أيها الزنادقة !
ً
ً
َ
ّْ
ْ
َ
َ
َ
مهلا عن الجبار مهلا
َ
َ
قال الله تعالى :
إن كنت تريد الإطلاع على تفسير الآية فاضغط عليها
كتبه فضيلة الشيخ /
عبدالكريم بن صالح الحميد
حفظه الله تعالى
شهر ربيع الثاني ــ 1424
أيها الزنادقة
مهلاً عن الجبار مهلاً !
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد ..
فلقد كثر في زماننا التلفظ بكلمات عظيمة مُوبقة محرقة لا يجرأ على التلفظ بها إلا الزنادقة لأنهم رجس خبيث لا يعرفون الله عز وجل إلا باسمه ولذلك فإنهم لا يخشون سطوته وعذابه فيتكلمون بسبّه وسب رسوله ودينه بكل سهولة وبجرأة وقحة قاتلهم الله وأخزاهم.
وسأذكر في هذه الرسالة بعض ما قيل في الجليل ـ سبحانه وتعالى ـ مما يوجب عظيم السخط والغضب ، ويستجلب عاجل العقوبات ، كذلك السخرية بدينه وعباده الصالحين ، مع أن الذي لا نعلم عنه ولم يبلغنا أكثر وأكبر ! لأن زماننا متميز بخبثه عن سائر الأزمان ، ولأن الدجال أوشك خروجُه فهو بحاجة إلى أتباعٍ وأعوانٍ من هؤلاء المسوخ تقرّ بهم عينه ! .
كذلك ذكرت كلاماً مختصراً عن الظلم وأثر الدعاء وقصصاً حاصلة في زماننا وفي الماضي .
زنديقٌ تعاجلُه العقوبةُ
كان يُنقل لنا قديماً ما يقوله زبانية سجون مصر الزنادقة مثل قول بعضهم للسجين لما سمعه يقول : ياربّ ياربّ ! ، قال الزنديق : لو نزل ربك لسجنته بالزنزانة !! .
وقد بلغنا أن هذا الزنديق عوجل بعقوبة قبل الآخرة حيث سُلّط عليه طاغيته / جمال عبد الناصر فسجنه وعذّبه ، ولما انتهى سجنه خرج يوم عيد فذهب بسيارته إلى قريته في مصر ، وفي الطريق التقى بحرّاثة زراعية فاصطدم بها فدخلت أسنان الحرّاثة في جسمه ولم يقدروا أن يخلصوه إلا بقطع رقبته وفصل رأسه عن بدنه ! .
وكم وقع للزنادقة والظلمة من وقائع فظيعة من العقوبات المعجلة في الدنيا مما يعرف الناس منه الكثير ! .(1/1)
وإذا كان قد نزل قرآنٌ يتلى إلى يوم القيامة في قومٍ غزاةٍ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الأطهار رضي الله عنهم لأجل كلمة قالها هؤلاء الغزاة : ( ما نرى مثل قرائنا هؤلاء " يعنون الصحابة " أرغب بطوناً وأكذب ألْسناً وأجبن عند اللقاء ) فأنزل الله : { لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ }(1)فكيف ما نحن فيه اليوم من السخرية بالله والاستهزاء به وبدينه ورسوله وعباده الصالحين ! قطع الله دابر المنافقين وعجّل عقوبتهم في الدنيا قبل الآخرة .
تكادُ السماءُ أنْ تقعَ علَى الأرضِ لمقالةِ خنزيرٍ !
ولقد تعدّى الأمر حدّه وتجاوز الطغيان مداه في زماننا، فهذا زنديق يقول قولاً واللهِ لوْ سقطت السماء على الأرض لقوله غضباً لفاطرها سبحانه وبحمده لما كان ذلك عجباً ! ، ولولا أن الله حكى عن فرعون مقالته ولولا أنني أريد أن أُعرِّض الخبيث لدعاء المسلمين عليه لما ذكرت قوله ـ قاتله الله وقطع دابره ـ ، يقول الخنزير : ( أفعل به ) يعني الرب العظيم جلّ جلاله ، كبرت كلمة تخرج من فيه ! ، قال هذا القول الفاحش باللهجة الصريحة القبيحة التي هي أقبح وأشنع وأفظع مما أثبتُّ هنا ، اللهم اجعله عبرة لخلقك .
هذا الزنديق الخبيث لم يعرف نفسه وأن أوّله نطفة مَذِرة وآخره جيفة قذرة وفيما بين ذلك يحمل العذرة .
__________
(1) سورة التوبة، آية : 66 .(1/2)
ولم يعرف ملك الملوك سبحانه وبحمده القاهر فوق عباده ، قال الله عز وجل للنبي أرميا ـ عليه السلام ـ في كلام أوحاه إليه : ( فأنا إله الذي ليس شيء مثلي ، قامت السموات والأرض وما فيهن بكلمتي ، وأنه لا يخلص التوحيد ولم تتم القدرة إلا لي، ولا يعلم ما عندي غيري ، وأنا الذي كلمت البحار ففهمتْ قولي ، وأمرتها ففعلت أمري، وحددت عليها حدوداً فلا تَعْدو حَدّي ، وتأتي بأمواج كالجبال فإذا بلغتْ حَدّي ألْبسْتها مَذَلّة لطاعتي ، وخوفاً واعترافاً لأمري ) .(1)
نماذجٌ مِن أفعالِ الزنادِقَةِ
وزنديق آخر يقوم في الغرفة ويهش بيديه متجهاً إلى الباب ويقول : ( أخرجنا الله ) ـ يعني كما يُخْرَج الذباب ـ أخزاه الله .
وآخر لما سمع شخصاً يقول : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً } قال الخبيث : مخرج رقم كم؟ سخرية بالدين وبرب العالمين ، قاتله الله .
وبعض المنافقين يقول بسخرية : كم رقم تليفون الله ؟! قاتله الله .
وهذا زنديق آخر يشدّ لحية أحدهم وينتفها وكان يُقسم للزنديق أنه لم يفعل شيئاً مما يتهمه به فقال عدو الله: (خلّ الله على جنب ، لا تدخل الله في شغلنا ، هذا زمان الحقائق ، زمان الله ولّى وفات ) !! .
وهكذا تكون الجرأة على مَن يُمهل ولا يُهمل .
وقد قيل : أمهل الله العصاة حتى ظن المغرورون بالله أن إمهال الله إهمال ! .
فليعلم الزنادقة أن إمهال الله ليس إهمال ، وقد قال تعالى : { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ }(2).
أما يقرأ هؤلاء الزنادقة قوله تعالى عن نفسه : { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ }(3). وقوله تعالى : { وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ }(4)أي شديد الأخذ ، شديد القوة .
__________
(1) البداية والنهاية لابن كثير 2/35 .
(2) سورة الأعراف، آية : 183 .
(3) سورة البروج، آية : 12 .
(4) سورة الرعد، آية : 13 .(1/3)
وقد ذكر ابن كثير في سبب نزو قوله تعالى : { وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ } .(1)ذكر ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلاً مرة إلى رجل من فراعنة العرب فقال : (اذهب فادعه لي) قال : فذهب إليه فقال : يدعوك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له : من رسول الله وما الله أمِن ذهب هو أم من فضه هو أم من نحاس هو ؟
قال : فرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال : يا رسول الله قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك . قال لي : كذا وكذا . فأعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل إليه مرتين وهو يقول مثل قوله الأول، فبينما هو يكلمه إذْ بعث الله عز وجل سحابة حيال رأسه فرعدت فوقعت منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه، فأنزل الله عز وجل : { وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ } الآية . قال ابن كثير : ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء) أي يرسلها نقمة ينتقم بها ممن يشاء ، ولهذا تكثر في آخر الزمان، ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي رواه أحمد (تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل القوم فيقول : من صعق قِبلكم الغداة ؟ فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان) نسأل الله شديد المحال أن يجعل لمن سبّه أو سب رسوله أو سب دينه أو سخر بعباده الصالحين نصيباً من هذه الصواعق التي هذا وقت تكاثرها .
امرأة من عائلة معروفة في بريدة تقول إنها كانت ترعى الغنم حين كانت شابة واثنان من الشباب غير بعيد عنها في رعي أغنامهم وكان الحر شديداً واشتد بنا العطش وبالغنم فاستغاث أحد الشابين بالله تعالى أن يسقينا، ولكن الآخر كان زنديقاً فاجراً فظهر مكنونه قائلاً لصاحبه بسخرية واستهزاء بالله (لو كان عند ربك ماءً سقى به نفسه) تعالى الله وتقدس .
__________
(1) سورة الرعد ، آية : 13 .(1/4)
تقول المرأة : بعد قليل أنشأ الله سحابه جاءت من المغرب حتى أظلّتنا فأمطرت علينا فارتوينا .
أما الساخر بالله فتدلّت عليه السحابة وأحاطت به تقصفه بصواعق أصابنا منها رعباً شديداً والبرق يسطع من خلال السحابة فكدت أنا والشاب المستغيث أن يغمى علينا من هوْل الأمر، ثم انجلت السحابة عنه فإذا هي قد قطّعته قطعاً فهذا جزاء عاجل لِساخرٍ بالملك الجبار قيوم السموات والأرضين شديد المِحال .
وهذا حادث في زماننا منذ سنين ليست بعيدة .
قال ابن الجوزي في "صيد الخاطر " : ( قال عبد المجيد بن عبد العزيز : كان عندنا بخراسان رجل كتب مصحفاً في ثلاثة أيام فلقيه رجل فقال : في كم كتبت هذا ؟ فأوْمأ بالسبابة والوسطى والإبهام وقال : في ثلاث { ومَا مسَّنا مِن لُغُوب } فجفّت أصابعه الثلاث ، فلم ينتفع بها فيما بعد .
وخطر لبعض الفصحاء أن يقدر أن يقول مثل القرآن فصعد إلى غرفة فانفرد فيها وقال : أمهلوني ثلاثاً : فصعدوا إليه بعد ثلاث ويده قد يبست على القلم وهو ميت ) .
قال ابن كثير : ( وحكى ابن خلكان فيما نقل من خطر الشيخ قطب الدين اليونيني قال : بلغنا أن رجلاً يُدعى أبا سلامة من ناحية بصرى كان فيه مجون واستهتار، فذُكر عنده السواك وما فيه من الفضيلة، فقال : والله لا أستاك إلا في المخرج – يعني دبره – فأخذ سواكاً فوضعه في مخرج ثم أخرجه، فمكث بعده تسعة أشهر وهو من ألم البطن والمخرج فوضع ولداً على صفة الجرذان له أربعة قوائم ورأسه كرأس السمكة وله أربعة أنياب بارزة وذنَب طويل مثل شبر وأربعة أصابع وله دبر كدبر الأرنب ، ولما وَضَعه صاح ذلك الحيوان ثلاث صيحات فقامت ابنه ذلك الرجل فرضخت رأسه فمات ، وعاش ذلك الرجل بعد وضْعه له يومين ومات في الثالث ، وكان يقول : هذا الحيوان قتلني وقطع أمعائي .(1/5)
وقد شاهد ذلك جماعة من أهل تلك الناحية وخطباء ذلك المكان، ومنهم من رأى ذلك الحيوان حيا، ومنهم من رآه بعد موته )(1).
ثمارُ الكُرَةِ
وهذه الكرة الحادثة يقول أحدهم من أجلها كلام الكفر وهو لا يشعر ؛ فهذا لاعب كرة لما دخلت كرة فريقه بين الخشبتين رسم الصليب على صدره بأصبعه كما تفعل النصارى ! ، وهذا من ثمار الكرة الزقومية ! .
وفي أحد ميادين الكرة مكتوب بخط عريض : { إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ } ! ، وهذه جرأة على الله وكذب عليه حيث جُعِل معنى الآية أن نصر الله الذي هو جهاد أعدائه الكفرة : لعب الكرة ، ومعنى نصره لكم ـ الذي هو ظفركم بأعدائه الكفرة ـ : إدخالكم الكرة بين الخشبتين ! .
قال تعالى عن أهل الكتاب : { اتَّخَذُوا دِينَهُمْ هزواً ولعباً } ، وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن أمته تجري على سننهم حذو القذة بالقذة وشبراً بشبر وذراعاً بذراع ! .
وهذا لاعب كرة آخر يتابع المباراة المعروضة بالطاغوت الناطق ( التفلزيون ) ولما ظهرت صورة الكعبة قاطعةً استمرار المباراة لأجل الصلاة كما يزعمون قال : ( لعن الله الكعبة ) ، والحقيقة أنه من إهانة شعائر الدين ظهورها في هذه المواضع ! .
وشائع في البلدان المجاورة أن يقول بعضهم لبعض : ( يلعن الذي خلقك ) ، { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } .
وهذا مغني مجرم أخزاه الله يسخر بالتسبيح للجليل ـ سبحانه وبحمده ـ وذلك أنه سُئل عن مسْبحة يحملها معه وهي الخرز المنظوم في خيط ، قال عن مسبحته : ( إن هذه المسبحة خاصة بالجمهور حيث أسبّح بها قائلاً : حب الجمهور، حب الجمهور، حب الجمهور، كما يُسبّح المسلم قائلاً: سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله ، يقال لهذا الفاجر : { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } .
التحذيرُ مِنَ العقوباتِ
__________
(1) البداية والنهاية 13/249 .(1/6)
وليُعلم أن من العقوبات ما يُعجل لصاحبه في الدنيا وقد توعّد الله الظَلمة بوعيد شديد قال تعالى: { وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ } .
وقال تعالى : { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } .
وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ) ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } .
وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) وفي بعض الكتب يقول الله تعالى : (اشتد غضبي على من ظلم من لم يجد له ناصراً غيري) .
لا تظلمنَّ إذا ماكنت مقتدراً ... ... فالظلم يرجع عقباه إلى الندمِ
تنام عيناك والمظلوم منتبهٌ ... ... يدعو عليك وعين الله لم تنمِ
قال ابن الجوزي في " صيد الخاطر " : ( سبحان الملك العظيم الذي من عرفه خافه ومن أمِن مكره قَطُّ ما عرفه .
لقد تأملت أمراً عظيماً أنه ـ عز وجل ـ يُمهل حتى كأنه يُهمل فترى أيدي العصاة مطلقة كأنه لا مانع ، فإذا زاد الانبساط ولم ترعوي العقول ِأخَذَ أخْذَ جبار ) .
أدعيةُ المظلوم مصيبةٌ وإنْ تأخرَ الوقتُ
قال ابن القيم رحمه الله في ذكر الظَّلَمة : ( أتراهم نسوا طَيَّ الليالي لمن تقدمهم : { وما بلغوا معشار ما آتيناهم } فما هذا الاغترار { وقد خلت من قبلهم المثلاث } { فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلو من قبلهم } من لهم إذا طلبوا العودة فحيل بينهم وبين ما يشتهون .(1/7)
لا تحتقر دعاء مظلوم فشَرَر قلبه محمول بعجيج صوته إلى سقف بيتك، ويحك نبال أدعيته مصيبة وإن تأخر الوقت ، قوْسه قلبه المقروح ووتره سواد الليل " تذكر [ لأنصرنك ولو بعد حين ] " ، وقد رأيت ولكن لست تعتبر ، احذر عداوة من ينام وطرفه باك يُقلب وجهه في السماء يرمي سهاماً مالها غرض سوى الأحشاء منك ) انتهى .
ذكر وهب بن منبه أن ابن ملك ركب في قومه وهو شارب فصُرِع عن فرسه فدق عنقه ، فغضب أبوه الملك وحلف أن يقتل أهل تلك القرية وطأً بالأفيال والخيل والرجال ، فتوجّه إليهم وسَقى الأفيال والخيل والرجال الخمر فقال : طؤوهم بالأفيال فما أخطأت الأفيال فلتطأه الخيل وما أخطأت الخيل فلْتطأه الرجال .
فلما رأى ذلك أهل القرية خرجوا بأجمعهم فعجُّوا إلى الله يدعونه ، فبينما هم كذلك إذْ نزل فارس من السماء فوقع بينهم فنفرتْ الأفيال فعطفت على الخيل وعطفت الخيل على الرجال فقُتل هوَ ومَن معه وطْأً بالأفيال والخيل(1): { وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } .
قصصٌ للاعتبَار
ـ كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مجاب الدعوة فكذب عليه رجل فقال : اللهم إن كان كاذباً فأعم بصره وأطل عمره وعرِّضه للفتن، فأصاب الرجل ذلك كله، فكان يتعرّض للجواري في السكك ويقول : شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد .
ـ ودعا على رجل سمعه يشتم عليا فما برح من مكانه حتى جاء بعير نادّ فخبطه بيديه ورجليه حتى قتله .
ـ ونازعته امرأة سعيد بن زيد في أرض له فادّعت أنه أخذ منها أرضها. فقال : اللهم إن كانت كاذبة فأعْم بصرها واقتلها في أرضها، فعميت، فبينما هي ذات ليلة تمشي في أرضها إذْ وقعت في بئر فيها فماتت .
__________
(1) حلية الأولياء لأبي نعيم 4/66 .(1/8)
ـ ودعا أبو مسلم الخولاني على امرأة أفسدت عليه عِشْرة امرأة له بذهاب بصرها ، فذهب بصرها في الحال، فجاءته فجعلت تناشده بالله وتطلب منه الدعاء لها فرحمها ودعا الله تعالى فَرَدّ عليها بصرها، ورجعت امرأته إلى حالها معه .
ـ وكذب رجل على مطرف بن عبد الله بن الشخير فقال له : إنْ كنت كاذباً فعجّل الله حتْفك فمات الرجل مكانه .
ـ وعن وهب بن منبه قال : ( بنى جبار من الجبابرة قصراً وشيّده فجاءت عجوز فقيرة فبنت إلى جانبه كوخاً تأوي إليه ، فركب الجبار يوماً وطاف حول القصر، فرأى الكوخ فقال : لمن هذا ؟ فقيل: لامرأة فقيرة تأوي إليه فأمر به فهُدم، فجاءت العجوز فرأته مهدوماً، فقالت : من هدمه ؟ فقيل : الملك رآه فهدمه فرفعت العجوز رأسها إلى السماء، وقالت : يارب إذا لم أكن أنا حاضرة فأين كنت أنت ؟ قال : فأمر الله جبريل أن يقلب القصر على من فيه فَقَلَبَه )(1):
إذا ما الظلوم اسْتَوْطأ الظلم مركباً ... ... ولَجَّ عُتوًّا في قبيح اكتسابهِ
فكِلْهُ إلى رب العبادِ وعدلِهِ ... ... سيبدو له مالم يكن في حسابِهِ
ـ وقصة الفتاة التي في بعض أسواق الرياض مشهورة ، رآها بعض الشباب فاتحة عباءتها ولِبْسها غير ساتر، فقال لها ناصحاً : لو جاءك ملك الموت ، ماذا تفعلين ؟! فقالت بجرأة : اتصل على جوال ربك يجيب لي ملك الموت !! ، يقول الشاب : خِفت من بشاعة قولها وارتعدت وهربت مسرعاً وإذا بي أسمع صوت صراخ وصياح فرجعت وإذا بالفتاة قد سقطت على وجهها وماتت ! .
ـ وقيل : لما حُبس خالد بن برمك وولده قال ولده : يا أبت بعد العز صرنا في القيد والحبس، فقال : يا بني دعوة المظلوم سَرَتْ بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها(2).
__________
(1) الكبائر للذهبي، ص107 .
(2) الكبائر للذهبي، ص107 .(1/9)
ـ وكان يزيد بن حكيم يقول : ما هِبت أحداً قط هيبتي رجلاً ظلمته وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله يقول لي : حسبي الله . الله بيني وبينك(1).
ـ وعن جابر رضي الله عنه قال : ( لما رجعت مهاجرة الحبشة عام الفتح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ألا تخبروني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة؟ فقال فِتْية كانوا منهم : بلى يارسول الله بينما نحن يوماً جلوس إذْ مرّت بنا عجوز من عجائزهم تحمل على رأسها قلّة من ماء، فمرّت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرّت المرأة على ركبتيها وانكسرت قلتها، فلما قامت التفتت إليه ثم قالت : سوف تعلم يا غادر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، سوف تعلم من أمري وأمرك عنده غداً، قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (صدقت كيف يقدس الله قوماً لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم )(2).
ـ وكان رجل من الخوارج يغشى مجلس الحسن البصري فيؤذيهم، فلما زاد أذاه قال الحسن : اللهم قد علمت أذاه لنا فاكفناه بما شئت فخرّ الرجل من قامته ، فما حُمل إلى أهله إلا ميتاً على سريره .
ـ وكان رجل يعبث بحبيب العجمي كثيراً فدعا عليه حبيب فبرص.
ـ وكان مرّة عند مالك بن دينار فجاء رجل فأغلظ لمالك من أجل دراهم قسمها مالك، فلما طال ذلك من أمره رفع حبيب يده إلى السماء فقال : اللهم إن هذا قد شغلنا عن ذكرك فأرحنا منه كيف شئت ، فسقط الرجل على وجهه ميتاً .
ـ وخرجت سرية في سبيل الله فأصابهم برد شديد حتى كادوا أن يهلكوا فدعوا الله تعالى وإلى جانبهم شجرة عظيمة فإذا هي تلتهب ناراً فجففوا ثيابهم ودفئوا بها حتى طلعت الشمس فانصرفوا ورُدّت الشجرة إلى هيئتها، هذه القصص ذكرها ابن رجب رحمه الله في كتابه (جامع العوم والحكم) ثم قال : ومثل هذا كثير جداً ويطول استقصاؤها، ولم أنقل كل ما ذكر .
__________
(1) الكبائر للذهبي، ص107 .
(2) الكبائر للذهبي، ص106 .(1/10)
ـ وقال الذهبي : قال بعضهم : رأيت رجلاً مقطوع اليد من الكتف وهو ينادي : من رآني فلا يظلمنّ أحداً، فتقدمت إليه. فقلت له : يا أخي ما قصتك ؟ قال : يا أخي قصة عجيبة وذلك أني كنت من أعوان الظلمة فرأيت يوماً صياداً وقد اصطاد سمكة كبيرة فأعجبتني، فجئت إليه فقلت : أعطني هذه السمكة، فقال : لا أعطيكها أنا آخذ بثمنها قوتاً لعيالي فضربته وأخذتها منه قهراً ومضيت بها . قال : فبينا أنا أمشي بها حاملها إذْ عضّت على إبهامي عضة قوية، فلما جئت بها إلى بيتي وألقيتها من يدي ضَرَبتْ عليَّ إبهامي وآلمتني ألماً شديداً حتى لم أنم من شدة الوجع والألم وورمت يدي . فلما أصبحت أتيت الطبيب وشكوت إليه الألم، فقال : هذه بدء الآكلة اقطعها وإلا تقطع يدك، فقطعت إبهامي، ثم ضربت عليّ يدي فلم أطق النوم ولا القرار من شدة الألم، فقيل لي : اقطع كفّك فقطعته، وانتشر الألم إلى الساعد وآلمني ألماً شديداً ولم أطق القرار، وجعلت استغيث من شدة الألم فقيل لي : اقطعها إلى المرفق فقطعتها، فانتشر الألم إلى العضد وضربت عليّ عضدي أشد من الألم الأول، فقيل : اقطع يدك من كتفك وإلا سرى إلى جسدك كله فقطعتها .
فقال لي بعض الناس : ما سبب ألمك ؟ فذكرت قصة السمكة، فقال لي : لو كنت رجعت في أول ما أصابك الألم إلى صاحب السمكة واستحللت منه وأرضيته لما قطعت من أعضائك عضواً، فاذهب الآن إليه واطلب رضاه قبل أن يصل الألم إلى بدنك، قال : فلم أزل أطلبه في البلد حتى وجدته، فوقعت على رجليه أقبلها وأبكي وقلت له : يا سيدي سألتك بالله ألا عفوت عني ؟ فقال لي : ومن أنت ؟ قلت : أنا الذي أخذت منك السمكة غصباً، وذكرت ما جرى وأريْته يدي فبكى حين رآها ثم قال : يا أخي قد أحْللتك منها لما قد رأيته بك من هذا البلاء .(1/11)
فقلت : يا سيدي بالله هل كنت قد دعوْت عليّ لما أخذتها ؟ قال : نعم . قلت : اللهم إن هذا تقوّى عليّ بقوّته على ضعفي على ما رزقتني ظلماً فأرني قدرتك فيه .
فقلت : يا سيدي قد أراك الله قدرته فيَّ وأنا تائب إلى الله عز وجل عما كنت عليه من خدمة الظلمة ولا عُدت أقف لهم على باب ولا أكون من أعوانهم ما دمت حياً إن شاء الله .(1)
قال بعض العارفين : رأيت في المنام رجلاً ممن يخدم الظلمة والمكاسين(2)بعد موته بمدة في حالة قبيحة فقلت له : ما حالك ؟ قال : شرّ حال . فقلت : إلى أين صرت ؟ قال : إلى عذاب الله . قلت: فما حال الظلمة عنده ؟ قال : شرّ حال . أما سمعت قول الله عز وجل : { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } .
ومن سريع عقوبات الظلمة أنه اختصم اثنان عند قاض من القضاة وكان أحدهما ظالماً لصاحبه، وقد قضى القاضي للظالم فرفع المظلوم رأسه إلى السماء ودعا على خصمه فما شعر إلا والخصم قد ثَقُل عليه من جانبه فظنه يتكئ عليه فأراد أن يزيحه عنه وإذا هو ميت.
ومنذ ما يقارب أربعين سنة ناظر أحد العلماء ملحداً منكراً لوجود الله، وفي أثناء المناظرة قال الملحد : إن كان لهذا الكون خالق فليقبض روحي الآن، فما استتم كلامه حتى سقط جثة هامدة والعالِمُ ينظر .
فسبحان من لا يقْدر الخلق قدْره ... ومَن هو فوق العرش فردٌ مُوَحَّدُ
قاصم الجبابرة ومُذلّ المستكبرين ، والرب سبحانه قد يعجل العقوبة للطغاة وقد يؤخرها لحكم لا يحيط بها العباد .
جَزاءُ الفُسُوقِ
__________
(1) الكبائر للذهبي، ص113 .
(2) المكس هو : الجمرك .(1/12)
قال ابن الجوزي : ( ما زلت أسمع عن جماعة من الأكابر وأرباب المناصب أنهم يشربون الخمور ويفسقون ويظلمون ويفعلون أشياء توجب الحدود، فبقيت أتفكر أقول : متى يثبت على مثل هؤلاء ما يوجب حداً ؟ ولو ثبت فمن يُقيمه ؟ واستبعد هذا في العادة لأنهم في مقام احترام لأجل مناصبهم ، فبقيت أتفكر في تعطيل الحد الواجب عليهم حتى رأيناهم قد نُكبوا وأُخذوا مرات ومرَّت عليهم العجائب ، فقوبل ظلمهم بأخذ أموالهم، وأُخذت منهم الحدود مضاعفة بعد الحبس الطويل والقيد الثقيل والذل العظيم ، وفيهم من قُتل بعد ملاقاة كل شدة، فعلمت أنه ما يهمل شيء، فالحذر الحذر فإن العقوبة بالمرصاد ) .
وقد ذكر ابن كثير في ( تاريخه 4/65 ) عن الليث بن سعد قال : ( بلغني أن زيد بن حارثة استأجر من رجل بغلاً من الطائف واشترط عليه المكري أن يُنزله حيث شاء فمال به إلى خربة فإذا بها قتلى كثيرة، فلما هَمَّ بقتله قال له زيد : دعني حتى أصلى ركعتين، قال : صل ركعتين فطالماً صلى هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شيئاً، قال : ثم جاء ليقتلني فقلت : يا أرحم الراحمين فإذا صارخ يقول : لا تقتله . فهاب وذهب ينظر فلم ير شيئاً، ثم جاء ليقتلني فقلت : يا أرحم الراحمين، فسمع أيضاً الصوت يقول : لا تقتله، فذهب لينظر، ثم جاء فقلت : يا أرحم الراحمين فإذا أنا بفارس على فرس في يده حربة في رأسها شعلة من نار فطعنه بها حتى أنفذه فوقع ميتاً، ثم قال : لما دعوت الله في المرة الأولى كنت في السماء السابعة ، ولما دعوته في المرة الثانية كنت في السماء الدنيا، ولما دعوته في الثالثة أتيتك ) انتهى .
وكنت كتبت في هذا الموضوع سابقاً نصيحة عنوانها قوله تعالى : { وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ } ،مع أبيات نظمتها في هذا الشأن أضيفها هنا ، وكذلك أضفت كلاماً آخراً كتبته سابقاً مع أبيات نظمتها في الموضوع :
{ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ }(1/13)
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد ..
فقد بلغني بعض ما يقال في الله تعالى وفي القرآن والدين من السخرية والاستهزاء ( !! ) وإنَّ هذا لأعظم وأخطر من أن يُعبِّر عنه مقال ! .
وإنما نقول كما قال ربنا سبحانه وبحمده : { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً } . ونقول كما قال سبحانه : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } ونقول : { سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } .
وفي الصحيحين – واللفظ لمسلم – من حديث عبد الله بن عمر أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول : أنا الملك . أين الجبارون . أين المتكبرون ؟ ! ) .
وفي الصحيحين أيضاً أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبيّن فيها يزلّ ـ أي يهوي ـ في النار أبْعَد ما بين المشرق والمغرب ) فقال له معاذ بن جبل : ( يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم ؟ فقال : ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ! ) .
وهذه أبيات نظمتها بياناً لأقوال وأفعال صدرت ممن طغى ونسي عظمة المولى :
ترحّل الخوفُ من قلبٍ به رانُ ... فحلَّ فيه من الطغيان ألوانُ
ترحل الخوف من قلب به مرضٌ ... من الذنوبِ فصار القلبُ هيمان
من كان يطلب زنديقاً ليعرفه ... فدونه ساخرٌ بالله شيطانُ
فليس يعرف خوف الله مُجْتَرءٌ ... على العظيم وكم للشر أركانُ
نسيت ربك يا مغرور من سَفَهِ ... وضاع منك بذا النسيان إيمانُ
علامة الزيغ ما ترضى به عوضاً ... من الجليل وقد خانتك أعونُ
أمؤمن ساخر بالله ما اجتمعا ... متى تصاحَبَ إيمانٌ وكفرانُ ؟ !!(1/14)
من قال في الله أو في الدين سُخْرِيَةٌ ... فإنما هو والشيطان إخوانُ
هذا يقول : خراً في الله لعنتنا(1) ... عليه ليس ورى ما قال طغيانُ !
كيف استطاع على قول وأخرجه ... من فِيهِ وهو قرينُ الضعف إنسانُ
تراه يعرف جباراً لهيبته ... دُكّتْ جبالٌ وللأكوانِ إذاعانُ
تراه يعرف ربّ العرشِ خالقَه ... ومن يقول بهذا القول شيطانُ !
حتى كلام إله الخلق يجعله(2) ... مثل الخراء تعالى الله رحمنُ
تقدّس اللهُ إنْ زنديق يكْفُره ... فإنه الملك القدوس دَيّانُ
تقدّس الله أملاكٌ تئطَ لها ... سبع الطباق وكم في الأرض جُعْلانُ
الجُعْل أَطْيب مِمَّنْ سَبّ خالقَنا ... وكلُّ راضٍ بهذا السبِّ معوانُ
عليه لعنةُ ربِّ العرش دائمة ... فإنَّه الرجسُ قد أرداه طغيانُ
وآخرٌ يقرأُ القرآنَ يخلطه(3) ... مع الغناءٍ وللشيطان أقرانُ !
وكيف يجمع قول الله خالقه(4) ... مع الغناء وإن الفسق ألوانُ !
أكمل غنائي بالآيات يقرؤها ... ما طَمَّ واد ولكن طمّ وديانُ !
وآخرٌ منهمو صلَّى بأغنيةٍ(5) ... صلى يغني وما في القلب فرقانُ !
ولاعبُ الكُرَةِ الآيات يجعلها(6) ... ميعاد لعبته والعقل حيرانُ !
وغير ذلك لا يُحصى له عددٌ ... وإنما مَوْعد الطاغين ديّانُ
إن القيامة ميعادٌ وليس له ... خُلْفٌ من الله لَوْ غرّتك أزمانُ
أين القرون التي كانت مُعَمَرةً ... في الأرض تعمرها زرع وبنيانُ
رُكونهم كان للدنيا وزخرفها ... والهُزْءُ منهم بدين الله ألوانُ
أتاهمو أمرُ جبارٍ أبادهمو ... كأنهم في القرى بالأمس ما كانوا
وسنةُ الله لا تبديل يصرفها ... عَنِ الطغاةِ إذا ما زاد طغيانُ !
صورة قبيحة في مجلة يزعمون أنها صورة الله
__________
(1) زنديق يقول : إخرء بربك !! .
(2) زنديق يقول : القرآن خرا !! .
(3) شاب زائغ يقرأ القرآن ويغني .
(4) شاب زائغ يغني ثم يسكت ويقول لصاحبه : أكمل الآية ! .
(5) شاب زائغ سُمع يغني وهو يصلي ! .
(6) لاعب كرة تلاحى مع ضدّ له في الكرة كلاهما يدّعي أنه غالب فقال أحدهما : ( موعدكم يوم الزينة) ! .(1/15)
إن من زعم أن صورة بشر قبيحة هي صورة الإله الحق فقد ارتكب إثماً كبيراً وجرماً خطيراً وكفراً شنيعاً : { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } ولاشك أن هذا تقديم للدجال اللعين الذي يَدَّعي دعوى تلعنه من أجلها السموات والأرض ، والذي قد قرب أوان خروجه .
إنها جرأة فريدة من نوعها يستحق فاعلها من الدجال المنتظر ومن الآمر بها المُنْظَر أرفع المراتب الدجالية الإبليسية فهنيئاً .
قال تعالى : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } .
تأمل هذه الآية العظيمة وما ورد في تفسيرها من الأحاديث والآثار، وقد ذكرت بعض ذلك في كتاب : ( معرفة الكبير المتعال بالعظمة والجلال والجمال ).
فالرب سبحانه أكبر من كل شيء وليس يماثله ويشابهه شيء ، ومن معاني اسمه الكبير أنه لا تسعه السموات والأرض ، ولذلك لا يُرى إلا من فوق وذلك في الآخرة ، ولا يُرى في الدنيا ، وهو سبحانه ( شديد المحال ) أي شديد القوة شديد الأخذ قال ابن كثير في قوله تعالى : { وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ } أي يرسلها نقمة ينتقم بها ممن يشاء ولهذا تكثر في آخر الزمان كما قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن مصعب حدثنا عمارة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل القوم فيقول : من صعق قِبَلكم الغداة ؟ فيقولون : صعق فلان وفلان وفلان) وقد قال تعالى : { وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ } . قال ابن كثير : ( أي قد أوقعنا نقمنا بالأمم الخالية وجعلناهم عبرة وعظة لمن اتعظ بهم ) .(1/16)
ولقد شاع وذاع تصوير صورة بشرية كريهة يزعم صاحبها أنها صورة الله ـ قاتله الله ـ وصور أخرى للأنبياء ـ عليهم السلام ـ بزعمه وتكررت صورة عيسى المزعومة مع أمه مراراً كثيرة ومنها صورة له بزعمهم وهو يُنزل من الصليب وصورة وهو يُدفن وقد قال تعالى : { بل رفعه الله إليه } وهو حَيٌّ في السماء الثانية وهو نازل لا محالة وقد قرب نزوله لِيُكذّب أعداء الله تعالى من اليهود والنصارى وأذنابهم .
كذلك شاعت السخرية بالإله سبحانه وإطلاق ألفاظ خبيثة لا تصدر إلا من زنادقة فبعضهم يقول : كم رقم تليفون الله !! .
وبعضهم يقول : الله والشيطان وجهان لعملة واحدة !! ، يعني لا فرق بين الله والشيطان !، قاتله الله ، وتعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً .
قال تعالى : { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً } .
وقد ورد في الحديث الصحيح أن العبد يتكلم بالكلمة لا يلقى لها بالاً وهي من سخط الله يهوي بها في جهنم كذا وكذا ، وضد ذلك .
فتأمل الآثار العظيمة والعواقب الكبيرة في الثواب والعقاب على كلام يقوله قائله لا يلقي له بالاً ولا يظن أو يخطر بباله أن يبلغ ما بلغ، فنعوذ بالله من عمى القلوب .
والحذر من عقوبات قد تُعَجّل، وما حادثة تمزيق المصحف(1)عنا ببعيد، وقد قال تعالى : { وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً } ويقول سبحانه وفي وصف من غلبت عليه الشقوة : { وَمَا تُغْنِي الآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ } .
تبت يداكَ مصورٌ زنديقُ !
تبّتْ يداكَ مصورٌ زنديقُ ... شلَّتْ يداك وشَبَّ فيك حريقُ !
أتصوِّر الرحمنَ جلَّ جلالُه ... لا شك أنت مُدَجّل مخْريقُ
لو كنت تعرف ربنا سبحانه ... لرأيت أن الكوْنَ فيكَ يضيقُ
كيف اجترأت على الجليل وإنما ... دأْب العُتاة عن السبيل مُروقُ
__________
(1) في تركيا مُزّق المصحف تحت أقدام الراقصات فأُخذوا بالعذاب وهلكوا .(1/17)
إن القلوب إذا ترحّل خوفها ... لم يبق فيها للضلال مُعِيقُ
الله أكبر هل عرفت إلهَنا ... أم أن قبلك في الضلال غريقُ
فوق السماء مليكنا سبحانه ... ما للنقائص بالعظيم لحوقُ
والحجْب تحجب نوره عن خلقه ... أبصارهم للنور ليس تُطيقُ
نور الجلال مع الجمال كلاهما ... وصف الجليل على الخيال يفوقُ
سبحانه وبحمده لا مثله ... شيء يكون بذا الكمال حقيقُ
يطوي السماءَ وأرضُه مقبوضة ... والكوْن كان بأمره مخلوقُ
سبحان ربي إنّ سُخْرِيةً به ... كفر غليظٌ دَرْبه محروقُ
ما اجتازه إلا وريثُ زنادقٍ ... حُمُرٌ تتابعُ والدليل نهيقُ
لابُدّ للدجال قُرْبَ خروجهِ ... من توطِئات سُبْلها مطروقُ
لِيَهون شأن الله عند منافقٍ ... والمؤمنون ينالهم توفيقُ
سخريةٌ بالله تَقْدُمةً له ... وهو الكذوب وأمره تلفيقُ
بُشراكَ دجال بقومٍ دَجّلوا ... سخروا بربي كي تزول فروقُ
دعواك صادقة وأمركَ نافذٌ ... والرب يظهر في الدُّنى مرموقُ
والأنبياءُ يُصَوَّرون تمسْخراً ... وابن البتول معلقٌ مشنوقُ
وكأنّ إخوانَ القرود تمكّنوا ... من صلبه وهلاكه تحقيقُ
والله رافعُه إليهِ وإنما ... قدْ حَان وقت نزوله تصديقُ
صُورٌ تهزّ كيانَ عبدٍ مؤمنٍ ... سوق النفاق لهنّ فيه نفوقُ
الساخرون بربنا وبدينِهِ ... والأنبياء .. بدينهم تمزيقُ
اقرأ بسورة توبة متفكراً ... آيات فَضْحٍ خافها الزنديقُ
لا تأمننّ من النفاق فإنه ... داءٌ يخاف بلائه الصِّدِّيقُ
فاروقنا خاف النفاقَ وغيرُهُ ... ما خاف منه ودينه مخروقُ
سبحان ربي عَدَّ ما في كَوْنِهِ ... مما يكون بأمره مخلوقُ
وله المحامد كلها سبحانه ... حمدا على حمد العباد يفوقُ
سبحان ذي الملكوت جل جلالُه ... عن كلِّ وصفٍ ليس فيه يليقُ
الساخرون بربنا نُواب مَنْ ... ترك السجود وبئس ذاك رفيقُ
وكُلاؤه سفراؤه أحبابه ... بعداً لهم بعداً مداه سحيقُ
كم من جهول ليس يعرف ربه ... بالجهل صار مع الضلال عريقُ
يغتر في علم يزيد بجهله ... عِلْمُ الرسول تراه فيه يضيقُ
الاكتفاء به يراه نقيصةً ... والنقص فيه موثق توثيقُ(1/18)
بل كل عيب فيه بادٍ ظاهر ... وحجاب جهل الجاهلين صفيقُ
كم قائل قولاً وليس بباله ... يهوي بنار دأبها التحريقُ
سبحان ربي ليس يشبه خلقه ... وبذا أتانا الصادق المصدوقُ
ولقد شاع في التلفزيون الإبليسي منظر بذرة الفاصوليا التي تخرج شجرة ترتفع في السماء وفوق ذلك صورة ضخمة فظيعة ، لما سُئل كثير من الأطفال الذي يشاهدون هذا المنظر الدجالي الإبليسي أجابوا : هذا الله !! ، ولقد قَرَّتْ عينُ إبليس بهذه العظائم ، تعالى الله عن إفك الأفاكين ـ وهذا هو المراد من هذه المخرقة ـ قال تعالى : { وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } وهذا نور جلاله وجماله وعظمته وذلك إذا جاء يوم القيامة .
وسبق وأن أُلْقيتْ قصيدة في تلفزيون الكويت يقول فيها الزنديق : ( ملَلْنا ربنا فلْنجَرِّب ربًّا غيره ) ! ؛هؤلاء المسوخ لا يعرفون الله إلا باسمه ، صم بكم عمي ـ قطع الله دابرهم ـ ! .
والحمد لله رب العالمين .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
كتبه / عبد الكريم بن صالح الحميد
بريدة ـ 29 / 3 / 1424(1/19)