أَوصَاف الفَجْرَيْنِ
في
الكتاب والسنة
و فيه تنبيه هام على أذان الفجر اليوم
جمع
أبي عبد الرحمن جلال الدارودي
نسخة مزيدة ومصحّحة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَاْلأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
قال فضيلة الشيخ الفقيه محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في (رسالة في مواقيت الصلاة)
"فإن الله تعالى فرض على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة مؤقتة بأوقات اقتضتها حكمة الله تعالى ليكون العبد على صلة بربه تعالى في هذه الصلوات مدة الأوقات كلها فهي للقلب بمنزلة الماء للشجرة تسقى به وقتاً فوقتاً لا دفعة واحدة ثم يقطع عنها
ومن الحكمة في تفريق هذه الصلوات في تلك الأوقات أن لا يحصل الملل والثقل على العبد إذا أداها كلها في وقت واحد فتبارك الله تعالى أحكم الحاكمين" اهـ(1/1)
ومن هذه الصلوات صلاة الصبح أو الفجر ووقتها من طلوع الفجر الثاني كما جاء ذلك مبيّنا في أحاديث عديدة وهو أمر مجمع عليه بين المسلمين ومن الأحاديث في وقتها حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر"
وحديث ابن عباس في إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم عند البيت معلما إياه المواقيت وفيه "ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم" رواه أبو داود والترمذي وصححه العلامة الألباني
وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر" رواه الترمذي وأبو داود وصححه العلامة الألباني وهو في الصحيحة (1696) وقد نقل الإجماع على ذلك حافظ المغرب أبو عمر ابن عبد البر الأندلسي المالكي المتوفى سنة (463هـ) في كتابه التمهيد فقال "أجمع العلماء على أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني إذا تبين طلوعه وهو البياض المنتشر من أفق المشرق والذي لا ظلمة بعده اهـ (3/275) الطبعة المغربية وفي هداية المستفيد (1/103) وقال وأجمعوا أن أول وقت الصبح طلوع الفجر وانصداعه وهو البياض المعترض في أفق السماء وهو الفجر الثاني الذي ينتشر ويطير اهـ (8/94) الطبعة المغربية وفي هداية المستفيد (1/83)
وابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى في المغني (ج2/ص29) فقال"وجملته أن وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعا" والنووي في المجموع (ج3/ص46) فقال "وأجمعت الأمة على أن أول وقت الصبح طلوع الفجر الصادق وهو الفجر
الثاني اهـ
وابن رجب الحنبلي في فتح الباري (ج4/ص430) فقال "أما أول وقتها فطلوع الفجر الثاني وهذا مما لا اختلاف فيه"اهـ(1/2)
ولعلك انتبهت أخي المسلم لوصف هذا الفجر بأنه الثاني فإن هناك فجرًا آخر يكون أولا وهو الفجر الأول ويسمى أيضاً الفجر الكاذب كما يسمى الفجر الثاني الفجر الصادق والفجر الأول لا يحرم الطعام على الصائم ولا تحل به صلاة الفجر بخلاف الفجر الثاني كما جاء ذلك مبيّنا في السنة النبوية فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الفجر فجران فجر يقال له ذنب السِّرحان وهو الكاذب يذهب طولا ولا يذهب عرضا والفجر الآخر يذهب عرضا ولا يذهب طولا" رواه الحاكم (ج1/ص191) وغيره وجوده الألباني رحمه الله تعالى في الصحيحة (2002) والسرحان بكسر السين المشددة هو الذئب
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الفجر فجران فجر يحرم فيه الطعام وتحل فيه الصلاة وفجر تحرم فيه الصلاة ويحل فيه الطعام" أخرجه ابن خزيمة (ج1/52/2) وغيره وصححه الألباني في الصحيحة (693) وقال في فهرس الصحيحة "حديث عزيز يدل على تحريم الصلاة قبل وقتها"
و قال ابن خزيمة "في هذا الخبر دلالة على أن صلاة الفرض لا يجوز أداؤها قبل دخول وقتها" ومن تراجم البيهقي لهذا الحديث باب إعادة صلاة من افتتحها قبل طلوع الفجر الآخر وهذان الفجران لهما أوصاف جاءت في السنة وجاء وصف الفجر الثاني في القرآن رأيت جمعها والله سبحانه وتعالى أسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به إخواني المسلمين(1/3)
وهذه النسخة مزيدة ومصححة تمتاز بوجود مقدمة للوالد الكريم والعالم الفاضل أبي حسين أحمد النجمي حفظه الله تعالى ووفقه لمراضيه وألبسه لباس الصحة ونفع به المسلمين تفيد اطلاعه على هذا الجمع وفيها نصيحته الصريحة للمسلمين جزاه الله خيراً كما أن فيها كلاماً له حفظه الله في المسألة الأخيرة من تعليقه على سبل السلام للصنعاني اليماني وهو مخطوط وقد تفضل فأعطاني تعليقه المتعلق بالمسألة أخي عبد الله النجمي جزاه الله خيراً على هذا وعلى ما صنعه معي وقد أضفت في المسألة الأخيرة مع العلماء الشيخ تقي الدين الهلالي المغربي وذكرت رسالتين له في هذا الموضوع
وقد أفادني أخي عبد العزيز حفظه الله وجزاه خيراً بفتوى للشيخ ابن العثيمين رحمه الله في اللقاء الشهري الحادي عشر منه في شهر الله المحرم لعام أربعة عشرة وأربعمائة وألف وهذا نص الفتوى
س 238 هناك مجموعة أسئلة عن توقيت الفجر وصلاة الفجر وما حدث حوله من كلام فنرجو إيضاح ذلك وجزاك الله خيراً(1/4)
الجواب صلاة الفجر لا يدخل وقتها حتى يتبين الفجر وكذلك الإمساك عن الأكل والشرب للصائم لا يجب حتى يتبين الفجر وهذا هو السر في أن الله قال {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} ولم يقل حتى يطلع الفجر وهذا يعني أنه لا بد أن يبين النور في الأفق وقد حدث كلام حول هذا قبل سنتين أو ثلاث فراقب بعض الإخوة الفجر فوجدوا أن بين تبيُّن الفجر وبين الوقت الموقت خمساً وعشرين دقيقة وجاء إلي جماعة من بعض البلاد المجاورة في الأسبوع الماضي وقالوا إنهم راقبوا الفجر فوجدوا أنه لا يتبين إلا بعد التوقيت المعمول به حالياً بعشرين دقيقة وقالوا إن هذا التوقيت مُخالف لما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذ يقول حصة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس تابعة لليل يعني إذا طال الليل طالت وإذا قصر الليل قصرت والذي يوجد عندنا من المواقيت بالعكس في الشتاء يقصر ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس وفي الصيف يطول فقلت لهم راقبوا الليلة وكانت ليلةً لا يغيب القمر فيها قبل الفجر راقبوها واكتبوا محضراً بهذا الشيء وأرسلوه للجهات المسئولة ونحن إن شاء الله نتكلم بما يسعنا لأن المشكلة ليست مشكلة القصيم فقط بل كل المملكة على هذا ولكن على كل حال لو تأخر الناس ولو في الصلاة لكان أبرأ للذمة أنا سمعت أن بعض الناس الآن يصلي الساعة الرابعة إلا خمس دقائق وهذا على خطر عظيم لأن معنى ذلك أن الفجر لم يطلع اهـ وفي هذه الفتوى فوائد(1/5)
الأولى عدم إنكار الشيخ رحمه الله على القائلين أن بين طلوع الفجر الصادق ووقت طلوعه المقدر في التقويم أكثر من عشرين أو خمس وعشرين دقيقة وكذلك لم ينكر في شرح رياض الصالحين في باب المراقبة عند حديث جبريل أنه لا يتبين إلا بعد عشرين دقيقة من وقته في التقويم قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين كتاب المراقبة عند حديث جبريل ج1 ص358 إلى 359 وهنا أُنبه فأقول إن التقويم تقويم أم القرى فيه تقديم خمس دقائق في أذان الفجر على مدار السنة فالذي يصلي أول ما يُؤذَّن يُعتبر أنه صلى قبل الوقت وهذا شيء اختبرناه في الحساب الفلكي واختبرناه أيضاً في الرؤية فلذلك لا يُعتمد هذا بالنسبة لأذان الفجر لأنه مُقدَّم وهذه مسألة خطِرةٌ جداًّ لو تكبر للإحرام فقط قبل أن يدخل الوقت ما صحت صلاتك وما صارت فريضة وقد حدثني أُناس كثيرون ممن يعيشون في البر وليس حولهم أنوار أنهم لا يُشاهدون الفجر إلا بعد هذا التقويم بنحو ثلث ساعة أي عشرين دقيقة أو ربع ساعة أحياناً لكن التقاويم الأخرى الفلكية التي بالحساب بينها وبين هذا التقويم خمس
دقائق اهـ
الثانية أن فيها ترجيحاً لما كنت قلته لبعض إخواني إن الشيخ لم يراقب الفجر بنفسه في ظني إذ لو راقب لما قال إن تقويم أم القرى فيه تقديم خمس دقائق فقط كما في لقاء الباب المفتوح وغيره إذ أن الأمر واضح لمن راقب الفجر وقلت لعل الذي أخبره بذلك الحاسبون الفلكيون ووجه الدلالة من الفتوى على ما كنتُ قلته هو عدم إنكار الشيخ رحمه الله على من قال إن الفرق أكثر من عشرين دقيقة فلو كان راقب لخطَّأ ذلك وقال إني راقبت ولم يتبين لي إلا بعد خمس دقائق(1/6)
ثم أفادني أخي عبد الكريم الأثري حفظه الله وجزاه خيراً ولا يشكر الله من لا يشكر الناس كما صح ذلك عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أن الشيخ تكلم عن تقدم وقت الفجر في رياض الصالحين فرجعت إليه فألفيته صرَّح بأن هذه الخمس هي الفرق بين تقويم أم القرى والتقاويم الفلكية الأخرى وقد تقدم نقل كلامه رحمه الله
الثالثة تصريح شيخ الإسلام ابن تيمية أن حِصِّة الفجر بكسر الحاء أي نصيب الفجر وهي مابين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس تطول في الشتاء وتقصر في الصيف وهو خلاف واقع بعض التقاويم التي هي بعكس كلام شيخ الإسلام تماماً وهذا خلاف الحس والعقل والشرع كما يقول رحمه الله فتأمل وفقك الله لمراضيه(1/7)
قال ابن تيمية رحمه الله في الرد على المنطقيين ص266 إلى 267 وأما تقدير حصة الفجر بأمر محدود من حركة الفلك مُساوٍ لحِصة العشاء كما فعله طائفة من الْمُوَقِّتِين فغلِطوا في ذلك كما غلِط من قدَّر قوس الرُّؤية تقديراً مطلقاً وذلك لأن الفجر نور الشمس وهو شُعاعها المنعكس الذي يكون من الهواء والأرض وهذا يختلف باختلاف مطارحه التي ينعكس عليها فإذا كان الجو صافياً من الغيوم لم يظهر فيه النور كما يظهر إذا كان فيه بُخار فإن البخار لغِلَظِه وكثافته ينعكس عليه الشعاع ما لا ينعكس على الهواء الرقيق ألا ترى أن الشمس إذا طلعت إنما يظهر شُعاعها على الأرض والجبال ونحو ذلك من الأجسام الكثيفة وإن كانت صقيلةً كالمِرآة والماء كان أظهر وأما الهواء فإنه وإن استنار بها فإن الشعاع لا يقف فيه بل يخرِقه إلى أن يصل إلى جسمٍ كثيف فينعكس ففي الشتاء تكون الأبخرة في الليل كثيرة لكثرة ما يتصعَّد من الأرض بسبب رطوبتها ولا يحلل البخار فيها فينعكس الشعاع عليه فيظهر الفجر حينئذ قبل ما يظهر لو لم يكن بخار وأما الصيف فإن الشمس بالنهار تحلل البخار فإذا غربت الشمس لم يكن للشعاع التابع لها بخار يرده فتطول في الصيف حصة العشاء بهذا السبب وتطول في الشتاء حصة الفجر بهذا السبب وفي الصيف تقصر حصة الفجر لتأخر ظهور الشعاع إذ لا بخار يرده لأن الرطوبات في الصيف قليلة وتقصر حصة العشاء في نهار الشتاء لكثرة الأبخرة في الشتاء فحاصله أن كلا من الحصتين تتبع ما قبلها في الطول والقصر بسبب البخار لا بسبب فلكي والذين ظنوا أن ذلك يكون عن حركة الفلك قدروه بذلك فغلِطوا في تقديرهم وصاروا يقولون حصة الفجر في الشتاء أقصر منها في الصيف وحصة العشاء في الصيف أقصر منها في الشتاء فإن هذه جزء من الليل وهذه جزء من النهار فتتبعه في قدره ولم يعرفوا الفرق بين طلوع الشمس وغروبها وبين طلوع شعاعها فإن الشمس تتحرك في الفلك فحركتها تابعة للفلك والشعاع هو بحسب(1/8)
ما يحمله وينعكس عليه من الهواء والأبخرة وهذا أمر له سبب أرضي ليس مثل حركة الفلك ولهذا كان ما قالوه بالقياس الفاسد أمراً يخالف الحس ويُعرف كذب ما قالوه باتفاق طوائف بني آدم فالذي يعلم بالحس والعقل الصريح لا يخالفه شرع ولا عقل ولا حس فإن الأدلة الصادقة لا تتعارض مدلولاتها ولكن ما يقال بقياس فاسد وظن فاسد يقع فيه الاختلاف اهـ
وقال رحمه الله تعالى كما في مجموع الفتاوى ج22 ص93 وأيضاً فوقت العشاء في الطول والقِصر يتبع النهار فيكون في الصيف أطول كما أن وقت الفجر يتبع الليل فيكون في الشتاء أطول ومن زعم أن حصة العشاء بقدر حصة الفجر في الشتاء وفي الصيف فقد غلِط غلطاً حسيّاً باتفاق الناس وسبب غلطه أن الأنوار تتبع الأبخرة ففي الشتاء يكثر البخار بالليل فيظهر النور فيه أولا وفي الصيف تقل الأبخرة بالليل وفي الصيف يتكدر الجو بالنهار بالأبخرة ويصفو في الشتاء لأن الشمس مزقت البخار والمطر لبّد الغبار وأيضا فإن النورين تابعان للشمس هذا يتقدمها وهذا يتأخر عنها فيجب أن يكونا تابعين للشمس فإذا كان في الشتاء طال زمن مغيبها فيطول زمان الضوء التابع لها وأما جعل هذه الحصة بقدر هذه الحصة وأن الفجر في الصيف أطول والعشاء في الشتاء أطول وجعل الفجر تابعاً للنهار يطول في الصيف ويقصر في الشتاء وجعل الشفق تابعاً للَّيل يقصر في الصيف ويطول في الشتاء فهذا قلب الحس والعقل والشرع ولا يتأخر ظهور السواد عن مغيب الشمس والله أعلم اهـ(1/9)
وقال رحمه الله تعالى في الفتاوى الكبرى ج2 ص465 كما تكلمت على حد اليوم أيضاً وبينت أنه لا ينضبط بالحساب لأن اليوم يظهر بسبب الأبخرة المتصاعدة فمن أراد أن يأخذ حصة العشاء من حصة الفجر إنما يصح كلامه لو كان الموجب لظهور النور وخفائه مُحاذاة الأفق التي تُعلم بالحساب فأما إذا كان للأبخرة في ذلك تأثير والبخار يكون في الشتاء والأرض الرطبة أكثر مما يكون في الصيف والأرض اليابسة وكان ذلك لا ينضبط بالحساب فسدت طريقة القياس الحسابي ولهذا توجد حصة الفجر في زمان الشتاء أطول منها في زمان الصيف والآخذ بمجرد القياس الحسابي يُشكل عليه ذلك لأن حصة الفجر عنده تتبع النهار وهذا أيضاً مبسوط في موضعه والله سبحانه أعلم اهـ
وجاء في الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام لأبي الحسن البعلي المتوفى 803 هـ ومن زعم أن وقت العشاء بقدر حصة الفجر في الشتاء وفي الصيف فقد غلِط غلطاً بيِّناً باتفاق الناس اهـ
وجاء في مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية تأليف العلامة أبي عبدالله البعلي المتوفى 777هـ ص80 وإن علماء الهيئة يعلمون أن الرؤية لا تنضبط بأمر حسابي يُثبت حدَّ اليوم وأنه لا ينضبط بالحساب لأن النهار يظهر بسبب الأبخرة فمتى أدى إلى أن يأخذ حِصة العشاء من حِصة الفجر إنما يصح لو كان الموجب لظهور النور وخفائه مُجردَ مُحاذاة الأفُق التي تُعلم بالحساب فأما إذا كان للأبخرة تأثير فالبخار يكون في الشتاء وفي الأماكن الرطبة أكثر فلا ينضبط بالحساب ولهذا توجد حصة الفجر في زمن الشتاء أطول منها في زمن الصيف والقياس الحسابي يُشكل عليه ذلك لأن حصة الفجر عنده تتبع النهار وهذا مبسوط في موضعه اهـ(1/10)
وقال ابن مُفلح الحنبلي تلميذ شيخ الإسلام المتوفى سنة 763هـ في كتابه الفروع ج1 ص435و436 ووقت العشاء في الطول والقصر يتبع النهار فيكون في الصيف أطول كما أن وقت الفجر يتبع الليل فيكون في الشتاء أطول قال شيخنا ومن زعم أن وقت العشاء بقدر حصة الفجر في الشتاء وفي الصيف فقد غلِط غلطاً بيِّناً باتفاق الناس وسبب غلطه أن الأنوار تتبع الأبخرة ففي الشتاء يكثر البخار بالليل فيظهر النور فيه وفي الصيف تقل الأبخرة بالليل وفي الصيف يتكدَّر الجو بالنهار بالأغبرة ويصفو في الشتاء ولأن النورين تابعان للشمس هذا يتقدمها وهذا يتأخر عنها فإذا كان في الشتاء طال زمن مغيبها فيطول زمن الضوء التابع لها وإذا كان في الصيف طال زمن ظهورها فيطول زمن الضوء التابع لها وأما جعل هذه الحِصة بقدر هذه وأن الفجر في الصيف أطول والعشاء في الشتاء أطول وجعل الفجر تابعاً للنهار يطول في الصيف ويقصر في الشتاء وجعل الشفق تابعاً لليل يطول في الشتاء ويقصر في الصيف فهو قلب للحس والعقل والشرع اهـ
فعلى هذا فالتزام درجة فلكية ثابتة لبدء الفجر في الصيف والأرض يابسة وفي الشتاء والأرض رطبة مخالف لما قاله الشيخ فيما يظهر لي و الله أعلم و قد ذكر الشيخ عبد الملك الكليب في رسالته حول أذان الفجر أن باحثا اسمه عيسى بن علي راقب الفجر خلال خمس سنوات فيما بين أسوان جنوبا و مرسى مطروح شمالا بمصر بالعين المجردة و كذا بواسطة جهاز دقيق خاص بقياس الضوء و تسجيله فكان ضوء الفجر يظهر عندما يكون انخفاض الشمس محصوراً بين 14 درجة و 16 درجة تحت الأفق(1/11)
وفي هذه النسخة المزيدة ذكرت كلاماً للألباني رحمه الله في الصحيحة برقم 3440 كنت قد ألمحت إليه في النسخة السابقة كما أضفت كلاماً للبغوي رحمه الله في وجه تشبيه الفجر بالخيط وكذلك زِدت كلاماً للطبري رحمه الله فيما يتعلق بالخيطين الأبيض والأسود وزدت استدراكا على أبي عبيد اللغوي المعروف في تفسيره للخيط في الآية باللون وزدت نقلاً في صفة الفجر عن أبي عوانه صاحب المستخرج على مسلم وعن الساعاتي أيضا وكذا فوائد عند التعليق على قول الشَمَّاخ بن ضِرار إذا ما الليل كان الصبح فيه الخ ولم أذكر في النسخة السابقة إلا فائدة واحدة لمحقق التمهيد فالحمد لله على فضله و نقلت قول القرافي المالكي صاحب كتاب الذخيرة إن المؤذنين يؤذنون بليل وهذا في زمانه القرن السابع فجزى الله خيرا من أفادني بهذا و تَمَّمَ سعيه على خير و كنت قد نقلت كلام الحافظ ابن حجر في النسخة السابقة في أذانهم بليل في زمانه و هو متوفى في القرن التاسع واللهَ أسأل أن يجعل عملي هذا صالحاً ولوجهه خالصاً وأن لا يجعل لأحد فيه شيئاً وأن يتجاوز عن خطأي و يهديني و المسلمين لما اُختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وأشكر إخواني الذين أعانوني وأفادوني في هذا الجمع فجزاهم الله خيرا
تنبيهات
1) جاء في كتاب أيسر التفاسير تفسير الخيط الأبيض بالفجر الكاذب وزاد بياض يلوح في الأفق كذنب السرحان وهذا خطأ ظاهر مصادم للأحاديث الدالة علي أن الفجر الكاذب لا يمنع الأكل للصائم وهي موجودة في هذا الجمع ومنها حديث سمرة وقد ذكره المؤلف نفسه في الحاشية ثم ذكر الصواب فيما عنون له بهداية الآية حيث قال بيان ظرف الصيام وهو من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس(1/12)
2) في نقلي لكلام العلماء أجد كلاما لا حاجة لنقله وإنما لما بعده فإني أكتب ثم قال رحمه الله تعالى وقد أسميه فليكن ذلك منك على بال وأعرضت عما يفعل أهل عصري في هذا الموضع من جعل نقط دلالة على أن هناك كلاما محذوفا
3) معلوم عند كثير من طلبة العلم أن اهـ الذي تجده في هذا الجمع كثيراً اختصار لكلمة انتهى فيُعلم بذلك انتهاء النقل فمن الخطأ في الإملاء أن تجعل الهمزة همزة قطع فتكتب أهـ لأن الفعل الخماسي همزته همزة وصل فلا تكتب علامة القطع وجزى الله خيرا الشيخ ربيعا على هذه الفائدة ووفقه لمراضيه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد
فقد عرض عليّ الأخ الكريم الطالب جلال دارود أبو عبد الرحمن الدارودي ما كتبه حول أوصاف الفجرين في الكتاب والسنة وقرأه عليّ جميعه فرأيت أنه قد أحسن بإيراده الأدلة من الكتاب ثم الأدلة من السنة ثم أورد بعد ذلك كلام العلماء فكان في ذلك فوائد
أولها ربط الناس بالعلامات الشرعية التي جعلها الشارع صلى الله عليه وسلم علامات لدخول الوقت (وقت الفجر الصادق) الذي ينبثق عرضاً مختلطاً بصفرة
ثانياً بيان أن الفجر الكاذب الذي يظهر مستطيلاً في الأفق أنه ليس هو الفجر الذي يحرم فيه الطعام على الصائم وتحل فيه الصلاة بل نصت الأدلة على جواز الأكل والشرب فيه للصائم
ثالثاً يغلط كثير من الناس الذين ليس لهم معرفة تامة فيظنون أن الفجر الكاذب هو الذي تصلى فيه صلاة الصبح وأذكر أنه اتصل بي متصل من بلد عربي مرتين أو ثلاثاً ولا أدري هو واحد أم عدد وهو يستفتي أنهم يصلون الفجر في المساجد ثم يعودون إلى البيوت ويبقون وقتاً ولم يظهر الفجر فقلت له إن صلاتكم هذه لا تعتبر صلاةً للفجر ولا تصح ويجب عليكم أن تصلوا صلاة الفجر بعد تبينه(1/13)
رابعاً إن الواجب على المسلمين في كل مكان أن يعتمدوا على العلامات الشرعية في تبين الأوقات وبالأخص في صلاة الفجر لأن من يصليها في غير وقتها كأنه لا يصليها ومن مات على ذلك لقي الله عز وجل وهو مضيع لفريضة من فرائضه الخمس بل هي أهمها قال تعالى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}(الاسراء78) وفي الحديث ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها فكيف بالفريضة ولهذا أوصي إخواني المسلمين أن يهتموا بهذا الأمر فإنه أهم المهمات وبه يصح إسلام العبد وتتم له به النجاح
خامساً إن عِظم المسؤولية عن ذلك في كل بلد على ولاة الأمور وبالأخص مصلحة الأوقاف والإشراف على المساجد لأن هذا من مسؤوليتهم الخاصة فعليهم أن يتقوا الله في أنفسهم وفيمن تحت أيديهم ويأمروا بإعادة النظر في هذا التوقيت
سادساً على سائر الناس أن يحتاطوا على التوقيت حتى يتيقنوا أنهم قد أوقعوا الصلاة في وقتها فينالوا الأجر من الله وبالله التوفيق
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتب هذا
أحمد بن يحيى النجمي
12/8/1425هـ
أوصاف الفجرين في الكتاب والسنة
أولا القرآن الكريم
قال تعالى {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}الآية (187) سورة البقرة
وقد جاء في السنة تفسير الخيط الأبيض بأنه بياض النهار والأسود بسواد الليل فعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال "لما نزلت {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ } عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال " إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار " رواه البخاري في كتاب الصيام ومسلم ومعنى العِقال أي الحبل كما في الفتح(1/14)
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال أُنزلت { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ } ولم ينزل من الفجر فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله بعدُ {من الفجر} فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار " رواه البخاري في كتاب الصيام ومسلم
وفي هذين الحديثين عدة مسائل ليس لها علاقة بموضوع البحث فمن أراد معرفتها فعليه الرجوع إلى الشرح
كلام العلماء في شرح الآية من مفسرين وغيرهم
(1) شيخ المفسرين ابن جرير الطبري المتوفى ( 310هـ ) قال رحمه الله تعالى في تفسيره " اختلف أهل التأويل في تأويل قوله { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} فقال بعضهم يعني بقوله {الخيط الأبيض} ضوء النهار وبقوله { الخيط الأسود } سواد الليل فتأويله على قول قائل هذه المقالة وكلوا بالليل في شهر صومكم واشربوا وباشروا نسائكم مبتغين ما كتب الله لكم من الولد من أول الليل إلى أن يقع لكم ضوء النهار بطلوع الفجر من ظلمة الليل وسواده ثم قال وقال آخرون الخيط الأبيض هو ضوء الشمس والخيط الأسود هو سواد الليل ثم قال وأولى التأويلين بالآية التأويل الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " الخيط الأبيض بياض النهار والخيط الأسود سواد الليل " وهو المعروف في كلام العرب قال أبو دواد الإيادي
فلما أضاءت لنا سُدْفةٌ ... ولاح من الصبح خيط أنارا
ثم قال الطبري رحمه الله(1/15)
" وفي قوله تعالى ذكره { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } أوضح الدلالة على خطأ قول من قال حلال الأكل والشرب لمن أراد الصوم إلى طلوع الشمس لأن الخيط الأبيض من الفجر يتبين عند ابتداء طلوع أوائل الفجر وقد جعل الله تعالى ذكره ذلك حدا لمن لزمه الصوم في الوقت الذي أباح إليه الأكل والشرب والمباشرة اهـ
وقال الطبري رحمه الله وأما قوله {من الفجر} فإنه تعالى ذكره يعني حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود الذي هو من الفجر وليس ذلك هو جميع الفجر ولكنه إذا تبين لكم أيها المؤمنون من الفجر ذلك الخيط الأبيض الذي يكون من تحت الليل الذي فوقه سواد الليل فمن حينئذ فصوموا ثم أتموا صيامكم من ذلك إلى الليل اهـ
قلت ومعنى السدفة الواردة في بيت أبي دواد الظلمة كما قال الأزهري في التهذيب وهي تميمية كما في القاموس وفي الصحاح قال الأصمعي و السدفة في لغة نجد الظلمة اهـ وليس المراد الضوء كما هي لغة قيس والله أعلم
ولاح أي بدا وظهر من بعيد راجع تعليق محمود بن شاكر رحمه الله تعالى على الطبري وراجع كذلك اللسان والأصمعيات والقاموس
(2) وقال البغوي المتوفى 516 هـ في تفسيره للآية
يعني بياض النهار من سواد الليل سُمِّيا خيطين لأن كل واحد منهما يبدو في الابتداء ممتدا كالخيط اهـ
((1/16)
3) قال أبو عبد الله القرطبي المالكي المتوفى سنة (671هـ) في تفسيره للآية السابقة {حتى } غاية للتبيين ولا يصح أن يقع التبين لأحد ويحرم عليه الأكل إلا وقد مضى لطلوع الفجر قدرٌ واخْتُلِفَ في الحَدِّ الذي بتبينه يجب الإمساك فقال الجمهور ذلك الفجر المعترض في الأفق يمنة ويسرة وبهذا جاءت الأخبار ومضت عليه الأمصار ثم ذكر القرطبي ما تيسر له من الأحاديث ثم قال وقالت طائفة ذلك بعد طلوع الفجر وتبينه في الطرق والبيوت ثم قال رحمه الله تعالى وسُمِيَّ الفجر خيطا لأن ما يبدو من البياض يُرى ممتدا كالخيط قال الشاعر
الخيط الاَبيض ضوء الصبح منفلقٌ ... والخيط الاَسود جُنْحُ الليل مكتومُ
والخيط في كلامهم عبارة عن اللون والفجر مصدر فجرت الماء أفجره فجرا إذا جرى وانبعث وأصله الشق فلذلك قيل للطالع من تباشير ضياء الشمس من مطلعها فجر لانبعاث ضوئه وهو أول بياض النهار الظاهر المستطير في الأفق المنتشر تسميه العرب الخيط الأبيض كما بيّنا قال أبو دواد الإيادي
فلما أضاءت لنا سُدْفةٌ ... ولاح من الصبح خيط أنارا
وقال آخر
قد كاد يبدو أو بدت تباشِرُهْ ... وسدف الليل البهيم ساترُهْ
وقد تسميه أيضا الصديع ومنه قولهم انصدع الفجر قال بشر بن أبي خازم أو عمرو ابن معدي كرب
به السرحان مفترشاً يديه كأن بياض لبته صديع
وشبهه الشَمَّاخ بمفرق الرأس فقال
إذا ما الليل كان الصبح فيه ... أشق كمَفْرَق الرأس الدهين
ويقولون في الأمر الواضح هذا كفلق الصبح وكانبلاج الفجر وتباشير الصبح قال الشاعر
فوردت قبل انبلاج الفجر ... وابن ذكاء كامن في كَفر
انتهى كلام القرطبي رحمه الله
قلت وكلام القرطبي من قوله وهو أول بياض النهار إلى آخر كلامه المنقول هو كلام ابن عبد البر في التمهيد فليته عزاه إليه فمن بركة العلم عزوه لأهله راجع التمهيد النسخة المغربية (4/335-336) وهداية المستفيد (1/89-90)(1/17)
وقائل بيت فوردت قبل انبلاج الفجر هو حميد الأرقط كما في الصحاح لكن قال الزبيدي قال الصاغاني إنه لبشير بن النكث
وذُكاء بالضم اسم للشمس وابن ذكاء بالمد الصبح والكَفر بفتح الكاف كما ضبطه صاحب القاموس وشارحه الزبيدي ظلمة الليل وسواده ويقال لليل كافر لتغطيته الأشياء بظلمته ويقال للصبح ابن ذكاء لأنه من ضوئها راجع حاشية القرطبي للمحقق والقاموس وتاج العروس واللسان والصحاح والتمهيد
وجاء عند القرطبي ترى السِّرحان مفترشاً يديه كأن بياض لبته صديع والمكتوب من التمهيد والأصمعيات
وقال محقق التمهيد معلقاً على قول الشَمَّاخ إذا ما الليل كان الصبح فيه" في الديوان (96) إذا ما الصبحُ شَقَّ الليلَ عنه اهـ
و الشَمَّاخ كشدَّاد وهو ابن ضرار الذبياني أدرك الجاهلية والإسلام وقيل إنه صحابي والمفرق كمَقْعَد ومَجْلِس أي بفتح الراء وكسرها وهو وسط الرأس الذي يفرق فيه الشعر راجع القاموس واللسان وشقَّ الفجر اذا طلع كأنه شقَّ موضع طلوعه وخرج منه كذا في اللسان وقال محقق ديوان الشَمَّاخ صلاح الدين الهادي أشق طويلاً من الشَقَق بالتحريك يريد شقه طولاً ويوضحه التشبيه في قوله كمفرق الرأس شبه الصبح به في الهيئة واللون خلافاً لابن طَبَاطِبَا في عيار الشعر 27وأبي هلال في الصناعتين 187 فقد استشهدا بالبيت على تشبيه الشيء بالشيء في اللون وحده اهـ وقال شارح الديوان الشنقيطي أشق أي أكثر طلوعاً اهـ وقال أيضا والدهين فعيل بمعنى مفعول أي الرأس المدهون اهـ والدُّهْن بالضم مايدهن به من زيت وغيره كذا في المصباح المنير وفي غِراس الأساس للحافظ " أراد ذنب السِّرحان" اهـ
فوائد
1) هل يشبه الفجرُ الكاذب المفرقَ في دقته والدقة من هيئة المفرق(1/18)
الجواب قال صاحب المغني (ج2/ص29) وأما الفجر الأول فهو البياض المُسْتَدِقُّ صُعُداً من غير اعتراض اهـ وقال ابن قتيبة المتوفى ( 276) في كتابه أدب الكاتب شُبِّه بذنب السرحان لأنه مُسْتَدِق صاعد في غير اعتراض اهـ وقال الأزهري المتوفى ( 370 ) في كتابه الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي الذي أودعه المزني في مختصره ص75 "وهما فجران فالأول منهما مستطيل في السماء يشبَّه بذنب السرحان وهو الذئب لأنه مُستدق صاعد غير معترض في الأفق اهـ وقال ابن مفلح الحنبلي في الفروع (1/433 ) " ولدقته يسمى ذنب السرحان وهو الذئب اهـ
ومعنى استدقَّ أي صار دقيقاً كذا في القاموس المحيط واللسان وزاد شارح القاموس كالهلال وغيره وقال الليث كما في التهذيب للأزهري الدِّق كل شيء دَقّ وصغر اهـ وجاء في لسان العرب ومُستَدْق كل شيء ما دَقَّ منه واسترق اهـ
2) جاء في السنة أن الفجر الكاذب يقال له ذنب السِّرْحان فما وجه الشبه بينهما(1/19)
قال ابن مفلح الحنبلي في المبدع شرح المقنع ( 1/346) ولدقته يسمى ذنب السرحان وهو الذئب لأن الضوء يكون في الأعلى دون الأسفل كما أن الشعر يكون على أعلى الذنب دون أسفله اهـ وقال ابن قتيبة في أدب الكاتب شُبِّه بذنب السرحان لأنه مُستَدِق صاعد في غير اعتراض اهـ وقال الأزهري في كتابه الزاهر ص75 يشبَّه بذنب السِّرْحان وهو الذئب لأنه مُسْتَدِق صاعد غير معترض في الأفق اهـ وقال الرافعي الشافعي المتوفى 623 في كتابه الشرح الكبير 1/373 والعرب تشبهه بذنب السِّرْحان لمعنيين أحدهما طوله والثاني أن الضوء يكون في الأعلى دون الأسفل كما أن الشعر يكثر على أعلى ذنب الذئب دون أسفله اهـ وفي مواهب الجليل لشرح مختصر خليل " ويشبه ذنب السرحان وهو الذئب والأسد فإِنَّ لونه مظلم وباطن ذنبه أبيض اهـ وقال أحمد البرلسي الملقب بعميرة المتوفى 957 في حاشيته على شرح المحلي " تشبهه العرب بذنب السرحان من حيث الاستطالة وكون النور في أعلاه اهـ وقال البسّام في توضيح الأحكام 1/392 وأنه كذنب الذئب من حيث امتداده إلى أعلى الأفق ومن حيث لونه الأبيض الضارب إلى الزرقة اهـ وقال الجزيري المتوفى (1360) في الفقه على المذاهب الأربعة ويخرج مستطيلاً دقيقاً يطلب السماء بجانبيه ظلمة ويشبه ذنب الذئب الأسود فإن باطن ذنبه أبيض بجانبيه سواد اهـ
3) هل تعقب الفجر الكاذب ظلمة(1/20)
الجواب نعم وقد صرح بهذا عدد من العلماء فقال ابن تيمية في الرد علي المنطقيين ص66 بخلاف الفجر الأول فإنه تأتي بعده ظلمة اهـ وكذلك النووي في المجموع وابن حزم في المحلى وابن مفلح الحنبلي في الفروع والمبدع والسَرْخَسي المتوفى( 490 ) في المبسوط شرح الكافي فقال ويعقبه ظلام اهـ وابن النجَّار في منتهى الإرادات والهيتمي المتوفى 994 في تحفة المحتاج بشرح المنهاج فقال ثم تعقبه ظلمة اهـ وتعقبه أحد المحشين على كتابه فقال أي غالباً وقد يتصل بالصادق اهـ وقال الهيتمي ص427 إنه يختلف باختلاف النظر لاختلافه باختلاف الفصول والكيفيات العارضة لمحله فقد يَدِق في بعض ذلك حتى لا يكاد يرى أصلاً وحينئذ فهذا عذر من عبر بأنه يغيب وتعقبه ظلمة اهـ وجاء في شرحه عن بعضهم " وربما لم ير إذا كان الجو نقياً شتاءً وأبين ما يكون إذا كان الجو كدراً صيفاً أعلاه دقيق وأسفله واسع اهـ وقال الهيتمي بعد هذا ولاينافي هذا ما قدمته أن أعلاه أضوأ لأن ذاك عند أول الطلوع وهذا عند مزيد قربه من الصادق اهـ والعلم عند الله والمهم {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}الآية و" لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض لعمود الصبح حتى يستطير "
4) مالمراد بالزرقة في قول أبي عبادة البُحْتُري في ديوانه
وأزرقُ الفجر يأتي قبل أبيضه وأول الغيث قطر ثم ينسكبُ(1/21)
الجواب لقد استشكلت هذا ثم فتح الله عز وجل فأفادني أخي ومعلمي رفيق الونشريسي جزاه الله خيراً أنه رأى قبل طلوع البياض زرقة في السماء في المشرق في فصل الشتاء وتذكر البيت في الزرقة عندما رآها وذلك في صحراء بلاد شنقيط وكانت معترضة يميناً وشمالاً ولا ظلام بعدها وسمعت الشيخ عبد الملك الكليب صاحب رسالة حول أذان الفجر جزاه الله خيراً وغفر له يقول إنه في رصدته للفجر في الحوية رأى أولاً ما يشبه الزرقة ثم الحمرة وكان ذلك في فصل الشتاء وكانت الزرقة ممتدة شمالاً وجنوباً وقد جعل الدرجة الفلكية لبدء الفجر منها(1/22)
واعلم أخي المسلم أن الزرقة قسمان 1) إحداهما تكون مستطيلة ثم يحصل بعدها ظلام وهذا من وصف الفجر الكاذب وقد جاء عن عدد من العلماء أنها من الفجر الكاذب فقال ابن مفلح الحنبلي الذي قال له شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية ما أنت ابن مفلح أنت مفلح في كتابه الفروع عن الفجر الكاذب " أزرق له شعاع ثم يظلم اهـ والماوَرْدي المتوفى ( 450 ) في كتابه الحاوي الكبير وهو شرح لمختصر المزني فقال وهو فجران فالأول أزرق يبدو مثل العمود طولاً في السماء له شعاع ثم يهمد ضوؤه ثم يبدو بياض الثاني بعده عرضاً منتشراً في الأفق اهـ وابن النَجَّار المتوفى( 972) في منتهى الإرادات فقال والأول مستطيل أزرق له شعاع ثم يظلم اهـ والشيخ عبد الله البسام رحمه الله في كتابه توضيح الأحكام فقال في 1/392 وأنه كذنب الذئب من حيث امتداده إلى أعلى الأفق ومن حيث لونه الأبيض الضارب إلى الزرقة اهـ وقد جعل الماوَرْدي في الحاوي الكبير الزرقة في البيت من الفجر الكاذب والله أعلم 2) والأخرى معترضة شمالاً وجنوباً والاعتراض شمالاً وجنوباً من وصف الفجر الصادق لكن ورد أنه مع اعتراضه يكون لونه أبيض أو أحمر فقال الله عز وجل {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ} الآية وقال نبينا صلى الله عليه وسلم "حتى يعترض لكم الأحمر" و"لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل حتى يستطير هكذا" ولا أعلم أن الزرقة وردت في نص وصفاً للفجر الصادق
(4) قال أبو حيَّان الأندلسي المالكي ثم الشافعي المتوفى سنة (754 هـ) في تفسيره شبه بالخيط الأبيض ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق وبالأسود ما يمتد معه من غبش الليل شبها بخيطين أبيض وأسود وأخرجه من الاستعارة إلى التشبيه قوله
{(1/23)
من الفجر } كقولك رأيت أسدا من زيد فلولم يذكر من زيد كان استعارةً وكان التشبيه هنا أبلغ من الاستعارة لأن الاستعارة لا تكون إلا حيث يدل عليها الحال أو الكلام وهنا لولم يأت من الفجر لم يعلم الاستعارة ولذلك فهم الصحابة الحقيقة من الخيطين قبل نزول { من الفجر } ثم قال أبو حيَّان رحمه الله وكل ما دق واستطال وأشبه الخيط سمته العرب خيطاً وقال رحمه الله تعالى وشبه بالخيط وذلك بأول حال لأنه يبدو دقيقا ثم يرتفع مستطيرا فبطلوع أوله في الأفق يجب الإمساك هذا مذهب الجمهور وبه أخذ الناس ومضت عليه الأعصار والأمصار وهو مقتضى حديث ابن مسعود وسمُرة بن جندب وقيل يجب الإمساك بتبين الفجر في الطرق وعلى رؤوس الجبال وهذا مرويٌّ عن عثمان وحذيفة وابن عباس وطلق بن عليّ وعطاء والأعمش وغيرهم وروي عن علي ّ أنه صلى الصبح بالناس ثم قال الآن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ومما قادهم إلى هذا القول أنهم يرون أن الصوم إنما هو في النهار والنهار عندهم من طلوع الشمس إلى غروبها وقد تقدم ذكر الخلاف في النهار وفي تعيينه إباحة المباشرة والأكل والشرب بتبين الفجر للصائم دلالة على أن من شك في التبين وفعل شيئا من هذه ثم انكشف أنه كان الفجر قد طلع وصام أنه لا قضاء لأنه غياهُ بتبين الفجر للصائم لا بالطلوع وروي عن ابن عباس أنه بعث رجلين ينظران له الفجر فقال أحدهما طلع الفجر وقال الآخر لم يطلع فقال اختلفتما فأكل وبان لا قضاء عليه قاله الثوري وعبيد الله بن الحسن والشافعي وقال مالك إن(1/24)
أكل شاكا في الفجر لزمه القضاء والقولان عن أبي حنيفة وفي هذه التغيئة أيضا دلالة على جواز المباشرة إلى التبين فلا يجب عليه الاغتسال قبل الفجر لأنه إذا كانت المباشرة مأذونا فيها إلى الفجر لم يمكنه الاغتسال إلا بعد الفجر ثم قال أبو حيَّان بعد ذلك وهذه التغيئة إنما هي حيث يمكن التبين من طريق المشاهدة فلو كانت مقمرة أو مغيمة أو كان في موضع لا يشاهد مطلع الفجر فإنه مأمورٌ بالاحتياط في دخول الفجر إذ لا سبيل له إلى العلم بحال الطلوع فيجب عليه الإمساك إلى التيقن بدخول وقت الطلوع استبراء لدينه اهـ
قلت وأثر عليّ رواه الطبري وابن المنذر وصحح إسناده الحافظ في الفتح والمباركفوري في تحفة الأحوذي وأما أثر ابن عباس فقد وقفت عليه بلفظ قال لغلامين له وهو في دار أم هاني في شهر رمضان وهو يتسحر فقال أحدهما قد طلع الفجر وقال الآخر لم يطلع قال اسقياني أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الصيام باب في الرجل يشك في الفجر طلع أم لا وإسناده ضعيف جداً فيه طلحة بن عمرو وهو متروك كما أفادني بعض أهل الحديث جزاهم الله خيراً
(5) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى المتوفى سنة (852) في فتح الباري (4/173) ومعنى الآية حتى يظهر بياض النهار من سواد الليل وهذا البيان يحصل بطلوع الفجر الصادق ففيه دلالة على أن ما بعد الفجر من النهار وقال أبو عبيد المراد بالخيط الأسود الليل وبالخيط الأبيض الفجر الصادق والخيط اللون وقيل المراد بالأبيض أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود وبالأسود ما يمتد معه من غبش الليل شبيها بالخيط قاله الزمخشري اهـ(1/25)
قلت وتفسير أبي عبيد رحمه الله للخيط في الآية بأنه اللون فيه نظر مع جلالة قدره لأن معنى هذا أنه لاوجه للشبه في الآية والواقع يثبته وتشبيه أول الصبح بالخيط صحيح عربية قال أبو حيان وكل ما دق واستطال وأشبه الخيط سمته العرب خيطاً اهـ وقد عد الكرماني المتوفى في القرن الخامس في كتابه غرائب التفسير وعجائب التأويل قول أبي عبيد غريباً وممن أثبت وجه الشبه من العلماء
1) البغوي في تفسيره فقال سمِّيا خيطين لأن كل واحد منهما يبدو في الابتداء ممتداً كالخيط اهـ
2) ابن عطية الأندلسي المتوفى سنة ( 564 ) في تفسيره المحرر الوجيز فقال والخيط استعارة وتشبيه لرقة البياض أولاً ورقة السواد الحاف به وقال بعض المفسرين الخيط اللون وهذا لايطرد لغة اهـ
3) الكيا الهراسي المتوفى سنة (504) في كتابه أحكام القرآن فقال فان قيل كيف يُشَبَّه الليل بالخيط الأسود وهو يشتمل على جميع العالم وقد علمنا أن الصبح إنما شبه بخيط مستطيل أو معترض في الأفق أما الليل فليس بينه وبين الخيط مشاكلة الجواب أن الخيط هو السواد الذي في الموضع قبل ظهور الخيط الأبيض فيه وهوفي ذلك الموضع مساو للخيط الأبيض اهـ
4) وأبو حيان فقال شبه بالخيط الأبيض مايبدو من الفجر المعترض في الأفق وبالأسود ما يمتد معه من غبش الليل شبها بخيطين أبيض وأسود اهـ وقال رحمه الله وشبه بالخيط وذلك بأول حال لأن يبدو دقيقاً اهـ
5) والقرطبي فقال وسمي الفجر خيطاً لأن مايبدو من البياض يرى ممتداً كالخيط اهـ
6) وفي لسان العرب لابن منظور " وهو على التشبيه بالخيط لدقته " اهـ
7) والقاسمي في تفسيره فقال وشبها بخيطين أبيض وأسود لأن أول مايبدو من الفجر المعترض في الأفق ومايمتد معه من غبش الليل كالخيط الممدود اهـ
8) وابن العثيمين فقال ومن فوائد الآية أن الاعتبار بالفجر الصادق الذي يكون كالخيط ممتداً في الأفق اهـ(1/26)
وكذلك الباحث الفلكي عيسى بن علي الذي راقب الفجر خلال خمس سنوات فيما بين أسوان جنوباً ومرسى مطروح شمالاً بمصر بالعين المجردة وكذا بقياسه بواسطة جهاز دقيق خاص بقياس الضوء وتسجيله فقال كما جاء في كتاب الشيخ عبد الملك الكليب حول أذان الفجر جزاه الله خيراً " الفجر الصادق المستعرض الذي يظهر في ظروف الطقس والرصد المثالية كما لو كان خيطاً أبيض مستلقياً فوق الأفق الشرقي الأسود ثم يأخذ في الانتشار حتى يملأ الأفق ويرتفع للأعلى اهـ وقد سألت الشيخ عبد الملك عن صاحب هذا الكلام فقال انه الأخ عيسى في غالب ظنه
وأيضا أخي ومعلمي رفيق الونشريسي فقد أخبرني أنه رآه كالخيط ممتداً دقيقاً في صحراء بلاد شنقيط عندما كان يطلب العلم هناك
فائدة
هل يظهر الفجر الصادق دائماً كالخيط
الجواب لا فهناك غيوم وضباب وغير ذلك وقد مضى ما جاء في كتاب الشيخ عبد الملك جزاه الله خيراً أن الفجر الصادق يظهر في ظروف الطقس والرصد المثالية كما لو كان خيطاً أبيض اهـ
(6) وجاء في لسان العرب لابن منظور المتوفى سنة (711) عن الآية
يعني بياض الصبح وسواد الليل وهو على التشبيه بالخيط لدقته اهـ
(7) قال الزبيدي اليماني المتوفى سنة (1205) في كتابه تاج العروس بعد قول صاحب القاموس الخيط الأبيض والأسود بياض الصبح وسواد الليل
"على التشبيه بالخيط لدقته وفي حديث عديّ بن حاتم إنك لعريض القفا ليس المعنى ذلك ولكنه بياض الفجر من سواد الليل وفي النهاية ولكنه يريد بياض النهار وظلمة الليل قال أميَّة ابن أبي الصلت
الخيط الاَبيض ضوء الصبح منفلق منفلق ... والخيط الاَسود لون الليل مركوم
وفي الصحاح الخيط الأسود الفجر المستطيل ويقال سواد الليل والخيط الأبيض الفجر المعترض قال أبو دؤاد الإيادي
فلما أضاءت لنا سُدْفةٌ ... ولاح من الصبح خيط أنارا(1/27)
قال أبو إسحاق هما فجران أحدهما يبدو أسود معترضا وهو الخيط الأسود والآخر يبدو طالعا مستطيلا يملأ الأفق وهو الخيط الأبيض وحقيقته حتى يتبين لكم الليل من النهار وقيل الخيط في البيت اللون قال أبو عبيد ويدل له تفسير النبي صلى الله عليه وسلم إياهما بقوله " إنما هو سواد الليل وبياض النهار " قلت وكذا يشهد له قول أمية السابق اهـ
قلت وقول صاحب الصحاح الخيط الأسود الفجر المستطيل وكذلك قول أبي إسحاق إنهما فجران أحدهما يبدو أسود معترضاً وهو الخيط الأسود فغير صحيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الخيط الأسود سواد الليل ولم يقل إنه فجر وأخبر عن الفجر الأول أنه أبيض وليس أسود كما سيأتي فتنبه ودع كل قول عند قول محمد صلى الله عليه وسلم والله أعلم
(8) قال الشوكاني اليماني المتوفى سنة (1250هـ) في تفسيره فتح القدير
"هو تشبيه بليغ والمراد هنا بالخيط الأبيض هو المعترض في الأفق لا الذي هو كذنب السرحان فإنه الفجر الكذَّاب الذي لا يحل شيئا ولا يحرمه والمراد بالخيط الأسود سواد الليل والتبين أن يمتاز أحدهما عن الآخر وذلك لا يكون إلا عند دخول وقت الفجر اهـ
(9) قال صديق حسن خان المتوفى سنة (1307) في كتابه (الروضة الندية)
" فجاء بلفظ التفعّل لإفادة أنه لايكفي إلا التبين الواضح أي يتبين لكم شيئا فشيئا حتى يتضح فإنه لا يتم تبينه وظهوره إلا بعد كمال ظهوره فإنه يطلع أولا تباشير الضوء ثم ذنب السرحان وهو الفجر الكذاب ثم يتضح نور الصباح الذي أبداه بقدرته فالق الإصباح اهـ
(10) قال محدث الشام جمال الدين القاسمي المتوفى سنة (1332) في تفسيره (محاسن التأويل )
" أباح تعالى الأكل والشرب مع ما تقدم من إباحة الجماع في أي الليل شاء الصائم إلى أن يتبين ضياء الصباح من سواد الليل وشبها بخيطين أبيض وأسود لأن أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق وما يمتد معه من غبش الليل كالخيط الممدود قال أبو دؤاد الإيادي(1/28)
فلما أضاءت لنا سُدْفَةٌ ... ولاح من الصبح خيط أنارا
وقوله من الفجر بيان للخيط الأبيض واكتفى به عن بيان الخيط الأسود لأن بيان أحدهما بيان للثاني ثم قال القاسمي رحمه الله وفي الإتيان بلفظ التفعل في قوله تعالى {حتى يتبين} إشعار بأنه لا يكفي إلا التبين الواضح لا تباشير الضوء اهـ
(11) قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين المتوفى سنة (1421) في تفسير سورة البقرة
" قوله تعالى { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ } أي حتى يظهر ظهورا جليا يتميز به الخيط الأبيض وهو بياض النهار من الخيط الأسود وهو سواد الليل قوله تعالى { من الفجر } بيان لمعنى الخيط الأبيض ولم يذكر في الخيط الأسود من الليل اكتفاءً بالأول
ثم ذكر الشيخ رحمه الله فوائد من الآية فقال
" ومنها جواز الأكل والشرب والجماع مع الشك في طلوع الفجر لقوله تعالى { حتى يتبين } فإن تبين أن أكله وشربه وجماعه كان بعد طلوع الفجر فلا شيء عليه(1/29)
ومنها رد قول من قال إنه يجوز أن يأكل الصائم ويشرب إلى طلوع الشمس لقوله تعالى {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } وكذلك رد قول من قال إنه يجوز أن يأكل ويشرب إلى الغلس ومن فوائد الآية بيان خطأ بعض جهال المؤذنين الذين يؤذنون قبل الفجر احتياطاً على زعمهم لأن الله تعالى أباح الأكل والشرب والجماع حتى يتبين الفجر ثم قال الشيخ رحمه الله ثم اعلم أن الاحتياط الحقيقي إنما هو في اتباع ما جاء في الكتاب والسنة لا في التزام التضييق والتشديد ومن فوائد الآية أنه لو أكل الإنسان يظن أن الفجر لم يطلع ثم تبين أنه طلع فصيامه صحيح لأنه قد أُذن له بذلك حتى يتبين له الفجر وما كان مأذونًا فيه فإنه لا يرتب عليه إثم ولا ضمان ولا شيء ومن القواعد الفقهية المعروفة ما ترتب على المأذون فهو غير مضمون وهذا هو ما تؤيده العمومات مثل قوله تعالى { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } وقوله تعالى { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } ثم قال الشيخ رحمه الله تعالى ومن فوائد الآية أن الاعتبار بالفجر الصادق الذي يكون كالخيط ممتدا في الأفق اهـ
ثانيا السنة النبوية
(1) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يمنعن أحداً منكم أذان بلال (أو قال نداء بلال) من سحوره فإنه يؤذن (أو قال ينادي) بليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم "(1/30)
وقال " ليس أن يقول هكذا وهكذا ( وصوب يده ورفعها ) حتى يقول هكذا ( وفرج بين إصبعيه ) "وفي طريق آخر" إن الفجر ليس الذي يقول هكذا (وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض) ولكن الذي يقول هكذا (ووضع المُسَبِّحَة على المُسَبِّحَة ومد يديه) رواه الشيخان واللفظ لمسلم ولفظ البخاري في كتاب الأذان فيه "وليس أن يقول الفجر أو الصبح وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل حتى يقول هكذا " وقال زهير بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى ثم مدهما عن يمينه وشماله " ورواه أبو داود والنسائي مختصراً وابن ماجه
ومعنى المُسَبِّحة أي السبابة وقوله صلى الله عليه وسلم ليس أن يقول الفجر فيه إطلاق القول على الفعل أي يظهر وكذا قوله وقال بأصابعه ورفعها أي أشار قاله الحافظ في الفتح وزهير أحد رواة الحديث
(2) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يقول " لا يغرن أحدكم نداء بلال من السحور ولا هذا البياض حتى يستطير "
وفي طريق آخر " لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض ( لعمود الصبح ) حتى يستطير هكذا "
وفي طريق آخر " لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا " وحكاه حمَّادٌ بيديه قال يعني معترضاً
وفي طريق آخر " لا يغرنكم نداء بلال ولا هذا البياض حتى يبدو الفجر ( أوقال ) حتى ينفجر الفجر " رواه مسلم وهو من أفراده كما في إرشاد القاري للعبيلان حفظه الله ورواه أبو داود في كتاب الصوم باب وقت السحور والترمذي في كتاب الصوم باب ما جاء في بيان الفجر والنسائي في كتاب الصيام باب كيف الفجر وابن أبي شيبة وغيرهم راجع الإرواء (4/30)(1/31)
ومعنى يستطير أي ينتشر كما في عون المعبود وغيره وقال القرطبي رحمه الله تعالى في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم في قوله صلى الله عليه وسلم ولا بياض الأفق المستطيل يعني الذي يطلع طويلاً فهذا البياض هو المسمى بالفجر الكاذب وشُبه بذنب السرحان وهو الذئب وسمي به اهـ وقال صاحب القاموس المحيط واستطال امتد وارتفع اهـ
(3) عن طلق بن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كلوا واشربوا ولا يَهِيْدَنَّكُم الساطع المُصْعِد فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر " رواه أبو داود (1/369-370) والترمذي (705) وابن خزيمة (1930) والدارقطني (231) وحسنه الألباني رحمه الله في الصحيحة (2031)
ومعنى يَهِيْدَنَّكُم بكسر الهاء أي يزعجنكم فتمتنعوا به عن السحور فإنه الفجر الكاذب يقال هِدته أهيده إذا أزعجته وأصل الهِيد بالكسر الحركة الفتح (4/175) كتاب الصيام
والمصعد من الإصعاد أي المرتفع كما في تحفة الأحوذي للمباركفوري
قال أبو عيسى الترمذي في جامعه " والعمل على هذا عند أهل العلم أنه لا يحرم على الصائم الأكل والشرب حتى يكون الفجر الأحمر المعترض وبه يقول عامة أهل
العلم اهـ كتاب الصوم باب ما جاء في بيان الفجر
قال محدث العصر الألباني رحمه الله في الصحيحة (5/51-52)
واعلم أنه لا منافاة بين وصفه صلى الله عليه وسلم لضوء الفجر الصادق بالأحمر ووصفه تعالى إياه بقوله { الخيط الأبيض } لأن المراد والله أعلم بياض مشوب بحمرة أو تارة يكون أبيض وتارة يكون أحمر يختلف ذلك باختلاف الفصول والمطالع وقد رأيت ذلك بنفسي مرارا من داري في (جبل هملان) جنوب شرق (عمَّان) اهـ
وقال الخَطَّابي رحمه الله تعالى المتوفى سنة (383) في معالم السنن
((1/32)
الساطع ) المرتفع وسطوعها ارتفاعها مصعدا قبل أن يعترض ومعنى الأحمر ههنا أن يستبطن البياض المعترض أوائلُ الحمرة وذلك أن البياض إذا تتام طلوعه ظهرت أوائل الحمرة والعرب تشبه الصبح بالبلق في الخيل لما فيه من بياض وحمرة وقد جعله عمر بن أبي ربيعة شقرة فقال
فلما تقضى الليل إلا أقله ... وكادت تَوَالِى نَجْمِهِ تتغوَّرُ
فما راعني إلا منادٍ تحملوا ... وقد لاح معروف من الصبح أشقرُ
انتهى كلام الخطابي
وقال صاحب عون المعبود بعد نقل كلام الخطابي
وقد يطلق الأحمر على الأبيض قال في تاج العروس الأحمر ما لونه الحمرة ومن المجاز الأحمر من لا سلاح معه في الحرب والأحمر تمرٌ للونه والأحمر الأبيض ضد وبه فسر بعض الحديث بُعثت إلى الأحمر والأسود والعرب تقول امرأة حمراء أي بيضاء انتهى فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم حتى يعترض لكم الأحمر أي الأبيض وهو بياض النهار من سواد الليل يعني الصبح الصادق اهـ
وقال القاسمي في (محاسن التأويل) قال بعضهم المراد بالأحمر الأبيض كما فُسر به حديث بُعِثْتُ إلى الأحمر والأسود وقال شمرٌ سموا الأبيض أحمر تطيُّرًا بالأبرص حكاه عن أبي عمرو بن العلاء ويظهر أنه لا حاجة إلى هذا فإن طلوع الفجر يصحبه حمرة وفي القاموس الفجر ضوء الصباح وهو حمرة الشمس في سواد الليل فافهم اهـ
قلت وجاء في لسان العرب لابن منظور الفجر ضوء الصباح وهو حمرة الشمس في سواد الليل وجاء أيضاً الفجر في آخر الليل كالشفق في أوله اهـ وسيأتي قول ابن قدامة المقدسي
أن الصبح ما جمع بياضاً وحمرة وقول ابن حزم أنه ربما كان فيه توريد بحمرة بديعة
وقال أبو عوانة المتوفى( 316) في مستخرجه على مسلم 1/309 الفجر هو المستطير الذي تخالطه الحمرة اهـ وقال الساعاتي في بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني 2/878(1/33)
وأما الفجر الصادق فعلامته أن يكون خطاً أبيض مشرباً بحمرة معترضاً من جهة المشرق وأكثر ماتكون الحمرة تحته اهـ وقال الأزهري المتوفى (370) في تهذيب اللغة في مادة صبح 4/268 ولون الصُّبْح الصادِق يضربُ إلى الحُمْرة قليلاً كأنها لونُ الشفق الأَول في أول الليل اهـ وللأزهري كتاب بعنوان معرفة الصبح ولا أعلم له وجوداً
وأما حديث بعثت إلى الأحمر والأسود فقد رواه أحمد والدارمي وصححه الألباني في الإرواء (1/317)
(4) عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الفجر فجران فجر يقال له ذنب السرحان وهو الكاذب يذهب طولا ولا يذهب عرضا والفجر الآخر يذهب عرضا ولا يذهب طولا " أخرجه الحاكم (1/191) وغيره وجوَّده الألباني في الصحيحة برقم (2002)
ومعنى السِّرحان بالكسر الذئب كما في القاموس وغيره
كلام العلماء في أوصاف الفجرين
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه (الرد على المنطقيين) (ص266)
واليوم يعرف بطلوع الفجر وهو النور الذي يظهر من جهة المشرق وهو أول نور الشمس المتصل الذي لا ينقطع بخلاف الفجر الأول فإنه تأتي بعده ظلمة اهـ
(2) وقال ابن قدامة المقدسي الحنبلي المتوفى سنة (620هـ) في كتابه (المغني) (ج2/ص29) بعد مسألة وإذا طلع الفجر الثاني وجبت صلاة الصبح والوقت مبقى إلى ما قبل أن تطلع الشمس
"وجملته أن وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعاً وقد دلت عليه أخبار المواقيت وهو البياض المستطير المنتشر في الأفق ويسمى الفجر الصادق لأنه صدقك عن الصبح وبينه لك والصبح ما جمع بياضاً وحمرة ومنه سمي الرجل الذي في لونه بياض وحمرة أصبح وأما الفجر الأول فهو البياض المُسْتَدِقُّ صُعُداً من غير اعتراض فلا يتعلق به حكم ويسمى الفجر الكاذب اهـ
(3) وقال أبو زكريا النووي الشافعي المتوفى سنة (676هـ) في كتابه المجموع شرح المهذب (3/46)(1/34)
قال أصحابنا الفجر فجران أحدهما يسمى الفجر الأول والفجر الكاذب والآخر يسمى الفجر الثاني والفجر الصادق فالفجر الأول يطلع مستطيلا نحو السماء كذنب السرحان وهو الذئب ثم يغيب ذلك ساعة ثم يطلع الفجر الثاني الصادق مستطيرًا بالراء أي منتشراً عرضاً في الأفق قال أصحابنا والأحكام كلها متعلقة بالفجر الثاني ثم قال النووي رحمه الله تعالى قال صاحب الشامل سمي الفجر الأول كاذباً لأنه يضيء ثم يسود ويذهب ويسمى الثاني صادقاً لأنه صدق عن الصبح وبينه اهـ
(4) وقال ابن حزم الأندلسي المتوفى سنة (456هـ) في كتابه المحلى (ج3/ص192)
"والفجر الأول هو المستطيل المستدق صاعداً في الفَلَك كذنب السرحان وتحدث بعده ظلمة في الأفق لايحرم الأكل و لا الشرب على الصائم ولا يدخل به وقت صلاة الصبح هذا لا خلاف فيه من أحد من الأمة كلها والآخر هو البياض الذي يأخذ في عرض السماء في أفق المشرق في موضع طلوع الشمس في كل زمان ينتقل بانتقالها وهو مقدمة ضوئها ويزداد بياضه وربما كان فيه توريد بحمرة بديعة وبتبينه يدخل وقت الصوم ووقت الأذان لصلاة الصبح ووقت صلاتها فأما دخول وقت الصلاة بتبينه فلا خلاف فيه من أحد من الأمة اهـ
(5) وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين كما في مجموع فتاويه (ج12/207) جواباً عن سؤال في الفرق بين الفجر الأول والفجر الثاني
"ذكر العلماء أن بينهما ثلاثة فروق
الأول أن الفجر الأول ممتد لا معترض أي ممتد طولاً من الشرق إلى الغرب والثاني معترض من الشمال إلى الجنوب
الثاني أن الفجر الأول يظلم أي يكون هذا النور لمدة قصيرة ثم يظلم والفجر الثاني لا يظلم بل يزداد نوراً وإضاءة
الثالث أن الفجر الثاني متصل بالأفق ليس بينه وبين الأفق ظلمة والفجر الأول منقطع عن الأفق بينه وبين الأفق ظلمة اهـ
مسألة هل يعتمد على الحساب الفلكي في أوقات الصلاة
((1/35)
1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (ج22/ص214-215) بعدما رد على من اعتبر تحديد القبلة عن طريق الجدي والقطب
"وسبب ذلك أنهم أدخلوا في دينهم ما ليس منه وشرعوا من الدين ما لم يأذن به الله فاختلفوا في تلك البدعة التي شرعوها لأنها لا ضابط لها كما يختلف الذين يريدون أن يعلموا طلوع الهلال بالحساب أو طلوع الفجر بالحساب وهو أمر لا يقوم عليه دليل حسابي مطرد بل ذلك متناقض مختلف فهؤلاء أعرضوا عن الدين الواسع والأدلة الشرعية فدخلوا في أنواع من الجهل والبدع مع دعواهم العلم والحذق كذلك يفعل الله بمن خرج عن المشروع إلى البدع وتنطع في الدين اهـ
قلت وهذا النقل المهم استفدته من أحد أصحابنا جزاه الله خيراً
(2) وقالت اللجنة الدائمة (فتوى رقم 4991) (ج6/136ـ141) جوابا على سؤال في مواقيت الصلاة والإفطار في رمضان(1/36)
"دين الإسلام دين السماحة واليسر والسهولة قال الله تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(البقرة185) وقال {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(الحج78) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ولهذا جعل الله تعالى لمواقيت العبادات أمارات كونية يشترك في معرفتها العام والخاص الأمي منهم والعالم رحمة بالناس وتيسيرا لهم ودفعا للحرج عنهم من ذلك قوله تعالى في تحديد الصوم اليومي بدءا ونهاية {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}(البقرة 187) وبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بعمله وقوله فقد ثبت عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه قال كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان فلما غابت الشمس قال "يا فلان انزل فاجدح لنا" قال يا رسول الله إن عليك نهاراً قال انزل فاجدح لنا فنزل فجدح فأتاه به فشرب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال بيده "إذا غابت الشمس من هاهنا وجاء الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم" وعن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس فقد أفطر الصائم" وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا يمنعن أحدكم أو أحداً منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن (أو ينادي) بليل ليرجع قائمكم ولينبه نائمكم وليس أن يقول الفجر أو الصبح"وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل حتى يقول هكذا وقال زهير بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى ثم مدّهما عن يمينه وشماله(1/37)
يبين بالإشارة الأولى الفجر الكاذب وبالإشارة الثانية الفجر الصادق وهو النور الذي يعترض الأفق في جهة الشرق جنوبا وشمالا وقوله صلى الله عليه وسلم في بَدْء صوم رمضان وانتهائه "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدد" وفي رواية "فصوموا ثلاثين يوما" فأوجب الصوم برؤية هلال رمضان وأوجب الإفطار برؤية هلال شوال لسهولة ذلك على الأمة العالم والأمي والحضري والبدوي وقد يكون الأمي والبدوي أبصر بذلك من غيرهم رحمة من الله وفضلا ولم يعول في ذلك على علم الفلك أي علم سير النجوم
ومن ذلك قوله تعالى في أوقات الصلوات الخمس {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}(الاسراء78) وقوله {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً}(الانسان25-26)
وبينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وعمله وذلك فيما ثبت عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "وقت الظهر إذا زالت الشمس وصار ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة فإنها تطلع بين قرني شيطان" وعن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا سأله عن وقت الصلاة فقال له صل معنا هذين يعني اليومين(1/38)
فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن ثم أمره فأقام ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ثم أمره فأقام الفجر حين طلَع الفجر فلما أن كان اليوم الثاني أمره أن يبرد بالظهر فأبرد بها فأنعم أن يبرد بها وصلى العصر والشمس مرتفعة أخَّرَها فوق الذي كان وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال أين السائل عن وقت الصلاة فقال الرجل أنا يا رسول الله
فقال "وقت صلاتكم بين ما رأيتم" إلى غير ذلك من الأحاديث المبينة تفصيل وقت الصلاة قولا وعملا ولم ينط ذلك بسير النجوم ولا بقول علماء الفلك فضلا من الله تعالى وإحساناً ودفعاً للحرج عن المكلفين من عباده
وعلى هذا فالطريق الفطري السهل هو التعويل في معرفة أوقات الصلوات على ما نبه عليه الشرع من الأمارات الكونية التي تقدم بيانها لكونه عاما يعرفه الحضري والبدوي من متعلم وغير متعلم أما معرفة الأوقات عن طريق حساب سير النجوم فمع كونه تقريبياً لا يتيسر لكل أحد
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عبد الله بن قعود ... ... نائب رئيس اللجنة عبد الرزاق عفيفي
الرئيس عبد العزيز بن باز
وقالت اللجنة الدائمة (فتوى رقم 4100) (ج6/ص141ـ142) جواباً على سؤال
هل للتقويم الحالي مشروعية أم لا(1/39)
الجواب التقويم من الأمور الاجتهادية فالذين يضعونه بشر يخطئون ويصيبون ولا ينبغي أن تناط به أوقات الصلاة والصيام من جهة الابتداء والانتهاء لأن ابتداء هذه الأوقات وانتهائها جاء في القرآن والسنة فينبغي الاعتماد على ما دلت عليه الأدلة الشرعية ولكن هذه التقاويم الفلكية قد يستفيد منها المؤذنون والأئمة في أوقات الصلاة على سبيل التقريب أما في الصوم والإفطار فلا يعتمد عليها من جميع الوجوه لأن الله سبحانه علق الحكم بطلوع الفجر إلى الليل ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة"
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عبد الله بن غديان ... ... نائب رئيس اللجنة عبد الرزاق عفيفي ... ... ... ... ... ... الرئيس عبد العزيز بن باز
وقالت اللجنة الدائمة (فتوى رقم 7373) (ج6/ص143)
"لا عبرة في تحديد أوقات الصلوات بالتقسيم الفلكي وإنما العبرة في دخول وقت الفجر بظهور ضوء مستعرض الأفق شرقا إذا اتضح وتميز"
(3) وقال سماحة الوالد عبد العزيز بن باز رحمه الله في كتابه (تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام) (ص170) جوابا على السؤال التالي
هل يجب علينا الكف عن السحور عند بدء أذان الفجر أم يجوز لنا الأكل والشرب حتى ينتهي المؤذن
الجواب إذا كان المؤذن معروفاً بأنه لا ينادي إلا على الصبح فإنه يجب الكف عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من حين يؤذن أما إذا كان الأذان بالظن والتحري حسب التقاويم فإنه لا حرج في الشرب أو الأكل وقت الأذان لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم" قال الراوي في آخر هذا الحديث "وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت" متفق على صحته(1/40)
والأحوط للمؤمن والمؤمنة الحرص على إنهاء السحور قبل الفجر عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" وقوله صلى الله عليه وسلم "من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" أما إذا علم أن المؤذن ينادي بليل لتنبيه الناس على قرب الفجر كفعل بلال فإنه لا حرج في الأكل والشرب حتى ينادي المؤذنون الذين يؤذنون على الصبح عملا بالحديث المذكور اهـ
(4) وقال محدث العصر وفقيد الأمة رحمه الله تعالى في أحد أشرطته المسجلة (برقم 244) من سلسلة الهدى والنور
"تأكدت أخيراً أن هذا البلاء يعم البلاد الإسلامية كلها بدون استثناء وإذا السبب أن هذه التقاويم قائمة على توقيت فلكي راعى مستوى البحر يعني افترض العالم الإسلامي كله على ساحل البحر فأعطى هذا التوقيت ولم يراع إطلاقاً اختلاف بلد عن بلد
ثم قال رحمه الله تعالى ولا أعتد بالرزناما أي التقويم ولا كل من يدافع عن الرزناما لو اجتمع فلكيوا الدنيا لأن علماء الفلك لا يراعون التواقيت الشرعية يراعون التوقيت الطبيعي افترضوا الأرض الإسلامية كلها على ساحل البحر أخذوا مستوى ساحل البحر ووقتوا هذه التواقيت اهـ بتصرف
مسألة هل أذان الفجر في زماننا عند طلوع الفجر الصادق(1/41)
اختلف المعاصرون على قولين وممن ذهب إلى أن الأذان بليل في كثير من البلاد محدث العصر الألباني وقيد الشيخ الفقيه محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ذلك على ما وقفت عليه بتقويم أم القرى وكذلك الوالد الشيخ أحمد بن يحيى النجمي مفتي جنوب بلاد الحرمين حفظه الله فقد راقب الفجر في منطقته خلال سنين كثيرة فلم يتبين له إلا بعد ثلث ساعة وكذلك الشيخ تقي الدين الهلالي المغربي راقب الفجر في الديار المغربية فوجدهم يؤذنون بليل وله رسالتان في هذا الموضوع إحداهما مستقلة عن الفجر وحده وهي (بيان الفجر الصادق وامتيازه عن الكاذب) جزى الله خيراً أخي عبد الرحمن على إحضارها لي والأخرى (أوقات الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم)
ودونك أخي المسلم كلامهم رحم الله الميت منهم وحفظ الحي
(1) قال الألباني في الصحيحة (ج5/51ـ52)
"واعلم أنه لا منافاة بين وصفه صلى الله عليه وسلم لضوء الفجر الصادق بـ(الأحمر) ووصفه تعالى إياه بقوله (الخيط الأبيض) لأن المراد والله أعلم بياض مشوب بحمرة أو تارة يكون أبيض وتارة يكون أحمر يختلف ذلك باختلاف الفصول والمطالع وقد رأيت ذلك بنفسي مرارا من داري في (جبل هملان) جنوب شرق (عمَّان) ومكنني ذلك من التأكد من صحة ماذكره بعض الغيورين على تصحيح عبادة المسلمين أن أذان الفجر في بعض البلاد العربية يرفع قبل الفجر الصادق بزمن يتراوح بين العشرين والثلاثين دقيقة أي قبل الفجر الكاذب أيضا وكثيرا ما سمعت إقامة صلاة الفجر من بعض المساجد مع طلوع(1/42)
الفجر الصادق وهم يؤذنون قبلها بنحو نصف ساعة وعلى ذلك فقد صلوا سنة الفجر قبل وقتها وقد يستعجلون بأداء الفريضة أيضا قبل وقتها في شهر رمضان كما سمعته من إذاعة دمشق وأنا أتسحر رمضان الماضي (1406) وفي ذلك تضييق على الناس بالتعجيل بالإمساك عن الطعام وتعريض لصلاة الفجر للبطلان وما ذلك إلا بسبب اعتمادهم على التوقيت الفلكي وإعراضهم عن التوقيت الشرعي {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} "فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر" وهذه ذكرى و {الذكرى تنفع المؤمنين} اهـ
وقال رحمه الله تعالى في الصحيحة برقم (693) (2/308-309)
وفيه تنبيه هام إلى وجوب أداء الصلاة بعد طلوع الفجر الصادق وهذا ما أخل به المؤذنون في كثير من العواصم منها عمَّان فإن الأذان الموحد فيها يرفع قبل الفجر بنحو نصف ساعة بناء على التوقيت الفلكي وهو خطأ ثابت بالمشاهدة وكذلك في كثير من البلاد الأخرى كدمشق والجزائر والمغرب والكويت والمدينة والطائف والله
المستعان اهـ(1/43)
ومثل ذلك ذكره كذلك في الصحيحة (ج7/1303-1304) رقم(3440) فقال وبناءً على التوقيت الفلكي الذي لا يوافق التوقيت الشرعي في بعض الأوقات وفي كثير من البلاد فقد علمنا أن الفجر يُذاع قبل الفجر الصادق بنحو ربع ساعة أو أكثر يختلف ذلك باختلاف البلاد والظهر قبل ربع ساعة والمغرب بعد نحو عشر دقائق والعشاء بعد نصف ساعة وهذا كما ترى يجعل بعض الصلوات تُصلى قبل الوقت الشرعي مما لا يخفى فساده والسبب واضح وهو الجهل بالشرع والاعتماد على علم الفلك وحساباته التي تخالف الشرع الأمر الذي صيَّر المؤذنين الذين قد يؤذنون في مساجدهم ولا يكتفون بالأذان الْمُعلن من إذاعة الحكومة يجهلون كل الجهل المواقيت الشرعية المبنية على الرؤية البصرية التي يسهل على كل مكلف أن يعرفها لا فرق في ذلك بين أمي وغيره بعد أن يكون قد عرفها من الشرع فالفجر عند سطوع النور الأبيض وانتشاره في الأفق والظهر عند زوال الشمس عن وسط السماء والعصر عند صيرورة ظل الشيء مثله بالإضافة إلى ظل الزوال والمغرب عند غروب الشمس وسقوطها وراء الأفق والعشاء عند غروب الشفق الأحمر وإن مما لا شك فيه أن هذه المواقيت تختلف باختلاف الأقاليم والبلاد ومواقعها في الأرض من حيث خطوط الطول والعرض من جهة ومن حيث انخفاضها وارتفاعها من جهة أخرى الأمر الذي يوجب على المؤذنين مُراعاتها والانتباه لها فمدينة كبيرة كالقاهرة مثلا يطلع الفجر في شرقها قبل مغربها وهكذا يُقال في سائر الأوقات بل قد تكون البلدة ليست في اتساعها كالقاهرة كدمشق مثلاً فمن كان في جبل قاسيون مثلاً تختلف مواقيته عمن كان في وسطها أو في مسجدها مسجد بني أُمَيَّة أو في الغوطة منها مثلاً ومع ذلك فأهلها جميعاً من كان في الأعلى أو الأدنى من مناطقها يُصلون ويصومون ويُفطِرون على أذان مسجدها وما لنا نذهب بعيداً فقد شاهدت أنا وغيري في بعض قرى عمَّان وهي الناعور لما ذهبنا إلى صلاة المغرب في مسجدها الشمس لما تغرب(1/44)
بعدُ والأذان يُعلن من مُكبر الصوت الذي على المنارة مُذاعاً من إذاعة الدولة من بعض مناطق عمَّان وتتكرر هذه المشاهد المخالفة في كثير من البلاد كما رأينا وسمعنا مثله من غيرنا وقد بيَّنت هذا في مكان آخر من التعليقات والتوجيهات اهـ
(2) قال سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في لقاء الباب المفتوح اللقاء السابع (ص40) إعداد الطَّيار
"والذي يظهر لي أن أذان الفجر في كل أوقات السنة فيه تقديم خمس دقائق في كل أوقات السنة اهـ
وقال في لقاء الباب المفتوح (اللقاء السادس عشر) (ص24) إعداد الطيار
"تقويم أم القرى فيه تقديم خمس دقائق" والمراد أذان الفجر كما بينه السياق
وجاء في مجموع فتاويه (ج19/302) جمع وترتيب فهد السليمان
"والذي نراه أن التقويم الذي بين أيدي الناس الآن فيه تقديم خمس دقائق في الفجر خاصة يعني لو أكلت وهو يؤذن على التقويم فلا حرج إلا إذا كان المؤذن يحتاط ويتأخر فبعض المؤذنين جزاهم الله خيرا يحتاطون ولا يؤذنون إلا بعد خمس دقائق من التوقيت الموجود الآن اهـ
(3) وقال الوالد الشيخ أحمد النجمي حفظه الله تعالى في تعليقه على سبل السلام وهو مخطوط
فإن قيل إن التوقيت المعلن في التقويم هو دليل على الفجر وإن لم نره فأقول أولاً إن الله لم يكلفنا بشيء لم نره وثانياً بالمتابعة وُجد أن في التوقيت الذي في التقويم وبين ظهور الفجر الفعلي مقدار عشرين دقيقة وقد تابعت ذلك أنا بنفسي قبل مجيء الكهرباء وكنت أنام على سطح بيتي الذي في صامطة وأراقب الفجر فلا يتضح إلا بعد حوالي عشرين دقيقة كما قلت ولم أجرؤ على الإعلان بذلك حتى وجدت صاحب تفسير المنار يقول في تفسير آية البقرة التي في آيات الصوم { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } (البقرة 187)(1/45)
إن الفجر في الديار المصرية لا يظهر إلا بعد عشرين دقيقة من التوقيت ومن أجل ذلك فأنا أقول إن الذي ينبغي أن نرتبه على هذا الحديث من النهي هو ظهور الفجر ظهوراً يرى بالعين وإن كان قد خالفني في ذلك إمام العصر الشيخ عبدالعزيز بن باز لما سألته وذكرت له هذه المسألة حيث كنت أراه يأتي بعد الأذان بخمس دقائق أو عشر فيركع ثم يجلس إلى الإقامة ولا يعيد الركوع قبل الإقامة فسألته وأخبرته بما عندي فقال إن الذين وضعوا التقويم هم أعلم منا بالتوقيت وأقول رحم الله الشيخ هذا اجتهاده ولكني قد تتبعت ذلك بنفسي عدة سنوات وتبين لي الفرق ولازلت أعمل عليه وينبني على هذا أن من ركع قبل اتضاح الفجر ينبغي له أن يركع بعد اتضاحه فإن سنة الفجر هي متعلقة بالفجر تصح في موضع صحته وتبطل في مواطن بطلانه ولو صلى أحد الفجر بعد الأذان بعشر دقائق لقلنا ببطلان صلاته وما قلته هنا قد وافقني عليه بعض العلماء المعاصرين وقد توفي بعضهم والبعض حي اهـ
وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أن هذا البلاء كان موجودا في زمانه في رمضان فقد قال رحمه الله تعالى في الفتح (ج4/ص253ـ254) كتاب الصوم باب تعجيل الإفطار
"من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعماً ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت زعموا فأخروا الفطر وعجلوا السحور وخالفوا السنة فلذلك قل عنهم الخير وكثر فيهم الشر والله المستعان" اهـ(1/46)
وكذلك القرافي المالكي صاحب كتاب الذخيرة المتوفى (684) فقال في كتابه الفروق في الفرق الثاني والمائة جرت عادة المؤذنين وأرباب المواقيت بتسيير دَرَج الفَلَك فإذا شاهدوا المتوسط من دَرَج الفلك أو غيرها من درج الفلك الذي يقتضي أن درجة الشمس قربت من الأفق قرباً يقتضي أن الفجر طلع أمروا الناس بالصلاة والصوم مع أن الأفق يكون صاحياً لايخفى فيه طلوع الفجر لو طلع ومع ذلك فلا يجد الإنسان للفجر أثراً البتَّة وهذا لايجوز فإن الله تعالى إنما نصب سبب وجوب الصلاة ظهور الفجر فوق الأفق ولم يظهر فلا تجوز الصلاة حينئذ اهـ جزى الله خيراً من أفادني بهذه الفائدة وتَمَّمَ سعيه على خير
وعلى المسلم الحريص على معرفة الحق فيما اختلف فيه الناس أن يبذل من وقته إن استطاع ويراقب الفجر بنفسه ليقف على الحقيقة دون تقليد لاسيما طالب العلم وأن لا يكون هم إخواني طلبة العلم الاستكثار من العلم فقط وقد قال الشيخ المحدث عبدالصمد شرف الدين في مقدمة تحقيقه لـ(تحفة الأشراف) للمزي رحمهما الله تعالى
"ولهذا اشتد خوف العلماء الربانيين على إكثار الناس من طلب العلم بدون عمل به فإنه أيضا من أنواع التكاثر المذموم في القرآن اهـ
وإذا عزم على تحري طلوع الفجر فعليه أن يراعي أمورا
أولها أن يخرج إن كان داخل المدن إلى خارجها لأن الأنوار تعيق عن رؤية الفجر عند أول طلوعه وهذا أمر معروف محسوس وقد قال سماحة الوالد عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى كما في مجموع فتاويه (ج15/ص286)
"ومعلوم أن من كان داخل المدن التي فيها الأنوار الكهربائية لا يستطيع أن يعلم طلوع الفجر بعينه وقت طلوع الفجر اهـ
ثانيها أن لا يكون الجو ممطرا ولا مغيما ولا مغبرا ولا مُضِبّاً بل صافيا وأن لا يكون مضيئاً بالقمر حتى يتمكن من رؤية الفجر أول ظهوره
ثالثها أن يحدد جهة المشرق لأن الفجر الصادق يطلع من المشرق من موضع طلوع الشمس ثم يستطير فاحفظ هذا(1/47)
رابعها أن يستحضر أوصاف الفجرين الواضحة في الكتاب والسنة خاصة ذلك الحديث الذي في صحيح مسلم وهو قوله صلى الله عليه وسلم "إن الفجر ليس الذي يقول هكذا ( وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض ) ولكن الذي يقول هكذا (ووضع المسبحة على المسبحة ومد يديه)"ويقارن بين ما قرأه ورآه ويكرر الرؤية في يوم ثان وإن شاء ثالث ليطمئن قلبه والله تعالى أعلم
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم(1/48)