إرشاد الأنام
إلى
فوائد الاحتجام
لأبي عبد الرحمن
حسن بن محمد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أمَّا بَعْدُ : فهذه مجموعةُ أوراقٍ في الحجامةِ وأحكامِها ، سألني إياها : بعضُ المشتغلين بصناعة الحجامة ؛فاعتذرتُ عن تحرير المقال فيها فترةً من الزمن،وذلك لاشتغالي ببحوث أُخر يسَّرَ الله إتمامها ،ولمَّا ألحَّ صاحِبُنا بالسؤال لعلةِ مداواتهِ الناسَ بالحجامة ،وحاجته إلى معرفة فضائلها وأحكامها من صحيح سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وما يتْبعُ ذلك من فوائدها وكيفيتها في قديم صناعة الطب وحديثه ،رأيتُ أنَّ في إجابتهِ تعديةَ خيرٍ إلى عموم المسلمين.
هذا وقد أضفتُ إلى هذه الرسالة جملةً من الفوائدِ المتعلقة بالأمراض المذكورة فيها وذلك للوصول إلى النتيجة المرادة،مع الربطِ بينها وبينَ الحجامة.
والله أسأل أن يجعلها خالصةً لوجهه الكريم ، نافعةً للمسلمين في كلِّ مكان.
فإنَّه سبحانه الموفق لا ربَّ سواه .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وكتب:
أبو عبد الرحمن حسن بن محمد
8/ شبعان / 1422
alhassan-m@maktoob.com
1
الحجامةُ في أصل الوضع العربي : من الحجْمِ الذي هو: المص . يُقال : حجم الصبيُّ ثدي أُمِّه إذا مصَّهُ. والحجام : المصاص .
قال الأزهري : (( يُقال للحَاجِم : الحجَّام لامتصاصه فم المحجمة )) .
والحجامة : فعل الحاجم وحرفته .
والمحجم والمحجمة : الآلة التي يُجمع فيها دم الحجامة. والجمع محاجم .وقد يُسمى مشرط الحجام محجماً (1) .
حدُّها عند أهلِ الصناعة :
(( هي صِنَاعَةٌ بها يأخذ الحجَّام مقداراً من الدم من جسم الإنسان وذلك بشرط الموضعِ المُرَاد ، وتُسمى : الحجامة بالشرط، أو الرطبة، أو الدامية .
أو استعمال المحجم بدون مشرط ، وتُسمى : الحجامة بلا شرط ، أو الحجامة الجافة )) (2) .
الفائدة منها :
(((1/1)
الفائدةُ من الحجامة : حِفظُ الصحةِ حَاصِلةً ، أو استردادها زائلةً )) .
ــــــــــــــ
(1) انظر:لسان العرب ، وتاج العروس ، مادة : ((حجم )) .
(2) انظر: الطب النبوي والعلْم الحديث (3/91) للدكتور النسيمي .ودائرة المعارف (6/692)للبستاني . ودائرة معارف القرن العشرين (3/358) .
2
تاريخ الحجامة :
استعمال الحجامة تطبباً بها من الممارسات القديمة في أماكن كثيرة من العالم ، فقد عرفها الصينيون والبابليون والفراعنة ،وكذلك الهنود،والعرب،وكان المعالجون بالحجامة سابقاً: يقطعون أطراف القرون المجوفة لبعض الحيوانات ، وتستعمل في حجم المواضع المُرادة من الجسد ، وكذلك أشجار البامبو للغرض نفسه ،وبمرور السنين استبدلت القرون وغيرها بكاسات من الزجاج ،وذلك بتفريغها من الهواء عن طريق حرق قطعة من الورق أو القطن أو الصوف داخل الكأس .
وحديثاً : بعد اقتناع كثير من علماء الطب بفوائد الحجامة ، بدأت الشركات العالمية المتخصصة في صناعة الأجهزة التكنولوجية بتطوير آلات الحجامة إلى أشكال متعددة من الأجهزة الإلكترونية على أيدي خبراء متخصصين في ذلك.
وأصبحت هذه الأجهزة تقوم بعملية شفط الهواء أوتوماتيكياً بدلاً من الاستعمالات القديمة (1) .
جهاز للحجامة الجافة صناعة صينية حقيبة للحجامة صناعة ألمانية
ــــــــــــ
(1) انظر: الإبداعات الطبية لرسول الإنسانية (ص 211) مختار سالم . والطب الشعبي التقليدي (ص303-304) للدكتور : سمير يحي .
3
أنواع الحجامة :
الحجامة نوعان رئيسان :
النوع الأول : الحجامة الجافة ، أو الحجامة بلا شرط :
وكيفيتها تكون باستخدام كؤوس الحجامة بعد خلخلة الهواء منها،وذلك بواسطة احتراق قطعة صغيرة من الورق،أو إدخال قطعة قطنية ملتهبة ، وتترك المحاجم على الجلد مدة : 3 -10 دقائق محدثةً بذلك احتقاناً دموياً موضعياً نظراً لزيادة توارد الدم فيه .
وحديثاً: تستعملُ-كما قدمنا- الأجهزة المتخصصة في ذلك .
النوع الثاني :(1/2)
الحجامة بالشرط ، أو الرطبة ، أو الدامية :
أما الحجامة الرطبة،فمختلفة عن الحجامة الجافة بإحداث جروح سطحية بالمشرط طول كل منها حوالي 3سم ، ثم توضع الكأس بنفس الطريقة السابقة ، فتمص بعض الدم من المكان الذي توضع عليه (1) .
ــــــــــــــــ
(1) انظر: الطب النبوي والعلم الحديث (3/93) للدكتور النسيمي .والإبداعات الطبية (ص201) .والطب من الكتاب والسنة -حاشية المحقق- الدكتور القلعجي (ص41) .
4
الحِجَامةُ في صحيح سُنَّةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - :
ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عِدَّةٌ من الأحاديث الواردة في الحجامة وفضلها،وسأقتصرُ هنا على ذكر أرأسها وأهمها ، ثم أذكرُ -بَعدُ- بعضاً من الأحاديث الضعيفة والموضوعة في الحجامة وما جاء في فضلها :-
أخرج البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :
سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : (( إنْ كان في شيءٍ من أدويتكم خيرٌ،ففي شَرطةِ محجمٍ،أو شربةِ عسلٍ، أو لذعةٍ بنارٍ تُوافقُ الداءَ،وما أحب أنْ أكتوي )) .
وثبت في المسند، وسننِ أبي داود،وابن ماجة،ومستدرك الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((إنْ كان في شيءٍ مما تداويتم به خيرٌ فالحجامة )) .
وأخرج البخاري في الصحيح، وابن ماجة في السنن، وأحمد في المسند عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( الشِّفاءُ في ثلاثةٍ : شربةِ عسلٍ ، وشَرْطةِ محجمٍ ، وكيَّةِ نارٍ، وأنهى أمتي عن الكيِّ )) .
وفي الصحيحين من طريق حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه : أنه سُئلَ عن أُجرةِ الحجَّام،فقال : احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،حجمه أبو طيبة، وأعطاه صاعين من طعام ، وكلم مواليه فخففوا عنه، وقال : (( إنَّ أَمْثَلَ ما تداويتم به الحجامة ، والقسط البحري )) .
5(1/3)
وأخرج أحمد في المسند،والترمذي ،وابن ماجة في السنن،والحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما،قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ما مررتُ بملأ من الملائكة ليلةَ أسري بي إلاّ كلهم يقول لي : عليك يا محمد بالحجامة )) .
الحديث:حسنه الترمذي،وقال الحاكم : صحيح الإسناد،وقال الإمام الألباني في صحيح الترغيب (3/352) : صحيحٌ لغيره .
وأخرج الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه،قال: حدَّث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنْ ليلة أُسْري به أنَّه: ((لم يمرَّ بملأ من الملائكة إلا أمروه : أنْ مُرْ أمَّتكَ بالحجامة )).
وأخرجه ابن ماجة من حديث أنس رضي الله عنه. والحديث بمجموع طرقه يرقى إلى درجة الصحة،وانظر :السلسلة الصحيحة ( رقم:2264)،وصحيح الترغيب (3/352) .
((((((((
6
الأحاديث الضعيفة،والموضوعة في الحجامة،وما جاء في فضلها :
الحديث الموضوع:هو المكذوبُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وقد عُقِدَ إجماعُ أهل العلم على عدم العمل به،ووجوب التحذير من روايته إلاَّ على سبيل التحذير منه.
والحديث الضعيف:هو مالم تتوفر فيه شروط القبول،لعللٍ معروفةٍ عند أهل الحديث ،وله أنواعٌ كثيرة ،بَسْطها في تضاعيف كتب مصطلح الحديث،وقد اخْتُلِفَ في العمل به،والمترجِّحُ عند أهل التحقيق ،أنه:لا يُعمل به،وذلك:لأن في صحيح الأحاديثِ ما يُغني عن ضعيفها .
ثم أحاديث الحجامة:هي من باب صِناعة الطب التي يجب أن يتحرى المسلم في اختيار أصحها ثبوتاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وليست من باب فضائل الأعمال التي يُرخِّصُ البعضُ في العمل بها بالشروط المعتبرة عندهم .
وسأذكرُ هنا:بعضاً من الأحاديث الضعيفة،والموضوعة،مما جاء في الحجامة وفضلها، على سبيل التحذير منها،والعمل بها .
تنبيه على الابتداء :(1/4)
بعض ألفاظ الأحاديث التي سيأتي ذكرها قد يكون موجداً في أدلةٍ صحيحة،فمن أجل ذلك على الناظر في هذه الأحاديث :عدم الاستعجال على حديث يسمعه،أو يقرؤه بأنه ضعيف، أو موضوع ،وذلك لوجوده في كتب الموضوعات،والضعاف،أو حكم عليه بالضعف،أو الوضع ، أحد أئمة الحديث،
7
فالحكم على الحديث بالضعف،أو الوضع :قد يكون لوجود لفظةٍ زائدة في الحديث،أو الشطر الأول منه،أو الآخِر ،لوروده بسند ضعيف،أو موضوع،أو لا أصلَ له.
فكمْ من حديث يُحكمُ عليه بالضعف،فيتعجل البعضُ ويحكم على الحديث جملةً أنه ضعيف، لأنه موجود في كتاب أحد علماء الحديث،وقد حكم عليه العالمُ بالضعف،والحديث قد يكون مخرجاً في الصحيحين،أو غيرهما بسند صحيح،أو حسنٍ،والذي حَكم عليه هذا المصنفُ إنما هو: شطرٌ،أو لفظةٌ من الحديث زائدة فيه.
فعُرِفَ بما تقدَّم:أنه لا يُستعجل في الحكم جملةً على حديث بنتيجة حكمية نهائية إلاّ بعد التأمل والنظر في مجموع ألفاظه، هل هي موجودة في الأحاديث المقبولة،أو غير موجودة ؟!.
1- (( الحجامة تنفعُ من كلِّ داء، ألا فاحتجموا )) .
الحديث : موضوع. انظر: تسديد القوس، لابن حجر: (2/99-100)
وفيض القدير،للمناوي :( 3/405) وضعيف الجامع الصغير،للألباني:(رقم2754) .
2- (( الحجامة في الرأس شفاء من سبع ،إذا ما نوى صاحبها :من الجنون،والصداع،والجذام،والبرص،والنعاس،ووجع الضرس،وظلمة يجدها في عينيه)) .
الحديث:موضوع .انظر: العلل المتناهية،لابن الجوزي (2/1469)وفتح الباري،لابن حجر:(10/152). وفيض القدير:(3/404) وذخيرة الحفاظ،للقيسراني:(3/2966)وضعيف الجامع:(رقم2755) .
8
3- ((الحجامة في الرأس دواء :من الجنون،والجذام،والبرص،والنعاس،والضرس)).
الحديث: ضعيف جداً.انظر: مجمع الزوائد،للهيثمي:(5/93)وفيض القدير:(4/405) وتذكرة الموضوعات،للفتني:(ص 208) وضعيف الجامع:(رقم2756).(1/5)
نفع الحجامة للأمراض المذكورة:قد يكون نافعاً من حيثُ الصناعة الطبية،وعليه لا يلزم من الحكم على هذه الأحاديث بالضعف،أو الوضع:عدم نفع الحجامة من حيث التطبب بها،فتنبه !.
4- (( نعم العبد الحجام،يُذهبُ بالدم ،ويُخفُ الصلبَ،ويجلو عن البصر )) .
الحديث:ضعيف.انظر:المستدرك مع تلخيصه،للذهبي:(4/410)وفيض القدير (6/287))وذخيرة الحفاظ،للقيسراني:(5/5756)والسلسلة الضعيفة : (رقم2036) .
5- (( إذا اشتد الحر فاستعينوا بالحجامة،لا يتبيغ الدم بأحدكم فيقتله )) .
6- (( استعينوا على شدة الحر بالحجامة،فإن الدم ربما يتبيغ بالرجل فيقتله )) .
الحديثان:موضوعان.انظر: ضعيف الترغيب:(2/380)والسلسلة الضعيفة(رقم 2331و2363 ).
ويغني عنهما:حديث: (( إذا هاج بأحدكم الدم فليحتجم،فإن الدم إذا تبيغ بصاحبه قتله)).
وسيأتي ذكره وشرحه –بعدُ-إن شاء الله .
9
7- ((ثلاث لا يفطرن الصائم : الحجامة والقيء والاحتلام )) .
الحديث:ضعيف.انظر: رسالة لطيفة ... ،لابن قدامة:(ص41)والعلل المتناهية،لابن الجوزي:(2/888)وفيض القدير: ( 3/312) والأحاديث الموضوعة،لابن سعيد الموصلي: (1/71)وحسن الأثر،للحوت: (ص205) وضعيف الجامع : ( رقم2566).
8- (( الحجامة تكره في أول الهلال،ولا يُرجى نفعها حتى ينقص الهلال )) .
الحديث:ضعيف.انظر: فيض القدير: (3/405) والإتقان،للغزي: (1/630)والمقاصد الحسنة،للسخاوي: (ص387)وتذكرة الموضوعات،للفتني: (ص207)وكشف الخفاء،للعجلوني: (1/1105)وضعيف الجامع : (رقم2753) .
9- ((الحجامة في الرأس هي المغيثة،أمرني بها جبريل حين أكلت طعام اليهودية)) .
الحديث:ضعيف جداً .انظر: ضعيف الجامع: (رقم 2757) .
10- ((خمسٌ من سنن المرسلين:الحياء،والحلم،والحجامة،والتعطر،والنكاح)).
الحديث:ضعيف.انظر:فيض القدير:(4/457)والنوافح العطرة،لابن أحمد الصنعاني: (ص35)وضعيف الجامع :رقم2856)ولحظ الإلحاظ،للفريوائي:(650).
11- ((خير الدواء الحجامة،والفصاد )) .(1/6)
الحديث:ضعيف.انظر: ضعيف الجامع:(رقم 2883) .
وقد صح شطره الأول، دون قوله:الفصاد ! .
10
12- ((خير ما تداويتم به :اللدود،والسعوط،والحجامة،والمشي،والعلق (1) )) .
الحديث:ضعيف.انظر: السلسلة الضعيفة: (رقم1959) .
13- (( عليكم بالحجامة في جوزة القَمَحْدُوَة، فإنها دواء من اثنتين وسبعين داء وخمسة أدواء،من الجنون،والجذام،والبرص،ووجع الضرس )).
الحديث:ضعيف.انظر: ضعيف الجامع: (رقم3762) .
ـــــــــــــــــ
1- اللدود :بفتح اللام، هو: الدواء الذي يسقاه المريض في أحد جانبي فمه،أو يدخله بالأصبع .انظر:النهاية في غريب الحديث،وتاج العروس،مادة:لدد.
والسعوط:دواء مفرد،أو مركب ،يصب في الأنف ليصل إلى الدماغ لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس .انظر:فتح الباري : (10/147)والنهاية،وتاج العروس،مادة:سعط.
والمشيُّ:بفتح وكسر وتشديد الياء،ويجوز ضم أوله،هو:الدواء المسهل لأنه يحمل صاحبه على المشي والتردد إلى الخلاء.انظر:فتح الباري: (10/150)والنهاية وتاج العروس،مادة:مشى .
والعلق: مفردها:علقة: دودة في الماء تعلق بالبدن،وتمص الدم،وهي من أدوية الحلق،والأورام الدموية ،لامتصاصها الدم الغالب على الإنسان.انظر:لسان العرب،وتاج العروس،مادة:علق .
11
14-((الحجامة في نُقْرة الرأس تورث النسيان،فتجنبوا ذلك )).
الحديث: موضوع.انظر: المنار المنيف،ابن القيم: (ص59)والأسرار المرفوعة،للقاري: (168)والإتقان،للغزي: (631)والغماز على اللماز،للسمهودي: (93)والفوائد المجموعة،للشوكاني:(841)والكشف الإلهي،للطرابلسي: (1/341)والمقاصد الحسنة،للسخاوي: (1/388)وتذكرة الموضوعات:(207)وكشف الخفاء: (1/1106)وأسنى المطالب،للحوت: (573).
نُقْرَةُ القفا،أو القَمَحْدُوَة،هي:حفرة آخر الدماغ ،كما في المصباح المنير:(ص761)وقد اختُلفَ في الاحتجام في نُقرة القفا على قولين يأتي ذكرهما عند الحديث –إن شاء الله- عن مواضع الحجامة، والراجح من الخلاف في ذلك.(1/7)
15-((قطع العرق مسقمة،والحجامة خير منه)).
الحديث:موضوع انظر: ذخيرة الحفاظ: (3/3786)وميزان الإعتدال،للذهبي: (456-557)وضعيف الجامع: (رقم 4099).
16-((كان يكتحل كل ليلة،ويحتجم كل شهر،ويشرب الدواء كل سنة )).
الحديث: موضوع.انظر:الأحاديث التي لا أصل لها في الإحياء،للسبكي: (374)والموضوعات،لابن الجوزي: (3/210)والفوائد المجموعة: (815)وضعيف الجامع:(رقم4600).
12
17-((ادفنوا دماءكم وأشعاركم وأظافركم،لا تلعب بها السحرة )).
الحديث:موضوع.انظر:السلسلة الضعيفة: (رقم2176) .
18-((ادفنه لا يبحث عنه كلب.يعني دم الحجامة )).
الحديث:ضغيف.انظر:السلسلة الضعيفة: (رقم2180).
19-((كان إذا أخذ من شعره،أو قلم أظافره ،أو احتجم بعث به إلى البقيع )) .
الحديث:باطل.انظر:السلسلة:(رقم 714).
20-((كان يأمر بدفن سبعة أشياء من الإنسان:الشعر،والظفر،والدم،والحيضة،والسن،والعلقة،والمشيمة)).
الحديث:ضعيف.انظر: السلسلة: (رقم2357) .
21-((عن أم سعد امرأة زيد بن ثابت،قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بدفن الدم إذا احتجم )) .
الحديث:إسناده ضعيف جداً.فيه:هياج بن بسطام:ضعيف.وعنبسة بن عبد الرحمن :متروك.ومحمد بن زاذان:متروك.وانظر: الإصابة لابن حجر:(4/456)،ومجمع الزوائد للهيثمي:(5/94) .
أقول:دفن دم الحجامة،أو تغيبه وغيره مما ذكر:قد يكون مطلوباً،أو واجباً،إن كان من باب درء مفاسد السحرة،لما لهم من تسلط على هذه المذكورات،بصناعة السحر منها،أوبها،وقد دل على ذلك عموم أدلة الشريعة القاضية بجلب المصالح وتكثيرها،ودرء المفاسد وتقليلها .
13
الحجامة والمسؤولية الطبية:
إن الواجب في كل صنعة أن يتصدى لها من هو أهلٌ للقيام بها على أكمل وجه،ليكون عمله خالياً عن أن تشوبه شائبة تقصير أو إهمال.
وكلما كانت الصَّنْعَةُ دقيقة وخطرة،فإنَّ هذا المعنى يتأكد،لأن نتيجة الخطأ في الصناعات الخطرة أشد منها في الصناعات التي لا خطر فيها (1) .(1/8)
يقول العلماء: (( إن الضابط في الولايات كلِّها أنه لا يجوز أن يتقدم فيها،ويتصدى لها إلا أقدر الناس على جلب مصالحها ودرء مفاسدها،فيُقدم أقدر الناس على أداء أركانها وشروطها ،على أقدرهم بأداء سننها وآدابها،وذلك لأن أداء أركان المصالح وشروطها أهم من أداء سننها وآدابها،فكان الحفاظ عليها أولى وآكد من الحفاظ على آدابها وسننها (2) )) .
وصناعة الحجامة من الصناعات الخطرة،إذ إنها تتعلق ببدن الإنسان،والإقدام عليها دون علم قد يفضي إلى الضرر بهذا الإنسان .
فيجب على من تصدى للعلاج بالحجامة أن يتوفر فيه شرطان :
الأول: أن يكون ذا علم وبصيرة بصناعة الحجامة .
الثاني: أن يكون قادراً على تطبيقها وآدائها على الوجه المطلوب (3) .
فمن خالف هذين الشرطين،فقد عرض نفسه للضمان عند وجود الضرر،وذلك لأن الحجامة فرعٌ من فروع علم الطب .
ــــــــــــــــ
1- انظر: التداوي والمسؤولية الطبية،لقيس آل الشيخ مبارك: (ص257) .
2- انظر:قواعد الأحكام: (1/166) .
3- انظر: أحكام الجراحة، للشنقيطي: (ص112) .
14
يقول الإمام ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: (5/312): عند حديثه عن ضمان الحجام والختان والطبيب،قال: ((وجملته أن هؤلاء إذا فعلوا ما أمروا به لم يضمنوا بشرطين :
أحدهما : أن يكونوا ذوي حذق في صناعتهم،ولهم بها بصارة ومعرفة،لأنه إذا لم يكن كذلك لم يحل له مباشرة القطع،وإذا قطع مع هذا كان فعلاً محرماً،فيضمن سرايته كالقطع ابتداءً .
الثاني : أن لا تجني أيديهم فيتجاوزوا ما ينبغي أن يقطع.(1/9)
إذا وجد هذان الشرطان لم يضمنوا، لأنهم قطعوا قطعاً مأذوناً فيه،فلم يضمنوا سرايته،كقطع الإمام يد السارق،أو فعل فعلاً مباحاً مأذوناً في فعله أشبه ما ذكرنا.فأما إن كان حاذقاً وجنت يده مثل:أن تجاوز قطع الختان إلى الحشفة،أو إلى بعضها،أو قطع في غير محل القطع، أو يقطع بآلة كآلة يكثر ألمها،أو في وقتٍ لا يصلح القطع فيه،وأشباه هذا ضمن فيه كله،لأنه إتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ،فأشبه إتلاف المال،ولأن هذا فعل محرم فيضمن سرايته كالقطع ابتداءً ... إلى أن قال:ولا نعلم فيه خلافاً )) .
وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه أبو داود، والترمذي ،والنسائي وابن ماجة،والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده،قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من تطبَّبَ ولم يعلم منه طبٌّ قبل ذلك فهو ضامن )) .
فهذا الحديث الشريف يعتبر أصلاً عند أهل العلم - رحمهم الله - في تضمين المتطبب الجاهل إذا عالج غيره واستضر بعلاجه.
15
وقد دلّ الحديث على اعتبار المسؤولية الطبية ا لتي عبر عنها بأثرها وهو:وجوب الضمان على هذا النوع ممن يدعي الطب وهو جاهل به.
وهو عام لمن تطبب بالحجامة أو غيرها من فروع الطب .
وكما دلت السنة النبوية على مشروعية تحميل الطبيب عبء المسؤولية عن الأضرار الناتجة عن خطئه،كذلك دل الإجماع على مشروعية ذلك واعتباره .
فقد أجمع أهل العلم على تضمين الطبيب الجاهل،وكذلك تضمين الطبيب المتعدي الذي يجاوز الحدود والضوابط المعتبرة عند أهل المعرفة والاختصاص .
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-في الطب النبوي: (ص109): ((فإيجاب الضمان على الطبيب الجاهل،فإذا تعاطى علم الطب وعمله،ولم يتقدم له به معرفة،فقد هجم بجهله على إتلاف النفوس،وأقدم بالتهور على ما لم يعلمه،فيكون قد غرَّرَ بالعليل،فيلزمه الضمان لذلك،وهذا إجماع من أهل العلم .(1/10)
قال الخطابي:لا أعلم خلافاً في أن المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامناً )).
وكما دلَّ دليل النقل على اعتبار المسؤولية الطبية في الحجامة،وثبوتها شرعاً في حال الجهل والتعدي ،كذلك دل دليل العقل على مشروعيتها،وذلك من الوجوه
التالية:
الوجه الأول القياس :
أ-يضمن الحجام الجاهل ما أتلفته يداه،كما يضمن الجاني سراية جنايته،بجامع كون كل منهما سراية جرح لم يجز الإقدام عليه .
ب-يضمن الحجام المتعدي ما أتلفت يداه،كما يضمن الجاني سراية جنايته،بجامع كون كل منهما فعلاً محرماً .
16
الوجه الثاني النظر:
وهو أن الشريعة الإسلامية راعت العدل بين العباد،ودفع الظلم عنهم،والمسؤولية الطبية عن الحجامة معينة على تحقيق ذلك فوجب اعتبارها .
وبهذه الأدلة النقلية والعقلية،تبين لنا ثبوت المسؤولية عن الحجامة،واعتبار الشريعة الإسلامية لها (1) .
- - -
ــــــــــــــــــــ
1-انظر: أحكام الجراحة: (ص449-450 ) .
17
آداب الحجَّام:
من واجب الديانة على الحجام:جملةٌ من الخصائص والصفات،قسم منها:لأنه مسلم من عامة المسلمين، وقسم :لأنه حجام يندرج فعله تحت فرع من فروع علم الطب،وقد وكّلت إليه أرواح الناس ورعايتها،وسأذكر هذه الصفات والخصائص الواجبة على سبيل الإجمال.
وهناك جملة من الآداب: وجودها في الحجام على سبيل الندب والاستحباب.
فأقول :
1- الدافع :
يجب أن يكون دافع الحجام الأول هو: علاج المريض،والمحافظة على حياته،غاضاً النظر عن لونه وجنسيته،ووظيفته الاجتماعية،ومشاعره الشخصية،وأن لا تكون غايته هي جمع المال لا غير،وأن يفعل كل ذلك ابتغاء مرضاة الله جلَّ وعلا.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إنما الأعمال بالنيات)) متفق عليه.وقال-أيضاً - صلى الله عليه وسلم - :
(((1/11)
من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل )) أخرجه:مسلم .وفي الصحيح عن أنس –رضي الله عنه – أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبُّ لنفسه )) .
2- الصدق:
لا تستقيم معاملة الحجام للمرضى إلاّ بعد مراعاة هذا الواجب والتزامه،فتكون أقواله وأفعاله وأخباره متفقة مع الحقيقة والواقع،ومن ثمّ تحمل الثقة والطمأنينة إلى المرضى،وترفع الشكوك والظنون السيئة عنهم .
18
قال الله جلَّ وعلا: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } سورة التوبة،آية:119.
وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( عليكم بالصدق،فإنَّ الصدق يهدي إلى البر،وإن البر يهدي إلى الجنَّة،وما يزال الرجل يصدق ،ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً،وإياكم والكذب؛فإن الكذب يهدي إلى الفجور،وإنّ الفجور يهدي إلى النار،وما يزال الرجل يكذب ،ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً )) .
فيحرم على الحجام أن يخبر المريض بما يخالف الحقيقة والواقع،ويعتبر مسؤولاً عن كلِّ قول صادر عنه،متحملاً للأضرار المترتبة عليه إذا كذب فيما أخبر .
3- النصيحة للمرضى:
تعتبر النصيحة للمرضى من أهم الواجبات التي ينبغي على الحجام مراعاتها،والقيام بها على الوجه المطلوب.
فمن حقوق المسلم على أخيه المسلم أن ينصح له،فيرشده إلى أصلح الأمور ،وخير حاله في الدنيا والآخرة ،ففي صحيح مسلم من حديث تميم الداري-رضي الله عنه-أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( الدين النصيحة،قلنا: لمن؟قال:لله،ولكتابه،ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم )) .
وثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن جرير-رضي الله عنه- أنه قال:
((بايعت رسول - صلى الله عليه وسلم - على إقامة الصلاة،وإيتاء الزكاة ،والنصح لكل مسلم )) .(1/12)
فالواجب على الحجام:القيام بواجب النصح للمرضى فيشير عليهم باختيار الأصلح،والأخف ضرراً،ولو كان على سبيل فوات المصلحة الدنيوية عليه،فما عند الله خيرٌ وأبقى .
19
فإذا علم الحجَّام: أن العلاج الأفضل لهذا المريض في بديل آخر غير الحجامة،أو دواء آخر ،وجب عليه إخبار المريض بذلك،ولا يمتنع عن نصحه خشية فوات مصلحة دنيوية .
4- الوفاء بالوعد:
الحجام قد يحدد مواعيد معيّنة لمرضاه،فيجب عليه شرعاً الوفاء بهذه المواعيد،ولا يجوز له تأخير ذلك،إلاَّ لوجود عذر شرعي يرخص له التخلف عن أداء هذه الالتزامات في المواعيد المحددة .
ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( آية المنافق ثلاثٌ،إذا حدث كذب،وإذا وعد أخلف،وإذا ائتمن خان )) .
5- حفظ عورة المريض:
دلت الأدلة الشرعية على وجوب حفظ العورات،وستر السوءات،وعدم النظر إليها بدون حاجة داعية إلى النظر .
قال تعالى: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إنَّ الله خبير بما يصنعون - وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنَّ ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهنَّ ... الآية } سورة النور،الآيتان:30-31 .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
(( لا ينظر الرجلُ إلى عورة الرجل،ولا المرأة إلى عورة المرأة )) .
20
وقد أجمع علماء الإسلام –رحمهم الله- على وجوب ستر العورة عن أعين الناس(1) .
ومن ثمَّ فالحجام مطالبٌ شرعاً بالتزام هذا الأدب،ومراعاة حرمة العورة،فلا يجوز له أن يقوم بمطالبة المرضى رجالاً كانوا أو نساءً بالكشف عن موضع من العورة إلاّ بعد أن توجد الضرورة الداعية إلى ذلك الكشف .
وبالنسبة للمرأة المسلمة إن احتاجت للحجامة،فالأولى لها على الأصل أن تحجمها امرأة،فإن لم تجد وكانت محتاجة للحجامة جاز أن يحجمها رجل .(1/13)
قال الإمام العز بن عبد السلام –رحمه الله-: ((ستر العورات والسوءات واجب،وهو أفضل المروءات وأجمل العادات،ولا سيما في النساء الأجنبيات،لكنّه يجوز للضرورات والحاجات.
أمّا الحاجات: فكنظر كل واحد من الزوجين إلى صاحبه،ونظر الأطباء لحاجة المداواة .
وأما الضرورات: فكقطع السلع المهلكات،ومداواة الجراحات المتلفات )) (2)
فبين- رحمه الله-:أن نظر الطبيب إلى عورة مريضه لمداواة جراحة وغيرها يعتبر من المستثنيات من حرمة النظر إلى العورة،وذلك لمكان الضرورة والحاجة .
_____________________
1-انظر: قوانين الأحكام الشرعية،لابن جزي: (ص69) .
2- انظر:قواعد الأحكام،للعز بن عبد السلام: (2/165) .
21
فإذا جاز للحجام الرجل أن يحجم المرأة عند الضرورة إلى ذلك وجب أثناء الحجم أمور:
أولاً : عدم الخلوة بالمريضة .
قال - صلى الله عليه وسلم - : ((لا يخلونّ رجلٌ بامرأة إلاّ مع ذي محرم )) أخرجه البخاري .
ثانياً: غض البصر عن غير موضع الحجامة .
قال تعالى: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إنَّ الله خبير بما يصنعون - وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنَّ ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهنَّ ... الآية } سورة النور،الآيتان:30-31 .
ثالثاً : نصحُ المريضة بالحجاب الشرعي .
رابعاً : كشف الجزء المطلوب والضروري من جسمها لا غير .
وذلك للقاعدة الشرعية التي تقول: ((ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها)) (1) .
قال الشيخ أحمد الزرقاء-رحمه الله- في شرحه لهذه القاعدة:((ما تدعو إليه الضرورة من المحظورات إنما يرخص منه القدر الذي تندفع به الضرورة فحسب،فإذا اضطر إنسان لمحظور فليس له أن يتوسع في المحظور،بل يقتصر منه على قدر ما تندفع به الضرورة فقط )) (2) .
ــــــــــــــــ
1- الأشباه والنظائر،للسيوطي: (ص84) والأشباه والنظائر،لابن نجيم: (ص86) .
2- شرح القواعد الفقهية،للزرقاء: (ص133) .
22(1/14)
فالحجام مضطر لمحظور وهو:الكشف والنظر إلى العورة،وهذا الاضطرار مقيد بموضع معين،فليس له مجاوزته في الكشف والنظر،ولا الزيادة على الوقت المحتاج إليه .
فإن خالف هذا الواجب: فقد عرض نفسه للإثم،وكان للقاضي المسلم أن يحكم بتعزيره بما يستحق من العقوبة .
6- كتمانُ سرِّ المريض:
حفظ أسرار الناس ،وستر عوراتهم واجب كلِّ مسلم،ويتأكد هذا الواجب على الحجام،وذلك:لأن المرضى قد يكشفون له شيئاً من أسرارهم ،فيجب على الحجام لزاماً أن يصون ما كُشف له من أحوال مريضه،محيطاً تلك الأسرار بسياجٍ كامل من الكتمان .
صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة )). رواه مسلم وأبو داود واللفظ له وغيرهما عن أبي هريرة-رضي الله عنه- .
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
((لا يستر عبدٌ عبداً في الدنيا،إلا ستره الله يومَ القيامة )) .
وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( من ستر عورة أخيه؛ ستر الله عورته يوم القيامة،ومن كشف عورة أخيه المسلم؛كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته)) حديث حسنٌ،أخرجه ابن ماجة في السنن.
23
إلاَّ أنه يجوز للحجام-وقد يجب- إظهار أسرار المريض في حالات خاصة،منها :
أ - إذا كان هناك ضرر على مصلحة المريض..كأن يكون المريض مصاباً بمرض نفسي قد يدفعه إلى إحداث ضرر بنفسه كالانتحار مثلا،فالواجب على الحجام عندئذ أن يخبر أهل المريض حتى يمنعوه عن إيقاع الضرر بنفسه.
ب - إذا كان هناك ضرر على مصلحة إنسان آخر ..كأن يكون المريض مصاباً بمرض تناسلي معدٍ،وهو على وشك الزواج،وطلب منه المعالج تأخير زواجه إلى حين شفائه فرفض المريض ،فحينئذ يجب على المعالج إخبار أهل الزوجة منعاً لوقوع الضرر بها إذا تم الزواج .(1/15)
ج - إذا كان هناك ضرر على المصلحة العامة..كأن تكون مهنة المريض سائقَ حافلة عامة،أو قائد طائرة ،وهو مصاب بمرض عصبي يفقده السيطرة على قواه كالصرع مثلا،فيجب على المعالج أن يمنعه من أداء مهنته هذه لوقوع الضرر بالآخرين،فإن لم يمتنع جاز للمعالج إخبار الجهات المعنية لمنعه .
7- حُسْنُ الخلق :
يتعامل الحجام مع الناس بشكل مستمر،وغالب هؤلاء الناس هم مرضى يحتاجون إلى الرعاية واللطف ،فيجب على الحجام أن يكون معهم كريماً شفوقاً،حسن العشرة،طيب الكلام،مشاركاً لهم مصائبهم،ومواسياً لهم،ومعبراً لمرضاه عن تمنياته الصادقة بالشفاء العاجل،والمعافاة الكاملة .
في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-قال: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحشاً،ولا متفحشاً،وكان يقول: (( إنَّ من خياركم أحسنكم أخلاقاً )) .
24
وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟فقال: (( تقوى الله وحسنُ الخلق )).وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟فقال: (( الفمُ والفَرْجُ )) . حديث حسن . أخرجه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد،والترمذي،وابن ماجة.
وعند الطبراني وابن حبان في صحيحه عن أسامة بن شريك -رضي الله عنه-قال:كنّا جلوساً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنَّما على رؤوسنا الطير،ما يتكلم منا متكلم،إذ جاء أُناسٌ فقالوا :من أحبُّ عباد الله إلى الله تعالى ؟قال: (( أحسنهم خُلقاً )) حديث صحيح.انظر: صحيح الترغيب: (3/10 ) .
8- التواضع :
لابدَّ للحجام أن يكون متواضعاً،يقبل الحق أينما وجده،فيقبل مشورة غيره من الحجامينَ،طالباً قدر استطاعته الاستفادة منهم في سبيل علاج مرضاه.قال الله عز وجل: { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً } سورة الفرقان،آية:63.(1/16)
وعن أبي هريرة –رضي الله عنه – أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:((ما نقص مالٌ من صدقة،وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزَّاً،وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله))رواه مسلم .
وثبت في مسند الإمام أحمد،والبخاري في الأدب المفرد ،والحاكم في المستدرك،عن ابن عمر –رضي الله عنهما-قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
(( من تعظَّم في نفسه أو اختال في مشيته،لقي الله عزَّ وجل وهو عليه غضبان )) .
25
9- التعليم :
يجب أن يكون الحجام مستعداً دائماً لتعليم إخوانه الجدد في صناعة الحجامة،والذين لا تزال معارفهم قاصرة،وتنقصهم الدُّرْبَةُ والخبرةُ في هذه الصناعة التي تصدوا لتعلمها،والعلاج بها .
أخرج البخاري ومسلم عن أنس –رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
(( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) .
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله –رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
(( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل )) .
10- التأصيل الشرعي،أو التفقه في الدين :
يجب على الحجام المسلم أن يعرف الأمور الشرعية المتعلقة بصناعة الحجامة التي تصدى للعلاج بها،حتى لا يقع في محذور يخالف شريعة الإسلام،فإنَّ للحجامة بعضاً من الأحكام الشرعية الخاصة بها.
وقد عرفت – أيها الحجام – شيئاً منها قبلُ،وسأذكر بعضاً منها – بمشيئة الله- عند الحديث عن الأحكام الفقهية المتعلقة بالحجامة .
عن معاوية –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من يرد الله به خيراً يفقه في الدين )) متفق عليه .
11- تفريجُ كُرَبِ المريض،وتقديم المساعدة لكلِّ محتاج :
من واجب الأخوة الإسلامية:أن يدفع المسلم عن أخيه الضرر قدر استطاعته،وأن يقوم بمساعدته في أي وقت وحين،والحجام المسلم مندرجٌ في
26
عموم هذا الواجب، فعليه مساعدة الناس قدر استطاعته،وعلاجهم في أي وقت كان .(1/17)
في الصحيحين عن ابن عمر-رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
(( المسلم أخو المسلم،لا يظلمه،ولا يُسْلِمُهُ،من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربةً فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة )) .
12- التلطف بالمريض،والرفق به،والحِلم في استجوابه عند علاجه :
على الحجام أن يكون رفيقاً متلطفاً في تعامله مع مريضه،مراعياً مستوى المريض النفسي والثقافي،مخاطبا إيَّاه على قدر عقله.
وأن يستمع الحجام للمريض باهتمام إلى شكواه .
عن عائشة-رضي الله عنها- قالت:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إنَّ الرفق لا يكون في شيءٍ إلاّ زَانَهُ،ولا يُنزَعُ من شيءٍ إلا شَانَهُ )) رواه مسلم .
وعن ابن عباس-رضي الله عنمها-قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأشجِّ: (( إنَّ فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحِلْمُ والأناةُ )) رواه مسلم .
ثم يدعو الحجام للمريض بالشفاء والعافية.
أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنها -أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتى مريضاً أو أُتيَ به،قال: ((أذهب الباس،اشف وأنت الشافي،لا يغادر سقماً)) .
27
وفي الصحيحين عنها-رضي الله عنها-:أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعود بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: (( اللهم رب الناس، أذهب الباس،اشف أنت الشافي لا شفاء إلاّ شفاؤك،شفاءً لا يغادر سقماً )) .
وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أعرابي يعودُه،وكان إذا دخل على من يعوده قال: (( لا بأس،طهورٌ إن شاء الله )) رواه البخاري .
وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه-قال:عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (( اللهم اشف سعداً،اللهم اشف سعداً،اللهم اشف سعداً )) .(1/18)
ثم يُذَكِّرُ المريضَ بالأدعية المأثورة الصحيحة التي تقال عند المرض(1) موصياً له بالتوبة والاستغفار،لما في ذلك من توثيق صلة المريض بربه،وزيادة اعتماده عليه سبحانه جلَّ وعلا،فهو المفرج للكروب،والمعافي للأمراض،والرافع للبلاء،لا ربَّ سواه ولا إله غيره .
قال سبحانه: { أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشفُ السوء ويجعلُكم خُلفاءَ الأرض أءله مع الله قليلاً ما تذكرون } سورة النمل،آية:62.
________________
1- فائدة : حديث : (( من قرأ آية الكرسي عند الحجامة كانت منفعتها منفعة حجامتين )) .
لا يصح،وعليه لا يستحب قراءة آية الكرسي عند الحجامة .
28
13- مواكبة التطور العلمي :
على الحجام متابعة كلِّ ما هوجديد في مجال تخصصه،وذلك للاستفادة مما يجد من أبحاث حول الحجامة،والعلم الحديث كما نرى ونسمع يأتينا بين الحين والآخر بما هو جديد ونافع للحجامة وفوائدها،فينبغي للحجام الاهتمام بذلك من أجل فائدة نفسه ومرضاه،وتطبيق تلك الفوائد عند العلاج بالحجامة .
وختاماً لبعض الآداب المتعلقة بالحجام،وبكلمةٍ جامعةٍ، أقول:
يجب على الحجام أن يستند في جميع أعماله ،وأقواله،وكلِّ تصرفاته إلى أحكام شريعة الإسلام،مبتعداً عن الأدران والشهوات والشبهات،مهتماً بحسن لباسه،وطيب رائحته،ونظافة بدنه،وأن يكون حسنَ الأخلاق،سليم القلب، عفيف النظر،صادق اللهجة، معتقداً أن الشفاء من عند الله جلَّ وعلا،وأنه مهما استخدم من علاج،فلابد من وجود تقدير الخالق سبحانه – مسبقاً- العافية لهذا المريض بهذا الدواء،ناقلاً الحجام هذا الاعتقاد الجازم إلى المريض ،فكم من مرض يسير كانت به نهاية صاحبه،وكم من علة شديدة،ومرض عضال حصل منه الشفاء والبرء بإذن الله (1) .
عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه-قال :قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لكلِّ داءٍ دواءٌ،فإذا أصيب دواء الداء برىء بإذن الله عزَّ وجل )) أخرجه مسلم .
ـــــــــــــ(1/19)
1- انظر:الطب النبوي،للنسيمي : (3/386-390)والطب النبوي في ضوء العلم الحديث: (2/246-248)وأحكام الجراحة: (ص 459إلخ )والطبيب المسلم،الواجبات والمسؤوليات،للدكتور شبيب الحاضري.ونفح الطيب في آداب وأحكام الطبيب،لإبراهيم بن محمد .
29
الأحكام الفقهية المتعلقة بالحجامة :
سأذكر في هذا المبحث بعضاً من الأحكام الفقهية المتعلقة بالحجامة على سبيل الإجمال،إلاَّ في مسألة أخذ الأجرة على الحجامة،فسيكون بحثها على سبيل البسط والتفصيل،وذلك من أجل كثرة دورانها على ألسنة الحجامين والمرضى،وهل يجوز أخذ المال على الحجامة مطلقاً ؟والمشارطة على ذلك قبل فعلها للمريض،هل هو جائز أم لا ؟ كلُّ ذلك سيأتي بسطه - بمشيئة الله عزَّ وجلَّ - .
1- الوضوء والاغتسال بعد الحجامة :
ذهبت الحنفية،وكذلك الحنابلة:على أنَّ الحجامة من نواقض الوضوء،فمن احتجم فعليه الوضوء .
وقرر المالكية،والشافعية:عدم نقض الوضوء بالحجامة (1) .
والراجح :
هو:عدم نقض الوضوء بالحجامة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في مجموع الفتاوى(20/527): ((ولم يثبت عنه - أي النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بالوضوء من الحجامة،ولا أمر أصحابه بالوضوء إذا جرحوا،مع كثرة الجراحات ... )) واختار شيخ الإسلام:الاستحباب لا الإيجاب (2) .
ــــــــــــــ
1-انظر: المغني،لابن قدامة :(1/184) والمجموع شرح المهذب،للنووي:(2/65إلخ ) ونيل
الأوطار:(1/294-296)والفقه والإسلامي وأدلته:(1/267-268) .
2-انظر: مجموع الفتاوى:(20/526-527) .
30
وقال الإمام الشوكاني –رحمه الله -: (( ... فلا يُصار إلى القول بأنَّ الدم والقيء ناقض إلاّ لدليل ناهض،والجزم بالوجوب قبل صحة المستند كالجزم بالتحريم قبل صحة النقل،والكلُّ من التقول على الله بما لم يقل .(1/20)
ومن المؤيدات لما ذكرنا،حديث: أنَّ عبَّاد بن بشر أصيب بسهام وهو يصلي،فاستمر في صلاته-عند البخاري تعليقاً وأبي داود وابن خزيمة-ويبعد أن لا يطلع النبي - صلى الله عليه وسلم - على مثل هذه الواقعة العظيمة ،ولم ينقل أنه أخبره بأن صلاته قد بطلت(1) )).
أقول: إنْ توضأ المحتجم احتياطاً وخروجاً من الخلاف فهو حَسَنٌ .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/261):
((الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله وصحبه.وبعد : لا نعلم دليلاً شرعاً يدل على أن خروج الدم من غير الفرج من نواقض الوضوء،والأصل أنه ليس بناقض.والعبادات مبناها على التوقيف،فلا يجوز لأحد أن يقول هذه العبادة مشروعة إلاَّ بدليل.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى نقض الوضوء بخروج الدم الكثير عرفاً من غير الفرج،فإذا توضأ من خرج منه ذلك احتياطاً وخروجاً من الخلاف فهو حَسَنٌ،لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( دع ما يريبُكَ إلى مالا يريبُكَ )) .
ـــــــــــــــ
1- انظر:نيل الأوطار: (1/295).
31
أمَّا الاغتسال من الحجامة :
فمستحب عند جمهور أهل العلم وليس بواجب،لما ورد في ذلك من آثارٍ،ومعللين ذلك :بأن الحجامة تضعف الجسد،والغُسْلُ يَشُدُّه وينعِشُه.
وبتعليلٍ آخر : أن ذلك للنظافة وطهارة البدن (1) .
2- الحجامة للصائم في نهار رمضان :
ذهب جمهور أهل العلم:على أنَّ الحجامة في نهار رمضان ليست من المفطرات للصائم، ويجوز له فعلها، مع اختيارهم:أن الترك أولى،لعلة أن الحجامة قد تضعف الصائم،وخروجاً من خلاف من قال:بإفطارها للصائم .
واختار الحنابلة:أن الحجامة مفطرة للصائم،حاجماً كان أو محجوماً،فمن فعلها في نهار رمضان،فعليه القضاء دون الكفارة .
ــــــــــــــــ(1/21)
1-انظر: المجموع شرح المهذب:(2/232)ومغني المحتاج،للشربيني:(1/291)والإقناع،للشربيني:(1/72)وروضة الطالبين،للنووي:(2/44)وشرح العمدة،لشيخ الإسلام ابن تيمية:(1/361و364)والمصنف،لعبد الرزاق:(1/179-180)والأوسط،لابن المنذر:(1/179)ونيل الأوطار:(1/299)وسبل السلام،لابن الأمير الصنعاني:(1/86-87) وعون المعبود شرح سنن أبي داود:(2/10) .
32
أقول:
والمختار: هو ترك الحجامة للصائم في نهار رمضان: براءةً للذمة،واحتياطاً للدين، وخروجاً من خلاف من قال بالإفطار (1).
3- الحجامة والإحرام :
في الصحيحين عن ابن عباس-رضي الله عنه-قال: (( احتجم رسول - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم )) .
الحجامة للمحرم عند جمهور أهل العلم:مباحة من غير فدية إذا لم يقطع شعراً .
فإن احتاج في الحجامة إلى قطعِ شعرٍ،فله قطعه وعليه الفدية(2) .
ــــــــــــــــــ
1- انظر:المبسوط،للسرخسي:(3/57)وبدائع الصنائع،للكاساني:(2/107)وتحفة الفقهاء،للسمرقندي:(1/368)وشرح فتح القدير:(2/330و377)وشرح الزرقاني على موطأ مالك:(2/234إلخ)والفواكه الدواني،لابن غنيم:(1/308)والمجموع شرح المهذب:(6م363إلخ)وحلية العلماء،للقفال:(3/173)ومغني المحتاج:(1/431)والمغني:(3/15)والمبدع، لابن مفلح:(3/25)والإنصاف،للمرداوي :(3/302) .
2-انظر: المغني:(3/306-307) والمجموع:(7/315)وفتح الباري:( 4/51و10/154)وسبل السلام: (2/159) .
33
4- الإجارة على الحجامة :
اختلف أهلُ العلم –رحمهم الله- في مسألة الإجارة على الحجامة على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
تجوز الإجارة على الحجامة،ويكره للحُرِّ أكل ثمنها.وهو مذهب الحنابلة-رحمهم الله - (1) .
القول الثاني:
تجوز الإجارة على الحجامة مطلقاً .
وهو قول عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما-،وعكرمة،والقاسم،ومحمد بن علي،وربيعة،ويحي الأنصاري،والليث بن سعد .
وهو مذهب الحنفية،والمالكية،والشافعية -رحم الله الجميع -(2) .
القول الثالث :(1/22)
لا تجوز الإجارة على الحجامة ولا تصح .
وهو قول عثمان،وأبي هريرة –رضي الله عنهما-،والحسن البصري،وإبراهيم النخعي.وهو مذهب الظاهرية-رحمهم الله-(3) .
ـــــــــــــــــ
1-انظر:المغني والشرح الكبير:(6/121-123)والإنصاف،للمرداوي:(6/47-48) .
2-انظر: الهداية،للمرغيناني:(3/193)وبدائع الصنائع،للكاساني:(4/190)والكافي،لابن عبد البر:(2/756)والبيان والتحصيل،لابن رشد:(8/446)والمهذب،للشيرازي:(2/325)
3-انظر: المحلى،لابن حزم:(8/193) .
34
محل الخلاف:
ينحصر محل الخلاف بين المجيزين والمانعين في حال المشارطة،أمَّا لو أعطاه المحتجم بدون سبق مشارطة،فإن المانعين يجيزون للحجام أكل ذلك الكسب ولا يحرمونه.
أدلة الأقوال المذكورة :
1-دليل القول الأول :
اشتمل القول الأول على أمرين: 1-صحة الإجارة . 2-كراهة أكل ثمنها.
فأما صحة الإجارة،فقد احتجوا له بدليل السنة والعقل :
أ-دليلهم من السنة :
حديث عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما-أنه قال: (( احتجم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعطى الحجام أجره )) رواه البخاري ومسلم .
حديث أنس –رضي الله عنه- أنه قال: (( حجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو طيبة فأمر له بصاع من تمر،وأمر أهله أن يخففوا عنه )) رواه البخاري ومسلم .
وجه الدلالة :
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى الحجام أجرته،فلو كانت الإجارة على فعل الحجامة محرمة لما فعلها،ولما أعطى الحجام تلك الأجرة،ولذلك قال عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما- بعد روايته الحديث: ((لو كان حراماً -في لفظ البخاري،ولفظ مسلم-سحتاً لم يعطه النبي - صلى الله عليه وسلم - )) (1) .
ـــــــــــــــ
1- أشار إلى هذا الوجه من الاستدلال:الإمام ابن رشد-الجد - والإمام ابن قدامة-رحمهما الله- انظر: البيان والتحصيل:(8/446) والمغني والشرح الكبير :(6/122) .
35
ب-دليلهم من العقل :
استدلوا بالعقل من أربعة أوجه وهي :
الوجه الأول :(1/23)
تجوز الإجارة على الحجامة،كما تجوز على الختان والفصد بجامع كونِ كلٍّ منهما منفعة مباحة (1) .
الوجه الثاني :
تجوز الإجارة على الحجامة،كما تجوز على الخياطة والبناء بجامع كونِ كلٍّ منهما منفعة مباحة (2) .
الوجه الثالث :
تجوز الإجارة على الحجامة،كما تجوز على الرضاع بجامع وجود الحاجة إلى فعل كلٍّ (3) .
الوجه الرابع:
أنَّ الحاجة داعية إلى فعل الحجامة والتداوي بها،وليس كلُّ إنسانٍ يبذلها بدون مقابل،ففي منع الإجارة عليها حرج (4) .
ــــــــــــــــــ
1-انظر: المبدع،لابن مفلح:(5/92)والإقناع،للحجاوي:(2/302)ومنتهى الإرادات،للفتوحي:(1/486) .
2-انظر:المغني والشرح الكبير:(6/122) .
3-انظر:المصدر السابق . 4-أشار إلى هذا الوجه من النظر:الشيخ منصور البهوتي في شرحه لمنهى الإرادات بقوله:(( ... ولدعاء الحاجة إليه)) يعني إلى فعل الحجامة.شرح منتهى الإرادات:(2/367) .
36
وأمَّا كراهة أكلِ الحُرِّ لأجرة الحجامة،فقد استدلوا لها بالسنة والعقل-أيضاً-:
أ-دليلهم من السنة :
حديث مُحَيِّصَةَ بن مسعود -رضي اله عنه-أنه استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في إجارة الحجامة فنهاه عنها،ولم يزل يسأله،ويستأذنه حتى قال: (( أعلفهُ ناضحَك،أو أطعمه رقيقك )) رواه أحمد في المسند،وأبو داود،والترمذي.وهو حديث صحيح.
وجه الدلالة من الحديث:
أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإطعامه الرقيق،والرقيق آدمي كالحر يمنع ما يمنع منه الحر،فكونه يبيح له إطعامه الرقيق،فيه دليلٌ على حلِّ أكل أجرة الحجامة وكسبها،والأمر بإطعام ذلك الكسب للرقيق،فيه دليل على كراهة أكل الحر له (1) .
ب-دليلهم من العقل :
يكره للحر أكل أجرة الحجامة والتكسب بها،كما يكره له الكسح بجامع دناءة الحرفة في كلٍّ (2) .
2-دليل القول الثاني :(1/24)
استدل القائلون بصحة الإجارة على فعل الحجامة،وأنه يجوز أكل أجرتها بنفس الأدلة التي استدل بها أصحاب القول الأول في الفقرة الأولى من استدلالهم .
ــــــــــــــــــ
1-انظر: البيان والتحصيل:(8/446)والمغني والشرح الكبير:(6/122)والمبدع:(5/92)
2-انظر: المغني والشرح الكبير:(6/123) والمراد بالكسح:الكنس،والكساحة:الكناسة.المصباح المنير،للفيومي:مادة:كسح .
37
3-دليل القول الثالث :
استدل القائلون بتحريم الإجارة على فعل الحجامة بدليل السنة :
أ-حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- : ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كسب الحجام ... )) رواه الإمام أحمد، والنسائي،والبيهقي،وغيرهم،وهو حديث صحيح .
ب-حديث رافع بن خديج-رضي الله عنه-عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
(( ... كسب الحجام خبيث )) رواه مسلم .
ج-حديث أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: (( حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كسب الحجام )) رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار. وسيأتي الكلام على الحكم على هذا الحديث بعدُ-إن شاء الله- .
وجه الدلالة من الأحاديث :
أنها نصت على حرمة كسب الحجام،لأن الأصل في النهي أنه للتحريم،وكذلك وصفه كسب الحجام بالخبث ظاهر في الدلالة على حرمته،وأما حديث أنس فصريح في الدلالة على عدم جواز ذلك الكسب (1) .
سبب الخلاف :
سبب اختلافهم في هذه المسألة:تعارض الأحاديث الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ــــــــــــــ
1-انظر:بداية المجتهد،لابن رشد : (3/223) ونيل الأوطار:(5/285).
38
الراجح من الخلاف :
المترجح من الأقوال المتقدمة – والعلم عند الله – هو:
القول بصحة الإجارة على الحجامة،وكراهية أكل ثمنها للحرِّ خاصة،وذلك لما يأتي:
أولاً :لصحة دلالة النقل والعقل على ذلك،كما تقدم بيانه في استدلال أصحاب هذا القول .(1/25)
ثانياً : أنَّ هذا القول فيه جمع بين الأدلة،ودفعٌ لدعوى التعارض،والجمع بين الأدلة أولى من العمل ببعضها،وترك البعض الآخر،كما هو مقرر في علم الأصول .
ثالثاً:وأما استدلال أصحاب القول الثالث،فيجاب عنه من الوجوه التالية:
الوجه الأول:
أن حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- اشتمل على النهي عن كسب الحجَّام،والأصل في النهي أن يحمل على التحريم ،ولكن بشرط عدم وجود الصارف،وهنا قد وجد الصارف من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعله .
فأمَّا قوله ،فذلك في أمره لأبي طيبة-رضي الله عنه- في حديثه الصحيح.وأمَّا فعله،فذلك في إعطائه الحجام أجرته،إذ لا يصح أن يعطي النبي - صلى الله عليه وسلم - الحرام أو يعين عليه (1) .
ــــــــــــــــ
1- أشار إلى هذا الجواب:الإمام ابن قدامة-رحمه الله- في المغني:(6/122) .
39
الوجه الثاني:
أنَّ وصف كسب الحجام بالخبيث،كما في حديث رافع-رضي الله عنه- لا يستلزم التحريم ، ولذلك ورد وصف الثوم والبصل بالخبث،مع أنهما من المباحات(1).
الوجه الثالث:
أن حديث أنس –رضي الله عنه –لم أقف على من صححه،وهو مُعَارَضٌ بما ثبت في الصحيحين :((أنه سئل عن كسب الحجام فذكر احتجام النبي - صلى الله عليه وسلم - وإعطائه لأبي طيبة الصاعين أجرةً للحجامة))،فكونه لم يذكر تحريم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه إشارة إلى بعد صحة رواية التحريم،وإن كان التحريم وارداً من طرق صحيحة عن غيره من الصحابة-رضي الله عنهم-.
وإلاَّ أن يقال: إنه كان عالماً بالتحريم،ولم يذكره لكونه منسوخاً،وهذا مسلك بعض العلماء-رحمهم الله- في جمعهم بين هذه الأحاديث المختلفة،فإنهم يرون أن النهي كان في أول الأمر ثم نسخ (2) .
ـــــــــــــــــ
1-انظر: المغني والشرح الكبير:(6/122)وزاد المعاد،لابن القيم .(1/26)
2-أشار إلى هذا المسلك:الحافظ ابن حجر في الفتح:(4/309)ونسب إلى الطحاوي-رحمه الله-جنوحه إليه،ثم رده بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال.ومال إلى هذا المسلك:الإمام السرخسي-رحمه الله- في المبسوط: (5/84)وحكاه الإمام ابن رشد الجد-رحمه الله-في البيان: (8/446)ورجح الجواب بأن النهي للكراهة،وأن الحديث ليس بمنسوخ .
40
وعلى كلٍّ فإن حديث أنس-رضي الله عنه-هذا إمّا ضعيف،أو صحيح منسوخ،أو صحيح محمول على ما حمل عليه حديث أبي هريرة-رضي الله عنه - المتقدم (1) .
وخلاصةً لما تقدم، أقول:
الراجح هو القول بصحة عقد الإجارة على فعل الحجامة،وكراهة أكلِ أجرتها للحرِّ خاصة ، هذا عند وجود المشارطة،فأمَّا إنْ أعطي الحرُّ مالاً بدون شرطٍ سابقٍ فله أخذه،ولا كراهة في ذلك ، والله أعلم .
- - -
ــــــــــــــــــ
1-انظر: أحكام الجراحة،للشنقيطي:(601-610 ) .
41
أوقاتُ الحجَامة :
ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عدَّةٌ من الأحاديث،تفيدُ حصر فعل الحجامة في أوقات معينة بالنسبة لأيام الأسبوع،وكذلك لأيام الشهر،وأيضاً تحذر وتمنع من فعل الحجامة في أيام معينة،وهذه الأحاديث كثير منها لا يصح ثبوت سندها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،فسأذكر-بمشيئة الله- بعضاً من هذه الأحاديث المنتَقَدَةِ عند أهل الحديث-رحمهم الله-ثم أذكر ما صح ثبوتُه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وإنْ كان التصحيح هنا مما اختلف فيه اجتهاد النقاد والحفاظ من أهل صِنَاعة الحديث،إلاَّ أنني اخترت ما قرَّرَ ثبوته وصحته أئمتُهم وكبراؤهم –رحمهم الله - .
فأقول:
الأحاديث الضعيفة،والموضوعة،بالنسبة لأيام الأسبوع :
1-(( الحجامة يوم الأحد شفاء)) .
الحديث: ضعيف جداً.انظر: ضعيف الجامع:(رقم:2759) .
2-((الحجامة يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر،دواء لداء السنة )) .
الحديث:موضوع.انظر: ضعيف الجامع:(رقم:2759) .(1/27)
3-((من احتجم يوم الأربعاء، أو يوم السبت،فرأى في جسده وضحاً،فلا يلومنَّ إلاَّ نفسه )) .
الحديث:ضعيف.انظر: السلسلة الضعيفة:(رقم:1408و1524و1672).
4-((من احتجم يوم الخميس،فمرض فيه،مات فيه )) .
الحديث: منكر جداً.انظر السلسلة الضعيفة:(رقم:1409) .
42
5- عن أبي بكرة-رضي الله عنه-أنه كان ينهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء،ويزعم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((أنَّ يوم الثلاثاء يوم الدم،وفيه ساعة لا يرقأ فيه الدم)).
الحديث:ضعيف.انظر:ضعيف الترغيب:(2/379) .
6-(( إنَّ في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها محتجم إلاَّ عرض له داء لا يشفى منه)).
الحديث:ضعيف.انظر:السلسلة الضعيفة: (رقم:1411).
7-((إنَّ في الجمعة لساعة لا يحتجم فيها أحد إلاَّ مات )) .
الحديث:موضوع.انظر:السلسلة: (رقم:1412) .
الأحاديث المتقدمة:كلاًّ،أو بعضاً،قد حكم عليها جملة من الحفاظ بعدم الثبوت.
قال الإمام النووي-رحمه الله- في المجموع شرح المهذب(9/58):( والحاصل أنه لم يثبت شيءٌ في النهي عن الحجامة في يوم معين ، والله سبحانه وتعالى أعلم ).
وقال غير واحد من أئمة الحديث مثل ذلك، ويُنظر إطلاعاً على أقوالهم :كتب الضعاف والموضوعات (1) .
ـــــــــــــــــ
1-وانظر- أيضاً -:التمهيد، لابن عبد البر:(24/350)وفتح الباري:(10/149)وعون المعبود: (10/241)وتحفة الأحوذي:(6/174-175)ونيل الأوطار:(9/98) والإنصاف،للمرداوي:(1/82)وكفاية الطالب،لأبي الحسن المالكي:(2/641) وخاتمة سفر السعادة،للفيروزآبادي:(264)والتحديث بما قيل لا يصح فيه حديث،للعلامة بكر أبوزيد:(334) .
43
فائدة :
كره الإمام أحمد بن حنبل-رحمه الله-:الإحتجام يوم السبت،ويوم الأربعاء،وقال:(بلغني عن رجل أنه تنور واحتجم،يعني:يوم الأربعاء،فأصابه البرص فقلت له:كأنه تهاون بالحديث،قال:نعم ) .(1/28)
قال ابن مفلح في الفروع من كتب الحنابلة-رحمهم الله- (1/109)وعنه المرداوي،في الإنصاف(1/127)والبهوتي،في كشَّاف القناع(1/82):(كره أحمد الحجامة يوم السبت،ويوم الأربعاء،نقله:حرب،وأبو طالب،وعنه الوقف في يوم الجمعة،وفيه خبر متكلمٌ فيه ... والمراد بلا حاجة!!قال حنبل:كان أبو عبد الله يحتجم أيَّ وقت هاج به الدم،وأيَّ ساعة كانت،ذكره الخلال)(1) .
فعلم مما تقدم: أنَّ الكراهة عند الإمام أحمد-رحمه الله- إن فعلت في هذه الأيام بغير حاجة.أمَّا إن فعلها لحاجة فلا كراهة .
وعليه:إنْ ترك المسلم الإحتجام في هذه الأيام توقياً،فله ذلك،خاصةً وأن بعض أهل العلم يُثبت نسبةَ بعض هذه الأحاديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي.
وإن فعل الإحتجام لغير حاجة،لعلة عدم صحة الوارد في النهي عن الإحتجام في هذه الأيام،فله ذلك.
ــــــــــــــــ
1-انظر: التمهيد:(24/350)وفتح الباري:(10/149)والطب النبوي،لابن القيم:(ص74)والآداب الشرعية ،لابن مفلح .وفيض القدير:(6/35) .
44
جاء في كفاية الطالب(2/641)لأبي الحسن المالكي،من كتب المالكية -رحمهم الله -:(والحجامة:حسنة،أي مستحبة في كل أيام السنة.وقال ابن رشد:ولصحة إيمان مالك بالقدر،كان لا يكره الحجامة،ولا شيئاً من الأشياء يوم السبت،والأربعاء،بل يتعمد ذلك فيهما ).
- - -
45
الأحاديث الصحيحة بالنسبة لأيام الأسبوع :(1/29)
عن نافع،أنَّ ابن عمر-رضي الله عنهما-قال له:يا نافع تبيغ بي الدم فالتمس لي حجاماً،واجعله رفيقاً إن استطعت،ولا تجعله شيخاً كبيراً،ولا صبياً صغيراً،فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:(( الحجامةُ على الريق أمثلُ،وفيها شفاء وبركة،وتزيد في العقل والحفظ،واحتجموا على بركة الله يوم الخميس،واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت والأحد تحريَّاً،واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء؛فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب،وضربه بالبلاء يوم الأربعاء،فإنه لا يبدو جُذامٌ ولا بَرَصٌ إلاَّ يوم الأربعاء،وليلة الأربعاء )) . رواه ابن ماجة في السنن ، وغيره .
الحديث:حَسَّنَهُ بمجموع طرقه الإمام الألباني-رحمه الله-في السلسلة الصحيحة: (رقم:766)وفي صحيح الترغيب(3/354) قال: حسن لغيره .
الأحاديث الضعيفة،والموضوعة بالنسبة لأيام الشهر :
1-((احتجموا لخمس عشرة،أو لسبع عشرة،أو لتسع عشرة،أو إحدى وعشرين،لا يتبيغ بكم الدم فيقتلكم )) .
الحديث:ضعيف.انظر:السلسلة الضعيفة:(رقم:1863) .
تنبيه: قد صح الحديث من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - دون قوله:(لا يتبيغ ).
وصح من قوله - صلى الله عليه وسلم - نحوه –كما سيأتي- دون:(التبيغ) .
وليس في الثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأحاديث لفظ:(لخمس عشرة )!! .
أمَّا لفظ:(التبيغ)فهو ثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - بلفظ: (( إذا هاج بأحدكم الدم فليحتجم،فإن الدم إذا تبيغ بصاحبه يقتله )) .
تقدم ذكره ، وسيأتي شرحه في موضعه – إن شاء لله - .
46
2-((من أراد الحجامة فليتحر سبع عشرة،أو تسع عشرة،أو إحدى وعشرين،ولا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله )) .
الحديث: ضعيف جداً.انظر :السلسلة الضعيفة:(رقم:1864) .
والكلام عليه: فقهاً واصطلاحاً كسابقه ! .
3-((الحجامة يوم الثلاثاء لسبعَ عشرةَ مَضَتْ من الشهرِ دواء السَّنَة )) .(1/30)
الحديث:موضوع،روي من حديث معقل بن يسار-رضي الله عنه-،وروي نحوه من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-ولا يصح –أيضاً-انظر:السلسلة:(رقم:1799)وضعيف الترغيب:(3/379) .
هذا الحديث:فيه ذِكْرُ اليومِ من الأسبوع حاصراً فعلَ الحجامة بيوم من الشهر،فاجتمع نسبة اليوم من الأسبوع،واليوم من الشهر،ولذلك ذكرته هنا .
الأحاديث الصحيحة بالنسبة لأيام الشهر :
1-(( إنَّ خيرَ ما تحتجمون فيه يوم سبع عشرة،ويوم تسع عشرة،ويوم إحدى وعشرين )) .
الحديث:صحيح لغيره.انظر:صحيح الترغيب: (3/352) .
2-(( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحتجم في الأخدعين والكاهل،وكان يحتجمُ لسبع عشرة ،وتسع عشرة،وإحدى وعشرين )) .
الحديث: حَسَنٌ .انظر:السلسلة الصحيحة: (رقم:908)صحيح الترغيب: (3/353) .
3-((من احتجم لسبع عشرة،وتسع عشرة،وإحدى وعشرين كان شفاءً من كلِّ داءٍ )) .
الحديث:حَسَنٌ . انظر: صحيح الترغيب: (3/353) .
47
فصلٌ:
تحديد فعل الحجامة بالنسبة لليوم من الأسبوع،أو الشهر:إنما هو عند عدم الحاجة إلى الحجامة،وذلك: أن الحجامة تنقسم إلى قسمين:
أ-القسم الأول:ضروري . ب-القسم الثاني:اختياري
فالاختياري:الأفضل فيه أن يكون موافقاً للأيام المذكورة في هذه الأحاديث .
والضروري:يُفعلُ متى وجد الاحتياجُ إليه .
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله – في الطب النبوي (ص45-46): (وهذه الأحاديث موافقة لما أجمع عليه الأطباء :أن الحجامة في النصف الثاني،-وما يليه من الربع الثالث من أرباعه- أنفع من أوله وآخره ،وإذا استعملت عند الحاجة إليها نفعت أيَّ وقت كان: من أول الشهر وآخره .(1/31)
قال الخلال: أخبرني عصمة بن عاصم،قال: حدثنا حنبل،قال: كان أبو عبد الله أحمد بن حنبل يحتجم أيَّ وقت هاج به الدم،وأيَّ ساعة كانت ... - إلى أن قال الإمام ابن القيم-:واختيار هذه الأوقات للحجامة:فيما إذا كانت على سبيل الاحتياط والتحرز من الأذى،وحفظاً للصحة .وأمَّا في مداواة الأمراض:فحيثما وجد الاحتياج إليها،وجب استعمالها )) .
48
وقال موفق الدين البغدادي-رحمه الله -في الطب من الكتاب والسنة:(ص47): (هذا النهي- أي في الأيام المنهي عن الاحتجام فيها-كله إذا احتجم حال الصحة،أمَّا وقت المرض،وعند الضرورة،فعندها سواء كان سبع عشرة،أو عشرين)(1) .
- - -
ــــــــــــــــ
1- وانظر:فتح الباري: (10/149)وفيض القدير:(1/181)وتحفة الأحوذي:(6/175).
49
مواضعُ الحِجَامة :
من المهمات التي ينبغي معرفتها لصانع الحجامة:معرفة مواضع الحجامة من جسد الإنسان،وهذه المواضع:سيأتي ذكرها في قسمين :
1- القسم الأول: المواضع التي احتجم عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - من جسده الشريف،مقتصراً على ما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - من المواضع،وقد أنبه على بعض ما لم يصح لمناسبة في ذلك.
2- القسم الثاني:ما ذكره الأطباء المتقدمون،وغيرهم في مصنفاتهم من مواضع الحجامة،مُتْبِعَاً ذكرَ كلامِ الأطباء المعاصرين،وأصحاب الخبرة والاختصاص في علم صناعة الحجامة .
القسم الأول:المواضع التي ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الاحتجام عليها:
( الحجامة وسط الرأس ):
1-روى البخاري عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: (( احتجم النبي - صلى الله عليه وسلم - في رأسه وهو محرم،من وجع كان به،بماء يقال له:لحى جَمَلٍ)) .
وفي رواية عنه-رضي الله عنه-: (( أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم في رأسه، من شقيقة كانت به )) .
50(1/32)
2-وعن عبد الله بن بحينة-رضي الله عنه-: ((أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم بلَحْيِ جَمَلٍ من طريق مكة،وهو محرم،في وسط رأسه )) أخرجه البخاري،ومسلم بدون ذكر: ((لحي جمل )) .
قوله: ((لحي جمل )) قال الحافظ في فتح الباري(4/51و10/152):(قوله:بلحى جمل بفتح اللام وحكى كسرها وسكون المهملة وبفتح الجيم والميم موضع بطريق مكة )) .
ثبت في سنن أبي داود، وغيره،عن أبي هريرة –رضي الله عنه-:(( أنَّ أبا هند حجم النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليافوخ )) .
اليافوخ: هو وسط الهامة حيث ملتقى عظم مقدم الرأس وعظم مؤخره (1) .
( الحجامة في الأخدعين والكاهل ) :
عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال:(( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحتجم في الأخدعين والكاهل ... )) رواه الترمذي ،وأبو داود بلفظ: ((أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم ثلاثاً في الأخدعين والكاهل )) حديثٌ حَسَنٌ .
___________________
1-انظر: المخصص،لابن سيده :(1/55) .
51
الأخدعان : عرقان في جانبي العنق .
قال صاحب لسان العرب-مادة:خدع-:(الأَخْدَعانِ: عِرْقان خَفِيّان في موضع الحِجامة من العُنق، وربما وقعت الشَّرْطةُ على أَحدهما فيَنْزِفُ صاحبه لأَن الأَخْدَع شُعْبَةٌ مِن الوَرِيد . وفي الحديث: أَنه احْتَجَمَ على الأَخْدَعَين والكاهل؛ الأَخدعانِ: عرقان في جانِبَي العُنق قد خَفِيا وبَطَنا،و الأَخادِعُ الجمع؛وقال اللحياني:هما عِرقان في الرقبة، وقيل: الأَخدعان الوَدجانِ ) .
والكاهل: ما بين الكتفين،عند الفقرة السابعة من الفقرات العنقية .
وقوله: (( ثلاثاً )) أي اثنتين في الأخدعين،وواحدة في الكاهل(1) .
( الحجامةُ على الورك ) :
ثبت عند أبي داود في سننه،وغيره من طريق أبي الزبير عن جابر-رضي الله عنه-: (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم على وركه من وثء كان به )) .(1/33)
قوله على وركه : بفتح الواو وكسر الراء ،وفي القاموس:الورك بالفتح والكسر ككتف ما فوق الفخذ .
ـــــــــــــــــ
1-انظر: المجموع شرح المهذب(9/57) .
52
وقوله من وثء : بفتح واو وسكون مثلثة آخره همزة،والعامة تقول بالياء ،وهو غلط،وهو:وهن،أو وجع يصيب اللحم ولا يبلغ العظم ،أو وجع يصيب العظم من غير كسر (1) .
( الحجامة على ظهر القدم ) :
ثبت في مسند الإمام أحمد،وسنن أبي داود،والنسائي عن أنس-رضي الله عنه-: (( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم،على ظهر القدم من وجع كان به )) .
ــــــــــــــــ
1-انظر: عون المعبود: (10/245)،وحاشية السندي على سنن النسائي: (5/193) .
53
فائدة :
( الحجامة في جوزة القَمَحْدُوَة،أو نُقْرة القفا ) :
روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الحث على الاحتجام في جوزة القمحدوة ،أونقرة القفا،وكذلك روي عنه عليه الصلاة والسلام:المنع من الاحتجام عليها،وكلُّ ذلك لا يصح عنه - صلى الله عليه وسلم - .
1-(( عليكم بالحجامة في جوزة القَمَحْدُوَة،فإنها دواء من اثنتين وسبعين داء وخمسة أدواء،من الجنون،والجذام،والبرص،ووجع الضرس )).
الحديث:ضعيف.انظر: ضعيف الجامع: (رقم3762) .
2-(( الحجامة في نُقْرة الرأس تورث النسيان،فتجنبوا ذلك )).
الحديث: موضوع.انظر: المنار المنيف،ابن القيم: (ص59)والأسرار المرفوعة،للقاري: (168)والإتقان،للغزي: (631)والغماز على اللماز،للسمهودي: (93)والفوائد المجموعة،للشوكاني:(841)والكشف الإلهي،للطرابلسي: (1/341)والمقاصد الحسنة،للسخاوي: (1/388)وتذكرة الموضوعات:(207)وكشف الخفاء: (1/1106)وأسنى المطالب،للحوت: (573).
القَمَحْدُوَة،أو نُقْرَةُ القَفا،هي:حفرةٌ آخر الدماغ ،كما في المصباح المنير:(ص761).
54
وقد اختُلفَ في الاحتجام في نُقرة القفا على قولين :
القول الأول:(1/34)
اختار قومٌ المنع،وعللوا ذلك:بأن الحجامة على نُقْرَة القفا تورث النسيان،وذلك أنَّ مؤخر الدماغ موضع الحفظ،ولما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من النهي في ذلك (1) .
القول الثاني:
أنَّ الحجامة نافعة في نُقْرَة القفا،وقد دلَّ على ذلك الطب والواقع العملي،والشرع-أيضاً-.
والجواب على المعترض:
أولاً:الحديث الذي ورد فيه ذكر النهي لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فبطل التعليل به.
ثانياً:نوافق المانعين الرأي أنَّ الحجامة إذا استعملت بغير ضرورة تضعف مؤخر الدماغ،أمَّا إذا استعملت لغلبة الدم عليها:فإنها نافعة للمحتجم طباً وشرعاً؛فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنَّه احتجم في عدة أماكن من قفاه،بحسب ما اقتضاه الحال في ذلك؛واحتجم في غير القفا بحسب ما دعت إليه حاجته (2) .
الترجيح:
هو اختيار القول الثاني،لقوته من حيث التعليل الشرعي،وكذلك التعليل الطبي .
__________________
انظر:القانون،لابن سينا:(1/309) .
انظر:الطب النبوي،لابن القيم:(ص 44) .
55
فصل:
المواضع التي احتجم عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - ،هي من باب ما دعت إليه الضرورة والحاجة،وليس من باب الإلزام،والاقتصار عليها .
نعم هناك حكمٌ كثيرةٌ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الاحتجامَ في هذه المواضع،وقد دلَّ عليها،وبينها الطب قديماً وحديثاً .
لكنَّ تَقديم هذه المواضع عند فعل الحجامة لحفظ الصحة مطلقاً، أو عند وجود العلة المشابهة التي فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الحجامةَ من أجلها،قد يكون مستحباً، أو مطلوباً. وذلك لأن أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - وحثَّه في أمور الطب من باب التشريع،وليس من باب المشورة وإبداء الرأي في أمر من أمور الدنيا،كما قال ذلك ابن خلدون،ومن وافقه من المتقدمين،وبعض من المعاصرين ! .
قال ابن خلدون في مقدمته: (ص 493):
((1/35)
وللبادية من أهل العمران طبٌّ يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص، ويتداولونه متوارثاً عن مشايخ الحيِّ وعجائزه،وربما يصح منه البعض،إلاَّ أنه ليس على قانون طبيعي،ولا عن موافقة المزاج،وكان عند العرب من هذا الطب كثير،وكان فيهم أطباء معروفون: كالحارث بن كلدة وغيره،والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل،وليس من الوحي في شيء،وإنما هو أمر كان عادياً للعرب،ووقع في ذكر أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - من نوع أحواله التي هي عادة وجبلَّةٌ،لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل،فإنه - صلى الله عليه وسلم - إنما بُعثَ ليعلمنا الشرائع،ولم يُبعث لتعريف الطب،ولا غيره من العاديات.
56
وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع،فقال: (( أنتم أعلم بأمور دنياكم )).فلا ينبغي أن يحمل شيء من الذي وقع من الطب الذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنه مشروع،فليس هناك ما يدل عليه،اللهم إلاّ إن استعمل على جهة التبرك،وصدق العقد الإيماني،فيكون له أثر عظيم في النفع،وليس ذلك من الطب المزاجي،وإنما هو من آثار الكلمة الإيمانية،كما وقع في مداواة المبطون بالعسل ونحوه ) .
الجواب على هذا الاعتراض :
أقول: لمَّا كانت شريعةُ الإسلام مبنيةً على جلب المصالح وتكثيرها،ودرء المفاسد وتقليلها،وكان من مقاصد الشريعة:حفظ النفس،اندرج علم الطب في ضرورة حفظ النفس،إذ حفظ النفس هو المقصد الثاني من مقاصد الشريعة بعد حفظ الدين.
وعلم الطب:إنَّما وضِعَ خادماً لهذا المقصد،وفي هذا يقول الإمام العزُّ بن عبد السلام –رحمه الله-: (والطب كالشرع،وضع لجلب مصالح السلامة والعافية،ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام ) (1) .
ــــــــــــــــــ
1-انظر:قواعد الأحكام:(1/4) .
57
فقرن –رحمه الله-علم الطب بعلم الشرع،بجامع جلبهما لمصالح السلامة والعافية،ودفعهما لمفاسد المعاطب والأسقام (1) .(1/36)
وقد جاءت أحاديث صحيحة كثيرة حاثةً على تعلم الطب،والأمر بالتداوي،والحض على اختيار الطبيب الحاذق .
وكان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يراعي صفات الأطعمة،وفوائدها،ويراعي استعمالها على قاعدة الطب (2) .
قال الإمام الذهبي –رحمه الله-: ( فالطب من السنن القائمة،لأنه - صلى الله عليه وسلم - فعله وأمر به) (3) .
وما ورد في أدلة الشريعة: دليلٌ ظاهرٌ على أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يرى هذا العلم معتبراً .
_________________
1-انظر:التداوي والمسؤولية الطبية:(ص93) .
2-انظر:التراتيب الإدارية،للكتاني: (1/456) .
3- الطب النبوي:(ص 219) .
57
فعلم مما تقدم:أنه لا يصح أن يقال أن ما فعله، أو قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمور الطب من القياس،أو التجربة والاجتهاد القابل للخطأ والصواب،فهذا ممتنعٌ حفاظاً على أرواح الناس .
ولأن الوارد في الكتاب والسنة هو تشريعٌ يجب الأخذ به،وأيضاً:الشريعة الإسلامية بشمولها وثباتها،لها فضل السبق لكلِّ تقعيدٍ طبي،أو مواضعة عصرية في مجال الرعاية الصحية،وحفظ الصحة،سواء كان ذلك الطب وقائياً،أو علاجياً.
وحمداً لله فقد أثبت الطب الحادث:أنَّ كلامه - صلى الله عليه وسلم - في أمور الطب معجزة من معجزاته .
وختاماً يُقالُ لمن داخل قلبه نَوعُ شُبهةٍ:إن طب النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس كطب الأطباء،:(فإنَّ طب النبي - صلى الله عليه وسلم - :مُتَيَقَّنٌ قطعيٌّ إلهي صادر عن الوحي،ومشكاة النبوة،وكمال العقل،وطب غيره أكثره حَدَسٌ وظنون وتجارب،ولا يُنْكَرُ عدمُ انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة،فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء له،وكمال التلقي له:بالإيمان والإذعان.
فهذا القرآن-الذي هو شفاءٌ لما في الصدور-إنْ لم يُتلقَّ هذا التلقي:لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها؛بل لا يزيد المنافقين إلاَّ رجساً إلى رجسهم،ومرضاً إلى مرضهم .(1/37)
وأين يقع طبُّ الأبدان منه؟!فطب النبوة لا يناسب إلاَّ الأبدان الطيبة:
58
كما أنَّ شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطيبة،والقلوب الحية.فإعراض الناس عن طبِّ النبوة:كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن،الذي هو:الشفاء النافع.
وليس ذلك لقصور في الدواء،ولكن لخبث الطبيعة،وفساد المحل وعدم قبوله.والله الموفق ) (1) .
- - -
ــــــــــــــــ
1- انظر: الطب النبوي،لابن القيم:(27-28) .
59
القسم الثاني:
( مواضع الحجامة التي ذكرها الأطباء المتقدمون،وغيرهم في مصنفاتهم،وكذلك ما ذكره الأطباء المعاصرون،وأصحاب الخبرة والاختصاص في علم صناعة الحجامة من هذه المواضع ) .
ذَكَرَ المتقدمون من الأطباء وغيرهم في تضاعيف مؤلفاتهم جملةً من المواضع،منها:
1-( الحجامة وسط الرأس ) :
وهي نافعة: من الصداع، والنعاس، ووجع الضرس،ومن سُقِيَ سُمَّاً،وظلمة البصر،وغير ذلك .
2-( الحجامة على نُقْرَةِ القفا ):
نافعة: من السواد تحت العين،والنتوء العارض فيها،ومن ثقل الحاجبين والجفن، ومن جربه –أيضاً-وتنفع كثيراً من أمراض العين.إلاَّ أنها تفعل عند الحاجة لا غير،كما تقدم تفصيله عند الحديث عن الاختلاف في حجامة نُقرة القفا.
3-( الحجامة على الأخدعين ) :
نافعة: من أمراض الرأس،وأجزائه: كالوجه،والأسنان،والأذنين، والعينين،والأنف، والحلق،وغير ذلك .
4-( الحجامة على الكاهل ) :
نافعة: من وجع المنكب والحلق،وأمراض الطحال، والكبد،والصدر،وغير ذلك .
60
5-( الحجامة تحت الذَّقَنِ ) :
نافعة: من وجع الأسنان،والوجه،والحلقوم إذا استعملت في وقتها،وتُنقي الرأس والكتفين .
6-( الحجامة أسفل الظهر ) :
نافعة : من وجع الظهر،والكلى،والمثانة وأمراضها:كالسلس وحرقة البول،ومن دماميل الفخذ،وجربه،وبثوره،ومن داء النِّقْرِس،وداء الفيل،والبواسير،وآلام الرحم،ومن حكة الظهر.
7-( الحجامة على الفخذين ) :(1/38)
الحجامة على الفخذين من الأمام نافعة: من ورم الخصيتين،وخرَّاجات الفخذين والساقين .
ومن الخلف نافعة: من الأورام ،والخراجات الحادثة في الإليتين .
8-( الحجامة على الركبة ) :
نافعة: من جميع آلام الركبة،والقروح الرديئة .
9-( الحجامة على الساق ) :
نافعة: من قروح الساقين،والنقرس، وعرق النسا،ونافعة لصحة الدماغ.
61
10-( الحجامة على ظهر القدم ) :
نافعة: من قرح الفخذين والساقين،وانقطاع الطمث- الدورة الشهرية عند النساء-والحِكَّةِ العارضة في الخصيتين .
وغير ذلك من المواضع المبسوطة عندهم (1).
- - -
_____________________
1-انظر:القانون،لابن سينا:(1/309-310)وكتاب المنصوري في الطب،لأبي بكر الرازي: (ص331) وتذكرة داود:(2/88)وتسهيل المنافع: (53) والرسالة الذهبية في الطب،للإمام علي الرضا: (ص162)والطب النبوي،لابن القيم: (ص43-45)والمنهج السوي في الطب النبوي،للسيوطي: (ص252إلخ)والإبداعات الطبية لرسول الإنسانية:(ص207)وفتح الباري: (10/149)وفيض القدير: (3/404)ونيل الأوطار:(9/98)وعون المعبود: (10/242)وتحفة الأحوذي:(6/174-175) والآداب الشرعية ،لابن مفلح .
62
فَصْلٌ :
وأمَّا الأطباء المعاصرون،وكذلك أصاحب الخبرة والاختصاص في علم الحجامة.
فيذكرون هذه المواضع اعتماداً منهم على الاستقراء والتجارب.
وكثير منهم يستمدون تلك المواضع من مسارات الطاقة(1) في جسد الإنسان،وهي الطريقة المتبعة عند الصينيين في علاجهم المسمى:(بالإبر الصينية ).
ويرى الأطباء: أن الحجامة تأتي بنتائج أفضل مراتٍ عدة من الإبر الصينية.
معللين ذلك،بقولهم:
1- إن الإبر الصينية تعمل على نقطة صغيرة،وأمَّا الحجامة،فتعمل على دائرة قطرها: 5 سم تقريباً .
2- الإبر الصينية :يتم بها تنبيه مراكز الإحساس لا غير .
أمَّا الحجامة: فيتم بها تنبيه مراكز الإحساس،إضافةً إلى تحريك الدورة الدموية،وتنبيه جهاز المناعة (2) .(1/39)
3- الإبر الصينية: في استعمالها نوعُ مخاطرة،منها:
أ-تدمير الأنسجة:وهو ما يمكن أن يحصل عند إدخال الإبرة،فتدمِّر الأوردة والأعصاب،أو حتى بدرجة أقل:أعضاءً كبيرة كالرئتين مثلاً.
وهنا يمكن أن يخرج الهواء من الرئة المثقوبة،ويدخل في الحيز المجاور،فيُحدِثُ ضغطاً متزايداً يؤدي إلى توقف الرئة عن العمل والاختناق .
ــــــــــــــ
1-ينظر في معرفة المسارات:كتاب دليل البدائل الطبية،للدكتورة:سامية حمزة عزَّام: (ص208)والطب البديل،لغسان نعمان: (ص 173).
2- انظر:موقع المالكي للمعلومات الصحية ،على شبكة الإنترنت .
63
أمَّا إذا دُمِّرت الأعصاب،فيمكن أن يؤدي ذلك إلى آلام عصبية،أو فقدان للإحساس، أو غير ذلك .
ب-إسكات المرض: وهذا يحصل إذا ما استطاع العلاج بالإبر تخليص المريض من أعراض المرض ،كالآلام مثلاً،فيعتقد المريض بأن حالته تتحسن،في حين أنَّ المرض يتقدم نحو الأسوأ.فمثلاً: إذا كان ألم الظهر مصاحِباً للسرطان،فإنه يمكن للعلاج بالإبر أن يزيل الألم،فيعتقد المريض بأنَّ الحالة تتحسن،في حين أنَّ الأورام مستمرة بالانتشار (1).وهذه السلبيات المذكورة منتفية الوجود في الحجامة .
واستطاع المهتمون بالحجامة:تحديد مواضعها من خلال مواضع الأعصاب الخاصة بردود الأفعال(2) فكل عضو في الجسم له أعصاب تغذيه،وأخرى لردود الأفعال،ومن ثمَّ يظهر لكل مرض رد فعل يختلف مكانه(3) .
ووجدوا :أنَّ الحجامة على الغدد الليمفاوية تقوم بتنشيطها،وتقوي المناعة،وتجعلها تقاوم الأمراض ،والفيروسات،مثل فيروس:C .
وغير ذلك من الفوائد التي سيأتي ذكرها عند الحديث عن فوائد الحجامة-إن شاء الله - .
____________________
1-انظر:الطب البديل:(ص192) .
2-انظر في معرفة ذلك:دليل البدائل الطبية:(164).
3-انظر تفصيل ذلك:في موقع:إسلام أون لاين،على شبكة الإنترنت .
64
أقول :(1/40)
نظراً لتقدم أبحاث الطب المعاصر:أمكن الاستفادة من معرفة توزيع الأعصاب على الجلد،والأحشاء الداخلية لتحديد الأماكن التي تستعمل عليها الحجامة: للحصول على الفائدة المرجوة.
ونستطيع الاستفادة كثيراً في هذا المجال من الخرائط التشريحية الصينية المستعملة في العلاج بالإبر الصينية،بالإضافة إلى كتب التشريح ،ووظائف الأعضاء(1)من أجل الحصول على المزيد من الفوائد الطبية للحجامة.
وسأنقل هنا بعضاً من هذه الخرائط والتصاوير المفيدة في تحديد أماكن الحجامة للمرض الذي يُراد علاجه .
- - -
_______________________
1-انظر:الإبداعات الطبية: (ص208) .
65
المعالجة بتقويم العمود الفقري
Chiropractic
الجهاز العصبي يُوجه ويُنسق جميعَ أعضاء وأجهزة الإنسان
ومن المعلوم أن كلَّ فقرة من فقرات العمود الفقري يخرج منها زوج " حزمة " من الأعصاب والجدول أدناه يبين مناطق خروج الأعصاب وتأثيرها على أعضاء الجسم ويمكن الاستفادة من هذا الجدول في وضع المحاجم في المكان المناسب
التأثيرات ... الفقرات ... المناطق
الفقرات العنقية
صداع ، توتر ، أرق ، نزلة برد رأسية ، ارتفاع ضغط الدم، صداع الشقيقة، إنهيار عصبي ، فقدان الذاكرة، إعياء مزمن ، دوار . ... 1 ... مورد الدم إلى الرأس ، الغدة النخامية ،فروة الرأس ، عظام الوجه ، الدماغ ، الأذن الداخلية والوسطى ،الجهاز العصبي السمبتاوي (الودي )
مشاكل الجيوب لأنفية ،حساسية ، حول ، صمم،مشاكل العينين ، وجع الأذن ، شعور بالإغماء ، حالات عمى معيّنة . ... 2 ... العينان ، أعصاب العينين ، أعصاب السمع ، الجيوب ، عظم الخشاء وراء الأذن ، اللسان ، الجبين .
النورالجيا( ألم عصبي ) ، التهاب عصبي ، ... 3 ... الوجنتان ، الأذن الخارجية ،
حب الشباب أو البثور ، أكزيما . ... عظام الوجه ، الأسنان ، العصب المثلث الوجوه .
حمى القش ، التهاب القناة التنفسية ، فقد السمع ، الزوائد الأنفية ... 4 ... الأنف ، الشفتان ، الفم ، القناة السمعية .(1/41)
التهاب الحنجرة ، البحة ، أمراض الحلق ، التهاب اللوزتين التقرحي . ... 5 ... حبال الصوت ، غدد العنق ، البلعوم
رقبة متصلبة ، ألم في أعلى الذراع ، التهاب اللوزتين ، السعال الديكي ،الخناق ... 6 ... العنق ، العضلات ، الكتفان ، اللوزتان
زكام ونزلات ، أمراض درقية ... 7 ... الغدة الدرقية ، أكياس مصلية في الكتفين والمرفقين .
الفقرات الصدرية
الربو ، السعال ، صعوبة التنفس ، ضيق النفس ، ألم في أسفل الذراع واليد. ... 1 ... الذراعان من المرفق فنازلاً بما في ذلك اليد والرسغ والأصابع والمرئ والرغامي ( القصبة الهوائية ).
أمراض في وظائف القلب ، علل صدرية . ... 2 ... القلب وصماماته ، شرايين القلب.
التهاب شعب التنفس ، ذات الجنب ، ذات الرئة ، احتقان ، انفلونزا. ... 3 ... الرئتان ، الأنابيب الشعبية ، غشاء الجنب ، الصدر ، الثدي .
أمراض المرارة ، اليرقان ، القوباء المنطقية ... 4 ... المرارة ، القناة المشتركة .
أمراض الكبد ، حميات ، انخفاض ضغط الدم ، دورة ضعيفة ، التهاب مفاصل . ... 5 ... الكبد ، الضفيرة الشمسية ،الدم
أمراض المعدة : عسر الهضم ، سوء الهضم ، حرقة فم المعدة . ... 6 ... المعدة
قروح ، التهاب المعدة ... 7 ... البنكرياس ، المعى الاثنا عشري.
مقاومة متدنية ... 8 ... الطحال .
حساسيات ، شرى ( طفح جلدي ) ... 9 ... الغدتان الكضريتان فوق الكليتين.
أمراض الكليتين، تصلب الشرايين ، إعياء مزمن ، التهاب الكلية ، التهاب حويضة الكلية. ... 10 ... الكليتان .
أمراض جلدية كحب الشباب والبثور والأكزيما والبواسير. ... 11 ... الكليتان ، الحالب
روماتيزم ،آلام الغازات،أنواع من العقم ... 12 ... المعى الدقيق ، الدوران اللمفي .
الفقرات القطنية
عسر الهضم ، التهاب غشاء القولون المخاطي،الزحار،الإسهال،بعض التمزق أوالفتوق. ... 1 ... المعى الغليظ ، حلقات الأربية .
صعوبة التنفس ، الحماض ( انخفاض قلوية الدم والأنسجة )، الأوردة الدالية . ... 2 ... الزائدة الدودية ، البطن، أعلى الرجل(1/42)
أمراض المثانة ، مشاكل الحيض ،الإسقاط والإجهاض ،التبليل في الفراش ، العنَّة ، تغير عوارض الحياة ، آلام الركبة . ... 3 ... لأعضاء التناسلية ، الرحم ، المثانة ، الركبة .
عرق النسا ، اللمباغو ( ألم عصبي في أسفل الظهر ) ، تبول متعسر ، أو متكرر ، أو مؤلم ، ألم الظهر . ... 4 ... غدة البروستات ، عضلات أسفل الظهر ، عرق النسا .
دوران ضعيف في الساقين ، انتفاخ رسغي القدمين ، قدمان باردتان ، ضعف في الساقين ، عقال الساقين. ... 5 ... الساقان ، رسغا الساقين ، القدمان .
آلام اتصال العجز والحرقفة ، حنايا في العمود الفقري . ... العجز ... عظم الورك ، الردفان .
البواسير، الحكة، ألم في طرف العمود الفقري عند الجلوس . ... العصعص ... المستقيم ، الشرج .
الجدول مأخوذ من كتاب دليل البدائل الطبية :(129)للدكتورة سامية حمزة عزام .
وعنه:موقع:لقط المرجان على شبكة الأنترنت .
69
70
71
الصورتان السابقتان توضحان بعضاً من مواضع
الحجامة مع الشرح
مستنبطة من وريقات مطبوعة للأستاذ/ أحمد حفني
بواسطة: موقع لقطة المرجان،على شبكة الإنترنت
(1)- الكاهل عند الفقرة السابعة من الفقرات العنقية ، عند العظمة البارزة أسفل القفا.
فوائدها :هذا الموضع من أهم مواضع الحجامة في جسم الإنسان وهي نافعه لمعظم الأمراض.
(2، 3)-جانبي نقرة القفا أسفل الجمجمة من الخلف.
فوائدها : نافعة للصداع وضغط الدم والنسيان وبعض مشاكل النظر، ومعظم أعراض الرأس .
ويمكن الاستعاضة عن هذين الموضعين بحجامة الأخدعين: جانبي الرقبة (43، 44) .
(4،5 )- باب الهواء بين اللوحين الى أعلى عند تفريع القصبة الهوائية وبداية الرئتين.
(7، 8 ) - مقابل المعدة وسط الظهر على جانبي العمود الفقري . نافعة لأمراض المعدة .
(9 ، 10) - تحت(7 ، 8 ) نافعة لأمراض الكلى .
72
(11)-بداية الفقرات القطنية عند العظمة البارزة في أسفل الظهر وحجامتُها نافعة لمعظم أمراض النصف السفلي للجسم .
((1/43)
12 ، 13)- حوالي خمسة سنتيمتر على جانبي الموضع 11) للأعلى ، نافعة للبروستات ومشاكل البول .
(17، 14،15،16 )- على زوايا القولون من الخلف .
(19)- مقابل القلب من الخلف وهي نافعة لأمراض القلب .
(20، 21)-على الكتف جانبي الرقبة : تفيد في آلام الرقبة والكتف وتنميل الذراعين
(24 ، 25) - في بداية أسفل الظهر ، نافعة لمرض السكري .
(32) - في موضع الهامة ، تنفع لعلاج الكهرباء الزائدة ( التشنجات ) في المخ ، وضمور الخلايا ، ولعلاج التخلف العقلي .
(36)-عند العظمة البارزة في مؤخرة الرأس .
(37 ، 38 )-فوق الأذنين بحوالي 3 سم .
(40) -وسط الرقبة على القفا .
(41) ، 42 ) -على القفا يمين ويسار .
(43 ، 44 ) - على جانبي الرقبة " الأخدعان " نفس فوائد (2، 3 ) ولذلك هي من المواضع الجيدة لحجامة النساء بدل حلق الشعر في موضع (2 ، 3).
(55)- أسفل من الكاهل بحوالي 3 سم : تحجم مع الكاهل في معظم الحالات وبالأخص للخفقان .
73
(104 ، 105) – على جانب الحاجبين " الصدغين " .
(115، 116) - تحت طرفي عظمتي الترقوة ، تنفع للكحة وأمراض الرئتين .
(117 ، 118) - تحت وسط عظم الترقوة بعرض أربع من أصابع المريض نفسه . تنفع من أمراض القلب .
(120) - عند عظمة القفص ، تنفع لأمراض الصدر وتقوية المناعة .
(121)-فم المعدة وهي أسفل عظمة الصدر مباشرة على التجويف .
(122،123،124)-فوق الكبد جهة اليمين من البطن .
( 125 ، 126 )-بين البطن والفخذ بجوار العانة .
(127 ، 128 )- على باطن الفخذين من الداخل .
( 129 )- على ظهر القدم .
(130) -على الكعب من الداخل والخارج " لأملاح القدم ".
( 131 )- فوق عظمة الكعب من الخارج بحوالي 5 سم .
( 135 ، 136 )-على بعد 5 سم من حلمة الثدي من الداخل " للرئتين " .
- - -
74
مواضع الحجامة على حسبِ المرض
الروماتيزم : 1، 55 مع جميع مواضع الألم .
عرق النسا ( يمين ) : 1 ، 55 ، 11 ، 12 ، 26 ، 51 .(1/44)
عرق النسا ( يسار) : 1 ، 55 ، 11 ، 13 ، 27 ، 52 .
آلام الظهر : 1 ، 55 مع جانبي العمود الفقري ومواضع الألم .
آلام الرقبة والأكتاف : 1 ، 55 ، 40 ، 20 ، 21 ومواضع الألم .
الشلل النصفي : 1 ، 55 ، 11 ، 12 ، 13 ، 34 ، 35 مع جميع مفاصل الجانب المصاب،مساج يومي .
الشلل الكلي : 1 ، 55 ، 11 ، 12 ، 13 ، 34 ، 35 ، 36 مع جميع المفاصل و مساج يومي .
البواسير : 1 ، 55 ، 121 ، 11 ، 6 .
البروستات والضعف الجنسي : 1 ، 55 ، 11 ،12 ،13 ويضاف للضعف الجنسي : 125 ،126 ، 131 .
المعدة والقرحة : 1 ،55 ، 7 ، 8 ، 50 ، 41 ، 42 .
أمراض الكلى : 1 ، 55 ، 9 ،10 ، 41 ، 42 .
القولون العصبي : 1 ، 55 ، 6 ، 48 ، 7 ، 8 ، 14 ، 15 ، 16 ، 17 ، 18، 45 ، 46 .
أمراض القولون : 17، 14،15،16 : مع (18) وسط العمود الفقري .
75
الإمساك المزمن : 1 ، 55 ، 11 ، 12 ، 13 ، 28 ، 29 ، 30 ، 31 .
كثرة النوم : 1 ، 55 ، 36 .
الصداع : 1 ، 55 ، 2 ، 3 .
أمراض العين : 1 ، 55 ، 36 ، 101 ، 104 ، 105 .
تنشيط مركز التركيز : 1 ، 55 ، 2 ، 3 ، 32 .
تنشيط الدورة الدموية: 1 ، 55 ، 11 وعشر حجامات على جانبي العمود الفقري من أعلى الى أسفل .
آلام البطن : 1 ، 55 ، 7 ، 8 ، وحجامات جافة 137 ، 138 ، 139 ، 140 وكذلك على الظهر مقابل مكان الألم ( جافة ).
الكحة المزمنة وأمراض الرئة : 1 ، 55 ، 4 ، 5 ، 120 ، 49 ، 115 ، 116 ، 9 ، 10 ، 117 ، 135 ، 136 وحجامتين أسفل الركبتين .
الأمراض النفسية : 1 ، 55 ، 6 ، 11 ، 32 .
قروح ودمامل الساقين والحكة : 1 ، 55 ، 129 ، 120.
السكري : 1 ، 55 ، 6 ، 7 ، 8 ، 22 ، 32 ، 24 ، 25 ، 120 ، 49 .
العقم : 1 ، 55 ، 16 ، 11 ، 13 ، 120 ، 49 ، 125 ، 126 ، 143 ، 41 ، 42 .
الغدة الدرقية : 1 ، 55 ، 41 ، 42 .
عدم النطق : 1 ،55 ، 36 ، 33 ، 107 ، 114 .
76
77
الصورة السابقة تبين-أيضاً-بعضاً من ومواضع الحجامة
مأخوذة من موقع:إسلام أون لاين .(1/45)
1 - ضمور خلايا المخ :
1/55/101/36/32/34/35/11، ثم حجامة على المفاصل والعضلات والرقبة 43/44 من الأمام والخلف مع العسل وغذاء ملكات النحل ومساج يومي.
2 - كهرباء زائدة بالمخ :(التشنجات)
1/55/101/36/32/ (107 على الجهتين) /114/11 12/13 .
3 - تنشيط مركز التركيز:
1/55/2/3/32 .
4 - مركز الذاكرة :
39/ (بلا داعٍ ضارة بالذاكرة وتكرارها يورث النسيان) .
5 – الصداع :
1/55/2/3 ويمكن استبدال 43/44 بدلاً عن 2/3. ويضاف ما يلي إذا كان السبب:
(1)- إجهاد العين :
104/105/36 .
(2)- الجيوب الأنفية :
102/103/114 .
78
(3)- الضغط العالي :
11/101/32 .
(4)- الإمساك :
28/29/30/31 .
(5)- نزلات البرد :
120/4/5 .
(6)- المعدة :
7/8 .
(7)- الكُلَى :
9/10.
(8)-الدورة الشهرية للنساء :
11/12/13.
(9)- المرارة والكبد :
6/48.
(10)- العمود الفقري :
حجامات على العمود الفقري .
(11)-التوتر :
6/11/32.
79
(12)-الأنيميا :
120/ 49 وتركيبة مُكونة من كيلو من العسل صافي و 4/1 كيلو من الحلبة المطحونة و4/1 كيلو من مسحوق حبة البركة-الحبة السوداء- يخلط ،ويؤخذ في كلِّ يوم ملعقة كبيرة : صباحاً .
(13)- أورام المخ :
حجامات على الرأس على أماكن الألم .
ـــــــــــــــــ
6- الصداع النصفي :
1/55/ 2/3/106 + أماكن الألم.
7-كثرة النوم :
1/55/36 مع الخل المخفف وقليل من السكر.
8 - الاكتئاب والانطواء والأرق والتوتر العصبي :
1/55/ 6/11/32، تحت الركبتين.
9 - القولون العصبي :
1/55/6/48/7/8/14/15/16/17/18/45/46 وجافة 137
10-التبول اللاإرادي :
تعمل الحجامة بعد سن الخامسة،وهي: حجامات جافة 137/138/139/140/142/143/125/126 .
80
11-التهاب العصب الخامس والسابع :
1/55/110/111/112/113 على الجهة المصابة وموضع 114.
12-عرق النسا :
يمين: 1/55/11/12/26/51 ومواضع الألم بالساق وخاصة بداية ونهاية العضلة.
الرجل اليسرى: 1/55/11/13/27/52 ومواضع الألم بالساق.(1/46)
13-الشلل النصفي :
1/55/11/12/13/34 أو 35 وجميع مفاصل الجانب المصاب ومساج يومي.
14-الشلل الكلي :
1/55/11/12/13/34/35/36 وجميع مفاصل الجسم ومساج يومي .
15-تنميل الأذرع :
1/55/40/20/21 ومفاصل وعضلات الذراع المصابة.
16-تنميل الأرجل :
1/55/11/12/13/26/27 ومفاصل وعضلات الرجل المصابة.
17-جميع أمراض العين:
1/55/36/101/104/105/9/10/34/35 وفوق الحاجبين وعلى دائرة الشعر.
18-اللوزتان والحنجرة واللثة والأسنان والأذن الوسطى :
1/55/20/21/41/42/120/49/114/43/44 .
81
19-الجيوب الأنفية :
1/55/102/103/108/109/36/14 ودائرة الشعر .
20-ضعف السمع والتهاب أعصاب السمع ووش الأذن :
1/55/20/21/37/38 وخلف الأذن .
21-عدم النطق :
1/55/36/33/107/114 .
22-السعال المزمن وأمراض الرئة :
1/55/4/5/120/49/115/116/9/10/117/118/135/136. وحجامتان أسفل الركبتين.
23-المساعدة على الإقلاع عن التدخين:
1/55/106/11/32 .
24-أمراض القلب :
1/55/19/119/7/8/46/47/133/134.
25-ضيق الأوعية وتصلب الشرايين :
1/55/11 وحجامات على مواضع الألم ،شارباً ملعقة خل مخفف وقليل من السكر يوماً بعد يوم وخاصة خل التفاح.
26-ارتفاع ضغط الدم :
1/55/2/3/11/12/13/101/32/6/48/9/10/7/8 ويمكن استبدال 43 و 44 بالموضعين: 2 و 3 .
82
27- داء الفيل :
1/55/11/12/13/120/49/121 وحول الرجل المصابة من أعلى لأسفل بالإضافة إلى 125/126/53/54 .
ملحوظة:يخلد المصاب للراحة قبل الحجامة بيومين ،وتُرفع القدم المصابة لأعلى، ثم توضع في ماء دافئ لمدة ساعتين قبل الحجامة.
28– دوالي الساقين :
1/55/28/29/30/31/132 ومواضع الإصابة بعيداً عن الأماكن البارزة.
29– تنشيط الدورة الدموية :
1/55/11 وعشر حجامات على جانبي العمود الفقري من أعلى إلى أسفل بالإضافة إلى ملعقة خل وقليل من السكر يوماً بعد يوم.
30– أمراض الكُلى :
1/55/9/10/41/42/ وجافة 137/140 .
31– الكبد والمرارة :(1/47)
1/55/48/41/42/46/51/122/123/124 و5 حجامات على الساق اليمنى من الخارج.
32– التهاب فم المعدة :
1/55/121 .
83
32- المعدة والقرحة :
1/55/7/8/50/41/42/جافة 137/138/139/14 .
34- الإسهال:
حجامات جافة 137/138/139/140 .
35– الإمساك المزمن :
1/55/11/12/13/28/29/30/31 .
36- البواسير:
1/55/121/11/6 وحجامات جافة 137/138/129 .
37- الناسور:
1/55/6/11/12/13 وحول فتحة الشرج وفوق فتحة الناسور.
38– حساسية الطعام :
حجامة واحدة جافة على السرة مباشرة.
39– السمنة :
1/55/9/10/120/49 والمواضع المترهلة.
40– النحافة :
1/55/121 .
41– الروماتيزم :
1/55 وجميع مواضع الألم.
84
42– الروماتويد :
1/55/120/49/36 وجميع مفاصل الجسم الكبيرة والصغيرة .
43– خشونة الركبة :
1/55/11/12/13 وحول الركبة ويمكن إضافة 53/54.
44– أملاح القدم :
1/55/13 ويمين ويسار الكعب ويمكن إضافة 9/10 .
45- النقرس :
1/55/28/29/30/31/121 ومواضع الألم
46 – الشد العضلي :
عدة حجامات جافة حول العضلة المصابة .
47– آلام الرقبة والأكتاف :
1/55/40/20/21 ومواضع الألم .
48– آلام الظهر :
1/55 وعلى جانبي العمود الفقري ومواضع الألم .
49– آلام البطن :
1/55/7/8 وجافة على 137/138/139/140 وعلى الظهر مقابل مكان الألم.
85
50– الأمراض الجلدية :
1/55/120/49/129/131/7/8/21 وعلى أماكن الإصابة .
51– قرح ودمامل الساقين والفخذين وحكة بالإلية :
1/55/129/120 .
52– الغدة الدرقية :
1/55/41/42 .
53– مرض السكر :
1/55/6/7/8/22/23/24/25/120/49 ويدهن مكان الحجامة بكريم فيوسيدين لمدة ثلاثة أيام.
54- ضعف المناعة :
1/55/120/49 .
55– العقم :
1/55/6/11/12/13/120/49/125/126/ 143/41/42 .
56– البروستاتا والضعف الجنسي :
1/55/6/11/12/13 ويضاف للضعف الجنسي: 125/126/131 على الرجلين وجافة 140/143 .
57- دوالي الخصية :
1/55/6/11/12/13/28/29/30/31/125/126 .
86
أمراض النساء:(1/48)
58– نزيف الرحم :
1/55 وثلاث حجامات جافة تحت كلِّ ثدي كلَّ يوم حتى يرتفع الدم.
59– انقطاع الدورة الشهرية :
1/55/129 و 131 من الخارج /135/136.
60– إفرازات مهبلية بنية اللون :
ثلاث حجامات جافة تحت كلِّ ثدي كلَّ يوم حتى ترتفع الإفرازات :
و1/55/120/49/11/12/13/143 .
وإذا كانت بدون رائحة ولا لون ولا هرش-حكة-:
1/55/9/10/41/42/11/12/13/143 .
61– مشاكل الحيض للفتيات :
1/55وجافة : 125/126/137/138/139/140/141/142/143 .
62– لتنشيط المبيض :
1/55/11 وجافة 125/126 .
63– آلام ما بعد عملية الرحم ،ومغص الدورة ،ومشاكل بعد عملية الربط للمبايض ،ووجود لبنٍ في الثدي بدون حمل ،وأمراض سن اليأس (الاكتئاب – التوتر العصبي- التهابات الرحم - الحالات النفسية) :
1/55/6/48/11/12/13/120/49 وجافة 125/ 126 ولتنظيم مواعيد الدورة يفضل ثاني يوم الدورة .
87
88
فوائد الحجامة :
كفى بالحجامةِ فضلاً وفائدةً:قولُ نبيِّ الإسلام محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - والذي زَكَّاهُ،وأثنى عليه ربُّه في كتابه الكريم،فقال جلَّ وعلا: { والنَّجمِ إذا هوى - ما ضلَّ صاحبُكم وما غَوى - وما ينطق عن الهوى - إنْ هو إلاَّ وحيٌ يُوحَى } سورة النجم:آية:1-4 .
فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في صحيح الأخبار-كما تقدم-أنه قال: (( إنْ كان في شيءٍ من أدويتكم خيرٌ،ففي شَرطةِ محجمٍ،أو شربةِ عسلٍ، أو لذعةٍ بنارٍ تُوافقُ الداءَ،وما أحب أنْ أكتوي )) .
وثبت في المسند، وسننِ أبي داود،وابن ماجة،ومستدرك الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((إنْ كان في شيءٍ مما تداويتم به خيرٌ فالحجامة )) .(1/49)
وأخرج البخاري في الصحيح، وابن ماجة في السنن، وأحمد في المسند عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( الشِّفاءُ في ثلاثةٍ : شربةِ عسلٍ ، وشَرْطةِ محجمٍ ، وكيَّةِ نارٍ، وأنهى أمتي عن الكيِّ )) .
وفي الصحيحين من طريق حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه : أنه سُئلَ عن أُجرةِ الحجَّام،فقال : احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،حجمه أبو طيبة، وأعطاه صاعين من طعام ، وكلم مواليه فخففوا عنه، وقال : (( إنَّ أَمْثلَ ما تداويتم به الحجامة ، والقسط البحري )) .
89
فهذه الأحاديث:حُجَّةٌ مُسلَّمَةُ الثبوتِ لا نقاشَ فيها،كيف لا،ونبينا - صلى الله عليه وسلم - تحثه ملائكة الرحمن-حين أُسْرِيَ به- على استعمال الحجامة،بل وتأمره عليه الصلاة والسلام :أن يأمر أمته بالحجامة؟! .
للمُصطفى في السَماءِ قالَتْ مَلائِكَةٌ مُرْ بِالحِجامَةِ شَاكيَ الداءِ وَالعِلَلِ
ما مَرَّ في مَلأ إلا وَقالَ لَهُ مُرْ أُمَّهً لَكَ فَلتَحتجِم وَتَمتَثِلِ(1)
أخرج أحمد في المسند،والترمذي،وابن ماجة في السنن،والحاكم في المستدرك عن ابن عباس –رضي الله عنهما-،قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ما مررتُ بملأ من الملائكة ليلةَ أسري بي إلاّ كلهم يقول لي : عليك يا محمد بالحجامة )) .
الحديث:حسنه الترمذي،وقال الحاكم : صحيح الإسناد،وقال الإمام الألباني في صحيح الترغيب (3/352) : صحيحٌ لغيره .
وأخرج الترمذي عن ابن مسعود -رضي الله عنه-،قال: حدَّث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنْ ليلة أُسْري به أنَّه: ((لم يمرَّ بملأ من الملائكة إلا أمروه : أنْ مُرْ أمَّتكَ بالحجامة )).
وأخرجه ابن ماجة من حديث أنس رضي الله عنه.والحديث بمجموع طرقه يرقى إلى درجة الصحة،وانظر :السلسلة الصحيحة ( رقم:2264)،وصحيح الترغيب (3/352) .
ــــــــــــــ
1-انظر:آداب الأكل،للأقفهسي: (ص32) .
90(1/50)
وهذا الأمرُ من الملائكة الكرام:إنما هو أمرٌ من الله جلَّ في علاه .
ومما يدل على ذلك:أمرهم جميعاً له - صلى الله عليه وسلم - وتقريره لذلك،وظاهر الخبر أنَّ الأمر من
الله تعالى،إلاَّ أنَّ الأمر هنا:للمبالغة والتأكيد، وليس للوجوب كما ذكر ذلك أهل العلم-رحمهم الله-(1) .
ثمَّ إنَّ في فعلِ الحجامة نوع تأسىٍ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال شيخ الإسلام ابن تَيمية –رحمه الله-في مجموع الفتاوى (22/325) :
( ... فالإقتداء به يكون تارة في نوع الفعل ،وتارة في جنسهِ، فإنه قد يفعل الفعل لمعنى يعمُّ ذلك النوع وغيره ،لا لمعنى يخصُّه، فيكون المشروع هو الأمر العام، مثال ذلك: احتجامه،فإن ذلك كان لحاجته إلى إخراج الدم الفاسد، ثم التأسي هل هو مخصوص بالحجامة، أو المقصود إخراج الدم على الوجه النافع ،ومعلوم أن التأسي هو المشروع ) .
وأيضاً فعل الحجامة ليس المقصود به حفظ الصحة الجسدية لا غير،بل للحجامة مقاصد إيمانية، منها:
تهذيب النفس،وكبح جماحها،وتطهيرها من أدرانها،وجعلها تسير خاضعةً لربها سبحانه جلَّ وعلا،وهذه المقاصد:مطلبٌ شرعيٌّ عظيمٌ كما لا يخفى ؟! .
____________________
1-انظر:تحفة الأحوذي: (6/176-177) .
91
قال المناوي-رحمه الله- في فيض القدير: (3/403و5/465):
( قال التوربشتي :ووجه مبالغة الملائكة فيها سوى ما عرفوا فيها من المنفعة التي تعود إلى الأبدان: أن الدَّم مركبٌ من القوى النفسانية الحائلة بين العبد وبين الترقي إلى ملكوت السماوات ... ،وبغلبته يزداد جماح النفس وصلابتها ،فإذا نزف الدم أورثها ذلك خضوعاً وخموداً ،وليناً ورقةً، وبذلك تنقطع الأدخنة الناشئة من النفس الأمارة ،وتنحسم مادتها، فتزداد البصيرة نوراً إلى نورها ).(1/51)
ويؤيدُ ما تقدم تقريره من مقاصد الحجامة: ما ذكره الطبيب الفاضل محمد بن علي البار في حاشيته على الرسالة الذهبية في الطب النبوي للإمام علي الرضا-رحمه الله- قال –حفظه الله-:( وقد ظهر في العصر الحديث أبحاث مفادها أن القمر عندما يكون بدراً،أي في الثالث عشر،والرابع عشر،والخامس عشر،يزداد التهيج العصبي،والتوتر النفسي إلى درجة بالغة.ويقول الدكتور ليبر عالم النفس بميامي في الولايات المتحدة:<إنَّ هناك علاقة قوية بين العدوان البشري والدورة القمرية،وخاصة بين مدمني الكحول والميَّالين إلى الحوادث ،وذوي النزعات الإجرامية ... } ويشرح نظريته قائلاً: { إنَّ جسم الإنسان مثل سطح الأرض يتكون من 80 بالمئة من الماء،والباقي هو من المواد الصلبة } .ومن ثمَّ فهو يعتقد بأنَّ قوة الجاذبية القمرية التي تسبب المدَّ والجزر في البحار والمحيطات،تسبب أيضاً
92
هذا المدَّ في أجسامنا عندما يبلغ القمر أوج اكتماله في الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.وهو نفسه ما عبر عنه القدماء بتهيج الأخلاط وتبيغ الدم.وكما يحدث المدُّ في البحر عند اكتمال البدر، يحدث هياج الدم وتبيغه في الجسم عند اكتمال القمر أي في اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ) .
وما ذكره الطبيب هو ما أوصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله الشريفة من الإحتجام في النصف الآخر من الشهر ،ومن تلك الأحاديث،التي تقدم ذكرها عند حديثنا عن أوقات الحجامة :
1-(( إنَّ خيرَ ما تحتجمون فيه يوم سبع عشرة،ويوم تسع عشرة،ويوم إحدى وعشرين )) .الحديث:صحيح لغيره.انظر:صحيح الترغيب: (3/352) .
2-(( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحتجم في الأخدعين والكاهل،وكان يحتجمُ لسبع عشرة ،وتسع عشرة،وإحدى وعشرين )) .
الحديث: حَسَنٌ .انظر:السلسلة الصحيحة: (رقم:908)صحيح الترغيب: (3/353) .
أقول:ما ذكره طبيبنا الفاضلُ آنفاً :هو من باب الاستئناس لا غير.(1/52)
فنحن معاشر المسلمين يكفينا ما قرَّرَه الشارع الكريم،إلاَّ أنَّ دينَ الإسلام لا يمنع من أخذ الحكمة والفائدة حيثُ وجِدَت ما لم تعارض الشرع ؟! (1) .
__________________
1-فائدة حديث:( الكلمة الحكمة ضالة المؤمن ، فحيث وجدها فهو أحق بها ).
لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ،فاعتمادنا فيما ذُكرَ ليس على هذا الحديث ،وإنَّما هو بما ورد في عموم أدلة الشريعة كما لا يخفى على طالب العلم ؟! .
93
ومن فوائد الحجامة :
ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أنس-رضي الله عنه- قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(( إذا هاج بأحدكم الدم فليحتجم،فإنَّ الدَّمَ إذا تَبَيَّغَ بصاحبه قتله )) .
التبيغ:ثوران الدم،وتبيغ الدم:هاج وغلب .
وفي الهادي إلى لغة العرب:باغ الدم:ثار وهاج،كما يكون الحال عند من به ارتفاع في ضغط الدم(1).
قال الطبيب الفاضل:محمود ناظم النسيمي-رحمه الله-في كتابه الماتع: الطب النبوي والعلم الحديث (3/96):( تبيغ الدم:بمعنى زيادته،أو تهيجه،يحدث أكثر ما يحدث في ارتفاع التوتر الشرياني،وخاصة الأحمر منه،أي المترافق باحتقان الوجه،والملتحمتين والشفتين،واليدين والقدمين،كما يحدث في فرط الكريات الحمر الحقيقي الذي منه ما يكون ثانوياً لعلل مختلفة،ومنه ما يكون بدئياً،أي أساساً نادراً.
___________________
1- انظر:القاموس المحيط،ولسان العرب،والنهاية في غريب الحديث،مادة: (بوغ ).والسلسلة الصحيحة : (6/562) .
94
ومن أسباب الثانوي:العلل القلبية الخَلْقِية مع الزرقة،وارتفاق التأمور،والتضيقات الرئوية التي تعيق التدمية،وتصلب الشريان الرئوي،والآفات الرئوية الليفية من منشأ إفرنجي،وفرط الكريات الحمر في الارتفاعات،وفرط الكريات الحمر السمي،وسل الطحال وكيسته المائية.
ولم تشخص تلك الأمراض قديماً،ولم تفرق عن بعضها،وإنما اكتفي بذكر العلامة السريرية المشتركة،وهي تبيغ الدم .(1/53)
ومن الأعراض المشاهدة في فرط التوتر الشرياني ،وفي الأمراض التي يحدث فيها فرط الكريات الحمر الحقيقي:يذكر الصداع،وحس الامتلاء في الرأس،والدوار،وسرعة الانفعال،وقد تحدث اضطرابات بصرية.
ومن الأدوية المفيدة في تلك الأحوال: الفصادة والحجامة المبزغة(الدامية،الرطبة).
- فائدة الحجامة في علاج صداع الرأس :
ثبت في مسند الأمام أحمد وسنن أبي داود وغيرهما عن سلمى-رضي الله عنها- خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت :( ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعاً في رأسه إلاَّ قال: احتجم،ولا وجعاً في رجليه إلاَّ قال:اخضبهما بالحناء ) .
ثبت علمياً في الطب الحديث:
95
أنَّ معالجة أوجاع الرأس (-الصداع:Headache ) بواسطة الحجامة له تأثير حسنٌ في نوعين من الصداع،وهما:
1-الصداع الناجم عن ارتفاع التوتر الشرياني ،وهو صداع غالباً ما يكون صباحاً باكراً في مؤخرة الرأس،ويتحسَّن بالسيطرة على التوتر الشريانتي .
2-الصداع في مرض الشقيقة، وهي عبارة عن نوبات متكررة من الصداع الذي يكون وحيد الجانب في بدايته غالب الأمر.
وتترافق بحسّ غثيان وقياء،وتترافق باضطرابات حسيّة وحركية،أواضطرابات في المزاج.
وأثبتت الدراسات :أنَّ الشقيقة تحدث بنسبة أكبر عند مرضى فرط التوتر الشرياني،كما أنَّ مرض فرط التوتر الشرياني يحدث هو الآخر بنسبة أكبر عند مرضى الشقيقة .
وكلا الصداعين:صداع وعائي المنشأ(1) .
________________________
ا-انظر:الطب النبوي والعلم الحديث : (3/98) والطب والشريعة،محمد خالد،والمعجم السريري لارتفاع التوتر الشرياني: (163) وعنهما: الطب النبوي في ضوء العلم الحديث،للدكتور غياث حسن : (2/152-153) .
96
- الحجامة في الرأس لمرض الشقيقة :
1-روى البخاري عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: ((احتجم النبي - صلى الله عليه وسلم - في رأسه وهو محرم،من وجع كان به،بماء يقال له:لحى جَمَلٍ)) .(1/54)
وفي رواية عنه-رضي الله عنه-: ((أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم في رأسه، من شقيقة كانت به )) .
2-وعن عبد الله بن بحينة-رضي الله عنه-: ((أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم بلَحْيِ جَمَلٍ من طريق مكة،وهو محرم،في وسط رأسه )) أخرجه البخاري،ومسلم بدون ذكر: ((لحي جمل )) .
قوله: ((لحي جمل )) قال الحافظ في فتح الباري(4/51و10/152):(قوله:بلحى جمل بفتح اللام وحكى كسرها وسكون المهملة وبفتح الجيم والميم موضع بطريق مكة )) .
الشقيقة تقدم تعريفها آنفاً :
لاحظ الأطباء عند تطبيق الحجامة على المرضى الذين يعانون من مرض الشقيقة:أنَّ الألم يزول مباشرة،وتختفي نوبات الشقيقة بكلِّ مراحلها إطلاقاً .
ويقول الدكتور عبد المالك الشالاتي-أستاذ الأمراض الداخلية والعصبية بجامعة دمشق-:( من الناحية العصبية معلوم أنَّ الحجامة هي: سحب كمية من الدم،
97
وكذلك تنقية الدم،وتخفيف الاحتقان الدموي العام ،وبالتالي الدماغي.
فهي تفيد في حالات:الصداع الوعائي،الصداع التوتري:< الشقيقة > )(1) .
وقال الدكتور النسيمي-رحمه الله-: (وتُعلَّل فائدة الحجامة في وسط الرأس -أي بعيدة عن العروق الدموية الكبيرة - في تسكين الصداع الشقيقي،بحدوث انعكاسات على الأوعية الدماغية التي يؤدي انقباضها إلى حدوث ذلك الصداع )(2) .
-فائدة الحجامة في علاج التواء المفصل :
ثبت عند أبي داود في سننه،وغيره من طريق أبي الزبير عن جابر-رضي الله عنه-: (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم على وركه من وثء كان به )) .
قوله على وركه:بفتح الواو وكسر الراء ،وفي القاموس: الورك بالفتح والكسر ككتف ما فوق الفخذ .
_____________________
1-انظر:صحيفة الرياض،العدد:(12127). وصحيفة عكاظ،عدد: (الخميس13/9/2002) ومنتدى الوئام على شبكة الإنترنت .
2-الطب النبوي والعلم الحديث: (3/99) .
98(1/55)
وقوله من وثء: بفتح واو وسكون مثلثة آخره همزة،والعامة تقول بالياء ،وهو غلط،وهو:وهن،أو وجع يصيب اللحم ولا يبلغ العظم ،أو وجع يصيب العظم من غير كسر، أو هو الفك (1) .
وثبت في مسند الإمام أحمد،وسنن أبي داود،والنسائي عن أنس-رضي الله عنه-: (( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم،على ظهر القدم من وجع كان به )) .
وعند ابن ماجة من حديث جابر-رضي الله عنه-: (أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سقط عن فرسه على جذع،فانفكت قدمه)قال وكيع يعني أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم عليها من وثء.
من فوائد الحجامة :أنها علاج فعَّال عندما يصاب الإنسان بالتواء المفصل العنيف.
وقد عرَّف الوثءَ،النسيمي بقوله:(هو التواء المفصل منذ تمطط الرُّبط حتى انقطاعها ) (2) .
ــــــــــــــــ
1-انظر: القاموس المحيط ،وعون المعبود: (10/245)،وحاشية السندي على سنن النسائي: (5/193).
2-انظر: الطب النبوي : (3/100) .
99
-فائدة الحجامة في علاج الخُراج :
وذلك بشرط الخراج، أي شقه ليخرج الصديد،ثم وضع المحجم لمص كافة محتوياته .
أخرج مسلم في صحيحه عن عاصم بن عمر بن قتادة -رحمه الله-قال:جاءنا جابر بن عبد الله-رضي الله عنه- في أهلنا ،ورجل يشتكي خُراجاً به- أو جراحاً- فقال: ما تشتكي ؟قال:خُراج بي قد شقَّ عليَّ، فقال:يا غلام ائتني بحجام،فقال: له ما تصنع بالحجام يا أبا عبد الله؟ قال: أريد أن أعلق فيه محجماً، قال :والله إنَّ الذباب ليصيبني،أو يصيبني الثوب فيؤذيني،ويشق عليَّ،فلما رأى تبرمه من ذلك قال:إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( إن كان في شيء من أدويتكم خير، ففي شرطة محجم، أو شربة من عسل، أو لذعة بنار، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما أحبُّ أنْ أكتوي، قال فجاء بحجام فشرطه فذهب عنه ما يجد ) .
قال القاضي عياض -رحمه الله- في شرحه على صحيح مسلم (7/113):
((1/56)
فإنَّ هذا من البديع عند من علم صناعة الطب،وذلك أنَّ سائر الأمراض الامتلائية :إمَّا أن تكون دموية، أو صفراوية،أو سوداوية،أو بلغمية،فإنْ كانت دموية، فشفاؤها إخراج الدم ... ) (1) .
ـــــــــــــــ
1-وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم : (14/192) والقانون لابن سيناء : (1/13-17) .
100
-الحجَامة بعد التسمم :
ذكر الإمام ابن القيم-رحمه الله- في الطب النبوي(ص97-98)عن موسى بن عقبة قال: ( معالجة السُّمِّ تكون بالاستفراغات،وبالأدوية التي تُعارض فعل السمِّ وتبطله:إمَّا بكيفيَّتِها،وإمَّا بخواصها.
فمن عَدِمَ الدواء:فليبادر إلى الاستفراغ الكُلِّي.وأنفعه الحجامة لا سيَّمَا إذا كان البلد حارَّاً ،والزمانُ حارَّا ،فأنَّ القوة السُّميةَ تسري إلى الدم،فينبعث في العروق والمجاري حتى تصل إلى القلب،فيكون الهلاك.
فالدم هو المنفذ الموصل للسم إلى القلب والأعضاء .فإذا بادر المسموم وأخرج الدم:خرجت معه تلك الكيفية السُّمية التي خالطته.
فإن كان استفراغاً تاماً:لم يضره السم،بل إمَّا أن يذهب،وإمَّا أن يضعف فتقوى عليه الطبيعة،فتبطل فعله،أو تضعفه ) .
وأفاد الإمام الذهبي -رحمه الله-: أن الأفضل في علاج الملسوع،هو:أن يشق موضع اللسعة ويوضع عليها المحاجم،وتمص مصاً قوياً،ويجتهد أن يبقى الجرح مفتوحاً ليخرج منه تلك المادة الفاسدة ... (1) .
ويقرُّ الطب الحديث بفائدة الحجامة في علاج بعض التسممات،ويوصي بنقل الدم بعد وجود التسمم (2) .
ـــــــــــــ
1-انظر:الطب النبوي،للذهبي: (ص262)والطب من الكتاب والسنة،لموفق الدين البغدادي: (ص214) والمنهل الروي في الطب النبوي،لابن طولون الدمشقي: (ص256).
2- الطب النبوي والعلم الحديث: (3/99) .
101
-فائدة الحجامة لمن ابتلي بسحرٍ،أو مسٍّ من الجان :
تقدم قبلُ جملة من الأحاديث الدالة على فضل التداوي بالحجامة،وأنها من أفضل وأمثل ما تداوى به الناس.(1/57)
ويندرجُ في هذا العموم كثيرٌ من الأمراض،ومن هذه الأمراض: داء السحر الذي تفشَّى بكثرةٍ بين الناس في زمن الغربة،وجهل كثير من المسلمين بإحكام شريعة الإسلام .
والسحر المقصود هنا:ما كان من تأثير الأرواح الخبيثة،الذي هو:سحر التأثير في أجساد البشر بنوع:مرض،أو قتل،أو تفريق بين المرء وزوجه،أو محبة على غير سنَنِ الطبيعة العرفية،وغيرِ ذلك ...
وقد يكون سحرَ تخيلٍ قالباً لحقائق الأشياء في ظاهر الأمر لا غير ؟! .
ومن سحر التخيل:ما يكون تأثيره في داخل الإنسان،وهذا الذي يُعالج بالرُّقى والحجامة ...
ومنه ما يكون في الخارج،وتأثيره مقصور على العين المبصرة،ودفعه يكون:بقراءة القرآن،والأذان والأذكار،وبسط ذلك موجودٌ في تضاعيف كتب الأذكار،-هذا إذا كان من فعل الشياطين- .
فأمَّا إنْ كان بخفة يدٍ ،وأعمالٍ ترتيبها سابقاً ،فهو أمرٌ آخر ليس مقصوداً ببحثنا هاهنا .
أقول:وقد عقد اتفاق أهل السنة والجماعة-رحم الله جمعهم الكريم- على وجود السحر وتأثيره .
102
وحجة الاعتماد عندهم :على كتاب الله جلَّ وعلا،والسنة الصحيحة على قائلها أفضل الصلاة والسلام.
واتفقوا : على أن من أنكر السحر وتأثيره،فهو كافرٌ مكذِّبٌ لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
لكنَّ الجاهل من المسلمين ينبغي أن يعلم برفق ولين،حتى يفهم خطاب الشارع الكريم!! .
قال الإمام ابن قدامة - رحمه الله- في المغني (9/34):
( والسحر له حقيقة،فمنه ما يقتل،وما يمرض،وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها،ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه ،وما يبغض أحدهما إلى الآخر،أو يحبب بين اثنين ...
وقد اشتهر بين الناس وجود عَقْد الرجل عن امرأته حين يتزوجها،فلا يقدر على إتيانها ،وحل عقده فيقدر عليها بعد عجزه عنها ،حتى صار متواتراً لا يمكن جحده .
وروي من أخبار السحرة ما لا يكاد يمكن التواطؤ على الكذب فيه ) .(1/58)
وفي روضة الطالبين،للإمام النووي-رحمه الله -(9/346)وعنه الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في الفتح(10/222):
( والصحيح أنَّ له حقيقة- أي السحر-،وبه قطع الجمهور،وعليه عامة العلماء،ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة ) .
وقال القرافي-رحمه الله- في الفروق(4/149):
(السحر له حقيقة،وقد يموت المسحور،أو يتغير طبعه وعادته،وإن لم يباشره،وقال به الشافعي وابن حنبل ... ) .
103
وفي تفسير الإمام القرطبي-رحمه الله-(2/46) قال :
((1/59)
ذهب أهل السنة إلى أن السحر ثابت ،وله حقيقة ،وذهب عامة المعتزلة وأبو إسحاق الإسترابادي من أصحاب الشافعي إلى أن السحر لا حقيقة له، وإنما هو تمويه وتخييل وإيهام لكون الشيء على غير ما هو به ،وأنَّه ضرب من الخفة والشعوذة كما قال تعالى: { يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى } ولم يقل على الحقيقة، ولكن قال: { يخيل إليه } وقال أيضاً: { سحروا أعين الناس } وهذا لا حجة فيه، لأنا لا ننكر أن يكون التخييل وغيره من جملة السحر، ولكن ثبت وراء ذلك أمور جوزها العقل وورد بها السمع، فمن ذلك ما جاء في هذه الآية من ذكر السحر وتعليمه،ولو لم يكن له حقيقة لم يمكن تعليمه،ولا أخبر تعالى أنهم يعلِّمونه الناس، فدل على أن له حقيقة،وقوله تعالى في قصة سحرة فرعون: { وجاءوا بسحر عظيم } وسورة الفلق مع اتفاق المفسرين على أن سبب نزولها ما كان من سحر لبيد بن الأعصم ،وهو مما خرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة -رضي الله عنها- قالت :سَحرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يهوديٌّ من يهود بني زريق يقال له:لبيد بن الأعصم الحديثَ. وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما حل السحر : (إن الله شفاني) والشفاء إنما يكون برفع العلة ،وزوال المرض ،فدلَّ على أن له حقَّاً وحقيقة، فهو مقطوعٌ به بإخبار الله تعالى ورسوله على وجوده ووقوعه، وعلى هذا أهل الحق ،ولقد شاع السحر وذاع في سابقِ الزمان وتكلم الناس فيه، ولم يبد من الصحابة ولا من التابعين إنكار لأصله..) .
104
وفي شرح القرطبي على صحيح مسلم (6/6)قال:
(دلَّ القرآن الكريم في غير آية،والسنة في غير ما حديث،على أنَّ السحر موجودٌ،وله أثرٌ في المسحور،فمن كذَّب بذلك فهو مكذِّب لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ،ومنكر لما عُلِمَ بالعيان،ثم إنَّ المنكر للسحر إنْ أنكره في السر فهو زنديق،وإنْ أنكره في الظاهر فهو مرتد .(1/60)
ثم قال:ولا يُنكر أنَّ للسحر تأثيراً في القلوب بالمحبة والبغضاء،وإلقاء الشر،والتفريق بين المرء وزوجه،ويحول بين المرء وقلبه،وإدخال الآلام والأسقام.
كلُّ ذلك مُدْرَكٌ بالمشاهدة،وإنكاره معاندة ..) .
وعند الإمام ابن كثير-رحمه الله- في تفسيره(1/148) قال :
(وقال أبو عبد الله القرطبي:وعندنا أن السحر حق،وله حقيقة،يخلق الله عنده ما يشاء خلافاً للمعتزلة وأبي إسحاق الإسفرايني من الشافعية، حيث قالوا إنه تمويه وتخييل،قال: ومن السحر ما يكون بخفة اليد كالشعوذة ...قال القرطبي :ومنه ما يكون كلاماً يحفظ،ورقى من أسماء الله تعالى،وقد يكون من عهود الشياطين ويكون أدوية وأدخنة وغير ذلك ... ) .
وقال الإمام ابن القيم-رحمه الله- في كتابه العُجَاب (بدائع الفوائد)(2/452-453):(وقد دلَّ قوله: { ومن شر النفاثات في العقد } وحديث عائشة المذكور على تأثير السحر،وأن له حقيقة، وقد أنكر ذلك طائفة من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم ، وقالوا :إنه لا تأثير للسحر البتَّة،لا في مرض ولا قتل،ولا حلٍّ ولا عقد .
105
قالوا :وإنما ذلك تخيل لأعين الناظرين لا حقيقة له سوى ذلك.وهذا خلاف ما تواترت به الآثار عن الصحابة والسلف ،واتفق عليه الفقهاء وأهل التفسير والحديث ...(1/61)
وما يعرفه عامة العقلاء ،والسحر الذي يؤثر مرضاً وثقلاً ،وحلاً وعقداً،وحباً وبغضاً وتزيناً، وغير ذلك من الآثار ،موجود تعرفه عامة الناس، وكثير منهم قد علمه ذوقاً بما أصيب به منه،وقوله تعالى: { ومن شر النفاثات في العقد } دليل على أن هذا النفث يضر المسحور في حال غيبته عنه،ولو كان الضرر لا يحصل إلا بمباشرة البدن ظاهراً،كما يقوله هؤلاء،لم يكن للنفث ولا للنفاثات شرٌّ يُستعاذ منه،وأيضاً:فإذا جاز على الساحر أن يسحر جميع أعين الناظرين مع كثرتهم حتى يروا الشيء بخلاف ما هو به،مع أن هذا تغير في إحساسهم،فما الذي يحيل تأثيره في تغيير بعض أعراضهم وقواهم وطباعهم،وما الفرق بين التغيير الواقع في الرؤية والتغيير في صفة أخرى من صفات النفس والبدن .
فإذا غير إحساسه حتى صار يرى الساكن متحركاً، والمتصل منفصلاً، والميت حياً، فما المحيل لأن يغير صفات نفسه حتى يجعل المحبوب إليه بغيضاً، والبغيض محبوباً، وغير ذلك من التأثيرات .
وقد قال تعالى عن سحرة فرعون إنهم: { سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم } فبين سبحانه أن أعينهم سحرت ،وذلك إما أن يكون لتغيير حصل في المرئي ،وهو الحبال والعصي، مثل أن يكون السحرة استعانت
106
بأرواح حركتها ،وهي الشياطين، فظنوا أنها تحركت بأنفسها ،وهذا كما إذا جرَّ من لا يراه حصيراً، أو بساطاً، فترى الحصير والبساط ينجرُّ،ولا ترى الجارّ له، مع أنه هو الذي يجره ،فهكذا حال الحبال والعصي ،التبستها الشياطين فقلبتها كتقلب الحية، فظن الرائي أنها تقلبت بأنفسها، والشياطين هم الذين يقلبونها.
وإما أن يكون التغيير حدث في الرائي حتى رأي الحبال والعصي تتحرك وهي ساكنة في أنفسها.
ولا ريب أن السَّاحر يفعل هذا وهذا،فتارة يتصرف في نفس الرائي وإحساسه ،حتى يرى الشيء بخلاف ما هو به،وتارة يتصرف في المرئي باستعانته بالأرواح الشيطانية حتى يتصرف فيها .(1/62)
وأمَّا ما يقوله المنكرون: من أنهم فعلوا في الحبال والعصي ما أوجب حركتها ومشيها،مثل الزئبق وغيره،حتى سعت فهذا باطل من وجوه كثيرة،فإنه لو كان كذلك لم يكن هذا خيالاً بل حركة حقيقية،ولم يكن ذلك سحراً لأعين الناس، ولا يسمى ذلك سحراً،بل صناعة من الصناعات المشتركة، وقد قال تعالى:
{ فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى } ولو كانت تحركت بنوع حيلة كما يقوله المنكرون،لم يكن هذا من السحر في شيء،ومثل هذا لا يخفى، وأيضا:لو كان ذلك بحيلة كما قال هؤلاء،لكان طريق إبطالها إخراج ما فيها من الزئبق ،وبيان ذلك المحال،ولم يحتج إلى إلقاء العصا لابتلاعها،
107
وأيضا: فمثل هذه الحيلة لا يحتاج فيها إلى الاستعانة بالسحرة ،بل يكفي فيها حُذَّاق الصُنَّاع،ولا يحتاج في ذلك إلى تعظيم فرعون للسحرة وخضوعه لهم،ووعدهم بالتقريب والجزاء ،وأيضا:فإنه لا يقال في ذلك إنه لكبيركم الذي علمكم السحر، فإنَّ الصناعات يشترك الناسُ في تعلمها وتعليمها ،وبالجملة فبطلان هذا أظهر من أن يُتَكلَّف ردُّه ... ) .
- - -
108
فصل:
وأمَّا علاج المسحور بالحجامة:فيُبْنى على معرفة أنَّ السحر إذا أكله أو شربه الإنسان،أو كان مشموماً،أو مرشوشاً:يكون مادةً رديئةً في جسد المريض،فيؤثر فيه بالكيفية التي أرادها الساحر .
وأفضلُ علاجٍ للمسحور بالحجامة-مع علاجه بالرُّقى والدعوات والأذكار الشرعيَّة-:أنْ يُنظرَ في جسد المريض،أين مكان التأثير فيه بألم،أو مرض،أو تخيُّلٍ،وغير ذلك .
فيحتجم في تلك المواضع: استفراغاً للمادة الرديئة منها .
وقد يحتاج المريض إلى نوع تكرارٍ للحجامة،حتى يستفرغَ كُلاًّ من تلك المادة الخبيثة .
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-في الطب النبوي(ص 99-100)وعنه الحافظ في الفتح(10/229) :
((1/63)
والنوع الثاني:الاستفراغ في المحلِّ الذي يصل إليه أذى السحر .فإنَّ للسحر تأثيراً في الطبيعة وهيجان أخلاطها،وتشويش مِزاجها؛فإذا ظهر أثرُهُ في عضوٍ،وأمكن استفراغ المادة الرديئة من ذلك العضو:نفع جداً ...
-إلى أن قال-:واستعمالُ الحجامةِ على ذلك المكان-الذي تضررت أفعاله من السحر-من أنفع المعالجة:إذا استعملت على القانون الذي ينبغي.
قال أبقراط:الأشياء التي ينبغي أنْ تُستفرغ يجب أن تُستفرغ من المواضع التي هي إليها أميل،بالأشياء التي تصلح لاستفراغها ) .
109
فائدة :
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله - في زاد المعاد: (4/126-127) .
(ومن أنفع علاجات السحر:الأدوية الإلهية،بل هي أدويته النافعة بالذات.فإنه من تأثيرات الأرواح الخبيثة السفلية،ودفع تأثيرها يكون بما يعارضها ويقاومها:من الأذكار والآيات والدعوات،التي تبطل فعلها وتأثيرها.وكلما كانت أقوى وأشد: كانت أبلغ في النشرة .وذلك بمنزلة التقاء جيشين:مع كلِّ واحدٍ منهما عدته وسلاحه؛فأيهما غلب الآخر:قهره وكان الحكم له.فالقلب إذا كان ممتلئاً من الله مغموراً بذكره،-وله من التوجهات الدعوات،والأذكار،والتعوُّذات؛وردٌ لا يخل به يطابق فيه قلبُه لسانَه-:كان هذا من أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السحر له، ومن أعظم العلاجات له بعد ما يصيبه.
وعند السَّحَرةِ :أنَّ سحرهم إنما يتم تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة،والنفوس الشهوانية التي هي معلقة بالسفليات.ولهذا فإن غالب ما يؤثرفي النِّساء والصبيان، والجهال وأهل البوادي ،ومن ضعف حظه من الدين والتوكل والتوحيد، ومن لا نصيب له من الأوراد الإلهية والدعوات والتعوذات النبوية.وبالجملة:فسلطان تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة،التي يكون ميلها إلى السفليات.
قالوا:والمسحور هو الذي يُعين على نفسه؛فإنَّا نجد قلبه متعلقاً بشيء،كثير الالتفات إليه،فيتسلط على قلبه بما فيه:من الميل والالتفات .
110(1/64)
والأرواح الخبيثة إنما تتسلط على أرواح تلقاها مستعدةً لتسلطها عليها، بميلها إلى ما يناسب تلك الأرواح الخبيثة،وبفرغها من القوة الألهية،وعدم أخذها للعدة التي تحاربها بها؛فتجدها فارغةً لا عدة معها،وفيها ميل إلى ما يناسبها،فتتسلط عليها، ويتمكن تأثيرها فيها بالسحر وغيره .والله أعلم ) .
- - -
111
فصل:
وأمَّا فائدة الحجامة في علاج من به مسٌّ من الجنِّ،فأذكر ابتداءً قائلاً :
مسُّ الجان:
هو:دخول الجنِّي في بدن الإنسي .
ومسُّ الجانِّ للإنسان:ثابت الوقوع،بدلالة النقل الصحيح،والعقل الصريح.
ولا ينكرُ ذلك إلا جاهلٌ،أو معاندٌ مكابر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله - في مجموع الفتاوى(24/276-277):
(وجود الجن ثابتٌ بكتاب الله وسنة رسوله،واتفاق سلف الأمة وأئمتها. وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابتٌ باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة،قال الله تعالى { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبَّطُه الشيطان من المس } .
وفى الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (إنَّ الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم ) ... ) .
وقال الإمام الطبري:(3/101)والقرطبي:(3/355) وابن كثير: (1/326)والإمام الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة(1) قالوا-رحمهم الله- عند تفسيرهم لقول الله عزَّ وجلَّ: { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبَّطُهُ الشيطان من المس } سورة البقرة،آية:275 .
ــــــــــــ
1-كما في مجموع الفتاوى: (19/12) وآكام المرجان في أحكام الجان: (ص134) .
112
(في هذه الآية:دليلٌ على فساد من أنكر الصرع من جهة الجن،وزعم أنه من فعل الطبائع،وأنَّ الشيطان لا يسلك في الإنسان،ولا يكون منه مس .
وقالوا:الذين يأكلون الربا:لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلاَّ كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس،يعني بذلك:يتخبله الشيطان في الدنيا،فيصرعه من المس،يعني:الجنون ) .(1/65)
والأدلة من الكتاب والسنة على إثبات ذلك من الكثرة بمكان،ويُنظر في بسطها ومعرفتها:الكتب المؤلفة في إثبات مسَّ الجان للإنسان.
وقد سأل عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل-رحمهما الله- أباه،بقوله:
(قلت لأبي: إنَّ قوماً يقولون:إنَّ الجني لا يدخل في بدن المصروع.فقال:يا بني !يكذبون،هو ذا يتكلم على لسانه)نقل هذه القصة جمع من أئمة الإسلام-رحمهم الله- مقريين لها (1) .
_______________
1-انظر: مجموع الفتاوى: (19/12و24/277)ومجموعة الرسائل والمسائل: (2/216)والجواب الصحيح: (4/455)والنبوات: (250-251)والفتاوى العراقية: (82-83) جميعها لشيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-.وابن مفلح في مصايب الإنسان: (ص144)و المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد: (2/266)والعليمي في المنهج الأحمد: (1/431)وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة: (1/233) والشبلي في آكام المرجان:(ص134-135) والسيوطي في لقط المرجان: (ص93) .
113
وجاء في زاد المعاد للإمام ابن القيم: (4/66) والفتح لابن حجر:(10/144)ونيل الأوطار للشوكاني: (8/203):تقسيمهم الصرع إلى قسمين:
قالوا:( الصرعُ صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية،وصرع من الأخلاط الرديئة ) .
ويقول ابن حزم-رحمه الله- في الفصل في الملل والنحل:(6/14):
(وصح أنَّ الشيطان يمس الإنسان الذي يسلطه الله عليه كما جاء في القرآن).
وفي آكام المرجان في أحكام الجان(ص137)للقاضي بدر الدين الشبلي،يقول مؤصلاً إثبات مس الجن للإنس:(وقد ورد السمع بسلوكهم -أي الجن- في الإنس ) .
- - -
114
فصل:
في أسباب مسِّ الجن للإنس:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
(وصرع الجن للإنس هو لأسباب ثلاثة :
1-تارةً يكون الجني يحب المصروع فيصرعه ليتمتع به؛وهذا الصرع يكون أرفق من غيره وأسهل .(1/66)
2-وتارة يكون الإنسي آذاهم إذا بال عليهم أو صب عليهم ماء حاراً،أو يكون قتل بعضهم،أو غير ذلك من أنواع الأذى،وهذا أشد الصرع ،وكثيراً ما يقتلون المصروع .
3-وتارة يكون بطريق العبث به كما يعبث سفهاء الأنس بأبناء السبيل ) (1) .
و في مجموع الفتاوى: (19/39-40) قال:
(وصرعهم للإنس:قد يكون عن شهوة وهوى وعشق،كما يتفق للإنس مع الإنس ... وقد يكون -وهو كثير أو الأكثر-عن بغضٍ ومجازاة ،مثل أن يؤذيهم بعض الإنس،أو يظنوا أنهم يتعمدون أذاهم:إمَّا ببول على بعضهم ،وإما بصب ماء حار، وإمَّا بقتل بعضهم،وإن كان الإنسي لا يعرف ذلك .
وفى الجن جهل وظلم،فيعاقبونه بأكثر مما يستحقه،وقد يكون عن عبثٍ منهم وشرٍّ بمثل سفهاء الإنس ) .
ــــــــــــــ
1- انظر: مجموع الفتاوى: (13/82)والتفسير الكبير:(4/265)والرسائل الكبرى: (1/62) .
115
وفي كتاب النبوات:(ص399) قال:
( ... والصرع لأجل الزنا،وتارة يقولون:إنه آذاهم إمَّا بصب نجاسة عليهم،وإما بغير ذلك؛فيصرعون صرع عقوبة وانتقام،وتارة يفعلون ذلك عبثاً كما يعبث شياطين الإنس بالناس .
والجن أعظم شيطنة وأقل عقلاً وأكثر جهلاً.والجني قد يحب الإنسي كما يحب الإنسيُّ الإنسي،وكما يحب الرجلُ المرأةَ،والمرأةُ الرجل،ويغار عليه ويخدمه بأشياء وإذا صار مع غيره،فقد يعاقبه بالقتل وغيره كلُّ هذا واقع ).
وفي مجموع الفتاوى:(13/82) قال -رحمه الله-:
(وكذلك الجنيَّات: منهنَّ من يريد من الإنس الذي يخدمنَه ما يريد نساء الإنس من الرجال،وهذا كثير في رجال الجن ونسائهم،فكثير من رجالهم ينال من نساء الإنس ما يناله الإنسي وقد يفعل ذلك بالذكران ) .
أقول:
قَسَّمَ هذا الإمام-رحمه الله- فيما نقلناه عنه:المسَّ إلى ثلاثة أقسام:
1-عشق الجني للإنسية،أو عشق الجنية للإنسي .
2-فعل ما يغضب الجن-وإن كان لا يعلم الإنسي بذلك-بصب ماء حار،أو بالوقوع على الجني،أو البول على أحدهم ... وغير ذلك .(1/67)
3-ظلم الجني للإنسي دون سبب،وإنمَّا هو من العبث لا غير .
4-ويمكن إدراج قسم رابع وهو:السِّحر،والسحر من أسباب مسِّ الجنِّ للإنسان،وإن لم يذكره شيخ الإسلام،فهو مندرجٌ في قسم ظلم الجن للإنس .
116
فصل:
وأمَّا فائدة الحجامةِ في علاج من به مسٌّ من الجنِّ-مع علاجه بالرُّقى والأذكار،وقراءة القرآن،وفعل الخيرات-،فيكون بمعرفة أن الجانَّ إذا دخل جسد الإنسان: قد يستغلُّ مرضاً عضوياً،فيزيد في تأثير ذلك المرض،مما يؤدي إلى زيادة معانة المريض،حتى يوافقه على ما أراد الجني،أو الساحر،أو يفعل ذلك من أجل انتقام وإيذاء، وقد يكون بسبب عين أو حسد .
وقد يوجد-بأمر الله -الجنيُّ مرضاً عضوياً في جسد الإنسي،وسيأتي شرح ذلك قريباً -إنْ شاء الله- .
وأحياناً:يتسلط الجان على أماكن محددة في جسد الإنسان:كالدماغ مثلاً،فيؤثر فيه توجيهاً للإنس،كيف ما شاء الجني،أو الساحر-كما تقدم في مبحث علاج السحر بالحجامة- .
وبيان ذلك-تفصيلاً- بما يأتي ذِكْرُه :
تقدم من حيث التقسيم:أن الجني إذا دخل جسد الإنسي:يحدث تأثيراً على ثلاثة أقسام :
1-الاستفادة من مرض عضوي .
2-إنشاء مرض عضوي .
3-تسلط الجان على أماكن محددة في جسد الإنسي من أجل تحقيق مراد الجني،أو الساحر .
وسأشرح -بمشيئة الله-كلَّ قسم على حدة .
117
القسم الأول :
1-الاستفادة من مرضٍ عضويٍّ :
إذا دخل الجني بدن الإنسي،قد يجد مرضاً عضوياً في جسد ذلك الإنسان،كالقرحة مثلاً ...
فعند وجود الجني لتلك العلة:يقوم بالضغط عليها،فيزيد من أذى المرض العضوي(1) .
وفعله ذلك:إمَّا انتقاماً من هذا الإنسي،أو ليوافقه على ما أراد منه الجني؟!،أو يكون بسبب سحر،أو حسد وعين .
وعلاجه يكون:
بالرقية الشرعية،واستعمال الدواء العلاجي المناسب للمرض،والحجم في المواضع التي تقدم تفصيلها على حسب المرض -في مبحث مواضع الحجامة- .
ومن أفضلها المواضع التي ظهر فيها وجود الألم-بقيد:أن تناسب الحجامة ذلك الموضع- .(1/68)
وإلاَّ فعلى الإطلاق: أفضل مواضعها: الأخدعان،والكاهل ! .
___________________
1-انظر:قواعد الرقية الشرعية،لعبدالله السدحان:(ص52) .
118
القسم الثاني :
2-إنشاءُ مَرضٍ عضويٍّ :
إذا سلك الجني بدن الإنسي:قد يُنْشئ-بأمر الله- مرضاً عضوياً،ويكون سببُ ذلك:عيناً،أو سحراً،أو إيذاء وانتقاماً-كما تقدم في أسباب المسِّ-.
ومن الأدلة على ذلك :
قال الله جلَّ وعلا في كتابه الكريم-ذاكراً-لناقصة المعاناة التي عاناها نبي الله أيوب عليه السلام :
{ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربَّه أنِّي مَسَّنِيَ الشيطانُ بِنُصْبٍ وعذاب } سورة:ص،آية:41.
قال الإمام ابن كثير في تفسيره:( يذكر تبارك وتعالى عبده ورسوله أيوب عليه الصلاة والسلام،وما كان ابتلاه تعالى به من الضر في جسده وماله وولده،حتى لم يبق من جسده مغرز إبرة سليماً سوى قلبه،ولم يبق له من الدنيا شيء يستعين به على مرضه،وما هو فيه غير أن زوجته حفظت ودَّه لإيمانها بالله تعالى ورسوله فكانت تخدم الناس بالأجرة،وتطعمه وتخدمه نحواً من ثماني عشرة سنة،وقد كان من قبل ذلك في مال جزيل،وأولاد وسعة طائلة في الدنيا،فسُلب ... فلما طال المطال،واشتد الحال،وانتهى القدر،وتم الأجل المقدر: تضرع إلى رب العالمين وإله المرسلين،فقال: { إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين } وفي هذه الآية الكريمة،قال: { واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب } قيل:بنصب في بدني،وعذابٍ في مالي وولدي،فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين،وأمره
119
أن يقوم من مقامه،وأن يركض الأرض برجله،ففعل فأنبع الله تعالى عيناً وأمره أن يغتسل منها،فأذهب جميع ما كان في بدنه من الأذى.
ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر،فأنبع له عيناً أخرى،وأمره أن يشرب منها فأذهب جميع ما كان في باطنه من السوء،وتكاملت العافية ظاهراً وباطناً )(1) .
وجاء في تفسير الإمام الشنقيطي-رحمه الله-أضواء البيان:(3/161) قال:
((1/69)
... ومنها: ما ذكره جماعة من المفسرين :أنَّ الله سلط الشيطان على ماله وأهله ابتلاءً لأيوب،فأهلك الشيطان ماله وولده،ثمَّ سلطه على بدنه ابتلاءً له ...
وتسليطه للابتلاء على جسده وماله وأهله ممكن،وهو أقرب من تسليطه عليه بحمله أنْ يفعل مالا ينبغي ؟! .
إلى أنْ قال:ويمكن أنْ يكون سلطه الله على جسده وماله وأهله:ابتلاء ليظهر صبره الجميل،وتكون له العافية الحميدة في الدنيا والآخرة،ويرجع له كل ما أصيب فيه،والعلم عند الله تعالى .
وهذا لا ينافي أنَّ الشيطان لا سلطان له على مثل أيوب،لأنَّ التسليط على الأهل والمال والجسد:من جنس الأسباب التي تنشأ عنها الأعراض البشرية كالمرض.
_______________
1-تفسير ابن كثير: (4/40).
120
وذلك يقع للأنبياء،فإنهم يصيبهم المرض،وموت الأهل وهلاك المال،لأسباب متنوعة.
ولا مانع من أنْ يكون من جملة تلك الأسباب تسليطُ الشيطان على ذلك للابتلاء ) (1) .
وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي موسى الأشعري-رضي اله عنه-قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(فناء أمَّتي بالطعن والطاعون ،فقيل:يا رسول الله!هذا الطعن قد عرفناه،فما الطاعون؟قال:وَخْزُ أعدائكم من الجن-وفي رواية:طعن أعدائكم من الجن-،وفي كلٍّ شهادة ) .
وعن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه -رضي الله عنه-قال:ذُكِرَ الطاعون عند أبي موسى فقال:سألنا عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟فقال:
( وخزُ أعدائكم الجن،وهو لكم شهادة ) (2) .
_________________
1-وانظر:تفسير الطبري: (23/166)وزاد المسير،لابن الجوزي: (7/147)وتفسير ابن عطية: (12/456)وتفسير الماوردي:(5/101)وغرائب القرآن،للنيسابوري: (33/100)ونظم الدرر،للبقاعي: (16/390)وروح المعاني،للألوسي: (22/206)والسلسلة الصحيحة: (رقم:17) وعالم الجن في ضوء الكتاب والسنة،لعبد الكريم عبيدات: (ص323).(1/70)
2-انظر:بذل الماعون في فضل الطاعون،للحافظ ابن حجر: (109-120)وإرواء الغليل:(1637) وصحيح الترغيب: (2/155) .
121
الطاعون ينقسم إلى قسمين :
1- الطاعون الوبائي العام :
وهو:(مرض يعمُّ الكثير من الناس،في جهة من الجهات،بخلاف المعتاد من أمراض الناس،ويكون مرضهم واحداً،بخلاف بقية الأوقات،فتكون أمراضهم مختلفة)(1).
والطاعون إذا دخل بلاداً :(غمَّ النفوس وأذاب الأكباد ... وتقدَّم بعساكر المنايا،ودهم بكبائر الرَّزايا،وألقى الرعب في قلوب البرايا،وأبقى في صدورهم البلايا.
وشَهَر لكلَّ أحدٍ نصابَه،ونزل بباب كلِّ بيتٍ منه عصابة.فالناس بين كلِّ ميت ومائت،ومتوقع الفوات وفائت.وأصبح كلُّ جبارٍ وهو منه خائف،ويظنُّ أنَّ الموت على بابه واقف.
____________________
1-انظر: التمهيد،لابن عبد البر: (6/211)وشرح مسلم ،للنووي:(1/105)والنهاية،لابن الأثير: (3/127)وفتح الباري: (10/180)وبذل الماعون في فضل الطاعون ،لابن حجر: (95)والمبدع ،لابن مفلح: (5/389)وكشاف القناع،للبهوتي: (4/323)وشرح الزقاني على موطأ مالك: (4/294) .
122
إنْ دخل بيتاً كان آخر أهله خروجاً،وإنْ عدل إلى فِناءٍ أجَّج نار الفَنَاء فيه تأجيجاً.فقصم عند ذلك الآمال،وكثرت لديه الأعمال ... )(1) فيكون هذا البلاء العظيم:للكافرين المعاندين شرع الله:رجزاً وهلاكاً.
وللمؤمنين: شهادةً وغفراناً .
في الصحيحين عن عامر بن سعد بن أبي وقاص،عن أبيه-رضي الله عنه-أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد-رضي الله عنه-ماذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الطاعون؟فقال: أسامة:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( الطاعون رجسٌ،أرسل على طائفة من بني إسرائيل،أو:على من كان قبلكم،فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه،وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه) .(1/71)
وفي لفظ آخر:أنه سمع-أي عامراً-أسامة بن زيد يحدث سعداً:أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر الوجع فقال:(رجزٌ،أو عذابٌ،عُذِّب به بعض الأمم،ثُمَّ بقي منه بقيَّةٌ،فيذهب المرَّة،ويأتي الأخرى،فمن سمع به بأرضٍ فلا يُقْدِمَنَّ عليه،ومن كان بأرضٍ وقع بها فلا يخرجْ فراراً منه ) .
___________________
1-من كلام الإمام الصفدي-رحمه الله-كما في:بذل الماعون:(ص382-383)للحافظ ابن حجر .
123
وأخرج أحمد في المسند وغيرُهُ عن أبي عسيب-رضي الله عنه-مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(أتاني جبريل-عليه السلام-بالحمى والطاعون،فأمسكتُ الحمى بالمدينة(1)،وأرسلت الطاعون إلى الشام،فالطاعون شهادة لأمَّتي،ورحمةٌ لهم،ورجسٌ على الكافرين ) السلسلة الصحيحة:(رقم:761) .
وأخرج الشيخان عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:( الطاعونُ شهادةٌ لكلِّ مسلم ) .
قال الحافظ في الفتح:( ... وفي حديث أبي عسيب عند أحمد :(فالطاعون شهادة للمؤمنين ورحمة لهم، ورجس على الكافر )وهو صريح في أن كون الطاعون رحمة إنما هو خاص بالمسلمين،وإذا وقع بالكفار فإنما هو عذاب عليهم يعجل لهم في الدنيا قبل الآخرة ) (2).
(وهذه سنة الله في العقوبات؛تقع عامة فتكون طهراً للمؤمنين،وانتقاماً من الفاجرين )(3).
_____________________
1-لعلَّ هذا كان في أول هجرته - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة،فإنه صح أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا بنقل الحمى إلى الجحفة.وانظر: فتح الباري :(10/191)وفيض القدير:(1/94) .
2- الفتح:(10/192).وانظر:بذل الماعون:(ص 78و213-218 ) .وفيض القدير: (1/94 و4/278) .
3-بذل الماعون: (ص 153) .
124
أقول :(1/72)
من أصيب بهذا الداء العضال-من المسلمين- لا ينال منزلة الشهادة العظيمة:إلا برضاً وتسليم لسيده وخالقه ومولاه،تاركاً كلَّ اعتراضٍ وضجر،مستبشراً بقدومه شهيداً إلى الله.
أخرج الإمام البخاري-رحمه الله-في صحيحه:عن عائشة-رضي الله عنها-قالت سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الطاعون؟فقال:
(كان عذاباً يبعثه الله على من شاء،فجعله الله رحمةً للمؤمنين،فليس من عبدٍ يقع الطاعون،فيمكث في بلده صابراً،يعلم أنه لن يصبه إلاَّ ما كتب الله له؛إلاَّ كان له مثلُ أجرِ الشهيد ) .
قال الحافظ في الفتح: (10/193) :
(قوله: فليس من عبدٍ أي: مسلم يقع الطاعون،أي: في مكان هو فيه فيمكث في بلده- في رواية أحمد في بيته-ويأتي في القدر بلفظ:يكون فيه،ويمكث فيه، ولا يخرج من البلد، أي: التي وقع فيها الطاعون .
قوله: صابراً،أي: غير منزعج ولا قلق،بل مسلِّماً لأمر الله راضياً بقضائه، وهذا قيدٌ في حصول أجر الشهادة لمن يموت بالطاعون،وهو أن يمكث بالمكان الذي يقع به فلا يخرج فراراً منه،كما تقدم النهي عنه في الباب قبله صريحاً (1) .
___________________
1-انظر: الفتح:(10/180) .
125
وقوله:يعلم أنَّه لن يصيبه إلا ما كتب الله له قيد آخر،وهي جملة حالية تتعلق بالإقامة،فلو مكث وهو قلق،أو متندم على عدم الخروج ظاناً أنه لو خرج لما وقع به أصلاً ورأساً،وأنه بإقامته يقع به،فهذا لا يحصل له أجر الشهيد ولو مات بالطاعون،هذا الذي يقتضيه مفهوم هذا الحديث كما اقتضى منطوقه: أن من اتصف بالصفات المذكورة يحصل له أجر الشهيد،وإن لم يمت بالطاعون،ويدخل تحته ثلاث صور: أن من اتصف بذلك فوقع به الطاعون فمات به،أو وقع به ولم يمت به، أو لم يقع به أصلاً ومات بغيره عاجلاً أو آجلاً )(1) .
سببُ مرض الطاعون :
ذهب الأطباءُ وغيرُهم من المتقدمين إلى أنَّ سبب الطاعون هو:
((1/73)
دمٌ رديءٌ مائلٌ إلى العفونة والفساد،يستحيل إلى جوهر سُمِّيٍّ يفسد العضو ويغير ما يليه،ويؤدي إلى القلب كيفية رديئة،فيحدث القيء والغثيان والغشي والخفقان.
___________________
1-وانظر:بذل الماعون: (ص ..2)وفيض القدير: (4/278).
126
وهو لرداءته لا يقبل من الأعضاء إلاَّ ما كان أضعف بالطبع،وأردأه ما يقع في الأعضاء الرئيسة.والأسود منه قلَّ من يسلم منه،وأسلمه الأحمر ثم الأصفر) (1) .
وأمَّا في الطب الحديث،فإنهم يبينون علَّةَ هذا المرض،بقولهم:
(الطاعون سببه:بكتريا عصوية عنقودية تصيب الفئران،ومنها بسبب البراغيث إلى الإنسان)(2) .
ــــــــــــ
1-وله أسباب أخرى عندهم،تُنظر فيما ذكرت من مراجع. انظر: التمهيد،لابن عبد البر: (6/211)وشرح مسلم ،للنووي:(1/105)والنهاية،لابن الأثير: (3/127)وفتح الباري: (10/180)وبذل الماعون في فضل الطاعون ،لابن حجر: (95و98)والمبدع ،لابن مفلح: (5/389)وكشاف القناع،للبهوتي: (4/323)وشرح الزقاني على موطأ مالك: (4/294) والقانون، لابن سينا: (4/1922)وتذكرة داود: (2/150) والطب،لموفق الدين البغدادي: (ض217)والطب النبوي،لابن القيم: (ص29)والطب النبوي،للذهبي:(ص266) .
2-انظر:معجم المصطلحات العلمية والفنية: (ص415)والموسوعة البريطانية-كما في مقدمة محقق :بذل الماعون: (ص22)ومقدمة الدكتور البار لكتاب:ما رواه الواعون في أخبار الطاعون،للسيوطي: (ص 8و31و34) .
127
إشكالٌ وجوابه :
تقدم سابقاً قول من لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم - :أنَّ الطاعون وخزُ أعدائنا من الجن.
وظاهر كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يراه البعضُ من الناس مُتعارضاً مُشكلاً مع ما قرَّره الأطباء وغيرُهم -قديماً وحديثاً-من أنَّ مرض الطاعون سببه:دمٌ رديءٌ مائلٌ إلى العفونة والفساد،يستحيل إلى جوهرٍ سُمِّيٍّ يفسد العضو ويغير ما يليه ...
أو بتعريف المحدَثِينَ منهم:أنه بسبب البراغيث ...(1/74)
والجواب على هذا الإشكال من وجوه متعددة :
1-من مسلَّمَات الثبوتِ عند أهل السنة والجماعة:أنَّ الحقائق الشرعية مقدمة على كلِّ نتاجٍ طبي حادث،أو معانٍ لُغوية تخالف شريعة الإسلام ؟!.
علماً أنه بحمد الله:لا يوجد صوابٌ في الطب،إلاَّ والشريعة الإسلامية تدلُّ عليه وتقرره ،وهذا هو الثبات والشمول لشريعة الله إلى يوم القيامة .
2- تحكيم العقل على النص بحجة: أنَّ هذه أمور دلَّ عليها العلم الحادث،فاسِدُ القَبول.
وذلك:أنَّ هذه الأمور المستحدثة بين نظرية،وواقعٍ مُشَاهَدٍ،قد يُظنُّ أنه على الحقيقة،بحكم وقوعه ومشاهدته:مُنتَقَضٌ بالحجة ذاتها؟! .
فيقال:كم من نظريةٍ مُؤصَّلَةٍ،وواقع مُسَلَّمٍ:كان في فترة من الزمان-سابقاً-يُعملُ به،ثمَّ جاء العلم الحادث بعد ذلك بنقضه.
فهل يُؤخذ بالأول،أم بالآخِرِ؟!وهل هذا الآخِر هو المنتهى من الأمر،أم هناك ما يأتي بعده ؟! .
128
ثمَّ إنَّ تحكيم العقل على نصوص الشرع:هو من أعظم ما أُصيبت به أمة الإسلام من مكر أعدائها.
فكانت هذه العلوم المنطقية الدخيلة:حائلةً بين أبناء المسلمين ودينهم،وجعلت كثيراً منهم كالأنعام يلهثون وراء حضارة الأمم الكافرة ..
ومن عَجبٍ: أنهم لا للإسلام نصروا،ولا لنتاج الغرب وصلوا ؟! .
هذا:وإنَّ أوَّلَ من افترع تحكيم العقل على النص-من طوائف الإسلاميين- هم المعتزلة-تأثراً-بفكر اليونان،وحثالة نتاج الأمم الكافرة -نعوذ بالله من الخذلان-.
أقول:
إنَّ الله سبحانه وتعالى :(جعل للعقول في إدراكها حدَّاً تنتهي إليه لا تتعدَّاه،ولم يجعل لها سبيلاً إلى الإدراك في كلِّ مطلوبٍ،ولو كانت كذلك لاستوت مع الباري-سبحانه- في إدراك جميع ما كان،وما يكون،وما لا يكون ! .
والعقل لا يُجعَلُ حاكماً بإطلاق،وثبت عليه حاكمٌ بإطلاق،وهو الشرع،بل الواجب أنْ يُقَدَّمَ ما حقُّه التقديم،وهو الشرع،ويُؤَخَّرَ ما حقه التأخير،وهو العقل ..
129(1/75)
لأنه لا يصحُّ تقديمُ الناقص حاكماً على الكامل،وهو خلاف المنقول والمعقول،بل ضدُّ القَضِيِّةِ هو الموافق للأدلة ،وقد قيل:(اجعل الشرع في يمينك،والعقل في يسارك)؛تنبيهاً على تقديم النقل على العقل ) (1) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-في كتابه:درء تعارض العقل والنقل(1/156):
(النصوص الثابتة في الكتاب والسنة لا يُعارضها معقولٌ بيِّنٌ قطّ،ولا يُعارضها إلاّ ما فيه اشتباه واضطراب.
وما عُلم أنَّه حقٌّ لا يُعارضُهُ ما فيه اضطراب واشتباه،ولم يُعلمْ أنَّه حقُّ .
بل نقولُ قولاً عامَّا كُلِّيَّاً:إنَّ النصوص الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يُعارضْها قطُّ صريحُ معقولٍ،فضلاً عن أن يكون مقَدَّماً عليها،وإنما الذي يُعارضها:شُبَهٌ وخيالاتٌ مبناها على معانٍ متشابهة وألفاظٍ مجملة،فمتى وقع الاستفسار والبيانُ:ظهر أنَّ ما عارضها شُبَهٌ سوفِسْطائية(2)لا براهين عقلية ) .
____________________
1-انظر: الاعتصام،للإمام الشاطبي-رحمه الله-:(2/275) .
2-قال الجرجاني في التعريفات: (ص158):( السفسطة:قياس مركَّبٌ من الوهميّات،والغرض منه:تغليط الخصم وإسكاته) .
130
ويقول ابن خلدون في مقدمته:(ص364):
(العقل ميزان صحيح،فأحكامه يقينية لا كذب فيها، غير أنَّك لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد،والآخرة،وحقيقة النبوة،وحقائق الصفات الإلهيَّة،وكلَّ ما وراء طَورِه؛فإنَّ ذلك طمَعٌ في محالٍ،ومثالُ ذلك مثالُ رجلٍ رأى الميزان الذي يُوزن به الذهب،فطمِعَ أنْ يَزنَ به الجبال!وهذا لا يدلُّ على أنَّ الميزان في أحكامه غيرُ صادقٍ،لكنَّ العقلَ قد يقفُ عنده،ولا يتعدى طَورَه حتَّى يكون له أن يُحيط بالله وبصفاته،فإنَّه من ذَرَّات الوجود الحاصل منه ) .
3- ثم إنه لا تعارض بين ما قرَّره الشرع،وما قاله الأطباء من كون أنَّ الطاعون:(سببه:دم رديء ... ، أو براغيث ... ) .
وذلك أنهم حكموا على ظاهر الأمر لوجود آثاره .(1/76)
ولا يمنع ذلك من أن يقال:إنَّ الجنَّ تستفيد من وجود هذه الأسباب العارضة في جسد الإنسان،فتؤثر فيه بوخزها الذي لا يعلم حقيقته إلاّ الله عزَّ وجلَّ .
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-في زاد المعاد:(4/39):
(وهذه العلل والأسباب:ليس عند الأطباء ما يدفعها،كما ليس عندهم ما يدل عليها .
131
والرسل تخبر بالأمور الغائبة.وهذه الآثار التي أدركوها من أمر الطاعون،ليس معهم ما ينفي أن تكون بتوسط الأرواح:فإن تأثير الأرواح في الطبيعة وأمراضها وهلاكها، أمر لا ينكره إلا من هو أجهل الناس بالأرواح وتأثيراتها،وانفعال الأجسام وطبائعها عنها.والله سبحانه قد يجعل لهذه الأرواح تصرفاً في أجسام بني آدم:عند حدوث الوباء وفساد الهواء.كما يجعل لها تصرفاً عند بعض المواد الرديئة التي تحدث للنفوس هيئة رديئة؛ولا سيما: عند هيجان الدم والمرة والسوداء،وعند هيجان المني.فإنَّ الأرواح الشيطانية تتمكن من فعلها بصاحب هذه العوارض ما لا تتمكن من غيره،ما لم يدفعها دافعٌ أقوى من هذه الأسباب:من الذكر والدعاء، والابتهال والتضرع،والصدقة،وقراءة القرآن.فإنه يستنزل بذلك من الأرواح الملكية،ما يقهر هذه الأرواح الخبيثة،ويبطل شرها،ويدفع تأثيرها،وقد جرَّبنا-نحن وغيرنا-هذا مراراً لا يحصيها إلا الله،ورأينا لاستنزال هذه الأرواح الطيبة، واستجلاب قربها تأثيراً عظيماً:في تقوية الطبيعة،ودفع المواد الرديئة،وهذا يكون قبل استحكامها وتمكنها. ولا يكاد يُخرم.
فمن وفقه الله:بادر عند إحساسه بأسباب الشر،إلى هذه الأسباب التي تدفعها عنه. وهي له من أنفع الدواء.
وإذا أراد الله عزَّ وجلَّ إنفاذ قضائه وقدره:أغفل قلب العبد عن معرفتها وتصورها وإرادتها،فلا يشعر بها ولا يريدها ليقضي الله فيه أمراً كان مفعولاً ) .
132
وقال الحافظ ابن الحجر-رحمه الله-:
((1/77)
ولا يخالف ذلك ما قال الأطباء :من كون الطاعون ينشأ عن هيجان الدم،أو انصبابه،لأنه يجوز أن يكون ذلك يحدث عن الطعنة الباطنة،فتحدث منها المادة السمية،ويهيج الدم بسببها،أو ينصب.
وإنما لم يتعرض الأطباء لكونه من طعن الجن،لأنه أمر لا يدرك بالعقل،وإنما يعرف من الشارع،فتكلموا في ذلك على ما اقتضته قواعدهم )(1) .
- - -
___________________
1-فتح الباري(10/181)وانظر:بذل الماعون: (ص104)وفيض القدير: (4/288)وشرح الزرقاني على موطأ مالك: (4/294)والفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني: (2/341)وتفسير الألوسي: (3/50 ) .
133
فصلٌ:
قد يقول قائلٌ: ما الحكمة من تسليط الجن على الإنس بالطاعون ؟.
وجواب ذلك:
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-:
(في كون الطاعون وخز أعدائنا من الجن:حكمة بالغة،فإنَّ أعداءنا منهم:شياطينهم.
وأمَّا أهل الطاعة منهم فهم إخواننا،والله أمرنا بمعاداة أعدائنا من الجن والإنس،وأن نحاربهم طلباً لمرضاته،فأبى أكثر الناس إلاَّ مسالمتهم،فسلَّطهم عليهم عقوبة لهم،حيث استجابوا لهم حين أغووهم،وأمروهم بالمعاصي والفجور والفساد في الأرض فأطاعوهم،فاقتضت الحكمة أنْ سلَّطهم عليهم بالطعن فيهم،كما سلَّط عليهم أعداءهم من الإنس،حيث أفسدوا في الأرض،ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم.
فهذه ملحمة الإنس،والطاعون ملحمة من الجن،وكلٌّ منهما بتسليط العزيز الحكيم،عقوبة لمن يستحق العقوبة،وشهادة ورحمة لمن هو أهلٌ لها.
وهذه سنَّةُ الله في العقوبات؛تقع عامة فتكون طُهْراً للمؤمنين،وانتقاماً من الفاجرين )(1).
___________________
1-انظر:بذل الماعون: (ص154) .
134
وقال الإمام أبو بكر الكلاباذي-رحمه الله-في معاني الأخبار:
((1/78)
إن الله عزَّ وجلَّ اختصَّ المؤمنَ لنفسه،وصرفه في محابِّه،وجعل كلَّ أحواله خيراً له،وأراد به الخيرَ في كلِّ ما أصابه من ضرَّاءَ وسرَّاءَ وألمٍ ولذة، وقيَّض له من يواليه إرادةَ الخيرِ به؛من مَلَكٍ يستغفرُ له،ونبيٍّ يشفعُ له،ومؤمنٌ يعاونُه،وجعل له من يعاديه إرادةَ الخيرِ به؛من شيطانٍ يُذِلُّهُ،وعدوٍّ يقاتله،وجنيٍّ يَخِزُهُ.
وهو-عزَّ وجلَّ-للمؤمن حافظ وناصر،ولأعدائه مخزٍ قاهرٌ ،والمؤمن هو الذي إذا أصابته سرَّاءُ فشكر،فكان خيراً له،وإذا أصابته ضرَّاءُ فصبر،فكان خيراً له) .
ثمَّ ذكر جواب إشكالٍ في تسليط الجن على المؤمن،مع كونه محفوظاً في جميع أموره،فقال:
(كما جاز أن يطعنه عدوه الظاهر بالرمح والسيف في وقتٍ،مع أنه في أكثر أوقاته قد منعه الله منه؛بالرعب تارةً،والقوةِ والنصر أخرى،لكنَّه قد يريد به الخير ونيل درجة الشهادة فيقتله العدو،وربما استولى العدو أيضاً على دار المسلم وماله،مع قوله تعالى: { وأنْتُم الأَعلَون } ،وقوله تعالى: { ولَنْ يجعلَ اللهُ للكافرين على المؤمنين سبيلاً } ،فكذلك يجوز أن يطعنه عدوُّه من الجن،مع أنه في أكثر أوقاته قد منعه الله تعالى منه بالمعقِّبَاتِ من الملائكة،لكنَّه قد يريدُ به الخير،ونيل درجة الشهادة،فيمكن من وخْزِه،مع قوله تعالى: { إنَّ كيدَ الشيطان كان ضعيفاً } .
وطعن الإنس نافذٌ،وطعن الجن غيرُ نافذ،فسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - النافذ طعناً،والطعنَ غيرَ النافذِ طاعوناً،وأخبَرَ أنَّ في كلِّ ذلك شهادة ) (1) .
____________________
1-انظر:بذل الماعون: (154-155) .
135
فصل:
القسم الثاني من أقسام الطاعون :
2-وهو ما يتناول الأفراد دون الجماعات :
وله أنواعٌ كثيرة:ومن أشهرها وجوداً:ما يسمى بالسرطان-نعوذ بالله منه-.
ولا يفهم من قولنا هذا:أنَّ كلَّ سرطان يكون ناتجاً من فعل الجنِّ،لا ؟!بل المقصود:أنَّ الجنَّ قد يوجدون-بأمر الله- هذا المرض.(1/79)
ومن الأدلة على ذلك:ما تقدم ذكره في القسم الأول،وما سيأتي-بعدُ-إنْ شاء الله .
ولقد برز السرطان:كأعصى معضلة طبية،وكأكبر مصدر قلق للإنسان المعاصر-وإن كان السرطان مجوداً منذ القدم-إلا أنه استأثر استئثاراً كليَّاً باهتمام كُلٍّ من المؤسسات العلمية المعاصرة،وجميع بني الإنسان علميَّاً وصحيَّاً(1).
وكلمة السرطان عنْدَ كثيرٍ من الناس،ومن ضعف حظه من الرضى بقضاء الله وقدره،والصبر على ابتلائه:باعثةُ الرعبِ في قلوبهم وأسماعهم.
وعِلَّةُ ذلك: تلك المقاسات العاتية التي يعانيها من ابتلي به،والنهاية الحزينة-في ظاهر الأمر لغير المؤمنين ؟!-لقصة وجوده في جسد الإنسان ...
___________________
1-انظر:السرطان والأمراض الانحلالية،للدكتور:ملحم حسن: (ص5) .
136
ويُعَرِّفُ الأطباء السرطان بقولهم :
يتكون جسم الإنسان:من مجموعة من الأعضاء والأنسجة،والتي تتكون بدورها من ملايين الخلايا..هذه الخلايا تختلف عن بعضها من ناجية الشكل والوظيفة، لكنها تنقسم وتتكاثر بالطريقة نفسها..عادة يحدث انقسام الخلايا بشكل منتظم بحيث يمكن لأجسامنا النمو،أو لاستبدال أو إصلاح الأنسجة التالفة ..
هذا التكاثر يكون في وقت محدد وإلى حدٍّ معين،لكن إن خرجت هذه العملية عن السيطرة فإن الخلايا تبدأ بالتكاثر بسرعة وينتج عن هذا ما يسمى بالورم ..
الأورام نوعان :
الحميدة( غير سرطانية Benign ):وهذه عادة تكون مغلفة بغشاء وغير قابلة للانتشار..تأثيرها المحدود على المريض يكون:بالضغط على الأعضاء الطبيعية إذا كان حجمها كبيراً،ويمكن أن تستأصل بالجراحة وغالباً لا تعود ثانيةً .(1/80)
الخبيثة(سرطانية Malignant):فالأورام السرطانية تهاجم وتدمر الخلايا والأنسجة المحيطة بها ولها القدرة على الانتشار بعيداً وذلك بأن تنفصل خليه (أو خلايا)من الورم الأولى(Primary )وتنتقل عن طريق الدم،أو الجهاز الليمفاوي إلى عضو أو أعضاء أخرى في الجسم لتكون أوراماً ثانية تسمى بالأورام الثانوية(Secondary).
137
كيف يبدأ السرطان ؟:
البداية(Initiation):
هي الخطوة الأولى نحو تكوين الورم..:حيث يبدأ على مستوى خليه بتغيير بسيط في عملها وطريقة التحكم في هذا العمل..المواد التي تسبب هذا البداية تسمى: مواد مسرطنة (carcinogens).
التطور(Progression):
يتكون الورم عن طريق خليه واحدة،ويكون بنجاحها في النمو والانقسام على حساب الخلايا الأخرى .. وفي هذه المرحلة يمكن رؤيته ميكروسكوبياً .
الورم الإكلينيكي (Clinical):
هنا يكون الورم كبير الحجم،وإذا لم يعالج فسيستمر بالنمو وتدمير الأنسجة المجاورة،وربما الانتشار إلى أعضاء بعيدة (1) .
_________________
1- مجموعة مواقع على شبكة الأنترنت.والسرطان،للدكتور:ناصر عبد الله عوض:(ص13إلخ) والسرطان،للدكتور:ملحم حسن: (ص13) .
138
مسببات السرطان :
إنَّ المسبب لوجود السرطان:لا يزالُ لغزاً لم يُعرف كُشف حقيقته إلى الآن...
والأطباء يُعَبِّرونَ في أبحاثهم عن السرطان بقولهم:
(من الواضح أنَّ خطأً ما في آلية التحكم يجعل الخلايا تخرج عن التقيد بقيود النمو الطبيعي في المناطق المتواجدة فيه من الجسم )(1) .
فنسأل الأطباء هنا على سبيل الاستفسار ؟!:
ما السبب الذي يُوجِدُ:خطأً ما في آلية التحكم،ويجعل الخلايا تخرج عن التقيد بقيود النمو الطبيعي في المناطق المتواجدة فيه من الجسم ؟.
قد يجيبون على السؤال بقولهم:
يُوجِدُ ذلك:أسباب وراثية،أو عوامل بيئية...أو غير ذلك مما هو مبسوطٌ عندهم في مؤلفاتهم وأبحاثهم.
وكلُّ ما ذكروه من أسبابٍ وعوامل:هو من باب الظنِّ والتخمين لا غير .(1/81)
_________________
1-موقع صحة على شبكة الأنترنت،والسرطان،د.دالاس جونسون: (ص11و34)والسرطان،د.موريس ستون: (113) .والسرطان،د.ميشال كرم: (ص55).
139
يقول الدكتور مالكوم شوارتز في كتابه:السرطان:
(حتى الآن:إنَّ الأمل بتطوير لقاح ضد السرطان يبقى فقط أملاً.لا أحد قادرٌ على التعرف بالضبط ما هو السبب الذي يجعل الخلايا الطبيعية تتحول إلى مجموعات متضاعفة سرطانية واسعة،ولقد حدث الاشتباه ببعض الفيروسات إلاَّ أنَّ أيَّاً منها لم يكن مذنباً ).
ويقول:(يجب أن يكون واضحاً:أنَّ الجراحة،والأدوية المخدرة،والأشعة لا تشفي دائماً،حتى عندما تُستخدم لعلاج مراحل أولية من الإصابة بالسرطان).
ويقول:(لسوء الحظ:هذه الأدوية المعالجة للسرطان وغيرها،لها نفس العيب الرئيس للعلاج بالأشعة،فهي غالباً ما تدمر الخلايا الطبيعية،إلى جانب الخلايا السرطانية.ومؤثراتها الجانبية يمكن أن تشمل عوارض فيزيولوجية حادة مثل القيء والغثيان،والضعف والدوخة،وتساقط الشعر ) .
ويقول أيضاً:(لسوء الحظ:فإنَّ حوالي ثلث المرضى الذين تجرى عليهم الجراحة يحدث لديهم انتشار،أو انبثاث الورم خلال وقت الجراحة)(1) .
______________________
1-السرطان ما هو؟للدكتور:مالكلوم شوارتز : (ص56و75-77و84و181)وانظر:حقائق عن السرطان،للدكتور:دالاس جونسون: (ص23و45و47)والسرطان،للدكتور:موريس ستون: (ص28-50و113) .
140
وهنا تنبيه يُذكرُ على سبيلِ النُّصْحِ والفائدة ؟!:
يقول الطبيب الفاضل:محمد بن علي البار-حفظه الله- في كتابه أحكام التداوي:
(قد يكون عدم التداوي أفضل بالنسبة للمريض وأهله عندما يكون الدواء مشكوكاً في فائدته،أو يغلب على الظن عدم جدواه،بينما يترجح ضرره .(1/82)
ومثال ذلك:حالات السرطان المتقدم الذي استشرى في البدن،فإنَّ التداوي بالجراحة،أو الأشعة،أو العقاقير،أو جميعها معاً لا يؤدي في الغالب إلى الشفاء،بل وربما أدى إلى زيادة ألم المريض نتيجة المضاعفات الناتجة عن التداوي.
ويضاف إلى ذلك الكلفة المالية الكبيرة،مما يضطر الأهل إلى الاستدانة والوقوع في الحرج من أجل عزيزهم المريض.ولا يستفيد من هذه الإجراءات،وعمليات التداوي الباهظة المكلفة إلاَّ المستشفيات والأطباء... .وبالتالي تكون كلفة التداوي مما يزيد في حرج ومعاناة المريض وأهله )(1) .
- - -
___________________
1-أحكام التداوي والحالات الميؤوس منها: (ص43) .
141
أنواع السرطان:
للسرطان أنوع متعددة،منها: -سرطان التجويف الأنفي .
-سرطان البرستاتا . -سرطان الكلية .
-سرطان الكبد . -سرطان الجلد .
-سرطان الدماغ . -سرطان اللسان .
-سرطان الثدي . -سرطان الدم (لوكيميا) .
-سرطان المعدة . -سرطان عنق الرحم .
-سرطان المثانة . -سرطان القولون والمستقيم
-سرطان الغدد الليمفاوية،ومرض هودجكنز( Hodgkin & non-Hodgkin lymphomas )(1).
وغير ذلك من أنواعه(2) .
___________________
1-مرض هود جكنز:يُعرِّفهُ الدكتور:دالاس جونسون،في حقائق عن السرطان: (ص39) : (هو عبارة عن سرطان يصيب الغدد الليمفاوية،وسلوكه يختلف عن النمو والتطورات الخبيثة في محلات وأجزاء أخرى،لأنَّه يظل خلال الوقت الأكثر اتسعاً:لاصقاً ومنحصراً بجهاز الغدد الليمفاوية. =
142
__________________
=إنَّ الغدد الليمفاوية التي يمكن الإحساس بها،وبسهولة هي:تلك الموجودة في العنق،وفي الإبطين،والوركين.ويعلن عادةً عن وجوده:بظهور انتفاخ غير مؤلم في إحدى هذه الأجزاء).أقول:لا يعني وجود ألم في هذه الأماكن على أنه سرطان؟!مع وصاية هذا الطبيب بمراجعة الأطباء عند وجود آلام،أو تغيرات في الأماكن المذكورة .(1/83)
2-انظر:السرطان أنواعه وأسبابه،للدكتور:عبد الفتاح عطاء الله: (ص36 الخ )والخلايا المتوحشة،لمجموعة من الأطباء: (ص179)والسرطان،للدكتور:موريس ستون: (53 الخ ) .
- - -
143
فصلٌ:
ومن الأدلة أن الجنَّ قد يوجدون مرضَ السرطان بإذن الله ما ذكره أهل التأليف في التداوي بالرُّقى الشرعيَّة،وما جاء في الصحف والمجلات،وما كتب في مواقع الإنترنت،وما أقرَّ به كثيرٌ من الأطباء،وقد شاهدنا كثيراً من الحالات تم شفاؤها بقراءة القرآن عليها بعد أن عجز الطب الحادث عن علاجها.
وهذه الحالات:جملةٌ متكاثرةٌ يصعبُ حصرُها في أسطر يسيرة،وسأذكر هنا بعضاً منها على سبيل الاختصار،-مُذكِّراً القارئ الكريم:أن الحاكم في هذه الأدلة هو:الواقع والمشاهدة ؟!- .
هذا وقد سُئل الإمام العلامة:عبد العزيز بن عبد الله بن باز-رحمه الله-عن التداوي بالقرآن للأمراض العضوية:كالسرطان وغيره،وهل ذلك يكون كما هو الحال للأمراض الروحية ؟ .
فأجاب-غفر الله له ورحمه-:الحمد لله:القرآن والدعاء فيهما شفاءٌ من كلِّ سوءٍ بإذن الله،والأدلة على ذلك كثيرة منها:قوله تعالى: { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء } سورة:فصلت،آية:44.وقوله سبحانه: { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين } سورة الإسراء:آية:82 .
144
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - :إذا اشتكى شيئاً قرأ في كفيه عند النوم سورة: { قل هو الله أحد } و { المعوذتين } ثلاث مرات،ثم يمسح في كلِّ مرة على ما استطاع من جسده،فيبدأ برأسه ووجهه وصدره في كلِّ مرة عند النوم،كما صح الحديث بذلك عن عائشة رضي الله عنها )(1) .
ومن الأمثلة على ما تقدم ذكره:
-ما جاء في رسالة:قواعد الرقية الشرعية،لكاتبها:الأستاذ عبد الله السدحان(ص57):
((1/84)
وأذكر قِصةً حصلت عندي على سبيل المثال،وهي أعجب ما رأيت:رجل أعمال أصيب بمرض خبيث في لسانه،أحدث له تشققات حتى إنه لا يتناول إلاَّ السوائلَ فقط،وذلك من أثر سحرٍ مشروب،ولم ينفع معه علاج في الداخل،أو الخارج،ولما أُشيرَ عليه بالحجامة ] واحتجم [: زال عنه ذلك الضررُ بإذن الله ) .
في القصة فائدتان:
1-إثبات أنَّ السحر-وهو سبب من أسباب المس؟!- قد أوجد هذا المرض بإذن الله .
2-فائدة الحجامة لعلاج من به سحر،أو مرض عضوي نتج عن فعل الجن .
___________________
1-مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز- رحمه الله-(8 / 364).
145
-ذكر صاحب كتاب دليل المعالجين-وهو أصرح في الدلالة من سابقه-قال:
(امرأة أصيبت بمرض خبيث في ثديها الأيمن،وأقرَّ الأطباءُ ضرورةَ استئصال هذا الجزء،وبالفعل تم استئصاله بالجراحة،ثم بعدَ قليل عاودها الألم في ثديها الأيسر،وبإجراء التحاليل الطبية أقرَّ الأطباء:أنه مرض خبيث أيضاً ولابد من استئصاله هو الآخر،ففزع أهلها ولجؤوا إلى العلاج بالقرآن الكريم،وبعد القراءة عليها نطق الجنُّ على لسانها،وأخبرنا أنه هو الذي سبب لها هذا المرض،وأنه كان مخططاً أن يصيب الركبة بمثل ما أصاب الثديين.
وبالنصح والإرشاد والعلاج القرآني:اقتنع الجن بأن يترك هذه السيدة،طالباً منا أن نسامحه،وأن تسامحه هذه السيدة،وألقى السلام وانصرف.
وزال الألم عن هذه السيدة،وبإعادة التحاليل وجدوا أنها سليمة مئة بالمئة ) (1).
وراقم هذه الأسطر-غَفرَ الله له-:قد مرَّ به كثيرٌ من الناس ممن كان يعاني من مرض السرطان-نعوذ بالله منه-والتمس المبتلى به كلَّ دواء حصَلَ عليه ،ولم يجد شفاءً،وكان السبب:مسَّ جنٍّ، أوعين، أو سحر ...
وقد تمَّ شفاءُ البعضُ من هذا المرض العضال-بأمر الله عزَّ وجلَّ-ومن الأمثلة على ذلك:
__________________
1-دليل المعالجين،لرياض سماحة: (ص14) .
146(1/85)
طفلة تبلغ من العمرِ سبع سنين:ابتليت بسرطان المعدة،وقد التمس أهلها العلاج عندَ جمعٍ من الأطباء،واستغرقت جميع ما وصِفَ لها من الدواء،إلاَّ أنه لم يكتب لها الشفاء،وبعد القراءة عليها مدةَ شهرين من الزمان،مع إعطائها شيئاً مما جعل الله فيه سبباً للشفاء،وهو العسل،والحبة السوداء:كتب الله لها:البرء والعافية،وذهب ذلك الورم من معدتها،وأُجريت لها الفحوصات اللازمة،فكانت النتائج سليمة-والحمد لله-،وزال ذلك المرض بالكليَّة،والسبب في إيجاد ذلك الورم:مسُّ شيطان خبيث أراد لتلك الطفلة الهلاك،فدفع الله شرَّ الشيطان،ونصر ربُّنا جلَّ في علاه كلامه الكريم،وصدق الله،ومن أصدق من الله قيلاً،ومن أصدق من الله حديثاً: { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين } سورة الإسراء:آية:82 .
ومن عجيبِ ما يُذكر هنا:
أنَّ رَجلاً جاءنا يشتكي من سرطان المعدة،وبعد سُؤاله:هل ذهبت إلى المختصين من الأطباء في علاج السرطان؟أجاب بقوله:لم أُبقِ أحداً منهم في هذه البلاد،وقد استعملتُ جميع ما وصِفَ لي من دواء،حتى بلغ بيَ اليأسُ مبلغاً عظيماً،وأيقنت أني تالفٌ لا محالة...
وبعد القراءة عليه:بدأت أعراض السحر تفوح من داخله؟!وكان العجب:أن الجنَّ بسب السحر هو الذي أوجد ذلك الورم السرطاني في معدته،وبعد استمرار القراءة عليه فترة ثلاثة أشهر-مع أخذه لدواءٍ سأذكره بَعْدُ إن شاء الله-تمَّ الشفاء فضلاً من الله ونعمة،والحمد لله ربِّ العلمين .
147
-جاء في صحيفة الرياض اليومية:( الاثنين . ذو الحجة 1421 العدد 11935 السنة 37 )عن أحد الرقاة-والذي فضَّل عدم ذكر اسمه-قال:
((1/86)
لا يخفى على مسلم يقرأ كتاب الله،وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - :أن القرآن أنزله الله سبحانه وتعالى شفاء وهداية،ودلالة وإصلاحاً للعقيدة والتوحيد،وبيَّن جَلَّ جلالهُ أن القرآن شفاء: { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين } سورة الإسراء:آية:82 والداء إنما ينزل بأمر الله،ولا يُرفع إلا بأمره،وقد وضع الله عزَّ وجل الأسباب ووسائل العلاج كما قال - صلى الله عليه وسلم - :( تداووا عباد الله فإن الله ما انزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله)ولا يخفى على مسلم أنَّ القرآن شفاء للشبهات والشكوك،وما يخالط عقائد الناس،كما إنه أيضاً:شفاء لأمراض الأجساد،لأن الأمراض تنقسم عدة أقسام:ومنها مرضٌ بسبب العين،ومرض بسبب المس بالجن ،ومرض بسبب السحر .
وهذه الأمراض:أكاد أجزم أنه لا يوجد لها علاج إلا بكتاب الله عزَّ وجلَّ،أو أن يُعرف مكان السحر ويُتلف،أو أن يُعرف العائن ويؤمر بالاغتسال،فيغتسل المريض بالعين بهذا الغسول فيشفى بإذن الله،فإذا لم توجد هذه الأشياء:فإن العلاج لا يكون إلا بالقرآن،ويشفى به بإذن الله من المس والعين والسحر .
وقد وجد أن جزءاً من الأمراض الحسيَّة المنتشرة:كمرض السرطان وغيره -وقانا الله وإياكم شرَّها- بعضها من أسباب العين،أو السحر،وتمَّ علاجها بالقرآن،ولا يعني ذلك أنَّ جميع أمراض السرطان من العين أو السحر،ولكن وجدت حالات
148
سرطان وغيره من الأمراض بأسباب العين أو السحر، وتم علاجها بالقرآن-ولله الحمد-مثل أمراض سرطان الدم،وهناك مرض منتشر الآن وهو سرطان الثدي لدى النساء،ووجد عدد من الحالات وشفيت-ولله الحمد- بالقرآن،وكانت في الغالب بسبب العين أو السحر ).(1/87)
وقال أيضاً:( اتصل بي أحد الزملاء القدماء،والذي انقطعت عنه وقال لي: هل تعرف أحداً رُقي من السرطان،وشفي فقلت:بأنني سمعت عن البعض ممن يقرؤون عالجوا بعض الحالات وشفيت-ولله الحمد-ثم سألته من المريض فقال : أنا ، فقرأت عليه كتاب الله، وبعد القراءة تبيَّن لي:أن الرجل ظهرت معه أعراض تدل على أنَّه مسحور،ومنها الاستفراغ والإسهال،فقلت له:بأنَّ الأعراض تدل على السحر،وعلم فيما بعد أنَّه فعلاً مسحور من قبل الخادمة،وقرأت عليه(21)يوماً، وكانت كريات الدم البيضاء وصلت إلى(80)ألفاً،والمعدل الطبيعي إلى(8)آلاف وانخفضت كريات الدم بعد القراءة إلى(10)آلاف. وشُفي ولله الحمد من السرطان) .
149
حادثة عجيبة أذكرها هنا لما فيها من عبرة وذكرى للمؤمنين-وإن كانت ليست متعلقة بمرض السرطان-:
جاء في صحيفة الرياض:( الأحد 17 ربيع الثاني 1422 العدد 12067 السنة 37 ):
(سعود بن عبد العزيز الزيد قال:(1/88)
رحمك الله يا أبا عبد الله:تُوفي يوم الثلاثاء 6ربيع الأول 1422 الشيخ عبد العزيز الفريح..ذلك الشيخ الجليل الذي رأيته في غيبوبتي،وكان له الفضل الكبير-بعد الله-في عودتي للحياة،بعد معاناة مريرة مع المرض وقصة معجزة من معجزات الله سبحانه وتعالى في الشفاء..فعندما أصبت بجلطة مفاجئة في الأمعاء نقلت على إثرها لمستشفى القريات العام،والذي بدوره حملني بسيارة الإسعاف للمستشفى التخصصي في العاصمة الأردنية عَمَّان،والقريبة جداً لعمل فحوصات دقيقة،لم تكن متوفرة لديهم في حينه،وبسبب النزيف المستمر،ولعدم الاستفادة من الفحوصات والأشعة الغامضة،فقد تم إجراء عملية فتح سريعة تبيَّن أن السبب هو:جلطة في الأمعاء أزيل على إثرها ما يقارب المتر ونصف المتر من الأمعاء الدقيقة،وبعد التنظيف اللازم أغلقت العملية،وحين صحوت استمرت الآلام والحمى عدةَ أيام مما حير الطبيب الجراح،فقام بفحوصات عديدة لتحديد نوع هذه الحمى.استمرت المعاناة حتى نقلت إلى المستشفى التخصصي بالرياض،ومن ثم بدأت الفحوصات من الصفر على كامل أجزاء الجسم،والتي أكدت وجود الصديد،وبداية جلطة في الرئتين،وأنه لا توجد
150
حمى مالطية نهائياً،وبدأت معركة العلاج مع المرض،فالفحوصات مستمرة،وتنوعت العلاجات،مع استمرار الآلام والحمى فلم تفلح العلاجات،ولم تؤدِ الفحوصات لأيِّ نتائج إيجابية لإيجاد الأسباب لمدة عشرة أيام،ولشدة الآلام واستمرارها،وعدم فائدة المهدئات:(1/89)
قرَّر الطبيب الجراح:إعادة فتح البطن،فوجد بقية تجلط على الأمعاء مقداره خمسة سنتيمترات تم إزالته،وانتشر الصديد والجراثيم في داخل البطن،فبدأت حرب الجراثيم التي تزداد قوةً وانتشاراً كلما أعطيت مضاداً للقضاء عليها،وأنا في غيبوبة المخدر استمر البطن مفتوحاً ما يقارب من ثمانية أيام،وتنظيف الصديد ومحاولات القضاء على الجراثيم مستمرة،بعدها أغلق البطن،واستمرت المعالجة،مع تنامٍ متزايد للجراثيم،والجميع يعايش همي،وأنا أعيش في عالم آخر غريب فيه من القصص الكثير،وكان منها: أن رأيت نفسي أرقد في قسم الإنعاش،وقد أحضر لي شيخ كبيرٌ وَقُورٌ بدأ بقراءة الرقية الشرعيَّة من القرآن الكريم،وفجأة خرج من أحد جنبي قِطٌّ صغيرٌ ذو شكل رمادي قبيحٍ،وبدأ بالقفز داخل غرفة الإنعاش بحثاً عن مخرج،وحين يئس قفز للسقف للخروج من بين ألواح السقف الصناعي،فحُشر بينها ومات،فقال الشيخ :الحمد لله البس-القط- مات والشر طلع) والطاقم الطبي بحاله اندهاش.وبعدها بيومين صحوت من البنج بعد أن تم تخفيفه بشكل تدريجي لأجد نفسي في مكانٍ ووضعٍ غريبين،ولا أعلم أين أنا،ولكن قصة القط والشيخ تسيطر علي،جازماً بأنها وغيرها كثير حقائق لا
151
شك فيها، نظرت فوجدت أخي سلامة وأبناء عمي،وآخرين يحيطون بي ويهنئونني بالسلامة،وأنا مندهشٌ من كلِّ شيء،وأنبوبة التنفس الاصطناعي تمنعي من مخاطبتهم والرد عليهم،وبدأت أبحث عن إجابة للعديد من التساؤلات أين أنا؟وماذا حدث لي؟ وهل رأيتم الشيخ والقط الذي خرج؟قالوا لي: الحمد لله على السلامة أنت كنت في غيبوبة البنج لمدة أربعين يوماً،وقد عُدت للحياة بعد يأس بمعجزة ربانية،وقد أحضرنا لك شيخاً ليقرأ عليك،ولكن ما أدراك؟وما هي حكاية القط الذي تسأل عنه؟،أنت هنا منذ أربعين يوماً..(1/90)
وكانت حالتك لا تزداد إلا سوءاً،والجراثيم تنتشر بازدياد،والعلاج لا يزيدها إلا قوةً،حتى توقفت الكلى والكبد،وقد زاد اليأس من حالتك حين توقفت الرئتان وبدأتا بالضمور لاستحالة تعويضهما،وغيرها من الأمراض المتتابعة،بلا أسباب، وقد تورم جسمك فاصبح لونه أزرقاً،فكان كلُّ من يراك من خلفِ حاجز العزل يودعك باكياً،فلا أمل إلا بمعجزة إلهية..وحين يئس الطبيب المعالج صارحنَا بحقيقة الوضع،وتوقف العلاج يأساً من الشفاء،وأنه لابد من رقم الهاتف لأخذ المريض حين وفاته.وهنا قلنا له-أي الطبيب-:هل بالإمكان إحضار شيخ للقراءة عليه في المستشفى؟فقال:لا بأس،فنحن قد يئسنا من شفائه.وهنا كان (الشيخ عبد العزيز الفريح)-رحمه الله-والذي لبَّى الدعوة مشكوراً رغم كبر سنه، ومن أول قراءة ظهرت معجزة الشفاء بالرقية الشرعيَّة،وبدأ الجسم بالتجاوب للعلاج،وتغيرت مؤشرات أجهزة القياس،وبعد التحليل وجد:أن البكتيريا والجراثيم قد اختفت تماما وكأنها لم توجد،واسْتُنفِرَ المستشفى وحضر
152
الطبيب ليشاهد الجسم الميت يعود للحياة،والجراثيم قد اختفت نهائياً،وكأنها خدعة سينمائية،علماً بأنَّ كلَّ الفحوصات أثبتتها بالسجلات الطبية،فتغير الحال بشكل معجزة،وبدأت عملية تخفيف المخدر بشكل تدريجي حتى صحوت،وها أنا-ولله الحمد-من أحسن إلى أحسن.بدأت أصحو ولكن حياة البرزخ التي عايشتها في الأربعين يوماً الماضية تسيطر علي،الكثير من الأسئلة تحيرني فلا أجد لها إجابة ... وضع التنفس الخارجي يجعلني أخاطبهم بالورقة والقلم،وأسأل فلا يعلمون إجابة لأسئلتي الغريبة،سوى أنَّ كلَّ شيءٍ بخير،وعليَّ أن لا أتعب نفسي فالراحة أهم.وهنا بدأت أصحو وأنا أبكي فقلت:(ليش وين أنا فيه؟)،فقال الطبيب:أنت هنا بالمستشفى التخصصي بالرياض..فبكيت فرحاً بعد أن اقتنعت بصدقه..(1/91)
وبدأ الطبيب بتكثيف العلاج لإنعاش الجسم،وإعادته لحالته الطبيعية،وبعد خمسة وعشرين يوماً،وكما قال الطبيب:(ستخرج-إن شاء الله-من المستشفى على رجليك)ولم أكن أصدقه لسوء حالتي في البداية، والآن-ولله الحمد-ومنذ خروجي من المستشفى أعيش أفضل حالاتي الصحية.أمَّا الشيخ عبد العزيز رحمه الله،فقد زادت شهرته في العلاج بالرقية،وأصبح المستشفى التخصصي يستعين به للقراءة على الحالات المشابهة والميؤوس منها طبياً،واستمر في أعماله الخيرة لإنقاذ من استطاع من المرضى حتى وافته المنية رحمه الله ) .
153
فصلٌ:
ومن الأدلة أن الجانَّ قد يُنْشئ مرَضاً عُضوياً-بأمر الله-:
ما أخرجه الإمام أحمد في المسند،وأبو داود،والترمذي في السنن وغيرُهم:(1/92)
عن حمنة بنت جحش-رضي الله عنها-قالت:كنت استحاض حيضةً كثيرة شديدة،فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش فقلت:يا رسول الله إني استحاض حيضةً كثيرة شديدة فما تأمرني فيها قد منعتني الصيام والصلاة،قال:( أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم )قالت:هو أكثر من ذلك،قال:( فتلجمي)قالت:هو أكثر من ذلك،قال:(فاتخذي ثوباً)قالت:هو أكثر من ذلك،إنما أثجُّ ثجاً،فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (سآمرك بأمرين أيهما صنعت أجزأ عنك ،فإن قويت عليهما فأنت أعلم فقال:إنما هي ركضة من الشيطان،فتَحيَّضِي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله،ثم اغتسلي،فإذا رأيت أنك قد طهرت واسْتَنْقَأتِ فصلي أربعا وعشرين ليلة،أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها وصومي وصلي،فإنَّ ذلك يجزئك،وكذلك فافعلي كما تحيض النساء،وكما يطهرن لميقات حيضهنَّ وطُهرهنَّ،فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر،ثم تغتسلين حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعاً،ثم تؤخرين المغرب وتُعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي،وتغتسلين مع الصبح وتصلين وكذلك فافعلي،وصومي إن قويت على ذلك،فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :وهو أعجب الأمرين إليَّ )
قوله:الكُرْسُف:هو القطن،كما في (غريب الحديث)للقاسم بن سلام: (1/279).
154
وروى الإمام مالك-رحمه الله-في(الموطأ)عن أبي الزبير المكي أنَّ أبا ماعز الأسلمي عبد الله بن سفيان أخبره:(أنَّه كان جالساً مع عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-،فجاءته امرأة تستفتيه فقالت:إني أقبلت أريد أن أطوف بالبيت حتى إذا كنت بباب المسجد هرقت الدماء،فرجعت حتى ذهب ذلك عني،ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء،فرجعت حتى ذهب ذلك عني،ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء فقال عبد الله بن عمر إنما ذلك ركضة من الشيطان فاغتسلي ثم استثفري بثوب ثم طوفي ) .(1/93)
ورواه عبد الرزاق في المصنف،والبيهقي في السنن الكبرى من طريق مالك..
وجاء في مصنف الإمام عبد الرزاق-رحمه الله-:(1/302) قال:
(أخبرنا ابن جريج قال:قلت لعطاء:ترى أيام حيضتها،ومع حيضتها صفرة تسبق الدم،أو ماء، أحيضةٌ ذلك؟قال:لا،ولا تضع الصلاة حتى ترى الدم أخشى أن تكون من الشيطان ليمنعها من الصلاة ) .
قال ابن قتيبة-رحمه الله-في تأويل مختلف الحديث:(ص328):
(قوله للمستحاضة: إنها ركضة الشيطان،والركضة:الدفعة إنَّه لا يخلو من أحد معنيين:إمَّا أن يكون الشيطان يدفع ذلك العرق،فيسيل منه دم الاستحاضة ليفسد على المرأة صلاتها بنقض طهورها،وليس بعجيب أن يقدر على إخراج ذلك الدم بدفعته من يجري من بن آدم مجرى الدم ... ) .
155
وقال ابن الأمير الصنعاني في سبل السلام: (1/102) :
(معناه:أن الشيطان قد وجد سبيلاً إلى التلبيس عليها في أمر دينها وطهرها وصلاتها،حتى أنساها عادتها وصارت في التقدير كأنها ركضه منه،ولا ينافي ما تقدم من أنه عرق يقال له العاذل(1) لأنه يحمل على أن الشيطان ركضه حتى انفجر والأظهر أنها ركضة منه حقيقة إذ لا مانع من حملها عليه )(2) .
وقال الشبلي-رحمه الله- في آكام المرجان في أحكام الجان-بعد أن ذكر:حديث حمنة بنت جحش: (ص145)وعنه السيوطي-رحمه الله- في لقط المرجان في أحكام الجان: (ص284):
(...وهذا لا ينافي ما رواه البخاري في صحيحه من حديث عائشة-رضي الله عنها-في قصة فاطمة بنت حبيش(3)-رضي الله عنها- من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(إنَّما ذلك عرق)وفي رواية :(دم عرقٍ انفجر)وذلك:لأنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم،وللشيطان في هذا العرق الخاص تصرف،وله به _____________________
1-العاذل:اسم العرق الذي يخرج منه دم الاستحاضة.الغريب لابن سلام: (4/234) .
2-وانظر:شرح الزرقاني على الموطأ: (2/416)وحاشية السندي على سنن النسائي : (1/121) .(1/94)
3-فائدة:المستحاضات في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر نسوة.انظر:فتح الباري: (1/411و4/281)وسبل السلام: (1/103)ونيل الأوطار: (4/361)وتحفة الأحوذي: (1/343 ) .
156
اختصاص زائد عن عروق البدن جميعها،ولهذا تتصرف السحرة فيه باستنجاد الشيطان في نزيف المرأة،وسيلان الدم من فرجها حتى يكاد يهلكها،ويُسمُّون ذلك:باب النزيف،وإنما يستعينون فيه بركض الشيطان هنالك وإسالة الدم.فكلامه - صلى الله عليه وسلم - يصدق بعضه بعضاً،وهو الشفاء التام ) .
وروى ابن أبي الدنيا-رحمه الله-في(مصائد الشيطان)بسند صحيح،قاله الحافظ ابن حجر في بذل الماعون(ص152):
(عن أنس-رضي الله عنه-قال:كانت ابنة عوف بن عفراء مستلقية على فراشها،فما شعرت إلاَّ وزنجي قد وثب على صدرها ووضع يده على حلقها،قالت:فإذا صحيفة تهوي بين السماء والأرض،حتى وقعت على صدري،فأخذها فقرأها.فإذا فيها:من ربِّ لُكَيْنَ إلى لُكَيْنَ،اجتنب ابنة الرجل الصالح،فإنَّه لا سبيل لك عليها.فقام وأرسل يده من حلقي،وضرب بيده ركبتي،فاستورمت حتى صارت مثل رأس الشاه.
قالت: فأتيت عائشة فذكرت ذلك لها،فقالت:يا ابنة أختي،إذا حضت فاجمعي عليك ثيابك ،فإنه لن يضرك-إن شاء الله تعالى-.
قال:فحفظها الله بأبيها،إنَّه كان قتل يوم بدر شهيداً ) .
157
بل إن الجن كما يؤذي الإنسان قد يؤذي غيره،قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله في بذل الماعون (ص155):
(قد وردت آثار وحكايات لا تحصى في تثبيت كونِ الطاعون من وخز الجن،من أقربها وقوعاً ما حدَّثَ به الشريف شهابُ الدين بن عدنان،وهو يومئذ كاتب السرِّ في القاهرة،وأظنني سمعته منه،وقرأت بخطِّ من أثق به قال:
وقع الطاعون مرةً،فتوجهت لعيادة مريض،فسمعت قائلاً يقول لآخَر:اطعنه،فقال:لا،فأعاد،فقال:دَعهُ لعله ينفع الناس،قال:لا بدَّ،قال:ففي عين فرسه.(1/95)
قال:وفي كلِّ ذلك ألتفتُ فلا أرى أحداً.فعدت المريض ورجعت،فرأيت الفرس انفلتت من الرِّكاب،فتبعوها،إلى أنْ ردُّوها وقد ذهبت عينُها من غير أثر ضربة ظاهرة.
قال: فتحققتُ صِدْقَ المنقول أنْ الطاعون من وخز الجن،وكان عندي في ذلك وقفَةٌ ) .
أقول:ومن الواقع والمشاهد في زماننا،-ولا ينكر ذلك إلا مكابرٌ معاندٌ دافِعٌ بإنكاره حاكم الوجود ؟!-ما ذكره الدكتور قيس بن غانم(أخصائي الأمراض العصبية وتخطيط الدماغ في كندا)في كتابه النافع: (مرض الصَّرْع:أعراضه وعلاجه)(ص23-24)،وقد قرَّظ كتابه،وأثنى عليه الدكتور أشرف الكردي أمين اتحاد الأطباء العرب للعلوم العصبيَّة.
158
قال الدكتور قيس:
(...فقد كانت لي مريضةٌ صغيرةٌ تبلغ من العمر خمسة أعوام،كان والدها مدرساً سعودياً في الإمارات العربية المتحدة.
وأصيبت البنت بحالة صرعٍ من النوع الاختلاجي العضلي السريع الذي يرمي الطفلة إلى الأرض لمدَّة ثوانٍ معدودة،تقوم بعدها كأنَّ شيئاً لم يكن،وقمت بفحصها فلم أجد سبباً للنوبات،وأجريت لها أكثر من تخطيط للدماغ برهن بوضوح على وجود حالة صَرْعٍ شديدة،فبدأت بعلاجها بالأدوية المعروفة،وثابرت على ذلك لفترة طويلة،مستعيناً بالمختبر في قياس كميات الدواء الموجود في الدم،ولم أستطع أنْ أُغيَّر من النوبات التي استمرَّت في الحدوث عدَّة مرَّاتٍ يومياً .
وفي يوم من الأيام صارحني الرجل السعودي بأنَّه يفكرُ في أخذها إلى رجلٍ صالح مشهورٍ في منطقة معينة من المملكة،فقلت له:على بركة الله،خاصةً وأنني فشلت في علاجها.(1/96)
فلمَّا عاد،بشرني بأنَّ النوبات قد توقفت تماماً،وأنها لا تتعاطى أيَّ دواءٍ،وأنَّ الرجل الصالح أعطاها جرعةً واحدةً من قدر كبير بينما كان يقرأ بعض الآيات،وفي الوقت الذي فرحت فيه للفتاة،كنتُ أشكُّ في صدق هذا النجاح الباهر،فلربما أنَّ النوبات التي تستغرق ثوانٍ معدودة كما قلنا،تحدث بسرعة فائقة بحيث لا تلاحظها الأمُّ،ولكنَّ الأب أصرَّ على أنَّ النوبات توقفت بالفعل.
159
وقلت له:دعنا نعيد تخطيط الدماغ لكي نرى ما إذا كان فرقٌ قد طرأ عليه،وكان التخطيط سليماً للغاية!وكان الشكُّ ما زال يساورني،فطلبت منه إعادة الطفلة إلىَّ بعد شهرين،فلمَّا عاد أكد أنَّ النوبات لم تعد مطلقاً،وبما أنَّ التخطيط يمكن أن يكون سليماً حتى لدى المصابين بالصَّرْع الشديد،أعدت التخطيط مرَّةً أخرى،وذهلتُ من جديدٍ عندما وجدته سليماً.
ومثل هذه القصة النادرة تجعل الطبيب مهما كان تدريبه علميَّاً يدرك أنَّ هناك عوامل أخرى تحتاج إلى دراسةٍ إضافيةٍ في محيطنا العربيِّ الإسلاميِّ ) .
وبعد:فالوقائع متكاثرة لا تكاد تحصى،ومن أنكر هذا الواقعَ والمشَاهَد:فقد نادى على قوله بالبطلان،وحكم على عقله-فوا أسفاه-بعدم الوجود؟!فيُنصح هذا المنكر:برقية نفسه من تسلط الشيطان عليه،فعسى الرحيم الرحمن أن ينظر إلى هذا المبتلى بعين الرحمة فيعافيه!والله الهادي لا ربَّ سواه .
- - -
160
فصل:
وأمَّا دواءُ قسمِ:إنشاء الجنِّ لمرضٍ عضويٍّ :
فيكون ذكرُ الدواءِ -ترتيباً-على ما تقدم بيانه:
فالقسم الأول الذي هو: (مرض الطاعون الوبائي العام) :
هذا المرض إذا ابتلي به إنسان ففي غالبِ أمره أنه تالفٌ،إلاَّ بعض أنواعه إذا بودر بعلاجها،وكلُّ ذلك بمشيئة الله سلامةً وعافية،أو موتاً ونهاية(1) .
وممَّا يستعان به لدرءِ شرِّ الطاعون قبل الابتلاء به،فأمور:
1-المحافظة على قراءة القرآن،والأذكار والدعوات،وفعل الخيرات .(1/97)
وهنا تنبيه لازمٌ ذكرُه،وهو:أنَّ قراءة القرآن والأذكار والدعوات...لا يحصل بها النفع التام،والوقاية من شرِّ الشياطين والجان:إلا من أخلص العمل لله،وأعتقد أن النافع والضارَّ هو الله،وأنَّ كلام ربه حق وصدق،وكذلك كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن يبتعد قائلها عن المعاصي والآثام فعندئذ يحصل بها النفع و الشفاء التام .
____________________
1-انظر:فتح الباري: (10/180الخ)وبذل الماعون في فضل الطاعون ،لابن حجر: (95-100)والمبدع ،لابن مفلح: (5/389)وكشاف القناع،للبهوتي: (4/323)وشرح الزقاني على موطأ مالك: (4/294) والقانون، لابن سينا: (4/1922)وتذكرة داود: (2/150) والطب،لموفق الدين البغدادي: (ص217)والطب النبوي،لابن القيم: (ص29)والطب النبوي،للذهبي:(ص266)و مقدمة محقق :بذل الماعون: (ص29)ومقدمة الدكتور البار لكتاب:ما رواه الواعون في أخبار الطاعون،للسيوطي: (ص 8و31و34) .
161
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله- في الداء والدواء(ص3) :
((1/98)
وهاهنا أمرٌ ينبغي التفطن له،وهو: أن الأذكار والآيات والأدعية التي يُستشفى بها ويُرقى بها،هي في نفسها نافعة شافية،ولكن تستدعى قبَولَ المحلِّ وقوة همة الفاعل،وتأثيره،فمتى تخلف الشفاءُ كان لضعف تأثير الفاعل،أو لعدم قبول المنفعل،أو لمانعٍ قوي فيه يمنع أن ينجع فيه الدواء،كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية،فإنَّ عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك الدواء،وقد يكون لمانع قوي يمنع من اقتضائه أثره،فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء لقبول تام كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول،وكذلك القلب إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول تام وكان للراقي نفس فعالة،وهمة مؤثرة في إزالة الداء وكذلك الدعاء: فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب،ولكن قد يتخلف عنه أثره:إما لضعفه في نفسه،بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان،وإمَّا لضعف القلب وعدم إقباله على الله،وجمعيته عليه وقت الدعاء،فيكون بمنزلة القوس الرخو جداً،فإن السهم يخرج منه خروجاً ضعيفاً،وإمَّا لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام،والظلم،ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها ... ) .
وقال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في بذل الماعون: (ص171) :
(إنَّما يحصل النفع بهذه الآيات والكلمات،لمن صَفي قلبُه من الكَدَر،وأخلص في التوبة،وندم على ما فرَّطَ فيه وفرَطَ منه.وإلاّ فإذا غلبت أسبابُ الداء على أسباب الدواء ربما بطلَ نفع الأدوية.
162
ولو لم يكن لذلك مثال في الخارج(1)إلا غفلة المرء عن الأمور المذكورة(2) ،حتى تهجم عليه الآفة من غير أن يشعر،ثمَّ يطلب الإقالة فلا يجد إليها سبيلاً .
فنسأل الله تعالى أن يثبت قلوبنا على دينه،وأن يرزقنا التوبة النَّصُوحَ،وأن يختم لنا بالحسنى بمنِّه وكرمه ) .
2-الابتعاد عن المعاصي والآثام،فبشؤم وجودها وكثرتها تكثر الأمراض والآفات:(1/99)
قال الله عزَّ وجلَّ: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } سورة النحل: (آية:122) .
وقال تعالى: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } سورة الروم: (آية:41) .
ــــــــــــــ
1- أي في الواقع .
2-يقصد ما قدم ذكره من أضرار وخز الجن،ومن شؤم ترك الأذكار .
163
وثبت في سنن ابن ماجة عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال:
أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(يا معشر المهاجرين!خمس خصال إذا ابتليتم بهن،وأعوذ بالله أن تدركوهن:لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشافيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا،ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة،وجور السلطان عليهم،ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء،ولولا البهائم لم يمطروا،ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذ بعض ما في أيديهم،وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله،ويتخيَّروا(1) مما أنزل الله،إلا جعل الله بأسهم بينهم ).
وروى الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى عن عبد الله بن بريدة عن أبيه-رضي الله عنه-قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم - : (ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم،وما ظهرت فاحشة في قوم إلا سلط اللهُ عزَّ وجلَّ عليهم الموت،ولا منع قومٌ الزكاة إلا حَبسَ اللهُ عنهم القطر ) السلسلة الصحيحة: (رقم:107) .(1/100)
وعن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(إذا ظهر الزِّنا والرِّبا في قرية،فقد أحلُّوا بأنفسهم عذابَ الله ) صحيح الترغيب: (2/377) .
______________
1-قوله:يتخيروا :أي يطلبوا الخير،أي وما لم يطلبوا الخير والسعادة مما أنزل الله.السلسلة الصحيحة: (1/169) .
164
وعن ابن مسعود-رضي الله عنه-قال:قال رسول لله - صلى الله عليه وسلم - :(ما ظهر في قومٍ الزِّنا والرِّبا،إلاّ أحلُّوا بأنفسهم عذاب الله ) صحيح الترغيب: (2/377) .
قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد(362-363):(ومن له معرفة بأحوال العالم ومبدئه،يعرف أن جميع الفساد في جوِّهِ ونباته وحيوانه،وأحوال أهله حادث بعد خلقه بأسباب اقتضت حدوثه.
ولم تزل أعمال بنى آدم ومخالفتهم للرسل تحدث لهم من الفساد العام والخاص،ما يجلب عليهم:من الآلام والأمراض والأسقام والطواعين،والقحوط والجدوب،وسلب بركات الأرض وثمارها ونباتها،وسلب منافعها أو نقصانها أموراً متتابعة يتلو بعضُها بعضاً.
فإن لم يتسع علمك لهذا،فاكتف بقوله تعالى: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } سورة الروم: (آية:41).
ونزِّلْ هذه الآية على أحوال العالم،وطابق بين الواقع وبينها،وأنت ترى كيف تحدث من تلك الآفات والعلل كلَّ وقت في الثمار والزرع والحيوان؛وكيف يحدث من تلك الآفات آفات أُخرُ متلازمة،بعضها آخذ برقاب بعض.
وكلَّما أحدث الناس ظلماً وفجوراً،أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى:من الآفات والعلل في أغذيتهم وفواكههم،وأهويتهم ومياههم،وأبدانهم وخلقهم،وصورهم وأشكالهم،وأخلاقهم من النقص والآفات،ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم .
165
ولقد كانت الحبوب من الحنطة وغيرها أكبر مما هي اليوم،كما كانت البركة فيها أعظم .(1/101)
وقد روى الإمام أحمد بإسناده:(أنه وجد في خزائن بعض بني أمية،صرةٌ فيها حنطة أمثال نوى التمر،مكتوب عليها هذا كان ينبُتُ أيام العدل).
وهذه القصة ذكرها في مسنده على أثر حديث رواه .
وأكثر هذه لأمراض والآفات العامَّة،بقيَّة عذاب عذبت به الأمم السالفة،ثم بقيت بقيةٌ منها بقيةً مرصدةً لمن بقيت عليه بقية من أعمالهم حَكَماً قسطاً،وقضاءً عدلاً،وقد أشار النبي إلى هذا بقوله في الطاعون:(إنه بقية رجز،أو عذاب أرسل على بني إسرائيل) .
وكذلك:سلط الله سبحانه وتعالى الريح على قومٍ سبع ليال وثمانية أيام،ثم أبقى في العالم منها بقيَّةً في تلك الأيام،وفي نظيرها:عظةٌ وعبرة .
وقد جعل الله سبحانه أعمال البر والفاجر مقتضيات لآثارها في هذا العالم،اقتضاءً لا بد منه:فجعل منع الإحسان والزكاة والصدقة،سبباً لمنع الغيث من السماء والقحط والجدب .
وجعل ظلم المساكين،والبخس في المكاييل والموازين،وتعدي القوي على الضعيف سبباً لجور الملوك والولاة الذين لا يرحمون إن استرحموا،ولا يعطفون إن استعطفوا،وهم في الحقيقة أعمال الرعايا:ظهرت في صور ولاتهم.
166
فإن الله سبحانه بحكمته وعدله،يظهر للناس أعمالهم في قوالب وصور تناسبهم: فتارة بقحط وجدب،وتارة بعدو،وتارة بولاة جائرين،وتارة بأمراض عامة،وتارة بهموم وآلام وغموم تحصرها نفوسهم لا ينفكون عنها،وتارة بمنع بركات السماء والأرض عنهم،وتارة بتسليط الشياطين عليهم تؤزُّهم إلى أسباب العذاب أزَّا لتَحِقَّ عليهم الكلمة،وليصير كلٌّ منهم إلى ما خلق له.
والعاقل يُسَيُّر بصيرتَه بين أقطار العالم:فيشاهده وينظر مواقع عدل الله وحكمته. وحينئذ:يتبين له أن الرُّسل وأتباعهم خاصةً على سبيل النجاة؛وسائر الخلق على سبيل الهلاك سائرون،وإلى دار البوار صائرون.والله بالغ أمره لا معقب لحكمة ولا رادَّ لأمره.وبالله التوفيق ) .
وقال-رحمه الله- في مدارج السالكين: (1/500) :
((1/102)
وعرفنا بالتجارب: أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم،وفشت فيهم ،واشتغلوا بها:إلا سلط الله عليهم العدو،وبلوا بالقحط والجدب،وولاة السوء.
والعاقل يتأمل أحوال العالم وينظر.والله المستعان ) .
وذكر في كتابه الطرق الحكمية(ص407):
(ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهنَّ بالرجال أصلُ كلِّ بليَّةٍ وشرٍّ،وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامَّة،كما إنه:من أسباب فساد أمور العامة والخاصَّة.
واختلاط الرجال بالنساء:سَببٌ لكثرة الفواحش والزِّنا،وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة .
167
فمن أعظم أسباب الموت العام:كثرةُ الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهنَّ بالرجال،والمشي بينهم متبرجات متجملات،ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين،لكانوا أشدَّ شيءٍ مَنْعاً لذلك ) (1) .
وفي تفسير الإمام ابن رجب-رحمه الله- لجامعه الأستاذ طارق بن عوض(1/577) :
(ومن أنواع حفظ الله لمن حفظه في دُنياهُ:أن يحفظه من شرِّ كلِّ من يريده بأذى من الجنِّ والإنسِ،كما قال تعالى: { ومَن يتَّقِ اللَّهُ يجعل لَهُ مخرجاً } سورة الطلاق:آية:2.
قالت عائشة-رضي الله عنها-:يكفيه غمَّ الدنيا والآخرة ) .
3- عدم الدخول في الأرض التي هو بها :
في الصحيحين عن عامر بن سعد بن أبي وقاص،عن أبيه-رضي الله عنه-أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد-رضي الله عنه-ماذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الطاعون؟فقال: أسامة:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( الطاعون رجسٌ،أرسل على طائفة من بني إسرائيل،أو:على من كان قبلكم،فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه،وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه) .
___________________
1- وانظر:الداء والدواء : (ص 26 الخ ) .
168(1/103)
وفي لفظ آخر:أنه سمع-أي عامراً-أسامة بن زيد يحدث سعداً:أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر الوجع فقال:(رجزٌ،أو عذابٌ،عُذِّب به بعض الأمم،ثُمَّ بقي منه بقيَّةٌ،فيذهب المرَّة،ويأتي الأخرى،فمن سمع به بأرضٍ فلا يُقْدِمَنَّ عليه،ومن كان بأرضٍ وقع بها فلا يخرجْ فراراً منه ) .
والحكمة من ذلك :
إنَّ في الدخول في الأرض التي هو بها:تعرضاً للبلاء،وموافاة له في محلِّ سلطانه،وإعانةَ الإنسان على نفسه،وقد قال الله جلَّ وعلا: { ولا تلقوا بأيدكُمْ إلى التهلكةِ } سورة البقرة:آية:195.
وفي التعرض مخالفة للشرع والعقل.وتجنب الدخول إلى أرضه:من باب الحمية التي أرشد إليها الشرْعُ المطهر ... (1) .
___________________
1-انظر :الطب النبوي لابن القيم: (ص33)وبذل الماعون: (302-306)والفتح: (10/187-189)وشرح الزقاني على الموطأ: (4/299)وعون المعبود : (8/255)وتحفة الأحوذي: (4/149)والطب،لموفق الدين البغدادي : (ص218)والطب النبوي،للذهبي: (ص267) .
169
قال الإمام النووي-رحمه الله- بعد أن ذكر خلاف أهل العلم في مسألة الطاعون إذا وقع في أرضٍ هل يجوز الدخول أو لا يجوز ... ؟ .:
(والصحيح:ما قدمناه من النهى عن القدوم عليه،والفرار منه،لظاهر الأحاديث الصحيحة.
قال العلماء:وهو قريب المعنى من قوله - صلى الله عليه وسلم - :(لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية،فإذا لقيتموهم فاصبروا ).وفى هذا الحديث:الاحتراز من المكاره وأسبابها، وفيه التسليم لقضاء الله عند حلول الآفات.والله أعلم ) (1) .
أقول:(1/104)
في نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الدخول،أو الخروج من الأرض التي وجد فيها الطاعون: إعجاز ودلالة على شمول هذا الدين لكافة أمور الدين والدنيا.وأنَّ ما ينطق به نبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - إنما هو وحيٌ من الله،فقد أثبت الطب الحادث:أنَّ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - هو أول من وضع-بأمر الله؟!-ما يسمى في اصطلاح الأطباء:بالحجر الصحي لمكافحة الأمراض السارية والوبائية-منبهاً أن المرض بذاته لا يُعدي،وإنما الإصابة بمرض ما،أو العافية منه،كلُّ ذلك بأمر الله- (2) .
____________________
1-انظر: الطب النبوي والعلم الحديث: (2/352و383) .وما ذكرته هنا:لا ينقض ما تقدم تقريره : أن الطاعون من وخزِ الجنِّ،وذلك للأمر الذي ذُكرَ في موضعه من بحثنا سابقاً-دفعاً للإشكال،ورداً للشبهة -. فانظره : عند أول الحديث عن الطاعون .
2-انظر:شرح صحيح مسلم: (14/207) .
170
4-استعمال ما جعله الله دواءً نافعاً للوقاية من داء الطاعون :
في الصحيحين-واللفظ لمسلم-من طريق سفيان بن عيينة عن عبد ربه بن سعيد عن عمرة عن عائشة-رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه،أو كانت به قرحة،أو جرح قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بإصبعه هكذا -ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها-:(باسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا؛ ليشفى به سقيمنا،بإذن ربنا ) .
في هذا الحديث:دلالة على أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع في علاج الأمراض بين الدواء الإلهي،والدواء الطبيعي .
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-:
(هذا من العلاج السهل الميسر النافع المركب؛وهي معالجة لطيفة يعالج بها القروح والجراحات الطرية،لا سيَّما عند عدم غيرها من الأدوية.إذ كانت موجودة بكل أرض.(1/105)
وقد علم: أن طبيعة التراب الخالص باردة يابسة،مجففة لرطوبات القروح والجراحات، التي تمنع الطبيعة من جودة فعلها،وسرعة اندمالها؛لا سيما في البلاد الحارة،وأصحاب الأمزجة الحارة،فإن القروح والجراحات يتبعها في أكثر الأمر سوء مزاج حار،فيجتمع حرارة البلد والمزاج والجراح،وطبيعة التراب الخالص باردة يابسة أشد من برودة جميع الأدوية المفردة الباردة،فتقابل برودة التراب حرارة المرض،لا سيما إن كان التراب قد غسل وجفف،ويتبعها أيضا كثرة الرطوبات الرديئة والسيلان؛والتراب مجفف لها،مزيل لشدة يبسه وتجفيفه للرطوبة الرديئة المانعة من برئها.
171
ويحصل به مع ذلك تعديل مزاج العضو العليل.ومتى اعتدل مزاج العضو قويت قواه المدبرة،ودفعت عنه الألم بإذن الله.
ومعنى الحديث:أنه يأخذ من ريق نفسه على إصبعه السبابة،ثم يضعها على التراب،فيعلق بها منه شيء،فيمسح به على الجرح ويقول هذا الكلام؛لما فيه من بركة ذكر اسم الله،وتفويض الأمر إليه،والتوكل عليه.فينضم أحد العلاجين إلى الآخر فيقوى التأثير.
وهل المراد بقوله:(تربة أرضنا)جميع الأرض؟أو أرض المدينة خاصة؟فيه قولان. ولا ريب أن من التربة ما تكون فيه خاصية ينفع بها من أدواء كثيرة،ويشفي بها أسقاماً رديئة.
قال جالينوس:(رأيت بالإسكندرية مطحُولين ومستسقين كثيراً،يستعملون طين مصر،ويطلون به على سوقهم وأفخاذهم وسواعدهم وظهورهم وأضلاعهم؛ فينتفعون به منفعةً بينة.قال:وعلى هذا النحو قد يقع هذا الطلاء للأورام العفنة والمترهلة الرخوة.قال:وإني لأعرف قوماً ترهلت أبدانهم كلها من كثرة استفراغ الدم من أسفل،انتفعوا بهذا الطين نفعاً بيناً؛وقوماً آخرين شفوا به أوجاعاً مزمنة كانت متمكنة في بعض الأعضاء تمكنا شديداً،فبرأت وذهبت أصلاً).
وقال صاحب الكتاب المسيحي:(قوة الطين المجلوب من كنوس-وهي جزيرة المصطكى-قوة تجلو أو تغسل،وتنبت اللحم في القروح،وتختم القروح )انتهى.
172(1/106)
وإذا كان هذا في هذه الترْبات،فما الظن بأطيب تربة على وجه الأرض وأبركها: وقد خالطت ريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقارنت رقيته باسم ربه وتفويض الأمر إليه؟!)(1) .
ومن الأحاديث الدالة على جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الدواء الإلهي،والدواء الطبيعي :
ما أخرجه الطبراني في المعجم الصغير،وأبو نعيم في أخبار أصفهان وغيرُهما عن علي-رضي الله عنه-قال:لدغت النبي - صلى الله عليه وسلم - عقربٌ وهو يصلي،فلما فرغ قال:
(لعن الله العقرب لا تدع مصلياً ولا غيره .ثم دعا بماء وملح،وجعل يمسح عليها ويقرأ بـ: { قل يا أيها الكافرون } و: { قل أعوذ برب الفلق } و: { قل أعوذ برب الناس } السلسلة الصحيحة: (رقم 548) .
ففي هذا الحديث:العلاج بالدواء المركب من الأمرين:الطبيعي والإلهي (2).
____________________
1-الطب النبوي: (ص145-146)وانظر:فتح الباري: (10/208)وشرح النووي على صحيح مسلم: (14/184)وعون المعبود: (10/266-267)والطب من الكتاب والسنة: (ص228).
2-انظر: الطب النبوي،لابن القيم: (ص141)وفيض القدير: (5/270)وعون المعبود: (10/271) .
173
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع في سلوكه العملي في حياته،وكذلك عند مرضه بين الأدوية المادية التي ينصحه بها الأطباء،وبين رقية نفسه بالقرآن والأذكار...(1) .
أخرج أحمد في المسند بسند صحيح عن عروة قال:(قلت لعائشة-رضي الله عنها-يا أمَّ المؤمنين أعجب من بصرك بالطب،قالت:يا ابن أختي إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما طعن في السن سقم،فوفدت الوفود له فمن ثم ) .
وأخرج الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي عن عروة قال:قلت لعائشة-رضي الله عنها-عمن أخذتِ الطب؟قالت: (إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان رجلاً مسقاماً،وكان أطباء العرب والعجم يأتونه فأتعلم منهم ) .(1/107)
وأخرج الإمام البخاري في صحيحه قال: حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة-رضي الله عنها-:(أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبركتها)فسألت الزهري كيف ينفث قال كان ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه.وأخرجه مسلم أيضاً .
__________________
1-انظر: الطب النبوي والعلم الحديث: (3/177)وروائع الطب الإسلامي،للدكتور:محمد نزار: (1/291) .
174
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-:
(واعلم أنَّ الأدوية الإلهية تنفع من الداء بعد حصوله،وتمنع من وقوعه،وإن وقع:لم يقع وقوعاً مضراً وإن كان مؤذياً ).
-قلت في صحيح مسلم عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة!فقال: ( أما لو قلت حين أمسيتَ أعوذ بكلمات الله التامات من شرِّ ما خلق لم تضرك ) - .
ثم قال ابن القيم-رحمه الله-: (والأدوية الطبيعية إنما تنفع بعد حصول الداء(1) .
فالتعوذات والأذكار:إمَّا أنْ تمنع وقوع هذه الأسباب،وإمَّا أن تحول بينها وبين كمال تأثيرها،بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه.
فالرُّقى والعوذُ تُستعمل:لحفظ الصحة،ولإزالة المرض )(2) .
________________
1-من الأدوية في زماننا-وقبله-ما جعل الله فيها سبباً لمنع الداء قبل حصوله -كلُّ ذلك بأمر الله:نفعاً وعافية،أو داء ومرضاً ؟!-،وما ذُكرَ مندرج في الحكم العام لأدلة الشرع في الحث على التداوي،وأن ما أنزل الله داء إلاَّ وجعل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله ؟! .
2- الطب النبوي: (ص142-143) .
175
فصلٌ:
فإذا عُلم المقصود مما تقدم ذِكرُه :فللمسلم أنْ يستعمل ما جعل الله فيه سبباً لمنع هذا الداء ...
ومن ذلك :
1-استعمال ما يذكره الأطباءُ دواءً لمنع وجود الطاعون(1) .
2-الاحتجام وقايةً وحفظاً للصحة:(1/108)
عن عائشة-رضي اله عنها-قالت:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(الطاعون شهادة لأمتي،ووخز أعدائكم من الجن،غدة كغدة الإبل، تخرج في الآباط و المراق،من مات فيه مات شهيدا،و من أقام فيه كان كالمرابط في سبيل الله،و من فرَّ كان كالفار من الزحف ) .السلسلة الصحيحة : (رقم:1928) .
غدة الإبل:داء يصيب الإبل في حلوقها،ويُسمَّى:طاعون الإبل،وقلَّما تسلم منه(2) .
الإِبْطُ:جمعه آباط:وهو باطن الجناح من الإنسان .
__________________
1-انظر:مقدمة الدكتور البار لكتاب:ما رواه الواعون في أخبار الطاعون: (ص33-34)ومقدمة محقق بذل الماعون: (ص27) .
2-انظر:النهاية لابن الأثير: (3/343)واللسان: (3/343)والفائق للزمخشري: ( 3/55).
176
المَرَاقُّ:بفتح الميم وتخيف الراء وتشديد القاف،هو:ما رَقَّ من أسفل البطن،ولان.
واحدها:مرقّ،وهو:ما سفل من البطن من المواضع التي ترقُّ جلودها.
قلت:وهي منطقة التقاء البطن بالفخذ،وتسمى أيضاً:المنطقة الأربية،كما يقال لها:المغابن.
والمغابن:جمع مغبن،وهي بواطن الأفخاذ،والآباط وشبهها (1) .
أقول:
معظم إصابات الطاعون عند وجوده يترافق بالتهاب وضخامة العقد البلغمية(أي الغدد اللنفاوية)والذي يلفت الانتباه إلى تشخيص المرض-قديماً وحديثاً-هو وجود وباء يتصف بضخامة العقد البلغمية والتهابها (2) .
يقول الدكتور محمد البار :
(الغدد اللنفاوية:مجموعة من الغدد الصغيرة منتشرة في الجسم،ويكمن أن يحسها الإنسان حتى في الجسم السليم:في المغابن والآباط،وخلف الأذن في العنق .
ولكنها تكبر بسبب العديد من الأمراض الميكروبية والفيروسية والطفيليات،بالإضافة إلى الأورام الخبيثة بمختلف أنواعها.
_____________________
1-انظر:النهاية: (2/252و4/321)واللسان: (10/122و342)وبذل الماعون: (ص172)ومقدمة الدكتور البار لكتاب ما رواه الواعون: (ص53) .
2-انظر:الطب النبوي والعلم الحديث،للدكتور النسيمي: (2/378) .
177(1/109)
ويسبب الطاعون تضخم الغدد اللنفاوية في المنطقة الأربية،وفي الإبط وخلف الأذن في أعلى العنق )(1) .
وهذه الغدد من جسم الإنسان للشياطين بها نوع من الاختصاص والتأثير .
يقول الإمام ابن القيم-رحمه الله-متحدثاً عن تأثير العين في جسد الإنسان،وأنها تؤثر كثيراً في هذه المواضع :
(ولما كانت هذه الكيفية الخبيثة:تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد،لأنها تطلب النفوذ فلا تجد أرق من المغابن وداخلة الإزار،-ولا سيما إن كان كناية عن الفرج-فإذا غسلت بالماء بطل تأثيرها وعملها،وأيضا:فهذه المواضع للأرواح الشيطانية بها اختصاص ) (2) .
وقال الشبلي-رحمه الله-في آكام المرجان في أحكام الجان(ص145):
(قوله - صلى الله عليه وسلم - :(إنه وخز أعدائكم من الجن)،مع قوله - صلى الله عليه وسلم - :(غدة كغدة البعير يخرج من مراق البطن)وذلك أنَّ الجنيَّ إذا وخز العرق من مراق البطن خرج من وخزه الغدة،فيكون وخز الجنيِّ سبباً للغدة الخارجية (3) ) .
__________________
1-مقدمة البار لكتاب ما رواه الواعون في أخبار الطاعون،للسيوطي: (ص53) .
2-انظر:زاد المعاد: (4/171) .
3- قال الحافظ في بذل الماعون:(الوخز:بفتح الواو وسكون الخاء المعجمة،بعدها زاي؛هو طعن غير نافذ.هذا أصل الوخز.وإنما قيل لطعن الجن:إنه غير نافذ،لأنه يقع من الباطن إلى الظاهر،فيؤثر في الباطن أولاً،ثم ينفذ إلى الظاهر،وقد لا يَنْفُذُ،بخلاف طعن الإنس،فإنه يؤثر أولاً في الظاهر،ثم قد ينْفُذُ إلى الباطن وقد لا يَنْفُذُ.وهذه حقيقة الطاعون المحسوسة ) .
178
فإذا ما احتجم الإنسان استفراغاً للمواد الرديئة من جسده،وكان الإحتجام قريباً من هذا المواضع نفع بإذن الله من تسلط هذا الداء عليه .
وما ذكرته هنا:هو قول أئمة أهل الدراية والصناعة بالطب ؟! .(1/110)
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-في الطب النبوي(ص 99-100)وعنه الحافظ في الفتح(10/229) :(والنوع الثاني:الاستفراغ في المحلِّ الذي يصل إليه أذى السحر .فإنَّ للسحر تأثيراً في الطبيعة وهيجان أخلاطها،وتشويش مِزاجها؛فإذا ظهر أثرُهُ في عضوٍ،وأمكن استفراغ المادة الرديئة من ذلك العضو:نفع جداً ...
-إلى أن قال-:واستعمالُ الحجامةِ على ذلك المكان-الذي تضررت أفعاله من السحر-من أنفع المعالجة:إذا استعملت على القانون الذي ينبغي.
قال أبقراط:الأشياء التي ينبغي أنْ تُستفرغ يجب أن تُستفرغ من المواضع التي هي إليها أميل،بالأشياء التي تصلح لاستفراغها ) .
وكلام ابن القيم-وإن كان في السحر-،إلا أنه صالح كقاعدة للاستفراغ عموماً إذا كانت العلة ناتجةً عن وجود موادَّ فاسدة رديئة في هذه المواطن،وذلك للعلة الجامعة بينهما ؟!.
ومما يدل على ذلك ما ذكره الرازي في مواضع كثيرة من كتابه الحاوي في الطب: أن من أفضل الدواء للطاعون قبل وعند وجوده :هو إخراج الدم (1).
ووفقه على ذلك جمع من المتقدمين الذين جاءوا بعده،منهم:
ابن سينا كما في القانون:(4/1922-1923 ) وذهب إلى أن ذلك من الواجبات درءاً لهذا المرض .
_________________
1-انظر الحاوي في الطب: (5/2313و2340و6/2516) .
179
وكذلك:داود الأنطاكي في كتابه تذكرة أولي الألباب( /151)قال:
(إذا علم أنَّ السنة وبائية:تهيأ من قبل بالفصد(1) والحجامة،وتنقية الأخلاط...).
قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في بذل الماعون(ص340):
(يستنبط من أحد الأوجه في النهي عن الدخول إلى بلد الطاعون؛وهو منع التعرض إلى البلاء .
ومن الأدلة الدالة على مشروعية الدواء:
التحرز في أيام الوباء عن أمور أوصى بها حذاق الأطباء،مثل:إخراج الرطوبات الفضلية،وتقليل الغذاء،وترك الرياضة،والمكث في الحمام،وملازمة السكون والدعة،وأن لا يكثر من استنشاق الهواء العفن ) (2) .
_________________(1/111)
1-الفصد:هو استنزاف الدم من العروق(الأوردة) الكبيرة،وهو يختلف عن الحجامة التي تجري بتشريط الجلد،وليس شق العرق.
والفصد وسيلة علاجية معروفة منذ القدم،وكان يستخدم لعلاج آلام المفاصل والعضلات،وكثير من الأمراض الأخرى.
ويعد الفصد اليوم:أحد الطرق الطبية المعتبرة في علاج قصور القلب الحاد المصحوب بضيق النفس،وارتشاح الرئتين.ويعد الفصد علاجاً إسعافياً لا مندوحة عنه في مثل هذه الحالات،حيث يسحب:(300-550سم مكعب)من أحد الأوردة،فتتحسن الدورة الدموية.انظر:الموسوعة الطبية،للدكتور أحمد كنعان: (ص771)وحاشية الدكتور البار على الرسالة الذهبية،للإمام علي الرضا: (ص162) .
2-وانظر:الطب النبوي ،لابن القيم: (ص333)والطب من الكتاب والسنة،لموفق الدين البغدادي: (ص220)والطب النبوي،للذهبي : (ص269) .
180
فصل:
وأمَّا ما يُستعان به بعدَ وقوعه:
فيُعمل بما تقدم ذِكْرهُ من دفعه قبل وقوعه،إضافةً إلى :
1-التوبة والندم على ما مضى من المعاصي والآثام،ورد المظالم والتبعات،والوصية من غير أن يقع فيها حيف أو جَنَفٌ (1) .
2-سؤال الله تعالى العافية من هذا البلاء :
قال الله جلَّ وعلا: { ادعوا ربَّكُمْ تضرُّعاً وخُفْيةً } سورة :الأعراف،آية:155.
صَحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي بكر الصديق-رضي الله عنه-أنه قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(سلوا الله العفو والعافية،فإنَّ أحداً لم يُعط بعد اليقين خيراً من العافية ) أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما .
وثبت عند أحمد في المسند والترمذي في السنن وغيرهما أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للعباس-رضي الله عنه-: ( يا عباس يا عمَّ رسول الله! اسألوا الله العافية في الدنيا والآخرة ) . 3-عدم الخروج من الأرض التي وقع فيها الطاعون :(1/112)
في الصحيحين عن عامر بن سعد بن أبي وقاص،عن أبيه-رضي الله عنه-أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد-رضي الله عنه-ماذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الطاعون؟فقال: أسامة:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( الطاعون رجسٌ،أرسل على طائفة من بني إسرائيل،أو:على من كان قبلكم،فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه،وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه) .
ــــــــــــــ
1-بذل الماعون: (ص315) والجنف:الميْل والجَوْر.النهاية: (1/307) .
181
الحكمة من النهي عن الخروج من الأرض التي وقع فيها الطاعون :
ذهب بعض أهل العلم على أنَّ النهي عن الخروج:هو أمرٌ تعبدي لا يُعقل معناه.
والصواب:أنَّ النهي مُعلَّلٌ،وهو قولُ أكثر أهل العلم(1) .
وقد أبرزوا في ذلك حِكَمَاً :
والمختار (2):
الحكمة الأولى:
حملُ النفوس على الثقة بالله،والتوكل عليه،والصبر على أقضيته، والرِّضا بها .
الحكمة الثانية:الطاعون في غالب أمره:يكون عامَّاً في البلد الذي يقع به،فإذا وقع والشخص بها،فالظاهر مداخلة سببه له؟!فلا يفيد الفرار منه،وإذا كانت المفسدة قد تعينت ولا انفكاك عنها،فعندئذٍ يكون الخروج من العبث الذي لا يليق بالعقلاء فعله . والحكمة المذكورة هنا من أقوال المتقدمين:موافقة لما دلَّ عليه الطبُّ الحادث من منع الخروج من أرض الطاعون.
فقد قرَّرَ الأطباءُ المُحْدَثون في علومهم: أنَّ المرض قد يتعدَّى-بأمر الله-إلى الغير بفعل الخروج من أرضه(2) .
________________
1- انظر:فتح الباري: (10/189)وبذل الماعون: (ص302).
2-انظر: الطب النبوي،لابن القيم: (ص33)وفتح الباري: (10/189)وبذل الماعون: (ص302)والتمهيد،لابن عبد البر: (6/211-212)وشرح النووي على صحيح مسلم: (14/205-207)وفيض القدير،للمناوي : (4/286)وعون المعبود: (8/255) .(1/113)
3-انظر: الطب النبوي والعلم الحديث،للنسيمي: ( 2/375-384)والطب النبوي في ضوء العلم الحديث،للدكتور غياث بن حسن: (1/280) .
182
والمذكور عنهم لا ينافي ما تقدم تقريرُهُ من أنَّ الطاعون وخز من الجنِّ،لما ذكرتُ سابقاً في أوَّل مبحث الطاعون: أنَّ الجنَّ تسفيد من هذه التغيرات الحادثة.
فاتفق بذلك النقل الثابتُ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وما دلَّ عليه الطب الحديث،والحمد لله ربِّ العالمين .
وأذكِّرُ القارئ:بما تقدم قبلُ في أوَّل المبحث،وهو: أنَّا معاشر المسلمين الأصل عندنا هو الشرع الثابتُ الذي لا يداخله نوعُ خللٍ،أمَّا غيره من العلوم فهو متغيرٌ بدلالة حاكمِ الواقعِ والمشاهدة ؟! .
4-استعمال ما جعله الله سبباً ودواءً لداء الطاعون-إنْ قدَّرَ الله الشفاءَ والعافية-
5-استعمال الحجامة من باب الدواء،وتقدم تفصيل مواضعها وكيفيتها عند الحديث عن الوقاية من داء الطاعون .
(((((((
183
فصل:
وأمَّا دواء القسم الثاني من الطاعون،وهو: ( ما يتناول الأفراد دون الجماعات ) .
فقد ذكرت-سابقاً- أنَّ له أنواعاً كثيرةً،وسيكون الحديث هنا-قصراً- على داء السرطان .
وذلك لأنه من أشهر هذه الأدواء وجوداً،وللجنِّ به مزيد من الاهتمام للقدرة عندهم على إيجاده في جسد الإنسان-كلُّ ذلك بأمر الله- .
وعلاجه:سَيُذكَرُ كالقسم الأول مبتدءاً بما يستعان به قبل وجوده،ثُمَّ مُتْبِعَاً بما يستعان به بعد وجوده .
أمَّا ما يستعان به قبل وجوده :
فيُعمل بما تقدَّم ذكره في القسم الأول من علاج الطاعون قبل وجوده(1) إضافةً إلى:
1-الاهتمام بوجود أيِّ تَغَيُّرٍ في الجسد،وخاصةً إذا لم يكن له تفسير طبي،فإنَّ ذلك ربَّمَا دلَّ على وجود عينٍ،أو سحر،أو مسٍّ،وقد دلَّ الاستقراء لكثير من حالات المرضى الذين يعانون من أمراضٍ غير مُفسَّرةٍ طبيَّاً :
______________________(1/114)
1- لابد لِزاماً من قراءة مبحث علاج الطاعون الوبائي العام قبل وبعد وقوعه،وذلك ليستقيم فهم كيفية علاج السرطان،سواءً كان ناتجاً بسب الجنِّ،أو غير ذلك من الأسباب المرضية .
184
أنَّ ذلك يكون ناتجاً عن ابتلاء ذلك الإنسان بنوع عينٍ ممرضة(1)،أو سحر،أو مسٍّ من الجانِّ.
وبوجود هذه الأسباب قد يوجد مرض السرطان في جسد الإنسان-بأمر الله-.
فمن باب الوقاية لمن شعر بالتغير،وكان السبب:عيناً،أو سحراً،أو مسَّاً على المسلم:رقية نفسه،أو الذهاب لمن له صلاحٌ واتباع لمنهج أهل السنة والجماعة،وخبرة ودراية بأحوال الجنِّ ،وطرق العلاج اللازمة لمن ابتلي بمسٍّ من الجن، وكلُّ ذلك يُفعل لمنع الجان من إيجاد ذلك المرض .
2-الاستفادة من النصائح التي يذكرها الأطباء لمحاربة السرطان،سواء كان ذلك قبل وجوده،أو بعد وجوده، من أجل سرعة معالجته،والقضاء عليه .
وذلك: أنَّ السرطان سواء كان من الجنِّ،أو غيرهم إذا بودر بعلاجه عند ابتدائه:نفع العلاج-بإذن الله-.
_______________________
1-في الصحيحين من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (العينُ حقٌ ) .وفي صحيح مسلم عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (العين حقٌ،ولو كان شيءٌ سابقَ القدر:لسبقته العين ).
وثبت في المسند وسنن الترمذي وغيرهما عن عبيد بن رفاعة الزُّوقيِّ:أنَّ أسماء بنت عُميس-رضي الله عنها-قالت:يا رسول الله إنَّ بني جعفر تُصيبهم العينُ؛أفأسترقي لهم ؟ فقال (نعم،فلو كان شيءٌ سابقَ القدر،لسبقته العين ) .وعن جابر-رضي الله عنه-قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (أكثر من يموت من أمَّتي بعدَ قضاء الله وقدره بالعين ) السلسلة الصحيحة: (رقم:747) .وعن جابر أيضاً-رضي الله عنه-قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (العين تدخل الرجل القبر،والجمل القِدْرَ) السلسلة الصحيحة: (رقم:1249) .
185(1/115)
وأمَّا إذا انتشر في الجسد،ففي غالب الأحوال:أنَّ المبتلى به ميتٌّ،ولله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ .
ومن تلك الوصايا التي يذكرها الأطباء :
-لا تهمل إجراء فحص طبي كل سنة، ومرتين في السنة بعد سن الخامسة والثلاثين .
-لا تهمل فقدان الوزن الغير واضح السبب، أو فقر الدم(1) .
__________________
1-فائدة: ورد في موقع : ( أهلاً حواء ) على شبكة الإنترنت ما يأتي :
الحمية قد تجلب الرشاقة والسرطان معاً ؟!:
كثيرٌ من النساء يلجأن للحمية القاسية في سبيل إنقاص أوزانهن للحصول على الرشاقة والجمال،لكن كثيرات أيضاً لا يعرفن أن الجمال القادم مع الحمية قد يجلب معه سرطان الثدي أيضاً!!.
فقد أكدت الدراسات، عن معدلات الوفيات الناتجة عن سرطان الثدي والعلاقة بينها وبين الحمية الغذائية في 35 دولة، أن الحمية الغذائية من أهم أسباب الإصابة بسرطان الثدي، وأن كمية السعرات الحرارية اليومية المستخرجة من منتجات حيوانية توضح علاقة مهمة جداً مع ارتفاع معدل الوفيات بسبب سرطان الثدي، في الوقت الذي توضح فيه أن السعرات الحرارية المستمدة من الخضراوات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بانخفاض معدل الوفيات الناتجة عن هذا المرض.
وركزت إحدى الدراسات على لغز العلاقة بين الدهون الغذائية والإصابة بسرطان الثدي، والتي ترجع أسباب ارتفاع معدل الوفيات نتيجة سرطان الثدي إلى أن السيدات اللاتي يعشن في دول تعتمد على نسبة كبيرة من الدهون في غذائها يحصلن على نسبة سعرات =
186
-لا يحوز إهمال أيّ كتلة،وبالأخص عند منطقة الصدر للنساء .
-لا تهمل أيَّ نزف،أو إفراز غير عادي من أيِّ فتحة في الجسم .
-لا تهمل سوء الهضم المستمر،أو الصعوبة في ابتلاع الطعام .
-لا تهمل التغييرات في عادات الأحشاء .
-لا تهمل السعال المتواصل،أو الخشونة في البلعوم .
-لا تهمل التغييرات في لون أو حجم شامة أو ثؤلول .
-لا تهمل أيّ تقرُّحٍ لا يُشفى في وقت قصير .(1/116)
-لا تهمل نصيحة الطبيب، بما في ذلك إجراء جراحة إذا أوصى بها(1) .
_______________________
=حرارية أعلى من المنتجات الحيوانية، ولا يتناولن كميات كافية من الأسماك مقارنة بالسيدات اللاتي يعشن في دول تعتمد في طعامها على كمية دهون أقل.
ومن هنا فإن هؤلاء السيدات يفرزن مزيداً من هرمون الاستروجين،وعاملاً محفزاً لإفراز الأنسولين،وهذان العاملان لهما علاقة وثيقة بارتفاع خطر الإصابة بسرطان الثدي، والكحول يزيد من أثر هرمون الاستروجين.
1-انظر موقع صحة على شبكة الانترنت .
187
3-الاحتجام حفظاً للصحة،ووقايةً من المرض:
يُنظرُ تفصيلُ ذلك:فيما تقدم عندَ الحديث عن الوقاية من الطاعون،وهناك ذكرت مواضع الاحتجام،فإنْ أشكلَ عليك فَهمُ المقصودِ فيما ذَكرتُ،فأفضلُ المواضع: الأخدعان والكاهل،وأسفل الظهر في جانبيه .
أقول:
وبالتتبع لكلام أبي بكرٍ الرازي،وما نقله عن غيره عن السرطان في كتابه(الحاوي في الطب) وجدتُ:أنَّ الحجامة من أسباب الوقاية منه(1).
وهو ما قرَّره ابن سينا في قانونه: (4/1945)(2) .
- - -
____________________
1-انظر الحاوي: (4/1863-1872) .
2-وانظر:التذكرة: (2/12)وبغية المحتاج: (ص331 )والنزهة المبهجة: (2/125)جميعها لداود الأنطاكي .
188
فصل:
وأمَّا ما يُستعان به بعد وقوعه:
فيُعمل بما تقدم ذِكْرُهُ من علاج الطاعون بعدَ وقوعه إضافةً:
إلى معرفة أنْ السرطان إذا وجد في جسد الإنسان،فله علامات،منها:
-بحة في الصوت .
-خُرَّاجٌ لم يظهر عليه أيّ تحسن .
-نزيف غير اعتيادي .
-تغيير في انتظام دورة الأمعاء أو المثانة .
-عسرٌ في الهضم مزمنٌ، أو صعوبة في البلع .
-أي ورم صلب في الصدر،أو الرقبة، أو في أي مكان آخر في الجسم .
-أي تبديل في حجم خراج، أو ثؤلول .
-وأي فقدان غير متوقع في الوزن .
وقد لا تشير أيٌّ من هذه العلامات إلى السرطان،ومع ذلك فلا بد من الحيطة
والفحص الدوري لتلافي الخطر في مهده(1).(1/117)
____________________
1-انظر:السرطان،لدالاس جونسون: (ص39)والسرطان أنواعه وأسبابه،لعبد الفتاح عطاء الله: (ص36)والخلايا المتوحشة،لمجموعة من الأطباء: (179)وموقع صحة على شبكة الإنترنت .
189
ولا يُفهم مما ذُكِرَ:أنَّ أيَّ تغيُّرٍ حادثٍ في الجسد يكون سرطاناً لا،بل المقصود:أنَّ ما ذُكر مؤشر لا غيرَ .
ويُزيل التوهم :الفحص الطبي.
وقد يكون الفحص لازماً لمن هو مبتلى بمرض الوسواس النفسي؟!،وذلك من أجل قطع مادة الوسوسة الرديئة .
هذا إذا كان الإنسان سالماً من المسِّ،أو السحر ...
أمَّا إذا كان به مسٌّ،أو سحرٌ ...،فيجمع بين الرقية المشروعة،والفحص الطبي .
ومن علاج السرطان سواء كان من الجنِّ،أو من أسباب مرضية أخرى:
1-استعمال ما جعله الله دواءً وسبباً لشِّفَاء من داء السرطان مما يذكرهُ الأطباء،وله عندهم في علاجه طرائق متعددة معلومة في تضاعيف مؤلفاتهم وواقعهم العملي .
2-العِلاجُ بالرقيةِ الشرعيَّة(1) من كتاب الله،وما صحَّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من الأحاديث والأذكار والدعوات وفعل الخيرات ... .
وكيفية ذلك: سأذكرها هنا بعدة طرق جامعاً فيما ذكرتُ بين الدواء الإلهي،والدواء الطبيعي:
_____________________
1-الرقيةُ الشرعيَّةُ هي:القراءةُ القرآنيَّة المُجْمَلَةُ بعمومِ نصوصِ القرآنِ الكريم،أو المُفَصَّلةُ بالآيات والسورِ الواردِ فَضْلُهَا في السنَّةٍ النبويةِ،وما صحَّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من الأدعية والأذكار،والسلف الصالح .
ويُنظر في بيانِ ذلك:الكتب المؤلفة في الرُّقى والأذكار ... .
190
الطريقة الأولى:
تُقرأ الرقيةُ المشروعة على مقدار من الماء وزيت الزيتون يكفي مدةَ واحدٍ وعشرين يوماً،وبعدَ ذلك:يغتسل المريض بالماء يومياً،مع الشرب منه صبحاً وظهراً وليلاً،مع دهان العضو من الخارج بزيت الزيتون .
وإذا كان السرطان موجوداً في الدم(1):يتم دهان العمود الفقري،والرجلين .(1/118)
أمَّا إذا كان الورم بأماكن أخرى:كالثدي،أو المعدة،أو الرحم،يتم الدهان على العضو المصاب مقتصراً عليه(2) .
____________________
1-يقول الدكتور سعيد محمد في كتابه:البيئة والأورام(ص411-412):
(لفهم سرطان الدم:لابد أنْ نعلم أنَّ مخ العظام الذي يحتل عظم الصدر،والعظم الحرقفي،والعمود الفقري،هو مصنع ينتج خلايا في الدم تستخدم يومياً لمقاومة الأمراض،ولتخثر الدم،وحمل الأكسجين ... إلخ .
وسرطان الدم:يصيب نخاع العظام فيؤدي إلى خلايا دموية غير طبيعية تنقلب إلى خلايا سرطانية،وعلى الرغم من أن المرض نوع من سرطان نخاع العظام،لكن النتيجة النهائية هي فشل الخلايا العادية في الدم وحدوث اضطراب فيما يسمي بصيغة الدم كيفاً وكمَّاً .
فسرطان الدم إذن عبارة عن ورم سرطاني ينشأ في نقي العظام،ذلك النقي الذي يولد أنواعاً متباينة من الخلايا البيضاء،بحيث أن سرطان الدم يختلف باختلاف النوع المصاب منها ... ) إلى آخر كلامه،وينظر فهو مفيد في التعريف بهذا المرض.
2-المختار عندنا: أن يُدهن الجسمُ كاملاً،لما في ذلك من إصابة الداء حيث كان ؟! .
191
يكرر المريض الاغتسال بالماء،والدهان بالزيت،مدة واحدٍ وعشرين يوماً،مع قراءة القرآن والأذكار،فيبرأ بإذن الله(1) .
الطريقة الثانية :
جاء في منشور منسوبٍ إلى العقيد:شاكر الثنيان-يعمل في الحرس الوطني السعودي-يذكر فيه:تجربة ضابط كان مصاباً بورم سرطاني في المخ،وكان مُتْعَباً لدرجة أنه كان ميؤساً من شفائه،سافر المريضُ إلى أمريكا،وعمل التحاليل الطبية والفحوصات،ولم يستطيعوا إجراء العملية لصعوبة الموقف،وتشعب الورم السرطاني بالمخ،فرجع إلى بلاده منتظراً الأجل.
فوفقه الله تعالى برجلٍ له دراية بالطب الشعبي،وصف له دواءً مكوناً من:أعشاب،وعسل طبيعي على النحو التالي:
1-نصف كيلو عسل صافي أصلي،نوع:سدر .
2-ثلاثة ملاعق من الحبة السوداء بعد الطحن .
3-رأس ثوم متوسط الحجم .
طريقة الاستخدام :(1/119)
يخلط طحين الحبة السوداء مع العسل.
يُدَقُّ رأس الثوم بعد تقشيره،ويخلط مع والعسل والحبة السوداء .
__________________
1-هذه الكيفية ذكرها حمدي الدمرداش،صاحب كتاب:معجزات القرآن في علاج مس الجان: (ص135-140)ونسبها إلى أخ فاضلٍ في المملكة العربية السعودية،وذكر المؤلف عن هذا الأخ،أنه:قد قام بعلاج مائة وثماني عشرة حالة مصابة بأنواع من السرطان،وقد منَّ الله على الجميع بالشفاء التام .
192
يأخذ المريض ملعقة متوسطة من خليط الحبة السوداء والعسل والثوم كلَّ يومٍ صباحاً على الريق.
كذلك:يأخذ قطعة من (المرة) بحجم حبة البن،مع قطعة بحجم حبة العدس من(الحلتيت)مع كأس حليب طازج محلى بالعسل.يستخدم العلاج مدة ثلاثة أشهر دون انقطاع.
بعد ثلاثة أشهر ذهب المريض إلى أمريكا مرة أخرى،وعمل الفحوصات والتحاليل الطبية،فوقف الأطباء مندهشين،حيث إنَّ الورم السرطاني انكمش،واجتمع في مكان واحد مما سَهَّلَ عليهم إجراء العملية واستئصال الورم.
وجرب هذه الوصفة رجلٌ آخر،كان مصاباً بالورم السرطاني في الحلق والقصبة الهوائية،لدرجة أنه كان لا يستطيع الأكل،ويصاب بالغيبوبة،وما إنْ بدأ بالعلاج حتى تحسنت حاله،،وأزال الله عنه الغيبوبة،وأصبح يستطيع الأكل،ويتذوق طعمه،ويتحرك ويقف على رجليه ) .
الطريقة الثالثة :
الاستشفاء بماء زمزم :
ماء زمزم:سيدُ المياه وأشرفُها وأجلُّها قدراً،وأحبُّها إلى النفوس وأغلاها ثمناً،وأنفسها عند الناس .وهو هَزْمَةُ جبريل،وسُقْيَا الله إسماعيل...(1) .
________________
1-زاد المعاد،للإمام ابن القيم : (4/ 392)وهزمة جبريل-عليه السلام-،معناه:أنه ضربها برجله فنبع الماء .النهاية: (5/262) .
193
فكم من مبتلى قد عوفي بالمقام عليه والشرب منه والاغتسال به،بعد أن لم يدع في الأرض ينبوعاً إلاَّ أتاه(1)،ولا طبيباً أو حكيماً إلاَّ وسأله المداواة،فلمَّا استغرق جميع الأسباب في الأرض،وأشرفت روحه على التلف والموت:(1/120)
توجه إلى سيده وخالقه ومولاه،فشرب هذا الماء المبارك-والبركة من الله- بصدق وإخلاص،واعتقاد أنَّ الشفاء بيد الله:زال عنه الداءُ والبلاء،وتحيَّرت أفهام الأطباءِ والحكماء ؟!وزاد إيمان المؤمنين إيماناً وتصديقاً بقول من لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم - الذي ما علم خيراً إلاَّ ودلنا عليه،وما علمَ شرَّاً إلا وحذرنا منه،فجزاه الله عنَّا خير الجزاء .
يا زَمْزَمَ الخيرِ والرُّوحُ الأمينُ أتى يَشُقُّهَا عِنْدَ إسماعيلَ مُرْتَضَعَا
كَأسٌ مِنَ الحُبِّ أهْدَاهُ الكريمُ إلى طِفْلِ الخليلِ فكانَ الرِّيَّ والشِّبَعَا
بُرْءُ السَّقَامِ بِهَا بِرُّ الطَّعامِ بِها رِيُّ الشَّرَابِ بِها في مَائِهَا اجْتَمَعَا
فكمْ سِقِيمٍ رأى في مَائِهَا فَرجاً لمَّا تَنَاولَ مِنْ سَلْسَالِهَا جُرَعَا (2)
فقد صحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - جملةٌ من الأحاديث،منها:
عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(خيرُ ماءٍ على وجه الأرض ماء زمزم،فيه طعام من الطُّعم،وشفاءٌ من السُّقْم ) .
حديث حسن.السلسلة الصحيحة: (رقم:1056) .
___________________
1-ثمار القلوب في المضاف والمنسوب،للثعالبي: (ص 559) .
2- قائل الأبيات:الشيخ محمد بن بدر الدين،كما في فضائل زمزم للأستاذ:سائد بكداش .
194
وهذا الصحابي الجليل أبو ذَرٍّ الغفاري-رضي الله عنه-بقي ثلاثين يوماً وليلة في مكة ليس له طعام ولا شراب إلا زمزم،فسَمِنَ حتى بَدَت عُكَنُ(1) بطنه .(1/121)
أخرج مسلم في صحيحيه عن أبي ذَرٍّ-رضي الله عنه- في قصة إسلامه:أنه حين جاء مكة،ودخل الحرم،وبقي فيه ثلاثين يوماً،قال أبو ذر:وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى استلم الحجر،فطاف بالبيت هو وصاحبه،ثم صلى،فلمَّا قضى صلاته، قال أبو ذرٍّ: فكنتُ أنا أول من حيَّاه بتحية الإسلام:قال:فقلت:السلام عليك يا رسول الله،فقال:وعليك ورحمة الله،ثمَّ قال من أنت؟قال:قلت:من غفار ... ،ثم قال:متى كنت ههنا؟قال:قلت:قد كنت ههنا منذ ثلاثين بين ليلة ويوم،قال:فمن كان يُطْعِمُك؟قال:قلت:ما كان لي طعام إلاَّ ماء زمزم،فسمنتُ حتى تكسَّرت عُكنُ بطني،وما أجد على كبدي سَخْفةَ جوع(2)قال - صلى الله عليه وسلم - :إنها مباركة،إنها طعام طُعم ) .
وزاد غير مسلم في رواية أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظ:(زمزم طعام طُعْم(3) ،وشَفاء سُقْمٍ ) انظر: صحيح الترغيب: (2/40) .
_____________________
1- العُكن:الطي الذي في البطن من السمَن.لسان: (13/288) .
2-سخفة جوع:يعني رقتَّه وهزاله.النهاية: (2/350) .
3-قوله:طعام طعم:بضم الطاء،وسكون العين،أي: أنها تُشبع شاربها،كما يُشبع الطعام.شرح النووي على صحيح مسلم:(16/30)والنهاية: (3/125) .
195
وأخرج أحمد،وابن ماجة وغيرهما عن جابر-رضي الله عنه- أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:( ماء زمزم لما شرب له )
ورواه غيره من الصحابة-رضي الله عنهم أجمعين- (1) .
وثبت في سنن الترمذي،وتاريخ البخاري الكبير،والسنن الكبرى للبيهقي عن عائشة-رضي الله عنها-:( أنها كانت تحمل من ماء زمزم ،وتخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحمل ماء زمزم في الأداوى والقرب،وكان يصبُّ على المرضى ويسقيهم ) السلسلة الصحيحة: (رقم:883) .
قال وهب بن منبه من ثقات التابعين-رحمه الله-:
(والذي نفس وهب بيده،لا يعمد إليها-يعني زمزم-أحد فيشرب منها حتى يتضلع إلاّ نزعت منه داءً،وأحدثت له شفاءً) (2) .
ــــــــــــــ(1/122)
1-انظر:إرواء الغليل: (رقم:1123)وصحيح الترغيب: (2/41) .
2-رواه عنه الأزرقي في أخبار مكة: (2/50)والفاكهي في أخبار مكة : (2/44)وعبد الرزاق في المصنف : (5/117)وأبو نعيم في الحلية: (4/63-64) والمذكور عنه للاستشهاد،لا للاعتماد؟!. والتضلع: الإكثار والامتلاء شِبَعاً ورِيَّاً حتى يبلغ الماء أضلاع الشارب.النهاية : (3/97) واللسان: (8/225).
196
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (شفاء سُقمٍ) يشمل بعمومه الأسقام الحسِّية والمعنوية (1) .
لكن لا بد من وجود صحة الاعتقاد بما قاله إمام الهدى - صلى الله عليه وسلم - مقرراً المسلم في فؤاده أنَّ الشفاء بيد الله،وأنَّ هذا الماء المبارك سبب إلهي يحتاج إلى يقين صادق،وليس إلى تجربة واختبار،كما يفعل كثير من الناس ؟!فعند ذلك يحدث الشفاء بماء زمزم لمن شاء الله من عباده .
يقول الإمام أبو بكر بن العربي المالكي-رحمه الله-:
(وهذا-أي الاستشفاء بماء زمزم-موجود فيه إلى يوم القيامة لمن صحت نيته، وسلمت طويته،ولم يكن به مكذِّباً،ولا يشربه مجرِّباً،فإن الله مع المتوكلين،وهو يفضح المجرِّبِين ) (2) .
وقال العلامة المناوي-شارحاً-قوله - صلى الله عليه وسلم - : (ماء زمزم لما شُرب) :
(لأنه سُقيا الله وغياثه لولد خليله، فبقي غياثاً لمن بعده،فمن شربه بإخلاص وجد ذلك الغوث.وقد شربه جمع من العلماء لمطالب فنالوها .
قال الحكيم -الترمذي -:هذا جار للعباد على مقاصدهم وصدقهم في تلك المقاصد والنيات،لأن الموحد إذا رابه أمر فشأنه الفزع إلى ربه،فإذا فزع إليه واستغاث به وجد غياثاً،وإنما يناله العبد على قدر نيته.
ـــــــــــــــ
1-تحفة المحتاج،لابن حجر الهيتمي: (4/134) .
2-أحكام القرآن،لابن العربي: (3/1124)وعنه القرطبي في تفسيره: (9/379).
197(1/123)
قال سفيان الثوري:إنما كانت الرُّقى والدعاء بالنية،لأنَّ النية تبلغ بالعبد عناصر الأشياء،والنيات على قدر طهارة القلوب وسعيها إلى ربها،وعلى قدر العقل والمعرفة يقدر القلب على الطيران إلى الله، فالشارب لزمزم على ذلك ) (1).
وفي نيل الأوطار(5/170) للإمام الشوكاني-رحمه الله- قال:
(قوله:(ماء زمزم لما شرب له) فيه دليل على أنَّ ماء زمزم ينفع الشاربَ لأيِّ أمرٍ شربه لأجله،سواء كان من أمور الدنيا أو الآخرة،لأن: (ما) في قوله لما شرب له من صيغ العموم ) .
فماء زمزم:( الاستكثار منه عنوان الغرام، وكمال الشوق،فإنَّ الطباع تحن إلى مناهل الأحبة،ومواطن أهل المودة،وزمزم:منهل المصطفى وأهل بيته ومحلُّ تَنزل الرحمات،وفيض البركات فالمتعطش إليها والممتلىء منها قد أقام شعار المحبَّة وأحسن العهد إلى الأحِبَّة )(2) .
وهذا الماء المبارك:شربه العلماء،والصالحون،وأهل الحاجات من المسلمين ...شربوا ماء زمزم وقلوبهم ممتلئة بالإيمان واليقين والتصديق لما قاله سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - فحقق الله للقوم المطالب،ورفع عنهم الأمراض والبلاء ،والمنقول عنهم في تضاعيف كتب الحديث والتاريخ والتراجم وغيرها جملة متكاثرة،فمنهم من شربه للعلم،ومنهم من شربه للعمل،ومنهم من شربه للاستشفاء به فشفاه الله،ومنهم من شربه لحاجات ومقاصد فحققها الله ...
______________________
1-فيض القدير: (5/404) .
2-فيض القدير: (1/61) .
198
قال الإمام النووي-رحمه الله- في تهذيب الأسماء واللغات(3/131):(ماء زمزم لما شرب له) معناه:من شربه لحاجة نالها،وقد شربه العلماء والصالحون لحاجات أخروية ودنيوية فنالوها بحمد الله ) .
وقال الإمام أبو الطيب الفاسي-رحمه الله-في كتابه العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين(1/93):
(وقد شربه جماعة من السلف والخلف لمقاصد جليلة فنالوها ) .(1/124)
وقال الحافظ ابن حجر في جزئه الذي تكلم فيه عن حديث(ص191):( ماء زمزم لما شرب له ):( ..ولا يُحصى كمْ شربه من الأئمة لأمورٍ نالوها ) .
وسأقتصر هنا على بعض من شرب هذا الماء المبارك طالباً الشفاء من الله فحقق الله له ذلك بسبب شربه ماء زمزم .
ومن ذلك :
ما ذكره الإمام الذهبي -رحمه الله-في سير أعلام النبلاء(11/212)عن عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل-رحمهما الله-قال عبد الله يذكر عن أبيه:
(رأيته يشرب من ماء زمزم،يستشفي به،ويمسح به يديه ووجهه ) .
199
وذكر الشيخ خليفة بن أبي الفرج الزمزمي-المتوفى سنة نيِّفٍ وستين وألف للهجرة -في كتابه:نشر الآس في فضائل زمزم وسقاية العباس(1)قال:
(قال ابن قتيبة:حججتُ مع جماعة،ومعهم رجلٌ مفلوج،فوجدته يطوف بالبيت سالماً من الفالج،فقلت له:كيف ذهب ما بك؟فقال:جئت إلى بئر زمزم،فأخذت من مائها،فحَلَلْتُ به دواة كانت معي،وكتبت في إناء: { بسم الله الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ... } إلى آخر السورة-الحشر- { ونُنَزِّلُ من القرآنِ ما هو شفاءٌ ... } إلى آخر الآية-82 من سورة الإسراء-،وقلتُ:اللهم إنَّ نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - قال: (ماء زمزم لما شرب له)والقرآن كلامك فاشفِني بعافيتك،وحَلَلْتُه بماء زمزم وشربته،فعوفيتُ،وتخلَّصت من الفالج بإذن الله تعالى من غير معالج،فلله الحمد على ذلك ) .
وقال الإمام ابن القيم-رحمه الله- في زاد المعاد(4/393):
(وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أموراً عجيبة،واستشفيت به من عدة أمراض،فبرأت بإذن الله،وشاهدت من يتغذى به الأيام ذوات العدد-قريباً من نصف الشهر أو أكثر-ولا يجد جوعاً،ويطوف مع الناس كأحدهم،وأخبرني أنه ربما بقي عليه أربعين يوماً،وكان له قوةٌ يجامع بها أهله،ويصوم،ويطوف مراراً ).
___________________
1- أنقل ذلك عنه بواسطة كتاب:فضل زمزم : (ص77) لسائد بكداش .
200(1/125)
وقال-أيضاً-(4/178) :
(ولقد مرَّ بي وقتٌ بمكة:سَقِمتُ فيه،وفقدت الطبيب والدواء،فكنت أتعالج بها:
آخذ شربةً من ماء زمزم،وأقرؤها عليها مراراً،ثم أشربه،فوجدت بذلك البرءَ التام ثم صرتُ اعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع،فأنتفع بها غايةَ الانتفاع ) .
وقال-رحمه الله-في كتابه العجاب مدارج السالكين(1/58)يحكي ما وقع له مدَّة إقامته في مكة:
( ... فإنه كان يعرض لي آلام مزعجة،بحيث تكاد تقطع الحركة مني،وذلك في أثناء الطواف وغيره،فأبادر إلى قراءة الفاتحة وأمسح بها على محلِّ الألم،فكأنَّهُ حصاةٌ تسقط،جربتُ ذلك مراراً عديدة،وكنت آخذ قدحاً من ماء زمزم،فأقرأ عليه الفاتحة مراراً،فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء،والأمر أعظم من ذلك ولكن بحسب قوة الإيمان،وصحة اليقين،والله المستعان ) .
وذكر الإمام تقي الدين الفاسي-رحمه الله-في شفاء الغرام بأخبار بلد الله الحرام(1/255)عن شيخه الحافظ زين الدين العراقي عبد الرحيم بن الحسين-رحمه الله-،ذكر:
(أنه شرب ماء زمزم لأمور،منها الشفاء من داء معيَّنٍ بباطنه،فشفي منه بغير دواء ).
وذكر-رحمه الله-أيضاً في شفاء الغرام(1/255):
(أنَّ أحمد بن عبد الله الشريفي الفراش بالمسجد الحرام بمكة شربه-أي زمزم- للشفاء من عَمَى حصل له،فشُفي منه،على ما أخبرني به شيخنا العلامة تقي الدين عبد الرحمن بن أبي الخير الفاسي-رحمه الله تعالى- ) .
201
وفي نشر الآس،للزمزمي:
(نقل الحافظ جار الله بن فهد في كتابه(نعمة الرحمن فيما يُعين على حفظ القرآن)عن جده الشيخ نجم الدين بن فهد،ومن خطه نقلته،قال:(1/126)
سمعت والدي-رحمه الله-يحكي:أنَّه لمَّا نزل بعينه الماء وهو بمكة حتى لم يكن يبصرُ شيئاً،وكان يحتاج إلى قائدٍ في بعض الأوقات،قال:فشربت زمزم بنيت الشفاء،عملاً بالحديث النبوي الوارد فيه،وتصديقاً به،وأدخلت في عينيّ من مائه،فبرأت من ذلك العارض بأسرع وقت،قال:والأطباء ينهون عن إدخال الماء في العين،ويجعلونه من أسباب العمى،لكن لمَّا غَلب غِياثُ الله عَادَةَ أمْرِ الطبيعة،انعكس أمرُها ) (1) .
ومن الأخبار في الزمن المعاصر:
قصة المغربية(ليلى الحلو)وهي قصة مشهورة تداولها الناس في مجالسهم،وذكرتها الصحف والمجلات،وذُكِرَتْ على مواقع الإنترنت.
وقد ذكرت صاحبة القصةُ ما حصل لها من الشفاء بماء زمزم بعدما أصيبت بداء السرطان في رسالة لها بعنوان:(فلا تنس الله ) .
__________________
1-انظر:فضل زمزم،لسائد بكداش(ص79) .
202
وملخص القصة،كما في المجلة العربية العدد (147) وكذا صحيفة(المسلمون)في عددها الثاني والعشرين(19-25شوال 1405):
أن ليلى الحلو:أُصِيبتْ بداء سرطان الصدر،وذهبت إلى العلاج في باريس،وهناك قرَّر الأطباء:أن المرض قد انتشرَ ،وأنها لنْ تعيش أكثر من ثلاثة أشهر!!
فأيقنت المرأة بالموت،وأنه ليس هناك دواء،فقرَّرت الرجوع إلى المغرب،لكي تقضي بقية أيامها مع أهلها،حتى يأتي الأجل !
فاقترح زوجُها الذهاب إلى العمرة ... وهناك في مكة،تقول ليلى الحلو:
(اعتكفت ببيت الله..داومتُ على الشرب من ماء زمزم..واكتفيت برغيف وبيضة واحدة طوال اليوم..وأمضيت أيامي في الصلاة،وتلاوة القرآن الكريم،والدعاء ...
أربعة أيام لم أعرف فيها الليلَ من النهار..تلوت القرآن الكريم من أوله حتى نهايته..كنت في صلواتي أطيل سجودي،وأبكي بحرارة على ما فاتني من خير،وعلى ما أضعته من فرائض ).
وتواصل حديثها،قائلةً:
((1/127)
وبعد أيام وجدتُ أنَّ الكويرات الحمراء التي كانت تشوه جسدي قد اختفت نهائياً،أحسستُ أنَّ شيئاً ما حدث،وقررت العودة إلى باريس للتشاور مع الأطباء!
وهناك كانت دهشة الأطباء الذين أعادوا الكشف عدة مرات،غير مصدقين الحالة الغريبة الموجودة أمامهم !!
203
فقبل أيام أخبروها:أنَّ السرطان في كلَّ مكان في صدرها،والآن لا أثرَ لهذا السرطان ..ما ذا حدث؟!،وتركتهم بين تعجبهم،ودهشتهم،وعادت إلى المغرب تروي قصة الشفاء من السرطان بعد ما شربت من ماء زمزم ).
وتختم قصتها قائلةً:
(هناك قوةٌ خفية لا تصل العقول لإدراكها،ألا وهي:قوة الله،وما دامت هذه القوة معك،فاملأ بالأمل حياتك،لأنَّ الله معك،وأبواب السماء مفتوحة دائماً لك،وعلوك في الأرض لا يأتي إلاّ عن طريق اتباعك لله..فلا تنس الله! ) .
(يذكر أحد الإخوة المسلمين بعد عودته من أداء فريضة الحج فيقول :حدثتني سيدة فاضلة اسمها ( يُسرية عبد الرحمن حراز ) كانت تؤدي معنا فريضة الحج ضمن وزارة الأوقاف عن المعجزة التي حدثت لها ببركات ماء زمزم فقال : إنها أصيبت منذ سنوات بقرحة قرمزية في عينها اليسرى نتج عنها صداع نصفي لا يفارقها ليلاً ولا نهاراً،ولا تهدِّئ منه المسكنات..كما أنها كادت تفقد الرؤية تماماً بالعين المصابة،لوجود غشاوة بيضاء عليها..وذهبت إلى أحد كبار أطباء العيون، فأكد أنه لا سبيل إلى وقف الصداع إلا باعطائها حقنة تقضي عليه،وفي نفس الوقت تقضي على العين المصابة فلا ترى إلى الأبد ..
وفزعت السيدة يسرية لهذا النبأ القاسي،ولكنها كانت واثقة برحمة الله تعالى ،ومطمئنة إلى أنه سيهيئ لها أسباب الشفاء-رغم جزم الطب والأطباء بتضاؤل الأمل في ذلك-،ففكرت في أداء عمرة،كي تتمكن من التماس الشفاء مباشرة
204(1/128)
من الله عند بيته المحرم،وجاءت إلى مكة،وطافت بالكعبة،ولم يكن عدد الطائفين كبيراً وقتئذ،مما أتاح لها- كما تقول-أن تقبل الحجر الأسود،وتمس عينها المريضة به،ثم اتجهت إلى ماء زمزم لتملأ كوباً منه،وتغسل به عينها..وبعد ذلك أتمت السعي وعادت إلى الفندق الذي تنزل به..
فوجئت بعد عودتها إلى الفندق:أنَّ عينها المريضة أصبحت سليمة تماماً،وأنَّ أعراض القرحة القرمزية توارت،ولم يعد لها أثر يُذكر ..
كيف تم استئصال قرحة بدون جراحة ؟!..كيف تعود عين ميؤوس من شفائها إلى حالتها الطبيعية بدون علاج؟!وعلم الطبيب المعالج بما حدث،فلم يملك إلا أن يصيح من أعماقه: الله أكبر،إن هذه المريضة التي فشل الطب في علاجها عالجها الطبيب الأعظم في عيادته الإلهية التي أخبر عنها رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - : ( ماء زمزم لما شرب له ) .
إخراج حصاة بدون جراحة :
(ومثل هذه الحكاية:وحكايات أخرى نسمع عنها من أصحابها،أو نقرؤها،وهي إن دلت على شيء،فإنما تدل على صدق ما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن هذا الماء المبارك.
فيروي صاحب هذه الحكاية الدكتور( فاروق عنتر )،فيقول :
لقد أصبت منذ سنوات بحصاة في الحالب،وقرَّر الأطباء استحالةَ إخراجها إلاّ بعملية جراحية،ولكنني أجلت إجراء العلمية مرتين،ثم عنَّ لي أن أؤدي عمرة، وأسأل الله أن يمن علي بنعمة الشفاء،وإخراج هذه الحصاة بدون جراحة ؟..
205
وبالفعل سافر الدكتور فاروق إلى مكة،وأدى العمرة وشرب من ماء زمزم،وقبَّلَ الحجر الأسود،ثم صلى ركعتين قبَلَ خروجه من الحرم،فأحس بشيء يخزه في الحالب،فأسرع إلى دورة المياه،فإذا بالعجب يحدث،وتخرج الحصاة الكبيرة، ويشفى دون أن يدخل غرفة العمليات..
لقد كان خروج هذه الحصاة:مفاجأة له،وللأطباء الذين كانوا يقومون على علاجه،ويتابعون حالته ) (1) .
شبهة وجوابها:(1/129)
قد يقع في بعض قلوب من الناس،ممن ضعف إيمانه،وتسلط الشيطان على قلبه وفؤاده:نوعُ شبهة،فيقول قائلهم:
إنِّي أرى كثيراً من الناس شربوا من ماء زمزم لحاجات ومقاصد،ولم يتحقق لهم ما أرادوا،بل يشرب الواحد منهم مرَّاتٍ عديدة ولم يتحقق المراد !!فهل يكون هذا دليلاً على عدم صحة الوارد ؟ .
والجواب عليه بأمرين :
الأمر الأول:ابتداءً أقول:أمًّا الوارد من الأحاديث فهو من الصحة بمكان،وقد صحَّحَ هذه الأحاديث الواردة في فضل ماء زمزم:أئمة الدين والحفظ والدراية بعلم الحديث.
_________________
1-المصدر : الإعجاز العلمي في الإسلام والسنة النبوية ( لمحمد كامل عبد الصمد،بواسطة،موقع(فارس نت)على شبكة الإنترنت.
206
ثم إنَّ الشارب من ماء زمزم:ينال مقصودَه وحاجته على قدر نيته وإخلاصه،وتوجهه إلى الله جلَّ وعلا،وعلى قدر بعده من موانع إجابة الدعاء:كأكل الحرام،واستعجال الإجابة .
ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (أيها الناس:إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً،وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: { يا أيها الرسلُ كُلوا من الطيباتِ واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليمٌ } وقال: { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيِّباتِ ما رزقناكمْ } ثم ذكر الرجلَ يطيلُ السفر،أشعثَ أغبَرَ،يمد يديه إلى السماء:يا رب يا رب!،ومطعمه حرام،ومشربه حرام،وملبسُهُ حرام،وغُذِّي بالحرام،فَأنَّى يُستجابُ لذلك) .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
( يُستجابُ لأحدِكُم ما لم يَعْجَل،يقول:دعوتُ ربِّي،فلم يُستجبْ لي ) .
وفي رواية مسلم: (لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رَحمٍ،ما لم يَستعجلْ)قيل:يا رسول الله ما الاستعجالُ ؟قال: (يقول:قد دعوتُ،وقد دعوت،فلم أرَ يَسْتَجِيبُ لي،فَيسْتَحْسِرُ(1)عندَ ذلك،ويدعُ الدُّعاء ) .(1/130)
وكذلك ينال مقصوده إذا علم الله منه اضطراراً وحاجة إلى مطلوبه:حقق الله له ذلك.
__________________
1-يستحسر: ينقطع إعياءاً.والاستعجال المنهي عنه لا يعني الدعاء بتعجيل الاستجابة؛فقد صحَّ مثل ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الاستسقاء،ويوم بدرٍ،وغيرهما،بل المراد بالنهي:هو الانقطاع عن الدعاء استبطاءاً للإجابة .
207
يقول الإمام الشوكاني-رحمه الله-: (بقي أنه قد يُستشكل أصل الخبر:بأنُّ أهل مكة لم يزالوا محتاجين إلى الطعام،ولا يشبعهم ماء زمزم،وتوجد فيهم الأمراض الكثيرة،ويحتاجون إلى العلاج،ويستمر ببعضهم مرضه،وقد كان ذلك في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده ؟!
ويجاب:بأنَّ ذلك خَاصٌّ-والله أعلم-بالمضطَّرِ المخلصِ في اعتقاده،وتوجهه إلى ربِّه تبارك وتعالى )(1) .
الأمر الثاني:
إنَّ الشارب لماء زمزم إذا دعا الله تعالى ولم يرَ عاجلاً إجابةً،أو شفاءً، لا يعني ذلك:أنَّ الله لم يجب دعاءه،بل قد يكون ربُّ العزَّة والجلالة سبحانه:ادَّخرَ لعبده الجزاء والثواب ليوم القيامة،أو يصرف عنه بمثل دعوته من السوء والبلاء المرض الذي كان سيأتيه من حيث لا يدري،وهو يظن أنَّ الله لم يستجب له،والأمر خلاف ذلك (2).
__________________
1-انظر:الشفاء بماء زمزم،لمحمد بن عبد العزيز،ومجدي السيد : (ص53) .
2-انظر:مجموع الفتاوى: (14/368)واقتضاء الصراط المستقيم: (1/364)كلاهما لشيخ الإسلام ابن تيمية.وفتح الباري: (11/95)وفيض القدير: (5/467 ) وتحفة الأحوذي: (10/18) .
208
ثبت في مسند الإمام أحمد وغيره عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم،ولا قطيعة رحم،إلاَّ أعطاه الله إحدى ثلاثٍ:إمَّا أن يُعَجِّل له دعوته،وإمَّا أن يدَّخرها له في الآخرة،وإمَّا أن يصْرِفَ عنه من السوء مثلها ).
قالوا: إذاً نُكثرُ.قال : ( الله أكثر ) .(1/131)
وقد روى هذا الحديث غيرُ أبي سعيد من الصحابة-رضي الله عنهم-بألفاظٍ متقاربة(1) .
- - -
_______________
1-انظر: صحيح الترغيب: (2/277-278) .
209
فصل :
وأمَّا كيفيَّةُ مدواة السرطان بماء زمزم،فيكون بما يأتي ذكره :
1- عسل نحل صافي مقدار اثنين كيلو(يُفضَّلُ أن يكون من عسل السدر ) .
2- خمس ملاعق من الحبة السوداء بعد الطحن .
3- خمس ملاعق من العِكْبِر(البروبوليس ) (1) .
4- ثلاث ملاعق من حبوب اللقاح(حبوب الطلع)(2) .
5- نصف لتر من زيت الزيتون .
6- كميَّة من ماء زمزم كافية للاغتسال والشرب مدة شهرٍ .
طريقة الاستعمال:
-تخلط الحبة السوداء،والعكبر،وحبوب اللقاح مع العسل .
-تقرأ الرقية الشرعيَّة على الخليط،والماء والزيت.
-تُؤخذ ملعقة صباحاً وظهراً وليلاً بعد الطعام .
______________________
1-العِكبر:مادة راتنجية شمعية،يجنيها النحل من براعم الأشجار،فيثبت بها النخاريب،ويمنع التصدعات،ويثبت به أقراص العسل في أماكنها من الخلية.
وله فوائد عدة،منها:
1-أنه قاتل للجراثيم والفطور.
2-أنه يزيد من مناعة الجسم،ومقاومة الأمراض.انظر:الاستشفاء بالعسل والغذاء الملكي،للدكتور:حسان باشا(ص154-155) .
2-انظر في فوائد حبوب اللقاح،وطرق استخدامها:كتاب(أسرار العلاج باستخدام حبوب اللقاح)للدكتور:محمد كمال زين الدين .
210
-يدهن الجسم كاملاً عند النوم .
-يغتسل بماء زمزم يومياً .
-يشرب كوبين من ماء زمزم بعد كل وجبة .
-كلُّ ثلاثة أيام يترك المريض الطعام ويكتفي بالشرب من ماء زمزم،والخليط،مع الإكثار من الشرب من ماء زمزم .
-يحافظ على قراءة الرقية يومياً،مع الأذكار،والصدقة،والدعاء ،وفعل الخيرات .
-يستمر على العلاج مدة ثلاثة أشهر،فيبرأ بإذن الله،فإنه سبحانه المعافي،ولا شفاء إلاَّ شفاؤه .
الطريقة الرابعة :
الاستشفاء من مرض السرطان بألبان وأبوال الإبل:(1/132)
أخرج البخاري في صحيحه قال:( حدثنا معلى بن أسد،حدثنا،وهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-: أنَّ رهطاً من عُكْلٍ ثمانية قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ،فاجتووا المدينة،فقالوا يا رسول الله: ابغنا رِسْلاً،قال:(ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود)فانطلقوا فشربوا من أبوالها،وألبانها حتى صحوا وسمنوا ،وقتلوا الراعي،واستاقوا الذود،وكفروا بعد إسلامهم.فأتى الصريخ النبي - صلى الله عليه وسلم - ،فبعث الطلب،فما ترجل النهار حتى أُتي بهم،فقَطَّع أيديهم وأرجلهم،ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها،وطرحهم بالحرَّة يستسقون فما يُسقون حتى ماتوا)
قال أبو قلابة:قتلوا وسرقوا،وحاربوا الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ،وسعوا في الأرض فساداً ).
211
وفي رواية:
عن أنس-رضي الله عنه-قال:(قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - نفر من عُكْلٍ فأسلموا،فاجتووا المدينة،فأمرهم: أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها،ففعلوا فصحوا. فارتدوا،وقتلوا رعاتها،واستاقوا الإبل،فبعث في آثارهم فأُتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم،وسمل أعينهم،ثم لم يحسمهم حتى ماتوا ) .
وروى البخار ي في صحيحه عن الإمام محمد بن شهاب الزهري-رحمه الله-قال- حين سُئل عن شرب أبوال الإبل-:(قد كان المسلمون يتداوون بها فلا يرون بذلك بأساً ) (1) .
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله- في زاد المعاد(4/46-48):
( فصل: في هديه - صلى الله عليه وسلم - في داء الاستسقاء وعلاجه :(1/133)
في الصحيحين من حديث أنس بن مالك-رضي الله عنه- قال قدم رهط من عُرينه وعُكل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فاجتووا المدينة، فشكوا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ( لو خرجتم إلى إبل الصدقة،فشربتم من أبوالها وألبانها).ففعلوا،فلمَّا صحوا:عمدوا إلى الرعاة فقتلوهم،واستاقوا الإبل،وحاربوا الله ورسوله.فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آثارهم،فأخذوا:فقطع أيديهم وأرجلهم،وسمَلَ أعينهم،وألقاهم في الشمس حتى ماتوا ) .
___________________
1-قوله:فاجتووا المدينة،أي لم يوافقهم هواها،واستوخموها،فأصابهم المرض.وقوله:ابغنا رِسْلاً،أي اطلب لنا لبَنَاً .والذود:الإبل ما بين الثلاثة إلى العشرة.وترجَّلَ النهار: أي طلع .وقوله:لم يحسمهم،أي لم يكوِ ما قطع منهم بالنار لينقطع الدم،بل تركه ينزف .
2-وانظر:التمهيد،لابن عبد البر: (11/10)ونيل الأوطار: (9/93) .
212
والدليل على أن هذا المرض كان الاستسقاء،مارواه مسلم في صحيحه في هذا الحديث أنهم قالوا:(إنّا اجتوينا المدينة،فعظمت بطوننا،وارتهشت أعضاؤنا)؛وذكر تمام الحديث.
والجوى:داء من أدواء الجوف. والاستسقاء(1):مرض مادي سببه:مادة غريبة باردة تتخلل الأعضاء،فتربو لها:إمّا الأعضاء الظاهرة كلها،وإمّا المواضع الخالية من النواحي التي فيها تدبير الغذاء والأخلاط ...
ولما كانت الأدوية المحتاج إليها في علاجه،هي الأدوية الجالبة التي فيها إطلاق معتدل،وإدرار بحسب الحاجة،وهذه الأمور موجودة في أبوال الإبل وألبانها: أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بشربها.فإنَّ في لبن اللّقَاح(2)جلاءً وتلييناً،وإدراراً وتلطيفاً وتفتيحاً للسدد؛إذ كان أكثر رعيها الشيح والقيصوم والبابونج والأقحوان والإذخر،وغير ذلك من الأدوية النافعة للاستسقاء .(1/134)
وهذا المرض لا يكون إلا مع آفة في الكبد خاصة،أو مع مشاركة.وأكثرها عن السدد فيها.ولبن اللقاح العربية نافعٌ من السدد،لما فيه من التفتيح والمنافع المذكورة.
قال الرازي:لبن اللقاح يشفي أوجاع الكبد وفساد المزاج.
___________________
1-الاستسقاء:مرض يتميز بانتفاخ البطن نتيجة لوجود سائل مصلي داخل التجويف البريتوني.وأسبابه كثيرة،منها:تليف الكبد نتيجة البلهارسيا،هبوط القلب،الدرن البريتوني،أمراض الكلى،أورام خبيثة.انظر: التعليق على الطب النبوي،لابن القيم: (ص36)والتعليق على المنهج السوي،للسيوطي:(ص345) .
2-اللقاح:جمع لقحة،وهي ذوات اللبن من الإبل .
213
وقال الإسرائيلي:لبن اللقاح أرقُّ الألبانِ،وأكثرها مائية وحِدَّة،وأقلُّها غذاء. فلذلك صار أقواها على تلطيف الفضول،وإطلاق البطن،وتفتيح السدد.ويدل على ذلك ملوحتُه اليسيرة التي فيه لإفراط حرارة حيوانية بالطبع.ولذلك صار أخصَّ الألبان بِتَطْرِيَةِ الكبد،وتفتيح سددها،وتحليل صلابة الطعام إذا كان حديثاً،والنفع من الاستسقاء خاصةً:إذا استُعمِلَ لحرارته التي يخرج بها من الضَّرْع مع بول الفصيل وهو حارُّ،كما يخرج من الحيوان.فإن ذلك مما يزيد في ملوحتِه، وتقطيعه الفضولَ،وإطلاق البطن.فإن تعذر انحداره وإطلاقه البطن:وجب أن يطلق بدواء مسهل.
قال صاحب القانون:ولا يُلتفت إلى ما يُقال:من أن طبيعة اللبن مضادة لعلاج الاستسقاء.
قال:واعلم أن لبن النوق دواء نافع،لما فيه من الجلاء برفق؛وما فيه من خاصية. وأن هذا اللبن شديد المنفعة،فلو أنَّ إنساناً أقام عليه بدل الماء والطعام شُفي به وقد جُرِّب ذلك في قومٍ دُفِعوا إلى بلاد العرب،فقادتهم الضرورةُ إلى ذلك،فَعُوفوا. وأنفع الأبوال:بول الجمل الأعرابيِّ،وهو النجيب ) (1).
___________________(1/135)
1-وانظر:الطب من الكتاب والسنة،لموفق الدين البغدادي: (ص151-154)والمنهج السوي في الطب النبوي،للسيوطي : (ص345-347)والمنهل الروي في الطب النبوي،لابن طولون: (ص221-223)والحاوي في الطب: (21/3310-3318 )والقانون،لابن سينا: (2/587-590و3/1385)والطب النبوي والعلم الحديث: (3/237-242) .
214
وقال الإمام ابن العربي المالكي-رحمه الله-:
(لا يمتنع أن تكون ألبان الإبل وأبوالها:دواء في بعض الأحوال،لبعض الأمراض لبعض الأشخاص في بعض البلدان ) (1) .
وفي شرح السيوطي على سنن النسائي(1/161):
(قال ابن سيد الناس: ألبان الإبل وأبوالها تدخل في علاج بعض أنواع الاستسقاء، لا سيَّما إبل البادية التي ترعى الشيح والقيصوم ) (2) .
أقول:
وبالتتبع لبعض الكتب المؤلفة في صناعة الطب قديماً،وجدت:أنَّ بول الإبل نافع للأمراض الخبيثة،وكذلك فيه خاصيَّةُ منعِ انتشارها في الجسد (3) .
جاء في صحيفة (الجزيرة السعودية)العدد(10132)الأحد-ربيع الأول-1421
نقلاً عن كتاب(الإبل أسرار وإعجاز)ما يأتي:
(..أمَّا أبوال الإبل فقد أشار الكتاب:إلى أن لها استعمالات متعددة مفيدة للإنسان،دلت على ذلك النصوص النبوية الشريفة،وأكدها العلم الحديث،وقد أثبتت التجارب العلمية:بأن بول الإبل له تأثير قاتل للميكروبات المسببة لكثير من الأمراض.
___________________________
1-انظر:فيض القدير: (4/347) .
2-وانظر: فتح الباري: (1/341) وحياة الحيوان الكبرى،للدميري: (1/26)وعجائب المخلوقات،للقزويني: (2/246) .
3-انظر:الحاوي للرازي: (20/2966)والقانون: (2/446) والجامع لمفردات الأدوية،لابن البيطار: (2/147) والتذكرة،للأنطاكي: (1/88) .
215
ومن استعمالات أبوال الإبل: أن بعض النساء يستخدمنها في غسل شعورهن لإطالتها وإكسابها الشقرة واللمعان،كما إن بول الإبل:ناجع في علاج ورم الكبد،وبعض الأمراض مثل الدمامل والجروح التي تظهر في الجسم ووجع الأسنان وغسل العيون).(1/136)
وفي كتاب (الإبل)للأستاذ علي الحبردي،قال:
(العلاج بأبوال الإبل وألبانها: من المعروف أن لأبوال وألبان الإبل قدرة على شفاء عدد من الأمراض بإذن الله ..وفي الماضي قبل المطهرات كان أصحاب الإبل يغسلون الجروح والقروح بأبوال البكار من الإبل،إذا أحسوا بخمول في الجسم أو آلام في الأمعاء،فإنهم يشربون من أبوال وألبان الإبل،فيشفون من أمراضهم،ويتمضمضون بأبوال الإبل للقضاء على التهاب اللثة ووجع الأسنان، كما إنَّ أصحاب الإبل يغسلون رؤوسهم بأبوال الإبل،فينمو الشعر ويتكاثر، ويشفي من أمراض قشرة الرأس . وأصحاب الإبل يستعملون بولها ولبنها لعلاج العديد من الأمراض،كالزكام،وبولها مطهر للجروح،ولقتل بعض الحشرات وخاصة بول البكرة التي لم تلقح .
كما إأنهم يخلطون بول البكرة التي لم تلقح مع لبن البكرة البكر،ويسمى هذا الخليط المشقورة،فيشربونه كعلاج لأكثر من مرض،كما ورد في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - .ويقال:إنَّ في دماء الإبل قدرة على شفاء بعض الأمراض الخبيثة.
216
كما إنَّ لإفرازات جسم البعير قدرة على شفاء بعض الأمراض، مثل:الناقة الحمراء ذات الذروة السمراء والأنف الأسمر والكتف الأسمر،يقال: إنها تنفث
رائحة قوية من ذروة سنامها،وإن استنشاق هذه الرائحة تبري الزكام بإذن الله . كما إنَّ غسل العيون ببول البكر التي ترعى في الصحراء:يقضي على كثير من التهابات العيون.
ولعلاج القروح والجروح يخلط الصبر مع بول البكرة ويوضع على الحفا والجروح،فتشفى بإذن الله تعالي )(1) .
وفي مقالة في صحيفة( الاتحاد الإمارتية)العدد( 9515) بتاريخ 7/24/2001
((1/137)
تتناول دراسة الدكتور محمد مراد:الإبل في مجال الطب والصحة،حيث يشير إلى أنه في الماضي البعيد:استخدم العرب حليب الإبل في معالجة الكثير من الأمراض، ومنها:أوجاع البطن،وخاصة:المعدة والأمعاء،ومرض الاستسقاء وأمراض الكبد، وخاصة:اليرقان،وتليف الكبد،وأمراض الربو،وضيق التنفس،ومرض السكري، واستخدمته بعض القبائل لمعالجة الضعف الجنسي،حيث كان يتناوله الشخص عدة مرات قبل الزواج،إضافة إلى أن حليب الإبل يساعد على تنمية العظام عند الأطفال،ويقوي عضلة القلب بالذات،ولذلك تصبح قامة الرجل طويلة ومنكبه عريض وجسمه قوي،إذا شرب كميات كبيرة من الحليب في صغره .
_____________________
1-انظر:موقع(الوادي) على شبكة الإنترنت .
217
و يقال:إنَّ حليب الإبل يحمي اللثة ويقوي الأسنان،نظراً لاحتوائه على كمية كبيرة من فيتامين ج.ويساعد على ترميم خلايا الجسم،لأن نوعية البروتين فيه تساعد على تنشيط خلايا الجسم المختلفة،وبصورة عامة يحافظ حليب الإبل على الصحة العامة للإنسان.
وتشير النتائج الأولية للبحوث التي أجراها بعض الخبراء والعلماء :أنَّ تركيب الأحماض الأمينية في حليب الإبل تشبه في تركيبها هرمون الأنسولين،وأنَّ نسبة الدهن في لحوم الإبل قليلة وتتراوح بين 1,2 في المئة و2,8 في المئة،وتتميز دهون لحم الإبل بأنها فقيرة بالأحماض الأمينية المشبعة،ولهذا فإنَّ من مزايا لحوم الإبل أنها تقلل من الإصابة بأمراض القلب عند الإنسان ) .
وجاء في صحيفة(البيان الإمارتية) (الإثنين 16 من رجب 1420 الموافق 25 أكتوبر 1999 ) ما يلي:
(في دراسة علمية نشرت في القاهرة:أكد مجموعة من العلماء بقسم علوم الأغذية بكلية الزراعة بجامعة الفاتح بليبيا:( أنَّ ألبان الإبل هي الأفضل من حيث ثرائها بمكونات الغذاء،ومن حيث سلامتها تماماً.(1/138)
ركَّزَ العلماء في البداية في أبحاثهم على لبن الناقة،والمقارنة بين خواصه الحيوية وألبان الأبقار،بعد كارثة أمراض جنون البقر التي تتجدد بين فترة وأخرى،وفي أكثر من بلد أوروبي وغيرها من الأمراض التي يمكن أن تصيب الأغنام كذلك. بينما لم يسمع أحدٌ إصابةَ إنسان بأية أمراض من جراء تناوله ألبان النوق.
218
وفي هذه الدراسة العلمية والمعملية التي شارك فيها مجموعة من أساتذة كلية زراعة جامعة الفاتح،أثبت العلماء: أنَّ حليب الإبل يحتوي على كمية فائقة من فيتامين (ج) بما يعادل ثلاثة أمثال مثيله من ألبان الأبقار،في حين تصل نسبة (الكازين) إلى 70% من البروتين في ألبان الإبل،الأمر الذي يجعله سهل الهضم والامتصاص، مقارنة بحليب الأبقار الذي تصل النسبة فيه إلى 80%،وكشفت الدراسة أنَّ نسبة الدهون في حليب النوق،هي أقل منها في حليب الأبقار،كما إنها حبيبات أقل حجماً يسهل امتصاصها وهضمها.
فضلاً عن ذلك فإنَّ ألبان النوق:تحتوي على مواد تقاوم السموم والبكتريا،ونسبة كبيرة من الأجسام المناعية المقاومة للأمراض،خاصة للمولودين حديثاً.
ويمكن وصف حليب الإبل:لمرضى الربو،والسكري،والدرن،والتهاب الكبد الوبائي،وقرح الجهاز الهضمي،والسرطان.
لكن الدراسة العلمية كشفت عن مفاجأة أكبر،وهي:احتواء ألبان الإبل على نسبة عالية من المياه تتراوح بين 84% و91% وهي نسبة غير موجودة في أيِّ نوعٍ من الألبان الأخرى،وقد تجلت قدرةُ الله تعالى في دور هرمون (البرولاكتين) في عملية دفع المياه في ضرع الناقة لتزيد كمية المياه في اللبن،ولوحظ أن هذه العملية تتم في الإبل وقت اشتداد الحر الذي يحتاج فيه مولودها الرضيع لهذه الكمية من الماء،وكذلك الإنسان العابر معها في الصحراء إلى كميات متزايدة من المياه لِيُطفئ ظمأه .
219(1/139)
التجارب العلمية الليبية أثبتت أيضاً:أن حليب النوق يحتفظ بجودته وقوامه لمدة 12 يوماً في درجة حرارة (أم)،في حين أن حليب الأبقار يحتفظ بخواصه لمدة لا تزيد على يومين في نفس درجة الحرارة،وينصح أصحاب الدراسة بتناول كوب من لبن الإبل قبل النوم مع ملعقة من عسل النحل للتمتع بنوم هادئ وصحة جيدة.وصدق الله العظيم إذ يقول: { أفلا ينظرون إلى الإبلِ كيف خُلقت } ) *.
___________________
* فوائد: قال الله جلَّ وعلا: { وإنَّ لكم في الأنعامِ لعبرةً نسقيكمْ مما في بطونِه من بينِ فَرْثٍ ودمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشاربين } سورة النحل،آية:66.
وقال سبحانه ذاكراً لنا في كتابه الكريم أحدَ مُتعِ ونعيم أهل الجنة: { مثلُ الجنةِ التي وُعِدَ المتقونَ فيها أنهارٌ من ماءٍ غيرِ آسنٍ وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغيْر طعمُهُ } سورة محمد،آية: 15.
وصحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( من أطعمه الله طعاماً،فليقل: اللهم بارك لنا فيه،وارزقنا خيراً منه .ومن سقاه الله لبناً،فليقل:اللهم بارك لنا فيه،وزدنا منه،فإني لا أعلم شيئاً يُجزئ عن الطعام والشراب،إلا اللبن ) . انظر:السلسلة الصحيحة: (رقم:2320) .
وعنه - صلى الله عليه وسلم - : (إنَّ الله عزَّ وجل لم ينزل داء ، إلا وأنزل له شفاء،إلا الهرم،فعليكم بألبان البقر،فإنها ترمُّ من كلِّ الشجر ) السلسلة الصحيحة: (رقم:518) .(1/140)
وعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( عليكم بألبان البقر،فإنها تَرُمُّ من كلِّ الشجر،وهو شفاء من كلِّ داء ) انظر: السلسلة: (رقم1533و1943) .أثبت العلم الحديث ـ كما يقرر بحث للدكتور هشام الخطيب ـ:أن اللبن هو الوحيد من بين الأغذية الذي يحتوي فعلاً على جميع المواد الأساسية التي يحتاجها جسم الإنسان،واللبن يحتوي على سكر ومواد دهنية وأملاح معدنية وحديد وصوديوم وفيتامينات (أ) و(ب) و(ج)،وأنسب وقت لتناوله هو الصباح الباكر،ولا يصح =
220
وذكر صاحب كتاب(الهداية في درء مخاطر الجن والشياطين):
( أنَّه أُخبِرُ عن نفرٍ من البادية:عالجوا أربعة أشخاص مصابين بسرطان الدم،وقد أتوا ببعضهم من لندن مباشرة،بعد ما يأسوا من علاجهم،وفقد الأمل بالشفاء، وحكم على بعضهم نهاية بالموت،لأنه سرطان الدم،ولكن عناية الله وقدرته فوق تصور البشر،وفوق كل شيء،فجاءوا بهؤلاء النفر إلى بعض رعاة الإبل،وخصصوا لهم مكان في خيام،وأحموهم من الطعام لمدة أربعين يوماً،ثُمَّ كان طعامهم وعلاجهم:حليب الإبل مع شيء من بولها خاصة الناقة البكر،لأنها أنفع وأسرع للعلاج،وحليبها أقوى خاصة من رعت من الحمض،وغيره من النباتات البرية، وقد شفوا تماماً،وأصبح أحدهم كأنَّه في قمَّة الشباب،وذلك بفضل الله )(1) .
___________________
1-بواسطة موقع (لقط المرجان) .
=تناوله مع الأطعمة البروتينية القوية كالفول والحمص واللحوم والأسماك والدجاج،ويمكن تناوله مع البيض.
واللبن يحتوي على المواد التالية:
1 - المواد الدهنية،حيث يتركب دهن اللبن من مادة "الكسرايد" الموجودة في اللبن على شكل قطرات مستديرة،ولذا يفقد اللبن كثيراً من خواصه الغذائية عند نزع قشطته التي تحوي هذا الدهن.(1/141)
2 - المواد البروتينية،وهي على نوعين،الأول-الفسفور البروتيني "كازيونوجين"، والثاني -"لاكتوالبومين"،وهذان المكونان:يعطيان اللبن قيمة غذائية عالية جداً،وتمتاز المركبات البروتينية الموجودة في اللبن بأنها كاملة التكوين =
221
=3 - المعادن،وأهم المعادن الموجودة في اللبن الصوديوم والكالسيوم والمغناسيوم والبوتاسيوم .
4 -الفيتامينات، اللبن يحتوي على جميع الفيتامينات؛فهو يحتوي على فيتامين "أ" ، "ب" ، "ب2" ، "ب12" ،" ج" ، "د" ، "هـ"،وأكثرها على الخصوص فيتامين "أ"، "د" وهو فقير في فيتامين "ج"، ولهذا فإضافة عصير البرتقال إليه يعوض هذا النقص .
5 - المواد النشوية التي تولد طاقة ضرورية للإنسان تعينه على النشاط والحركة
،وقد عرف الإنسان اللبن الحليب وقيمته منذ آلاف السنين،وعلموا أنه أهم غذاء للأطفال وأسهله هضماً للشيوخ والمرضى.واللبن الحليب يقوي عظام الأطفال ويطيل قامتهم ويجدد الخلايا التالفة،ويمنع مرض الكساح عنهم، ويقوي أسنانهم بما يحتويه من مركبات الجير والفسفور بقدر وافر وبصورة سهلة الامتصاص،وهو مفيد للصدر والرئة.ويعتبر اللبن غذاء وعلاجاً لمرضى الكبد،حيث يتكون اللبن من مادة "اللاكتوز" التي تمنع امتصاص بعض المواد بالأمعاء التي قد تكون سبباً في حدوث الغيبوبة الكبدية،(1/142)
ومن المؤكد أن المواد البروتينية الموجودة في اللبن لا تتوافر في غيره،وقد ثبت أن الامتناع عن تناول المواد البروتينية لمدة عشرة أيام يؤدي إلى اضطراب ميزان بروتينات الدم،كما يفيد اللبن الأعصاب بصورة جيدة،وقد أدرك الرياضيون في شمال أوروبا أهميته فصاروا يتخذونه غذاءً أساسياً يعينهم على بناء أجسامهم بشكل مثالي.وقد يحل لبن الأبقار محل لبن الأم في حالة تعذر وجوده لتغذية الأطفال،مع التأكيد على عدم مقارنة اللبن الحيواني أيَّاً كان بلبن الأم كغذاء كامل للرضيع،ونقول فقط في حالات التعذر يمكن أخذ لبن الأبقار بعد استكمال النقص الموجود فيه،ويكون ذلك بإضافة عصير البرتقال إليه.
وقد أكد العلم الحديث:أن لبن البقر يغذي البدن ويخصبه،وأنه من أفضل الألبان وأكثرها اعتدالاً وفائدة للإنسان وللأطفال بشكل خاص.
ولبن الإبل:غني بالدسم،وهو مفيد جداً لمن يستسيغ طعمه،كما إنه ترياق من السموم.
انظر: .http://www.geocities.com/TIBNABAWI/new_page_7.htm
222
الطريقة الخامسة :
الطريقة الخامسة لعلاج من ابتُلي بداء السرطان،وهي من مجرَّباتنا(1)العملية،وقد انتفع بها عدد من الناس،والمنَّةُ والفضل في ذلك لله عزَّ وجلَّ،فإنَّه سبحانه على الحقيقة هو المعافي،والمزيل للأدواء والأمراض .
_____________________
1-بناءُ استمداد الطب بأمور منها :
أ- الوحي الإلهي،والوارد الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وكذلك ما صحَّ عن السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين .
ب- التجربة التي دلَّ عليها البحثُ العِلْمِي،والواقع العَمَلِي:
وأقصد بالتجربة:ما كان في غير الرقية الشرعية،أو في عموم أمور الشريعة،وذلك لأنَّ الرقيَّة من باب التوقيف الذي لا يصح أنْ يدخُلَهَا نوعٌ من الاجتهاد والتجربة.
والذي أقصده بالتجربة:ما جعله الله سبباً للشفاء من الأمراض،ويكون هذا السبب:إمَّا أعشاباً ..،أو عسلاً..،أو دواءً موصوفاً عند الأطباء والحكماء،أو غير ذلك ...(1/143)
أو يوافق الإنسانُ شيئاً يجدُ فيه الدواءَ لعلته بمحض المصادفة!-وكلُّ ذلك بأمر الله- .
وشرط التجربة: صحة النتائج،مع الإصابة مرةً بعد مرةٍ ؟! .
ج- الرُّؤى المنامية : ( انظر: كتاب الروح،للإمام ابن القيم ص192 ) .
كأن يبتلى الإنسان بعلة،فيرى في المنام:أنَّ دواءه كذا وكذا .
وشرط قبولها: أنْ لا تخالف أمورَ الشريعة إذا كان المرض من باب السحر،أو العين،أو المس .
وإنْ كان المرض من الطبيعيات،فكذلك لا بدَّ من موافقة الدواء للأدلة الشرعيَّة المبيحةِ لنوع هذا الدواء !! .
223
___________________
= ثمَّ إنَّ الرُّؤى والمنامات:لا تُجْعَل قاعدةً في التداوي،لما للشيطان في ذلك من التلاعب بكثير من الناس.فكم من إنسانٍ وقع في البدع،والخرافة،والشرك،والبلاء،وسبب ذلك:رؤيا رآها هو،أو غيره له !!.والشريعة جاءت بدرء المفاسد وتقليلها،وجلب المصالح وتكثيرها.
ومن القواعد المؤصلة عند أهل السنة والجماعة:قاعدة سد الذرائع،وهي مقررة لمنع كلِّ وسيلة،أو سبب يؤدي إلى مخالفة الشريعة،أو إدخال المحدثات والبدع في دين الإسلام .
ثمَّ إنَّ الرؤيا الصالحة في الغالب تكون مفيدة لصاحبها،وليس متعدية إلى غيره .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله تعالى-في مجموع الفتاوى(27/457-458):
(فأمَّا المنامات:فكثير منها،بل أكثرها كذب،وقد عرفنا في زماننا بمصر والشام والعراق من يدعى أنه رأى منامات تتعلق ببعض البقاع أنه قبر نبي،أو أن فيه أثر نبي،ونحو ذلك،ويكون كاذباً،وهذا الشيء منتشر،فرائي المنام غالباً ما يكون كاذباً،وبتقدير صدقه،فقد يكون الذي أخبره بذلك شيطان،والرؤيا المحضة التي لا دليلَ يدلُّ على صحتها لا يجوز أن يثبت بها شيء بالاتفاق.فإنَّه قد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: ( الرؤيا ثلاثة:رؤيا من الله،ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه،ورؤيا من الشيطان ) .(1/144)
فإذا كان جنس الرؤيا تحته أنواع ثلاثة فلابد من تمييز كل نوع منها عن نوع ).
وقال أيضاً(19/7) : (فما يروى عن الأوائل من المتفلسفة ونحوهم،وما يلقى في قلوب المسلمين يقظة ومناماً،وما دلت عليه الأقيسة الأصلية أو الفرعية،وما قاله الأكابر من هذه الملة علمائها وأمرائها،فهذا التقليد والقياس والإلهام فيه الحق والباطل،لا يرد كله،ولا يقبل كله،وأضعفه ما كان منقولاً عمن ليس قوله حجة بإسناد ضعيف،مثل المأثور عن الأوائل،بخلاف المأثور عن بعض أمتنا مما صح نقله،فإنَّ هذا نقله صحيح،ولكن القائل قد يخطئ وقد يصيب،ومن التقليد:تقليد أفعال بعض الناس،وهو الحكايات. =
224
وكيفيَّتُها بما يأتي ذكره:
1-على الابتداء:يُحَضِّرُ المريض هذه الأعشاب :
شَبَّةٌ بيضاء -دم الأخوين- مر-مرتك-حبة سوداء-صمغ عربي-سندروس-صبر-عود القسط-بنفسج- شمع عسل-كحل إثمد-ورق حرمل -ورق سدر-.
من كلِّ نوعٍ 10 جرامات .
-يطحن جميع المذكور،ثم يخلط بربع لتر من زيت الزيتون،وربع لتر من زيت السمسم ،وثلاث ملاعق من سمن البقر(1) ،ثم يوضع على نارٍ هادئة مدة انعقاده،ثم يوضع في قارورة خاصة به .
ـــــــــــــــ
=ثم هذه الأمور لا ترد رداً مطلقاً لما فيها من حق موافق،ولا تقبل قبولاً مطلقاً لما فيها من الباطل،بل يقبل منها ما وافق الحق،ويرد منها ما كان باطلاً ) .
هـ- القياس :
والمراد به: قياس دواء على دواء للعلل الجامعة بينهما في الطعم،والريح،واللون، والنفع .
ويحتاجُ في ذلك للخبرة التامة بأحوال الأعشاب المفردة،والمركبة،وغيرها ممَّا يصْدُقُ عليه وصف أنَّه دواء .
1-ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (عليكم بألبان البقر؛فإنها شفاء،وسمنها دواء، ولحمها داءٌ)صحيح الجامع: (رقم: 4061) .
225
2-تحضر كمية من الماء كافية للاغتسال والشرب مدة شهر .
3-كيلوين من عسل النحل الصافي(يفضل أن يكون من عسل السدر) .
ويضاف إليه الآتي:(1/145)
-ثلاثة ملاعق من طحين الحبة السوداء .
-ثلاثة ملاعق من المر بعد الطحن .
-ملعقتين من غذاء الملكة .
-ملعقة من الصبر بعد الطحن.
-ملعقة من الثوم(1)بعد الطحن .
يخلط الجميع مع العسل،ثمَّ تُقرأ الرقية الشرعيَّة على ما تقدم ذِكْرُه .
_____________________
1-من الأبحاث الحديثة:وجد أنَّ الثوم مفيد في علاج السرطان،وكذلك منعه قبل وجوده .
ورد في مجلة(طبب نفسك)في العدد:99يوليو. بحث يقول:
(أصبح تحديد العلاقة بين الثوم،والأورام السرطانية من الموضوعات التي يهتم بها كثير من الباحثين..ففي جامعة(هارفارد)الأمريكية:توصل أحد الأطباء إلى أن الأورام السرطانية لا تنمو إلا في وجود مادة تسمَّى: (أحادي فوسفات الجوانزين الدائري) وقد وجد أيضاً:أن خلاصة بعض النباتات تمنع تكون هذه المادة في أنبوب الاختبار،ومن هذه النباتات:القرنبيط،والخيار،والقثاء،والبصل،ولكن وجدوا أن أكثر الخلاصات عرقلة لهذه المادة توجد في الثوم.انظر:أسرار العلاج بالبصل والثوم(ص78)للدكتور:محمد كمال عبد العزيز .
226
طريقة الاستعمال :
-يدهن مكان الورم بالخليط المكون من الأعشاب والزيوت:صباحاً ومساءً-إن كان في أماكن محددة-فإنْ كان منتشراً،كسرطان الدم،أو العظام؛فالدهن يكون في جميع الجسم لإصابة الداء حيثُ كان !! .
-يشرب من الماء صباحاً على الريق،وبعد كلِّ وجبةِ طعامٍ ظهراً وليلاً .
-يغتسل بالماء كلَّ يومٍ .
-يأخذ ملعقة من العسل بما خلط فيه:
ملعقة صباحاً على الريق قبل الشرب من الماء،وبعد كلِّ وجبة طعامٍ ظهراً وليلاً.
-المحافظة على قراءة الرقية يوميَّاً،مع المحافظة على أذكار الصباح والمساء،وبعد كلِّ صلاة،وأذكار المرض،والإكثار من الاستغفار،والصدقة(1)وقيام الليل .
ويستمرُّ على العلاج مدةَ ثلاثة أشهر،فيبرأ من مرضه،بإذن الله سبحانه جلَّ في علاه .
____________________(1/146)
1- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (داووا مرضاكم بالصدقة )صحيح الترغيب: (1/458)
وعن أمِّ سلمة-رضي الله عنها-قالت:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
( صنائع المعروف تقي مصارع السوء،والصدقةُ خفيَّاً تُطفئ غضب الرب،وصلة الرحم تزيد في العمر،وكل معروف صدقة،وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة )صحيح الترغيب: (1/532) . =
227
فصلٌ:
وأمَّا فائدةُ الحجامة في علاج السرطان،ومواضعها في الجسد،فقد تَقدَّم تفصيلُ ذلك سابقاً عند الحديثِ عن علاج الطاعون بالحجامة،وأضيف هنا من بابِ التكميل،فأقول:
أثبتت بعضُ الأبحاث المعاصرة:أنَّ الحجامة مفيدة في علاج السرطان،وسيأتي ذكرُ ذلك لاحقاً-بمشيئة الله-.
وأمَّا عنْدَ المتقدمين،فيرون:أنَّ أهم مَا يُبتدأ به عندَ علاج السرطان هو الحجامة،أو الفصد،استفراغاً للمواد الرديئة من الجسد (1).
ومواضع الحجامة في جسد من ابتلي بمرض السرطان:تكون على الموضع الذي وجِدَ فيه إنْ كان الموضع صالحاً للحجامة عليه!!،وإلاّ فما قَرُبَ منه،فإن تَعَذَّرَ ذلك،فأفضلُ المواضع على الإطلاق:الحجامة على الأخدعين والكاهل،وأسفل الظهر في جانبيه .
___________________
=قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-في الوابل الصيب (ص49-50):
(فإنَّ للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء،ولو كانت من فاجر،أو من ظالم ،بل من كافر،فإنَّ الله تعالى يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء،وهذا أمرٌ معلوم عنْدَ الناس خاصتهم وعامتهم،وأهل الأرض كلهم مُقرُّون به لأنهم جرَّبوه ) وانظر:بدائع الفوائد: (2/467) .
1-انظر: الحاوي: (4/1863-1872) والقانون: (4/ 1945)والتذكرة: (2/12)وبغية المحتاج: (ص331 )والنزهة المبهجة: (2/125)جميعها لداود الأنطاكي .
228
فصل:
تقدَّمَ-سابقاً-أنَّ الجنيَّ إذا دخل جسدَ الإنسيِّ يوجد تأثيراً فيه على ثلاثة أقسام:
1-الاستفادة من مرضٍ عضويٍّ .
2-إنشاء مرضٍ عضويٍّ .(1/147)
3-تسلط الجان على أماكن محددة في جسد الإنسي من أجلِ تحقيق مراد الجنيِّ أو الساحر.
وقد تقدم الحديث عن القسمين الأوَّلَينِ.والحديث هنا عن القسم الثالث،فأقول:
هذا القسم يختلف عن القسمين الأوَّلين بِفَارقِ: أنَّ المرضَ لا يكون مُفسَّراً طبيَّاً،أو بتعبير آخر:لا يكون ظاهراً عند الفحص الطبي،بل تشير النتائج إلى سلامة ذلك الإنسان من العلَّة ذاتها،مثالُ ذلك:
إذا أُصِيبَ الإنسانُ بشللٍ في رجله،يُذهب به عندَ ذلك إلى الطبيب لعلاجه،وعندَ فحصه لا يَرى الطبيبُ سبباً ظاهراً لتلك العلة،بل تكون النتائج:أن العضوَ سليمٌ من أيِّ علَّة مَرضيَّة.
فهذا القسم:ليس فيه استفادة الجان لعلة مرضية،أو إنشاؤه مرضاً عضوياً ظاهراً في جسد الإنسي.
وفعلُ الجنيِّ لذلك: أنَّه إذا دخل جسد الإنسي يطلبُ منه فعلَ شيءٍ مُعيَّنٍ،فلا يوافقه الإنسيُّ.وطلبه ذلك قد يكون من عِنْدِ نَفْسِ الجنيِّ،إذا كان المسُّ بسبب العشق والهوى،أو بسب الأذى والانتقام...
أو يكون الطلب من الساحر للجني أن يفعل بالإنسي:كذا وكذا،للوصول إلى المراد ؟! .
229
فعند ذلك يقوم الجنيِّ بأساليب كثيرة للضغط على الإنسي حتى يوافق الجنيَّ على ما أراد .
ومن أساليبه:
التأثير على أماكن في جسد الإنسي:كالصداع في الرأس،أو الضيق في الصدر والنَفَسِ،أو إحداث شللٍ في اليدين،أو الرجلين،أو الصَّرْع ... وغير ذلك من التأثيرات التي لا تكون مُفسَّرةً طبيَّاً .
فالضابط في هذا القسم:
أ -سلامة الجسد طبيَّاً من العلَّة،أو العلل المرضية.
ب -عدم النفع والاستفادة من الأدوية المعطاة للمريض (1).
________________
1-فائدة:عدم الاستفادة من الأدوية المعطاة للمريض في كثير من العلل،قد يدل ذلك على أنَّ المرضَ المصابَ به ذلك الإنسان يكون بسب العين.
عن جابر-رضي الله عنه-قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (أكثر من يموت من أمَّتي بعدَ قضاء الله وقدره بالعين ) السلسلة الصحيحة: (رقم:747) .(1/148)
فلا مانع شرعاً من استعمال الرقية الشرعية لمن أُصِيبَ بمرض لا يستجيب للأدوية الطبيعية،وتقدَّم معنا:أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين العلاج الطبيعي والعلاج الإلهي .
230
وعلاج هذا القسم بما سَيُذكر:
1-التوبة والنَّدَمُ على ما فرَّط في الأيَّام الخالية .
2-الرقية الشرعيَّة مع المحافظة على الأذكار...
3-المحافظة على قيام الليل مع الإكثار من الاستغفار(1)،والصدقة،وفعل الخيرات.
__________________
1-قال الإمام ابن القيم-رحمه الله- في زاد المعاد(4/208-209):
(وأمَّا تأثير الاستغفار في دفع الهم والغم والضيق،فَلِمَا اشترك في العلم به أهل الملل وعقلاء كل أمة:أنَّ المعاصي والفساد توجب الهم والغم،والخوف والحزن،وضيق الصدر وأمراض القلب.حتى أن أهلها إذا قضوا منها أوطارهم وسئمتها نفوسهم: ارتكبوها دفعاً لما يجدونه في صدورهم من الضيق والهم والغم.كما قال شيخ الفسوق(1):
وكَأْسٍ شَرِبْتُ على لَذَّةٍ وأُخْرَى تَداوَيْتُ مِنْهَا بِهَا
وإذا كان هذا تأثير الذنوب والآثام في القلوب:فلا دواء لها إلا التوبة والاستغفار. وأما الصلاة فشأنها في تفريح القلب وتقويته،وشرحه وابتهاجه ولذته؛أكبر شأن. وفيها من اتصال القلب،والروح بالله وقربه والتنعُّم بذكره،والابتهاج بمناجاته، والوقوف بين يديه،واستعمال جميع البدن وقُواه وآلاته في عبوديته،وإعطاء كل عضو حظَّه منها؛واشتغاله عن التعلق بالخلق وملابستهم ومحاوراتهم،وانجذاب قوى قلبه وجوارحه إلى ربه وفاطره؛وراحته من عدوه حالة الصلاة،ما صارت به من أكبر الأدوية =
__________________
1-قائل ذلك الأعشى.واقتدى به أبو نواس في قوله:
دع عنكَ لومي فإنَّ اللومَ إغراءُ وداوني بالتي كانتْ هي الداءُ
وقال آخر:
تداويتُ من ليلى بليلى من الهوى كما يتداوى شاربُ الخمرِ بالخمرِ
231
4-الاغتسال بالماء الذي قرأت عليه الرقية المشروعة،وكذلك دهن الجسد بزيت الزيتون المقروء عليه (1) .(1/149)
5-سماع أشرطة القرآن المسجلة،والمحاضرات العلمية والإيمانية،ولا يغني سماع أشرطة القرآن عن قراءة القرآن!!،بل لابد من القراءة مباشرة من المصحف،أو عن ظهر قلبٍ إنْ كانَ حافظاً لما يقرأ .
____________________
=والمفرِّحَات،والأغذيةِ التي لا تلائم إلا القلوبَ الصحيحة.وأمَّا القلوب العليلة،فهي كالأبدان العليلة:لا تناسبها إلا الأغذية الفاضلة.
فالصلاة من أكبر العون على تحصيل مصالح الدنيا والآخرة،ودفع مفاسد الدنيا والآخرة؛وهي مَنْهَاة عن الإثم،ودافعة لأدواء القلوب،ومطردة للداء عن الجسد، ومنَوِّرة للقلب،ومبيضة للوجه،ومنشِّطة للجوارح والنفس،وجالبة للرزق ودافعة للظلم،وناصرة للمظلوم،وقامعة لأخلاط الشهوات،وحافظةٌ للنعمة،ودافعة للنقمة،ومنزلة للرحمة،وكاشفة للغمة،ونافعة من كثير من أوجاع البطن ) .
1-شجرة الزيتون شجرة مباركة وثمرها مبارك،جاء ذكرها في عدة مواضع من القرآن الكريم:
قال جلَّ وعلا: { يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار } سورة النور،آية:35.
وقال تعالى: { والتين والزيتون وطور سينين } سورة التين،آية: 1-2.
وقال سبحانه: { فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً * وزيتوناً ونخلاًً * وحدائق غلباً * وفاكهةً وأباً * متاعاً لكم ولأنعامكم } سورة عبس،الآيات: 27 - 32 . =
232
6-الأكل من العسل الذي خلطة فيه الحبة السوداء،مع قراءة الرقية المشروعة عليه(1).
_________________
=وقال تعالى: { وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين } سورة المؤمنون،آية : 20 .
وقال تعالى: { وهو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب.. } سورة النحل، الآية: 10 ـ 11 .
وأخرج الترمذي وابن ماجة من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - عن النبي، - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال:
(كلوا الزيت،وادهنوا به،فإنه من شجرة مباركة ) .(1/150)
وعند ابن ماجة والبيهقي والحاكم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ائتدموا بالزيت،وادهنوا به،فإنه من شجرة مباركة ) .
ولزيت الزيتون فوائد عديدة،تُنظر: في كتب الطب قديماً،ومن الكتب المعاصرة:كتاب(أسرار العلاج بزيت الزيتون)للدكتورة/وفاء عبد العزيز بدوي.وكتاب(الأسرار الخفية،والأنوار البهية للزيتون في القرآن والسنة)للأستاذ/إبراهيم كمال أدهم .
1-قال الله جلَّ وعلا في كتابه الكريم: { وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون*ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لأيةً لقوم يتفكرون }
سورة النحل،الآيتان:67-68 . =
233
____________________
=وأخرج البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :
سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : (( إنْ كان في شيءٍ من أدويتكم خيرٌ،ففي شَرطةِ محجمٍ،أو شربةِ عسلٍ، أو لذعةٍ بنارٍ تُوافقُ الداءَ،وما أحب أنْ أكتوي )) .
وأخرج البخاري في الصحيح، وابن ماجة في السنن، وأحمد في المسند عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( الشِّفاءُ في ثلاثةٍ : شربةِ عسلٍ ، وشَرْطةِ محجمٍ ، وكيَّةِ نارٍ، وأنهى أمتي عن الكيِّ )) .
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله- في زاد المعاد(4/34):
والعسل:( ..هو غذاء مع الأغذية،ودواءٌ مع الأدوية،وشراب مع الأشربة،وحلو مع الحلوى،وطلاء مع الأطلية،ومفرِّحٌ مع المفرِّحات،فما خلق لنا شيء في معناه: أفضل منه،ولا مثله،ولا قريب منه،ولم يكن معوَّلُ القدماء إلا عليه...) .
((1/151)
أصاب العالم البكتريولوجي (جساكيت) الباحث بكلية (كلورادو) الزراعية:همٌّ كبيرٌ بعد أن لاحظ بالتجربة أن أغلب الأغذية الطبيعية،وفي مقدمتها الحليب؛تنقل الأمراض الجرثومية نتيجة لتلوثها،وجاء دور العسل ليدخل تحت التجارب المعملية الدقيقة، فقام (جساكيت)بزرع جراثيم مختلف الأمراض في مزارع من العسل الصافي ولبث ينتظر، وكانت النتيجة المذهلة التي حصل عليها مفاجأة للجميع، فقد ماتت أغلب هذه الجراثيم في عدة ساعات، في حين مات أكثرها مقاومة في مدة أقصاها عدة أيام، فماتت جراثيم (التيفوئيد) بعد 48 ساعة، وجراثيم "البارتيفوئيد" بعد 24 ساعة، وماتت جراثيم الالتهاب الرئوي في اليوم الرابع من تناول العسل
وقد أعاد الدكتور ( لوكهيد) الذي يعمل في قسم الخمائر في جامعة (أوتاوا) نفس تجارب (جساكيت) تحت ظروف أخرى فأكد صحة نتائجه، وأثبت بما لا يدع مجالا لأي شك أن الجراثيم التي تسبب الأمراض للإنسان تموت بفعل عسل النحل النقي ). =
234
_____________________
=(أكد أحد كبار الجراحين الإنجليز في مستشفى (تور فولك) بإنجلترا:أنه أثناء عمله الجراحي تأكد أن عسل النحل يساعد على نمو الأنسجة من جديد، ويساعد على سرعة الالتئام وإزالة أثارها،فلاتترك أيَّ أثر أو تشوه.
ويقول الدكتور (عبد العزيز إسماعيل): إن عسل النحل هو سلاح الطبيب في أغلب الأمراض، ومع تقدم الطب،فإن دوره يزداد اتساعاً عكس ما يظن الناس، فهو الآن يعطى بالفم وتحت الجلد وفي الوريد وبالحقن الشرجية،ويعطى ضد التسمم الناشئ من أمراض عضوية في الجسم،مثل التسمم البولي الناتج من أمراض الكبد والمعدة والأمعاء،وفي الحميات والحصبة،وحالات الذبحة الصدرية، وفي احتقان المخ والأورام المخية،وغير ذلك من الأمراض.(1/152)
إن كافة الأبحاث الحديثة تجريبية كانت أو علاجية :أجمعت على اعتبار عسل النحل من أهم الأغذية فاعلية في علاج الأنواع المختلفة من الأمراض،وأن فيه شفاء للناس، كما ذكر كتاب الله الكريم منذ أكثر من 1400 سنة ، وسنذكر فيما يلي مجموعة من تلك الأمراض وطريقة علاجها باستخدام عسل النحل :
- فقر الدم والكساح عند الأطفال الرضع: ينصح الأطباء بإعطاء الطفل ملعقة عسل نحل يومياً
ابتداء من الشهر الرابع لميلاده، وذلك بخلطه باللبن الحليب، وذلك لمقاومة احتمال نقص الحديد والكالسيوم في لبن الأم .
- علاج التبول اللاإرادى في الفراش:إن إعطاء الطفل المصاب بهذا المرض -الذي غالباً ما يكون لسبب نفسي أو عصبي-:ملعقة صغيرة من العسل قبل النوم مباشرة يؤثر إيجابياً عليه كمهدئ لجهازه العصبي، مما يساعد المثانة على الارتخاء والتمدد أثناء نومه،كما إنَّ كمية السكر المركزة في العسل تمتص الماء من جسم الطفل . =
235
= -علاج الجروح المتقيحة والحروق:يستعمل الأطباء الروس والصينيون مرهما مركباً من العسل وزيت كبد الحوت بنسبة (4/ 1) ويضاف إليه بعض المواد المطهرة، ولهذا المرهم آثار سريعة في تخفيف آلام الجروح والتئامها وفي منع التقيح، وهو مفيد جداً في الحروق ويحول دون ظهور الفقاقيع .
- علاج قرحة المعدة والإثنى عشر: لأنَّ العسل مادة قلوية فإنه يقلل حموضة المعدة ويزيل آلام القرحة، ويقلل حالات القيء والمغص الناجمة عن القرحة، ولكي يكون العلاج ناجحاً يؤخذ العسل قبل الأكل بساعة أو ساعتين مذاباً في ماء دافئ .
- علاج حالات البرد والزكام والتهاب الحلق: يستنشق العسل بعد عمل محلول مكون من 10 % من العسل في الماء، ويرش المحلول برشاش خاص،أو يستنشق لمدة 5 دقائق لعلاج الزكام والتهاب الحلق والكحة، ومن الأفضل أن يتبع ذلك مضغ قطعة من العسل الطبيعي لأقراص العسل، ويساعد هذا العلاج أيضاً على شفاء الجيوب الأنفية ،وإزالة حساسية الأنف(1/153)
- علاج لحالات التهاب الكبد المزمن:فالعسل يزيد من مخزون الكبد من مادة "الجليكوجين" عن طريق زيادة الجلوكوز في الدم، وبذلك يساعد الكبد على أداء وظائفها،ويخفف من أعبائها.
- شفاء لالتهابات العيون:وذلك بعمل مرهم من العسل والسلفا
(بنسبة 3 % من السلفا)،ودهن العين المصابة عدة مرات في اليوم.
علاج للأرق ومهدئ للأعصاب:لأنه يحتوي على بعض العناصر المهدئة والمقوية بنسبة مقبولة، مثل: أملاح البوتاسيوم والصوديوم، وإذا أخذت من العسل ملعقة كبيرة قبل النوم فسوف تنام نوماً هادئاً لا تتخلله أحلام مزعجة أو قلق . =
236
= - علاج للتسمم الكحولي:والعسل من الأغذية الرئيسية في مستشفيات ومصحات مدمني الخمر في أوروبا،وذلك لأنه ينقي الكبد من التسمم الكحولي، كما إنَّ سكر "الفركتوز" ومجموعة فيتامين (ب) في العسل تؤكسد بقايا الكحول الموجودة في الجسم.
ـ-علاج للسعال: وذلك بغلي ليمونة كاملة في ماء حتى يلين جلدها،ثم تعصر في كوب مع إضافة ملعقة كبيرة من عسل النحل، وبعد تقليب المزيج جيدا يؤخذ منه ملعقة كبيرة 5 مرات في اليوم، وسوف يشفي بإذن الله كل أنواع السعال،وخصوصا: عند الأطفال، وهو أفضل من كل الأدوية الكيماوية الموجودة في السوق لهذا الغرض .
- العسل في مستحضرات تجميل البشرة: يعتبر المخلوط المكون من العسل والليمون من أفضل الوصفات الطبية القديمة في علاج تشقق الجلد وخشونته، وجروح الشفة والتهاباتها، وعلاج ضربة الشمس والبقع الجلدية.وتوجد الكثير من المراهم والكريمات لعلاج البشرة يدخل العسل كعنصر أساسي في تركيبها.
- علاج لتشنجات العضلات: يعالج العسل تشنجات العضلات الناجمة عن أيِّ مجهود رياضي، أو التقلصات في عضلات الوجه والجفون، وهي تزول مع أكل ملعقة كبيرة من العسل بعد كل وجبة لمدة 3 أيام .(1/154)
انظر:الطب النبوي والعلم الحديث،للدكتور النسيمي(3/56إلخ )والطب النبوي في ضوء العلم الحديث،للدكتور غياث بن حسن(1/199-211)وروائع الطب الإسلامي،للدكتور محمد الدقر (1/188-217)و: .http://www.geocities.com/TIBNABAWI/new_page_7.htm
أمَّا الحبة السوداء،فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:قال رسول - صلى الله عليه وسلم - :(في الحبة السوداء شفاءٌ من كلِّ داء إلاّ السام ) .
والسام:الموت.ورواه غيره من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين .
237
7- الاحتجام على الموضع المصاب،فإنَّه غَايةٌ في درء العلَّة المرضية إنْ كانت من فعل الجن.
بضابط:إنْ كان الموضع صالحاً للاحتجام عليه،وإلاّ فعليك:بالحجامة على الأخدعين والكاهل،وأسفل الظهر في جانبيه.
وبالنسبة للصداع،وضيق الصدر،وشلل اليدين،والصَّرْع فأفضل المواضع:
الحجامة على الأخدعين والكاهل.
أمَّا شلل القدمين:فوسط الظهر من أسفل،وعلى جانبيه،مع الحجامة على الأخدعين والكاهل.
والله المعافي،ولا شفاء إلاّ شفاؤه .
- - -
238
فصلٌ:
أختم ما تقدم ذكره مما يتعلق بتسلط الجانِّ على الإنسان:بمجموعة
( نصائح حسان لمن أُصِيبَ بمسٍّ من الجان )، عسى الله أن ينفع بها من اطلع عليها من المسلمين،والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
أقول:
مسُ الجانِّ للإنسانِ نوعٌ من أنواعِ ابتلاءِ الله للإنسانِ في هذه الدنيا؛فَمَن أُصِيبَ بمثل هذا النوع من البلاء،فعليه أنْ يَلْتَزِمَ بأمورٍ:
1-التسليمُ بقضاء الله وقدره،وعدمِ الاعتراضِ على ذلك بنوعِ كلامٍ يجري على اللسان.
2-الصبرُ والثباتُ:يا من ابتليتَ بمسِّ الجانِّ:اعلمْ أنَّ النَّصر مع الصبرِ،وأنَّ مع العسرِ يسراً،ولابدَّ من فرجٍ بمشيئة الله،واعلمْ أنَّ هناك نوعاً من المسِّ يطولُ علاجُه:كمس العشق،أو السحرِ،فلابد من الصبر،والواقعُ العمليُّ يؤكدُ أنَّ من صبرَ نالَ نصراً-بإذن الله-.(1/155)
3-التوبةُ والإنابةُ:وذلك بالإقلاعِ عن المعاصي والآثام من سماع غِناءٍ،أو أكل رباً،أو شرب خمرٍ،أو نظرٍ إلى تلفزةٍ فاسدة، أو تبرجٍ مشين بالنسبة للمرأة المسلمة،وغير ذلك من المعاصي والآثام .
4-على المرأة المسلمةِ أنْ تحافظَ على حجابها ودينها،وتبتعد عن كلِّ ما يقوي وجود الجان فيها.وضَابِطُه:كل ما خالفَ شريعةَ الإسلام؟!. وعِنْد علاجها يجب أن تكون متحجبةً الحجابَ الشرعي،غيرَ متعطرةٍ أو متلبسة بمعصية،مع وجود أحد محارمها.
239
5-الرقيةُ الشَرْعيَّةُ هي:القراءةُ القرآنيَّةُ الْمُجْمَلَةُ بعمومِ نصوصِ القرآنِ،أو الْمُفصَّلَةُ بالآياتِ والسورِ الواردِ فضلُها في السنةِ النبويةِ،وما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأدعيةِ والأذكارِ،والسلفِ الصالحِ .
6-البراءةُ مِن الحولِ والقوةِ،وتفويضهما لمن هما بيده،وأن الشفاء بيد الله.والأصلُ في الرقية هو المقروء وهو:-كلام الله عزَّ وجل-وليس القارئ،والمقروء سبب والعافية بيد الله،فلا ينبغي أن يتعلَّق قلبُ المريض بالأشخاص؟!نعم الصلاح له أثرٌ لكنَّه سببٌ والشفاءُ من عند الله.
7-طلبُ العلمِ الشرعيِّ :لمعرفة دينه وعقيدته،ومداخل الشيطان،وكيف يتسلط الجان والشياطين على بني آدم،والوقاية من ذلك؛فإن لم يتيسر له ذلك، عليه بسؤال أهل العلم في أمورِ دينه ودنياه.
8-المحافظةُ على الصلاةِ في جماعةِ المسلمين،وذلك بالنسبة للرجال.وعلى الرجال والنساء الإكثار من فعل النوافل: من صلاة وصيام ،وغير ذلك.
9-المحافظةُ على الوضوءِ قَدْرَ الاستطاعة.
10-إخراجُ كلِّ ما يُغْضِبُ الله ،ويخالفُ شرعه من بيت المسلم : من صورٍ وتماثيلَ وكلابٍ.فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال:( لا تدخلُ الملائكةُ بيتاً فيه تماثيلُ أو صورةٌ أو كلبٌ ).
11-المحافظةُ على أذكارِ الصباحِ والمساءِ،والنوم،وعند دخول الحمَّام ،والجماع،والأكل،وخلع الملابس والغضب،والاكتئاب وغير ذلك.
240(1/156)
12-الإكثارُ من الاستعاذةِ بالله عزَّ وجل من الشياطين،والإكثار من قراءة آية الكرسي وسورة البقرة،والمعوذتين،ومن قول: ( لا إله إلاَّ الله وحْدَهُ لا شريك له،له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِ شئٍ قدير ).
13-الإكثارُ من الاستغفارِ، فإنَّ له أثراً بليغاً في رفع البلاء ، ومن لازمَه جعل الله له من كل همٍّ فرجاً ، ومن كل ضيقٍ مخرجاً ، كما وردفي عموم الشريعة!. 14-يجبُ على المريضِ أنْ يتوجَّه إلى الله بالدعاء،وهو من أقوى الأسبابِ في دفع المكروه ورفع البلاء ، متحرياً أوقات الإجابة مبتعداً عن كل ما يمنع إجابة الدعاء،غيرَ مستعجلٍ الإجابة.
15-على المريضِ أنْ يستخدمَ الوسائلَ المشروعةَ والتي تساعده في العلاج مثل: الشرب من الماء المقروء عليه،وكذلك دهن جسمه ، ومواضع الألم بزيتٍ مقروءٍ عليه أجاز ذلك جمعٌ من أئمة الدين،ومن المعاصرين الإمام ابنُ بازٍ وشيخُ الأصولِ والفقِه ابنُ عُثيمين. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
16-على المبتلى بمس الجانِّ أنْ لاينامَ وحْدَه،ولا يطيل البقاء في دورات المياه، لأنه علم بالاستقراء لكثيرٍ من الحالات أنَّ ذلك من فعل الجان لإرادةٍ يريدها الخبيثُ بفعله ذلك ؟!.
17-على المعالجِ،والزوجِ،والأهلِ-عموماً-أنْ لا يُؤاخِذوا المبتلى بهذا المسِّ،وما يفعله من تصرفات غريبة مادامت دون إرادته،فهو مريض-وليس على المريض حرج -فلا يؤنب بل الواجبُ النصرةُ لهذا المظلومِ من ظالمه،وهذا الإنسان هو ضحيةُ مسٍّ لا ذنب له فيه.
241
18-لا يُصدَّقُ الجنيُّ فيما ينطقُ به على لسان المريض:لأنه عُلِمَ بالغالبِ أنَّ الجنَّ يكذبون،ولهذا كان من المقرر عند أئمتنا الكرام: أن الأصل في الشيطان الكذب؟!.
19-الإكثار من الصدقةِ على الفقراءِ والمحتاجينَ فإنَّ لها تأثيراً قوياً في رفعِ البلاءِ والشدةِ عن المهمومين والمكروبين،وقد دلَّ على ذلك الشرع المبين.(1/157)
20-العداوةُ بينَ الشيطانِ والإنسانِ قَديمةٌ قِدمَ وجودِ الإنسانِ،وقد يُبتلى الممسوسُ بنوعِ وسوسةٍ في خالقه،أو صلاته وعبادته،ودفع ذلك:بالاستعاذة،وقراءة آية الكرسي،وسورة الإخلاص،والانتهاء وصرف النفس عن التمادي في هذه الوسوسة.
21-صحبةُ الصالحين،ومجالسةُ الأخيارِ،والمرء على دين خليله،وطبائع الأخلاق متعدية،والمخالطة مؤثرةٌ ،ومن أعظم مكر الجان:أن يُجْلِسَ صاحبَه مع أهل السوء،فيتأثر بطباع أخلاقهم الفاسدة .
- - -
242
فوائد الحجامة على سبيلِ العموم :
كان الحديث سابقاً:عن فوائد الحجامة تفصيلاً لبعض الأمراض المذكورة،وما سيُذكرُ هنا من الفوائد،إنَّما هو من باب التكميل،وعلى سبيل العموم.والمذكور:استمداده من كتابات متنوعة منقولة من الصحف،والمجلات ،ومواقع متنوعة على شبكة الإنترنت .
فريق طبي بريطاني أوفدته العائلة المالكة لدراسة الحجامة في سوريا:
(أذهل النجاح الذي حققه الأطباء السوريون في عمليات الحجامة الأوساطَ الطبية الغربية،الأمر الذي جعل الأطباء يتوافدون إلى دمشق لدراسة هذه الطريقة.وقالت إذاعة الـ B. B. C البريطانية:إنَّ السوريِّن تعودوا الذهاب إلى لندن بحثاً عن سبيلٍ لمعالجة أمراض يئسوا من شفائها،وإجراء الفحوصات الطبية ،والعمليات الجراحية المعقدة،وهذا أمر طبيعي حيث الطب متقدّم جداً في بريطانيا، ولكنْ المفاجئ هو:أن تعكس الأمور ويصبح توجه البريطانيين إلى دمشق.
وذكرت الإذاعة أن فريقاً طبياً وعلمياً بريطانياً قام بإجراء اتصالات وحوارات مع مجموعة من الأطباء السوريين لعلاج المرض الوراثي( الناعور أو الهيموفيليا)بعد أن أثبتت الحجامة نجاحها في شفاء عدد كبير من المرضى في سوريا من هذا الداء .
هذا وصرَّح عضو من الفريق الطبي السوري الذي اكتشف دور الحجامة في شفاء الحالات المرضية المستعصية،بأن الفريق الطبي يمثل العائلة المالكة في بريطانيا.
243(1/158)
يذكر أن الفريق الطبي السوري الذي حقق اكتشاف الفوائد العلاجية للحجامة كان قد أعلن من شهرين عن نتائج دراساته التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات،توصل من خلالها إلى إثبات القيمة العلاجية الكبيرة للحجامة في الشفاء من الأمراض المستعصية،مثل السرطان والروماتيزم والشلل النصفي والقلب )(1) .
ضمن ندوة علمية طبية نظمتها صحيفة (الرياض)العدد(12127)بعنوان:
( الحجامة أنفع ما تداوى به الناس ):
(دمشق مكتب الرياض: أدار الندوة محمد أحمد طيارة:
بعد التحقيق الذي نشرته (الرياض عن الحجامة في العدد (12106) تاريخ 26جمادى الأولى لعام 1422 كثرت الاستفسارات والتساؤلات وانهالت المكالمات.. وللوقوف على حقيقة هذا الموضوع.. فإنَّ صحيفة (الرياض)وحرصاً منها على تقديم المعلومة العلمية الدقيقة لقرائها قامت برعاية ندوة علمية طبية بدمشق شارك فيها: الدكتور أمين سليمان أستاذ أمراض الدم في جامعة دمشق، والدكتور عبد المالك الشالاتي أستاذ الأمراض الداخلية والعصبية بجامعة دمشق. والأستاذ الباحث عبد القادر الديراني،واستضافت الندوة عدداً من المرضى الذين تم علاجهم ب (الحجامة..في البداية تحدث الأستاذ الباحث عبد القادر الديراني الخبير والممارس لعمليات الحجامة منذ أربعين عاماً فقال:جسم الإنسان يتكون
_________________
1-انظر: http://www.islamweb.net/default.asp.و: ARABIAT-Arabic Electronic Magazine (Sciences).htm .ومجلة المجتمع(العدد:1470 ).
244
من 80% من المواد السائلة (الماء) كالكرة الأرضية،وهو شبيه بحوض فيه ماء إذا ترك الحوض سنة كاملة،فإنَّ الماء يصبح:آسناً نتناً،ومليئاً بالميكروبات..(1/159)
أمَّا إذا كان يؤخذ منه،ويعطى فيبقى نقياً طاهراً..وإذا لم يأخذ هذا الجسم ويعطي،فإنَّه يمكن أن تبدأ حركة الدم في الجسم بالتباطؤ،وينجم عن هذا عدم وصول الأغذية الصافية..ويتسلل المرض.. فإذا أخذنا هذا الدم الزائد،أو الفاسد الذي فيه كثير من الشوائب والكريات العازلة التي تتقاعد في أعلى منطقة الجسم وهي الظهر؛فإنَّ هذا الدم يعطل الحركة في الجسم..وإذا سحبناه من الجسم عادت دورة الدم بنشاط قوي..وبدأت الكريات الفتية التي تتكون في الطحال والكبد من جديد.
ويتابع الديراني:عرضت الأمر على الأطباء لكي يكون العمل مبنياً على قواعد علمية طبية..وتم التنسيق بيننا،وبين أساتذة الطب والمخابر حيث تم تحليل ثلاثمائة عينة قبل وبعد الحجامة لعدد من المرضى،وبعد أن اقتنع الأطباء:اصبحوا يرسلون المرضى،وقد عالجنا حتى الآن-بفضل الله-آلاف الحالات.
ويؤكد الديراني:أن من تجرى له الحجامة يجب أن يعيدها كل سنة مرَّة.
245
أمَّا د. أيمن سليمان أستاذ أمراض الدم في جامعة دمشق،فيقول: الحقيقة إنَّ (الحجامة) هي نوع من العلاجات الطبية القديمة،والتي شاعت بين الناس منذ قديم العصور منذ عهد الإغريق والهنود والفراعنة،ثم جاء الإسلام ليؤكد عليها..
إنَّ أساس كلِّ تطور في أيِّ مجال هو بداية الفكرة النظرية،وهذا يدل على أن طب الحجامة:طبٌّ هام من أجلِ الوقاية.. وكذلك من أجل العلاج ..
والذي حدث في هذه الأيام:أنَّه منذ حوالي سنتين أخذ فريق طبي كبير يحاول أن يقارب الطب القديم الحديث بنتائجه المبهرة..فوجدنا أن هناك نتائج تستحق الوقوف عندها في الدراسة التي شملت اكثر من 300شخص،ممن اتبعوا الحجامة من قبلها وبعدها..وتبين أن هناك نتائج مدهشة،من بينها على سبيل المثال: (مرض الشقيقة) هناك حالات معندة على العلاج،والشقيقة المعندة يتمنى المصاب بها أن يموت ولا يعاني منها..الشفاء كان فورياً.(1/160)
حالات أخرى من السرطانات: ست حالات ممن احتجموا شفي أصحابها،وبعد سنتين تبين أنَّ ليس لديهم أيَّ علامات سرطانية.
المقاربة العلمية: (الرياض)وما هي المقاربة العلمية حول هذا الموضوع؟:
د. سليمان:المقاربة العلمية البحثية هي أمر جديد..وبالتالي فإنَّ موضوع السرطان بالذات يحتاج إلى دراسة معمقة أكثر..نحن كان لدينا عدة حالات ميؤوسة، وأصحابها قالوا:طالما إذا احتجمنا لن يكون هناك ضرر،فلا بأس فلنجرب.. والحقيقة:كانت النتائج رائعة،ولكن نرجو في المستقبل أن تكون الدراسة على أعداد واسعة تسمح لنا أن نعطي أرقاماً ونتائج موثقة ضمن بحث علمي عالمي.
246
هناك أمراض كثيرة:وخاصة أمراض لها علاقة بالدم،وأخذت صداً عالمياً،على رأسها الإمراض المنسفية،وخاصة مرض الناعور،هذا المرض من المعروف أنه ليس له علاج،ولا يشفى المصاب منه على الإطلاق..أمامك الآن حالتان من المصابين بالناعور..مريض الناعور إذا حدث عنده نزف يحتاج إلى استشفاء في المستشفى لمدة لا تقل عن أسبوع،أو أسبوعين،وكل يوم يحتاج أمولاً كبيرة...وللبيان:فإنَّ (الهيموفيليا) أو الناعور نقص العامل الثامن أي الخلايا التي تنتج هذا العامل غير موجودة بسبب خلل مورثي..الشيء المبهر:أن الحجامة من حيث الظاهر لا تقدم شيئاً،ولا يمكن أن تقدم العامل الثامن وتعطيه للمريض،الذي حدث الآن وأمامك حالتان،الحالة الأولى:كان مستوى العامل الثامن 9بالألف بعد الحجامة أصبح 1% أي زاد عشرة أمثال..والآن يستطيع أن يجيبك أحدهم بأنه أصبح يمارس حياته الطبيعية بشكل عادي،في الوقت الذي كان سابقاً لا يستطيع المشي إلا بكل حذر..والثاني كان 1% وأصبح 5%..نحن علمياً ليس لدينا بعد تحليل علمي يستطيع أن يفسر هذه الظاهرة حتى الآن..
كما كان لنا هذه اللقاءات مع عدد من المرضى الذين احتجموا فشفوا بإذن الله..(1/161)
بداية معنا زكريا المسالخي،وهو مريض بتضخم البروستات يقول: كان لدي تضخم في البروستات واشعر بصعوبة في التبول ..منذ خمس سنوات لم أستفد من الدواء المكرر الذي وصفه لي الأطباء.. وعندما علمت من الدكتور علي أن
247
هناك عمليات حجامة،فقمت بإجرائها..وللحقيقة أقول:إنَّه بعد عملية الحجامة أصبح عندي سرعة في التبول بدون أي صعوبة..لقد أحسست بالشفاء خلال ساعات.
تعقيب من د. أمين سليمان: هذه الحالة مثلا من الحالات الرائعة التي نشاهد نتائجها بعد الحجامة مباشرة ..وهو يدعو إلى الدهشة والغرابة.
وفي المستقبل القريب-إن شاء الله-سنضع تفسيراً لذلك .
أمَّا بلال علي،فهو مريض ب (الناعور) نقص العامل الثامن فيتحدث عن نفسه قبل الحجامة قائلاً:كنت أعاني من أي صدمة أو جرح،ولا يندمل جرحى إلا بعد المكوث في المشفى أكثر من أسبوعين بتكاليف عالية جداً..وبنفس الوقت لم أكن أمارس حياتي الطبيعية خوفاً من أن أتعرض لأيِّ صدمة،وقد سبق أن مات أخي بنفس المرض بعد إصابته بجرح في رأسه..لقد شفي من الخارج بعد المعالجة لكنه ظل ينزف داخلياً مما أثر على الدماغ وأدى إلى وفاته.وبعد الحجامة وبحمد الله شفيت دون الذهاب إلى المستشفى.
تليف كبدي (سليم مندورة ) لم يستطع الحضور بسبب المسافة البعيدة (إدلب) أجريت معه اتصالا هاتفياً،يقول:كنت أعاني من آلام في منطقة المراق الأيمن أعلى البطن راجعت أحد الأطباء الأخصائيين تبين أن لدي دوالي درجة ثالثة نتيجة تليف الكبد،وتشمع الكبد،إضافة إلى اضطرابات في الكبد،أعطيت عدة أدوية ولم استفد منها..سمعت بالحجامة واحتجمت منذ أربعة أشهر،وبعدها
248
أجريت الفحوص التي أجريت نفسها قبل الحجامة،فكانت النتيجة والحمد لله (ضمن الحدود الطبيعية).(1/162)
أرقام (الرياض)وماذا عن بعض الأرقام المخبرية التي سجلت في مختلف الأمراض؟ د.سليمان:هناك بعض الأرقام المخبرية التي ظهرت لبعض الأمراض على سبيل المثال:الكوليسترول والشحوم الثلاثية:إذا كانت مرتفعة تعود إلى الطبيعي بعد الحجامة،وإذا كانت طبيعية تستقر بشكل أفضل..
ارتفاع حمض البول:يرجع إلى الطبيعي بعد الحجامة.
وأذكر هنا:أن الدكتور فؤاد الذي فتح مخبره للحجامة بعد أن كان يعاني وكافة أفراد أسرته من ارتفاع حمض البول الوراثي،وعلى قوله استخدم بعض المعالجات ولكنه لم يتحسن،وكان يعاني من بعض الآلام التي تسمى (النقرس) وبعد إجرائه للحجامة تبين أنها أزالت الأعراض .
ثانيا: أجرى عيار حمض البول فتبين أنَّه عاد إلى الحدود الطبيعية.وقبل الحجامة كان بحدود ( 8.5الى 9) وبعد الحجامة أصبح (6.5)وما زال مستقراً منذ ثلاثة أشهر بطبيعته.
سكر الدم (الرياض)وماذا عن سكر الدم (مرض العصر) كما يسمونه؟:
د.سليمان:لقد أكدت النتائج أنَّ كل الذين احتجموا،والذين كان عندهم سكر الدم مرتفع هبط بشكل كبير، وبعضهم عاد إلى الطبيعي.
الدكتور عبد المالك الشالاتي أستاذ الأمراض الداخلية والعصبية بجامعة دمشق يقول:من الناحية العصبية معلوم أن الحجامة هي سحب كمية من الدم،وتنقية
249
الدم وتخفيف الاحتقان الدموي العام،وبالتالي الدماغي وهي تفيد في حالات الصداع الوعائى،الصداع التوتري (الشقيقة)،وكثير من الحالات التي استفادت من الحجامة كونها تخفف من الاحتقان الدماغي،فهي تفيد المرضى الذين عندهم ارتفاع ضغط شرياني،وتقلل من حدوث ضغط الدم بالدماغ،وبالتالي تقلل من حدوث حوادث، الاوعية الدماغية (الفوالج) كونها تخفف أيضاً من الضغط الدموي الدماغي، فإنها تخفف من فرط اللزوجة. إذاً بشكل عام ما يخففُ من ضغط الدم الدموي داخل الدماغ:يساهم في تخفيف حدوث أمراض عصبية بكل أنحاء الجسم.(صحيفة الرياض) وماذا عن الأمراض المناعية العصبية؟:(1/163)
د. شالاتي: الشيء الثاني المهم كونها تساهم في تعديل نظام الكريات البيض،فإنها تفيد في بعض الأمراض المناعية العصبية،وهذا ممكن أنْ نقوم بإجراء ذلك على مرض التصلب اللويحي،وما شابه ذلك.هناك نية لإنشاء مركز لحجم هؤلاء الناس المصابين بناء على النتائج المذهلة التي سبق وأن شاهدناها.
كلمة أخيرة:على ما يبدو أن الدراسات التي أجريت على مرضى يعانون من أمراض مختلفة أجريت لهم الحجامة وفق أصولها الصحيحة أبهر الفريق الطبي الذي لاحظ نتائج غيَّبته في ذهول غريب..وعلى ما يبدو أيضا:أن القوانين العلمية الدقيقة لعملية الحجامة تساعد أكثر بالعلاج.. نسأل الله تعالى أن تكون هذه الأبحاث والدراسات التي تجري حاليا في صالح البشرية جمعاء ) (1) .
____________________
1-وانظر: صحيفة الخليج العدد138/21يوليو/2001.وصحيفة عكاظ الخميس:13/9/2002.وصحيفة البيان الخميس 23 شعبان 1422 الموافق 8 نوفمبر 2001 .والمواقع:إسلام نت - عرب نت-إسلام أون لاين-وغيرها من المواقع .
250
وفي مقال نشر في موقع المالكي للمعلومات الصحية:
http://www.medical-centeronline.net/index.php
(مثل كل شيء .. لم نلتفت إلي الطب النبوي إلا عندما دخل الجامعات الأمريكية والأوروبية .. فمن يصدق أن العلاج بالحجامة يتم تدريسه في مناهج الطب في أمريكا .. ومن يصدق أيضا أن هذا الأسلوب النبوي الذي هاجمه وأنكره أطباء عرب أصبح علاجاً نافعاً للعديد من الأمراض الخطيرة في معظم عواصم العالم .هذا ما يؤكده الدكتور أمير محمد صالح الأستاذ الزائر في جامعه شيكاغو والحاصل علي البورد الأمريكي في(العلاج الطبيعي ) وعضو الجمعية الأمريكية للطب البديل.
...(1/164)
فقد كانت نقطه اكتشاف هذا الأسلوب العلاجي هي بداية قصه الدكتور أمير صالح مع الحجامة .. والمفارقة التي يؤكدها أنه لم يكن يعرف عنها الكثير قبل سفره إلي أمريكا .. فهناك وجدهم يحتفون بها ويدرسونها لطلبه الطب في معظم الجامعات ..ومن خلال رحلته العلمية التي امتدت لعده سنوات في أمريكا، وبعض الدول الأوروبية،قال:وجدتُ أنهم يعرفون هذا النوع من العلاج كفرع مهم في الجامعات ويسمي عندهم :(CuppingTherapy) أي الشفط .وكان لابد أن أبحر في أعماق هذا العلم ..واكتشفت أن الحجامة كانت معروفه لدي الفراعنة،وقد ذكر ذلك أبو قراط-أبو الطب- بقوله:إن الفراعنة قسموا الطب إلي نوعين طب الصوم،وطب الإخراج،أو طب الحجامة عن طريق فتحات يحدثها الطبيب في الجلد .
251
ولما بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - : أمرَ بالحجامة وأقرَّها ،بل إنه فعل هذا النوع من العلاج لنفسه ولزوجه.
والحجامة تفيد في علاج بعض الأمراض :
فهي تؤدي إلي حدوث تحسن واضح في وظائف الكبد،ومرض السكر بالإضافة إلي بعض أمراض الأنف والأذن والحنجرة، كما إنني حققت خطوات مهمة في علاج الأطفال الذين يعانون من شلل مخي،والشلل النصفي.
كذلك نجحت الحجامة في علاج البدانة والأمراض المتعلقة بضعف المناعة في الجسم،وحب الشباب .
ثم سُئل:
هل عمليات التبرع بالدم تغني عن الحجامة ؟:
قال :التبرع بالدم ينتمي إلي الفصد،وليس للحجامة،لأن التبرع بالدم يؤدي إلي التخلص من بعض مكونات الدم بكميات معينه في وقت قصير،ويتم ذلك من خلال وريد دموي،وليس من خلال مسام الجلد .ولذلك لا نستفيد منه في تنبيه أماكن معينه في الجلد كما في الحجامة.
ماذا تعني بتنبيه الجلد؟:
إنَّ حدوثَ أيِّ خدشٍ في الجسم:يحدث استنفاراً لجهاز المناعة ، لأن الجلد هو خط الدفاع الأول عن الجسد،فيزداد إفراز كرات الدم البيضاء،وتزداد المناعة،وفي حاله حدوث أي ضغوط علي الجسم يزداد تنبيه جهاز المناعة ... ) .
252(1/165)
كَيفِيَّةُ عَملِ الحجامة:
الحجامةُ كأيِّ صناعةٍ من الصناعات،لها قواعدُ وأصولٌ متبعة في كيفيةِ عملها،والمذكور هنا مأخوذ مما ذَكرَه أهلُ الدِّراية بأحوال صِناعة الحجامة،وكذلك ما هو مبسوط في مؤلَّفات أهل الطب قديماً وحديثاً،وما ذُكِرَ في تضاعيف كتب أهل الحديث والفقه،وما رُقِمَ في الصحف والمجلات،وعلى مواقع شبكة الإنترنت .
فأقول :
1-المعدل الطبيعي لفعل الحجامة :
المعدل الطبيعي لفعل الحجامة بالنسبة للإنسان في عمره الوجودي:
واحدة كلَّ شهر،هذا في فعل الحجامة حفظاً للصحة،ودرءاً للمرض.أمَّا عِنْدَ الضرورة،فتُكرَّر حسب الحاجة إليها،مع ملاحظة:أنَّ التكرار الأفضل أنْ يكون في الأسبوع مرَّةً واحدةً،وذلك لأنَّ جسم الإنسان يمكن له أنْ يجدد المفقود من الدم بعد أسبوع من عملية الحجامة.فالتكرار الزائد:قد يؤدي إلى الضرر البالغ للجسم.
والمختار:أنْ تُفعل الحجامة حفظاً للصحة كلَّ سنة مرَّة واحدة عندما يميلُ الطقس للدفء في الربيع(شهر إبريل،ومايو ) .
والأفضل:ترك الحجامة بالنسبة للأطفال دون سن البلوغ،وكذلك كبار السن ممن وصلوا الستين من العمر؛فإن احتاجوا الحجامةَ:يكون شفط الدم يسيراً !! .
253
2-وقت فعل الحجامة :
الحجامة على قسمين رئيسين:اختيارية،وضرورية.
فالاختيارية:تُفعل بما يوافق ما ورد في أدلَّة الشرع من اختيار أيام معيَّنة بالنسبة لأيام الأسبوع،والشهر.وقد تقدم تفصيل ذلك عند الحديث عن وقت الحجامة بالنسبة لأيام الأسبوع،والشهر .
والأفضل:أنْ تفعل الحجامة صباحاً قبل تناول أيّ شيء من الشراب والطعام،وذلك لأن الطعام ينشط جهاز الهضم،ومن ثمَّ تنشط الدورة الدموية،فتتحرك الرواكد التي تجمعت خلال النوم في منطقة الكاهل .(1/166)
عن نافع،أنَّ ابن عمر-رضي الله عنهما-قال له:يا نافع تبيغ بي الدم فالتمس لي حجاماً،واجعله رفيقاً إن استطعت،ولا تجعله شيخاً كبيراً،ولا صبياً صغيراً،فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:(( الحجامةُ على الريق أمثلُ،وفيها شفاء وبركة،وتزيد في العقل والحفظ،واحتجموا على بركة الله يوم الخميس،واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت والأحد تحريَّاً،واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء؛فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب،وضربه بالبلاء يوم الأربعاء،فإنه لا يبدو جُذامٌ ولا بَرَصٌ إلاَّ يوم الأربعاء،وليلة الأربعاء )) . رواه ابن ماجة في السنن ، وغيره .
الحديث:حَسَّنَهُ بمجموع طرقه الإمامُ الألباني-رحمه الله- في السلسلة الصحيحة: (رقم:766)وفي صحيح الترغيب(3/354) قال: حسن لغيره .
وأيضاً:من فوائد الحجامة على الريق:تجنب الشعور بالغثيان،أو القيء ..
كما إنَّ الحجامة بعد الطعام ربَّما تؤدي إلى حدوث إغماء،أو قيء .
254
وأمَّا الحجامة للضرورة،فتفعل عنْدَ الحاجة إليها أيَّ وقتٍ كان من الزمان،وانظر ما تقدم تفصيلُه عند الحديث عن أوقات الحجامة .
3-الإعدادُ النفسي للمحتجم :
بعض الناس إذا كان فعلُه الحجامةَ لأوَّل مرَّةٍ : قد يصيبه الخوف،أو إذا رأى غيره يحتجم قد يخاف لرؤية الدم،وهذا الإنسان الأفضل له ابتداءً:أن يُبَيَّنَ له شيءٌ من فضائل الحجامة،وأنَّها مفيدة طبياً،وليس فيها مشقة أو ألم،حتى يُخَافَ منها،فإذا اطمأنَّ ذلك الإنسان عندئذ تُعمل له الحجامة .
4-الحجامة نوعان كما تقدم في أول الرسالة،وهما:
النوع الأول : الحجامة الجافة ، أو الحجامة بلا شرط .
والنوع الثاني: الحجامة بالشرط ، أو الرطبة ، أو الدامية.
فالحجامة الجافة عند فعلها يُتَّبَعُ ما يأتي ذِكْرُه :
أ- تعقيم الموضع المراد حجامته بالمطهرات الطبية .(1/167)
ب- وضع قليلٍ من زيت الزيتون على حافة الكأس الذي يُحْجَمُ به،لغرض التأكد من عدم تسرب الهواء من الكأس إلى الخارج أثناء التصاقه بالجلد؛وذلك لأن تسرب الهواء يمنع إحكامَ التصاق الكأس بالجلد .
ج- تفريغ كأس المحجمة من الهواء بواسطة جهاز السحب .
د - يترك الكأس مدة خمس دقائق إلى عشر دقائق ولا يُزاد على ذلك،ثم ينزع الكأس برفق،وذلك بالضغط على الجلد عند حافَّةِ الكأس .
وفي حالة إذا كان موضع الحجامة هو الوجه،لا تزيد مدة بقاء الكأس على الموضع مدة نصف دقيقة .
255
وأمَّا الحجامة الرطبة،فَيُتَّبَع الآتي ذِكْرُه:
أ-من المهمات والنصيحة لكلِّ حَجَّام ومحتجم:
التأكد من نظافة آلات الحجامة،واستخدام المشارط الجديدة المعقمة،والكؤوس الجديدة،وذلك لمنع تَعْدِيَةِ الأمراض السارية إلى الناس،ومنها:فيروسات الكبد،وغيرها .
وقول القائل:-إنَّ آلات الحجامة لا تنقل العدوى إلى داخل الجسد،بحجة:أن العبرةَ بما دخل من الدم،لا بما خرج ؟!-قولٌ مجانب للصواب،يردُّه صريح العقل؟!والواقع الطبي(1)فيجب عند الاحتجام:أن يكون لكلِّ إنسان كؤوس خاصة به تجنباً لأيِّ مرضٍ سارٍ ...
_____________________
1-ورد في صحيفة الشرق الأوسط:
http://www.asharqalawsat.com/pcdaily/18-12-2000/clinic/clinic.htm
(قال الدكتور عبد المجيد بن عبد الكريم-طبيب سعودي-: إنَّ نسبة 5 في % من السكان في السعودية مصابون بفيروسCالذي يستدعي علاجه عملية زرع جزء من الكبد، مشيراً إلى أن عادات صحية واجتماعية كانت وراء ارتفاع نسبة المصابين بالمرض في المملكة، ومن أبرزها:نقل الدم من دون إجراء فحوصات كافية،كما كان يحدث قبل عدة أعوام، وإجراء عمليات الحجامة بدون تعقيم أو تطهير،وجرح الجلد بأدوات غير معقمة ومعرضة للفيروسات) .
وفي موقع(صحة): http://sehha.com/diseases/liver/hbv.htm
ذكروا:أنَّ من أسباب انتقال فيروس الكبد الوبائي (ب) Hepatitis B : الحجامة بآلات ملوثة ...
256(1/168)
ب - تعقيم الموضع المراد حجامته بالمطهرات الطبية .
ج - وضع كأس المحجمة على الموضع المراد .
د - بعد ذلك يتم تفريغ كأس المحجمة من الهواء بواسطة جهاز السحب،وعند
ذلك سوف ينسحب الجلد إلى داخل الكأس .
هـ-يُترك الكأس مدة خمس دقائق ،ثم يُنزع برفق من على الجلد،وذلك
بالضغط عند حافة الكأس .
ز - يتم تشريط الموضع بالمشرط تشريطاً خفيفاً سطحياً،وهذا التشريط
بالمشرط:يُستعمل في غير مرضى السكر،وأصاحب السيولة في الدم،فهؤلاء
يكون التشريط بواسطة إبرة فحص الدم .
ح - يجب أن يكون التشريط على امتداد العروق-أي بالطول-لا بالعرض،مع
الابتعاد عند التشريط عن الأوردة،والشرايين الظاهرة،ويكون التشريط بعيداً
عن بعضه،بمقدار(3مم ) .
ط - يوضع بعد ذلك الكأس على الموضع مرَّةً أخرى .
ي - يتم تفريغ الكأس من الهواء . ومن أجل تخفيف الألم :يُفعل الشفطُ
تدرُّجاً؛فالأولى تكون أخفَّ من الثانية،والثانية تكون أخف من الثالثة ...
ك - ترك الكأس مدة دقيقتين إلى خمس دقائق،حتى يخرج الدم من خلال التشققات التي أحدثها المشرط .
257
ل - يُفرغ الكأس بعد ذلك من الدم،ويكرر وضعه مرة أخرى على
الموضع،وهكذا حتى يخرج الدم صافياً رقيقاً،أو ينقطع خروج الدم .
م - يجب تطهيرُ مواضع الاحتجام بعد الانتهاء منها،ويكون ذلك بالمطهرات الطبية،مع وضع لاصق طبي(بلاستر ) على المواضع،خاصةً لمرضى السكر،وكذلك عندما لا يقف الدم عن الخروج .
ن- تُمسح جوانب مواضع الحجامة بقطن طبيٍّ مبلَّلٍ بماء دافئ،وبذلك يكون قد تم الانتهاء من عملية الحجامة .
تنبيهات :
هذا التنبيهات المذكورة ينبغي لكلِّ حجَّام،ومُحْتَجِمٍ مراعاتها عند عمل الحجامة،وهي :
1-ينبغي للمحتجم أثناء الحجامة:أن يكون جالساً على كرسي له جوانب،وذلك من أجل أن البعض قد يصيبه إغماء عند الحجامة .
2-المريض بضغط الدم المنخفض:يجب أن يُتعامل معه بحذر،والمراد بالحذر:
((1/169)
تقليل عدد الحجامة )مع مراقبة درجة وعيه،حتى لا يحدث له إغماء من كثرة الشفط،وكذلك:يُجتنب عمل الحجامة له على الفقرات القطنية لأنها تسبب انخفاض في ضغط الدم،ومن الخاص به:أن يشرب قبل الحجامة شيئاً من العسل،أو السكر،أو الطعام لكي تزداد عنده نسبة السعرات الحرارية .
3-في حالة الإغماء:يُنز ع الكأس،ويوضع المريض على الأرض مع رفع قدميه،ويُعطى شيئاً سكرياً يشربه.ويُفضل أن تَتِم الحجامة له وهو مضطجع وعلى جنبه،ويدخل في هذه الاحتياطات:المريض بالأنيميا .
258
4-تُجتنب الحجامة للإنسان المصاب بالرشح،أو البرد مع ارتفاع درجة حرارته.
5-يجب ألاّ يُوضع كأس الحجامة على أربطة المفاصل الممزقة .
6-لا يوضع الكأس على الركبة المصابة بالماء،وكذلك الدوالي،وإنما يوضع بجوارها .
7-ينبغي تجنب الحجامة على الجلد الذي يحتوي على دمامل،أو أمراض جلدية معدية،أو التهابات جلدية شديدة .
8-الابتعاد عند الحجامة عن المواضع التي تكثر فيها الشرايين البارزة خاصةً لضعيفي البنية .
9-لا تُفعل الحجامة في الأيام الشديدة البرد .
10-لا تُحجم المرأة الحامل في أسفل البطن،و لا على الثديين،ومنطقة الصدر،خصوصاً:في الأشهر الثالثة الأولى .
11-مرضى الأنيميا:تُجرى لهم حجامة واحدة،ثم تتلوها واحدة أخرى حسب استعداد أجسامهم ،وإذا حدث إغماء،يتم نزع الكأس،ويُعطون شراباً سكرياً .
12-ينبغي أن تكون الحجامة دائماً مزدوجة،والمعنى المراد:أن تُحجم كلا اليدين،وكلا القدمين،وعلى جانبي العمود الفقري،ومن الأمام والخلف في بعض الحالات .
13-الحذر من فعل الحجامة على الجوع الشديد،أو الشبع الشديد .
259
14-تُجتنب الحجامة بعد الطعام،فإنْ اُضْطُرَ إليها:تُفعل بعدَ ساعتين من تناول الطعام .
15-تُجتنب الحجامة لمن بدأ في الغسيل الكلوي .
16-تُؤخَّر الحجامة لمن تبرع بالدم،إلاّ بعد أسبوع من الأيام،وذلك لأن الجسم لا يمكنه تعويض الدم المفقود إلاّ بعد مرور أسبوع من إخراج الدم .(1/170)
17-تُترك الحجامة لمن بلغ الستين من العمر،وكذلك الأطفال دون سن البلوغ،فإن احتاجوا للحجامة:فليكن الشفط قليلاً .
18-مرضى سيولة الدم،والسكر لا يتم لهم التشريط،بل الوخز بإبرة فحص الدم.
19-إذا كان الإنسان مصاباً بمسٍّ من الجن،أو سحر:ينبغي له أن يحتجم عند من له دارية بأحوال الجن،وكيفية التعامل معهم عند وجود أيِّ تَصرُّفٍ طارئ .
19-تُمنع الحجامة على القلب لكلِّ من ركب جهازاً لتنظيم ضربات القلب .
لون الدم:
أهل العلم بصناعة الطب قديماً يرون:أنَّ خروج الدم بصفات معيَّنة يدلُّ على نتائج عندهم،فيقولون:
أ -خروج الدم أحمرَ سائلَ:يدلُّ على سلامة العضو من العللِ .
ب-خروج الدم أسودَ سائلَ:يدلُّ على وجود أخلاطٍ ضارَّةٍ في ذلك العضو .
ج-خروج الدم أسودَ متخثراً:يدلُّ على وجود أخلاطٍ كثيرةٍ ضارَّةٍ في ذلك العضو.
أمَّا عندَ عَدَمِ خروج الدم،فيرون:أنَّ ذلك يدلُّ على سلامة العضو من العلل .
260
ملحوظة:توقف خروج الدم،أو خروج (البلازما)المادة الصفراء يُستفاد منه:أن الحجامة للموضع،أو المواضع قد انتهت .
فإن تواصل خروج الدم بسبب عمق التشريط:يجب التوقف بعد استفراغ كمية الدم المناسبة من ذلك العضو،وهي في الغالب تكون أقلَّ من(200مل)وحسب موضع الحجامة!! .
5- ما يُفعل بعد الحجامة :
يُنصح المحتجم بعد انتهائه من الحجامة بما يأتي ذكره :
1-يجب على المحتجم:أن يخلد للراحة بعد الحجامة،ولا يجهد نفسه مدة يومين،أو ثلاثة،وذلك أنَّ عدم الالتزام بالراحة قد يتسبب في عودة الألم مرةًّ ثانية .
2-يمتنع المحتجم عن الجماع مدة 24ساعة،و12 ساعة قبل الحجامة .
قال الإمام علي الرضا-رحمه الله-:
(...ويجب في كلِّ ما ذكرناه من اخرج الدم:اجتناب النساء قبل ذلك باثنتي عشرة ساعة .. ) (1) .
3-يجب على المحتجم ترك الطعام وخاصة:الموالح والحوامض ،مدَّة ساعتين،أو ثلاثة بعد الحجامة .
4-يمتنع المحتجم عن شرب أيِّ سوائل شديدة البرودة مدة 24ساعة .(1/171)
__________________
1-انظر:الرسالة الذهبية(ص163)وتسهيل المنافع،للشيخ إبراهيم الأزرق(ص52) .
261
5-إذا أراد المحتجم الاغتسالَ:فليكن ذلك بعد ساعة من الاحتجام بماء دافئ،ولا يغتسل في الحمامات البخارية .
6-يُنصح المحتجم:بأن يُغطي مكان الحجامة،ولا يعرضه للهواء البارد مدة 24ساعة .
7-قد يشعر البعض من الناس بعد الحجامة بارتفاع درجة الحرارة في الجسم،وهذا الارتفاع قد يكون في نفس يوم الحجامة،أو بعده.وهو أمرٌ طبيعي وقتيٌّ لا يُخف منه،لأنه يزول بعدَ وجوده .
قال أبو بكرٍ الرازي في(الحاوي في الطب):
(والحمى التي تأخذ بعقب الفصد والإسهال لا تخف منها،فإنها يومية ..)(1) .
8-بعض الناس قد يشعر بغثيان،أو إسهال عندما يحتجم في ظهره،وهذا أيضاً أمرٌ طبيعي لا خوف منه (2) .
____________________
1-انظر:الحاوي(5/2143) .
2-مراجع ما تقدم ذِكْرُه:
الطب النبوي،لابن القيم (45-48)والطب من الكتاب والسنة،لموفق الدين البغدادي (41-48)والطب النبوي،للذهبي (ص52-56)والشفاء في الطب المسند عن السيد المصطفى،لأحمد التيفاشي(ص87-88و113-114)والمنهج السوي في الطب النبوي،للسيوطي (ص243-255)والمنهل الروي في الطب النبوي ،لمحمد بن طولون (ص105-114)والرسالة الذهبية،للإمام علي الرضا (ص159-165)والطب النبوي والعلم الحديث،للدكتور النسيمي (3/91-103) =
262
_________________
=والطب النبوي في ضوء العلم الحديث ،للدكتور غياث بن حسن (ص151-154)والإبداعات الطبية لرسول الإنسانية،لمختار بن سالم (ص199-218)وروائع الطب الإسلامي،للدكتور محمد الدقر (1/112-122)والقانون،لابن سينا (1/309-310)والنزهة المبهجة-بهامش تذكرة أولي الألباب-للأنطاكي (2/80-91) وتسهيل المنافع،للأزرق (ص51-55)ورسالة في الحجامة،لشهاب بن ياسين (ص50-61)والطب الشعبي،للدكتور سمير الجمال (ص303-306) .
الصحف والمجلات،ومواقع الإنترنت :
1-صحيفة الخليج الإمارتية،العدد (138/21 مايو 2001) .(1/172)
2-صحيفة الاتحاد الإمارتية ( الخميس7رمضان1422)والجمعة 8 رمضان 1422) .
3-صحيفة البيان الإمارتية (البيان الخميس 23 شعبان 1422 الموافق 8 نوفمبر 2001 )
4-صحيفة عكاظ السعودية ( الخميس:13/9/2002 ) .
5-صحيفة الرياض السعودية (الخميس جمادى الثانية1422 العدد:12127 ).
6-مجلة المجتمع الكويتية ( العدد:1470 ).
7-http://www.islamweb.net/default.asp
8-http://www.khayma.com/roqia/cupping.HTM
9-http://www.middle-east-online.com/Health/Aug2001/syria_old_medicine-16-8-2001.htm .
10-http://www.arabiat.net/issue35/sciences.htm =
263
__________________
= 11-http://www.hegama.250x.com/7egama.htm#1
12-http://www.almalakycenter.com/hejamah/hejamh1.htm
13-http://www.suhuf.net.sa/2001jaz/jun/7/ec19.htm
14- ARABIAT-Arabic Electronic Magazine (Sciences).htm
15-http://64.29.210.216/completesearch/arabic/mDetails.asp?hMagazineID=13527
16-http://64.29.210.216/completesearch/arabic/mDetails.asp?hMagazineID=13268
- - -
264
فصلٌ :
بما تقدم من المباحث والعلوم:يكون قد تمَّ الانتهاء من كثير مما يتعلق بالحجامة،وأحكامها،وفوائدها،وكيفيتها،وأمور أخر تم بسطها سابقاً .
وما سَيُذكر بعدُ هو تكميلٌ للفوائد المتعلقة بالحجامة،وهذه الفوائد منها:
ما هو من باب ما يَحْسُن معرفته للحجام والمحتجم،وغيرهما.ومنها:ما هو من باب الأدب والمُلَحِ والنوادر المتعلقة بالحجامة والحجامين(1).
ثم يكون خَتْمُ الرسالة بذكر:فضل المرض،واحتساب الأجر من الله سبحانه وتعالى عند وجود الأمراض والعلل .. إلى آخر ما سيأتي ذكره-بمشيئة الله- .
___________________
1-كان عبد الله بن عباس-رضي الله عنه-إذا فرغ من درس التفسير والحديث يقول لتلامذته:
((1/173)
أحمضوا )ويأمرهم بالأخذ في مُلَحِ الكلام خوفاً عليهم من السآمة والمَلال.والإحماض:أصله من الحَمْض،وهو ما مَلُحَ من النبات،ومقابله الخلَّة،وهو ما كان حلواً،تقول العرب:الخلة خبز الإبل،والحمض فاكهتها،لأنها إذا ملَّت من الخلة مالت إلى الحمض .
وفي سير أعلام النبلاء (5/341) عن الإمام الزهري-رحمه الله-:
(كان يحدث،ثم يقول:هاتوا من أشعاركم وأحاديثكم،فإنَّ الأذن مجاجة،وإن للنفس حَمْضة ) . =
265
الحجامة في الرؤى والمنامات :
الرؤيا لها حقيقة،وفائدة،بشرط: أن تكون صادقة .
والمراد بصدقها:وجودها في الواقع .وهي على قسمين :
1-أنها كما تكون في المنام تكون في اليقظة،ولا تحتاج إلى تعبير،أو تُعَبَّرُ في المنام.
2-هي التي تحتاج إلى تعبير وتأويل (1) .
وشرط العمل بمقتضاها: أن لا تخالف حكماً شرعياً،أو قاعدة مسلمة الثبوت.
___________________
= قال المناوي في فيض القدير(4/459) :
(ينبغي للطالب عند وقوف ذهنه:ترويحه بنحو شعر أو حكايات،فإنَّ الفكر إذا أغلق ذهل عن تصور المعنى،وذلك لا يسلم منه أحدٌ،ولا يقدر إنسان على مكابدة ذهنه على الفهم،وغلبة قلبه على التصور،لأن القلب مع الإكراه أشد نفوراً،وأبعد قبولاً. وفي أثر (إنَّ القلب إذا أُكرِه عمي)ولكن يعمل على رفع ما طرأ عليه بترويحه بشعر،أو نحوه من الأدب ليستجيب له القلب مطيعاً..وقال الحكماء:إنَّ لهذه القلوب تنافراً كتنافر الوحش،فيألفوها بالاقتصاد في التعليم،والتوسط في التقديم،ليحسن طاعتها،ويدوم نشاطها،وهذا يسمى عندهم بالتحميض،وكان ابن عباس يقول لأصحابه إذا داموا في الدرس: أحمضوا،أي ميلوا إلى الفاكهة وهاتوا من أشعاركم،فإنَّ النفس تمل كما تمل الأبدان ) .
وانظر:غريب الحديث،لابن قتيبة: (2/366)والنهاية،لابن الأثير: (1/441)ولسان العرب: (7/141)وأبجد العلوم،لصديق بن حسن القنوجي: (1/338) .
1-انظر:فتح الباري: (12/355و362) .
266
فالرؤيا من باب الاستئناس لا الاستدلال .(1/174)
والفائدة من الرؤيا:البشارة،والنذارة (1) .
وعلم عبارة الرؤيا:علم صحيحٌ يهبه الله لمن يشاء من عباده .
قال الإمام ابن عبد البر-رحمه الله-في التمهيد(1/285) :
(وجملة القول في هذا الباب:أن الرؤيا الصادقة من الله،وأنها من النبوة،وأن التصديق بها حق،وفيها من بديع حكمة الله ولطفه ما يزيد المؤمن في إيمانه.ولا أعلم بين أهل الدين والحق،من أهل الرأي والأثر خلافاً فيما وصفت لك،ولا ينكر الرؤيا إلا أهل الإلحاد وشرذمة من المعتزلة )(2) .
___________________
1-انظر:مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: (13/68-109و19/106)والموافقات للإمام الشاطبي-رحمه الله-: (2/457و471-475و481)والاعتصام له أيضاً: (1/304-305و332-334)وشرح النووي على صحيح مسلم: (1/155)وطرح التثريب،لابن العراقي: (8/215)والآداب الشرعية،لابن مفلح: (2/517) .
2-وانظر:عارضة الأحوذي،لابن العربي المالكي: (9/130) والذخيرة،للقرافي: (13/271)ومقدمة ابن خلدون: (389-392) .
267
وقال العلاّمَةُ عبد الرحمن بن ناصر السعدي-رحمه الله-في تفسير القرآن(2/442) لمَّا ذكر فوائد قصة يوسف-عليه السلام-:
(ومنها:أنَّ فيها أصلاً لتعبير الرؤيا،فإنَّ علم التعبير من العلوم المهمة التي يُعطيه الله من يشاء من عباده ).
وقال أيضاً(2/449) : ( ومنها: أنَّ علم التعبير من العلوم الشرعية،وأنَّه يُثاب الإنسان على تعلُّمه وتعلِيمه،وأنَّ تعبير المرائي داخل في الفتوى،لقوله للفتيين:
{ قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان } وقال الملك: { أفتوني في رؤياي } وقال الفتى ليوسف: { أفتنا في سبع بقرات } الآيات،فلا يجوز الإقدام على تعبير الرؤيا من غير علم ) .(1/175)
وفي كتاب الجامع(ص260-261)لأبي زيد القيرواني-رحمه الله-،والتمهيد،لابن عبد البر(1/288)عن الإمام مالك-رحمه الله-حين سئل أيفسر الرؤيا كل أحد ؟قال: (أبِالنبوة يلعب!،ثم قال: لا يعبر الرؤيا إلاّ من يحسنها.فإنْ رأى خيراً أخبر به،وإنْ رأى مكروهاً،فليقل خيراً أو ليصمت )(1) .
_________________
1-وانظر:المنتقى،للباجي(7/277)والذخيرة،للقرافي(13/270)والآداب الشرعية،لابن مفلح(2/520) .
268
ورؤيا الحجامة في المنام عند أهل التعبير:لها تأويلات متعددة،وهذا التعدد في التأويل:هو لسبب:أنَّ المنامات والرؤى تختلف باختلاف الزمان،والمكان،والأشخاص،واللغات،والصنائع،وعادات الناس،والمعايش،والأمراض،والموت والحياة،والفصول...(1) .
قال الإمام البغوي-رحمه الله-في شرح السنة:
(وقد يتغير التأويل عن أصله باختلاف حال الرائي.كالغل في النوم مكروه،وهو في حق الرجل الصالح قبض اليد عن الشر.وكان ابن سيرين يقول في الرجل يخطب على المنبر:يصيب سلطاناً،فإن لم يكن من أهله:يُصلب.وسأل رجل ابن سيرين،قال:رأيتُ في المنام كأني أؤذن،قال:تحج.وسأله آخر،فأول بقطع يده في السرقة،فقيل له في التأويلين،فقال:رأيت الأول على سيماء حسنة،فأولت قوله سبحانه وتعالى: { وأذن في الناس بالحج } ولم أرض هيئة الثاني،فأولتُ قوله عزَّ وجلَّ: { ثمَّ أذَّن مؤذنٌ أيتها العِيرُ إنَّكم لسارقون } (2) .
__________________(1/176)
1-انظر:البدر المنير في علم التعبير،للإمام أبي العباس أحمد بن سرور-رحمه الله-(149-151) . 2-فائدة :لا تصح نسبة أيّ كتاب في تفسير الأحلام لابن سيرين،كـ (تعبير الرؤيا) أو ( منتخب الكلام في تفسير الأحلام ) وقد بين ذلك أهل العلم في مصنفاتهم .انظر:الطرق الحكمية،لابن القيم (ص256)والتراتيب الإدارية،للكتاني (1/59)وكتب حذر منها العلماء،لمشهور بن حسن(2/275-284)ومما يدل على بطلان هذا النسبة:أن في الكتاب من النقولات عمن هو بعد ابن سيرين ؟!.وقد قال ابن سيرين: (لو كنت متخذاً كتاباً،لاتخذت رسائل النبي - صلى الله عليه وسلم - )كما في الطبقات،لابن سعد(7/253)يعني أنه لم يؤلف كتاباً أصلاً !! .
269
وقال القرافي-رحمه الله- في الذخيرة(13/274):
(ولذلك يقع التقييد بأحوال الرائي،فالصاعد على المنبر بلا ولاية إن كان فقيهاً فقاض،أو أميراً فوال،أو من بيت الملك فملك.إلى غير ذلك،ولذلك ينصرف للخير بقرينة الرائي وحاله؛وظاهرها الشر.وينصرف للشر بقرينة الرائي؛وظاهرها الخير.كمن رأى أنَّه مات،فالخيِّرُ:ماتت حظوظه،وصلحت نفسه،والشرِّيرُ:مات قلبه،لقوله تعالى: { أوَمَن كان مَيْتاً فأحييناه } أي كافراً فأسلم ) .
أقول:
لابد عند تأويل الرؤيا من النظر إلى حال الرائي،وذلك لأن منهم من لا تصح له الرؤيا،ثم لو صحت فقد لا يصح إلقاء الأمور العظيمة عليه(1) كمن يرى الصعود على المنبر في المنام،وهو غير مرشح لأمر عظيم،لا تُؤوّل له بِمُلْكٍ مثلاً،وإنما تؤوّل له بما يناسب حاله .
وسأذكر هنا بعضاً من التأويل لمن رأى في منامه: الحجامة،أو الحجَّام،أو آلات الحجامة...إلى آخر ما سيأتي ذِكْرُه .
لكن من المهمات:أن يُعلم أنه ليس كلّ ما ذُكِرَ هنا يكون قاعدة عامة يندرج فيها جميع الرؤى والمنامات،لأنَّه كما تقدم:أنَّ تعبير الرؤى والمنامات،يَختلف من شخص إلى آخر للأسباب المذكورة سابقاً .
__________________
1-انظر: فيض القدير(4/47) .
270(1/177)
الحجامة عند أهل التأويل للمنامات :
يقول أهل العلم بتعبير المنامات والرؤى:الحجامة على سبيل العموم تؤول بأوجه،منها:
تقليد منصب،أو حصول عمل-وظيفة-وعزل،وذهاب مال في منفعة،ونجاة من كرب،وخلاص من سجن،وظفر بعدو،أو حاجة،وعافية من مرض،وطلاق امرأة ...
-إذا رأى إنسان أنه يحتجم،وكان صالحاً لمنصب،أو ولاية،أو يبحث عن عمل:حصل له ذلك-بأمر الله- .
-ومن رأى أنه يحتجم،وهو صاحب ولاية،أو منصب:قد يدل ذلك على عزله من ولايته،أو منصبه .
-ومن كان مريضاً،أو به علة،فرأى أنه يحتجم:يبرأ من علته ومرضه،لقوله - صلى الله عليه وسلم - :
( الشِّفاءُ في ثلاثةٍ : شربةِ عسلٍ ، وشَرْطةِ محجمٍ ، وكيَّةِ نارٍ، وأنهى أمتي عن الكيِّ ) .
-ومن رأى نفسه يحتجم،وكان مسجوناً،فإنَّه يخرج من سجنه .
ومن الرؤى في ذلك:ما ذُكِرَ عن زيد بن المهلب لمّا كان في حبس الحجاج،رأى أنه يحتجم،فتخلص من الحبس .
-رؤيا الحجامة في المنام للمكروب والمهموم:فرجٌ ونجاة من الكرب .
-من رأى أنه يحتجم،فكسرت المحجمة:طلق امرأته .
271
-من رأى نفسه يحتجم،وتلطخ بدم الحجامة:فإنه يموت.
ومن الرؤى في ذلك:ما ذُكِر عن معن بن زائدة لماَّ أناخ بباب بيت،رأى في منامه كأنَّه احتجم،وتلطخ سرادقه بدمه،فلمَّا أصبح دخل عليه أسودان فقتلاه .
-ومن رأى أنه يحتجم،ولم يخرج منه دم،فإنه وضع مالاً في مكان،ثم لم يهتدي إليه،أو دفع وديعة إلى من لا يردها إليه .
-ومن رأى أنه يحجم وليس بحجام،فإنه يحصل له منصب،أو عمل إنْ كان صالحاً له.وإن لم يكن كذلك،فإنه يصير مديناً،أو يحصل له كرب وشدة .
-وإن رأى إنسان في منامه الحجامة،وهو يبحث عن النكاح،فإنه يتزوج .
-وقد تدلُّ الحجامة في المنام على الربح في التجارة.
-وعلى خروج مال في منفعة .
-ومن كان له أعداء،فرأى أنه يحتجم،أو يحجم،فإنه ينتصر عليهم،أو يظفر بهم .
-ومن رأى أنه يحجم إنساناً يخافه:أمن شرَّه (1) .
__________________(1/178)
1-انظر:البدر المنير في علم التعبير،للإمام الشهاب العابر أحمد بن سرور(ص462-464)وكتاب التعبير في الرؤيا،لأبي سعيد نصر بن يعقوب الدينوري القادري(1/521و597و2/515) والإشارات في علم العبارات،لابن شاهين الظاهري(1/200-201)وتعطير المنام في تفسير الأحلام،للنابلسي(ص159-160 ) .
272
الحجامة في الأمثال: قال أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال(1/4-5):
(..ثم إنِّي ما رأيتُ حاجةَ الشريف إلى شيء من أدب اللسان،بعد سلامته من اللحن،كحاجته إلى الشاهد والمثل،والشذرة،والكلمة السائرة،فإنَّ ذلك يزيد المنطق تفخيماً،ويكسبه قبولاً،ويجعل له قدراً في النفوس،وحلاوة في الصدور، ويدعو القلوب إلى وعيه،ويبعثها على حفظه،ويأخذها باستعداده لأوقات المذاكرة والاستظهار به أَوَان المجاولة،في ميادين المجادلة والمصاولة،في حلبات المقاولة..فينبغي أنْ يستكثر من أنواعه،لأنَّ الإقلال منه كاسمه إقلال،والتقصير في التماسه قصور،وما كان منه مثلاً سائراً،فمعرفته ألزم،لأنَّ منفعته أعمّ،والجهل به أقبح،ولمَّا عرفت العربُ:أنَّ الأمثال تتصرف في أكثر وجوه الكلام،وتدخل في جلِّ أساليب القول،أخرجوها في أقواها من الألفاظ،ليخف استعمالها،ويسهل تداولها فهي من أجل الكلام وأنبله،وأشرفه وأفضله،لقلة ألفاظها،وكثرة معانيها ويسير مُئْونتِها على المتكلم،مع كبير عنايتها،وجسيم عائدتها.ومن عجائبها:أنها مع إيجازها تعمل عمل الإطناب،ولها روعة إذا برزت في أثناء الخطاب.والحفظُ مُوكَّلٌ بما راع من اللفظ،وندر من المعنى .. )(1) .
____________________(1/179)
1-فائدة :ضرب الأمثال في القرآن: يستفاد منه أمور التذكير والوعظ،والحث والزجر،والاعتبار والتقرير، وتقريب المراد للعقل وتصويره في صورة المحسوس،بحيث يكون نسبته للعقل كنسبة المحسوس إلى الحس.وقد تأتي أمثال القرآن:مشتملة على بيان تفاوت الأجر على المدح والذم،وعلى الثواب والعقاب،وعلي تفخيم الأمر،أو تحقيره،وعلى تحقيق أمر،وإبطال أمر،والله أعلم .انظر:بدائع الفوائد(4/815)وأمثال القرآن(1/9)كلاهما للإمام ابن القيم .
273
ومن الأمثال الواردة عند العرب في ذِكْرِ الحجَّام،قولهم:
(أفرغ من حجَّام ساباط ) .
حجام ساباط:يضرب به المثل في الفراغ،يقال:( أفرغ من حجام ساباط) .
ومن خبره:أنَّه كان حجاماً ملازماً لساباط المدائن،فإذا مرَّ به جندٌ،وقد ضرب عليهم البعث،حجمهم نسيئةً بدانق واحدٍ إلى وقت قفولهم،وكان مع ذلك يمرُّ به الأسبوع والأسبوعان،ولا يدنو منه أحد،فتخرج أمه فيحجمها ليرى الناس أنَّه غير فارغ،فما زال ذلك دأبه حتى نزف دم أمه،فماتت فجأة.وصار فراغ الحجام مثلاً (1) .
قال ابن بسام :
دارُ أبى جعفرَ مُفروشةٌ ما شئتَ من بُسطٍ وأسماطِ
وبُعْدُ ما بَينكَ من خبزهِ كَبعدِ بلخ من سميساطِ
مطبخهُ قَفْرٌ وطبَّاخُهُ أفرغُ من حجَّام ساباطِ
__________________
1-انظر:ثمار القلوب،للثعالبي(ص235)وجمهرة الأمثال،للعسكري(2/107)ومجمع الأمثال،للميداني(2/86)ومعجم البلدان،لياقوت الحموي (3/166).
وساباط المدائن:موضع في العراق .
274
ومن الأمثال المعاصرة،قولهم :
(حجَّام وقلاع ضروس ) .
قال الأستاذ عبد الكريم الجهيمان في كتابه الأمثال الشعبية في قلب الجزيرة العربية(2/254):
(يعني أنَّه يعمل هنا وهناك .. ويعمل في اتجاهات متعددة ..
يضرب مثلاً:لمن يعمل في ناحيتين،ويجاهد في جبهتين مختلفتين .. ومثل هذا يضيع في خضم الحياة .
كما يقولون في المثل الآخر: (صاحب صنعتين كذَّاب)(1).
ومن عُرِفَ بأنه كذَّاب:هرب منه الأصحاب ) .(1/180)
_________________
1- هذا الحكم على الإطلاق ليس بصواب ،فكم من إنسانٍ تحصَّلَ له التفوق في أكثر من فنٍّ وعلم وصناعة،والواقع قديماً وحديثاً شاهدٌ بذلك !! .
275
من لطائف الأخبار المنقولة عن الحجامين :
(حُكي أنّ الحجَّاجَ أمر صاحب حراسته أن يطوف بالليل،فمن وجده بعد العشاء ضرب عنقه،فطاف ليلةً فوجد ثلاثة صبيان يتمايلون، وعليهم أثرُ الشراب،فأحاط بهم،وقال لهم:من أنتم حتى خالفتم الأمير، فقال الأول :
أنا ابنُ من دانت الرقابُ له مَا بيَن مخزومِها وهاشمها
تأتيه بالرَّغمِ وهي صاغرةٌ فيأخذ منْ مالها ومنْ دَمِها
فأمسك عن قتله وقال : لعله من أقارب أمير المؤمنين. وقال الثاني :
أنا ابنُ الذي لا يُنزِلُ الدهرُ قِدْرَهُ وإنْ نزلت يوماً فسوف تَعودُ
ترى الناسَ أفواجاً إلى ضوءِ نارهِ فمنهم قيامٌ حولَها وقعودُ
فأمسك عن قتله وقال : لعله من أشراف العرب.وقال الثالث :
أنا ابن الذي خاض الصفوف بعزمه وقوَّمَها بالسيفِ حتى استقَامَتِ
ركاباه لا تنفك رجلاه مِنْها إذا الخيل في يوم الكريهة ولَّتِ
فأمسك عن قتله وقال : لعله من شجعان العرب .
فلما أصبح رفع أمرهم إلى الحجاج،فأحضرهم وكشف حالهم.فإذا الأول ابن حجَّام،والثاني ابن فوال،والثالث ابن حائك.فتعجب من فصاحتهم،وقال لجلسائه: علّموا أولادكم الأدب،فوالله لولا فصاحتُهم لضربت أعناقَهم،ثم
276
أطلقهم وأنشد:
كن ابنَ من شئتَ واكتسب أدباً يُغنيك محمُودُه عن النسبِ
إنَّ الفتى من يقولُ ها أنَا ذا ليس الفتى مَنْ يقولُ كانَ أبي(1)
طبيبةٌ وحجَّامة :
زينب طبيبة بني أود :
(كانت عارفة بالأعمال الطبية،خبيرة بالعلاج ومداواة آلام العين والجراحات-والحجامة-مشهورة بين العرب بذلك.(1/181)
قال أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني الكبير:أخبرنا محمد بن خلف المرزبان قال،حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن كناسة عن أبيه عن جده،قال: أتيت امرأة من بني أود لتكحلني من رمد كان قد أصابني،فكحلتني ثم قالت اضطجع قليلاً حتى يدور الدواء في عينيك،فاضطجعت ثم تمثلت قول الشاعر :
أمُختَرِمي رَيْبُ المنون ولم أزرْ طبيبَ بني أوْدٍ على النَّأْيِ زَيْنَبَا
فضحكت،ثم قالت:أتدري فيمن قيل هذا الشعر؟،قلت: لا،قالت: فيَّ واللَّه قيل. وأنا زينب التي عناها،وأنا طبيبة بني أود،أفتدري من الشاعر؟،قلت لا،قالت: عمك أبو سماك الأسدي ) (2) .
__________________
1-انظر: إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس،للإكليدي( ص 34 – 35)وخزانة الأدب(2/360) .
2-عيون الأنباء في طبقات الأطباء،لابن أبي أصيبغة،وانظر:الأغاني،للأصفهاني(13/370)
277
حجام لا يحب المجاملة !!ويرى العدل والإنصاف مع سائر الناس!!:
في كتاب الحيوان للجاحظ(7/262): (..وكان أهل المربد يقولون:لا نرى الإنصاف إلاَّ في حانوت فرج الحجَّام؛لأنه كان لا يلتفت إلى من أعطاه الكثير دون القليل،ويقدِّم الأول ثم الثاني ثم الثالث أبداً حتى يأتي على آخرهم،على ذلك يأتيه من يأتيه؛فكان المؤخَّر لا يغضب ولا يشكوه ) .
حجام يُضجرُهُ تَشَدّقُ محتجم بغريب الكلام :
(قال أبو الحسن: مرَّ أبو علقمة النحوي ببعض طرق البصرة،وهاجت به مرّة، فوثب عليه قوم منهم،فاقبلوا يعضُّون إبهامه،ويؤذنون في أذنه،فأفلت من أيديهم فقال:مالكم تتكأكأون على كأنكم تتكأكأون على ذي جنة،افرنقعوا عني.قالوا: دعوه فإنَّ شيطانه يتكلم بالهندية !.
وقال أبو الحسن:هاج بأبي علقمة الدم،فأُتى بحجَّام،فقال للحجَّام:اشدد قصب الملازم،وأرهف ظبات المشارط،وأسرع الوضع وعجل النزع،وليكن شرطك وخزاً،ومصك نهزاً،ولا تكرهن أبياً،ولا تردن اتياً،فوضع الحجام محاجمه في جونته وانصرف ) (1) .
كرم داود الطائي-رحمه الله- مع حجَّام :
((1/182)
قال أبو سعيد السكري:احتجم داود الطائي،فدفع ديناراً إلى الحجَّام،فقيل له هذا إسراف،فقال: لا عبادةَ لمن لا مروءة له )(2) .
________________
1-البيان والتبيين،للجاحظ(1/198)وانظر:صبح الأعشى،للقلقشندي(2/257 ) .
2-حلية الأولياء،لأبي نعيم (7/354)وصفة الصفوة ،لابن الجوزي (3/137) .
278
حجَّام يعلِّمُ إمَاماً : قال ابن خلكان في وفيات الأعيان(3/261):
(وحُكي عن وكيع؛قال:قال لي أبو حنيفة النعمان بن ثابت:أخطأتُ في خمسة أبواب من المناسك بمكة،فعلَّمنيها حجام،وذلك أني أردت أن أحلق رأسي،فقال لي:أعربيٌّ أنت؟قلت:نعم،وكنت قد قلت له:بكم تحلق رأسي؟فقال: النسك لا يُشارَطُ فيه،اجلس،فجلست منحرفاً عن القبلة،فأومأ لي باستقبال القبلة،وأردتُ أن أحلق رأسي من الجانب الأيسر،فقال:أدر شِقَّك الأيمن من رأسك؛فأدرته،وجعل يحلق رأسي وأنا ساكت،فقال لي:كَبِّر،فجعلت أكبر حتى قمتُ لأذهب،فقال:أين تريد؟فقلت:رحلي،فقال:صلِّ ركعتين ثم امض.فقلت ما ينبغي أن يكون هذا من مثل هذا الحجام إلاَّ ومعه علم.فقلت:من أين لك ما رأيتك أمرتني به؟فقال:رأيت عطاء بن أبي رباح يفعل هذا ) (1) .
__________________
1-في درر الخصائص الواضحة،للوطواط(ص135):
(قالوا من قعد به نسبه:نهض به حسبه،وقالوا: من تأدب وليس له حسب،ألحقه الأدب بأهل الرتب،وقد يُستغني الأدب عن الحسب،كما حُكي عن سيبويه قال:
تكلم رجلٌ بين يدي المأمون،فأحسن،فقال له المأمون:ابن من أنت؟قال:ابن الأدب يا أمير المؤمنين،فقال نِعْمَ الحسب الذي انتسبت إليه.
ولهذا قيل:المرء من حيث يثبت،لا من حيث ينبت،ومن حيث يوجد،لا من حيث يولد،وبآدابه لا بثيابه،وبفضيلته لا بفصيلته،وبعقله لا بعقائله،وبأنبائه لا بآبائه،وبكماله لا بجَمَالِه. قال الشاعر :
كن ابنَ من شئتَ واكتسب أدباً يُغنيك محمُودُه عن النسبِ
إنَّ الفتى من يقولُ ها أنَا ذا ليس الفتى مَنْ يقولُ كانَ أبي
279
فِطْنةُ،ودُعَابَةُ حجَّام :(1/183)
احتاج ابن حمدون النديم(نديم الخليفة الواثق بالله) إلى الحجامة:فطلب من غلامه أن يأتيه بحجام،فلما جاء الحجام،قال له ابن حمدون:
اشرط في الجانب الأيمن اثنتي عشرة شرطة،وفي الجانب الأيسر أربع عشرة شرطة،فإنَّ الدم في الجانب الأيسر أقل منه في الجانب الأيمن،لأنَّ الكبد في الأيمن والحرارة هناك أوفر ،والدم أغزر،فإذا زدت في شرط الأيمن:اعتدَل خروج الدم من الجانبين ففعل .
وهو مع ذلك ساكتٌ،فعجبت من صمته،وقلت للغلام:ادفع إليه ديناراً،فدفع إليه فردَّه،فقلت:استقله؛ولعمري إنَّ العيون إلى مثلي مُمَدَّة،والطمع مستحكم في نديم الخليفة.فقلت للغلام:أعطه ديناراً آخر،ففعل
فردَّه،وأبى أن يأخذهما،فاغتظت ،وقلت له:قبحك الله أكثر من يجلس بين يديك:يدفع إليك نصف درهم وأنت تستقل ما دفعت إليك!فقال:
والله ما رددتها استقلالاً،ولكن نحن أهل صناعة واحدة !!وأنت أحذق مني،وما كان الله ليراني وأنا آخذ من أهل صناعتي أجرةً أبداً ؟!!! .
فلمَّا كان في العام المقبل،واحتجت إلى نقص الدم قلت للغلام:اذهب فجئنا بذلك الحجام،فقد عرف الخدمة،وقد انصرف تلك الدفعة ولم يأخذ شيئاً،ولعله قد نسيها فيقع برؤنا منه،على حاجة منه إليه.قال:فلما جاء وحجمني أحسن حجامة،قلت له: سبحان الله من أين لك هذا الحذق بهذه الصَّنْعَة؟،فقال:
280
ما كنتُ أحسن من هذا شيئاً،ولكن حجَّام الخليفة اجتاز بنا بهذا الوضع في العام الماضي،فتعلمت منه هذا ؟!! .
فضحكت منه وأمرت له بثلاثين ديناراً،مع ما تم له من معاريض كلامه في الدفعتين جميعاً (1) .
- - -
__________________
1-معجم الأدباء،لياقوت الحموي .
281
فضل الأمراض والعلل،واحتساب الأجر من الله سبحانه وتعالى عند وجودها:
أيها المريض :
ثبت في صحيح مسلم عن صهيب-رضي الله عنه- قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
((1/184)
عجباً لأمر المؤمن،إنَّ أمره كلَّه خيرٌ،وليس ذلك لأحد إلاَّ للمؤمن،إنْ أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له،وإنْ أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له ) .
فالمؤمن في هذه الدنيا يعيش أيام حياته راضياً بقضاء الله وقدره،لعلمه أنَّ الابتلاء فيها سُنَّةٌ إلهية وإرادة ربانية ...
والمؤمن يعلم:أنه كم من نعمة لو أعطيها العبد في دنياه -وهو يحب ذلك-كانت سبباً في شقائه وتعاسته،وكم من محروم من نعمة-وهو يكره الحرمان-فيكون ذلك سبباً في سعادته في الدنيا والآخرة ..
قال الله جلَّ وعلا: { وعسى أنْ تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أنْ تُحبوا شيئاً وهو شرٌّ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون } سورة البقرة،الآية:216.
أيها المريض :
إنَّ الدنيا التي اغتر بها كثير من الناس،فجعلها منتهى أمله،وأكبر همه .. وصفها ربها سبحانه بقوله: { وما الحياةُ الدنيا إلاَّ مَتاع الغرور } سورة الحديد،الآية: 2.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة،ما سقى كافراً منها شربةَ ماء ) رواه الترمذي(صحيح الجامع،رقم:5292) .
282
وهي مع ذلك لا يدوم لها حال،إنْ أضحكت قليلاً،أبكت كثيراً ،وإنْ أسرَّت يوماً ساءت أيَّاماً ودهوراً..لا يسلم المرء فيها من سقم يكدر صفو حياته،أو مرض يوهن قوَّته ويُعكِّر لحظاته ..
يقول الإمام ابن القيم-رحمه الله- في زاد المعاد(4/190) عن الدنيا:
(..إنْ أضحكت قليلاً أبكت كثيراً،وإنْ سرَّت يوماً ساءت دهراً،وإنْ مَتَّعت قليلاً منعت طويلاً، وما ملأت داراً خيرةً،إلا ملأتها عَبرةً ،ولا سرَّته بيومِ سرورٍ،إلا خبأت له يومَ شرورٍ.
قال ابن مسعود-رضى الله عنه-:لكلِّ فرحةٍ تَرْحةٌ،وما مُلئ بيتٌ فرحاً،إلا ملئ ترحاً.
وقال ابن سيرين:ما كان ضحكٌ قط،إلا كان من بعده بكاءٌ .(1/185)
وقالت هند بنت النعمان:لقد رأيتُنَا ونحن من أعزِّ الناس وأشدِّهم ملكاً؛ثمَّ لم تغب الشمسُ حتى رأيتُنا ونحن أقلّ الناسِ.وأنَّه حقٌّ على الله: ألا يملأ داراً خَيْرةً إلا ملأها عَبرة .
وسألها رجلٌ أن تُحدِّث عن أمرها،فقالت: أصبحنا ذات صباح:وما في العرب أحدٌ إلاَّ ويرجونا،ثمَّ أمسينا:وما في العرب أحدٌ إلاَّ ويرحمنا ) .
ولذلك كانت وصية من عرفَ قَدْرَها وحقيقتها - صلى الله عليه وسلم - :
(كُنْ في الدنيا كأنَّك غَريبٌ،أو عابر سبيلٍ ) رواه البخاري .
وهكذا ..من عرف حقيقة الدنيا زهد فيها،ومن زهد فيها هانت عليه أكدارها ومصائبها ..
283
أيها المريض :
صحَّ عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إنَّ عظم الجزاء مع عظم البلاء؛وإنَّ الله تعالى إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم،فمن رضي فله الرّضى،ومن سخط فله السُّخط )رواه الترمذي (صحيح الجامع،رقم:2110) .
فالبلاء والأمراض والأسقام:إذا كانت فيمن أحسن ما بينه وبين ربه،ورزقه صبراً عليها،كانت علامة خير ومحبة ..
في سنن الترمذي عن أنس-رضي الله عنه-قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(إذا أراد الله بعبده الخير عجَّلَ له العقوبة في الدنيا،وإذا أراد بعبده الشَّر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة ) (صحيح الجامع،رقم:308) .
والمتأمَّلُ لحال الأنبياء-عليم الصلاة والسلام-وهم من أحبِّ الخلق إلى الله وجدَ
البلاء والأمراض والعلل طريقهم،بل إنهم من أشدِّ الناس بلاءً،ومرضاً وسقماً..
دخل عبدا لله بن مسعود-رضي الله عنه-على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يوعك،فقال:يا رسول الله إنَّك توعك وعكاً شديداً،قال - صلى الله عليه وسلم - : (أجل، إني أوعك كمَا يوعكُ الرجلان منكم ) (متفق عليه) .
وعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال:دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محموم عليه قطيفةٌ،فوضعت يدي فوق القطيفة،فقلت:ما أشدَّ حُمَّاك يا رسول الله!قال:
((1/186)
إنَّا كذلك معاشر الأنبياء يُشدَّد علينا البلاء ، ويُضاعَف لنا الأجر ).
ثم قال :يا رسول الله من أشدُّ الناس بلاءً ؟ قال: (الأنبياء )قال :ثم من ؟ قال: (العلماء )قال : ثم من ؟ قال:
284
( الصالحون،وكان أحدهم يبتلى بالقمل حتى يقتله،ويبتلى أحدهم بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يلبسها،ولأحدهم كان أشدَّ فرحاً بالبلاءِ من أحدكم بالعطاء ) صحيح الترغيب(3/330) .
وسأله سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه-: أيُّ الناس أشدُّ بلاءً ؟قال - صلى الله عليه وسلم - : (أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمْثَلُ فالأمْثَلُ،يبتلى الرجل على حسب دينه فإنْ كان دينُهُ صلباً أشتدَّ بلاؤه ،وإنْ كان في دينه رقَّهٌ ابتُلي على حسب دينه،وما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة ) (رواه الترمذي وابن ماجة) صحيح الترغيب(3/329) .
ولهذه المحاسن في الابتلاء:فرح الصالحون عند وجود البلاء،وعدُّوا ذلك من الهموم والأمراض والأسقام نعمة عظيمة عليهم،وبشارة خيرٍ جاءتهم ..
(مرَّ وهب بن منبه بمبتلى أعمى مجذوم مقعد عريان به وضح،وهو يقول:الحمد لله على نعمته،فقال رجلٌ مع وهب:أي شيء بقي عليك من النعمة تحمد الله عليها؟،فقال له المبتلى:ارم ببصرك إلى أهل المدينة،فانظر إلى أكثر أهلها،أفلا أحمد الله أنه ليس فيها أحد يعرفه غيري) (1) .
نفسُ المحبِّ على الآلام صابرةٌ لعلَّ مُتلِفها يوماً يداويها
________________
1-الشكر،لابن أبي الدنيا(ص60) وعدة الصابرين،لابن القيم (117) .
285
أيها المريض :
اعلم أنَّ ما أصابك قليل بالنسبة لما أعطاك الله..والعبد المؤمن بقضاء الله وقدره:ينظر (إلى ما أصيب به، فيجد ربَّه قد أبقى عليه مثله،أو أفضل منه،وادَّخر له-إن صبر ورضيَ-ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة؛وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي ) (1) .
أيها المريض :
إن أصابك بلاءٌ،أو مرض فارفع يديك إلى السماء ،وقل:يا الله ..(1/187)
فالله سبحانه:مُفرِّج الكروب والأحزان،وهو الشافي والمعافي للأدواء والأسقام..
قال تعالى: { أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء } لا يكشف السوء،ولا يجب المضطر إذا دعا إلا الله سبحانه في علاه ..
إنْ أصابتك أيها العبد علَّة أو مرضٌ:خذ بالأسباب مع الاعتقاد أن الله هو الشافي { وإذا مرضت فهو يشفين } وكن جاعلاً بثك وحزنك إلى الله،وأنزل ما أصابك من البلاء بالله ..
__________________
1-زاد المعاد (4/190) .
286
قال يعقوب-عليه السلام- لما ابتلي بفقد يوسف: { قال إنَّمَا أشكوا بثي وحزني إلى الله } .
وعنْ أمِّ سلمة – رضي الله عنها – قالت:سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( ما أبتلى الله عبداً ببلاءٍ وهو على طريقةٍ يَكْرَهُها ؛ إلا جعل الله ذلك البلاءَ كَفَّارةً وطهوراً ما لم يُنْزِل ما أصابَهُ من البلاءِ بغير الله،أو يدعو غيرَ الله في كَشْفِه ) .
(صحيح الترغيب،رقم :3401 ) .
في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - أنَّه دخل أصحابُه يعودونه وهو مريض،فقالوا: يا أبا العباس ماذا أصابك؟فسكت ثم رفع رأسه وقال(1):
تموتُ النفوسُ بأوصابها ولم تدرِ عوّادُها ما بها
وما أنصفت مهجةٌ تشتكي أذاها إلى غيرِ أحبابها
أيها المريض :
اعلم أنه مما يطفئ نار مصيبتك:هو برد التأسي بأهل المصائب،ولتعلم أنه في كلِّ وادٍ بنو سعد؛ ولتنظر يمنةً،فهل ترى إلا محنةً،ثم لتعطف يسرةً،فهل ترى إلا حسرةً ؟وأنه لو فتشت العالم:لم تر فيهم إلا مبتلى إمَّا بفوات محبوب،أو حصول مكروه ..(2) .
___________________
1- انظر:الدر الكامنة،لابن حجر(1/174) .
2-زاد المعاد (4/190) .
287
فمن رأى مصائب الناس هانت عليه مصائبه ..
صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
(انظروا إلى من هو أسفل منكم،ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ) رواه مسلم .(1/188)
فمن رحمة الله بك:أنَّ البلاء كان في جسدك ولم يكن في دينك،فالمُصَابُ في الدين من أعظم المصائب التي لا جابر لها إلاَّ بالتوبة الصادقة،والعودة إلى الله ..
أيها المريض :
قال الله جلَّ وعلا: { ولنبلونَّكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين*الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } سورة البقرة،الآيات:155-157.
فالأمراض والأسقام:من جملة ما يبتلي الله به عباده في هذه الدنيا:اختباراً وابتلاءً،وتكفيراً للذنوب، ورفعةً وعلواً للعبد في الدنيا والآخرة ..
فقد يتألم البعضُ من وجود المرض،وتتأثر نفسه بذلك،ولو عرف حقيقة الأمر لعلم أنَّ المرض نعمة عظيمة له توجب الشكر والصبر والرضا ...
العبد ذو ضجرٍ والرَّب ذو قدرٍ والدهر ذو دولٍ والرزق مقسوم
والخيرُ أجمعُ فيما اختارَ خالقُنا وفي اختيارِ سواه الشُّوم واللُّوم
288
عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
(يود أهل العافية يوم القيامة حين يُعطي أهلُ البلاء الثوابَ،لو أن جلودهم كانت قرضت بالدنيا بالمقاريض) رواه الترمذي،صحيح الجامع،رقم:8177.
وعن ابن مسعود-رضي الله عنه-قال:قال رسول - صلى الله عليه وسلم - : (ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه،إلا حطَّ الله به من سيئاته كما تحط الشجرة ورقها)رواه مسلم .
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة،في نفسه وولده وما له،حتى يلقي الله تعالى وما عليه خطيئة ) رواه الترمذي،صحيح الجامع،رقم: 5816 .(1/189)
ودخل الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أمِّ السائب-رضي الله عنها-،فقال : ( ما لك يا أمَّ السائب تزقزقين (1)؟)قالت : الحمَّى لا باركَ الله فيها،فقال: ( لا تسبي الحمَّى،فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد) رواه مسلم .
قال أبن أبي الدنيا : ( كانوا يرجون في حمى ليلةٍ كفارة ما مضى من الذنوب)(2).
_______________
1-تزقزقين:تتحركين حركة شديدة،أي:ترتعدين .
2-المرض والكفارات،لابن أبي الدنيا (ص40) .
289
قال إبراهيم بن الوليد:دخلت على إبراهيم المغربي،وقد رفسته بغلة فكسرت رجله،فقال: لولا مصائب الدنيا،لقدمنا على الله مفاليس (1) .
وفي صفة الصفوة،لابن الجوزي(4/34):
(قال عبد المؤمن بن عبد الله القيسي:ضربت أمَّ إبراهيم العابدة دابَّةٌ،فكسرت رجلها،فأتاها القوم يعزونها،فقالت:لولا مصائب الدنيا وردنا الآخرة مفاليس ) .
أيها المريض :
إذا بلغ المبتلى في الجزع غايته،فآخر أمره إلى صبر الاضطرار،وهو غير محمود ولا مُثَاب عليه .
قال بعض الحكماء: (العاقل يفعل في أول يوم مصيبته،ما يفعله الجاهل بعد أيام.
ومن لم يصبرْ صبرَ الكرام،سلا سلُوَّ البهائم )وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
(الصبر عند الصدمة الأولى ).وقال الأشعث بن قيس:إنَّك إنْ صبرت إيماناً واحتساباً؛وإلاَّ سلوتَ سلُوَّ البهائم )(2) .
ثم إنَّ الجزع لا يرد المرض،بل يضاعفه،ويزيد من تأثيره،مع فوات ثواب الصبر والتسليم،وهو الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على الصبر والاسترجاع. وهذا الفوات:هو في الحقيقة أعظم من المرض نفسه .
فالمرض حاصل شاء العبد أم أبى،فلا يكون مرضٌ وحرمان أجر !! .
_________________
1-شعب الإيمان،للبيهقي: (7/201)والحلية،لأبي نعيم: (10/164)وعدة الصابرين،لابن القيم: (ص73) .
2-زاد المعاد: (4/193) .
290
أيها المريض:(1/190)
عليك أن تعلم:(أنَّه لولا محن الدنيا ومصائبها،لأصاب العبد:من أدواء الكبر والعجب،والفرعنة وقسوة القلب،ما هو سبب هلاكه عاجلاً وآجلاً.فمن رحمة أرحم الراحمين:أن يفتقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب،تكون حِمْيَةً له من هذه الأدواء،وحفظاً لصحةِ عبوديته،واستفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه.فسبحان من يرحم ببلائه،ويبتلي بنعمائه! كما قيل:
قَدْ يُنعِمُ اللهُ بالبلْوَى وإنْ عَظُمَتْ ويَبْتَلي اللهُ بعضَ القَومِ بِالنِّعَمِ
فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء،لطغوا وبغوا وعتوا.والله سبحانه إذا أراد بعبدٍ خيراً:سقاه دواءً من الابتلاء والامتحان على قدر حاله،يَستفرغ به من الأدواء المهلكة؛حتى إذا هذَّبَه ونقَّاه وصفَّاه:أهَّلَهُ لأشرف مراتب الدنيا-وهي عبوديته-وأرفع ثواب الآخرة،وهو رؤيته وقربه)(1)
أيها المريض:
لا بد لكلِّ عسرٍ من يسر،ولكلِّ شدة من فرج..هذه هي سنة الله تعالى في خلقه..إرادة كونيةٌ ربَّانيةٌ كائنة لا محالة .
_________________
1-زاد المعاد: (4/195) .
291
والأمراض والبلايا والأسقام مهما عظمت وطالت أيامها،فلابد لها من نهاية،ولساعتها من انقضاء ..
عسى ما ترى أن لا يدوم وأنْ ترى له فرجاً ممَّا ألحَّ له بِه الدَّهرُ
عسى فرجٌ يأتي به الله إنَّه له في كلِّ يومٍ في خليقتِه أمرُ
إذا لاح عُسْرٌ فارجُ يسراً فإنَّه قضى اللهُ أنَّ العُسْرَ يتبعُهُ اليُسرُ(1)
قال وهب بن منبه-رحمه الله- :
(لا يكون الرجل فقيهاً كامل الفقه:حتى يعد البلاء نعمة،ويعد الرخاء مصيبة، وذلك أنَّ صاحب البلاء:ينتظر الرخاء،وصاحب الرخاء ينتظر البلاء )(2) .
قال الله جلَّ وعلا: { سيجعل الله بعد عسرٍ يسراً } سورة الطلاق،الآية:7.
وقال سبحانه: { فإنَّ مع العُسْرِ يُسْراً*إنَّ مع العسر يُسْراً } سورة الشرح،الآيتان:5-6.
وصحَّ من حديث ابن عباس-رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
((1/191)
واعلم أنَّ النصر مع الصبر،وأنَّ الفرَجَ مع الكرب،وأنَّ مع العسر يسراً )رواه أحمد وغيره .
____________________
1-جامع العلوم والحكم،لابن رجب: (1/524) .
2-المرض والكفارات،لابن أبي الدنيا: (ص 89)وعدة الصابرين،لابن القيم: (ص75) .
292
لمَّا حُوصر أبو عبيدة -رضي الله عنه- كتب إليه عمر-رضي الله عنه- يقول:
(مهما ينزل بامرئ شدَّةٌ يجعل الله له بعدها فرجاً،وإنَّه لن يغلب عسرٌ يسرين،وإنَّه يقول: { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلَّكُمْ تُفلِحُون } سورة آل عمران،الآية:200.
(ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب،واليسر بالعسر:أنَّ الكرب إذا اشتدَّ وعظم وتناهى،حصل للعبد الإياس من كشفه من جهة المخلوقين،وتعلَّق قلبه بالله وحده،وهذا هو حقيقة التوكل على الله،وهو من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج،فإنَّ الله يكفي من توكَّل عليه،كما قال سبحانه: { ومن يتوكَّل على الله فهو حسبه } سورة الطلاق،الآية:3.
قال الفضيل-رحمه الله-:والله لو يئستَ من الخلقِ حتَّى لا تريد منهم شيئاً،لأعطاكَ مولاك كُلَّ ما تُريد .
وأيضاً:فإنَّ المؤمن إذا استبطأ الفَرجَ،وأيس منه بعدَ كثرة دعائه،وتضرُّعه،ولم يظهر عليه أثر الإجابة يرجع إلى نفسه باللائمة،وقال لها:إنما أُتيت من قِبَلِكِ،ولو كان فيكِ خيرٌ لأُجِبتُ،وهذا اللّومُ أحبُّ إلى الله من كثيرٍ من الطاعات،فإنَّه يوجب انكسار العبد لمولاه واعترافَه له بأنَّه أهلٌ لما نزلَ به من البلاء،وأنَّه ليس بأهلٍ لإجابة الدعاء،فلذلك تُسرع إليه حينئذ إجابة الدعاء وتفريج الكرب،فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبُهم من أجله .
293(1/192)
قال وهبٌ:تعبد رجلٌ زماناً،ثمَّ بدت له إلى الله حاجةٌ،فصام سبعين سبتاً،يأكل في كلِّ سبتٍ إحدى عشرةَ تمرة،ثمَّ سأل الله حاجته فلم يُعطَها ،فرجع إلى نفسه فقال:منكِ أُتيتُ،لو كان فيك خيرٌ أعطيتِ حاجتَكِ،فنزل إليه عند ذلك ملَكٌ،فقال:يا ابن آدم ساعتك هذه خير من عِبادتك التي مضت،وقضى الله حاجته ) (1) .
فيا أيها المريض: لا تستوحش في هذه الدنيا من ظاهر الحال:
(فإنَّ الله سبحانه يعامل عبدَه معاملةَ من ليس كمثله شيء في أفعاله،كما ليس كمثله شيء في صفاته،فإنَّه ما حرمَه إلا ليُعطيه،ولا أمرضه إلا ليَشفيه،ولا أفقره إلا ليُغنيه،ولا أماته إلا ليُحييه ..
وما أخرجَ أبويه من الجنَّة إلا ليُعيدهما إليها على أكملِ حال،كما قيل:يا آدم لا تجزع من قولي لك: (واخرج منها)فلك خلقتها وسأعيدك إليها،فالرَّب تعالى:يُنعمُ على عبده بابتلائه،ويعطيه بحرمانه،ويصحبه بسقمه،فلا يستوحش عبدُه من حالة تسوؤه أصلاً،إلا إذا كانت تغضبه عليه وتبعده منه)(2).
____________________
1-انظر:جامع العلوم الحكم،لابن رجب-رحمه الله-(1/520-524) .
2-عدة الصابرين،لابن القيم(ص47) .
294
خاتمة الرسالة:
وبعدُ :
فهذه سُلالةُ فوائدَ سطرتها في وقت امتحان واختبار-والحمد لله على ذلك-ورقمتها في هذه الكواغد(1) وأنا مكدود الخاطر،في بعدٍ من المكان عن كتبي وأوراقي،سائلاً الله بمنه وكرمه:أن يُفرِّجَ الهم،وينفس الكرب،فالله ربي مجيب دعوة الداعي إذا دعاه،وهو على كلِّ شيءٍ قدير ..
ويا أيها الناظر في هذه الأوراق:اعلم أنَّ الخطأ والنقصَ صفاتٌ لازمةٌ،لا ينجو منها أحدٌ من البشر،عدا الأنبياء والمرسلين المعصومين-عليهم الصلاة والسلام-.
فالتمس عُذْراً-رحمك الله-لكاتبها إنْ وجدتَ فيها خطأً،فإنَّ الكريمَ يستر وينصح،وغيرَه يهتك ويعيِّر!!.
قال الإمام الشافعي – رحمه الله -:
((1/193)
لقد ألفتُ هذه الكتب،ولم آلُ فيها،ولا بدَّ أنْ يوجد فيها الخطأ،لأن الله تعالى يقول: { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً } سورة النساء، آية: 82 .
فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب والسنة،فقد رجعت عنه (( .
وقال بعضهم :
كمْ من كتابٍ تصفحتُه وقلتُ في نفسي أصلحتُه
حتى إذا طالعتُه ثانياً وجدتُ تصحيفاً فصححتُه
___________________
1-الكواغد:الورق .
295
وقال ابن عبد القدوس النيسابوري - رحمه الله - :
( لا أعلم في الدنيا كتاباً سلم إلى مؤلفه ولم يتتبعه من يليه ) .
وقال القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني – رحمه الله -:
( إني رأيتُ أنه لا يكتب إنسانٌ كتاباً في يوم إلاَّ قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن ولو زيد كذا لكان يُسْتَحسن ،ولو قدّمَ هذا لكان أفضل ، ولو ترك هذا لكان أجمل وهذا من أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاء النقص علىجملة البشر ) . وقد أحسن القائل :
ما خَطَّ كَف امرئٍ شيئاً وراجعَه إلاَّ وعنَّ له تبديلُ ما فيه
وقال ذاك كذا أولى وذاك كذا وإنْ يكن هكذا تَسْمو مَعانيه(1)
واعلم: ( أنَّ نتائج الأفكار على اختلاف القرائح لا تتناهى،وإنَّما ينفق كلّ أحدٍ على قدر سعته،لا يكلف الله نفساً إلاَّ ما آتاها،ورحم الله من وقف فيها على سهو أو خطأ فأصلحه عاذراً لا عاذلاً،ومنيلاً لا نائلاً،فليس المبرأ من الخطأ إلاّ من وقى الله وعصم،وقد قيل:الكتاب كالمكلَّف لا يسلم من المؤاخذة،ولا يرتفع عنه القلم .والله تعالى يقرنها بالتوفيق،ويُرشد فيها إلى أحسن طريق،وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلتُ وإليه أنيب)(2)وهو حسبي ونعم الوكيل .
والحمد لله من قبلُ ومن بعدُ .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
____________________________
1-انظر : كتابنا:))كُنَّاش الفوائد ، وتقييد الفرائد(( يَسَّرَ الله طبعه .
2-صبح الأعشى،للقلقشندي (1/63) .
296
فهرس الموضوعات(1/194)
المقدمة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 1
الحجامة تعريف وبيان ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 2
تاريخ الحجامة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 3
الحجامة في صحيح سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 5
الأحاديث الضعيفة والموضوعة في الحجامة. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 7
الحجامة والمسؤولية الطبيَّة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 14
آداب الحجَّام ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 18
الأحكام الفقهية المتعلقة بالحجامة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 30
أوقات الحجامة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 42
مواضع الحجامة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 50
فوائد الحجامة تفصيلاً ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 89-238
النصائح الحسان لمن أصيب بمسِّ الجان ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 239
فوائد الحجامة على سبيل العموم ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 243
كيفيَّة عمل الحجامة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 253
الحجامة في الرؤى والمنامات ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 266
297
الحجامة في الأمثال ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 273
من لطائف الأخبار المنقولة عن الحجامين ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 276
فضل الأمراض والعلل ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 282
خاتمة الرسالة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 295
- - -
298(1/195)