|
( إسهامات أفراد المجتمع )
إعداد : د.عبدالمحسن بن عبدالله الزكري
القاضي بديوان المظالم والمشرف على إدارة الدعوة بالندوة العالمية للشباب الإسلامي والمشرف على فرع جمعية البر بحي الروضة وعضو الجمعية العمومية وعضو المركز الخيري لتعليم القرآن الكريم بالرياض
تم استيراده من نسخة : المكتبة الشاملة المكية
المملكة العربية السعودية
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض
الملتقى الثالث للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم
المحور الرابع
(إسهامات المجتمع في دعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم – الواقع والمأمول -)
(أ . إسهامات أفراد المجتمع)
إعداد د.عبدالمحسن بن عبدالله الزكري
القاضي بديوان المظالم
المشرف على إدارة الدعوة بالندوة العالمية للشباب الإسلامي
المشرف على فرع جمعية البر بحي الروضة وعضو الجمعية العمومية
عضو المركز الخيري لتعليم القرآن الكريم بالرياض
مقدمة البحث
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد:
(1/1)
فقد شرفت بالمشاركة في الملتقى الثالث للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بهذا البحث المتواضع (إسهامات أفراد المجتمع في دعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم) والتي بحمد الله نراها ظاهرة ومؤثرة في بلادنا ونراها في البلاد الأخرى بشكل أكثر ظهورا وذلك لما حظي به تعليم القرآن الكريم من اهتمام الدولة وقيام جمعيات ومؤسسات تتولى خدمة كتاب الله ، فمدارسنا ودور التعليم الحكومية أو الأهلية تتضمن مناهجها دروسا لتعليم القرآن ، والجامعات الإسلامية وكليات التربية والمعلمين تتضمن كليات أو أقساما لتأهيل معلمي القرآن ، الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض وأمثالها في المناطق الأخرى تسهم في تعليم القرآن من خلال الحلق المنتشرة في مساجدنا ولله الحمد ، ولاشك أن هذه الجهود مهما عظمت إنما هي تمثل تكاتف أفراد المجتمع واستشعار كل منهم لمسؤوليته عن فرض الكفاية وطلبا منه للثواب الجزيل والخيرية التي وعدها الله من تعلم القرآن وعلمه وفي هذا البحث نعرض إلى شيء من إسهامات الأفراد المباركة في نجاح تعليم القرآن على وجه العموم وفي دعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم على الخصوص .
نسأل الله لنا التوفيق والسداد.
د.عبدالمحسن بن عبدالله الزكري
الرياض يوم السبت
الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض
الملتقى الثالث للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم
المحور الرابع (إسهامات المجتمع في دعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم – الواقع والمأمول - )
(أ.إسهامات أفراد المجتمع)
خطة البحث
1- مقدمة البحث.
2- تمهيد يتضمن فضل القرآن وتعلمه وتعليمه.
3- وجوب تعلم القرآن وتعليمه وأنه من فروض الكفايات على الأمة.
4- ضرورة الجمعيات والمؤسسات التي ترعى تعليم القرآن ونشره
5- أهمية القرآن في المحافظة على هوية الأمة وأبنائنا وخاصة في هذه الفترة.
6- أهمية القرآن في المحافظة على السلوك والتوجه العام للمجتمع.
(1/2)
7- دور الأفراد ومسؤوليتهم في النهوض بهذا الفرض.
8- دور العلماء .
9- دور التجار وأصحاب الأموال.
10- دور الآباء والأسر .
11- دور أفراد المجتمع (إمام ومؤذن المسجد – أهل الحي – المدرسين في المدرسة – أفراد وسائل الإعلام – الجامعات ومنسوبيها - ......)
12-
التمهيد : فضل القرآن وتعلمه وتعليمه
القرآن الكريم منهج الله الذي اختاره لختام حياة البشرية على الأرض وأنزله على خاتم الرسل محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - ونبه نبيه وأمته على عظم أمانة حمله وتبليغه وأمانة العمل بحكمه وتأويله فقال- عز وجل - { يا أيها المزمل - قم الليل إلا قليلا - نصفه أو انقص منه قليلا - أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا - إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا } [ المزمل 1- 5 ] وجعله الله سببا لرفعة الأمة التي أنزل بلسانها عن هي أدت أمانة حمله ورفعة لكل من رفع به رأسا من أمم الأرض { وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون } [ الزخرف 44 ] فهي شرف وذكر وهي أيضا ذكرى ومسؤولية ، ولذلك يتكرر علينا في القرآن التحذير من قسوة القلوب لطول الأمد عليها وغلبة الرَّان { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون } [ الحديد 16 ] والقرآن يرسخ عبودية المخلوق للخالق وينقذها من المناهج الأرضية التي ترسخ عبودية المخلوق والشرك بالخالق { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } [ آل عمران 79 ] ، ولما كان العلم ينتشر بنشر العلماء له ، ولاعلماء دون تعلم ومدارسة ، ولا تعليم دون صبر ومصابرة ، ولا نجاح لعمل دون تصدِّي فئة منتخبة مهيأة للقيام به ورعايته ، فقد أوجب الله انتداب طائفة لرعاية فروض الكفاية { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون
(1/3)
بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } [ آل عمران 104 ] ، وفروض الكفاية فيما يتعلق بكتاب الله لا تقتصر على تعلم قراءته وحفظ ألفاظه فقط ، وإنما أعظمها تدبره وفهمه ليتلوا ذاك العمل { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب } [ ص 29 ] أي فليتدبروا وكذا قوله تعالى { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } [ النساء 82 ] أمر بالتدبر والفهم لآيات الله ، ولاشك أن تفهيم كتاب الله للأمة واجب العلماء وهي يجب عليها الجلوس لهم والإنصات لقولهم وإزالة عوائق الفهم من قلوبهم وفك الأقفال التي تحول دون ذلك { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } [ محمد 24 ] ولما كانت الأمة لا يتمكن جميع أفرادها تحصيل تمام الفهم أو ما يجزئ من العلم وجب على من آتاه الله أدواته ويسر له أسبابه أن ينتدب نفسه لتحصيل العلم ثم تعليمه للناس ويكون من ضمن الفئة التي يتأدّى بها فرض الكفاية ولها الشرف وعليها وزر التقصير والانحراف { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } [ التوبة 122 ]
وما أحوجنا إلى العودة إلى بيوت الله ننطلق منها في عبادتنا وتربيتنا ، وتعود إليها منزلتها التي أنزلها الله من الأرض فهي أحبُّ البقاع إلى الله ، وهنيئاً لمن قلبه معلق بها حيث يستحق منزلة التظليل بعرش الله يوم لا ظلّ إلا ظله { الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم - في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال } [ النور35- 36 ]
(1/4)
وجمعيات تحفيظ القرآن لها الفضل بعد الله في استمرار حلقات التحفيظ في مساجدنا وتطويرها والرقي بمستواها وتشجيع أبنائنا على الالتحاق بها فهنيئا لنا بها وهنيئا لها بكل مؤمن علم فضلها وأثرها فآزرها وكان معينا لها في أداء رسالتها طلبا للخيرية واستجابة لأمر الله بالتعاون على البر والتقوى { .... وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب } [ المائدة 2 ]
ثانياً: وجوب تعلم القرآن وتعليمه وأنه من فروض الكفاية على الأمة.
أُمِر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإبلاغ القرآن وتعليمه لأمته فقال- عز وجل - { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك .... } [المائدة - 67] قال القرطبي رحمه الله في تفسيره(1)[1])بعد أن ساق الأقوال في معناها :" والصحيح القول بالعموم قال ابن عباس- رضي الله عنهم - المعنى : بلغ جميع ما أنزل إليك من ربك فإن كتمت شيئا منه فما بلغت رسالته ، وهذا تأديب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتأديب لحملة العلم من أمته ألا يكتموا شيئا من أمر شريعته وقد علم الله تعالى من أمر نبيه أنه لا يكتم شيئا من وحيه وفي صحيح مسلم(2)[2]) عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : من حدثك أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - كتم شيئا من الوحي فقد كذب والله تعالى يقول { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته .... } ، وقبح الله الروافض حيث قالوا إنه - صلى الله عليه وسلم - كتم شيئا مما أوحى الله إليه كان بالناس حاجة إليه".
__________
(1) - الجامع لأحكام القرآن عند تفسيره لسورة المائدة آية 67
(2) - صحيح مسلم برقم 177 بسنده عن الشعبي عن مسروق قال : ( كنت متكئا عند عائشة رضي الله عنها فقالت يا أبا عائشة ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية قلت ما هن قالت ..........)
(1/5)
وأًمَر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته بإبلاغ الدين كل قرن لمن يلونهم ليستمر البلاغ ويدوم قيام الحجة على الناس وتبين لهم المحجة فقال- صلى الله عليه وسلم -:( بلغوا عني ولو آية) (1)[3])وقال (وليبلغ الشاهد الغائب) (2)[4]).
__________
(1) - صحيح البخاري برقم 3274 عن عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار )
(2) - صحيح البخاري باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب قاله بن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - برقم 104 صحيح مسلم باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال برقم 1679
(1/6)
ومما ورد في السيرة أن الأشعريين قوم أبي موسى الأشعري - رضي الله عنهم - أنعم الله عليهم بتعلم القرآن قبل غيرهم وسبقهم فيه حتى إنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعرف منازلهم من منازل غيرهم بصوت القرآن لهم دويٌّ كدَوِيِّ النَّحل ، فعن أبي موسى- رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار ومنهم حكيم إذا لقي الخيل أو قال العدو قال لهم إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم) (1)[5])وكانت حولهم في بلادهم بعض قبائل العرب ممن اسلم بعدهم ولم ينل حظا وافرا من تعلم القرآن فأنذر النبي - صلى الله عليه وسلم - قوم أبي موسى - رضي الله عنهم - وأمهلهم عاما ليقوموا بواجب الإقراء لمن حولهم من القرى والبادية فعن عبد الرحمن بن أبزى - رضي الله عنه - قال خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فأثنى على طوائف من المسلمين خيرا - ثم قال – (ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم ولا يعلمونهم ولا يعظونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم! وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتعظون! والله ليعلِّمن قوم جيرانهم ويفقهونهم ويعظونهم ويأمرونهم وينهونهم وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتفقهون ويتفطنون أو لأعاجلنهم العقوبة ، ثم نزل فقال قوم من ترونه عني بهؤلاء؟ قال الأشعريين ، هم قوم فقهاء ولهم جيران جفاة من أهل المياه والأعراب ، فبلغ ذلك الأشعريين ، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا يا رسول الله ذكرت قوما بخير وذكرتنا بشر فما بالنا؟ فقال لَيُعَلِّمَنَّ قومٌ جيرانهم وليفقهنهم وليفطننهم وليأمرنهم ولينهونهم ولَيَتَعَلَّمَنَّ قوم من جيرانهم ويتفطنون ويتفقهون أو لأعاجلنهم
__________
(1) - صحيح البخاري برقم 3991 صحيح مسلم 39 باب من فضائل الأشعريين - رضي الله عنهم - برقم 2499
(1/7)
العقوبة في الدنيا ، فقالوا يا رسول الله أنفطن غيرنا؟ فأعاد قوله عليهم وأعادوا قولهم أنفطن غيرنا؟ فقال ذلك أيضا فقالوا أمهلنا سنة فأمهلهم سنة ليفقهونهم ويعلمونهم ويفطنونهم ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود } الآية ) (1)[6])
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتولى بنفسه تعليم القرآن لأصحابه فرادى ومجموعات ويستقرئ أحدهم ثم يثني عليه بما يستحق ويحث البقية على القراءة على قراءته وهو ما يسمى بالإجازة في هذه العصور.
__________
(1) - مجمع الزوائد ج: 1 ص: 164 باب في تعليم من لا يعلم وقال [رواه الطبراني في الكبير وفيه بكير بن معروف قال البخاري إرم به ووثقه أحمد في رواية وضعفه في أخرى وقال ابن عدي أرجو أنه لا باس به]
(1/8)
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - منذ الوهلة الأولى وفي أول لقاء له بجبريل عليه السلام كان الإقراء والقراءة فعن ابن شهاب أن عروة بن الزبير أخبره أن عائشة- رضي الله عنهم - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: (كان أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يلحق بغار حراء فيتحنث فيه قال والتحنث التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فجئه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال اقرأ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال أقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال { اقرأ باسم ربك الذي خلق - خلق الإنسان من علق - اقرأ وربك الأكرم - الذي علم بالقلم - - الآيات إلى قوله - علم الإنسان ما لم يعلم } - فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع .... ) (1)[7])
__________
(1) - صحيح البخاري برقم 4670
(1/9)
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يولي النابغين في القراءة اهتماما خاصا فأحيانا يقرا عليهم وحينا آخر يستمع على قراءتهم ، بل ربما سمى الله له منهم أحدا ليقرا عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما حصل مع الصحابي الجليل ابي بن كعب - رضي الله عنه - فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي : (إن الله أمرني أن أقرأ عليك! قال آلله سماني لك؟ قال الله سماك لي ، قال فجعل أبي يبكي) وفي رواية أخرى عند مسلم أيضا : ( إن الله أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا .....) (1)[8])
وطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود أن يقرأ عليه شيئا من القرآن ثم أعلن وساما له في إجازته بقراءة القرآن غضا طريا كما أنزل.
فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (اقرأ علي القرآن قال فقلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل! قال إني أشتهي أن أسمعه من غيري فقرأت النساء حتى إذا بلغت { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } رفعت رأسي أو غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل) (2)[9])
وهنيئا للصحابي الجليل عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - شهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - له وحث الناس على التعلم منه والقراءة على قراءته ولعلها أول إجازة في القراءة يحصل عليها قارئ.
__________
(1) - صحيح البخاري باب مناقب أبي بن كعب رضي الله عنه برقم 3598
و صحيح مسلم باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل والحذاق فيه وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه برقم 799
(2) - صحيح البخاري باب البكاء عند قراءة القرآن برقم 4768
صحيح مسلم باب فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظ للاستماع والبكاء ثم القراءة والتدبر برقم 800
(1/10)
فعن عبد الله أن أبا بكر وعمر - رضي الله عنهم - بشرّاه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من سرّه أن يقرأ القرآن غضّاً كما أنزل فليقرأه على قراءة بن أم عبد)(1)[10])
كما أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ على بعض الصحابة مفردا فقد قرأه على جَمْعٍ منهم بالإضافة إلى تلقِّيهم القرآن عنه في الصلاة والخطب وتلاوته عليهم حين نزوله في واقعة نزل بسببها.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن فحشد من حشد ثم خرج نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ قل هو الله أحد ثم دخل فقال بعضنا لبعض إني أرى هذا خبر جاءه من السماء فذاك الذي أدخله ثم خرج نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقال إني قلت لكم سأقرأ عليكم ثلث القرآن ألا إنها تعدل ثلث القرآن ) (2)[11])
وحرصا من النبي - صلى الله عليه وسلم - على تهيئة معلمين متقنين للقرآن كان يولي عددا من الصحابة بشيء من الاهتمام والرعاية الخاصة ثم يمنحهم شهادته بإتقانهم دعوة للأمة أن تستفيد منهم وترجع إليهم عند الاختلاف ، وعلم لهم الخلفاء الراشدون وأمراء المسلمين هذه المنزلة .
فعن مسروق قال ذكر عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه - عند عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهم - فقال ذاك رجل لا أزال أحبه سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( خذوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود فبدأ به وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب) (3)[12])
__________
(1) 10] - مسند أحمد ج: 1 ص: 7 صحيح ابن حبان ذكر الأمر بقراءة القرآن على ما كان يقرؤه عبد الله بن مسعود برقم 7066
(2) 11] - صحيح مسلم برقم 812
(3) 12] - صحيح البخاري باب مناقب أبي بن كعب - رضي الله عنه - برقم3597 ومسلم في كتاب الفضائل،فضائل عبدالله بن مسعود 2464
(1/11)
ومن حرص التابعين رحمهم الله تعالى على تلقي القرآن من هؤلاء القرّاء كان بعضهم يستثمر سيره معهم في طريق بأن يقرا عليهم ويتعلم منهم.
فعن إبراهيم بن يزيد التيمي قال : (كنت أقرأ على أُبَيٍّ القرآن في السدة فإذا قرأت السجدة سجد فقلت له يا أبت أتسجد في الطريق؟ قال إني سمعت أبا ذر يقول سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أول مسجد وضع في الأرض؟ قال المسجد الحرام ، قلت ثم أي؟ قال المسجد الأقصى قلت كم بينهما قال أربعون عاما ثم الأرض لك مسجد فحيثما أدركتك الصلاة فصل) (1)[13])
وليت علمائنا وطلبة العلم يحرصون على تأديب تلاميذهم على البدء بالقرآن وتعلمه والتأدب بآدابه قبل تعلم تفريعات الفقه أو الجدل الأصولي أو الفلسفة العقلية التي ملأ بها المتكلمين كتبا سموها كتب العقائد.
فعن علقمة رحمه الله قال : ( كنا جلوسا مع بن مسعود فجاء خباب - رضي الله عنهم - فقال يا أبا عبد الرحمن أيستطيع هؤلاء الشباب أن يقرؤوا كما تقرأ؟ قال أما إنّك لو شئت أمرت بعضهم يقرأ عليك! قال أجل ، قال اقرأ يا علقمة فقال زيد بن حدير أخو زياد بن حدير أتأمر علقمة أن يقرأ وليس بأقرئنا قال أما إنك إن شئت أخبرتك بما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في قومك وقومه فقرأت خمسين آية من سورة مريم ، فقال عبدالله كيف ترى؟ قال قد أحسن قال عبد الله ما أقرأ شيئاً إلا وهو يقرؤه ثم التفت إلى خباب وعليه خاتم من ذهب فقال ألم يأن لهذا الخاتم أن يلقى؟ قال: أما إنك لم تراه علي بعد اليوم فألقاه) (2)[14])
__________
(1) 13] - صحيح مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة برقم 520
(2) 14] - صحيح البخاري برقم 4130
(1/12)
وفي قصة أخرى مع صحابي آخر تظهر لنا أن هذا هو دأب الصحابة - رضي الله عنهم - فعن علقمة قال : ( دخلت في نفر من أصحاب عبد الله بن مسعود الشام فسمع بنا أبو الدرداء - رضي الله عنه - فأتانا فقال أفيكم من يقرأ؟ فقلنا نعم ، قال فأيكم أقرأ؟ فأشاروا إلي ، فقال اقرأ فقرأت والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ....) (1)[15])
ويدل على ضخامة مشروع إعداد القرّاء وتنظيم هذا المشروع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استطاع أن يستجيب لدعوة من بعض القبائل بطلب إرسال مجموعة من القرّاء إليهم أن يرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم سبعين قارئاً دفعة واحدة ، إلا أن تلك القبائل كانت تريد الفتك بهم والغدر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وحصل منهم الغدر وقتلت تلك العصبة المؤمنة من القرّاء ومع ذلك كانت مدرسة النبوة متهيئة لمثل ذلك الموقف العصيب والمصيبة الجلل فبقي في الأمة من القرّاء من يؤدي الرسالة ويواصل المسير.
فعن أنس - رضي الله عنه - : ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتاه رعل وذكوان وعصية وبنو لحيان فزعموا أنهم قد أسلموا واستمدوه على قومهم فأمدهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبعين من الأنصار ، قال أنس كنا نسميهم القرّاء يحطبون بالنهار ويصلون بالليل فانطلقوا بهم حتى بلغوا بئر معونة غدروا بهم وقتلوهم فقنت شهرا يدعو على رعل وذكوان وبني لحيان ، قال قتادة وحدثنا أنس أنهم قرؤوا بهم قرآنا: ألا بلِّغوا قومنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم رفع ذلك بعد)(2)[16])
ضرورة الجمعيات والمؤسسات التي ترعى تعليم القرآن ونشره
__________
(1) 15] - صحيح البخاري باب تفسير سورة والليل إذا يغشى وباب والنهار إذا تجلى برقم 4943 ورقم 4944
(2) 16] - صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير باب العون بالمدد برقم 3064 وأيضا برقم 1001/ 4090
(1/13)
لما كان تعلُّم القرآن وتعليمه من فروض الكفاية ، وعلى ما قرره العلماء رحمهم الله تعالى من أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، فيجب الحكومة المسلمة أن تلحظ هذا الفرض وان تقوم بواجبها الأساس وهو القيام بأمر الدين ورعاية أمر الدنيا ، كما يجب على أهل الحل والعقد في كل مجتمع من المجتمعات المسلمة أن تتكاتف جهودهم لإقامة المؤسسات والجمعيات الخيرية التي تعنى بالقرآن الكريم تعليما ونشرا .
وبحمد الله تعالى ترعى حكومة بلادنا منذ قيامها كتاب الله وسنة نبيه حق الرعاية فمن حيث الطباعة والنشر فقد أنشئ مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمه الله تعالى في المدينة النبوية والذي وصل نتاجه إلى سائر البلدان والبقاع وتمت طباعة تفسيره بأكثر من سبعين لغة.
كما تنادت بعض المؤسسات الإسلامية ومنها الندوة العالمية للشباب الإسلامي وأنشأت دار مصحف إفريقيا ومقرها ومطابعها في مدينة الخرطوم بالإضافة إلى مصحف القدس وغيرها من الجهود .
وقامت الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض وعلى غرارها الجمعيات المنتشرة في المملكة العربية السعودية بل سعى طلبة العلم في سائر أصقاع العالم كل بحسب جهده وطاقته إلى إقامة الجمعيات والمؤسسات الإسلامية والتي جعلت من أولوياتها رعاية حلق القرآن وتنفيذ البرامج المحفزة للشباب على إتقان التلاوة والمسابقات التي يتنافس فيها القراء على المراتب العليا من الإتقان.
وهذه الجمعيات ضرورة في هذا الزمن لتحقيق بعض الواجب تجاه كتاب الله علينا إذ تطورت وسائل التعليم وتشعبت سبل الحياة وتفنن أهل الدنيا في عرض دنياهم وإلهاء الشباب بل وعموم الناس فما لم نرتق بوسائل وأساليب تعليم القرآن وهو ما لا يطيقه الأفراد وإنما الجمعيات فسوف يتفلت أبناؤنا من التربية القرآنية إلا ما ندر وتجرفهم المادية المعاصرة ببهرجها ولن يتمكن الراغب منهم في تعلم القرآن من تحصيل ذلك.
(1/14)
فأبسط الأعمال وأقل الأشياء قيمة نجد أنه تقوم على الاهتمام بها المنظمات والشركات وغيرها للوصول بتلك الفكرة أو ذلك الشيء إلى المتلقين بل إلى اكبر عدد ممكن منهم ، فكتاب الله أولى وأهله أحق بالاهتمام والرعاية والتسهيل ، وهو تحقيق لوصف الله للقرآن بالتيسير للذكر فيهيئ الله في كل عصر من يتحقق على أيديهم حمل الأمانة وإقامة الحجة ونشر الرحمة.
وهذه الجمعيات كما أنها تقوم على فكرة المفكر وجهد العامل فهي أيضا بحاجة إلى دينار التاجر ودرهم الفقير وفلس المفلس ليحصل لهم الدخول في المشمولين بالخيرية فعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) (1)[17]).
فإقامة الحلق القرآنية وتطويرها واستمرارها وانتشارها يقتضي وجود جهة تدعم مسيرتها وتتولى الإنفاق عليها و الرقي بها مما يحتم إقامة هذه الجمعيات ودعمها كل بحسبه.
وخير شاهد على ما نقول حال الحلق والبرامج التي قامت على جهود الأفراد وطاقاتهم المتفرقة فإنها ما تلبث إلا وتنقطع بانقطاع ذلك الفرد بمرض أو هرم مفند او فقر مدقع أو شغل ملهي أو الموت أو غيرها من الأسباب التي تعرض للفرد.
بينما إذا كان العمل تجتمع فيه الطاقات وتتكاتف فيه الجهود وتصب فيه الأموال فإنه بإذن الله تعالى تحل فيه البركة ويحصل النجاح متى وفق أهله للجد والإخلاص تحقيقا لوعد الله فإن يد الله مع الجماعة (2)
__________
(1) 17] - صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه برقم 5027
(2) 18] - سنن الترمذي برقم 2166 عن بن عباس- رضي الله عنهم - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( يد الله مع الجماعة) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث بن عباس إلا من هذا الوجه،وبرقم 2167 عن عبد الله بن دينار عن بن عمر.
وفي المستدرك على الصحيحين 392 عن عبد الله بن دينار عن بن عمر - رضي الله عنه -قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لا يجمع الله هذه الأمة على الضلالة أبدا ويد الله على الجماعة فمن شذ شذ في النار )
(1/15)
[18]) ، فعون الله وتوفيقه سبب كل نجاح وفلاح.
وإذا كان عون الله للمجتمعين على التجارة والمتشاركين فيها(1)[19])،فهو لمن اجتمعوا على خدمة كتابه واشتركوا بجهدهم في خلافة الرسول بإبلاغ الوحي أولى وأحرى لكن بشرطه وهو الإخلاص والأمانة.
أهمية القرآن في المحافظة على هوية الأمة وسلوك أبنائنا
إن الاهتمام بالقرآن وتربية أبنائنا عليه و بناء القيم والأخلاق في نفوسهم على أسسه هو الوسيلة الناجعة لإنقاذهم من هذا الخوض واللغو الذي تعج به المجتمعات المعاصرة وانحدر بالبشرية حتى عن مستوى البهيمية .
فإن كان سلفنا يحرصون على تعليم أبنائهم القرآن من الصغر ليصبحوا من العلماء والدعاة عند الكبر فإن تعليمنا لأبنائنا القرآن وتربيتهم عليه في هذا العصر ضروري للمحافظة على هويتهم الإسلامية وأخلاقهم الفاضلة التي عرفها العرب قبل الإسلام وبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - لإتمامها(2)[20]).
وقد عجزت الأمم والدول التي توسم عند الناس بالعظمى والمتقدمة عن إعادة بناء الأخلاق لدى شعوبها وهاهي تعلن إفلاسها في علاج المشاكل الاقتصادية المزمنة والجرائم المتنامية والقلق الممزق للقلوب والمجتمعات ، وكيف يسعد الإنسان وقد خالف منهج خالقه والسنن الكونية التي كان ينبغي عليه أن يتناسق معه لا أن يصادمها.
__________
(1) 19] -سنن أبي داود باب في الشركة برقم 3383 عن أبي هريرة- رضي الله عنه - رفعه قال : ( إن الله يقول أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما) واخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين برقم 2322وقال : وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(2) 20] - موطأ مالك برقم 1609 ، و مسند أحمد برقم 8939 عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) و المستدرك على الصحيحين برقم 4221
(1/16)
تشتكي تلك الدول من الخيانات الزوجية ، والخيانات الأمنية ، وغش حكامهم لرعاياهم ، وإضلال إعلامهم لأذواقهم وتصورهم للأشياء والحقائق ، مما يطول عرضه وتفصيله وكتابات عقلائهم كفيلة أن توقظ من انخدع من أمتنا بهم ، ولا حفظ لنا إلا بالاستجابة التامة لكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - .
وعندما نتحدث عن أثر القرآن في بناء سلوك الأفراد وتربية الأمة عليه فغنما يتحقق بالأئمة الربانيين والمعلمين الخاشعين .
فإذا كان العلماء رحمهم الله تعالى يحذرون من تلقي بعض العلوم الشرعية عمن لا يتصف بالدين والورع فما بالكم بتلقي أساس الدين (1)[21]).
ويروى عن الإمام مالك رحمه الله تعالى : ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس ، حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل والجهة ، فإن رأوه لذلك أهلاً جلس ، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخاً من أهل العلم أني موضع ذلك.(2)[22])
قال ابن أبي أويس سئل مالك متى سمعت من أيوب السختياني ؟
فقال : حج حجتين فكنت أرمقه ولا اسمع منه ، غير انه كان إذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكى حتى أرحمه ، فلما رأيت منه ما رأيت ، وإجلاله للنبي - صلى الله عليه وسلم - كتبت عنه .(3)[23])
واخرج الدارمي في سننه بسنده عن امرأة يقال لها عائدة قالت : رأيت بن مسعود يوصى الرجال والنساء ويقول من أدرك منكن من امرأة أو رجل فالسَّمْت الأول السَّمْت الأول فإنا على الفطرة ، قال عبد الله السَّمْت الطريق(4)[24])
__________
(1) 21] - صحيح مسلم باب بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات ثم ساق بسنده عن محمد بن سيرين قال : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. وذكرها بن عبدالبر في التمهيد عن الإمام مالك رحمه الله ج1ص67
(2) 22] - بحوث ندوة الإمام مالك بالمغرب عام 1400هـ ج2 ص303
(3) 23] - التمهيد لابن عبدالبر ج1 ص340 الطبعة المغربية.
(4) 24] -سنن الدارمي برقم 213
(1/17)
وهذه الفتن التي تعصف بشبابنا لا مخرج منها إلا بكتاب الله تبارك وتعالى ، وما تغني الكتب السماوية عن أهلها إذا لم تعقل ثم يتبع الفهم العمل ، وأنى للأمة ذلك إلا من خلال العلماء الربانيين ، وإلا وقعت فيما وقعت فيه بنوا إسرائيل فشبه الله أحبارهم كمثل الحمار يحمل أسفاراً .
عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (ستكون فتن كقطع الليل المظلم قلت يا رسول الله وما المخرج منها قال كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله هو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ، من علم علمه سبق ومن قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم خذها إليك يا أعور)(1)[25])
__________
(1) 25] -سنن الترمذي ج: 5 ص: 172 كتاب فضائل القرآن باب ما جاء في فضل القرآن 2911 عن الحارث الأعور ، قال أبو عيسى هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده مجهول وفي الحارث مقال. وفي سنن الدارمي برقم 3331 بنفس سند الترمذي.
قال القرطبي رحمه الله في مقدمة تفسيره بعد إيراد الحديث: الحارث رماه الشعبي بالكذب وليس بشيء ولم يبن من الحارث كذب وإنما نقم عليه إفراطه في حب علي وتفضيله له على غيره ومن ها هنا والله أعلم كذبه الشعبي لأن الشعبي يذهب إلى تفضيل أبي بكر وإلى أنه أول من أسلم قال أبو عمر بن عبد البر وأظن الشعبي عوقب لقوله في الحارث الهمداني حدثني الحارث وكان أحد الكذابين.
(1/18)
ولذا فإن الاهتمام بالقرآن ودعم جمعياته يتحقق من خلاله حصول الأمن والرخاء ونجاح المجتمع في سائر مناحي الحياة.
والواقع يشهد لذلك من خلال الإحصاءات والدراسات التي أجريت على الطلاب حيث تبين أن طلاب مدارس تحفيظ وحلق القرآن الكريم أكثر نبوغا وتفوقا من غيرهم عدا انضباطهم في السلوك والأخلاق وهو جزء يسير من بركة كتاب الله على أهله ، وتحقيقاً لوعد الله { واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم } [ البقرة 282 ] ووعده بهداية السالكين إليه في قوله { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } [ العنكبوت 69 ] وقوله { يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير } [ المجادلة 11 ] فالرفعة الموعودة لأولياء الله عامة في الدنيا والآخرة ، وإن لم يكن أهل القرآن أهل الله فمن هم ؟ وقد خصهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الوسام في قوله - صلى الله عليه وسلم - :(إن لله أهلين منا! قالوا يا رسول الله من هم؟ قال هم أهل القرآن أهل الله و خاصته)(1)[26])
فَقَرَءَةُ القرآن حملة سر الله المكنون وحفظة علمه المخزون وخلفاء أنبيائه وأمناؤه وهم أهله وخاصته وخيرته وأصفياؤه .
فهذه دعوة صادقة لأن يلتفت المجتمع إلى جمعيات تحفيظ القرآن الكريم ويوليها مزيدا من العناية والاهتمام والدعم ، وأن تهتم مؤسسات التعليم بالقرآن الكريم بزيادة الحصص و تأهيل المعلمين واختيارهم بعناية ، ودعوة لأجهزة الدولة الأمنية لتستشعر الدور الذي تحققه هذه الجمعيات في مجتمعاتنا مما لا تتمكن هذه الأجهزة من تحقيقه دون تربية القرآن وتخلق أفراد المجتمع به.
__________
(1) 26] - أخرجه ابن ماجه في سننه وأبو بكر البزار في مسنده
(1/19)
وهي أيضا دعوة لهذه الجمعيات لترفع من كفاءتها وتزيد من نشاطها وتستوعب أكبر عدد ممكن من أبناءنا ولمستوى أعلى من التربية والإيمان.
(1/20)