جمعية السراج المنير الإسلامية
(( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي ))
علم وخبر 24/أ د (ص.ب 6039/13 شوران بيروت ـ لبنان )
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أما بعد :
عملاً بقول المولى عزَّ وجل في كتابه الكريم : ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) وقوله : ((وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ )) ، فقد قام جمعٌ من طلبة العلم والدُّعاة إلى الله على منهج السلف الصالح بتأسيس جَمْعِيَّةُ السِّراجَ المُنيِر الاسلاميَّة عام 1407 بهدف الدعوة إلى الله وإنشاء جيل مسلم على طراز الرعيل الأول يستقي دينه من النبع الصافي : كتاب الله وصحيح سنَّة النبي وبفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين .
أهداف الجمعية
دعوة الناس إلى الرجوع إلى القرآن الكريم والسنّة النبوية الصحيحة بفهم سلف الأمة عملاً بقوله سبحانه : (( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا)) .
تصفية ما علق بحياة المسلمين من الشرك بمظاهره وتحذيرهم من البدع والأفكار المحدثة والأحاديث الضعيفة والموضوعة ، وتحذير المسلمين من الرذيلة والمعاصي .
تربية المسلمين على دينهم الحق المُصَفّى ودعوتهم إلى التمسك بهدي النبي والعمل بأحكام الدين والتحلِّي بفضائله وآدابه ، تحقيقاً لقوله تعالى : (( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)) .
إبراز أصول النهج السَّلفي وإزالة الجمود والعصبية التفرّق والسعي نحو استئناف حياة إسلامية على نهج النبوة .(1/1)
تسعى الجمعية إلى تحقيق أهدافها عن طريق بناء المساجد والمراكز والمعاهد الشرعية لتعليم الناس أمور دينهم ودعوتهم إلى التمسك به ، كما تقوم بأعمال خيرية وإغاثية لمساعدة المحتاجين والفقراء :
أولاً / في مركز الجمعية
تقوم الجمعية بعمل دورات في العلوم الشرعية للرجال والنساء على مدار الأسبوع في المواد التالية :
? حفظ القرآن الكريم مع التفسيير والتجويد
? العقيدة : شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب والواسطية والتدمرية لشيخ الاسلام ابن تيمية .
? الفقه : عمدة الأحكام للمقدسي و الدرر البهية للشوكاني
تقوم الجمعية بعمل محاضرات أسبوعية عامة للرجال والنساء يلقيها عدة مشايخ من مختلف المناطق .
ويضم مركز الجمعية مكتبة إسلامية واسعة تحوي عدة آلاف كتاب ومرجع، وهي مفتوحة يومياً أمام العامة وطلاب العلم للمطالعة والبحث والاستعارة .
assiraj15.jpg
المكتبة وقاعة المحاضرات في مركز الجمعية ... javascript:if(confirm('http://www.assiraj.bizland.com/photos/assiraj5.jpg \n\nThis file was not retrieved by Teleport Pro, because it was unavailable, or its retrieval was aborted, or the project was stopped too soon. \n\nDo you want to open it from the server?'))window.location='http://www.assiraj.bizland.com/photos/assiraj5.jpg'
وتضم الجمعية أيضاً قسم التسجيلات الصوتية الذي يحوي مكتبة سمعية ضخمة من الأشرطة لهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية , إضافة إلى أشرطة وفتاوى شامة الشام ومحدث الأنام العلامة الألباني رحمه الله تعالى.
. وهو مجهز بأحدث تقنيات التسجيل والإنتاج الصوتي. وتقوم الجمعية بتسجيل المحاضرات الأسبوعية، وبإصدار إنتاجات خاصة يتم نسخها وتوزيعها.
assiraj12.jpg assiraj13.jpg
ثانياً / مناطق بيروت
تقام دروس عامة وعظية وأخرى علمية ومنهجية في مختلف المناطق وذلك للرجال والنساء .(1/2)
ثالثاً / الدورات الصيفية للناشئة
تقوم الجمعية بعمل دورات شرعية للناشئة ( بنين وبنات ما بين 6 إلى 16 سنة ) في مركز الجمعية ، وذلك في المواد التالية : ( القرآن الكريم ـ الحديث الشريف ـ التوحيد ـ الفقه ـ صحيح القصص ـ تدبير منزلي للبنات ) .
رابعاً / المطويات والنشرات العلمية
تقوم الجمعية بإعداد وتوزيع مطويات وعظية ونشرات علمية موسمية في مواضيع مختلفة منها : ( الدعاء هو العبادة ـ تزكية النفوس ـ في رحاب رمضان ـ البدع الواقعة في رجب وشعبان ـ الترغيب في صيام المحرم ـ الخصال المكفرة للذنوب ـ أختاه احذري الفتنة .... إلخ ) .
خامساً / الكتيبات والأشرطة ومكتبة طالب العلم
تقوم الجمعية بتوزيع الكتيبات والأشرطة الإسلامية أثناء الدروس والمحاضرات والرحلات والإفطارات، وتقوم كذلك بتوزيع مكتبة طالب العلم للمتفوقين في الدورات الشرعية .
assiraj8.jpg
assiraj16.jpg assiraj7.jpg
الأنشطة الخيرية التي تقوم بها الجمعية
أولاً / الإفطارات الجماعية
تنظم الجمعية إفطارات جماعية في مركز الجمعية وعدد من المناطق وتنظم ولائم الزواج والعقائق .
assiraj10.jpg assiraj2.jpg
ثانياً / مشروع الأضاحي
تقوم الجمعية في عيد الأضحى المبارك بذبح أعداد من رؤوس الغنم والعجل وتوزيعها على كافة المناطق .
assiraj3.jpg assiraj14.jpg
ثالثاً / الحصص التموينية
تقوم الجمعية بتوزيع حصص تموينية غذائية شهرياً على العائلات المحتاجة في كافة المناطق وتبلغ تكلفة الحصة التموينية 10$ أميركي ، ويتم توزيع (50) حصة حالياً .
assiraj9.jpg assiraj1.jpg
مشاريع الجمعية المستقبليَّة
أولاً ـ إنشاء معهد شرعي نسائي : تهدف الجمعية إلى احتواء معهد شرعي نسائي في مركزها في الفترة الشتوية (8 أشهر ) للنساء .(1/3)
ثانياً ـ إنشاء مسجد ومعهد شرعي ومستوصف ومركز للجمعية في وسط العاصمة : ويعتبر هذا المشروع هو أهم مشاريع الجمعية منذ تاريخ تأسيسها وتسعى الجمعية جاهدةً لتحقيق هذا المشروع المنشود علماً بأن مدينة بيروت تخلو من منبرٍ لأهل السنَّة وكذلك فإن مركز الجمعية الحالي لا يفي بالاحتياجات الدعوية للعاصمة .
.... أخي في الله ....
إذا أردت أن تكون على ثغرةٍ من ثغور الإسلام وأن تساعدتنا في القيام بأعباء المسؤولية الملقاة على عاتقنا، فيمكنك أن تساهم معنا، والله لا يضيع أجر المحسنين .
الصفحة الرئيسية | السراج المنير | المكتبة الإسلامية | صوتيات السراج | روابط السراج | دعوتنا | تزكيات | ساهم معنا | اتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم - جمعية السراج المنير الإسلامية - بيروت - لبنان ( asseraj@asseraj.net )(1/4)
عقيدة كل مسلم
للشيخ/ محمد بن جميل زينو
الدليل من الحديث ... الدليل من القرآن ... الجواب ... السؤال
( حقُّ الله عَلَى العبادِ أَنْ يعبدوه وَلاَ يشركوا بِهِ شيئاً) (متّفق عَلَيهِ) ... (وَمَا خَلَقتُ الجنَّ والإِنسَ إِلاَّ ليعبُدُون) [الذّاريات: 56] ... خلقنا لنعبده وَلاَ نشرك بِهِ شيئاً ... لماذا خلقنا الله تعالى؟
( مَن عمِلَ عمَلاً لَيْسَ عَلَيهِ أمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ) [أَيْ مردود] (رواه مسلم) ... ( وَمَا أُمروا إِلاَّ ليَعبدوا اللهَ مخلصينَ لَهُ الدّين) [البيّنة: 5] ... كَمَا أمرنا الله ورسوله مَعَ الإخلاص ... كَيْفَ نعبد الله؟
( أسألُ اللهَ الجنّة وأعوذ بِهِ مِن النّار) (صحيح رواه أبو داود) ... (وادْعوه خَوفاً وطَمَعاً) أَيْ خوفاً من نارهِ وطمعاً فِي جنّته [الأعراف: 56] ... نعم نعبده خوفاً وطمعاً ... هَلْ نعبد الله خوفاً وطمعاً؟
( الإحسانُ أَنْ تعبُدَ اللهَ كأنّك تراه فإن لَمْ تكن تراهُ فإنَّه يراك) (رواه مسلم) ... ( إنّ الله كَانَ عليكم رقيباً) [النّساء] (الَّذِي يراك حينَ تقومُ) [الشّعراء] ... مراقبة الله وحده الَّذِي يرانا ... مَا هُوَ الإحسان فِي العبادة؟
(الأنبياء إخوةٌ ودينُهُم واحد) [أَيْ كلُّ الرسل دعوا إِلَى التّوحيد] (متّفق عَلَيهِ) ... (ولقد بَعثنا فِي كلّ أُمّةٍ رسولاً أَنْ اعبدوا الله واجتنبوا الطَّاغوت) [النَّحل] ... للدّعوة إِلَى عبادته ونفي الشريك عَنْهُ ... لماذا أرسل الله الرّسل؟
( فليكن أوّل مَا تدعوهم إِلَيْهِ شهادة أَنْ لا إله إِلاَّ الله) [أَيْ إِلَى أَنْ يوحّدوا الله] (متّفق عَلَيهِ) ... (فاعْلَم أنّه لا إله إِلاَّ الله) أَيْ لاَ معبود بحقّ إِلاَّ الله [محمد: 19] ... إفراده بالعبادة كالدّعاء والنّذر والحُكم ... مَا هُوَ توحيد الإله؟
((1/1)
من قَالَ لآ إله إِلاَّ الله وكَفَرَ بِمَا يُعبدُ مِن دون الله حَرُمَ مالُه ودمُه) (رواه مسلم) ... ( ذَلِكَ بأنّ اللهَ هو الحقُّ وأنّ مَا يدعونَ مِنْ دونهِ الباطل) [لقمان: 30] ... لاَ معبود بحقّ إِلاَّ الله ... مَا معنى لاَ إله إِلاَّ الله؟
(ينزِلُ ربُّنا تبارك وتعالى فِي كلّ ليلةٍ إِلَى السّمَاء الدُّنْيَا) [نزولاً يليق بجلاله] (متّفق عليه) ... ( لَيْسَ كمثله شيءٌ وَهُوَ السّميع البصيرُ) [الشورى: 11] ... إثبات مَا وصَفَ اللهُ بِهِ نفسَه أَوْ رسوله ... مَا هُوَ التّوحيد فِي صفات الله؟
( حَقُّ العباد عَلَى الله أَنْ لاَ يُعَذّب من لاَ يُشرك بِهِ شيئاً) (متّفق عَلَيهِ) ... (الَّذِينَ آمنوا ولم يلبِسوا إيمانهُم بظلمٍ أولئك لهم الأمنُ وهُم مهتدون) [الأنعام] ... الهداية فِي الدُّنْيَا والأمن فِي الآخرة ... مَا هِيَ فائدة التّوحيد للمسلم؟
( إنّ الله كتب كتاباً إنّ رحمتي سبقت غضبي فَهُوَ مكتوبٌ عنده فَوْقَ العرش) (رواه البخاري) ... (الرَّحْمن عَلَى العرش استوى) (أَيْ علا وارتفع كَمَا جاء فِي البخاري) [طه: 5] ... الله عَلَى السّمَاء فَوْقَ العرش ... أين الله؟
( إنّكم تدعون سميعاً قريباً وَهُوَ معكم) [أَيْ بعلمه يسمعكم ويراكم] (رواه مسلم) ... ( قَالَ لاَ تخافا إنّني مَعَكُما أسْمَعُ وأرى) (أَيْ بحفظي ونصري وتأييدي) [طه] ... الله معنا بعلمه يسمعنا ويَرانا ... هَلْ الله معنا بذاته أم بعلمه؟
(سُئِلَ صلى الله عليه وسلم أيُّ الذَّنب أعظم؟ قَالَ: أَنْ تدعو للهِ ندّاً وَهُوَ خلقك) (رواه مسلم) ... ( يَا بُنيَّ لاَ تُشْرِك باللهِ إن الشّركَ لظُلْمٌ عظيم) [لقمان: 13] ... أعظم الذّنوب الشرك الأكبر ... مَا هُوَ أعظم الذّنوب؟
( أكبرُ الكبائر الإشراكُ باللهِ) (رواه البخاري) ... (قُلْ إنّما أدعوا ربِّي وَلاَ أُشركُ بِهِ أحداً) [الجن: 20] ... هُوَ صرف العبادة لغير الله كالدّعاء ... مَا هُوَ الشّرك الأكبر؟
((1/2)
من ماتَ يُشرِك باللهِ شيئاً دخل النّار ... ) (رواه مسلم) ... (إنّه مَن يُشرِك باللهِ فَقَدْ حرّمَ اللهُ عَلَيهِ الجنّة ومأواهُ النّار)[المائدة:] ... الشّرك الأكبر يسبب الخلود فِي النّار ... مَا هُوَ ضرر الشرك الأكبر؟
(من عمِلَ عملاً أشرك معيَ فِيهِ غيري تركتُه وشِرْكَه) (حديث قدسي رواه مسلم) ... ( وَلَوْ أشركوا لحبط عنهم مَا كانوا يعملون) [الأنعام: 88] ... لاَ ينفع العمل مَعَ الشّرك ... هَلْ ينفع العمل مَعَ الشّرك؟
( لاَ تقوم السّاعة حتّى تلحق قبائل مِن أُمّتي بالمشركين وحتى تُعبَد الأوثان) (صحيح رواه الترمذي) ... ( وَمَا يؤمِنُ أكثَرُهُم باللهِ إِلاَّ وهم مشرِكون) [يوسف: 106] ... نعم موجود بكثرة مَعَ الأسف ... هَلْ الشّرك موجود فِي المسلمين؟
( من ماتَ وَهُوَ يدعو مِن دون الله نِدّاً دخل النّار) (رواه البخاري) ... ( فَلاَ تدعُ مَعَ اللهِ إلهاً آخر فتكون مِنَ المُعذّبين) (فِي النّار) [الشعراء: 213] ... دعاؤهم شرك يُدخل النّار ... مَا حكم دعاء غيرِ الله كالأولياء؟
( الدّعاء هُوَ العبادة) (رواه الترمذي وقال حديث صحيح) ... ( وقال ربّكم ادُعوني أستجب لكم) [غافر: 60] ... نعم الدّعاء عبادة لله تعالى ... هَلْ الدّعاء عبادة لله تعالى؟
( إنّ للهِ ملائكةً سيّاحين فِي الأرض يُبَلّغوني عَنْ أُمّتي السّلام) (رواه أحمد) ... ( إنّك لاَ تسمع الموتى) [النمل] ( وَمَا أنت بمُسمعٍ من فِي القبور) [فاطر] ... الأموات لاَ يسمعون الدّعاء ... هَلْ يسمع الأموات الدّعاء؟
( كَانَ إِذَا أصابه هَمٌّ أَوْ غَمٌّ قَالَ: يَا حيُّ يَا قيّوم برحمتك أستغيث) (رواه الترمذي) ... (إِذْ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم) [الأنفال: 9] ... لاَ نستغيث بهم بل نستغيث باللهِ ... هَلْ نستغيث بالأموات أَوْ الغائبين؟
( إِذَا سألت فاسأل الله وَإِذَا استعنت فاستعن بالله) (رواه الترمذي) ... (إيّاك نَعبدُ وإيّاك نستعين) [الفاتحة: 5] ... لاَ تجوز الاستعانة إِلاَّ بالله ... هَلْ تجوز الاستعانة بغير الله؟
((1/3)
واللهُ فِي عونِ العبد مَا دام العبدُ فِي عونِ أخيه) (رواه مسلم) ... (وتعاوَنوا عَلَى البرّ والتّقوى وَلاَ تعاونوا عَلَى الإثمِ والعُدوان) [المائدة: 2] ... نعم، فيما يقدرون عَلَيهِ ... هَلْ نستعين بالأحياء الحاضرين؟
(من نذر أَنْ يُطيعَ اللهَ فلْيُطِعه ومن نذر أَنْ يعصِيَه فَلاَ يَعْصِه) (رواه البخاري) ... (ربِّ إنّي نذرتُ لكَ مَا فِي بطني مُحرَّراً فَتَقَبّل منّي) [آل عمران: 35] ... لاَ يجوز النّذر إِلاَّ لله ... هَلْ يجوز النّذر لغير الله؟
(لعَنَ الله مَن ذبح لِغير الله) (رواه مسلم) ... ( فصلّ لربّك وانْحر) (أَيْ اذبح لله فقط) [الكوثر: 2] ... لاَ يجوز لأنّه مِن الشرك الأكبر ... هَلْ يجوز الذبح لغير الله؟
( من طاف بالبيتِ سبعاً وصلّى ركعتين كَانَ كعتق رقبة) (رواه ابن ماجه) ... (وَلْيَطّوَّفُوا بالبَيتِ العَتيق) (أَيْ الكعبة) [الحج: 29] ... لاَ يجوز الطّواف إِلاَّ بالكعبة ... هَلْ يجوز الطّواف بالقبور؟
( لاَ تجلسوا عَلَى القبور، وَلاَ تصلّوا إليها) (رواه مسلم) ... (فَولّ وجهكَ شَطْرَ المسجِدِ الحَرام) (أَيْ استقبل الكعبة) [البقرة: 144] ... لاَ تجوز الصّلاة إِلَى القبر ... هَلْ تجوز الصلاة والقبر أمامك؟
( اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسّحر) رواه مسلم) ... ( ولكنّ الشّياطينَ كفروا يُعلّمونَ النّاس السّحر) [البقرة: 102] ... العمل بالسّحر من الكفر ... مَا حكم العمل بالسّحر؟
( من أتى عرّافاً فسأله عَنْ شيء لَمْ تقبل لَهُ صلاة أربعين ليلة) (رواه مسلم) ... ( هَلْ أُنبئكم عَلَى من تنزّل الشّياطين تنزل عَلَى كلّ أفّاكٍ أثيم) [الشعراء: 221-222] ... لاَ يجوز الذّهاب إليهما ... هَلْ يجوز الذّهاب إِلَى الكاهن والعرّاف؟
( من أتى عرّافاً أَوْ كاهناً فصدّقه بِمَا يقول فَقَدْ كفر بِمَا أُنزل عَلَى محمد) (صحيح رواه أحمد) ... ( قل لاَ يعلم من فِي السَّمَاوَات والأرضِ الغيب إِلاَّ الله) [النمل: 65] ... لاَ نصدّقهما فِي إخبارهما عَنْ الغيب ... هَلْ نصدّق العرّاف والكاهن؟
((1/4)
لاَ يعلم الغيبَ إِلاَّ الله) (حسن رواه الطّبراني) ... ( وعِنده مفاتِحُ الغَيب لاَ يعلمها إِلاَّ هُوَ) [الأنعام: 59] ... لاَ يعلم الغيبَ أحدٌ إِلاَّ الله ... هَلْ يعلم الغيب أحد؟
(الله هُوَ الحكم وإليه المصير) (حسن رواه أبو داود) ... ( وأنِ احكم بينهم بِمَا أنزل الله) [المائدة: 49] ... يجب أَنْ يحكموا بالقرآن والسنّة النّبويّة ... بماذا يجب أَنْ يحكم المسلمون؟
( وَمَا لَمْ تحكم أئمّتهم بكتاب الله ويتخيّروا مما أنزل الله إِلاَّ جعل الله بأسهم بينهم) (حسن رواه ابن ماجه) ... ( ومن لَمْ يحكم بِمَا أنزل الله فأولئك هم الكافرون) [المائدة: 44] ... العمل بِهَا كفر إِذَا أجازها ... مَا حكم العمل بالقوانين المخالفة للإسلام؟
( من حلف بغير الله فَقَدْ أشرك) (صحيح رواه أحمد) ... ( قل بلى وربّي لتبعثنّ) [التغابن: 7] ... لاَ يجوز الحلف إِلاَّ بالله ... هَلْ يجوز الحلف بغير الله؟
(من علّق تميمةً فَقَدْ اشرك) [التميمة: مَا يُعلّق مِن العين] (صحيح رواه أحمد) ... ( وإن يمسسكَ اللهُ بضرٍّ فَلاَ كاشفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) [الأنعام: 17] ... لاَ يجوز تعليقها لأنّه من الشّرك ... هَلْ يجوز تعليق الخرز والتّمائم للشفاء؟
( أسألك بكلِّ اسمٍ هُوَ لكَ سمّيتَ بِهِ نفسك) (صحيح رواه أحمد) ... (وللهِ الأسماء الحسنى فادعوه بها) [الأعراف: 18] ... نتوسّل بأسمائه وصفاته والعمل الصّالح ... بماذا نتوسّل إِلَى الله تعالى؟
( إنّكم تدعون سميعاً قريباً وَهُوَ معكم) [أَيْ بعلمه يسمعكم ويراكم] ... (وَإِذَا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أُجيب دعوة الدّاعِ إِذَا دعان) ... لاَ يحتاج الدّعاء لواسطة مخلوق ... هَلْ يحتاج الدّعاء لواسطة مخلوق؟
(رواه مسلم) ... [البقرة: 186]
(اللّهم هَلْ بلّغت اللّهم اشهد) [جواباً لقول الصحابة نشهد أنّك قد بلّغت] (رواه مسلم) ... ( يَا أيّها الرَّسُول بلّغ مَا أنزل إليك من ربّك) [المائدة: 67] ... واسطة الرّسول صلى الله عليه وسلم هِيَ التّبليغ ... مَا هِيَ واسطة الرّسول صلى الله عليه وسلم؟
((1/5)
اللّهم شفّعه فيّ) [أَيْ شفّع الرّسول صلى الله عليه وسلم فيّ] (رواه الترمذي وقال حديث حسن) ... ( قل للهِ الشّفاعة جميعاً) [الزمر: 44] ... نطلب شفاعة الرّسول صلى الله عليه وسلم من الله ... ممّن نطلب شفاعة الرّسول صلى الله عليه وسلم؟
( لاَ يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إِلَيْهِ من والده وولده والنّاس أجمعين) (رواه البخاري) ... ( قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يُحببكم الله) [آل عمران: 31] ... المحبّة تكون بالطّاعة واتّباع الأوامر ... كَيْفَ نحبّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟
(إنّما أنا بشرٌ مثلكم) (رواه أحمد وصححه الألباني) ... ( قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إله واحد)[الكهف: 110] ... لاَ نبالغ فِي مدح الرّسول صلى الله عليه وسلم ... هَلْ نبالغ فِي مدح الرّسول صلى الله عليه وسلم؟
(إنّ أوّل مَا خلق الله القلم) (رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح) ... ( إِذْ قَالَ ربّك للملائكة إنّي خالقٌ بشراً من طين) [ص: 71] ... من البشر آدم، ومن الأشياء القلم ... من هُوَ أوّل المخلوقات؟
(إنّ أحدكم يجمع خلقه فِي بطن أمّه أربعين يوماً نطفة) (متّفق عَلَيهِ) ... (هُوَ الَّذِي خلقكم من ترابٍ ثمّ مِن نطفة) [غافر: 67] ... خلق الله محمّداً صلى الله عليه وسلم من نطفة ... من أيّ شيءٍ خُلِقَ محمّد صلى الله عليه وسلم؟
( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) (صحيح رواه أبو داود) ... ( اِنْفروا خفافاً وثِقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم) [التّوبة: 41] ... الجهاد واجب بالمال والنّفس واللّسان ... مَا حكم الجّهاد فِي سبيل الله؟
(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً) (رواه مسلم) ... (والمُؤمنون والمؤمناتُ بعضهم أولياء بعض) [التّوبة: 71] ... هُوَ الحبّ والنصرة للمؤمنين والموَحّدين ... مَا هُوَ الولاء للمؤمنين؟
((1/6)
إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء) [لأنّهم من الكفّار] (متّفق عَلَيهِ) ... ( ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم) ... لاَ تجوز مولاة الكفّار ونصرتهم ... هَلْ تجوز موالاة الكفّار ونصرتهم؟
(أَيْ الكافرين) [المائدة: 51]
( إنّما وليِّي اللهُ وصالح المؤمنين) (متّفق عَلَيهِ) ... ( ألآ إنّ أولياء اللهِ لاَ خوفٌ عليهم وَلاَ هم يحزنون الَّذِينَ آمنوا وكانوا يتّقون) ... الوليُّ هُوَ المؤمنُ التّقيّ ... من هُوَ الوليّ؟
( اِقرأوا القرآن واعملوا بِهِ وَلاَ تأكلوا بِهِ وَلاَ تستكثِروا به) (رواه أحمد) ... (اِتّبعوا مَا أنزل إليكم من ربّكم وَلاَ تتّبعوا من دونه أولياء) [الأعراف: 3] ... أنزل الله القرآن للعمل بِهِ ... لماذا أنزل اللهُ القرآن؟
( ألا وإنّي أوتيت القرآن ومثله معه) (صحيح رواه أبو داود) ... ( وأنزلنا إليكَ الذّكر لتبيّن للنّاس مَا نُزّل إليهم) [النَّحل: 44] ... لاَ نستغني بالقرآن عَنْ الحديث ... هَلْ نستغني بالقرآن عَنْ الحديث؟
( لاَ طاعة لأحدٍ فِي معصية الله إنّما الطّاعة فِي المعروف) (متّفق عَلَيهِ) ... ( يَا أيّها الذّين آمنوا لاَ تُقدّموا بَيْنَ يدي اللهِ ورسوله) [الحجرات: 1] ... لاَ نقدّم قولاً عَلَى قول الله ورسوله ... هَلْ نقدّم قولاً عَلَى قول الله ورسوله؟
( تركت فيكم أمرين لَنْ تضلّوا مَا تمسّكتم بهما: كتاب الله وسنّة رسوله) (صحيح لغيره رواه مالك) ... (فإن تنازعتم فِي شيءٍ فردّوه إِلَى الله والرّسول) [النساء: 59] ... نعود إِلَى الكتاب والسنّة الصحيحة ... مَاذا نفعل إِذَا اختلفنا؟
( من أحدث فِي أمرنا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ ردّ) [أَيْ غير مقبول] (متّفق عَلَيهِ) ... ( أم لهم شركآء شرعوا لهم من الدّين مَا لَمْ يأذن بِهِ الله) [الشورى: 21] ... كلُّ مَا لَمْ يقم عَلَيهِ دليل شرعي ... مَا هِيَ البدعة فِي الدّين؟
((1/7)
إيّاكم ومحدثات الأمور فإن كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة) (صحيح رواه أبو داود) ... ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) ... لَيْسَ فِي الدّين بدعة حسنة ... هَلْ فِي الدّين بدعة حسنة؟
( من سنّ فِي الإسلام سنّة حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بِهَا من بعده) (رواه مسلم) ... ( واجعلنا للمتّقين إماماً) (أَيْ قدوة فِي فعل الخير) [الفرقان: 74] ... نعم، كالبادئ بفعل خير لِيُقتدى بِهِ ... هَلْ فِي الإسلام سنّة حسنة؟
(إنّ الله تَعَالَى سائلٌ كلّ راعٍ عمّا استرعاه أحفظ ذَلِكَ أم ضيّعه) ... ( يَا أيّها الَّذِينَ آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) [التحريم: 6] ... لاَ بدَّ مِن إصلاح نفسه وأهله ... هَلْ يكتفي الإنسان بإصلاح نفسه؟
(حسن رواه النسائي)
( لاَ تزال طائفة من أمّتي منصورين) (صحيح رواه ابن ماجه) ... ( يَا أيّها الَّذِينَ آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم) [محمد: 7] ... إِذَا عمِلوا بكتاب ربّهم وسنّة نبيّهم ... متى ينتصر المسلمون؟
( خير النّاس قرني ثُمَّ الَّذِينَ يلونهم ثُمَّ الَّذِينَ يلونهم) (متّفق عَلَيهِ) ... ( والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) [التّوبة: 100] ... هم أصحاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ... من هم أفضل النّاس بَعْدَ الرّسل؟
(فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء المهديين الرّاشدين تمسكوا بِهَا وعضوا عَلَيْهَا بالنّواجذ) (رواه أبو داود) ... ( إِلاَّ تنصروه فَقَدْ نصره الله إِذْ أخرجه الَّذِينَ كفروا ثاني اثنين إِذْ هما فِي الغار إِذْ يقول لصاحبه لاَ تحزن إنّ الله معنا) [التّوبة: 40] ... أبوبكر ثُمَّ عمر ثُمَّ عثمان ثُمَّ عليّ رضي الله عنهم أجمعين ... من هم أفضل الصّحابة؟
((1/8)
تركت فيكم أمرين لَنْ تضلّوا مَا تمسّكتم بهما كتاب الله وسنّة رسوله) ... ( إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا لَهُ لحافظون) [الحجر: 9] ... الَّذِي يقول بتحريف القرآن كافر ... مَا حكم من يقول بتحريف القرآن؟
( اليهود مغضوب عليهم والنّصارى ضُلاّل) (الترمذي عَنْ عدي بن حاتم) ... ( غير المغضوب عليهم وَلاَ الضّالين) [الفاتحة: 7] ... المغضوب عليهم هم اليهود والضّالّون هم النّصارى ... من هم (المغضوب عليهم) ومن هم (الضّالون)؟
الصفحة الرئيسية | السراج المنير | المكتبة الإسلامية | صوتيات السراج | روابط السراج | دعوتنا | تزكيات | ساهم معنا | اتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم - جمعية السراج المنير الإسلامية - بيروت - لبنان ( asseraj@asseraj.net )(1/9)
إعداد: معهد الإمام البخاري للشريعة الإسلامية
الدين الإسلامي - كماسبق - عقيدة وشريعة ، وقد أشرنا إلىشيء من شرائعه وذكرنا أركانه التيتعتبر أساساً لشرائعه.
أما العقيدةالإسلامية فأسسها ستة وتسمى أركانالإيمان وهي :
الإيمان بالكتب ... الإيمان بالملائكة ... الإيمان بالله
الإيمان بالقدر خيره وشره ... الإيمان باليوم الآخر ... الإيمان بالرسل
وقد دل على هذه الأسسكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى اللهعليه وسلم.
ففي كتاب الله تعالى يقول الله عزوجل : {لّيْسَ الْبِرّ أَنتُوَلّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِوَلََكِنّ الْبِرّ مَنْ آمَنَبِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِوَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِوَالنّبِيّينَ}1ويقول في القدر : {إِنّاكُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ *وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاّ وَاحِدَةٌكَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}2.
وعن عمر رضي الله عنهقال : (بينما نحن جلوس عندرسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومإذ طلع علينا رجل شديد بياض الثيابشديد سواد الشعر لا يرى عليه أثرالسفر ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلسإلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسندركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه علىفخذيه ، وقال . يا محمد أخبرني عنالإسلام ؟ فقال رسول الله صلى اللهعليه وسلم : الإسلام أن تشهد أن لا الهإلا الله ، وأن محمد رسول الله ،وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصومرمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليهسبيلا - قال صدقت - فعجبنا له يسألهويصدقه .
قال : فأخبرني عن الإيمان ،قال أنتؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسلهواليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيرهوشره - قال صدقت .
قال : فأخبرني عن الإحسان - قال أنتعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراهفإنه يراك .
قال : فأخبرني عن الساعة - قال ماالمسؤول عنها بأعلم من السائل .(1/1)
قال : فأخبرني عن إماراتها - قال أنتلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاةالعراة العالة رعاء الشاء يتطاولونفي البنيان. ثم انطلق فلبث ملياً ثمقال لي يا عمر أتدري من السائل ؟ فقلتالله ورسوله أعلم
قال : (فأنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)3.
وهذه الأصول الستة قد اتفقت عليهاالرسل و الشرائع ، ونزلت بها الكتب ،ولا يتم إيمان المرء إلا باعتقادهاومن جحد واحد منها خرج من الإيمان إلىالكفر .
الإيمان بالله
الإيمان بالله : هوالإيمان والاعتقاد الجازم بأن اللهرب كل شيء ومليكه وخالقه ، وأنه الذييستحق وحده أن يفرد بالعبادة ، وأنهالمتصف بصفات الكمال المنزه عن كلنقص و عيب ، مع التزام ذلك والعمل به .
الإيمان بالله يتضمن أربعة أمور:
الأول:الإيمان بوجود الله تعالى
وقد دلعلى وجود الله تعالى ما يلي : الفطرة،والعقل، والشرع، والحس .
1- دلالة الفطرة على وجودالله تعالى فإن كل مخلوق قد فطر علىالإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أوتعليم ، ولا ينصرف عن مقتضى هذهالفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفهعنها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مامن مولود إلا يولد على الفطرة ،فأبواه يهودانه أو ينصرانه أويمجسانه ".4
2 - دلالة العقل على وجودالله تعالى فلأن هذه المخلوقاتسابقها ولاحقها لا بد لها من خالقأوجدها إذ لا يمكن أن توجد نفسبنفسها، ولا يمكن أن توجد صدفة . فهملم يخلقوا من غير شيء ولم يخلقواأنفسهم ، ويؤكد هذا الدليل العقليقول الله تعالى : {أَمْ خُلِقُواْمِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُالْخَالِقُونَ}5
3- دلالة الشرع على وجودالله تعالى فلأن الكتب السماوية كلهاتنطق بذلك وما جاءت به من الأحكامالعادلة المتضمنة لمصالح الخلق دليلعلى أنها من رب حكيم عليم بما يصلحخلقه. وما جاءت به من الأخبار الكونيةالتي شهد الواقع بصدقها دليل علىأنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به.
4- وأما دلالة الحس على وجودالله تعالى فمن وجهين:(1/2)
الوجه الأول : أننا نسمعونشاهد من إجابة الداعين وغوثالمكروبين ما يدل دلالة قاطعة علىوجوده تعالى . ويدل لذلك القرآنوالسنة كما في قوله تعالى : {وَنُوحاًإِذْ نَادَىَ مِن قَبْلُفَاسْتَجَبْنَا لَهُ}6. ومن السنة قصةالإعرابي الذي دخل المسجد يوم الجمعةوسأل الرسول صلى الله عليه وسلم أنيستسقي لهم .
الوجه الثاني : أن آياتالأنبياء التي تسمى (المعجزات)ويشاهدها الناس أو يسمعون بها برهانقاطع على وجود مرسلهم وهو اللهتعالى لأنها أمور خارجة عن نطاقالبشر يجريها الله تعالى تأييدالرسله ونصراً لهم.
ومن أمثلة ذلك : موسى عليهالسلام ضرب البحر فانفلق
عيسى عليه السلام يحي الموتى
محمد صلى الله عليه وسلم أشار إلىالقمر فانفلق فرقتين
الثاني: الإيمان بربوبيته
أي بأنه وحده الرب لا شريك له ولامعين.(توحيد الربوبية)
والرب : من له الخلق و الملك والأمرقال الله تعالى : {أَلاَ لَهُالْخَلْقُ وَالأمْرُ}7
الثالث:الإيمان بألوهيته
أي بأنه وحده الإله الحق المستحقللعبادة لا شريك له . (توحيد الألوهيه)
والإله : بمعنى المعبود حباًوتعظيماً قال تعالى : {وَإِلََهُكُمْإِلََهٌ وَاحِدٌ لاّ إِلََهَإِلاّ هُوَ الرّحْمََنُ الرّحِيمُ}8
الرابع: الإيمان بأسمائه وصفاته
أيإثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابهأو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم منالأسماء والصفات على الوجه اللائق بهمن غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولاتمثيل . قال تعالى {وَللّهِالأسْمَآءُ الْحُسْنَىَ فَادْعُوهُبِهَا}9 ، وقال تعالى : {لَيْسَكَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السّمِيعُالْبَصِيرُ}10 . (توحيد الأسماءوالصفات)
والإيمان بالله تعالىيثمر للمؤمن ثمرات جليلة منها:
الأولى : تحقيق توحيد اللهتعالى بحيث لا يتعلقُ بغيره رجاء ولاخوف ولا يعبد غيره.
الثانية: كمال محبة اللهتعالى وتعظيمه بمقتضى أسمائه الحسنىوصفاته العليا.
الثالثة: تحقيق عبادته بفعلما أمر به واجتناب ما نهى عنه.(1/3)
الرابعة: السعادة في الدنياوالآخرة.
الإيمان بالملائكة
الإيمان بالملائكة :وهو الاعتقاد الجازم بأن لله ملائكةخلقهم من نور ، ووكلهم بأعمال يقومونبها ، ومنحهم الطاعة التامة لأمرهوالقوة على تنفيذه .
والملائكة عالم غيبي مخلوقون عابدونلله تعالى ، وليس لهم من خصائصالربوبية والألوهية شيء ، خلقهم اللهتعالى من نور، ومنحهم الانقياد التاملأمره والقوة على تنفيذه قال اللهتعالى:{وَلَهُ مَن فِيالسّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْعِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْعِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ* يُسَبّحُونَ الْلّيْلَوَالنّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ}11.
وهم عدد كثير لا يحصيهم إلا اللهتعالى، وقد ثبت في الصحيحين منحديث أنس رضي الله عنه في قصةالمعراج أن النبي صلى الله عليه وسلمرفع له البيت المعمور في السماء يصليفيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوالم يعودوا إليه آخر ما عليهم.
والإيمان بالملائكةيتضمن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بوجودهم.
الثاني : الإيمان بمنعلمنا اسمه منهم باسمه كجبريل، ومنلم نعلم اسمه نؤمن بهم إجمالا.
الثالث: الإيمان بما علمنامن صفاتهم كصفة جبريل ، فقد أخبرالنبي صلى الله عليه وسلم أنه رآه علىصفته التي خلق عليها وله ستمائة جناحقد سد الأفق.
وقد يتحول الملك بأمر الله تعالى إلىهيئة رجل، كما حصل لجبريل حين أرسلهتعالى إلى مريم فتمثل لها بشرا سويا،وحين جاء إلى النبي صلى الله عليهوسلم وهو جالس في أصحابه جاءه بصفةرجل12. وكذلك الملائكة الذين أرسلهمالله تعالى إلى إبراهيم ولوط كانواعلى صورة رجال.
الرابع : الإيمان بما علمنامن أعمالهم التي يقومون بها بأمرالله تعالى كتسبيحه والتعبد له ليلاونهارا بدون ملل ولا فتور.
وقد يكون لبعضهم أعمال خاصة مثل "جبريل" الأمين على وحي الله تعالىيرسله الله به إلى الأنبياء والرسل .
ومثل " ميكائيل "الموكل بالقطر أي بالمطر والنبات.(1/4)
ومثل "اسرافيل "الموكل بالنفخ في الصور عند قيامالساعة وبعث الخلق .
ومثل " ملك الموت "الموكل بقبض الأرواح عند الموت .
ومثل " مالك " الموكلبالنار وهو خازن النار .
ومثل الملائكة الموكلين بالأجنة فيالأرحام ، إذا تم للإنسان أربعة أشهرفي بطن أمه بعث الله إليه ملكا وأمرهبكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.
ومثل الملائكة الموكلين بحفظ بني آدم.
ومثل الملائكة الموكلين بحفظ أعمالبني آدم وكتابتها لكل شخص ، ملكانأحدهما عن اليمين والثاني عن الشمال .
ومثل الملائكة الموكلين بسؤال الميتإذا وضع في قبره يأتيه ملكان يسألانهعن ربه ودينه ونبيه.
والإيمان بالملائكةيثمر ثمرات جليلة منها:
الأولى: العلم بعظمة اللهتعالى وقوته وسلطانه ، فإن عظمةالمخلوق تدل على عظمة الخالق .
الثانية: شكر الله تعالىعلى عنايته ببني آدم حيث وكل من هؤلاءالملائكة من يقو م بحفظهم وكتابةأعمالهم وغير ذلك من مصالحهم .
الثالثة: محبة الملائكة علىما قاموا به من عبادة الله تعالى .
وقد أنكر قوم منالزائغين كون الملائكة أجساماًوقالوا إنهم عبارة عن قوى الخيرالكامنة في المخلوقات وهذا تكذيبلكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلىالله عليه وسلم وإجماع المسلمين.
قال الله تعالى: {الْحَمْدُ للّهِفَاطِرِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِجَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاًأُوْلِيَ أَجْنِحَةٍ مّثْنَىَوَثُلاَثَ وَرُبَاعَ}13.
الجن
الجن عالم غيبي خلقوامن نار ، وكان خلقهم قبل خلق الإنس ،كما قال تعالى :
{وَلَقَدْخَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍمّنْ حَمَإٍ مّسْنُونٍ * وَالْجَآنّخَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نّارِالسّمُومِ}14.(1/5)
وهم مكلفون يوجه إليهم أمر اللهتعالى ونهيه ، فمنهم المؤمن ومنهمالكافر ، ومنهم المطيع ، ومنهمالعاصي ، قال الله تعالى عنهم : {وَأَنّامِنّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنّاالْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَفَأُوْلََئِكَ تَحَرّوْاْ رَشَداً* وَأَمّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُواْلِجَهَنّمَ حَطَباً}15 وقال {وَأَنّامِنّا الصّالِحُونَ وَمِنّا دُونَذَلِكَ كُنّا طَرَآئِقَ قِدَداً}16
أي جماعات متفرقة وأهواء ، كما يكونذلك في الإنس ، فالكافر منهم يدخلالنار بالإجماع ، والمؤمن يدخل الجنةكالإنس ، قال تعالى : {وَلِمَنْ خَافَمَقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ * فَبِأَيّآلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}17.
والظلم بينهم وبين الآدميين . لقولهتعالى في الحديث القدسي : ( ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسيوجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ) رواه مسلم ، ومعهذا فإنهم يعتدون على الإنس أحياناً، كما يعتدي الإنس عليهم أحياناً
ومن عدوان الإنس عليهم أن يستجمرالإنسان بعظم أو روث ، ففي صحيح مسلمعن أبن مسعود رضي الله عنه أن الجنسألوا النبي صلى الله عليه وسلمالزاد فقال : ( لكم كل عظم ذكر اسمالله عليه ، يقع في أيديكم أوفر مايكون لحما ، وكل بعرة علف لدوابكم). وقال النبي صلىالله عليه وسلم : ( فلا تستنجوابهما فإنهما طعام إخوانكم ) .
ومن عدوان الجن على الإنس :
1 - يتسلطون عليهم بالوسوسة التييلقونها في قلوبهم .
2 - يخوفون الإنس ويلقون في قلوبهمالرعب خاصة عندما يلتجئ الإنسانإليهم قال تعالى :{وَأَنّهُ كَانَرِجَالٌ مّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَبِرِجَالٍ مّنَ الْجِنّ فَزَادوهُمْرَهَقاً}18.
3 - أن الجن يصرع الإنسي فيطرحه .
وينقسم الصرع إلى نوعين :
1 - صرع من الجن .
2 - صرع من مرض عضوي .
الإيمان بالكتب(1/6)
الإيمان بالكتب :هو التصديق الجازم بأن لله كتباًأنزلها على أنبيائه ورسله ، والإيمانبالقرآن على أنه ناسخ لما قبله وأنالله خصه بمزايا عما سبقه من الكتبوأن الله تكلم به حقيقة .
والكتب المراد بها هنا : الكتب التيأنزلها الله تعالى على رسله رحمةللخلق وهداية لهم ليصلوا بها إلىسعادتهم في الدنيا و الآخرة .
والإيمان بالكتب يتضمن أربعة أمور:
الأول : الإيمانبأن نزولها من عند الله حقاً .
الثاني: الإيمان بما علمنااسمه منها كالقرآن الذي نزل على محمدصلى الله عليه وسلم ، والتوراة التيأنزلت على موسى صلى الله عليه وسلم ،والإنجيل الذي أنزل على عيسى صلىالله عليه وسلم ، والزبور الذي أوتيهداود صلى الله عليه وسلم ، وأما ما لمنعلم اسمه فنؤمن به إجمالا.
الثالث : تصديق ما صح منأخبارها كأخبار القران وأخبار مالميبدل أو يحرف من الكتب السابقة.
الرابع : العمل بأحكام ما لمينسخ منها والرضا والتسليم به سواءفهمنا حكمته أم لم نفهمها ، وجميعالكتب السابقة منسوخة بالقرانالعظيم ، قال الله تعالى {وَأَنزَلْنَآإِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّمُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِمِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناًعَلَيْهِ}19 أي حاكماً عليه.
وعلى هذا فلا يجوزالعمل بأي حكم من أحكام الكتبالسابقة إلا ما صح منها وأقره القرآن.
والإيمان بالكتب يثمرثمرات جليلة منها :
الأولى : العلم بعناية اللهتعالى بعباده حيث أنزل لكل قومكتاباً يهديهم به .
الثانية : العلم بحكمة اللهتعالى في شرعه حيث شرع لكل قوم مايناسب أحوالهم ، كما قال الله تعالى : {لِكُلّجَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةًوَمِنْهَاجاً}20 .
الثالثة : شكر نعمة الله فيذلك .
الإيمان بالرسل(1/7)
الإيمان بالرسل :هو التصديق الجازم بأن الله تعالىبعث في كل أمة رسولاً يدعوهم إلىعبادة الله وحده لا شريك له والكفربما يعبد من دونه ، وأن جميعهم صادقونأتقياء أمناء وأنهم بلغوا البلاغالمبين وأقاموا حجة الله علىالعالمين .
و الرسل: جمع رسول بمعنى مرسل، أيمبعوث بإبلاغ شيء.
والمراد هنا : من أوحي إليه من البشربشرع وأمر بتبليغه .
وأول الرسل : نوح وأخرهم محمد صلىالله عليه وسلم قال الله تعالى :{إِنّآأَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآأَوْحَيْنَآ إِلَىَ نُوحٍوَالنّبِيّينَ مِن بَعْدِهِ}21 وفي صحيحالبخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنهفي حديث الشفاعة أن النبي صلى اللهعليه وسلم ذكر أن الناس يأتونإلى آدم ليشفع لهم فيعتذر إليهمويقول: ائتوا نوحا أول رسول بعثه اللهوذكر تمامالحديث وقال الله تعالى في محمد صلىالله عليه وسلم : {مّا كَانَمُحَمّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّنرّجَالِكُمْ وَلََكِن رّسُولَاللّهِ وَخَاتَمَ النّبِيّينَ}22
ولم تخل أمة من رسوليبعثه الله تعالى بشريعة مستقلة إلىقومه أو نبي يوحي إليه بشريعة من قبلهليجددها ، قال الله تعالى: {وَلَقَدْبَعَثْنَا فِي كُلّ أُمّةٍ رّسُولاًأَنِ اعْبُدُواْ اللّهَوَاجْتَنِبُواْ الْطّاغُوتَ }23.
والرسل : بشر مخلوقون ليسلهم من خصائص الربوبية والألوهيةشيء، قال الله تعالى عن نبيه محمدصلى الله عليه وسلم وهو سيد الرسلوأعظمهم جاهاً عند الله {قُل لاّأَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَضَرّاً إِلاّ مَا شَآءَ اللّهُوَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَلاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِوَمَا مَسّنِيَ السّوَءُ إِنْأَنَاْ إِلاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌلّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}24 .(1/8)
وتلحقهم خصائص البشرية من المرضوالموت والحاجة إلى الطعام والشرابوغير ذالك ، قال الله تعالى عنإبراهيم عليه الصلاة والسلام في وصفهلربه تعالى: {وَالّذِي هُوَيُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَامَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ *وَالّذِي يُمِيتُنِي ثُمّ يُحْيِينِ}25 ، وقال في النبيمحمد صلى الله عليه وسلم :"إنماأنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذانسيت فذكروني".
وقد وصفهم الله تعالى بالعبودية لهفي أعلى مقاماتهم وفي سياق الثناءعليهم، فقال تعالى في نوح صلى اللهعليه وسلم : {إِنّهُ كَانَ عَبْداًشَكُوراً}26 ، وقال في النبيمحمد صلى الله عليه وسلم : {تَبَارَكَالّذِي نَزّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىَعَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَنَذِيراً}27 ، وكذا في بقيةالأنبياء والرسل عليهم السلام.
والإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بأنرسالتهم حق من الله تعالى فمن كفربرسالة واحد منهم فقد كفر بالجميع ،كما قال الله تعالى: {كَذّبَتْ قَوْمُنُوحٍ الْمُرْسَلِينَ}28 فجعلهم اللهمكذبين لجميع الرسل مع أنه لم يكنرسول غيره حين كذبوه ، وعلى هذافالنصارى الذين كذبوا محمدا صلى اللهعليه وسلم ولم يتبعوه هم مكذبونللمسيح بن مريم غير متبعين له أيضا ،لا سيما وأنه قد بشرهم بمحمد صلى اللهعليه وسلم ، ولا معنى لبشارتهم به إلاأنه رسول إليهم ينقذهم الله به منالضلالة ويهديهم إلى صراط مستقيم.
الثاني: الإيمان بمن علمنااسمه منهم مثل: " محمد وإبراهيموموسى وعيسى ونوح " عليهم الصلاةوالسلام وهؤلاء الخمسة هم أولواالعزم من الرسل . قال تعالى : {وَإِذْأَخَذْنَا مِنَ النّبِيّيْنَمِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نّوحٍوَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ وَعِيسَىابْنِ مَرْيَمَ}29
وأما من لم نعلم اسمهمنهم فنؤمن به إجمالا قال اللهتعالى : {وَلَقَدْأَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَمِنْهُم مّن قَصَصْنَا عَلَيْكَوَمِنْهُمْ مّن لّمْ نَقْصُصْعَلَيْكَ} 30(1/9)
الثالث:تصديق ما صح عنهم من أخبارهم.
الرابع: العمل بشريعة منأرسل إلينا منهم وهو خاتمهم محمد صلىالله عليه وسلم المرسل إلى جميعالناس قال الله تعالى: {فَلاَوَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّىَيُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَبَيْنَهُمْ ثُمّ لاَ يَجِدُواْ فِيَأَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مّمّاقَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً}1. وللإيمان بالرسلثمرات جليلة منها:
الأولى : العلم برحمة اللهتعالى وعنايته بعباده حيث أرسل إليهمالرسل ليهدوهم إلى صراط الله تعالىويبينوا لهم كيف يعبدون الله، لأنالعقل البشري لا يستقل بمعرفة ذلك.
الثانية: شكره تعالى علىهذه النعمة الكبرى .
الثالثة: محبة الرسل عليهمالصلاة والسلام وتعظيمهم والثناءعليهم بما يليق بهم، لأنهم رسل اللهتعالى ، ولأنهم قاموا بعبادته وتبليغرسالته والنصح لعباده.
وقد كذب المعاندون رسلهم زاعمين أنرسل الله تعالى لا يكونون من البشر،وقد ذكر الله تعالى هذا الزعم وأبطلهبقوله: {وَمَا مَنَعَ النّاسَأَن يُؤْمِنُوَاْ إِذْ جَآءَهُمُالْهُدَىَ إِلاّ أَن قَالُوَاْأَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رّسُولاً *قُل لَوْ كَانَ فِي الأرْضِمَلآئِكَةٌ يَمْشُونَمُطْمَئِنّينَ لَنَزّلْنَاعَلَيْهِم مّنَ السّمَآءِ مَلَكاًرّسُولاً}32.
الإيمان باليوم الآخر
الإيمان باليومالآخر : هو التصديق الجازم بكلما أخبر به الله تعالى في كتابه ،وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم فيسنته مما يكون بعد الموت من فتنةالقبر ، وعذابه ونعيمه والبعث والحشروالصحف والحساب والميزان والحوضوالصراط والشفاعة والجنة والنار وماأعد الله تعالى لأهلها جميعاً ومايكون بين يدي الساعة من علامات صغرىوكبرى .
واليوم الآخر: يوم القيامةالذي يبعث الناس فيه للحساب والجزاءوسمي بذلك لأنه لا يوم بعده، حيثيستقر أهل الجنة في منازلهم وأهلالنار في منازلهم.
والإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثةأمور:(1/10)
الأول: الإيمان بالبعث وهوإحياء الموتى حين ينفخ في الصورالنفخة الثانية، فيقوم الناس لربالعالمين حفاة غير منتعلين، عراة غيرمستترين، غرلا غير مختتنين ، قالالله تعالى : {كَمَا بَدَأْنَآأَوّلَ خَلْقٍ نّعِيدُهُ وَعْداًعَلَيْنَآ إِنّا كُنّا فَاعِلِينَ}33. والبعث حق ثابتدل عليه الكتاب والسنة وإجماعالمسلمين، قال تعالى: {ثُمّإِنّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيّتُونَ* ثُمّ إِنّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِتُبْعَثُونَ}34،وقال النبي صلى اللهعليه وسلم (يحشر الناس يومالقيامة حفاة عراة غرلا)35. وأجمع المسلمونعلى ثبوته ، وهو مقتضى الحكمة حيثتقتضي أن يجعل الله تعالى لهذهالخليقة معاداً يجازيهم فيه على ماكلفهم به على ألسنة رسله ، قال اللهتعالى: {أَفَحَسِبْتُمْأَنّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاًوَأَنّكُمْ إِلَيْنَا لاَتُرْجَعُونَ}36 ، وقال لنبيه صلى اللهعليه وسلم{إِنّ الّذِي فَرَضَعَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَآدّكَإِلَىَ مَعَادٍ}37.
الثاني: الإيمان بالحسابوالجزاء ، يحاسب العبد على عملهويجازى عليه، وقد دل على ذلك الكتابوالسنة وإجماع المسلمين، قال اللهتعالى:{إِنّ إِلَيْنَآإِيَابَهُمْ * ثُمّ إِنّ عَلَيْنَاحِسَابَهُمْ}38.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيصلى الله عليه وسلم قال: " إن اللهيدني المؤمن فيضع عليه كنفه (39)ويستره ، فيقول : أتعرف ذنب كذا أتعرفذنب كذا؟ فيقول نعم أي رب ، حتى إذاقرره بذنوبه ورأى أنه قد هلك، قال: قدسترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرهالك اليوم ، فيعطى كتاب حسناته ، وأماالكفار والمنافقون فينادى بهم علىرؤوس الخلائق {هََؤُلآءِ الّذِينَكَذَبُواْ عَلَىَ رَبّهِمْ أَلاَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ}"40 . متفق عليه.
وقد أجمع المسلمون على إثبات الحسابوالجزاء على الأعمال وهو مقتضىالحكمة.(1/11)
الثالث: الإيمان بالجنةوالنار وأنهما المآل الأبدي للخلق.فالجنة دار النعيم التي أعدها اللهتعالى للمؤمنين المتقين الذين آمنوابما أوجب الله عليهم الإيمان به،وقاموا بطاعة الله ورسوله مخلصين للهمتبعين لرسوله، فيها من أنواع النعيمما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطرعلى قلب بشر ، قال الله تعالى: {إِنّالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْالصّالِحَاتِ أُوْلََئِكَ هُمْخَيْرُ الْبَرِيّةِ * جَزَآؤُهُمْعِندَ رَبّهِمْ جَنّاتُ عَدْنٍتَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُخَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رّضِىَاللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبّهُ}41 ، وقال تعالى:{فَلاَتَعْلَمُ نَفْسٌ مّآ أُخْفِيَ لَهُممّن قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَاكَانُواْ يَعْمَلُونَ}42.
وأما النار فهي دار العذاب التيأعدها الله تعالى للكافرين الظالمينالذين كفروا به وعصوا رسله ، فيها منأنواع العذاب و النكال مالا يخطر علىالبال، قال الله تعالى: {وَاتّقُواْالنّارَ الّتِيَ أُعِدّتْلِلْكَافِرِينَ}43 ، وقال: {إِنّاأَعْتَدْنَا لِلظّالِمِينَ نَاراًأَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنيَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍكَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوجُوهَبِئْسَ الشّرَابُ وَسَآءَتْمُرْتَفَقاً}44.
وللإيمان باليوم الآخر ثمرات جليلةمنها :
الأول : الرغبة في فعلالطاعة والحرص عليها رجاءً لثواب ذلكاليوم.
الثانية : الرهبة من فعلالمعصية ومن الرضى بها خوفاً من عقابذلك اليوم.
الثالثة : تسلية المؤمن عمايفوته من الدنيا بما يرجوه من نعيمالآخرة وثوابها.
وقد أنكر الكافرون البعث بعد الموتزاعمين أن ذلك غير ممكن وهذا الزعمباطل دل على بطلانه الشرع والحسوالعقل.(1/12)
أما الشرع فقد قال الله تعالى : {زَعَمَالّذِينَ كَفَرُوَاْ أَن لّنيُبْعَثُواْ قُلْ بَلَىَ وَرَبّيلَتُبْعَثُنّ ثُمّ لَتُنَبّؤُنّبِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَىاللّهِ يَسِيرٌ}45 ، وقد اتفقت جميعالكتب السماوية عليه.
وأما الحس فقد أرى الله عباده إحياءالموتى في هذه الدنيا، وفي سورةالبقرة خمسة أمثلة على ذلك ومنها:
المثال الأول : قوم موسى حينقالوا له لن نؤمن لك حتى نرى اللهجهرة فأماتهم الله تعالى ثم أحياهم ،وفي ذلك يقول الله تعالى مخاطباً بنيإسرائيل: {وَإِذْ قُلْتُمْيَامُوسَىَ لَن نّؤْمِنَ لَكَحَتّىَ نَرَى اللّهَ جَهْرَةًفَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُوَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمّبَعَثْنَاكُم مّن بَعْدِ مَوْتِكُمْلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ}46.
المثال الثاني : في قصةالقتيل الذي اختصم فيه بنو إسرائيل.البقرة : 73
المثال الثالث: في قصةالذين خرجوا من ديارهم فراراً منالموت وهم ألوف فأماتهم الله تعالىثم أحياهم. البقرة : 243
المثال الرابع : في قصة الذيمر على قرية ميتة فاستبعد أن يحييهاالله تعالى فأماته الله تعالى مئةسنة ثم أحياه. البقرة:259
المثال الخامس: في قصةإبراهيم الخليل حين سأل الله تعالىأن يريه كيف يحيي الموتى. البقرة :260
فهذه أمثلة حسية واقعة تدل على إمكانإحياء الموتى. وقد سبقت الإشارة إلىما جعله الله تعالى من آيات عيسى بنمريم في إحياء الموتى وإخراجهم منقبورهم بإذن الله تعالى.
وأما دلالة العقل علىإمكان البعث فمن وجهين:
الأول : أن الله تعالى فاطرالسماوات والأرض وما فيهما خالقهماابتداء والقادر على ابتداء الخلق لايعجز عن إعادته ، قال الله تعالى : {وَهُوَالّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمّيُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}47.(1/13)
الثاني : أن الأرض تكون ميتةهامدة ليس فيها شجرة خضراء فينزلعليها المطر فتهتز خضراء حية فيها منكل زوج بهيج والقادر على إحيائها بعدموتها قادر على إحياء الأموات، قالالله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِأَنّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةًفَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَاالْمَآءَ اهْتَزّتْ وَرَبَتْ إِنّالّذِيَ أَحْيَاهَا لَمُحْىِالْمَوْتَىَ إِنّهُ عَلَىَ كُلّشَيْءٍ قَدِيرٌ}48.
ويلتحق بالإيمان باليوم الآخر :الإيمان بكل ما يكون بعد الموت مثل:
(أ)فتنة القبر:
وهي سؤال الميت بعد دفنه ، عن ربهودينه ونبيه، فيثبت الله الذين آمنوابالقول الثابت فيقول المؤمن ربي اللهوديني الإسلام ونبي محمد صلى اللهعليه وسلم ، ويضل الله الظالمينفيقول الكافر هاه هاه لا أدري . ويقولالمنافق أو المرتاب (49) لا أدري سمعتالناس يقولون شيئاً فقلته.
(ب)عذاب القبر ونعيمه:
فأما عذاب القبر فيكون للظالمينمن المنافقين والكافرين ، قال اللهتعالى: {وَلَوْ تَرَىَ إِذِالظّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِالْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُبَاسِطُوَاْ أَيْدِيهِمْأَخْرِجُوَاْ أَنْفُسَكُمُالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَالْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَعَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقّوَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِتَسْتَكْبِرُونَ}50 ، وقال تعالى في آلفرعون: {النّارُ يُعْرَضُونَعَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاًوَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُأَدْخِلُوَاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدّالْعَذَابِ}51 . وفي صحيح مسلم أنالنبي صلى الله عليه وسلم قال: تعوذوابالله من عذاب القبر .
وأما ، نعيم القبر فللمؤمنينالصادقين قال الله تعالى: {إِنّالّذِينَ قَالُواْ رَبّنَا اللّهُثُمّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزّلُعَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاّتَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْوَأَبْشِرُواْ بِالْجَنّةِ الّتِيكُنتُمْ تُوعَدُونَ}52.(1/14)
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أنالنبي صلى الله عليه وسلم قال فيالمؤمن إذا أجاب الملكين في قبره: "ينادي مناد من السماء أن صدق عبديفأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنةوافتحوا له باباً إلى الجنة ، قالفيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له فيقبره مد بصره " رواه أحمد وأبو داودفي حديث طويل.
وقد ضل قوم من أهلالزيغ أنكروا عذاب القبر ونعيمهزاعمين أن ذلك غير ممكن لمخالفتهالواقع ، قالوا فإنه لو كشف عن الميتفي قبره لوجد كما كان عليه والقبر لميتغير بسعة ولا ضيق .
وهذا الزعم باطل بالشرع والحس والعقل:
أما الشرع فقد سبقت النصوص الدالةعلى ثبوت عذاب القبر ونعيمه. وفي صحيحالبخاري . من حديث ابن عباس رضي اللهعنهما، قال: خرج النبي صلى الله عليهوسلم من بعض حيطان ، المدينة فسمع صوتإنسانين يعذبان في قبورهما وذكرالحديث وفيه : أن أحدهما كان لايستتر من البول وأن الآخر كان يمشيبالنميمة.
وأم الحس فإن النائم يرى في منامه أنهكان في مكان فسيح بهيج يتنعم فيه، أوأنه كان في مكان ضيق موحش يتألم منه،وربما يستيقظ أحيانا مما رأى و معذلك فهو على فراشه في حجرته على ماهو عليه، والنوم أخو الموت، ولهذاسماه الله تعالى وفاة، قال اللهتعالى: {اللّهُ يَتَوَفّىالأنفُسَ حِينَ مِوْتِهَا وَالّتِيلَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَافَيُمْسِكُ الّتِي قَضَىَ عَلَيْهَاالْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الاُخْرَىَإِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى}53.
وأما العقل فإن النائمفي منامه يرى الرؤيا الحق المطابقةللواقع وربما رأى النبي صلى اللهعليه وسلم على صفته ومن رآه على صفتهفقد رآه حقا، ومع ذلك فالنائم فيحجرته على فراشه بعيدا عما رأى فإذاكان هذا ممكنا في أحوال الدنيا أفلايكون ممكنا في أحوال الآخرة ؟؟!
الإيمان بالقدر(1/15)
الإيمان بالقدر: هو الاعتقاد الجازم بأن الله خالقكل شيء وربه ومليكه ، وأنه تعالى قدرالمقادير خيرها وشرها ، حلوها ومرها، وهو الذي خلق الضلالة والهداية ،والشقاوة والسعادة وأن الآجالوالأرزاق بيده سبحانه وتعالى .
والقدر بفتح الدال: تقدير الله تعالىللكائنات حسبما سبق به علمه واقتضتهحكمته.
والإيمان بالقدر يتضمن أربعة أمور:
الأول : الإيمان بأن اللهتعالى عالم بكل شيء جملة و تفصيلا،أزلاً وأبداً، سواء كان ذلك ممايتعلق بأفعاله أو بأفعال عباده.
الثاني :الإيمان بأن الله كتب ذلك في اللوحالمحفوظ ، وفي هذين الأمرين يقولالله تعالى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّاللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السّمَآءِوَالأرْضِ إِنّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍإِنّ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ}54 .
الثالث: الإيمان بأن جميعالكائنات لا تكون إلا بمشيئة اللهتعالى ، سواء كانت مما يتعلق بفعله،أم مما يتعلق بفعل المخلوقين، قالالله تعالى فيما يتعلق بفعله: {وَرَبّكَيَخْلُقُ مَا يَشَآءُ}55.
وقال تعالى فيما يتعلق بفعلالمخلوقين : {وَلَوْ شَآءَ اللّهُلَسَلّطَهُمْ عَلَيْكُمْفَلَقَاتَلُوكُمْ}56.
الرابع : الإيمان بأن جميعالكائنات مخلوقة لله تعالى بذواتهاوصفاتها وحركاتها ، قال تعالى : {اللّهُخَالِقُ كُلّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىَكُلّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}57،وقال{وَخَلَقَ كُلّشَيْءٍ فَقَدّرَهُ تَقْدِيراً}58،وقال عن نبيهإبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قاللقومه:{وَاللّهُ خَلَقَكُمْوَمَا تَعْمَلُونَ}59 .
والإيمان بالقدر على ما وصفنا لاينافي أن يكون للعبد مشيئة في أفعالهالاختيارية وقدره عليها ، لأن الشرعوالواقع دالان على إثبات ذلك له.(1/16)
أما الشرع: فقد قال اللهتعالى في المشيئة: {فَمَن شَآءَاتّخَذَ إِلَىَ رَبّهِ مَآباً}60 ، وقال : {فَأْتُواْحَرْثَكُمْ أَنّىَ شِئْتُمْ}61 ، وقال في القدرة: {فَاتّقُواْاللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْوَاسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ}62 ، وقال : {لاَيُكَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّوُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْوَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ }63 .
وأما الواقع: فإن كل إنسانيعلم أن له مشيئة وقدرة بهما يفعلوبهما يترك ، ويفرق بين ما يقعبإرادته كالمشي ، وما يقع بغيرإرادته كالارتعاش ، لكن مشيئة العبدوقدرته واقعتان بمشيئة الله تعالىوقدرته ، لقوله تعالى : {لِمَنشَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ *وَمَا تَشَآءُونَ إِلاّ أَن يَشَآءَاللّهُ رَبّ الْعَالَمِينَ}64 ، ولأن الكون كلهملك لله تعالى فلا يكون في ملكه شيءبدون علمه ومشيئته .
والإيمان بالقدر علىما وصفنا لا يمنح العبد حجة على تركالواجبات ، أو فعل من المعاصي ، وعلىهذا فاحتجاجه باطل من وجوه :
الأول : قولهتعالى : {سَيَقُولُ الّذِينَأَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ اللّهُ مَآأَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَحَرّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَكَذّبَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمحَتّىَ ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْهَلْ عِندَكُم مّنْ عِلْمٍفَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِنتَتّبِعُونَ إِلاّ الظّنّ وَإِنْأَنتُمْ إَلاّ تَخْرُصُونَ}65 ، ولوكان لهم حجةبالقدر ما أذاقهم الله بأسه.
الثاني : قوله تعالى : {رّسُلاًمّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاّيَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِحُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ وَكَانَاللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}66 ، ولو كان القدرةحجة للمخالفين لم تنتف بإرسال الرسللأن المخالفة بعد إرسالهم واقعةبقدرة الله تعالى .
وللإيمان بالقدر ثمرات جليلة منها:
الأولى : الاعتماد على اللهتعالى عند فعل الأسباب بحيث لا يعتمدعلى السبب نفسه لأن كل شيء بقدر اللهتعالى.(1/17)
الثانية : أنلا يعجب المرء بنفسه عند حصول مراده ،لان حصوله نعمة من الله تعالى بماقدره من أسباب الخير والنجاح وإعجابهبنفسه ينسيه شكر هذه النعمة.
الثالثة :الطمأنينة والراحة النفسية بما يجريعليه من أقدار الله تعالى، فلا يقلقبفوات محبوب أو حصول مكروه، لأن ذلكبقدر الله الذي له ملك السماواتوالأرض وهو كائن لا محالة، وفي ذلكيقول الله تعالى: {مَآ أَصَابَ مِنمّصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِيَأَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّنقَبْلِ أَن نّبْرَأَهَآ إِنّ ذَلِكَعَلَى اللّهِ يَسِيرٌ * لّكَيْلاَتَأْسَوْاْ عَلَىَ مَا فَاتَكُمْوَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْوَاللّهُ لاَ يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍفَخُورٍ}67.ويقول النبي بالقدر:"عجبالأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليسذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراءشكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبرفكان خيرا له ". رواه مسلم.
وقد ضل في القدرطائفتان:
الأولى : الجبرية الذينقالوا إن العبد مجبر على عمله وليس لهفيه إرادة ولا قدرة.
الثانية :القدرية الذين قالوا إن العبد مستقلبعمله في الإرادة والقدرة وليسلمشيئة الله تعالى وقدرته فيه أثر.
والرد على الطائفةالأولى (الجبرية) بالشرع والواقع:
أما الشرع فإن الله تعالى أثبتللعبد إرادة ومشيئة وأضاف العملإليه قال الله تعالى : {مِنكُممّن يُرِيدُ الدّنْيَا وَمِنكُم مّنيُرِيدُ الاَخِرَةَ}68 .
وأما الواقع فإن كلإنسان يعلم الفرق بين أفعالهالاختيارية التي يفعلها بإرادتهكالأكل والشرب والبيع والشراء ، وبينما يقع عليه بغير إرادته كالارتعاشمن الحمى والسقوط من السطح ، فهو فيالأول فاعل مختار بإرادته من غيرجبر، وفي الثاني غير مختار ولا مريدلما وقع عليه.
والرد على الطائفةالثانية (القدرية) بالشرع والعقل:(1/18)
أما الشرع فإن الله تعالى خالق كل شيءوكل شيء كائن بمشيئته، وقد بين اللهتعالى في كتابه أن أفعال العباد تقعبمشيئته فقال تعالى : {وَلَوْ شَآءَاللّهُ مَا اقْتَتَلَ الّذِينَ مِنبَعْدِهِم مّن بَعْدِ مَاجَآءَتْهُمُ الْبَيّنَاتُوَلََكِنِ اخْتَلَفُواْفَمِنْهُمْ مّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْمّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ اللّهُ مَااقْتَتَلُواْ وَلََكِنّ اللّهَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}69 ، وقال تعالى: {وَلَوْشِئْنَا لاَتَيْنَا كُلّ نَفْسٍهُدَاهَا وَلََكِنْ حَقّ الْقَوْلُمِنّي لأمْلأنّ جَهَنّمَ مِنَالْجِنّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ}70 .
وأما العقل فإن الكون كله مملوك للهتعالى والإنسان من هذا الكون فهومملوك لله، ولا يمكن للمملوك أنيتصرف في - ملك المالك إلا بإذنهومشيئته.
1 البقرة : 177
2 القمر : 49-50
3 رواه مسلم
4 رواه البخاري
5 الطور : 35
6 الأنبياء : 76
7 الأعراف : 54
8 البقرة : 163
9 الأعراف : 180
10 الشورى : 11
11 الأنبياء : 19-20
12 رواه مسلم
13 فاطر : 1
14 الذاريات : 56-58
15 الجن : 14-15
16 الجن : 11
17 الرحمن : 46-47
18 الجن : 6
19 المائدة : 48
20 المائدة : 48
21 النساء : 163
22 الأحزاب : 40
23 النحل : 36
24 الأعراف : 188
25 الشعراء :79-81
26 الإسراء : 3
27 الفرقان : 1
28 الشعراء : 105
29 الأحزاب : 7
30 غافر : 78
31 النساء : 65
32 الإسراء : 95
33 الأنبياء : 104
34 المؤمنون : 15-16
35 متفق عليه
36 المؤمنون : 115
37 القصص : 85
38 الغاشية : 25-26
39 كنفه : ستره
40 هود : 18
41 البينة : 7-8
42 السجدة : 17
43 آل عمران : 131
44 الكهف : 29
45 التغابن : 7
46 البقرة : 56
47 الروم : 27
48 فصلت : 39
49 أو للشك من الراوي كما في الصحيحين
50 الأنعام : 93
51 غافر : 46
52 فصلت : 30
53 الزمر : 42
54 الحج : 70
55 القصص : 68
56 النساء : 90
57 الزمر : 62
58 الفرقان : 2
59 الصافات : 96
60 النبأ : 39
61 البقرة : 223(1/19)
62 التغابن : 16
63 البقرة : 286
64 التكوير : 28-29
65 الأنعام : 148
66 النساء : 165
67 الحديد : 22-23
68 آل عمران : 152
69 البقرة : 253
70 السجدة : 13
71 المرجع : كتاب نبذة في العقيدةالإسلامية للشيخ محمد بن صالحالعثيمين
الصفحة الرئيسية | السراج المنير | المكتبة الإسلامية | صوتيات السراج | روابط السراج | دعوتنا | تزكيات | ساهم معنا | اتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم - جمعية السراج المنير الإسلامية - بيروت - لبنان ( asseraj@asseraj.net )(1/20)
محاسبة النفس
للشيخ/ عبد الهادي بن حسن وهبي
أمين وقف البخاري الخيري في عكار - شمال لبنان
قال الله تعالى : ( يَوْمَتَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْمِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَاعَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْأَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًابَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُنَفْسَهُ)[ آل عمران : 30 ] ، وقال : (وَنَضَعُ المَوَازِينَ الْقِسْطَلِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَتُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْكَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْخَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىبِنَا حَاسِبِينَ)[الأنبياء:47] ، وقال : (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَىالْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّافِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَامَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَيُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَكَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَاوَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًاولاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) [ الكهف : 49 ] ،وقال : ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُالنَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْاأَعْمَالَهُمْ ( فَمَنْ يَعْمَلْمِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍشَرًّا يَرَه) [ الزلزلة : 6 ـ 8 ] .
فاقتضت هذه الآياتُوما أشبَهها خَطَرَ الحساب في الآخرة،وتَحَقَّقَ أربابُ البصائر أنّهملا يُنجيهم من هذه الأخطار إلا لزومُالمحاسبة لأنفسِهم وصدقُ المراقبة .فَمَنْ حاسب نفسَه في الدُّنيا ،خفَّ في القيامة حسابُه، وحَسُنَمنقلبُه ، ومَنْ أَهْمَلَ المحاسبةَدامت حسراتُه 1.
قالَ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسِبُوا أنْفُسَكُم قبلَ أنْتُحَاسَبُوا ، وزِنُوا أنْفُسَكُمقبلَ أَنْ تُوزَنوا ؛ فإِنَّهُ أهونُعليكُم في الحسابِ غداً أنْتُحاسِبوا أنْفُسَكُمُ اليومَ ،وتزَيَّنُوا للعَرْضِ الأكْبَرِ : (يَوْمَئِذٍتُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْخَافِيَةٌ)[ الحاقة : 18 ] " .(1/1)
وقال الحسن : " لاتَلْقى المؤمِنَ إلاَّ يُحَاسِبُنفسَهُ : ماذا أرَدْتِ تَعملينَ ؟وماذا أرَدْتِ تَأْكُلينَ ؟ وماذاأرَدْتِ تَشْربِينَ ؟ والفاجِرُيَمْضي قُدُماً قُدُماً لا يُحاسِبُنفْسَهُ ".
وقالَ قَتادةُ فيقولِه تعالى : (وَكَانَ أَمْرُهُفُرُطًا)[الكهف : 28 ] : " أضاعَ نفْسَهُوغَبَنَ ، ومَعَ ذلك تراهُ حافِظاًلمالِهِ مُضَيِّعاً لدينِهِ " .
وقالَ الحسنُ:"إنَّالعبدَ لا يزالُ بخيرٍ مَا كانَ لهُواعِظٌ مِن نفسِهِ ، وكانتِالمحاسبةُ مِن همَّتِهِ" .
وقالَ ميمونُ بنُمِهرانَ : " لا يكونُ العبدُتقيّاً حتى يكونَ لنفسهِ أشدَّمحاسبةً مِن الشَّريكِ لشريكهِ . ولهذا قيلَ : النَّفْسُكالشَّريكِ الخوَّانِ ، إنْ لمتُحاسِبْهُ ؛ ذَهَبَ بمالِك " .
وقالَ ميمونُ بنُمِهرانَ أيضاً : " أَنَّ التَّقِيَّأشدُّ محاسبةً لنفسِهِ مِن سلطانٍعاصٍ ، ومِن شريكٍ شحيحٍ " .
وكتبَ عمرُ بنُالخطَّابِ إلى بعض عمَّالِه : "حاسِبْ نفسَكَ في الرَّخاءِ قبلَحسابِ الشِّدَّةِ ؛ فإِنَّ مَنْحَاسَبَ نفسَهُ في الرَّخاءِ قبلَحِسابِ الشِّدَّةِ عادَ أمرُهُ إلىالرِّضى والغِبْطَةِ ، ومَنأَلْهَتْهُ حياتُه وشَغَلَتْهُأهواؤهُ ؛ عادَ أمرُهُ إلىالنَّدامَةِ والخسارةِ " .
وقال الفُضَيل بنعِياض : المؤمنُ يحاسب نفسهويعلم أنّ له موقفاً بين يدي اللهتعالى ، والمنافق يغفل عن نفسه ،فَرَحِمَ اللهُ عبداً نظر لنفسه قبلنزول مَلَك الموتِ بِه 2
وقد مُثّلت النّفس معصاحبها بالشَّريك في المال ، فكماأنّه لا يتمّ مقصود الشركة من الربحإلا بالمشارطة على ما يفعل الشريكأوّلاً ،(1/2)
ثمّ بمطالعة ما يعمل ،والإشراف عليه ومراقبته ثانياً ، ثمّبمحاسبته ثالثاً ، ثمّ يمنعه منالخيانة إن اطّلع عليه رابعاً ،فكذلك النفس : يشارطها أوّلاً على حفظالجوارح السبعة التي حفظها هو رأسالمال ، والربح بعد ذلك ، فمن ليس لهرأس مال ، فكيف يطمع في الربح ؟! وهذهالجوارح السبعة ، وهي العين ، والأذن، والفم ، والقلب ، والفرج ، واليد ،والرجل : هي مراكب العطب والنجاة ،فمنها عطب من عطب بإهمالها وعدمحفظها ، ونجا من نجا بحفظهاومراعاتها . فحفظها أساس كلّ خير ،وإهمالها أساس كل شر.
فإذا شارطها على حفظهذه الجوارح انتقل منها إلىمطالعتها،والإشراف عليهاومراقبتها، فلا يهملها ، فإنّه إنأهملها لحظة رتعت في الخيانة ولا بدّ، فإن تمادى في الإهمال تمادت فيالخيانة حتى تذهب رأس المال كلّه ،فمتى أحسّ بالنقصان انتقل إلىالمحاسبة ، فحينئذ يتبين له حقيقةالربح والخسران ، فإذا أحس بالخسرانوتيقنه استدرك منها ما يستدركهالشريك من شريكه : من الرجوع عليه بمامضى ، والقيام بالحفظ والمراقبة فيالمستقبل ، ولا مطمع له في فسخ عقدالشركة مع هذا الخائن والاستبدالبغيره ، فإنّه لا بدّ منه فليجتهد فيمراقبته ومحاسبته ، وليحذر من إهماله.
ويعينه على هذهالمراقبة والمحاسبة : معرفته أنّهكلما اجتهد فيها اليوم استراح منهاغداً إذا صار الحساب إلى غيره ،وكلّما أهملها اليوم اشتدّ عليهالحساب غداً .(1/3)
ويعينه عليها أيضا :معرفته أن ربح هذه التجارة سكنىالفردوس ، والنظر إلى وجه الربسبحانه ، وخسارتها : دخول الناروالحجاب عن الرب تعالى ، فإذا تيقّنهذا هان عليه الحساب اليوم ؛ فحقّ علىالحازم المؤمن بالله واليوم الآخر أنلا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييقعليها في حركاتها وسكناتها وخطواتها، فكلّ نفسٍ من أنفاس العمر جوهرةنفيسة لا خطر لها يمكن أن يشترى بهاكنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبدالآباد . فإضاعة هذه الأنفاس ، أواشتراء صاحبها بها ما يجلب هلاكه :خسران عظيم لا يسمح بمثله إلا أجهلالنّاس وأحمقهم وأقلّهم عقلاً.وإنّما يظهرله حقيقة هذا الخسران يومالتغابن : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّنَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍمُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْسُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَاوَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) [ آل عمران : 30 ] .
ومُحاسَبَةُالنَّفْسِ نوعانِ : نوعٌ قبلَالعَمَلِ ، ونوعٌ بعدَه .
فأَمَّاالنَّوعُ الأوَّلُ : فهو أَنْيَقِفَ عندَ أَوَّلِ همِّهِوإِرادتِه ، ولا يُبادِرَ بالعمَلِحتى يتَبَيَّنَ لهُ رُجْحانُهُ علىتركِه .
قالَ الحسنُ رحمهُاللهُ : "رَحِمَ اللهُعبداً وَقَفَ عندَ همِّهِ ، فإِنْكانَ لله مَضى ، وإنْ كانَ لغيرِهتأخّر".
وشرحَ هذا بعضُهُمفقالَ : إذا تحرَّكَتِ النَّفْسُلعملٍ من الأعمالِ ، وهَمَّ بهِالعبدُ ، وَقَفَ أَوَّلاً ونَظَرَ :هل الباعث عليه إرادةُ وجه الله عزوجل وثوابِهِ أو إرادةُ الجاهِوالثّناءِ والمالِ من المخلوق ؟ فإنْكان الثاني لم يُقْدِمْ عليه ، وإنْأفضى به إلى مطلوبه ، لئلاّ تعتادَالنّفسُ الشِّرْكَ ، ويخفَّ عليهاالعملُ لغير الله ، فبقدْر مايَخِفُّ عليها ذلك يَثْقُلُ عليهاالعملُ لله تعالى ، حتىَّ يصيرَأثقلَ شيءٍ عليها.
النَّوعُالثَّاني : مُحاسَبَةُالنَّفْسِ بعدَ العَمَلِ :
وهو ثلاثةُ أَنواعٍ :(1/4)
أَحَدُها :مُحَاسَبَتُها على طاعةٍ قصَّرَتْفيها مِن حَقِّ اللهِ تعالى ؛ فلمتُوقِعْها على الوجهِ الَّذي ينبغي .
وحقُّ اللهِ تعالى فيالطَّاعةِ ستَّةُ أُمورٍ ، وهي :
1-الإخلاصُ في العملِ .
2-والنَّصيحَةُ للهِ فيهِ .
3-ومُتابعَةُ الرَّسولِ فيهِ .
4-وشُهودُ مَشْهَدِ الإحسانِ فيهِ .
5-وشُهودُ مِنَّةِ اللهِ عليهِ .
6-وشُهودُ تَقصيرِهِ فيهِ بعدَ ذلككلِّهِ .
فيُحَاسِبُ نَفْسَهُ :هل وفَّى هذه المقاماتِ حقَّها ؟ وهلأتى بها في هذه الطَّاعةِ ؟
الثَّاني :أَنْ يُحاسِبَ نفسَهُ على كلِّعملٍ كانَ تَرْكُه خيراً لهُ مِنفِعْلِهِ. الثَّالثُ :أَنْ يُحاسِبَ نفسَهُ على أمْرٍمُباحٍ ، أو مُعتادٍ : لِمَ فَعَلَهُ؟ وهل أرادَ بهِ الله والدَّارَالآخِرَةَ ؟ فيكونَ رابحاً ، أوأرادَ بهِ الدُّنيا وعاجِلَها ؛فيَخْسَرَ ذلك الرِّبحَ ويفوتَهالظَّفَرُ بِهِ !
وأَضَرُّ مَا عليهِالإِهمالُ ، وتركُ المُحاسبَةِوالاسترسالُ ، وتسهيلُ الأمورِوتمشِيَتُها ، فإِنَّ هذا يَؤولُبِهِ إلى الهلاكِ ، وهذهِ حالُ أهلِالغُرورِ ؛ يُغْمِضُ عيْنَيْهِ عنِالعواقِبِ ، ويُمَشِّي الحال ،ويَتَّكِلُ على العَفْوِ ؛فيُهْمِلُ مُحاسَبَةَ نفسِهِوالنَّظَرَ في العاقبةِ ، وإذافَعَلَ ذلك سَهُلَ عليهِ مواقَعَةُالذُّنوبِ ، وأَنِسَ بها، وعَسُرَعليه فِطَامُها، ولو حَضَرَهُرُشْدُهُ لَعَلِمَ أَنَّ الحِمْيَةَأَسْهَلُ مِن الفِطامِ ، وتركِالمألوفِ والمُعتادِ .
وجِماعُ ذلك : أَنْيُحاسِبَ نفسَهُ أوَّلاً علىالفرائِضِ ، فإنْ تَذَكَّرَ فيهانَقْصاً تَدارَكَهُ ، إمَّا بقضاءٍأو إصلاحٍ .
ثمَّ يُحاسِبُها علىالمناهي ، فإنْ عَرَفَ أَنَّهُارتَكَبَ منها شيئاً تدارَكَهُبالتَّوبةِ والاستغفارِ والحسناتِالماحِيَةِ.
ثمَّ يحاسِبُ نفسَهُعلى الغَفْلَةِ ، فإنْ كان قد غَفِلَعمَّا خُلِقَ لَهُ ؛ تدارَكَهُبالذِّكْرِ والإقبالِ على اللهتعالى .(1/5)
ثمَّ يُحَاسِبُها بماتكلَّمَ بهِ ، أو مَشَتْ إليهِرجلاهُ ، أو بَطَشَتْ يداهُ ، أوسمعَتْهُ أُذناهُ : ماذا أرادَتْبهذا ؟ ولمَنْ فَعَلَتْهُ ؟ وعلىأيِّ وجهٍ فَعَلَتْهُ ؟ ويعلم أنه لابد أن ينشر لكل حركة وكلمة منهديوانان : لم ؟ وكيف ؟ أي : لمَ فعلتَ ؟وكيفَ فَعلتَ ؟
فالأوَّلُ :سؤالٌ عن علَّة الفعلِ ، وباعثِهِ ،وداعيهِ : هل هو حظُّ عاجلٌ مِنحُظوظِ العاملِ ، وغرضٌ مِن أغراضِالدُّنيا في محبَّةِ المدحِ مِنالناس ، أو خوفِ ذمِّهم ، أو استجلابِمحبوبٍ عاجلٍ ، أو دفعِ مكروهٍ عاجلٍ؟ أم الباعثُ على الفعلِ القيامُبحقِّ العبوديَّةِ ، وطلبُالتودُّدِ والتقرُّبِ إلى الرَّبِّسبحانَهُ وتعالى ، وابتغاءُالوسيلةِ إليهِ ؟
ومحلُّ هذا السؤالِأنَّهُ : هل كان عليكَ أَنْ تفعَلَهذا الفعلَ لمولاكَ ، أم فعَلْتَهُلحظِّكَ وهواكَ؟
والثاني :سؤالٌ عن متابعةِ الرَّسولِ عليهِالصلاةُ والسلامُ في ذلك التعبُّدِ ؛أي : هل كان ذلك العمل ممّاشَرَعْتُهُ لك على لسانِ رسولي ؟ أمكانَ عملاً لم أشْرَعْهُ ولمأَرْضَهُ ؟
فالأوَّلُ: سؤالٌ عن الإخلاصِ ،والثاني : عن المُتابَعَةِ ؛ فإِنَّاللهَ لا يقبلُ عملاً إلاَّ بِهِما.
فطريقُ التخلُّصِ مِن السؤالِالأوَّلِ بتجريدِ الإخلاصِ .
وطريقُ التخلُّصِ مِنالسؤالِ الثَّاني بتحقيقِالمُتابعةِ ، وسلامةِ القلبِ مِنإرادَةٍ تُعارِضُ الإخلاصَ ، وهوىًيُعارِضُ الاتِّباعَ .
وقال تعالى : (فَوَرَبِّكَلَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَعَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [ الحجر : 92 - 93 ] .
وقال تعالى : (لِيَسْأَلَالصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) [الأحزاب : 8 ].
فإذا سُئِلَالصَّادقون وحُوسِبُوا علىصِدْقِهِمْ فما الظَّنُبالكاذِبِينَ ؟
وقال تعالى : (ثُمَّلَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْالنَّعِيمِ) [ التكاثر : 8 ] 3.(1/6)
والنعيم المسؤول عنهنوعان : نوع أخذ من حله وصرف في حقه ،فيسأل عن شكره . ونوع أخذ بغير حقهوصرف في غير حقه ، فيسأل عن مستخرجهومصرفه.
فإذا كانَ العبدُمسؤولاً ومُحاسَباً على كلِّ شيءٍ ،حتى عَلى سَمْعِهِ وبَصَرِهِوقَلْبِهِ ، كما قال تعالى : (إنَّالسَّمْعَ وَالْبَصَرَوَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَكَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ) [ الإسراء : 36 ] ؛فهُو حقيقٌ أنْ يُحاسِبَ نفسَهُ قبلَأنْ يُنَاقَشَ الحسابَ 4 .
وقد دلَّ على وُجوبِمحاسبة النَّفسِ قولُه تعالى: (يَاأَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَوَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ) [ الحشر : 18 ] ،فأمر سبحانه العبدَ أنْ ينظر ماقدَّمَ لِغد ، وذلك يتضمَّن محاسبةنفسه على ذلك ، والنظر : هل يصلُح ماقدّمه أن يلقى الله به أو لا يصلح ؟ .
والمقصودُ مِن هذاالنظرِ : ما يُوجبه ويقتضيه ، من كمالالاستعداد ليوم المعاد ، وتقديم مايُنجيه من عذاب الله ، ويُبيض وجههعند الله.
وكلّ ذلكَ إنّما يمكنُبصبرِ ساعةٍ واحدةٍ . فانّ الساعاتِثلاث 5 : ساعةٌ مضتْ لا تعبفيها على العبد كيفما انقضت في مشقةأو رفاهية. وساعة مستقبلة لم تأت بعدلا يدري العبد أيعيش إليها أم لا ولايدري ما يقضي الله فيها ؟ وساعة راهنةينبغي أن يجاهد فيها نفسه ويراقبفيها ربه .
فإن لم تأته الساعةالثانية لم يتحسر على فوات هذهالساعة ، وإن أتته الساعة الثانيةاستوفى حقه منها كما استوفى منالأولى . ولا يطول أمله خمسين سنةفيطول عليه العزم على المراقبة فيها؛ بل يكون ابن وقته كأنه في آخرأنفاسه فلعله آخر أنفاسه وهو لا يدري. وإذا أمكن أن يكون آخر أنفاسهفينبغي أن يكون على وجه لا يكره أنيدركه الموت وهو على تلك الحال .
وفي محاسبةِالنَّفْسِ عِدَّةُ مصالحَ:(1/7)
مِنْهَا: الاطِّلاعُعَلَى عُيوبِها ونقائصها ،فيمكِنُهُ السَّعي في إصلاحها ، ومَنلَمْ يطَّلعْ عَلَى عَيْبِ نفسِهِ،لَمْ يُمْكِنْهُ إِزالَتُه، فَإِذَااطَّلَعَ عَلَىعَيْبِها؛ مَقَتَهافِي ذاتِ اللهِ تَعَالَى.
قال أبوالدرداء رضيالله عنه: " لا يَفْقَهُالرَّجُلُ كلَّ الفِقْهِ حَتَّىيَمْقُتَ النَّاسَ في جَنْبِ اللهِ ،ثم يَرْجِعُ إلى نفسِهِ فيكونَ لهاأشدَّ مَقْتاً ".
وقالَ مُطَرِّفُ بنُعبدِ اللهِ : " لولا ما أَعْلَممِن نَفْسي لَقَلَيْتُ النَّاسَ " . وقال أَيُّوبُالسَّخْتِيانِيُّ : " إِذا ذُكِرَالصَّالِحونَ كنتُ عنهُم بمَعْزِلٍ".
ولما احْتُضِرَسفيانُ الثَّوريُّ ؛ دَخَل عليهِ أبوالأشهبِ وحمَّادُ بنُ سَلَمَةَ ،فقالَ لهُ حمَّادٌ : "يا أبا عبدِاللهِ! أَليس قد أمِنْتَ ممَّا كنتَتخافُه ؟ وتقْدَمُ على مَن ترجوهُ ،وهو أَرْحَمُ الرَّاحمينَ . فقال : ياأَبا سلمة ! أَتَطْمَعُ لِمِثْلِيأَنْ ينجُو مِن النَّارِ؟ قَالَ : إيْواللهِ ؛ إنِّي لأرجو لكَ ذلك ".
وقَالَ يُونُسُ بنُعُبيدٍ: " إِنِّي لأجِدُمئةَ خَصْلَةٍ مِنْ خِصالِ الخير ،ما أَعْلَمُ أَنَّ في نفسي منهاواحدةً".
وقال محمَّد بنُ واسعٍ:"لوكانَ للذُّنوبِ ريحٌ ؛ ما قَدِرَأحدٌ يجلِسُ إليَّ".
وذُكِرَ داودُالطَّائِي عندَ بعض الأمراءِ ،فأَثْنَوا عليهِ ، فَقَالَ : " لويَعْلَمُ النَّاسُ بعضَ ما نحنُ فيهِ، ما ذلَّ لنا لسانٌ بذِكْرِ خيرٍأبداً ".
وقالَ أَبو حفصٍ: (مَنْلَمْ يَتَّهِمْ نَفْسَهُ عَلَىدَوامِ الأوقاتِ، ولم يُخالِفْهافِي جميعِ الأحوالِ، ولم يَجُرَّهاإِلَى مكروهِها فِي سائِرأَوقاتِه؛كَانَ مغروراً،ومَننَظَرَ إِلَيْهَا باستحسانِ شيءٍمِنْهَا؛ فَقَدْ أَهْلَكَها).
فالنَّفْسُ داعيةٌإِلَى المَهالِكِ، مُعينَةٌللأعداءِ، طامِحَةٌ إِلَى كلِّقبيحٍ، مُتَّبِعَةٌ لكُلِّ سوءٍ،فَهِيَ تَجْرِي بطَبْعها فِي ميدانِالمُخالَفَةِ.(1/8)
فالنِّعْمَةُ الَّتِيلاَ خَطَر لَهَا: الخروجُ مِنْهَا،والتَّخَلُّصُ مِن رِقِّها،فإِنَّها أَعظمُ حجابٍ بينَ العبدِوبينَ اللهِ تعالى، وأَعرَفُالنَّاسِ بِهَا أَشدُّهُم إِزراءًعَلَيهَا، ومَقْتاً لَهَا.
ومَقْتُ النَّفسِ فِيذاتِ اللهِ مِن صفاتِالصِّدِّيقينَ، ويدنو العبدُ بِهِمِن اللهِ تَعَالَى فِي لحظةٍ واحدةٍأَضعافَ أَضعافِ مَا يَدنو بالعملِ.
وأيضاً : فإنّ زكاتهاوطهارتها موقوفٌ على محاسبتها ، فلاتزكو ولا تَطْهُرُ ولا تَصْلُحُألبتَّة إلا بمحاسبتها .
ومِن فوائِدِمحاسبةِ النَّفْسِ: أَنَّهُيعرِفُ بذلك حقَّ اللهِ تعالى، ومَنلَمْ يَعْرِفْ حقَّ اللهِ تَعَالَىعَلَيهِ؛ فإِنَّ عبادَتَهُ لاَتكادُ تُجْدِي عليهِ، وهي قليلةُالمنفعَةِ جدّاً.
فمِنْ أَنْفَعِ مَاللقلبِ النَّظَرُ فِي حقِّ اللهِعَلَى العبادِ؛ فإنَّ ذَلِكَيورِثُهُ مَقْتَ نفسِه، والإزراءَعَلَيْهَا، ويُخلِّصُه مِن العُجْبِورُؤيَةِ العملِ، ويفتَحُ لَهُ بابَالخضوعِ والذُّلِّ والانكسارِ بينَيدي ربِّهِ، واليأْسِ مِن نفسِهِ،وأَنَّ النَّجاةَ لاَ تحصُلُ لَهُإِلاَّ بعفوِ اللهِ، ومغفرَتِهِورحمتِه، فإِنَّ مِن حقِّهِ أَنْيُطاعَ وَلاَ يُعْصَى، وأَنْيُذْكَرَ فلا يُنْسَى، وَأَنْيُشْكَرَ فلا يُكْفَرَ.
فَمَنْ نَظَرَ فِيهَذَا الحقِّ الَّذِي لربِّهِعَلِمَ علمَ اليقينِ أَنَّهُ غيرُمؤدٍّ لَهُ كَمَا ينبغي، وأَنَّهُلاَ يسعهُ إِلاَّ العفوُ والمغفرةُ،وأَنَّهُ إِنْ أُحيلَ عَلَى عملِهِهَلَكَ.
فهذا محلُّ نظرِ أهلِالمعرفةِ باللهِ تَعَالَىوبنفوسِهم، وهذا الَّذِيأَيْأَسَهُم مِن أَنْفُسِهم، وعلَّقرجاءَهُم كلَّهُ بعفوِ اللهِورحمتِه.(1/9)
وإِذا تأَمَّلْتَحالَ أَكثرِ النَّاسِ؛ وَجَدْتَهُمبضدِّ ذَلِكَ، ينظُرونَ فِي حقِّهِمعَلَى اللهِ، وَلاَ ينظُرونَ فِيحَقِّ اللهِ عليهِم، ومِن هاهناانْقَطَعوا عن اللهِ، وحُجِبَتْقلوبُهُم عن معرفتِه ومحبَّتِهوالشَّوقِ إِلَى لقائِهِوالتَّنَعُّمِ بِذِكْرِهِ، وهذاغايةُ جهلِ الإنسانِ بربِّهِوبنفسِهِ.
فمحاسَبَةُ النَّفْسهِيَ نظرُ العَبْدِ فِي حقِّ اللهِعَلَيهِ أَوَّلاً.
ثُمَّ نَظَرَهُ: هَلْقامَ بِهِ كَمَا يَنبغي ثانِياً.
وأَفْضَلُ الفكرِالفِكْرُ فِي ذَلِكَ، فإِنَّهُيُسَيِّرُ القلبَ إِلَى اللهِويَطْرَحُهُ بينَ يديهِ ذَليلاً،خاضِعاً مُنْكَسراً كَسْراً فِيهِجَبْرُه، ومفتقراً فقراً فِيهِغِناهُ، وذليلاً ذُلاًّ فِيهِعِزُّهُ، وَلَوْ عَمِلَ مِنالأعمالِ مَا عساهُ أَنْ يعْمَلَ؛فإِنَّهُ إِذَا فاته هَذَا؛ فالذيفاتَهُ مِن البرِّ أفضلُ مِن الَّذِيأتى بِهِ6 .
وأخيراً فينبغي علىالواحد منا أنْ يجلس "عندما يريدالنوم لله ساعةً يحاسب نفسه فيها علىما خسره وربحه في يومه ، ثمّ يجدد لهتوبةً نصوحاً بينه وبين الله ، فينامعلى تلك التوبة ويعزم على أن لا يعاودالذنب إذا استيقظ ، ويفعل هذا كل ليلة، فإن مات من ليلته مات على توبة وإناستيقظ استيقظ مستقبلا للعملمسروراً بتأخير أجله ، حتى يستقبلربه ويستدرك ما فاته وليس للعبد أنفعمن هذه النومة ، ولا سيما إذا عقب ذلكبذكر الله واستعمال السنن التي وردتعن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندالنوم حتى يغلبه النوم ، فمن أرادالله به خيراً وفقه لذلك ، ولا قوةإلا بالله" 7.
1 مختصر منهاجالقاصدين (ص466 ـ 467) .
2 تاريخ دمشق ( 48 / 424 ) .(1/10)
3 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قالرسول الله صلى اله عليه وسلم : (( إن أولما يسأل عنه يوم القيامة ـ يعني العبدـ من النعيم أن يقال له : ألم نُصحّ لكجسمك ، ونرويك من الماء البارد )) أخرجه الترمذي (3358)وابن حبان (2582) والحاكم ( 4 / 138 ) وصححهووافقه الذهبي .
4 روى البخاري ( 1 / 176 ) ، ومسلم ( 2876 ) ؛عن ابن أبي ملكية أنه قال : إن عائشةكانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعتفيه حتى تعرفه ، وإن النبي صلى الهعليه وسلم قال : (( من نوقش الحساب عذب)) . فقالتأليس يقول الله : (فَأَمَّا مَنْأُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ *فَسَوْفَيُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا *وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِمَسْرُورًا ) [ الإنشقاق : 7 - 9 ] ؟فقال : (( إنما ذلك العرض ،وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك )) .
5 قال ابن الجوزي رحمه الله في "التبصرة" (2/102) : " هل العمر إلاثلاثة أيام : يوم انقضى بما فيه ، ذهبتلذته وبقيت تبعته ، ويوم منتظر ليسمنه إلا الأمل ، ويوم أنت فيه قد صاحبك مؤذنا بالرحيل ، فاصبر فيه علىالهوى ، فإن الصبر إذا وصل إلىالمحبوب سهل " .
6 إغاثة اللهفان ( 1 / 74 ـ 89 ) بحذف يسير .
7 الروح (107)
page_end.gif 3.46KB
الصفحة الرئيسية | السراج المنير | المكتبة الإسلامية | صوتيات السراج | روابط السراج | دعوتنا | تزكيات | ساهم معنا | اتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم - جمعية السراج المنير الإسلامية - بيروت - لبنان ( asseraj@asseraj.net )(1/11)
إنَّ الحمد للَّهنحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذبالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنامن يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلاهادي له وأشهد أنْ لا إله إلاَّ اللهوحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداًعبده ورسوله .
وبعد،،،
إعلم أنَّ الله سبحانه وتعالى لمَّاأرسل رسوله محمداً صلى الله عليهوسلم بالهدى ودين الحق هيأ لهأصحاباً كراماً شرَّفهم بصحبتهوتلقي الشرعية فصاروا هم مقدمالعلماء وطليعتهم وحرصوا غاية الحرصوبذلوا ما يستطيعون في حمل الشريعةعنه صلى الله عليه وسلم وقاموا بذلكعلى الكمال والتمام فكان ذلك منأسباب فضلهم ونبلهم وشرفهم وكل منجاء بعدهم لهم المنة عليه لأنهمالواسطة بين الأمة ورسولها صلى اللهعليه وسلم وهكذا الأمر لمن بعدهم منالتابعين وأتباعهم والعلماء منبعدهم سلسلة متصلة الحلقات .
ثمَّ هؤلاء العلماء قد جمعوا بينالرواية والدراية فجمعوا بين الفقهوالحديث؛ومعرفة الآثار وحفظهاواستيعابها وبين الفقه فيها؛ فكانلهم التمكن في الفهم والمعرفة .
فالواجب على الأمة من بعدهم وخاصةطلبة العلم أن يوقروا العلماء وذلكيتم بمحبتهم وامتلاء القلوب بها،وإجلالهم اللائق بهم وذكرهم بالخير،والثناء عليهم، وحمل ما يأتي منهمعلى أحسن المحامل ، واعتقاد أنهم بشرواجتهادهم دائر بين الأجر أوالأجرين، ولا يتكلم فيهم أحد إلاَّبخير، فمن ذكرهم بغير ذلك وحط منشأنهم ما ضرَّ إلاَّ نفسه ( 1 ).
فالنهج السوي الذي يجب أن يسلكه طالبالعلم وغيره في حق سلف هذه الأمةالذين بذلوا أعمارهم وبذلوا قصارىجهدهم في جمع العلم وتقريبه للأمة منبعدهم، فمن حقهم علينا الحمد والثناءوذكرهم بالخير وامتلاء القلوببمحبتهم .
ومن أحسن ما جاء في التنبيه على هذاالأمر كلمة لأبي جعفر الطحاوي فيعقيدته المشهورة حيث قال : "وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهممن التابعين ــ أهل الخبر والأثروأهل الفقه والنظر ــ لا يذكرونإلاَّ بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهوعلى غير السبيل( 2 ).(1/1)
وهذا هو تحقيق معنى قوله تعالى: ( ربَنَااغْفِرْ لَنَا ولإِخْوَانِنَاالذيْنَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانوَلاَ تَجْعَلْ فِيِ قُلُوبِنَاغِلاًّ لِلَذِيْنَ آمَنُوُاْرَبَنَا إِنَكَ رَؤُوُفٌ رَحِيِمْ )، فلا تكونن ممنغلا ولا ممن جفا فكلا طرفي قصد الأمورذميم ( 3 ). واعلم أنه لا يغلوا فيهمإلاَّ جاهل بحقيقة الشريعة، ولايجفوهم إلاَّ جاهل بمقدار الأئمةوفضلهم ( 4 ) ، فإنَّ لهم حرمة ترعىوحقاً يجب أن يؤدى( 4 ) .
*وها نحن نضع بين يديك أخي الطالبترجمة موجزة للأئمة الأربعة لتعلمفضلهم وسابقتهم :
الإمام أبو حنيفة رحمه الله (80 ـ 150 هـ)
** هو النعمان بن ثابتمولى بني بن ثعلبة .
تفقه على حماد بن أبي سليمان وغيره .
ومن تلامذته : زفر بن الهذيل العنبري،والقاضي أبو يوسف، ونوح بن أبي مريم،وأبو مطيع البلخي، والحسن بن زياداللؤلؤي، ومحمد بن الحسن الشيباني،وحماد بن أبي حنيفة، وخلق .
قال الذهبي رحمه الله : " برعفي الرأي، وساد أهل زمانه في التفقه ،وتفريع المسائل، وتصدر للاشتغال،وتخرج به الأصحاب" ثمَّ قال : "وكان معدوداً في الأجواد الأسخياء،والأولياء الأذكياء، مع الدينوالعبادة والتهجد وكثرة التلاوة،وقيام الليل رضي الله عنه "(5 ).
وقال ابن كثير رحمه الله :"الإمام أبو حنيفة... فقيه العراق،وأحد أئمة الإسلام، والسادةالأعلام، وأحد أركان العلماء، وأحدالأئمة الأربعة؛ أصحاب المذاهبالمتبوعة، وهو أقدمهم وفاة " ( 6 ).
وقال ابن العماد في " شذرات الذهب": " وكان من أذكياءبني آدم، جمع الفقه والعبادة، والورعوالسخاء، وكان لا يقبل جوائز الدولة؛بل ينفق ويؤثر من كسبه، له دار كبيرةلعمل الخز وعنده صنَّاع وأجراء رحمهالله تعالى"( 7 ) .
وقد أورد الذهبي وابن كثير وابنالعماد المقولة المشهورة عن الإمامالشافعي فيه حيث قال :" الناس فيالفقه عيال على أبي حنيفة "( 8 ) .(1/2)
وقال سفيان الثوري وابن المبارك : " كانأبو حنيفة أفقه أهل الأرض في زمانه"(9 ).
فرحمه الله رحمة واسعة ورضي عنهوأجزل له المثوبة .
الإمام مالك بن أنس ( ت 179 )
** هو أبو عبد الله مالكبن أنس الحميري الأصبحي ،،،
أخذ عن نافع ولازمه، وعن سعيدالمقبري، والزهري، وابن المنكدر،ويحي بن سعيد القطَّان، وأيوبالسختياني، وأبي الزناد، وربيعة،وخلق .
وروى عنه من شيوخه: الزهري، وربيعة،ويحي بن سعيد، وغيرهم .
ومن أقرانه : الأوزاعي، والثوري،والليث، وخلق .
وروى عنه أيضاً : ابن المبارك، ومحمدبن الحسن، والشافعي، وعبد الرحمن بنمهدي، والقعنبي، وخلائق ( 10 ) .
قال الذهبي رحمه الله تعالى :" هوالإمام العلم شيخ الإسلام " ثمَّ قال :"عظيم الجلالة، كثير الوقار" ثمَّ أورد قولابن سعد في الطبقات فقال : " كانمالك رحمه الله ثقة، ثبتاً، حجة،فقيهاً، عالماً، ورعاً "( 11 ) .
قال ابن كثير رحمه الله :" أحدالأئمة الأربعة؛ أصحاب المذاهبالمتبوعة" ثمَّ قال : "ومناقبهكثيرة جداً، وثناء الأئمة عليه أكثرمن أن يحصر في هذا المكان " ( 12 ) .
وقال ابن العماد في" شذرات الذهب": " إمام دار الهجرة" ثمَّقال :"شهير الفضل"( 13 ) .وقد أوردالعلماء قول الشافعي فيه :" إذاجاء الحديث فمالك النجم" وقال :" منأراد الحديث فهو عيال على مالك " ( 14 ) .
فرحمه الله رحمة واسعة، ورضيعنه،وأجزل له المثوبة .
الإمام الشافعي رحمه الله ( 150 ـ 204 هـ )
هو محمد بن إدريس أبوعبد الله الشافعي المكي المطلبي،الفقيه، نسيب رسول الله صلى اللهعليه وسلم .
تفقه على مسلم بن خالد ( فقيه مكة )،وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون،ومالك بن أنس، ومحمد بن الحسن، (الفقيه )، وخلق سواهم .
وتفقه به جماعة منهم : الحميدي،والقاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل،وأبو ثور، والمزني، والربيع بنسليمان المرادي، والبويطي، وخلقسواهم .(1/3)
قال الذهبي رحمه الله :"الإمام العَلَم،... الفقيه، نسيب رسولالله صلى الله عليه وسلم " وقال:" كانالشافعي ــ مع عظمته في علم الشريعةوبراعته في العربية ــ بصيراً فيالطلب نقل ذلك غير واحد " ( 15 ) .
وقال ابن كثير :" وقد أثنى علىالشافعي غير واحد من الأئمة منهم :عبد الله بن مهدي، وقد سأله أن يكتبله كتاباً في الأصول فكتب له الرسالةوكان يدعو له في صلاته، وكذلك أثنىعليه شيخه مالك بن أنس، وقتيبة بنسعيد ــ وقال هو إمام ــ، وسفيان بنعيينة، ويحي بن سعيد القطّان ــ وكانيدعو له أيضاً في صلاته، وأبو عبيدالقاسم بن سلام ــ وقال : ما رأيتأفصح، ولا أعقل، ولا أورع من الشافعيـ، ومحمد بن الحسن، وخلق كثير، وكانأحمد بن حنبل يدعو له في صلاته نحواًمن أربعين سنة، وكان أحمد يقول إنهمجدد المائة الثانية ... إ.هـ مختصراً (16 ).
وقال ابن العماد الحنبلي في "شذراتالذهب" : " فقيه العصر،والإمام الكبير" ( 17 ).
وقال إسحاق بن راهويه: لقينيأحمد بن حنبل بمكة، فقال : تعال حتىأريك رجلاً لم تر عيناك مثله . قال:فأقامني على الشافعي ( 18 ) .
وقال الإمام أحمد:"ما أحد مسَّمحبرة، ولا قلماً؛ إلاَّ للشافعي فيعنقه منة" وقال:" كان من أفصحالناس "( 19 ).
فرحمه الله رحمة واسعة وأجزل لهالمثوبة ورضي عنه .
الإمام أحمد رحمه الله ( 164 ـ 241 هـ )
** هو أبو عبد الله أحمدبن محمد بن حنبل الذهلي الشيبانيالمروزي ثمَّ البغدادي .
من شيوخه : سفيان بن عيينة، والقاضيأبو يوسف، ووكيع، وعبد الرحمن بنمهدي، والشافعي، وخلق كثير .
وروى عنه من شيوخه: عبد الرزاق،والشافعي، وخلق .
ومن تلاميذه: البخاري، ومسلم، وأبوداود .
ومن أقرانه: علي بن المديني، ويحي بنمعين، وخلق .(1/4)
وقد ترجم له الذهبي في" تاريخالإسلام " بترجمة طويلة ومما أوردهفيها قول الإمام الشافعي رحمه الله :"خرجت من بغداد، فما خلفت بها رجلاًأفضل ولا أعلم ولا أفقه ولا أتقى منأحمد "وقال:" ما رأيت أعقل منأحمد " .وقال إسحاق بن راهويه:" ومارأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل " . وقال ابن معين:" مارأيت مثل أحمد" ( 20 ) .
وقال ابن كثير رحمه الله:" وقدطاف أحمد بن حنبل في البلاد والآفاق،وسمع من مشايخ العصر، وكانوا يجلونهويحترمونه في حال سماعه منهم " ثمَّ قال:" وقدقال الشافعي لأحمد لمّا اجتمع به فيالرحلة الثانية إلى بغداد سنة تسعينومائة ــ وعمر أحمد إذ ذاك نيفوثلاثون سنة ــ قال له:" يا أبا عبدالله، إذا صحَّ عندكم الحديث فأعلمنيبه أذهب إليه؛ حجازياً كان أو شامياًأو عراقياً أو يمنياً " ثمَّ قال ابن كثيررحمه الله معلقاً على ما تقدم :"وقول الشافعي له هذه المقالة تعظيملأحمد، وإجلال له، وأنه عنده بهذهالمثابة، إذا صحَّ أو ضعف يرجع إليه.وقد كان الإمام بهذه المثابة عندالأئمة والعلماء، كما سيأتي ثناءالأئمة عليه، واعترافهم له بعلوالمكانة؛ في العلم والحديث، وقد بدُرصيته في زمانه، واشتهر اسمه فيشبيبته في الآفاق " ( 21 ) .
ثمَّ ذكر جملة في فضائله وشمائلهوثناء الأئمة عليه .
فرحمه الله رحمة واسعة، ورضي عنه،وأجزل له المثوبة .
ومن لطيف ما ذكر ابن كثير في ترجمتهحديث " نسمة المؤمن طائر تعلق فيشجر الجنة" فقد رواه الإمام أحمدعن الإمام الشافعي وعن الإمام مالكثمَّ ساق الإسناد ( 22 ).
رحم الله الجميع
1. وهذا بخلاف الكلامعلى أحوال الرواة وبيان مراتبهم وهوأمر لابد منه وقد سلكه سلف هذه الأمة .
2. عقيدة الطحاوي ( ص 19 ) .
3. الشنقيطي/ أضواء البيان ( 7 / 555 ) .
4. ابن القيم / إعلام الموقعين ( 3/ 358 ) .
5. الخطيب البغدادي / الفقيه والمتفقه( 2/ 73 ) .
6. " تاريخ الإسلام " ( وفيات 141 _ 160/ ص 306 ) .(1/5)
7. " البداية " ( 10 / 110 ) .
8. " الشذرات " ( 1 / 228 ) .
9. الخطيب البغدادي / الفقيه والمتفقه( 2/ 73 ) .
10. ابن كثير / " البداية" ( 10 / 110 )
11. أنظر "تاريخ الإسلام " للذهبي( وفيات 171 _ 180 / ص 318 _ 319 ) .
12. المرجع السابق ( 317 و 320 ) .
13. " البداية والنهاية " ( 10 / 180 ) .
14. " الشذرات" ( 1 / 289 ) .
15. انظر تاريخ الإسلام للذهبي ( وفيات171 _ 180 ) / ص 320 ) " والبداية " لاينكثير ( 10/ 180 ) " والشذرات " لابنالعماد ( 1/ 291 ) .
16.تاريخ الإسلام (وفيات 201 ـ 210 هـ / ص 305 و 313 و 333 ) .
17." البداية والنهاية " بتصرف ( 10/ 264 ) .
18." الشذرات " ( 2/ 9 ) .
19 . " الشذرات " ( 2/ 10 ) . وانظر "تاريخ الإسلام " للذهبي ( وفيات 241 ـ250 / ص 71 ) .
20. "تاريخ الإسلام " للذهبي (وفيات 201 ـ 210 هـ / ص 315 ) .
21. أنظر " تاريخ الإسلام " ( وفيات241 _ 250 / ص71 _ 72 ) .
22. " البداية والنهاية " ( 10/340 _ 341) .
23. المرجع السابق ( 10/ 341 ) .
page_end.gif 3.46KB
الصفحة الرئيسية | السراج المنير | المكتبة الإسلامية | صوتيات السراج | روابط السراج | دعوتنا | تزكيات | ساهم معنا | اتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم - جمعية السراج المنير الإسلامية - بيروت - لبنان ( asseraj@asseraj.net )(1/6)
الضرب بالنوى
تأليف الشيخ / سعد الدين بن محمد الكبي
مدير معهد الإمام البخاري للشريعة الإسلامية
مقدمة
الضرب بالنوى لمن أباح المعاف إجابة للهوىقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا أباؤكم فإياكم وإياهم) [رواه مسلم في المقدمة].
وقال صلى الله عليه وسلم ( من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه، ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه) [ رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع 6068 ].
قال مالك: " بئس القوم أهل الأهواء، لا نسلم عليهم" [(شرح السنة للبغوي 1/229].
وقال البغوي " على المرء المسلم إذا رأى رجلا يتعاطى شيئا من الأهواء والبدع، أو يتهاون بشيء من السنن، أن يهجره ويتبرأ منه، ويتركه حيا وميتا، فلا يسلم عليه إذا لقيه، ولا يجيبه إذا ابتدأ، إلى أن يترك بدعته ويراجع الحق " [شرح السنة (1/224)].
قال في كفاية الأخيار: " فقهاء السوء مفسدون للشريعة " [كفاية الأخيار (2/129) المكتبة العصرية -صيدا].
قال أبو عثمان الحيري الزاهد: " من أمَّر السنة على نفسه نطق بالحكمة، ومن أمَّر الهوى نطق بالبدعة " [ من كتاب : تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي ].
تعريف
المعازف: جمع معزفة، وهي آلات الملاهي [ فتح الباري 10/55 ]، وهي الآلة التي يعزف بها [ المجموع لابن تيمية 11/577 ].
ونقل القرطبي عن الجوهري أن المعازف الغناء، والذي في صحاحه: آلات اللهو، وقيل أصوات الملاهي. وفي حواشي الدمياطي: المعازف بالدفوف وغيرها مما يضرب به [ فتح الباري 10/55 ].
أدلة التحريم من الكتاب والسنة
قال الله تعالى : (( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله)) [لقمان 6 ] قال ابن عباس: " هو الغناء "، وقال مجاهد: " اللهو: الطبل " [الطبري 21/40]، وقال الحسن االبصري: " نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير" [تفسير ابن كثير 3/451].(1/1)
قال السعدي في تفسيره: " فدخل في هذا كل كلام محرم، وكل لغو وباطل، وهذيان من الأقوال المرغبة في الكفر والعصيان، ومن أقوال الرادين على الحق المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق، ومن غيبة ونميمة وكذب وشتم وسب، ومن غناء ومزامير شيطان، ومن الماجريات الملهية التي لا نفع فيها في دين ولا دنيا" [تفسير السعدي 6/150].
عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبيعوا القينات، ولا تشتروهن ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام، في مثل هذا أنزلت هذه الآية: ((ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله)) [رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1031)].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ... ) الحديث، [رواه البخاري تعليقا (5590) ووصله الطبراني والبيهقي وراجع السلسلة الصحيحة للألباني (91)].
وفي الحديث دليل على تحريم آلات العزف والطرب من وجوه :
??قوله: يستحلون، فإنه صريح بأن المذكورات ومنها المعازف هي في الشرع محرمة، فيستحلها أولئك القوم.
??قرن المعازف مع المقطوع حرمته: الزنا والخمر، ولو لم تكن محرمة ما قرنها معها. [ السلسلة الصحيحة للألباني 1/140 - 141]بتصرف .
قال شيخ الإسلام: " فدل هذا الحديث على تحريم المعازف، والمعازف هي آلات اللهو عند أهل اللغة، وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها." [المجوع 11/535].
عن نافع قال: سمع ابن عمر مزماراً، قال: فوضع أصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئا؟ قال: فقلت: لا، قال: فرفع أصبعيه من أذنيه وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا، فصنع مثل هذا [رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود (4116)].(1/2)
وقد زعم قوم أن هذا الحديث ليس دليلا على التحريم، إذ لو كان كذلك لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر رضي الله عنهما بسد أذنيه، ولأمر ابن عمر نافعا كذلك! فيجاب بأنه لم يكن يستمع، وإنما كان يسمع، وهناك فرق بين السامع والمستمع، قال شيخ الإسلام: " أما ما لم يقصده الإنسان من الاستماع فلا يترتب عليه نهي ولا ذم باتفاق الأئمة، ولهذا إنما يترتب الذم والمدح على الاستماع لا على السماع قالمستمع للقرآن يثاب عليه، والسامع له من غير قصد ولا إرادة لا يثاب على ذلك، إذ الأعمال بالنيات، وكذلك ما ينهى عنه من الملاهي، لو سمعه السامع بدون قصده لم يضره ذلك " [المجموع 10/78].
قال ابن قدامة: " والمستمع هو الذي يقصد السماع، ولم يوجد هذا من ابن عمر رضي الله عنهما، وإنما وجد منه السماع،ولأن بالنبي حاجة إلى معرفة انقطاع الصوت عنه لأنه عدل عن الطريق، وسد أذنيه، فلم يكن ليرجع إلى الطريق، ولا يرفع أصبعيه عن أذنيه حتى ينقطع الصوت عنه، فأبيح للحاجة " [المغني 10/173].
أقوال أهل العلم
قال ابن قدامة: " الملاهي ثلاثة أضرب: محرم، وهو ضرب الأوتار والنايات والمزامير كلها، والعود والطنبور، والمعزفة والرباب، ونحوها، فمن أدام استماعها ردت شهادته " [المغني 10/173].
وقال: " وإذا دعي إلى وليمة فيها منكر، كالخمر والزمر، فأمكنه الإنكار، حضر وأنكر، لأنه يجمع بين واجبين، وإن لم يمكنه لم يحضر " [الكافي 3/118].
وقد عد صاحب كفاية الأخيار - من الشافعية- الملاهي من زمر وغيره منكرا، ويجب على من حضر إنكاره، وقال:
" ولا يسقط عنه الإنكار بحضور فقهاء السوء، فإنهم مفسدون للشريعة، ولا بفقراء الرجس فإنهم جهلة أتباع كل ناعق لا يهتدون بنور العلم ويميلون مع كل ريح. " [كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (2/128) المكتبة العصرية صيدا].
وسئل مالك عن ضرب الطبل والمزمار، ينالك سماعه وتجد له لذة في طريق أو مجلس؟ قال:(1/3)
" فليقم إذا التذ لذلك، إلا أن يكون جلس لحاجة، أو لا يقدر أن يقوم، وأما الطريق فليرجع أو يتقدم." [كتاب الجامع للقيرواني 262].
وقال القاسم: " الغناء من الباطل." [الجامع للقيرواني 262].
وقال الحسن: " إن كان في الوليمة لهو، فلا دعوة لهم. " [الجامع للقيرواني 263].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " لا يجوز صنع آلات الملاهي." [المجموع (22/140)].
وقال: " آلات الملاهي، مثل: الطنبور، يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء، وهو مذهب مالك، وأشهر الروايتين عن أحمد." [المجموع (28/113)]. " ولم يذكر عن أحد من أتباع الأئمة في اللهو نزاعا." [11/577].
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي حصين: أن رجلا كسر طنبور الرجل، فخاصمه إلى شريح فلم يضمنه شيئا - أي لم يوجب عليه القيمة لأنه محرم لا قيمة له-[المصنف (5/395) دار الفكر].
وأفتى البغوي بتحريم بيع جميع آلات اللهو والباطل مثل الطنبور والمزمار والمعازف كلها، ثم قال:
" فإذا طمست الصور، وغيرت آلات اللهو عن حالتها، فيجوز بيع جواهرها وأصولها، فضة كانت أو حديدا أو خشبا أو غيرها." [شرح السنة (8/28)].
والمعازف خمر النفوس، تفعل بالنفوس أعظم مما تفعل حميا الكؤوس. [المجموع 10/417].
ولذلك اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها. [السلسلة الصحيحة للألباني 1/145].
استثناء باطل
استثنى بعضهم بالإضافة إلى الدف-في النكاح والعيد- الطبل في الحرب، ألحق به بعض المعاصرين الموسيقى العسكرية، ولا وجه لذلك البتة، لأمور:
1. إنه تخصيص لأحاديث التحريم بلا مخصص، سوى مجرد الرأي والإستحسان، وهو باطل.
2. إن المفروض على المسلمين في حالة الحرب، أن يقبلوا بقلوبهم على ربهم، قال تعالى: ((يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم)) واستعمال الموسيقى يفسد عليهم ذلك، ويصرفهم عن ذكر ربهم.(1/4)
3. إن استعمالها من عادة الكفار، فلا يجوز التشبه بهم، لاسيما فيما حرمه الله تبارك وتعالى علينا تحريما عاما كالموسيقى. [السلسلة الصحيحة للألباني 1/145].
تعليل عليل
ويروج البعض للموسيقى والمعازف بأنها ترقق القلوب والشعور، وتنمي العاطفة، وهذا ليس صحيحا، فهي مثيرة للشهوات والأهواء، ولو كانت تفعل ذلك لرققت شعور الموسيقيين وهذبت أخلاقهم، وأكثرهم ممن نعلم انحرافهم وسوء سلوكهم. [تحفة العروس، حاشية (1) صفحة 98].
خاتمة
فلا تغتر أيها القارىء الكريم بما قد تسمع عن بعض المشهورين، من القول بإباحة آلات الطرب والموسيقى، فإنهم والله عن تقليد يفتون، ولهوى الناس اليوم ينصرون، فهؤلاء إذا عرضت لهم مسألة نظروا في أقوال العلماء فيها، ثم أخذوا ما هو الأيسر أو الأقرب إلى تحقيق المصلحة زعموا، دون أن ينظروا موافقة ذلك للدليل من الكتاب والسنة، وكم شرعوا للناس أمورا باسم الشريعة الإسلامية يبرأ الإسلام منها، فإلى الله المشتكى.
فاحرص أيها المسلم أن تعرف إسلامك من كتاب ربك و سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، ولا تقل: قال فلان، فإن الحقَّ لا يُعْرَفُ بالرِّجال، بل اعرِفِ الحَقَّ تَعْرِفِ الرِّجَال.
ورحمة الله على من قال:
العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها ... حذراً من التمثيل والتشبيه
page_end.gif
الصفحة الرئيسية | السراج المنير | المكتبة الإسلامية | صوتيات السراج | روابط السراج | دعوتنا | تزكيات | ساهم معنا | اتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم - جمعية السراج المنير الإسلامية - بيروت - لبنان ( asseraj@asseraj.net )(1/5)
الترغيب في صوم المحرم
جمع وإعدادالشيخ/ عبد الهادي حسن وهبي
أمين وقف البخاري الخيري في عكار - شمال لبنان
divider.gif 2.14KB
قَطَعْتَ شُهورَ العامِ لهواً وغفلةً ... ولم تحترم فيما أتَيْتَ المُحَرَّما
فلا رجَباً وافَيْتَ فيه بِحَقِّهِ ... ولاصُمتَ شهر الصوم صوماً مُتَمَّما
ولا في ليالي عشرِ ذي الحجةِ الذي ... مضى كُنْتَ قَوَّاماً ولا كُنْتَ مُحْرِما
فَهَل لك أن تمحو الذُّنوب بِعَبرةٍ ... وتبكي عليها حسرةً وتنَدُّما
وتستقبلَ العامَ الجديدَ بِتَوبةٍ ... لعلَّك أن تمحو بها ما تَقَدَّما
divider.gif 2.14KB
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم. وأفضل الصَّلاة بعد الفريضة، صلاة الليل»رواه مسلم ( 1163 ) .
سمَّى النَّبي صلى الله عليه وسلم المحرَّم شهر الله. وإضافته إلى الله تدلُّ على شرفه وفضله؛ فإنَّ الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواصَّ مخلوقاته، كما نسب محمداً وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم من الأنبياء -صلوات الله عليهم وسلامه- إلى عبوديَّتِه، ونسب إليه بيته وناقته .
ولمَّا كان هذا الشهر مختصَّاً بإضافته إلى الله تعالى، وكان الصِّيام من بين الأعمال مضافاً إلى الله تعالى؛ فإنَّه له من بين الأعمال، ناسب أن يختصَّ هذا الشهر المضاف إلى الله بالعمل المضاف إليه، المختصِّ بهِ، وهو الصِّيام .
شهرُ الحَرَامِ مُبَاركٌ مَيمُونًُ ... والصَّومُ فِيهِ مضَاعَفٌ مَسنُون
وَثُوابُ صَائِمِهِ لِوَجْهِ إِلَهِه ... فِي الخُلْدِ عِنْدَ مَلِيكِه مخزون
الصِّيام سرٌّ بين العبد وبين ربِّه، ولهذا يقول الله تبارك وتعالى: « كلّ عمل ابن آدم لهُ إلاَّ الصَّوم فإنَّهُ لي وأنا أجزي به، يدَعُ شهوتَهُ وطعامَهُ وشرابهُ من أجلي » رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه وله رواياتٌ عدّة .(1/1)
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « إنَّ في الجنَّةِ باباً يُقالُ لهُ الرَّيان يدخلُ منهُ الصَّائِمون يوم القيامة لا يدخل معهم أحدٌ غيرهم يقال: أين الصَّائِمون؟ فيدخلون منهُ فإذا دخل آخِرُهُم أغْلِقَ فلم يدخُل منهُ أحدٌ » رواه مسلم ( 1152 ) .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « الصِّيامُ جُنَّةٌ منَ النَّارِ كجُنَّةِ أحدكم من القتال »رواه أحمد ( 4 / 22 ) بسندٍ صحيح .
وعن أبي أمَامَةَ رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ يا رسولَ الله مُرنِي بِعملٍ أدخُلُ بهِ الجنَّة . فقال: « عليك بالصَّوم، فإنَّهُ لا مِثلَ له»رواه ابن حبّان ( 3425 ) بسندٍ صحيح .قال: فكانَ أبو أُمامة لا يُرى في بيتِهِ الدُّخَّان نهاراً إلاَّ إذا نزلَ بِهِم ضيف، فإذا رأوا الدُّخانَ نهاراً، عرفوا أنَّهُ قد اعتراهُم ضيفٌ.
« للصَّائم فرحتان: فرحةٌ عندَ فِطرهِ، وفرحةٌ عند لقاءِ ربِّهِ »قطعة من حديث رواه مسلم ( 1151 )-إذا وجد ثواب صيامهِ مدخوراً-.
طوبى لِمن جوَّعَ نفسهُ ليوم الشبع الأكبر، طوبى لمن ظمَّأ نفسهُ ليوم الرِّيِّ الأكبر، طوبى لِمن تركَ شهوةً حاضِرةً لِموعِدِ غيبٍ لم يره، طوبى لمن ترك طعاماً ينفَدُ في دارٍ تنفَدُ، لدارٍ (( أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا )).
مَنْ يُرِد مُلكَ الجِنَانِ ... فَليَدَع عَنهُ التَّواني
وليَصِلْ صَوماً بِصومٍ ... إنَّ هذا العيشَ فاني
وَليقُم في ظُلمةِ اللّيل إلى نور القرآن
إنَّما العَيشُ جِوارُ الله فِي دَارِ الأمان
الدُّنيا كلُّها شهرُ صيام المتَّقين، وعيدُ فِطرِهِم يومَ لِقاء ربِّهِم، ومعظمُ نَهارِ الصِّيامِ قد ذهب، وعيدُ اللِّقاءِ قد اقترب.
وقدْ صُمتُ عن لذَّاتِ دهري كلّها ... ويومَ لِقاكم ذاك فِطْرُ صِيامِي
قالَ بعضُ السَّلف: صُمِ الدنيا وليكن فطركَ الموتُ .وقال غيرهُ:(1/2)
فصُمْ يومَكَ الأدْنَى لَعلَّكَ في غدٍ ... تفُوزُ بِعيد الفِطرِ والنَّاسُ صُوَّم
من صام اليوم عن شهواتِهِ أفطرَ عليها غداً بعد وفاتهِ، ومن تعجَّلَ ما حرِّمَ عليهِ من لذَّاتهِ عُوقِبَ بِحرمَانِ نَصِيبِهِ من الجّنَّةِ وفواتِهِ؛ شاهِدُ ذلك من شرِبَ الخَمرَ في الدنيا لم يشربها في الآخرة، ومن لبِس الحريرَ لم يلبسْهُ في الآخِرة.
أنتَ في دارِ شتاتٍ ... فتأهَّبْ لِشَتاتِك
واجعلِ الدَّنيا كيومٍ ... صُمْتَهُ عن شهواتِك
وليكن فِطْرُكَ عندَ اللّهِ فِي يومِ وفاتِك
قَالَ الله تَعَالَى:(( وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَآءُ إِلَىَ صِرَاطٍ مُسْتَقِيم)) [يونس: 25] .
الجَنَّةُ ضِيافةُ الله أعدَّها لعِبادهِ المؤمنينَ نُزُلا، فيها ما لا عينٌ رأتْ ولا أُذُنٌ سمِعت، ولا خطرَ على قلبِ بشر. وبُعِثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدعو إليها بالإيمانِ والإسلامِ والإحسان، فمن أجابهُ دخل الجنَّةَ وأكل من تلك الضِّيافة، ومن لم يُجِب حرِم .
يا من طلعَ فجرُ شيبِهِ بعد بلوغِ الأربِعينَ ! يا من هو في مُعتركِ المنايا ما بين السِّتِّينَ والسَّبعينَ! ما تنتظِرُ بعدَ هذا الخَبرِ إلاَّ أن يأتيكَ اليقين؟ يا من ذُنُوبُهُ بِعددِ الشَّفعِ والوتْرِ! أما تستحي منَ الكِرامِ الكاتِبينَ ؟ أم أنتَ ممَّن يُكذِّبُ بيومِ الدِّين ؟ يا من ظُلمَةُ قلبِهِ كاللَّيلِ إذا يسْرِي ! أما آنَ لِقلبِكَ أن يستنيرَ أو يلين ؟ تعرَّض لِنفحاتِ مولاكَ في هذا الشَّهرِ؛ فإنَّ للهِ فيهِ نفحات يصيبُ بِها من يشاء، فمن أصابتهُ سَعِدَ بِها آخرَ الدَّهرِ .(1/3)
الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذهِ الأيام العظيمة، فما منها عِوضٌ ولا لها قيمة . المُبادرة المبادرة بالعمل، والعجل العجل قبل هجومِ الأجل، قبلَ أن يندمَ المُفرِّطُ على ما فعل، قبلَ أن يسألَ الرَّجعةَ ليعملَ صالِحاً فلا يُجابُ إلى ما سأل، قبلَ أن يَحولَ الموتُ يبنَ المُؤمّل وبلوغِ الأمل، قبلَ أن يصِيرَ المرْءُ مرتهناً في حفرتِهِ بِما قدَّمَ من عمل .
عن أبي قَتادةَ رضي الله عنه قال: سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامِ يومِ عاشوراء ؟ فقال: « يكفِّرُ السَّنَةَ الماضِية » قطعة من حديثٍ رواهُ مسلم ( 1162 ) .
عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدِمَ المَدينةَ فوجدَ اليهودَ صياماً، يومَ عاشوراء . فقالَ لهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:« مَا هَذَا اليوم الّذي تصومونهُ؟ »فقالوا: هذا يومٌ عظيم، أنجى اللهُ فِيهِ موسى وقومَهُ، وغرَّقَ فرعونَ وقومَهُ، فصامَهُ موسى شكراً، فنحنُ نصومُهُ . فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : « فنحنُ أحقُّ وأولى بِمُوسى مِنكم »رواه مسلم ( 1130 ) . فصامَهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأمرَ بصيامِه.
عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُما قال: صَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يومَ عاشُوراء وأمَرَ بِصِيامِهِ، قالوا: يا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ يَومٌ تُعَظِّمُهُ اليَهودُ وَالنَّصَارَى. فَقالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : « فَإذا كَانَ العامُ المُقْبِلُ، إِن شَاءَ اللهُ، صُمْنَا اليَومَ التَّاسِع »قال: فَلمْ يَأتِ العامُ المُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رواه مسلم ( 1134 ) .(1/4)
وفي الختام فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإنَّ لله نفَحَات من رحمتهِ، يصيب بها من يشاء من عبادهِ، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يؤمِّن رَوْعَاتكم »أخرجهُ الطبراني في " الكبير" (720) وحسَّنَهُ المحدِّث العلامة الألباني في " الصحيحة " (1890) .
فالسَّعيدُ من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرَّبَ فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطّاعات، فعسى أن تصيبه نفحةٌ من تلك النفحات، فيسعد بها سعادةً يأمن بعدها من النَّار وما فيها من اللفحات.
فمن أعظم نفحَاتِهِ مصادفة ساعة إجابة يسأل فيها العبد الجنَّة والنَّجاة من النَّار، فيُجابُ سُؤاله، فيفوز بسعادة الأبد. قال الله تعالى:(( فَمَنْ زُحْزِحَ عِنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)) [ آل عمران: 185 ] .
وقال الله تعالى:(( فَأَمَّا الَّذِيْنَ شّقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيق * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّك إِنَّ ربكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيد * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَّنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّك عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذ)) [ هود: 106-108 ] .
ليسَ السَّعِيدُ الّذِي دُنْيَاهُ تُسْعِدُهُ ... إِنَّ السَّعِيدَ الَّذِي يَنْجُو مَنَ النَّار
نسأل الله تعالى أن يجعل عملنا خالصاً لوجههِ الكريم، ومقرِّباً إليهِ وإلى دارهِ، دار السَّلام والنَّعيم المقيم، وأن ينفعَنا بهِ وعبَادَهُ المؤمنين، وأن يوفقنا لما يحبُّ ويرضى، ويختم لنا بخيرٍ في عافية، فإنَّهُ أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، آمين .(1/5)
و " سبحان الله وبحمدهِ، سبحانك اللَّهمَّ وبحمدِك، أشهد أن لا إله إلاَّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك". فعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قال سبحان الله وبحمدهِ، سبحانك اللَّهمَّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاَّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك، فقالها في مجلس ذكر كانت كالطابع يطبع عليهِ، ومن قالها في مجلس لغو كانت كفارةً لهُ »أخرجهُ الحاكم (1/537) وصححهُ على شرط مسلم، ووافقهُ الذهبي .
page_end.gif 3.46KB
الصفحة الرئيسية | السراج المنير | المكتبة الإسلامية | صوتيات السراج | روابط السراج | دعوتنا | تزكيات | ساهم معنا | اتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم - جمعية السراج المنير الإسلامية - بيروت - لبنان ( asseraj@asseraj.net )(1/6)
النصيحة السلفية لطالب العلم
إعداد: معهد الإمام البخاري للشريعة الإسلامية
نصيحة عالم ... من صفات طالبالعلم ... مقدمة
الحواشي ... إلزم أهلالسنَّة المسمَّون ( أهل الحديث ) ... وصية جامعة
top
الحمد لله ربِّالعالمين، والعاقبة للمتقين،والصلاة والسلام على خاتم النبيينوعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد،
فهذه نصيحة نقدمها لطلابنا الكرامسائلين المولى سبحانه أن يثبتناوإياهم على الطريقة السلفية، والملةالحنيفية، في عصر قلَّ فيه أهلالحديث، يهزأ بهم أعداء الحديثوالسنة ويسخرون منهم، فعمَّ البلاء،واستفحلت الأهواء، ولاحت مبادئ رفعالعلم وقبضه من الناس، وتصدّرالجهّال مجالس الناس، وهم ما بينمقلِّدٍ متنكرٍ للنصوص والآثار،ومتجرئٍ متنكر لجهود أهل العلموالشأن، فرحم الله امرأً أقبل علىشأنه، وأكثر من تلاوة قرآنه، وأدمنالنظر في الصحيحين، وعَبَدَ الله قبلأن يبغته الأجل، اللهم فوفق وارحم .
وقف البخاريالخيري
لبنان ـ عكار هاتف: 331107/03
top
من صفات طالبالعلم
لطالب العلم صفاتوأحوال شتى ومقامات لابدَّ مناستعمالها:
1ـ فهو يطلب العلم لينفي عن نفسهالجهل، وليعبد الله عز وجل كما أمره،ليس كما تهوى نفسه .
2ـ يمشي برفق وحلم ووقار وأدب، يستعيذبالله من شرِّ سمعه وبصره ولسانهونفسه وشيطانه .
3ـ لم يصاحب إلاَّ من يعود عليه نفعه،قد أقام الأصحاب مقام ثلاثة:
إمَّا رجل يتعلم منه خيراً إن كانأعلم منه، أو رجل هو مثله في العلمفيذاكره العلم لئلا ينسى ما لا ينبغيأن ينساه، أو رجل هو أعلم منه فيعلمهيريد الله عز وجل بتعليمه .
4ـ طويل السكوت عما لا يعنيه حتىيشتاق جليسه إلى حديثه، خائف علىنفسه أن يشتغل بغير الحق .
5ـ همه في تلاوة كلام الله عز وجلالفهم عن الله فيما أمر ونهى، وفي حفظالسنن والآثار والفقه لئلا يضيع ماأمر به، ولأن يتأدب بالعلم .(1/1)
6ـ إذا أحب مجالسة العلماء جالسهمبأدب وتواضع في نفسه، وخفض صوته عندصوتهم، ويكون أكثر سؤاله عن علم ماتعبده الله به، إن غضبوا عليه لم يغضبعليهم ونظر إلى السبب الذي من أجلهغضبوا عليه فرجع عنه واعتذر إليهم. لايضجرهم في السؤال، ولا يناظرهممناظرة من يريهم أني أعلم منكم .
7ـ إذا سئل عن مسألة، فإن كان عنده علمأجاب وإلاّ سأل من هو أعلم منه، أوقال للسائل سل غيري، لا يستحي أن يقوللما لا يعلم لا أعلم .
8ـ يحذر من المسائل المحدثات في البدعولا يصغي إلى أهلها بسمعه، ولا يرضىبمجالسة أهل البدع ولا يماريهم، أصلهالكتاب والسنة وما كان عليه الصحابةومن بعدهم من التابعين ومن بعدهم منأئمة المسلمين، يأمر بالاتباع وينهىعن الابتداع (1).
top
نصيحة عالم
قال الخطيب البغداديرحمه الله تعالى:
أنشدنامحمد بن علي الأصبهاني لبعضهم :
لا يَنْفَعُ العِلْمُ إِنْ لَمْ يَحْسُنِ الْعَمَلُ ... إِعْمَلْ بِعِلْمِكَ تَغْنَمْ أَيُّهَا الرَّجُلُ
والمتَّقُوْنَ لَهُمْ في علْمِهِمْ شُغُلُ ... والْعِلْمُ زَيْنٌ وَتَقْوَى اللهِ زِيْنَتُهُ
لا المكْرُ يَنْفَعُ فيها لا وَلا الْحِيَلُ ... وَحُجَّةُ اللهِ يا ذا اْلعِلْمِ بالِغَةٌ
لا يُلْهِيَنَّكَ عَنْهُ اللَّهْوُ والْجَدَلُ ... تَعَلَّمِ الْعِلْمَ واعْمَل مَا اسْتَطَعْتَ بهِ
إيَّاكَ إيَّاكَ أَنْ يَعْتَاَدَكَ الْمَلَلُ ... وَعَلِّمِ النَّاسَ واقْصِدْ نَفْعَهُم أَبَدَاً
فَالْعِلْمُ يَعْطِفُ مَنْ يَعْتَادُهُ الزَّلَلُ ... وَعِظْ أَخَاكَ بِرِفْقٍ عِنْدَ زَلَّتِهِ
فَأْمُرْ عَلَيْهِمْ بِمَعْرُوْفٍ إِذَا جَهِلُوا ... وَإِنْ تَكُنْ بَيْنَ قَوْمٍ لا خَلاَقَ لَهُم
وَاصْبِرْ وَصَابِرْ وَلاَ يَحْزُنْكَ ما فَعَلُوا ... فَإِنْ عَصَوْكَ فَرَاجِعْهُم بِلا ضَجَرٍ
عَلَيْكَ نَفْسَكَ إِنْ جَارُوْا وَإِنْ عَدَلُوْا2 ... فَكُلُّ شَاةٍ بِرِجْلَيْهَا مُعَلَّقَةٌ
top
وصية جامعة(1/2)
قال شيخ الإسلام أبوعثمان إسماعيل بن عبد الرحمنالصابوني في وصف أصحاب الحديث:
"ويتواصونبقيام الليل للصلاة بعد المنام،وبصلة الأرحام على اختلاف الحالات،وإفشاء السلام، وإطعام الطعام،والرحمة على الفقراء والمساكينوالأيتام، والاهتمام بأمورالمسلمين، والتعفف في المأكلوالمشرب والملبس والمنكح والمصرف،والسعي في الخيرات، والأمر بالمعروفوالنهي عن المنكر، والبدار إلى فعلالخيرات أجمع، واتقاء شر عاقبةالطمع، ويتواصون بالحق وبالصبر،ويتحابون في الدين، ويتباغضون فيه،ويتقون الجدال في الله والخصوماتفيه، ويتجانبون أهل البدعوالضلالات، ويعادون أصحاب الأهواءوالجهالات.
ويقتدونبالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابهالذين هم كالنجوم بأيهم اقتدوااهتدوا كما كان رسول الله صلى اللهعليه وسلم يقوله فيهم( 3 ).
ويقتدون بالسلف الصالحين من أئمةالدين وعلماء المسلمين، ويتمسكونبما كانوا به متمسكين من الدينالمتين والحق المبين .
ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا فيالدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولايصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم ولايجالسونهم ولا يجادلونهم في الدين،ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عنسمع أباطيلهم التي إذا مرّت بالآذانوقرت في القلوب ضرَّت وجرَّت إليهامن الوساوس والخطرات الفاسدة ماجرَّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: ( وإذارأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرضعنهم حتى يخوضوا في حديث غيره )[الأنعام: 68 ]( 4 ).
top
إلزم أهلالسنَّة المسمَّون ( أهل الحديث )
وننصحك يا طالب العلمبلزوم الطائفة المنصورة المسمَّونأهل الحديث، واحذر أهل البدع، وخاصةًالذين يسلكون مسالك العلماء، تسمع منأحدهم جعجعةً ولا ترى طحناً، فترىأحدهم أنه في أعلى الدرجات، وإنما هويعلم ظاهراً من الحياة الدنيا، ولميحم حول العلم الموروث عن سيد ولدآدم، وقد تعدّى على الأعراض والأموالبكثرة القيل والقال .(1/3)
وها نحن نذكر لك علامات أهل السنةلتلزم جماعتهم، وعلامات أهل البدعلتحذرهم .
فمن علامات أهل السنة :
أنهم يحبون أهل العلم من أهل السنّةويدافعون عنهم .
قال أحمد بن الحسن لأبي عبد الله أحمدبن حنبل: ذكروا لابن أبي قتيلةبمكة أصحاب الحديث فقال: أصحابالحديث قوم سوء، فقام أحمد بن حنبلوهو ينفض ثوبه ويقول: زنديق، زنديق،حتى دخل البيت( 5 ).
قال أبو عثمان الصابوني :
إحدىعلامات أهل السنة حبهم لأئمة السنةوعلمائها وأنصارها وأوليائها،وبغضهم لأئمة البدع .
وقال: وقد زيَّن الله قلوبأهل السنة ونوّرها بحب علماء السنةفضلاً منه جلّ جلاله .
وروى أبو عثمان الصابوني بسنده إلىأحمد بن سلمة قال قرأ علينا أبورجاء قُتَيْبَةُ بن سعيد كتاب "الإيمان " له، فكان في آخره:
فإذارأيت الرجلَ يحب سفيان الثوري، ومالكبن أنس، والأوزاعي، وشعبة، وابنالمبارك، وأبا الأحوص، وشريكاً،ووكيعاً، ويحي بن سعيد، وعبد الرحمنبن مهدي، فاعلم أنه صاحب سنَّة . قالأحمد بن سلمة رحمه الله ؛ وألحقت بخطيتحته: ويحي بن يحي، وأحمد بن حنبل،وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه( 6 ).
ونحن نلحق بهؤلاء فيهذا العصر:
الإمام العلاّمة عبد العزيز بن عبدالله بن باز( 7 )، والمحدث العلامةناصر السنة وقامع البدعة محمد ناصرالدين بن نوح الألباني، وعلاّمةالقصيم في عصره الفقيه الشيخ محمد بنصالح العثيمين حفظهم الله تعالى .
ومن علامات أهل البدع :
الطعن في علماء السنة . قال أبو حاتمالرازي: علامة أهل البدعالوقيعة في أهل الأثر(8).
وقال أحمد بن سنان القطان: ليس فيالدنيا مبتدع إلاَّ وهو يبغض أهلالحديث(9).
وقال الذهبي في طبقات الحفاظ، في ذيلالطبقة الثامنة المنتهية بموتالحافظ أبي التقى هشام بن عبد الملكاليزني سنة إحدى وخمسين ومائتين :(1/4)
فإنيأحسبك لفرط هواك تقول بلسان الحال إنأعوزك المقال: من أحمد ؟.. ومن ابنالمديني ؟.. وأي شيءٍ أبو زرعة، وأبوداود ؟.. هؤلاء محدثون ولا يدرون ماالفقه وما أصوله، ولا يفقهون الرأي،ولا علم لهم بالبيان والمعانيوالدقائق، ولا خبرة لهم بالبرهانوالمنطق، ولا يعرفون الله تعالىبالدليل، ولا هم من فقهاء الملة،فاسكت بحلم أو انطق بعلم، فالعلمالنافع هو ما جاء عن أمثال هؤلاء،ولكن نسبتك إلى الفقه كنسبة محدثيعصرنا إلى أئمة الحديث، فلا نحن ولاأنت، وإنما يعرف الفضل لأهل الفضلذوو الفضل، فمن اتقى الله راقب اللهواعترف بنقصه، ومن تكلم بالجاهوالجهل أو بالشر فأعرض عنه، وذره فيغيّه، فعقباه وبال، نسأل الله العفووالعافية والسلامة .
قلنا: وأمثال هذا الذين يتكلمون فيأهل العلم في زماننا فيقولون: علماءحيض ونفاس، لا يفقهون الواقع، وأمثالهذه الترّهات، فاحذرهم، واعلم أنَّمراد هؤلاء الطعن بمنهج العلماء،ولكن لمّا لم يتمكنوا خوفاً منافتضاح أمرهم طعنوا بقادة هذاالمنهج، والطعن بهم أولى، وهم مبتدعةبلباس أهل السنة ( 10 ).
ومن علامات أهل السنة :
أنهميتجانبون أهل البدع .قال أبو عثمان الصابوني في عقيدةالسلف أصحاب الحديث( 11 ): يبغضونأهل البدع الذين أحدثوا في الدين ماليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم .
ومن علامات أهل البدع :
أنهم يوالونأهل البدع لموافقة بدعتهم،كموالاتهم بعض رموز المبتدعةلاتفاقهم في الحماس، أو الخروج، أوالتكفير .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللهتعالى:
(بل يغضبون على من خالفهم وإن كانمجتهداً معذوراً لا يغضب الله عليه،ويرضون عمن يوافقهم وإن كان جاهلاًسيئ القصد ليس له علم ولا حسن قصد،فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمدهالله ورسوله، ويُذموا من لم يذمهالله ورسوله، وتصير موالاتهمومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا علىدين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم)( 12 ).
ومن علامات أهل السنة :(1/5)
إقالة زلة العالم، قال رسول الله صلىالله عليه وسلم : (( أقيلوا ذويالهيئات زلاّتهم ))( 13 ).
ومن علامات أهل البدع :
تسميتهم أهل الحديث جهلة( 14 ) ومنهاقولهم: جاهل بالواقع، عالم حيضونفاس، وهذا يدل على عدم إقالة زلةالعالم ـ إن حصل ـ .
ومن علامات أهل السنة :الوسطية، قال تعالى: (وكذلك جعلناكمأمةً وسطاً) فهم وسط في كل أبوابالعلم والعمل بين الإفراط والتفريط .
ومن علامات أهل البدع :الغلو والتنطع .
ومن علامات أهل السنة :العدل في الحكم على الآخرين، ومن ذلك:
أنهم يعذرون بالجهل، والشبهة،والتأويل. ومن ذلك:
أنهم يخطِّئون ولا يكفِّر بعضهمبعضاً كما ذكر شارح الطحاوية .
ومن علامات أهل البدع:عدم العدل في الحكم على الآخرين .
قال الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمةالفضيل: ( إذا كان مثل كبراءالسابقين قد تكلم فيهم الروافض،والخوارج، ومثل الفضيل يتُكلم فيه،فمن الذي يسلم من ألسنة الناس، لكنإذا ثبتت إمامة الرجل وفضله، لم يضرهما قيل فيه، وإنما الكلام في العلماءمفتقر إلى وزن بالعدل والورع)(15).
ومن علامات أهل السنة:أنهم لا يرون الخروج على الأئمةبالسيف، وإن رأوا منهم العدول عنالعدل إلى الجور والحيف( 16 ).
ومن علامات أهل البدعة:الخروج عليهم بالسيف .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولهذاكان من أصول أهل السنة والجماعة لزومالجماعة وترك قتال الأئمة، وتركالقتال في الفتنة، وأما أهل الأهواءـ كالمعتزلة ـ فيرون القتال للأئمةمن أصول دينهم( 17 ).(1/6)
ثم قال ـ ابن تيمية ـ : وقدتكلمت على قتال الأئمة في غير هذاالموضع، وجماع ذلك داخل في القاعدةالعامة، فيما إذا تعارضت المصالحوالمفاسد، فإنّ الأمر والنهي وإن كانمتضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدةفينظر في المعارض له، فإن كان الذييفوت من المصالح، أو يحصل من المفاسدأكثر، لم يكن مأموراً به، بل يكونمحرماً إذا كانت مفسدته أكثر منمصلحته، لكن اعتبار مقادير المصالحوالمفاسد هو بميزان الشريعة( 18 ) .
وقال: فليس كل ما جاز فيهالقتل، جاز أن يقاتل الأئمة لفعلهمإيَّاه، إذ فساد القتال أعظم من فسادكبيرة يرتكبها ولي الأمر(19).
قال الآجُرّي: ومما يتَّبع الحروريةمن المتشابه، قول الله عز وجل:(ومن لميحكم بما أنزل الله فأولئك همالكافرون) فإذا رأوا الإماميحكم بغير الحق، قالوا قد كفر، ومنكفر عدل بربه، فقد أشرك، فهؤلاءالأئمة مشركون، فيخرجون فيفعلون مارأيت، لأنهم يتأولون هذه الآية .
ثمّ قال: قيل للحسن: يا أبا سعيد، خرجخارجي بالخريبة ـ محلة عند البصرة ـفقال: المسكين رأى منكراً فأنكرهفوقع فيما هو أنكر منه( 20 ).
قال ابن تيمية رحمه الله: ولميُنْهَ عن منكر يستلزم تفويت معروفأعظم منه، بل يكون النهي حينئذٍ منباب الصد عن سبيل الله، والسعي فيزوال طاعته وطاعة رسوله وزوال فعلالحسنات(21 ).
top
الحواشي
1مختصر من كتاب أخلاقالعلماء لأبي بكر الآجُري ( ت 360هـ ) .
2 اقتضاء العلم العملللخطيب البغدادي ( 38 ـ 39 ) تحقيقالألباني .
3رواه البيهقي فيالمدخل ( 152 ) والخطيب في الكفاية برقم(165 ) وإسناده ضعيف جداً.
4 من كتاب: عقيدة السلفأصحاب الحديث لشيخ الإسلام أبي عثمانإسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني ( ت 449هـ) .
5عقيدة السلف أصحاب الحديث، لأبيعثمان الصابوني ( 117) .
6 عقيدة السلف أصحاب الحديث (121 ) .(1/7)
7 وقد وصفه الشيخ عائض القرني بالمحدثالأثري الفقيه النابغة، والممثل فيشخصه الكريم مشيخة الإسلام في هذاالعصر، والذي وصف بإمام أهل السنة فيهذه الفترة . [ أنظر: الممتاز في مناقبابن باز لعائض القرني ] .
8 عقيدة السلف للصابوني ( 118 ) .
9 نفس المصدر ( 116 ) .
10 وقد كنا نتكلم يوماً في مسألة منمسائل الحيض والطلاق وكان في الجلسةأحد زعماء حركة جهادية فقال: أما هذهالمسائل فأنا لا أفهم فيها، فإن كانفي أمور الجهاد والتنظيم والحركةوالسياسة فإليَّ وعليّ . قلت في نفسي:كيف يتكلم في المسائل الدقيقة من لايفقه أحكام الحيض والنفاس ؟ ولكنهاالمضحكة المبكية، ولا تنطلي إلاّ علىالشباب الصاعد الذين لا يعرفون إلاَّالحماس والعاطفة، ولا يعرفون منالعلم إلاَّ أسماء بعض الكتب . واللهالمستعان .
11صفحة ( 123 ) وانظر ( 113 ) .
12 منهاج السنة النبوية ( 5/ 255 ) ابنتيمية .
13 رواه حمد ( 6/ 181 ) وأبو داود ( 4375 ) وهوصحيح .
14 عقيدة السلف للصابوني ( 116 ) .
15 سير أعلام النبلاء ( 8/ 448 ) .
16 عقيدة السلف للصابوني ( 106 ) .
17 الفتاوى ( 28/ 129 ) .
18 المصدر السابق . قلنا: وتقديرالمصالح والمفاسد يحتاج إلى نوع منالعلم لا يوجد عند أبي شبر الذي يتكلمفي العلماء، ولا عند أبي العاطفةالذي لا يرى إلاَّ العاصفة، ولا عندحديث الأسنان في العلم ممن نسمع منأحدهم جعجعة ولا نرى طحناً .
19 الفتاوى ( 22/ 61 ) .
20 الشريعة للآجري ( 28 ) .
21 الفتاوى (28/ 130 ) .
page_end.gif
الصفحة الرئيسية | السراج المنير | المكتبة الإسلامية | صوتيات السراج | روابط السراج | دعوتنا | تزكيات | ساهم معنا | اتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم - جمعية السراج المنير الإسلامية - بيروت - لبنان ( asseraj@asseraj.net )(1/8)
أسباب شرح الصدر
للشيخ/ عبد الهادي بن حسن وهبي
أمين وقف البخاري الخيري في عكار - شمال لبنان
اعلم رحمك الله بأنَّ شرح الصدر منأعظم أسباب الهدى، وتضييقه من أسباب الضلال،كما أنَّ شرحه من أجلِّ النِّعم ، وتضييقه منأعظم النِّقم ، فالمؤمن مشروح الصدر منفسحهفي هذه الدار على ما ناله من مكروهها ، وإذاقوي الإيمان وخالطت بشاشته القلوب كان علىمكارهها أشرح صدراً منه على شهواتها ومحابها، فإذا فارقها كان انفساح روحه والشرح الحاصلله بفراقها أعظم بكثير ، كحال من خرج من سجنضيق إلى فضاء واسع موافق له ، فإنها سجنالمؤمن ، فإذا بعثه الله يوم القيامة ، رأى منانشراح صدره وسعته ما لا نسبة لما قبله إليه ،فشرح الصدر كما أنَّه سبب الهداية فهو أصلكلِّ نعمة ، وأساس كلِّ خير .
وقد سأل كليم الرحمن موسى بن عمرانربَّه أن يشرح له صدره ، لماَّ علم أنَّه لايتمكن من تبليغ رسالته ، والقيام بأعبائهاإلا إذا شرح له صدره ، وقد عدد سبحانه من نعمهعلى خاتم أنبيائه ورسله شَرْح صدره له ، وأخبرعن أتباعه أنه شرح صدورهم للإسلام .
فإن قلت : فما الأسباب التي تشرحالصدر ، والتي تضيقه ؟
فأعظم أسباب شرح الصدر : التوحيدُوعلى حسب كماله ، وقوته ، وزيادته يكونُانشراحُ صدرصاحبه . قال الله تعالى :((أَفَمَنْشَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَعَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ))[الزمر : 22 ] . وقال تعالى : ((فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُيَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْيُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِيالسَّمَاءِ ))[ الأنعام : 125] .
فالهُدى والتوحيدُ مِن أعظمأسبابِ شرح الصدر ، والشِّركُ والضَّلال مِنأعظم أسبابِ ضِيقِ الصَّدرِ وانحراجِه .(1/1)
ومنها : النورُ الذي يقذِفُه اللهفي قلب العبد، وهو نورُ الإيمان، فإنه يشرَحُالصدر ويُوسِّعه ، ويُفْرِحُ القلبَ . فإذافُقِدَ هذا النور من قلب العبد ، ضاقَ وحَرِجَ، وصار في أضيق سجنٍ وأصعبه .فنصيب العبد منانشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور .
ومنها : العلم ، فإنه يشرح الصدر ،ويوسِّعه حتى يكون أَوسعَ من الدنيا ،والجهلُ يورثه الضِّيق والحَصْر والحبس ،فكلما اتَّسع علمُ العبد ، انشرح صدره واتسع ،وليس هذا لكل عِلم ، بل للعلم الموروث عنالرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلمُ النافع، فأهلُه أشرحُ الناس صدراً ، وأوسعهم قلوباًوأحسنُهم أخلاقاً ، وأطيبُهم عيشاً .
ومنها : الإنابة إلى الله سبحانهوتعالى ،ومحبتُه بكلِّ القلب، والإقبالُعليه ، والتنعُّم بعبادته ، فلا شيء أشرحُلصدر العبد من ذلك . حتى إنه ليقولُ أحياناً :إن كنتُ في الجنة في مثل هذه الحالة ، فإنيإذاً في عيش طيب . وللمحبة تأثيرٌ عجيبٌ فيانشراح الصدر ، وطيبِ النفس ، ونعيم القلب ،لا يعرفه إلا من له حِسٌّ به ، وكلَّما كانتالمحبَّة أقوى وأشدَّ ، كان الصدرُ أفسحَوأشرحَ ، ولا يَضيق إلا عند رؤية البطَّالينالفارِغين من هذا الشأن ، فرؤيتُهم قذَى عينه، ومخالطُتهم حُمَّى روحه .(1/2)
ومِنْ أعظم أَسباب ضيق الصدر :الإعراضُ عن الله تعالى ، وتعلُّقُ القلببغيره ، والغفلةُ عن ذِكره ، ومحبةُ سواه ،فإن من أحبَّ شيئاً غيرَ الله ، عُذِّبَ به ،وسُجِنَ قلبُه في محبة ذلك الغير ، فما فيالأرض أشقى منه ، ولا أكسف بالاً ، ولا أنكدعيشاً ، ولا أتعب قلبا ، فهما محبتان ، محبة هيجنة الدنيا ، وسرور النفس ، ولذةُ القلب ،ونعيم الروح ، وغذاؤها ، ودواؤُها ، بلحياتُها وقُرَّةُ عينها ، وهي محبةُ اللهوحدَه بكُلِّ القلب ، وانجذابُ قوى الميل ،والإرادة ، والمحبة كلِّها إليه . ومحبةٌ هيعذاب الروح ، وغمُّ النفس ، سِجْنُ القلب ،وضِيقُ الصدر ، وهي سببُ الألم والنكدوالعناء وهي محبة ما سواه سبحانه .
ومن أسباب شرح الصدر : دوامُ ذِكرهعلى كُلِّ حال ، وفي كُلِّ موطن ، فللذكرتأثير عجيب في انشراح الصدر ، ونعيم القلب ،وللغفلة تأثيرٌ عجيب في ضِيقه وحبسه وعذابه .(1/3)
ومنها : الإحسانُ إلى الخلقونفعُهم بما يمكنه من المال ، والجاهِ ،والنفع بالبدن ، وأنواع الإحسان ، فإن الكريمالمحسنَ أشرحُ الناس صدراً ، وأطيبُهم نفساً، وأنعمُهم قلباً والبخيلُ الذي ليس فيهإحسان أضيقُ الناسِ صدراً ، وأنكدُهم عيشاً ،وأعظمُهم همَّاً وغمَّاً . وقد ضرب رسول اللهصلى الله عليه وسلم مثلاً للبخيل والمتصدِّقفقال : (مَثلُالبخيلِ والمنفق كمثل رجلينِ عليهما جنتانِمن حديدٍ من ثدِيِّهما إلى تراقِيهِما ، فأماالمنفقُ ، فلا يُنفقُ إلا سَبغتْ أو وفرت علىجلدهِ حتى تخفيَ بَنانهُ وتعفوَ أثرَه ، وأماالبخيلُ ، فلا يريدُ أنْ ينفقَ شيئاً إلالَزِقت كلُّ حلقة كل مكانه ، فهو يُوسعها ،فلا تتسعُ ). أخرجه البخاري 3/241 ، 242 ومسلم (1021) من حديث أبي هريرة . قال الخطابي : وهذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للبخيل والمتصدق ، فشبههما برجلين أراد كل واحد منهما لبس درع يستتر به من سلاح عدوه ، فصبها على رأسه ليلبسها ، والدرع أول ما يقع على الرأس إلى الثديين إلى أن يدخل الإنسان يديه في كميهما فجعل المنفق كمن لبس درعاً سابغة ، فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه ، وجعل البخيل كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه ، فكلما أراد لبسها اجتمعت إلى عنقه ، فلزقت ترقوته ، والمراد أن الجواد إذا هم بالصدقة انفسح لها صدره ، وطابت نفسه ، وتوسعت في الإنفاق ، والبخيل إذا حدثه بها ، شحت بها ، فضاق صدره ، وانقبضت يداه .فهذا مَثَلُانشِراحِ صدر المؤمن المتصدِّق ، وانفساحقلبه ، ومثلُ ضِيقِ صدر البخيل وانحصارِ قلبه.(1/4)
ومنها : الشجاعة ، فإن الشجاع منشرحالصدر ، واسع البطان ، متِّسعُ القلب ،والجبانُ : أضيق الناس صدراً ، وأحصرُهم قلباً، لا فرحة له ولا سرور ، ولا لذة له ، ولا نعيمإلا منْ جنس ما للحيوان البهيمي ، وأما سرورالروح ، ولذتُها ، ونعيمُها ، وابتهاجُها ،فمحرَّمٌ على كل جبان ، كما هو محرَّم علىكلبخيلٍ ، وعلىكُلِّ مُعرِض عن الله سبحانه ،غافلٍ عن ذِكره ، جاهلٍ به وبأسمائه تعالىوصفاته ، ودِينه ، متعلق القلبِ بغيره . وإنهذا النعيم والسرور، يصير في القبر رياضاًوجنة ، وذلك الضيقُ والحصر، ينقلبُ في القبرعذاباً وسجناً .فحال العبد في القبر،كحالالقلب في الصدر ، نعيماً وعذاباً وسجناًوانطلاقاً ، ولا عبرةَ بانشراح صدر هذا لعارض، ولا بضيقِ صدرِ هذا لعارض فإن العوارِضَتزولُ بزوال أسبابها ، وإنما المعوَّلُ علىالصِّفة التي قامت بالقلب توجب انشراحه وحبسه، فهي الميزان والله المستعان .
ومنها بل من أعظمها :إخراجُ دَغَلِالقَلْبِ من الصفات المذمومة التي تُوجب ضيقهوعذابه ، وتحولُ بينه وبين حصول البُرء ، فإنالإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرحُ صدره ،ولم يُخرِجْ تلك الأوصافَ المذمومة من قلبه ،لم يحظَ مِن انشراح صدره بطائل ، وغايته أنيكون له مادتان تعتوِرَانِ على قلبه ، وهوللمادة الغالبة عليه منهما .(1/5)
ومنها : تركُ فضولِ النظر ، والكلام، والاستماع ، والمخالطةِ ، والأكل ، والنوم ،فإن هذه الفضولَ تستحيلُ آلاماً وغموماً،وهموماً في القلب ، تحصُرُه ، وتحبِسه ،وتضيِّقهُ ، ويتعذَّبُ بها ، بل غالِبُ عذابِالدنيا والآخرة منها ، فلا إله إلا اللهُ ماأضيقَ صدرَ من ضرب في كل آفةٍ من هذه الآفاتبسهم ، وما أنكَدَ عيشَه ، وما أسوأ حاله ، وماأشدَّ حصرَ قلبه ، ولا إله إلا الله ، ما أنعمَعيشَ مَنْ ضرب في كل خَصلةٍ من تلك الخصالالمحمودة بسهم ، وكانت همتُّه دائرةً عليها ،حائمةً حولها ، فلهذا نصيب وافر مِنْ قولهتعالى : ((إِنَّالأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ))[ الانفطار : 13 ]ولِذلك نصيب وافر من قوله تعالى : ((وَإِنَّالْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ))[ الانفطار : 14 ] ، وبينهما مراتبُ متفوتة لايُحصيها إلا اللهُ تبارك وتعالى .
والمقصود : أن رسولَ الله صلى اللهعليه وسلم كان أكملَ الخلق في كلِّ صفة يحصلبها انشراحُ الصدر، واتِّساعُ القلب ، وقُرةُالعين ، وحياةُ الروح ، فهو أكملُ الخلق فيهذا الشرح والحياة ، وقُرَّةِ العين مع ماخُصَّ به من الشرح الحِسِّيِّ ، وأكملُ الخلقمتابعة له ، أكملُهم انشراحاً ولذة وقرة عين ،وعلى حسب متابعته ينالُ العبد من انشراح صدره، وقُرة عينه ، ولذة روحه ما ينال فهو صلى اللهعليه وسلم في ذروة الكمال مِن شرح الصدر، ورفعالذكر، ووضع الوِزر ، ولأتباعه من ذلك بحسبنصيبهم من اتِّباعه ، والله المستعانُ .
وهكذا لأتباعه نصيبٌ من حفظ اللهلهم ، وعصمتِه إياهم، ودفاعِه عنهم، وإعزازهلهم ، ونصرِه لهم ، بحسب نصيبهم من المتابعة ،فمستقِلٌّ ، ومستكثِر . فمن وجد خيراً ،فليحمد الله . ومن وجد غير ذلك ، فلا يلومنَّإلا نفسه .
page_end.gif 3.46KB
الصفحة الرئيسية | السراج المنير | المكتبة الإسلامية | صوتيات السراج | روابط السراج | دعوتنا | تزكيات | ساهم معنا | اتصل بنا(1/6)
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم - جمعية السراج المنير الإسلامية - بيروت - لبنان ( asseraj@asseraj.net )(1/7)