إبراز الشناعة المتجلية في المساعي
الحميدة
في استنباط مشروعية الذكر جماعة
بقلم
الشيخ العلامة
أبي أويس محمد بوخبزة المغربي
www.abo oways.com
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد:
لقد جاءني أحد إخواننا برسالة في 42 صفحة كبيرة بخط مؤلفها الفقيه المدرس بجامع{بالنيو} بمجموعة الدور المعروفة بإسمه ,التي بناها للفقراء المغاربة بأعلى حي سيدي طلحة في مدينة تطوان,السيد محمد بن محمد كركيش الحوزي المعروف ب: ولد فتوحة,ومنذ سنين طويلة وهو يتولى الإمامة والخطابة بالمسجد المذكور , ويدرس للطلبة النحو والفقه والأصول بالمتون المعروفة المتداولة كالآجرومية وألفية ابن مالك والمرشد المعين وتحفة ابن عاصم وجمع الجوامع,ولم يتفق لي أن جالسته,إلا أنه كانت تبلغني عنه أخبار تفيد أنه يتعصب للفقه المالكي تعصبا معهودا من البدويين مثله , وأنه كان يؤلف مع الطاهر اللهيوي العروسي والعياشي الزباخ الخمسي ثالوثا يتبنى نصرة المذهب والرد على من يخرج عنه, حتى أنه ألف رسالة في نصرة السدل في الصلاة والرد على من يقول بسنية قبض اليدين, هي بلا شك إفساد للورق وتضييع للوقت في موضوع قتل بحثا من كبار علماء المذهب المالكي , كالمشايخ محمد بن جعفر الكتاني وعبد الحي الكتاني والمكي بن عزوز التونسي,وأحمد بن الصديق الذي رد على الخضر الشنقيطي رسالته :إبرام النقض لما قيل من أرجحية القبض بكتاب في مجلد سماه المثنوني البتار في نحر العنيد المعثار الطاعن فيما صح من السنن والآثار, ثم أفرد مقدمته . وهي في نصوص المذهب المالكي. وطبعها بعنوان : رفع شأن المنصف السالك وقطع لسان المتعصب الهالك .في أن القبض هو مذهب مالك ,(1/1)
وقد حدثني طالب ودراسي كان يغشى مكان الأستاذ كركيش, أن رسالته في السدل عنده , فرجوته أن يأتيني بها فغضب ولم يفعل ,وقد رأيت نقلا عنها يتضمن النقل عن كتاب : دعائم الإسلام للقاضي النعمان بن حيون الشيعي الرافضي في سنية السدل في الصلاة, وهو دليل على جهل الفقيه بالعلماء والمذاهب , إلا أنه بعد مدة أخبرني طالب كان يتلقى عنه من آسفي يسمى محمد العجيني أنه أخد يميل إلى الإنصاف والعناية بالدليل ودراسة الحديث, وربما كان ذلك لما يبلغه عني وعن دروسي مع الطلبة الذين كانوا يحضرون علي , وما كان يحمله الطالب الآسفي إليه من خطبي , وتقاييدي وقد سرني ذلك والله .وحمدت الله على هدايته , وآتاني الطالب بتأليف له في سجود السهو جمع فيه نحو سبعين مسألة من صور السهو حاول تحريرها بالإستدلال إلا أنه تبين بعد أن عين أستاذا فيما يسمى بالكراسي العلمية أنه مازال يعاني من رواسب التعصب وآثار التقليد الأعمى ,وكان من إفرازات هذا الوضع الناشئ عن تهديد وزارة الأوقاف والمجلس المعمي الجديد لكل من يخالف المذهب والوصايا المؤكدة بلزوم الأحكام الجاري بها العمل ,أن ألف هذه الرسالة التي سماها:
المساعي الحميدة في استنباط مشروعية الذكر جماعة
في الإنتصار لقراءة الحزب جماعة بصوت واحد . والذكر جهرا في الزوايا والسهرات بالتحليق , وما يسمى بالرقص الصوفي...(1/2)
وقد تصفحت الرسالة المسماة فوجدتها من قبيل فتاوى المهدي الوزاني , والقادري ,والخضر الشنقيطي , وأولاد ابن الصديق , وسائر فقهاء القرويين الذين تنكبوا مذهب مالك الصحيح ,في التنفير من الإبتداع في الدين,واتباع الهدي النبوي كما أثر عنه في كلماته الذهبية التي أسماها قدرا وأبلغها نفعا قوله : لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها , وقوله رحمه الله:"من ابتدع في الدين بدعة يراها حسنة ,فقد زعم أن محمد خان الرسالة", وقرأ قوله تعالى :{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } .(سورة المائدة الآية 3).قال: وما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا, وما تواتر عنه من النهي عن التقليده وتقليد غيره ,وأنه من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها إلى غيرها ,إلى غير ذلك من الوصايا والزواجر, ورووا عنه أنه كان كثيرا ما ينشد:
وخير الكلام ما كان سنة *** وشر الأمور المحدثات البدائع(1/3)
كما ترى هذا كله مبسوطا في كتب أصحابه الرائدة في هذا الموضوع , والتي لا يوجد لها نظير في سائر المذاهب بدون إستثناء كما قال الخبراء, ككتاب :البدع والنهي عنها لمحمد بن وضاح القرطبي , وككتاب : الحوادث والبدع , لأبي بكر الطرطوشي , وكتاب الإعتصام للإمام العلم أبي إسحاق الشاطبي, وجامع بيان العلم وفضله, وما ينبغي في روايته وحمله ,للإمام ابن عبد البر النمري القرطبي رحمهم الله ورضي عنهم ,فلو أن الفقيه كركيش إلتزم الإنصاف , وجانب الإعتساف, وسار على الدرب الذي رضيه بعدما كان مورطا زمنا طويلا في حمأة التقليد والتعصب لآراء الناس على حساب الوحي الإلهي المتمثل في كتاب الله العزيز وسنة رسوله الكريم, لما وقع في بنيات الطريق , وانتصر للهوى والبدعة, وسود صفحات رددفيها ما أسسه المبتدعون من أهل الأهواء والزوايا. ولما تأملت فصول الرسالة وهي ثلاثة بعد المقدمة , وتبينت ضلالها وخبطها وخلطها , أحببت أن أحاور صاحبها حوارا هادئا, وأناقشه مناقشة منصفة في أوراق سميتها :
إبراز الشناعة المتجلية في المساعي
الحميدة
في استنباط مشروعية الذكر جماعة
فأقول مستمدا من الله تعالى العون والتوفيق: الكلام مع الفقيه في أربعة مواقف, لكل من المقدمة والأبواب الثلاثة والخاتمة ,وقبل الشروع في إيضاح هذه المواقف,أشير إلى ديباجة الرسالة التي بين فيها الفقيه أن السبب الدافع له إلى تأليفها الطلب المتكرر من الناس أن يتصدى للرد على من زعم من أهل العصر -وهم جماعة- عدم مشروعية الذكر الجماعي , وأن أهله ضالون مضلون , وقد تعدوا ذلك إلى التبديع والتضليل , فقبل ذلك , وإن كان غير أهل للخوض في
ذلك.
وأقول :إن في قوله مبالغة وتهويلا ,والواقع أننا بعد بيان وإقامة الحجة على الخصم بمنتهى الإنصاف , نضلل المخالف المقلد المعاند ,وهو ما يستحقه عقلا ونقلا , فإن اقتصرفي نفسه على انحرافه وابتداعه,أمسكنا عنه {وما أكثر الناس(1/4)
لو حرصت بمؤمنين}(سورة يوسف 103) وأن دعا إلى بدعته, وحاول إقناع الناس وتضليلهم, وصفناه بما اختاره لنفس من الإضلال , وإحياء البدعة ,وإثارة الشر والفساد.
الموقف الأول من المقدمة:
بعد الديباجة : عقد الفقيه المقدمة ببيتين لا شك أنهما له لضعفهما نسجا ومعنى وهما :
جزىالله خيرامن تأمل صنعتي**وقابل مافيها من السهو بالعفو
وأصلح ما أخطأت فيه بفضله ** وفطنته واسغفر الله من سهوي
ولم نفهم لقوله: "واسغفر الله من سهوي" معنى , ولابد أن يقرأ "واستغفر" على أنه فعل ماض ولابد من الوزن. ثم ذكر أنه لابد للإنسان من الخطأ , وأن السلامة منه خاصة بكتاب الله تعالى , وأنه لا يجوز الإقدام على حكم إلا بعلم وحجة , وأن للعلم والمناظرة آدابا لابد من مراعاتها , منها : عدم المسارعة إلى التضليل والتفسيق والتعنيف , بل لابد من التأني ودراسة حجج المناظر والرد عليه بأدب ولطف, وأورد هنا أحاديث ومواقف تشهد لهذا من الهدي النبوي. وقال بأن القائلين بمشروعية الذكر الجماعي لهم أدلة وحجج اعتقدوا صوابها , ولم يستحلوا ما حرم الله(1/5)
عز وجل حتى يستحقوا الشتم والتبديع,وأن حالهم كحال القضاة الثلاثة الذين منهم من عرف الحق وقضى به ,ولكن عبارة الفقيه تفيد أن الصحابة كالواحد من القضاة الثلاثة , وعمي على أن اثنين منهم في النار كما هو صريح الحديث. ثم أشار إلى أن الحق عند أهل الحق واحد لا يتعدد, وأن من نشده وأصابه فهو مأجور مرتين ,ومن أخطأه مجتهدا فهو مأجور مرة واحدة كما ورد في الحديث ,وصنيعه هذا يقتضي أنه يقول بإسمرار الإجتهاد , وفتح بابه الذي أغلقه أسلافه الفقهاء ابتداء من القون الخامس الهجري, وقرر المتأخرون من علماء الأندلس والمغرب أنه لابد من التقليد , وأن الإجتهاد محظور, وأن الكتاب والسنة لا يخاطباننا وأن خطابهما موجه للمجتهدين ,وهؤلاء انقطعوا ولم يبق لهم وجود ,وفي مسألتنا هذه ,إنما تناولها الفقهاء المتأخرون , وحكموا بمشروعيتها وأنها من البدع الحسنة التي تتناو لها أصول الشريعة وعموماتها كما يردد الفقيه ,اعتمادا على قواعد متأخريهم التي أصلوها أخدا من قواعد المذهب كما زعموا , والواقع بخلاف ذلك لأن أصول مذهب مالك المستفادة من صنيعه من الموطأ تنافي هذا على طول , كما هو مصرح في شروح الموطأ الأصيلة , كالتمهيد , والإستذكار, والمنتقى , وشرحي ابن العربي.(1/6)
ثم أخد الفقيه يدعو إلى إلتزام الأدب والمروؤة في الردود دون المهاترات والسب المفضي إلى التدابر ,وأن التعالم وادعاء الإنفراد بالحق والصواب زلة خطيرة ,(حظر) قال شيخنا أبي أويس محمد بوخبزة حفظه الله :هكذا هي بخط الفقيه ,والصواب حذر بالذال المعجمة. منها النبي صلى الله عليه وسلم, وعزز كلامه بأقوال نقلها عن الأئمة الأربعة ,إذا تأملها الإنسان وجدها تصب في خانة غير خانته ,لأنها تدعو إلى ترك تقليدهم وإتباع الآثار , وهي كلمات مستطابة كثيرة , ولم ينقل منها الفقيه إلا ما رأى أنه يؤيده , ولفت نظري نقله عن الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه قٌوله: "رأيي صواب يحتمل الخطأ,ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب,"وهي كلمة سوء تدل على رعونة نفس ,وتعالم ممقوت ,وحاشا الشافعي أن يقول مثلها , وإنما تنقل عن بعض فقهاء الحنفية المتعصبين , ولم ينس الفقيه بين الفينة والآخرى أن يشير إلى المسألة ,وأن القائلين بالمشروعية معذورون وإن أخطأوا,لأنهم مجتهدون,وإن احتج خصومهم بأن الصحابة ما كانوا يعرفون هذا الذكر الجماعي بهذه الهيئة ,فإننا نرد عليهم بأن المنكر قسمان ...,وقد أتي الفقيه من سوء فهمه للبدعة , وعدم التفريق بين البدع والمنكرات ,ولو وفق -أرشده الله- إلى مطالعة كتاب الإعتصام لأبي إسحاق الشاطبي لوقف على علم أصول البدع , ولمس الفرق العظيم بين
البدع والمحرمات في الدين التي لم يسبق لها نظير,وبين المناهي والمنكرات التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم لأنها موجودة معروفة.
الموقف الثاني : من الباب الأول في شرح السنة والبدعة(1/7)
قال الفقيه: إنه عقد هذا الباب للتعريف بالسنة والبدعة, لأنه يريد الإستدلال بالسنة وأقسامها , وأطال في ذلك وأسهب وأطنب وأمل , وجلب فروعا ومسائل لا علاقة لها بالموضوع ,وفيها مسائل ثبتت فيها السنة بخلاف مذهب مالك فرأيت الفقيه يدور فيها ولا يستقر ,لتهيبه الإعلان بالمخالفة, وهو إمام وخطيب ومدرس بالكراسي العلمية, وقد أخدوا عليه العهود والمواثيق المصحوبة بالزواجر المقلقة ,عن مخالفة المذهب , ولزوم اتباع ما جرى به العمل بفاس.
ثم تطرق الفقيه إلى مسألة الترك,وإستعرض فيها عضلاته في الأصول (الذي هو علم لا فائدة من دراسته للمقلد) ونوع النقل والأمثلة عن مصادر لو رآها فقهاء فاس لأنبوه على إعتمادها كموافقات الشاطبي (دون إعتصامه)وإعلام الموقعين لإبن القيم ,وهو من أساطين السلفيين الذين هم مرجع الوهابية التي تعادل اليهودية في نظر فقهاء فاس والمغرب وتونس ,والمقصود أن إطالة الفقيه في التعريف بالسنة وأقسامها لا داعي إليه إلا تضخيم حجم الرسالة, وكان يكفي نص واحد من عالم معتمد في التعريف , ولكن الفقيه يهدف إلى بيان البدعة ,فوضع لها عنوان:{البدعة}.(1/8)
وهذا الفصل الثاني من كلامه في البدعة ,وقد استهل الفصل بنقل طويل عن نهاية ابن الأثير في شرح غريب الحديث,وجده ينسجم مع مفهومه للبدعة , وقد استدل ابن الآثير على مفهومه للبدعة وتقسيمها إلى حسنة وسيئة بالحديث الصحيح المشهور ,وهو :قول النبي صلى الله عليه وسلم :"من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ..."وتلك شنشنة أعرفها من أخزم, وينبغي أن يعرف أن ابن الآثير شافعي ,وجمهور من الشافعية يذهبون إلى هذا التقسيم اعتمادا على رواية حرملة عن الشافعي رحمه الله أنه قال:"البدعة بدعتان بدعة محمودة وبدعة مذمومة ". ويتكئون معه على حديث :"من سن في الإسلام سنة حسنة..."والحديث الشريف لا يمكن أن يكون معناه : " من إبتدع في الدين بدعة حسنة وسيئة...".وإنما معناه -لمن أنصف ونظر بعينين لا بعين واحدة -:من أحيى سنة وأظهرها بعد أن غفل عنها الناس ,لا يمكن أن يكون للحديث معنى إلا هذا إنسجاما مع دلائل الشرع, وموافقة لما عرف وتواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه
وكبار التابعين في العصور الثلاثة المشهود لها بالخير في الحديث الصحيح :"خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. وحديث :"خير القرون القرن الذي ولدت فيه...،ويسترشد إلى المعنى الصحيح لحديث :" من سن في الإسلام سنة حسنة ...,يسبب وروده المشهور , وإن كنت أعرف القاعدة الأصولية التي تجري على لسان الفقيه وأقرانه في مثل هذا الموضوع:
"العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب".(1/9)
وكذلك كلمة الشافعي رحمه الله ,لا يمكن أن يقصد بها الإبتداع في الدين,أعني :العقائد والعبادات ,وأن الباب فيه مفتوح لمن أراده,على أن يكون لبدعته شاهد من أصول الشرع. ومن أراد أن يمطط هذا الكلام حتى يجعل معظم ما ابتدع في الدين أصلا وفرعا داخلا تحت أصل من الأصول ,ثم له ذلك ولابد ,ونحن نعرف هذا بالتجربة ,والبلاء قديم,ففي القرن الرابع ألف الأصفهاني الرازي< حجج القرآن ,لأهل الملل والأديان>في جزء طبع قديما, من وقف عليه لمس بيده ما جره تساهل المسلمين في هذا الباب, وكيف وجد معظم من ينسب للملة من النحل الضالة ما يشهد لبدعته وضلاله من القرآن حسب فهمه ,ولكن :
كل يدعي وصلا بليلى ***وليلى لا تقر لهم بذاكا
فلو فهم القرآن والسنة على منهج السلف الصالح, وسنن إستدلالهم وفهمهم ,لما تم للمبتدعة أخذ ولا استدلال ,ولأمر ما ورد في الحديث الصحيح عن افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ,فقيل فمن هي يا رسول الله؟ قال ما أنا عليه وأصحابي ,وفي رواية هي الجماعة ،وتأمل زيادة "وأصحابي " لتعرف موقعها العظيم ,وخطرها الجسيم,وهنا نتساءل عن هذه البدع المتكاثرة والمتنامية في العقائد والعبادات ,هل عرفها السلف ؟ هل قبلوا منها شيء؟ الجواب واضح ,فإن أول بدعة ظهرت في الإسلام هي إنكار القدر على لسان معبد الجهني وقصته في صحيح مسلم , وكيف استحل ابن عمر رضي الله عنه دمه. ثم ظهرت بعده بقليل بدعة الإرجاء والتجهم ,وكيف انتهى المطاف بأصحابها إلى البراءة منهم والحكم عليهم بالردة,وقتل بعضهم علنا كالجهم بن صفوان ,والجعد بن درهم,وغيلان الدمشقي ,وعبد الله بن سبأ اليهودي الذي لولا فراره لأحرقه علي رضي الله عنه بالنار,فكيف مع هذا يقال عن الشافعي :إنه قال بالبدعة الحسنة؟ وهو الذي صح عنه أنه قال :"من استحسن فقد شرع"(1/10)
وهذا واضح ,وهو يقر بالإبطال على الكلمة السابقة بالمفهوم الذي أراده الفقيه وفقه الله, وهذا شيخه مالك بن أنس كان رحمه الله كثيرا ماينشد:
وخير الكلام ما كان سنة***وشر الأمور المحدثات البدائع
الموقف الثالث
ثم تناول الفقيه قولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه المشهورة على لسان سلفه في موضوع تقسيم البدعة , وهي" نعمت البدعة هذه" تناولا أعرج.فقال في ص14نقلا عن ابن الآثير : ومن النوع الأول (يعني :البدعة الحسنة) قول عمر رضي الله عنه :" نعمت البدعة هذه" ،لما كانت من أفعال الخير ، وداخلة في حيز المدح ، سماها عمر بدعة ومدحها ،لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنها وإنما صلاها ليالي،ثم تركها ولم يحافظ عليها ، ولا جمع الناس لها ، ولا كانت في زمن أبي بكر رضي الله عنه،وعلى هذا التأويل يحمل الحديث الآخر :"كل محدثة بدعة"،إنما يريد ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة ...إلى آخر كلام ابن الآثير .(1/11)
الذي سلمه الفقيه ، واطمأن إليه، فاقتحم بذلك عقبة كؤودا ما كان ينبغي له ذلك لو تأمل الأثر بسياقه، ونظر إليه بعينين لا بعين واحدة، لأنه نص على أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه ليالي جماعة ، ثم كف، وانتظر أصحابه خروجه ، فلما خرج وسئل عن سبب تأخره ،أخبرهم أنه تأخرعمدا خشية أن تفرض عليهم، وهو صريح في سنية القيام جماعة في تراويح رمضان ،وإنما تأخر للسبب المذكور، قال العلماء : ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي ، أمن خوف الإفتراض ، ورجع الحكم للأصل ، وبقي الناس يصلون فرادى وأوزاعا، يصلي الرجل وحده ، والرجل ومعه غيره ،ولما رأى ذلك عمر رضي الله عنه،رأى أن يعود الناس إلى الأصل ، وهو قيام الناس جماعة واحدة مع الإمام، وأمر بذلك أبي ابن كعب وهو أحد حفاظ القرآن الكريم ،فقام الناس ،وخرج عليهم عمر وهم كذلك فقال : "نعمت البدعة هذه"، يعني الصورة التي أحياها بعد أمد ، فكان مقصوده البدعة اللغوية ،لا البدع المحرمة التي هي ضلالة ، وهي الزيادة في الدين ،هذا هو المعنى الصحيح المنسجم مع أصول الشريعة ومنهج السلف الصالح ،لا ما يدعيه المبتدعة من فتح الباب للتزيد والعبث في الدين الكامل التام،بدعوى أنه من أفعال الخير الداخلة في حيز المدح ،وإذا فتح هذا الباب يعسر سده،لأن أفعال الخير الداخلة في حيز المدح لاحد لها ، ولا يمكن اعتبارها في أصول الدين المبنية على التوقيف ، ولا في عباداته المحددة المشروعة بشروطها وآدابها ،والتي من تصرف فيها بالزيادة أو النقصان ،وسم بالإبتداع ورد عليه عمله .(1/12)
لأنه محدث وإفتيات على الشرع ،وإلى هذا المعنى ينظر قول ابن عمر رضي الله عنه :"كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة"،وهو أصل الإمام مالك رحمه الله الذي إعتمده في فقهه وفتاواه ، فلا يحصى كم رد من أعمال وصور عبادية،لأنها لم تكن من عمل السلف الصالح ،وقد قال الشيخ خليل في <مختصره> المبين لما به الفتوى في أحكام سجود التلاوة عطفا على المكروهات : (وجهر بمسجد ،وقراءة بتلحين كجماعة )قال ابن يونس : كره مالك اجتماع القراء يقرؤون في صورة واحدة ، قال : لم يكن من العمل الناس ،ورآها بدعة ...(1/13)
من كتاب التاج والإكليل للمواق ، وقال بعدها عن مالك : يقامون ،يعني : أن ولي الأمر يأمر بطردهم وإخراجهم من المسجد دفعا لبدعتهم , ولكن لما طال الأمد على الناس , واستحسنوا في الدين بالرأي والهوى ، مسخت هذه المفاهيم ، وتنوسيت , وحلت محلها أصول مزعومة ، وقواعد مهزوزة ،وانتشرت البدع وتنوعت ، وسكت الفقهاء عن واجب التغيير ،مراعاة للعامة ، ومجاراة للحكام و الأمراء, فإذا تدارك الله الأمر بتوفيق من يقوم بواجب الدعوة إلى الرجوع إلى الحق وبيان مفاسد الإبتداع ، قام علماء السوء في وجهه وحاربوه، كما وقع للإمام العلم أبي إسحاق الشاطبي ، لما ألف كتاب الإعتصام ،الذي أقام الله به الحجة على الناس، بنصرة الحق ، ومحاربة البدع ،فقام في وجهه من مالكية غرناطة من سلقه بلسان حاد ، واستعدى عليه السلطة وفقهاءها في فاس وتلمسان ، ومنهم شيخه أبو سعيد ابن لب الذي ناظره في بدعة الدعاء خلف الصلوات جهرا بصوت واحد ، تلك البدعة التي ما زالت سارية إلى الآن ، والتي أضاف إليها المبتدعة المنافقون الدعاء مع الأمير والمحبسين ، وأصبح شيئا لا زما يعاقب تاركه ،وهذا شأن البدع وشؤمها، ثم جاء من بعده بقرون الفقيه محمد الحاج الرهوني الوزاني الذي حاول إنكار البدعة ، فأمر الناس بوزان أن يشيعوا جنازة أبيه بالصمت والتفكر ، وألف في ذلك رسالته القيمة <التحصن والمنعة> ،ولم تمض إلا عقود من السنين عليها حتى قام بالرد عليها المهدي الوزاني مفتي فاس ، الذي عرف بغلوه في التقليد واستحسان البدع،وألف رسالة طبعت في <نوازله>، كافح فيها الحق بترهات قواعده ، وانتصر للباطل كعادته ،فقد سبق له أن رد على محمد عبده المصري في مسألة التوسل ،ورد على الشيخ المسناوي في مسألة القبض في الصلاة ، وعلى الشيخ المكي بن عزوز التونسي ، ومحمد بن عبد الكبير الكتاني، وأمر السلطان عبد الحفيظ بطبع الرد على نفقته ،فطبع على الحروف ، وقرظه له عدد من فقهاء فاس وعلماء(1/14)
القرويين ، تزلفا للسلطان ،وقد قاء الوزاني عفا الله عنا وعنه ما في معدته من نتن وسموم ،في هذه الرسالة الخبيثة ،فلم يقتصر على كراهة القبض واستحباب السدل ،كما هو مشهور عند المالكية المتأخرين،بل لج في الهوى والضلال ، فأيد ما أفتى به بعض المتهورين من أقرانه من وجوب السدل وتحريم القبض ، ويظهر أن الخبيث العروسي اللهيوي لم يعرف هذه الرسالة ،ولو عرفها لقرت بها عينه ، وطار بها فرحا ، وأقبح من هذا وأشنع وأفظع تصريحه بتحريم الإحتجاج بالقرآن والسنة، بدعوى أن هذا من شأن المجتهد ،والإجتهاد انقطع ، وهذه شنشنة أعرفها من أخزم،فقد تواصى بها المتأخرون من متعصبة فقهاء المذاهب ،إلا من رحم ربك وقليل ما هم ، وهؤلاء إنما أتوا من جهلهم بواجب اتباع النصوص الذي هو غير التقليد والإجتهاد، لأن القسمة ثلاثية: الإتباع ، ثم التقليد لأهله للضرورة ،ثم الإجتهاد حيث لا نص ،بشروطه ،والفقيه وفقه الله على علم بهذا ، وكلمة التسولي في كتابه: البهجة، في أوائلها بأن المقلد لا يجوز له الأخذ بالحديث وإن قال إمامه بصحته، تصب في هذا المستنقع الآسن ، ومن قال من العلماء بالبدعة الحسنة ،وقسمها إلى الأحكام الخمسة كالعز بن عبد السلام الشافعي ، وتلميذه الشهاب القرافي المالكي في : الفروق ومن قلدهما إنما أتوا من سوء فهمهم للبدعة ،وعدم تفريفهم بين بدع العادات والعبادات ، يعرف هذا من تمثيلهم للبدعة بالمنخل، وبناء الربط ، وتأليف الكتب ،والأكل على الخوان ،ونحو هذا مما ينادي بتخليطهم ، وحتى الطرطوشي وأبو شامة وغيرهما وقعوا في هذا لتمسكهم بحرفية البدعة ،وإلا فإنه لا يعقل إدخال الكهرباء والسيارات والراديو وسائر المخترعات في الإبتداع في الدين ،الذي هو ضلال ، وليس منه بناء الربط التي هي المساجد أن سلمت من البدع ، وأحكامها معروفة ، وكذلك تأليف الكتب وطبعها ،الذي هو من صميم الدين الآمر بتعليم العلم وتبليغ الدين الواجب ، وما لا يتم الواجب(1/15)
إلا به فهو واجب، والأمر بالمقاصد أمر بالوسائل ،ومن التخليط في الموضوع عدم الفرق بين المناهي الشرعية والإبتداع، فإن ما ورد النهي عنه لا يدخل في البدعة ،لأنها الحدث المخترع في الدين، وهذا واضح، ومن لم يفرق بينهما ،وقع في الخلط الدال على عدم المعرفة كما تراه عند الشيخ علي محفوظ في كتابه الإبداع ،وفي قول عبد المجيد التركي الذي وصفه الفقيه بالمحقق !وهو لا في العير ولا في النفير ،وليس من التحقيق في شيء ، ومثله ما قرره ابن حجر الهيتمي الشافعي المتأخر في فتحه المبين ، من القول بالبدعة الحسنة، وأقرب منه إلى الصواب النووي وشيخه أبو شامة ،في كتابه: الباعث على إنكار البدع الحوادث، وإن كان لهما تخليط واضطراب في المسألة نشأ من سوء الفهم كما قلنا ، والنووي خلافا لأصله ،قرر بدعية قراءة القرآن جماعة بصوت واحد، وذكر محاذير في كتابه المفيد التبيان لآداب حملة القرآن ، كما أنه وشيخه أبا شامة استنكر "صلاة الرغائب "ونحوها من الصلوات والأدعية المبتدعة ،والقيام في ليلة عرفة مع أنها داخلة في عموم الذكر ،وقد قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ، وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحث على عموم الذكر ما هو معروف ، وفي الحديث الصحيح :"الصلاة خير موضوع"،فلا ينبغي إنكارها ، وهي داخلة في الأمر العام ،وهذا ما كنا استنكرناه على الغماريين خصوصا الشيخ عبد الله بن الصديق مؤلف إتقان الصنعة قي أحكام البدعة ، الذين تمسكوا ببعض الأوضاع في زاويتهم بدعوى الحفاظ على السنة والوارد، كما فعلوا بصلاة الجمعة في زاويتهم ،وأجازوا بدعا كثيرا فيها ، منها الذكر جهرا عقب الصلاة بصيغ وأعداد مبتدعة، والذكر بالألحان عقب الأذان ،والتهليل قبيل الفجر ،وقراءة أحزاب الشادلي ، وممارسة الرقص والغناء بالطبل وآلات الطرب بدعوى أنها داخلة في البدعة الحسنة ، وتشهد لها الأصول !!! وهكذا يفضي الأمر بهؤلاء إلى العبث(1/16)
بالدعاء ، واتباع الهوى ،نسأل الله العافية .
ومن العجائب : اعتماد الفقيه وفقه الله نقد حسن إسماعيل الشافعي لروايات أثر ابن مسعود رضي الله عنه ،وهو شجى في حلوق المبتدعة ،وحكم بضعفه ، وهو نكرة غير مقصودة ، والمرجع في مثل هذا إلى المحدثين المتخصصين ،وأثر ابن مسعود منارة يهتدي بها من أراد الله تعالى هدايته ،لما اشتمل عليه من حقائق وقواعد،ومن تمام الفائدة ذكره بتمامه سندا ومتنا.
قال الإمام الحافظ أبو محمد عبد الله الدارمي في مسنده المسمى سنن الدارمي
الذي هو أحق وأولى بعدّه من الكتب الستة، بدلا من سنن ابن ماجه التي لا تدانيه صحة وموضوعا وترتيبا كما قال كثير من العلماء ، في باب كراهة أخذ الرأي:
* أخبرنا الحكم بن المبارك ,أنبأنا عمر بن يحيى ، قال سمعت أبي يحدث عن أبيه قال :" كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قبل صلاة الغداة ،فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد ، فجاءنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه ،فقال : أخرج إليكم أبو عبد الرحمن ؟ فقلنا :لا، بعد، فجلس معنا حتى خرج ،فلما خرج قمنا إليه جميعا ، فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ، لقد رأيت في المسجد أمرا فأنكرته ولم أرى والحمد لله إلا خيرا ، قال :فما هو ؟(1/17)
فقال إن عشت فستراه ،قال : رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة ، في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصا ، فيقول كبروا مائة،قال : فماذا قلت لهم ؟ قال ما قلت شيء انتظار رأيك ، أو انتظار أمرك ،قال أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم ، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء، ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا :يا أبا عبد الرحمن حصى نعد بها التكبير والتهليل والتسبيح ، قال : فعدوا سيئاتكم ، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، ويحكم يأمة محمد ، ما أسرع هلكتكم ، هؤلاء صحابة نبيكم متوافرن،وهذه ثيابه لم تبل ، وآنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد ، أو مفتتحوا باب ضلالة ؟ قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ما أرد نا إلى خير ،قال وكم من مريد للخير لن يصبه ؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوما يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، وأيم الله لا أدري لعل أكثركم منهم ، ثم تولى عنهم ، فقال عمرو بن سلمة : رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنوننا يوم نهروان مع الخوارج .(1/18)
انتهى الأثر العظيم ،بل الحديث الفخيم ، وسنده في غاية الجودة ،وقد صححه شيخنا الألباني والأرناؤطيان ،وأبو إسحاق الحويني ومصطفى العدوي ،ومشهور حسن آل سلمان ،وعلي حسن الحلبي ، وغيرهم من تلامذة الألباني وأقرانه المتخصصين في علوم الحديث ، وهو من أصول معرفة البدع والإبتداع ،وتأمل جمله النيرة ، وفقراته الهادية ،لا سيما قوله :" إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة ؟" وقوله هذا ردا لقولهم :"ما أردنا إلا خير " وقوله :" وكم من مريد للخير لم يصيبه ؟"، وما الفرق بين عمل أولئك الجهلة , وعمل فقرائنا وطلبتنا في ليالهم السود ، حيث يوزعون على بعضهم أحزاب القرآن ،وعددا من اللطيف فيما يسمى الفدية ،ولو اهتدى أولئك إلى التسابيح لاستعملوها بدل الحصى ، وهذا وقع بالمسجد النبوي ، والصحابة متوافرون ، وهم متفقون على صنيع ابن مسعود ، وتوقف أبي موسى الأشعري لما فوجئ به من بدعة لا عهد للناس بها ، وهذا شأن البدع في كل زمان ومكان من إقبال الناس عليها ، وتحمسهم لها ،ومن هذا الأثر أخذ أبو إسحاق الشاطبي تعريفه للبدعة: بأنها الفعل المخترع الذي يشبه المشروع يراد به المبالغة في التعبد،وقد قسمها إلى بدع أصلية ، وبدع إضافية ،وأفاض في بيان ذلك بالحجج النيرة ،والبراهين الدامغة مع التمثيل ، وقد كان رضي الله عنه في كتابه العظيم الرائد الإعتصام ، أول من نبه إلى بدع المهدي بن تومرت السوسي الدجال الكذاب الذي أدخل مذهب الأشاعرة إلى المغرب ،ونصره ونشره ، وابتدع في الدين بدعا ما أنزل الله بها من سلطان ، كالتهليل في الصوامع ، وقول :" أصبح الصبح ولله الحمد " في أذان الصبح ، وقراءة الحزب الراتب صبحا ومساء ، وبدع رمضان ، والأذان ثلاث مرات يوم الجمعة ، وقد أخذ الشيخ مصطفى العدوي من هذا الكتاب مختصرا مفيد ، كما استنبط منه أخونا علي حسن الحلبي علم أصول البدع،وقد بين قواعد ه وأصوله في كتابه: أصول علم البدع ، وهو(1/19)
مطبوع.
فكيف مع هذل يأتي نكرة لا شأن له فيحكم بضعف الحديث بجرة قلم انتصارا لهواه ، فاللهم غفرا .
ومعلوم أن ما أتى في حديث ابن مسعود المزبور مسّلم عند فقهائنا المتأخرين، وأن ما فعله أولئك المبتدعة الذين كانوا مادة الخوارج الذين حاربوا الإمام الحق علي بن أبي طالب في نهروان كما سمعت ، هو كله صواب ، لأنه خير كله ،يدخل في عموم الذكر ، وتشهد له الأصول الشرعية ، بل ربما غلا بعضهم فعده من السنة والمستحبات التي لا ينبغي التفريط فيها ، وهكذا جر ويجر التساهل في الدين إلى هذه المزالق الخطيرة ، ومنها "السبحة " واستعمالها ، واعتبارها مستحبة ، لأنها تعين على الذكر وضبطه كما قال السيوطي ، في رسالته: المنحة في السبحة، واحتج فيها بحديث :" نعم المذكر السبحة "، وهو موضوع بلا شك ، وما أورده في ذلك عن بعض الصحابة مما أورد بعضه الفقيه ، عامته لا يخلو من ضعف ، ولما إطلع النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أزواجه وهي تسبح بالحصى قال لها : " واعقدن بالأنامل ، فإنهن مسؤولات ومستنطقات ،" وهو تعليم واضح منه عليه الصلاة والسلام ،وإرشاد إلى ما يتخذ ويستعمل في هذا ، ألا وهو العقد بالأنامل ، مع بيان الحكمة والعلة في ذلك ، التي لا وجود لها في العد بالحصى والخشب وغيره ،على أنه لم يثبت في الأذكار الواردة عدد يتجاوز المئة كما ألمعنا إليه.
والذي اتفق عليه العلماء أن "السبحة " لم يستعملها الرسول عليه الصلاة والسلام ولا الصحابة الكرام ، ولا أرشد إليها ولا أقرها ، بل أرشد بوضوح ألى العد بالأصابع ، أفلا يكفي هذا المنصف إلى الحكم ببدعية "السبحة" في شكلها الراهن الذي أخذه الصوفية عن النصارى والوثنيين جزما ، كما يشهد بذلك تاريخها؟(1/20)
ثم عاد الفقيه يجتر ما قدمه من الآثار كلها مدخولة في السبحة عن أبي هريرة وغيره ،وقد تصدى لها شيخنا أبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة , المجلد الأول ، وأتى عليها من القواعد ، بأسلوب علمي رصين لا لبس فيه ولا إلتواء.
ثم تعرض الفقيه لبدعة الحزب -وهو الذكر الجماعي - موضوع رسالته وأشار إلى إحدى مفاسد الحزب ، وهو التخليط على المصلين ، الدي يثيره السلفيون لوقوعه ، وورود النهي عنه في الحديث الصحيح ، فحاول الجواب عنه، وحاد عن الجادة ،وذهب بعيدا هروبا من الحق ، فتعرض لتكرار الجماعة في المسجد الجامع ، وهي مسألة أجنبية لا دخل لها في الموضوع ، ولكنه وفقه الله يتصيد المناسبة لإطالة الكلام ، وتكبير حجم الرسالة ، وقد كثر الخوض في هذه المسألة في العقود الأخيرة ،وألفت فيها رسائل ، وأنا أرى -إن كان لي أن أرى- أن مسألة كتلك ورد فيها حديث صحيح صريح لا ينبغي التردد في قبولها حتى لا نتقدم بين يدي الله ورسوله، وأنا أعلم أن الشيخ الألباني كان يذهب إلى عدم جواز تكرار الجماعة الثانية ، كما قال الفقيه ،ونحن لا نقلد أحدا ، ولكن نأخذ من حيث أخذوا ، ولما تأملنا كلام الشيخ ومن وافقه على ذلك من تلامذته النجباء ظهر لنا تهافته، وللكلام موضع آخر ، والمحافظة على الموضوع من آداب المناظرة ، ولذلك فنحن نعيب على الفقيه خروجه عن الموضوع مرار ، بله دخوله في مضايق بدون سلاح ، ونحن وإياه بالنسبة للإمام الذهبي والألباني كالفأر مع الأسد، هذا مع إعتقادنا أنهما بشر غير معصومين ، والخطأ والنسيان من لوازم الإنسان ، والمقصود ألا يسارع الإنسان ،وخصوصا من يأنس من نفسه الضعف في الفهم والعلم مثلنا ، إلى الإعتراض وتخطئة رجال شهد لهم العدو بالشفوف في العلم ، وسعة الإطلاع ، ورسوخ القدم في المعارف.
الموقف الرابع:(1/21)
تم عقد الفقيه فصلا لاستنباط حكم الذكر الجماعي مما تقدم من الأدلة ، فأعاد وكرر ما سبق،ومن الغريب أن يخالف جماهير الفقهاء في تبني الاستنباط المباشر من الأصول ، وهذا شأن المجتهد ن وهولا يدعي الاجتهاد والقسمة ثنائية عندهم ، فإما مقلد ،وإما مجتهد ن والإجتهاد انقطع ، فلم يبق إلا التقليد ، وإن كان من الفقهاء من يعميه التعصب فيخالف أصول مذهبه ويجتهد ، كمن أفتى بحرمة القبض في الصلاة ووجوب السدل ، ومن سوى بين التوسل والإستغاتة بغير الله عز وجل ،فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه وتعالى ،كعبد الله بن الصديق وذنبه الكرفطي ، وعندنا في تطوان الفقيه المرير الذي ألف رسالة سماها :" القول الفصل ، والحكم العدل ، بين القبض والسدل"، انفرد فيها الفقيه بين المالكية اجتهادا بإستواء القبض والسدل في الإباحة ، وللفقهاء من هذا الكثير مما يدل على إفلاسهم ، فلا هم مقلدة خلص ، ولا مجتهدون ، لأن الإجتهاد حرام !، ولا متبعون للنصوص الصريحة الصحيحة ،لأنهم لا يقولون به.
ثم أورد الفقيه آثارا منها ما صح ومنها ما لم يصح ، توهم أنها تشهد لمدعاه من مشروعية الذكر الجماعي جهرا، وليس فيها شيء مما يدعي ، ككل تلك الأحاديث الأربعين التي جبلها من ( نتيجة الفكر ، في الجهر بالذكر) ,(1/22)
و( الترغيب والترهيب ) للحافظ المنذري ، ونحوها ، وفيها ما لا يصح ، وهي في الحض على الذكر والمتابعة فيه ، وليس فيها أبدا المشاركة الصوتية كما يفعل الصوفية عندنا ، و( الخرابة) في الليالي السود ، والحزابة والصوفية الرقصة الفجرة فيما يعتبرونه ذكرا وعبادة ، والخطاب القرآني والنبوي الذي جاء بصيغة العموم لا يصلح للاستدلال في الموضوع ، لأنه لا يتعرض للكيفية ، وهذه إنما تؤخذ من استقراء أحوال السلف ، نعم تفيد تلك الآيات والأحاديث جواز الإكثار من القراءة والذكر في غير العبادات المحددة المعينة ، وهذا معلوم فلا نطيل ببيانه ، وإنما نقول هنا بأن الأفضل والأولى إلتزام الوارد ، والإكتفاء به لقولهصلى الله عليه وسلم :" وخير الهدي هدي محمد " وحديث : النفر الثلاثة الذي تقالوا عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر بقولهم فغضب وقال :"... فمن رغب عن سنتي فليس مني ".
وبعدما عقد الفقيه الفصل الثالث للإستنباط من السنة على طريقة الاجتهاد الممنوع،وأعاد وكرر فيه ما سبق له من التمسك بالعموم ،والنقل عن المتأخرين نقولا تتأرجح بين الوضوح والغموض ، قال :" وقد اخترت منها - يعني :الأحاديث -أربعين حديثا ، فقلت مستعينا بالله :...
ولعل اختياره أربعين منها ردا غير مباشر عليّ ، حيث جمعت أربعين حديثا في تحريم البناء على القبور ، وبطلان الصلاة في المقابر والزوايا المدفونة ، ولا أدري موقفه منها ،وإن كان لا يستطيع التمسّك والجهر بها لما عُلم .
وسأساير الفقيه في تلك الأحاديث التي ذكرها وخرّجها وأطال في شرحها ناقلا محاولا انتزاع دليل يؤيد مدّعاه.
الحديث الأول :
حديث : " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله بتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ...إلخ ،(1/23)
- قال الشيخ أبي أويس المغربي : وهو حديث صحيح رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ،وقد جلب الفقيه عليه من النقول عن المتأخرين إلى أن بلغ به الأمر إلى النقل عن الدّاه الشنقيطي ، والسّجلماسي من العمل المطلق ، وعبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي من عمل فاس ، ولعل الفقيه يعرف أن العملين الأجنبين عن الإسلام تضمنا أكثر من خمسين مسألة مخالفة للكتاب والسنة ، والمهم أن المحققين من علماء الحديث والآثار ذهبوا إلى أن السنة الصحيحة الثابتة لا بد أن يكون أول عامل بها صاحبها عليه الصلاة والسلام.ثم الرعيل الأول من أصحابه ، ثم الذين يلونهم ، وهو مصداق الحديث الصحيح المشهور :" خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم ".كما بيّنه مفصلا العلامة سليمان الندوي الهندي رحمه الله في رسالته القيمة :"السنة" ن وهو أصل نبوي عملي ضروري ،وإذا تأمله الإنسان في موضوع بحثنا ونحوه كقراءة القرآن على الأموات ، وإهداء ثوابها إليهم ، وجده يأتي على بنيان المبتدعة من القواعد ، فلا حذلقتهم في التهويل بالإعراب والتقدير ، والبلاغة والأصول ، في محاربة الرسول ، كما كان يقول شيخنا تقي الدين الهلالي ، تفيدهم شيئا ,لأنه من الواضح البيّن أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل شيئا من ذلك ، ولا أمر به ، ولا أقره ، ومن ادّعى خلافه فعليه البيان ، وليتق الله ، فأن التساهل في الدّواعي مزلقة إلى الهاوية.
على أن ما أفاده الحديث من فضل الذكر الجماعي ، وحتى الإدارة عليه ، وعقد المجالس له ، مسّلم لا غبار عليه ، والمقصود : الكيفية المبتدعة في القراءة بصوت واحد ورفعه ، وما يضاف إلى ذلك من بدع إضافية كالتغني والرقص وغير ذلك ... .(1/24)
ومفهوم الحديث المنطبق على ما جرى به عمل السلف الصالح في الأعصر المشهود لها بالخير ،يصدق بمجرد الإجتماع لها في بيوت الله على التلاوة والدراسة ، فإذا اجتمع المسلمون في مسجد ، واشتغلوا بالتلاوة سرا وانفرادا ، شملهم الحديث جزما ، وإذا اجتمعوا واستداروا وقرأ واحد وهم يستمعون بحيث لا تشويش على مصل ، شملهم الحديث حتما ، وهو ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله ، وإذا عقدت مجالس التفسير والفقه في المساجد ، وقد وفقنا الله إليها وله الحمد والمنة منذ نصف قرن ، فهي داخلة في مفهوم الحديث قطعا ،أما الكيفيات المبتدعة ، على فرض تسليمها من المحاذير ، كالإجتماع بالإستدارة ، والجهر ، ورفع الصوت ، والقراءة والذكر المتساوق ، فلا يشهد لها الحديث أبدا ، ولو اجتهد الإنس والجن على ليّ عنقه ومحاولة تأوليه ، ويعجبني قول الحافظ أبو الفداء عماد الدين ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند آية :{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى }[سورة النجم 39]،وقد قرر أن قراءة القرآن لا تنفع الميّت ،ولا يصلهم من ثوابها شيء ، لأنها ليست من عمله ، وهو في هذا مخالف لمذهبه ، قال :"ولو كان خيرا لسبقونا إليه".
ومن طريف تعقيب الفقيه على قول ابن حجر الهيتمي المكي بأن الحجاج بن يوسف أول من ابتدع الجهر بالقرآن وبالإجتماع بالشام ، تعقبه الفقيه مستغربا قوله - مع تصريح الأدلة بالجوازكما زعم -على أنّ نقول الفقيه عن الطرطوشي ، والنووي ، وابن رجب الحنبلي ، وغيرهم كثير ممن لم يذكر ،يمكن تنزيلها على المفهوم الصّحيح السّليم ، وأنهم:
- أولا : لا يعرفون ما ابتدع في المغرب من تلك الكيفية .
- وثانيا: أنّ كلا مهم عام في مشروعية الإجتماع على التلاوة والذكر ، وهذا لا شيء فيه كما سبق تقريره.
الحديث الثاني:
رواه مسلم والترمذي في سننه بلفظ :" ما من قوم يذكرون الله إلا حفّت بهم الملائكة ..."(1/25)
وهو بمعنى الحديث السابق تماما ،ومن الفضائح قول الفقيه هداه الله:
"والظاهر من الحديث أن الذكر الإنفرادي لا يتحف صاحبه بالتحف الأربع التي وعدت بها الجماعة الذاكرة "
وهو سوأة لا ساتر لها ، سطرّها قلمه دون وعي ولا تبصر، ولا تفكير في النتيجة التي هي حرمان مجالس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ذلك الفضل ، ومنشأ هذا البلاء الإعتماد على الفهم المنكوس ، وتقليد فلان وعلان دون حجة ولا بصيرة .
الحديث الثالث :
حديث أبي هريرة مرفوعا :"إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيّارة فضلا يتّبعون مجالس الذكر ..."(1/26)
- وهو كالحديثين السابقين ،والأحاديث اللاحقة ، وارد في فضل مجالس الذكر والتلاوة ، وكلام الحافظ ابن حجر مفيد ، وهو كاف لا مزيد عليه ،ولو أعطي الفقيه جلدا على الكتابة ، لنقل على الحديث كل ما قيل فيه في كتب التي بحوزته ،وهذا ليس من العلم والتحقيق في شيء، لأنه لا معنى لإيراده عدة نصوص متواردة على معنى واحد إلا إفساد الورق وضياع الوقت ، ويلزم على فهم الفقيه من اللوازم السيّئة ما يلزم على من قصر الحديث على الفهم المعكوس الذي لا مصداق له ، وقد جهد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرشد أمته إلى خير ما يعلمه لهم ، وقال في أحاديث :"ما تركت شيئا يقربكم إلى الله وإلا أمرتكم به... إلخ .وعليه فهل قرأ عليه الصلاة والسلام الحزب صباحا ومساءا بالإدارة و بالصوت الواحد المرتفع؟ وهل ذكر ربه أو ذكر ربه بحضرته وهو يسمع بالأنغام والمناوبة ، وتخليل الذكر بكلام القوم المشتمل على الطّامّات ، وينتهي المطاف إلى الرقص اليهودي ، والزّعقوالشخير والنخير ،والشهيق والزفير ، والصياح والبكاء ؟ وهل هذه هي مجالس الذكر التي تتحف بتلك التحف الأربع عندك يا فقيه ؟ ويحرم منها المجتمعون في بيوت الله على تلاوة القرآن سرا بالمصاحف ، أو من الحفظ ، أومجالس التفسير والتحديث !!؟ ودعك من التحذلق والتعريج على الحقيقة والمجاز ، ومواقع الجمل في الإعراب ، مما لا محلّ له من الإعراب بحق.
الحديث الرابع :(1/27)
لا يخرج عمّا قلنا بحال ، إلا أنه يحمل في لفظه ما يهدم مفهوم الفقيه ، وهو سؤال النبي صلى الله عليه وسلم معاوية رضي الله عنه أهل المجلسين : ما أجلسكم ؟ قالوا جلسنا نذكر الله ، قال آلله ما أجلسكم إلا ذاك ؟ ...فهذا الإستفهام الواضح لم يكن يحصل لو أن القوم كانوا يذكرون الله جهرا ، وهذا كالشمس ، وهو يؤيد مفهومنا السلفي السليم ، وهو أنّ اجتماعهم على الذكر كان سرا كما أمر الله تعالى في القرآن :{ واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين }. [ سورة الأنفال :55].
الحديث الخامس :
وهوحديث أنس مرفوعا :" إذا مررتم برياض الجنة فإرتعوا ...إلخ .
وهو كسوابقه ولواحقه ، ولا انفكاك للفقيه ، بناءا على مفهومه المعكوس ، عن التورط في حرمان عصر النبوة وما بعده ، ممن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالخير ، من الفضل والوعد الكريم ، لأنهم لا يعرفون هذه المجالس والحلق بالكيفية الراهنة والله المستعان .
الحديث السادس:
حديث أبي سعيد الخذري القدسي :" يقول الرب عز وجل يوم القيامة ...إلخ .وهو حديث ضعيف بإسناديه ، كما قال الشيخ شعيب الأرناؤط في تخريج المسند من طبعة الرياض تحت رقم :11696.
الحديث السابع:
وهو حديث أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه من المرفوع :"ألا أدلكم على أفضل غنيمة ، وأسرع رجعة ...إلخ.
وهو حديث ضعيف فلا معنى للاشتغال به .
الحديث الثامن :
وهو حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه وفيه :" خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن ...إلخ.(1/28)
ومعناه واضح ، لا يخرج عن المفهوم اللاّئح ، وهو اجتماع المسلمين على اختلاف أجناسهم في المسجد لحفظ القرآن ، وهذا حاصل إلى الآن في الحرمين الشريفين وغيرهما ، وقد رخّص الفقهاء في القراءة جهرا مع المدرّر للتحفيظ ، وإقامة التّلاوة بالتلقين ، وهي رخصة مؤقتة ، وننبّه الفقيه وفقنا الله وإياه إلى أمر مهم ، وهو دلالة الحديث على تحريم أخذ الأجرة على التلاوة التي يمارسها من يسميهم :(إخواني ) ، من (الخرابة) ، أصحاب ( ليالي اللّحم بالبرقوق ، وألف فرنك من فوق )، كما قالوا من قبل ، أما اليوم فقد (طلع الصرف) .
وقد أباح الشّيخ عبد الله ابن الصديق في [ إتقان الصنعة ] أخذ الأجرة عن التلاوة - فيما أحسب - فقد طال العهد به.
الحديث التاسع :
حديث أبو حمزة أنس بن مالك مرفوعا :" ما من قوم يذكرون الله عز وجل لا يريدون إلا رجهه...إلخ.
وهو حديث حسن لغيره ، لا يشمل إلا من وصفهم بالإجتماع على الذكر بالمفهوم السّلفي ، مع الإخلاص لله تعالى ، ولا يشمل الذاكرين بالكيفية المبتدعة ، وابتغاء أجر معجّل ،" وكل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة ". كما قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه .
الحديث العاشر:
حديث أبي الردين مرفوعا :" ما من قوم يجتمعون على كتاب الله يتعاطونه بينهم ... إلخ.
وهو حديث ضعيف ، والمجتمعون على تعاطي كتاب الله تعالى هم طلبة العلم الشرعي ، من حفظة الكتاب العزيز ، والدّارسين لمعانيه ، والمتفهمين والمتفقهين فيه ، حسبة لله ، سواء كانوا في المعاهد أو المساجد ، ليسوا جزما من ينتصبون ب: [ باب المقابر] للقراءة على القبور بدريهمات ، يتبعون النساء ، ويتوسلون إليهن بشكل مزر بكرامة القرآن الكريم ، وحملته من المسلمين ، لكن ماذا نعمل ؟ وعلماؤنا قالوا بأن ذلك حسن ، وأنه ينفع الميت ، ويجوز أخذ الأجرة عليه ، والله المستعان ، وإليه الشكوى .
الأحاديث الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر :(1/29)
وهي بين الصحيح والحسن ، كلها متواردة في معنى واحد ، وهذا المعنى المكرر المقصود في عامة هذه الأحاديث ، ما صح منها وما لم يصح ، وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم أجمعين ، وهو أمرهم المشترك المتوارث إلى زمن الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحي إمام دار الهجرة : " ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ "، ولأمر ما أنكر الإمام مالك ما ابتدعه المبتدعون مما يشبه ما يدافع عنه الفقيه ، معتقدا مشروعيته واستحبابه ، افتياتا على الله ورسوله ، ونصرة للهوى ، ونتساءل لماذا أمر الإمام مالك رحمه الله بإخراجهم من المسجد النبوي ، والعبادة فيه مضاعفة ؟ ثم كيف يتعمد متأخرو المالكية مخالفته وتحديه! ؟ وهم يزعمون أنهم يقلدونه ، وأنه إمامهم الأثير ، والحجة بينهم وبين الله ، ألا ساء ما يزرون ويفترون .
حديث الخامس عشر:
وهوحديث يعلى بم شدّاد :" هل فيكم غريب ؟... إلخ.
وهو حديث ضعيف ، فلا معنى للاشتغال به ، ومن الطّريف في فقه الفقيه قوله مستنبطا من الحديث !؟ :" والظاهر أن هذا أصل اجتماع النّاس على الذكر بقول : { لا إله إلا الله }.
وأثر أبي هريرة رضي الله عنه في أمر السّوق بالذهاب إلى المسجد لإقتسام ميراث محمد ...إلخ. ضعيف وهو وجادة.
الحديث السابع عشر:
حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه :" أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يحجزه شيء عن القراءة ، ليس الجنابة "،
وهو حديث صحيح إلا أن ما استنبط منه الفقيه في منتهى الغرابة ، إلا أن يكون من العلم الّلدنّي ، والفتح الرباّني !!! وإلا فالحديث مشرق ، والموضوع مغرب .
الحديث الثامن عشر :
وكذلك الحديث الثامن عشر لا يخرج عن الذي قبله فهما في حيز الفتوحات الإلهية والكواشف الربانية .، والله المستعان .
الحديث التاسع عشر :(1/30)
وهو حديث صحيح ، ولكنه أجنبي عن الموضوع ، لأنه وصف قراءة الأشعرين ليلا في تهجدهم ، وهو كما قيل في وصف قراءة الشّراة من الخوارج :" إن لهم دويّا كدويّ النّحل "، وهذا غير ما نحن فيه يا فقيه !!! .
ومن الطّريف في فهم الفقيه قوله: أن النبي صلى الله عليه وسلم أسند رفع الصوت إلى الجمع لا إلى الواحد منهم ، وقد أقرهم ولم ينكر عليهم ، " وإن يكن هذا من إرهاصات الولاية والفتح الصّوفي ، فلا محل له من الإعراب ، وماذا يقول الفقيه في الحديث الصحيح الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من بيته والناس يصلون يجهرون بالقراءة ، فقال لهم :" إن المصلي يناجي ربه ، فلينظر أحدكم بما يناجيه ، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة "،وفي رواية ، بالقرآن ،" والحديث صححه المحدث الألباني رحمه الله وأرده في صفة الصلاة ، فهل كانوا يقرؤون قراءة جماعية بصوت واحد !؟.
الحديث العشرون :
وهوحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه :" كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكنا إذا أشرفنا على واد ... إلخ .
والحديث فيه النّهي عن رفع الصوت بالذكر، وهو مخالف لدعوى الفقيه!!، وإسناد الضمير إلى الجماعة ( كنّا ) ليس معناه أنهم يذكرون بصوت واحد ، كما سبق أن نبهنا عليه مرارا ، وسبيلهم في ذلك سبيل التلبية في الحج فافهم . ولا تنخدع.
الحديث الواحد والعشرون :
وهو الذي قبله في أنه لم يكن يحجزه صلى الله عليه وسلم شيء ، ليس الجنابة ، وما قيل هناك يقال هنا حذو القذة بالقذة .
الحديث الثاني والعشرون :
وهو حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا :" لأن أقعد مع يذكرون الله عز وجل من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس ..."
وهو حديث حسن ، وقعوده صلى الله عليه وسلم المتمنّى مع الذاكرين ، وجوده معهم ومشاركتهم في الذكر والتلاوة إلى أن تطلع الشمس ، وليس فيه ولا في غيره أنهم كانوا يذكرون جملة بصوت واحد ، وهو محط النزاع وكم كررنا هذا المعنى ؟(1/31)
والفقيه يجهد نفسه عبثا ، كأنه يضرب في حديد بارد ، ومن الجرأة المذمومة ، وأخشى أن يكون من الكذب عليه صلى الله عليه وآله وسلم قول الفقيه :" والنبي صلى الله عليه وسلم لا يخلو حاله أحد أمرين : إما أن يكون قعد وذكر معهم فيكون الذكر الجهري الجماعي سنة بفعله صلى الله عليه وسلم ، وإما أن يكون قعد وإستمع لهم ورغب الناس في الذكر معهم في الوقتين !؟ وبهذا وذاك يصير الذكر الجماعي سنة فعلية وتقريرية ؟!!.
الحديث الثالث والعشرون :
حديث معقل رضي الله عنه مرفوعا :" اقرأوا على موتاكم يسن"
وهو حديث ضعيف بإعتراف الفقيه، ولكنه ممن يقولون بالعمل بالضعيف في فضائل الأعمال ، وهي مسألة فارغة لا تثبت نقلا ولا تاريخا ، فكيف يحتج به ؟
الحديث الرابع والعشرون :
حديث جابر بن عبد الله في وفاة سعد بن معاذ ،وهو صحيح ، إلا أنه لا دليل فيه على المدّعى ، وقد أكثر الفقيه عفا الله عنا عنه ، بذكر هذه الأحاديث التي لا تشهد لمدّعاه من قريب ولا بعيد ، وفي استطاعته إذا ركب رأسه ، واعتمد فهمه أن يذكر أربعمائة حديث لا أربعين فقط.
الحديث الخامس والعشرون :
حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه في جماعة النساء ، وهو حديث منقطع ضعيف باعتراف الفقيه ، فلماذا لأتى به ؟.
الحديث السادس والعشرون :
وهو حديث السّائب بن خلاد عن أبيه مرفوعا :
" أتاني جبريل فقال : مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال ".(1/32)
وهو حديث صحيح ، ولكنه في رفع الصوت بالتلبية في الحج ، وبالنية في تعيين منسكه ، وإذا صح استدلال الفقيه ، على الذكر الصوفي ، والحزب القرآني على الطريقة المبتدعة ، فقد فاته الاستدلال بالأذان والإقامة ، والصلاة جامعة ، وهذه مغالطة ، وفهم غريب ، وأغرب منه زعمه أنه كان صلى الله عليه وسلم يرفع صوته مع أصحابه بالتلبية ، وهو ذكر جماعي !!، وهو كذب محض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن أين له أن التلبية كانت بصوت واحد متناسق ، فاللهم هفوا!!؟.
الحديث السابع والعشرون :
وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم :"إذا أمن الإمام فأمنوا ...".
وهو حديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه برقم 929، إلا أن الصورة مستثناة بالأمر النبوي ، والعبادات لا تقبل القياس ، لأنه تعقل وهي تعبد ، فيجب الاقتصار على الوصف هنا على أنه غير واضح في كيفية الموافقة ، والضجة في المسجد تحدث من رفع الصوت فرادى وجماعات .
الحديث الثامن والعشرون :
وهو حديث حبيب بن مسلمة الفهري مرفوعا : " لا يجتمع ملأ فيدعوا بعضهم ...إلخ .
لكنه حديث ضعيف ، ويقال فيه ما قيل في السالف واللاحق.
الحديث التاسع والعشرون :
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : " وإذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد ...إلخ.
وهو حديث صحيح رواه مسلم ، وله نظائر ، ولو قال الفقيه عفا الله عنا وعنه : كل الخطاب في الكتاب والسنة بصيغة الجمع يأمر بقول شيء فهو يدل على مشروعية القول الجماعي بصوت جهير، ولو قال هذا أولا لأراح واستراح ، ولما أتعب نفسه ، وأتعبنا في جلب أحاديث لا تمت إلى الموضوع بصلة.
الحديث الثلاثون والواحد والثلاثون :
حديث عبد الله بن عباس وابن رواحة رضي الله عنهم في تفسير آية {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه}. [الكهف :28](1/33)
وحديث خالد بن معدان موقوفا - قال - الفقيه وله حكم الرفع :" لله ملائكة يسبحون تحت العرش ...إلخ .
- والحديثان ضعيفان ، والغريب أن الفقيه لما فرغ من حديث الإنس تناول حديث الملائكة ، وكيفية ذكرهم ، ولا يشهد لمدعاه بحال من الأحوال ، وحتى لو صح ، وجاء في الذكر جماعة وبصوت واحد جهرا لما لزمنا معشر الإنس ، لأن للملائكة أحكامهم تبعا لطبيعتهم النورانية.
الحديثان الثاني والثلاثون ،
والثالث والثلاثون :
حديث سلمان ، وحديث أبي رزين ، وهما ضعيفان كذلك ، ومع ذلك فإنه في الحديث الأول ما يدحض زعم الفقيه ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أقبل عليهم كفوا ، فسألهم : ما كنتم تقولون ؟ فلو كانوا يذكرون جهرا بصوت واحد لسمعهم ، وقد مرّ لهذا الحديث نظيران .
الحديث الرابع والثلاثون :
حديث لأبي هريرة مرفوعا قدسيا :يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني ...إلخ.
وهو حديث صحيح لا غبار عليه ، إلا أنه لا دليل فيه لمدّعى الفقيه ، وقد سبقه إلى هذه الدعوى الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه : نتيجة الفكر ، في الجهر بالذكر ، ثم تلقفه منه الشيخ الزمزمي قبل توبته من التصوف والزاوية ، واحتج به في رسالته : الإنتصار ، لطريق الصوفية الأخيار ، وليس فيه دليل ، وهو كحديث :( من دخل السوق فقال :" لا إله إلا الله ...")، وهو حديث صحيح احتج به السيوطي ، ولا دلالة فيه بأي نوع من أنواعها على المدّعى الذي هو الذكر بصوت واحد من جماعة جهرا .(1/34)
وبقية الأحاديث وهي ما بين متردية ونطيحة ، ليس فيها ما يتطلب النظر ،إلا ارتجاز الصحابة في حفر الخندق ، ورد النبي صلى الله عليه وسلم ،وهو صحيح ثابت ، وإن لم يكن صريحا في الكيفية ، وقد استغله الفقيه في الاستدلال على التناوب على ذكر المرتزقة ، "الخرابة "، ومعاذ الله أن يكون شاهدا لبدعتهم ، نعم ، وهو يصلح للإستدلال لما يسمى بالأناشيد الإسلامية الحماسية ، إن سلمت من المآخذ ، وهذه غير قراءة القرآن والتسبيح و التهليل والتكبير والاستغفار في المساجد والزوايا ، وهذا واضح. أما أثر تكبيرالناس ، وقولهم : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، فهو ترحيب بمقدمه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ، كقول اليهودي، وهو على أطم من آطام المدينة :" يا بني قيلة - الأنصار - هذا جدكم . أي : شرفكم وذكركم .
أما قول الولائد والصبيان في مقدم النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة
تبوك :" طلع البدر علينا ..." فلا يصح ، والناس يعتقدون أنهم استقبلوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته إلى المدينة ، وقد نصّ العلماء على علة الحديث بل الأثر وضعفوه .
وبعد هذه الجولة المتعبة مع الفقيه وفقنا الله وإياه إلى ما فيه رضاه ، خلال أربعين حديثا فيها نسبة كبيرة نوعا من الضعاف ،كأن جلبها يومئ إلى التهويل والإحراج ، وكان بمقدور الفقيه أن يجاب منها المئات كما أشرت سابقا، والآن أزيد ألفا من الأحاديث المختلفة المراتب ، بشرط أن تكون على مفهوم الفقيه من توجيه الخطاب العام فيها إلى الجماعة ، ثم يحمّل معناها ما لا تحتمل من قريب ولا من بعيد ، من الذّكر بالإستدارة أو بدونها ، ولكن بصوت واحد جهرا ، كما جرى به العمل في المغرب العربي وإفرقية المسلمة.
الموقف الخامس من الخاتمة:(1/35)
وبعد هذا عقد الفقيه خاتمته وأجمل فيها ما فصله في تعليقه على عامة الأحاديث الأربعين زاعما أن تلك الأحاديث متواترة تواترا معنويا ، والدّعوى كما يقال أعم من الدليل ، ثم أخذ يتتّبع ما ورد في هذه الأحاديث من فضائل ومزايا وأجر وفضل ، ويحصره فيما زعم من الذكر الجماعي بالكيفية المعهودة ، ويلزم من يقول ببدعيته وحرمته زضلاله كما هو منطوق حديث " وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار " ، وإن أباها المتفيقهون ، ما لا يلزم من تبديع من يقول بسنية الجهر والذكر الجماعي ، بل وتبديع الصحابة المكّبرين المسبحين المهللين جماعة بل والملائكة ، والجبال والطير ، ونسي الفقيه أن يذكر الأنبياء والمرسلين في كل ملة ودين ، والإنس والجن ، وذكر ممن يلزم تبديعهم على مذهب السلف الصالح مجموعة مختلطة ، فيها عجوة وحشف ، كالحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، والحافظ الهيتمي ، وأبو زكرياء يحي بن شرف الدين النووي ، وابن رجب الحنبلي ، ومحمد بن علي الشوكاني، والمازري،والقاضي عياض السبتي، ومحمد المختار الشنقيطي،وأبي بكر الطرطوشي، والكشمري،والكرماني، وسعيد حوى،وعبد الرحمن البنا ، والكندهوي وغيرهم،وكان الأنسب أن يذك عرفة الحرّاق وابنه، والغماريين بطنجة،والتليدي الكرفطي،والكتاني،والتيجاني،إلى ما لا يحصى من مشايخ الزوايا في مشارق الأرض ومغاربها{ وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين }. [سورة يوسف103].(1/36)
ويلاحظ فيمن ذكرهم الفقيه أن منهم من لا يذهب مذهبه ،وإنما أتي الفقيه من سوء فهمه لكلامهم ، على أن منهم من اضطرب في أقواله ، وخالف أصوله في البدعة الحسنة،كالإمام أبو زكرياء النووي رحمه الله الذي حرم قراءة القرآن جماعة بصوت واحد كما في كتابه التبيان وكذلك الإمام أبوبكر الطرطوشي ، وأبو شامة استنكر صلاة الرغائب ، وألف في تبديع من يصليها كابن عبد السلام ، وهي لا تعدو أن تكون اجتماعا على الذكر والصلاة ليلة عرفة ، وهؤلاء الغماريون بطنجة يجيزون كبائر الذنوب بدعوى أنها خير ، تشهد لها الأصول ، كالرقص والغناء والتّسول بالذكر في المدن والقرى والبوادي ، وغفلوا عن كلمة ابن مسعود في حديثه العظيم :" وكم من مريد للخير لن يصيبه".ولنا أن نقلب على الفقيه إلزامه لنا بتبديع من ذكر ،وهو غير لازم قطعا ، لأن لبعض أولئك العلماء عذرا ، وهو مجتهدون أخطأوا ، فنلزمه على مفهومه المعكوس للبدعة، تبديع العصور الخيرة المشهود لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير والفضل ، وهذا الخطر الجسيم، ومن هؤلاء الأئمة الأربعة ،وثانيهم مالك بن أنس ، وكبار أصحابه ، الذين يزعم المغاربة أنهم مقلدون لهم ، وقد منع هذا الذكر الجماعي ، وضلل أصحابه ، وأمر بإخراجهم ،
فأي الإلزامين أحق وأولى !!!؟.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .
وكتبه راجي عفو ربه الغفور :
الشيخ العلامة المحدث
أبو أويس محمد بن الأمين بوخبزة الحسني المغربي
حفظه الله .
www.abo oways.com(1/37)