . (2)
واعلم أخي أن المعاصي هي الطريق لِضَنك العيش في الدنيا، وأنها سبب لسخطِ الله في الدنيا والآخرة .
يقولُ أَحدُ السلفِ:
رَأيْتُ الذّنُوبَ تُمِيتُ القلوب
وقَدْ يُورِثُ الذّلّ إدمَانُها
وتَركُ الذّنُوبِ حياةُ القُلُوبِ
وخُيْر لنفْسِكَ عِصْيَانُها
ويقولُ آخرُ:
نُحْنُ ندعوا الإلهَ
في كلِّ كَرْبِ
ثُمَّ نَنْساهُ عِنْدَ
كَشْفِ الكُرُوبِ
كَيْفَ نرجو إجابةً لدعاءٍ
قد سدَدْنا طريقَها بالذّنوبِ
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: إن للحسنة نوراً في القلب، وزيناً في الوجه، وقوة في البدن ، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق .
__________
(1) فيض القدير .
(2) صحيح الجامع حديث رقم (3410).(3/134)
فإن العبد على جناح سفر إما إلى الجنة وإما إلى النار فإذا طال عمره وحسن عمله كان طول سفره زيادة له في حصول النعيم واللذة فإنه كلما طال السفر أيها كانت الصبابة أجل وأفضل وإذا طال عمره وساء عمله كان طول سفره زيادة في ألمه وعذابه ونزولا له إلى أسفل فالمسافر إما صاعد وإما نازل . (1)
فإنّ المرجوَ منَ المسلمِ العاقلِ الذي لا بُدَّ له أن يلقيَ سمعه وأن يُحْضِرَ قلبه ، وأن يجعله شاهداً حاضراً حتى تنفعه الذِّكرى ، أن ينكب باكياً نادماً إذا كان من أصحاب المعاصي والذنوب مقلعاً عنها تاركاً لها عبادةً وديانةً ، وخوفاً من الله سبحانه وتعالى الذي يأخذُ بالذَّنب ويعاقبُ عليه
، وهو أيضاً جَلَّ في عُلاه يقبلُ توبةَ التائبين ويَسمعُ أَنينَ العائدينَ المنيبينَ، فيغفرُ لهم بسعةِ رحمتهِ وعظيمِ مَنّهِ وكرمهِ.
قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً } . (2)
__________
(1) الفوائد (1/189) .
(2) سورة الفرقان آية (68-71) .(3/135)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فليس لأحد أن يظن استغناءه عن التوبة إلى الله والاستغفار من الذنوب؛ بل كل أحد محتاج إلى ذلك دائماً. قال الله تبارك وتعالى: { إِنَّا عَرَضْنَا الاَْمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } . (1) فالإنسان ظالم جاهل وغاية المؤمنين والمؤمنات التوبة. وقد أخبر الله تعالى في كتابه بتوبة عباده الصالحين ومغفرته لهم.اهـ. (2)
فعلينا أن نتوب من الذنوب والمعاصي ونستعد ليوم القيامة { يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } . (3)
قال ابن قيم الجوزية: والقلب السليم : هو الذي سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرياسة ، فسلم من كل آفة تبعده من الله وسلم من كل شبهة تعارض خبره ومن كل شهوة تعارض أمره وسلم من كل إرادة تزاحم مراده وسلم من كل قاطع يقطعه عن الله ، فهذا القلب السليم في جنة معجلة في الدنيا وفى جنة في البرزخ وفى جنة يوم المعاد ، ولا يتم له سلامته مطلقا حتى يسلم من خمسة أشياء :
1- من شرك يناقض التوحيد .
2- وبدعة تخالف السنة .
3- وشهوة تخالف الأمر .
4- وغفلة تناقض الذكر وهو يناقض التجريد .
__________
(1) سورة الأحزاب (72 ـ 73) .
(2) مجموع الفتاوى (11/218) .
(3) ) ) سورة الشعراء الآية (88-89) .(3/136)
5- والإخلاص يعم ، وهذه الخمسة حجب عن الله وتحت كل واحد منها أنواع كثيرة تتضمن أفراد الأشخاص لا تحصر ، ولذلك اشتدت حاجة العبد بل ضرورته إلى أن يسأل الله أن يهديه الصراط المستقيم فليس العبد أحوج إلى شيء منه إلى هذه الدعوة ، وليس شيء أنفع منها . (1)
وقال في موضع آخر: فالقلب السليم: هو الذى سلم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجه ما، بل قد خلصت عبوديته لله تعالى: إرادة ومحبة، وتوكلا، وإنابة، وإخباتا، وخشية، ورجاء. وخلص عمله لله، فإن أحب أَحَبَّ فى الله، وإن أبغض أبغض فى الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منع منع لله ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحكيم لكل من عدا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فيعقد قلبه معه عقدا محكما على الائتمام والاقتداء به وحده، دون كل أحد فى الأقوال والأعمال من أقوال القلب، وهى العقائد، وأقوال اللسان؛ وهى الخبر عما فى القلب. وأعمال القلب، وهى الإرادة والمحبة والكراهة وتوابعها، وأعمال الجوارح. فيكون الحاكم عليه فى ذلك كله دقه وجله هو ما جاء به الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فلا يتقدم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا عمل، كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقدِّمُوا بَيْنَ يَدَىِ اللهِ وَرَسُولهِ } . (2)
أى لا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمر، قال بعض السلف: ما من فعلة وإن صغرت إلا ينشر لها ديوانان: لم؟ وكيف؟ أى لم فعلت؟ وكيف فعلت؟ فالأول: سؤال عن علة الفعل وباعثه وداعيه؛ هل هو حظ عاجل من حظوظ العامل، وغرض من أغراض الدنيا فى محبة المدح من الناس أو خوف ذمهم، أو استجلاب محبوب عاجل، أو دفع مكروه عاجل؟ أم الباعث على الفعل القيام بحق العبودية، وطلب التودد والتقرب إلى الرب سبحانه وتعالى، وابتغاء الوسيلة إليه؟.
__________
(1) ) ) الجواب الكافي (1/84) .
(2) سورة الحجرات الآية (1) .(3/137)
ومحل هذا السؤال: أنه، هل كان عليك أن تفعل هذا الفعل لمولاك، أم فعلته لحظك وهواك؟.
والثانى: سؤال عن متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام فى ذلك التعبد، أى هل كان ذلك العمل مما شرعته لك على لسان رسولى، أم كان عملا لم أشرعه ولم أرضه؟.
فالأول سؤال عن الإخلاص، والثانى عن المتابعة، فإن الله سبحانه لا يقبل عملا إلا بهما.
فطريق التخلص من السؤال الأول: بتجريد الإخلاص، وطريق التخلص من السؤال الثانى: بتحقيق المتابعة، وسلامة القلب من إرادة تعارض الإخلاص، وهوى يعارض الاتباع. فهذه حقيقة سلامة القلب الذى ضمنت له النجاة والسعادة .اهـ. (1)
وعلينا أن ندعوا بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كَانَ يقُولُ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِيَ الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي. وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي. وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي. وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ. وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرَ». (2)
الخاتمةُ نسألُ الَلهَ حُسنها
وأخيراً أخوتي في الله ، وبَعدَ أن تعرفنا على الآداب الشرعية بأنواعها وأضرابها ، وعَرَضنا لآثارها في الدنيا والآخرة ، حيثُ أنها سبب لرضا الله تعالى في الدنيا والآخرة، وهي طريق لِسعة العيش أيضاً في الدنيا .
والسعيد من مضى عليه يومه وازداد فيه عمله الصالح وكثرت حسناته.
قال ابن مسعود >: ما ندمت على شيء ندمي على يوم يمضي ينقص من أجلي ولم يزدد فيه عملي .
__________
(1) ) ) إغاثة اللهفان (1/9) .
(2) الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رواه مسلم برقم (6853)، باب الحث على ذكر الله .(3/138)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: أقام الله سبحانه هذا الخلق بين الأمر والنهي والعطاء والمنع فافترقوا فرقتين فرقة قابلت أمره بالترك ونهيه بالارتكاب وعطاءه بالغفلة عن الشكر ومنعه بالسخط، وهؤلاء أعداؤه وفيهم من العداوة بحسب ما فيهم من ذلك، وقسم قالوا إنما نحن عبيدك فإن أمرتنا سارعنا إلى الإجابة وان نهيتنا أمسكنا نفوسنا وكففناها عما نهيتنا عنه وان أعطيتنا حمدناك وشكرناك وان منعتنا تضرعنا إليك وذكرناك، فليس بين هؤلاء وبين الجنة إلا ستر الحياة الدنيا فإذا مزقه عليهم الموت صاروا إلى النعيم المقيم وقرة الأعين، كما أن أولئك ليس بينهم وبين النار إلا ستر الحياة فإذا مزقه الموت صاروا إلى الحسرة والألم فإذا تصادمت جيوش الدنيا والآخرة في قلبك وأردت أن تعلم من أي الفريقين أنت فانظر مع من تميل منهما ومع من تقاتل إذ لا يمكنك الوقوف بين الجيشين فأنت مع أحدهما لا محالة فالفريق الأول استغشوا الهوى فخالفوه واستنصحوا العقل فشاوروه وفرغوا قلوبهم للفكر فيما خلقوا له وجوارحهم للعمل بما أمروا به وأوقاتهم لعمارتها بما يعمر منازلهم في الآخرة واستظهروا على سرعة الأجل بالمبادرة إلى الأعمال وسكنوا الدنيا وقلوبهم مسافرة عنها واستوطنوا الآخرة قبل انتقالهم إليها واهتموا بالله وطاعته على قدر حاجتهم إليها وتزودوا للآخرة على قدر مقامهم فيها فعجل لهم سبحانه من نعيم الجنة وروحها أن آنسهم بنفسه وأقبل بقلوبهم إليه وجمعها على محبته وشوقهم إلى لقائه ونعمهم بقربه وفرغ قلوبهم مما ملأ قلوب غيرهم من محبة الدنيا والهم والحزن على فوتها والغم من خوف ذهابها فاستلانوا ما استوعره المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون صحبوا الدنيا بأبدانهم والملأ الأعلى بأرواحهم.اهـ. (1)
__________
(1) الفوائد (1/194) .(3/139)
وإني أحمدُ الله تعالى أن وفقني لجمع هذه النصوص والنقولات عن السلف الصالح وإخراج هذا الكتاب وتقديمه لإخواني ليكون فيه النفع الكبير بإذن الله جل وعلا .
فالحمد لله على منّه وكرمه وتوفيقه لنا، وأستغفر الله تعالى مما وقع فيه من قصور وزلل فالكمال لله وحده .
فهو سبحانه يقبل التائبين ويَسمعُ أَنينَ العائدينَ المنيبينَ، فيغفرُ لهم بسعةِ رحمتهِ وعظيمِ مَنّهِ وكرمهِ.
جعلني الله وإياكم من التائبين العائدين المنيبين ومن المرحومين المغفور لهم بفضل الله ورحمته سبحانه وتعالى .
وبهذا تم الكتاب، ولله الحمد والمنَّة، فهذا هو جهدنا وهو جُهدُ المُقِلِّ، وهذه مقدرتُنا، فنسألُ الله العظيمَ أنْ ينفعَ بِه المسلمينَ، وأن يكونَ زاداً يَتزوّدون بهِ في يومِ المعاد ... اللهم آمين
وآخرُ دَعْوانا أنِ الحَمْدُ لله رَبِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمُرسلين محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبِه أَجْمَعينَ
كتبه
العبد الفقير الراجي عفو ربه
ماجد بن خنجر البنكاني
أبو أنس العراقي
مصادر الكتاب
1- القرآن الكريم .
2- موطأ الإمام مالك .
3- مسند الإمام أحمد .
4- صحيح البخاري .
5- صحيح مسلم .
6- مستدرك الحاكم .
7- سنن الدارمي .
8- مسند أبي يعلى .
9- فتح الباري .
10- شرح صحيح مسلم للنووي .
11- تفسير الطبري .
12- تفسير القرآن العظيم لابن كثير .
13- تفسير القرطبي .
14- تفسير الجلالين .
15- أحكام القرآن .
16- تفسير السعدي .
17- طبقات المفسرين للداودي .
18- مصنف عبد الرزاق .
19- مصنف ابن أبي شيبة .
20- مجمع الزوائد للهيثمي .
21- مستدرك الحاكم .
22- عمل اليوم والليلة لابن السني .
23- شعب الإيمان للبيهقي .
24- موارد الظمآن .
25- فيض القدير .
26- سنن النسائي .
27- سنن أبي داود .
28- زوائد البوصيري .
29- المنة الكبرى شرح السنن الصغرى للبيهقي .
30- معالم السنن على حاشية سنن أبي داود .
31- المعجم الكبير .(3/140)
32- المعجم الأوسط .
33- المعجم الصغير .
34- الطحاوي في مشكل الآثار .
35- جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر .
36- مسند البزار .
37- الأدب المفرد للبخاري .
38- تذكرة الحفاظ .
39- مسند الحارث زوائد الهيثمي .
40- مسند الشهاب للقضاعي .
41- السنن الواردة في الفتن .
42- الترغيب والترهيب .
43- المحلى لابن حزم .
44- عون المعبود .
45- رياض الصالحين .
46- شرح رياض الصالحين لابن عثيمين . طبعة مكتبة الأنصار مصر .
47- مسند الطيالسي .
48- مسند الشاميين .
49- الفردوس بمأثور الخطاب .
50- الطبقات الكبرى .
51- كشف المشكل .
52- أسد الغابة .
53- مقدمة المجموع شرح المهذب .
54- السنة لابن أبي عاصم .
55- مجموع الفتاوى .
56- الفتاوى الكبرى .
57- الصارم المسلول .
58- الأمالي للمحاملي .
59- جامع الأصول .
60- حلية الأولياء .
61- كتاب الزهد لعبد الله بن المبارك .
62- كتاب الزهد لهناد .
63- كتاب الزهد لوكيع .
64- كتاب الصمت لابن أبي الدنيا .
65- كتاب ذم الغيبة لابن أبي الدنيا .
66- السلسلة الصحيحة .
67- التعليقات الحسان .
68- صحيح الجامع للألباني .
69- ضعيف الترغيب .
70- صحيح الترغيب .
71- صحيح الترمذي .
72- صحيح ابن ماجة .
73- صحيح ابن خزيمة .
74- مشكاة المصابيح .
75- الروض النضير .
76- إرواء الغليل .
77- صحيح موارد الظمآن .
78- فضل الصلاة .
79- صفة الصلاة .
80- حجاب المرأة المسلمة .
81- آداب الزفاف .
82- مختصر الشمائل المحمدية للترمذي.
83- الثمر المستطاب .
84- أحكام الجنائز .
85- العلل المتناهية لابن الجوزي .
86- الرجال الذين ترجم لهم الألباني في الإرواء .
87- تحفة الأحوذي .
88- الفتوحات .
89- حادي الأرواح .
90- القصيدة النونية .
91- الجواب الكافي
92- زاد المعاد .
93- الطب النبوي .
94- مدارج السالكين .
95- الآداب الشرعية لابن مفلح . طبعة الرسالة .
96- مفتاح دار السعادة .
97- الأمالي للمحاملي .(3/141)
98- الأحاديث المختارة .
99- معالم التنزيل للبغوي.
100- شرح السنة للبغوي .
101- مكارم الأخلاق للخرائطي .
102- كتاب الزهد لابن أبي عاصم .
103- كتاب الزهد لعبد الله بن المبارك .
104- سير أعلام النبلاء .
105- تلبيس إبليس .
106- وكتاب الناسخ والمنسوخ بتحقيق محمد صالح المديفر .
107- التذكرة في أحوال الموتى والآخرة للقرطبي .
108- تاريخ ابن عساكر .
109- تهذيب الأسماء واللغات .
110- كتاب الأذكار للنووي .
111- نيل الأوطار .
112- إرشاد العباد للاستعداد ليوم المعاد .
113- مختصر الإتقان في علوم القرآن .
114- فتاوى اللجنة الدائمة .
115- القول المفيد شرح كتاب التوحيد للعلامة ابن عثيمين .
116- كتاب العلم لابن عثيمين .
117- تنبيه الأفهام شرح عمدة الأحكام لابن عثيمين .
118- فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين . ط دار عالم الكتب .
119- الشرح الممتع على زاد المستقنع .
120- موسوعة الآداب الإسلامية لعبد العزيز ندا .
121- جواهر السنة في إعفاء اللحية .
122- الاختيارات العلمية .
123- إتحاف ذوي الألباب بما في الأقوال والأفعال من الثواب .
124- تحذير الأنام بما في الأقوال والأفعال من الآثام .
125- آداب اللسان فيما يخص اللسان من خير أو شر في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف .
126- نزْهَة العِبَاد بِفَوَائِد زَاد المعَادْ .
127- اللؤلؤ والمرجان بوصف الجنة والحور الحسان .
128- صحيح الطب النبوي .
129- رحلة العلماء في طلب العلم .
130- كتاب الإبداعات الطبية لرسول الإنسانية .
131- كتاب العلاج بالأغذية الطبيعية والأعشاب .
132- غذاؤك حياتك .
133- أسرار التداوي بالأعشاب .
134- رسالة في المعاني المستنبطة .
135- معجم البلدان .
136- النهاية في غريب الحديث .
137- الغريب لابن سلام .
138- لسان العرب .
139- القاموس المحيط .
140- معجم مقاييس اللغة .
141- مختار الصحاح .
142- الفائق .
143- التعاريف للمناوي .(3/142)
144- معجم البلدان لياقوت الحموي .
145- معجم ما استعجم للأندلسي .
الكتب التي صدرت للمؤلف بفضل الله وحده
1- إتحاف ذوي الألباب بما في الأقوال والأفعال من الثواب. قرأه وقدم له فضيلة الشيخ محمد إبراهيم شقرة .
2- تحذير الأنام بما في الأقوال والأفعال من الآثام .
قرأه وقدم له فضيلة الشيخ محمد إبراهيم شقرة .
3- آداب اللسان فيما يخص اللسان من خير أو شر في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف.
4- الرواة الذين ترجم لهم العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى من إرواء الغليل ومقارنتها بأحكام الحافظ ابن حجر رحمه الله، ويليه الفوائد الفقهية والحديثية.
5- رحلة العلماء في طلب العلم .
6- صحيح الطب النبوي في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف .
8- أشراط الساعة الكبرى .
9- قصص وعبر وعظات من سيرة الصحابيات.
10- تحذير الخلان من فتنة آخر الزمان المسيح الدجال .
11- تنزيه كلام خير الأنام عما لا يصح من أحاديث الصيام .
12- نزْهَة العِبَاد بِفَوَائِد زَاد المعَادْ .
13- ابن لك بيتاً في الجنة .
14- خمسة أخطاء في الصلاة.
15- فضل الصيام والاستقامة على الأعمال .
16- رد السهام الطائشة في الذب عن أمنا السيدة عائشة .
18- تذكير الأحبة بما لهم من الأجر في الصدقة .
19- تحفة الأقران بفضل القرآن .
20 - أحكام المرأة المسلمة .
21 – القول المبين في قصص الظالمين .
22- وجوب طاعة ولاة الأمر بالمعروف وعدم الخروج عليهم .
23- كشف الإلباس عن مسائل الحيض والنفاس .
24- سلوك المرأة المسلمة .
25- شرف المؤمن .
26- إتحاف الأطهار بصحيح الأذكار .
27- وهذا الكتاب الذي بين يديك.
كتب تحت الطبع
1- الياقوت والمرجان في وصف الجنة والحور الحسان .
2- إتحاف الصالحين بسيرة أمهات المؤمنين .
3- جواب السؤول عن سيرة بنات وعمات الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
4- مكانة الصلاة وفضلها في الإسلام .
5- إعلام الأصحاب بما في الإسلام من الآداب .(3/143)
6- معاني الأذكار وثوابها .
7- يبتدعون ولا يعلمون .
8- إعلام شباب الإسلام بحرمة التفجيرات والخروج على الحكام .
9- إعلام الجماعة عن الفتن والأحداث .
10- حفظ اللسان والتحذير من الغيبة والبهتان ، ويليه تحذير المسلم بما في الحسد من الإثم، ويليه تحصين البيت والأولاد من كيد الشيطان .
11- سباق أهل الإيمان إلى قصور الجنان . طبع مكتبة الصحابة الشارقة .
12- الثواب في بناء المساجد والمشي إليها .
13- تذكير الأحبة بما لهم من الأجر في الصدقة .
14- أحلى الكلام عن صلة الأرحام .
15- تحفة الأقران بفضل القرآن .
16- أفيقوا يامسلمون أنقذوا أنفسكم من النار .
17- اعرف خالقك .
18- اعرف نبيك $.
19- هل تريد أن يحبك الله .
20- هل تريد أن يحبك النبي $.
21- هل تريد دخول الجنة والنجاة من النار .
22- الجمعة أحكام وآداب وفضائل.
23- الإخلاص والإتباع .
وإني لأرجو من كل أخٍ كريم يطلع على أي مؤلف من هذه المؤلفات إذا وجد خطأ أن يعلمني به ، وأن يراسلني على عنوان مكتبة المعارف بالرياض ، أو مكتبة الصحابة في الشارقة ، أو الفرقان في دبي ، أو دار النفائس في عمان ، أو مكتبة عباد الرحمن في القاهرة ، عملاً بحديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : "الدين النصيحة" ، و "رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي" حتى نحق الحق ، ولم آلُ جهداً من تحري الحق ، فإن وُفقت إليه فإنه من فضل الله عليَّ ، وله المنّة وحده، وإن كانت الأخرى فحسبي أنّي قد بذلت قصارى جهدي في جمع الأدلة الصحيحة والأخذ من علماء الإسلام، مع الحرص على معرفة الحق والصواب .
علماً أن كل ما كتبت في أي موضع هي نقولات من كتب أهل العلم، وأشرت في غالبها إلى قائليها، وقسم يسير لم أعزو لمن قاله أما بسبب لم أتمكن من قائله أو تقصيراً مني، وأسأل الله أن يجزل المثوبة لكل من أخذت منه وأن يجعله في ميزان حسناتهم، وأستغفر الله وأتوب إليه إنه تواب رحيم .(3/144)
قال الشافعي رحمه الله تعالى: لقد أَلَّفتُ هذه الكتب ولم آلُ جهداً فيها، ولابُدَّ أن يُوجد فيها الخطأ، لأنَّ الله تعالى يقول: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً). النساء (82). فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالفُ الكتابَ والسُّتة، فقد رجعت عنه، أخرجه عبدالله بن شاكر في مناقب الشافعي كما في كشف الخفاء (1/35) . بالمناسبة يُروى في هذا المعنى حديثٌ لا أصل له بلفظ: "أبى الله أن يصح إلا كتابه . وقد أورده علي القاري في الموضوعات .
وإني متراجع عما يصدر مني من خطأ في أي موضع مما كتبت وأستغفر الله منه، تأسياً بقول بعض سلفنا الصالح: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"، وأستغفر الله ذا الكمال من خطئي ، وما زل به قلمي، ودينُ الله بريء منه ، وأنا تائب عنه ، والله خيرُ مأمول ألا يضيع سعينا ، ولا يخيب رجاءنا ، وهو حسبنا ونعم الوكيل. والله الموفق ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وجزاكم الله خيراً . المؤلف .(3/145)