المقدمة
إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .
من يهدِ الله فلا مضلّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله .. و بعد ..
فها نحن نضع بين أيديكم إشراقات عطائية ، جاد بها قلمٌ مؤمن صدوق نحسبه كذلك ولا نزكّي على الله أحداً ..
جمعناه من قطوفٍ كتبتها الأخت الفاضلة / عطاء الكاتبة في كل من شبكة المسك الإسلاميّة الواحة الأدبية في منتديات عالم حواء ، رابطة رواء ومنتديات لها أون لاين وشبكة بيت الجود ، والتي قرأنا لها في غير أماكن روائع أدبيّة ، تميّزت بالطابع العميق الرّوحاني وخاطبت به نفوساً وأرواحاً ، وارتقت بها قمماً ، واعتلت سفوحاً ، وأوصلتنا إلى النجوم عزّة وسموّاً ..
وقد وجدنا أن قيمة هذه الخواطر والمقالات الأدبيّة عظيمة لمن يتأملها ، ويبحر في أعماقها ، فخشينا أن تتبدّد ، وتضيع وتهدر ، وتمنينا أن نجمع هذه الدرر النفيسة ، وننظمها لتكون عقداً متكاملاً مرصّعاً بالكلمة الطيبة والأدب العميق .. فكان بتوفيق الله أنا جمعنا ما استطعنا جمعه من المواقع التي كتبت بها أختنا ، وكوّنّا بها هذا الكتاب القيّم مضموناً ،
وما هو إلا جهد المقلّ ، الذي نسأل الله أن ينفع به كل مؤمن ومؤمنة ، وأن ينير به حياتهم ويبصّرهم بما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة .
والله من وراء القصد .
نور الجندلي - كلمة سر .
الإهداء
إلى كل من سار معي في طريق ، فأعان وسدد
و أرشد ، فكان عملي هذا هو عمل له و حرفي هذا هو حرف له ..
أهدي كلماتي و إشراقاتي
عطاء
كلمة الكاتبة
الحمد لله رب العالمين , إله الأولين والآخرين والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين محمد وآله وصحبه أجمعين.. أما بعد...
فهذه حروف أشرقت بنفس , وصارعت ظلمتها تارة وشرورها تارة .. وضعفها تارة أخرى..فكانت الحرب سجال بين النور والظلمة والحق والباطل والضعف والقوة .(1/1)
حروف نبضت بنبض القلب وصاغت حالة نفس إنسان يعيشها كل منا..
تقلب فيها الحرف ليحاول أن يصوغ وصفاً يقترب من الصدق ويأخذ بيد كل سائر على الدرب .
فالكل يسير في الطريق..وكم من محتاج لرفيق !
فكانت حروفي هذه رفقة لمن استوحش في سير ، واجتماع لمن عالج شتات نفس
ودلالة على خير لمن استرشد وبصيص نور لمن سار في ظلمة مستبصراً.
حروف كتبتها لنفسي .. ولكل نفس مؤمنة تاهت أو كادت , لتحمل من إشراقات الحرف الذي عالج احتراق ضياءً يستضيء به في ظلمة الفتن ... ويثبت في أوقات المحن .
والله أسأل أن يكتب لي ولكل من أعان الأجر ..وأن يجعله من خالص العمل الذي يرجى نفعه يوم تزل الأقدام .
………………عطاء
أطياف ملونة
طيوفٌ وأطياف ...تلوّن الكون من حولنا..وتطبع بصماتها الخفية في ذواتنا..
قد نشعر بذلك...أو لا نشعر !! لكنها لاشكّ قد مرّت بنا..
بخفة ٍ ورشاقة تتقافز تلك الألوان المتماوجة, متمازجة بعناية فائقة..مبتعدة بكل لونٍ عن الآخر كتباعد صفات ذواتنا عن بعضها البعض ,وكذلك عن ذوات الآخرين..
أطيافٌ ملونة بديعة في صنعها..تكاد تكون ذا ت ملمسٍ سحري تشعربه يتناثر عذوبة في داخلك فيجعل الوجود من حولك جميلاً, رغم تلك الضبابية الحالكة والتي تكاد تطمس معالم الألوان في حياتنا..فتبدو الألوان لوناً واحداً سائداً على كل شيء...لون اللا لون!!
لكن الطيف الجميل, يصنع معجزات حين ينفذ وبرشاقة إلى تلك الدواخل القاتمة ..
يخطف بالبصر ... يرتفع بالروح بعيداً.. بعيداً.. حتى تعانق السحاب وتناجي المطر...
يتقافز بالهمم المتعثرة إلى علو شاهق حتى تشدو لحن الحياة ..
أطيافٌ ملونة هي من حولنا نواصل رحلة البحث عنها...لاشك أننا سنظفر بها إن حاولنا ..تدور بنا دوراناً وتكورنا كتلك الكرة التي نحيا على ظهرها ونقطن الحلم الجميل, ونبحر في زورق الأمل ، فترينا عالماً لم نره ..أو تاقت نفوسنا لرؤيته...فنراه..أو نكونه ..(1/2)
بعض الناس في هذه الحياة , كذلك الطيف في أي وصفٍ من أوصافه شئت..
خفةً أو رشاقةً أو سرعةً..أو أثراً..أو ضياعاً وتلاشياً، فهم يمرون في حياتنا كالطيف ، وهم أطياف..!! يسجلون حضوراً ، ويمضون بعيداً ..بعيداً حيث لا نراهم ثم يعودون مرةً أخرى ومازالوا أطيافاً ، لا حقيقة !! و تمتلىء صفحات الحياة بتواقيع وجودهم ، و لا وجود لهم ، إذ لا يعدون أن يكونوا أرقاماً لاتأثير لها في الحياة ...ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا طيفاً وأطيافاً ..تخطف الأبصار وتبهر الأنظار
وتحقق حضوراً ووجوداً ، ولا وجود، جلبة يصنعونها في دواخلنا وفي أبصارنا حين نلمح صورهم ..لمحاً سريعاً عابراً...
لاهدف ..ولاوجهة ..ولاغاية ترتجى لهم أو منهم، دفعٌ لعجلة الزمن وتحريكٌ لدولاب الحياة الساكن ..في مستنقع المتع الآسن ..مروراً بكل الصور والرسوم ، واستنزافاً لعيون المتع والملذات.. يعيشون طيفا، ويموتون كذلك.. في حياة أنفسهم وفي حياة الآخرين..
ومن الأطياف ، طيفٌ مباركٌ نافع أينما تقافز أوحلّ, لابدّ من أثر..أوبصمة أوعبرة يتركها ليحظى بها من مرّ بهم ، مروره ملوّناً ..يضفي بهجة .. ويصبغ الروح بألوانه فتشرق شمسها وتشدو أزاهيرها بأعذب لحنٍ .. يشعرك بوجوده..
فيحيل حياتك وجوداً بعد أن كانت عدماً .. بألوانه الطيفية يبحر في سني حياتك الماضية فيبعثر فيها الأمل ويبعث فيما بقي الحياة فتعيش ألف سنة في عمر الخيروالحياة ، ينمو كل شيء يفتح لك نوافذ زجاجية للأمل المشرق..لترقب ولادة الحلم على أرض الحقيقة ..
وأجمل من الطيف أنت ..حين تستحيل حياتك التي ضربت أوتادها في أرض الفناء طيفاً.. طيفاً، يمر بالآخرين ..فيترك أثراً جميلاً .. دونما حاجة أو عوض ..(1/3)
طيفاً ..لا يكلّف الآخرين عناء ومشقة الاحتفاء به .. يرسم لهم صورة الحياة الأبدية الخالدة ويشق لهم طريقها يترك الحادي في دواخلهم .. منادياً موقظاً لهم .. فإذا هم قد غفوا.. زارهم.. ومرّ بهم من غير موعد مضروب .. ورسم البسمة على شفاههم فإذا ما أرادوه بقاءً رحل مسرعا ً.. هرباً من قيودهم .. وإن حاولوا قسره تلاشى واضمحل واختفى من حياتهم.. لكنه ولاشكّ..لن يكف ّ عن ذلك المرور الطيفيّ أبداً... ترى أيّ الأطياف نحن ؟؟ وهل أنت ذلك الطيف المبارك ؟؟
********************
فلسفة الحب
للحب فلسفة في قلب كل محبّ ..
وفي قلبي له أيضاً فلسفة خاصة به.. قد أنفرد بها عن غيري لكنني أجدها.. تجعل شعور الحب والمحبة لايفارقك ..ولكن تتنوع صوره وتجلياته في النفس ..
فيظهر كل مرة بصورة مختلفة عن الأخرى..تعجب لها أنت.. بل يتسلل العجب إلى نفوس من حولك.. وليس ذلك ناتجاً عنك .. بل عنهم ؛ إذ أنك ترى نفسك من الداخل، فهي مكشوفة لك..جلية واضحة.. لا تحتار في تحديد ما تشعربه نحوالآخر..وبصدق.. تلك المشاعر تراها بعينٍ بصيرة وتؤثر نفسك بها..وتعيشها لوحدك.. وتعطي نفسك فرصاً مواتية لتختبر الحب في قلوب الآخرين.. أما هم فلا يرون إلا فيضاً من الحب قد يأتيهم وهم قد أيسوا منه.. فربطوا سبباً بمسببات ظاهرة هم يرونها وعليها يبنون النتائج والتصورات ..
قد تحتاج مثلي لأن تنفرد بفلسفة خاصة عن الحب قد تحوجك الأيام لمثل هذا السلوك....حينها تذكر ني..وتذكر فلسفة الحب الخاصة!!
قد يكون المرء جزءاً من التجربة..يوضع في بوتقة الاختبار ليعلم الأشياء على حقيقتها.. فتمحضه تجارب الأيام والأشخاص.. وتمحصه، ليخرج بحقيقة كبرى .. تتجلى في هذا الكون وفي قلوبنا الصغيرة التي تعطي الحب، وتتنفس الحب، ولاحركة ولاسكون لها إلا بالحب..(1/4)
هذه الحقيقة هي... أنّ الحب معدنٌ نفيس لا يقدر بثمن..كما النفوس معادن.. فمنها التبر ومنها التراب ، ومنها الحقيقة والجوهر ومنها الزيف والبهرج المغشوش....
والحب خلاصة القلوب الصادقة وعصارة الأرواح النيرة في زمانٍ عدم فيه الصدق فاستعيض عن الحقائق بالصور الظاهرة الباهتة التي لاحياة فيها بل هي محض ادّعاء.. وهو روح الفؤاد الحي .. بل و حياتك تقتطع أبعاضاً منك لتغرسه في فؤاد
من تحبه ويحبك..فيخضر ويورق ويزهر، ويبدأ نشيد الحياة الصادق.
الحب هو تلك الهبة الربانية التي يهبها الله القلوب الحية لتحيا وتحيي غيرها بهذا الميثاق.. أفلا يستحق منا لحظة رعاية!!
ألا يحتاج منا مزيد تفتيش..وتأني لنودع التبر في أيدٍ أمينة ترعاه وتتعاهد سقيه..
الحب ليست الأنانية من مفرداته..ولا التملك ، ولا الغيرة.. الحب حياة منك لغيرك تصنع حيوات أخرى حقيقية.. الحب عطاء بلا حدود..
عفواً .... بل له حدود.. حدود عطاء وعطاء حدود ، ليقوم الأمر بالعدل والوزن..
الحب وديعة روح تودعها روحك لتسكن في أمان وترعاها وأنت مطمئن
تتعالى عن سلوك بدائي يفتقر لأدب الحب وأبجدياته التي تعرفها القلوب الصادقة المؤمنة..
الحب دفقٌ نافع مبارك..يريد لك الخير بعيداً كنت أوقريباً.. ينصح لك..يشفق عليك.. يترفع عن سلوك الأنانية والأثرة..
للحب مفرداته قد نعجز أن نصوغها..نحتاج فيها للحظة تجلي وصفاء
نفس .. تحلق فيها بنات الأفكار .. فتمتد يد جذلانة الروح لتقطف يانع
الثمر ولا تتعجل قطافها...
********************
حبال الأماني
عجيبة هي الدنيا ..تتركنا ..نتمنى ..نأمل ..نحلق كفراشات تحلم أن تكون طيوراً تحلق في جو السماء...ولكنها لا تتعدى مداها...وأفق دنياها المحدود الذي رسم لها...(1/5)
ليتنا ندرك هذا الدرس وننقشه في قلوبنا نقشاً لاتعبث به رياح الأهواء والشهوات.. ليتنا لانتعدى تلك الخطوط المرسومة أبداً...رغم وضوحها وظهورها إلا إن عين أمانينا وحبال آمالنا تتسلق تلك الحواجز..وتقفز تلك الحدود ..وتمضي بعيداً بعيداً كبعد أمانينا صعوداً وبعداً... ليتنا ندرك أننا زهور تنتظر القطاف .. وثمارٌ ربما لا تدرك موسم الحصاد... ليتنا نقدر أنفسنا قدرها ..ونعلم أننا ما خلقنا إلا لعبادة الله ، نضيء حياتنا بهذا النور ونحرث ونزرع في أرض الآخرة ، حتى ينفذ الوقود وتنطفئ شمعة الحياة...
ولا انطفاء إذ تضيء هناك.. نوراً عظيماً لمن كانوا من الأكياس في دنياهم .. ولم يغتروا كغيرهم يسيرون في طريقٍ نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم...ليتنا ندرك زيف الحياة ..وأنها بهرج وزخرف ..خداعة غرارة... ليتنا نعلم أنها ما رفعت إلا وستضع .. وما أعطت إلا لتمنع ..وأنها ما وهبت إلا لتفجع .
حالها في تقلب، يصرفها من بيده مقادير كل شيء ...بحكمة وعلم...
أترانا نعقل هذا الدرس قبل أن نفجع وتقطع حبال الآمال الواهية...؟!
**إضاءة***
عن عبدالله رضي الله عنه قال : خطّ النّبي ّ صلى الله عليه وسلم خطاً مُربعاً , وخطّ خطاً في الوسط خارجاً منه وخطّ خُططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال: هذا الإنسان؛ وهذا أجله محيطٌ به-- أو قد أحاط -- وهذا الذي هو خارجٌ أمله , وهذه الخُططُ الصغارُ الأعراض , فإن أخطأهُ هذا نَهشهُ هذا ,وإن أخطأهُ هذا نهشهُ هذا )) .. رواه البخاري .
********************
الصدق منجاة
كم هو مزعج أن ترى الصدق ينحر على صخرة الواقع الذي نعيشه كل يوم ...(1/6)
يتبدى لك بصورة مختلفة لم تعهدها، ليوجد لك صنعة محدثة، مخلوقاً مسخاً متلوناً بألوان تكاد تخطف بصرك وتذهب به ، وتعميه عن رؤية الحق , إن لم تكن قد احتفظت له في سجل الذاكرة بصورة طبق الأصل , كي تتمكن من التعرّف على ملامحه في زمنٍ قد تفنن أبناؤه في ممارسة الكذب والدجل..
وفي زمن قد يمارس على عقلك صنوف التعذيب ليلفظ الصدق آخر أنفاسه , فتهوي كما هوى غيرك , وتنخدع بتلك الصور الملونة وتلحق بزمرة الكذابين...
وحين تحمل الصدق في جوفك سلاحاً تتحصن به -فهو منجاة-
تذكر أنّ الإدّعاء شيءٌ سهل..أعني ادّعاء مثل هذه القيم التي دعانا إليها ديننا الحنيف ، فكلٌ يدّعي المبادىء فإذا ترك في الميدان بانت الحقائق ، ورأيت بعيني رأسك أنّ الصدق ينحر مراراً لا مرة واحدة ، وقد يكون أول من يبادر بذلك.......... أنت!!
لا تتعجب !!
إن لم تحذر.. ستتعلم فنون الكذب والاحتيال , وستكون ماهراً في صنع الأقنعة التي تتخفى بها عن أعين الصادقين ، وستبادر الصدق نفسه بميتة خفية حتى لايكون علماً وشاهداً عليك أنك لم تعد أنت.. وهويت كما هوى غيرك... نعم!!
ترى كم يحترق الصادق في عالم الكذب!!
كم يموت لكي يقف في وجه من يزورون الحقائق ويأتون بها بصورة مخالفة تماماً للواقع..!!
كم هم المتآمرون مع غيرهم ليمسخوا لك وجه الحقيقة حتى تراها باتت شوهاء تسيل دماؤها وتتعثر بأنفاسها..وربما تلقى على قارعة الطريق وهامش الحياة لتكون لاشيء !!
لا تقلق !!
ولا تحزن !!
وإياك أن تشعر بالوحشة ، تذكر من سار في طريق الصادقين غيرك ، أتراهم نالوا ما نالوا على كفوف الراحة ؟ أم أنهم احترقوا حتى ذاب منهم الفؤاد لتبقى الحقائق ناصعة بيضاء.. صورة طبق الأصل لما حفظناه في الذاكرة ..
لا تنسى...الصدق منجاة.. ولن يظفر إلا الصادق.
********************
وانفرط العقد
إنه انفراط العقد وتناثر حباته الثمينة في كل مكان..(1/7)
حين تضيع منك نفسك فتأبى الاجتماع على همّك ، حين تشعر أن نفسك كفقاعة صابون تنتظر الانفجار ، وتتطاير في الهواء يعبث بها أقل نسيم.. ويدحرجها يمنة ويسرة ، تصطدم بكل شيء..وبأي ّ شيء !!
وإذا انفجرت..ليتها تسفر عن شيء ذا قيمة..ليتها !! رذاذ متطاير..لا ينفع ولا يفيد!وربما يُبلل وجهك..فيجعلك تزداد اشتعالاً بالغيظ...وتنتظر انفجاراً..وليتك تنفجر!! حين يتفرق همّك في كل زاوية وفي كل شعب.. ترى نفسك تندس في الزوايا تفرّ منك ، وأنت..أنت قد تعبت لحاقاً بها..
إذاً ما فائدة الإمساك بها , وقد تشظت وتناثرت في كل مكان...كانفراط ذلك العقد الثمين !
انفرط .. فلم يصبح لحبّاته التي جُمعت على مرّ الليالي والأيام قيمة..هي ثمينة..
نعم..ولكنها حين تبعثرت.. ضاعت تلك القيمة ، أو كادت !! وكلنا لا يختلف على أننا نؤثر العقد المنظوم ..على تلك الحبات المنفردة .. وإن كانت جميلة ...
أرأيت كم يكون العقد مكيناً في صنعته حين ندفع بالحبة وراء الحبة ثم ننظمها في
خيط متين ثم نُحكم إيثاقه..!!
أي جمالٍ لتلك الصورة يُرسم في ذهنك!!
وحين ينفرط....تُرى ما أثر ذلك على نفسك وأنت ترى شيئاً ثميناً يتناثر ويتساقط
بخفة أمام ناظريك .. فلا تستطيع السيطرة عليه..أو حتى على نفسك.. وربما يقتلك همّ...هل سيجتمع؟؟؟
وهكذا هي نفسك.. حين تتفّلت منك لتقصيرٍ أو لخرقٍ منك... وتعظُم المصيبة حين يتسع الخرق على الراقع..فأي شيء يُرقِّع؟؟
جميل أن ندرك ..أن الخروق عظيمة..وأن العقد قد انفرط أو يوشك
ولكن أليس من الأجمل أن نُسارع في نظم العقد.. و نرفأ الخرق قبل اتّساعه..!!
**إضاءة**
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد:
أعظم الإضاعات :إضاعة القلب , وإضاعة الوقت ، فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة ، وإضاعة الوقت من طول الأمل فاجتمع الفساد كله في اتباع الهوى وطول الأمل، والصلاح كله في اتباع الهدى والاستعداد للقاء الله .. والله المستعان (((1/8)
********************
بشائر كريم
يد شلاء مدت إلى السماء تحاول أن تحافظ على بقية مما بقي , إن كان قد بقي!!
ولسان معقود أوذي بطول الحبس والأسر والعقل عن النداء والمناجاة!!
لكن بشائر (( إذ نادى ربه نداء خفيا ))(1) حلّت العقد وأطلقت من العقال, وريح المحبين قد تغلغلت في الفؤاد فحركت ساكن الحب الذي طالت رقدته ، فنفض غبار الكسل عن عاتقيه ومزق شباك الأسر التي حيكت من حوله من عدو كان يكيد له وهو نائم, فلما كانت من العدو رقدة وغفلة عنه فطن أنّ باب الأسر قد ترك مشرعا, وهي فرصته للهرب, لكن إلى أين !؟
إلى فسحة - ألوذ بجنابك , وأنطرح بأعتابك - وحبال ممدودة بينه وبين مولاه دعامتها الشكر والاعتراف للمولى بعظيم الإنعام ،
لم يغتر بـ(( ماغرّك بربك الكريم ))(2) , بل اقتحم لعله قد دفعه واسع حلم من قال ((أقبل ولا تخف))(3) وهاهو قد أقبل وانطرح بالأعتاب ومرّغ عزيزه بالتراب لينال عز(( ألا إن أولياء الله لاخوف عليهم ولاهم يحزنون))(4) وأمان (( ولئن سألني لأعطينه , ولئن استعاذني لأعذينّه (( فذاق ووجد بعد أن كان فقد مالا ينجبر ولكنه حين وجد000ترى ماذا وجد !!؟؟
((من وجد الله فماذا فقد ومن فقد الله فماذا وجد)).
********************
حين نمارس الخداع
تعظم دنيانا في نفوسنا ,وتجذبنا إليها بما زُيّنت به ممّا يصرف الأبصار ويلهي عن المقصود وتجذبنا إلى سفول لنلتصق بالطين فنؤثر دنيانا على أخرانا..
فأنّى لمن توحّل بالطين أن يرى بصيص النور..!!
وكم من مغترٍ لايدرك أنه قد هوى في طبقات السفول دنواً منذ زمنٍ بعيد ..
حين يغرينا الدرهم والدينار ,فيذهب لمعانه بألبابنا وأبصارنا فينحرف القلب عن سيره.. ويعبث بخطونا فنسير تارة يمنة وتارة يسرة وتارة في خطوط متعرجة..لا نعلم هل ستوصلنا لما نريد..أم نسير لمجرد السير..وأننا في ركب السائرين وإن كان سيرنا ظاهراً..
وحين نصبح ونمسي ونحن نلهث وراء تحقيق ذواتنا من خلال أي شيء نتشبث به(1/9)
لنكون شيئاً للاشيء..لدنيا فانية وأمنيات عواجل ..
وحين تقلقنا رؤانا المستقبلية فتحملنا بماديتها المقيتة بعيداً عن حمى الإيمان اليقين
لنرتع في مفازات القلق والخوف ..
وربما دُنست أقدام في أوحال الشبهات والشهوات وكم نجد من المسوغات لنعتذر لأنفسنا وللآخرين عن ذلك التوسّع لنهرب من لذعة سياط اللوم ونغرق في خداع أنفسنا من أجل أن نعيش..
أو نكون..أو نملك..أو نعلو..أو يذيع منا الصيت وتغرنا صورة صلاحنا الظاهر لنستعذب لعبة الخداع ونرضى عن أنفسنا لنمارس في الخفاء كل طقوس الخيانة والمكر والخديعة..فنلطخ البواطن بأوحال الطين بله العفن .
كيف للمرء أن يخدع نفسه فيصمّ سمعه عن كلمة حق ويحجب عين قلبه عن خيوط النور حين تتسلل إلى فضاء نفس فتذكر بنور الحق..
وكيف لنفس أن ٍتنظر في مرآة الغير فيشغلها تحسين هندام..وتغفل عن تلك الجروح والقروح التي ظهرت في مرآة الإيمان والصدق جلية لا تغيب عن عين بصير..
حين نمارس خداع أنفسنا فنحن نكسر مرآة الحقيقة بأيدينا فتعكس لنا ألف صورة
تضيع معها الصورة الحقيقية لنا..
**إضاءة**
"وربك يعلم ما تُكنُّ صدورهم وما يُعلنون" القصص : 69
"إنّ الله عليمٌ بذات الصدور" المائدة :7
"إنّ الله لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء" آل عمران:5
********************
ليلة قمرية
بعد رحلة ٍ طويلة أمضيتُ بها يومي ..ألقيتُ بجسدي المتعب على ذلك الفراش الملقى في وسط الغرفة.. وقد رتّب ونظّم خير ترتيب على خلاف صاحبته التي تعاني الفوضى...
أخذت كتلة اللحم والدم تئن بالآلام ..وتخلع ذلك القناع الجليدي الذي كانت تتزين به أمام الناس لكي لايروا من ضعفها شيئاً...
وما إن لامس الجسد الفراش حتى بدأ ينشج نشيجاً صامتاً ... وبدأت معزوفته الليلية...التي كانت تذهب وحشة الليل ...وتبدد غربته... حتى إذا ما أسفر الصباح عن وجهه ...طوى تلك الصفحة الصامتة وأصبح صاحبها رقماً من الأرقام يضيع في فوضى الزحام...(1/10)
سحبٌ رمادية كثيفة أخذت بالتدافع فحجبت عني الرؤية... أشعر باختناق ...أنفاسٌ ملوّنة قد سوّدت قلبي.. تهت ضياعاً بين تلك الصفحات التي أخذت في تقليبها وشعرتُ بالأسى الذي فاض على كل جارحة من جوارحي.. كلما حاولت الفرار من تلك الصفحة المظلمة ... وقلبت جنبي إلى الجهة الأخرى كي أبددها فتتلاشى من ذاكرتي ... تنصب لي صفحة أخرى ليست بأقل سواداً من أختها... صفحاتٌ خطتها أناملي وسودتها ذنوبي...فطمست نور السطور ظلمة.. ظلمة صنعتها بنفسي...أعلم ذلك....
تزاحمت الأفكار في ذلك الرأس الصغير ..وتتابعت سقوطاً , كسيلٍ هدّ جدار الفكر, فتهاوى ...فتها يلت أفكاري تراباً ..تصطدم بذاتي فتصدر صوت أنين يعذبني... يزيد من جراحاتي .. صوت أنين لا أعرف يخرج من أين ؟
أمن روحي أم من جسدي ...يشق بشكواه سكون الحجرة.. ويرتفع حين يصطدم بزواياها وأركانها...إلى أعلى, معلناً ضعفه وفاقته
(( إنّماأشكو بثى وحزني إلى الله)) (1) ((ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)) (2)
(( وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)) (3)
((وإن يمسسك الله بضرٍ فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخيرٍ فهو على كل شيء قدير* وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير)) (4) وحين يزداد العمه وتزداد الحيرة...وتلح الحاجة للعبودية..يرتفع صوتٌ أكثر إلحاحاً...(( أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء))(5) وأي سوءٍ هو أعظم من ذلك الذي أنا فيه ..
نغّص العيش وكدّرت زهامته مياهي الصافية ؟!..
في الناحية الأخرى من الدار..صوت شخيرٍ عالٍ بدد السكون الذي خيم على المكان..فقطع حبل أفكارٍ تستغيثُ بمولاها ,وتبحث ُ عن طوق
نجاة تتعلق به..
هالة من النور أخذت تتحرك ببطء نحو ذلك الغطاء الأبيض..فتزيده بياضاً ووضوحاً..ظننتُ أنني أتوهم.. وبحركةٍ عفوية سحبت الغطاء إلى أعلى وأخفيت رأسي تحته...(1/11)
لاأعرف كنت أشعر أنّ النور مازال يزحف على غطائي..وكأنه يريد أن يخترقني وينفذ إلى داخلي...هكذا خيّل لي...
تمنيت أن ذلك القادم يمضي...فلست بحاجة إلى زوّار يقلقون راحتي ويعبثون بسكوني...
مازال النور يزحف..حتى غشى الغطاء برمته ..فاستحلت ُ كما نقطة مضيئة في تلك الحجرة المظلمة..
بكسلٍ خالطه تردد فتحتُ عيني...فإذا بذلك البدر قد استنار وبدا بأبهى حلة ..زينة في السماء..واكتمل ... فزاد بجماله على الجمال جمالاً وإجلالاً.. لايوصف..
دون أن أشعر تحركت شفتاي مسبحة الخالق المبدع المصور . سبحان الله !! ماأعظم خلقك ..ربنا !!
اعتدلتُ جالسة وقد ظفرتُ برفيق يؤنس وحشتي..
فرحة غامرة تسللت وببطء إلى كل ذرة فيّ لتعلن سعادتها وأنسها... دار حديثٌ صامت بيننا .. عدت إلى ذلك الفراش...لأكمل رحلة الحياة..وأسلم نفسي للنوم وعبثاً كنت أحاول النوم..
شعرتُ أنني في العراء..والكل يرقبني...أقلقني هذا الشعور فتحت عيني..فإذا بالنور قد غشاني في تلك الظلمة... فاستحلت نقطة مضيئة في الكون..الذي كانت تحوطه ظلمة الليل.. لا أدري ما الذي اعترانى ..فهزّ كياني ... كأنّ القمر استحال عيناً أخذتُ ترقبني ..وتنفذ إلى الداخل لتسفر عن عين الحقيقة.. حاولت الفرار ، أغمضتُ عيني اللتين كانتا تنازعان النوم..لأفر..لأهرب أستدعي النوم...
ليته يأتي لينقذني..ليته يفعل , النور مازال ينفذ ويخترق الأعماق ليبدد تلك السحب السوداء التي أعمت عين بصيرتي عن الحقيقة.. سحب تدافعت , فغطت وجه ذلك البدر الجميل , فحجبت نوره .. ومازال نور القمر يهيب بها أن ترحل ..ويدفعها بنوره دفعاً .. حتى مضت على استحياء يدفع بعضها بعضاً بعيداً...
*** إضاءة***
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( مامن القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر , بينما القمر يضيء إذ علته سحابة فأظلم إذ تجلّت )) (( حديثٌ حسن / صحيح الجامع ))
********************
ليلة موحشة(1/12)
رفعت رأسها إلى السماء تنقّل ذلك البصر الكسير عبر تلك اللوحة البديعة التي أتقن باريها صنعها...
انتفض فؤادها الصغير ..وذلّ لسانها بذلك الثناء البديع وهي ترى بديع صنع الله.. مردداً (( صنع الله الذي أتقن كل شيء ..))
كم تمنت أن تكون نجماً لامعاً , أو كوكباً دريّاً يسعد به من يراه , وترتفع الأعناق إليه كي تطاله وأنى لها ذلك!!..فهو ككثير من أمانيها التي احترقت وذهبت أدراج الرياح!!
نسمةٌ باردة هبت, أشعرتها بوحشة الليل الماثل أمامها وسكونه الكئيب ...كتلك الوحشة التي تشعر بها وتسيطر عليها ولا تكاد أن تعرف لها سببا ً..!!
جلست قريباً من النار التي أشعلتها لغرض التدفئة , أبعد بها التفكير كثيراً
أو أبحر في زورق آلامها وهمومها وأحزانها...
رعشة سرت في ذلك الجسد النحيل حاولت مدافعتها ...شدت إلى كتفيها ذلك الرداء
الصوفي تحتمي به من لسعة الهواء البارد الذي لايرحم .. علّها تشعر بشيءٍ من الدفء ..ترى.. ما الذي دهاها ؟! إنها لم تشعر بالوحشة والوحدة كاليوم..
انكمشت إلى الداخل.شعرت بالوحشة تزداد..شدت الرداء أكثر على كتفيها وهي تلتحف به فلا يكاد يظهر منه إلا بريق عينيها في ظلمة الليل الدامس..
نسمة باردة موحشة حركت النار فعاجلت في إطفائها ..نظرت إليها بأسى) ما أسرع
ما تتحول الأشياء الجميلة في حياتنا إلى فناء ...كهذا الرماد!
لفتها الظلمة , وغشاها السكون ,ولم يبقَ مصدر للضوء إلا تلك اللوحة البديعة التي صنعها الباري عز وجل..
قالت بشيءٍ من السخط (( ما بال كل شيءٍ ضدي ؟! هل تآمر الكون علي ..ليشعرني بمرارة الوحدة ! ))
رنت ضحكتها الساخرة في المكان فعلا رجع صداها حزيناً..تهيأ لها ذلك.. حدّثت نفسها (( يبدو إنني أعيش عقدة المؤامرة! ..))
اعتصر فؤادها ألماً ..كانت تشعر به ..وتشعر كم عانى من تلك الغربة والوحدة التي قادته إليها كارهاً .. مكرهاً...(1/13)
برودة اليأس وحرارة الأمل أخذا يتصارعان في داخلها ..مشاعر مختلطة لا تدرك كنهها..
كادت تختنق بتلك المشاعر الزاحفة إلى فؤادها زحفاً قوياً...
غصت بالدموع..مرارة العجز أخرستها عن قول أي شيء ... شيء ما أخذ في الزحف إلى قلبها الصغير..كان يحاول خنقه..كان يعتصر داخلها بقوة وألم ..
حركت يديها كما الغريق يريد نجاة فيتعلق بأحبالٍ واهية..
شعور قوي سيطر عليها ..يدفعها للخلاص..لفعل أي شيء...
وأخيراً .. في بؤرة العجز الذي كاد يخنقها...رفعت رأسها إلى السماء، وكأنما كانت
تتعلق بشيء..مدت يديها بحركة يخيل إلى من يراها أنها تتعلق بشيء..خرج صوتها المكتوم يخترق الغمام..يارب..!! يارب!! وأطلقت العنان لتلك الدموع الحبيسة كي تغسل صفحة الأيام الماضية...وتمحو ما جنته يداها..
********************
سكنات ليل
في هدأة الليل يعبث نسيم السحر بذلك الأمل المنزوي في ركن من النفس يأبى ظهوراً..
ويقلب صفحات من العمر مضت ولم يكن لي منها إلا ذكرى حزن..
تذعن امتثالا في لحظات الحزن المريرة تمر سريعاً مرور أيامي أيا عمري الذي أرجو منك غنيمة في رحيل عمر..
كم عشت منك أياماً تحكي فتوة وشبابا..بل كم تقلبت نفسي فيك أطواراً ترجو نجاة..
أحدث أيامي أوشوشوها ماذا حملت رياحك لما مرت بي وماذا صعد إلى السماء من زاكي عمل ليشهد عند مولاه..
وتفتقر نفسي لنجاة ..وتطمح لخلاص..وتطرق أبواب الذل تجأر بالدعاء..
أيا مولاي..
ضعيفة أنا لا أطيق عذابك..
أيا حبيبي.. زلت بي القدم فتلوثت بالمعاصي.. ونقشت في صفحات عمري الحزين حكاية عبد ٍ آثر عاجلاً على آجل..
حكاية عمري ترسم سقوط عبد في أوحال
يا رب ارحم فقري و ضعفي ..
ونجني من شرور نفسي..
********************
لحظة حياة(1/14)
كان قلبه المشتاق يدفعه أن يخترق تلك الجموع التي هفت إلى ذلك المكان فسارت إليه بأقدامها وأرواحها المحبة.. فأتت لتعبر عن عبودية الحب والامتثال.. انتفض فؤاده الصغير لمّا رآها..أكبرها وأعظمها..وتضاءل نفسه أمامها..
رأى أنه مقارنة بها لا يساوي شيئاً بل هو هباءة في ملك الله العظيم..
هاهو الآن يطوف حولها ليكرر في كل شوط ٍعهداً وميثاقاً غليظاً أنّه على التوحيد ،
وكأنه يخلع في طوافه أردية الهوى والعصيان..ويلقي بها بعيداً.. تدافعت على ذهنه المكدود صوراً من الماضي كما السيل الجارف سيء وحسن .. لتلقي به بعيداً..
ليرى نفسه حينما كان فتياً..وفورة الشباب تتدفق في دمائه لتجعله يضرب الأرض بكل قوته دون أن ينظر إلى مستقبله الذي ينتظره..لم يكن يفكر أبداً في النهاية..
كانت البدايات هي ما يفكر فيها دائماً..ليمضي في طريق متعته ولذته من دنياه دون أن يفكرأو يتوقف هنيهة للتفكير.. صوت الطائفين الملبين قطع عليه تفكيره فأعاده إلى ذلك المكان الطاهر المهيب.. ليواصل طوافه وهو يمعن في اللوم لتلك النفس ..
ويرتفع ببصره خلسة , ليتنسم نسائم عذبة أبت إلا أن تخرجه من حزنه الجاثم على صدره وتحّلق به بعيداً..لتحرر الفؤاد من آصار عصيان وغل هوى قعد به سنين.
كم تمنى أن يرى دمع عينيه مدراراً في هذه اللحظة القدسية.. حاول أن يتفرس في وجوه الطائفين..لعله يجد عبرة تحرك هذا القلب القاسي ، وفي لحظة من التفكير توقف فيها الزمان ليرسم له ساعة رحيل تتراءى في الافق كطيف برق... إذ بقطار من الحجيج وبكل قوة ..يخترق صفه وقد عزم على أن يمضي لمراده ..ويبلغ مقصوده ليحظى بقرب من بيت الله..
فأحيط به ليهشم كل قوة وجبروت في جسده..بل كل قوة روحية .. وتقترب عليه جدران صدره لتزهق الحياة..
ويحلق آخر نفس بعيداً عنه بجناحي حياء يودع على استحياء إذ لا فائدة من المقاومة..
تقعقت نفسه..وترحل آخر نفس..وتحركت يداه في كل اتجاه تبحث عن حبل نجاة..(1/15)
تداعت أمامه صور حياته وفتوته وقوته لترتطم بالقاع فيرى صورته وقد تشّظت لتعلن نهاية إنسان..
واستسلم وكاد..لكنّ رغبة في حياة قابعة..جعلته يحاول في لحظته الأخيرة
ويدفع بكلتا يديه تلك الأفواج الجبارة الماضية بعزم دون رحمة ولا إشفاق..
ويرفع رأسه إلى السماء مودعاً كل شيء..ودموع تتقاطر تحكي همسات رجاء..
صوت كسير..يخترق العلو بكل أمل .."يارب" " يارب" "يارب"
و في لحظة غياب يسقط ذلك الجسد المنهك على الأرض..وهو يشرق بدمعه لتبتعد عنه تلك الأجساد الصلبة ..وهو ينازع لحظة حياة ... أعلنت بقاءً محاولاً طرد صورة نعشه الذي رآه يحمل على الأكتاف..
********************
جناح بعوضة
وتأتيه دنياهُ بحذافيرها..ووتتغنّج له دلالاً لتصرف فؤاداً عن نور الحقّ ..
وتمرُّبه ليشتمّ عبق تلك الروائح الزكيّة التي ذهبت بلبّ كلّ ذي لبٍ فأردتهُ صريعاً
وتعاود إقبالاً لاتملُّ ولاتكلُّ.. وتنصرف على حياءٍ مدبرةً لطولِ مثول لمنْ لم يحتف ِبقدومها..
وتسحر فؤاداً بصرفِ بصرٍ,فتخطف قلوباً.وتزيغ قلوباً أخر، لولا شعرة ثباتٍ رقيقة دقيقة لكنها متينة بمتانة الإيمان وصلابته في قلب المؤمن..تقاوم رياح الفتنة وأعاصيرها..
ويثبت ذلك العبد الصالح أمام فتنة السحر!!
ولا يغتر بفتون!! خطوات تتلاحق ونفس ٌ ثائر..وباب يُطرق بطرقاتٍ متلاحقة..تنبؤ عن سرور الطارق.. ويأتيه صوتٌ من الداخل تعلوه السكينة:
_ من بالباب؟؟
_ افتح يا سعيد!!*
أبشر يا رجل بخير يوم ٍ مرّ عليك !
أبشر يا سعيد فقد أتتك الدنيا بحذافيرها!!
ويقلّبُ سعيد بصره في ذلك القادم ..علّه يفسرّ تلك الحروف التي تناثرت فرحاً من فيّ ذلك القادم..
....لقد أتتك الدنيا بحذافيرها ولم تتعنَ لها..
يا سعيد (إنّ الخليفة يخطبُ ابنتك لابنه..!)
ويطرق الشيخ ليقلّب بصره في دنيا راحلة..دنيا زائفة.. دنيا غرّت كثير ..وأضلت عن طريق الهدى كثير..
إيه يا سعيد !!
لقد أتتك الدنيا بحذافيرها !!(1/16)
وتتمثلُ له دنياهُ بزينتها..وحسنها وبهائها..فينصرفُ ببصره وبصيرته عن التفات ٍ لمتاعٍ زائل..
وتعلو الحقيقة كالشمس في كبد السماء محرقةً مشرقةً جليةً... لتزيح كل زيف غرّ بصر في يوم صائف..فلحق بسراب ليظفر برواء..وهيهات هيهات..أن يجد مبتغاه..!
..ويعلنها الشيخ الزاهد..مشرقةً محرقة.. يا هذا إن الدنيا بحذافيرها,لا تساوي عند الله جناح بعوضة.. فماذا سيقسمون لي من هذا الجناح !!
* سعيد: هو سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى.
********************
كفّي يا نفس
سارت مراكبي...
وكلّت أشرعتي تُدافعُ رياحاً عنيدة تحتالُ كيما تحطِّمُ قوةً باقية أو لعلّها كامنة,
تحافظ على حياة ٍ في زمن ِ حاجة!!
آآآآه.. ليتني أملكُ هذه النَّفس !
ليتني أستطيع ُ لها إقامة!!
ليتني أُطيق ُ صبراً على مكاره ..!!
ليتني أستبصرُ الطريق في كل لحظة, بل أستبصرُ له نهاية ..!!
أتراها تصنع بيتاً من المجد كلمة.. ياليت !!
ما أحوج النَّفس لحولٍ وقوة يستمدُّ من صاحب القوة .. القوي العزيز..فتُدفعُ مراكبي..وتستقيم ُ أشرعةُ نفسي !
ياليتني أفني عمراً في طاعة..!!
ياليتني أكون أعماراً في طاعة ..!!
ياليتني أكونُ أنفاساً في طاعة ..!!
يا ليتني لا أعرفُ إلا سير َ طاعة..!!
ماذا دهاني !!؟..أتُراني مع رحيل ِ ذابلاتُ أيامي .. أقطِّع المنام واليقظات
ببقية ٍ من أحلام صبية..!! أو تُراهُ ..تغنجُ عجائز ٍ في زمان ٍ قد قاربت شمسه غياباً ووداعاً..!!
آه ٍ.. يا نفس.. أتُراني أدركُ مركب نجاة قد مضى أهله.. قبل غياب شموسي ..!!
أتُراني أصنعُ من ذابلاتِ أيام ٍ مددَ قوّة يسري في عروقي فيدبُّ الأمل في حياتي..
وتتندّى حبيبات الثرى تحت أقدام ُ سيري لتشعرَ روحي برواء حياة ..!!
أم أن ماء الحياة قد جفّ في طريقي..فيبست عروقٌ.. واستسلمتْ شفاهٌ لظمأ..!!
أوّاه يانفس!!
ما أقسى شعور اليأس!! أوّاه يانفس!!
أظلمت نفسي من تفننكِ في حجبِ النور عن حياة!! أوّاهُ يانفس!!(1/17)
دعيني ..و ذريني..وابتعدي عن طريقي..
ذريني.. أتَّشحُ في برد شتائي بسابغات ِ أمل ، وبمزهرات ِ رجاءٍ في ربيع عمر ٍ قد رحل وذبل ...
إن لم تعيني سيري بعمل ٍ في تساقط ِ أيام خريف عمر..
فكُفِّي عن إزهاق ِ روحٍ تحلمُ بحياة ...
كُفِّي يا نفسُ ..
فلي ربٌّ أرحمُ بي من رياح يأسكِ الباردة التي توشك أن تقتلني..
********************
اختراق ...قاتم سحاب....
مضى في سيره بخطوات واثقة نحو المجهول.. ليكشف عن تلك الصفحة بيدٍ من عزمٍ وأمل في غدٍ مشرق.. مضي يخترق الغمام لا يلوي على شيء..يحتضنه...
والسحاب..يزداد قتامة.. يحيطه بذراعيه الدقيقتين ... تدفعه الريح ليندفع السحاب تاركاً له في وحدته المقيتة.. فتكاد تقتلعه الرياح من بين ذراعيه.... فيزداد تشبثاً..به..
تصفعه الريح..وهو مازال ممسكاً به....يزداد ظلمة.. يتشبث به ويمضي وقد اشتعلت أوار العزيمة في نفسه.
إرادته..تتقد ..تشتعل وكأنها في أتون مستعر.. والدم أخذ يتدفق في عروقه دفق عزيمة وإصرار...
مازالت الريح تمارس عليه إذلالاً ، تصفعه صفعةً فيدير وجهه يمنة وتصفعه أخرى فيدير وجهه نحو الجهة الأخرى..
وتزداد الصفعات.وينفذ صوتها إلى عمق عزيمته...هاهو صوتها يعلو في أذنيه..
ومازال ممسكاً متشبثاً..بذلك السحاب..ومضى يخترق ذلك الغمام..والحلكة تزداد
كادت أنفاسه تنقطع...نفسه..أخذ في الثوران.وصدره يعلو وينخفض ..تبسمت الريح له ابتسامة إيعادٍ بنصر....أوشكت أن تعلن نصراً...
علا صفيرها الموحش... دفعت ذلك الغمام بعيداً عنه... لتحمله على إطلاق ذراعيه في الهواء ليحتضن...ليحتضن لاشيء..لكنه عبثاً ألصق خده عليها ..يتحسسها بحنو .. وازدادت قبضة يديه وذراعيه عليها..حتى كلت أضلاعه تعباً.وباتت ترجوه فكاكاً..كاد أن يفلت يديه
فقد تظافرت قتامة الاختراق..وصوت الريح وهشاشة سحابته..تؤذن بهزيمة..(1/18)
وتثني عزمه على البقاء.. و تلقي به أو تسقطه على قارعة طريق مجهول.. لا يدرك له نهاية...أو تراه يستسلم..!!؟؟
وفي حمأة الصراع..وهو يكاد يلفظ أنفاس الأمل الأخيرة..إذ بالسحاب يفتر ثغره عن ابتسامة مشرقة نفذت لمعاناً في قلبه وقلبها فولدت قوة عجيبة...
رذاذ ندي أخذ يتساقط بلطافة..ليبلل وجهه الشاحب ويغسل عنه تلك الكآبة الماثلة بإصرار..
تتابع الغيث هطولاً..ليزداد الكون إشراقاً ونوراً، وتنجلي تلك الغمة عن صفحة الكون. وتغادرها إلى غير رجعة .. ليعانق صاحبنا المطر عناق حب وشوق..
ويهمس له بأحاديث الأمل واللطف ...وتعلو ضحكاته في المكان لتنقشع الغمة..وتؤذن بفرج...
إذا مررت بذلك المكان ربما.. تسمع صوت أقدامه يعبث بالماء الذي غطى وجه الأرض...ليمحو آثار الألم..التي مرت من ذلك الطريق..
********************
أقدم ولن ينافسك أحد غيرك!!!
تفكرت وتأملت فوجدت أن الناس حين ينافسونك في شيء من أمر الدنيا يتقاتلون معك عليه, وربما صدمت بأخ لك يتحول من أجل حطام هذه الدنيا النتنة, إلى ألد أعدائك! إذ أن الدنيا لما دخلت قلبه ولامست شغاف قلبه أعمته عن رؤية كل صورة يحبها إلا صورة واحدة,هي صورة نفسه العزيزة الغالية !
ويا ليت الأمر يصل عند هذا الحد !! بل ربما أنسته الدنيا ربه, ودينه, وأغلى ما يملك حتى تصيبه بداء السعار المذموم الذي يجعله يجمع ويمنع. ولا يعرف لماذا يجمع ومن أجل من يمنع !!
فيمضي عمره بين الجمع والمنع عابدا ذاته مصليا في محرابها !! وهتافه لكل من يقترب منه : نفسي نفسي !! إياك أن تقترب!
ووجدت أن شيئا واحدا لو أقبلت عليه ونظرت إلى منافسة الخلق إياك عليه لما وجدت من يقاتلك أو يعاديك أو ينازعك! أتدري ما هو ذلك الشيء؟!!(1/19)
إنّه الإخلاص, والعمل لنيل مرضاة الله !! حاول أن تبدأ بأي عمل لله صغر أو كبر وتلفّت يمنة ويسرة, هل ترى من ينازعك عليه!؟ أتراك ترى من تشتد عداوته لك لاستئثارك بذلك السر بينك وبين مولاك! أبدا, ربما ينافسونك لنيل وسام شرف دنيوي بعمل صورته أخروية, ولكننا سنصل إلى نفس النتيجة وهي أنك تبقى وحدك بعملك الذي ترجو قبوله وصعوده إلي السماء ..
إن الإخلاص أمر لا يطيقه الكثير من الناس ؛ لأن حظوظه مؤجلة ونفوس أحباب الدنيا جبلت على حب العاجل
فيا الله ما أعظم فضله جعل ماله باق وما لغيره فان وضائع
" فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا "(1)
********************
أشرقي يا شمس بداخلي
عجيبة هذه الحياة , كلما ازددتُ ولوجاً في أغوارها ,أخرج بنتيجة واحدة وهي أنني حتى الآن لم أتعلم شيئاً من دروسها التي وإن كانت تبدو للناظر قاسية لكنها تستخرج الإنسان من أعماقي ...
كان هذا ما خرجتُ به ؛ وأنا أكفكف دمعات حارقات يتساقطن خلسة عن أعين الناظرين كانت كل دمعة منهن... سطراً في حكاية ألم ٍصامتة يعلو نحيبها في أعماق ألم..
يجرها جراً على أخاديد الزمن المحفورة في وجنتي الذابلتين ذبول وردة في صيفٍ حارق..أو شتاء قاتل..أو خريف راحل..لكنها لم تكن ربيعاً..أبداً..
هذا ما بدا لي..تروي قصة صامتة... تزأر من الأعماق.. لتتنفس الألم عبر وهج دمعة تتكلم..
تَتَابع سيل الدموع..واجتاحني عنوة, ليطلق العنان للحزن كي يخط حروفه الجارحة على بقايا نفسٍ ضعيفة هشة..فتهاوت سقوطاً.. كم كنت أتمنى أن أضبط زمام نفسي في تلك اللحظة ..
كنتُ أتصنع للقوة مثالاً..هكذا عودتُ نفسي....لكنني وللأسف فشلت هذه المرة....
ترى هل كنت محتاجة لمن يشاركني الألم؟؟ أم كنت محتاجة لمن يجود علي بدرسٍ في الأخلاق الحميدة؟(1/20)
أم كنت محتاجة لمن يدلي بنصيحة تغلق فوهة بركان متفجرٍ بداخلي وعجزت عن إيقافه أو حجزه...حتى لا يدمر بقية باقية تنظر للكون بأمل ٍ وترقب !!
آه..آآآه يا نفسي ..
كم أكره هذه اللحظات العنيفة المؤلمة التي تجتر شريط الذكرى المحترق كاحتراق أملٍ في بزوغ..في ليلة شاتية اشتدت ظلمتها..وعلا عويل ذئابها ونباح كلابها..
كم أشعر بالوحشة والغربة..وتكاد تلفني بوثاق يكاد يخنقني ويزهق بقايا أمل..
قطع حبل أفكاري الرمادي شبحها الذي جلس أمامي بهدوء عمّ المكان.. فغشى نفسي المضطربة ..كانت تنظر إلي وهي صامتة, تبثّ شعور السكينة في نفسي..
عبثاً كانت تحاول أن تتفرس في وجهٍ علته الكآبة..
كنتُ أسترق النظر إليها وأنا أعالج دمعات تهم بسقوط..لتجدد مرارة الألم وحرقته فأزداد اضطراباً في غصص.. آآآه ..كم هو مؤلم ..أن يرى غيرك ضعفك الذي تواريه ..!!
كانت تحاول أن تقرأ حروفي الصامتة دون أن تؤذيني بفضول سؤال قرأتُ في عينيها كلاماً كثيراً..أعرضتْ به عن بوحٍ, لكي لا تؤذيني بجرح ..
كلمات نورانية خرجت بانفراج شفاهٍ باسمة 'كالبلسم على قروح أُعملت في قلبي..
كانت كلماتها تهزني من الداخل..تنقذ بقايا قوة في نفس هشة..تجمع شتات نفس تلوذ بصمتٍ..وتحجم عن الكلام..لتجتر مزيداً من ألم..
أيامن كنت ترسمين الأمل في دروبنا... وتتعاهدين غرسه في أفئدتنا الحزينة ..
لا تحزني..
أياماً كنت تلونين سماءنا صفحات باسمة مضيئة..في ليالٍ تشتد حلكتها علينا ..
لا تحزني.. ابتسمي ...وأشرقي...
واصنعي من آلامك آمالاً لبقاء ..
فشمس الأمل لم تغب أبداً في دواخلنا التي تؤمن بالله وتوقن بحكمته...
فهل ستتوارى يوماً عن سمائك....وتؤذن بمغيب...!!
********************
جنون لحظة
بعمق الألم القابع في ذاكرة الماضي..(1/21)
أخذ ينظر ببصره الكليل ، وعينيه اللتين أعياهما تعب الحياة, فرسم الزمان تجاعيد الألم الباسم ،على زواياهما بانفراجٍ ,كانفراج الأمل في صفحة الليل الدامس الذي يستحثّ فجراً على صفحة الأفق البعيد.. جلس على جانب النهر, يرقب اندفاع ماء النهر وصوته المثير.
سرت برودة الماء في قدميه..لتنفذ إلى روح أعياها تعب الزمان وأوجاعه ...لم يشعر بنفسه إلا وقد أطلق آهاتٍ ممزوجة بسعادة غامرة أخذت تسري في عروقه..كأن روحه كانت ترشد الماء البارد العذب إلى كل عرقٍ نابضٍ ليطفئ الألم برفق وحنو......
ويسكب الأمل في جنبات روحٍ محترقة..
كان يتمنى أن يسمع الماء أنينه ورغبته ليقع على مواضع الألم.. فيسقط عليها كما البلسم.. آآآه.. نعم!! هنا!!
أخذ يحرك رجليه في الماء يعبث بهما ، كان يتمنى أن يمضي بكل قوة وشجاعة في سيره دون تعثر، كما هو هذا الماء المندفع الذي لم توقفه عقبات..
وإن أوقفته..تحول إلى مجرى آخر...ليمضي في طريق رسم في كينونته..
لون الماء وزرقته..أبهج فؤاده.. انفرجت شفتيه عن ابتسامة رضا وظفر..إنه يفكر الآن بجنون.
لقد تيقظ الطفل بداخله...إنه يعيش لحظة جنون زاحف ، ماذا لوا استجاب لذلك النداء الذي يدعوه للمحاولة والمغامرة...؟؟
ماذا لو ألقى بنفسه في هذا الماء ليتخفف من أثقال .. إنّ كل شيءٍ يدفعه للجنون..جنون اللحظة..
أخذ يفكر..وترددت خطواته
صوت خرير الماء كان يستحثه نزولاً... برودته اللذيذة مازالت تسري في جسده..
رشاشه العذب..زرقة الماء...وخضرة تحيط بالمكان وخلوة تغري بمغامرة...وتغريد بلبل يشجع لمحاولة..
طبول الإثارة أخذت تقرع بداخله .. وحرارة سرت في جسده..وكالمنوم السعيد أخذ يتقدم بخطوات واثقة..
خلع قميصه وألقاه خلفه...وألقى بنفسه لتتلقفه أحضان الماء البارد
وتتعالى ضحكات جذلى..تفتح صفحة جديدة..وتعد بحياة أجمل .
********************
رسالة من تحت الماء
أبعث إليكم برسالتي هذه من الأعماق.(1/22)
لقد أزمعتُ الرحيل من عالمكم هذا, الذي لم أجد بدّاً من تركه غير آسفة ولا حزينة. كم حّدثتُ نفسي بهذا الأمر( أعني الرحيل) , ولكنني خفتُ من العاقبة، خفت أن تكون مغامرة من مغامراتي المعهودة لاكتشاف ما هو جديد , والبحث عن كل ما هو غريب.
ولكنني أجدُ نفسي مضطرة إلى قبول هذا التحدي والمحاولة ولو لمرة واحدة للبحث عن الذات ورؤية موضع الخلل.
لا تلوموني, ولا تشيروا إليّ بأصابع الاتهام التي لن تكلفكم عناء مساءلتي لم ؟
ولماذا رحلت؟
بل لوموا أنفسكم أنتم !! نعم!!
أنتم السبب فيما يجري لي وما أعانيه وأتجرع مرارته , وأذوق حره
لقد ضقت بكم ذرعاً, و بهذه الحياة التي باتت أحداثها من صنعكم ، ليس تقديراً وخلقاً , بل مكراً و دهاءًا اعتدتهُ منكم تصنعون المواقف, ثم تظهرون بصورة ذلك البائس المسكين الذي يلبس مسوح الضأن وقلبه قلب ذئبٍ يستطيعُ أن يخفي خبثه خلف ابتسامة صفراء .. لبستُ لكم لباس الصدق, فمُزّقتُ بمخالب المكر والخديعة, وُدهست في سبيل الظفر بما يسمى في عرفكم مصالح شخصية.
لم تعجزكم معاجم اللغة أن تولدوا ألفاظاً محدثةً لتخدم أهدافكم , وتريحون ضمائركم من ألم الوخز الذي قد يضر بكم أتعلمون لماذا؟
لأنه سيوقظ صوت العقل الذي سيفسدُ عليكم ُمتعكم ولذّاتكم .. تلفعتم بدثار الفضيلة وأنتم منها براء وادّعيتم المثل والقيم وأنتم منها خواء .
صدقوني !
حاولت أن أعيش في عالمكم , ولكني لم أطق صبراًً،لأنني أراكم تكذبون وتصّدقون ما تقولون, وتعيشون في وهم الصدق الذي نسجتموه من حولكم ..
أن نكذب ,أمر معقول!! لكن, أن نعتقد صدق أكاذيبنا أمر عجب!
لذا قررت الرحيل من عالمكم, لا أعرف إلى أين؟ قد يكون تحت الماء أو في الهواء, أو في أي مكان لا أجد فيه أقنعة للكذب مرسومة ..
سأرحل لأبحث عن ذاتٍ غير ذاتي ,قد تكون أكثر طهراً وصحبٍ غير صحبي, قد يكونون أكثر نقاء ووفاء..
فهل هناك من سيرافقني لأبحث عن ذاتي في دنيا الكذب.
***إضاءة***(1/23)
قال تعالى(( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)) التوبة : 119
********************
هل ترقب معي باكورة الثمر !
ما أجمل أن يرى الواحد منا باكورة ثمره!
وخصوصا إذا كان ممن يحمل نفسا حريصة على الرعاية والعناية لتلك البذرة حتى أصبحت شجرة يانعة مورقة ثم غدت بعد ذلك ثمرة وهو الآن يقف لينظر باكورة الثمر!
يا ترى أي سرور يحمله في نفسه ! إنها صورة لسرور حقيقي يجعل النفس تشرق بالفرح والرضا فتستجيب كل ذرة من ذرات تلك النفس معبرة عن ذلك السرور.
ألا ترى معي الفلاح حين يرقب زرعه يوما بعد يوم وحين يرى باكورة ثمره ترى شفتيه فجأة تنفرج عن ابتسامة عظيمة تعبر عن سرور خرج ليعبر وبصدق عن عظم ذلك الشعور في نفسه!
إنها ثمرة ! أي ثمرة !! ربما تكون ثمرة لا تحتاج في رأينا كل هذا السرور وهذا الانبساط.
لكننا في الحقيقة لو تأملنا لعلمنا أن هذا السرور لم يكن بسبب الثمرة, بل كانت تلك الثمرة صورة,نعم صورة ! صورة للنجاح في أبهى حلة ! صورة رائعة مطمئنة لتحقيق الهدف الذي سهر عليه صاحبه ليال طوال عله يظفر بنتيجة مرضية !! وقد ظفر!!
إنها كذلك شعور بنشوة النصر والتغلب على الصعوبات والمعوقات في تحقيق الأهداف ، وكلنا يعلم أن تحقيق الأهداف لا نصل اليه ونحن نسير على أرض مفروشة بالورود والرياحين! ألستم معي في ذلك؟!
كذلك هي صورة مشرقة ومهنئة للنفس على صمودها وعملها الدؤوب وعدم الاغترار بالصور السيئة لكثير من البطالين الذين يحصون النتائج في لحظة قبل الشروع في العمل وحين لا تستهويهم النتائج يعرضون عن العمل وينتهون منه قبل أن يشرعوا فيه!
وكذلك هي صورة مشرقة في أن العبرة بالنهاية وإن شقت وعسرت البداية.
وأخيرا.. هي صورة لشعور النشوة والفرح الذي لا يضاهيه شعور في النفس الإنسانية حين تمسح النهاية المرضية عرق جبين البداية المضنية!
********************
هي الحياة ألوان(1/24)
بين تلك الجموع البشرية المكدسة التي علت أصواتها..وكثر لغطها جلس ينظر إليهم بصمت..
وهو يتوسط تلك المنضدة ليقابل رئيسه العام والذي أخذ يبادله الابتسامات كأنه يراشيه أن يحظى بشيء من التأييد والتأكيد على كل فقرة من فقرات الاجتماع ..
شبح ابتسامة كان يظلل تلك الشفتين الدقيقتين ليرسم صورة روح باهتة المعالم حملت بقايا جسد لتلقي به في تلك المحرقة البشرية..
أخذ بصره يتفرس في تلك الوجوه الحاضرة عله يقطّع تلك الساعات الطوال التي أعملت فرياً في جسده وروحه..
فإنذار الصداع بدأ يدق أجراس الخطر..وعصافير بطنه بدأت بالزقزقة لتعلن عن فري لمعدته تستجديه أن يرحل ويتركهم يتقاسمون همومهم إذ لاهم له بينهم..!!
ماالذي جاءبك إلى هنا؟؟
هذا ليس مكانك؟؟
وهنا ليست همومك؟
ألا تراهم يتقاتلون ليبرزوا!!
ألا ترى الحقائق تذبح بسكين الزيف!!
ألا ترى كيف رسمت الظواهر بفرشاة ملونة لتسحر عين الناظر بكل جميل ، والأفواه تخرج حمماً من غيظ وحنق وحسد!!
صوت قطع عليه حديثه مع نفسه. ." ماهي مشاريعكم ماذا قدمتم"؟؟
نريد إبداعاً ..نريد تميزاً..نريد أن تبرز أعمالنا ويتحدث عنها الجميع!!
وأصوات أخرى تعلو لتعاضد هذا الصوت..ويكثر هذا اللغط ..
ويختنق بأنفاسهم الملونة..ويضيع صوته الضعيف بين تلك الأجساد اللاهثة ..
وتلك الأصوات المزعجة..
ولكنه أخذ يرفع صوته لينفذ في جموعهم المتهافتة على حطام..لتخرس كلماته زيفهم...
" هل تريدون إخلاصاً"..!
**إضاءة..**
" من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً"الإسراء:18
كلٌ يسعى ليحصل من دنياه حطام..ينافس غيره فيه وربما تقاتل معه عليه..
لكنه قد يحصله وقد لا يحصله.. فلا تفني عمراً في جمع هباء..وتخرج من دنياك مفلساً..
********************
كن كالنجمة ألقا
ارتفع بنظره إلى السماء وهو يرقب ذلك البريق الساحرالذي ينفذ إلى قلبه بسكون(1/25)
لتلك النجمة التي توسطت مثيلاتها..لتظهر ألقاً وجمالاً ساحراً عجيباً يأخذ بالألباب..
إزدادت تلك النجمة توهجاً ولمعاناً ..فازداد لها تأملاً وبها إعجاباً..
كانت تفوق أقرانها كثيرا ًولم يكن يثني عزمها شيءعن المضي نحو الهدف..
كم كنت أعجب لتلك النفس الزكية ( أحسبها والله حسيبها)..كانت أمة لوحدها..أمة في الإخلاص والألق..تتفرد بذلك الشيء الساكن في قلبها عن غيرها لتضيء دوماً...
تمر من أمامك فترى لريح الإخلاص عبقاً..ولمناجاة المحبين أثراً ينفذ إلى أعماقك تدرك حقيقته ..لكن لا تمسك به..فهو شيء خفي..أخفى من الخفاء..
أشعر بسكونٍ يجتاحني ليعيدني إلى مكاني حين أراها..تمضي في طريقها لا تأبه بأحد ...صابرة..مثابرة ..
تسعى نحو هدفٍ واحد هو رضا مولاها جلّ وعز...
كل يتحدث عن نفسه فتسمع لغطاً من الأصوات الممجوجة تعتلي
إلى الأعلى لتنافس تلك النجمة..لكن هيهات..ليس الأمر بالدعوى..
النجوم الكاذبة لابد أن تأفل ...أو تسقط لتحترق هي وحدها..
أما هي فكانت السكون متجسداً في صورة إنسان ...
يُسمعك صوت الإخلاص الخفي ويروي لك حكايته دون أن تنبس ببنت شفة...
وتغوص في أعماق تلك الأحداق لترى روحاً قد أذيبت تحت كير
الامتحان..
لكنها لم تهوي..بل زادتها الأيام صلابة وقوة، وهكذا هو المؤمن نقاء،وصفاء وألقاً وصلابة..
ليتنا نكون كتلك النجمة ألقاً وبهاءً وعلواً..؟؟!!
ليتنا!! ليتنا!!!
********************
لا أحسن العد !
لم أكن لأحسن العدّ يوماً..وكان والدي يحسنه ويتقنه..حاول أن يغرس فيّ حبّ العدّ فدوماً تبوء محاولاته معي بالفشل ، فبقدر ما كان يحبّ الحساب والعدّ بقدر ما كنت أمقته.. وكنت أتعجب كيف يطيق حب ّ شيءٍ بغيضٍ كهذا..
وكأنه يؤكد لديّ قناعة بعدم جدوى مثل هذه الأمور التي كان في ذهني إذ ذاك أنها لاجدوى منها..
وأكبر وتكبر أيامي وأعوامي , وتمتليء بما يحتاج للحساب والعدّ فأقف عاجزة وأتذكر تلك الأيام..(1/26)
فيفر مني كلّ شيءٍ أحاول إحصاءه وعدّه..وتزداد فوضى أدراجي..وأفكاري..
وتتكدس..المواقف..والصور ..في ذهني طابوراً مقيتاً يلح عليّ بأن أمارس هواية العدّ والإحصاء..
فيطول وقوفي..ويطول وقوف طوابير المنتظرين..
ويشرد ذهني من عالم الفوضى المحيط بي لأبحث عن سكون فتحلق نفسي مع آي الكتاب فأقف مستعبرة عند قوله تعالى :"وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها"(1)
يا الله ..العدّ..من ورائي ومن أمامي وهاهو قد أحاط بي أو قارب..
يا للعجز كيف أعد؟؟
أنا لاأحسن العدّ..!!
فلأحاول أن أقلب فكري في تلك النعم..
من أين أبدأ؟؟
في سمائه..أم أرضه..أم في نفسي..أم في خلقه.. في نعم الدنيا ..أو نعم الآخرة
في حفظه..أم لطفه أم علمه..أم حكمته ؟
تاه مني العدّ وتعثرت كثيراً فلم أحسن عدّ الصبية.. وارتعد الفؤاد وجلاً..لبلادة شاكر..وقصور عاجز كسول..
وتفر نفسي..إلى ملاذ..لأخرج من دنياي.. إلى دار أقامت بها ركائب السابقين..
لأسمع حديثهم..ونجواهم..وأرى سروراً قد رسم على محياهم لتشرق وجوههم بالنور ..
فقد فازوا..وأدركوا.. وتلفت بصري لأرى هناك من حبس عنهم..وحجب عن رؤيتهم .." قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين "(2)
فأخطأوا الجواب؛ لأنهم لم يكونوا يحسنوا العدّ في دنياهم مثلي..
فاستوى الزمان عندهم..
ففرطوا وقصروا ولم يستدركوا " قالوا لبثنا يوماً أو بعض يومٍ فسئل العادّين "(3)
********************
إلى اللقاء
وأنا أصعد بنظري المتعب, لأصل إلى ذلك الوجه الباسم..خيل إلىّ أنني أرى الشمس ماثلة أمامي ..فهي نور شمسٍ أشرق وأنار..وهي شمس نور غطى بخيوطه الذهبية المكان فملأه بهجة ونضارة...
كأنك ترى الحياة في مبادئها وأنت تنظر إليها فيحيط بك الأمل لولا تلك العينين اللتين رسم عليهما الحزن جدائل من ذهبٍ فأبعدك بالجمال عن أن تواصل النظر...(1/27)
ليلقي بك في جب هموم وأحزانٍ لا تنقضي لكنني نفذتُ إلى أغوار تلك النفس الطيبة..والتي غَشتني بطيبتها حتى نفذت إلى الأعماق..
كنتُ أشعر بنسيمٍ عذب يحوطني...رغم أنني التي استلمت دفة الحديث فأبحرت عنها بعيداً...
لكنها كانت معي... قريبة جداً.. لها نكهة خاصة..لا أعرفُ لها وصفاً لكنها تدغدغ الأعماق فتشعرني بشبابي المنصرم..والذي اتكأ على عكازة الألم...
أفكار ...وهواجس كثيرة كانت تحاصرني...تقلقني...كيف سيكون اللقاء...؟؟
لقاء الخريف بالربيع...
وكعادتي اختصرتُ تلك الفوضى العارمة في رأسي الكبير... ومضيت أعيش لحظات اللقاء...
كنت أريد عمراً جديداً ...أضيفه إلى عمري...أمتد به من خلال غيري ...فأطل على الحياة من سطح القمر أومئ للأرض أنني سأعود...
لم أشعر بالغربة أبداً...
خشيت من فرار الروح...ووحشة المقام... وكم تستوحش الأرواح من الجسوم...فتتطاير وتتلاشى بعيداً..
لاشك أنني أعرفها... في مكانٍ ما التقيتها.. ترى ما الذي جمع؟؟!! ما الذي جعل الحروف لا تتعثر!!
ما الذي جعل الروح تنفذ بعيداً فتخترق الجسوم والأغوار المظلمة..؟؟
ما الذي جعل الأنس يهدهد على تلك الروح المغتربة..فيعدها بالأمل...
لحن السعادة الذي كانت نفسي تسمعه ...جعل الوجود المقيت جميلاً..مشرقاً...مضيئاً..
تقاسمنا الهموم ...والآمال .......وإن لم نتحدث كثيراً..
وتعاهدنا على المضي في هذه الحياة ..ندفع آلامنا وأحزاننا
ولا نتوقف...أبداً....
وكان فراقنا ....إعلان لقاء.... لقاء الأرواح في عالم الخلود...
فإلى اللقاء أيتها الحبيبة...
رحلت ولم أقلها... لأنني خشيتُ الألم ....
********************
على ضفاف نهر الحياة
على ضفاف نهر الحياة التي تتضجر من كل ساكن...
وقفت أنظر إلى صورتي الباهتة التي انعكست على صفحة الماء الصافية..
نظرت إلى تلك الصورة الساكنة التي بدت واضحة جداً..وكأن ماء النهر الزجاجي أكسبها وضوحاً وشفافية أكثر من الحقيقة...
نعم!!(1/28)
هذه أنا ، هذا وجهي . هاتان العينان لي ..إنهما تنظران إلي وكأنما تريدان سبر غوري والغوص بداخلي...
وهذه ابتسامتي الشاحبة التي لاتكاد تعطيك إلا انطباعاً واحداً عن هذا الشخص الذي تراه ....وفي كل الأحوال تخرج باستنتاج واحد ...خلافاً للحقيقة القابعة
في داخل تلك النفس المنزوية ...
ذلك الوجوم الذي أراه ماثلاً في تلك الصورة المنعكسة... يكاد يقتلني ...
كأنما تآمر هو وكل شيء علي.. ليشعرني بالسكون والوحشة..والغربة.
هدوء يسيطر على المكان.. رغم الضجيج في الجهة الأخرى من عالمي ..
كلما ازداد الضجيج في الجهة المقابلة....يزحف الهدوء المقيت إلى نفسي...
شعور بالملل يخنق كل صوت للحياة في نفسي..أكاد أختنق...
كل ماحولي يوحي بالسكون.. سكون ٌقد يحلم به من يريد الهروب من ضجيج المدينة..بل من ضجيج نفسه ومعاركها الطاحنة مع أعدائها..
ولكني.. ولكني .. ملل......
( دون أن أشعر...قطع تلك الحيرة.. صوت حجر صغير..سقط في النهر ليخترق صفحة الماء فينفذ إلى العمق..ويبدد السكون)......
بعثر ذلك الصوت سكوني وقطع حبل أفكاري المحتضرة... حدثت نفسي...( لم لا أتقدم قليلاً لأنظر ما يحدث)
لامست أقدامي برودة الماء ...
آآآآآآآآح...كم هو بارد!.. برودة الماء أنستني ذلك الصوت ...ولكن..
ولكن ، لا بأس من المحاولة ، سأحاول ...
أمسكت بحجر صغير... وتركته يسقط في الماء...ليخترق تلك الصفحة الزجاجية...
ويكسرها...بل يهوي بها إلى مكان مجهول....
يا الله ..جميل.. كم هو جميل صوته!
حجر آخر أكبر من الأول ..ألقيت به .....وبقوة ...لأرى صفحة الماء تهتز...
وترتعش لتصنع دوائر جميلة...فترتعش معها نفسي الذابلة...
وصوت الماء يكاد يبلل كل عرق عطشٍ في نفسي....
فيجعل شراييني تتدفق بالحياة...كأنني أسمع تلك الضجة داخلي... أكوام من الأحجار تمكنت من جمعها ...
سأحاول الآن ...دون توقف!!(1/29)
بسم الله..هذا....وهذا...وإليك بهذا... يا الله !!.صوت الماء يعلو....ويرتفع وتتحرك ..صورة وجهي الواجم ..
وتضطرب... لتبتعد مع تلك الدوائر التي صنعتها حجارتي...
سأحاول مرة أخرى..
حسناً إليك يا نهري الصغير بهذا الحجر...وهذا ...وهذا.... ويرتفع صوت الماء...ويبدد السكون....ويتناثر رذاذ ماء النهر ليبلل وجهي وثيابي....كأنني أسمع ضحكات تشاركني غمرة السعادة التي أشعر بها...
لن أتوقف...
هذا....وهذا ...وهذا...يرتفع صوت الماء..ويعلو...ليعزف على كل نبض كاد
يتوقف في نفسي....أعذب الألحان....فيشعرني بدفق الحياة..نعم أشعر به...
أنا لا أحلم...أشعر به من حولي...
يا الله...المكان يضج بالحياة ....أنا لست وحدي...أنا لست وحدي ...هل تسمعون
أنا لست وحدي ...بل كل الكون معي ...ينشد معي....هل تسمعون !!؟
هل تسمعون ؟؟
أنا لست وحدي.....
لست وحدي !!
********************
وضاع الجواب
بشيءٍ من التردد أخذ يتلمس وجهه الحزين ...
رهبة طاغية أمسكت بكفه لتثنيه عن تحسس تلك الندب التي خلفتها الأيام ..فأحالته صورة مختلفة...!!
صرف نظره هروباً عن التحديق في تلك الندب المروعة التي كانت تهم بأن تجتر قصة للبداية...
من ذاكرة الزمن..
ليزداد خفقان القلب وتعلو ضرباته ، فكأنما قرعت طبولاً مزعجة.. حين التقت عيناه بعينيه..
تمنى أن يموت في تلك اللحظة فراراً من تلك النظرات الشاردة القلقة...التي تحكي
قصة مأساة آثرت إلا أن تعلن مواجهة !!
كانت نظرته هذه المرة تختلف تماماً عن تلك النظرات المطمئنة التي كان يعرفها من نفسه في سالف أيامه..
ترى ما الذي حدث؟؟
أتراها الروح تسطر شكواها!!
أتراه القلب يرفض استسلامه!!
شعر بقلق يكتسح وجوده وكيانه.. فكأنّما يحاول عبثاً في اللحظات الأخيرة أن يزلزل الأرض من تحته ليمارس تشتتاً وضياعاً آخر عليه...
فكأنما ينذره بضياع آخر....ليشعل في وجدانه المستسلم صراع رغبة في بقاء
ومحاولة بداية.....(1/30)
كريشة في مهب الريح مزقتها الريح تقلباً... تبحث عن وطن.. تستقر فيه بعد طول عناء... ترى أين ستقع...؟؟
سأل نفسه..
عاود النظر مرة أخرى إلى وجهه الخالي من صورة الحياة
ليرى تلك الندب الغائرة عمق جروحه...!!
بشيء من الجرأة التي تتعلق بحبل نجاة...في آخر نفسٍ يلفظ...
اقتحم حاجز الخوف والهيبة واعتلاه ليجاوزه إلى بقعة فسيحة يكتسح النور فيها حجاب الظلمة فيشققه...ويمزقه..
أعمل أصابعه متلمساً عمق الجرح.. بأطراف أصابعه الدقيقة تحسس.. فكأنما طالت قلبه تحسساً لقروحه..
نفذ إلى عمق الجرح..
فتألم ...وازداد الألم القابع في بئر الصمت...وازداد أنينه..
ندت عن شفتيه صرخة تأوه ممزوجة بعجب..خيّل إليه أنّ صداها بلغ الأفاق..
آآآآآآآه ما أعمق الجرح !!
وما أشد عمقه حين نصنعه نحن بأنفسنا..ولانفطن إليه !!
شعورٌ بالتقزز والرهبة امتلأت به نفسه حين عاود النظر إلى صورة نفسه المنعكسة على المرآة...
صوت صفق باب الحجرة... قطع عليه ذلك التأمل المندهش المستغرق حدّ الغياب..
ترى ما الذي أخافه وأفزعه !؟
********************
ميلاد
أفكارٌ ثائرة تصدر طنيناً في رأسه.تعبثُ براحته...
تعلو أزيزاً وتنخفض طنيناً .. حتى ... بات لا يستطيع لرأسه حملاً...
كم كان يتمنى أن يوقف تلك العجلة الماضية بحزم لتطحنه طحناً وتسحقه سحقاً ..ليكون لاشيء..!!!
لكن قلباً في داخله كان ينبض من بين تلك الأكوام ,يتعلق ببقيةٍ من أمل..
و يُطلّ برأسه ينازع بقية من روح أن ترحل وتتركه..فهو يعشق الحياة..
الحياة..! كلمة كان يحب أن يعيشها بعمقها الحقيقي الذي تعنيه.. ولذلك كانت روحه تطمح لحياة سرمدية أبدية لا يعكر صفوها شيء ولا يقلق راحتها أمر..
أتراه يجدها..!!؟؟
كان هذا السؤال يمرّ كالطيف يزوره وهو لاهٍ في دنياه اللاهية بصخب.(1/31)
فينسل من فرحه المصطنع -والذي عبثاً كان يحاول أن يصنعه ويرسمه لمن حوله في ابتسامة ربيعية لا تعرف من الحياة إلا معنىً واحد هو الأنس واللهو..أو ضحكة يهتزّ لها المكان حين تجلجل..لتصنع قناعاً مزيفاً للسعادة الوهمية التي ينجح كثير من البشر في صنعها وخداع الناس بها..
ليصطدم بغمامة تمر مسرعة تدفعها رياح الوحشة لتكدر صحو يومه وتعكر صفو ماءه..
ليت دموعه كانت تغسل ذلك الشعور الذي يشعره بغربة نفسه عن نفسه ولكنها كانت تتأبى عليه لتعلن عليه حرباً ضروسا لتدمّر بقايا أمنٍ في بقايا نفس...!!
خيّل إليه أنه نفوسٌ تتصارع في نفس..!! كان لا يملك إلا أن يفرّمن ذلك الصوت الخفي الذي داوم طرقاً على فطرته السوية والتي تبحث عن حياة حقيقة عارية من الألوان البراقة..والزائفة ... كم كان يتمنى أن يجيب ذلك النداء القابع في زوايا نفس لم تحسن فك رموز لغة كانت تداوم طرقاً على شعوره..
وكم كان يشعر باختناق ورغبة في البكاء..!!
بل ربما مرت به أيام كان يحادث نفسه بعد لهوه..وعبثه.. هل هذا أنا؟؟!!
وكحلقة أخذت في اقتراب على عنقه وهو يراها تهمّ بإزهاق الحياة التي كان يحبها ويعشقها..أخذت تقترب وتقترب حتى أطبقت على عنقه لتجهز عليه...ثارت أنفاسه..وأطبق على صدره..ودمعت عيناه وهو يرى أنه سيودعها..نعم سيودع الحياة..لكن إلى حياة أخرى..!!
أتراه كان يحلم بتلك الحياة التي سيرحل إليها...!؟
وكأنما أبصر لأول مرة...وكأنما اخترق ببصره أنواراً كاشفة..
وفي لحظة من الزمان غير منسية..مرّ ذلك الطيف الآمل كبرق لامع ليوقظ الأمل في نفسٍ يائسة ...فكان ميلاد روحه التي تحررت من آصارها وأغلالها..وأخذت ترفرف وترفرف ....وترفرف إلى علو ٍلتكون بامتداد الأفق سعةً..
خيل إليه أن قلبه كاد ينخلع وجداً ....وشوقاً إلى تلك الحياة الحقيقية...(1/32)
هبت نسائم السحر الباردة العذبة لتحمل ذلك القلب على كفيها بعيداً ليحلق علواً..ويتعلم لغة جديدة ...لم يكن يحسنها من قبل..إنها لغة مناجاة..
استجمع بقية من قوة..وخرج صوت الوليد عذباً شجياً ليخترق الغمام يا رب...!!
يا رب!
يا رب..!!
قالها بعمق آلامه وجراحاته ...فاستنارت منه الروح وانقشعت عن سمائه سحب الغفلة...
لتودع الموت ، و تؤذن بميلاد ....حياة..
********************
الفهرس
التسلسل
الموضوع
الصفحة
1
المقدمة ..........................................
2
2
الإهداء ........................................................
3
3
كلمة الكاتبة ........................................................
4
4
أطياف ملونة ...........................................
5
5
فلسفة الحب ...........................................
7
6
حبال الأماني ...........................................
9
7
الصدق منجاة ......... ...........................................
10
8
وانفرط العقد ...............................................
12
9
بشائر كريم ...........................................
14
10
حين نمارس الخداع ...........................................
15
11
ليلة قمرية ...........................................
17
12
ليلة موحشة ...............................................
21
13
سكنات ليل .............................................
23
14
لحظة حياة ....................................................
24
15
جناح بعوضة .....................................................
26
16
كفي يا نفس! ...................................................
28
17
اختراق قاتم .. سحاب .. ........................................
30
18
أقدم ولن ينافسك أحد غيرك .................................
32
19(1/33)
أشرقي يا شمس بداخلي .........................................
33
20
جنون لحظة ................................................
35
21
رسالة من تحت الماء ...........................................
37
22
هل ترقب معي باكورة الثمر...........................................
39
23
هي الحيات ألوان .....................................................
41
24
كن كالنجمة ألقا ............................................
43
25
لا أحسن العد...........................................
45
26
إلى اللقاء .....................................................
47
27
على ضفاف نهر الحياة ........................................
49
28
وضاع الجواب ..................................................
52
29
ميلاد .........................................................
54
30
الفهرس ..................................................
56
??
??
??
??
- 16 -
إشراقة حرف عطاء
- 56 -
إشراقة حرف عطاء(1/34)