بسم الله الرحمن الرحيم
إتحاف الأطهار
بفضل الدعاء وصحيح الأذكار
وفوائدهما
بقلم
أبي أنس
مَاجد البنكاني(1/1)
مقدمة
ijk
إنَّ الحمدَ لله نحمَدُه ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ، ومن يُضلل فلا هادي له .
وأشهد أنّ لا إله إلاّ اللهُ وحده لا شريك له. وأشهد أنّ محمداً عبده ورسولُه. يَا أَيُّهَا { الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) } (1) يَا أَيُّهَا { النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) } (2)
$pkڑ‰r'¯"tƒ { الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } (3)
أما بعد،،
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) } .(4)
وقال تعالى: { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) } .(5)
__________
(1) سورة آل عمران .
(2) سورة النساء .
(3) سورة الأحزاب .
(4) سورة الأحزاب .
(5) سورة الأحزاب .(1/1)
وعن عبد الله بن بسر قال: جاء اعرابي فقال : يا رسول الله! كثُرت عليَّ خلال الإسلام وشرائعه فأخبرني بأمر جامع يكفيني قال: "عليك بذكر الله تعالى"قال: ويكفيني يا رسول الله!قال: "نعم ويفضل عنك". (1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله تعالى على كل أحيانه.(2)
فعلى المسلم أن لا يغفل عن ذكر الله في أي حال من الأحوال ولا يعيقه شيء عنه، والحديث فيه دلالة على قراءة القرآن وذكر الله للحائض والنفساء لأنهما يدخلان في عموم الذكر .
قال النووي رحمه الله : هذا الحديث أصل في جواز ذكر الله تعالى بالتسبيح والتكبير والتحميد وشبهها من الأذكار وهذا جائز بإجماع المسلمين .
فعلى المسلم أن يغتنم شبابه قبل هرمه وصحته قبل مرضه وفراغه قبل انشغاله كما قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ".(3)
__________
(1) أخرجه الترمذي (3435 تحفة)، وابن ماجة (2793) ، والحاكم (1/495)، وابن حبان (717 موارد)، وهو صحيح، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1491).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان تعليقا (634) ومسلم في كتاب الحيض برقم (824).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6412).(1/2)
قال ابن قيم الجوزية: وسمعت شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الاخرة، وقال لي مرة : ما يصنع أعدائي بي أنا جنتي وبستاني في صدري إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هده النعمة أو قال ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا، وكان يقول في سجوده وهو محبوس: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله، وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى، والماسور من أسره هواه، ولما دخل الى القلعة وصار داخل سورها نظر اليه وقال: فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب . (1)
وعليك أخي الحبيب أن تتقرب إلى الله تعالى بالأوراد اليومية والتي تنفعك في دنياك وآخرتك ،
__________
(1) الوابل الصيب (1/61) .(1/3)
أي ذكر الله تعالى والمراد بالذكر هنا الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها مثل الباقيات الصالحات وهي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وما يلتحق بها من الحوقلة(1) والبسملة(2) والحسبلة(3) والاستغفار ونحو ذلك والدعاء بخيري الدنيا والآخرة ويطلق ذكر الله أيضا ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن وقراءة الحديث ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة ثم الذكر يقع تارة باللسان ويؤجر عليه الناطق ولا يشترط استحضاره لمعناه ولكن يشترط ألا يقصد معناه ولمن إنضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائص عنه ازداد كمالا فإن وقع ذلك في عمل صالح مهما فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما ازداد كمالا فإن صحح التوبة وأخلص لله تعالى في ذلك فهو أبلغ الكمال.(4)
أسأل الله العظيم أن يجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفعنا به { يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } .(5) إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
و كتب / أبو أنس العراقي
ماجد بن خنجر البنكاني
الجمعة 11/جمادى الأولى/1424هـ
11/7/2003م
__________
(1) الحوقلة : أي لا حول ولا قوة إلا بالله .
(2) البسملة : أي بسم الله الرحمن الرحيم .
(3) الحسبلة : أي حسبي الله ونعم الوكيل .
(4) تحفة الأحوذي ( 9/222) .
(5) الشعراء (88-89) .(1/4)
تعريف الدعاء: "هو الرغبة إلى الله عز وجل".
والدعاء: هو من أعظم الطاعات والقربات إلى الله تعالى، بل أفضل من جهاد أعداء الله وإنفاق الذهب والفضة .
فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟" قالوا: بلى قال: "ذكر الله".(1)
أزكاها: أكثرها ثواباً وأطهرها، وأرفعها: أزيدها.
فيه بيان فضل الذكر وأنه خير من الضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل ونفقة الأموال في سبيل الله.
قال ابن حجر رحمه الله : المراد بذكر الله في حديث أبي الدرداء الذكر الكامل وهو ما يجتمع فيه ذكر اللسان والقلب بالتفكر في المعنى واستحضار عظمة الله تعالى وان الذي يحصل له ذلك يكون أفضل ممن يقاتل الكفار مثلا استحضاراً لذلك وان أفضلية الجهاد إنما هي بالنسبة إلى ذكر اللسان المجرد فمن اتفق له انه جمع ذلك كمن يذكر الله بلسانه وقلبه واستحضاره وكل ذلك حال صلاته أو في صيامه أو تصدقه أو قتاله الكفار مثلا فهو الذي بلغ الغاية القصوى والعلم ثم الله تعالى ، وأجاب القاضي أبو بكر بن العربي بأنه ما من عمل صالح إلا والذكر مشترط في تصحيحه فمن لم يذكر الله بقلبه ثم صدقته أو صيامه مثلا فليس عمله كاملا فصار الذكر أفضل الأعمال من هذه الحيثية ويشير إلى ذلك حديث نية المؤمن ابلغ من عمله الحديث الأول .اهـ.(2)
__________
(1) رواه الترمذي برقم (3377)، وابن ماجة برقم (3790)، وأحمد (5/195) ، والحاكم (1/496) وقال: إسناده صحيح، وصححه شيخنا الألباني في المشكاة (2269)، الكلم (1).
(2) فتح الباري (11/210) .(1/1)
وإن الدعاء يُعد من العبادة، بل هو العبادة، كما جاء ذلك في القرآن الكريم وأخبرنا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال الله تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) } (1)قال ابن كثير: هذا من فضله تبارك وتعالى وكرمه أنه ندب عباده إلى دعائه وتكفل لهم بالإجابة كما كان سفيان الثوري يقول: يا من أحب عباده إليه من سأله فأكثر سؤاله, ويا من أبغض عباده إليه من لم يسأله وليس أحد كذلك غيرك يا رب. رواه ابن أبي حاتم، وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
الله يغضب إن تركت سؤاله وبُنَيّ آدم حين يسأل يغضب
وعن عائذ بن حبيب عن محمد بن سعيد قال: لما مات محمد بن مسلمة الأنصاري وجدنا في ذؤابة سيفه كتاباً باسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن لربكم في بقية أيام دهركم نفحات فتعرضوا له لعل دعوة أن توافق رحمة فيسعد بها صاحبها سعادة لا يخسر بعدها أبداً".(2)
__________
(1) سورة غافر .
(2) قال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم ومن أعرفهم وثقوا انتهى ورواه عنه الحكيم أيضاً . وضعفه الألباني في ضعيف الجامع انظر حديث رقم (1917). ومحمد بن مسلمة بفتح الميم واللام ابن سلمة الأنصاري الخزرجي الحارثي شهد بدراً والمشاهد إلا تبوك وكان من فضلاء الصحابة.(1/2)
وقوله عز وجل: { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } أي عن دعائي وتوحيدي سيدخلون جهنم داخرين أي صاغرين حقيرين كما قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجناً في جهنم يقال له بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار". وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين حدثنا أبو بكر بن محمد بن يزيد بن خنيس قال: سمعت أبي يحدث عن وهيب بن الورد حدثني رجل قال: كنت أسير ذات يوم في أرض الروم فسمعت هاتفاً من فوق رأس الجبل وهو يقول: يا رب عجبت لمن عرفك كيف يرجو أحداً غيرك يا رب عجبت لمن عرفك كيف يطلب حوائجه إلى أحد غيرك. قال ثم ذهبت ثم جاءت الطامة الكبرى قال ثم عاد الثانية فقال يا رب عجبت لمن عرفك كيف يتعرض لشيء من سخطك يرضي غيرك قال وهيب وهذه الطامة الكبرى, قال فناديته أجني أنت أم إنسي ؟ قال بل إنسي اشغل نفسك بما يعنيك عما لا يعنيك.اهـ. (1)
وقال الطبري: وقوله: وَقالَ رَبّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِيبْ لَكُمْ يقول تعالى ذكره: ويقول ربكم أيها الناس لكم ادعوني، يقول: اعبدوني وأخلصوا لي العبادة دون من تعبدون من دون الأوثان والأصنام وغير ذلك أسْتَجِبْ لَكُمْ يقول: أُجِبْ دعاءكم فأعفو عنكم وأرحمكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا عمارة, عن ثابت, قال: قلت لأنس: يا أبا حمزة أبلغك أن الدعاء نصف العبادة؟ قال: لا, بل هو العبادة كلها.
وعن الأشجعي,قال:قيل لسفيان: ادع الله, قال: إن ترك الذنوب هو الدعاء.
__________
(1) تفسير ابن كثير .(1/3)
وقد قيل: إن معنى قوله { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } : إن الذين يستكبرون عن دعائي. وعن أسباط,عن السديّ إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبادَتِي قال: عن دعائي. وعن السديّ داخِرِينَ قال: صاغرين. (1)
وقال الشيخ السعدي:هذا من لطفه بعباده،ونعمته العظيمة،حيث دعاهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأمرهم بدعائه، دعاء العبادة، ودعاء المسألة، ووعدهم أن يستجيب لهم، وتوعد من استكبر عنها فقال: { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) } أي: ذليلين حقيرين، يجتمع عليهم العذاب والإهانة، جزاء على استكبارهم. (2)
وعن النعمان بن بشير وعن البراء، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الدعاء هو العبادة".(3).
قال القاضي: إنما حكم بأن الدعاء هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة من حيث إنه يدل على أن فاعله مقبل بوجهه إلى اللّه معرض عما سواه لا يرجو ولا يخاف إلا منه استدل عليه بالآية فإنها تدل على أنه أمر مأمور به إذا أتى به المكلف قبل منه لا محالة وترتب عليه المقصود ترتب الجزاء على الشرط والمسبب على السبب وما كان كذلك كان أتم العبادة وأكملها.اهـ.
قال الراغب: والعبودية إظهار التذلل والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل ولا يستحقها إلا من له غاية الأفعال.قال الطيبي: ويمكن حمل العبادة على المعنى اللغوي أي الدعاء ليس إلا إظهار غاية التذلل والافتقار والاستكانة قال تعالى { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى اللّه واللّه هو الغني الحميد } الجملتان واردتان على الحصر وما شرعت العبادة إلا للخضوع للبارئ والافتقار إليه.اهـ. (4)
بل ويُعد الدعاء أفضل العبادة كما ثبت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) تفسير الطبري.
(2) تفسير السعدي سورة غافر .
(3) صحيح الجامع برقم (3407) .
(4) فيض القدير .(1/4)
فعن أبي هريرة وعن النعمان بن بشير : "أفضل العبادة الدعاء" . (1)
وننبه على حديث ضعيف منتشر بين الناس وهو لا يصح كما بين ذلك بعض علمائنا الأجلاء ، وهو: "الدعاء مخ العبادة". وهو ضعيف . (2)
- - -
أقسام الدعاء
__________
(1) صحيح الجامع برقم (1122) .
(2) قال عنه المناوي رحمه الله تعالى: رواه الترمذي في الدعوات عن أنس وقال: غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة .قال الألباني في ضعيف الجامع رقم (3003): ضعيف .(1/5)
قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: "كل ماورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله، والثناء على الداعين يتناول دعاء المسألة، ودعاء العبادة" . (1)
__________
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والدعاء لله وحده سواء كان دعاء العبادة، أو دعاء المسألة والاستعانة، كما قال تعالى: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَدا *ً وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً * قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّى وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً } الجن 18-20، وقال تعالى: { فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } . غافر 14. وقال: { فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ الهاً ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ } الشعراء: 213. وقال: { وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَىْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَىْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ } الأنعام: 25. وذم الذين يدعون الملائكة والأنبياء وغيرهم فقال: { قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً } الإسراء: 56، 57. روي عن ابن مسعود: أن قوماً كانوا يدعون الملائكة؛ والمسيح، وعزيرا، فقال الله: هؤلاء الذين تدعونهم يخافون الله، ويرجونه؛ ويتقربون إليه كما تخافونه أنتم، وترجونه، وتتقربون إليه. وقال تعالى: { وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِى الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا } الإسراء: 67..وقال: { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّو?ءَ وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَآءَ الاَْرْضِ أَءِلَاهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } النمل 62. وقال: { وَالَّذِينَ لاَ == يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ الها ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ يَلْقَ أَثَاماً } الفرقان: 68. مجموع الفتاوى.(1/6)
دعاء المسألة: هو أن يطلب الداعي ما ينفعه، وما يكشف ضره .
دعاء العبادة: فهو شامل لجميع القربات الظاهرة والباطنة لأن المتعبد لله طالب وداع بلسان مقاله ولسان حاله يرجو ربَّه قبول تلك العبادة، والإثابة عليها، فهو العبادة بمعناها الشامل .
الدعوة: المرة الواحدة من الدعاء، أي الحاجة الواحدة. (1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنه من لم يسئل الله تعالى يغضب عليه".(2)
قال ابن قيم الجوزية: وهذا يدل على أن رضاه في سؤاله وطاعته وإذا رضى الرب تبارك وتعالى، فكل خير في رضاه، كما أن كل بلاء ومصيبة في غضبه، وقد ذكر الإمام أحمد في كتاب الزهد أثرا: أنا الله لا إله إلا أنا إذا رضيت باركت وليس لبركتي منتهى وإذا غضبت لعنت ولعنتي تبلغ السابع من الولد، وقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرب إلى رب العالمين وطلب مرضاته والبر والإحسان إلى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير وأضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر فما استجلبت نعم الله واستدفعت نقمة الله بمثل طاعته والتقرب إليه والإحسان إلى خلقه وقد رتب الله سبحانه حصول الخيرات في الدنيا والآخرة وحصول السرور في الدنيا والآخرة في كتابه على الأعمال ترتيب الجزاء .اهـ. (3)
وفى كتاب الزهد للإمام أحمد عن قتادة قال: قال مورق: ما وجدت للمؤمن مثلا إلا رجل في البحر على خشبة فهو يدعو يا رب يا رب لعل الله عز وجل أن ينجيه .
__________
(1) كتاب أكثر من ألف دعوة في اليوم والليلة للشيخ خالد الحسينان .
(2) رواه الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2418) .
(3) الجواب الكافي (1/5) .(1/7)
قال العلامة السعدي رحمه الله: ومما ينبغي لمن دعا ربه في حصول مطلوب أو دفع مرهوب أن لا يقتصر في قصده ونيته في حصول مطلوبه الذي دعا لأجله بل يقصد بدعائه التقرب إلى الله بالدعاء وعبادته التي هي أعلى الغايات، ومن كان هذا قصده في دعائه "التقرب إلى الله" فهو أكمل بكثير ممن لا يقصد إلا حصول مطلوبة فقط ، كحال أكثر الناس فهذا نقص وحرمان لهذا الفضل العظيم .
- - -
? شروط إجابة الدعاء
للدعاء شروط عديدة لا بد من توفرها، كي يكون الدعاء مستجاباً مقبولا عند الله.
1ـ الاستجابة لله عز وجل : لأن الله سبحانه وتعالى اشترط لإجابة الدعاء، طلب الاستجابة له سبحانه بفعل أوامره وترك نواهيه قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) } البقرة (186) ، فمن لم يستجب لربه بأن فرط في فعل الواجبات وارتكاب المحرمات فقد حرم نفسه من إجابة الدعاء ، لأن الذنوب والمعاصي تمنع إجابة الدعاء .
قال بعض السلف: لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي.
2ـ أن لا يسأل إلا الله ولا يستعيذ ولا يستغيث إلا به ، فلا يجوز أن يدعو غير الله تعالى لأن ذلك شرك به سبحانه ، قال تعالى { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) } .سورة الجن (18)، وقال - صلى الله عليه وسلم - " إذا سألت فسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ".(1)
__________
(1) رواه الترمذي عن ابن عباس - رضي الله عنه - ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم(7957) .(1/8)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: وكثيرا ما نجد أدعية دعا بها قوم فاستجيب لهم فيكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه وإقباله على الله أو حمنة تقدمت منه جعل الله سبحانه إجابة دعوته شكرا لحسنته أو صادف الدعاء وقت إجابة ونحو ذلك فاجيبت دعوته فيظن الظان أن السر في لفظ ذلك الدعاء فيأخذه مجردا عن تلك الأمور التي قارنته من ذلك الداعي وهذا كما إذا استعمل رجل دواءاً نافعاً في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي فانتفع به فظن غيره أن استعمال هذا الدواء مجردا كاف في حصول المطلوب كان غالطا وهذا موضع يغلط فيه كثير من الناس ومن هذا قد يتفق دعاؤه باضطرار عند قبر فيجاب فيظن الجاهل أن السر للقبر ولم يعلم إن السر للاضطرار وصدق اللجاء إلى الله فإذا حصل ذلك في بيت من بيوت الله كان أفضل وأحب إلى الله . (1)
3ـ حضور القلب: ينبغي للداعي أن يكون حاضر القلب متفهماً لما يقول، مستشعراً عظمة من يدعوه، ولا يليق بالعبد الذليل أن يخاطب ربه ومولاه بكلام لا يعيه هذا الداعي، وبجمل اعتاد تكرارها دون فهم لمعناها .
قال - صلى الله عليه وسلم - : "واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلبٍ غافلٍ لاهٍ ".(2)
__________
(1) الجواب الكافي (1/5) .
(2) رواه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (245).(1/9)
4ـ عدم الاستعجال: قد يدعو الداعي، وتتأخر الإجابة لحكمة يعلمها الله تعالى فينتهز الشيطان الفرصة ويوسوس للمسلم أن يترك الدعاء، فلا ينبغي لك ـ يا أخي المسلم ـ أن تترك الدعاء، وتيأس من الإجابة بل استمر في الدعاء حتى يجيب الله تعالى دعاءك قال - صلى الله عليه وسلم - : "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي "(1). فيدع الدعاء عندما لا يرى أثراً للاستجابة.
واعلم أن الدعاء عبادة كما بيّنا ... فإنك إن أكثرت من الدعاء فأنت على خير عظيم سواء رأيت أثراً للإجابة أو لم تر أثراً .
5ـ إطابة المطعم والمشرب والملبس : فلا تدخل في بطنك إلا حلالاً وهاهو النبي - صلى الله عليه وسلم - يخبرك عن عاقبة أكل الحرام : " ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ".(2)
قال وهب بن منبه: "من سره أن يستجيب الله دعوته فليطب طعمته" .
6ـ الدعاء بالخير، فحتى يكون الدعاء مقبولاً ومرجواً عند الله تعالى لابد أن يكون في الخير .
قال - صلى الله عليه وسلم - :"لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ".(3)
7ـ حسن الظن بالله ـ عز وجل ـ قال - صلى الله عليه وسلم - "لا يموتن أحدكم إلا وهو محسن الظن بالله " . (4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6340)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2735). وفي رواية لمسلم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدْعُ بإثمٍ أو قطيعة رحمٍ، ما لم يَستَعجل)).
قيل: يا رسول الله! ما الاستعجال؟ قال: ((يقول: قد دَعَوت، وقد دَعوتُ، فلم يُستَجَب لي، فسَيَتحسر عند ذلك، ويَدَع الدُّعاء)). قوله: فسيتحسر أي: يملّ ويعي فيترك الدعاء.
(2) رواه مسلم .
(3) رواه مسلم .
(4) رواه مسلم .(1/10)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - " ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ".(1)
ويستثنى من ذلك حالتان: " في عدم توفر شروط الدعاء ".
1ـ دعوة المضطر: فالله تعالى يجيب المضطر إذا دعاه ولو كان مشركاً، فكيف إذا كان مسلماً عاصياً؟ بل كيف إذا كان مؤمناً تقياً؟ قال تعالى { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ } .(2)
المضطر: هو الذي أحوجه مرض، أو فقر، أو نازلة من نوازل الدهر إلى اللجوء والتضرع إلى الله.
2ـ دعوة المظلوم : قال - صلى الله عليه وسلم - : "اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".(3).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه".(4)
فدعاء المظلوم على من ظلمه بأي نوع من أنواع الظلم مستجاب على كل حال. (5)
قال ابن قيم الجوزية: ومن الآفات التى تمنع ترتب أثر الدعاء عليه أن يستعجل العبد ويستبطي الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء وهو بمنزلة من بذر بذرا أو غرس غرسا فجعل يتعاهده ويسقيه فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله، وفى البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي".
وفي صحيح مسلم عنه: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بأثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل"، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال:" يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي فيستحسر عند ذاك ويدع الدعاء".
__________
(1) رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (245).
(2) سورة النمل آية (62).
(3) رواه البخاري في كتاب المغازي برقم (4347)،ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم(190).
(4) رواه أحمد في مسنده، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (119).
(5) كتاب أكثر من ألف دعوة في اليوم والليلة للشيخ خالد الحسينان .(1/11)
وفي مسند أحمد من حديث أنس قال: قال رسول الله لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل قالوا يا رسول الله كيف يستعجل قال يقول قد دعوت لربي فلم يستجب لي .
? جوامع الدعاء
يستحب للعبد أن يسأل الله بكلام مختصر مفيد يدل على أكبر المعاني بأقل الألفاظ .
قالت عائشة رضي الله عنها: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستحب الجوامع في الدعاء ويدع ما سوى ذلك ".(1)
ومن هذه الأدعية :
1ـ "اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمت منه ومالم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك، وأعوذ بك من شر ما استعاذ منه عبدك ونبيك، اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا ".(2)
قال بعض العلماء : هذا من جوامع الدعاء ، لأنه إذا دعا بهذا فقد سأل الله من كل خير ، وتعوذ به من كل شر..
2ـ "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي ، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير ، واجعل الموت راحة لي من كل شر " . (3)
وقد جمع في هذا الحديث صلاح الدين والدنيا ، والآخرة.
3ـ " اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".(4)
4- "اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني".(5)
فهذه الدعوات تجمع لك مطالب دنياك وآخرتك كما قال - صلى الله عليه وسلم - : "فهولاء تجمع لك دنياك وآخرتك".(6)
- - -
?
__________
(1) رواه أبو داود، صححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4949) .
(2) الحديث عن عائشة رضي الله عنها، رواه ابن ماجة، والبيهقي، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1276)و(4047) .
(3) رواه مسلم .
(4) متفق عليه .
(5) رواه مسلم .
(6) رواه مسلم .(1/12)
أخطاء في الدعاء. (1)
1ـ أن يشتمل الدعاء على شيء من الشرك في عبادة الله : كأن يدعو غير الله فهذا شرك أكبر .
2ـ أو على شيء من التوسلات البدعية كالتوسل بذات، أو بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم -
3ـ تمني الموت: فبعض الناس إذا نزل به البلاء - تمنى الموت- والصواب : أن يقول: "اللهم أحيني إن كانت الحياة خيراً لي وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي".(2)
4ـ الدعاء بتعجيل العقوبة:كأن يقول الإنسان: اللهم عجل عقوبتي في الدنيا لأدخل الجنة يوم القيامة وأسلم من عذاب النار .
5ـ الدعاء بالإثم: كأن يدعو على شخص أن يكون مدمناً للخمر . أو أن يميته الله كافراً .
6ـ الدعاء بقطيعة الرحم: كأن يقول: اللهم فرق بين فلان وأمه أو أقاربه أو زوجته .
7ـ الدعاء على وجه التجربة والاختبار لله ـ عز وجل ـ كأن يقول: سأجرب وأدعو، لأرى أيستجاب لي أم لا !.
8 ـ اليأس وقلة اليقين من إجابة الدعاء: بعض الناس إذا أصيب بمرض خطير يغلب على ظنه أنه لا يبرأ منه، أو أصيب بالعقم، أو غير ذلك، تجده يدَعُ الدعاء، ليأسه وقلة يقينه بأن الله قادر على تبديل الحال.
9ـ المبالغة في رفع الصوت بالدعاء .
10ـ الدعاء بـ : اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف به والصواب سؤال الله رد القضاء لحديث " وقني شر ما قضيت" وأمرنا أن نستعيذ من "شر ما خلق" الآية.
11 ـ تعليق الدعاء على المشيئة : كأن يقول: اللهم اغفر لي إن شئت ـ اللهم ارحمني إن شئت ... فهذا مناف للجزم بالدعاء . ودليل على قلة الرغبة. لحديث "لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت ... وليعزم المسألة . (3)
12ـ دعوى باطلة : "حسبي من سؤالي علمه بحالي" وهي دعوى للإعراض عن الدعاء واتكالٌ على أن الله يعلم حال العبد ويعلم حاجته فليس هناك داع للدعاء والسؤال .
__________
(1) كتاب أكثر من ألف دعوة في اليوم والليلة للشيخ خالد الحسينان .
(2) رواه مسلم .
(3) رواه البخاري .(1/13)
13- الدعاء على النفس والأهل والأموال: "قد يغضب الإنسان فيدعو على كل شيء دون قصد. قال - صلى الله عليه وسلم - : "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من اللّه ساعة يسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم".(1). (2)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الزهد والرقاق برقم (3009)، وابو داود، وابن خزيمة في صحيحه.
(2) كتاب أكثر من ألف دعوة في اليوم والليلة للشيخ خالد الحسينان .(1/14)
14- مسح الوجه بعد الدعاء. قال الإمام النووي رحمه الله: وأما مسح الوجه باليدين من الدعاء فإن قلنا لا يرفع اليدين لم يشرع المسح بلا خلاف، وإن قلنا يرفع فوجهان أشهرهما أنه يستحب وممن قطع به القاضي أبو محمد الجويني وابن الصباغ نصر في كتبه و الغزالي وصاحب "البيان" والثاني لا يمسح وهذا هو الصحيح، صححه البيهقي والرافعي وآخرون من المحققين قال البيهقي لست أحفظ في شيئاً، وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة، فأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت فيه خبر ولا أثر ولا قياس فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما نقله السلف عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة، ثم روى بإسناده حديثاً من سنن أبي داود عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس رضي الله عنهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال سلوا الله ببطون كفوفكم ولا تسألوه بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم" قال أبو داود روى هذا الحديث وجه عن محمد بن كعب كلها واهية، هذا متنها وهو ضعيف أيضاً ثم روى البيهقي عن علي الباشاني، قال: سألت عبد الله يعني ابن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه قال لم أجد له ثبتاً، قال علي و لم أره يفعل ذلك، قال وكان عبد الله يقنت بعد الركوع في الوتر وكان يرفع يديه هذا آخر كلام البيهقي في "كتاب السنن"، وله رسالة مشهورة كتبها إلى الشيخ أبي محمد الجويني أنكر عليه فيها أشياء من جملتها مسحه وجهه بعد القنوت، وبسط الكلام في ذلك، وأما حديث عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كان إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه".(1/15)
رواه الترمذي وقال حديث غريب، انفرد به حماد بن عيسى، وحماد هذا ضعيف، وذكر الشيخ عبد الحق هذا الحديث في كتابه الأحكام وقال قال الترمذي وهو حديث صحيح وغلط في قوله إن الترمذي قال هو حديث صحيح، وإنما قال غريب، والحاصل لأصحابنا ثلاثة أوجه الصحيح يستحب رفع يديه دون مسح الوجه والثاني لا يستحبان والثالث يستحبان الوجه من الصدر وغيره فاتفق أصحابنا على أنه لا يستحب، بل قال ابن الصباغ وغيره هو مكروه، والله أعلم.اهـ. (1)
- - -
أسباب وأوقات إجابة الدعاء
على العبد أن يتحرى أوقات الإجابة، وأن تجتمع فيه بعض الأمور لإجابة الدعاء كالخشوع والإنكسار وحضور القلب وقت الدعاء، ما شابه ذلك .
قال ابن قيم الجوزية: وإذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب وصادف وقتاً من أوقات الإجابة الستة وهي الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان وبين الأذان والإقامة، وإدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلوة وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم وصادف خشوعاً في القلب وانكساراً بين يدي الرب وذلاً له وتضرعاً ورقة واستقبل الداعي القبلة وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله تعالى وبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ثنى بالصلوة على محمد عبده ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار ثم دخل على الله وألح عليه في المسئلة وتملقه ودعاه رغبة ورهبة وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده وقدم بين يدي دعائه صدقة فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبداً
__________
(1) المجموع (3/462).(1/16)
ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها مظنة الإجابة أو أنها متضمنة للأسم الأعظم فمنها ما في السنن وفي صحيح بن حبان من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يقول: "اللهم إني أسألك باني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن كفوا أحد"، فقال: "لقد سأل الله بالأسم الذي إذا سئل به أعطي وإذا دعي به أجاب"، وفي لفظ: "لقد سألت الله باسمه الأعظم"، وفي السنن وصحيح أبي حاتم بن حبان أيضا من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا ورجل يصلى ثم دعا فقال: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم"، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى"، وأخرج الحديثين أحمد في مسنده وفى جامع الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أسم الله الأعظم في هاتين الآيتين وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وفاتحة آل عمران آلم الله لا إله إلا هو الحي القيوم".(1) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.اهـ. (2)
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والبيهقي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم(980).
(2) الجواب الكافي (1/5) .(1/17)
وقال ابن قيم الجوزية أيضاً: وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المجانين في الدعاء عن الحسن، قال: كان رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار يكني أبا مغلق وكان تاجرا يتجر بمال له ولغيره يضرب به في الآفاق، وكان ناسكا ورعا، فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح فقال له ضع ما معك فإني قاتلك، قال فما تريد؟ فشأنك والمال، قال: أما المال فلي ولست أريد إلا دمك، قال: أما إذا أبيت فذرني أصلى أربع ركعات، قال: صلي ما بدا لك، فتوضأ ثم صلى أربع ركعات فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعال لما تريد أسألك بعزك الذي لا يرام وبملكك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني، ثلاث مرات، فإذا هو بفارس أقبل بيده حربة قد وضعها بين أذني فرسه، فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله ثم أقبل إليه، فقال: قم، فقال: من أنت؟ بابي أنت وأمي فقد أغاثني الله بك اليوم، فقال أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت بدعائك الثالث، فقيل لي دعاء مكروب فسألت الله أن يوليني قتله، قال الحسن: فمن توضي وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروبا كان أو غير مكروب.اهـ. (1)
وعن الأغر أبي مسلم، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وآتاه رجل فقال: يا رسول الله! كيف أقول حين أسأل ربي عز وجل؟ قال: "قل: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني ويجمع أصابعه إلا الإبهام فإن هؤلاء تجمع دنياك وآخرتك".(2)
- - -
فضل الإستغفار
رغب الله سبحانه وتعالى بمغفرة الذنوب وما يترتب عليها من الثواب واندفاع العقاب بعد ما يتوبوا ويستغفروا الله تعالى من ذنوبهم.
__________
(1) الجواب الكافي (1/5) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6791).(1/18)
قال تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } (136) (1).
والاستغفار معناه: طلب المغفرة من الله :
أ ـ بمحو الذنوب.
ب ـ وستر العيوب .
فوائد الاستغفار :
1ـ أنه سبب لمغفرة الذنوب.
2ـ أنه يدفع العذاب قبل نزوله: { وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } .(2).
3ـ أنه سبب لتفريج الهموم وجلب الأرزاق ونزول الغيث.
4ـ المحافظة على سلامة القلب من آثار الذنوب
قال سبحانه وتعالى عن نبيه نوح : - صلى الله عليه وسلم - { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) } (3).
قال القرطبي: فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } أي سلوه المغفرة من ذنوبكم السالفة بإخلاص الإيمان. { إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } وهذا منه ترغيب في التوبة. وقد روى حُذَيفة بن اليمان: عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الاستغفار ممحاة للذنوب". وقال الفُضيل: يقول العبد أستغفر الله، وتفسيرها أقِلْنِي.
الثانية: قوله تعالى: { يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } أي يرسل ماء السماء، ففيه إضمار. وقيل: السماء المطر، أي يرسل المطر. قال الشاعر:
إذا سقط السماءُ بأرضِ قوم
عيناه وإن كانوا غِضاباً
__________
(1) سورة آل عمران (136).
(2) سورة الأنفال الآية (33).
(3) سورة نوح .(1/19)
و"مِدْراراً" ذَا غَيْث كثير. وجزم "يُرْسِل" جواباً للأمر.
وقال مقاتل: لما كذَّبوا نوحاً زماناً طويلاً حبس الله عنهم المطر، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، فهلكت مواشيهم وزروعهم، فصاروا إلى نوح عليه السلام واستغاثوا به. فقال: { اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } أي لم يزل كذلك لمن أناب إليه. ثم قال ترغيباً في الإيمان: { يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } { وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } . قال قتادة: علم نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم أهل حرص على الدنيا فقال: هَلُمّوا إلى طاعة الله فإن في طاعة الله درك الدنيا والآخرة.
الثالثة: في هذه الآية والتي في "هود" دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار. قال الشعبيّ: خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فأمطروا فقالوا: ما رأيناك استسقيتَ؟ فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ: { اسْتَغْفِرُوا ربَّكُمْ إنه كَانَ غَفَّاراً. يُرْسِل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً } .(1/20)
وقال الأوزاعيّ: خرج الناس يستسقون، فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: اللهم إنا سمعناك تقول: { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } وقد أقررنا بالإساءة، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا؟ا اللهم اغفر لنا وارحمنا واسقناا فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسُقُوا. وقال ابن صبيح: شكا رجل إلى الحسن الجدوبة، فقال له: استغفر الله. وشكا آخر إليه الفقر فقال له: استغفر الله. وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً، فقال له: استغفر الله. وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: استغفر الله. فقلنا له في ذلك؟ فقال: ما قلت من عندي شيئاً، إن الله تعالى يقول في سورة "نوح": { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } . وقد مضى في سورة "آل عمران" كيفية الاستغفار، وأن ذلك يكون عن إخلاص وإقلاع من الذنوب. وهو الأصل في الإجابة.اهـ. (1).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيوم وأتوب إليه غُفرت ذنوبه وإن كان قد فرَّ من الزحف".(2)
في الحديث من الفوائد: تعظيم الإستغفار، وأنه يُكفر الكبائر، وفيه: فضل المدامومة على الإستغفار.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من عبدٍ يذنب ذنباً فيُحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له"(3).
__________
(1) تفسير القرطبي (18/301) .
(2) صحيح أبي داود (1343).
(3) صحيح الجامع رقم (5738).(1/21)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هَمّ فرجاً ومن ضيقٍ مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب"(1).
ويذكر عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كثرت همومه وغمومه
فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله"(2).
وثبت في الصحيحين : "أنها كنز من كنوز الجنة". (3).
وفي الترمذي : "أنها باب من أبواب الجنة"(4).
قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: هذه الأدوية تتضمن خمسة عشر نوعاً من الدواء فإن لم تقوَ على إذهاب داء الهم والغم والحزن فهو داء قد استحكم وتمكنت أسبابه ويحتاج إلى استفراغ كلي.
الأول: توحيد الربوبية.
الثاني : توحيد الإلوهية.
الثالث: التوحيد العلمي الإعتقادي.
الرابع : تنزيه الربُّ تبارك وتعالى عن أن يظلم عبده أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك.
الخامس: اعتراف العبد بأنه هو الظالم.
السادس: التوسل إلى الرب تعالى بأحب الأشياء وهو أسماؤه وصفاته ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات الحيُّ القيوم.
السابع: الإستعانة به وحده. الثامن : إقرار العبد له بالرجاء.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة برقم (1518) ، وابن ماجه في الأدب برقم (3819) وأحمد في مسنده (2234/1) والطبراني في الدعاء (1774) والنسائي (456) في (عمل اليوم والليلة) والحاكم (4/ 262)، والبيهقي (3/351)، وابن السني في (عمل اليوم والليلة) برقم (364) والمزي في تهذيب الكمال (5/107) ط دار الفكر. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (5829) .
(2) ذكره البيهقي في الطب النبوي (ص24)، والكحال في الأحكام النبوية في الصناعة الطبية (7/179)، السلسلة الصحيحة رقم (199)، التوسل (ص133) ، المشكاة (2452).
(3) أخرجه البخاري في الدعوات برقم (3592)، ومسلم في الذكر والدعاء برقم (2704).
(4) في الدعوات برقم (3592).(1/22)
التاسع: تحقيق التوكل عليه ، والتفويض إليه والإعتراف له بأن ناحيته في يده يصرفه كيف يشاء وأنه ماضٍٍ فيه حكمه عدلٌ فيه قضاؤه.
العاشر: أن يرتع قلبه في رياض القرآن ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان وأن يستضيء به في ظلمات الشبهات والشهوات وأن يتسلى به عن كل فائت ويتعزى به عن كل مصيبة ويستشفي به من أدواء صدره فيكون جلاء حزنه وشفاء همه وغمه.
الحادي عشر: الإستغفار.
الثاني عشر : التوبة .
الثالث عشر: الجهاد.
الرابع عشر : الصلاة .
الخامس عشر البراءة من الحول والقوة وتفويضهما إلى من هما بيده.أ.هـ (1)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أُبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم لو لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة"(2).
فيه بيان سعة رحمة الله سبحانه وتعالى، ومغفرته لعبده .
والإيمان بالله شرط في مغفرة الذنوب، فإن الله لا يغفر أن يشرك به ، ولا يغفر لمشرك، وإذا تاب العبد من ذنوبه توبة نصوحاً غفرها الله له ولو كانت ملئ الأرض أو بلغت عنان السماء.
عنان السماء: بفتح العين قيل هو السحاب وقيل: هو ما عنَّ لك منها أي ظهر.
قراب الأرض: بفتح القاف وروي بكسرها والضم أشهر وهو ما يقارب ملأها .
__________
(1) زاد المعاد (4/159-160) .
(2) أخرجه الترمذي برقم (3540)، وأخرجه أحمد (5/132) والدارمي (2/322)، الصحيحة (ص595)، المشكاة (4336).(1/23)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروى عن الله عز وجل أنه قال: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ياعبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم"(1).الحديث.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة"(3).
والاستغفار : هو طلب المغفرة وهي الصفح عن الذنب وتبديله.
وتكفير الذنوب على قسمين: الأول : المحو كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - : "واتبع السيئة الحسنة تمحها " وهذا مقام العفو.
الثاني : التبديل كما في قوله تعالى { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً } (4). وهذا مقام المغفرة.
فالمغفرة فيها زيادة إحسان وتفضل على العفو وكلاهما خير وبشرى.
والتوبة : هي العزم على التوبة .
وهذا حضٌ للأمة على الاستغفار والتوبة منه - صلى الله عليه وسلم - مع كون غفر ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله ويتوب إليه.
وفيه حضٌ للعبد على الإكثار من التوبة والاستغفار لأن العبد لا ينفك عن ذنب أو تقصير وإنه إلى الله المصير كما قال - صلى الله عليه وسلم - "يا أيها الناس
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2577) ، وابن ماجه.
(2) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (6899).
(3) رواه البخاري (11/101) فتح.
(4) سورة الفرقان الآية (70).(1/24)
توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة"(1).
قال النووي رحمه الله تعالى: "قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: للتوبة ثلاثة شروط أن يقلع عن المعصية، وأن يندم على فعلها، وأن يعزم عزماً جازماً أن لا يعود إلى مثلها أبداً، فإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فلها شرط رابع وهو: ردّ الظلامة إلى صاحبها أو تحصيل البراءة منه والتوبة أهم قواعد الإسلام وهي : أول مقامات سالكي طريق الآخرة.
وعن أبي أيوب أنه قال حين حضرته الوفاة: كنت كتمت عنكم شيئاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لو لا أنكم تذنبون لخلق الله خلقاً يذنبون فيغفر لهم"(2).
وعنه - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لولا أنكم لم تكن لكم ذنوب يغفرها الله لكم لجاء الله بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم"(3).
عن الأغر المزني وكانت له صحبة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة "(4).
الغين هنا: ما يتغشى القلب قال القاضي: قيل المراد: الفترات والغفلات عن الذكر كان شأنه الدوام عليه فإذا فتر عنه أو غفل عدَّ ذلك ذنباً واستغفر منه.
__________
(1) رواه مسلم عن الأغر بن يسار المزني رضي الله عنه برقم (6799).
(2) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (6797)، والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3539).
(3) رواه مسلم في كتاب الدعوة برقم (6869)، والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3539).
(4) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم( 6768)، وأبو داود في الصلاة برقم (1515).(1/25)
وعن على بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثاً نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني، وأذا حدثني من أصحابه استحلفته فإذا حلف صدقته، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر - رضي الله عنه - قال:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ما من عبد يذنب ذنباً فيُحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له" ثم قرأ هذه الآية: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } .(1).
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي مالك، عن أبيه، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجل، فقال: يا رسول الله! كيف أقول حين أسأل ربّي عز وجل ، قال قل " اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني" ويجمع أصابعه إلا الإبهام (فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك"(2).
وعن شداد بن أوس - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة(3).
__________
(1) صحيح الجامع رقم (5738).
(2) رواه مسلم برقم (6791) في كتاب الذكر والدعاء، وابن ماجه في الدعاء برقم (3845).
(3) أخرجه البخاري (11/97-99).(1/26)
هذا الدعاء جامع لمعاني التوبة كلها مع الإقرار لله بالإلوهية والإعتراف بأنه الخالق، والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه بما وعده به الاستعاذة من شر النفس، وإضافة النعماء إلى موجدها، وإضافة الذنب إلى نفسه، واعترافه بأنه لا يقدر على ذلك إلا هو، كل هذا مسبوك ببديع المعاني وأحسن الألفاظ ولذلك سماه الرسول - صلى الله عليه وسلم - سيد الاستغفار.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لله تسعةٌ وتسعون اسماً من حَفِظَها دخل الجنة وإن الله وتر يحب الوتر"(1).
وفي رواية ابن أبي عمر " من أحصاها"
قال النووي رحمه الله تعالى : قوله - صلى الله عليه وسلم - (من أحصاها دخل الجنة) فاختلفوا في المراد بإحصائها فقال البخاري وغيره من المحققين معناه: حفظها وهذا هو الأظهر لأنه جاء مفسراً في الرواية الأخرى (من حفظها) وقيل : أحصاها عدها والطاعة بكل اسمها والإيمان بها لا يقتضي عملاً وقال بعضهم : المراد حفظ القرآن وتلاوته كله لأنه مستوفٍ لها وهو ضعيف والصحيح الأول.
و قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من مسلم يسأل الله الجنة ثلاثاً إلا قالت الجنة اللهم أدخله الجنة ومن استجار من النار قالت النار اللهم أجره من النار"(2).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا رأى أحدكم ما يُعجِبه في نَفسِه أو ماله، فليبرك عليه فإن العين حق"(3).
وقال أبو سعيد - رضي الله عنه - ،كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فلما نزلتا أخذهما وترك ما سواهما(4).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6410)، ومسلم في الذكر والدعاء برقم(6750).
(2) رواه الترمذي (2575).
(3) الكلم (243).
(4) الكلم (ص115).(1/27)
و عن رجل قال: كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - فعثرت دابته فقلت: تَعِسَ الشيطان فقال: " لا تقل تَعِسَ الشيطان فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول: بقوتي، ولكن قل بسم الله فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب"(1).
الدعاء حال الخروج من البيت
أرشدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الدعاء والذكر حال خروجنا من البيت وحثنا عليه لما يترتب عليه من الثواب والفضل الكبير .
فعن أنس - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال يعني إذا خرج من بيته بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال له :كُفيتَ ووقيت وهديت وتنحى عنه الشيطان".(2).
وزاد أبو داود في رواية : "فيقول يعني الشيطان لشيطان آخر: كيف لك برجل هُديّ وكُفي ووقي؟".
فيه من الفضل: تكفى ما أهمك ويتنحى عنك الشيطان
ما يقول إذا أراد النوم واضطجع على فراشه.
كذلك من الأدعية والأذكار التي أرشدنا إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - والتي فيها من الفوائد العظيمة والأجور الكثيرة أذكار النوم .
فعن علي - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له ولفاطمة رضي الله عنهما: "إذا أويتما إلى فراشكما أو إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا ثلاثاً وثلاثين وسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين"
وفي رواية " سبحا أربعاً وثلاثين".
وفي رواية "سبحا أربعاً وثلاثين" وفي رواية "وكبرا أربعاً وثلاثين".
قال علي: فما تركته منذ سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قيل له: ولا ليلة
__________
(1) الكلم (ص237).
(2) أخرجه أبو داود في الأدب برقم (5095)، والترمذي برقم(3426) في كتاب الدعوات وقال:حديث حسن، المشكاة(2443)، والكلم(61)، وصحيح الجامع برقم (4249و6419).(1/28)
صفين، قال: ولا ليلة صفين"(1).
وفي رواية: "أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها" الحديث.
ليلة صفين: هي ليلة الحرب المعروفة بصفين وهي موضع بقرب الفرات كانت فيه حرب عظيمة بينه وبين أهل الشام.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وقال شيخ الإسلام ابن تيمية وقدس الله روحه: بلغنا أنه من حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعانيه من شغل وغيره.
وعن البراء بن عازب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت واجعلهن من آخر كلامك فإن مت من ليلتك مت وأنت على الفطرة" واجعلهن آخر ما تتكلم به".
قال: فرددتهن لأستذكرهن فقلت: آمنت برسولك الذي أرسلت قال: "قل: آمنت بنبيك الذي أرسلت"
وزاد في حديث حصين: "وإن أصبح أصاب خيراً".
"أسلمت نفسي إليك" أي: توكلت عليك واعتمدتك في أمري كله كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده.
"رغبة ورهبة" أي طمعاً في ثوابك وخوفا من عذابك.
"مت على الفطرة" أي: الإسلام.
"وإن أصبحت أصبت خيراً" أي: حصل لك ثواب هذه السنن واهتمامك بالخير ومتابعتك أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
قال النووي رحمه الله: وفي هذا الحديث ثلاث سنن مهمة مستحبة ليست بواجبة:
إحداها: الوضوء عند إرادة النوم فإن كان متوضأ كفاه ذلك الوضوء لأن المقصود النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته وليكون أصدق الرؤيا وأبعد من تلعب الشيطان به في منامه وترويعه إياه.
الثانية: النوم على الشق الأيمن لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحب التيامن ولأنه أسرع إلى الانتباه.
__________
(1) رواه البخاري في فرض الخمس برقم (3113)، وفي فضائل الصحابة برقم(3705)، وفي النفقات برقم (5360) و (5362)، وفي الدعوات برقم (6318)، و مسلم في الذكر والدعاء برقم (6853و6856).(1/29)
الثالثة: ذكر الله تعالى ليكون خاتمة عمله.
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا، ونبيك الذي أرسلت " قال الألباني رحمه الله تعالى: "فيه تنبيه قوي على أن الأوراد والأذكار توقيفية، وأنه لا يجوز فيها التصرف بزيادة أو نقص، ولو بتغيير لفظ لا يفسد المعنى فإن لفظ "الرسول" أعم من لفظة "النبي" ومع ذلك رده النبي - صلى الله عليه وسلم - ، مع أن البراء - رضي الله عنه - قاله سهواً لم يتعمده! فأين منه أولئك المبتدعة؟ الذين لا يتحرجون من أي زيادة في الذكر، أو نقص منه ؟! فهل من معتبر؟
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: خصلتان أو خلتان لا يحافظ المرء عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة، هما يسير ومن يعمل بهما قليل يسبح في دبر كل صلاة عشراً ، ويحمد عشراً، فذلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان، يكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويسبح ثلاثاً وثلاثين، فتلك مائة باللسان، وألف في الميزان "فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعقدها قالوا: يا رسول الله: كيف"هما يسير، ومن يعمل بهمها قليل"؟ قال: "يأتي أحدكم (يعنى) الشيطان في منامه فينَوِّمُهًُ قبل أن يقوله ، يأتيه في صلاته، فيذكره حاجةً قبل أ ن يقولها"(1).
وزاد ابن حبان في صحيحه: "وألف وخمسمائة في الميزان" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وأيكم يعمل في اليوم والليلية ألفين وخمسمائة سيئة؟"
__________
(1) رواه أبو داود واللفظ له والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (603).(1/30)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم يقول: باسمك ربّي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين"(1).
حياة العبد يجب أن تكون مرتبطة بمنهج الله وأعماله قائمة على اسم الله تعالى، والتوفيق أن لا يكلك الله طرفة عين وأن يحفظك ويرعاك برحمته، والخذلان أن يكّلك إلى نفسك، ومن حفظ الله حفظه الله ولذلك فالله يحفظ عباده الصالحين في أنفسهم وأموالهم وأبنائهم.
وعن أبي مسعود الأنصاري البدري عقبة بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الآيتان من آخِرِ سورةِ البقرة من قرأ بهما ليلةٍ كفتاه"(2).
قيل كفتاه من الآفات في ليلته.
قال النووي رحمه الله في كتاب الأذكار قلت: ويجوز أن يُراد الأمران.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: وكلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفظ زكاة رمضان فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام.. . وذكر الحديث وقال في آخره: " إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال معك من الله تعالى حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " صدقك وهو كذوب ذاك شيطان"(3).
وعن رجل قال: كنت جالساً عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله : لُدغت الليلة فلم أنم حتى أصبحت قال: "ماذا؟" قال: عقرب ، قال: " أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك شيء إن شاء الله تعالى"(4).
فضل من تعوذ بكلمات الله التامات
__________
(1) أخرجه البخاري في الدعوات برقم(6320)، ومسلم برقم(2714)و(6830).
(2) أخرجه البخاري في فضائل القرآن برقم(5008و5009)و(5040)و(5051).
(3) رواه البخاري.
(4) رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح ، صحيح الجامع (1318).(1/31)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة قال: "أما لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك".(1)
وفي رواية لأبن السني وقال فيه: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثاً لم يضره شيء".
قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: واعلم أن الأدوية الطبيعية الإلهية تنفع من الداء بعد حصوله وتمنع من وقوعه وإن وقع لم يقع وقوعاً مضراً وإن كان مؤذياً والأدوية الطبيعية إنما تنفع بعد حصول الداء فالتعوذات والأذكار إما أن تنفع وقوع هذه الأسباب وإما أن تحول بينها وبين كمال تأثيرها بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه فالرقى والعوذ تستعمل لحفظ الصحة ولإزالة المرض أما الأول: فكما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه { قل هو الله أحد } والمعوذتين ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يده من جسده.
وأما الثاني: فكما تقدم من الرقية بالفاتحة والرقية للعقرب وغيرها مما يأتي. أ.هـ. (2)
وعن خولة بنت حيكم السلمية: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك".(3)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "أعوذ بكلمات الله التامات" قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: قيل معناه: الكاملات التي لا يدخل فيها نقص ولا عيب وقيل: النافعة الشافية، وقيل: المراد بالكلمات هنا القرآن، والله أعلم.
الذكر عند ما يقول ما يسخط ربه عز وجل
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6818 و 6819).
(2) زاد المعاد (4/144-145).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6817)، والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3437)، وابن ماجة في كتاب الطب برقم (3547).(1/32)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف منكم فقال في حلفه واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه، تعالى أقامرك فليتصدق"(1).
فكفارة الشرك التوحيد وهي كلمة "لا إله إلا الله".
أذكار الصلاة
1- قبل الشروع في الوضوء .
"بسم الله" .
رواه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود، وابن ماجة .
2- بعد الفراغ من الوضوء .
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء".(2)
وفي رواية : "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو يسبغ الوضوء ثم يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل في أيها شاء".(3)
وزاد الترمذي بعد التشهد: "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين".(4)
"اللهم اغفر لي ذنبي ووسِّع لي في داري وبارك لي في رزقي" . تقال بعد الشهادتين . (5)
3- الذهاب إلى المسجد .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب مناقب الأنصار برقم (3836) ، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (4236) .
(2) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (234) وأحمد في مسنده (17316/1).
(3) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (234)، وأبو داود وابن ماجة وقالا: فيسحن الوضوء .
(4) أخرجه الترمذي في الطهارة برقم (55).
(5) رواه الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - . ورواه النسائي وابن السني .وبوب عليه النسائي: باب ما يقول بعد الفراغ من الوضوء .وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (1265) .(1/33)
اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا وعن يميني نورا وعن يساري نورا وفوقي نورا وتحتي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا وعظم لي نوراً، قال كريب وسبعا في التابوت فلقيت بعض ولد العباس فحدثني بهن فذكر عصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري، وذكر خصلتين. (1)
4- دعاء دخول المسجد .
"أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" قال: أقط؟ قلت نعم، قال: "فإذا قال ذلك قال الشيطان: حُفِظَ مني سائر اليوم".(2)
ففي هذا الحديث من الفوائد العقدية أنَّ الله سبحانه وتعالى من صفاته(القديم).
قال الطيبي: لعل السر في تخصيص الرحمة بالدخول والفضل بالخروج أن من دخل اشتغل بما يزلفه إلى ثوابه وجنته فيناسب ذكر الرحمة وإذا خرج
اشتغل بابتغاء الرزق الحلال فناسب ذكر الفضل كما قال تعالى { فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } . انتهى .(3)
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم، وقال: رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك" . (4)
5- أذكار الأذان .
حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على الذكر حال سماع المؤذن والترديد معه لما في ذلك من الأجر العظيم والثواب الجزيل .
__________
(1) رواه البخاري برقم (5957)، باب الدعاء إذا انتبه بالليل، ومسلم برقم (763)،باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. وبوب عليه ابن خزيمة باب الدعاء عند الخروج إلى الصلاة برقم (448) .
(2) رواه أبو داود، وصححه الألباني في الكلم الطيب(ص 47)، وصحيح الجامع برقم(4715) .
(3) عون المعبود (2/93) .
(4) رواه الترمذي برقم (314)، باب ما جاء ما يقول عند دخول المسجد . وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (515) .(1/34)
فإذا قال المؤذن: الله اكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال: أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله قال: أشهد أن محمداً رسول الله ثم قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر ثم قال : لا إله إلا الله قال : لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة".(1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من قال حين يسمعُ المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبدُهُ ورسولهُ، رضيت بالله رباً، وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - رسولاً، وبالإسلام ديناً، غُفِرَ لَهُ ذَنبُهُ"(2).
ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد فراغه من إجابة المؤذن . (3).
من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة".(4)
وعن أنس - رضي الله عنه - :أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد".(5)
التكبير(6)
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستفتح الصلاة بقوله ( الله أكبر ) (7)
1- ( وكان يرفع يديه تارة مع التكبير ) (8)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (848)، وأبو داود في الصلاة برقم (527).
(2) رواه مسلم في الصلاة برقم (849).
(3) رواه مسلم برقم (384) .
(4) رواه البخاري في كتاب الأذان (614) عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - .
(5) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان، الإرواء (244)، تخريج الكلم الطيب برقم (74) .
(6) كتاب الدعاء في الصلاة . طارق بن محمد القطان .
(7) رواه مسلم برقم (384) .
(8) رواه البخاري والنسائي.(1/35)
2- ( وتارة بعد التكبير ) (1)
3- ( وتارة قبله ) (2)
4- ( كان يجعلهما حذو منكبيه ) (3)
5- ( وربما كان يرفعهما حتى يحاذي بهما فروع أذنيه ) (4)
أدعية الاستفتاح(5)
ثم يستفتح فيقول : "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد " . (6)
أو"سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك أسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" .
أو يقول: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له ، و بذلك أمرت وأنا أول المسلمين ، اللهم أنت الملك ، لا إله إلا أنت ، سبحانك وبحمدك ، أنت ربي وأنا عبدك ... (7)
ثم يقول بعد رفعه من الركوع : "ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد" . (8)
وقول: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" . (9)
__________
(1) رواه البخاري والنسائي.
(2) رواه البخاري وأبو داود .
(3) رواه البخاري والنسائي.
(4) رواه البخاري وأبو داود .
(5) الحكمة من الاستفتاح: ليستحضر المصلي عظمة من يقف بين يديه فيخشع له ويستحي أن يشتغل بغيره .
(6) رواه البخاري برقم (711)، باب ما يقول بعد التكبير، ومسلم برقم (598)، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة .
(7) رواه مسلم برقم (771) .
(8) رواه مسلم برقم (601) .
(9) رواه مسلم برقم (770)، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه . وتقال عند دعاء الاستفتاح .(1/36)
وقول: "اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق وقولك حق والجنة حق والنار حق والنبيّون حق ومحمد - صلى الله عليه وسلم - حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت أو لا إله غيرك قال سفيان وزاد عبد الكريم أبو أمية ولا حول ولا قوة إلا بالله". قال سفيان قال سليمان بن أبي مسلم سمعه من طاوس عن بن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . (1).
ثم يقول بعد رفعه من الركوع : "ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد" . (2)
ثم يقول:"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"(3)،"بسم الله الرحمن الرحيم".
ويقول في ركوعه : "سبحان ربي العظيم" ثلاث مرات . (4)
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" . (5)
__________
(1) رواه البخاري برقم (1069)، باب التهجد بالليل وقوله عز وجل ومن الليل فتهجد به نافلة لك ، ومسلم برقم (769)، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه
(2) رواه مسلم برقم (601) .
(3) قال الشيخ الألباني في صيغة الاستعاذة : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ، وكان أحياناً يزيد فيقول : "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان ثم يقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ولا يجهر بها.اهـ.صفة الصلاة(ص96).
(4) صحيح الجامع رقم (4734) .
(5) رواه البخاري برقم (761)، باب الدعاء في الركوع ، ومسلم برقم (484)، باب ما يقال في الركوع والسجود .(1/37)
وكان يقول في ركوعه وسجوده : "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" (1)
وإذا ركع قال: "اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي" . (2)
يقول في ركوعه : "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة".(3)
وعن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - ، أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثا".
قال: ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني. (4)
"يلبسها": أي يخلطها ويشككني فيها، وهو بفتح أوله وكسر ثالثه.
ومعنى حال بيني وبينها: أي نكدني فيها ومنعني لذتها والفراغ للخشوع فيها. (5)
فضل وثواب الدعاء عند الرفع من الركوع وفي الاعتدال
قال رفاعةُ بن رافعٍ: كنا يوماً نصلي وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سمع الله لمن حمده" فقال رجل وراءه "ربنا ولك الحمد حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه" فلما انصرف قال: "من المتكلم؟" قال: أنا قال: "رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول".(6)
يبتدرونها أي: يسارعون إلى كتابة هذه الكلمات لعظم قدرها.
__________
(1) رواه مسلم برقم (487)، باب ما يقال في الركوع والسجود .
(2) رواه مسلم برقم (769) .
(3) رواه أبو داود برقم (873)، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده ، والبيهقي في الكبرى برقم (3504)، والحاكم في المستدرك برقم (1201) .
(4) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2203).
(5) شرح النووي (14/190).
(6) أخرجه البخاري (2/284 فتح).(1/38)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رجلاً جاء فدخل الصف وقد حفزه النفس فقال: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: أيكم المتكلم بالكلمات؟" فأرم القوم، فقال: "أيكم المتكلم بها؟ فإنه لم يقل بأساً" فقال رجل: جئت وقد حفزني النفس فقلتها: فقال: "لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها".(1)
"حفزه النفس" هو بفتح حروفه وتخفيفها أي ضغطه لسرعته.
"فأرم القوم" هو بفتح الراء وتشديد الميم أي سكنوا، قال القاضي عياض: ورواه بعضهم في غير صحيح مسلم فأزم بالزاي المفتوحة وتخفيف الميم من الأزم وهو الإمساك وهو صحيح المعنى.
فيه دليل على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة أيضاً.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه".(2)
وفي رواية: "ربنا ولك الحمد" بالواو.
"رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام في الصلاة رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع ويقول سمع الله لمن حمده ولا يفعل ذلك في السجود" . (3)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان ومسلم في الصلاة برقم (912).
(3) رواه البخاري برقم (703)، باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع ، ومسلم برقم (391)، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع وفي الرفع من الركوع وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود.(1/39)
ثم يقول بعد رفعه من الركوع : "ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد" . (1)
"اللهم لك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد اللهم طهرني بالثلج والبرد ظاهرا البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ" . (2)
دعاء السجود .
"كان إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم و بحمده - ثلاثا - و إذا سجد قال : سبحان ربي الأعلى و بحمده - ثلاثا". (3)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" . (4)
وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح.(5)
وإذا سجد قال : اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين".(6)
وكان يقول: "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة".(7)
__________
(1) رواه لبخاري برقم (366)، باب فضل اللهم ربنا ولك الحمد، ومسلم برقم (601) ، باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة إلا رفعه من الركوع فيقول فيه سمع الله لمن حمده .
(2) رواه مسلم برقم (476)، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع .
(3) رواه أبو داود ، صححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (4734).
(4) رواه البخاري برقم (761)، باب الدعاء في الركوع ، ومسلم برقم (484)، باب ما يقال في الركوع والسجود .
(5) رواه مسلم برقم (487)، باب ما يقال في الركوع والسجود .
(6) رواه مسلم برقم (771) .
(7) رواه أبو داود برقم (873)، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده ، والبيهقي في الكبرى برقم (3504)، والحاكم في المستدرك برقم (1201) .(1/40)
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في سجوده: "اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره" . (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن عائشة رضي الله عنها قالت : "فقدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة من بالحق فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" . (2)
وعن بن عباس قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها وهي تقول اللهم اكتب لي بها عندك أجرا وضع عني بها وزرا واجعلها لي عندك ذخرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود".
قال الحسن، قال لي بن جريج، قال لي جدك، قال بن عباس: فقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - سجدة ثم سجد، قال: فقال بن عباس : فسمعته وهو يقول مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة" . (3)
دعاء الجلسة بين السجدتين .
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول بين السجدتين: "اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني".(4)
وعن طارق بن أشيم الأشجعي والد أبي مالك يعد في الكوفيين قال: كان الرجل إذا أسلم علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة ثم أمره أن يدعو بهذه الكلمات:
"قل اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك" .
__________
(1) رواه مسلم برقم (483)، باب ما يقال في الركوع والسجود .
(2) رواه مسلم برقم (486)، باب ما يقال في الركوع والسجود ..
(3) رواه أبو داود برقم (579)، باب ما يقول في سجود القرآن. قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن غريب من حديث بن عباس لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
(4) رواه مسلم في صحيحه، والترمذي برقم (284)، باب ما يقول بين السجدتين ، وابن ماجة برقم (898)، باب ما يقول بين السجدتين .(1/41)
وفي رواية قال: "جاء أعرابي إلى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فقال علمني كلاماً أقوله قال قل لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له إلخ قال هؤلاء لربي فما لي؟ قال قل اللهم إلخ" .
وكان يقول: "رب اغفر لي، اغفر لي". (1)
الذكر في حال حصول وسوسة في الصلاة وغيرها
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من ولينتَهِ".(2)خَلق كذا؟من خلقَ كذا؟حتى يقول من خلق رَبَّك؟ فإذا بَلَغَهُ فليستعِذْ بالله
وفي رواية لمسلم: "فليقل آمنت بالله ورسوله".(3)
وعن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - ، أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثا".
قال: ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني. (4)
قوله: "يلبسها": أي يخلطها ويشككني فيها، وهو بفتح أوله وكسر ثالثه.
ومعنى حال بيني وبينها: أي نكدني فيها ومنعني لذتها والفراغ للخشوع فيها. (5)
التشهد .
__________
(1) رواه ابن ماجه بسند حسن .
(2) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم(3276)، ومسلم في الإيمان برقم(134)
(3) صحيح مسلم (1/120).
(4) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2203).
(5) شرح النووي (14/190) .(1/42)
ويقرأ التشهد الأول وهو: "التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله".(1)
الصلاة الإبراهيمية .
1- ثم يقرأ التشهد الأول(2)
__________
(1) ـ عن ابن مسعود - رضي الله عنهم - : "علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد كفي بين كفيه كما علمني السورة من القرآن : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ... الحديث . متفق عليه جاءت زيادة : وهو بين ظهرانينا ، فلما قبض قلنا : السلام على النبي.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في إرواء الغليل (2/26): فائدة: قال الحافظ في الفتح ( 11/48): هذه الزيادة ظاهرها أنهم كانوا يقولون :السلام عليك أيها النبي، بكاف الخطاب في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - تركوا الخطاب وذكروه بلفظ الغيبة فصاروا يقولون " السلام على النبي "( ) وقال رحمه الله تعالى : ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول ، ويقول : اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد ، وعلى آل محمد كما ، كما باركت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد . صفة الصلاة .
تنبيه : دل حديث عائشة عند أبي عوانة على مشروعية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول . (2/ 35 )، وهذه فائدة عزيزة لا تكاد تراها في كتاب فعضّ عليها بالنواجذ . اهـ. إرواء الغليل (2/35،26) .
(2) قال العلامة الألباني رحمه الله تعالى: ثم يقعد للتشهد الأخير ، وكلاهما واجب.
ويصنع فيه ما صنع في التشهد الأول إلا أنه يجلس فيه متوركاً ، يفضي بوركه اليسرى إلى الأرض ، ويخرج قدميه من ناحية واحدة ، ويجعل اليسرى تحت ساقه اليمنى وينصب قدمه اليمنى .
ويجوز فرشها أحياناً، ويلقم كفه اليسرى ركبته ـ يعتمد عليها .
ثم قال رحمه الله تعالى : ويجب عليه في هذا التشهد الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - . وأن يستعيذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال. ثم قال: ثم يسلم عن يمينه، وهو ركن،حتى يرى بياض خده الأيمن".
وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر ، ولو في صلاة الجنازة .
فتنة المحيا : هي : ما يعرض للإنسان في حياته من الافتتان بالدنيا وشهواتها .
وفتنة الممات: هي: فتنة القبر وسؤاله الملكين .
وفتنة المسيح الدجال: ما يظهر على يديه من الخوارق التي يضل بها كثير من الناس ويتبعونه على دعواه الألوهية . اهـ . صفة الصلاة .(1/43)
ويزيد عليه : "اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد" .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما
باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد".(1).
"اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد"(2)
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال له قائل ما أكثر ما تستعيذ من المغرم، فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف. وعن الزهري قال أخبرني عروة أن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال".(3)
"قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" . (4)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا
__________
(1) رواه البخاري برقم (3190)، باب قول الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا ، ومسلم برقم (405)، باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد.
(2) رواه البخاري برقم (3189).
(3) رواه البخاري برقم (798) ، باب الدعاء قبل السلام، ومسلم برقم (588)، باب ما يستعاذ منه في الصلاة .
(4) رواه البخاري برقم (5967)، باب الدعاء في الصلاة ، ومسلم برقم (2507)، باب استحباب خفض الصوت بالذكر .(1/44)
والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال" . (1)
وكان يقول: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت". (2)
ومن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى". (3)
فجمع الخير كله في هذا الدعاء. فالهدى: هو العلم النافع. والتقى: العمل الصالح، وترك المحرمات كلها. هذا صلاح الدين.
وتمام ذلك بصلاح القلب، وطمأنينته بالعفاف عن الخلق، والغنى بالله. ومن كان غنياً بالله فهو الغني حقاً، وإن قلت حواصله. فليس الغني عن كثرة العَرَض، إنما الغنى غنى القلب. وبالعفاف والغنى يتم للعبد الحياة الطيبة، والنعيم الدنيوي، والقناعة بما آتاه الله.
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي:
هذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها. وهو يتضمن سؤال خير الدين وخير الدنيا؛ فإن "الهدى" هو العلم النافع. و"التقى" العمل الصالح، وترك ما نهى الله ورسوله عنه. وبذلك يصلح الدين. فإن الدين علوم نافعة، ومعارف صادقة. فهي الهدى، وقيام بطاعة الله ورسوله: فهو التقى.
و"العفاف والغنى" يتضمن العفاف عن الخلق، وعدم تعليق القلب بهم. والغنى بالله وبرزقه، والقناعة بما فيه، وحصول ما يطمئن به القلب من الكفاية. وبذلك تتم سعادة الحياة الدنيا، والراحة القلبية، وهي الحياة الطيبة.
فمن رزق الهدى والتقى، والعفاف والغنى، نال السعادتين، وحصل له كل مطلوب، ونجا من كل مرهوب، والله أعلم. (4)
__________
(1) رواه مسلم برقم (588)، باب ما يستعاذ منه في الصلاة .
(2) رواه مسلم برقم (771)، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.
(3) رواه مسلم برقم (2721)، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل .
(4) بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار .(1/45)
ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد فإذا هو برجل قد قضى صلاته وهو يتشهد، وهو يقول: اللهم إني أسألك يا الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم"، قال: فقال قد غفر له قد غفر له ثلاثا" . (1)
وصلى عمار بن ياسر - رضي الله عنه - صلاة فأوجز فيها، فقال له بعض القوم: لقد خففت أو أوجزت الصلاة، فقال: أما على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما قام تبعه رجل من القوم هو أنه كنى عن نفسه فسأله عن الدعاء ثم جاء فأخبر به القوم اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضاء بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين". (2)
__________
(1) رواه أبو داود برقم (985)، باب إخفاء التشهد ، أنظر صحيح النسائي للألباني (1/280) .
(2) رواه النسائي برقم (1305)، باب نوع آخر من الدعاء ، والحاكم ، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1/281)، وصحيح الجامع برقم (1301) .(1/46)
وعن - رضي الله عنه - قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما بيدي، فقال لي: "يا معاذ والله إني لأحبك، فقلت: بأبي أنت وأمي والله إني لأحبك، قال: يا معاذ إني أوصيك لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" . (1)
وكان سعد يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ، ويقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوذ منهن دبر الصلاة اللهم إني أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا ، وأعوذ بك من عذاب القبر"، فحدثت به مصعبا فصدقه . (2)
وسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا يقول اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لقد سألت الله بالإسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب".(3)
فضل وثواب الأذكار بعد الصلاة
عن أبي الزبير قال: كان بن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وقال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهلل بهن دبر كل صلاة . (4)
__________
(1) ابن خزيمة برقم (751)، باب الأمر بمسألة الرب عز وجل في دبر الصلوات المعونة على ذكره وشكره وحسن عبادته والوصية بذلك، والنسائي ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7969) ، وصحيح أبي داود (1/284) .
(2) رواه البخاري برقم (2667)، باب ما يتعوذ من الجبن .
(3) موارد الظمآن برقم (2383) ، باب الدعاء بأسماء الله تعالى ، صحيح الترمذي (3/163) ، وصحيح ابن ماجة (2/329) .
(4) رواه مسلم برقم (593)، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته .(1/47)
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من الصلاة وسلم قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العُلا والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون فقال: "ألا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: "تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين".(2)
الدثور: هو المال الكثير.
وعن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة: ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، وثلاثاً وثلاثين تحميدة، وأربعاً وثلاثين تكبيرة".(3)
قوله: "معقبات" معناه: تسبيحات تفعل أعقاب الصلاة، سُميَّت معقبات لأنها تفعل مرة بعد مرة أخرى. شرح النووي (5/95).
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ آية الكرسي عقب كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت".(4)
يعني لم يكن بينه وبين دخول الجنة إلا أن يموت.
__________
(1) رواه مسلم برقم (593)، باب إستحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته .
(2) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (843)، ومسلم في المساجد برقم (595).
(3) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (596).
(4) أخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة) برقم (100) وابن السني في (عمل اليوم والليلة) برقم (123) والطبراني (7532) ، المشكاة (974) الصحيحة (972) تمام المنة (ص 227).(1/48)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليها عبد مسلم إلا دخل الجنة وهما يسير ومن يعمل بهما قليل: يسبح الله تعالى دبر كل صلاة عشراً ويحمد عشراً ويكبر عشراً فذلك خمسون ومئة باللسان وألف وخمس مئة في الميزان ويكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمد ثلاثاً وثلاثين ويسبح ثلاثاً وثلاثين فذلك مئة باللسان وألف بالميزان" قال: فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعقدها بيده، قالوا: يا رسول الله! كيف هما يسير ومن يعمل بها قليل؟ قال: "يأتي أحدكم يعني الشيطان في منامه فينومه قبل أن يقوله ويأتيه في صلاته فيذكره حاجةً قبل أن يقولها".(1)
الدعاء والتوسل بصالح الأعمال.
يجوز الدعاء والتوسل إلى الله تعالى بصالح الأعمال كما حصل لأهل الغار .
فعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران و كنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فجلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه.
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي والنسائي، المشكاة (2406) الكلم (111) الترغيب .(1/49)
قال الآخر: اللهم إنه كان لي ابنة عم كانت أحب الناس إليّ وفي رواية (كنت أحبها أشد ما يحب الرجال النساء) فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي ما بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها وفي رواية (فلما قعدت بين رجليها) قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها، وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أد إليَّ أجري فقلت: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي فقلت: لا أستهزئ بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون".(1)
الغار: النقب في الجبل.
قوله: لا أغبق قبلهما: الغبوق: هو الشرب بالعشي، والمراد انه كان لا يقدم على أبويه أحداً في طعام ولا شراب.
وقوله: فإذا أرحت عليهم حلبت: معناه: إذا أردت الماشية من المرعى إليهم وإلى موضع مبيتها وهو مراحها بضم الميم يقال: أرحت الماشية وروحتها بمعنى.
وقوله:نأى بي ذات يوم الشجر، وفي بعض الروايات باء بي فالأول: يجعل الهمزة قبل الألف وبه أكثر القراء السبعة، والثاني: عكسه وهما لغتان وقراءتان ومعناه بعد والثاني البعد.
وقوله: فجئت بالحلاب: هو: بكسر الحاء وهو الإناء الذي يحلب فيه يسع حلبه ناقة، ويقال له المحلب: بكسر الميم، قال القاضي: وقد يريد بالحلاب هنا اللبن المحلوب.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3465)، وفي كتاب البيوع برقم (2215) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2743).(1/50)
قوله: والصبية يتضاغون أي: يصيحون ويستغيثون من الجوع.
قوله: فلم يزل ذلك دأبي أي: حالي اللازمة.
الفرجة: بضم الفاء وفتحها ويقال لها أيضا فرج.
وقوله: وقعت بين رجليها أي: جلست مجلس الرجل للوقاع.
وقولها: لا تفض الخاتم إلا بحقه، الخاتم: كناية عن بكارتها.
وقولها بحقه أي: بنكاح لا بزنا.
فيه: أن الإخلاص في الأعمال من أسباب تفريج الكروب لأن كل منهم يقول: اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فأفرج عنا ما نحن فيه.
وقوله: انظروا أعمالاً عملتموها صالحة فادعوا الله بها لعله يفرجها: قال الإمام النووي رحمة الله تعالى: استدل أصحابنا على أنه يدعو في حال كربه وفي حال دعاء الاستسقاء وغيره بصالح عمله ويتوسل إلى الله تعالى به لأن هؤلاء فعلوه فاستجيب لهم وذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في معرض الثناء عليهم وجميل فضائلهم. أ.هـ. شرح مسلم.
دعاء السفر :
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر: كبر ثلاثاً، ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مُقْرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون. اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البِرَّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى. اللهم هَوِّن علينا سفرنا هذا، واطوِ عَنَّا بُعده. اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل. اللهم إني أعوذ بك من وَعْثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب، في المال والأهل والولد. وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن: آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون".(1)
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي: هذا الحديث فيه فوائد عظيمة تتعلق بالسفر:
وقد اشتملت هذه الأدعية على طلب مصالح الدين - التي هي أهم الأمور - ومصالح الدنيا، وعلى حصول المحاب، ودفع المكاره والمضار وعلى شكر نعم الله، والتذكر لآلائه وكرمه، واشتمال السفر على طاعة الله، وما يقرب إليه.
__________
(1) رواه مسلم .(1/51)
فقوله: "كان إذا استوى على راحلته خارجاً إلى سفر: كبر ثلاثاً" هو افتتاح لسفره بتكبير الله، والثناء عليه، كما كان يختم بذلك.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين(1)، وإنا إلى ربنا لمنقلبون"(2)فيه الثناء على الله بتسخيره للمركوبات، التي تحمل الأثقال والنفوس إلى البلاد النائبة، والأقطار الشاسعة، واعتراف بنعمة الله بالمركوبات.
وهذا يدخل فيه المركوبات: من الإبل، ومن السفن البحرية، والبرية، والهوائية. فكلها تدخل في هذا.
ولهذا قال نوح عليه السلام للراكبين معه في السفينة: { ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا } .(3)
فهذه المراكب، كلها وأسبابها، وما به تتم وتكمل، كله من نعم الله وتسخيره. يجب على العباد الاعتراف لله بنعمته فيها، وخصوصاً وقت مباشرتها.
وفيه: تذكر الحالة التي لولا الباري لما حصلت وذللت في قوله: "وما كنا له مقرنين" أي مطيقين، لو رَدَّ الأمر إلى حولنا وقوتنا، لكنَّا أضعف شيء علماً، وقدرة وإرادة، ولكنه تعالى سخر الحيوانات وعلَّم الإنسان صنعة المركوبات، كما امتن الله في تيسير صناعة الدروع الواقعية في قوله:
{ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } .
سورة الأنبياء - آية 80
لَبُوسٍ: درع تلبسونها وقت الحرب
بَأْسِكُمْ: حربكم وشدكم وقوتكم
فعلى الخلق أن يشكروا الله، إذ علمهم صناعة اللباس الساتر للعورات، ولباس الرياش، ولباس الحرب وآلات الحرب. وعلمهم صنعة الفلك البحرية والبرية والهوائية، وصنعة كل ما يحتاجون إلى الانتفاع به، وأنزل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس متنوعة. ولكن أكثر الخلق في غفلة عن شكر الله، بل في عتو واستكبار على الله، وتجبر بهذه النعم على العباد.
__________
(1) مطيقين تذليله وتسخيره .
(2) راجعون يوم القيامة .
(3) سورة هود - آية 41 .(1/52)
وفي هذا الحديث التذكر بسفر الدنيا الحِسِّي لسفر الآخرة المعنوي؛ لقوله: "وإنا إلى ربنا لمنقلبون" فكما بدأ الخلق فهو يعيدهم ليجزي الذين أساءوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
وقوله: "اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى".
سأل الله أن يكون السفر موصوفاً بهذا الوصف الجليل، محتوياً على أعمال البر كلها المتعلقة بحق الله والمتعلقة بحقوق الخلق، وعلى التقوى التي هي اتقاء سخط الله، بترك جميع ما يكرهه الله من الأعمال، والأقوال، الظاهرة والباطنة، كما سأله العمل بما يرضاه الله.
وهذا يشمل جميع الطاعات والقربات. ومتى كان السفر على هذا الوصف، فهو السفر الرابح، وهو السفر المبارك.
وقد كانت أسفاره - صلى الله عليه وسلم - كلها محتوية لهذه المعاني الجليلة.
ثم سأل الله الإعانة، وتهوين مشاق السفر، فقال: "اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطَوِعَنَّا بعده" لأن السفر قطعة من العذاب. فسأل تهوينه، وطَيَّ بعيده. وذلك بتخفيف الهموم والمشاق، وبالبركة في السير، حتى يقطع المسافات البعيدة، وهو غير مكترث، ويقيّض له من الأسباب المريحة في السفر أموراً كثيرة، مثل راحة القلب، ومناسبة الرفقة، وتيسير السير، وأمن الطريق من المخاوف، وغير ذلك من الأسباب.
فكم من سفر امتد أياماً كثيرة، لكن الله هونه، ويسره على أهله. وكم من سفر قصير صار أصعب من كل صعب. فما ثَمَّ إلا تيسير الله ولطفه ومعونته.
ولهذا قال في تحقيق تهوين السفر: "اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر" أي: مشقته وصعوبته "وكآبة المنظر" أي: الحزن الملازم والهم الدائم "وسوء المنقلب، في المال والأهل الوالد" أي: يا رب نسألك أن تحفظ علينا كل ما خلّفناه وراءنا، وفارقناه بسفرنا من أهل وولد ومال، وأن ننقلب إليهم مسرورين بالسلامة، والنعم المتواترة علينا وعليهم؛ فبذلك تتم النعمة، ويكمل السرور.(1/53)
وكذلك يقول هذا في رجوعه، وعوده من سفره. ويزيد: "آيبون تائبون عابدون، لربنا حامدون" أي: نسألك اللهم أن تجعلنا في إيابنا ورجوعنا ملازمين للتوبة لك، وعبادتك وحمدك، وأن تختم سفرنا بطاعتك، كما ابتدأته بالتوفيق لها.
ولهذا قال تعالى: { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا } .(1)
ومدخل الصدق ومخرجه، أن تكون أسفار العبد ومداخله ومخارجه كلها تحتوي على الصدق والحق، والاشتغال بما يحبه الله، مقرونة بالتوكل على الله، ومصحوبة بمعونته.
وفيه اعتراف بنعمته آخراً، كما اعترف بها أولاً، في قوله: "لربنا حامدون".
فكما أن على العبد أن يحمد الله على التوفيق لفعل العبادة والشروع في الحاجة فعليه أن يحمد الله على تكميلها وتمامها، والفراغ منها؛ فإن الفضل فضله، والخير خيره، والأسباب أسبابه. والله ذو الفضل العظيم. (2)
أدعية مأثورة
"اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم ، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم ، اللهم إني أسألك من خير ما سألك به عبدك ونبيك وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك، اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيراً" . (3)
قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت" . (4)
__________
(1) سورة الإسراء - آية 80 .
(2) بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار .
(3) الحديث عن عائشة ، صحيح الجامع حديث رقم (1276) .
(4) رواه أصحاب السنن ، صحيح الترمذي (1/144) ، وصحيح ابن ماجة (1/194) ، والإرواء (2/172) .(1/54)
اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" . (1)
"اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" . (2)
"يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك" . (3)
"اللهم اغفر لي ذنوبي و خطاياي كلها اللهم أنعشني و اجبرني و اهدني لصالح الأعمال و الأخلاق فإنه لا يهدي لصالحها و لا يصرف سيئها إلا أنت" . (4)
"اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي فيها معادى وأجعل الحياة زيادة لي في كل خير وأجعل الموت راحة لي من كل شر " . (5)
اللهم فإني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار وفتنة القبر وعذاب القبر ومن شر فتنة فلهذا ومن شر فتنة الفقر وأعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم فإني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم" (6)
__________
(1) رواه مسلم برقم (486)، باب ما يقال في الركوع والسجود .
(2) رواه الترمذي والبيهقي والحاكم عن عائشة. صحيح الجامع رقم (4423) .
(3) صححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (3064)و(4801)و(7987) (7988).
(4) رواه الطبراني عن أبي أمامة. وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم(1266).
(5) رواه مسلم برقم (2720) ، باب ما يقول ثم النوم وأخذ المضجع .
(6) رواه البخاري برقم (2668)، باب ما يتعوذ من الجبن، ومسلم برقم (598)، باب التعوذ من شر الفتن وغيرها .(1/55)
وعن زيد بن أرقم قال: "لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول، كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها " . (1)
"اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل" . (2)
"اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة سخطك" (3)
"رب أعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي واهدني ويسر هداي إلي وانصرني على من بغى علي; اللهم اجعلني لك شاكرا لك ذاكرا لك راهبا لك مطواعا إليك مخبتا إليك أواها منيبا; رب تقبل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي وثبت حجتي واهد قلبي وسدد لساني واسلل سخيمة قلبي" . (4)
{ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ } . (5)
{
__________
(1) رواه مسلم برقم (2722)، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل .
(2) رواه مسلم برقم (2716)، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل .
(3) رواه مسلم برقم (2739)، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء.
(4) رواه أحمد والحاكم عن ابن عباس،وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم(3485).
(5) سورة الدخان (12) .(1/56)
رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } . (1) { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً } . (2)"اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما يهون علينا مصيبات الدنيا ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا و اجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا". (3)
"الكفارات: المكث في المساجد بعد الصلوات والمشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في المكاره قال: صدقت يا محمد لِلَّهِ ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه وقال: يا محمد إذا صليت فقل اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وتتوب علي وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون والدرجات: إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام" . (4)
__________
(1) سورة الممتحنة (5) .
(2) سورة نوح (28) .
(3) رواه الترمذي في الدعوات، والحاكم عن ابن عمر، وحسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (1268).
(4) رواه أحمد وعبد بن حميد والترمذي عن ابن عباس. صحيح الجامع حديث رقم (59).(1/57)
"اللهم رب السموات السبع و رب العرش العظيم ربنا و رب كل شيء منزل التوراة والإنجيل والقرآن فالق الحب و النوى أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين وأغنني من الفقر".(1)
"اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني و انقطاع عمري" . (2)
{ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } . (3)
"ألا أعلمك كلمات لوكان عليك مثل جبل صبير دينا أداه الله عنك؟ قل:
اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك".(4)
"اللهم احفظني بالإسلام قائما واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا ولا تشمت بي عدوا ولا حاسدا اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك" . (5)
__________
(1) رواه الترمذي والبيهقي وابن حبان عن أبي هريرة. صحيح الجامع حديث رقم (4424).
(2) رواه الحاكم عن عائشة. وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (1255).
(3) سورة القصص الآية (24).
(4) رواه أحمد والترمذي والحاكم عن علي، صحيح الجامع حديث رقم(2625).
(5) رواه الحاكم عن ابن مسعود. وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم(1260).(1/58)
وعن سلمة بن كهيل حدثه أن كريبا حدثه: "أن بن عباس بات ليلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى القربة فسكب منها فتوضأ ولم يكثر من الماء ولم يقصر في الوضوء وساق الحديث، وفيه قال: ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلتئذ تسع عشرة كلمة قال سلمة حد ثنيها كريب فحفظت منها ثنتي عشرة ونسيت ما بقي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم اجعل لي في قلبي نورا وفي لساني نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا ومن فوقي نورا ومن تحتي نورا وعن يميني نورا وعن شمالي نورا ومن بين يدي نورا ومن خلفي نورا واجعل في نفسي نورا وأعظم لي نورا".(1)
وعن أنس قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار باب وهو ألد الخصام وقال عطاء النسل الحيوان" . (2)
"ألا أعلمك كلمات لو كان عليك مثل جبل صبير دينا أداه الله عنك ؟ قل:اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك" (3)
"اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق و الأعمال و الأهواء و الأدواء".(4)
"اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين و غلبة العدو و شماتة الأعداء" . (5)
__________
(1) رواه البخاري برقم (5957)، باب الدعاء إذا انتبه بالليل،ومسلم برقم (763)، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه .
(2) رواه البخاري برقم (4250)، باب ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ومسلم برقم (2688)، باب كراهة الدعاء في الدنيا .
(3) رواه أحمد والترمذي والحاكم عن علي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (2625).
(4) رواه الترمذي والطبراني والحاكم. وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (1298).
(5) رواه النسائي والحاكم عن ابن عمرو ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1296).(1/59)
"اللهم إني أعوذ بك من التردي و الهدم و الغرق و الحرق و أعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت و أعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا و أعوذ بك أن أموت لديغاً" . (1)
"اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطاياي وعمدي وكل ذلك عندي".(2)
"اللهم متعني بسمعي و بصري و اجعلهما الوارث مني و انصرني على من ظلمني و خذ منه بثأري" . (3) { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189) إِن فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) } . (4)
{
__________
(1) رواه النسائي والحاكم عن أبي اليسر . صحيح الجامع رقم (1282).
(2) رواه البخاري برقم (6036)، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت .
(3) رواه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة. صحيح الجامع حديث رقم (1310) .
(4) سورة آل عمران الآيات (189-194) .(1/60)
رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ } . (1) { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ } . (2) { وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً } . (3)
{ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ } . (4)
{ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } . (5) { قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ } . (6)
{ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } . (7)
"اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع و من دعاء لا يسمع و من نفس لا تشبع و من علم لا ينفع أعوذ بك من هؤلاء الأربع" . (8)
{ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً } . (9)
{
__________
(1) سورة هود آية (47) .
(2) سورة إبراهيم (40-41).
(3) سورة الإسراء الآيات (80) .
(4) سورة المؤمنون (29) .
(5) سورة الفرقان الآية (65) .
(6) سورة القصص (17) .
(7) سورة غافر الآية (7) .
(8) قال المناوي: رواه الترمذي والنسائي عن ابن عمرو ، وأبو دود والنسائي والبيهقي والحاكم عن أبي هريرة، والنسائي عن أنس. وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (1297).
(9) سورة الكهف الآية (10) .(1/61)
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } . (1)
{ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } . (2)
{ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } . (3)
{ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً
مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } . (4)
{ رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ } .(5)
{ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } . (6)
{ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ } . (7)
{ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } . (8)
{ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } . (9)
__________
(1) سورة الحشر آية (10) .
(2) سورة البقرة الآية (250) .
(3) سورة البقرة آية (201) .
(4) سورة البقرة آية (128) .
(5) سورة آل عمران (8-9) .
(6) سورة آل عمران (53) .
(7) سورة آل عمران الآية (38) .
(8) سورة آل عمران آية (147) .
(9) سورة الأعراف آية (23) .(1/62)
"رب أعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي واهدني ويسر هداي إلي وانصرني على من بغى علي; اللهم اجعلني لك شاكرا لك ذاكرا لك راهبا لك مطواعا إليك مخبتا إليك أواها منيبا ; رب تقبل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي وثبت حجتي واهد قلبي و سدد لساني و اسلل سخيمة قلبي" . (1)
"يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك" . (2)
"اللهم لك أسلمت و بك آمنت و عليك توكلت و إليك أنبت و بك خاصمت اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني أنت الحي الذي لا يموت و الجن و الإنس يموتون" . (3)
"اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم" . (4)
"اللهم بعلمك الغيب و قدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي و توفني إذا علمت الوفاة خيرا لي اللهم و أسألك خشيتك في الغيب و الشهادة و أسألك كلمة الإخلاص في الرضا و الغضب و أسألك القصد في الفقر و الغنى و أسألك نعيما لا ينفد و أسألك قرة عين لا تنقطع و أسألك الرضا بالقضاء و أسألك برد العيش بعد الموت و أسألك لذة النظر إلى وجهك و الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة و لا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان و اجعلنا هداة مهتدين" . (5)
{
__________
(1) رواه أحمد والحاكم عن ابن عباس. صحيح الجامع حديث رقم (3485).
(2) رواه البيهقي والحاكم عن النواس بن سمعان. وصححه الألباني في صحيح الجامع انظر حديث رقم (7988) و (7987) و(4801) .
(3) رواه مسلم عن ابن عباس برقم (2717)، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل.
(4) رواه الترمذي عن ابن عمرو. صححه الألباني في صحيح الجامع رقم(7813).
(5) رواه النسائي والحاكم عن عمار بن ياسر. صححه الألباني في صحيح الجامع رقم (1301).(1/63)
قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي } . (1) { رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } . (2)
{ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } (3) "تعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء" (4)
"رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وهزلي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير" . (5)
{ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } . (6)
{ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } . (7)
__________
(1) سورة طه الآيات (25-28) .
(2) سورة النمل الآية (19) .
(3) سورة الأحقاف الآية (15) .
(4) رواه البخاري برقم (6242)، باب من تعوذ بالله من درك الشقاء وسوء القضاء .
(5) رواه البخاري برقم (6035)، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت .
(6) سورة الأنبياء الآية (87) .
(7) سورة البقرة الآية (286) .(1/64)
"كلمات الفرج: لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله رب السموات السبع و رب العرش الكريم" . (1)
"يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله و لا تكلني إلى نفسي طرفة عين" . (2)
{ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ } . (3)
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ } .(4)
{ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } . (5)
"اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي،وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي،وإجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر".(6)
"اللهم إني أعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، البخل، والهرم، وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها".(7)
"اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك". (8)
"اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء وشماتة الأعداء ".
6ـ "اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني".(9)
" اللهم مصرف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك".(10)
"يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك". (11)
__________
(1) رواه ابن أبي الدنيا في الفرج عن ابن عباس صححه الألباني في صحيح الجامع برقم(4571).
(2) رواه النسائي والحاكم عن أنس.وحسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم(5820) .
(3) سورة المؤمنون الآية (29) .
(4) سورة الأعراف الآية (43) .
(5) سورة الصافات الآية (181-182) .
(6) رواه مسلم .
(7) رواه مسلم .
(8) رواه مسلم .
(9) رواه مسلم .
(10) رواه مسلم .
(11) رواه الترمذي .(1/65)
اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي،وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر".(1)
وقد جمع في هذا الحديث صلاح الدين والدنيا، والآخرة.
1ـ " اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء " . (2)
هذا الحديث اشتمل على " 4 " دعوات:
الدعوة الأولى " جهد البلاء " قيل في معناه:
1ـ كل ما أصاب الإنسان من الشدة والمشقة .
2ـ وما لا يقدر على دفعه عن نفسه .3ـ قال ابن عمر رضي الله عنه : قلة المال وكثرة العيال .4ـ هو ما يختار الموت عليه .
الدعوة الثانية " درك الشقاء " أي : يطلق على السبب المؤدي إلى الهلاك وهوضد السعادة، وشقاوة الآخرة هي الشقاوة الحقيقية. الدعوة الثالثة "وسوء القضاء": يدخل فيه سوء القضاء في الدين والدنيا والبدن والمال والأهل، وقد يكون ذلك في الخاتمة .
الدعوة الرابعة "وشماتة الأعداء" أي: هو فرح عدوه بمكروه أصابه.
2ـ " اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى " . (3)
هذا الحديث اشتمل على "4" دعوات:
الدعوة الأولى "سؤال الله الهدى " أي الهداية إلى الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم .
الدعوة الثانية " سؤال الله التقى " أي : بمعنى التقوى : وهي امتثال الأوامر واجتناب النواهي .
الدعوة الثالثة " سؤال الله العفاف " أي: الكف عن المعاصي والقبائح. الدعوة الرابعة " سؤال الله الغنى " أي : غنى النفس والاستغناء عن الحاجة إلى الخلائق .
اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل ، والبخل والهرم ، وعذاب القبر ، اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليُّها ومولاها ، اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا يستجاب لها". (4)
__________
(1) رواه مسلم .
(2) رواه البخاري .
(3) رواه مسلم .
(4) رواه مسلم .(1/66)
وسمع - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يقول في تشهده : اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم " ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : قد غفر له ، قد غفر له .". (1)
"اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر".(2)
جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: علمني كلاما أقوله : قال "قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم"قال: فهؤلاء لربي فمالي؟قال: "قل: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، (وعافني) وارزقني".(3)
فوائد الإسرار بالدعاء:
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ:
1ـ أنه أعظم إيمانا، لأن صاحبه يعلم أن الله يسمع الدعاء الخفي وأبلغ في الإخلاص والخضوع والخشوع .
2ـ أنه أعظم في الأدب والتعظيم ، لأن الملوك لا ترفع الأصوات عندهم ، ومن رفع صوته لديهم مقتوه ، ولله المثل الأعلى .
3ـ أنه دال على قرب صاحبه للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد ، ولهذا أثنى الله على عبده زكريا بقوله { إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً } سورة مريم (3) .
فلما استحضر أن الله أقرب إليه من كل قريب أخفى دعاءه ما أمكنه .
__________
(1) رواه أبو داود .
(2) رواه البخاري .
(3) رواه مسلم .(1/67)
فضل الذكر
للذكر فوائد عظيمة وأجور كثيرة عند الله تعالى يوم القيامة .
قال الله تعالى: { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) } .(1)
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44) } .(2)
قوله تعالى: وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً : أي أول النهار وآخره .
قال الإمام الطبري رحمه الله: يقول تعالى ذكره يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله اذكروا الله بقلوبكم ، وألسنتكم ، وجوارحكم ذكرا كثيرا فلا تخلو أبدانكم من ذكره في حال من أحوال طاقتكم ذلك ، وسبحوه بكرة.اهـ.(3) .
وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ: الصلاة من الله الثناء ، ومن الملائكة الدعاء .
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: أي من رحمته بالمؤمنين ولطفه بهم، أن جعل من صلاته عليهم وثنائه، وصلاة ملائكته ودعائهم، ما يخرجهم من ظلمات الذنوب والجهل، إلى نور الإيمان والتوفيق والعلم والعمل، فهذا أعظم نعمة أنعم بها على عباده الطائعين، تستدعي منهم شكرها، والإكثار من ذكر الله الذي لطف بهم ورحمهم . اهـ .(4)
فالذكر والشكر جماع السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.
__________
(1) سورة الأحزاب .
(2) سورة الأحزاب .
(3) تفسير الطبري (22/17) .
(4) تيسير الكريم الرحمن تفسير سورة الأحزاب .(1/1)
وقال ابن قيم الجوزية في تعليقه على هذه الآية: فهذة الصلاة منه تبارك وتعالى ومن ملائكته إنما هى سبب الإخراج لهم من الظلمات إلى النور، وإذا حصلت لهم الصلاة من الله تبارك وتعالى وملائكته وأخرجوهم من الظلمات إلى النور فأي خير لم يحصل لهم وأي شر لم يندفع عنهم فيا حسرة الغافلين عن ربهم ماذا حرموا من خيره وفضله وبالله التوفيق . اهـ .(1)
وقال تعالى: { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ } .(2)
والذكر خير عند الله وأرفع للرجات من إنفاق الذهب والفضة، ومن مجاهدة أعداء الله .
فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟" قالوا: بلى قال: "ذكر الله".(3)
أزكاها: أكثرها ثواباً وأطهرها، وأرفعها: أزيدها.
مليككم: أي ربكم ومالككم .
وأرفعها في درجاتكم: أي منازلكم في الجنة.
والورق: بكسر الراء الفضة .
فيه بيان فضل الذكر وأنه خير من الضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل ونفقة الأموال في سبيل الله.
__________
(1) الوابل الصيب (1/100) .
(2) سورة البقرة الآية (152).
(3) رواه أحمد (5/195)، والترمذي في الدعوات برقم (3377)، وابن ماجة برقم (3790)، والبيهقي في ثواب التسبيح، والحاكم في الدعاء والذكر(1/496) وقال:إسناده صحيح، وقال الهيثمي: وسنده حسن، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2629)، والمشكاة برقم (2269)، والكلم (1)..(1/2)
قال المناوي: لأن سائر العبادات من الإنفاق ومقاتلة العدو وسائل ووسائط يتقرب بها إلى اللّه تعالى والذكر هو المقصود الأسنى ورأس الذكر قول لا إله إلا اللّه وهي الكلمة العليا وهي القطب الذي يدور عليه رحى الإسلام والقاعدة التي بني عليها أركان الدين والشعبة التي هي أعلى شعب الإيمان بل هي الكل وليس غيره... (1)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ،أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: "الذاكرون الله كثيراً" قال: قلت: يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله؟ قال: "لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دماً لكان الذاكرون لله أفضل درجة".(2)
وعن معاذ - رضي الله عنه - ،عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن رجلاً سأل فقال: أي المجاهدين أعظم أجراً؟ قال: "أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا" قال: فأي الصائمين أعظم أجراً" قال: "أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا" ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا" فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما: يا أبا حفص ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أجل".(3)
- - -
الذكر يكون على ثلاث حالات :
1 ـ ذكر مع جهاد ، وهذا أفضل الذكر .
2 ـ جهاد بدون ذكر .
3 ـ ذكر بدون جهاد .
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: فأفضل الذاكرين المجاهدون وأفضل المجاهدين الذاكرون.
- - -
ثواب حلق الذكر والإجتماع عليه
__________
(1) فيض القدير .
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الدعاء برقم (3376).
(3) رواه أحمد في المسند (3/169)، والترمذي في كتاب الدعوات.(1/3)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن لله ملائكة فضلاً عن كتاب الناس يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تعالى تنادوا: هلموا إلى حاجتكم".
قال: "فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا".
قال: "فيسألهم ربهم تعالى وهو أعلم بهم ما يقول عبادي؟"
قال: "يقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك".
قال: "فيقول: هل رأوني؟".
قال: "فيقولون: لا والله ما رأوك".
قال: "فيقول: كيف لو رأوني؟"
قال: "فيقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادةً وأشد لك تحميداً وتمجيداً وأكثر لك تسبيحاً".
قال: "فيقول: ما يسألوني؟".
قال: "فيقولون: يسألون الجنة".
قال: "فيقول: وهل رأوها؟".
قال: "فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها".
قال: "فيقول: كيف لو أنهم رأوها؟".
قال: "يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبةً".
قال: "فيقول: فمم يستعيذون؟".
قال: "فيقولون: من النار".
قال: "فيقول: وهل رأوها؟".
قال: "يقولون: لا والله يا رب! ما رأوها".
قال: "يقول: كيف لو رأوها".
قال: "يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافةً".
قال: "يقول: فاشهدكم أني قد غفرت لهم".
قال:"فيقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجةٍ".
قال: "هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم".(1)
فيه من الفوائد: فضيلة الذكر وفضيلة مجالسه والجلوس مع أهله وإن لم يشاركهم، وفضيلة مجالسة الصالحين وبركتهم.
قوله: فضلاً: قال العلماء: أنهم ملائكة زائدون على الحفظة فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم وإنما مقصودهم حلق الذكر.
وقوله: ملائكة سيارة: معناه: سياحون في الأرض.
وقوله: ويستجيرونك من نارك أي: يطلبون الأمان منها.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات تعليقاً برقم (6408)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6780).(1/4)
وقوله : "هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم" قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : فهذا من بركتهم على نفوسهم وعلى جليسهم فلهم نصيب من قوله : { وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ } .(1) فهكذا المؤمن مبارك اين حل ، والفاجر مشئوم اين حل ، فمجالس الذكر مجالس الملائكة ، ومجالس الغفلة مجالس الشياطين وكل مضاف الى شكله واشباهه فكل امرئ يصير الى ما يناسبه. اهـ .(2)
فيه من الفوائد : فضيلة الذكر ، وفضيلة مجالسه والجلوس مع أهله وإن لم يشاركهم، وفضيلة مجالسة الصالحين وبركتهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : فهؤلاء الذين هم من أفضل أولياء الله كان مطلوبهم الجنة ومهربهم من النار . اهـ .(3)
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وذكر الله تعالى ضربان: ذكر بالقلب وذكر باللسان وذكر القلب نوعان:
أحدهما: وهو أرفع الأذكار وأجلها: الفكر في عظمة الله تعالى وجلاله وجبروته وملكوته وآياته في سمواته وأرضه ومنه الحديث: "خير الذكر الخفي" والمراد هذا.
والثاني ذكره بالقلب عند الأمر والنهي فيتمثل ما أمر به ويترك ما نهى عنه ويقف عما أشكل عليه، وأما ذكر اللسان مجرداً فهو أضعف الأذكار ولكن فيه فضل عظيم كما جاءت به الأحاديث.
وقال رحمه الله تعالى: واختلفوا هل تكتب الملائكة ذكر القلب؟ فقيل: تكتبه ويجعل الله تعالى لهم علامة يعرفونه بها وقيل: لا يكتبونه لأنه لا يطلع عليه غير الله.
قال النووي رحمه الله تعالى: قلت: والصحيح أنهم يكتبونه وأن ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من القلب وحده والله أعلم.أهـ . (4)
__________
(1) سورة مريم الآية(31) .
(2) الوابل الصيب (1/101) .
(3) كتاب الزهد والورع والعبادة (1/135) .
(4) شرح مسلم (17/18) .(1/5)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : قالوا والعمل على طلب الجنة والنجاة من النار مقصود الشارع من أمته ليكونا دائما على ذكر منهم فلا ينسونهما ، ولأن الإيمان بهما شرط في النجاة ، والعمل على حصول الجنة والنجاة من النار هو محض الإيمان ، قالوا وقد حض النبي عليها أصحابه وأمته فوصفها وجلاها لهم ليخطبوها وقال : "ألا مشمر للجنة فإنها ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وزوجة حسناء وفاكهة نضيجة وقصر مشيد ونهر مطرد" الحديث ، فقال الصحابة رضي الله عنهم : يا رسول الله نحن المشمرون لها ، فقال : "قولوا إن شاء الله" .(1)
قالوا: وأيضاً فالله سبحانه يحب من عباده أن يسألوه جنته ويستعيذوا به من ناره فإنه يحب أن يسأل ومن لم يسأله يغضب عليه وأعظم ما سئل الجنة وأعظم ما استعيذ به من النار ، فالعمل لطلب الجنة محبوب للرب مرضي له وطلبها عبودية للرب والقيام بعبوديته كلها أولى من تعطيل بعضها ، قالوا وإذا خلا القلب من ملاحظة الجنة والنار ورجاء هذه والهرب من هذه فترت عزائمه وضعفت همته ووهى باعثه وكلما كان أشد طلبا للجنة وعملا لها كان الباعث له أقوى والهمة أشد والسعي أتم وهذا أمر معلوم بالذوق قالوا ولو لم يكن هذا مطلوبا للشارع لما وصف الجنة للعباد وزينها لهم وعرضها عليهم وأخبرهم عن تفاصيل ما تصل إليه عقولهم منها وما عداه أخبرهم به مجملا كل هذا تشويقا لهم إليها وحثا لهم على السعى لها سعيها . اهـ .(2)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله ما غنيمة مجالس الذكر؟ قال: "غنيمة مجالس الذكر الجنة".(3)
الغنيمة : هو الفوز بالشيء وحيازته ، وهو مافيه من الأجر والثواب .
__________
(1) الحديث عن أسامة ، أخرجه البيهقي وابن حبان، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع(2180).
(2) مدارج السالكين (2/ 78ـ79) .
(3) رواه الإمام أحمد (2/177 و 190).(1/6)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما اجتمع قوم على ذكر فتفرقوا عنه إلا قيل لهم: قوموا مغفوراً لكم".(1)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم منادٍ من السماء أن قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات".(2)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليبعثن الله أقواماً يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء".
قال: فجثا أعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله جلهم لنا نعرفهم قال: هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله".(3)
قوله: يغبطهم : الغِبْطَةُ بالكسر أن تتمنى مثل حال المَغْبُوطِ من غير أن تُريد زوالها عنه وليس بحسد .
وعن معاوية - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على حلقةٍ من أصحابه فقال: "ما أجلسكم" قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا.
قال: "آلله ما أجلسكم إلا ذلك" قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك قال: "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة".(4)
قال النووي : قوله : "لم أستحلفكم تهمة لكم" هى بفتح الهاء واسكانها ، وهى فعلة وفعلة من الوهم والتاء بدل من الواو واتهمته به اذا ظننت به ذلك .
__________
(1) صحيح الجامع برقم (5383).
(2) رواه أحمد (3/142)، وقال الهيثمي في المجمع (10/76): (رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط ، وهو في صحيح الجامع (5486).
(3) رواه الطبراني في مجمع الزوائد (10/77).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2701).(1/7)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله عز وجل يباهى بكم الملائكة" معناه يظهر فضلكم لهم ويريهم حسن عملكم ويثنى عليكم عندهم، وأصل البهاء الحسن والجمال، وفلان يباهى بماله أي يفخر ويتجمل به على غيره ويظهر حسنه . اهـ .(1)
وعن أبي هريرة، وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يقعد قوم يذكرون الله عزوجل إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده".(2)
قوله: حفتهم الملائكة : أي يطوفون بهم يدورون حولهم .
قال المناوي: أي أحاطت بهم ملائكة الرحمة والبركة إلى سماء الدنيا ورفرفت عليهم الملائكة بأجنحتهم يستمعون الذكر قيل: ويكونون بعدد القراء .
وقوله: وغشيتهم الرحمة : أي علتهم الرحمة .
وقوله: السكينة: حالة يطمئن بها القلب فيسكن عن الميل إلى الشهوات وعند الرعب، وغشيتهم: عمتهم. وهي فعيلة من السكون، وذكر الصغاني في الذيل أنها بكسر السين وهي على المشهور في الرواية كما في شرح الترمذي للعراقي بالرفع جملة حالية أو السكينة مبتدأ وعليكم خبره ، وفي رواية بالنصب إغراء واكتفى بالسكينة ولم يذكر الوقار للزومه لها أو هي هو فجمعه بينهما في رواية البخاري تأكيد
وقوله: وذكرهم اللّه: أثنى عليهم أو أثابهم .
وقوله: فيمن عنده: من الأنبياء وكرام الملائكة .
قال النووي: وفيه فضل الاجتماع على تلاوة القرآن حتى بالمسجد .(3)
فيه فضيلة مجالس الذكر وفضله ومجالسة أهله وأن من ذكر الله ذكره الله تعالى.
__________
(1) شرح النووي (17/23) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6795) وأخرجه الترمذي في كتاب الدعوات برقم (3378) وابن ماجة في كتاب الأدب برقم (3791).
(3) فيض القدير .(1/8)
قال ابن قيم الجوزية: إن للذكر من بين الاعمال لذة لا يشبهها شئ فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا اللذة الحاصلة للذاكر والنعيم الذي يحصل لقلبه لكفي به ولهذا سميت مجالس الذكر رياض الجنة ، قال مالك بن دينار : وما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل ، فليس شئ من الأعمال أخف مؤنة منه ولا اعظم لذة ولا اكثر فرحة وابتهاجا للقلب . اهـ .(1)
وعنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وآتاه رجل فقال: يا رسول الله! كيف أقول حين أسأل ربي عز وجل؟ قال: "قل: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني ويجمع أصابعه إلا الإبهام فإن هؤلاء تجمع دنياك وآخرتك".(2)
قوله: اغفر لي: أي استر ذنوبي وتجاوز عن عيوبي ، وأصل الغَفْر التغطية ، والمغفرة : إلباس الله تعالى العفوَ للمذنبين .
وقوله: وارحمني: الرحمة هي الرقة والعطف .
وعافني: الغَفْو هو التجاوزُ عن الذَّنْب وتركُ العِقَاب عليه ، وأصله المَحْوُ والطَّمْسُ ، فالعفو :محو الذنوب ، والعافية : أن تسلم من الأسقام والبلايا .
وارزقني: أي انفعني وهب لي .
وعن أبي موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".(3)
وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت".(4)
__________
(1) الوابل الصيب (1/110) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6791).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6407)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1820).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات رقم (6407)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1820) .(1/9)
قال الحافظ ابن حجر: إن الذي يوصف بالحياة والموت حقيقة هو الساكن لا الموطأ ، وإن إطلاق الحي والميت في وصف البيت إنما يراد به ساكن البيت ، فشبه الذاكر بالحي الذي ظاهره متزين بنور الحياة وباطنة بنور المعرفة وغير الذاكر بالبيت الذي ظاهره عاطل وباطنه باطل ، وقيل موقع التشبيه بالحي والميت لما في الحي من النفع لمن يواليه والضر لمن يعاديه وليس ذلك في الميت.اهـ.(1)
- - -
ما يقال عند القيام من المجلس
إذا جلست في مجلس وكثر فيه الكلام واللغط، عليك بكلمات تقولها بعد القيام منه فيغفر الله لك ما وقع منك في هذا المجلس بإذنه تعالى، وهذا الدعاء دلنا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلمنا إياه .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك".(2)
وعن أبي برزة - رضي الله عنه - واسمه نضلة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بأخرةٍ إذا أراد أن يقوم من المجلس قال: "سبحانك اللهم وبحمدك اشهد إن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك" فقال رجل: يا رسول الله إنك لتقول قولاً ما كنت تقوله فيما مضى قال: "ذلك كفارة لما يكون في المجلس".(3)
قوله: بأخرة هو بالهمز مقصورة مفتوحة وبفتح الخاء ومعناه: في آخر الأمر.
__________
(1) فتح الباري (11/210) .
(2) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2730).
(3) رواه أبو داود برقم (4759)، والدارمي (2658)، والنسائي في عمل اليوم والليلة برقم (426)، والحاكم(1/537) من طرق عن الحجاج بن دينار عن أبي هشام عن أبي العالية عنه به، وهو في صحيح أبي داود برقم (4068)، والكلم (801)، والإرواء(340)،والطحاوية (179)،وصحيح الترغيب (220).(1/10)
اشتمل هذا الدعاء على ثلاثة أمور: الأول : تنزيه الله عن كل نقص وحمده على كل فعل.
الثاني: إثبات الألوهية لله تعالى وحده لا شريك له وذلك من تمام العبادة لله وتمام المدح له.
الثالث: الرجوع والإستغفار والتوبة لمن ملكها وهو الله تعالى.
وثمرة هذا المدح والإستغفار والتوبة كفارة لمن قالها.
وفي حديث آخر: "أنه إن كان في مجلس خير كان كالطابع له وإن كان في مجلس كان كفارة له".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة".(2)
ثواب ذكر الله على الإطلاق وفي كل الأحوال
قال الله تعالى: { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } .(3)
فالذكر والشكر جماع السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة .
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ احجب$VJٹدmu' } .(4)
وقال تعالى: { والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً } .(5)
وعن عبد الله بن بسر قال: جاء اعرابي فقال: يا رسول الله! كثُرت عليَّ خلال الإسلام وشرائعه فأخبرني بأمر جامع يكفيني قال: "عليك بذكر الله تعالى" قال: ويكفيني يا رسول الله! قال:"نعم ويفضل عنك".(6)
__________
(1) السلسلة الصحيحة برقم (81).
(2) السلسلة الصحيحة برقم (77).
(3) سورة البقرة (152).
(4) سورة الأحزاب (41-43).
(5) سورة الأحزاب (35).
(6) أخرجه الترمذي (3435 تحفة)، وابن ماجة (2793)، والحاكم (1/495)، وابن حبان (2717 موارد)، وهو صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم(1491).(1/11)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يقول الله تبارك وتعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإٍ خير منهم وإن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً وإذا آتاني يمشي آتيته هرولة".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه".(2)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله تعالى على كل أحيانه.(3)
التسبيح: هو التنزيه، عندما أقول: سبحان الله، أي أنزه الله عن العيب والنقص .
__________
(1) أخرجه البخاري(13/511فتح)ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم(6746).
(2) أخرجه ابن ماجة وابن حبان، المشكاة (2285).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان تعليقا (634)،ومسلم في الحيض برقم(824).(1/12)
التحميد: الحمد والشكر مُتَقاربان . والحمد أعَمُّها, لأنّك تحمَد الإنسان على صِفاته الذَّاتيّة وعلى عطائه ولا تَشْكُره على صِفاته . هـ ومنه الحديث: الحمدُ رأس الشُّكر ,ما شَكَر اللهَ عبْدٌ لا يَحْمَده كما أنّ كلمة الإخْلاص رأسُ الإيمان . وإنما كان رأسَ الشُّكر لأنّ فيه إظهار النعْمة والإشادة بها , ولأنه أعم منه , فهو شُكْر وزيادة . هـ وفي حديث الدعاء سبحانك اللهمَّ وبحمدك أي وبحمدك أبتْدِىء . وقيل بحمدك سَبَّحت . وقد تحذف الواو وتكون الباء للتَّسْبِيب, أو للمُلاَبسة: أي التَّسبْيح مُسبَّب بالحمد , أو ملابِس له . ومنه حديث: لِوَاء الحمْد بِيَدِى ؛ يُريد به إنْفِرَاده بالحمد يوم القيامة وشُهْرَته به على رءوس الخلق . والعَرَبُ تَضَع اللِّواء مواضع الشُهْرة . ومنه الحديث: وابْعَثْه المقَام المحمود الذي وَعَدْتَه أي الذي يَحمْدَه فيه جميع الخلق لتعْجيل الحساب والإراحة من طُول الوقوف . وقيل هو الشَّفاعة .هـ وفي كتابه - صلى الله عليه وسلم - أمّا بعْدُ فإني أحْمَد إليك اللهَ أي أحْمَدُ معَك, فأقام إلى مُقام مَع . وقيل معناه أحْمَد إليك نِعمة الله بِتَحْدِيثك إيَّاها . هـ ومنه حديث ابن عباس أحْمَد إليكم غَسْل الإحْلِيل أي أرْضاه لكم وأتقَدّم فيه إليكم .ا هـ .(1)
والحمد يكون في السراء والضراء .
__________
(1) النهاية في غريب الحديث (1/437) .(1/13)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: جاء فى الكتاب والسنة: حمد الله على كل حال وذلك يتضمن الرضا بقضائه، وفى الحديث: "أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله فى السراء والضراء"(1) ، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أنه كان إذا أتاه الأمر يسرُهُ قال : الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات وإذا أتاه الأمر الذى يسوءُهُ قال : الحمد لله على كل حال"(2) ، وفى مسند الإمام أحمد ، عن أبي موسى الأشعرى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إذا قبض ولد العبد يقول الله لملائكته أقبضتم ولد عبدى فيقولون نعم فيقول أقبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم فيقول ماذا قال عبدى فيقولون حمدك واسترجع فيقول ابنوا لعبدى بيتا فى الجنة وسموه بيت الحمد"(3) ، ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو صاحب لواء الحمد وأمته هم الحمّادون الذين يحمدون الله على السراء والضراء .
والحمد على الضراء يوجبه مشهدان :
أحدهما: علم العبد بأن الله سبحانه مستوجب لذلك مستحق له لنفسه فإنه أحسن كل شئ خلقه واتقن كل شئ وهو العليم الحكيم الخبير الرحيم.
__________
(1) ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في ضعيف الجامع برقم (2147) ، ولكن الشيخ يصحح حديث: "إن أفضل عباد الله يوم القيامة : الحمادون".صحيح الجامع برقم (1571) .
(2) صحيح الجامع برقم (4640) .
(3) رواه الترمذي ، وحسنه ابن ماجه ، و كذلك حسنه العلامة الألباني رحمه الله، في صحيح الجامع رقم (807)، والسلسلة الصحيحة رقم (1408) .(1/14)
و الثانى: علمه بأن اختيار الله لعبده المؤمن خير من اختياره لنفسه كما روى مسلم فى صحيحه وغيره عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذى نفسى بيده لا يقتضى الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له". فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن كل قضاء يقضيه الله للمؤمن الذى يصبر على البلاء ويشكر على السراء فهو خير له قال تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } .(1) ، وذكرهما فى أربعة مواضع من كتابه ، فأما من لايصبر على البلاء ولا يشكر على الرخاء فلا يلزم أن يكون القضاء خيرا له ولهذا أجيب من أورد هذا على ما يقضى على المؤمن من المعاصى بجوابين :
أحدهما : أن هذا إنما يتناول ما أصاب العبد لا ما فعله العبد كما فى قوله تعالى : { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } أى من سراء، { وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } .(2) أي من ضراء وكقوله تعالى: { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } .(3)، أى بالسراء والضراء، كما قال تعالى: { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَة } .(4)
وقال تعالى: { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) } .(5) .
فالحسنات والسيئات يراد بها المسار والمضار ويراد بها الطاعات والمعاصى .
__________
(1) سورة ابراهيم الآية (5)
(2) النساء الآية (79)
(3) الأعراف الآية (168)
(4) الأنبياء الآية (35)
(5) سورة آل عمران .(1/15)
والجواب الثانى: إن هذا فى حق المؤمن الصبار الشكور والذنوب تنقض الايمان فاذا تاب العبد أحبه الله وقد ترتفع درجته بالتوبة، قال بعض السلف كان داود بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة فمن قضى له بالتوبة كان كما قال سعيد بن جبير أن العبد ليعمل الحسنة فيدخل بها النار وان العبد ليعمل السيئة فيدخل بها الجنة وذلك انه يعمل الحسنة فتكون نصب عينه ويعجب بها ويعمل السيئة فتكون نصب عينه فيستفغر الله ويتوب اليه منها ، وقد ثبت فى الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "الأعمال بالخواتيم" . والمؤمن اذا فعل سيئة فان عقوبتها تندفع عنه بعشرة أسباب : أن يتوب فيتوب الله عليه فان التائب من الذنب كمن لاذنب له ، أو يستغفر فيغفر له أو يعمل حسنات تمحوها فإن الحسنات يذهبن السيئات أو يدعو له إخوانه المؤمنون ويستغفرون له حيا وميتا أو يهدون له من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به أو يشفِّع فيه نبيه محمد أو يبتليه الله تعالى فى الدينا بمصائب تكفر عنه أو يبتليه فى البرزخ بالصعقة فيكفر بها عنه أو يبتليه فى عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه أو يرحمه أرحم الراحمين فمن أخطأته هذه العشرة فلا يلومن إلا نفسه كما قال تعالى فيما يروى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا عبادى إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أو فيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ الا نفسه".اهـ.(1)
فعلى المسلم أن لا يغفل عن ذكر الله في أي حال من الأحوال ولا يعيقه شيء عنه، والحديث فيه دلالة على قراءة القرآن وذكر الله للحائض والنفساء لأنهما يدخلان في عموم الذكر.
قال النووي رحمه الله تعالى: هذا الحديث أصل في جواز ذكر الله تعالى بالتسبيح والتكبير والتحميد وشبهها من الأذكار وهذا جائز بإجماع المسلمين.
__________
(1) مجموع الفتاوى (10/ 43ـ44) .(1/16)
وعن الأغر أبي مسلم قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يقعد قوم في مجلس يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده".(1)
وعن عبد الله بن بسر، أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن أبواب الخير كثيرة ولا أستطيع القيام بكلها فأخبرني بما شئت أتشبث به ولا تكثر علي فأنسى، وفي رواية: إن شرائع الإسلام قد كثرت علي وأنا قد كبرت فأخبرني بشيء أتشبث به: قال: "لا يزال لسانك رطباً بذكر الله تعالى".(2)
قوله: إن شرائع الإسلام: قال الطيبي الشريعة مورد الإبل على الماء الجاري ، والمراد ماشرع الله وأظهره لعباده من الفرائض والسنن .
إن شرائع الإسلام قد كثرت علي: أي غلبت علي بالكثرة حتى عجزت عنها لضعفي فأخبرني بشيء قال الطيبي التنكير في بشيء للتقليل المتضمن لمعنى التعظيم كقوله تعالى ورضوان من الله أكبر ، ومعناه أخبرني بشيء يسير مستجلب لثواب كثير .
أتشبث به: أي أتعلق به وأستمسك ولم يرد أنه يترك شرائع الإسلام رأسا بل طلب ما يتشبث به بعد الفرائض عن سائر ما لم يفترض عليه .
لا يزال لسانك رطباً بذكر الله تعالى: أي طريا مشتغلا قريب العهد منه وهو كناية عن المداومة على الذكر .اهـ .(3)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6795) والترمذي في الدعوات برقم(3378)
(2) أخرجه الترمذي (3435 تحفة)، وابن ماجة (2793)، والحاكم (1/495)، وابن حبان (2317موارد)، وصححه الألباني في الكلم(3)،والمشكاة رقم(2279) .
(3) تحفة الأحوذي (9/222).(1/17)
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا أدلك على ماهو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار قول: الحمد لله عدد ما خلق، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه والحمد لله على ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، وتسبح الله مثلهن تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك".(1)
قوله: الحمد لله: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: معنى الحمد هو وصف المحمود بالكمال محبةً وتعظيماً ، فإن وصفه بالكمال لا محبةً ولا تعظيماً ولكن خوفاً ورهبةً سُمِّيَ ذلك مدحاً لا حمداً ، فالحمد لا بد أن يكون مقروناً بمحبة المحبوب وتعظيمه . اهـ .(2)
عدد ما خلق: أي ما بين ما ذكر من السماء والأرض من الهواء والطير والسحاب وغيرها عدد ما هو خالق أي خالقه أو خالق له فيم بعد ذلك ، أي ما هو خالق له من الأزل إلى الأبد والمراد الاستمرار .اهـ .(3)
وعن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة أنه بلغه عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما عمل أدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل".(4)
فيه أن ذكر الله تعالى من أفضل الأعمال ، وأنه ينجي من عذاب الله تعالى .
وعن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة أنه بلغه عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما عمل أدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل".(5)
__________
(1) رواه الطبراني، وصححه العلامة الألباني في الترغيب.
(2) شرح المنظومة البيقونية .
(3) تحفة الأحوذي (10/12ـ13) .
(4) رواه الإمام أحمد في مسنده (5/639) وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5644).
(5) رواه الإمام أحمد في مسنده (5/639)، وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5644).(1/18)
ذكر الله تعالى من أفضل الأعمال وأنه ينجي من عذاب الله تعالى.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له : جُمْدان، فقال: سيروا هذا جُمْدانُ سَبقَ المفردون" قيل: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيراً والذاكرات".(1)
قال ابن قتيبة وغيره: وأصل المفردين الذين هلك أقرانهم وأنفرودوا عنهم وبقوا يذكرون الله تعالى.
وعن الحارث الأشعري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله سبحانه وتعالى أمَرَ يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يَعملَ بها ويأمرَ بني إسرائيل أن يعملوا بها وأنه كاد أن يبطئ بها فقال له عيسى عليه السلام إن الله تعالى أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها فإما أن تأمرهم وإما أن آمُرَهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني أن يخسف بي وأُعذب، فجمع يحيى الناس في بيت المقدس فامتلأ المسجد وقعدوا على الشرف فقال: إن الله تبارك وتعالى أمرني بخمس كلمات أن أعملهن وآمركم أن تعملوا بهن:
أولهن: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وإن مثل من اشرك بالله كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورقٍ فقال له: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدِّ إليَّ فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟!
وإن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت.
وآمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك فكلهم يعجبه ريحه وإن ريح الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6749).(1/19)
وآمركم بالصدقة فإن مثل ذلك مثل رجل أسره العدو فأوثقوا يديه إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم، وآمركم أن تذكروا الله تعالى فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وأنا آمركم بخمسٍ الله أمرني بهن: السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم"، فقال رجل: يا رسول الله! وإن صلى وصام؟!
قال: "وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم فادعوا بدعوى الله الذي سَّماكم المسلمين المؤمنين عباد الله".(1)
جثا: الشيء المجموع.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: فقد ذكر - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث العظيم الشأن الذي ينبغي لكل مسلم أن يحفظه وأن يتعقله ما ينجي من الشيطان وما يحصل للعبد به الفوز والنجاة في دنياه وأخراه. أ.هـ.
__________
(1) أخرجه الترمذي (2863و2864)، وأحمد (4/202)، والحاكم (1/421)، وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وابن حبان برقم (6200)، والطيالسي برقم (1161)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح،وصححه الألباني رحمه الله في الترغيب برقم (870 و 3553) ، والسنة (1036) ، والمشكاة (45و3694) ، وصحيح ابن خزيمة (483و930).(1/20)
وقال رحمه الله تعالى: وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "وآمركم أن تذكروا الله تعالى فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى إلى حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله"، فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقاً بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى وأن لا يزال لهجاً بذكره فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة فهو يرصده فإذا غفل وثب عليه وافترسه وإذا ذكر الله تعالى خنس أي: كف وانقبض. انخس عدو الله وتصاغر وانقمع حتى يكون كالوصع فإذا ذكر الله خنس.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذكر الله تعالى خنس. أ.هـ. (1)
الوصع: طائر أصغر من العصفور.
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا".
قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: "حلق الذكر".(2)
الرتع: هو الأكل والشرب في خصب وسعة.
"إذا مررتم برياض الجنة": قال المناوي في فيض القدير : جمع روضة وهي الموضع المعجب بالزهر سميت به لاستراضة الماء السائل إليها .
"فارتعوا" : أي ارتعوا كيف شئتم وتوسعوا في اقتناص الفوائد قالوا : أي الصحابة أي بعضهم .
__________
(1) الوابل الصيب .
(2) رواه الترمذي وقال:حديث حسن غريب، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم(1511)(1/21)
"وما رياض الجنة" : أي ما المراد بها "قال حلق الذكر" بكسر ففتح جمع حلقة بفتح فسكون ، وهي جماعة من الناس يستديرون لحلقة الباب وغيره والتحلق تفعل منها وهو أن يتعمد ذلك ، قال الطيبي : أراد بالذكر التسبيح والتحميد ، وشبه الخوض فيه بالرتع في الخصب وذلك لأن أفضل ما أعطاه الله لعباده في الدنيا الذكر وأفضل ما أعطاهم في العقبى النظر إليه سبحانه، فذكر الله في الدنيا كالنظر إليه في الآخرة فالذاكر له بلسانه مع حضور قلبه مشاهد له بسره ناظر إليه بفؤاده ماثل بين يديه ببدنه فكأنه في الجنة يرتع في رياض قال النووي : كما يستحب الذكر يستحب الجلوس في حلق أهله وقد تظاهرت على ذلك الأدلة. اهـ .
"تنبيه":قال بعضهم: الذكر هو التخلص من الغفلة والنسيان بدوام حضور القلب مع اللّه وقيل ترديد اسم المذكور بالقلب واللسان سواء في ذلك ذكر اللّه أو صفة من صفاته أو حكم من أحكامه أو فعل من أفعاله أو استدلال على شيء من ذلك أو دعاء أو ذكر رسله أو أنبيائه وما يقرب من اللّه من فعل أو سبب بنحو قراءة أو ذكر اسمه أو نحو ذلك ، فالمتفقه ذاكر وكذا المفتي والمدرس والواعظ والمتفكر في عظمته تعالى والممتثل ما أمر اللّه به والمنتهي عما نهى عنه.اهـ. (1)
- - -
فضل وثواب كلمة التوحيد: لا إله إلا الله
قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } اثخب.(2)
قال ابن عباس وغيره: الكلمة الطيبة هي لا إله إلا الله .
__________
(1) فيض القدير .
(2) سورة إبراهيم .(1/22)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه".(1)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "قال موسى - صلى الله عليه وسلم - يا رب علمني شيئا أذكرك به قال: قل: لا إله إلا الله، قال: يا رب كل عبادك يقول هذا، قال: قل: لا إله إلا الله، قال: إنما أريد شيئاً تخصني به، قال: يا موسى لو أن السموات السبع والأرضين السبع في كفةٍ ولا إله إلا الله في كفة مالت بهم لا إله إلا الله".(2)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل". زاد جُنادَةُ: "من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء".(3)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب العلم برقم (99).
(2) أخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة) برقم (834) وابن حبان والحاكم في المستدرك (1/528) بنحوه وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، كلمة الإخلاص (ص 58).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء برقم (3435)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (139).(1/23)
قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم: باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد من استيقان القلب - هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان. وأحاديث هذا الباب تدل على فساده. بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها. ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح. وهو باطل قطعاً. أ.هـ.
وقال القاضي عياض: ما ورد في حديث عبادة يكون مخصوصاً لمن قال ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - وقرن بالشهادتين حقيقة الإيمان والتوحيد الذي ورد في حديثه، فيكون له من الأجر ما يرجح على سيئاته ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول الجنة لأول وهلة. أ.هـ.
وعن محمود بن الربيع قال: قدمت المدينة فلقيت عتبان فقلت له: حديث بلغني عنك قال: أصابني في بصري بعض الشيء فبعثت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني أحب أن تأتيني تصلي في منزلي فأتخذه مصلى قال فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن شاء الله من أصحابه فدخل فهو يصلي في منزلي وأصحابه يتحدثون بينهم ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك بن دخشم قال: ودوا أنه دعا عليه فهلك، ودوا أنه أصابه شر، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة وقال: "أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟"قالوا: إنه يقول ذلك وما هو في قلبه، قال "لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه" قال أنس: فأعجبني هذا الحديث فقلت لابني: اكتبه فكتبه(1).
في الحديث جواز تمني هلاك أهل النفاق والشقاق ووقوع المكروه بهم. وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه على صحيح مسلم: وفيه التبرك بآثار الصالحين.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة برقم (838) و (840)، وأخرجه في كتاب الجماعة والإمامة (667) و(686) وكذلك في كتاب الصلاة برقم (424)و(425)، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (148).(1/24)
قال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى في تعليقه على فتح الباري (552/1): (هذا فيه نظر - أي كلام النووي- والصواب أن مثل هذا خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لما جعل الله فيه من البركة وغيره لا يقاس عليه لما بينهما من الفرق العظيم ولأن فتح هذا الباب قد يفضي إلى الغلو والشرك كما قد وقع من بعض الناس نسأل الله العافية. أ.هـ.
"فخط لي مسجداً" أي : أعلم لي على موضع لأتخذه مسجداً أي موضعاً أجعل صلاتي فيه متبركاً بآثارك والله أعلم.
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من منح منحةً وِرِقٍ أو منحة لبن أو هدى زقاقاً فهو كعتاق نسمةٍ ومن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير فهو كعتق نسمةً" (1)
وعن عمرو - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقاً من قلبه فيموت على ذلك إلا حَرُمَ على النار، لا إله إلا الله".(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل قال: "يا معاذ بن جبل" قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صادقاً من قلبه إلا حَرَّمه الله على النار".(3)
__________
(1) رواه أحمد،وابن حبان ، ورواه الترمذي، قال في المجمع(10/85) : (رواه الترمذي باختصار التهليل وثوابه،رواهما أحمد ورجالهما رجال الصحيحين)،صحيح الترغيب (889)، المشكاة (1917).
(2) رواه الحاكم في المستدرك (1/351) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا السياق، ووافقه الذهبي، الجنائز (34).
(3) رواه البخاري في كتاب اللباس (5967)، وفي كتاب الاستئذان برقم (6267) ، وفي كتاب الرقاق برقم (6500)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (142) و (143).(1/25)
وعن رفاعة الجهني - رضي الله عنه - قال: أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كنا بالكديد أو بقديد فحمد الله وقال: خيراً، وقال: "أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صدقاً من قلبه ثم يُسَدِّدُ إلا سلك في الجنة".(1)
وفي رواية لمسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرم الله عليه النار".
__________
(1) رواه أحمد، وقال الهيثمي في المجمع (1/20): رواه أحمد وعند ابن ماجة بعضه ورجاله موثقون .(1/26)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا قعوداً حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في نفر فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا فكنت أول من فزع فخرجت أبتغي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتيت حائطاً للأنصار لبني النجار فدرت به هل أجد له باباً فلم أجد فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجةٍ والربيع الجدول فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أبو هريرة؟" قلت: نعم يا رسول الله قال: "ما شأنك؟" قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول ن فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب وهؤلاء الناس ورائي فقال: "يا أبا هريرة!" وأعطاني نعليه وقال: "اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة". فكان أول من لقيت عمر فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة! فقلت: هاتين نعلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثني بهما من لقيت يشهد ان لا إله إلا الله مستيقناً بهما قلبه بشرته بالجنة قال: فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لاستي فقال: ارجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجهشت بكاءً، وركبني عمر، وإذا هو على أثري فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مالك يا ابا هريرة؟" قلت: عمر فأخبرته بالذي بعثني به فضرب بين ثديي ضربةً خررت لاستي قال: ارجع، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا عمر! ما حملك على ما فعلت؟" قال: يا رسول الله! بأبي وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة؟ قال: "نعم" قال: فلا تفعل فإني أخشى أن يتكلم الناس عليها فخلهم يعملون قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فخلهم".(1/27)
(1)
قوله: فزعنا فقمنا: قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: الفزع يكون بمعنى الروع وبمعنى الهبوب للشيء والاهتمام به، وبمعنى الإغاثة، قال: فتصح هذه المعاني الثلاثة أي ذعرا لاحتباس النبي - صلى الله عليه وسلم - عنا.
وقوله: "حائطا": بستاناً وسمي بذلك لأنه حائط لا سقف له.
وقوله: الجدول: بفتح الجيم وهو النهر الصغير.
وقوله: وخشينا أن يقتطع دوننا أي: يصاب بمكروه من عدو إما بأسر وإما بغيره.
وقوله: فاحتفزت كما يحتفز الثعلب معناه: تضامت ليسعني المدخل.
وقوله لاستي: فهو اسم من أسماء الدبر.
وقوله: فأجهشت: بالجيم والشين المعجمة والهمزة والهاء مفتوحتان قال القاضي عياض رحمه الله: وهو أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو متغير الوجه متهيء للبكاء ولما يبك بعد.
وقوله ركبني عمر فمعناه : تبعني ومشى خلفي في الحال بلا مهلة.
وقوله: بأبي وأمي معناه : أنت مفدي أو أفديك بأبي وأمي.
وقال: "ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر".(2)
بيان فضل التهليل والتسبيح، ذكر الله حصن حصين من وسوسة الشيطان وكيده ومن مكفرات الذنوب وذكر الله قربة عظيمة إلى الله سبحانه وتعالى.
يستحب أن يقول العبد ذلك في اول النهار متوالياً ليكون له حرزاً في جميع نهاره وكذا في أول الليل.
وفيه سعة رحمة الله بعباده وتفضله عليهم بجزيل الثواب وغفران الذنوب.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (146).
(2) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق (3293)، وفي كتاب الدعوات برقم (6403)، وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6783).(1/28)
قال القاضي عياض: أن التهليل المذكور أفضل ويكون ما فيه من زيادة الحسنات ومحو السيئات وما فيه من فضل عتق الرقاب وكونه حرزاً من الشيطان زائداً على فضل التسبيح وتكفير الخطايا لأنه قد ثبت أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار فقد حصل بعتق رقبة واحدة تكفير جميع الخطايا مع ما يبقى له من زيادة عتق الرقاب الزائدة على الواحدة ومع ما فيه من زيادة مائة درجة وكونه حرزاً من الشيطان ويؤيده ما جاء في الحديث بعد هذا: "أن أفضل الذكر التهليل" مع الحديث الآخر: "أفضل ما قلته أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له."
الحديث وقيل: أنه اسم الله الأعظم وهي كلمة الإخلاص والله أعلم.انتهى (1)
وعن أبي عياش - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال إذا أصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل عليه السلام وكتب له عشر حسنات وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي وإن قالها إذا أمسى كان مثل ذلك حتى يصبح".(2)
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما قال عبد: لا إله إلا الله قط مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء حتى يُفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر".(3)
__________
(1) شرح النووي على مسلم (17/21) .
(2) رواه أبو داود، وصححه الألباني في الترغيب برقم (653)، المشكاة (2395).
(3) رواه الترمذي وقال:حديث حسن غريب،وحسنه الألباني في صحيح الترغيب رقم(1524).(1/29)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب فيقول أفلك عذر؟ فقال: لا يا رب فيقول الله تعالى بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فيقول: أحضر وزنك فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: فإنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفةٍ والبطاقة في كفةٍ فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء"(1).
وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان كعدل محرراً أو محررين"(2).
- - -
فضل وثواب من قالها مئة مرة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه".
__________
(1) رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجة، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، حديث البطاقة.
(2) رواه رواه الطبراني، قال في المجمع (10/84): (رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح).(1/30)
وقال: "من قال حين يصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في اليوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عَمِلَ أكثر منه"(1).
وفي رواية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك ومن قال: "سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر"(2).
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأتِ أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه"(3).
- - -
فضل وثواب من قال كلمة التوحيد عشر مرات
"من قال حين يصبح عشر مرات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه بها عشر سيئات وكانت كعدل عشر رقاب وأجاره الله يومه من الشيطان الرجيم وإذا أمسى فمثل ذلك حتى يصبح"(4).
__________
(1) رواه البخاري برقم (3293 و 6403) ومسلم (2691).
(2) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3293)، وأخرجه في كتاب الدعوات برقم (6403)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6783).
(3) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6784)، وأبو داود في كتاب الأدب برقم (5091)، والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3469)
(4) رواه البخاري برقم (3293) و (6403)، ومسلم (2691).(1/31)
وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل"(1).
- - -
فضل وثواب التسبيح وفضله
قال الله تعالى: { فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } (2).
وقال تعالى: { يسبحون الليل والنهار لا يَفتُرُونَ } (3).
والآيات في الباب كثيرة.
معنى التسبيح: التنزيه عما لا يليق به سبحانه وتعالى من الشريك والولد والصاحبة والنقائص وسمات الحدوث مطلقاً.
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض".(4).
وعن جابر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة"(5).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله أي الكلام أحب إلى الله تعالى؟
قال: "ما اصطفى الله تعالى لملائكته: سبحان ربي وبحمده سبحان الله"(6).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6404)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6785).
(2) سورة الصافات آية (143).
(3) سورة الأنبياء آية (20).
(4) صححه الألباني رحمه الله في الترغيب برقم (184، 379) والإيمان (ص48) والطحاوية (572) ومشكلة الفقر (59) والمشكاة (281).
(5) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، صحيح الجامع (6305).
(6) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2731)، ورواه الترمذي وقال: حديث حسن.(1/32)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مئة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم".(2)
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن أقول سبحان والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس"(3).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟" قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله فقال: "إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده"(4).
وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي الكلام أفضل قال: "ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده"(5).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال: "يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى"(6).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3293)، وفي كتاب الدعوات برقم (6403)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم(6783).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات برقم(6406) وفي كتاب الإيمان والنذر برقم (7563) . وفي كتاب التوحيد برقم (6682)، وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6786).
(3) رواه مسلم في صحيحه برقم (2695) و (6787) والترمذي برقم (3597).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6863)، والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3593).
(5) المصدر السابق.
(6) أخرجه مسلم في صلاة المسافرين برقم (1668)، وأبو داود في الصلاة برقم (1285).(1/33)
السلامي: بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم: المفصل.
على كل سلامى: بضم السين وتخفيف اللام وأصله عظام الأصابع وسائر الكف ثم استعمل في جميع العظام البدن ومفاصله.
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها"(1).
قال النووي رحمه الله تعالى: "قوله - صلى الله عليه وسلم - : وسبحان الله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض" وسبب عظم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله تعالى بقوله: سبحان الله والتفويض والافتقار إلى الله تعالى بقوله: الحمد لله والله أعلم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة"(2).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمن كبر الله وحمد الله وهلل وسبح الله واستغفر الله وعزل حجراً عن طريق الناس أو شوكة أو عظماً عن طريق الناس أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد الستين والثلاثمائة فإنه يمسي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار"(3).
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة برقم(533)، وأخرجه الترمذي في الدعوات برقم(3517).
(2) أخرجه البخاري في الصلح برقم (2707) ، وفي كتاب الجهاد والسير برقم (2891) و (2989)، وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة برقم (2332).
(3) أخرجه مسلم برقم (1007).(1/34)
قال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: وقلت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يوماً سئل بعض أهل العلم :أيما أنفع للعبد التسبيح أو الاستغفار؟
فقال: إذا كان الثوب نقياً فالبخور وماء الورد أنفع له وإن كان دنساً فالصابون والماء الحار أنفع له، فقال لي رحمه الله تعالى: فكيف والثياب لا تزال دنسة؟أ.هـ. الوابل الطيب.
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة!" فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب ألف حسنة؟ قال: "يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة"(1).
وعن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفضل الكلام سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر"(2).
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت"(3).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لقيتُ إبراهيم ليلة أُسري بي فقال: يا محمد أقرئ أُمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء ,انها قيعان وأن غراسها سُبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" (4).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6792) والترمذي في الدعوات برقم (3463).
(2) رواه أحمد بإسناد صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (3/485).
(3) رواه مسلم في كتاب الأدب برقم (5566)، والنسائي وزاد: وهن من القرآن، وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأدب برقم (3729)، وأبو داود في كتاب الأدب برقم (4958) والترمذي في كتاب الأدب برقم (2836).
(4) رواه الترمذي برقم (3462) وقال: حديث حسن، صحيح الكلم الطيب (ص27)، وصحيح الترغيب برقم (1550)(1/35)
قيعان: جمع قاع وهي الأرض المستوية الخالية من الشجر.
غراس جمع غرس وهو: ما يستر الأرض من البذر ونحوه.
ذكر الله سبب لدخول الجنة وكلما أكثر العبد من ذكر الله كثرت غراسه في الجنة.
وعن أبي سلمة راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : بخٍ بخٍ لخمسٍ ما أثقلهن في الميزان لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه"(1).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن ناساً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: "أوليست قد جعل الله لكم ما تصدقون إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكرٍ صدقة وفي بضع أحدكم صدقة"، قالوا: يا رسول الله يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر"(2).
أهل الدثور: أي أهل الأموال والدثور: بضم الدال وجمع دثر بفتحها وهو المال الكثير والبضع : هو بضم الباء ويطلق على الجماع ويطلق على الفرج نفسه، هو الجماع وقيل الفرج نفسه.
__________
(1) رواه النسائي وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة برقم (1204)، والسنة رقم (781).
(2) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (2326).(1/36)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : قوله - صلى الله عليه وسلم - :" وفي بضع أحدكم صدقة" وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر الله تعالى به أو طلب ولد صالح أو إعفاف نفسه أو إعفاف الزوجة ومنعها جميعاً من النظر إلى الحرام أو الفكر فيه أو الهم به أو غير ذلك من المقاصد الصالحة.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ذهب الدثور بالدرجات العُلى والنعيم المقيم فقال: ( وما ذاك؟) فقالوا: يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: " تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثلة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" (1).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (843)، وفي كتاب الدعوات برقم (6329)، وأخرجه مسلم في كتاب المساجد برقم (1346).(1/37)
وعن جويرية ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال: " ما زلت على الحال التي فأرقتك عليها؟" قالت : نعم ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " لقد قلت بعدك كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته"(1).
وفي رواية عن أبي أمامة: "ألا أدلك على ما هو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار؟ تقول: الحمد لله عدد ما خلق، الحمد لله ملء ما خلق الحمد لله عدد ما في السموات و ما في الأرض، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه ، والحمد لله على ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله ملء كل شيء، وتسبح الله مثلهن تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك" (2)
وعن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال: " إن الله اصطفى من الكلام أربعاً سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فمن قال: سبحان الله كتب له عشرون حسنة وحطت عنه عشرون سيئة ومن قال : الله أكبر فمثل ذلك ومن قال: لا إله إلا الله فمثل ذلك ومن قال الحمد لله ربِّ العالمين من قبل نفسه كتبت له ثلاثون حسنة وحطت عنه ثلاثون سيئة"(3).
- - -
التسبيح بالأصابع أفضل من السبحة
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6851) والترمذي برقم (3555) والنسائي في كتاب السهو برقم (1351)، وابن ماحه في كتاب الأدب باب فضل التسبيح برقم (3808).
(2) رواه الطبراني. وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (2615).
(3) أخرجه أحمد والنسائي والحاكم بنحوه وقال: صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1718).(1/38)
روت يسيرة إحدى المهاجرات رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس ولا تغفلن فتنسين الرحمة وأعقدن بالأنامل فإنهن مسؤلات ومستنطقات"(1).
مسؤولات مستنطقات : يعني أنهن يشهدن بذلك فكان عقدهن بالتسبيح من هذه الحيثية أولى من السبحة والحصى ويدل على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى . (2).
- - -
ثواب كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟" فقلت: بلى يا رسول الله قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".(3)
كنز من كنوز: سمي هذه الكلمة كنزاًلنفاستها وصيانتها، ولا حول ولا قوة إلا بالله من ذخائر الجنة ومحصلات نفائسها ويحصل لقائله ثواباً نفيساً يدخر له في الجنة.
قال النووي رحمه الله تعالى: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة" قال العلماء: سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان له وأنه لا صانع غيره ولا راد لأمره وأن العبد لا يملك شيئاً من الأمر.
ومعنى الكنز هنا: أنه ثواب مدخر في الجنة وهو ثواب نفيس كما ان الكنز النفيس أموالكم.
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا ادلك على باب من أبواب الجنة" قال: وما هو؟ قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".(4)
__________
(1) أخرجه أبو داوود برقم(1501)،والترمذي برقم(3653 تحفة)، المشكاة(2316)
(2) تحفة الأحوذي (9/322) .
(3) رواه البخاري برقم (4205و6384و6409و6610و7386)، ورواه ومسلم برقم (2704) و (6802).
(4) رواه أحمد والطبراني، وقال الألباني: صحيح لغيره ،الصحيحة(1746)،وصحيح الترغيب رقم (1581).(1/39)
وعن قيس بن سعد بن عبادة، أن أباهُ دفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يخدمه قال: فأتى عليّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد صليت ركعتين فضربني برجله، وقال: "ألا أدلك على باب من أبواب الجنة" قلت: بلى، قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".(1)
وعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أسري به مر على إبراهيم عليه السلام فقال: من معك يا جبريل؟ قال: هذا محمد فقال له إبراهيم عليه السلام: يا محمد مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة، قال: "ما غراس الجنة" قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.(2)
وعن مصعب بن سعد عن أبيه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: علمني كلاماً أقوله قال: "قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله رب العالمين لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم" قال فهؤلاء لربي فمالي؟ قال: "قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني".(3)
وعن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم من أسلم يقول: "اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني".(4)
- - -
ثواب الذِكر طرفي النهار
وهما بين الصبح وطلوع الشمس وما بين العصر والغروب.
قال سبحانه وتعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) } (5).
و الأصيل قال الجوهري: هو الوقت بعد العصر إلى المغرب وجمعه أصل وآصال وأصائل كأنه جمع أصيلة.
__________
(1) رواه الحاكم وقال:صحيح على شرطهما،وصححه الألباني في الترغيب(1582)
(2) رواه أحمد ، وابن أبي الدنيا، وابن حبان في صحيحه،صحيح الترغيب(1583).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6788).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6790).
(5) سورة الأحزاب .(1/40)
ويجمع أيضاً على أصلان مثل بعير و بعيران.
وقال تعالى { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55) } (1).
والإبكار: أول النهار، والعشي: آخره.
وقال تعالى { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) } (2).
وهو قبل طلوع الشمس وقبل الغروب.
وأن محل هذه الأذكار بعد الصبح وبعد العصر.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مئة مرة لم يأتِ أحدٌ يوم القيامة بأفضل عما جاء به إلا أحدٌ قال مثل قال أو زاد عليه"(3).
وفي رواية أبي داوود (سبحان الله العظيم وبحمده)
قال النووي رحمه الله تعالى : ظاهر إطلاق الحديث أنه يحصل هذا الأجر المذكور في هذا الحديث من قال هذا التهليل مائة مرة في يومه سواء قاله متوالية أو متفرقة في مجالس أو بعضها أول النهار وبعضها آخره لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار ليكون حرزاً له في جميع نهاره.
وعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" من قال حين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك ، لك الحمد والشكر فقد أدى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يُمسي فقد أدى شكر ليلته"(4).
__________
(1) سورة غافر .
(2) سورة ق .
(3) رواه البخاري برقم(6405)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6784).
(4) أخرجه أبو داود في الأدب برقم (5073) والنسائي في (عمل اليوم والليلة) برقم (7). وابن حبان (861/1) والبغوي في شرح السنة رقم (1328) من طرق عن عبد الله بن عنبسة ، الكلم (26) والمشكاة (2407).(1/41)
"اللهم إني أسألك العفوة والعافية في دنياي وديني وأهلي ومالي، اللهم استر عورتي وآمن روعتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بك أن أغتال من تحتي" . (1)
"يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله و لا تكلني إلى نفسي طرفة عين" . (2)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، "كان إذا كربه أمر قال:يا حي ياقيوم برحمتك أستغيث".(3)
قال المناوي: في تأثير هذا الدعاء في دفع هذا الهم والغم مناسبة بديعة فإن صفة الحياة متضمنة لجميع صفات الكمال مستلزمة لها وصفة القيمومية متضمنة لجميع صفات الأفعال، ولهذا قيل إن اسمه الأعظم هو الحي القيوم والحياة التامة تضاد جميع الآلام والأجسام الجسمانية والروحانية، ولهذا لما كملت حياة أهل الجنة لم يلحقهم هم ولا غم ونقصان الحياة يضر بالأفعال وينافي القيمومية فكمال القيمومية بكمال الحياة فالحي المطلق التام الحياة لا يفوته صفة كمال البتة والقيوم لا يتعذر عليه فعل ممكن البتة فالتوصل بصفة الحياة والقيمومية له تأثير في إزالة ما يضاد الحياة وتغير الأفعال فاستبان أن لاسم الحي القيوم تأثيراً خاصاً في كشف الكرب وإجابة الرب .اهـ.
وعنه: "ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به؟ أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين".(4)
__________
(1) قال السيوطي : رواه البزار عن ابن عباس، وأبو داود وابن ماجه وكذا الحاكم وصححه من حديث ابن عمر .وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم(1274).
(2) رواه النسائي والحاكم عن أنس.وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم(5820).
(3) رواه الترمذي، صحيح الجامع انظر حديث رقم (4777) .
(4) رواه النسائي والحاكم، وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم: (5820) .(1/42)
"اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر وفتنة الدنيا وعذاب القبر". (1).
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من قال في كل كل يوم حين يصبح وحين يمسي حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو ربُّ
العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة "(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطاناً"(3).
قال القاضي: سببه رجاء تأمين الملائكة على الدعاء واستغفارهم وشهادتهم بالتضرع والإخلاص وفيه استحباب الدعاء عند حضور الصالحين والتبرك بهم.
وعن عبد الله بن خبيب - رضي الله عنه - قال: خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - ليُصلي بنا فأدركناه فقال: " قل " فلم أقل شيئاً ، ثم قال "قل" فلم أقل شيئاً ثم قال "قل" فقلت: يا رسول الله ما أقول؟ قال "قل هو الله أحد" والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء"(4).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال حين يمسي ثلاث مرات: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" لم تضره حُمة تلك الليلة".
__________
(1) رواه مسلم برقم (2723)، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل.
(2) أخرجه أبو داود في الأدب برقم (5081)، وابن السُني في (عمل اليوم والليلة) رقم (71)، وأبو داود في الأدب برقم (5081).
(3) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم(3459) و(5102)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6857)، والترمذي في كتاب الدعوات (3459).
(4) رواه أبو داود والترمذي والنسائي ، وصححه الألباني في الترغيب برقم (643) ، والكلم (19)، والمشكاة (2163).(1/43)
قال سُهيل : فكان أهلُنا تعلموها ، فكانوا يقولونها كل ليلة ، فلدغت جارية منهم فلم تجد لها وجعاً .(1)
وعن شداد بن أوس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " سيد الإستغفار اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت إذا قال ذلك حين يمسي فمات دخل الجنة وإذا قال حين يصبح فمات من يومه مثله"(2).
أبوء: أُقر وأعترف بباء مضمومة ثم واو وهمزة ممدودة.
وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما من عبدٍ يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلية : باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء"(3).
هذا لفظ الترمذي، وفي رواية ابي داود "لم تصبه فجأة بلاء" وكان أبان قد أصابه طرَفُ فالج فجعل الرجل ينظر إليه، فقال أبان: ما تنظر؟ أما إن الحديث كما حدثتك ولكنني لم أقله يومئذ ليمضيَ الله قَدَرَه.
__________
(1) صحيح الترغيب (646) .
(2) رواه البخاري في الدعوات برقم (6306)
(3) رواه أبو داود في الأدب برقم (5088)، والترمذ ي في الدعوات (3388) وقال : حديث حسن صحيح، وأخرجه في مسنده (446-474-528/1)، والطيالسي (79)، والبخاري==
== في الأدب المفرد (660) وابن ماجه في الدعاء (3869)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (346)، والحاكم(1/ 514) ، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب برقم (649)، والكلم (23)، والمشكاة (2391) .(1/44)
وقال - صلى الله عليه وسلم - "من قال حين يصبح وحين يمسي : رضيت بالله ربَّاً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبياً" كان حقاً على الله أن يرضيه"(1)
وعن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - رسولاً"(2)
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى : معنى الحديث صح إيمانه واطمأنت به نفسه، وظاهر باطنه لأن رضاه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته ونفاذ بصيرته ومخالطته بشاشة قلبه لأن من رضي أمراً سهل عليه فكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهل عليه طاعات الله تعالى ولذت له والله تعالى أعلم .
وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قال حين يصبح وحين يمسي: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبياً كان حقاً
على الله أن يرضيه".(3)
ووقع في رواية أبي داود وغيره " وبمحمد رسولاً" وفي رواية
الترمذي " نبياً" فيستحب أن يجمع الإنسان بينهما فيقول " نبياً ورسولاً" ولو اقتصر على أحدهما كان عاملاً بالحديث.
__________
(1) أخرجه أبو داود في الأدب (5088) و(5089) والحاكم في الدعاء (1905/1) والترمذي في الدعوات (3389)، النقد (ص33)، والكلم(24)، والمشكاة(2399).
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم(150)، والترمذي في كتاب الإيمان(2623).
(3) رواه الترمذ1ي (3389) والنسائي في (عمل اليوم والليلة ) برقم (4و 565) وأبو داود (5072) وابن ماجه (3870) والحاكم في المستدرك وابن المسني في (عمل اليوم والليلة ) (68).(1/45)
وكذلك حديث "اللهم إني أصبح أُشهدك وأُشهد حملة عرشك".(1)
وعن عبد الله بن غنام : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من قال رحين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحدٍ من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك ولك الحمد والشكر فقد أدى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته".(2)
وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات إلا لم يضره شيء".(3)
يتحصن العبد المسلم بالله ويمضي في حياته على اسمه وبسم الله يحتمة به العبد من كل سوء من معنى أو عين أو دابة أو جني أو شيطان لأنه السميع لأحوالهم العليم بها في سائر أزمنتها فلا يقع شيء إلا بإذنه سبحانه وتعالى.
والإتيان بهذا الذكر يوقي بقدر الله جميع البأس والضر.
وجاء في نهاية الحديث:" وكان أبان قد أصابه طرف فالج فجعل الرجل الذي سمع منه الحديث ينظر إليه فقال له : مالك تنظر إلي؟! فوالله ما كذبت على عثمان ولا كذب عثمان على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبت فنسيت أن أقولها).
الغضب آفة تحول بين المرء وعقله ، وفيه الدعاء يرد القضاء,
__________
(1) رواه أبو داود وحسنه الحافظ ابن حجر وكذلك الشيح ابن باز رحمهما الله تعالى في تحفة الأخيار برقم (23) وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (1201)، وإسناده ضعيف. أنظر ضعيف الجامع حديث رقم (5731) .
(2) رواه أبو داود برقم (5073) والنسائي في (عمل اليوم والليلة ) (7) والبغوي في شرح السنة برقم (1328).
(3) أخرجه أحمد في مسنده (446- 4747-528/1)، والطيالسي(79)، والبخاري في الأدب المفرد (660)، والترمذي في الدعوات (3388)، وابن ماجه في الدعاء (3869) والنسائي في (عمل اليوم والليلة) (346)، والحاكم(1/514) وصححه.(1/46)
أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال فيهن له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر. (1)
إذا أصبح أحدكم فليقل أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين اللهم إني أسألك خير هذا اليوم فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده ثم إذا أمسى فليقل مثل ذلك . (2)
قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم. (3)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أمسى قال: " أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له "(4)
قال الراوي : أراه قال فيهن: ( له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير مافي هذه الليلة وخير ما بعدها ,أعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها ربَّ أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر ربِّ أعوذ بك من عذاب النار وعذاب القبر وإذا أصبح قال ذلك أيضاً : "أصبحنا وأصبح الملك لله"(5)
__________
(1) رواه مسلم برقم (2723)، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل
(2) رواه أبو داود برقم (5084)، باب ما يقول إذا أصبح . صحيح الجامع برقم (352) .
(3) رواه الترمذي برقم (3529)، قال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه . صحيح الجامع برقم (7813) .
(4) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6845)، وأبو داود في كتاب الأدب برقم (5071)، والترمذي في كتاب الدعوات برقم(3390)
(5) المصدر السابق.(1/47)
وعن عبد الله بن خبيب - رضي الله عنه - قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اقرأ : "قل هو الله أحد" والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلا ث مرات تكفيك من كل شيء".(1)
وعن أبي عياش - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال إذا أصبح: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كان له عدل رقبةٍ من ولد إسماعيل وكتب له عشر حسنات ، وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي فإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى يصبح"(2).
قال حماد فرأى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرى النائم فقال: يا رسول الله !إن أبا عياش يحدث عنك بكذا وكذا؟ قال : صدق أبو عياش.
العدل: بالكسر وفتحه لغة هو المثل ، وقيل بالكسر ما عادل الشيئ من جنسه وبالفتح ما عادله من غير جنسيه.
وقال - صلى الله عليه وسلم - :" من قال" سبحان الله " مائة مرة قبل طلوع الشمس و قبل غروبها كان أفضل من مائةِ بدنةٍ، ومن قال: " الحمد لله " مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، كان أفضل من مائةٍ فرس يُحمَلَ عليها في سبيل الله ومن قال: " الله أكبر" مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها كان أفضل من عتق مائة رقبة ومن قال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها لم يجيء يوم القيامة أحد بعملٍ أفضل من عمله إلا من قال مثل قوله أو زاد عليه(3).
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي برقم (3575) بإسناد حسن.
(2) رواه أبود داود واللفظ له، والنسائي وابن ماجه واتفقوا كلهم على المنام،وصححه الألباني في الترغيب برقم (650) ، و(أبو عياش ) قيل اسمه زيد ابن الصامت وقيل:زيد بن النعمان وقيل غير ذلك .
(3) رواه النسائي في (عمل اليوم والليلة)،وحسنه الألباني في الترغيب برقم(651).(1/48)
وعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أنه قال -وهو في أرض الروم-: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من قال غدوة :" لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" عشر مرات ، كتب الله له عشر حسناتٍ، ومحى عنه عشر سيئات وكن له قدر عشر رقاب وأجاره الله من الشيطان، ومن قالها عشيةً فمثل ذلك"(1).
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - " من صلى عليَّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامةِ"(2).
- - -
الحث على ذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح والمغرب
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت كأجر حجة وعمرة تامة تامةٍ تامةٍ".(3)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال في دبر صلاةِ الصبح وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، عشر مرات كُتِبَ له عشر حسنات ومحي عنه عشر سئيات ورُفعَ له عشر درجات وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه وحُرِسَ من الشيطان ولم ينبغ لذنب أن يدركه اليوم إلا الشرك بالله تعالى".(4)
وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حَسَناً".(5)
"حَسَناً" بفتح السين وبالتنوين أي طلوعاً حسناً أي: مرتفعة.
__________
(1) رواه أحمد والنسائي واللفظ له وابن حبان في صحيحه ،وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم(653)
(2) رواه الطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (656).
(3) صحيح الجامع للشيخ الألباني برقم (6222)، وصحيح الترغيب برقم(461).
(4) تمام المنة (ص 922).
(5) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (670).(1/49)
وعن عمارة بن شبيب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير (عشر مرات) على أثر المغرب بعث الله له مسلحة يحفظونه من الشيطان حتى يصبح، وكتب الله له بها عشر حسنات موجبات ومحا عنه عشر سيئات موبقات، وكانت له بعدل عشر رقباتٍ مؤمناتٍ".(1)
وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال إذا أصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (عشر مرات) كتب الله له بهن عشر حسنات ومحا بهن عشر سيئات ورفع له بهن عشر درجات وكن له عدل عِتاقةِ أربع رقابٍ وكن له حَرَساً حتى يمسي، ومن قالهن إذا صلى المغرب دُبر صلاته فمثل ذلك حتى يصبح".(2)
وزاد ابن حبان في رواية له: "وكن له عدل عشر رقاب".
إذا أصبح: أي إذا صلى الصبح.
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال دبر صلاةِ الغداةِ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، مائة مرة قبل أن يثني رجليه كان يؤمئذ من أفضل أهل الأرض عملاً إلا من قال مثل ما قال، أو زاد على ما قال".(3)
__________
(1) رواه النسائي والترمذي وقال: حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد، لا نعرف لعمارة سماعاً من النبي - صلى الله عليه وسلم - ،وحسنه الألباني في الترغيب برقم(469).
(2) رواه أحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في الترغيب(470).
(3) رواه الطبراني في الأوسط، وحسنه الألباني في الترغيب برقم(471).(1/50)
وعن عبد الرحمن بن غنم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قال قبل أن ينصرف ويثني رجليه من صلاة المغرب والصبح: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له،له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير" عشر مرات كتب الله له بكل واحدةٍ عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشرَ درجات وكانت جِرزاً من كل مكروه وجرزاً من الشيطان الرجيم، ولم يَجلّ الذنبِ أن يُدركه إلا الشرك وكان من أفضل الناس عَمَلاً، إلا رجلاً يفضُلُهُ، يقول أفضل مما قال".(1)
- - -
ثواب ذكر الله بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة". قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تامة تامة تامة".(2)
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن أقعد مع قوم يذكرون الله، من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن اقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة".(3)
وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناً" أي طلوعاً حسناً أي مرتفعة".(4)
__________
(1) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير شهر بن حوشب،وعبد الرحمن بن غنم مختلف في صحبته،وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم(472).
(2) رواه الترمذي وقال:حديث حسن غريب، وحسنه الألباني في الترغيب(464).
(3) رواه أبو داود، الصحيحة (2916) وصحيح الترغيب (465).
(4) سبق تخريجه.(1/51)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لأن أقعد أذكر الله سبحانه وتعالى، وأكبره، وأحمدْ، وأسبحه، وأهلله، حتى تطلع الشمس، أحب إلي من أن أعتق رقبتين أو أكثر من ولد إسماعيل، ومن بعد العصر حتى تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب من ولد إسماعيل".(1)
وعنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى صلاة الغداة في جماعة، ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجةٍ وعمرةٍ".(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الصبح، ثم جلس في مجلسهِ حتى تُمِكنَه الصلاةُ، كان بمنزلة عمرةٍ وحجةٍ متقبلتين".(3)
وعن عبد الله بن غابر، أن أبا أمامة وعُتبة بن عبدٍ حدثاه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم ثبت حتى يسبح لله سبحة الضحى، كان له كأجر حاجٍ ومعتمر، تاماً له حجهُ وعمرته".(4)
__________
(1) رواه أحمد بإسناد حسن، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (466).
(2) رواه الطبراني بإسناد جيد، كذا قال الهيثمي،الصحيحة رقم (3403) ، صحيح الترغيب برقم (467).
(3) رواه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات إلا الفضل بن الموفق، ففيه كلام، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب رقم (468).
(4) رواه الطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (469).(1/52)
عن أبي وائل قال: غدونا على عبد الله بن مسعود يوماً بعدما صلينا الغداةَ، فسلمنا بالباب فأُذِنَ لنا قال: فمكثنا بالباب هُنية قال: فخرجت الجارية فقالت: ألا تدخُلُونَ؟ فدخلنا فإذا هو جالس يُسبِّحُ فقال: ما منعكم أن تدخلوا وقد أُذِنَ لكم؟ فقلنا: لا، إلا أنا ظننا أن بعض أهل البيت نائم، قالَ: ظننتم بآل ابن أم عبد غَفْلَةً؟ قال: ثم أقبل يسبح حتى ظن أن الشمس قد طلعت فقال: يا جارية! انظري هل طلعت؟ قال: فنظرت فإذا هي لم تطلُع، فأقبل يسبح حتى إذا ظن أن الشمس قد طلعت قال: يا جارية! انظري هل طلعت؟ فنظرت فإذا هي قد طلعت. فقال: الحمد لله الذي أقالنا يومنا هذا، (فقال مهدي وأحسبُهُ قالَ) ولم يُهلكنا بذنوبنا، قال: فقال رجل من القوم: قرأت المفصل البارحة كُلَّهُ قال، فقال عبد الله: هذا كهذا الشعر؟ إنا لقد سمعنا القرائن وإني لأحفظ القرائن التي كان يقرؤُهنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية عشر من المفصلِ وسورتين من آل حم.(1)
ذكر الأبي في شرحه على مسلم (3/174) في شرح هذا الحديث:
فائدة الحديث قبول خبر الواحد والعمل بالظن مع القدرة على اليقين لأنه اكتفى بخبرها مع قدرته على رؤية طلوعها.
وفيه أن الأوقات المخصوصة بالذكر ثواب الذكر فيها أكثر من ثواب التلاوة، وفيه، ان الكلام بمثل هذا لا يقطع ورد التسبيح والذكر.أهـ.
- - -
فضل الأذكار بعد صلاة الصبح وثوابها
__________
(1) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (278).(1/53)
عن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب الله له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه، وحُرِس من الشيطان، ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم، إلا الشرك بالله".(1)
ورواه النسائي وزاد فيه: "بيده الخير" وزاد فيه أيضا: "وكان له بكل واحدةٍ قالها عتقُ رقبة مؤمنةٍ".
- - -
قراءته - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة(2)
" سنة الفجر
كانت قراءته - صلى الله عليه وسلم - في ركعتي سنة الفجر خفيفة جدًا حتى أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول : (هل قرأ فيها بأم الكتاب) رواه البخاري ومسلم . وكان أحيانا يقرأ بعد الفاتحة في الأولى منهما آيه { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا } إلى آخر الآية ، وفي الأخرى { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } إلى آخرها ، وربما قرأ بدلها { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ } إلى آخر الآية . رواه مسلم ، وأحيانا يقرأ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } في الأولى و { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } في الثانية .. وكان يقول : (نعم السورتان هما) رواه ابن ماجه وابن حبان بسند صحيح.
" صلاة الفجر
__________
(1) رواه الترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب صحيح، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (472).
(2) كتاب الدعاء في الصلاة . طارق بن محمد القطان .(1/54)
كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ فيها بـ (الواقعة - الطور - التكوير - الروم - يس - الصافات - المؤمنون - السجدة - الإنسان - الزلزلة) وبطوال المفصل(1)، وكان يطول في الركعة الأولى ويقصر في الثانية ، وكان يقرأ نحو ستين آية فأكثر، قال بعض رواته: لا أدري في إحدى الركعتين أو في كلتيهما؟ رواه البخاري ومسلم
وقرأ مرة { إِذَا زُلْزِلَتِ } في الركعتين كلتيهما حتى قال الراوي : فلا أدري أنسي رسول الله أم قرأ ذلك عمدًا. رواه أبو داود بسند صحيح
" صلاتي الظهر والعصر(2)
( كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في كل من الركعتين قدر ثلاثين آية ، وأحياناً كان يقرأ بـ و { َمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ } و { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ } و { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } ونحوهما من السور. رواه أبوداود بسند صحيح، (ويطول في الأولى ما لا يطول في الثانية)... (3)
__________
(1) المفصل : هو ما يلي المثاني من قصار السور ، سمي بذلك لكثرة الفصول التي بين السور ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأقسامه ثلاثة : طواله وأوساطه وقصاره .. فطواله : من (ق) أو (الحجرات) إلى (عم)أو (البروج).. وأوساطه: من ( عم) أو (البروج) إلى (الضحى) أو (لم يكن).. وقصاره: من (الضحى) أو (لم يكن) إلى آخر القرآن .. على خلاف في ذلك .
(2) فائده : كيف عرفت قراءته - صلى الله عليه وسلم - بالظهر والعصر مع كونهما سرًية ؟ .. الجواب : ذكر أهل العلم ان الاسرار في السرية والجهر بالجهرية سنة وليس بواجب ، ويحمل فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - هنا على أنه جهر بالسرية وهو محمول على تعليم أصحابه ، ومافعل للتعليم فلا بأس .
(3) رواه البخاري ومسلم .(1/55)
و (كان يقرأ - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الظهر في كل ركعة قدر ثلاثين آية وفي الركعتين الأخيرتين أقصر من الأوليين قدر النصف وربما اقتصر فيهما على الفاتحة ، وفي العصر يقرأ في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة آية وفي الركعتين الأخيرتين أقصر من الأوليين قدر نصفهما ) رواه مسلم ..
" صلاة المغرب
كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بقصار السور أحيانًا. رواه البخاري، وأحيانًا بطوال المفصل وأوساطه .. وتارة بـ (الطور - المرسلات - الأعراف) رواه البخاري ، وتارة بـ ( الأنفال ) رواه الطبراني في الكبير بسند صحيح ، وقرأ في سفر { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ } في الركعة الثانية .. رواه أحمد بسند صحيح
" سنة المغرب
كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في سنة المغرب البعدية { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } في الأولى و { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } في الثانية . رواه النسائي بسند صحيح
" صلاة العشاء
كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين الأوليين من وسط المفصل .. رواه احمد بسند صحيح ، وتارة بـ ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ) وأشباهها من السور .. رواه أحمد بسند حسن ، وتارة بـ ( إذا السماء انشقت ) وكان يسجد فيها . رواه البخاري ، وقرأً مرةً في سفر ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) في الركعة الأولى .. رواه البخاري
" صلاة الليل(1/56)
كان - صلى الله عليه وسلم - ربما يجهر بالقراءة ، وربما أسر .. رواه البخاري ، يقصر القراءة فيها تارة ويطيلها أحيانًا ويبالغ في إطالتها حتى قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة فلم يزل قائمًا حتى هممت بأمر سوء ، قيل وما هممت ؟ قال : هممت أن أقعد وأذر النبي - صلى الله عليه وسلم - ) رواه البخاري ، وذلك من شدة قيامه ، وقال حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعتين فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع) رواه مسلم .
وقرأ ليلة وهو مريض بالسبع الطوال(1) رواه الحاكم وصححه ، وكان أحيانًا يقرأ في كل ركعة بسورة منها. رواه أبو داود بسند صحيح ، وكان يقرأ أحيانًا في كل ركعة قدر خمسين آية أو أكثر ، وتارة يقرأ قدر { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ } .. رواه البخاري ، وكان يقرأ في كل ليلة بـ (بني اسرائيل)(2) و (الزمر) رواه أحمد بسند صحيح .. وعن عائشة رضي الله عنها قالت : (لا أعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ القرآن كله في ليلة ولا قام ليلة حتى الصباح ولا صام شهرا كاملا قط غير رمضان) رواه النسائي .. لذلك كان - صلى الله عليه وسلم - لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث . رواه ابن سعد ، وكان يقول - صلى الله عليه وسلم - : ( من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين) رواه أبو داود بسند صحيح . (وما كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي الليل كله) رواه مسلم
" صلاة الوتر
__________
(1) السبع الطوال في القرآن هي: البقرة، آل عمران، النساء ، المائدة ، الأنعام الأعراف، التوبة .
(2) سورة الإسراء .(1/57)
كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعة الأولى { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } وفي الثانية { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } وفي الثالثة { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } رواه النسائي بسند صحيح . وكان يضيف أحيانًا { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } رواه الترمذي والحاكم وصححه، (ومرة قرأ - صلى الله عليه وسلم - في ركعة الوتر بمائة آية من النساء ). رواه النسائي بسند صحيح .
" صلاة الجمعة
كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الأولى بـ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } وفي الثانية { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } رواه مسلم .. وأحيانًا يقرأ في الأولى بسورة ( الْجُمُعَةِ) وفي الثانية { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ } وتارة يقرأ بدلها { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } رواه مسلم .
" صلاة العيدين
كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ أحيانًا في الأولى { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } وفي الثانية { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } رواه مسلم .. وأحيانًا يقرأ فيهما بـ { ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ } و { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ } . رواه مسلم .
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من أوى إلى فراشه طاهراً وذكر الله عز وجل حتى يدركه النعاس لم ينقلب من الليل يسأل الله عز وجل فيها خيراً من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه"(1).
وعن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه وقرأ بالمعوذات ومسح بهما جسده".
__________
(1) صحيح الكلم الطيب (ص43).(1/58)
وفي رواية لهما : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فقرأ فيها: { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقيل من جسده فعل ذلك ثلاث مرات"(1).
قال ابن قيم الجوزية: والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح والسلاح بضاربه لا بحده فقط فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به والساعد ساعد قوي والمانع مفقود حصلت به النكاية في العدو ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير فإن كان الدعاء في نفسه غير صالح أو الداعى لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء أو كان ثم مانع من الاجابة لم يحصل الأثر .اهـ. (2)
- - -
ما يقوله من رأى في منامه ما يكرهه
عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الرؤيا الصالحة من الله ، والحلم من الشيطان فمن رأى رؤيا يكره منها شيئاً فلينفث عن يساره ثلاثاً وليتعوذ بالله من الشيطان فإنها لا تضره ولا يُخبر بها أحد وإن رأى رؤيا حسنة فليستبشر ولا يخبر بها إلا من يحب"(3).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - من عُرضت عليه رؤيا فليقل لمن عَرَضَ عليه خيراً(4).
وعن جابر - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها، فليبصق عن يسار ه ثلاثاً ، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وليتحول عن مكانه الذي كان عليه"(5).
__________
(1) متفق عليه.
(2) الجواب الكافي (1/5) .
(3) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق (3292) ومسلم في الرؤيا برقم (2262).
(4) أخرجه الدارمي برقم (2163) عن عائشة رضي الله عنها.
(5) رواه مسلم في كتاب الرؤيا برقم (2262) ، وأبو داود والنسائي وابن ماجه.(1/59)
وفي رواية للبخاري ومسلم : "وإذا رأى ما يكرهه فليتعوذ بالله من شرِّها وشرِّ الشيطان، وليتفل عن يساره ثلاثاً ولا يحدث بها أحداً، فإنها لن تضره".
وروياه عن أبي هريرة وفيه: " فمن رأى شيئاً يكرهه ، فلا يقصه على أحد ، وليقم فليصل".(1)
الحلم: بضم الحاء وسكون اللام وبضمها: هو الرؤيا وبالضم والسكون فقط هو رؤية الجماع في النوم، وهو المراد هنا.
فليتفُل بضم الفاء وكسرها أي : فليبزق.
وقيل: التفل أقل من البزق، والنفث أقل من التفل.
- - -
الذكر عند الاستيقاظ في الليل وأرادة النوم بعده
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تعار من الليل فقال:لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، والحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له إن توضأ قبلت صلاته"(2).
تعار: بتشديد الراء أي استيقظ في أي ساعة من الليل.
- - -
ذكر من يفزع في نومه
جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكا أنه يفزع في منامه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" إذا أويت إلى فراشك فقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون"(3).
فقالها فذهب عنه.
- - -
الذكر عند الاستيقاظ من النوم
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نائم ثلاث عقد يضرب على كل عقدةٍ مكانها عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ وذكر الله تعالى انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان"(4).
__________
(1) فتح الباري كتاب التعبير رقم(7017)، وصحيح مسلم في الرؤيا رقم(2263).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه ابن السني، الصحيحة (246).
(4) سبق تخريجه.(1/60)
قوله: على قافية رأس أحدكم : القافية آخر الرأس وقافية كل شيءٍ آخره ومن قافية الشعر.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " فأصبح نشيطاً طيب النفس" معناه: لسروره بما وفقه الله الكريم له من الطاعة ووعده به من ثوابه مع ما يبارك في نفسه وتصرفه في كل أموره مع ما زال عنه من عقد الشيطان وتثبيطه.
انحلت عقده كلها: قال الألباني رحمه الله تعالى: قلت في تفسير "العقد" أقوال، والأقرب أنه على حقيقته بمعنى السحر للإنسان ومنعه من القيام، كما يعقد الساحر من سحره، كما أخبر بذلك المولى تعالى ذكره في كتابه الكريم { ومن شر النفاثات في العقد } فالذي خذل يعلم فيه ، والذي وفق يصرف عنه ، ومما يدل على أنه على الحقيقة ما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعاً " على قافية رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد" الحديث، وما رواه ابن خزيمة وذكره المصنف في هذا الباب عن جابر رضي الله عنه " على رأس جرير معقود" وفسر الجرير بالحبل .أ.هـ.(1)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من ذكر ولا أُنثى إلا على رأسه جرير معقود حين يرقد بالليل فإن استيقظ فذكر الله انحلت عُقدةٌ فإذا قام فتوضأ وصلى انحلت العُقَدُ، وأصبح خفيفاً طيب النفس، قدأصاب خيراً"(2).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لوأن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً"(3).
__________
(1) صحيح الترغيب(ص324).
(2) رواه ابن خزيمة في صحيحه، و قال الجرير: الحبل، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (608).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء برقم (141)، وأخرجه أيضاً في كتاب بدء الخلق برقم (3271 و3283)، وفي كتاب النكاح برقم (5165)، وفي كتاب الدعوات برقم (6388) وفي التوحيد برقم(7396)، وأخرجه مسلم في كتاب النكاح برقم (3519).(1/61)
قوله: لم يضره: أي لا يصيبه الشيطان بأذى .
وفيه استحباب التسمية والدعاء والمحافظة على ذلك حتى في حالة الجماع والاعتصام بذكر الله ودعائه من الشيطان والتبرك باسمه والاستعاذة به من جميع الأسماء، وفيه إشارة إلى أن الشيطان ملازم لابن آدم لا يفتر عنه إلا إذا ذكر الله تعالى.
- - -
ثواب ما يقول إذا لبس ثوباً
عن معاذ بن أنس الجهني الأنصاري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لبس ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة غفر الله له ما تقدم من ذنبه"(1).
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : لبس عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني ما أُواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من لبس ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم عمد إلى الثوب الذي أخلق فتصدق به كان في كنف الله وفي حفظ الله وفي ستر الله حياً وميتاً"(2).
وعن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لبس ثوباً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"(3).
- - -
ثواب الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال الله تعالى { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) } (4).
__________
(1) صحيح أبي داود (3394) والمشكاة (4374) الترغيب (2042).
(2) أخرجه الترمذي ، وابن ماجه ، والحاكم ، ورواه البيهقي وغيره عن عبيد بن زحر عن على بن يزيد عن القاسم عنه به.
(3) أخرجه أبو داود برقم (4023) .
(4) سورة الأحزاب الآية (56).(1/62)
هذه الآية شَرَّفَ الله سبحانه وتعالى بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - في حياته وموته وذكر منزلته منه وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء.
فيستحب أن يكررر الكاتب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما كتبه ويكتبها كاملة ولا يقتصرها كما يفعل البعض فيكتبها هكذا (صلعم) أو يكتبها (ص).
ويستحب إذا صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر على أحدهما وهذا ظاهر في الآية.
وذكر ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى : في كتابه العظيم (جلاء الأفهام) تسعاً وتسعين فائدة يحصل عليها المصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - منها:
يصلي الله عليه بكل صلاة عشر صلوات وترفع له عشر درجات ويكتب له عشر حسنات وتمحى عنه عشر سيئات ويرجى إجابة دعائه إذا بدأه بحمد الله ثم - صلى الله عليه وسلم - بعدها وختم دعاءه بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وسبب لنيل شفاعته - صلى الله عليه وسلم - وسبب لغفران الذنب وذهاب الهم والغم وقضاء الحوائج ، وتكون سبب للقرب منه عليه الصلاة والسلام يوم القيامة.
وتكون سبب لطيب المجلس، وسبب لتثبيت القدم على الصراط ونور على الصراط وبركة على المصلى في عمره وأسباب مصالحه.
وسبب لنيل رحمة الله وسبب لهداية المصلي عليه وحياة قلبه، ويقول رحمه الله تعالى: (فكلما أكثر العبد من الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - استولت محبته على قلبه حتى لا يبقى في قلبه معارضة شيء من أوامر ولا شك في شيء مما جاء به بل يصير ما جاء به مكتوباً مسطوراً في قلبه ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العلوم منه وكلما ازداد في ذلك بصيرة ومعرفة ازدادت صلاته عليه - صلى الله عليه وسلم - فذكره - صلى الله عليه وسلم - وذكر ما جاء به وحمد الله سبحانه على أنعامه علينا ومنته بإرساله هو حياة الوجود وروحه"أ.هـ.(1/63)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من صلى علي صلاة - صلى الله عليه وسلم - عليه بها عشراً"(1).
فيه الحث على الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فيها من الأجر العظيم والخير العميم، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبب في رحمة الله للعبد.
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة"(2).
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطّ عنه بها عشر سيئات ورفعه بها عشر درجات"(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من أحدٍ يسلم علي إلا ردَّ الله إلي روحى حتى أرد عليه السلام"(4).
وعن مكحول عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أكثروا عليَّ من الصلاة في يوم الجمعة فإن صلاة أمتي تعرض عليَّ في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم عليَّ صلاة كان أقربهم مني منزلة"(5).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (284) وأبو داود والترمذي .
(2) رواه الترمذي برقم (484) وابن حبان برقم (908) . المشكاة (923) وقال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب (حسن لغيره) (1668).
(3) رواه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم وقال (صحيح الإسناد)، وصححه الألباني في المشكاة (922) فضل الصلاة(12211)،صحيح الترغيب رقم(1657) .
(4) رواه أحمد وأبو داود ، المشكاة (625) النقد برقم (47) التوسل برقم (64)، الآيات (43، 44)، صحيح الترغيب رقم (1666) .
(5) رواه البيهقفي في الشعب بإسناد حسن ، الصحيحة: (1527) ، الإرواء (4)، فضل الصلاة (40). وصحيح الترغيب برقم (1673).(1/64)
وعن أُبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ربع الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه " قال أُبي بن كعب: فقلت يا رسول الله : إني أُكثر الصلاة فكم أجعل لك من صلاتي قال: "ما شئت" قلت: الربع؟ قال: "ماشئت وإن زدت فهو خير" قلت: النصف قال: "ما شئت وإن زدت فهو خير" قال: أجعل لك صلاتي كلها قال: " إذاً تكفى همك ويغفر ذنبك"(1).
المراد بالصلاة في هذا الحديث الدعاء.
استحباب كثرة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه وفي ليلته لقوله عليه الصلاة والسلام "أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلة الجمعة"(2).
من حديث أنس - رضي الله عنه - بزيادة "... فمن صلى عليَّ صلاة صلى الله
عليه عشراً"(3).
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيد الأنام ويوم الجمعة سيد الأيام فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فأما نالته على يده فجمع الله لأمته به بين خيري الدنيا والآخرة فأعظم كرامة تحصل لهم فإنما تحصل يوم الجمعة فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة وهو يوم المزيد له إذا دخلوا الجنة وهو يوم عيد لهم في الدنيا ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم ولا يرد سائلهم وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده - صلى الله عليه وسلم - فمن شكره وحمده وأداء القليل من حقه - صلى الله عليه وسلم - أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته . ا هـ. (4)
__________
(1) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم وقال: صحيح الإسناد،الصحيحة (952)، المشكاة (5351)، وفضل الصلاة (14).
(2) أخرجه البيهقي في الكبرى (3/249).
(3) سبق تخريجه.
(4) زاد المعاد (1/283) .(1/65)
قال أنس بن مالك قال أبو طلحة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عليهم يوما يعرفون البشر في وجهه فقالوا : إنا نعرف الآن في وجهك البشر يا رسول الله لِلَّهِ قال : "أجل أتاني الآن آت من ربي فأخبرني أنه لن يصلى علي أحد من أمتي إلا ردها الله عليه عشرا مثالها" (1).
وعن عبد الله ابن أبي طلحة عن أبيه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء يوماً والبشر يرى في وجهه فقالوا : يا رسول الله إنا نرى في وجهك بِشراً لم نكن نراه، ، قال : " أجل إنه أتاني ملك فقال: يا محمد إن ربك يقول: أما يرضيك ألا يُصلي عليك أحدٌ من أُمتك إلا صليت عليه كثيراً ولا سلم عليك إلا سلمت عليه عشراً"(2).
وعن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد فأطال السجود قال: " أتاني جبريل قال: من صلى عليك صليتَ عليه ومن سلم
عليكَ سلمتَ عليه فسجدت لله شكراً"(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه عشراً"(4).
__________
(1) رواه أحمد والنسائي وابن حبان في ( صحيحه ) ، قال العلامة الألباني رحمه الله :الحديث بمجموع طرقه صحيح، فضل الصلاة(ص22 )وصحيح الترغيب(1662).
(2) رواه ابن حبان وصححه (2391) موارد، وصححه الألباني بشواهده فضل الصلا(ص22)، وصحيح الترغيب برقم (1661).
(3) رواه أحمد والحاكم وقال:صحيح الإسناد،وقال الألباني: الحديث صحيح لطرقه وشواهده، فضل الصلاة (ص25)والترغيب(1658).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة برقم (911)، وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1530)، والترمذي في الصلاة رقم (485)، والنسائي في السهو برقم (1295).(1/66)
وقال - صلى الله عليه وسلم - "أتاني آتٍ من عند ربي عز وجل قال: " من صلى عليك مِنْ أُمتك صلاة كتب الله له عشر حسنت ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وردَّ عليه مثلها"(1).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:" إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة"(2).
وعن جعفر عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ينسى الصلاة عليَّ خطئ أبواب الجنة"(3).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من نسيَّ الصلاة عليَّ خطئ طريق الجنة"(4).
وعن بكر بن عبد الله المزني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "حياتي خير لكم تُحدثون ويُحدث لكم فإذا أنا مِتُ كانت وفاتي خيراً لكم تعرض عليَّ أعمالكم فإن رأيت خيراً حمدت الله وإن رأيت غير ذلك استغفرت الله لكم"(5).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صلوا في بيوتكم ولا تجعلوا بيوتكم مقابر لعن الله يهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم"(6).
__________
(1) رواه أحمد ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (57)، وفضل الصلاة (13).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة برقم (847).
(3) قال الألباني : إسناده مرسل جيد، فضل الصلاة (41).
(4) قال الألباني: إسناده مرسل صحيح، فضل الصلاة (ص43).
(5) رواه البزار موصولاً من حديث ابن مسعود، وصححه الألباني وقال: إسناده مرسل صحيح، فضل الصلاة (ص25).
(6) فضل الصلاة (ص30) وقال الألباني: صحيح.(1/67)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أَبخلَ الناس من ذكرت عنده فلم يصلي عليَّ"(1).
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى عليَّ أو سأل لي الوسيلة حقت عليه شفاعتي يوم القيامة"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله ولم يصلوا على نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إلا كان مجلسهم عليهم ترة يوم القيامة إن شاء عفا عنهم وإن شاء أخذهم"(3).
وعن محمد بن يحيى بن حبان عن أبيه عن جده: أن رجلاً قال: يا رسول الله! أجعلُ ثلث صلاتي عليك؟ قال: " نعم، إن شئت" ، قال: الثلثين؟ قال: " نعم" قال: فصلاتي كلها؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إذاً يكفيك ما همك من أمر دنياك وآخرتِك"(4).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : " ثلاثة لا يرد الله دعاءهم : الذاكر الله كثيرا والمظلوم والإمام المقسط" . (5)
قال المناوي : "ثلاثة لا يرد اللّه دعاءهم" إذا توفرت شروطه وأركانه .
"الذاكر اللّه كثيراً": يحتمل على الدوام ويحتمل الذاكر كثيراً عند إرادة الدعاء .
"والإمام المقسط" : أي العادل في رعيته .
- - -
فوائد الذكر
قال ابن قيم الجوزية في الوابل الصيب (1/61-71):
وفي الذكر أكثر من مائة فائدة:
إحداها: إنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره.
الثانية: إنه يرضي الرحمن عز وجل.
الثالثة: إنه يزيل الهم والغم عن القلب.
الرابعة: إنه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط.
الخامسة: إنه يقوي القلب والبدن.
__________
(1) قال الألباني: صحيح، فضل الصلاة (ص37)، والترغيب رقم (1684).
(2) وقال الألباني: صحيح، فضل الصلاة (ص50).
(3) وقال الألباني: صحيح، فضل الصلاة (ص54).
(4) رواه الطبراني بإسناد حسن،وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم(1671).
(5) صحيح الجامع حديث رقم (3064) .(1/68)
السادسة: إنه ينور الوجه والقلب.
السابعة: إنه يجلب الرزق.
الثامنة: إنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة.
التاسعة: إنه يورثه المحبة التي هي روح الاسلام وقطب رحى الدين ومدار السعادة والنجاة، وقد جعل الله لكل شئ سببا وجعل سبب المحبة دوام الذكر فمن اراد ان ينال محبة الله عز وجل فليلهج بذكره فإنه الدرس والمذاكرة كما انه باب العلم، فالذكر باب المحبة وشارعها الاعظم وصراطها الاقوم.
العاشرة: إنه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الاحسان فيعبد الله كأنه يراه ولا سبيل للغافل عن الذكر إلى مقام الاحسان كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت.
الحادية عشرة: إنه يورثه الإنابة وهي الرجوع الى الله عز وجل فمتى أكثر الرجوع إليه بذكره أورثه ذلك رجوعه بقلبه اليه في كل أحواله فيبقى الله عز وجل مفزعه وملجأه وملاذه ومعاذه وقبلة قلبه ومهربه عند النوازل والبلايا.
الثانية عشرة: إنه يورثه القرب منه فعلى قدر ذكره لله عز وجل يكون قربه منه وعلى قدر غفلته يكون بعده منه.
الثالثة عشرة: إنه يفتح له بابا عظيما من أبواب المعرفة، وكلما أكثر من الذكر ازداد من المعرفة.
الرابعة عشرة: إنه يورث الهيبة لربه عز وجل وإجلاله لشدة استيلائه على قلبه وحضوره مع الله تعالى بخلاف الغافل فان حجاب الهيبة رقيق في قلبه. الخامسة عشرة: إنه يورثه ذكر الله تعالى له كما قال تعالى { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلاً وشرفاً. وقال فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملا ذكرته في ملا خير منهم.
السادسة عشرة: إنه يورث حياة القلب، وسمعت شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله تعالى روحه يقول الذكر للقلب مثل الماء للسمك فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء.(1/69)
السابعة عشرة: إنه قوت القلب والروح فإذا فقده العبد صار بمنزلة الجسم إذا حيل بينه وبين قوته، وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر ثم جلس يذكرالله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار ثم التفت إليّ، وقال هذه غدوتي ولو لم أتغد الغداء سقطت قوتي أو كلاما قريبا من هذا، وقال لي مرة لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها لاستعد بتلك الراحة لذكر آخر أو كلاما هذا معناه.
الثامنة عشرة: إنه يورث جلاء القلب من صداه، كما تقدم في الحديث، وكل صدا وصدا القلب الغفلة والهوى وجلاؤه الذكر والتوبة والاستغفار وقد تقدم هذا المعنى.
التاسعة عشرة: إنه يحط الخطايا ويذهبها فإنه من أعظم الحسنات والحسنات يذهبن السيئات.
العشرون: إنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى فان الغافل بينه وبين الله عز وجل وحشه لا تزول إلا بالذكر.
الحادية والعشرون: إن ما يذكر به العبد ربه عز وجل من جلاله وتسبيحه وتحميده يذكر بصاحبه عند الشدة فقد روي الإمام أحمد في المسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه قال: إن ما تذكرون من جلال الله عز وجل من التهليل والتكبير والتحميد يتعاطفن حول العرش لهن دوي كدوى النحل يذكرن بصاحبهن، أفلا يحب أحدكم أن يكون له ما يذكره به هذا الحديث أو معناه.
الثانية والعشرون: إن العبد إذا تعرف إلى الله تعالى بذكره في الرخاء عرفه في الشدة وقد جاء أثر معناه إن العبد المطيع الذاكر لله تعالى إذا أصابته شدة أوسأل الله تعالى حاجة قالت الملائكة يارب صوت معروف من عبد معروف، والغافل المعرض عن الله عز وجل إذا دعاه وساله قالت الملائكة يارب صوت منكر من عبد منكر.
الثالثة والعشرون: إنه ينجي من عذاب الله تعالى كما قال معاذ - رضي الله عنه - ويروى مرفوعا: "ما عمل آدمي عملا أنجي من عذاب الله عز وجل من ذكر الله تعالى".(1/70)
الرابعة والعشرون: إنه سبب تنزيل السكينة وغشيان الرحمة وحفوف الملائكة بالذاكر، كما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - .
الخامسة والعشرون: إنه سبب اشتغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والباطل فان العبد لا بد له من أن يتكلم فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى وذكر أوامره تكلم بهذه المحرمات أو بعضها ولا سبيل إلى السلامة منها البتة إلا بذكر الله تعالى والمشاهدة والتجربة شاهدان بذلك فمن عود لسانه ذكر الله صان لسانه عن الباطل واللغو ومن يبس لسانه عن ذكر الله تعالى ترطب بكل باطل ولغو وفحش ولا حول ولا قوة الا بالله.
السادسة والعشرون: إن مجالس الذكر مجالس الملائكة ومجالس اللغو والغفلة ومجالس الشياطين فليتخير العبد اعجبهما إليه وأولاهما به فهو مع اهله في الدنيا والاخرة.
السابعة والعشرون: إنه يسعد الذاكر بذكره ويسعد به جليسه وهذا هو المبارك أين ما كان والغافل واللاغي يشقى بلغوه وغفلته ويشقى به مجالسه. الثامنة والعشرون: إنه يؤمن العبد من الحسرة يوم القيامة فان كل مجلس لا يذكر العبد فيه ربه تعالى كان عليه حسرة وترة يوم القيامة.
التاسعة والعشرون: إنه مع البكاء في الخلوة سبب لاظلال الله تعالى العبد يوم الحر الأكبر في ظل عرشه والناس في حر الشمس قد صهرتهم في الموقف وهذا الذاكر مستظل بظل عرش الرحمن عز وجل.(1/71)
الثلاثون: أن الأشتغال به سبب لعطاء الله للذاكر افضل ما يعطي السائلين، ففي الحديث عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال سبحانه وتعالى: من شغله ذكري عن مسالتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين(1). الحادية والثلاثون: إنه أيسر العبادات وهو من أجلها وأفضلها فإن حركة اللسان أخف حركات الجوارح وأيسرها، ولو تحرك عضو من الإنسان في اليوم والليلة بقدر حركة لسانه لشق عليه غاية المشقة بل لا يمكنه ذلك. الثانية والثلاثون: إنه غراس الجنة فقد روي الترمذي في جامعه من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لقيت ليلة اسري بي ابراهيم الخليل عليه السلام، فقال: يا محمد اقرئ امتك السلام واخبرهم ان الجنة طيبة التربة عذبة الماء وانها قيعان وإن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر، قال الترمذي : حديث حسن غريب من حديث ابن مسعود، وفي الترمذي من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال سبحان الله - العظيم - وبحمده غرست له نخله في الجنة".(2) قال الترمذي حديث حسن صحيح.
__________
(1) رواه الترمذي عن أبي سعيد - رضي الله عنه - ، أنظر ضعيف الجامع برقم (6435) .
(2) رواه الترمذي وابن حبان والحاكم عن جابر - رضي الله عنه - ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6429) .(1/72)
الثالثة والثلاثون: إن العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال، ففي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، ان رسول الله قال: "من قال لا إله إلا الله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي و لم يات أحد بافضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه، ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر". وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب الي مما طلعت عليه الشمس". وفي الترمذي من حديث أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال حين يصبح أو يمسي اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك انك أنت الله لا إله الا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك أعتق الله ربعه من النار ، ومن قالها مرتين اعتق الله نصفه من النار ومن قالها ثلاثا أعتق الله ثلاثة أرباعه من النار، ومن قالها أربعا اعتقه الله تعالى من النار".(1)
__________
(1) رواه أبو داود عن أنس - رضي الله عنه - ، أنظر ضعيف الجامع برقم (5731) .(1/73)
وفيه عن ثوبان - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال حين يمسي وإذا أصبح رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا كان حقا على الله أن يرضيه".(1) وفي الترمذي: "من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة".(2)
__________
(1) رواه الترمذي عن ثوبان - رضي الله عنه - ، أنظر ضعيف الترمذي برقم (3389)، وضعيف الجامع برقم (5735)، والضعيفة رقم (5020) . وفي رواية لأبي داود وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد - رضي الله عنه - : (( من قال رضيت بالله ربا و بالإسلام دينا و بمحمد نبيا وجبت له الجنة)) . صحيح الجامع حديث رقم (6428) .
(2) قال السيوطي: رواه أحمد والترمذي والبيهقي والحاكم عن ابن عمر - رضي الله عنه - ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (5731) .(1/74)
الرابعة والثلاثون: إن دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يوجب الامان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده فان نسيان الرب سبحانه وتعالى يوجب نسيان نفسه ومصالحها قال تعالى ولا تكونوا كالذين نسوا الله فانساهم انفسهم أولئك هم الفاسقون، وإذا نسي العبد نفسه أعرض عن مصالحها ونسيها واشتغل عنها فهلكت وفسدت ولا بد كمن له زرع او بستان أو ماشية أو غير ذلك ومما صلاحه وفلاحه بتعاهده والقيام عليه فأهمله ونسيه واشتغل عنه بغيره وضيع مصالحه فانه يفسد ولابد هذا مع امكان قيام غيره مقامه فيه فكيف الظن بفساد نفسه وهلاكها وشقائها اذا اهملها ونسيها واشتغل عن مصالحها وعطل مراعاتها وترك القيام عليها بما يصلحها فما شئت من فساد وهلاك وخيبة وحرمان وهذا هو الذي صار أمره كله فرطا فانفرط عليه أمره وضاعت مصالحه وأحاطت به أسباب القطوع والخيبة والهلاك، ولاسبيل إلى الأمان من ذلك إلا بدوام ذكر الله تعالى واللهج به وإن لا يزال اللسان رطبا به وان يتولى منزلة حياته التي لا غنى له عنها و منزلة غذائه الذي إذا فقده فسد جسمه وهلك وبمنزلة الماء عند شدة العطش وبمنزلة اللباس في الحر والبرد وبمنزلة الكن في شدة الشتاء والسموم فحقيق بالعبد ان ينزل ذكر الله منه بهذه المنزلة واعظم فاين هلاك الروح والقلب وفسادهما من هلاك البدن وفساده هذا هلاك لا بد منه وقد يعقبه صلاح لا بد، وأما هلاك القلب والروح فهلاك لا يرجى معه صلاح ولا فلاح ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم في فوائد الذكر وإدامته إلا هذه الفائدة وحدها لكفي بها فمن نسي الله تعالى أنساه نفسه في الدنيا ونسيه في العذاب يوم القيامة قال تعالى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } .(1)
__________
(1) سورة طه آية (126) ..(1/75)
أي تنسى في العذاب كما نسيت آياتي فلم تذكرها ولم تعمل بها وإعراضه عن ذكره يتناول إعراضه عن الذكر الذي أنزله وهو أن يذكر الذي أنزله في كتابه وهو المراد بتناول إعراضه عن أن يذكر ربه بكتابه وأسمائه وصفاته وأوامره وآلائه ونعمه فإن هذه كلها توابع إعراضه عن كتاب ربه تعالى فإن الذكر في الآية أما مصدر مضاف إلى الفاعل أو مضاف إضافة الأسماء المحضة أعرض عن كتابي ولم يتله ولم يتدبره ولم يعمل به ولا فهمه فإن حياته ومعيشته لا تكون إلا مضيقة عليه منكده معذبا فيها، والضنك الضيق والشدة والبلاء ووصف المعيشة نفسها بالضنك مبالغة وفسرت هذه المعيشة بعذاب البرزخ، والصحيح إنها تتناول معيشته في الدنيا وحاله في البرزخ فانه يكون في ضنك في الدارين وهو شدة وجهد وضيق وفي الآخرة تنسى في العذاب وهذا عكس أهل السعادة والفلاح فإن حياتهم في الدنيا أطيب الحياة ولهم في البرزخ وفي الآخرة أفضل الثواب، قال تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) } .(1) فهذا في البرزخ والآخرة، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) } .(2) وقال تعالى: { وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } .(3)،
__________
(1) سورة النحل .
(2) سورة النحل .
(3) سورة هود ..(1/76)
فهذا في الآخرة، وقال تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) } .(1) فهذه أربعة مواضع ذكر تعالى فيها إنه يجزي المحسن بإحسانه جزاءين جزاء في الدنيا وجزاء في الاخرة، فالإحسان له جزاء معجل ولا بد، والإساءة لها جزاء معجل ولابد، ولو لم يكن الا ما يجازي به المحسن من انشراح صدوره في انفساح قلبه وسروره ولذاته بمعاملة ربه عز وجل وطاعته وذكره ونعيم روحه بمحبته، وذكره وفرحه بربه سبحانه وتعالى أعظم مما يفرح القريب من السلطان الكريم عليه بسلطانه وما يجازي به المسئ من ضيق الصدر وقسوة القلب وتشتته وظلمته وحزازاته وغمه وهمه وحزنه وخوفه وهذا امر لايكاد من له أدنى حس وحياة يرتاب فيه بل الغموم والهموم والأحزان والضيق عقوبات عاجلة ونار دنيوية وجهنم حاضرة والإقبال على الله تعالى والإنابة إليه والرضاء به وعنه، وامتلاء القلب من محبته واللهج بذكره والفرح والسرور بمعرفته ثواب عاجل وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البته، وسمعت شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة، وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي أنا جنتي وبستاني في صدري إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هده النعمة ، أو قال ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا، وكان يقول في سجوده وهو محبوس: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله، وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى والمأسور من أسره هواه، ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه، وقال: فضرب بينهم بسور له باب
__________
(1) سورة الزمر .(1/77)
باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط مع كل ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والأرهاق وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا وأقواهم قلباً وأسرهم نفسا تلوح نضرة النعيم على وجهه وكنا اذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الارض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحها وقوة ويقينا وطمأنينة فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم أبوابها في دار العمل فاتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها ، وكان بعض العارفين يقول: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف، وقال آخر: مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها قيل، وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله تعالى ومعرفته وذكره أو نحو هذا، وقال آخر: إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربا، وقال آخر: إنه لتمر بي أوقات أقول إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب فبمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره والسكون إليه والطمأنينة إليه وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد و عزماته وإرادته هو جنة الدنيا والنعيم الذي لا يشبهه نعيم وهو قرة عين المحبين وحياة العارفين وإنما تقر عيون الناس به على حسب قرة اعينهم بالله عز وجل فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، وإنما يصدق هذا من قلبه حياة وأما ميت القلب فيوحشك ما له ثم فاستأنس بغيبته ما أمكنك فانك لا يوحشك الا حضوره عندك فإذا ابتليت به فاعطه ظاهرك وترحل عنه بقلبك وفارقه بسرك ولا تشغل به عما هو أولى بك واعلم إن الحسرة كل الحسرة الاشتغال بمن لا يجر عليك الاشتغال به إلا فوت نصيبك وحظك من الله عزوجل وانقطاعك عنه(1/78)
وضياع وقتك وضعف عزيمتك وتفرق همك، فإذا بليت بهذا ولا بد لك منه فعامل الله تعالى فيه واحتسب عليه ما امكنك وتقرب الى الله تعالى بمرضاته فيه واجعل اجتماعك به متجرا لك لا تجعله خسارة وكن معه كرجل سائر في طريقه عرض له رجل وقفه عن سيره فاجتهد ان تاخده معك وتسير به فتحمله ولا يحملك فان ابي ولم يكن في سيره مطمع فلا تقف معه بلا ركب الدرب ودعه ولاتلتفت اليه فانه قاطع الطريق ولو كان من كان فانج بقلبك وضن بيومك وليلتك لاتغرب عليك الشمس قبل وصول المنزلة فتؤخذ او يطلع الفجر اني لك بلماقهم.(1/79)
الخامسة والثلاثون: إن الذكر يسير العبد وهو في فراشه، وفي سوقه، وفي حال صحته وسقمه، وفي حال نعيمه ولذته وليس شئ يعم الأوقات والأحوال مثله حتى يسير العبد وهو نائم على فراشه فيسبق القائم مع الغفلة فيصبح هذا وقد قطع الركب وهو مستلق على فراشه ويصبح ذلك الغافل في ساقه الركب وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وحكى عن رجل من العباد إنه نزل برجل ضيفا فقام العابد ليلة يصلي وذلك الرجل مستلق على فراشه فلما أصبحا قال له العابد سبقك الركب أو كما قال، فقال: ليس الشان فيمن بات مسافرا وأصبح مع الركب الشان فيمن بات على فراشه وأصبح قد قطع الركب وهذا ونحوه له محمل صحيح ومحمل فاسد فمن حكم على إن الراقد المضطجع على فراشه يسبق القائم القانت فهو باطل وإنما محمله أن هذا المستلقي على فراشه علق بربه عز وجل والصق حبه قلبه بالعرش وبات قلبه يطوف حول العرش مع الملائكة قد غاب عن الدنيا ومن فيها وقد عاقه عن قيام الليل عائق من وجع او برد يمنعه القيام او خوف على نفسه من رؤية عدو يطلبه او غير ذلك من الأعذار فهو مستلق على فراشه وفي قلبه ما الله تعالى به عليم وآخر قائم يصلي ويتلو وفي قلبه من الرياء والعجب وطلب الجاه والمحمدة عند الناس ما الله به عليم او قلبه في واد وجسمه في واد فلا ريب ان ذلك الراقد يصبح وقد سبق هذا القائم بمراحل كثيرة فالعمل على القلوب لا على الابدان والمعول على الساكن ويهيج الحب المتواري ويبعث الطلب الميت الذكر وحقيقة النور الالهي. السادسة والثلاثون: إن الذكر نور للذاكر في الدنيا ونور له في قبره ونور له في معاده يسعى بين يديه على الصراط فما استنارت القلوب والقبور ... إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى .
ffffff
مسح الوجه(1/80)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : وأما مسح الوجه باليدين من الدعاء فإن قلنا لا يرفع اليدين لم يشرع المسح بلا خلاف، وإن قلنا يرفع فوجهان أشهرهما أنه يستحب وممن قطع به القاضي أبو أبو محمد الجويني وابن الصباغ نصر في كتبه و الغزالي وصاحب "البيان" والثاني لا يمسح وهذا هو الصحيح، صححه البيهقي والرافعي وآخرون من المحققين قال البيهقي لست أحفظ في شيئاً، وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة، فأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت فيه خبر ولا أثر ولا قياس فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما نقله السلف عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة، ثم روى بإسناده حديثاً من سنن أبي داود عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس رضي الله عنهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال سلوا الله ببطون كفوفكم ولا تسألوه بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم" قال أبو داود روى هذا الحديث وجه عن محمد بن كعب كلها واهية، هذا متنها وهو ضعيف أيضاً ثم روى البيهقي عن علي الباشاني قال سألت عبد الله يعني ابن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه قال لم أجد له ثبتاً ، قال علي و لم أره يفعل ذلك، قال وكان عبد الله يقنت بعد الركوع في الوتر وكان يرفع يديه هذا آخر كلام البيهقي في "كتاب السنن"، وله رسالة مشهورة كتبها إلى الشيخ أبي محمد الجويني أنكر عليه فيها أشياء من جملتها مسحه وجهه بعد القنوت، وبسط الكلام في ذلك وأما حديث عمر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كان إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه" رواه الترمذي وقال حديث غريب، انفرد به حماد بن عيسى وحماد هذا ضعيف، وذكر الشيخ عبد الحق هذا الحديث في كتابه الاحكام وقال قال الترمذي وهو حديث صحيح وغلط في قوله إن الترمذي قال هو حديث صحيح، وإنما قال غريب، والحاصل لأصحابنا ثلاثة أوجه الصحيح يستحب رفع يديه دون مسح الوجه والثاني لا يستحبان والثالث(1/81)
يستحبان الوجه من الصدر وغيره فاتفق أصحابنا على أنه لا يستحب، بل قال ابن الصباغ وغيره هو مكروه، والله أعلم . اهـ . المجموع (3/462).(1/82)
الخاتمة
الخاتمة
وفي الختام فقد رأينا أخوتي الكرام فضل الذكر والدعاء وما فيه من الثواب الجزيل والأجر العظيم الذي أعده الله الكريم المنان للذاكرين الله كثيراً والذاكرات ، لذا أوصيك في الختام أخي المسلم وكذلك أختي المسلمة باغتنام الأوقات بذكر الله تعالى،(1) والحرص على هذا الأجر العظيم ، لكي تنال رضى الرحمن ومغفرته ، والمنزلة العليا في الجنان بإذن الله تعالى .
وبهذا تم الكتاب والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وأرجو الله أن تكونوا قد انتفعتم به،وأن تعملوا به.وأن يعم به النفع .وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد إن لا إله ألا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
وكتب/ أبو أنس العراقي
ماجد بن خنجر البنكاني
__________
(1) روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز و جل فيها)).(1/1)
المادة ... الصفحة
المقدمة ... ... ... ... ... . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 5
فضل والدعاء وفوائده ................................ ... 11
تعريف الدعاء ......................................... ... 13
أقسام الدعاء .......................................... ... 18
شروط إجابة الدعاء ................................... ... 20
أخطاء في الدعاء ....................................... ... 26
أسباب وأوقات إجابة الدعاء ........................... ... 30
98 ... 33
فضل الاستغفار .......................................
الدعاء حال الخروج من البيت .......................... ... 44
ما يقول إذا أراد النوم واضطجع على فراشه .............. ... 45
فضل من تعوذ بكلمات الله التامات ..................... ... 50
الذكر عند ما يقول ما يسخط ربه عز وجل ............. ... 51
أذكار الصلاة ......................................... ... 52
فضل الدعاء عند الرفع من الركوع وفي الاعتدال ......... ... 59
فضل فيما يقول من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها ... 64
ثواب الأذكار بعد الصلاة وفضلها ...................... ... 71
الدعاء والتوسل بصالح الأعمال ......................... ... 73
دعاء السفر ........................................... ... 76
فوائد اإسرار بالدعاء ................................... ... 96
فضل الذكر والدعاء .................................. ... 97
فضل الذكر ........................................... ... 99
الذكر يكون على ثلاث حالات ........................ ... 102
فضل حلق الذكر والاجتماع عليه ...... ... ... ... ... .. ... 103
ما يقوله عند القيام من المجلس ........................... ... 112
ثواب ذكر الله على الإطلاق وفي كل الأحوال ........... ... 114
ثواب كلمة التوحيد: لا إله إلا الله ...................... ... 127
ثواب من قالها مئة مرة ................................. ... 136
ثواب من قالها عشر مرات .............................. ... 137(1/1)
فضل وثواب التسبيح وفضله ... ... ... ... ... ... ... .. ... 138
التسبيح بالأصابع وأنه أفضل من السبحة ................. ... 147
ثواب كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله .................... ... 147
ثواب الذِكر طرفي النهار ............................... ... 149
الحث على ذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح والمغرب ...... ... 161
ثواب ذكر الله بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ....... ... 163
فضل الأذكار بعد صلاة الصبح وثوابها .................. ... 166
قراءته - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة ................................... ... 167
ما يقوله من رأى في منامه ما يكرهه ..................... ... 173
الذكر عند الاستيقاظ في الليل وأراد النوم بعده ........... ... 174
ذكر من يفزع من نومه ................................ ... 175
الذكر عند الاستيقاظ من النوم .......................... ... 175
ثواب ما يقول إذا لبس ثوباً ............................. ... 177
ثواب الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... 178
فوائد الكر ............................................ ... 186
الخاتمة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..... ... ... 199
الفهارس ... ... ... ... ... ... ... ... ... .............. ... 203
مصادر الكتاب ....................................... ... 205
فهرس المواضيع ....................................... ... 209(1/2)
مصادر الكتاب
1- القرآن الكريم .
2- موطأ الإمام مالك .
3- مسند الإمام أحمد .
4- صحيح البخاري .
5- صحيح مسلم .
6- معجم الطبراني الكبير .
7- مصنف ابن أبي شيبة .
8- مصنف عبد الرزاق .
9- تفسير الطبري .
10- تفسير القرطبي .
11- تفسير ابن كثير .
12- أضواء البيان .
13- فتح الباري .
14- شرح صحيح مسلم للنووي .
15- مجمع الزوائد للهيثمي .
16- مستدرك الحاكم .
17- فيض القدير .
18- سنن النسائي .
19- سنن الدارمي .
20- مسند البزار .
21- جامع الأصول .
22- السلسلة الصحيحة .
23- صحيح الجامع للألباني .
24- صحيح الترغيب .
25- صحيح الترمذي .
26- صحيح ابن ماجة .
27- صحيح ابن خزيمة .
28- مشكاة المصابيح .
29- إرواء الغليل .
30- صحيح موارد الظمآن .
31- صحيح الكلم الطيب .
32- الزهد لابن المبارك .
33- الزهد لابن أبي عاصم .
34- الإحكام لابن حزم .
35- عمل اليوم والليلة للنسائي .
36- شرح السنة .
37- تحفة الأحوذي .
38- مجموع الفتاوى .
39- زاد المعاد .
40- الطب النبوي .
41- بدائع الفوائد .
42- جلاء الأفهام.
43- أسد الغابة .
44- الترغيب والترهيب .
45- شرح الأماني .
46- حلية الأولياء .
47- صفة الصفوة .
48- حقبة من التاريخ .
49- معجم البلدان .
50- لسان العرب .
51- القاموس المحيط .
52- معجم مقاييس اللغة .
53- مختار الصحاح .
54- الفائق .
55- النهاية في غريب الحديث .
- - -(1/1)