أوصاني خليلي
أبو يوسف محمد زايد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الملك الحق المبين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد الأمين ،وعلى آله المطهرين وصحابته الطيبين ، وكل من آمن به وأحبه واتبع هداه إلى يوم الدين ...
أما بعد ، فهذا كتاب حاولت - مستعينا بالله - أن أجمع فيه جملة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتي بدأها الرواة من صحبه الكرام رضي الله عنهم بالكلمة العذبة : أوصاني خليلي ، وكان العمل فيه وفق هذه الخطة :
1 - كتابة الحديث وتخريجه ، قدر المستطاع...
2 - نبذة مختصرة عن الراوي ...
3 - شرح الحديث استنادا إلى : فتح الباري لابن حجر ، شرح النووي لصحيح مسلم ، فيض القدير للمناوي، عون المعبود ، تحفة الأحوذي ... وغيرها من الكتب ...
4 - تفسير الآيات معتمدا على ابن كثير ، القرطبي ، السعدي ، وغيرهم ...
5- ختم كل وصية بمختارات من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لها علاقة بما جاء في الوصية ...(1/1)
تبيه أولي : وأما قول الصحابي : أوصاني خليلي... أو قال خليلي... سمعت خليلي...، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وأن عليا رضي الله عنه قال لأبي هريرة رضي الله عنه : متى كان خليلك ؟ فإن ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث قال : فإن الخلة بمعنى المصادقة والمصافاة وهي درجتان : إحداهما ألطف من الاخرى ... فمن الخلة التي هي أخص قول الله تعالى :( وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) ( (النساء : 125 ) ؛ وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو كنت متخذا من هذه الامة خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ) يريد لاتخذته خليلا كما اتخذ الله إبراهيم خليلا....وأما الخلة التي تعم فهي الخلة التي جعلها الله بين المؤمنين فقال: ( الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ( (الزخرف : 67 ) ... فلما سمع علي أبا هريرة يقول: قال خليلي وسمعت خليلي وكان سيء الرأي فيه، قال : متى كان خليلك ؟ يذهب إلى الخلة التي لم يتخذ رسول الله صلىالله عليه وسلم من جهتها خليلا ، وأنه لو فعل ذلك بأحد لفعله بأبي بكر رضي الله عنه . وذهب أبو هريرة إلى الخلة التي جعلها الله بين المؤمنين والولاية فإن رسول الله صلىالله عليه وسلم من هذه الجهة خليل كل مؤمن وولي كل مسلم ...
قلت : بل هو صلى الله عليه وسلم أولى منهم بأنفسهم ، كما قال تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (الأحزاب : 6 )... ومحبته يجب أن تعلو كلَّ المحاب وإلا لن يكتمل الإيمان ولن يحسن الإتباع ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين .= متفق عليه = وأقسم على ذلك في رواية للبخاري ، قال: و الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده ....
+ ويأتي ضمن الكتاب -إن شاء الله تعالى - قولُ ابن حجر العسقلاني مفصلا فيما يتعلق بالخلة ....(1/2)
***** اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما تنفعنا به ؛ إنك أنت العليم الحكيم . *****
أوصاني خليلي 1
1- حدثنا مسلم بن إبراهيم : أخبرنا شعبة : حدثنا عباس الجريري، وهو ابن فروخ، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أوصاني خليلي بثلاث، لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر.
رواه البخاري في أبواب التطوع - باب: صلاة الضحى في الحضر....* -وفي -كتاب الصوم - باب :صيام ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة... ومتنه : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: (صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام).
2- وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها- باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمان ركعات وأوسطها أربع ركعات أو ست، والحث على المحافظة عليها ..حدثنا شيبان بن فروخ. حدثنا عبدالوارث. حدثنا أبو التياح. حدثني أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة؛ قال:أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر. وركعتي الضحى. وأن أوتر قبل أن أرقد...وفي رواية أخرى، قال:أوصاني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بثلاث ...فذكَرهن.
+ وفي رواية له قال ( حبيبي ) بدل ( خليلي ) : وحدثني هارون بن عبد الله ومحمد بن رافع قالا حدثنا بن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبي مرة مولى أم هانئ عن أبي الدرداء قال : (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث لن أدعهن ما عشت: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وصلاة الضحى ، وبأن لا أنام حتى أوتر .
وحديث أبي هريرة هذا أخرجه :(1/3)
* أبو داود ، في كتاب الصلاة - باب في الوتر قبل النوم ومتنه : أوصاني خليلي صلى اللّه عليه وسلم بثلاث لا أدعهنَّ في سفرٍ ولا حضر: ركعتي الضحى، وصوم ثلاثة أيام من الشهر، وأن لا أنام إلا على وتر. وفي رواية له : عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أن لا أنام إلا على وتر وصوم ثلاثة أيام من كل شهر وأن أصلي الضحى
* النسائي ، في كتاب قيام الليل وتطوع النهار باب الحث على الوتر قبل النوم : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث النوم على وتر وصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتين الضحى....وفي رواية أخرى: أوصاني صلى الله عليه وسلم بثلاث الوتر أول الليل وركعتي الفجر وصوم ثلاثة أيام من كل شهر
+ وفي رواية له في المجتبى من حديث أبي ذر ( حبيبي ) بدل ( خليلي ) : قال : (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة لا أدعهن إن شاء الله تعالى أبدا أوصاني بصلاة الضحى وبالوتر قبل النوم وبصيام ثلاثة أيام من كل شهر
* البيهقي ، فيكتاب الصلاة -باب الاختيار في وقت الوتر وما ورد من الاحتياط في ذلك ومتنه : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أرقد ...
* الدارمي في كتاب الصلاة * باب صلاة الضحى ومتنه : أوصاني خليلي بثلاث لا ادعهن حتى اموت: الوتر قبل أن أنام وصوم ثلاثة أيام من كل شهر ومن الضحى ركعتين - .. وفي كتاب الصوم - باب في صوم ثلاثة أيام من كل شهر : أوصاني خليلي بثلاث لست بتاركهن: أن لا أنام إلا على وتر وأن أصوم ثلاث أيام من كل شهر وأن لا أدع ركعتي الضحى...
وفي مسند أحمد : حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا هشيم واسمعيل بن إبراهيم عن يونس عن الحسن عن أبي هريرة قال
-أوصاني خليلي بثلاث قال هشيم فلا أدعهن حتى أموت بالوتر قبل النوم وصيام ثلاثة أيام من كل شهر والغسل يوم الجمعة.(1/4)
كما روى هذا الحديث كل من : ابن حبان ، وابن أبي شيبة ، وابن خزيمة ، وأ بي يعلى ، وابن راهويه ، ....
وورد هذا الحديث من رواية أبي الدرداء ، وأبي ذر رضي الله عنهما :
1** روى مسلم - في كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمان ركعات وأوسطها أربع ركعات أو ست، والحث على المحافظة عليها
...وحدثني هارون بن عبدالله ومحمد بن رافع. قالا: حدثنا ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان، عن إبراهيم بن عبدالله بن حنين، عن أبي مرة مولى أم هانئ، عن أبي الدرداء؛ قال:أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث. لن أدعهن ما عشت: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر. وصلاة الضحى. وبأن لا أنام حتى أوتر.
*** وفي سنن أبي داود في كتاب الصلاة - باب في الوتر قبل النوم...حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ثنا أبو اليمان عن صفوان بن عمرو عن أبي إدريس السكوني عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء قال : (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن لشيء أوصاني بصيام ثلاثة أيام من كل شهر ولا أنام إلا على وتر وبسبحة الضحى في الحضر والسفر).
*** وفي مسند أحمد : ...( أوصاني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه و سلم بثلاث لا أدعهن لشيء ، أوصاني بثلاثة أيام من كل شهر و أن لا أنام إلا على وتر و سبحة الضحى في الحضر و السفر .).
+ حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا محمد بن فضيل ، ثنا يزيد بن أبي زياد ، حدثني من سمع أبي هريرة يقول : (أوصاني خليلي بثلاث ، و نهاني ، عن ثلاث : أوصاني بالوتر قبل النوم ، و صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، و ركعتي الضحى ، قال : و نهاني عن الالتفات ، و إقعاء كإقعاء القرد ، و نقر كنقر الديك .).(1/5)
2 ** حدثنا علي بن حجر السعدي ، نا إسماعيل - يعني ابن جعفر - نا محمد - وهو ابن أبي حرملة - عن عطاء بن يسار عن أبي ذر ،قال : (أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن إن شاء الله أبدا ، أوصاني بصلاة الضحى ، وبالوتر قبل النوم، وبصوم ثلاثة أيام من كل شهر .)أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة - باب الوصية والمحافظة على صلاة الضحى...وفيكتاب الصيام- باب الأمر بصوم ثلاثة أيام من كل شهر استحباباً لا إيجاباً...
+ وفي رواية في المسند ( حبي ) بدل ( جليلي ) : حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سليمان بن داود الهاشمي أنا إسماعيل ـ يعني ابن جعفر ـ أخبرني محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار عن أبي ذر قال : : (أوصاني حبي بثلاث لا أدعهن إن شاء الله أبداً ، أوصاني بصلاة الضحى ، وبالوتر قبل النوم ، وبصام ثلاثة أيام من كل شهر..
*** ورواه ابن خزيمة -في كتاب الصلاة باب الأمر بصوم ثلاثة أيام من كل شهر استحبابا لا إيجابا .. حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل بن جعفر حدثنا محمد وهو بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار عن أبي ذر قال: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن إن شاء الله أبدا أوصاني بصلاة الضحى وبالوتر قبل النوم وبصوم ثلاثة أيام من كل شهر ...
الرواة ( عن المكتبة الشاملة -ص 2 )
1- أبو هريرة
الاسم : أبو هريرة الدوسى اليمانى ( حافظ الصحابة ،)
الطبقة : 1 : صحابى
الوفاة : 57 هـ
روى له :( البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه - ...)
رتبته عند ابن حجر : صحابى
رتبته عند الذهبي : صحابى ، كان حافظا متثبتا ذكيا مفتيا ، صاحب صيام و قيام ...
2- أبو الدرداء
الاسم : عويمر بن زيد أو مالك أو عامر أو ثعلبة أو عبد الله ، ابن قيس الأنصارى ، أبو الدرداء الخزرجى ، و قيل اسمه عامر و عويمر لقب
الطبقة : 1 : صحابى
الوفاة : 32 هـ ، و قيل : بعدها
روى له :( البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه )(1/6)
رتبته عند ابن حجر : صحابى جليل
رتبته عند الذهبي : صحابى ( قال : أسلم عقيب بدر ، فرض له عمر فأعقبه بالبدريين لجلالته ) ...
3- أبو ذر
الاسم : أبو ذر الغفارى ، اسمه جندب بن جنادة ( على الأصح ، اختلف فى اسمه و اسم أبيه خلافا كثيرا ، و هو أخو عمرو بن عبسة لأمه )
الطبقة : 1 : صحابى
الوفاة : 32 هـ بـ الربذة
روى له :( البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه )
رتبته عند ابن حجر : صحابى
رتبته عند الذهبي : صحابى ( قال : قال النبى صلى الله عليه وسلم : " ما أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبى ذر " )...
شرح الحديث
قال ابن حجرالعسقلاني رحمه الله(1/7)
قوله - أي البخاري - باب صلاة الضحى في الحضر ، قاله عتبان بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يشير إلى ما رواه أحمد من طربق الزهري عن محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيته سبحة الضحى فقاموا وراءه فصلوا بصلاته .. أخرجه عن عثمان بن عمر عن يونس عنه وقد أخرجه مسلم من رواية بن وهب عن يونس مطولا لكن ليس فيه ذكر السبحة وكذلك أخرجه المصنف مطولا ومختصرا في مواضع وسيأتي بعد بابين ... قوله حدثنا عباس بالموحده والمهملة والجريري بضم الجيم قوله أوصاني خليلي الخليل الصديق الخالص الذي تخللت محبته القلب فصارت في خلاله أي في باطنه واختلف هل الخلة أرفع من المحبه أو بالعكس وقول أبي هريرة هذا لا يعارضه ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: لو كنت مختذا خليلا لاتخذت أبا بكر... لأن الممتنع أن يتخذ هو صلى الله عليه وسلم غيره خليلا لا العكس , ولا يقال أن المخالة لا تتم حتى تكون من الجانبين ، لأنا نقول إنما نظر الصحابي إلى أحد الجانبين فأطلق ذلك ، أو لعله أراد مجرد الصحبة أو المحبه...قوله بثلاث لا ادعهن حتى أموت يحتمل أن يكون قوله لا ادعهن الخ من جملة الوصية أي أوصاني أن لا ادعهن ويحتمل أن يكون من أخبار الصحابي بذلك عن نفسه... قوله صوم ثلاثة أيام بالخفض بدل من قوله بثلاث ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف... قوله من كل شهر الذي يظهر أن المراد بها البيض ... قوله وصلاة الضحى زاد أحمد في روايته كل يوم ...وفي الصيام من طريق أبي التياح عن أبي عثمان : وركعتي الضحى... قال بن دقيق العيد لعله ذكر الأقل الذي يوجد بالتاكيد بفعله، وفي هذا دلالة على استحباب صلاة الضحى وأن اقلها ركعتان وعدم مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها لا ينافي استحبابها لأنه حاصل بدلالة القول وليس من شرط الحكم أن تتضافر عليه أدلة القول والفعل ، لكن ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله(1/8)
مرجح على ما لم يواظب عليه... قوله ونوم على وتر ن في رواية أبي التياح وأن أوتر قبل أن أنام ، وفيه استحباب تقديم الوتر على النوم وذلك في حق من لم يثق بالاستيقاظ ويتناول من يصلي بين النومين ...وهذه الوصية لأبي هريرة ورد مثلها لأبي الدرداء فيما رواه مسلم ولأبي ذر فيما رواه النسائي ، والحكمه في الوصية على المحافظه على ذلك تمرين النفس على جنس الصلاة والصيام ليدخل في الواجب منهما بانشراح ولينجبر ما لعله يقع فيه من نقص ... ومن فوائد ركعتي الضحى أنها تجزئ عن الصدقة التي تصبح على مفاصل الإنسان في كل يوم وهي ثلاثمائة وستون مفصلا كما أخرجه مسلم من حديث أبي ذر ، وقال فيه : ويجزئ عن ذلك ركعتا الضحى... وحكى شيخنا الحافظ أبو الفضل بن الحسين في شرح الترمذي أنه اشتهر بين العوام أن من صلى الضحى ثم قطعها يعمى فصار كثير من الناس يتركونها أصلا لذلك وليس لما قالوه أصل بل الظاهر أنه مما ألقاه الشيطان على السنة العوام ليحرمهم الخير الكثير لا سيما ما وقع في حديث أبي ذر تنبيهان الأول اقتصر في الوصية للثلاثة المذكورين على الثلاثة المذكورة لأن الصلاة والصيام أشرف العبادات البدنيه ولم يكن المذكورون من أصحاب الأموال وخصت الصلاة بشيئين لأنها تقع ليلا ونهارا بخلاف الصيام ؛ الثاني ليس في حديث أبي هريرة تقييد بسفر ولا حضر والترجمه مختصه بالحضر لكن الحديث يتضمن الحضر لأن إرادة الحضر فيه ظاهرة وحمله على الحضر والسفر ممكن وأما حمله على السفر دون الحضر فبعيد لأن السفر مظنة التخفيف ....(1/9)
قلت : حديث أبي ذر رضي الله عنه الذي أشار إليه ابن حجر رحمه الله ، هو: يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ،فكل تسبيحة صدقة ،وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة ،وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة ، ويجزي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى - رواه مسلم والنسائي..وأبو داود ولفظه : يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقةن تسليمه على من لقي صدقة، وأمره بالمعروف صدقة ، ونهيه عن المنكر صدقة ، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وبضعه أهله صدقة ، ويجزي من ذلك كله ركعتان من الضحى... قالوا : يا رسول الله ، أحدنا يقضي شهوته وتكون له صدقة ؟ قال: أرأيت لو وضعها في غير حلها ألم يكن يأثم ...؟(1/10)
وقال ابن حجر رحمه الله : قوله حدثنا أبو معمر هو عبد الله بن عمرو والإسناد كله بصريون وأبو عثمان هو النهدي وقد روى عن أبي هريرة جماعة كل منهم أبو عثمان لكن لم يقع في البخاري حديث موصول من رواية أبي عثمان عن أبي هريرة الا من رواية النهدي وليس له عند البخاري سوى هذا وآخر في الأطعمة ووقع عند مسلم عن شيبان عن عبد الوارث بهذا الإسناد فقال فيه حدثني أبو عثمان النهدي وتقدم هذا الحديث في أبواب التطوع من طريق أخرى عن أبي عثمان النهدي وقد تقدم الكلام هناك على بقية فوائده ومما لم يتقدم منها ما نبه عليه أبو محمد بن أبي جمرة في قول أبي هريرة أوصاني خليلي قال في افراده بهذه الوصية إشارة إلى أن القدر الموصى به هو اللائق بحاله وفي قوله خليلي إشارة إلى موافقته له في إيثار الاشتغال بالعبادة على الاشتغال بالدنيا لأن أبا هريرة صبر على الجوع في ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في أوائل البيوع من حديثه حيث قال: أما إخواني فكان يشغلهم الصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم فشابه حال النبي صلى الله عليه وسلم في ايثاره الفقر على الغنى والعبودية على الملك ...قال ويؤخذ منه الافتخار بصحبة الأكابر إذا كان ذلك على معنى التحدث بالنعمة والشكر لله لا على وجه المباهاة والله أعلم ...وقال شيخنا في شرح الترمذي حاصل الخلاف في تعيين البيض تسعة أقوال أحدها لا تتعين بل يكره تعيينها وهذا عن مالك، والثاني أول ثلاثة من الشهر قاله الحسن البصري، والثالث أولها الثاني عشر،و الرابع أولها الثالث عشر،و الخامس أولها أول سبت من أول الشهر ثم من أول الثلاثاء من الشهر الذي يليه وهكذا وهو عن عائشة ، والسادس أول خميس ثم اثنين ثم خميس،و السابع أول اثنين ثم خميس ثم اثنين ،و الثامن أول يوم والعاشر والعشرون عن أبي الدرداء، التاسع أول كل عشر عن بن شعبان المالكي.. قلت بقي قول آخر وهو آخر ثلاثة من الشهر عن النخعي(1/11)
فتمت عشرة...
قلت : الحديث الذي أشار إليه ابن حجر رحمه الله ، هو: " وعنه- أي عن أبي هريرة رضي الله عنه - إنكم تقولون أكثر أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم والله الموعد وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم وكنت امرأ مسكينا ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوما لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئا أبدا فبسطت نمرة ليس علي ثوب غيرها حتى قضى النبي صلى الله عليه وسلم مقالته ثم جمعتها إلى صدري فوالذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا .( متفق عليه )
فائدة : في مسند أحمد ورد في الوصية غسل يوم الجمعة ،قال أبو هريرة رضي الله عنه :
-أوصاني خليلي بثلاث... قال هشيم فلا أدعهن حتى أموت : بالوتر قبل النوم وصيام ثلاثة أيام من كل شهر والغسل يوم الجمعة.
قال ابن كثير رحمه الله عند تفسير قول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة : 9 )(1/12)
ويستحب لمن جاء إلى الجمعة أن يغتسل قبل مجيئه إليها, لما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل" ولهما عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم" وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حق الله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام, يغسل رأسه وجسده" رواه مسلم, وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام غسل يوم وهو يوم الجمعة" رواه أحمد والنسائي وابن حبان. وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم, حدثنا ابن المبارك عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي الأشعث الصنعاني, عن أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب, ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ, كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها" وهذا الحديث له طرق وألفاظ, وقد أخرجه أهل السنن الأربعة وحسنه الترمذي, وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة, ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة, ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن, ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة, ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة, فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر" أخرجاه.ويستحب له أن يلبس أحسن ثيابه ويتنظف ويتسوك وينتظف ويتطهر. وفي حديث أبي سعيد المتقدم "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم والسواك وأن يمس من طيب أهله" وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب, حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق, حدثني محمد بن إبراهيم التيمي عن عمران بن أبي يحيى, عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبي أيوب الأنصاري: سمعت رسول(1/13)
الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب أهله إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع إن بداله ولم يؤذ أحداً, ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى" وفي سنن أبي داود وابن ماجه عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه, أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: "ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته" وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم الجمعة, فرأى عليهم ثياب النمار فقال: "ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته" رواه ابن ماجه.(1/14)
وقال القرطبي رحمه الله : أوجب الله السعي إلى الجمعة مطلقا من غير شرط. وثبت شرط الوضوء بالقرآن والسنة في جميع الصلوات؛ لقوله عز وجل: "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم" [المائدة: 6] الآية. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور). وأغربت طائفة فقالت: إن غسل الجمعة فرض. ابن العربي: وهذا باطل؛ لما روى النسائي وأبو داود في سننهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت. ومن اغتسل فالغسل أفضل). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من توضأ يوم الجمعة فأحسن الوضوء ثم راح إلى الجمعة فاستمع وأنصت غفر الله له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام. ومن مس الحصى فقد لغا) وهذا نص. وفي الموطأ: أن رجلا دخل يوم الجمعة وعمر بن الخطاب يخطب... - الحديث إلى أن قال: - ما زدت على أن توضأت، فقال عمر: والوضوء أيضا؟ وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل.؟ فأمر عمر بالغسل ولم يأمره بالرجوع ، فدل على أنه محمول على الاستحباب. فلم يمكن وقد تلبس بالفرض - وهو الحضور والإنصات للخطبة - أن يرجع عنه إلى السنة، وذلك بمحضر فحول الصحابة وكبار المهاجرين حوالي عمر، وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ...
قلت : حديث الموطأ في كتاب الجمعة - باب العمل في غسل يوم الجمعة ، هو : ... وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه قال دخل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد يوم الجمعة وعمر بن الخطاب يخطب فقال عمر: أية ساعة هذه ؟ فقال: يا أمير المؤمنين، انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت... فقال عمر: والوضوء أيضا ؟ وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل...؟
ونختم بذكر جملة من الأحاديث في فضل الوتر ورغيبة الفجر وغسل الجمعة وصوم ثلاثة أيام
من كل شهر وصلاة الضحى :(1/15)
1* الوتر...............
1- عن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله زادكم صلاة فحافظوا عليها وهي الوتر . رواه أحمد ، وقال الألباني : (صحيح) ؛ وعن معاذ ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: زادني ربي صلاة وهي الوتر وقتها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر .
2 - عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن ..رواه الترمذي ، وأخرجه ابن ماجه ..عن ابن مسعود ؛ قال الألباني : (حسن) ؛ وعند أبي داود : أوتروا يا أهل القرآن إن الله وتر يحب الوتر . قال الألباني : (صحيح)
3- عن أبي أيوب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الوتر حق على كل مسلم فمن شاء أوتر بسبع ومن شاء أوتر بخمس ومن شاء بثلاث ومن شاء أوتر بواحدة فمن غلب فليومئ إيماء .أخرجه السيوطي في جامعه وعزاه لأبيي داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم ؛ وقال الألباني : (صحيح)
4- عن ابن عمر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بادروا الصبح بالوتر . رواه مسلم والترمذي.
5- عن خارجة بن حذافة العدوي قال خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله قد أمدكم بصلاة لهى خير لكم من حمر النعم الوتر جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر... رواه ابن ماجه والترمذي.. .
6- عن الحسن بن علي قال : علمني جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم عافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت واهدني فيمن هديت وقني شر ما قضيت وبارك لي فيما أعطيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت سبحانك ربنا تباركت وتعاليت ...رواه ابن ماجه والترمذي....
7- عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر الوتر : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت نفسك. رواه ابن ماجه.(1/16)
8- عن أبي سعيد قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكره ... رواه ابن ماجه والترمذي....
9- عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه : رب أعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي واهدني ويسر الهدي لي وانصرني على من بغى علي رب اجعلني لك شكارا لك ذكارا لك رهابا لك مطيعا إليك مخبتا إليك أواها منيبا رب تقبل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي واهد قلبي وسدد لساني وثبت حجتي واسلل سخيمة قلبي... قال أبو الحسن الطنافسي قلت لوكيع أقوله في قنوت الوتر قال نعم . ... رواه ابن ماجه.
10- عن أبي بن كعب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر ب (سبح اسم ربك الأعلى) و ( قل يا أيها الكافرون ) و ( قل هو الله أحد ) = رواه النسائي و ابن ماجه ...وفي حديث آخر : كان يقرأ في الركعة الأولى ب (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة (قل هو الله أحد) والمعوذتين... رواه ابن ماجه. ومن أخرجه الترمذي من حديث ابن عباس ، ثم قال أبو عيسى: والذي اختاره أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد يقرأ في كل ركعة من ذلك بسورة..
11- وفي الترغيب والترهيب للمنذري ،عن جابر رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة محضورة وذلك أفضل... رواه مسلم والترمذي وابن ماجه وغيرهم...
*** اللهم وفقنا لقيام الليل تهجده ووتره ، واجعلنا من المستغفرين بالأسحار ***
2* رغيبة الفجر ..............(1/17)
1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على الركعتين قبل الصبح ... = رواه الشيخان وابو داود ...
2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين قبل صلاة الفجر حتى إني لأقول هل قرأ فيهما بأم القرآن ... =رواه ابو داود... والنسائي ،وفي رواية له عن حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي ركعتي الفجر ركعتين خفيفتين..
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر( قل يا أيها الكافرون) و ( قل هو الله أحد ) =رواه النسائي ... وفي رواية لابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين قبل الفجر وكان يقول: نعم السورتان هما يقرأ بهما في ركعتي الفجر ( قل هو الله أحد) و ( قل يأيها الكافرون )
4- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن كثيرا مما كان يقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركعتي الفجر ب ( آمنا بالله وما أنزل إلينا ) في الركعة الأولى، وفي الركعة الآخرة ب ( آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون) ؛ =رواه مسلم والنسائي وابن خزيمة.. وفي رواية أخري لمسلم : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْر{ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا } وَالَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ{ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ }
+ (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة : 136 )(1/18)
+ (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) (آل عمران : 52 )
+ (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران : 64 )
وروى أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ
{ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا }...فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَفِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى بِهَذِهِ الْآيَةِ { رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }
+ (قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (آل عمران : 84 )
+ (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران : 53 )
5- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على جنبه الأيمن . رواه أبو داود والترمذي وابن حبان ... وروى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها : كان إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن .(1/19)
6 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لم يصل ركعتي الفجر فليصلها بعد ما تطلع الشمس .... رواه أحمد والترمذي والحاكم.... وفي رواية لابن ماجه : أن النبي صلى الله عليه وسلم نام عن ركعتي الفجر فقضاهما بعد ما طلعت الشمس ... وفي سنن النسائي .. عن نافع بن جبير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سفر له: من يكلؤنا الليلة لا نرقد عن صلاة الصبح؟ قال بلال : أنا.. فاستقبل مطلع الشمس فضرب على آذانهم حتى أيقظهم حر الشمس فقاموا فقال: توضؤوا ... ثم أذن بلال فصلى ركعتين ، وصلوا ركعتي الفجر ، ثم صلوا الفجر ...
7 - عن عائشة رضي الله عنها قالت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ..أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي...وفي رواية لأبي عواة :" هما أحب إلي من جميع الدنيا " ورواه الترمذي وقال: وفي الباب عن علي وبن عمر وبن عباس، قال أبو عيسى حديث عائشة حديث حسن صحيح ...وأخرج ابن حبان والبيهقي وعبد الرزاق في مصنفه عن عائشة وأنس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ركعتا الفجر أحب إلي من الدنيا وما فيها ... وقال عبد الرزاق في مصنفه ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: هما أحب إلي من حمر النعم.. - وعن مهاجر بن القطبية قال : فاتت عبد الله بن أبي ربيعة ركعتا الفجر فأعتق رقبة.
8 - عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تدعوا ركعتي الفجر ، و إن طردتكم الخيل .)= رواه أحمد وأبو داود ... ومعنى طردتكم الخيل أي تبعتكم الخيل وكانت في أثركم والله أعلم .
9 - عن ابن عمر , قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تتركوا ركعتي الفجر , فإن فيهما الرغائب... = أخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده "(1/20)
? قال الكاساني في بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: وأقوى السنن ركعتا الفجر لورود الشرع بالترغيب فيهما ما لم يرد في غيرهما فإنه روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ... وعن ابن عباس في تأويل قوله تعالى { وإدبار النجوم } أنه ركعتا الفجر ...وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : صلوهما فإن فيهما الرغائب .
*** اللهم حبب إلينا السنن واجعلنا من أهل الفجر الراغبين فيما عندك ***
3* غسل الجمعة ..................
1- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ..= رواه مسلم. وأحمد
2 - قَالَ مَالِك في الموطأ : مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَ نَهَارِهِ وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْغُسْلَ لَا يَجْزِي عَنْهُ حَتَّى يَغْتَسِلَ لِرَوَاحِهِ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ قَالَ مَالِك وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُعَجِّلًا أَوْ مُؤَخِّرًا وَهُوَ يَنْوِي بِذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ فَأَصَابَهُ مَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْوُضُوءُ وَغُسْلُهُ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ...
3 - وأخرج أبو داود ... عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ رَوَاحٌ إِلَى الْجُمُعَةِ وَعَلَى كُلِّ مَنْ رَاحَ إِلَى الْجُمُعَةِ الْغُسْلُ ..قَالَ أَبُو دَاوُد إِذَا اغْتَسَلَ الرَّجُلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ أَجْنَبَ..(1/21)
4- وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه ...عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من الحق على المسلمين أن يغتسل أحدهم يوم الجمعة وأن يمس من طيب إن كان عند أهله فإن لم يكن عنده طيب فالماء له طيب ". وقال : حدثنا هشيم قال أخبرنا يونس عن الحسن ومغيرة وإبراهيم وعبد الملك عن عطاء أنهم قالوا إذا اغتسل الرجل يوم الجمعة بعد طلوع الفجر أجزاه من غسل الجمعة....
وحدثنا هشيم قال أخبرنا حبيب بن أبي العالية عن مجاهد مثل ذلك...وحدثنا وكيع عن معمر عن أبي جعفر قال إذا اغتسل بعد طلوع الفجر أجزاه من غسل يوم الجمعة... وعن عمر بن أبي مسلم قال كان بنو أخ عروة بن الزبير يغتسلون في الحمام يوم الجمعة فيقول عروة يا بني أخي إنما اغتسلتم في الحمام من الوسخ فاغتسلوا للجمعة... أي أن غسل الجمعة ليس للنظافة وحسب بل هو سنة.
5 - وروى ابن حبان في صحيحه عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " على كل مسلم في كل سبعة أيام غسل ، وهو يوم الجمعة "
6 - قال البيهقي في معرفة السنن والآثار : وأخبرنا أبو عبد الله قال : حدثنا أبو العباس قال : أخبرنا الربيع ، قال : قال الشافعي رحمه الله : " الغسل واجب لا يجزئ (1) غيره ، وواجب في الأخلاق ، وواجب في الاختيار والنظافة ، وفي تغير الريح عند اجتماع الناس ، كما يقول الرجل للرجل : وجب حقك ، إذا رأيتني موضعا لحاجتك ، وما أشبه هذا " وكان هذا أولى معنييه به لموافقة ظاهر القرآن في عموم الوضوء من الإحداث ، وخصوص الغسل من الجنابة ، والدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غسل الجمعة أيضا ...( ومعنى لا يجزئ : لا يكفي ولا يغني ولا يقضي )(1/22)
7 - روى الشيخان ... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْر...
8 - وروى البخاري... عن سَلْمَان الْفَارِسِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ ثُمَّ ادَّهَنَ أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ أَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى...
9 - وروى مسلم ... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ...(1/23)
10 - وروى أبو داود ... عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا...
11 - وروى أحمد وابن ماجه ... عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَحْسَنَ غُسْلَهُ وَتَطَهَّرَ فَأَحْسَنَ طُهُورَهُ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَلْغُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى..
12 - وفي رواية لأحمد ... عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ وَمَسَّ طِيبًا إِنْ كَانَ عِنْدَهُ ثُمَّ مَشَى إِلَى الْجُمُعَةِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَلَمْ يَتَخَطَّ أَحَدًا وَلَمْ يُؤْذِهِ وَرَكَعَ مَا قُضِيَ لَهُ ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ.
13 - وروى البيهقي في السنن الكبرى من اغتسل يوم الجمعة واستاك ولبس احسن ثيابه وتطيب بطيب ان وجده ثم جاء ولم يتخط رقاب الناس فصلى ما شاء الله ان يصلي فإذا خرج الامام سكت فذلك كفارة إلى الجمعة الاخرى *(1/24)
14 - وروى ... عن عبد الله بن أبي قتادة قال دخل علي أبي وأنا أغتسل يوم الجمعة فقال : غسلك من جنابة أو للجمعة ؟ قلت: من جنابة ...قال: أعد غسلا آخر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلى الجمعة الاخرى... وروى الحاكم هذا الحديثفي مستدركه وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
*** اللهم اجعلنا من التوابين ومن المتطهرين واجعلنا من أهل الجمع والجماعات ***
4* صوم ثلاثة أيام من كل شهر .....................
1- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْمَكِّيَّ وَكَانَ شَاعِرًا وَكَانَ لَا يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ وَنَفِهَتْ لَهُ النَّفْسُ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ قُلْتُ فَإِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى...رواه الشيخان ، ومتنه عند مسلم : إنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ وَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ وَنَهَكَتْ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ صَوْمُ الشَّهْرِ كُلِّهِ قُلْتُ فَإِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى ....(1/25)
2 - وروى الترمذي في سننه ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ قَال سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَامٍ يُحَدِّثُ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَال سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا صُمْتَ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ
وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَقُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ الْمُزَنِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي عَقْرَبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَقَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَجَرِيرٍ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ كَانَ كَمَنْ صَامَ الدَّهْرَ...
3- وروى النسائي في سننه ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يَصُومُ الدَّهْرَ قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يَطْعَمْ الدَّهْرَ.. قَالُوا: فَثُلُثَيْهِ.. قَالَ: أَكْثَرَ .. قَالُوا فَنِصْفَه..ُ قَالَ: أَكْثَر..َ ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ ؟ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ...(1/26)
4- وروى ... عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : شَهْرُ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ ...
5- وروى الدارمي في سننه ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :" صِيَامُ الْبِيضِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِفْطَارُهُ ".
6 - وروى أبو عوانة في مستحره ، حدثنا أبو أمية ، وإبراهيم بن مرزوق ، قالا : حدثنا روح بن عبادة ، عن حسين المعلم ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار ؟ " قلت : بلى ، قال : " فلا تفعل ، قم ونم ، وصم وأفطر ، فإن لجسدك عليك حقا ، وإنك عسى أن يطول بك عمر ، وإن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام ، بكل حسنة عشر أمثالها ، فذلك صوم الدهر كله " قال : فشددت ، فشدد علي ، قلت : إني أطيق أكثر من ذلك ، قال : " فصم صوم نبي الله داود " قلت : وما صوم نبي الله داود ؟ قال : " نصف الدهر " وبوب له قال : وفضيلة صوم ثلاثة أيام من كل شهر ، والدليل على أنه ليس لنصف الشهر في الصوم فضل على أوله وآخره ، وأنه إذا صام ثلاثة أيام من الشهر من أيه كان كتب به صيام الدهر...وأورد الحديث :
... عن معاذة العدوية ، قالت : قلت لعائشة : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثا من الشهر ؟ قالت : " نعم " قلت : من أي الشهر ؟ قالت : " كان لا يبالي من أيه صام "
7- وروى ابن حبان في صحيحيه ،... عن معاوية بن قرة ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " صوم ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وقيامه "(1/27)
8- وروى ابن خزيمة في صحيحه ،... عن أبي قتادة الأنصاري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر " " هذا لفظ حديث شعبة وفي حديث حماد بن زيد: " صوم ثلاثة أيام من كل شهر ، ورمضان إلى رمضان ، فهذا صيام الدهر كله " قال أبو بكر : أخبار أبي هريرة وعبد الله بن عمرو في هذا المعنى خرجته في كتاب الكبير قال : وفي خبر أبي سلمة ، عن عبد الله بن عمرو : " فإن كل حسنة بعشر أمثالها ؛ فإن ذاك صيام الدهر كله " ، وكذاك في خبر أبي عثمان ، عن أبي ذر قال : وتصديق ذلك في كتاب الله : ( مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) (الأنعام : 160 ) ...
9 - وفي رواية للترمذي ، حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ صَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ... فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ{ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا }..
*** اللهم اجعلنا من الذين قلت فيهم ***
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ
وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً
(الأحزاب : 35 )
5* صلاة الضحى ........................(1/28)
عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين ...( أبو داود )
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الضحى صلاة الأوابين . (الديلمي في مسند الفردوس - صححه اللباني )
3- عن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة النخاعة في المسجد تدفنها والشيء تنحيه عن الطريق فإن لم تقدر فركعتا الضحى تجزي عنك . (أحمد وأبو داود وابن حبان - صححه اللباني )
4- عن عائشة رضي الله عنها قالت :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله .( مسلم وأحمد) .
5- عن أنس رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ست ركعات . (الترمذي في الشمائل ؛ .-وقال الألباني :صحيح) .
6- عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صلى الضحى أربعا وقبل الأولى أربعا بني له بيت في الجنة . (الطبراني في الأوسط -حسنه الألباني ).
7- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب وهي صلاة الأوابين . (الحاكم - وقال الألباني : حسن ).
8- عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه رأى قوما يصلون من الضحى ، فقال :لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الأوابين حين ترمض الفصال .( مسلم ).(1/29)
9- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فغنموا وأسرعوا الرجعة ، فتحدث الناس بقرب مغزاهم وكثرة غنيمتهم وسرعة رجعتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أدلكم على أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة ؟ من توضأ ثم غدا إلى المسجد لسبحة الضحى فهو أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة ... رواه أحمد من رواية ابن لهيعة والطبراني بإسناد جيد.. (صحيح الترغيب والترهيب- وقال الألباني حسن صحيح )
10- عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يقول: يا ابن آدم اكفني أول النهار أربع ركعات أكفك بهن آخر يومك . (أحمد - وقال اللباني : صحيح). ...ومن رواية أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: يا ابن آدم صل لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره . (الترمذي - وقال الألباني : صحيح )...( وأخرج هذا الحديث أحمد من رواية أبي مرة الطائفي رضي الله عنه) ...........................................................................................اهـ.
? اللهم اجعلنا من الذين هم على صلواتهم يحافظون ?
++ أما الثلاث التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول أبي هريرة : ونهاني عن الالتفات ، وإقعاء كإقعاء القرد ، ونقر كنقر الديك .) فقد وردت فيها أحاديث،منها :
1 * ... وإن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت...( طرف من حديث : إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات ...= أخرجه المنذري وأورده الألباني في صحيح الترغيب والترهيب من رواية الحارث الأشعري رضي الله عنه )(1/30)
2* ... وعن أبي ذر رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه انصرف عنه... = رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وصححه... وقال الألباني : ( حسن لغيره )
3* ... عن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقعاء في الصلاة .= رواه الحاكم والبيهقي، وقال الألباني :(صحيح)
4* ...عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقعاء والتورك في الصلاة . = رواه أحمد والبيهقي، وقال الألباني :(صحيح)
5* ... عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : . يا علي لا تقع إقعاء الكلب .= رواه ابن ماجه ، وقال الألباني : (حسن)
6* ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث ونهاني عن ثلاث نهاني عن نقرة كنقرة الديك وإقعاء كإقعاء الكلب والتفات كالتفات الثعلب .= رواه أحمد وأبو يعلى وإسناد أحمد حسن ؛ ورواه ابن أبي شيبة وقال كإقعاء القرد مكان الكلب.. وقال الألباني : ( حسن لغيره )
7* ... عن أبي هريرة قال : (نهاني خليلي عن ثلاث، وأمرني بثلاث : نهاني أن أنقر نقر الديك ، وأن ألتفت التفات الثعلب ، أو أقعي إقعاء السبع. وأمرني بالوتر قبل النوم ، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، وصلاة الضحى.).= رواه أبو يعلى الموصلي.
8* ... عن قتادة قال : (إذا صلى أحدكم فلا يقعين إقعاء الكلب .).= عبد الرزاق في مصنفه.
9* ... عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : : (أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم بثلاث و نهاني عن ثلاث : أمرني بصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، و أن لا أنام إلا على وتر ، و ركعتي الأضحى ، و نهاني عن الالتفات في الصلاة التفات الثعلب ، و أقعي إقعاء القرد ، و أنقر نقر الديك .). البيهقي في سننه الكبرى..(1/31)
+ وقال البيهقي : أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد أنبأ أبو الحسن أحمد بن عثمان بن جعفر المقرئ ثنا محمد بن علي الوزان ثنا معاوية بن عمرو ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال : : (قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا علي لا تقع إقعاء الكلب، قال فيه : ولا تقع بين السجدتين ... الحارث الأعور لا يحتج به . وكذلك ليث بن أبي سليم . وحديث ابن عباس و ابن عمر صحيح .. و قد أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنبأ أبو الحسن الكارزي أنبأ علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد أنه حكى عن أبي عبيدة أنه قال : الإقعاء هو أن يلصق أليتيه بالأرض و ينتصب على ساقيه و يضع يديه بالأرض . وقال في موضع آخر : الإقعاء جلوس الإنسان على أليتيه ناصباً فخذيه مثل إقعاء الكلب و السبع ...قال الشيخ و هذا النوع من الإقعاء غير ما روينا عن ابن عباس و ابن عمر ، و هذا منهي عنه . و ما روينا عن ابن عباس و ابن عمر مسنون . و أما حديث أبي الجوزاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان ينهى عن عقب الشيطان ، وكان يفرش رجله اليسرى و ينصب رجله اليمنى . فيحتمل أن يكون وارداً في الجلوس للتشهد الأخير ، فلا يكون منافياً لما روينا عن ابن عباس و ابن عمر في الجلوس بين السجدتين . و الله أعلم .).
قال الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة : وقد ثبت كل من الإقعاء والتورك في الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله في موضعين :الإقعاء بين السجدتين ، والتورك في التشهد الثاني الذي يليه السلام.. كما هو مبين في كتابي صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويحمل الحديث على الإقعاء والتورك في غير الموضعين المشار إليهما ... = جاء في تلحيص صفة الصلاة : ويجوز الإقعاء أحيانا وهو أن ينتصب على عقبيه وصدور قدميه ..
انتهى.
- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته -
أوصاني خليلي 2(1/32)
الحمد لله الواحد الأحد والصلاة والسلام على النبي الأكرم سيدنا محمد وعلى آله المجَّد وصحبه الهجَّد وعلىكل تابع محب لله سجَد..
أما بعد ،فهذه وصية من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أسأل الله أن ينفع بها أهل منتديات مشكاتنا الرائدة كتب الله تعالى للقائمين عليها حسنة الدنيا وحسنة الآخرة...
***** حدثنا الحسين بن الحسن المروزي ثنا بن أبي عدي ح وحدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ثنا عبد الوهاب بن عطاء قالا ثنا راشد أبو محمد الحماني عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال : ( أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن : لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت وحرقت ، ولا تترك صلاة مكتوبة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة ، ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر).
* أخرجه ابن ماجة في سننه =كتاب الفتن - باب الصبر على البلاء ..
* والبيهقي في شعب الايمان = التاسع والثلاثون من شعب الإيمان وهو باب في المطاعم والمشارب ..
* وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في تحقيقه لسنن ابن ماجه ومشكاة المصابيح وصحيح الترغيب والترهيب ، وصححه في صحيح الجامع الصغير للسيوطي...
* ورواه البخاري في الأدب المفرد ، قال : حدثنا محمد بن عبد العزيز قال حدثنا عبد الملك بن الخطاب بن عبيد الله بن أبى بكرة البصري لقيته بالرملة قال حدثني راشد أبو محمد عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبى الدرداء قال : أوصانى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتسع : لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت أو حرقت، ولا تتركن الصلاة المكتوبة متعمدا ومن تركها متعمدا برئت منه الذمة ، ولا تشربن الخمر فإنها مفتاح كل شر، ... (الحديث ) .
راوي الحديث
- أبو الدرداء
الاسم : عويمر بن زيد أو مالك أو عامر أو ثعلبة أو عبد الله ، ابن قيس الأنصارى ، أبو الدرداء الخزرجى ، و قيل اسمه عامر و عويمر لقب
الطبقة : 1 : صحابى
الوفاة : 32 هـ ، و قيل : بعدها(1/33)
روى له : ( البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه )
رتبته عند ابن حجر : صحابى جليل
رتبته عند الذهبي : صحابى ( قال : أسلم عقيب بدر ، فرض له عمر فأعقبه بالبدريين لجلالته )
* المكتبة الشاملة - ص 2 .
شرح الحديث
1 * قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته لأبي الدرداء - وهي وصية لكل مسلم - :( لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت وحرقت )... هذا نهي شديد عن الشرك بالله... قال الله تعالىعلى لسان العبد الصالح لقمان وهو يعظ ابنه :(... لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (لقمان : 13 ).. قال ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى مخبراً عن وصية لقمان لولده, وهو لقمان بن عنقاء بن سدون, واسم ابنه ثاران في قول حكاه السهيلي, وقد ذكره الله تعالى بأحسن الذكر, وأنه آتاه الحكمة, وهو يوصي ولده الذي هو أشفق الناس عليه وأحبهم إليه, فهو حقيق أن يمنحه أفضل ما يعرف ولهذا أوصاه أولاً بأن يعبد الله ولا يشرك به شيئاً, ثم قال محذراً له {إن الشرك لظلم عظيم} أي هو أعظم الظلم.... قال البخاري: حدثنا قتيبة, حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: لما نزلت {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنه ليس بذاك, ألا تسمع إلى قول لقمان {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}"؟... ورواه مسلم من حديث الأعمش به,
قلت: شفقة لقمان عليه السلام كانت على ابنه خاصة ، أما شفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه ربنا تقدست أسماؤه : ( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (التوبة : 128 ) ، فهي عامة للبشرية جمعاء في زمانه ومن بعده إلى أن يرث خير الوارثين الأرض ومن عليها...(1/34)
وقال الله تعالى : ( إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) (المائدة : 72 ) .. قال ابن كثير رحمه الله :{ إنه من يشرك بالله } أي فيعبد معه غيره ..{فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار} أي فقد أوجب له النار وحرم عليه الجنة كما قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}. وقال تعالى: {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين},... وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث منادياً ينادي في الناس:( إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة ), وفي لفظ: (مؤمنة...)
وقال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء : 48 )... قال ابن كثير رحمه الله : أخبر تعالى أنه {لا يغفر أن يشرك به}. أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به, {ويغفر ما دون ذلك}, أي من الذنوب {لمن يشاء}, أي من عباده, وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الاَية الكريمة فلنذكر منها ما تيسر:(1/35)
(الحديث الأول) قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون, حدثنا صدقة بن موسى, حدثنا أبو عمران الجوني عن يزيد بن بابَنوس عن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الدواوين عند الله ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئاً, وديوان لا يترك الله منه شيئاً, وديوان لا يغفره الله, فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله, قال الله عز وجل: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} الاَية, وقال {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة}, وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئاً, فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم تركه أو صلاة تركها, فإن الله يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء, وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً فظلم العباد بعضهم بعضاً, القصاص لا محالة" تفرد به أحمد.
(الحديث الثاني) قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا أحمد بن مالك, حدثنا زائدة بن أبي الرّقاد, عن زياد النميري, عن أنس بن مالك, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفره الله, وظلم يغفره الله, وظلم لا يتركه الله, فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك, وقال : {إن الشرك لظلم عظيم}, وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين ربهم, وأما الظلم الذي لا يتركه فظلم العباد بعضهم بعضاً حتى يدين لبعضهم من بعض".
(الحديث الثالث) قال الإمام أحمد: حدثنا صفوان بن عيسى, حدثنا ثور بن يزيد عن أبي عون, عن أبي إدريس, قال: سمعت معاوية يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً, أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً" ورواه النسائي عن محمد بن مثنى عن صفوان بن عيسى به.(1/36)
(الحديث الرابع) قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم, حدثنا عبد الحميد, حدثنا شهر, حدثنا ابن غنم أن أبا ذر حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ,قال " إن الله يقول: يا عبدي ما عبدتني ورجوتني, فإني غافر لك على ما كان منك, يا عبدي إنك إن لقيتني بقراب الأرض خطيئة ما لم تشرك بي, لقيتك بقرابها مغفرة" تفرد به أحمد من هذا الوجه.
(الحديث الخامس) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا أبي, حدثنا حسين عن ابن بريدة أن يحيى بن يعمر حدثه أن أبا الأسود الديلي حدثه أن أبا ذر حدثه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك, إلا دخل الجنة, قلت: وإن زنى وإن سرق ؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق ؟ قال: وإن زنى وإن سرق... ثلاثاً, ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر", قال: فخرج أبو ذر وهو يجر إزاره وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر...وكان أبو ذر يحدث بهذا ويقول: وإن رغم أنف أبي ذر. أخرجاه من حديث حسين به.(1/37)
(طريق أخرى) لحديث أبي ذر. قال أحمد: حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب, عن أبي ذر, قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة عشاء, ونحن ننظر إلى أحد, فقال : "يا أبا ذر" قلت: لبيك يا رسول الله. قال: "ما أحب أن لي أحداً ذاك عندي ذهباً أمسي ثالثة وعندي منه دينار إلا ديناراً أرصده يعني لدين, إلا أن أقول به في عباد الله هكذا", وحثا عن يمينه وبين يديه وعن يساره, قال: ثم مشينا, فقال "يا أبا ذر, إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة, إلا من قال هكذا وهكذا", فحثا عن يمينه ومن بين يديه وعن يساره, قال: ثم مشينا, فقال "يا أبا ذر كما أنت حتى آتيك" قال: فانطلق حتى توارى عني, قال: فسمعت لغطاً, فقلت: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض له, قال: فهممت أن أتبعه, ثم ذكرت قوله: لا تبرح حتى آتيك, فانتظرته حتى جاء, فذكرت له الذي سمعت, فقال "ذاك جبريل أتاني فقال: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة" قلت: وإن زنى وإن سرق ؟ قال: "وإن زنى وإن سرق", أخرجاه في الصحيحين من حديث الأعمش به, وقد رواه البخاري ومسلم أيضاً, كلاهما عن قتيبة, عن جرير بن عبد الحميد, عن عبد العزيز بن رفيع, عن زيد بن وهب, عن أبي ذر, قال: خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده ليس معه إنسان, قال: فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد, قال: فجعلت أمشي في ظل القمر, فالتفت فرآني, فقال "من هذا ؟" فقلت: أبو ذر, جعلني الله فداك. قال "يا أبا ذر تعال". قال: فمشيت معه ساعة, فقال "إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة, إلا من أعطاه الله خيراً فنفخ فيه عن يمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيراً" قال فمشيت معه ساعة, فقال لي "إجلس ههنا", فأجلسني في قاع حوله حجارة, فقال لي "إجلس ههنا حتى أرجع إليك". قال: فانطلق في الحرة حتى لا أراه, فلبث عني فأطال اللبث, ثم إني سمعته وهو مقبل وهو يقول "وإن(1/38)
زنى وإن سرق" قال: فلما جاء لم أصبر حتى قلت: يا نبي الله, جعلني الله فداك من تكلم في جانب الحرة, ما سمعت أحداً يرجع إليك شيئاً, قال "ذاك جبريل عرض لي من جانب الحرة, فقال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة: قلت: يا جبريل, وإن سرق وإن زنى, قال: نعم. قلت: وإن سرق وإن زنى, قال: نعم: قلت: وإن سرق وإن زنى ؟ قال: نعم, وإن شرب الخمر".
(الحديث السادس) قال عبد بن حميد في مسنده: حدثنا عبيد الله بن موسى عن ابن أبي ليلى عن أبي الزبير, عن جابر, قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, ما الموجبتان, قال: "من مات لا يشرك بالله شيئاً وجبت له الجنة, ومن مات يشرك بالله شيئاً وجبت له النار", وذكر تمام الحديث تفرد به من هذا الوجه.
(طريق أخرى) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا الحسن بن عمرو بن خلاد الحراني, حدثنا منصور بن إسماعيل القرشي, حدثنا موسى بن عبيدة الرّبِذِي, أخبرني عبد الله بن عبيدة عن جابر بن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما من نفس تموت لا تشرك بالله شيئاً إلا حلت لها المغفرة, إن شاء الله عذبها وإن شاء غفر لها ؛ {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}, ورواه الحافظ أبو يعلى في مسنده من حديث موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة, عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"لا تزال المغفرة على العبد ما لم يقع الحجاب" ... قيل: يا نبي الله وما الحجاب ؟ قال " الإشراك بالله ـ قال ـ ما من نفس تلقى الله لا تشرك به شيئاً إلا حلت لها المغفرة من الله تعالى, إن يشاء أن يعذبها وإن يشاء أن يغفر لها" ؛ ثم قرأ نبي الله {إن الله لا يغفر أن يشرك به, ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.(1/39)
(الحديث السابع) قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم, حدثنا زكريا عن عطية, عن أبي سعيد الخدري, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنةتفرد به من هذا الوجه.
(الحديث الثامن) قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا أبو قبيل عن عبد الله بن ناشر من بني سريع, قال: سمعت أبارَهْم قاصّ أهل الشام يقول: سمعت أبا أيوب الأنصاري يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم, خرج ذات يوم إليهم, فقال لهم: " إن ربكم عز وجل خيرني بين سبعين ألفاً يدخلون الجنة عفواً بغير حساب وبين الخبيئة عنده لأمتي ", فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله, أيخبأ ذلك ربك ؟ فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج وهو يكبر فقال "إن ربي زادني مع كل ألف سبعين ألفاً والخبيئة عنده" قال أبو رهم: يا أبا أيوب: وما تظن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأكله الناس بأفواههم, فقالوا: وما أنت وخبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال أبو أيوب: دعوا الرجل عنكم أخبركم عن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أظن, بل كالمستيقن إن خبيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمداً عبده ورسوله مصدقاً لسانه قلبه أدخله الجنة".(1/40)
(الحديث التاسع) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا المؤمل بن الفضل الحراني, حدثنا عيسى بن يونس (ح) وأخبرنا هاشم بن القاسم الحراني فيما كتب إليّ, قال: حدثنا عيسى بن يونس نفسه عن واصل بن السائب الرقاشي, عن أبي سورة ابن أخي أبي أيوب الأنصاري, عن أبي أيوب, قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام. قال "وما دينه ؟" قال: يصلي ويوحد الله تعالى. قال "استوهب منه دينه, فإن أبى فابتعه منه" ... فطلب الرجل ذاك منه فأبى عليه, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره, فقال: وجدته شحيحاً في دينه... قال: فنزلت {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
(الحديث العاشر) قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا عمرو بن الضحاك حدثنا أبي, حدثنا مستور أبو همام الهنائي, حدثنا ثابت عن أنس, قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, ما تركت حاجة ولا ذا حاجة إلا قد أتيت, قال "أليس تشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله ؟" ثلاث مرات ؟ قال: نعم, قال "فإن ذلك يأتي على ذلك كله".(1/41)
(الحديث الحادي عشر) قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر, حدثنا عكرمة بن عمار عن ضمضم بن جوش اليمامي, قال: قال لي أبو هريرة: يا يمامي لا تقولن لرجل: والله لا يغفر الله لك, أو لا يدخلك الجنة أبداً. قلت: يا أبا هريرة, إن هذه كلمة يقولها أحدنا لأخيه وصاحبه إذا غضب قال: لا تقلها, فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كان في بني إسرائيل رجلان: كان أحدهما مجتهداً في العبادة, وكان الاَخر مسرفاً على نفسه, وكانا متآخيين, وكان المجتهد لا يزال يرى الاَخر على ذنب فيقول: يا هذا أقصر, فيقول: خلني وربي أبعثت عليّ رقيباً قال: إلى أن رآه يوماً على ذنب استعظمه, فقال له: ويحك, أقصر ! قال: خلني وربي, أبعثت عليّ رقيباً ؟ فقال والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنة أبداً, قال: فبعث الله إليهما ملكا فقبض أرواحهما, واجتمعا عنده, فقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي, وقال للاَخر: أكنت عالماً, أكنت على ما في يدي قادراً ؟ اذهبوا به إلى النار: قال: "فوالذي نفس أبي القاسم بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته", ورواه أبو داود من حديث عكرمة بن عمار, حدثني ضمضم بن جوش به.
(الحديث الثاني عشر) قال الطبراني: حدثنا أبو شيخ عن محمد بن الحسن بن عجلان الأصبهاني, حدثنا سلمة بن شبيب, حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان, عن أبيه, عن عكرمة, عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: "من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي, ما لم يشرك بي شيئاً".(1/42)
(الحديث الثالث عشر) قال الحافظ أبو بكر البزار والحافظ أبو يعلى: حدثنا هدبة بن خالد, حدثنا سهل بن أبي حازم عن ثابت, عن أنس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من وعده الله على عمل ثواباً, فهو منجزه له, ومن توعده على عمل عقاباً, فهو فيه بالخيار" تفردا به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا بحر بن نصر الخولاني, حدثنا خالد يعني ابن عبد الرحمن الخراساني, حدثنا الهيثم بن حماد عن سلام بن أبي مطيع عن بكر بن عبد الله المزني, عن ابن عمر, قال: كنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نشك في قاتل النفس, وآكل مال اليتيم, وقاذف المحصنات, وشاهد الزور, حتى نزلت هذه الاَية : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}... فأمسك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة, ورواه ابن جرير من حديث الهيثم بن حماد به وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا عبد الملك بن أبي عبد الرحمن المقري, حدثنا عبد الله بن عاصم, حدثنا صالح يعني المري, حدثنا أبو بشر عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر, قال: كنا لا نشك فيمن أوجب الله له النار في الكتاب, حتى نزلت علينا هذه الاَية :{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} قال: فلما سمعناها كففنا عن الشهادة وأرجينا الأمور إلى الله عز وجل. وقال البزار: حدثنا محمد بن عبد الرحيم, حدثنا شيبان بن أبي شيبة, حدثنا حرب بن سُريج عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر: قال: كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول قولَ الله تعالى : {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}... وقال: "أخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة", وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع, أخبرني مُجَبّر عن عبد الله بن عمر أنه قال: لما نزلت {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} إلى آخر الاَية, قام رجل فقال: والشرك بالله يا نبي الله ؟ فكره ذلك(1/43)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء, ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً} رواه ابن جرير, وقد رواه ابن مردويه من طرق عن ابن عمر, وهذه الاَية التي في سورة تنزيل مشروطة بالتوبة, فمن تاب من أي ذنب وإن تكرر منه, تاب الله عليه, ولهذا قال تعالى : {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً} أي بشرط التوبة, ولو لم يكن كذلك لدخل الشرك فيه, ولا يصح ذلك لأنه تعالى قد حكم ههنا بأنه لا يغفر الشرك, وحكم بأنه يغفر ما عداه لمن يشاء, أي: وإن لم يتب صاحبه فهذه أرجى من تلك من هذا الوجه, والله أعلم....
وقوله: {ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً} كقوله: {إن الشرك لظلم عظيم} وثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال: قلت: يا رسول الله, أي الذنب أعظم ؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك" وذكر تمام الحديث, وقال ابن مردويه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد, حدثنا أحمد بن عمرو, حدثنا إبراهيم بن المنذر, حدثنا معن, حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة, عن الحسن, عن عمران بن حصين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أخبركم بأكبر الكبائر : الشرك بالله...." ثم قرأ {ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً}... اهـ.
* لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير... ليس كمثله شيء وهو السميع البصير *(1/44)
قلت : في حديث أبي الدرداء لمَّا نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرك قال : لا تشرك بالله شيئا وإن قُطِّعت وحُرقت .وفي حديث أورده المنذري في الترغيب والترهيب وأخرجه الطبراني في الأوسط ، وحسنه الألباني رحمهم الله ...عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسول الله علِّمني عملا إذا أنا عملته دخلتُ الجنة .. قال : لا تشرك بالله شيئا وإن عُذّبت وحُرقت ... ( الحديث ). هذه مبالغة في الترهيب من الشرك لأنه أعظم ذنب يُرتكب ، وأبشع جُرم يقترَف ، وأكبر كذب يُفتَرى ؛ فإن قلت : في قوله تعالى : (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل : 106 ) استثناء ، فمتى يجوز للمكره موافقةُ المشركين الذين يعذبونه تقطيعا وتحريقا على قولهم ؟ قلت : قال ابن كثير رحمه الله : قوله تعالى : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } استثناء ممن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظه مكرهاً لما ناله من ضرب وأذى, وقلبه يأبى ما يقول, وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله.وقد روى العوفي عن ابن عباس أن هذه الاَية نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم, فوافقهم على ذلك مكرهاً, وجاء معتذراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله هذه الاَية. وهكذا قال الشعبي وقتادة وأبو مالك, وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى, حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن عبد الكريم الجزري, عن أبي عبيدة محمد بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف تجد قلبك ؟ قال: مطمئناً بالإيمان. قال النبي صلى الله عليه(1/45)
وسلم: "إن عادوا فعد"... ورواه البيهقي بأبسط من ذلك, وفيه أنه سب النبي صلى الله عليه وسلم, وذكر آلهتهم بخير, فشكا ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله ما تركت حتى سببتك وذكرت آلهتهم بخير, قال: "كيف تجد قلبك ؟" قال: مطمئناً بالإيمان, فقال "إن عادوا فعد"... وفي ذلك أنزل الله : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } ولهذا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاءً لمهجته, ويجوز له أن يأبى كما كان بلال رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك وهم يفعلون به الأفاعيل, حتى إنهم ليضعوا الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر, ويأمرونه بالشرك بالله فيأبى عليهم, وهو يقول: أحد, أحد. ويقول: والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها, رضي الله عنه وأرضاه. وكذلك حبيب بن زيد الأنصاري لما قال له مسيلمة الكذاب: أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ فيقول: نعم. فيقول: أتشهد أني رسول الله ؟ فيقول: لا أسمع. فلم يزل يقطعه إرباً إرباً وهو ثابت على ذلك. وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل, حدثنا أيوب عن عكرمة أن علياً رضي الله عنه حرق ناساً ارتدوا عن الأسلام, فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تعذبوا بعذاب الله" وكنت أقاتلهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" فبلغ ذلك علياً فقال: ويح أم ابن عباس, رواه البخاري.وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا عبد الرزاق, أنبأنا معمر عن أيوب عن حميد بن هلال العدوي, عن أبي بردة قال: قدم على أبي موسى معاذ بن جبل باليمن, فإذا رجل عنده, قال: ما هذا ؟ قال: رجل كان يهودياً فأسلم, ثم تهود ونحن نريده على الإسلام منذ قال أحسبه شهرين, فقال: والله لا أقعد حتى تضربوا عنقه, فضربت عنقه, فقال: قضى الله ورسوله أن من رجع عن دينه فاقتلوه أو قال: "من بدل دينه فاقتلوه" وهذه القصة في الصحيحين بلفظ آخر. والأفضل والأولى أن(1/46)
يثبت المسلم على دينه ولو أفضى إلى قتله, كما ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن حذافة السهمي أحد الصحابة أنه أسرته الروم, فجاءوا به إلى ملكهم فقال له: تنصر وأنا أشركك في ملكي وأزوجك ابنتي, فقال له: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملكه العرب على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت, فقال: إذاً أقتلك, فقال: أنت وذاك, قال: فأمر به فصلب, وأمر الرماة فرموه قريباً من يديه ورجليه وهو يعرض عليه دين النصرانية فيأبى, ثم أمر به فأنزل, ثم أمر بقدر, وفي رواية ببقرة من نحاس فأحميت, وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر, فإذا هو عظام تلوح, وعرض عليه فأبى, فأمر به أن يلقى فيها, فرفع في البكرة ليلقى فيها, فبكى فطمع فيه ودعاه, فقال: إنما بكيت لأن نفسي إنما هي نفس واحدة تلقى في هذه القدر الساعة في الله, فأحببت أن يكون لي بعدد كل شعرة في جسدي نفس تعذب هذا العذاب في الله. وفي بعض الروايات أنه سجنه ومنع منه الطعام والشراب أياماً, ثم أرسل إليه بخمر ولحم خنزير فلم يقربه, ثم استدعاه فقال: ما منعك أن تأكل ؟ فقال: أما إنه قد حل لي, ولكن لم أكن لأشمتك بي, فقال له الملك: فقبل رأسي وأنا أطلقك, فقال: وتطلق معي جميع أسارى المسلمين ؟ قال: نعم, فقبل رأسه فأطلقه وأطلق معه جميع أسارى المسلمين عنده, فلما رجع قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة, وأنا أبدأ, فقام فقبل رأسه رضي الله عنهما....اهـ.
2 - قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ولا تترك صلاة مكتوبة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة ) ...(1/47)
سمى الله تعالى تاركي الصلاة مجرمين ، قال سبحانه : ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ...) (المدثر 38- 48 ) ... وقال عز وجل فيمن أضاعوها : (... فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) (مريم : 59 ) ... وقال فيمن يسهوْن عنها : ( فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * ) (الماعون : 4 - 5 ) ... وقال فيمن أعرض عن ذكره - والصلاة لذكره تُقام - ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) (طه : 124 ) ... إلى غير ذلك من الآيات البينات التي تقرع الآذان وتصك الأسماع : سقر التي لا تبقي ولا تذر ، غي وويل وضنك..( نعوذ بالله ). وقد جاءت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر فيها عن عظيم الذنب الذي يتلبس به من ترك الصلاة أو تهاون بها أو تخاذل عنها ... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
- بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ... رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه ، عن جابر.
- ولفظ الترمذي : بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة... وفي رواية : بين الكفر والإيمان ترك الصلاة ...
-ومن ألفاظ ابن ماجه والنسائي : ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة فإذا تركها فقد أشرك . ( صححه الألباني )(1/48)
- لا تترك الصلاة متعمدا فإنه من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله ... رواه أحمد والبيهقي ورجال أحمد رجال الصحيح إلا أن مكحولا لم يسمع من أم أيمن ، قال الألباني رحمه الله : ( صحيح لغيره )
- العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر... قال الترمذي : حسن صحيح غريب ،...
**قال الألباني رحمه الله : وإزاء هذه النصوص القرآنية والنبوية : اختلف الأئمة والعلماء في تكفير متعمد ترك الصلاة : قال الإمام البغوي في " شرح السنة " : اختلف أهل العلم في تكفير تارك الصلاة المفروضة عمدا..
** وقال الألباني رحمه الله : (فإن مما لا يختلف فيه المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدا من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر وأن إثمه أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر وأنه معرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة ) =كتاب الصلاة وحكم تاركها ؛ للعلامة ابن القيم رحمه الله تعالى(1/49)
** وقال الشوكاني رحمه الله في " نيل الأوطار " تعليقا على حديث جابر المتقدم : الحديث يدل على أن ترك الصلاة من موجبات الكفر ولا خلاف بين المسلمين في كفر من ترك الصلاة منكرا لوجوبها إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو لم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة . وإن كان تركه لها تكاسلا مع اعتقاده لوجوبها - كما هو حال كثير من الناس - فقد اختلف الناس في ذلك " . ثم نقل - بعد ذلك نبذا من الخلاف - مشهور قول " الجماهير من السلف والخلف - منهم مالك والشافعي - إلى أنه لا يُكَفَّر بل يُفَسَّق فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزاني المحصَن.. " . وقال ابن حبان في " صحيحه " : " أطلق المصطفى صلى الله عليه وسلم اسم الكفر على تارك الصلاة إذ ترك الصلاة أول بداية الكفر لأن المرء إذا ترك الصلاة واعتاده : ارتقى منه إلى ترك غيرها من الفرائض .. هذا في عصره فكيف اليوم . ؟؟؟ وقال الإمام المبجل أحمد بن حنبل في وصيته لتلميذه الإمام الحافظ مسدد بن مسرهد : . . . ولا يخرج الرجل من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم أو يرد فريضة من فرائض الله عز وجل جاحدا بها فإن تركها كسلا أو تهاونا : كان في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه . . . " . قلت : وهذا هو صريح ما جاءنا في الكتاب والسنة بعموم الحكم وخصوص مسألة ترك الصلاة : قال الله تعالى : [ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ] ... اهـ.
** وقال صاحب " عون المعبود شرح سنن أبي داود "
( بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة ) - مبتدأ والظرف خبره ومتعلقه محذوف تقديره ترك الصلاة وصلة بين العبد والكفر. والمعنى وصله إليه . وبهذا التقدير زال الإشكال , فإن المتبادر أن الحاجز بين الإيمان والكفر فعل الصلاة لا تركها قاله العزيزي . - واختلف في تكفير تارك الصلاة الفرض عمدا ...
- قال عمر رضي الله عنه : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ,
- وقال ابن مسعود : تركها كفر ,(1/50)
-وقال عبد الله بن شقيق كان أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة .
- وقال بعض العلماء : الحديث محمول على تركها جحودا أو على الزجر والوعيد .
- وقال حماد بن زيد ومكحول ومالك والشافعي : تارك الصلاة كالمرتد ولا يخرج من الدين .
- وقال صاحب الرأي : لا يقتل بل يحبس حتى يصلي , وبه قال الزهري , كذا في المرقاة نقلا عن شرح السنة - وقد أطال الكلام في هذه المسألة الإمام ابن القيم في كتاب الصلاة له فأطاب وأحسن وأجاد .
- و قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه ولفظ مسلم " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ."
** وقال صاحب تحفة الأحودي
قوله : ( العهد الذي بيننا وبينهم ) يعني المنافقين ، الصلاة أي هو الصلاة ، بمعنى أنها الموجبة لحقن دمائهم كالعهد في حق المعاهدين ... ( فمن تركها فقد كفر ) أي فإذا تركوها برئت منهم الذمة ودخلوا في حكم الكفار نقاتلهم كما نقاتل من لا عهد له . قال القاضي : ضمير الغائب يعني في قوله وبينهم للمنافقين شبه الموجب لإبقائهم وحقن دمائهم بالعهد المقتضي لإبقاء المعاهد والكف عنه , والمعنى أن العمدة في إجراء أحكام الإسلام عليهم تشبههم بالمسلمين في حضور صلاتهم ولزوم جماعتهم وانقيادهم للأحكام الظاهرة , فإذا تركوا ذلك كانوا هم والكفار سواء . قال التوربشتي : ويؤيد هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام لما استؤذن في قتل المنافقين : ألا إني نهيت عن قتل المصلين . قيل : يمكن أن يكون ضمير الغائبين عاما فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم , سواء كان منافقا أو لا , يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء : لا تترك صلاة مكتوبة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة . ...(1/51)
** قلت : روى الأئمة أحمد وابن ماجه والحاكم والبيهقي ، عن ثوبان ؛ وابن ماجه والطبراني عن ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن . قال الألباني رحمه الله : (صحيح) ... فكيف تطوِّع لمسلم نفسُه تركَ خيرالأعمال ؟ بل الأسلم لكل مؤمن بما جاء به النبي الخاتم أن يقول صادقا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ... وجعلت قرة عيني في الصلاة .= رواه أحمد والنسائي والحاكم والبيهقي ، وأن يعمل مخلصا دينَه لله موقنا بأن أول ما سيُسأل عنه غداً صلاته ... قال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم : أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن كان أتمها كتبت له تامة وأن لم يكن أتمها قال الله لملائكته انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فتكملون بها فريضته ثم الزكاة كذلك ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك ...أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه لأحمد وأبي داود وابن ماجه والحاكم من رواية تميم الداري... وقال الألباني : (صحيح) ... ورواه الترمذي من حديث أبي هريرة ، ومتنه : إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك ... قال أبو عيسى : حسن غريب، وصححه الألباني....
** اللهم اهدنا وسددنا واجعلنا ممن قلت فيهم : ( وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * ) **
3- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ولا تشربن الخمر فإنها مفتاح كل شر )(1/52)
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) (المائدة : 90-91 )
قال ابن كثير رحمه الله : يقول تعالى: ناهياً عباده المؤمنين عن تعاطي الخمر والميسر وهو القمار...
وقوله تعالى: {رجس من عمل الشيطان} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أي سخط من عمل الشيطان. وقال سعيد بن جبير: إثم. وقال زيد بن أسلم: أي شر من عمل الشيطان {فاجتنبوه} الضمير عائد إلى الرجس, أي اتركوه {لعلكم تفلحون} وهذا ترغيب, ثم قال تعالى: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} وهذا تهديد وترهيب.
ذكر الأحاديث الواردة في بيان تحريم الخمر(1/53)
* قال الإمام أحمد: حدثنا شريح, حدثنا أبو معشر عن أبي وهب مولى أبي هريرة, عن أبي هريرة قال: حرمت الخمر ثلاث مرات, قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر, فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما, فأنزل الله { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (البقرة : 219 ). فقال الناس: ما حرما علينا إنما قال {فيهما إثم كبير ومنافع للناس}, وكانوا يشربون الخمر حتى كان يوماً من الأيام, صلى رجل من المهاجرين, أم أصحابه في المغرب, فخلط في قراءته, فأنزل الله أغلظ منها { (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ }(النساء : 43 ).. فكان الناس يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مغبق, ثم أنزلت آية أغلظ منها { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }(المائدة : 90 ) .. قالوا: انتهينا ربنا. وقال الناس: يا رسول الله, ناس قتلوا في سبيل الله, وماتوا على فرشهم, كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر, وقد جعله الله رجساً من عمل الشيطان, فأنزل الله تعالى: { (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) }(المائدة : 93 ).., فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لو حرم عليهم لتركوه كما تركتم" انفرد(1/54)
به أحمد.
** وقال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد, حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق, عن أبي ميسرة, عن عمر بن الخطاب أنه قال لما نزل تحريم الخمر, قال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً, فنزلت الاَية التي في البقرة {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير} فدعي عمر فقرئت عليه, فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً, فنزلت الاَية التي في سورة النساء {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: حي على الصلاة, نادى: لا يقربن الصلاة سكران. فدعي عمر فقرئت عليه, فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً, فنزلت الاَية التي في المائدة, فدعي عمر فقرئت عليه, فلما بلغ قول الله تعالى: {فهل أنتم منتهون} قال عمر: انتهينا انتهينا. وهكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق عمر بن عبد الله السبيعي, وعن أبي ميسرة واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني, عن عمر به, وليس له عنه سواه, قال أبو زرعة: ولم يسمع منه. وصحح هذا الحديث علي بن المديني والترمذي. وقد ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قال في خطبته على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس, إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير, والخمر ما خامر العقل. وقال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم, حدثنا محمد بن بشر, حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز, حدثني نافع عن ابن عمر قال: نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب.)(1/55)
(حديث آخر) قال أبو داود الطيالسي: حدثنا محمد بن أبي حميد, عن المصري يعني أبا طعمة قارىء مصر, قال: سمعت ابن عمر يقول: نزلت في الخمر ثلاث آيات, فأول شيء نزل {يسألونك عن الخمر والميسر} الاَية, فقيل: حرمت الخمر, فقالوا: يا رسول الله, دعنا ننتفع بها كما قال الله تعالى, قال: فسكت عنهم, ثم نزلت هذه الاَية {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} فقيل: حرمت الخمر, فقالوا: يا رسول الله إنا لا نشربها قرب الصلاة, فسكت عنهم, ثم نزلت {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} الاَيتين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "حرمت الخمر".
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يعلى, حدثنا محمد بن إسحاق عن القعقاع بن حكيم أن عبد الرحمن بن وعلة قال: سألت ابن عباس عن بيع الخمر, فقال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف, أو من دوس, فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا فلان أما علمت أن الله حرمها ؟" فأقبل الرجل على غلامه فقال: اذهب فبعها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا فلان بماذا أمرته ؟ فقال: أمرته أن يبيعها. قال "إن الذي حرم شربها حرم بيعها" فأمر بها فأفرغت في البطحاء, ورواه مسلم من طريق ابن وهب, عن مالك, عن زيد بن أسلم, ومن طريق ابن وهب أيضاً عن سليمان بن بلال, عن يحيى بن سعيد, كلاهما عن عبد الرحمن بن وعلة, عن ابن عباس به, ورواه النسائي عن قتيبة عن مالك به.(1/56)
(حديث آخر) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي, حدثنا أبو بكر الحنفي, حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن شهر بن حوشب, عن تميم الداري أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية من خمر, فلما أنزل الله تحريم الخمر جاء بها, فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك وقال "إنها قد حرمت بعدك" قال: يا رسول الله فأبيعها وأنتفع بثمنها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لعن الله اليهود, حرمت عليهم شحوم البقر والغنم, فأذابوه وباعوه, والله حرم الخمر وثمنها" وقد رواه أيضاً الإمام أحمد فقال: حدثنا روح, حدثنا عبد الحميد بن بهرام قال: سمعت شهر بن حوشب قال: حدثني عبد الرحمن بن غنم أن الداري كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية من خمر, فلما كان عام حرمت, جاء براوية, فلما نظر إليه ضحك, فقال "أشعرت أنها قد حرمت بعدك" فقال: يا رسول الله, ألا أبيعها وأنتفع بثمنها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لعن الله اليهود انطلقوا إلى ما حرم عليهم من شحم البقر والغنم, فأذابوه, فباعوا به ما يأكلون, وإن الخمر حرام وثمنها حرام, وإن الخمر حرام وثمنها حرام, وإن الخمر حرام وثمنها حرام".
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة بن سعيد, حدثنا ابن لهيعة عن سليمان بن سليمان بن عبد الرحمن, عن نافع بن كيسان أن أباه أخبره أنه كانه يتجر في الخمر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه أقبل من الشام ومعه خمر في الزقاق يريد بها التجارة, فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, إني جئتك بشراب طيب, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا كيسان إنها قد حرمت بعدك" قال: فأبيعها يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنها قد حرمت وحرم ثمنها", فانطلق كيسان إلى الزقاق فأخذ بأرجلها ثم هراقها.(1/57)
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد عن حميد, عن أنس قال: كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب وسعيد بن بيضاء ونفراً من أصحابه عند أبي طلحة حتى كاد الشراب يأخذ منهم, فأتى آت من المسلمين فقال: أما شعرتم أن الخمر قد حرمت ؟ فقالوا: حتى ننظر ونسأل, فقالوا: يا أنس اسكب ما بقي في إنائك فوالله ما عادوا فيها, وما هي إلا التمر والبسر, وهي خمرهم يومئذ, أخرجاه في الصحيحين من غير وجه عن أنس, وفي رواية حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال: كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة, وما شرابهم إلا الفضيخ البسر والتمر, فإذا منادٍ ينادي قال: اخرج فانظر, فإذا منادٍ ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت, فجرت في سكك المدينة, قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها, فهرقتها فقالوا أو قال بعضهم: قتل فلان وفلان وهي في بطونهم, قال: فأنزل الله {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الاَية.وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار, حدثني عبد الكبير بن عبد المجيد, عن قتادة, عن أنس بن مالك قال: بينما أنا أدير الكأس على أبي طلحة وأبي عبيدة بن الجراح وأبي دجانة ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء حتى مالت رؤوسهم من خليط بسر وتمر, فسمعت منادياً ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت. قال: فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج حتى أهرقنا الشراب, وكسرنا القلال, وتوضأ بعضنا, واغتسل بعضنا, وأصبنا من طيب أم سليم, ثم خرجنا إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ }(1/58)
فقال رجل: يا رسول الله, فما ترى فيمن مات وهو يشربها ؟ فأنزل الله تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الاَية, فقال رجل لقتادة: أنت سمعته من أنس بن مالك قال: نعم, وقال رجل لأنس بن مالك, أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم, أو حدثني من لم يكذب, ما كنا نكذب, ولا ندري ما الكذب.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق أخبرني يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر, عن بكر بن سوادة, عن قيس بن سعيد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن ربي تبارك وتعالى, حرم الخمر والكوبة والقنين, وإياكم والغبيراء فإنها ثلث خمر العالم".
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, حدثنا فرج بن فضالة عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع, عن أبيه, عن عبد الله بن عمرو. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم على أمتي الخمر والميسر والمزر والكوبة والقنين, وزادني صلاة الوتر" قال يزيد: القنين البرابط, تفرد به أحمد, وقال أحمد أيضاً: حدثنا أبو عاصم وهو النبيل, أخبرنا عبد الحميد بن جعفر, حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد, عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من جهنم" قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وكل مسكر حرام" تفرد به أحمد أيضاً.(1/59)
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز, عن أبي طعمة مولاهم, عن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أنهما سمعا ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لعنت الخمر على عشرة أوجه: لعنت الخمر بعينها, وشاربها, وساقيها, وبائعها, ومبتاعها, وعاصرها, ومعتصرها, وحاملها, والمحمولة إليه, وآكل ثمنها", ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث وكيع به, وقال أحمد: حدثنا حسن, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا أبو طعمة, سمعت ابن عمر يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المربد فخرجت معه, فكنت معه, فكنت عن يمينه, وأقبل أبو بكر فتأخرت عنه, فكان عن يمينه وكنت عن يساره, ثم أقبل عمر فتنحيت له فكان عن يساره, فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المربد فإذا بزقاق على المربد فيها خمر, قال ابن عمر: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدية, قال ابن عمر: وما عرفت المدية إلا يومئذ, فأمر بالزقاق فشقت, ثم قال "لعنت الخمر وشاربها, وساقيها, وبائعها, ومبتاعها, وحاملها, والمحمولة إليه, وعاصرها ومعتصرها, وآكل ثمنها", وقال أحمد: حدثنا الحكم بن نافع, حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب قال: قال عبد الله بن عمر: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتيه بمدية وهي الشفرة, فأتيته بها, فأرسل بها, فأرهفت ثم أعطانيها, وقال "اغد عليّ بها" ففعلت, فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة, وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام, فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته ثم أعطانيها, وأمر أصحابه الذين كانوا معه أن يمضوا معي وأن يعاونوني, وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته, ففعلت فلم أترك في أسواقها زقاً إلا شققته.(1/60)
(حديث آخر) ـ قال عبد الله بن وهب: أخبرني عبد الرحمن بن شريح وابن لهيعة والليث بن سعد, عن خالد بن زيد, عن ثابت أن يزيد الخولاني أخبره أنه كان له عم يبيع الخمر, وكان يتصدق, قال: فنهيته عنها فلم ينته, فقدمت المدينة فلقيت ابن عباس فسألته عن الخمر وثمنها, فقال: هي حرام, وثمنها حرام, ثم قال ابن عباس رضي الله عنه: يا معشر أمة محمد, إنه لو كان كتاب بعد كتابكم, ونبي بعد نبيكم, لأنزل فيكم كما أنزل قبلكم, ولكن أخر ذلك من أمركم إلى يوم القيامة ولعمري لهو أشد عليكم, قال ثابت: فلقيت عبد الله بن عمر فسألته عن ثمن الخمر فقال: سأخبرك عن الخمر, إني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فبينما هو محتب على حبوته, ثم قال "من كان عنده من هذه الخمر شيء فليأتنا بها" فجعلوا يأتونه فيقول أحدهم: عندي راوية, ويقول الاَخر: عندي زق, أو ما شاء الله أن يكون عنده, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اجمعوه ببقيع كذا وكذا, ثم آذنوني" ففعلوا, ثم آذنوه, فقام وقمت معه ومشيت عن يمينه وهو متكىء عليّ, فلحقنا أبو بكر رضي الله عنه, فأخرني رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجعلني عن شماله وجعل أبا بكر في مكاني, ثم لحقنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فأخرني وجعله عن يساره, فمشى بينهما حتى إذا وقف على الخمر قال للناس "أتعرفون هذه ؟ " ..قالوا نعم يا رسول الله, هذه الخمر, قال "صدقتم", ثم قال "فإن الله لعن الخمر, وعاصرها, ومعتصرها, وشاربها, وساقيها, وحاملها, والمحمولة إليه, وبائعها ومشتريها, وآكل ثمنها" ثم دعا بسكين فقال "اشحذوها" ففعلوا, ثم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرق بها الزقاق, قال: فقال الناس: في هذه الزقاق منفعة, فقال "أجل ولكني إنما أفعل ذلك غضباً لله عز وجل لما فيها من سخطه" فقال عمر: انا أكفيك يا رسول الله, قال "لا" قال ابن وهب: وبعضهم يزيد على بعض في قصة الحديث, رواه البيهقي.(1/61)
(حديث آخر) قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو الحسين بن بشر, أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار, حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي, حدثنا وهب بن جرير, حدثنا شعبة عن سماك, عن مصعب بن سعد. عن سعد قال: أنزلت في الخمر أربع آيات, فذكر الحديث قال: وصنع رجل من الأنصار طعاماً فدعانا, فشربنا الخمر قبل أن تحرم حتى انتشينا فتفاخرنا, فقالت الأنصار: نحن أفضل, وقالت قريش: نحن أفضل, فأخذ رجل من الأنصار لحي جزور, فضرب به أنف سعد ففزره, وكانت أنف سعد مفزورة, فنزلت {إنما الخمر والميسر} إلى قوله تعالى: {فهل أنتم منتهون} أخرجه مسلم من حديث شعبة.
(حديث آخر) ـ قال البيهقي: وأخبرنا أبو نصر بن قتادة, أنبأنا أبو علي الرفاء, حدثنا علي بن عبد العزيز, حدثنا حجاج بن منهال, حدثنا ربيعة بن كلثوم, حدثني أبي عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: قال: إنما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار, شربوا فلما أن ثمل القوم, عبث بعضهم ببعض, فلما أن صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه ورأسه ولحيته, فيقول صنع بي هذا أخي فلان, وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن, فيقول: والله لو كان بي رؤوفاً رحيماً ما صنع بي هذا, حتى وقعت الضغائن في قلوبهم, فأنزل الله تعالى هذه الاَية {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان} إلى قوله تعالى: {فهل أنتم منتهون} فقال أناس من المتكلفين: هي رجس وهي في بطن فلان, وقد قتل يوم أحد: فأنزل الله تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} إلى آخر الاَية, ورواه النسائي في التفسير عن محمد بن عبد الرحيم صاعقة, عن حجاج بن منهال.(1/62)
(حديث آخر) ـ قال ابن جرير: حدثني محمد بن خلف, حدثنا سعيد بن محمد الحرمي عن أبي نميلة, عن سلام مولى حفص أبي القاسم, عن أبي بريدة, عن أبيه قال بينا نحن قعود على شراب لنا, ونحن على رملة, ونحن ثلاثة أو أربعة, وعندنا باطية لنا ونحن نشرب الخمر حلاً, إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه, إذ نزل تحريم الخمر {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر} إلى آخر الاَيتين, {فهل أنتم منتهون} فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله {فهل أنتم منتهون} قال: وبعض القوم شربته في يده قد شرب بعضها وبقي بعض في الإناء فقال: بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجام, ثم صبوا ما في باطيتهم, فقالوا: انتهينا ربنا.
(حديث آخر) ـ قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل, أخبرنا ابن عيينة عن عمرو, عن جابر قال صبح أناس غداة أحد الخمر, فقتلوا من يومهم جميعاً شهداء, وذلك قبل تحريمها, هكذا رواه البخاري في تفسيره من صحيحه. وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا أحمد بن عبدة, حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار, سمع جابر بن عبد الله يقول: اصطبح ناس الخمر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, ثم قتلوا شهداء يوم أحد فقالت اليهود: فقد مات بعض الذين قتلوا وهي في بطونهم, فأنزل الله {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} ثم قال: وهذا إسناد صحيح, وهو كما قال, ولكن في سياقه غرابة.
(حديث آخر) ـ قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق, عن البراء بن عازب قال: لما نزل تحريم الخمر قالوا: كيف بمن كان يشربها قبل أن تحرم ؟ فنزلت {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الاَية, ورواه الترمذي عن بندار غندر عن شعبة به نحوه, وقال: حسن صحيح.(1/63)
(حديث آخر) ـ قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا جعفر بن حميد الكوفي, حدثنا يعقوب القمي عن عيسى بن جارية, عن جابر بن عبد الله قال: كان رجل يحمل الخمر من خيبر إلى المدينة فيبيعها من المسلمين, فحمل منها بمال فقدم بها المدينة فلقيه رجل من المسلمين فقال يا فلان, إن الخمر قد حرمت فوضعها حيث انتهى على تل, وسجى عليها بأكسية, ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله, بلغني أن الخمر قد حرمت ؟ قال "أجل" قال: لي أن أردها على من ابتعتها منه ؟ قال : " لا يصلح ردها ". قال: لي أن أهديها إلى من يكافئني منها ؟ قال "لا". قال: فإن فيها مالاً ليتامى في حجري, قال "إذا أتانا مال البحرين فأتنا نعوض أيتامك من مالهم" ثم نادى بالمدينة, فقال رجل: يا رسول الله, الأوعية ننتفع بها ؟ قال "فحلوا أوكيتها" فانصبت حتى استقرت في بطن الوادي, هذا حديث غريب.
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن السدي, عن أبي هبيرة وهو يحيى بن عباد الأنصاري, عن أنس بن مالك أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام في حجره ورثوا خمراً فقال "أهرقها". قال: أفلا نجعلها خلاً ؟ قال "لا". ورواه مسلم وأبو داود والترمذي من حديث الثوري به نحوه.(1/64)
(حديث آخر) قال ابن أبي حاتم حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا عبد العزيز بن سلمة حدثنا هلال بن أبي هلال عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو قال: إن هذه الاَية التي في القرآن {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} قال: هي في التوراة إن الله أنزل الحق ليذهب به الباطل, ويبطل به اللعب والمزامير, والزفن والكبارات, يعني البرابط والزمارات, يعني به الدف والطنابير والشعر والخمر مرة لمن طعمها, أقسم الله بيمينه وعزته من شربها بعد ما حرمتها لأعطشنه يوم القيامة, ومن تركها بعد ما حرمتها لأسقينه إياها في حظيرة القدس, وهذا إسناد صحيح.
(حديث آخر) ـ قال عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث أن عمرو بن شعيب حدثهم عن أبيه, عن عبد الله بن عمرو بن العاص, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من ترك الصلاة سكراً مرة واحدة فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها, ومن ترك الصلاة سكراً أربع مرات, كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال" قيل: وما طينة الخبال ؟ قال " عصارة أهل جهنم " ورواه أحمد من طريق عمرو بن شعيب.
(حديث آخر) ـ قال أبو داود: حدثنا محمد بن رافع, حدثنا إبراهيم بن عمر الصنعاني قال: سمعت النعمان هو ابن أبي شيبة الجندي يقول عن طاوس, عن ابن عباس, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"كل مخمر خمر, وكل مسكر حرام ومن شرب مسكراً بخست صلاته أربعين صباحاً, فإن تاب تاب الله عليه, فإن عاد الرابعة كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال" قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله ؟ قال "صديد أهل النار. ومن سقاه صغيراً لا يعرف حلاله من حرامه, كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال" تفرد به أبو داود.(1/65)
(حديث آخر) ـ قال الشافعي رحمه الله: أنبأنا مالك عن نافع, عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من شرب الخمر في الدنيا لم يتب منها حرمها في الاَخرة" أخرجه البخاري ومسلم من حديث مالك به.
- روى مسلم عن أبي الربيع, عن حماد بن زيد, عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل مسكر خمر, وكل مسكر حرام, ومن شرب الخمر فمات وهو يدمنها ولم يتب منها, لم يشربها في الاَخرة".
(حديث آخر) ـ قال ابن وهب: أخبرني عمر بن محمد عن عبد الله بن يسار أنه سمع سالم بن عبد الله يقول: قال عبد الله بن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه, والمدمن الخمر, والمنان بما أعطى". ورواه النسائي عن عمرو بن علي, عن يزيد بن زريع, عن عمر بن محمد العمري به. وروى أحمد عن غندر, عن شعبة, عن يزيد بن أبي زياد, عن مجاهد, عن أبي سعيد, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مدمن خمر". ورواه أحمد أيضاً عن عبد الصمد, عن عبد العزيز بن مسلم, عن يزيد بن أبي زياد,عن مجاهد به. وعن مروان بن شجاع, عن حصيف, عن مجاهد به. ورواه النسائي عن القاسم بن زكريا, عن حسين الجعفي, عن زائدة, عن يزيد بن أبي زيادة, عن سالم بن أبي الجعد ومجاهد, كلاهما عن أبي سعيد به.(1/66)
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا سفيان عن منصور, عن سالم بن أبي الجعد, عن جابان عن عبد الله بن عمرو, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يدخل الجنة عاق, ولا مدمن خمر, ولا منان, ولا ولد زنية" وكذا رواه عن يزيد, عن همام, عن منصور, عن سالم, عن جابان, عن عبد الله بن عمرو به, وقد رواه أيضاً عن غندر وغيره, عن شعبة, عن منصور, عن سالم, عن نبيط بن شريط, عن جابان, عن عبد الله بن عمرو, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يدخل الجنة منان, ولا عاق والديه, ولا مدمن خمر". ورواه النسائي من حديث شعبة كذلك, ثم قال: ولا نعلم أحداً تابع شعبة عن نبيط بن شريط. وقال البخاري: لا يعرف لجابان سماع عن عبد الله, ولا لسالم من جابان ولا نبيط, وقد روي هذا الحديث من طريق مجاهد عن ابن عباس, ومن طريقه أيضاً عن أبي هريرة, فالله أعلم.(1/67)
وقال الزهري: حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أباه قال: سمعت عثمان بن عفان يقول اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث إنه كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس فعلقته امرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها فقالت إنّا ندعوك لشهادة فدخل معها فطفقت كلما دخل باباً أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر فقالت إني والله ما دعوتك لشهادة ولكن دعوتك لتقع علي أو تقتل هذا الغلام أو تشرب هذا الخمر فسقته كأساً فقال زيدوني فلم يرم حتى وقع عليها وقتل النفس؛ فاجتنبوا الخمر فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبداً إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه. رواه البيهقي وهذا إسناد صحيح وقد رواه أبوبكر بن أبي الدنيا في كتابه ذم المسكر عن محمد بن عبد الله بن بزيع عن الفضيل بن سليمان النميري عن عمر بن سعيد عن الزهري به مرفوعاً والموقوف أصح والله أعلم... وله شاهد في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق سرقة حين يسرقها وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن".(1/68)
- وقال أحمد بن حنبل: حدثنا أسود بن عامر, حدثنا إسرائيل عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: لما حرمت الخمر قال ناس: يا رسول الله, أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها, فأنزل الله {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} إلى آخر الاَية, ولما حولت القبلة قال ناس: يا رسول الله, إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس, فأنزل الله {وما كان الله ليضيع إيمانكم} وقال الإمام أحمد: حدثنا داود بن مهران الدباغ, حدثنا داود يعني العطار عن أبي خثيم, عن شهر بن حوشب, عن أسماء بنت يزيد أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "من شرب الخمر لم يرض الله عنه أربعين ليلة, إن مات مات كافراً, وإن تاب تاب الله عليه, وإن عاد كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال" قالت: قلت: يارسول الله, وما طينة الخبال ؟ قال :"صديد أهل النار" وقال الأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة, عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا} فقال النبي صلى الله عليه وسلم "قيل لي: أنت منهم" وهكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي من طريقه.
- وقال عبد الله بن الإمام أحمد: قرأت على أبي, حدثنا علي بن عاصم, حدثنا إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص, عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم وهاتان الكعبتان الموسومتان اللتان تزجران زجراً فإنهما ميسر العجم".....
قلت : الخمر رجس من عمل الشيطان وغرضه زرع العداوة بين بني آدم وشحن صدورهم بالبغضاء ، وصدهم عن عبادة الله وعن سبيله ...ولهذا سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم :أم الخبائث ،قال : الخمر أم الخبائث فمن شربها لم تقبل صلاته أربعين يوما فإن مات وهي في بطنه مات ميتة جاهلية . عزاه السيوطي للطبراني في الأوسط من رواية ابن عمرو... وقال الألباني رحمه الله : (حسن)..(1/69)
وجعلها النبي صلى الله عليه وسلم: ( مفتاح كل شر )... قال السندي في شرح سنن ابن ماجه: فإنها تزيل العقل فلا يبالي بشيء ؛ فقد انفتح له باب الشر بعد أن كان مغلقا بقيد العقل ... وقال القاضي عبد الرؤوف المناوي : (لا تشربوا الخمر فإنها مفتاح كل شر) أي أصله ومنبعه ومن ثم كان شربها من أفجر الفجور وأكبر الكبائر بل ذهب بعض الصحابة إلى أنها أكبرها بعد الشرك وذهب جمع من المجتهدين وتبعهم المؤلف إلى أن شاربها يقتل في الرابعة وزعموا صحة الحديث بذلك من غير معارض ...اهـ.
هذه وصية الحبيب المصطفي :
عن أبي الدرداء قال : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن : ( لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت وحرقت ، ولا تترك صلاة مكتوبة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة ، ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر).
** فاجعلنا اللهم ممن شرحت صدورهم للإسلام وقلت فيهم : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) **
انتهى.
- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته -
أوصاني خليلي 3
الحمد لله رب العالمين الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، وجعل الناس بعضهم فوق بعض ، وأمر بالإحسان بالمساكين ، وأوصى بصلة الرحم ، ومدح الذين يخشونه وحده ولا يخافون غيره ، وهو الحق سبحانه يحب قول الحق وأهله، ولا حول ولا قوة إلا به وحده لا شريك له .. والصلاة والسلام على نبي الرحمة ، الرسول الأكرم الذي بيَّن لأمته سبيل الباقيات الصالحات ومهَّد لها طريق المسارعة في الخيرات... فالسعيد من اهتدى بهديه ، وخير الهدي هديه ، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأبرار وتابعيهم الأخيار إلى يوم الوصول إلى دار القرار...(1/70)
أما بعد ، فهذه الوصية الثالثة من وصايا الحبيب المجتبى والخليل المصطفى صلى الله عليه وسلم ، والتي بدأها الصحابي رضي الله عنه بلفظ : أوصاني خليلي.... أسأل الله أن ينفع بها ، إنه هو السميع العليم ، القريب المجيب..
الحديث وتخريجه
** أخبرنا الحسن بن إسحاق الأصبهاني بالكرخ، قال: حدثنا إسماعيل بن يزيد القطان ، قال: حدثنا أبو داود ، عن الأسود بن شيبان ، عن محمد بن واسع ، عن عبد الله بن الصامت : (عن أبي ذر ، قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم ، بخصال من الخير: ( أوصاني بأن لا أنظر إلى من هو فوقي وأن أنظر إلى من هو دوني، وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم، وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت، وأوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مراً، وأوصاني أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة.)
** رواه ابن حبان في صحيحه = كتاب البر والإحسان - باب صلة الرحم وقطعها ...
**وأخرجه أحمد ، وهو في مسنده = حديث أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه = وفيه (حبي ) بدل ( خليلي )
1- حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا الحكم بن موسى ثنا عبد الرحمن بن الرجال المدني أنا عمر مولى غفرة عن ابن كعب عن أبي ذر : (عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أوصاني حبي بخمس: أرحم المساكين و أجالسهم ، و أنظر إلى من هو تحتي و لا أنظر إلى من هو فوقي ، و أن أصل الرحم و إن أدبرت ، و أن أقول بالحق و إن كان مراً ، وأن أقول لا حول و لا قوة إلا بالله ...يقول مولى غفرة : لا أعلم بقي فينا من الخمس إلا هذه: قولنا لا حول و لا قوة إلا بالله... قال أبو عبد الرحمن : و سمعته أنا من الحكم بن موسى و قال : عن محمد بن كعب عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم مثاله .).(1/71)
2- حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا سلام أبو المنذر عن محمد بن واسع عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال : : (أمرني خليلي صلى الله عليه و سلم بسبع ، أمرني بحب المساكين و الدنو منهم ، و أمرني أن أنظر إلى من هو دوني و لا أنظر إلى من هو فوقي ، و أمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت ، و أمرني أن لا أسأل أحداً شيئاً ، و أمرني أن أقول بالحق و إن كان مراً ، و أمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم ، و أمرني أن أكثر من قول لا حول و لا قوة إلا بالله ، فإنهن من كنز تحت العرش .).
*** وذكره البيهقي في سننه الكبرى = كتاب آداب القاضي -باب ما يستدل به على أن القضاء و سائر أعمال الولاة مما يكون ... وفي شعب الإيمان = الباب الثاني و العشرين ـ و هو باب في الزكاة ...
أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنبأ أبو بكر الفحام ثنا محمد بن يحيى ثنا عفان بن مسلم ثنا سلام بن سليمان قارىء أهل البصرة ( ح و أخبرنا ) أبو طاهر قال أنبأ أبو طاهر المحمدأباذي ثنا العباس الدوري ثنا يزيد بن عمر بن جنزة المدائني ث : ( أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه و سلم بسبع : أمرني أن أنظر إلى من هو دوني و لا أنظر إلى من هو فوقي ، و أمرني بحب المساكين و الدنو منهم ، و أمرني أن لا أسأل أحدا شيئا ، و أمرني أن أصل الرحم و إن أدبرت ، و أمرني أن أقول الحق و إن كان مرا ، و أمرني أن لا يأخذني في الله لومة لائم ، و أمرني أن أكثر من قول : لا حول و لا قوة إلا بالله ، فإنها من كنز الجنة . لفظ حديثه عن المحمدأباذي .).
*** وصححه الألباني رحمه الله في تحقيقه للترغيب والترهيب للمنذري ..(1/72)
*** ولفظه في مصنف ابن أبي شيبة :...عن محمد بن بشر قال حدثنا إسماعيل عن عامر قال : وربما قال : قال أصحابنا عن أبي ذر قال : أوصاني خليلي بسبع : حب المساكين وأن أدنوا منهم ، وأن أنظر إلى من أسفل مني ولا أنظر إلى من فوق ، وأن أصل رحمي وإن جفاني ، وأن أكثر من (لا حول ولا قوة إلا بالله) ، وأن أتكلم بمر الحق، ولا تأخذني في الله لومة لائم ، وأن لا أسأل الناس شيئا ...
*** وفي المعجم الكبير للطبراني : مثله..
راوي الحديث
( المكتبة الشاملة - ص 2 )
الاسم : أبو ذر الغفارى ، اسمه جندب بن جنادة ( على الأصح ).. وهو أخو عمرو بن عبسة لأمه .
الطبقة : 1 : صحابى
الوفاة : 32 هـ بالربذة
روى له :( البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه ...)
رتبته عند ابن حجر : صحابى
رتبته عند الذهبي : صحابى ( قال : قال النبى صلى الله عليه وسلم : " ما أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبى ذر " )
شرح الحديث
عند الجمع بين مختلف روايات هذا الحديث ، نجد أن هذه الوصية النبوية الطيبة الجامعة تضمَّنت سبع وصايا ،
1- قول أبي ذر رضي الله عنه : ( أوصاني بأن لا أنظر إلى من هو فوقي، وأن أنظر إلى من هو دوني )
قال تعالى : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) (الزخرف : 32 )(1/73)
** قال ابن كثير رحمه الله :... قال عز وجل مبيناً أنه قد فاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة, فقال: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا} الاَية. وقوله جلت عظمته: {ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً} قيل معناه ليسخر بعضهم بعضاً في الأعمال لاحتياج هذا إلى هذا, وهذا إلى هذا, قاله السدي وغيره. وقال قتادة والضحاك ليملك بعضهم بعضاً وهو راجع إلى الأول: ثم قال عز وجل: {ورحمة ربك خير مما يجمعون} أي رحمة الله بخلقه خير لهم مما بأيديهم من الأموال ومتاع الحياة الدنيا...
** وقال القرطبي رحمه الله : "ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات" أي فاضلنا بينهم فمن فاضل ومفضول ورئيس ومرؤوس؛ قال مقاتل. وقيل: بالحرية والرق؛ فبعضهم مالك وبعضهم مملوك. وقيل: بالغنى والفقر؛ فبعضهم غني وبعضهم فقير. وقيل: بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. "ليتخذ بعضهم بعضا سخريا" قال السدي وابن زيد: خولا وخداما، يسخر الأغنياء الفقراء فيكون به بعضهم سببا لمعاش بعض. وقال قتادة والضحاك: يعني ليملك بعضهم بعضا. وقيل: هو من السخرية التي بمعنى الاستهزاء؛ أي ليستهزئ الغني بالفقير. قال الأخفش: سخرت به وسخرت منه، وضحكت منه وضحكت به، وهزئت منه وبه؛ كل يقال، والاسم السخرية (بالضم). والسخري والسخري (بالضم والكسر). وكل الناس ضموا "سخريا" إلا ابن محيصن ومجاهد فإنهما قرآ "سخريا" "ورحمة ربك خير مما يجمعون" أي أفضل مما يجمعون من الدنيا. ثم قيل: الرحمة النبوة، وقيل الجنة. وقيل: تمام الفرائض خير من كثير النوافل. وقيل: ما يتفضل به عليهم خير مما يجازيهم عليه من أعمالهم....(1/74)
قلت : ما دامت معايش العباد وأرزاقهم في دار العبور بيد الله تعالى الرزاق ، وهو الذي يقسمها بين عباده كيف يشاء ، فيبسط الرزق لهذا ، ويضيقه على ذاك ، وفق حكمته ، وهو الحكيم الخبير الذي قال: ( وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) (الشورى : 27 ).. فما على العبد إلا أن يرضى بما قسم له مولاه وأعطاه ..موقنا أن غناه في رضاه ...قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس..)= أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه لأحمد والترمذي والبيهقي في الشعب؛ وحسنه الألباني رحمه الله...= ومتى منع العبدَ رضاه أن ينظر إلى من هو فوقه أي أعلى منه، ودفعه إلى النظر إلى من هو دونه أي أسفل منه ، أراح نفسه واتخذ لقلبه وقايةً ضِد الحسد والحقد والتطلع إلى ما في أيدي الناس ...وشحنه بالرأفة والرحمة والعطف على من ضيق عليهم في شأن من شؤون دنياهم ...كما على العبد أن ينظر ألى ما هو فيه من نعم مولاه ، وإن قلت ، فيشكر ذاكرا قول الله المانع المعطي : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ... ) (إبراهيم : 7 ) ومن قدر عليه رزقه فليصبر جاعلا نصب عينيه قول الله الذي بيده خزائن السماوات والأرض : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة : 155 ) ...فالعاقل إذن من أكثر الشكر على الموجود وتسلح بالصبر على المفقود ... فلا تكن ، يا عبد الله ، ذلك الإنسان الذي قال فيه رب الناس سبحانه : ( فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ(1/75)
* كَلَّا ...) ( الفجر 15-17 )...إن هذه الدار التي حكم عليها الله خالقها بالفناء جعلها دار ابتلاء ، العاقل من عرفها فتزود منها لدار البقاء ...قال الفخر الرازي رحمه الله : كيف سمي بسط الرزق وتقديره ابتلاء ؟ الجواب: لأن كل واحد منهما اختبار للعبد، فإذا بسط له فقد اختبر حاله أيشكر أم يكفر، وإذا قدر عليه فقد اختبر حاله أيصبر أم يجزع، فالحكمة فيهما واحدة، ونحوه قوله تعالى:{ وَنَبْلُوكُم بِ?لشَّرّ وَ?لْخَيْرِ فِتْنَةً } ...
***** اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك واجعلنا من الصابرين *****
2- ( وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم )(1/76)
ذكر الله تعالى المساكين في آيات كثيرة من القرآن الكريم حيث جعلهم من أهل الصدقات ، قال : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة : 60 ) ؛ وبيَّن أن لهم حقاً أمر أن يؤْتَوه ،قال : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ... ) (الإسراء : 26 ).. وجعل ذلك من أسباب الفلاح ، قال : ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الروم : 38 ) ؛ ومدح الذين يعتنون بهم وجعلهم في زمرة الأبرار، قال : ( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً*وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً *وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا(1/77)
زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً*وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً * ( الإنسان 5-22 ) وأمر بالإحسان إليهم ، قال : (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) (النساء : 36 )؛ وجعل إيتاءهم المال من البر ، قال: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة : 177 ) ؛كما جعله - أي إيتاءهم من مال الله - سببا للمغفرة ، قال : ( وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ(1/78)
لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (النور : 22 ) وجعل لهم نصيباَ في التركات عند قسمتها ، قال : (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً) (النساء : 8 ) ؛ كما جعل لهم حظا في خمس الغنائم ، قال : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأنفال : 41 ) وقال : ( مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الحشر : 7 ) وأدخلهم في الكفارات ، قال في كفارة اليمين: ( لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة : 89 )... وقال في الظهار : ( وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ(1/79)
تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ( الممتحنة 3- 4 )... وقال فيمن لا يقدر على الصيام : (... فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ...) (البقرة : 184 ) ...ولقد ذم الله تعالى الذين لا يهتمون بالمساكين ولا يحضون على طعامهم ، قال : ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ * ) وقال في جواب المجرمين عن سؤال أصحاب اليمين لهم: ( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ) ؟... ( قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ) ( المدثر 43 - 47 ) ،وجعل من لا يحض على طعام المسكين ممن يكذب بالدين وتوعده بالويل، قال : ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ *وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ(1/80)
الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ( * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ * ) ( سورة الماعون )...
هذا ، ولما سأل أشراف قريش وأعيانها النبي صلى الله عليه وسلم أن يخصهم بيوم يجلسون إليه فيه ليسمعوا منه ما جاء به من عند ربه ، على انفراد حيث لا يحضر مجلسهم الفقراء والمساكين ، أنزل الله تعالى عليه : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) ( الكهف 28) ...(1/81)
قال ابن كثيررحمه الله : ... قوله تعالى : {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} أي اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه ويسألونه بكرة وعشياً, من عباد الله سواء كانوا فقراء أو أغنياء, أو أقوياء أو ضعفاء، يقال: إنها نزلت في أشراف قريش حين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس معهم, وحده, ولا يجالسهم بضعفاء أصحابه, كبلال وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود, وليفرد أولئك بمجلس على حدة, فنهاه الله عن ذلك فقال: { (وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) } (الأنعام : 52 ) , وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء, فقال { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا }... وقال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي عن إسرائيل عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد هو ابن أبي وقاص قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترؤون علينا ، قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال, ورجلان نسيت اسميهما, فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشاء الله أن يقع, فحدث نفسه, فأنزل الله عز وجل : {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري.(...) -(1/82)
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن إسحاق الأهوازي, حدثنا أبو أحمد الزبيري, حدثنا عمرو بن ثابت عن علي بن الأقمر, عن الأغر أبي مسلم وهو الكوفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يقرأ سورة الكهف, فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سكت, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم", هكذا رواه أبو أحمد عن عمرو بن ثابت, عن علي بن الأقمر, عن الأغر مرسلاً. وحدثنا يحيى بن المعلى عن المنصور, حدثنا محمد بن الصلت, حدثنا عمرو بن ثابت عن علي بن الأقمر, عن الأغر أبي مسلم, عن أبي هريرة وأبي سعيد, قالا: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يقرأ سورة الحجّ, أو سورة الكهف, فسكت, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم".
- وقال الطبراني: حدثنا إسماعيل بن الحسن, حدثنا أحمد بن صالح, حدثنا ابن وهب عن أسامة بن زيد, عن أبي حازم, عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف قال: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} الاَية, فخرج يتلمسهم, فوجد قوماً يذكرون الله تعالى, منهم ثائر الرأس وجاف الجلد وذو الثوب الواحد, فلما رآهم جلس معهم وقال: " الحمد الله الذي جعل في أمتي من أمرني الله أن أصبر نفسي معهم" عبد الرحمن هذا, ذكره أبو بكر ابن أبي داود في الصحابة. وأما أبوه فمن سادات الصحابة رضي الله عنهم.(1/83)
وقوله {ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا} قال ابن عباس: ولا تجاوزهم إلى غيرهم, يعني تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة, {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا} أي شغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا, {وكان أمره فرطاً } أي أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع, ولا تكن مطيعاً ولا محباً لطريقته, ولا تغبطه بما هو فيه, كما قال: {ولاتمدن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى}....(1/84)
قلت : المساكين الذين يتقون ربهم فيذكرونه بكرةً وعشياً هم القوم ؛ أجل ، هم القوم الذين أمر الله عز وجل رسوله الكريم عليه أزكى الصلاة وأطيب التسليم أن يساله حبهم ... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال: يا محمد ، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت :لا... فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما في السموات وما في الأرض ، فقال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم.. في الكفارات والدرجات... والكفارات المكث في المساجد بعد الصلوات والمشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في المكاره... قال: صدقت يا محمد، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه.. وقال: يا محمد، إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وتتوب علي وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون ...والدرجات إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام .= أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه لأحمد وعبد الرزاق و عبد بن حميد والترمذي من رواية ابن عباس رضي الله عنهما.. وقال الألباني في تحقيقه: (صحيح) = أمر ففعل ، وكان يقول : اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين . = أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه لعبد بن حميد وابن ماجه من رواية أبي سعيد رضي الله عنه، وللطبراني والضياء عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه. .. وقال الألباني في تحقيقه: (صحيح)...وفي سنن الترمذي : اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة... فقالت عائشة :لم يا رسول الله ؟ قال : إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا... يا عائشة لا تردي المسكين ولو بشق تمرة، يا عائشة أحبي المساكين وقربيهم فإن الله يقربك يوم القيامة... =قال أبو عيسى هذا حديث غريب.. وصححه(1/85)
الألباني=... وروى الشيخان عن أسامة بن زيد قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون ... ومن حبه صلى الله عليه وسلم للمساكين أنه كان يعود مرضاهم ويصلي على موتاهم، روى النسائي في سننه قال: أخبرنا قتيبة في حديثه عن مالك عن بن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره أن مسكينة مرضت فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المساكين ويسأل عنهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا ماتت فآذنوني... فأخرج بجنازتها ليلا وكرهوا أن يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بالذي كان منها، فقال: ألم آمركم أن تؤذنوني بها ؟ قالوا: يا رسول الله ، كرهنا أن نوقظك ليلا ... فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صف بالناس على قبرها وكبر أربع تكبيرات ...
فكن يا ابن ملتي محبا للمساكين ، أدنُ منهم بقلب رحيم وتودد إليهم بيد معطاة ،هذا مفتاح من مفاتيح الجنة، قال محب المساكين رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ختم له بإطعام مسكين محتسبا على الله عز وجل دخل الجنة ...= أخرجه الألباني في السلسلة الصحيحة =
*** اللهم حبب إلينا المساكين و أحينا مع المساكين وأمتنا مع المسكين واحشرنا يوم الدين في زمرة المساكين ***
3- ( وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت، )
+ قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) ( النساء 1)(1/86)
** قال ابن كثير رحمه الله : قوله تعالى :{واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} أي واتقوا الله بطاعتكم إياه. قال إبراهيم ومجاهد والحسن {الذي تساءلون به} أي كما يقال: أسألك بالله وبالرحم, وقال الضحاك: واتقوا الله الذي تعاقدون وتعاهدون به, واتقوا الأرحام أن تقطعوها ولكن بروها وصلوها ...
** وقال القرطبي رحمه الله : اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة وأن قطيعتها محرمة. وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء وقد سألته أأصل أمي (نعم صلي أمك) فأمرها بصلتها وهي كافرة. فلتأكيدها دخل الفضل في صلة الكافر،(...... ) والرحم اسم لكافة الأقارب من غير فرق بين المحرم وغيره ...
** وقال الإمام السعدي رحمه الله : .. قرَن تعالى الأمرَ بتقواه ، بالأمر ببر الأرحام ، والنهي عن قطيعتها ، ليؤكد هذا الحق . وإنه كما يلزم القيام بحق الله ، كذلك يجب القيام بحقوق الخلق ، خصوصا الأقربين منهم ، بل القيام بحقوقهم ، هو من حق الله الذي أمر به...
+ وقال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ) (الرعد : 21 )(1/87)
** قال الإمام السعدي رحمه الله : " والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل " .. هذا عام في كل ما أمر الله بوصله ، من الإيمان به ، وبرسوله ، ومحبته ، ومحبة رسوله ، والانقياد لعبادته وحده لا شريك له ، ولطاعة رسوله . ويصلون آباءهم وأمهاتهم ، ببرهم بالقول والفعل ، وعدم عقوقهم ، ويصلون الأقارب والأرحام ، بالإحسان إليهم ، قولا وفعلا . ويصلون ما بينهم وبين الأزواج ، والأصحاب ، والمماليك ، بأداء حقهم ، كاملا موفرا ، من الحقوق الدينية والدنيوية . والسبب الذي يجعل العبد واصلا ما أمر الله به ، أن يوصل خشية الله ، وخوف يوم الحساب ، ولهذا قال : " ويخشون ربهم " أي : يخافونه ، فيمنعهم خوفهم منه ، ومن القدوم عليه يوم الحساب ، أن يتجرأوا على معاصي الله ، أو يقصروا في شيء مما أمر الله به ، خوفا من العقاب ، ورجاء للثواب ...
+ وقال الله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) (محمد : 22 )..
** قال ابن كثير رحمه الله : ...قوله سبحانه وتعالى: {فهل عسيتم إن توليتم} أي عن الجهاد ونكلتم عنه {أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم } ؟ أي تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهلية الجهلاء تسفكون الدماء وتقطعون الأرحام, ولهذا قال تعالى: { أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عموماً, وعن قطع الأرحام خصوصاً, بل وقد أمر الله تعالى بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام, وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال, وقد وردت الأحاديث الصحاح والحسان بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق عديدة ووجوه كثيرة,(1/88)
- قال البخاري: حدثنا خالد بن مخلد, حدثنا سليمان, حدثني معاوية بن أبي مزرد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله تعالى الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقوي الرحمن عز وجل فقال مه, فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة ؛ فقال تعالى: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت: بلى, قال: فذاك لك" قال أبو هريرة رضي الله عنه: اقرءوا إن شئتم {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} ثم رواه البخاري من طريقين آخرين عن معاوية بن أبي مزرد به قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا إن شئتم {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}. ورواه مسلم من حديث معاوية بن أبي مزرد به.
- وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن علية, حدثنا عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن عن أبيه عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من ذنب أحرى أن يعجل الله تعالى عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الاَخرة من البغي وقطيعة الرحم". ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث إسماعيل هو ابن علية به, وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.
- وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن بكر, حدثنا ميمون أبو محمد المرئي, حدثنا محمد بن عباد المخزومي عن ثوبان رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سره النسأ في الأجل والزيادة في الرزق فليصل رحمه". تفرد به أحمد وله شاهد في الصحيح.(1/89)
- وقال أحمد أيضاً: حدثنا يزيد بن هارون, حدثنا حجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لي ذوي أرحام, أصل ويقطعون, وأعفو ويظلمون, وأحسن ويسيئون أفأكافئهم ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "لا, إذن تتركون جميعاً ولكن جد بالفضل وصلهم, فإنه لن يزال معك ظهير من الله عز وجل ما كنت على ذلك" تفرد به أحمد من هذا الوجه وله شاهد من وجه آخر.
- وقال الإمام أحمد: حدثنا يعلى, حدثنا فطر عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرحم معلقة بالعرش وليس الواصل بالمكافىء ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" رواه البخاري.
- وقال أحمد: حدثنا بهز, حدثنا حماد بن سلمة, أخبرنا قتادة عن أبي ثمامة الثقفي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " توضع الرحم يوم القيامة لها حجنة كحجنة المغزل تكلم بلسان طلق ذلق, فتقطع من قطعها وتصل من وصلها"
- وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان, حدثنا عمرو عن أبي قابوس عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن, ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء, والرحم شجنة من الرحمن من وصلها وصلته ومن قطعها بتته" وقد رواه أبو داود والترمذي من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار به, وهذا هو الذي يروى بتسلسل الأولية وقال الترمذي: حسن صحيح.(1/90)
-وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون حدثنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ, أن أباه حدثه أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وهو مريض فقال له عبد الرحمن رضي الله عنه, وصلت رحمك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمها من اسمي, فمن يصلها أصله ومن يقطعها أقطعه فأبته ـ أو قال ـ من بتها أبته" تفرد به أحمد من هذا الوجه, ورواه أحمد أيضاً من حديث الزهري عن أبي سلمة عن الرداد ـ أو أبي الرداد ـ عن عبد الرحمن بن عوف به, ورواه أبو داود والترمذي من رواية أبي سلمة عن أبيه, والأحاديث في هذا كثيرة جداً.
- وقال الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز, حدثنا محمد بن عمار الموصلي, حدثنا عيسى بن يونس عن الحجاج بن الفرافصة, عن أبي عمر البصري عن سليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" وبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا ظهر القول وخزن العمل وائتلفت الألسنة وتباغضت القلوب, وقطع كل ذي رحم رحمه فعند ذلك لعنهم الله وأصمهم وأعمى أبصارهم" والأحاديث في هذا كثيرة, والله أعلم.
قلت : ومن هذه الأحاديث التي أشار إليها ابن كثير رحمه الله ، ما رواه البخاري بسنده ... عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه:أن رجلا قال: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال القوم: ما له ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرب ما له). فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم، ذرها). قال: كأنه كان على راحلته.(1/91)
** قال الإمام النووي رحمه الله : ( وتصل الرحم )، معناه أن تحسن إلى أقاربك ذوي رحمك بما تيسر على حسب حالك وحالهم من إنفاق أو سلام أو زيارة أو طاعة أو غير ذلك... وخص هذه الخصلة من بين خلال الخير نظرا إلى حال السائل كأنه كان لا يصل رحمه فأمره به لأنه المهم بالنسبة إليه ويؤخذ منه تخصيص بعض الأعمال بالحض عليها بحسب حال المخاطب وإفتقاره للتنبيه عليها أكثر مما سواها إما لمشقتها عليه وإما لتسهيله في أمرها ...
قلت : هذا ترغيب في ًلة الرخم وإن أدبرت وبدا منها الجفاء ، ومن باب الترهيب ، فقد روى الشيخان عن جبير بن مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة قاطع).
** قال ابن حجر رحمه الله : وللمصنف- أي البخاري- في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة رفعه : أن أعمال بني آدم تعرض كل عشية خميس ليلة جمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم... ومن حديث بن أبي أوفى رفعه: أن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع الرحم ... وذكر الطيبي أنه يحتمل أن يراد بالقوم الذين يساعدونه على قطيعة الرحم ولا ينكرون عليه ويحتمل أن يراد بالرحمة المطر وأنه يحبس عن الناس عموما بشؤم التقاطع... وللطبراني من حديث بن مسعود: أن أبواب السماء مغلقة دون قاطع الرحم ...
- وروى البخاري وأحمد وأبو دود والترمذي وغيرهم من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها .
** قال ابن حجر رحمه الله : قوله : ( ليس الواصل بالمكافىء ) أي الذي يعطي لغيره نظير ما أعطاه ذلك الغير وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر موقوفا : " ليس الوصل أن تصل من وصلك ذلك القصاص ولكن الوصل أن تصل من قطعك "(1/92)
- قوله : (ولكن ) قال الطيبي الرواية فيه بالتشديد ويجوز التخفيف؛ قوله : ( الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ) أي الذي إذا منع أعطى... وقطعت ضبطت في بعض الروايات بضم أوله وكسر ثانيه على البناء للمجهول وفي أكثرها بفتحتين ، قال الطيبي : المعنى ليست حقيقة الواصل ومن يعتد بصلته من يكافىء صاحبه بمثل فعله ولكنه من يتفضل على صاحبه ، وقال شيخنا في شرح الترمذي : المراد بالواصل في هذا الحديث الكامل فإن في المكافأة نوع صلة بخلاف من إذا وصله قريبه لم يكافئه فإن فيه قطعا باعراضه عن ذلك وهو من قبيل( ليس الشديد بالصرعة ) ..( وليس الغني عن كثرة العرض) انتهى... وأقول لا يلزم من نفى الوصل ثبوت القطع فهم ثلاث درجات واصل ومكافىء وقاطع : فالواصل من يتفضل ولا يتفضل عليه، والمكافىء الذي لا يزيد في الإعطاء على ما يأخذ ، والقاطع الذي يتفضل عليه ولا يتفضل.. وكما تقع المكافأة بالصلة من الجانبين كذلك تقع بالمقاطعة من الجانبين فمن بدأ حيئنذ فهو الواصل فإن جوزي سمي من جازاه مكافئا والله أعلم...
- وروى البيهقي في كتاب الشهادات من سننه... عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثٌُُ من كن فيه حاسبه اللهُ حسابا يسيراً وأدخله الجنةَ برحمته .. قالوا: ما هن يا رسول الله ؟ قال : تعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك ...قال: فإذا فعلت ذلك فما لي يا رسول الله ؟ قال : أن تحاسب حسابا يسيرا ويدخلك الله الجنة برحمته ..
** وقال القاضي عبد الرؤوف المناوي رحمه الله في فيض القدير عند شرح حديث : ( اتقوا الله وصلوا أرحامكم )(1/93)
- قوله : (اتقوا الله) في تجنب المحارم والقيام بالواجب (وصِلُوا) بكسر الصاد وضم اللام مخففة من الصلة وهي العطية (أرحامكم) فإن قطيعتها مما يجب أن يتقي جمع رحم عام في كل رحم محرماً وارثاً وضدهما على الأصح والمراد الإحسان إليهم قولاَ وفعلاً وكف الأذى عنهم وقد تضافرت على ذلك نصوص الكتاب والسنة وكفاك شاهداً على تأكد حقها والتحذير من قطعها قرنه سبحانه إياها باسمه في قوله تعالى {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال في الكشاف: قد آذن عز وجل إذ قرن الأرحام باسمه أن صلتها منه بمكان كما قال {ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً} وفيه أنه يحرم قطع الرحم بل هو من الكبائر.
(ابن عساكر) في تاريخه (عن ابن مسعود) بسند ضعيف... ورواه الطبراني باللفظ المزبور عن جابر وزاد: ( فإنه ليس من ثواب أسرع من صلة الرحم ) .. ورواه ابن جرير وعبد بن حميد عن قتادة وزاد : ( فإنه أبقى لكم في الدنيا وخير لكم في الآخرة) .. وبذلك يصير حسناً. اهـ .. والحديث حسنه الألباني في تحقيقه لجامع السيوطي، وأورده في السلسلة الصحيحة.
*** اللهم اجعلنا ممن يصلون ما أمرت به أن يوصل واجعل بيننا وبين ذوي أرحامنا مودة ورحمة ***
4- ( وأوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائم )
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (المائدة : 54 )(1/94)
** قال ابن كثير رحمه الله : وقوله عز وجل {يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} أي لا يردهم عما هم فيه من طاعة الله, وإقامة الحدود, وقتال أعدائه, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, لا يردهم عن ذلك راد, ولا يصدهم عنه صاد, ولا يحيك فيهم لوم لائم, ولا عذل عاذل... قال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا سلام أبو المنذر عن محمد بن واسع, عن عبد الله بن الصامت, عن أبي ذر, قال: أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع: أمرني بحب المساكين والدنو منهم, وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي, وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت, وأمرني أن لا أسأل أحداً شيئاً, وأمرني أن أقول الحق وإن كان مراً, وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم, وأمرني أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله, فإنهن من كنز تحت العرش. اهـ.(1/95)
**وقال الإمام السعدي رحمه الله: يخبر تعالى أنه الغني عن العالمين ، وأنه من يرتد عن دينه ، فلن يضر الله شيئا ، وإنما يضر نفسه . وأن لله ، عبادا مخلصين ، ورجالا صادقين ، قد تكفل الرحمن الرحيم بهدايتهم ، ووعد بالإتيان بهم ، وأنهم أكمل الخلق أوصافا ، وأقواهم نفوسا ، وأحسنهم أخلاقا . أجل صفاتهم أن الله " يحبهم ويحبونه " . فإن محبة الله للعبد ، هي أجل نعمة أنعم بها عليه ، وأفضل فضيلة ، تفضل الله بها عليه . وإذا أحب الله عبدا ، يسر له الأسباب ، وهون عليه كل عسير ، ووفقه لفعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وأقبل بقلوب عباده إليه ، بالمحبة والوداد . ومن لوازم محبة العبد لربه ، أنه لا بد أن يتصف بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ظاهرا وباطنا ، في أقواله وأعماله ، وجميع أحواله . كما قال تعالى : " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ".. كما أن من لوازم محبة الله للعبد ، أن يكثر العبد من التقرب إلى الله ، بالفرائض والنوافل ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن الله : " وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه " . ومن لوازم محبة الله ، معرفته تعالى ، والإكثار من ذكره . فإن المحبة بدون معرفة بالله ناقصة جدا ، بل غير موجودة ، وإن وجدت دعواها . ومن أحب الله أكثر من ذكره . وإذا أحب الله عبدا ، قبل منه اليسير من العمل ، وغفر له الكثير من الزلل . ومن صفاتهم أنهم " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين "... فهم للمؤمنين أذلة ، من محبتهم لهم ، ونصحهم لهم ، ولينهم ، ورفقهم ، ورأفتهم ، ورحمتهم بهم وسهولة جانبهم ، وقرب الشيء الذي يطلب منهم . وعلى الكافرين بالله ، المعاندين لآياته ،(1/96)
المكذبين لرسله ـ أعزة قد اجتمعت هممهم وعزائمهم ، على معاداتهم ، وبذلوا جهدهم في كل سبب يحصل به الانتصار عليهم . قال تعالى : " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " . وقال تعالى : " أشداء على الكفار رحماء بينهم " فالغلظة الشديدة على أعداء الله ، مما يقرب العبد إلى الله ، ويوافق العبد ربه ، في سخطه عليهم . ولا تمنع الغلظة عليهم والشدة ، دعوتهم ، إلى الدين الإسلامي ، بالتي هي أحسن . فتجتمع الغلظة عليهم ، واللين في دعوتهم ، وكلا الأمرين من مصلحتهم ونفعه عائد إليهم . " يجاهدون في سبيل الله " بأموالهم وأنفسهم ، بأقوالهم وأفعالهم . " ولا يخافون لومة لائم " بل يقدمون رضا ربهم والخوف من لومه على لوم المخلوقين . وهذا يدل على قوة هممهم وعزائمهم ، فإن ضعيف القلب ، ضعيف الهمة ، تنتقض عزيمته عند لوم اللائمين ، وتفتر قوته ، عند عذل العاذلين . وفي قلوبهم تعبد لغير الله ، بحسب ما فيها من مراعاة الخلق وتقديم رضاهم ولومهم ، على أمر الله . فلا يسلم القلب من التعبد لغير الله حتى لا يخاف في الله لومة لائم . ولما مدحهم تعالى بما منَّ به عليهم من الصفات الجميلة ، والمناقب العالية ، المستلزمة لما لم يذكر من أفعال الخير ـ أخبر أن هذا من فضله عليهم وإحسانه ، لئلا يعجبوا بأنفسهم ، وليشكروا الذي منَّ عليهم بذلك ليزيدهم من فضله ،وليعلم غيرهم أن فضل الله تعالى ليس عليه حجاب ، فقال :
" ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم "(1/97)
** وقال ابن عاشور رحمه الله : ...وقوله: { ولا يخافون لومة لائم } صفة رابعة، وهي عدم الخوف من الملامة، أي في أمر الدّين، كما هو السياق...واللومة الواحدة من اللَّوم. وأريد بها هنا مطلق المصدر، كاللّوْم لأنّها لمّا وقعت في سياق النّفي فعمّت زال منها معنى الوحدة كما يزول معنى الجمع في الجمع المعمَّم بدخول ال الجنسية لأنّ (لا) في عموم النّفي مثل (ال) في عموم الإثبات، أي لا يخافون جميع أنواع اللّوم من جميع اللاّئمين إذ اللّوْم منه: شديد، كالتقريع، وخفيف؛ واللائمون: منهم اللاّئم المخيف، والحبيب؛ فنفى عنهم خوفَ جميع أنواع اللّوم. ففي الجملة ثلاثة عمومات: عُموم الفعل في سياق النّفي، وعموم المفعول، وعموم المضاف إليه. وهذا الوصف علامة على صدق إيمانهم حتّى خالط قلوبهم بحيث لا يصرفهم عنه شيء من الإغراء واللوم لأنّ الانصياع للملام آية ضعف اليقين والعزيمة....ولم يزل الإعراض عن ملام اللائمين علامة على الثّقة بالنّفس وأصالة الرأي...
** قال الإمام النووي رحمه الله: قوله : ( وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ) معناه : نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في كل زمان ومكان , الكبار والصغار , لا نداهن فيه أحدا , ولا نخافه هو , ولا نلتفت إلى اللائمة , ففيه : القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... وأجمع العلماء على أنه فرض كفاية فإن خاف من ذلك على نفسه أو ماله أو على غيره , سقط الإنكار بيده ولسانه , ووجبت كراهته بقلبه , هذا مذهبنا ومذهب الجماهير , وحكى القاضي هنا عن بعضهم أنه ذهب إلى الإنكار مطلقا في هذه الحالة وغيرها ...(1/98)
قلت : اللوم : العَذَل والتعنيف...فإن قلت : كيف عاش الصحابة رضي الله عنهم قول الباري عز وجل :( وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ) ؟ قلت: الجواب فيما رواه الشيخان عن عبادة بن الصامت قال:( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، وعلى أثرة علينا ، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله ، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم )... بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا له أوفياء ، وصدعوا معه بالحق فكانوا نجباء نقباء ، وباعوا نفيس الأموال وغالي الأنفس لله فقال فيهم رب العالمين: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة : 111 )...
إنهم الرجال الذين صدقوا في حبهم لله ولرسوله ، وعقلوا معنى قوله تعالى :( وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ) ، فحققوا هذه المحبة على الحقيقة قولا وعملاً ، في القلوب والأحوال، فكان كل فرد منهم كما قال ابن رجب:" لا همَّ للمحب غير ما يرضي حبيبه رضي من رضي، وسخط من سخط ..."(1/99)
روى ابن حبان في صحيحه بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس... وفي رواية له بلفظه ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله ومن أسخط الله برضا الناس وكله الله إلى الناس...ورواه الترمذي في سننه والبيهقي بنحوه في كتاب الزهد الكبير .. وقال الألباني : صحيح لغيره ؛ وقال في السلسلة الصحيحة : وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ : من أسخط الله في رضى الناس سخط الله عليه واسخط عليه من أرضاه في سخطه، ومن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه من أسخطه في رضاه حتى يزينه ويزين قوله وعمله في عينه..
*** اللهم إنا نعوذ برضاك من سخط ، فاربط اللهم على قلوبنا حتى لا نخاف فيك لومة لائم ***
5- ( وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مراً )
الحق اسم من أسماء الله الحسنى ؛ الحق هو الله ، إذ هو الموجود حقيقة ، موجود بذاته على وجه لا يقبل العدم ولا التغيير، فهو الموجود أزلا وأبدا ، وكل موجود سواه فمِنه وإليه سبحانه ، أما العبد إن وُجد فوجوده بالله لا بذاته ، وإن كان حقا فليس بنفسه بل هو حق بالله ، وهو بذاته باطل لولا أن الله أوجده ، ولا وجود لأي موجود إلا بالله ، وكل شىء هالك إلا وجه الله الكريم كما قال سبحانه :( ... لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص : 88 ).. وقال : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) ( الرحمن 26 - 27 ) ، فالله تعالى هو الثابت الذى لا يزول ، المتحقق الوجود قبل وبعد كل موجود.(1/100)
وكلمة الحق لها معانٍ عديدة حيث تُطلق على القرآن ..والعدل ..والإسلام .. والصدق ..، وأما الوصف بالحق فلا يتحلى به أحد من الخلْق إلا على سبيل الصفة المؤقتة ، لها بداية ونهاية ، وسيفنى كل ملك ظاهر وباطن بفناء الدنيا ولا يبقى إلا ملكُ المولى الحق وحده لا شريك له...إليه المرجع وكل موجود إليه مردُّه ،قال جل ثناؤه: ( ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ) (الأنعام : 62 )
+ قال تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الحج : 6 )...وقال: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (الحج : 62 )...وقال : (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (المؤمنون : 116)...وقال : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (لقمان : 30 )...(1/101)
* والحق من الله وحده ، وقد نهى سبحانه عن الإمتراء فيه ، فقال مخاطبا خليله المصطفى صلى الله عليه وسلم : (الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (البقرة : 147 )... وقال: ( الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ ) (آل عمران : 60 ) ... وقال:( لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) (يونس : 94 )... وأمره أن يصدع به، قال عز وجل : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ) (يونس : 108 )... وقال : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً) (الكهف : 9 2)...
+ وسمى الله تعالى القرآن الكريم حقّاً ، قال: ( وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ) (الأنعام : 66 ) وقال: ( المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ) (الرعد : 1 )(1/102)
* ولقد نهى الله تعالى عن تلبيس الحق بالباطل وعاب سبحانه على أهل الكتاب كتمانهم له، قال :( وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (البقرة : 42 )... ، وقال: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (آل عمران : 71 )... إنهم قوم لا يفقهون ، ولو فقهوا لعلموا أن الحق يعلو أبدا ، فلا التلبيس يطفيء نوره ولا الكتمان يخمد جدوته ، قال الله تعالى : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) (الأنفال : 8 ) ... وقال : ( وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (يونس : 82 )... وضرب لذلك مثلا ،قال : ( أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ) (الرعد : 17) ...وأمر حبيبه المجتبى أن يقول للناس كافة :
( جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) (الإسراء : 81 )...وأن يقول : (جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) (سبأ : 49 )...وقال : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء : 18 ) ... إن الباطلَ مهما كثُر هواتُه سافلٌ منكسر ، والحق وإن قلَّ أتباعه عالٍ منتصر.. ويستمر الصراع بين الباطل في خندق الكفر ، والحق على قمم الجبال الراسيات...(1/103)
+ قال تعالى: ( ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ) (محمد : 3 ) ... قال الإمام القرطبي رحمه الله :... فالكافر اتبع الباطل، والمؤمن اتبع الحق. والباطل: الشرك. والحق: التوحيد والإيمان.... وقال الإمام السعدي رحمه الله : " اتبعوا الحق " الذي هو الصدق واليقين ، وما اشتمل عليه هذا القرآن العظيم الصادر " من ربهم " الذي رباهم بنعمته ، ودبرهم بلطفه فرباهم تعالى بالحق ، فاتبعوه ، فصلحت أمورهم . فلما كانت الغاية المقصودة لهم ، متعلقة بالحق المنسوب إلى الله الباقي ، الحق المبين ، كانت الوسيلة صالحة باقية ، باقيا ثوابها .... قلت : الصدق واليقين الذي اتبعه المومنون هو الإسلام الذي أرسل اللهُ به خاتمَ أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً) (الفتح : 28 )... وقال : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (الصف : 9 )... وقال : (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ) (البقرة : 119 )... والهدى هو الكتاب المبين ، (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) (البقرة : 2 ) ، نزله بالحق ، قال سبحانه : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) (البقرة : 176 )... وقال : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ) (آل عمران : 3 )... ( إِنَّا(1/104)
أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ) (الزمر : 2 ).. ( وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً) (الإسراء : 105 )... فمن تمسك به قولا وعلما وعملا وتبليغا كان من أهل الحق ...الحق الذي ما خلق الله مخلوقا إلا به ، قال سبحانه : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (الأنعام : 73 )...وقال : (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (الحجر : 85 ) ...وقال : (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (النحل : 3 ) ... وقال : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (يونس : 5 )...(1/105)
أما قول أبي ذر رضي الله عنه : ( وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مراً ) وفي رواية أحمد :( وأمرني أن أقول بالحق و إن كان مراً ) ...فإن الحق بمرجعيته ، القرآن والسنة ، قوي وله وقع على النفوس، فمن طابت نفسه واتسع صدره أحبه واعتمده ووجد له في قلبه المطمئن بالإيمان حلاوةً ، ومن خبثت نفسه وضاقت أضلعه كرهه ورماه هواه في أحضان الباطل ، ووجد للحق مرارة يتجرعها ولا يكاد يسيغها ... وقول الحق لايقتصر فيه قائله على الغير، بل يقوله حتى على نفسه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صِلْ من قطعك وأحسن إلى من أساء إليك وقل الحق ولو على نفسك . ) = عزاه السيوطي في الجامع الصغير لأبن النجار ، من رواية علي رضي الله عنه ، وصححه الألباني = قال القاضي عبد الرؤوف المناوي رحمه الله : (صِلْ من قطعك) بأن تفعل معه ما تعد به واصلا فإن انتهى فذاك وإلا فالإثم عليه (وأحسن إلى من أساء إليك) ومن ثم قال الحكماء : كن للوداد حافظا وإن لم تجد محافظا وللخل واصلا وإن لم يكن مواصلا ، وقال الغزالي : رأيت في الإنجيل قال عيسى ابن مريم : لقد قيل لكم من قبل إن السن بالسن والأنف بالأنف ، والآن أقول لكم : لا تقاوموا الشر بالشر بل من ضرب خدك اليمين فحول إليه اليسار ، ومن أخذ رداءك فأعطه إزارك، ومن سخرك معه ميلا فسر معه ميلين، وكل ذلك أمر بالصبر على الأذى ... (وقل الحق ولو على نفسك)... فإنك إذا فعلت ذلك انقلب عدوك المشاق مثل الولي الحميم مصافاة لك وما يلقى هذه الخليقة التي هي مقابلة القطع بالوصل والإساءة بالإحسان إلا أهل الصبر وإلا رجل خير وفق لحظ عظيم من الخير * ((وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت : 35) قال في الإتحاف : هذا الحديث تعليم بمعالم الأخلاق التي يسبق بها مع السباق.(1/106)
(ابن النجار) في تاريخ بغداد (عن علي) أمير المؤمنين....قال ابن حجر : ورويناه في جزء لابن شاذان عن أبي عمرو بن السماك من حديث علي بن الحسين عن جده علي بن أبي طالب قال : ضممت إلي سلاح النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت في قائم سيفه رقعة فيها : صل من قطعك...
قلت : ويدخل قول الحق في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهنا لا بد للقائل به أن يتسلح بالصبر كما جاء في القرأن الكريم على لسان لقمان الحكيم وهو يعظ ابنه : ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان : 17 )... فالصبر الصبر إخواني دعاة الحق...واعلموا - وفقني الله وإياكم لقول الحق فلا نخاف في الله لومة لائم - أن للحق أهل في كل زمان ومكان حتى قيام الساعة ... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال ) = رواه أبو داود ، وفي حديث آخر : ( ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله )= أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ، من رواية ثوبان رضي الله عنه ...ولفظ مسلم : لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك .... وراه البخاري.. عن المغيرة بن شعب رضي الله عنه ، ومتنه : لا يزال ناس من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون . فلننضم جميعا إلى هذه الطافة المنصورة بإذن الله ،كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال طائفة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل) = رواه ابن ماجه من حديث ثوبان رضي الله عنه = ولنحذر من الوقوف إلى جانب أهل الباطل ولو كانوا أولي قربى لأن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : من نصر(1/107)
قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي فهو ينزع بذنبه .. = رواه أبو داود =
*** اللهم لك الحمد ، أنت الحق ، ووعدك حق ، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق ، والساعة حق ، والنبيون حق، ومحمد حق ؛ اللهم لك أسلمنا ، وبك آمننا ، وعليك توكلنا ، وإليك أنبنا ، وبك خاصمنا ، وإليك حاكمنا ... فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنّا ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت ، ولا إله غيرك، ولا حول ولاقوة إلا بك ...***
*** اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ، إنك سميع مجيب ***
6- ( وأوصاني أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة.)
** معنى لا حول ولا قوة إلا بالله ...
- قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري لابن حجر :
مَعْنَى لَا حَوْلَ لَا تَحْوِيلَ لِلْعَبْدِ عَنْ مَعْصِيَة اللَّه إِلَّا بِعِصْمَةِ اللَّه ، وَلَا قُوَّة لَهُ عَلَى طَاعَة اللَّه إِلَّا بِتَوْفِيقِ اللَّه ؛ وَقِيلَ مَعْنَى لَا حَوْل لَا حِيلَة ، وَقَالَ النَّوَوِيّ : هِيَ كَلِمَة اِسْتِسْلَام وَتَفْوِيض وَأَنَّ الْعَبْد لَا يَمْلِك مِنْ أَمْره شَيْئًا وَلَيْسَ لَهُ حِيلَة فِي دَفْع شَرّ وَلَا قُوَّة فِي جَلْب خَيْر إِلَّا بِإِرَادَةِ اللَّه تَعَالَى .
- روى الحاكم في مستدركه بسنده ،قال : ... عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله قال الله أسلم عبدي واستسلم.) .
- وقال المباركفوري رحمه الله في تحفة الأحوذي :(1/108)
مِنْ كَنْزِ الْجَنَّةِ "أَيْ مِنْ ذَخَائِرِ الْجَنَّةِ أَوْ مِنْ مُحَصِّلَاتِ نَفَائِسِ الْجَنَّةِ . قَالَ النَّوَوِيُّ الْمَعْنَى أَنَّ قَوْلَهَا يُحَصِّلُ ثَوَابًا نَفِيسًا يُدَّخَرُ لِصَاحِبِهِ فِي الْجَنَّةِ .- وقال : ( كَنْز مِنْ كُنُوز الْجَنَّة ) : جُعِلَتْ الْكَلِمَة مِنْ كُنُوز الْجَنَّة بِاعْتِبَارِ أَنَّ قَائِلهَا يَمْلِكهَا بِسَبَبِهَا وَفِي النِّهَايَة أَيْ أَجْرهَا مُدَّخَر لِقَائِلِهَا وَالْمُتَّصِف بِهَا كَمَا يُدَّخَر الْكَنْزُ . - وقال : ( ألا أعلمك كنزا من كنوز الجنة : لا حول ولا قوة إلا بالله )... قال النووي: قال العلماء: سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان له ، وأنه لا صانع غيره ، ولا راد لأمره ... وأن العبد لا يملك شيئا في الأمر . ومعنى الكنز هنا أنه ثواب مدَّخَر في الجنة ، وهو ثواب نفيس كما أن الكنز أنفس أموالكم . قال أهل اللغة الحول الحركة والحيلة أي لا حركة ولا استطاعة ولا حيلة إلا بمشيئة الله تعالى , وقيل معناه لا حول في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله , وقيل لا حول عن معصية الله إلا بعصمته ولا قوة على طاعته إلا بمعونته وحكي هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه وكله مقارب.... انتهى .
وأخرج أحمد والترمذي وصححه ابن حبان عن أيوب ... أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام فقال : يا محمد، مر أمتك أن يكثروا من غراس الجنة .. قال : وما غراس الجنة ؟ قال : لا حول ولا قوة إلا بالله .(1/109)
** وهذه الكلمة الطيبة التي هي من أحب الكلام إلى الله تعالى كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قال :( أحب الكلام إلى الله : سبحان الله لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، سبحان الله وبحمده .).= البخاري في الأدب المفرد = جاء في فضلها حديث كثير وتدخل في جملة من الأذكار :
- روى ابن حبان في صحيحه ، كتاب الرقائق - باب الأذكار ، قال : أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى ، قال: حدثنا أبو خيثمة ، قال: حدثنا ابن أبي بكير ، قال: حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الأغر أبي مسلم عن أبي سعيد الخدري و أبي هريرة قالا: : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قال العبد: لا إله إلا الله، والله أكبر، صدقه ربه. قال: صدق عبدي، لا إله إلا أنا، وأنا أكبر، وإذا قال:لا إله إلا الله وحده، صدقه ربه، قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا وحدي. وإذا قال: لا إله إلا الله لا شريك له، صدقه ربه قال: صدق عبدي، لا إله إلا أنا لا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله له الملك، صدقه ربه، قال: صدق عبدي، لا إله إلا أنا، لي الملك ولي الحمد، وإذا قال: لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، صدقه ربه، وقال: صدق عبدي، لا إله إلا أنا، ولا حول ولا قوة إلا بي)...= وأخرجه أبو يعلى في مسنده ، ولفظه : حدثنا سويد ، حدثنا عاصم بن هلال أبو النضر ، عن محمد بن جحادة ، عن أبي إسحاق الهمداني عن الأغر ، قال : أشهد على أبي هريرة و أبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله ـ صلى الله ليه و سلم ـ يقول : : (خمس من قالهن صدقه الله : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لا إله إلا الله و الله أكبر، لا إله إلا الله و لا حول ولا قوة إلا بالله .) قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : من تكلم بهؤلاء الكلمات في مرضه حرمه الله على النار )...(1/110)
قلت : قول رب العالمين :( صدق عبدي ) كاف لأن فيه شهادة للعبد من مولاه بالصدق وتكريم له بأن نسبه إليه...ولهذا رغب في قولها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالإكثار منها ...
- عن ابن عمر أن النبي صلي الله عليه وسلم ثال : أكثروا من غرس الجنة فإنه عذب ماؤها طيب ترابها فأكثروا من غراسها لا حول ولا قوة إلا بالله . = رواه الطبراني ؛ وحسنه الألباني في تحقيق الجامع الصغير للسيوطي.=
- حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أو قال لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر... الله أكبر... لا إله إلا الله ...فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اربعوا على أنفسكم ، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم... وأنا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعني وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله... فقال لي: يا عبد الله بن قيس ، قلت: لبيك يا رسول الله.. قال: ألا أدلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة ؟ قلت: بلى يا رسول الله، فداك أبي وأمي... قال : لا حول ولا قوة إلا بالله... = متفق عليه =
- حدثنا أبو كريب حدثنا أبو خالد الأحمر عن هشام بن الغاز عن مكحول عن أبي هريرة قال، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة...
قال مكحول فمن قال لا حول ولا قوة إلا بالله ولا منجأ من الله إلا إليه كشف عنه سبعين بابا من الضر أدناهن الفقر ...= رواه الترمذي وقال : هذا حديث ليس إسناده بمتصل ، مكحول لم يسمع من أبي هريرة =(1/111)
وقال المنذري في الترغيب والترهيب بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه : ورواه النسائي والبزار مطولا ورفعا ولا ملجأ من الله إلا إليه... ورواتهما ثقات محتج بهم ... ورواه الحاكم وقال: صحيح ولا علة له، ولفظه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أعلمك أو ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة ؟ تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله ، فيقول الله أسلم عبدي واستسلم . وفي رواية له وصححها أيضا قال : يا أبا هريرة ، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ قلت بلى يا رسول الله ... قال : تقول لا حول ولا قوة إلا بالله ولا ملجأ ولا منجأ من الله إلا إليه .
- حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثني أبي قال : سمعت منصور بن زاذان يحدث عن ميمون بن أبي شبيب عن قيس بن سعد بن عبادة أن أباه دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه ، قال: فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وقد صليت فضربني برجله وقال : ألا أدلك على باب من أبواب الجنة ؟ قلت: بلى... قال : لا حول ولا قوة إلا بالله = رواه الترمذي و قال : هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه = قال المناوي : لما تضمنت هذه الكلمة براءة النفس من حولها وقوتها إلى حول الله وقوته كانت موصلة إليها- أي إلى الجنة - والباب ما يُتَوَصَّل منه إلى المقصود .
? عند الخروج من البيت(1/112)
- حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي حدثنا أبي حدثنا ابن جريج عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال - يعني إذا خرج من بيته- بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله يقال له كفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان ... = رواه الترمذي و قال : هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه = .. وأخرجه أبو داود ، ومتنه : ( إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال يقال حينئذ هديت وكفيت ووقيت فتتنحى له الشياطين فيقول له شيطان آخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي)... ولفظه عند ابن ماجه : عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال: ( بسم الله لا حول ولا قوة إلا بالله التكلان على الله)...وفي حديث آخر : ( إذا خرج الرجل من باب بيته أو من باب داره كان معه ملكان موكلان به فإذا قال بسم الله قالا هديت وإذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله قالا وقيت وإذا قال توكلت على الله قالا كفيت قال فيلقاه قريناه فيقولان ماذا تريدان من رجل قد هدي وكفي ووقي)...ورواه ابن حبان ،.. عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: : ( إذا خرج من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له: حسبك قد كفيت وهديت ووقيت. فيلقى الشيطان شيطاناً آخر فيقول له: كيف لك برجل قد كفي وهدي ووقي).... وفي مسند أحمد.. عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من مسلم يخرج من بيته يريد سفراً أو غيره فقال حين يخرج : بسم الله ، آمنت بالله ، اعتصمت بالله ، توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، إلا رزق خير ذلك المخرج وصرف عنه شر ذلك المخرج .).
? دبر كل صلاة(1/113)
- وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا هشام عن أبي الزبير قال كان ابن الزبير يقول في دبركل صلاة حين يسلم : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون... وقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة = رواه مسلم =
? عند النوم حين يأوي العبد إلى فراشه
- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن التبي صلى الله عليه وسلم : من قال حين يأوي إلى فراشه : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لاحول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ، سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ) ؛ غفرت له ذنوبه أوخطاياه - شك مسعر - وإن كانت مثل زبد البحر ..= المنذري في الترغيب ،وصححه الألباني =
? عندما يسمع قول المؤذن : حيَّ على....
- حدثني إسحاق بن منصور أخبرنا أبو جعفر محمد بن جهضم الثقفي حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمارة بن غزية عن خبيب بن عبد الرحمن بن إساف عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة).= رواه مسلم =
? بين يدي طلب المغفرة والرحمة والهداية والرزق والعافية(1/114)
- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر وابن نمير عن موسى الجهني ح. وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير واللفظ له حدثنا أبي حدثنا موسى الجهني عن مصعب بن سعد عن أبيه قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : علمني كلاما أقوله.. قال: قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا سبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم ... قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال: قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني.. = رواه مسلم =... وأخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده ، ومتنه : أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ، علمني كلاماً أقوله . قال : قل : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الله أكبر كبيراً ، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله رب العالمين ، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم ... قال : هؤلاء لربي ، فما لي ؟ قال : قل : اللهم اغفر لي ، وارحمني ، واهدني ، وارزقني ، وعافني ).
? بعد صلاة الإستخارة
- أخبرنا أبو خليفة ، قال: حدثنا علي بن المديني ، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال: حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، قال: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا أراد احدكم أمراً، فليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كان كذا وكذا- للأمر الذي يريد- خيراً لي في ديني ومعيشتي وعاقبة أمري، فاقدره لي ويسره لي وأعني عليه، وإن كان كذا وكذا- للأمر الذي يريد- شراً لي في ديني ومعيشتي وعاقبة أمري، فاصرفه عني، ثم اقدر لي الخير أينما كان، لا حول ولا قوة إلا بالله ). = رواه ابن حبان =
? من رأى شيئا من " الطيرة "(1/115)
- أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : : ( أصدق الطيرة الفأل ولا ترد مسلماً ، فمن رأى من ذلك شيئاً فليقل : اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ، ولا يدفع السيئات إلا أنت ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم يمضي لحاجته .). = عبد الرزاق في مصنفه =
? من أبطأ عليه رزقه
- حدثنا محمد بن أبي غسان الفرائضي أبوغسان المصري ، حدثنا محمد بن عمرو بن سلمة المرادي ، حدثنا يونس بن تميم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من ألبسه الله نعمة فليكثر من الحمد لله ، ومن كثرت ذنوبه فليستغفر الله ، ومن أبطأ رزقه فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله ، ومن نزل مع قوم فلا يصومن إلا بإذنهم ، ومن دخل دار قوم فليجلس حيث أمروه ، فإن القوم أعلم بعورة دارهم .). =الطبراني في المعجم الصغير =
? لدفع الضر
- حدثنا الحكم بن معبد الخزاعي ، حدثنا محمد بن أبي عمر العدني ، حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي راود ، حدثنا بلهط بن عباد ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : : (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرمضاء فلم يشكنا ، وقال : ( أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله ، فإنها تدفع تسعة وتسعين باباً من الضر أدناها الهم والفقر ). =الطبراني في المعجم الصغير =
? عند التعار من الليل(1/116)
- عن عبادة بن الصامت قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من تعار من الليل فقال حين يستيقظ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله... ثم دعا : رب اغفر لي.. قال الوليد أو قال :دعا استجيب له ، فإن قام فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته... = رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ؛ وقال الشيخ الألباني : صحيح.=
? من لا يقدر على أخذ شيء من القرآن
- حديث عبد الله ابن أبي أوفى قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمني ما يجزئني فقال: قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله =رواه النسائي ؛ وقال الشيخ الألباني : حسن ... وأخرجه أبو داود ، وفيه : قال يا رسول الله ، هذا لله فما ذا لي ؟ قال: قل اللهم ارحمني وعافني واهدني وارزقني . فقال هكذا بيديه وقبضهما . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد ملأ يديه من الخير .= قال الشيخ الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح : حسن =
- وأخرجه الدارقطني من وجهين وبوب له بقوله : باب ما يجزيه من الدعاء عند العجز عن قراءة فاتحة الكتاب
- ... عن عبد الله بن أبي أوفى قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه لا يستطيع أن يأخذ من القرآن شيءً ، وقال ابن عيينة ، فقال : يا رسول الله علمني شيئا يجزيني من القرآن فإني لا أقرأ ؟ قال: قل سبحان الله والحمد لله ولاإله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله... قال : فضم عليها بيده ، وقال هذا لربي فما لي؟ قال : قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني ... فضم بيده الأخرى وقام ...(1/117)
-... عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن فما يجزيني في صلاتي؟ قال: تقول سبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والله أكبر ولا إله إلا الله... قال هذا لله فما لي ؟ قال: تقول اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني وعافني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هذا فقد ملأ يديه من الخير وقبض كفيه..
? لتكفير الخطايا
- عن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما على الأرض أحد يقول لا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله إلا كفرت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر . =رواه أحمد والترمذي؛ وقال الشيخ الألباني : حسن .
? عند القيام من الليل للتهجد
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: ( اللهم لك الحمد، أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، لك ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد_ أنت ملك السموات والأرض، ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، أو: لا إله غيرك)....قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية: (ولا حول ولا قوة إلا بالله). قال سفيان: قال سليمان بن أبي مسلم: سمعه من طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم.= رواه البخاري(1/118)
- ورواه النسائي ؛ ومتنه : اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيام السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت حق ووعدك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق والنبيون حق ومحمد حق ، لك أسلمت وعليك توكلت وبك آمنت... ثم ذكر قتيبة كلمة معناها : وبك خاصمت وإليك حاكمت ...اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا اله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله... =
? لا حول ولا قوة إلا بالله من الباقيات الصالحات
- عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : استكثروا من الباقيات الصالحات... قيل : وما هي يا رسول الله ؟ قال: الملة.. قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال : الملة... قيل : وما هي يا رسول الله؟ قال: الملة... قيل :وما هي يا رسول الله؟ قال: التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد ولا حول ولا قوة إلا بالله. = رواه أحمد =
-.. وعن الحارث مولى عثمان قال جلس عثمان رضي الله عنه يوما وجلسنا معه فجاء المؤذن فدعا بماء في إناء أظنه يكون فيه مد فتوضأ ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا ، ثم قال : من توضأ وضوئي هذا ثم قام يصلي صلاة الظهر غفر له ما كان بينها وبين الصبح ثم صلى العصر غفر له ما كان بينها وبين الظهر ثم صلى المغرب غفر له ما كان بينها وبين العصر ثم صلى العشاء غفر له ما كان بينها وبين المغرب ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته ثم إن قام فتوضأ فصلى الصبح غفر له ما بينها وبين صلاة العشاء وهن الحسنات يذهبن السيئات ... قالوا هذه الحسنات ، فما الباقيات يا عثمان ؟ قال : هي لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله... = رواه أحمد بإسناد حسن وأبو يعلى والبزار .. وأخرجه المنذري في الترغيب والترهيب ؛وقال الألباني رحمه الله : حسن لغيره .
? أثناء الطواف ببيت الله الحرام(1/119)
عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من طاف بالبيت سبعا ولا يتكلم إلا بسبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، محيت عنه عشر سيئات, وكتبت له عشر حسنات، ورفع له بها عشرة درجات )= رواه ابن حبان..
*** لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .***
*** لا حول ولا قوة إلا بالله السميع العليم. ***
*** لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم. ***
7- ( وأوصاني أن لا أسأل الناس شيئا ...)
- حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان عن أبي اليمان وأبي المثنى أن أبا ذر قال : بايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وأوثقني سبعا وأشهد الله علي تسعا أن لا أخاف في الله لومة لائم ؛ قال أبو المثنى قال أبو ذر فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل لك إلى بيعة ولك الجنة ؟ قلت: نعم ، وبسطت يدي... فقال رسول الله وهو يشترط علي: أن لا تسأل الناس شيئا ...قلت: نعم ..قال: ولا سوطك إن يسقط منك حتى تنزل إليه فتأخذه ...
- طرف الحديث : لا تسأل الناس شيئا ولا سوطك وإن سقط منك حتى تنزل إليه فتأخذه ....أخرجه أحمد في مسنده من رواية أبي ذر رضي الله عنه، وصححه الألباني رحمه الله في تحقيق الجامع الصغير ...
- وأخرجه ابن ماجه في سننه عن ثوبان رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن يتقبل لي بواحدة أتقبل له بالجنة ؟ قلت: أنا... قال: لا تسأل الناس شيئا ...قال: فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد ناولنيه حتى ينزل فيأخذه ... قال الشيخ الألباني رحمه الله : صحيح ..(1/120)
- وحديث ثوبان رضي الله عنه أورده المنذري في الترغيب والترهيب ، وعزاه لأحمد وابن ماجه والنسائي وأبي داود ، ولفظه : ... عن ثوبان رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا أتكفل له بالجنة ؟ فقلت : أنا...فكان لا يسأل أحدا شيئا ...قال الشيخ الألباني رحمه الله : صحيح ..
وفي سنن ابن ماجه :... عَن ثوبان؛ قَالَ: قال رَسُول اللَّهِ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّمْ: من يتقبل لي بواحدة أتقبل له بالجنة؟ . قلت: أنا. قَالَ : لا تسأل الناس شيئاً....قال، فكان ثوبان يقع سوطه، وهو راكب، فلا يقول لأحد ناولنيه. حتى ينزل فيأخذه.
(من يتقبل) مَن استفهامية. أي أيكم يضمن لي بخصلة واحدة، وهي حفظ نفسه من السؤال، وأنا أضمن له بالجنة. (لا تسأل الناس شيئاً) أي من مالهم .
وفي معجم الطبراني الكبير:... عن ثوبان قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يضمن لي خلة فأضمن له الجنة ؟ فقلت: أنا يا رسول الله.. قال : لا تسأل الناس شيئا... قال فإن كان ثوبان ليسقط سوطه وهو على بعيره فيذهب الرجل يناوله فينيخ بعيره فيأخذ سوطه .
وفي رواية أخرى عند الطبراني في معجمه الكبير : ... عن عطية بن سعد قال: وفدت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من بني سعد ، وكنت أصغرهم فخلفوني في رحالهم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضوا حوائجهم ، فقال: بقي أحد ؟ قالوا : نعم يا رسول الله، غلام بقي في رحالنا... فأمرهم أن يدعوني فأتيته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما انطاك الله فلا تسأل الناس شيئا فإن اليد العليا هي المنطية وان اليد السفلى هي المنطاة وأن الله هو المسؤول والمنطي ... فكلمني رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغتنا ..(1/121)
- وفي رواية لأبي داود عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أو ثمانية أو تسعة فقال : ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وكنا حديثي عهد ببيعة ، قلنا : قد بايعناك. حتى قالها ثلاثا... فبسطنا أيدينا فبايعناه، فقال قائل : يا رسول الله إنا قد بايعناك ، فعلامَ نبايعك ؟قال: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وتصلوا الصلوات الخمس ، وتسمعوا وتطيعوا... وأسر كلمة خفية قال: ولا تسألوا الناس شيئا ... قال فلقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوطه فما يسأل أحدا أن يناوله إياه...
? قال القاضي عبد الرؤوف المناوي رحمه الله ، في فيض القدير: (لا تسأل الناس شيئاً) إرشاداً إلى درجة التوكل والتفويض إليه سبحانه (ولا سوطك) أي مناولته (وإن سقط منك حتى تنزل إليه) عن الدابة (فتأخذه) تتميم ومبالغة في الأمر بالكف عن السؤال، قال ابن الجوزي: احتاجت رابعة فقيل لها: لو أرسلت إلى قريبك فلاناً فبكت وقالت: اللّه أعلم أني استحي أن أطلب منه الدنيا وهو يملكها فكيف أسألها من لا يملكها. قال في الحكم: ربما استحيى العارف أن يرفع حاجته إلى مولاه اكتفاء بمشيئته فكيف لا يستحي أن يرفعها إلى خليقته.
قلت: من سأل الناس غفل عن التوجه إلى الله بمسألته ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ،فيما أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه لأحمد والترمذي والحاكم ، وقال الشيخ الألباني رحمه الله : صحيح ... من رواية ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام ورفعت الصحف .(1/122)
- ولفظ الحاكم : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : اهدي إلى النبي صلى الله عليه و سلم بغلة، أهداها له كسرى، فركبها بحبل من شعر ثم أردفني خلفه ثم سار بي ملياً ثم التفت فقال: يا غلام..قلت : لبيك يا رسول الله قال : احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، قد مضى القلم بما هو كائن ، فلو جهد الناس أن ينفعوك بما لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه ، ولو جهد الناس أن يضروك بما لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه ، فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل ، فإن لم تستطع فاصبر فإن في الصبر على ما تكرهه خيراً كثيراً ، واعلم أن مع الصبر النصر ، واعلم أن مع الكرب الفرج ، واعلم أن مع العسر اليسر ...
- وفي شعب الإيمان للبيهقي ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كنت رديف النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا غلام ، أو يا بني، أوَ لا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ؟ قلت : بلى ، قال : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، إذا سألت فاسأل الله ، و إذا استعنت فاستعن بالله ، قد جف القلم بما هو كائن ، فلو أن الخلق كلهم جميعاً أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه ، و إن أرادوا أن يضروك بشيء لم يقضه الله عليك لم يقدروا عليه ، و اعمل لله بالشكر في اليقين ، و اعلم أن الصبر على ما تكره خير كثير ، و أن النصر مع الصبر و أن الفرج مع الكرب ، و أن مع العسر يسرا ).(1/123)
- وله لفظ آخر وهو : عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا غلام ، ألا أعلمك كلمات لعل الله أن ينفعك بهن ؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، إذا سألت فاسأل الله ،وإذا استعنت فاستعن بالله ، قد جف القلم بما هو كائن... فلو اجتمع الخلق على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله في أم الكتاب لم يستطيعوا ،ولو اجتمع الخلق على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله في أم الكتاب لم يستطيعوا ، فإن استطعت أن تعمل لله بالرضا و اليقين فافعل ،وإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً ...
- وله لفظ آخر وهو : يا غلام أو يا غليم ! احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم يقدروا على ذلك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا على ذلك قضي القضاء ، وجفت الأقلام ، وطويت الصحف ...
- فإن كانت الأمة ، وجميع الناس ، وكل الخلق لو اجتمعوا ، لا يملكون نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله وكتب ، فإن المسلم العاقل الذي يردد ليل نهار: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) ، لن يستعين إلا بالله القوي المتين ، ولن يدعو إلا الله السميع العليم، ولن يسأل إلا الله الغني الكريم الذي له خزائن السماوات والأرض...(1/124)
- ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سؤال الناس ؛ روى أحمد وأبو داود والحاكم عن مَالِكِ بنِ نَضْلَةَ والد أبي الأحوص الصحابي. قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الأَيْدِي ثَلاَثَةٌ: فَيَدُ الله الْعُلْيَا، وَيَدُ المُعْطِي الّتِي تَلِيهَا، وَيَدُ السّائِلِ السّفْلَى، فَأَعْطِ الفَضْلَ وَلاَ تَعْجِزْ عَنْ نَفْسِكَ".
? قال الإمامِ المناوي فيض القدير، شرح الجامع الصغير : (الأيدي ثلاثة فيَد اللّه) هي (العليا) لأنه المعطي في الحقيقة (ويد المعطي) أي المناول (التي تليها) وفيه حث على التصدق (ويد السائل) أي الآخذ للصدقة (السفلى) وفيه زجر للسائل عن سؤاله الخلق وحث له على الرجوع إلى مولاه الحق (فأعط الفضل) أي الفاضل عن عيالك (ولا تَعجِز) بفتح التاء وكسر الجيم: بعد عطيتك (عن) نفقة (نفسك) ومن تلزمك نفقته بأن تتصدق بمالك كله ثم تقعد تسأل الناس.
? وقال الآبادي في عون المعبود، شرح سنن أبي داوود :
1- عن أبي سعيد الخدري أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى إذا نفد ما عنده قال: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطى الله أحدا من عطاء أوسع من الصبر...(1/125)
.(أن ناساً من الأنصار): لم يتعين لي أسماؤهم إلا أن النسائي روى من طريق عبدالرحمَن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه ما يدل على أن أبا سعيد راوي هذا الحديث خوطب بشيء من ذلك ، ولفظه: أخبرنا قتيبة قال حدثنا بن أبي الرجال عن عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال : سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وقعدت فاستقبلني وقال: من استغنى أغناه الله عز وجل ، ومن استعف أعفه الله عز وجل، ومن استكفى كفاه الله عز وجل ، ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف... فقلت ناقتي الياقوتة خير من أوقية فرجعت ولم أسأله . ذكره في فتح الباري (حتى إذا نفِذ): بكسر الفاء أي فرغ وفى (من خير): أي مال، ومن بيان لما ، وما خبرية متضمنة للشرط ، أي لو كان شيء من المال موجود عندي أعطيكم.. (فلن أدخره عنكم): أي أحبسه وأخبؤه وأمنعكم إياه منفرداً به عنكم. وفيه ما كان عليه من السخاء وإنفاذ أمر الله. وفيه إعطاء السائل مرتين والاعتذار إلى السائل والحض على التعفف. وفيه جواز السؤال للحاجة، وإن كان الأولى تركه والصبر حتى يأتيه رزقه بغير مسألة (ومن يستعفف): أي من يطلب من نفسه العفة عن السؤال.(1/126)
قال الطيبي: أو يطلب العفة من الله تعالى فليس السين لمجرد التأكيد (يعفه الله): يجعله عفيفاً من الإعفاف. وهو إعطاء العفة وهي الحفظ عن المناهي، يعني من قنع بأدنى قوت وترك السؤال تسهل عليه القناعة وهي كنر لا يفنى (ومن يستغن): أي يظهر الغنى بالاستغناء عن أموال الناس والتعفف عن السؤال حتى يحسبه الجاهل غنياً من التعفف (يغنه الله): أي يجعله غنياً أي بالقلب لأن الغني ليس عن كثرة العرض إنما غنى النفس (ومن يتصبر): أي يطلب توفيق الصبر من الله لأنه قال تعالى { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ } (النحل : 127 ) أي يأمر نفسه بالصبر ويتكلف في التحمل عن مشاقه ، وهو تعميم بعد تخصيص لأن الصبر يشتمل على صبر الطاعة والمعصية والبلية ، أو من يتصبر عن السؤال والتطلع إلى ما في أيدي الناس بأن يتجرع مرارة ذلك ولا يشكو حاله لغير ربه (يصبره الله): بالتشديد أي يسهل عليه الصبر فتكون الجمل مؤكدات. ويؤيد إرادة معنى العموم قوله (وما أعطي أحد من عطاء): أي معطى أو شيئاً (أوسع): أي أشرح للصدر (من الصبر): وذلك لأن مقام الصبر أعلى المقامات لأنه جامع لمكارم الصفات والحالات، كذا في المرقاة. وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي قاله المنذري.
2- حدثنا مسدد ثنا عبد الله بن داود ح وثنا عبد الملك بن حبيب أبو مروان ثنا بن المبارك وهذا حديثه عن بشير بن سلمان عن سيار أبي حمزة عن طارق عن بن مسعود قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى إما بموت عاجل أو غنى عاجل..(1/127)
-(وهذا حديثه): أي حديث عبدالله بن المبارك.، والمعنى أن عبدالله بن داود وعبدالله بن المبارك كلاهما يرويان عن بشير بن سلمان وهذا لفظ ابن المبارك دون عبدالله بن داود (من أصابته فاقة): أي حاجة شديدة وأكثر استعمالها في الفقر وضيق المعيشة (فأنزلها بالناس): أي عرضها علهيم وأظهرها بطريق الشكاية لهم وطلب إزالة فاقته منهم. قال الطيبي: يقال نزل بالمكان ونزل من علو، ومن المجاز نزل به مكروه وأنزلت حاجتي على كريم، وخلاصته أن من اعتمد في سدها على سؤالهم (لم تسد فاقته): أي لم تقض حاجته ولم تزل فاقته، وكلما تسد حاجة أصابته أخرى أشد منها (ومن أنزلها بالله): بأن اعتمد على مولاه (أوشك الله): أي أسرع وعجل (بالغنى): بالكسر مقصوراً أي اليسار، وفي نسخة المصابيح له بالغَناء بفتح الغين والمد أي الكفاية. قال شراح المصابيح: ورواية بالغنى أي بالكسر مقصوراً على معنى اليسار تحريف للمعنى لأنه قال يأتيه الكفاية عما هو فيه انتهى (إما بموت عاجل): قيل بموت قريب له غنى فيرثه. ولعل الحديث مقتبس من قوله تعالى: { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } (الطلاق : 2-3 )، (أو غنى): بكسر وقصر أي يسار (عاجل): أي بأن يعطيه مالا ويجعله غنياً. قال الطيبي: هو هكذا أي عاجل بالعين في أكثر نسخ المصابيح وجامع الأصول. وفي سنن أبي داوود والترمذي: أو غنى آجل بهمزة ممدودة وهو أصح دراية لقوله تعالى: { إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } (النور : 32 ) انتهى. قلت: نسخ أبي داوود التي عندي في كلها عاجل بالعين وكذا في نسخ المنذري، والله أعلم. قال المنذري: وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح غريب.(1/128)
3- ...عن بن الفراسي أنَّ الفراسي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أسأل يا رسول الله ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ، وإن كنت سائلا لا بد فاسأل الصالحين ..
-(عن ابن الفراسي): بكسر الفاء. قال الحافظ في التقريب: ابن الفراسي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف اسمه. (أن الفراسي): هو من بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة وله صحبة. ذكره الطيبي (قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسأل): بحذف حرف الاستفهام (يَا رَسُولَ الله ).. فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا): أي لا تسأل الناس شيئاً من المال وتوكل على الله في كل حال (وإن كنت سائلا لابد): أي لك منه ولا غنى لك عنه (فسل الصالحين): أي القادرين على قضاء الحاجة، أو أخيار الناس لأنهم لا يحرمون السائلين ويعطون ما يعطون عن طيب نفس لأن الصالح لا يعطي إلا من الحلال ولا يكون إلا كريماً ورحيما ولا يهتك العرض ولأنه يدعو لك فيستجاب. قال المنذري: وأخرجه النسائي. ويقال فيه عن الفراسي، ومنهم من يقول عن ابن الفراسي عن أبيه كما ذكره أبو داود وهو من بني فراس بن مالك بن كنانة، وله حديث آخر في البحر : هو الطهور ماؤه والحل ميتته ، كلاهما يرويه الليث بن سعد. انتهى.
** فائدة : - قال الإمامِ المناوي في فيض القدير، شرح الجامع الصغير(1/129)
- (إن كنت لا بد سائلاً) أي طالباً أمراً من الأمور (فاسأل الصالحين) أي أهل الأموال الذين لا يمنعون ما عليهم من الحق وقد لا يعلمون المستحق أو من يتبرك بدعائة وترجى إجابته إذا دعا لك أو الساعين في مصالح الخلق بنحو شفاعة ومعروف ومع ذلك لا يمنون على أحد بما أعطوه أو فعلوه معه لكون الواحد منهم يرى الملك للّه في الوجود ويرى نفسه كالوكيل المستخلف في مال سيده ليصرف منه على عبيده بالمعروف ومصداق ذلك في كلام اللّه ، ففي الزبور إن كنت لا بد تسأل عبادي فسل معادن الخير ترجع مغبوطاً مسروراً ولا تسأل معادن الشر فترجع ملوماً محسوراً وفيه قيل: " اسأل الفضل إن سألت الكبارا ". قال المرسي: قال لي الشيخ يعني العارف والشاذلي إن أردت أن تكون من أصحابي فلا تسأل من أحد شيئاً فمكثت على ذلك سنة ثم قال: إن أردت كونك منهم فلا تقبل من أحد شيئاً فكنت أخرج إلى الساحل وألقط ما يقذفه البحر من القمح وقال في الحكم: لا ترفعنَّ إلى غيره حاجة هو موردها عليك فكيف يرفع غيره ما كان هو له واضعاً، من لا يستطيع أن يرفع حاجته عن نفسه فكيف يستطيع أن يكون لها من غيره رافعاً ؟ ومن كلامهم البديع: "قرع باب اللئيم قلع ناب الكريم". وقال بعضهم : إذا احتاج الكريم إلى اللئيم * فقد طاب الرحيل إلى الجحيم
وأنشد ابن الجوزي في الصفوة : لا تحسبن الموت موت البلاء * وإنما الموت سؤال الرجال
كلاهما موت ولكن ذا * أشد من ذاك لذل السؤال
وقال بعضهم:
ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله * عوضاً ولو نال الغنى بسؤال
وإذا السؤال مع النوال وزنته * رجح السؤال وخف كل نوال(1/130)
ومن باب النهي عن سؤال الناس ما رواه الشيخان والنسائي، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو إلى الجبل فيحتطب فيبيع فيأكل ويتصدق خير له من أن يسأل الناس ... ؛ وفي رواية للبخاري وأحمد وابن ماجه ؛ عن الزبير بن العوام رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :: لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي الجبل فيجيء بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه ... ؛ وفي رواية للبخاري ومالك والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : : و الذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه .... وأخرجه ابن ماجه من رواية هشام بن عروة عن أبيه عن جده ومتنه : لأن يأخذ أحدكم أحبله فيأتي الجبل فيجئ بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيستغني بثمنها خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه ...
قال ابن حجر رحمه الله : قوله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ، ففيه القسم على الشيء المقطوع بصدقه لتأكيده في نفس السامع ، وفيه الحض على التعفف عن المسألة والتنزه عنها ولو أمتهن المرء نفسه في طلب الرزق وارتكب المشقة في ذلك ، ولولا قبح المسألة في نظر الشرع لم يفضل ذلك عليها وذلك لما يدخل على السائل من ذل السؤال ومن ذل الرد إذا لم يعط ، ولما يدخل على المسؤل من الضيق في ماله إن أعطى كل سائل.. وأما قوله : خير له ، فليست بمعنى أفعل التفضيل إذ لاخير في السؤال مع القدرة على الإكتساب، والأصح عند الشافعية أن سؤال من هذا حاله حرام ، ويحتمل أن يكون المراد بالخير فيه بحسب اعتقاد السائل وتسميته الذي يعطاه خيراً، وهو في الحقيقة شر... والله أعلم .(1/131)
حديث آخر في الترهيب من سؤال ما في أيدي الناس= روى مسلم وأحمد وابن ماجه ... عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمر جهنم، فليستقل منه أو ليستكثر ...
? قال النووي رحمه الله : قوله صلى الله عليه وسلم : ( من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر ).. قال القاضي : معناه : أنه يعاقب بالنار , ويحتمل أن يكون على ظاهره . وأن الذي يأخذه يصير جمرا يكوى به , كما ثبت في مانع الزكاة ..
? وقال السندي رحمه الله : قوله ( تكثرا ) أي ليكثر به ماله أو بطريق الإلحاح والمبالغة في السؤال ( فليستقل منه ) هو للتوبيخ مثل (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) - الكهف : 29 - .. لا للإذن والتخيير.
قلت : ومما يدل على كراهية التسوُّل ما جاء في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بي أبي وقاص رضي الله عنه : إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم = رواه البخاري ومسلم = وقال ابن حجر: قوله : ( عالة ) أي فقراء وهو جمع عال وهو الفقير والفعل منه عال يعيل إذا افتقر . قوله : ( يتكففون الناس ) أي يسألون الناس بأكفهم , يقال تكفف الناس واستكف إذا بسط كفه للسؤال , أو سأل ما يكف عنه الجوع , أو سأل كفاً من طعام . وقوله :( في أيديهم ) أي بأيديهم أو سألوا بأكفهم وضع المسئول في أيديهم ..(1/132)
وقلت : من أراد أن يحبه الناس عليه أن يزهد فيما جعل الله في أيديهم من المال كما أخبر بذلك نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه السيوطي في جامعه الصغير وعزاه لابن ماجه والطبراني والحاكم والبيهقي في الشعب... ولفظ ابن ماجه : ..عَنْ سهلِ بنِ سعْدٍ السَّاعِديِّ قال : جاءَ رجُلٌ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ :يا رَسولَ الله ، دُلَّني عَلى عَمَلٍ إذا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي الله ، وأحَبَّنِي النَّاسُ ...فقال: ( ازهَدْ فِي الدُّنيا يُحِبَّكَ الله ، وازهَدْ فيمَا في أيدي النَّاسِ يُحبَّكَ النَّاسُ) = حسنه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة ،وفي تحقيقه لترغيب المنذري قال : حسن لغيره ،ولياض الصالحين للنووي قال: صحيح بشواهده ؛ وللجامع الصغير وسنن ابن ماجه، قال : صحيح.
? قال القاضي عبد الرؤوف المناوي رحمه الله في فيض القدير، شرح الجامع الصغير: (ازهد) من الزهد بكسر أوله وقد يفتح، وهو لغة: الإعراض عن الشيء احتقاراً، وشرعاً الاقتصار على قدر الضرورة مما يتيقن حله.(1/133)
وقيل أن لا يطلب المفقود حتى يفقد الموجود (في الدنيا) باستصغار جملتها واحتقار جميع شأنها لتحذير الله تعالى منها واحتقاره لها، فإنك إن فعلت ذلك (يحبك الله) لكونك أعرضت عما أعرض عنه ولم ينظر إليه منذ خلقه. وفي إفهامه أنك إذا أحببتها أبغضك، فمحبته مع عدم محبتها ولأنه سبحانه وتعالى يحب من أطاعه، ومحبته مع محبة الدنيا لا يجتمعان، وذلك لأن القلب بيت الرب فلا يحب أن يشرك في بيته غيره، ومحبتها الممنوعة هي إيثارها بنيل الشهوات لا لفعل الخير والتقرب بها، والمراد بمحبته غايتها من إرادة الثواب، فهي صفة ذاتية أو الإثابة فهي صفة فعلية (وازهد فيما عند الناس) منها (يحبك الناس) لأن قلوبهم مجبولة على حبها مطبوعة عليها ومن نازع إنساناً في محبوبه كرهه وقلاه، ومن لم يعارضه فيه أحبه واصطفاه .. ولهذا قال الحسن البصري: لا يزال الرجل كريماً على الناس حتى يطمع في دنياهم فيستخفون به ويكرهون حديثه.... وقيل لبعض أهل البصرة: من سيدكم؟ قال الحسن، قال بم سادكم؟ قال: احتجنا لعلمه واستغنى عن دنيانا...(1/134)
قلت: كان الصحابة رضي الله عنهم أزهد الناس في الدنيا وما في أيدي من بسط الله لهم في الرزق منهم ، فهِموا قولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تسأل الناس شيئا ... فعملوا به ؛ وممن عمل به الفاروق عمر رضي الله عنه .. روى المنذري في الترغيب والترهيب ، قال: ... وعن عطاء بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعطاء فرده عمر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم رددته ؟ فقال: يا رسول الله، أليس أخبرتنا أن خيرا لأحدنا أن لا يأخذ من أحد شيئا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما ذلك عن المسألة ، فأما ما كان عن غير مسألة فإنما هو رزق يرزقكه الله... فقال عمر رضي الله عنه : أما والذي نفسي بيده لا أسأل أحدا شيئا ، ولا يأتيني شيء من غير مسألة إلا أخذته ... رواه مالك هكذا مرسلا ورواه البيهقي عن زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول فذكر نحوه .. قلت : رواه ابن حبان ومتنه : إذا ساق الله إليك رزقا من غير مسألة ولا إشراف نفس فخذه فإن الله أعطاكه . وأخرجه النسائي : ما آتاك الله من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف فخذه فتموله أو تصدق به وما لا فلا تتبعه نفسك ... وصححه الألباني.
*** اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وأغننا بفضلك عمن سواك . ***
انتهى.
- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته -
أوصاني خليلي 4
*** الحديث(1/135)
1 * روى ابن ماجه في سننه : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ لْجَوْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى الرَّبَذَةِ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَإِذَا عَبْدٌ يَؤُمُّهُمْ فَقِيلَ هَذَا أَبُو ذَرٍّ فَذَهَبَ يَتَأَخَّرُ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ-
2 * وروى أحمد في مسنده وأبو داود في سننه والبيهقي في الكبرى : (باب إمامة العبيد) - (أخبرنا) أبو بكر بن فورك انبأ عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة اخبرني أبو التياح قال: سمعت أنسا يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي ذر : اسمع واطع ولو لحبشي كان رأسه زبيبة * أخرجه البخاري من حديث غندر عن شعبة *
+ ثم روي البيهقي قال : (أخبرنا) أبو عبد الله الحافظ انبأ أبو بكر الفضل بن ابراهيم ثنا احمد بن سلمة ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن ابي عمر ان الجوني عن عبد الله بن الصامت عن ابي ذر رضي الله عنه أنه انتهى إلى الربذة وقد أقيمت الصلاة ، فإذا عبد يؤمهم ...قال: فقيل هذا أبو ذر ؛ فذهب يتأخر... فقال أبو ذر رضي الله عنه: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث : اسمع واطع ولو كان عبدا حبشيا مجدع الاطراف * رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن بشار ورواه معاذ ابن معاذ عن شعبة فقال في الحديث : فإذا عبد يصلي بهم لأبي ذر: تقدم ...فأبى... فتقدم العبد فصلى بهم ثم ذكر الحديث ...(1/136)
3 * وأخرج أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحيه وأبي عوانة في مستخرجه: عن شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ أَوْصَانِي خَلِيلِي عَلَيْهِ السَّلَام بِثَلَاثَةٍ : اسْمَعْ وَأَطِعْ وَلَوْ لِعَبْدٍ مُجَدَّعِ الْأَطْرَافِ، وَإِذَا صَنَعْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ فَأَصِبْهُمْ مِنْهُ بِمَعْرُوفٍ ، وَصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَإِذَا وَجَدْتَ الْإِمَامَ قَدْ صَلَّى فَقَدْ أَحْرَزْتَ صَلَاتَكَ وَإِلَّا فَهِيَ نَافِلَةٌ ...
+ وفي رواية لابن حبان : أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا النضر بن شميل ، حدثنا شعبة ، حدثنا أبو عمران الجوني ، سمع عبد الله بن الصامت يقول : قدم أبو ذر على عثمان من الشام، فقال: يا أمير المؤمنين، افتح الباب حتى يدخل الناس، أتحسبني من قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم على فوقه، هم شر الخلق والخليقة، والذي نفسي بيده لو أمرتني أن أقعد، لما قمت، ولو أمرتني أن أكون قائماً، لقمت ما أمكنتني رجلاي، ولو ربطتني على بعير لم أطلق نفسي حتى تكون أنت الذي تطلقني، ثم استأذنه أن يأتي الربذة، فأذن له، فأتاها، فإذا عبد يؤمهم، فقالوا: أبو ذر ، فنكص العبد، فقيل له: تقدم، فقال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: أن أسمع وأطيع ولو لعبد حبشي مجدع الأطراف، وإذا صنعت مرقة، فأكثر ماءها، ثم انظر جيرانك، فأنلهم منها بمعروف، وصل الصلاة لوقتها، فإن أتيت الإمام وقد صلى كنت قد أحرزت صلاتك، وإلا فهي لك نافلة.).(1/137)
+ وروى البخاري في الأدب المفرد : حدثنا بشر بن محمد قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا سعيد عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبى ذر قال : أوصانى خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث : أسمع وأطيع ولو لعبد مجدع الأطراف ، وإذا صنعت مرقة فأكثر ماءها ثم انظر أهل بيت من جيرانك فاصبهم منه بمعروف ، وصل الصلاة لوقتها فإن وجدت الإمام قد صلى فقد أحرزت صلاتك وإلا فهي نافلة ... قال الألباني : صحيح
+ ورواه مسلم ، في كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار... ولفظه : ... وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس عن شعبة عن أبي عمران عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال : إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا مجدع الأطراف وأن أصلي الصلاة لوقتها فإن أدركت القوم وقد صلوا كنت قد أحرزت صلاتك وإلا كانت لك نافلة).
4 * وفي مصنف عبد الرزاق - ... عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لابي ذر : مالي أراك لقا بقا ؟ كيف بك إذا أخرجوك من المدينة ؟ قال : آتى الارض المقدسة.. قال : فكيف بك إذا أخرجوك منها ؟ قال : آتي المدينة .. قال : فكيف بك إذا أخرجوك منها ؟ قال : آخذ سيفي فأضرب به.. قال : فلا ، ولكن اسمع وأطع ، وإن كان عبدا أسود... قال : فلما خرج أبو ذر إلى الربذة وجد بها غلاماً لعثمان أسود ، فأذن وأقام... ثم قال : تقدم يا أبا ذر ! قال : لا ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني: أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا أسود ، قال : فتقدم فصلى خلفه ...
شرح : هكذا جاءا مخففا في رواية بوزن عصا ، واللقى : الملقى على الارض ، والبقى اتباع له ، كذا في النهاية.(1/138)
+ وفي رواية له : ... عن معمر عن قتادة قال : لقِي النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا ذر وهو يحرك رأسه ، فقال : يارسول الله ! أتعجب مني ؟ قال : لا ، ولكن مما تلقون من أمرائكم بعدي،قال : أفلا آخذ سيفي فأضرب به ؟ قال : لا ، ولكن اسمع وأطع ، وإن كان عبدا حبشيا مجدعا ، فانْقَد حيث ما قادك ، وانْسَق حيث ما ساقك ، واعلم أن أسرع أرض العرب خرابا الجناحان مصر والعراق.
*وأخرج الطبراني في مسند الشاميين : عن أبي علقمة الشيباني ، عن أبي ذر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نائما فاستيقظ فوضع له أبو ذر ماء ، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم وقد قضى حاجته ؛ وهو يحرك رأسه ، فقال له أبو ذر : أمِن شيء رأيت مني يا رسول الله ؟ قال : " لا ، ولكن اسمع وأطع ولو لعبد حبشي ، فإذا رأيت البنيان قد بلغ سلعا فالحق بالشام " ، قال : فلعلي لا أقدر على ذلك ، قال : " فاتسق حيث ساقوك ، وانقد حيث قادوك "(1/139)
**وفي حديث له عن حذيفة قال : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ... قال قلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال: نعم ...قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال: نعم ، وفيه دخن . قلت: وما دخنه ؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر . قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال :نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها . قلت: يا رسول الله ، صفهم لنا..قال :هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا . قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم . قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك . ( متفق عليه ) . وفي رواية لمسلم ،قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس . قال حذيفة قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال تسمع وتطيع الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع...
5 * وروى أبو داود - وصححه الألباني - عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اسمع وأطع في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثره عليك وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك ...
+ وفي رواية له : السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ...(1/140)
+ وفي حديث آخر - قال الشيخ الألباني : صحيح - ... عن خالد بن معدان قال حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر قالا : أتينا العرباض بن سارية وهو ممن نزل فيه ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه ) فسلمنا وقلنا : أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين .. فقال العرباض: صلّى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظةً بليغة ذرفت منها العيونُ ووجِلت منها القلوب.. فقال قائل: يا رسول الله ،كأن هذه موعظة مودع ، فماذا تعهد إلينا ؟ فقال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا ، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ...
+ الآية الكريمة: ( وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ ) (التوبة : 92 )
*** الراوي ( المكتبة الشاملة )
الاسم : أبو ذر الغفارى ، اسمه جندب بن جنادة ( على الأصح ، اختلف فى اسمه و اسم أبيه خلافا كثيرا ، و هو أخو عمرو بن عبسة لأمه )
الطبقة : 1 : صحابى
الوفاة : 32 هـ بـ الربذة
روى له : ( البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه - ... )
رتبته عند ابن حجر : صحابى
رتبته عند الذهبي : صحابى ( قال : قال النبى صلى الله عليه وسلم : " ما أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبى ذر " )
*** الشرح
? قال ابن حجر العسقلاني رخمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري : - باب السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْاِمَامِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً(1/141)
- قوله ( باب السمع والطاعة لامام ما لم تكن معصية ) إنما قيده بالامام وإن كان في أحاديث الباب الامر بالطاعة لكل أمير ولو لم يكن إماما لأن محل الامر بطاعة الأمير أن يكون مؤمراً من قِبل الإمام . .. وذكر فيه الاربعة احاديث :
الحديث الأول: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ اَبِي التَّيَّاحِ عَنْ اَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اسْمَعُوا وَاَطِيعُوا وَاِنْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَاَنَّ رَاْسَهُ زَبِيبَةٌ..
- قوله ( اسمعوا واطيعوا وان استُعمل ) بضم المثناة على البناء للمجهول أي جعل عاملا بأن أمر إمارة عامة على البلد مثلا أو وُلى فيها ولايةًَ خاصة كالإمامة في الصلاة او جباية الخراج او مباشرة الحرب، فقد كان في زمن الخلفاء الراشدين من يجتمع له الامور الثلاثة ومن يختص ببعضها .
- قوله ( حبَشي ) بفتح المهملة والموحدة بعدها معجمة منسوب الى الحبشة، ومضى في الصلاة في " باب امامة العبد " عن محمد بن بشار عن يحيى القطان بلفظ " اسمعوا واطيعوا وان استعمل حبشي " وفيه بعد باب من رواية غندر عن شعبة بلفظ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لابي ذر: " اسمع واطع ولو لحبشي " وقد أخرج مسلم من طريق غندر عن شعبة باسناد اخر الى ابي ذر انه انتهى الى الربذة فاذا عبد يؤمهم فذهب يتأخر لأجل أبي ذر فقال أبو ذر " أوصاني خليلي " فذكر نحوه . ..
وظهرت بهذه الرواية الحكمة في تخصيص أبي ذر بالأمر في هذه الرواية، وقد جاء في حديث آخر الأمر بذلك عموماً؛ ولمسلم أيضا من حديث أم الحصين " اسمعوا واطيعوا ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله " .(1/142)
- قوله ( كان راسه زبيبة ) واحدة الزبيب المأكول المعروف الكائن من العنب إذا جف، وإنما شبه رأس الحبشي بالزبيبة لتجمعها ولكون شعره أسود، وهو تمثيل في الحقارة وبشاعة الصورة وعدم الاعتداد بها، وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في " كتاب الصلاة " ونقل ابن بطال عن المهلب قال : قوله " اسمعوا واطيعوا " لا يوجب أن يكون المستعمل للعبد إلا إمام قرشي، لما تقدم أن الامامة لا تكون إلا في قريش، وأجمعت الأمة على أنها لا تكون في العبيد ...
قلت : ويحتمل أن يسمى عبداً باعتبار ما كان قبل العتق، وهذا كله إنما هو فيما يكون بطريق الاختيار، وإما لو تغلب عبد حقيقة بطريق الشوكة فإن طاعته تجب إخمادا للفتنة ما لم يأمر بمعصية كما تقدم تقريره، وقيل المراد أن الإمام الأعظم إذا استعمل العبد الحبشي على إمارة بلد مثلا وجبت طاعته، وليس فيه ان العبد الحبشي يكون هو الامام الاعظم .
وقال الخطابي : قد يضرب المثل بما لا يقع في الوجود، يعني وهذا من ذاك أطلق العبد الحبشي مبالغة في الامر بالطاعة وإن كان لا يتصور شرعا أن يلي ذلك . ...
+ وقال في شرح الحديث الذي رواه البخاري في كتاب الجماعة والإمامة باب: إمامة العبد والمولى.
- حدثنا محمد بن بشار: حدثنا يحيى: حدثنا شعبة قال: حدثني أبو التياح، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل حبشي، كأن رأسه زبيبة).(1/143)
- قوله: ( اسمعوا وأطيعوا ) أي فيما فيه طاعة لله ؛ قوله : ( وإن استعمل ) أي جعل عاملا.. وللمصنف في الأحكام عن مسدد عن يحيى : ( وإن استعمل عليكم عبد حبشي ) وهو أصرح في مقصود الترجمة.. وذكره بعد باب من طريق غندر عن شعبة بلفظ قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر : ( إسمع وأطع )الحديث.. وقد أخرجه مسلم من طريق غندر أيضا لكن بإسناد له آخر عن شعبة عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أسمعَ وأُطيع وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف. وأخرجه الحاكم والبيهقي من هذا الوجه وفيه قصة أن أبا ذر انتهى إلى الربذة وقد أقيمت الصلاة فإذا عبد يؤمهم ..قال : فقيل هذا أبو ذر ...فذهب يتأخر، فقال أبو ذر : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم.. فذكر الحديث ... وأخرج مسلم أيضا من طريق غندر أيضا عن شعبة عن يحيى بن الحصين سمعت جدتي تحدث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول: ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله. وفي هذه الرواية فائدتان تعيين جهة الطاعة وتاريخ الحديث، وأنه كان في أواخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم. - قوله ( كأن رأسه زبيبة ) قيل شبهه بذلك لصغر رأسه وذلك معروف في الحبشة ، وقيل لسواده ، وقيل لقصر شعر رأسه وتفلفله ... ووجه الدلالة منه على صحة إمامة العبد أنه إذا أمر بطاعته فقد أمر بالصلاة خلفه. قاله بن بطال... ويحتمل أن يكون مأخوذا من جهة ما جرت به عادتهم أن الأمير هو الذي يتولى الإمامة بنفسه أو نائبه ، واستدل به على المنع من القيام على السلاطين وإن جاروا ، لأن القيام عليهم يفضى غالباً إلى أشد مما ينكر عليهم ... ووجه الدلالة منه أنه أمر بطاعة العبد الحبشي والإمامة العظمى إنما تكون بالاستحقاق في قريش فيكون غيرهم متغلبا ، فإذا أمر بطاعته استلزم النهى عن مخالفته والقيام عليه ...ورده ابن الجوزي بأن المراد بالعامل هنا من(1/144)
يستعمله الإمام لا من يلي الإمامة العظمى، وبأن المراد بالطاعة الطاعة فيما وافق الحق. انتهى... ولا مانع من حمله على أعم من ذلك فقد وجد من ولي الإمامة العظمى من غير قريش من ذوي الشوكة متغلبا... والله أعلم
الحديث الثاني : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ الْجَعْدِ عَنْ اَبِي رَجَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْوِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ رَاَى مِنْ اَمِيرِهِ شَيْئًا فَكَرِهَهُ فَلْيَصْبِرْ فَاِنَّهُ لَيْسَ اَحَدٌ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ اِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ...
- وفي حديث آخر: (من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية).
- وله متن آخر : (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات، إلا مات ميتة جاهلية).
- وفي حديث آخر عن جنادة بن أبي أمية قال:دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض، قلنا: أصلحك الله، حدَّث بحديث ينفعك الله به، سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحاً، عندكم من الله فيه برهان....(1/145)
? قال ابن حجر رحمه الله : المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء فكنى عنها بمقدار الشبر لأن الأخذ في ذلك يؤول الى سفك الدماء بغير حق ...قوله: ( مات ميتة جاهلية) في الرواية الأخرى ( فمات إلا مات ميتة جاهلية ) وفي رواية لمسلم ( فميتته ميتة جاهلية ) وعنده في حديث بن عمر رفعه ك ( من خلع يدا من طاعة لقي الله ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) قال الكرماني الاستثناء هنا بمعنى الاستفهام الانكاري أي ما فارق الجماعة أحد إلا جرى له كذا أو حذفت ما فهي مقدرة أو الا زائدة أو عاطفة على رأي الكوفيين والمراد بالميتة الجاهيلة وهي بكسر الميم حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك.. وليس المراد أنه يموت كافراً بل يموت عاصيا .. ويحتمل أن يكون التشبيه على ظاهره ومعناه أنه يموت مثل موت الجاهلي وان لم يكن هو جاهليا أو أن ذلك ورد مورد الزجر والتنفير وظاهره غير مراد .. ويؤيد أن المراد بالجاهلية التشبيه قوله في الحديث الآخر: ( من فارق الجماعة شبرا فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه ) أخرجه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان ومصححا من حديث الحارث بن الحارث الأشعري في أثناء حديث طويل وأخرجه البزار والطبراني في الأوسط من حديث بن عباس وفي سنده خليد بن دعلج وفيه مقال.. وقال ( من رأسه ) بدل ( عنقه ).. قال ابن بطال في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار ، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء ، وحجتهم هذا الخبر وغيره مما يساعده ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها كما في الحديث الذي بعده ...(1/146)
- قوله دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض فقلنا : أصلحك الله حدِّث بحديث ، في رواية مسلم حدِّثنا وقولهم : أصلحك الله ، يحتمل أنه أراد الدعاء له بالصلاح في جسمه يعافي ليعافى من مرضه أو أعم من ذلك وهي كلمة اعتادوها عند افتتاح الطلب.. - قوله دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه يعني ليلة العقبة... قوله فقال فيما أخذ علينا أي اشترط علينا ...قوله: أن بايعَنا بفتح العين على السمع والطاعة أي له في مَنْشَطنا بفتح الميم والمعجمة وسكون النون بينهما ومكرهنا ، أي في حالة نشاطنا وفي الحالة التي نكون فيها عاجزين عن العمل بما نؤمر به ... ونقل ابن التين عن الداودي أن المراد الأشياء التي يكرهونها ، قال بن التين والظاهر أنه أراد في وقت الكسل والمشقة في الخروج ليطابق قوله منشطنا ، قلت ويؤيده ما وقع في رواية إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن عبادة عند أحمد: في النشاط والكسل... قوله : وعسرنا ويسرنا ، في رواية إسماعيل بن عبيد: وعلى النفقة في العسر واليسر ، وزاد: وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... قوله وأثرة علينا بفتح الهمزة والمثلثة .. والمراد أن طواعيتهم لمن يتولى عليهم لا تتوقف على إيصالهم حقوقهم ، بل عليهم الطاعة ولو منعهم حقهم... قوله وأن لا ننازع الأمر أهله أي الملك والإمارة .. زاد أحمد من طريق عمير بن هانئ عن جنادة: وإن رأيت أن لك أي وإن اعتقدت أن لك في الأمر حقاً فلا تعمل بذلك الظن بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة.. زاد في رواية حبان أبي النضر عن جنادة عن بن حبان وأحمد : وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك.. وزاد في رواية الوليد بن عبادة عن أبيه : وأن نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ... قوله ( إلا أن تروا كفرا بواحا ) بموحدة ومهملة ،قال الخطابي: معنى قوله بواحا يريد ظاهرا باديا من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحا وبواحا إذا أذاعه وأظهره... وأنكر ثابت في الدلائل(1/147)
بواحا وقال انما يجوز بوْحا بسكون الواو وبُؤاحا بضم أوله ثم همزة ممدودة ... وقال الخطابي: من رواه بالراء فهو قريب من هذا المعنى وأصل البراح الأرض القفراء التي لا أنيس فيها ولا بناء وقيل البراح البيان يقال برح الخفاء إذا ظهر ... وقال النووي :هو في معظم النسخ من مسلم بالواو وفي بعضها بالراء .. قلت: ووقع عند الطبراني من رواية أحمد بن صالح عن بن وهب في هذا الحديث: ( كفرا صراحا ) بصاد مهملة مضمومة ثم راء ، ووقع في رواية حبان أبي النضر المذكورة ( إلا أن يكون معصية لله بواحا ).. وعند أحمد من طريق عمير بن هانئ عن جنادة :( ما لم يأمروك بإثم بواحا )..وفي رواية إسماعيل بن عبيد عند أحمد والطبراني والحاكم من روايته عن أبيه عن عبادة: ( سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله ).. وعند أبي بكر بن أبي شيبة من طريق أزهر بن عبد الله عن عبادة رفعه :( سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا تعرفون ويفعلون ما تنكرون فليس لأولئك عليكم طاعة ) .. قوله : ( عندكم من الله فيه برهان ) أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل ... قال النووي : المراد بالكفر هنا المعصية ، ومعنى الحديث : لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فانكروا عليهم ، وقولوا بالحق حيثما كنتم ..انتهى. وقال غيره: المراد بالإثم هنا المعصية والكفر فلا يعترض على السلطان إلا إذا وقع في الكفر الظاهر ، والذي يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة في الولاية فلا ينازعه بما يقدح في الولاية الا إذا ارتكب الكفر، وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية ، فإذا لم يقدح في الولاية نازعه في المعصية بأن ينكر عليه برفق ويتوصل الى تثبيت(1/148)
الحق له بغير عنف، ومحل ذلك إذا كان قادرا والله أعلم ...ونقل ابن التين عن الداودي قال: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب والا فالواجب الصبر .. وعن بعضهم: لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء فان أحدث جورا بعد أن كان عدلا فاختلفوا في جواز الخروج عليه ، والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه...
الحديث الثالث : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا اَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فَاِذَا اُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ ...
الشرح : قوله ( فيما احب وكره ) في رواية ابي ذر " فيما أحب او كره " . ..قوله ( ما لم يؤمر بمعصية ) هذا يقيد ما اطلق في الحديثين الماضيين من الامر بالسمع والطاعة ولو لحبشي، ومن الصبر على ما يقع من الامير مما يكره، والوعيد على مفارقة الجماعة ... قوله ( فاذا امر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) اي لا يجب ذلك بل يحرم على من كان قادرا على الامتناع، وفي حديث معاذ عند احمد " لا طاعة لمن لم يطع الله " وعنده وعند البزار في حديث عمران بن حطين والحكم ابن عمرو الغفاري " لا طاعة في معصية الله " وسنده قوي، وفي حدث عبادة بن الصامت عند احمد والطبراني " لا طاعة لمن عصى الله تعالى " ...وقد تقدم البحث في هذا الكلام على حديث عبادة في الامر بالسمع والطاعة " الا ان تروا كفرا بواحا " بما يغني عن اعادته وهو في " كتاب الفتن " وملخصه انه ينعزل بالكفر اجماعا " فيجب على كل مسلم القيام في ذلك، فمن قوي على ذلك فله الثواب، ومن داهن فعليه الاثم، ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الارض ...(1/149)
الحدث الرابع: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا اَبِي حَدَّثَنَا الْاَعْمَشُ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ اَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ الْاَنْصَارِ وَأمَرَهُمْ اَنْ يُطِيعُوهُ . فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ : قَدْ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا ، ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا .. فَجَمَعُوا حَطَبًا فَأَوْقَدُوا نَارًا فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَارًا مِنْ النَّارِ أَفَنَدْخُلُهَا ...؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ اِذْ خَمَدَتْ النَّارُ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ .. فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أبَدًا ، اِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ...
الشرح :
- قوله ( فاوقدوا نارا ) كذا وقع، ...إن أميرهم غضب منهم فقال: أوقدوا نارا.. وقوله " قد عزمت عليكم لما " بالتخفيف وجاء بالتشديد والتثقيل انها بمعنى " الا " وقوله " خمدت " بالمعجمة وفتح الميم وضبط في بعض الروايات بكسر الميم لا يعرف في اللغة قاله ابن التين . .. قال : ومعنى خمدت سكن لهبها وان لم يطفا جمرها فان طفئ قيل همدت ...(1/150)
-وقوله " لو دخلوها ما خرجوا منها " قال الداودي : يريد تلك النار لانهم يموتون بتحريقها فلا يخرجون منها أحياء، قال : وليس المراد بالنار نار جهنم ، ولا انهم مخلدون فيها لانه قد ثبت في حديث الشفاعة " يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من ايمان " قال : وهذا من المعاريض التي فيها مندوحة، يريد أنه سيق مساق الزجر والتخويف ليفهم السامع أن من فعل ذلك خلد في النار، وليس ذلك مرادا وإنما أريد به الزجر والتخويف... وكذا قوله " انما الطاعة في المعروف " ... وقد قيل إنه لم يقصد دخولهم النار حقيقة وإنما أشار لهم بذلك إلى أن طاعة الامير واجبة ومن ترك الواجب دخل النار، فاذا شق عليكم دخول هذه النار فكيف بالنار الكبرى، وكان قصده أنه لو راى منهم الجد في ولوجها لمنعهم . ...(1/151)
? قال النووي في شرح صحيح مسلم : وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ جَدّتِهِ أُمّ الْحُصَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُهَا تَقُولُ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَجّةَ الْوَدَاعِ، فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَىَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَىَ رَاحِلَتِهِ. وَمَعَهُ بِلاَلٌ وَأُسَامَةُ. أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ. وَالاَخَرُ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ علىَ رَأْسِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الشّمْسِ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلاً كَثِيراً. ثُمّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنْ أُمّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدّعٌ (حَسِبْتُهَا قَالَتْ) أَسْوَدُ، يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللّهِ تَعَالَىَ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا". قولها: "سمعته يقول: إن أمر عليكم عبد مجدع حسبتها قالت أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا وأطيعوا" المجدع بفتح الجيم والدال المهملة في العادة ثم سواده نقص آخر وجدعه نقص آخر، وفي الحديث الاَخر: كأن رأسه زبيبة، ومن هذه الصفات مجموعة فيه فهو في نهاية الخسة والعادة أن يكون ممتهناً في أرذل الأعمال، فأمر صلى الله عليه وسلم بطاعة ولي الأمر ولو كان بهذه الخساسة ما دام يقودنا بكتاب الله تعالى، قال العلماء معناه ما داموا متمسكين بالإسلام والدعاء إلى كتاب الله تعالى على أي حال كانوا في أنفسهم وأديانهم وأخلاقهم ولا يشق عليهم العصا بل إذا ظهرت منهم المنكرات وعظوا وذكروا، فإن قيل: كيف يؤمر بالسمع والطاعة للعبد مع أن شرط الخليفة كونه قرشياً؟ فالجواب من وجهين: أحدهما أن المراد بعض الولاة الذين يوليهم الخليفة ونوابه لا أن الخليفة يكون عبداً. والثاني أن المراد لو قهر عبد مسلم واستولى بالقهر نفذت أحكامه ووجبت طاعته ولم يجز(1/152)
شق العصا عليه والله أعلم...
قلت : وفي رواية أحمد وابن حبان وأبي عوانة والبخاري في الأدب المفرد ... ورد ضمن وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه قوله : وَإِذَا صَنَعْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ فَأَصِبْهُمْ مِنْهُ بِمَعْرُوفٍ... وهذا الطرف رواه مسلم وابن ماجه وابن حبان والنسائي والبيهقي والطيالسي والدارمي ... بألفاظ متقاربة ، وهذه رواياتهم :
1- مسلم في الصحيح =... حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَاللَّفْظُ لِإِسْحَقَ قَالَ أَبُو كَامِلٍ حَدَّثَنَا و قَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ....وفي رواية أخرى : إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني :"إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه. ثم انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف".
+ وفي رواية له في كتاب البر والصلة والآداب - باب الوصية بالجار والإحسان إليه:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا بن إدريس أخبرنا شعبة ح وحدثنا أبو كريب حدثنا بن إدريس أخبرنا شعبة عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال : (إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه ثم أنظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف).(1/153)
2 - ابن ماجه في سننه =... حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْخَزَّازُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا عَمِلْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَاغْتَرِفْ لِجِيرَانِكَ مِنْهَا ..
3 - ابن حبان في صحيحه = ... أخبرنا الحسين بن محمد بن أبي معشر ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد ، حدثنا شعبة ، عن أبي عمران ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إذا صنعت مرقة ، فأكثر ماءها ، ثم انظر أهل بيت من جيرانك ، فاحسهم منها بمعروف "
4- ابن حبان في صحيحه = ... أخبرنا محمد بن يعقوب الخطيب ، بالأهواز ، قال : حدثنا عبد الملك بن هوذة بن خليفة ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، قال : حدثنا صالح بن رستم ، عن أبي عمران الجوني ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تحقرن من المعروف شيئا ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ، فإذا صنعت مرقة ، فأكثر ماءها ، واغرف لجيرانك منها "...وفي رواية أخرى : " وإذا صنعت مرقة فأكثر ماءها ، ثم انظر جيرانك فأنلهم منها بمعروف "...
5 - النسائي في السنن الكبرى =... خبرنا محمد بن بشار قال ثنا محمد قال ثنا شعبة عن أبي عمران الجواني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا صنعت مرقا فأكثر ماءها ثم انظر إلى بيت من جيرانك حسو المرق..(1/154)
6 - البيهقي في شعب الإيمان = ... أخبرنا أبو بكر بن فورك ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، أخبرني أبو عمران ، أنه سمع عبد الله بن الصامت يحدث ، عن أبي ذر ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا صنعت مرقة فأكثر ماءها ، ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف " ..أخرجه مسلم في الصحيح من حديث شعبة ...
7 - البيهقي في شعب الإيمان = ... أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ، ثنا أبو عمرو بن السماك ، ثنا محمد بن عبيد الله المنادي ، ثنا شبابة ، ثنا شعبة ، عن أبي عمران الجوني ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر قال : " أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث : أن أسمع وأطيع ، ولو لعبد مجدع الأطراف ، وإذا صنعت مرقة فأكثر ماءها ، ثم أنظر إلى أهل بيت قريب من جيرتي ، فأصيبهم منه برزق " أخرجه مسلم من حديث شعبة..
8- البيهقي في شعب الإيمان = ... وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، قال : أنا أبو علي حامد بن محمد بن عبد الله الهروي ، قال : أنا علي بن عبد العزيز ، قال : نا أبو نعيم ، قال : نا شعبة ، عن أبي عمران الجوني ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر قال : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها ، ثم انظر بعض أهل بيت من جيرانك فاغرف لهم منها " ، أخرجه مسلم في الصحيح ، من حديث ابن إدريس ، عن شعبة
9 - الطيالسي في مسنده = حدثنا أبو داود قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا أبو عمران ، سمع عبد الله بن الصامت ، يحدث عن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا صنعت مرقة فأكثر ماءها ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف "(1/155)
10 - الدارمي في سننه = َخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى عِمْرَانَ الْجَوْنِىِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ : أَوْصَانِى خَلِيلِى -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :" إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا ، ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ فَاغْرِفْ لَهُمْ مِنْهَا ".
11 - الحميدي في مسنده = حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّىُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِىُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :" يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ فَأَكْثِرِ الْمَرَقَةَ وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ ، أَوِ اقْسِمْ فِى جِيرَانِكَ ".
12- أحمد في مسنده = ... حدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ فَأَكْثِرْ الْمَرَقَةَ وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ أَوْ اقْسِمْ بَيْنَ جِيرَانِكَ ...
+ وفي رواية لأحمد من حديث جابر = حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ بَلَغَنِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا طَبَخْتُمْ اللَّحْمَ فَأَكْثِرُوا الْمَرَقَ أَوْ الْمَاءَ فَإِنَّهُ أَوْسَعُ أَوْ أَبْلَغُ لِلْجِيرَانِ ..
+ وهذا الحديث أخرجه السيوطي في جامعه الصغير واكتفي بعزوه لابن أبي شيبة .. ( وصححه الألباني )
? قال القاضي عبد الرؤوف المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير=(1/156)
( إذا طبختم اللحم ) أي نضجتموه بمرق ، وفي المصباح عن بعضهم لا يسمى طبيخا إلا إذا كان بمرق فأكثروا المرَق) بالتحريك (فإنه) أي إكثاره ( أوسع وأبلغ للجيران ) وفي رواية بالجيران ، وهي أوضح أي أكثر بلاغا في التوسعة عليهم وتعميمهم فلم ينص الأمر بالغرف للجيران منه كأنه أمر متعارف ، والأمر للندب عند الجمهور وللوجوب عند الظاهرية....قال العلائي : وفيه تنبيه لطيف على تسهيل الأمر على مزيد الخير حيث لم يقُل فأكثروا لحمها أو طعامها ، إذ لا يسهل ذلك علىكثير....وقال الحافظ العراقي : وفيه ندب إكثار مرق الطعام لقصد التوسعة على الجيران والفقراء ، وأن المرق فيه قوة اللحم فإنه يسمى أحد اللحمين لأنه يخرج خاصية اللحم فيه بالغليان...قال : وفيه أفضلية اللحم المطبوخ على المشوي لعموم الانتفاع لأنه لأهل البيت والجيران ، ولأنه يجعل فيه الثريد وهو أفضل الطعام ، وفيه ندب الإحسان إلى الجار ، وفيه يندب أن يفرق لجاره من طعامه ، وأفرد في رواية الترمذي ذكر الجار فإنه أراد الواحد ، فينبغي أن يخص به أولا الأقرب وإن أريد الجنس وأمكن التعميم فهو أولى...وإلا فينبغي تقديم الأحوج والأولى ...
قلت : يدخل هذا فيما جاء في الإحسان إلى الجار الذي أمر به الله عز وجل وحث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم...قال تعالى : (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) (النساء : 36 )(1/157)
? قال ابن كثير رحمه الله : يأمر تبارك وتعالى بعبادته وحده لا شريك له, فإنه هو الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الاَنات والحالات, فهو المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئاً من مخلوقاته, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل "أتدري ما حق الله على العباد ؟ قال: الله ورسوله أعلم, قال: "أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً", ثم قال: "أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ أن لا يعذبهم" ثم أوصى بالإحسان إلى الوالدين, فإن الله سبحانه جعلهما سببا لخروجك من العدم إلى الوجود وكثيراً ما يقرن الله سبحانه بين عبادته والإحسان إلى الوالدين, كقوله : {أن اشكر لي ولوالديك}, وكقوله :{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}.. ثم عطف على الإحسان إليهما الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء كما جاء في الحديث "الصدقة على المسكين صدقة, وعلى ذي الرحم صدقة وصلة", ثم قال تعالى: {واليتامى} وذلك لأنهم فقدوا من يقوم بمصالحهم ومن ينفق عليهم فأمر الله بالإحسان إليهم والحنو عليهم ثم قال {والمساكين} وهم المحاويج من ذوي الحاجات الذين لا يجدون ما يقوم بكفايتهم, فأمر الله سبحانه بمساعدتهم بما تتم به كفايتهم وتزول به ضرورتهم وسيأتي الكلام على الفقير والمكسين في سورة براءة, وقوله {والجار ذي القربى والجار الجنب} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {والجار ذي القربى}, يعني الذي بينك وبينه قرابة, {والجار الجنب} الذي ليس بينك وبينه قرابة, وكذا روي عن عكرمة ومجاهد وميمون بن مهران والضحاك وزيد بن أسلم مقاتل بن حيان وقتادة, وقال أبو إسحاق عن نوف البكالي في قوله: ( والجار ذي القربى ) : يعني الجار المسلم, والجار الجنب يعني اليهودي و النصراني, رواه ابن جرير وابن أبي جاتم, وقال جابر الجعفي عن الشعبي عن علي وابن مسعود: والجار ذي القربى يعني المرأة وقال مجاهد أيضاً في قوله: والجار الجنب يعني(1/158)
الرفيق في السفر, وقد وردت الأحاديث بالوصايا بالجار, فلنذكر منها ما تيسر وبالله المستعان.
(الحديث الأول) قال الإمام أحمد: ... عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" أخرجاه في الصحيحين ..
(الحديث الثاني) قال الإمام أحمد: ... عن عبد الله بن عَمْرو, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" وروى أبو داود والترمذي نحوه ....
(الحديث الثالث) قال أحمد أيضاً: ... عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره" ورواه الترمذي ..
(الحديث الرابع) قال الإمام أحمد: ... عن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يشبع الرجل دون جاره", تفرد به أحمد.
(الحديث الخامس) قال الإمام أحمد: ...عن المقداد بن الأسود يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "ما تقولون في الزنا ؟" قالوا :حرام حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره", قال "ما تقولون في السرقة ؟" قالوا: حرمها الله ورسوله, فهي حرام, قال :"لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره" تفرد به أحمد, وله شاهد في الصحيحين من حديث ابن مسعود: قلت : يا رسول الله, أي الذنب أعظم ؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك" قلت: ثم أي ؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك". قلت ثم أي ؟ قال "أن تزاني حليلة جارك".(1/159)
(الحديث السادس) قال الإمام أحمد: ... عن رجل من الأنصار قال: خرجت من أهلي أريد النبي صلى الله عليه وسلم , فإذا به قائم ورجل معه مقبل عليه, فظننت أن لهما حاجة, قال الأنصاري: لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلت أرثي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من طول القيام, فلما انصرف قلت: يا رسول ا لله, لقد قام بك هذا الرجل حتى جعلت أرثي لك من طول القيام. قال: "ولقد رأيته ؟" قلت: نعم. قال "أتدري من هو ؟". قلت: لا, قال "ذاك جبريل, ما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" ثم قال "أما إنك لو سلمت عليه لرد عليك السلام".
(الحديث السابع) قال عبد بن حميد في مسنده: حدثنا يعلى بن عبيد, حدثنا أبو بكر يعني المدني, عن جابر بن عبد الله, قال: جاء رجل من العوالي ورسول الله صلى الله عليه وسلم, وجبريل عليه السلام, يصليان حيث يصلى على الجنائز, فلما انصرف قال الرجل: يا رسول الله, من هذا الرجل الذي رأيت معك ؟ قال "وقد رأيته ؟" قال: نعم. قال "لقد رأيت خيرا كثيراً, هذا جبريل ما زال يوصيني بالجار حتى رأيت أنه سيورثه", تفرد به من هذا الوجه وهو شاهد للذي قبله.
(الحديث الثامن) قال أبو بكر البزار: حدثنا عبيد الله بن محمد أبو الربيع الحارثي, حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك, أخبرني عبد الرحمن بن الفضل عن عطاء الخراساني, عن الحسن, عن جابر بن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الجيران ثلاثة: جار له حق واحد, وهو أدنى الجيران حقاً, وجار له حقان, وجار له ثلاثة حقوق, وهو أفضل الجيران حقاً, فأما الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له, له حق الجوار, وأما الذي له حقان فجار مسلم, له حق الإسلام وحق الجوار, وأماالذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم له حق الجوار وحق الإسلام وحق الرحم" ....(1/160)
(الحديث التاسع) قال الإمام أحمد: ... عن عائشة, أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن لي جارين فإلى أيهما أهدي ؟ قال "إلى أقربهما منك بابا", ورواه البخاري من حديث شعبة به,
(الحديث العاشر) روى الطبراني وأبو نعيم عن عبد الرحمن, فزاد: قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فجعل الناس يتمسحون بوضوئه, فقال "ما يحملكم على ذلك" ؟ قالوا: حب الله ورسوله. قال "من سره أن يحب الله ورسوله فليصدق الحديث إذا حدث, وليؤد الأمانة إذا ائتمن".
(الحديث الحادي عشر) قال أحمد: حدثنا قتيبة, حدثنا ابن لهيعة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أول خصمين يوم القيامة جاران"...
- وقوله تعالى: {والصاحب بالجنب} قال الثوري, عن جابر الجعفي, عن الشعبي, عن علي وابن مسعود, قالا: هي المرأة, وقال ابن أبي حاتم: وروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وإبراهيم النخعي والحسن وسعيد بن جبير في إحدى الروايات, نحو ذلك, وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة: هو الرفيق في السفر, وقال سعيد بن جبير: هو الرفيق الصالح, وقال زيد بن أسلم: هو جليسك في الحضر ورفيقك في السفر, وأما ابن السبيل, فعن ابن عباس وجماعة: هو الضيف, وقال مجاهد وأبو جعفر الباقر والحسن والضحاك ومقاتل: هو الذي يمر عليك مجتازاً في السفر, وهذا أظهر, وإن كان مراد القائل بالضيف المار في الطريق, فهما سواء, ....(1/161)
- وقوله تعالى: {وما ملكت أيمانكم} وصية بالأرقاء, لأن الرقيق ضعيف الحيلة أسير في أيدي الناس, فلهذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يوصي أمته في مرض الموت, يقول "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم" فجعل يرددها حتى ما يفيض بها لسانه, وقال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن أبي العباس, حدثنا بقية, حدثنا بَحير بن سعد عن خالد بن معدان, عن المقدام بن معد يكرب, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة, وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة, وما أطعمت زوجتك فهولك صدقة, وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة" ورواه النسائي من حديث بقية, وإسناده صحيح, ولله الحمد.
وعن عبد الله بن عمرو أنه قال لقهرمان له: هل أعطيت الرقيق قوتهم ؟ قال: لا. قال: فانطلق فأعطهم, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوتهم" رواه مسلم. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "للمملوك طعامه وكسوته, ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق" رواه مسلم أيضاً وعن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال "إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين, أو أكلة أو أكلتين, فإنه ولي حره وعلاجه" أخرجاه, ولفظه للبخاري ولمسلم "فليقعده معه فليأكل, فإن كان الطعام مشفوهاً قليلاً, فليضع في يده أكلة أو أكلتين". وعن أبي ذر رضي الله عنه,. عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "هم إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم, فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل, وليلبسه مما يلبس, ولا تكلفوهم ما يغلبهم, فإن كلفتموهم فأعينوهم" أخرجاه,(1/162)
-وقوله تعالى: {إن الله لا يحب من كان مختالا فخوراً}, أي مختالا في نفسه, معجبا متكبراً فخورا على الناس, يرى أنه خير منهم فهو في نفسه كبير, وهو عند الله حقير, وعند الناس بغيض, قال مجاهد في قوله: {إن الله لا يحب من كان مختالا} يعني متكبراً {فخوراً} يعني يَعُدّ ما أعطى, وهو لا يشكر الله تعالى يعني يفخر على الناس بما أعطاه الله من نعمه, وهو قليل الشكر لله على ذلك, وقال ابن جرير: حدثني القاسم, حدثنا الحسين, حدثنا محمد بن كثير, عن عبد الله بن واقد أبي رجاء الهروي, قال: لا تجد سيء الملكة إلا وجدته مختالا فخوراً, وتلا {وما ملكت أيمانكم} الاَية, ولا عاقاً إلا وجدته جباراً شقياً, وتلا {وبراً بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقياً}, وروى ابن أبي حاتم عن العوام بن حوشب مثله في المختال الفخور, وقال: حدثنا أبي, حدثنا أبو نعيم عن الأسود بن شيبان, حدثنا يزيد بن عبد الله بن الشخير, قال: قال مطرف: كان يبلغني عن أبي ذر حديث كنت أشتهي لقاءه, فلقيته, فقلت: يا أبا ذر, بلغني أنك تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثكم "إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة" ؟ فقال: أجل, فلا إخالني, أكذب على خليلي ثلاثا ؟ قلت: من الثلاثة الذين يبغض الله ؟ قال: المختال الفخور. أوليس تجدونه عندكم في كتاب الله المنزل, ثم قرأ الاَية {إن الله لا يحب من كان مختالا فخوراً}, وحدثنا أبي, حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا وهيب بن خالد, عن أبي تميمة عن رجل من بَلْهُجَم, قال: قلت: يا رسول الله, أوصني, قال : "إياك وإسبال الإزار فإن إسبال الإزار من المخيلة, وإن الله لا يحب المخيلة". اهـ.
قلت جاء في آخر الحديث : وَصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَإِذَا وَجَدْتَ الْإِمَامَ قَدْ صَلَّى فَقَدْ أَحْرَزْتَ صَلَاتَكَ وَإِلَّا فَهِيَ نَافِلَةٌ ..(1/163)
+ ومعنى أحرزت : صُنت وحفظتَ وأديتَ ؛ والنافلة : ما كان زيادة على الأصل الواجب... قال النووي: إِذَا عَلِمْت مِنْ حَالهمْ تَأْخِيرهَا عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار فَصَلِّهَا لِأَوَّلِ وَقْتهَا ، ثُمَّ إِنْ صَلُّوهَا لِوَقْتِهَا الْمُخْتَار فَصَلِّهَا أَيْضًا مَعَهُمْ ، وَتَكُون صَلَاتك مَعَهُمْ نَافِلَة ، وَإِلَّا كُنْت قَدْ أَحْرَزْت صَلَاتك بِفِعْلِك فِي أَوَّل الْوَقْت ، أَيْ حَصَّلْتهَا وَصُنْتهَا وَاحْتَطْت لَهَا ...وقال : وَإِنْ أَدْرَكْت الْقَوْم وَقَدْ صَلَّوْا كُنْت قَدْ أَحْرَزْت صَلَاتك ، وَإِلَّا كَانَتْ لَك نَافِلَة )، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( صَلِّ الصَّلَاة لِوَقْتِهَا ثُمَّ اِذْهَبْ لِحَاجَتِك ، فَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاة وَأَنْتَ فِي الْمَسْجِد فَصَلِّ ) مَعْنَاهُ : صَلِّ فِي أَوَّل الْوَقْت وَتَصَرَّفْ فِي شُغْلِك فَإِنْ صَادَفْتهمْ بَعْد ذَلِكَ وَقَدْ صَلَّوْا أَجْزَأَتْك صَلَاتُك ، وَإِنْ أَدْرَكْت الصَّلَاة مَعَهُمْ فَصَلِّ مَعَهُمْ ، وَتَكُون هَذِهِ الثَّانِيَة لَك نَافِلَة... والصلاة لوقتها رغب فيها رسول الله صبى الله عليه وسلم وبين فضائلها في حديث كثير :
* البخاري + مسلم(1/164)
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْعَيْزَارِ أَخْبَرَنِي قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ يَقُولُ حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا ... قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ...قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّه ...ِ قَالَ : حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي... وفي رواية آخرى : ... عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... قَالَ حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي ( خ ) َمَا تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ إِلَّا إِرْعَاءً عَلَيْهِ ( م )(1/165)
* وفي رواية لمسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ ،قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ :كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا ؟ قَالَ: قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ ... وفي متن آخر : * وَأَنْ أُصَلِّيَ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَ الْقَوْمَ وَقَدْ صَلَّوْا كُنْتَ قَدْ أَحْرَزْتَ صَلَاتَكَ وَإِلَّا كَانَتْ لَكَ نَافِلَةً ... وفي لفظ آخر : عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَرَبَ فَخِذِي : كَيْفَ أَنْتَ إِذَا بَقِيتَ فِي قَوْمٍ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا ؟ قَالَ : مَا تَأْمُرُ؟ قَالَ : صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا ثُمَّ اذْهَبْ لِحَاجَتِكَ فَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَأَنْتَ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلِّ ... وفي حديث آخر : صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ مَعَهُمْ فَصَلِّ وَلَا تَقُلْ إِنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فَلَا أُصَلِّي.... وفي حديث آخر: قَالَ: كَيْفَ أَنْتَ إِذَا بَقِيتَ فِي قَوْمٍ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا ف؟ ...َصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا ثُمَّ إِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلِّ مَعَهُمْ فَإِنَّهَا زِيَادَةُ خَيْرٍ ... وفي حديث آخر : قَالَ:صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً...
*** وروى أصحاب السنن :(1/166)
* أبو داود = عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهَا سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي أُمَرَاءُ تَشْغَلُهُمْ أَشْيَاءُ عَنْ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا... فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُصَلِّي مَعَهُمْ ؟قَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ ...وَقَالَ سُفْيَانُ إِنْ أَدْرَكْتُهَا مَعَهُمْ أُصَلِّي مَعَهُمْ قَالَ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ..
* الترمذي = حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَبَا ذَرٍّ أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ فَصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ صُلِّيَتْ لِوَقْتِهَا كَانَتْ لَكَ نَافِلَةً وَإِلَّا كُنْتَ قَدْ أَحْرَزْتَ صَلَاتَكَ..
وَفِي الْبَاب عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا إِذَا أَخَّرَهَا الْإِمَامُ ثُمَّ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ وَالصَّلَاةُ الْأُولَى هِيَ الْمَكْتُوبَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ ..(1/167)
* النسائي = أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَعَلَّكُمْ سَتُدْرِكُونَ أَقْوَامًا يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ لِغَيْرِ وَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتُمُوهُمْ فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَصَلُّوا مَعَهُمْ وَاجْعَلُوهَا سُبْحَةً ...
* ابن ماجه = حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَ الْإِمَامَ يُصَلِّي بِهِمْ فَصَلِّ مَعَهُمْ وَقَدْ أَحْرَزْتَ صَلَاتَكَ وَإِلَّا فَهِيَ نَافِلَةٌ لَكَ ...
? قال ابن حجر في فتح الباري :
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْعَيْزَارِ أَخْبَرَنِي قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ يَقُولُ حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا.. ( الحديث)(1/168)
قَوْله ( وَأَشَارَ بِيَدِهِ )فِيهِ الِاكْتِفَاء بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ عَنْ التَّصْرِيحِ وَعَبْد اللَّه هُوَ اِبْن مَسْعُود .قَوْله ( أَيّ الْعَمَلِ أَحَبّ إِلَى اللَّهِ ؟) فِي رِوَايَةِ مَالِك بْن مِغْوَل " أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَل " وَكَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ ، فَإِنْ كَانَ هَذَا اللَّفْظ هُوَ الْمَسْئُولُ بِهِ فَلَفْظ حَدِيث الْبَابِ مَلْزُوم عَنْهُ . وَمُحَصِّلُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْره مِمَّا اِخْتَلَفَتْ فِيهِ الْأَجْوِبَة بِأَنَّهُ أَفْضَل الْأَعْمَالِ أَنَّ الْجَوَابَ اِخْتَلَفَ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ السَّائِلِينَ بِأَنْ أَعْلَمَ كُلَّ قَوْمٍ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ ، أَوْ بِمَا لَهُمْ فِيهِ رَغْبَة ، أَوْ بِمَا هُوَ لَائِقٌ بِهِمْ ، أَوْ كَانَ الِاخْتِلَاف بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ بِأَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ ، فَقَدْ كَانَ الْجِهَاد فِي اِبْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ أَفْضَل الْأَعْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ الْوَسِيلَةُ إِلَى الْقِيَامِ بِهَا وَالتَّمَكُّنِ مِنْ أَدَائِهَا ، وَقَدْ تَضَافَرَتْ النُّصُوص عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَل مِنْ الصَّدَقَةِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَفِي وَقْتِ مُوَاسَاةِ الْمُضْطَرِّ تَكُونُ الصَّدَقَةُ أَفْضَلَ ، أَوْ أَنَّ " أَفْضَلَ " لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا بَلْ الْمُرَاد بِهَا الْفَضْل الْمُطْلَق ، أَوْ الْمُرَاد مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَحُذِفَتْ مِنْ وَهِيَ مُرَادَة . وَقَالَ اِبْن دَقِيقِ الْعِيدِ : الْأَعْمَالُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَحْمُولَة عَلَى الْبَدَنِيَّةِ ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْإِيمَانِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ ، فَلَا تَعَارُضَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْن حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " أَفْضَل الْأَعْمَالِ إِيمَان(1/169)
بِاللَّهِ " الْحَدِيثَ .. .
- قَوْله : ( الصَّلَاة عَلَى وَقْتِهَا ) ، قَالَ اِبْن بَطَّال: فِيهِ أَنَّ الْبِدَارَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا أَفْضَل مِنْ التَّرَاخِي فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا شَرَطَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ أَحَبّ الْأَعْمَالِ إِذَا أُقِيمَتْ لِوَقْتِهَا الْمُسْتَحَبِّ .
قُلْت : وَفِي أَخْذِ ذَلِكَ مِنْ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ نَظَر ، قَالَ اِبْن دَقِيقِ الْعِيدِ : لَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي أَوَّلًا وَلَا آخِرًا ُ، وَكَأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الِاحْتِرَاز عَمَّا إِذَا وَقَعَتْ قَضَاء . وَتُعُقِّبُ بِأَنَّ إِخْرَاجَهَا عَنْ وَقْتِهَا مُحَرَّم ، وَلَفْظ " أَحَبَّ " يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ فِي الِاسْتِحْبَابِ فَيَكُونُ الْمُرَاد الِاحْتِرَاز عَنْ إِيقَاعِهَا آخِر الْوَقْتِ . وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُشَارَكَةَ إِنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ ، فَإِنْ وَقَعَتْ الصَّلَاةُ فِي وَقْتِهَا كَانَتْ أَحَبّ إِلَى اللَّهِ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ ؛ فَوَقَعَ الِاحْتِرَاز عَمَّا إِذَا وَقَعَتْ خَارِجَ وَقْتِهَا مِنْ مَعْذُورٍ كَالنَّائِمِ وَالنَّاسِي فَإِنَّ إِخْرَاجَهُمَا لَهَا عَنْ وَقْتِهَا لَا يُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ وَلَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ مَعَ كَوْنِهِ مَحْبُوبًا لَكِنَّ إِيقَاعَهَا فِي الْوَقْتِ أَحَبّ .
( تَنْبِيه ) :(1/170)
اِتَّفَقَ أَصْحَابُ شُعْبَةَ عَلَى اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ " عَنْ وَقْتِهَا " وَخَالَفَهُمْ عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ وَهُوَ شَيْخٌ صَدُوقٌ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ فَقَالَ " الصَّلَاة فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا " أَحْرَجَهُ الْحَاكِمُ والدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : مَا أَحْسَبُهُ حَفِظَهُ ؛ لِأَنَّهُ كِيرٌ وَتَغَيَّرَ حَفِظَهُ .
قُلْت : وَرَوَاهُ الْحَسَن بْن عَلِيّ الْمَعْمَرِيّ فِي " الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ " عَنْ أَبِي مُوسَى مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ كَذَلِكَ . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : تَفَرَّدَ بِهِ الْمَعْمَرِيّ ، فَقَدْ رَوَاهُ أَصْحَابُ أَبِي مُوسَى عَنْهُ بِلَفْظ " عَلَى وَقْتِهَا " ثُمَّ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ الْمَحَامِلِيّ عَنْ أَبِي مُوسَى كَرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَهَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَاب غُنْدَر عَنْهُ ، وَالظَّاهِر أَنَّ الْمَعْمَرِيّ وَهِمَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ ، وَقَدْ أَطْلَقَ النَّوَوِيّ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ " أَنَّ رِوَايَة " فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا " ضَعِيفَة... ا هـ. ، لَكِنْ لَهَا طَرِيق أُخْرَى أَخْرَجَهَا اِبْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عُثْمَان عَنْ عُمَرَ عَنْ مَالِك بْن مِغْوَلٍ عَنْ الْوَلِيدِ وَتَفَرَّدَ عُثْمَان بِذَلِكَ ، وَالْمَعْرُوف عَنْ مَالِك بْن مِغْوَلٍ كَرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ ، كَذَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْره ، وَكَأَنَّ مَنْ رَوَاهَا كَذَلِكَ ظَنَّ أَنَّ الْمَعْنَى وَاحِد ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مِنْ لَفْظَة " عَلَى " ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الِاسْتِعْلَاءَ عَلَى جَمِيعِ الْوَقْتِ فَيَتَعَيَّنُ أَوَّله ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَغَيْره : قَوْلُهُ "(1/171)
لِوَقْتِهَا " اللَّام لِلِاسْتِقْبَالِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ )أَيْ مُسْتَقْبِلَاتٍ عِدَّتَهُنَّ ، وَقِيلَ لِلِابْتِدَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْس ) ... وَقِيلَ بِمَعْنَى فِي ، أَيْ فِي وَقْتِهَا . وَقَوْلُهُ " عَلَى وَقْتِهَا " قِيلَ عَلَى بِمَعْنَى اللَّام فَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ ُ وَقِيلَ لِإِرَادَةِ الِاسْتِعْلَاءِ عَلَى الْوَقْتِ وَفَائِدَته تَحَقُّقُ دُخُول الْوَقْتِ لِيَقَع الْأَدَاءُ فِيهِ ....
? وقال ابن رجب في الفتح : قد روي هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من روايات متعددة.
وقد كان الصحابة يأمرون بذلك ويفعلونه عند ظهور تأخير بني أمية للصلاة عن أوقاتها، وكذلك أعيان التابعين ومن بعدهم من أئمة العلماء: قال [أحمد] وإسحاق: إنما يصلي في بيته ثم يأتي المسجد إذا صلى الأئمة في غير الوقت-: نقله عنهما ابن منصور.
ومرادهما: إذا صلوا بعد خروج الوقت، فإن تأخير الصلاة عن وقتها عمداً في غير حال يجوز فيها الجمع لا يجوز إلا في صور قليلة مختلف فيها، فأما إن أخروا الصلاة عن أوائل وقتها الفاضلة، فإنه يصلي معهم ويقتصر على ذلك.
وقد روى الشافعي بإسناده، عن ابن عمر، أنه أنكر على الحجاج إسفاره بالفجر، وصلى معه يومئذ.
وقد قال النخعي: كان ابن مسعود يصلي مع الأمراء في زمن عثمان وهم يؤخرون بعض التأخير، ويرى أنهم يتحملون ذلك...وإنما كان يفعل ذلك في أيام إمارة الوليد بن عقبة على الكوفة في زمن عثمان، فإنه كان أحيانا يؤخر الصلاة عن أول وقتها.
وفي "مسند الإمام أحمد" أن الوليد بن عقبة أخر الصلاة مرة، فقام ابن مسعود فتقرب، فصلى بالناس، وقال: أبن الله ورسوله علينا أن ننتظرك بصلاتنا وأنت في حاجتك.
? وقال في باب : فضل الصلاة لوقتها ؛(1/172)
- حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك: ثنا شعبة، قال: الوليد بن العيزار أخبرني، قال: سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: ثنا صاحب هذه الدار- وأشار إلى دار عبد الله-،قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - : أي العمل أحب إلى الله ؟ قال: ((الصلاة على وقتها)). قال: ثم أي ؟قال: (( ثم بر الوالدين)). قال: ثم أي؟ قال: (( الجهاد في سبيل الله )). قال: حدثني بهن، ولو استزدته لزداني...وخرجه بهذا الإسناد بعينه في " كتاب البر والصلة"....وخرجه أول " الجهاد" من طريق مالك بن مغول، عن الوليد، به، ولفظه: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - : أي العمل أفضل؟ قال: قال: (( الصلاة على ميقاتها)) - وذكر باقيه بمعناه.
وفي رواية لمسلم من حديث أبي يعفور، عن الوليد- بهذا الإسناد-، قلت: يا نبي الله، أي الأعمال أقرب إلى الجنة؟ قال: (( الصلاة على مواقيتها)) - وذكر باقية...
وهذه الألفاظ متقاربة المعنى أو متحدة؛ لأن ما كان من الأعمال أحب إلى الله فهو أفضل الأعمال، وهو أقرب إلى الجنة من غيره؛ فإن ما كان أحب إلى الله فعامله أقرب إلى الله من غيره، كما في حديث أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه، قال: (( ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) - وذكر الحديث....خرجه البخاري في " الرقاق" من " كتابه" هذا....وقال عمر بن الخطاب: أفضل الأعمال أداء ما فرض الله . ...وكذا قال عمر بن عبد العزيز في خطبته..
فدل حديث ابن مسعود هذا على أن أفضل الأعمال وأقربها إلى الله وأحبها إليه الصلاة على مواقيتها المؤقتة لها.(1/173)
وقد روي في هذا الحديث زيادة، وهي : ((الصلاة في أول وقتها))، وقد خرجها ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحهما" والحاكم والدارقطني من طرق متعددة.... واستدل بذلك على أن الصلاة في أول الوقت أفضل، كما استدل لحديث أم فروة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه سئل : أي العمل أفضل ؟ قال: (( الصلاة لأول وقتها)).خرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي...وفي إسناده اضطراب-: قاله الترمذي والعقيلي.. وروي نحوه من حديث الشفاء بنت عبد الله.
وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( الصلاة على وقتها- أو على مواقيتها)) : دليل - أيضا- على فضل أول الوقت للصلاة؛ لأن " على " للظرفية، كقولهم: (كان كذا على عهد فلان) ، والأفعال الواقعة في الأزمان المتسعة عنها لا تستقر فيها، بل تقع في جزء منها، لكنها إذا وقعت في أول ذلك الوقت فقد صار الوقت كله ظرفاً لها حكماً.
? قال النووي = في شرح مسلم -
- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ ح و حَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ :كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا ؟ أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ قَالَ قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ...وَلَمْ يَذْكُرْ خَلَفٌ عَنْ وَقْتِهَا(1/174)
- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَيْف أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْك أُمَرَاء يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاة عَنْ وَقْتهَا أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلَاة عَنْ وَقْتهَا ؟ قَالَ : قُلْت : فَمَا تَأْمُرنِي ؟ قَالَ : صَلِّ الصَّلَاة لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَك نَافِلَة )
، وَفِي رِوَايَة : ( صَلُّوا الصَّلَاة لِوَقْتِهَا وَاجْعَلُوا صَلَاتكُمْ مَعَهُ نَافِلَة ) مَعْنَى يُمِيتُونَ الصَّلَاة : يُؤَخِّرُونَهَا ؛ فَيَجْعَلُونَهَا كَالْمَيِّتِ الَّذِي خَرَجَتْ رُوحه ، وَالْمُرَاد بِتَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتهَا ، أَيْ عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار لَا عَنْ جَمِيع وَقْتهَا ، فَإِنَّ الْمَنْقُول عَنْ الْأُمَرَاء الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إِنَّمَا هُوَ تَأْخِيرهَا عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار ، وَلَمْ يُؤَخِّرهَا أَحَد مِنْهُمْ عَنْ جَمِيع وَقْتهَا ، فَوَجَبَ حَمْل هَذِهِ الْأَخْبَار عَلَى مَا هُوَ الْوَاقِع ، وَفِي هَذَا الْحَدِيث : الْحَثّ عَلَى الصَّلَاة أَوَّل الْوَقْت . وَفِيهِ : أَنَّ الْإِمَام إِذَا أَخَّرَهَا عَنْ أَوَّل وَقْتهَا يُسْتَحَبّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيهَا فِي أَوَّل الْوَقْت مُنْفَرِدًا ، ثُمَّ يُصَلِّيهَا مَعَ الْإِمَام فَيَجْمَع فَضِيلَتَيْ أَوَّل الْوَقْت وَالْجَمَاعَة ، فَلَوْ أَرَادَ الِاقْتِصَار عَلَى إِحْدَاهُمَا فَهَلْ الْأَفْضَل الِاقْتِصَار عَلَى فِعْلهَا مُنْفَرِدًا فِي أَوَّل الْوَقْت أَمْ الِاقْتِصَار عَلَى فِعْلهَا جَمَاعَة فِي آخِر الْوَقْت ؟ فِيهِ خِلَاف مَشْهُور لِأَصْحَابِنَا ، وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّاجِح وَقَدْ وَضَّحْته فِي بَاب التَّيَمُّم مِنْ شَرْح الْمُهَذَّب ، وَالْمُخْتَار اِسْتِحْبَاب الِانْتِظَار إِنْ لَمْ يَفْحُش التَّأْخِير . وَفِيهِ : الْحَثّ عَلَى مُوَافَقَة الْأُمَرَاء فِي غَيْر مَعْصِيَة(1/175)
لِئَلَّا تَتَفَرَّق الْكَلِمَة وَتَقَع الْفِتْنَة ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَع وَأُطِيع وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّع الْأَطْرَاف ) وَفِيهِ : أَنَّ الصَّلَاة الَّتِي يُصَلِّيهَا مَرَّتَيْنِ تَكُون الْأُولَى فَرِيضَة وَالثَّانِيَة نَفْلًا ، وَهَذَا الْحَدِيث صَرِيح فِي ذَلِكَ ، وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيح بِهِ فِي غَيْر هَذَا الْحَدِيث أَيْضًا ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة ، وَفِي مَذْهَبنَا فِيهَا أَرْبَعَة أَقْوَال : الصَّحِيح : أَنَّ الْفَرْض هِيَ الْأُولَى لِلْحَدِيثِ ، وَلِأَنَّ الْخِطَاب سَقَطَ بِهَا . وَالثَّانِي : أَنَّ الْفَرْض أَكْمَلَهُمَا . وَالثَّالِث كِلَاهُمَا فَرْض . وَالرَّابِع : الْفَرْض إِحْدَاهُمَا عَلَى الْإِبْهَام يَحْتَسِب اللَّهُ تَعَالَى بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ . وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ لَا بَأْس بِإِعَادَةِ الصُّبْح وَالْعَصْر وَالْمَغْرِب كَبَاقِي الصَّلَوَات ؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْلَقَ الْأَمْر بِإِعَادَةِ الصَّلَاة ، وَلَمْ يُفَرِّق بَيْن صَلَاة وَصَلَاة ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي مَذْهَبنَا . وَلَنَا وَجْه أَنَّهُ لَا يُعِيد الصُّبْح وَالْعَصْر ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَة نَفْل وَلَا تَنَفّل بَعْدهمَا ، وَوَجْه أَنَّهُ لَا يُعِيد الْمَغْرِب لِئَلَّا تَصِير شَفْعًا وَهُوَ ضَعِيف .... اهـ.
*** سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا ... غُفْرَانَكَ رَبَّنَا ... غُفْرَانَكَ رَبَّنَا ***
انتهى.
- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته -
…
أوصاني خليلي 5
( الحديث
*** روى الإمام أحمد في المسند :(1/176)
1 * حدثنا عبد الله ، حدثني أبي، ثنا عفان ، ثنا حماد بن سلمة عن أبي عمرو القسملي عن ابنة أهبان : ( أن علي بن أبي طالب أتى أهبان فقال ما يمنعك من اتباعي ؟ فقال ؛ أوصاني خليلي وابن عمك ـ يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ فقال : ستكون فتن وفرقة ، فإذا كان ذلك فاكسر سيفك ، واتخذ سيفاً من خشب... ، فقد وقعت الفتنة والفرقة ، وكسرتُ سيفي واتخذتُ سيفاً من خشب ، وأمر أهله حين ثقل أن يكفنوه ولا يلبسوه قميصاً قال : فألبسناه قميصاً فأصبحنا و القميص على المشجب .).
+ أخرج هذا الحديث ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني ،
- حدثنا هدبة بن خالد ، نا حماد بن سلمة ، عن أبي عمرو ، عن بنت صيفي بن وهبان ، أن عليا رضي الله عنه ، أتى وهبان بن صيفي فقال له : ما يمنعك من أن تأتي ؟ فقال : أوصاني خليلي وابن عمك صلى الله عليه وسلم فقال : " إنه ستكون فرقة وفتنة ، فاكسر سيفك ، واتخذ سيفا من خشب " ، قالت ابنته : وأوصى إلى أهله أن يكفنوه ولا يلبسوه قميصا ، فألبسناه قميصا فأصبح وهو على المشجب ... = والمشجب : هو ما يعلق عليه الثياب والمتاع =
+ ورواه الإمام الطبراني في المعجم الكبير(1/177)
حَدَّثَنَا الْمِقْدَامُ بن دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بن مُوسَى ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْقَسْمَلِيِّ ، عَنْ بنتِ أُهْبَانَ ، أَنَّ عَلِيَّ بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَى أُهْبَانَ ، فَقَالَ : مَا يَمْنَعُكَ مِنَ اتِّبَاعِي ؟ ، فَقَالَ : أَوْصَانِي خَلِيلِي ، يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ وَفُرْقَةٌ ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَاكْسِرْ سَيْفَكَ ، وَاتَّخِذْ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ ...، وَأَمَرَ أَهْلَهُ حِينَ ثَقُلَ أَنْ يُكَفِّنُوهُ ، وَلا يُلْبِسُوهُ قَمِيصًا ، فَأَلْبَسْنَاهُ قَمِيصًا ، فَأَصْبَحْنَا وَالْقَمِيصُ عَلَى الْمِشْجَبِ .
2 * حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا مؤيد قال: ثنا حماد ـ يعني ابن سلمة ـ قال : ثنا شيخ يقال له أبو عمرو عن ابنة لأهبان بن صيفي عن أبيها : و كانت له صحبة ـ : ( أن علياً لما قدم البصرة بعث إليه فقال : أوصاني خليلي و ابن عمك فقال : إنه سيكون فرقة و اختلاف فاكسرْ سيفك و اتخذْ سيفاً من خشب و اقعدْ في بيتك حتى تأتيك يدٌ خاطئة أو منيةٌ قاضية ... ففعلت ما أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فإن استطعت يا علي أن لا تكون تلك اليد الخاطئة فافعل .).(1/178)
3 * حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا روح ، ثنا عبد الله بن عبيد الديلي عن عديسة ابنة وهبان بن صيفي : ( أنها كانت مع أبيها في منزله فمرض فأفاق من مرضه ذلك ، فقام علي بن أبي طالب بالبصرة فأتاه في منزله ، حتى قام على باب حجرته فسلم وردَّ عليه الشيخ السلام ، فقال له علي : كيف أنت يا أبا مسلم ؟ قال : بخير . فقال علي : ألا تخرج معي إلى هؤلاء القوم فتعينني ؟ قال : بلى . إن رضيت بما أعطيك . قال علي : و ما هو ؟ فقال الشيخ : يا جارية هات سيفي ، فأخرجت إليه غمداً فوضعته في حجره ، فاستل منه طائفة ثم رفع رأسه إلى علي رضي الله عنه فقال : إن خليلي عليه السلام ، و ابن عمك ، عهد إلي إذا كانت فتنة بين المسلمين ، أن أتخذ سيفاً من خشب ، فهذا سيفي فإن شئت خرجت به معك . فقال علي رضي الله تعالى عنه : لا حاجة لنا فيك و لا في سيفك ، فرجع من باب الحجرة و لم يدخل ).
4 * حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا سريج بن النعمان قال: ثنا حماد ، يعني ابن زيد ـ عن عبد الكبير بن الحكم الغفاري و عبد الله بن عبيد عن عديسة عن أبيها : : ( جاء علي بن أبي طالب فقام على الباب فقال : أثم أبو مسلم ؟ قيل نعم ، قال : يا أبا مسلم ، ما يمنعك أن تأخذ نصيبك من هذا الأمر و تخف فيه ؟ قال : يمنعني من ذلك عهد عهده إلي خليلي و أبن عمك ، عهد إلي أن كانت الفتنة أن أتخذ سيفاً من خشب و قد اتخذته ، و هو ذاك معلق ).
*** وروى الإمام الترمذي :(1/179)
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عُدَيْسَةَ بِنْتِ أُهْبَانَ بْنِ صَيْفِيٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَتْ : جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى أَبِي ، فَدَعَاهُ إِلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ ، فَقَالَ لَهُ أَبِي : إِنَّ خَلِيلِي وَابْنَ عَمِّكَ عَهِدَ إِلَيَّ إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ أَنْ أَتَّخِذَ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ ، فَقَدِ اتَّخَذْتُهُ ، فَإِنْ شِئْتَ خَرَجْتُ بِهِ مَعَكَ ، قَالَتْ : فَتَرَكَهُ ...قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدٍ )) .
*** وروى الإمام ابن ماجه في سننه = كتاب الفتن - باب التثبت في الفتنة
حدثنا محمد بن بشار ثنا صفوان بن عيسى ثنا عبد الله بن عبيد مؤذن مسجد جردان قال حدثتني عديسة بنت أهبان قالت : (لما جاء علي بن أبي طالب ههنا البصرة دخل على أبي فقال: يا أبا مسلم ، ألا تعينني على هؤلاء القوم ؟ قال: بلى... قال فدعا جارية له فقال: يا جارية أخرجي سيفي... قال فأخرجته فسل منه قدر شبر فإذا هو خشب .. فقال : إن خليلي وابن عمك صلى الله عليه وسلم عهد إلي ( إذا كانت الفتنة بين المسلمين فأتخذ سيفا من خشب)... فإن شئت خرجت معك.. قال: لا حاجة لي فيك ولا في سيفك).
*** وروى الإمام الطبراني في المعجم الكبير(1/180)
1 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ ، قَالا : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن الْهَيْثَمِ الْمُؤَذِّنُ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بن عُبَيْدٍ، عَنْ عُدَيْسَةَ بنتِ أُهْبَانَ بن صَيْفِيٍّ ، قَالَتْ : حَيْثُ قَدِمَ عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ الْبَصْرَةَ ، جَاءَ إِلَى أَبِي ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ ، فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، قَالَ : أَلا تَخْرُجُ فَتُعِينَنِي عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ ؟ قَالَ : بَلَى ، إِنْ شِئْتَ ، يَا جَارِيَةُ نَاوِلِينِي السَّيْفَ ، فَنَاوَلَتْهُ السَّيْفَ فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ ، ثُمَّ اسْتَلَّهُ ، قَالَ : إِنَّ خَلِيلِي وَابْنَ عَمِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي إِذَا كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ قَبِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، أَنْ اتَّخِذَ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ ، فَاسْتَلَّ بَعْضَهُ وَهُوَ فِي حِجْرِهِ ، فَقَالَ : إِنْ شِئْتَ خَرَجْتُ مَعَكَ بِهَذَا ، قَالَ : لا حَاجَةَ لِي فِيكَ...
( الراوي
- هو أهبان بن صيفى الغفاري رضي الله عنه، ويقال وهبان ،كنيته: أبو مسلم - وكانت له صحبة... سكن البصرة وبقي بها إلى أن جاء أجله ... ولما ثقل وحضره الموت أوصى أن يكفن في ثوبين ، بدون قميص ؛ فكفنوه ، وألبسوه قميصا ، فأصبحوا فإذا القميص معلق على المشجب بالبيت .(1/181)
- أتاه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسأله الخروج معه يوم الجمل ، وكان قد اتخذ سيفاً من خشبٍ ، فقال له : ، فقال أَوْصَانِي خَلِيلِي وَابْنُ عَمِّكِ ـ يَعْنِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : ( سَتَكُونُ فِتَنٌ وَفُرْقَةٌ ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ، فَاكْسِرْ سَيْفَكَ ، وَاتَّخِذْ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ ) ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَالْفُرْقَةُ ، وَكَسَرْتُ سَيْفِي ، وَاتَّخَذْتُ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ ... فأراه سيفه الخشبي وقال : إن شئت خرجت معك بهذا...هنالك قال له علي كرم الله وجهه : لا حَاجَةَ لِي فِيكَ ... ولا في سيفك ....
- روى عنه : زهدم بن الحارث الغفاري ، وابنته عديسة بنت أهبان ... أخرج الطبرانى في معجمه الكبيرقصة القميص ،قال :... عن عديسة بنت أهبان قالت : حين حضر أبي الوفاة ، قال : لا تكفنوني في ثوب مخيط ، فحيث قبض وغسل ، أرسلوا إلي : أن أرسلي الكفن ، فأرسلت إليهم بالكفن ، قالوا : قميص ، قلت : إن أبي قد نهاني أن أكفنه في قميصٍ مخيط ، فأرسلت إلي القصَّار ، ولأبي قميص في القصارة ، فأتي به ، فألبس وذُهب به ، فأغلقت بابي وتبعته ، فرجعت والقميص في البيت ، فأرسلت إلى الذين غسلوا أبي ، فقلت :كفنتموه في قميص ؟ ، قالوا : نعم ، قلت : هو هذا ؟ ، قالوا : نعم ...
وأخرجه اللألكائى فى كتابه "كرامات الأولياء " ...عن عديسة بنت أهبان بن صيفي قالت : أوصاني أبي أن يكفن في ثوبين ، قالت : فكفن في ثوبين وقميص ، فلما أصبحنا من الغد من يوم دفناه ، إذا نحن بالقميص الذي كفن فيه على المشجب ...(1/182)
** حديثه فى ترك القتال فى الفتنة أخرجه أحمد في مسنده ، وابن سعد في الطبقات الكبرى، والبخارى في التاريخ الكبير، وابن قانع في معجم الصحابة ، والمزى في تهذيب الكمال ، ورواه ابنماجه في سننه والطبراني في معجمه الكبير... عن ابنته عديسة الغفارية بنت أهبان بن صيفي ،وهى تابعية بصرية من أوساطهن.. لم تتفرد بحديثها هذا عن أبيها ، بل تابعها عليه زهدم بن الحارث الغفاري = أخرج الطبرانى في الكبير ، قال : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح البصري، ثنا يحيى بن زهدم بن الحارث الغفاري ،حدثني أبي قال: قال لي أهبان بن صيفي : قال لي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يا أهبان أما إنك بعدي ، فسترى في أصحابي اختلافاً إلى ذلك اليوم ، فاجعل سيفك من عراجين ) ، قال : فجعلت سيفي من عراجين ، فأتاني علي ـ يعنى ابن أبى طالبٍ ـ رضي الله عنه ، فأخذ بعضادتي الباب ، ثم سلَّم فقال : يا أهبان ألا تخرج ؟ ، فقلت : بأبي وأمي يا أبا الحسن ، قال لي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أو أمرني رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أو أوصاني رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،أو تقدم إلي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شك ابن زهدم - فقال :( يا أهبان أما إنك بعدي ، فسترى في أصحابي اختلافاً إلى ذلك اليوم فاجعل سيفك من عراجين ) ، فأخرجت إليه سيفي ، فولَّى علي رضي الله عنه ... كما أن الإمام أحمد أخرجه من طريق آخر ، قال : حدثنا سريج بن النعمان ثنا حماد ـ يعنى ابن زيد ـ عن عبد الكبير بن الحكم الغفاري وعبد الله بن عبيد عن عديسة عن أبيها : جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ ، فَقَالَ : أَثَمَّ أَبُو مُسْلِمٍ ؟ ، قِيلَ : نَعَمْ ، قَالَ : يَا أَبَا مُسْلِمٍ ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَأْخُذَ نَصِيبَكَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ ، وَتُخِفْ فِيهِ ؟ ، قَالَ :(1/183)
يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيَّ خَلِيلِي وَابْنُ عَمِّكَ ، عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ إِذَا كَانَتِ الْفِتْنَةُ أَنْ أَتَّخِذَ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ ، وَقَدِ اتَّخَذْتُهُ ، وَهُوَ ذَاكَ مُعَلَّقٌ ...
? قلت : وأخرج أحمد والطبراني حديثا آخر من رواية محمد بن مسلمة رضي الله عنه يشبه في متنه حديث أهبان بن صيفى الغفاري ، وهو:
''' في مسند أحمد = حدثنا عبد الله ،
1 * حدثني أبي ، ثنا يزيد بن هارون قال : أنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، : ( عن أبي بردة قال : مررت بالربذة فإذا فسطاط ، فقلت : لمن هذا ؟ فقيل : لمحمد بن مسلمة ، فاستأذنت عليه فدخلت عليه فقلت : رحمك الله إنك من هذا الأمر بمكان ، فلو خرجت إلى الناس فأمرت و نهيت ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إنه ستكون فتنة و فرقة و اختلاف ، فإذا كان ذلك فأت بسيفك أحُداً فاضربْ به عرضه ، واكسرْ نبلك ، واقطعْ وتَرك ، واجلس في بيتك ، فقد كان ذلك . و قال يزيد مرة : فاضرب به حتى تقطعه ، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو يعافيك الله عز و جل... فقد كان ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و فعلت ما أمرني به . ثم استنزل سيفاً كان معلقاً بعمود الفسطاط فاخترطه فإذا سيف من خشب ، فقال : قد فعلت ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و اتخذت هذا أرهب به الناس ).(1/184)
2* حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا عبد الصمد ، ثنا زياد بن مسلم أبو عمر ، ثنا أبو الأشعث الصنعاني قال : ( بعثنا يزيد بن معاوية إلى ابن الزبير ، فلما قدمت المدينة دخلت على فلان - نسي زياد اسمه - فقال : إن الناس قد صنعوا ما صنعوا فما ترى ؟ فقال : أوصاني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه و سلم : إن أدركتَ شيئا من هذه الفتن فاعمدْ إلى أحُد فاكسرْ به حدَّ سيفك ثم اقعدْ في بيتك ، قال : فإن دخل عليك أحَد إلى البيت فقمْ إلى المخدع ، فإن دخل عليك المخدع فاجثُ على ركبتيك وقل بؤْ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ...، فقد كسرتُ حَدَّ سيفي وقعدتُ في بيتي.
''' في معجم الطبراني =
1- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بن الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن زَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: مَرَرْنَا بِالرَّبَذَةِ وَإِذَا فُسْطَاطٌ، قُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟، قِيلَ: لِمُحَمَّدِ بن مَسْلَمَةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:"يَا مُحَمَّدُ بن مَسْلَمَةَ، إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، وَفُرْقَةٌ، وَاخْتِلافٌ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ، فَاكْسِرْ سَيْفَكَ، وَاكْسِرْ نَبْلَكَ، وَاقْطَعْ وَاتْرُكْ، وَاجْلِسْ فِي بَيْتِكَ"، فَقَدْ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَفَعَلْتُ الَّذِي أَمَرَنِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا السَّيْفُ مُعَلَّقٌ بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ، فَانْتَصَلْتُهُ فَإِذَا سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّخَذْتُ هَذَا أَهِيبُ بِهِ النَّاسَ ).(1/185)
2- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ بن شَرِيكٍ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بن عَامِرٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بن زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بن مِهْرَانَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بن مَسْلَمَةَ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِنَّهَا سَتَكُونُ فُرْقَةٌ، وَفِتْنَةٌ، وَاخْتِلافٌ، فَاضْرِبْ بِسَيْفِكَ عُرْضَ أُحُدٍ، وَاجْلِسْ فِي بَيْتِكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ يَدٌ خَاطِئَةٌ، أَوْ يُعَافِيَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ".(1/186)
+ ومحمد بن مسلمة بن خالد الأوسي ،كنيته: أبو عبدالرحمن المدني ،...كان رضي الله عنه رجلا أسمر طويلا معتدلا أصلعا... أسلم بالمدينة على يد مصعب بن عمير ، وذلك قبل أن يسلم أسيد بن الحضير وسعد بن معاذ ، وهو الذي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ، فهو من أوائل الصحابة ...سكن المدينة ثم رحل إلى الربذة واستقر بها بعد مقتل الختيفة الثال عثمان بن عفانرضي الله عنه. وفد شهد محمد بن مسلمة رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بدر وما بعدها من الغزوات، وكان فيمن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحُد حين ولى الناس ، وحضركل المشاهد ما عدا تبوك حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة حين خرج لهذه الغزوة ؛ وكان رضي الله عنه فيمن قتل كعب بن الأشرف الشاعر اليهودي الذي كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويؤذيه ويحرض عليه كفار قريش = روى الحاكم النيسابوري في المستدرك ، قال : حدثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم المزكي ، ثنا الحسين بن محمد القباني ، ثنا محمد بن عباد المكي ، ثنا محمد بن طلحة التيمي ، عن عبد الحميد بن أبي عبس بن محمد بن أبي عبس ، عن أبيه ، عن جده قال :(كان كعب بن الأشرف يقول الشعر و يخذل عن النبي صلى الله عليه و سلم و يخرج في غطفان... فقال النبي صلى الله عليه و سلم : من لي بابن الأشرف فقد آذى الله ورسوله ؟ فقال محمد بن مسلمة الحارثي : أنا يا رسول الله.. أتحب أن أقتله ؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال : إيت سعد بن معاذ فاستشره ...قال : فجئت سعد بن معاذ فذكرت ذلك له ، فقال : امض على بركة الله واذهب معك بابن أخي الحارث بن أوس بن معاذ ، وبعباد ابن بشر الأشهلي، وبأبي عبس بن جبر الحارثي، وبأبي نائل سلكان بن قيس الأشهلي... قال : فلقيتهم فذكرت ذلك لهم فجاؤوني كلهم إلا سلكان ، فقال : يا ابن أخي، أنت عندي مصدق(1/187)
ولكن لا أحب أن أفعل من ذلك شيئاً حتى أشافه رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم ، فقال : امض مع أصحابك .. قال فخرجنا إليه ليلاً حتى جئناه في حصن.. فقال عباد بن بشر في ذلك شعراً شرح فيه قتلهم و مذهبهم فقال :
صرخت به فلم يعرض لصوتي ووافى طالعاً من فوق جدر
فعدت له فقال : من المنادي ؟ فقلت : أخوك عباد بن بشر
وهذي درعنا رهناً فخذها لشهر إن وفى أو نصف شهر
فقال : معاشر شغبوا و جاعوا ما عدموا الغنى من غير فقر
فأقبل نحونا يهوي سريعاً وقال لنا : لقد جئتم لأمر
وفي أيماننا بيض حداد مجربة بها نكوي ونفري
فقلت لصاحبي لما بداني تبادره السيوف كذبح عير
وعانقه ابن مسلمة المرادي يصيح عليه كالليث الهزبر
وشد بسيفه صلتا عليه فقطره أبو عبس بن جبر
وكان الله سادسنا ولياً بأنعم نعمة و أعز نصر
وجاء برأسه نفر كرام اتاهم هود من صدق و بر(1/188)
وبعث رسول الله محمداً بن مسلمة إلى القرطاء ـ وهم من بني أبي بكر بن كلاب ـ سرية في ثلاثين راكبا ، وبعثه أيضا إلى ذي القصة سرية في عشرة نفر .... وهوالذي كان يقول عن نفسه : يا بنيّ ، سلوني عن مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم ومواطنه، فإني لم أتخلف عنه في غزوة قط إلا واحدة ، في تبوك ، خلفني على المدينة. وسلوني عن سراياه صلى الله عليه وسلم فإنه ليس منها سرية تخفى عليّ ، إما أن أكون فيها أو أن أعلمها حين خرجت ....وكان يقال له ( فارس النبي ) ، روي عن الحسن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى محمداً بنَ مسلمة سيفا فقال : ( قاتل به المشركين ما قوتلوا فإذا رأيت المسلمين قد أقبل بعضهم على بعض فأت به أُحداً فاضربه به حتى تقطعه ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية ) .قال ابن الكلبي : ولاه عمر على صدقات جهينة . وقال غيره : كان عند عمر معدا لكشف الأمور المعضلة في البلاد ، وهو كان رسوله في الكشف عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حين بنى القصر بالكوفة وغير ذلك . قال يعقوب بن سفيان : دخل عليه رجل من أهل الشام من أهل الأردن وهو في داره فقتله . ونقل محمد بن عمرو : أن محمد بن مسلمة رضي الله عنه قتل بالمدينة في صفر سنة ست وأربعين وهو يومئذ ابن سبع وسبعين سنة...(1/189)
+ موقفه من الفتنة = عندما قامت الفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ، أخذ محمد بن مسلمة رضي الله عنه سيفه ، وذهب إلى صخرة قوية ، وأخذ يضرب السيف على الصخرة حتى كسر السيف ، واتخذ لنفسه سيفا من خشب ،وذهب إلى الربذة وبنى لنفسه بيتا صغيرا جلس فيه ، فقال له أصحابه : لماذا فعلت ذلك يا محمد ؟فأجابهم رضي الله عنه قائلا : أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا ، وقال لي :" يا محمد بن مسلمة ، جاهد بهذا السيف في سبيل الله ، حتى إذا رأيت أمتي يضرب بعضهم بعضا ، فائت به أُحد فاضرب به حتى ينكسر ، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية "وقد فعلت ما أمرني به رسول الله ...
( الشرح(1/190)
? قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية = وقال أبو داود السجستاني :حدثنا الحسن بن علي ثنا يزيد أنا هشام عن محمد قال قال حذيفة ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه إلا محمد بن مسلمة فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تضرك الفتنة ...وهذا منقطع ؛ وقال أبو داود الطيالسي: ثنا شعبة عن أشعث بن أبي أشعث سمعت أبا بردة يحدث عن ثعلبة بن أبي ضبيعة سمعت حذيفة يقول: إني لأعرف رجلا لا تضره الفتنة ، فأتينا المدينة فاذا فسطاط مضروب وإذا محمد بن مسلمة الأنصاري ، فسألته فقال: لا أستقر بمصر من أمصارهم حتى تنجلي هذه الفتنة عن جماعة المسلمين ...قال البيهقي ورواه أبو داود يعني السجستاني عن عمرو بن مرزوق عن شعبة به..... قال البخاري في التاريخ: هذا عندي أولى؛ وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي بردة قال : مررت بالربذة فإذا فسطاط ،فقلت لمن هذا ؟ فقيل لمحمد بن مسلمة، فاستأذنت عليه ، فدخلت عليه، فقلت : رحمك الله إنك من هذا الأمر بمكان فلو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت... فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ستكون فتنة وفُرقة واختلاف، فاذا كان ذلك فأتِ بسيفك أحُدا فاضربْ به عرضه وكسرْ نبلك واقطعْ وتَرك واجلسْ في بيتك حتى تأتيك يدٌ خاطئة أو يعافيك الله ...فقد كان ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفعلت ما أمرني به... ثم استنزل سيفا كان معلقا بعمود الفسطاط واخترطه فاذا سيف من خشب، فقال: قد فعلت ما أمرني به واتخذت هذا أرهب به الناس ... تفرد به أحمد؛ وقال البيهقي: أنا الحاكم ثنا علي بن عيسى المدني أنا أحمد بن بحرة القرشي ثنا يحيى بن عبد الحميد أنا إبراهيم بن سعد ثنا سالم بن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف عن أبيه عن محمود بن لبيد عن محمد بن مسلمة أنه قال : يا رسول الله ، كيف أصنع إذا اختلف المضلون؟ قال: اخرج بسيفك إلى الحرة(1/191)
فتضربها به ثم تدخل بيتك حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة... وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد ، ثنا زياد بن مسلم أبو عمر، ثنا أبو الأشعث الصنعاني قال: بعثنا يزيد بن معاوية إلى ابن الزبير فلما قدمت المدينة دخلت على فلان - نسي زياد اسمه - فقال :إن الناس قد صنعوا ما صنعوا، فما ترى؟ قال: أوصاني خليلي أبو القاسم: إن أدركت شيئا من هذه الفتن فاعمدْ إلى أحُد فاكسرْ به حدَّ سيفك ثم اقعدْ في بيتك، فأن دخل عليك أحد البيت فقم إلى المخدع ، فإن دخل عليك المخدع فاجْثو على ركبتيْك وقل بُؤْ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ...فقد كسرتُ سيفي، وقعدتُ في بيتي ...هكذا وقع إيراد هذا الحديث في مسند محمد بن مسلمة عند الإمام أحمد ، ولكن وقع إبهام اسمه وليس هو لمحمد بن مسلمة بل لصحابي آخر، فإن محمد بن مسلمة رضي الله عنه لا خلاف عند أهل التاريخ أنه توفي فيما بين الأربعين إلى الخمسين فقيل سنة ثنتين وقيل ثلاث وقيل سبع وأربعين ولم يدرك أيام يزيد بن معاوية وعبد الله بن الزبير بلا خلاف ، فتعين أنه صحابي آخر خبره كخبر محمد بن مسلمة ... وقال نعيم بن حماد في الفتن والملاحم :حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث عن حماد بن سلمة ثنا أبو عمرو السلمي عن بنت أهبان الغفاري أن عليا أتى أهبان فقال : ما يمنعك أن تتبعنا ؟ فقال: أوصاني خليلي وابن عمك صلى الله عليه وسلم : أن ستكون فرقة وفتنة واختلاف فاذا كان ذلك فاكسرْ سيفك واقعدْ في بيتك واتخذْ سيفا من خشب... وقد رواه أحمد عن عفان وأسود بن عامر ومؤمل ثلاثتهم عن حماد بن سلمة به وزاد مؤمل في روايته بعد قوله: واتخذْ سيفا من خشب واقعدْ في بيتك حتى تأتيك يدٌ خاطئة أو منيةٌ قاضية... ورواه الامام أحمد أيضا والترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن عبيد الديلي عن عديسة بنت أهبان بن صيفي عن أبيها به وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عبيد ،كذا قال،(1/192)
وقد تقدم من غير طريقه... وقال البخاري: ثنا عبد العزيز الأويسي ثنا ابراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به. وعن ابن شهاب حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن عبد الرحمن بن مطيع بن الأسود عن نوفل ابن معاوية مثل حديث أبي هريرة هذا... وقد روى مسلم حديث أبي هريرة من طريق إبراهيم بن سعد كما رواه البخاري ، وكذلك حديث نوفل بن معاوية بأسناد البخاري ولفظه... ثم قال البخاري: ثنا محمد بن كثير أخبرني سفيان عن الأعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ستكون أثرة وأمور تنكرونها... فقالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا ؟ قال : تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم... ورواه مسلم من حديث الأعمش به ...وقال الامام أحمد : حدثنا روح ثنا عثمان الشحام ثنا سلمة بن أبي بكرة عن أبي بكرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إنها ستكون فتنة ، ثم تكون فتنة ، ألا فالماشي فيها خير من الساعي إليها ، والقاعد فيها خير من القائم فيها، ألا والمضطجع فيها خير من القاعد ، ألا فإذا نزلت فمن كان له غنم فليلحق بغنمه،ألا ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه ، ألا ومن كانت له إبل فليلحق بأبله ...فقال رجل من القوم: يا نبي الله، جعلني الله فداك، أرأيت من ليست له غنم ولا أرض ولا إبل، كيف يصنع ؟ قال: ليأخذ سيفه ثم ليعمد به إلى صخرة ثم ليدق على حده بحجر ثم لينجُ إن استطاع النجاء، اللهم هل بلغت ؟ إذ قال رجل: يا رسول الله، جعلني الله فداك، أرأيت إن أخذ بيدي مُكرها حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين- أو إحدى الفئتين- شك عثمان ، فيحذفني رجل بسيفه فيقتلني،(1/193)
ماذا يكون من شأني ؟ قال: يبوء بإثمك وإثمه ويكون من أصحاب النار ...وهكذا رواه مسلم من حديث عثمان الشحام بنحوه، وهذا إخبار عن إقبال الفتن وقد وردت أحاديث كثيرة في معنى هذا ... وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسماعيل ثنا قيس قال لما أقبلت عائشة - يعني في مسيرها إلى وقعة الجمل - وبلغت مياه بني عامر ليلا، نبحت الكلاب ...فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا : ماء الحوأب ... فقالت: ما أظني إلا راجعة ... فقال بعض من كان معها : بل تقدميت ، فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم ...قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم :كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب ؟ ورواه أبو نعيم بن حماد في الملاحم عن يزيد بن هارون عن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم به ثم رواه أحمد عن غندر عن شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أن عائشة لما أتت على الحوأب فسمعت نباح الكلاب فقالت ما أظنني إلا راجعة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: أيتكن ينبح عليها كلاب الحوأب؟ فقال لها الزبير : ترجعين عسى الله أن يصلح بك بين الناس... وهذا إسناد على شرط الصحيحين ولم يخرجوه .... وقال الامام أحمد حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم سمعت أبا وائل قال : لما بعث عليٌّ عماراً والحسنَ إلى الكوفة يستنفرهم خطب عمارٌ فقال : إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ، لكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها... ورواه البخاري عن بندار عن غندر... وهذا كله وقع في أيام الجمل ، وقد ندمت عائشة رضي الله عنها على ما كان من خروجها... وكذلك الزبير بن العوام أيضا تذكر وهو واقف في المعركة أن قتاله في هذا الموطن ليس بصواب فرجع عن ذلك ...قال عبد الرزاق : أنا معمر عن قتادة قال: لما ولَّى الزبير يوم الجمل بلغ عليا فقال: لو كان ابن صفية يعلم أنه على حق ما ولى، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيهما في سقيفة بنى ساعدة فقال : أتحبه يا زبير؟ فقال:(1/194)
وما يمنعني ؟ قال :كيف بك إذا قاتلته وأنت ظالم له .؟ قال: فيرون أنه إنما ولَّى لذلك ...وهذا مرسل من هذا الوجه ؛ وقد أسنده الحافظ البيهقي من وجه آخر فقال: أنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ثنا أبو عمرو بن مطر أنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن سوار الهاشمي الكوفي ثنا منجاب بن الحرث ثنا عبد الله بن الأجلح ثنا أبي عن يزيد الفقير عن أبيه قال: وسمعت فضل بن فضالة يحدث أبي عن أبي حرب بن أبي الأسود الدقلي عن أبيه- دخل حديث أحدهما في حديث صاحبه- قال: لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير ، ودنت الصفوف بعضها من بعض ، خرج علي وهو على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنادى: ادعو لي الزبير بن العوام ؛ فدُعي له الزبير ، فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما، فقال علي : يا زبير ، ناشدتك بالله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم مكان كذا وكذا ؟ فقال: يا زبير، تحب عليا ؟ فقلتَ: ألا أحبُّ ابنَ خالي وابنَ عمي وعلى ديني.. فقال: يا علي أتحبُّه ؟ فقلتُ : يا رسول الله ، ألا أحب ابنَ عمتي وعلى ديني ؟ فقال: يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت ظالم له... فقال الزبير: بلى، والله لقد نسيته منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكرته الآن ، والله لا أقاتلك... فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف ، فعرض له ابنُه عبد الله ابن الزبير فقال: ما لك ؟ فقال: ذكرني علي حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سمعته وهو يقول: لتقاتلنه وأنت ظالم له ..فلا أقاتلنه ..فقال: وللقتال جئت ؟ إنما جئت تصلح بين الناس ويصلح الله هذا الأمر... قال: قد حلفت أن لا أقاتله... قال: فاعتق غلامك خير ، وقف حتى تصلح بين الناس... فأعتق غلامه ووقف... فلما اختلف أمر الناس ذهب على فرسه ....... وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة ...ورواه(1/195)
البخاري أيضا عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مثله ورواه البخاري أيضا عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، وهاتان الفئتان هما أصحاب الجمل وأصحاب صفين ، فانهما جميعا يدعون إلى الإسلام ، وإنما يتنازعون في شيء من أمور الملك ومراعاة المصالح العائد نفعها على الأمة والرعايا وكان ترك القتال أولى من فعله كما هو مذهب جمهور الصحابة ...
? قلت : أخرج الإمام جلال الدين السيوطي في الجامع الصغير = إذا كانت الفتنة بين المسلمين فاتخذ سيفا من خشب ... وعزاه لابن ماجة ..عن أهبان ؛
وقال القاضي عبد الرؤوف المناوي في فيض القدير = (إذا كانت الفتنة) أي الاختلاف والحروب واقعة (بين) طائفتين أو أكثر من (المسلمين فاتخذ سيفاً من خشب) أي من شيء لا ينتفع به ولا يقطع فهو كناية عن العزلة والكف عن القتال والانجماع عن الفريقين. قال الطبري: هذا في فتنة نهينا عن القتال فيها وأمرنا بكف الأيدي والهرب منها ، إذ لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين طائفتين من المسلمين الهرب منه وكسر السيوف لما أُقيم حدٌّ ، ولا أُبطِل باطلٌ ، ووجَد أهلُ الشقاق والنفاق سبيلاً إلى استحلال ما حرِّم من أموال الناس وسفك دمائهم بأن يتحزبوا عليهم ، ونكف أيدينا عنهم ونقول هذه فتنة فما نقاتل فيها ، وذلك مخالف لخبر : خذوا على أيدي سفهائكم ...فتعين أن محل الأمر بالكف إذا كان القتال على الدنيا أو لإتباع الهوى أو عصبية.(1/196)
- (ابن ماجه) وكذا الترمذي (عن أهبان) بضم فسكون ويقال وهبان بن صيفي الغفاري الصحابي روى حديثاً واحداً وهو هذا وحسنه الترمذي وتبعه المصنف وسببه أنه دخل عليه علي بالبصرة وسأله الإعانة فقال لجاريته أخرجي سيفي فاذا هو خشب ، فقال إن ابن عمك عهد إلي فقال... فذكره ، وهو الذي كلمه الذئب وقيل غيره وقال ابن حجر روى الطبراني أن أهبان لما احتضر أوصى أن يكفن في ثوبين فكفن في ثلاثة فأصبحوا فوجدوا الثالث على السرير...
? قلت : قال تعالى : (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (الحجرات : 9 -10 )
? قال القرطبي رحمه الله : قال العلماء: لا تخلو الفئتان من المسلمين في اقتتالهما، إما أن يقتتلا على سبيل البغي منهما جميعا أو لا. فإن كان الأول فالواجب في ذلك أن يمشي بينهما بما يصلح ذات البين ويثمر المكافة والموادعة. فإن لم يتحاجزا ولم يصطلحا وأقامتا على البغي صير إلى مقاتلتهما. وأما إن كان الثاني وهو أن تكون إحداهما باغية على الأخرى، فالواجب أن تقاتل فئة البغي إلى أن تكف وتتوب، فإن فعلت أصلح بينها وبين المبغي عليها بالقسط والعدل. فإن التحم القتال بينهما لشبهة دخلت عليهما وكلتاهما عند أنفسهما محقة، فالواجب إزالة الشبهة بالحجة النيرة والبراهين القاطعة على مراشد الحق. فإن ركبتا متن اللجاج ولم تعملا على شاكلة ما هديتا إليه ونصحتا به من اتباع الحق بعد وضوحه لهما فقد لحقتا بالفئتين الباغيتين. والله أعلم.(1/197)
- في هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية المعلوم بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين. وعلى فساد قول من منع من قتال المؤمنين، واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم: [قتال المؤمن كفر]=أخرجه ابن ماجه والنسائي والبيهقي في الدلائل وابن عساكر، وذكره ابن تيمية في كتاب الإيمان، وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة=. ولو كان قتال المؤمن الباغي كفرا لكان الله تعالى قد أمر بالكفر، تعالى الله عن ذلك ، وقد قاتل الصديق رضي الله عنه: من تمسك بالإسلام وامتنع من الزكاة، وأمر ألا يتبع مُولٍّ، ولا يجهز على جريح، ولم تحل أموالهم، بخلاف الواجب في الكفار. وقال الطبري: لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين الفريقين الهرب منه ولزوم المنازل لما أقيم حد ولا أبطل باطل، ولوجد أهل النفاق والفجور سبيلا إلى استحلال كل ما حرم الله عليهم من أموال المسلمين وسبي نسائهم وسفك دمائهم، بأن يتحزبوا عليهم، ويكف المسلمون أيديهم عنهم، وذلك مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: [خذوا على أيدي سفهائكم].= أخرجه السيوطي في جامعه من حديث النعمان بن بشير وعزاه للطبراني - وضعفه الألباني =(1/198)
-قال القاضي أبو بكر بن العربي: هذه الآية أصل في قتال المسلمين، والعمدة في حرب المتأولين، وعليها عول الصحابة، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة، وإياها عني النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: [تقتل عمارا الفئة الباغية]= رواه أحمد =. وقوله صلى الله عليه وسلم في شأن الخوارج: [يخرجون على خير فرقة أو على أحسن فرقة]، والرواية الأولى أصح، لقوله صلى الله عليه وسلم: [تقتلهم أولى الطائفتين إلى الحق]= رواه مسلم وأبو داود ،ومتنه : تمرق مارقة عند فرقة بين المسلمين فيقتلها أولى الطائفتين بالحق= وكان الذي قتلهم علي بن أبي طالب ومن كان معه. فتقرر عند علماء المسلمين وثبت بدليل الدين أن عليا رضي الله عنه كان إماما، وأن كل من خرج عليه باغ وأن قتال واجب حتى يفيء إلى الحق وينقاد إلى الصلح، لأن عثمان رضي الله عنه قتل والصحابة برآء من دمه، لأنه منع من قتال من ثار عليه وقال: لا أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بالقتل، فصبر على البلاء، واستسلم للمحنة وفدى بنفسه الأمة. ثم لم يمكن ترك الناس سدي، فعرضت على باقي الصحابة الذين ذكرهم عمر في الشوري، وتدافعوها، وكان علي كرم الله وجهه أحق بها وأهلها، فقبلها حوطة على الأمة أن تسفك دماؤها بالتهارج والباطل، أو يتخرق أمرها إلى ما لا يتحصل. فربما تغير الدين وانقض عمود الإسلام. فلما بويع له طلب أهل الشام في شرط البيعة التمكن من قتلة عثمان وأخذ القود منهم، فقال لهم علي رضي الله عنه: ادخلوا في البيعة واطلبوا الحق تصلوا إليه. فقالوا: لا تستحق بيعة وقتلة عثمان معك تراهم صباحاً ومساءً. فكان علي في ذلك أشد رأيا وأصوب قيلا، لأن عليا لو تعاطى القود منهم لتعصبت لهم قبائل وصارت حربا ثالثة، فانتظر بهم أن يستوثق الأمر وتنعقد البيعة، ويقع الطلب من الأولياء في مجلس الحكم، فيجري القضاء بالحق.(1/199)
ولا خلاف بين الأمة أنه يجوز للإمام تأخير القصاص إذا أدى ذلك إلى إثارة الفتنة أو تشتيت الكلمة. وكذلك جرى لطلحة والزبير، فإنهما ما خلعا عليا من ولاية ولا اعترضا عليه في ديانة، وإنما رأيا أن البداءة بقتل أصحاب عثمان أولى.
قلت: فهذا قول في سبب الحرب الواقع بينهم. وقال جلة من أهل العلم: إن الوقعة بالبصرة بينهم كانت على غير عزيمة منهم على الحرب بل فجأة، وعلى سبيل دفع كل واحد من الفريقين عن أنفسهم لظنه أن الفريق الآخر قد غدر به، لأن الأمر كان قد انتظم بينهم، وتم الصلح والتفرق على الرضا. فخاف قتلة عثمان رضي الله عنه من التمكين منهم والإحاطة بهم، فاجتمعوا وتشاوروا واختلفوا، ثم أتفقت آراوهم على أن يفترقوا فريقين، ويبدأوا بالحرب سحرة في العسكرين، وتختلف السهام بينهم، ويصيح الفريق الذي في عسكر علي: غدر طلحة والزبير. والفريق الذي في عسكر طلحة والزبير: غدر علي. فتم لهم ذلك على ما دبروه، ونشبت الحرب، فكان كل فريق دافعا لمكرته عند نفسه، ومانعا من الإشاطة بدمه. وهذا صواب من الفريقين وطاعة لله تعالى، إذ وقع القتال والامتناع منهما على هذه السبيل. وهذا هوالصحيح المشهور. والله أعلم.
قوله تعالى: "فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله" أمر بالقتال. وهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ولذلك تخلف قوم من الصحابة رضي الله عنهم عن هذه المقامات، كسعد بن أبي وقاص وعبدالله بن عمرو ومحمد بن مسلمة وغيرهم. وصوب ذلك علي بن أبي طالب لهم، واعتذر إليه كل واحد منهم بعذر قبله منه. ويروي أن معاوية رضي الله عنه لما أفضى إليه الأمر، عاتب سعدا على ما فعل، وقال له: لم تكن ممن أصلح بين الفئتين حين أقتتلا، ولا ممن قاتل الفئة الباغية. فقال له سعد: ندمت على تركي قتال الفئة الباغية. فتبين أنه ليس على الكل درك فيما فعل، وإنما كان تصرفا بحكم الاجتهاد وإعمالا بمقتضى الشرع. والله أعلم.(1/200)
قوله تعالى: "فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل" ومن العدل في صلحهم ألا يطالبوا بما جرى بينهم من دم ولا مال، فإنه تلف على تأويل. وفي طلبهم تنفير لهم عن الصلح واستشراء في البغي. وهذا أصل في المصلحة. وقد قال لسان الأمة: إن حكمة الله تعالى في حرب الصحابة التعريف منهم لأحكام قتال أهل التأويل، إذ كان أحكام قتال أهل الشرك قد عرفت على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله.
إذا خرجت على الإمام العدل خارجة باغية ولا حجة لها، قاتلهم الإمام بالمسلمين كافة أو من فيه كفاية، ويدعوهم قبل ذلك إلى الطاعة والدخول في الجماعة، فإن أبوا من الرجوع والصلح قوتلوا. ولا يقتل أسيرهم ولا يتبع مدبرهم ولا يذفف على جريحهم، ولا تسبي ذراريهم ولا أموالهم. وإذا قتل العادل الباغي، أو الباغي العادل وهو وليه لم يتوارثا. ولا يرث قاتل عمدا على حال. وقيل: إن العادل يرث الباغي، قياسا على القصاص.
وما استهلكه البغاة والخوارج من دم أو مال ثم تابوا لم يؤاخذوا به. وقال أبو حنيفة: يضمنون. وللشافعي قولان. وجه قول أبي حنيفة أنه إتلاف بعدوان فيلزم الضمان. والمعول في ذلك عندنا أن الصحابة رضي الله عنهم في حروبهم لم يتبعوا مدبرا ولا ذففوا على جريح ولا قتلوا أسيرا ولا ضمنوا نفسا ولا مالا، وهم القدوة.(1/201)
وقال ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [يا عبدالله ، أتدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة]؟ قال: الله ورسوله أعلم. فقال: [لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيئها]. فأما ما كان قائما رد بعينه...هذا كله فيمن خرج بتأويل يسوغ له. وذكر الزمخشري في تفسيره: إن كانت الباغية من قلة العدد بحيث لا منعة لها ضمنت بعد الفيئة ما جنت، وإن كانت كثيرة ذات منعة وشوكة لم تضمن، إلا عند محمد بن الحسن رحمه الله فإنه كان يفتي بأن الضمان يلزمها إذا فاءت. وأما قبل التجمع والتجند أو حين تتفرق عند وضع الحرب أوزارها، فما جنته ضمنته عند الجميع. فحمل الإصلاح بالعدل في قوله: "فأصلحوا بينهما بالعدل" على مذهب محمد واضح منطبق على لفظ التنزيل. وعلى قول غيره وجهه أن يحمل على كون الفئة الباغية قليلة العدد. والذي ذكروا أن الغرض إماتة الضغائن وسل الأحقاد دون ضمان الجنايات، ليس بحسن الطباق المأمور به من أعمال العدل ومراعاة القسط. قال الزمخشري: فإن قلت: لم قرن بالإصلاح الثاني العدل دون الأول؟ قلت: لأن المراد بالاقتتال في أول الآية أن يقتتلا باغيتين أو راكبتي شبهة، وأيتهما كانت فالذي يجب على المسلمين أن يأخذوا به في شأنهما إصلاح ذات البين وتسكين الدهماء بإراءة الحق والمواعظ الشافية ونفي الشبهة، إلا إذا أصرتا فحينئذ تجب المقاتلة، وأما الضمان فلا يتجه. وليس كذلك إذا بغت إحداهما، فإن الضمان متجه على الوجهين المذكورين.(1/202)
ولو تغلبوا (أي البغاة) على بلد فأخذوا الصدقات وأقاموا الحدود وحكموا فيهم بالأحكام، لم تثن عليهم الصدقات ولا الحدود، ولا ينقض من أحكامهم إلا ما كان خلافا للكتاب أو السنة أو الإجماع، كما تنقض أحكام أهل العدل والسنة، قال مطرف وابن الماجشون. وقال ابن القاسم: لا تجوز بحال. وروي عن أصبغ أنه جائز. وروي عنه أيضا أنه لا يجوز كقول ابن القاسم. وبه قال أبو حنيفة، لأنه عمل بغير حق ممن لا تجوز توليته. فلم يجز كما لو لم يكونوا بغاة. والعمدة لنا ما قدمناه من أن الصحابة رضي الله عنهم، لما أنجلت الفتنة وارتفع الخلاف بالهدنة والصلح، لم يعرضوا لأحد منهم في حكم. قال ابن العربي: الذي عندي أن ذلك لا يصلح، لأن الفتنة لما انجلت كان الإمام هو الباغي، ولم يكن هناك من يعترضه والله أعلم.(1/203)
لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله عز وجل، وهم كلهم لنا أئمة، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر، لحرمة الصحبة ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم، وأن الله غفر لهم، وأخبر بالرضا عنهم. هذا مع ما قد ورد من الأخبار من طرق مختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض، فلو كان ما خرج إليه من الحرب عصيانا لم يكن بالقتل فيه شهيدا. وكذلك لو كان ما خرج إليه خطأ في التأويل وتقصيرا في الواجب عليه، لأن الشهادة لا تكون إلا بقتل في طاعة، فوجب حمل أمرهم على ما بيناه. ومما يدل على ذلك ما قد صح وانتشر من أخبار علي بأن قاتل الزبير في النار. وقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [بشر قاتل ابن صفية بالنار]. وإذا كان كذلك فقد ثبت أن طلحة والزبير غير عاصيين ولا أثمين بالقتال، لأن ذلك لو كان كذلك لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في طلحة: [شهيد]. ولم يخبر أن قاتل الزبير في النار. وكذلك من قعد غير مخطئ في التأويل. بل صواب أراهم الله الاجتهاد. وإذا كان كذلك لم يوجب ذلك لعنهم والبراءة منهم وتفسيقهم، وإبطال فضائلهم وجهادهم، وعظيم غنائهم في الدين، رضي الله عنهم. وقد سئل بعضهم عن الدماء التي أريقت فيما بينهم فقال: " تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون" [البقرة: 141]. وسئل بعضهم عنها أيضا فقال: تلك دماء طهر الله منها يدي، فلا أخضب بها لساني. يعني في التحرز من الوقوع في خطأ، والحكم على بعضهم بما لا يكون مصيبا فيه. قال ابن فورك: ومن أصحابنا من قال: إن سبيل ما جرت بين الصحابة من المنازعات كسبيل ما جرى بين إخوة يوسف مع يوسف، ثم إنهم لم يخرجوا بذلك عن حد الولاية والنبوة، فكذلك الأمر فيما جرى بين الصحابة. وقال المحاسبي: فأما الدماء فقد أشكل علينا القول فيها(1/204)
باختلافهم. وقد سئل الحسن البصري عن قتالهم فقال: قتال شهده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وغبنا، وعلموا وجهلنا، واجتمعوا فاتبعنا، واختلفوا فوقفنا. قال المحاسبي: فنحن نقول كما قال الحسن، ونعلم أن القوم كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا، ونتبع ما اجتمعوا عليه، ونقف عند ما اختلفوا فيه ولا نبتدع رأيا منا، ونعلم أنهم أجتهدوا وأرادوا الله عز وجل، إذ كانوا غير متهمين في الدين، ونسأل الله التوفيق.
{إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون}
قوله تعالى: "إنما المؤمنون إخوة" أي في الدين والحرمة لا في النسب، ولهذا قيل: أخوة الدين أثبت من أخوة النسب، فإن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا). وفي رواية: ( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب أمريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) لفظ مسلم. وفي غير الصحيحين عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: [المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يعيبه ولا يخذله ولا يتطاول عليه في البنيان فيستر عليه الريح إلا بإذنه ولا يؤذيه بقتار قدره إلا أن يغرف له غرفة ولا يشتري لبنيه الفاكهة فيخرجون بها إلى صبيان جاره ولا يطعمونهم منها]. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: [احفظوا ولابحفظ منكم إلا قليل].(1/205)
قوله تعالى: "فأصلحوا بين أخويكم" أي بين كل مسلمين تخاصما. وقيل: بين الأوس والخزرج، على ما تقدم. وقال أبو علي: أراد بالأخوين الطائفتين، لأن لفظ التثنية يرد والمراد به الكثرة، كقوله تعالى: "بل يداه مبسوطتان" [المائدة: 64]. وقال أبو عبيدة: أي أصلحوا بين كل أخوين، فهو آت على الجميع. وقرأ ابن سيرين ونصر بن عاصم وأبو العالية والجحدري ويعقوب "بين إخوتكم" بالتاء على الجمع. وقرأ الحسن "إخوانكم". الباقون: "أخويكم" بالياء على التثنية.
في هذه الآية والتي قبلها دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان، لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين. قال الحارث الأعور: سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو القدوة عن قتال أهل البغي من أهل الجمل وصفين: أمشركون هم ؟ قال: لا، من الشرك فروا. فقيل: أمنافقون ؟ قال: لا، لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا. قيل له: فما حالهم؟ قال إخواننا بغوا علينا... اهـ.
? وقال الإمام السعدي رحمه الله :
قوله تعالى :( (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (الحجرات : 9 -10 )(1/206)
هذا متضمن لنهي المؤمنين عن أن يبغي بعضهم على بعض ، ويقتل بعضهم بعضا ، وأنه إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين ، فإن على غيرهم من المؤمنين أن يتلافوا هذا الشر الكبير ، وبالإصلاح بينهم ، والتوسط على أكمل وجه يقع به الصلح ، ويسلكوا الطرق الموصلة إلى ذلك ، فإن صلحتا فبها ونعمت ، " فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله " . أي : ترجع إلى ما حد الله ورسوله ، من فعل الخير وترك الشر ، الذي من أعظمه الاقتتال . وقوله : " فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل " هذا أمر بالصلح ، وبالعدل في الصلح ، فإن الصلح قد يوجد ، ولكن لا يكون بالعدل ، بل بالظلم والحيف على أحد الخصمين ، فهذا ليس هو الصلح المأمور به ، فيجب أن لا يراعى أحدهما لقرابة ، أو وطن ، أو غير ذلك من المقاصد والأغراض ، التي توجب العدول عن العدل . " وأقسطوا إن الله يحب المقسطين " ، أي : العادلين في حكمهم بين الناس وفي جميع الولايات التي تولوها ، حتى إنه قد يدخل في ذلك عدل الرجل في أهله وعياله في أداء حقوقهم . وفي الحديث الصحيح : " المقسطون عند الله على منابر من نور : الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم ، وما ولوا " . = رواه مسلم وأحمد والنسائي، ولفظه : ... عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا . رواه مسلم .(1/207)
" إنما المؤمنون إخوة " هذا عقد ، عقده الله بين المؤمنين ، أنه إذا وجد من أي شخص كان في مشرق الأرض ومغربها ، الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، فإنه أخ للمؤمنين ، أخوة توجب أن يحب له المؤمنون ما يحبون لأنفسهم ، ويكرهوا له ما يكرهون لأنفسهم ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ، آمرا بالأخوة الإيمانية : " لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يكذبه " متفق عليه . وفيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : " المؤمن للمؤمن ، كالبنيان يشد بعضهم بعضا " وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه . ولقد أمر الله ورسوله بالقيام بحقوق المؤمنين بعضهم لبعض ، ومما يحصل به التآلف والتوادد ، والتواصل بينهم ، كل هذا تأييد لحقوق بعضهم على بعض ، فمن ذلك ، إذا وقع الاقتتال بينهم ، الموحب لتفرق القلوبوتباغضها وتدابرها ، فليصلح المؤمنون بين إخوانهم ، وليسعوا فيما به يزول شنآنهم . ثم أمر بالتقوى عموما ، ورتب على القيام بالتقوى ويحقوق المؤمنين ، الرحمة ، فقال : " لعلكم ترحمون " ، وإذا حصلت الرحمة ، حصل خير الدنيا والآخرة ، ودل ذلك على أن عدم القيام بحقوق المؤمنين ، من أعظم حواجب الرحمة . وفي هاتين الآيتين من الفوائد ، غير ما تقدم : أن الاقتتال بين المؤمنين مناف للأخوة الإيمانية ، ولهذا كان من أكبر الكبائر ، وأن الإيمان والأخوة الإيمانية لا يزولان مع وجود الاقتتال كغيره من الذنوب الكبائر ، التي دون الشرك ، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة . وعلى وجوب الإصلاح بين المؤمنين بالعدل ، وعلى وجوب قتال البغاة ، حتى يرجعوا إلى أمر الله ، وعلى أنهم لو رجعوا لغير أمر الله ، بأن رجعوا على وجه لا يجوز الإقرار عليه والتزامه ، أنه لا يجوز ذلك ، وأن أموالهم معصومة ، لأن الله أباح دماءهم وقت استمرارهم على بغيهم خاصة(1/208)
، دون أموالهم . اهـ.
*** اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن ***
انتهىالكتاب
والحمد لله رب العالمين
- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته -
وكان الفراغ منه
يوم 20 - 6 - 1427
أبو يوسف محمد زايد(1/209)