ألذُّ شيءٍ في الحياة ...
سالم العجمي
إمام وخطيب مسجد الإمام الشعبي بالجهراء
الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ؛ والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛وبعد00
فإن الله تعالى لم يخلق هذه الخليقة إلا لهدف عظيم ولغاية مهمة وهي عبادة الله سبحانه وتعالى وتوحيده وإفراده بالعبادة؛ فيعبد الله جل وعلا ولا يشرك معه غيره وهذا ما بينه ربنا سبحانه وتعالى بقوله : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"؛ أي يوحدوه ويفردوه بالعبادة؛ ولا يشركون مع الله سبحانه وتعالى غيره0
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص ما يكون على تبيين هذه المنزلة ، ومنزلة صاحبها في الدارين وأنه مبوأ مكانا عظيما ومنزلة رفيعة حين الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى؛ فيجزيه خير الجزاء في جنات الخلد إن مات على توحيده وإفراده لله سبحانه وتعالى في عبادته بجميع أنواعها؛ بأقواله وأفعاله وبالأعمال الظاهرة والباطنة0
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يبين هذه المنزلة؛ وأن من أفرد الله سبحانه وتعالى بالعبادة نجا من عذاب الله وكان مستحقاً للجزاء العظيم في جنات الخلد ، فقال صلوات ربي وسلامه عليه :"من قال لا إله إلا الله مخلصاً بها من قلبه دخل الجنة"؛ والمقصود بمن قال لا إله إلا الله: أي أنه قالها بلسانه وعمل بشروطها ومقتضاها واعتقدها بقلبه اعتقاداً جازماً؛ وليس المقصود فقط القول فإن بعض المنافقين يقولون لا إله إلا الله؛ وبعض الكفار يقولون لا إله إلا الله؛ ولكن المقصود أن يقولها بلسانه ثم يعمل بمقتضاها من توحيد الله جل وعلا وعبادته كما يريد؛ وخلع ما سواه سبحانه وتعالى؛ هذا هو المقصود ؛ من قالها في آخر حياته وختم له فيها دخل الجنة، فاعلموا هذا يا عباد الله علم اليقين؛ واعتقدوا به حق الاعتقاد 0
فالمقصود أن يعمل بمقتضاها فلا يعقل أن يردد لا إله إلا الله دائما وهو يناقضها بقوله وعمله وفعله.(1/1)
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص ما يكون على تبيين منزلة أهلها؛ وأن من مات عليها وإن كان عنده بعض الذنوب فإنه حريٌ به أن يدخل تحت رحمة الله جل وعلا ؛يقول النبي صلى الله عليه وسلم في ما يرويه عن ربه جل وعلا : "يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ( يعني: ملأها) ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ".
وليس المقصود بهذا أن يعمل العبد المعاصي والذنوب وأن يكتسبها ولا يزال مسرفاً على نفسه ؛ ولكن هذا بيان بأن التوحيد صاحبه موعود بالمغفرة سواء دخل تحت أُدخل الجنة ابتداءً وغُفر له ما غُفر من ذنبه؛ أو أنه يعذب بذنوبه بنار جهنم-نسأل الله العافية-؛ ثم بعد ذلك يكون مآله إلى الجنة0
وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على بيان وتبيين منزلة التوحيد؛ كان أيضاً حريصاً على تحذير أمته من الشرك وأهله ؛ومن الشرك وفعله؛وهذامن تمام نصحه لأمته صلوات ربي وسلامه عليه 0
تأملوا يا عباد الله00 يقول أبو واقد الليثي رضي الله عنه : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين -( يعني غزوة حنين)- ونحن حدثاءُ عهد بكفر- (يعني: أن بعضنا لم يسلم إلا للتّو فبقيت عنده أشياء من أعمال الجاهلية )-؛ وللمشركين سدرة يعكفون عندها؛ وينوطون بها أسلحتهم يقال لها : ذات أنواط ؛فمررنا بسدرة؛ فقلنا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ،-(أي:نتبرك بها)- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر!! إنها السنن؛ قلتم-والذي نفسي بيده-كما قالت بنو إسرائيل لموسى:اجعل لنا إلها كما لهم آلهة.." 0
وانظروا عباد الله00 أين كان تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الشرك حتى تعلموا منزلة التوحيد؟..(1/2)
النبي صلى الله عليه وسلم ذاهب إلى قتال الكفار ويحتاج إلى جهود الأشخاص-بعد الله سبحانه وتعالى-؛ ومع ذلك لما وقع منهم ما يُلبس لم يسكت صلى الله عليه وسلم ويقول : لأقاتل بهم أولاً ثم أعلّمهم التوحيد بعد ذلك؛لا.. بل أنكر عليهم صلوات ربي وسلامه عليه لعلمه أن من مات على الشرك مخلدٌ في نار جهنم وإن أتى بأعمال كقدر السماوات والأرض لقول الله سبحانه وتعالى :" إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار"0
وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه ؛ قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فأرسل رسولاً أنْ لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر إلا قطعت"؛ وذلك لأنهم كانوا يتبركون بها ويرون أنها تدفع العين؛ وأنها تجلب النفع وتدفع الضر؛ وما كان هذا إلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أنصح الخلق للخلق يعلم أن جزاء التوحيد أن صاحبه إلى جنات الخلد بإذن الله جل وعلا؛ وأن من أشرك بالله سبحانه وتعالى مخلد في نار جهنم .
من أجل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى هذا حق الدعوة؛ وبذل حياته في تحقيق هذا الهدف؛ وبيان هذه الغاية التي خلقت من أجلها الخليقة 0(1/3)
ولقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على هذا في أحاديث كثيرة؛ منها قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الرُّقى والتمائم والتِّولة شرك "؛ وهذا الحديث العظيم يبين لنا مسألة عظيمة جداً وهي : أن من الرُّقى وهي القراءة على الناس ما يكون شركاً ؛وذلك أن يأتي أحد فيرقى بغير أسماء الله وصفاته؛ فيستعيذ بالشياطين أو يستعيذ بالجن من أجل الاستشفاء كما يفعله الدجالون والكهنة (والذين يُسمَّوْن في هذا الزمن سادة)؛والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن يك سيدا ؛ فقد أسخطتم ربكم عز وجل " ؛ فهذا السيئ؛لا يسمى سيداً بحال من الأحوال لأنه يستعين بمردة الجن ويستعين بالشياطين؛فإذا جاءه المريض ودخل عليه وجد شخصاً أقذر ما يكون على وجه الأرض؛متسخ الثياب أو أنه يكون ضريراً أعمى لم يستطع أن يرجع البصر لنفسه؛فيأتي هذا العبد المخدوع يريد أن يطلب الشفاء من رجل لم يستطع أن يذهب الإعاقة عن نفسه؛ فكيف يأتي الصحيح إلى مريض لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ليرقيه بالرقى الشيطانية؟!
هذا النوع من الرقى شرك يا عباد الله والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :"من أتى كاهنا أو عرافا فسأله فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"؛فيا ويح من أمضى حياته بالصلاة والصيام من حين نشأ منذ شبابه إلى حين شاخ بعد هذا العمر الطويل؛ فيأتي هذه الأعمال ويشرك بالله جل وعلا عند رجل من رجال السوء يسمى: (سيد أو مطوع) فيرقيه برقية شيطانية فيذهب دينه بعد أن يلتجأ القلب إلى الشياطين؛ويأمره بذبح خروف أحمر أو ديك أصفر أو ما شابه ذلك؛ أو أن يأخذ من ملابسه شيئا فيبيّته عنده0(1/4)
هذه من علامات الكهان يا عباد الله؛ ومن ذهب لهم فقد ضيع نصيبه من الله وقد أشرك بالله وكفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ؛وبعضهم يحدث بينه وبين بعض الناس خصام فيقول: فلنذهب إلى السيد فلان نحلف عنده أنك لم تأخذ مالي؛ وهذا يرى أن ذلك الرجل يضر وينفع من دون الله ، فمن اعتقد هذا الاعتقاد فقد خسر خسرانا مبينا وأشرك بالله ؛وهذا النوع من الرقى والقراءة شرك بالله ولا يجوز الذهاب إلى من كانت هذه صفاته، وأما الرقية والقراءة إذا كانت من كتاب الله وكانت بلسان عربي فصيح واعتقد العبد أنها سبب من الأسباب وإنما المسبب هو الله -سبحانه وتعالى-الذي بيده الضر النفع؛ إن فعل هذا وهو معتقد ذلك فلا بأس به؛ ولكن إذا ذهب إلى هؤلاء الدجالين الذين يدينون بالشرك ويستعينون بالشياطين فقد ضيّع نصيبه من الله؛ومن أشرك بالله فلا ينفعه صوم ولا حج ولا صلاة ولو جاء بمثل هذه الأرض وملئها أعمالاً صالحة فلن تنفعه عند الله0
التوحيد يا عباد الله.. التوحيد إفراد الله بالعبادة وأن لا يلتفت هذا القلب إلا لله0
إن العبد لو جاء بشيء من أنواع المعاصي وكان موحدا يطمع أن يدخله الله في رحمته؛ولكن لو كان مشركاً فلا يطمع برحمة الله أن تناله ؛"إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار"0(1/5)
وأما المقصود بالتمائم فهو ما يعلقه بعض الناس ، مما يسمى عند بعضهم (حرز) أو ( جامعه) هذا الذي يُصنع من جلد؛حيث يعمل الكاهن لمن قصده ورقة؛ويجعل فيها رسوما متعارضة أو أنه يدعو فيها الشياطين؛ فيذهب الزائر بعد ذلك فيجلدها بجلد فيعلقها على رقبته أو في سيارته أو يضعها في مخدته؛ فمن اعتقد أن هذه التميمة تنفع وتضر من دون الله العظيم فقد أشرك بالله سبحانه وتعالى؛ والذي يقول ( شرك) هو محمد صلى الله عليه وسلم ، ليس المتكلم وليس السامع ، فإياك يا عبد الله إن كان عندك من هذا شيء أن تنهي قراءة هذا الكلام وأنت لم تعاهد الله على التوبة؛لأنك إن كنت تعتقد أن هذه (الحروز) مما يدفع الضر ويجلب النفع فقد كفرت بالله العظيم0
ومثل هذه الحروز تلك التميمة الذي تُعلَّق في السيارات والتي يعتقد البعض أنها تدفع عنه العين وتجلب له النفع هذه أيضا تعد من التمائم ، من علقها فقد أشرك0
وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " من تعلق شيئا وُكِل إليه " والمقصود بتعلَّق: أي أنه علَّقه وتعلق قلبُه به؛ ولذا تجد أن هذا الصنف يرى أنه إن أزال هذه ( الحروز والتمائم ) وقعت به الطوام0
فإن اعتقد هذا الاعتقاد وظن أنها تجلب النفع وتدفع الضر فإنه أشرك بالله سبحانه ، ومنها أيضا تلك الخواتم التي تجعل من أجل الخطوبة ؛فإذا خطب رجل امرأة ألبسها خاتما وألبسته خاتما، إن اعتقد أن هذا سبب من الأسباب لدوام المحبة؛ أو اعتقد أنه إذا خلع هذا الخاتم تضعف المحبة بين الزوجين أو أنه يحصل الطلاق والشقاق؛فقد أشرك بالله؛ لأنه جعل شيئا ليس له متعلق حسيٌّ ولا شرعيٌّ يضر وينفع من دون الله،وأما إذا لم يكن يعتقد أنها تضر وتنفع أو تجلب المحبة فإن هذا من عادات النصارى فلا يجوز لبسها0(1/6)
فليحذر العبد أن يسلب دينه يا عباد الله؛فإن التوحيد هو الغنيمة وهو المنزلة العظيمة؛وهو الذي يرجو به العبد إن وقف بين يدي الله سبحانه وتعالى وحقق توحيده أن يشمله الله جل وعلا بعفوه رحمته؛وأن يُدخله في عباده الصالحين؛ لأن كلاًّ من الناس مذنب؛لكن مَن حقق التوحيد وجاء إلى الله سبحانه وتعالى بتحقيق العبودية له وحده كما أمر بها سبحانه ؛ وكما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم فيطمع أن يدخل في رحمة الله0
هذا وليحذر المسلم من الشرك كله بجميع أنواعه وأصنافه؛وعليه أن يتعلم التوحيد ويدرسه؛لأنه يحتاج إلى علم وتطبيق؛لعل العبد أن ينجو بين يدي الله سبحانه وتعالى0
كما أنه مما لابد أن يُعلم أن كل طريق إلى الله مسدود إلا طريقا واحدا وهو ما كان عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم؛ فمن أراد النجاة والسعادة في الدارين فليجعل النبي صلى الله عليه وسلم له إماما ومتبعا؛ولا يقدم على سنته صلوات ربي وسلامه عليه قول أحد كائنا من كان؛فإنه هو الصادق المصدوق وهو أنصح الخلق للخلق وهو الشافع المشفَّع ، ومن صح توحيده واتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم فهو حري أن يدخل في شفاعته يوم القيامة؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين يقف على حوضه ويريد أن يسقى منه أتباعه؛ يحجب أقوام عن الحوض؛ فيقول صلى الله عليه وسلم: يارب أمتي ؛أمتي00 فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك0 (ما اصطنعوا من الأمور واتبعوا من الأهواء )؛فيقول صلى الله عليه وسلم: سحقا..سحقا لمن بدل بعدي .
فإياكم ومخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم ؛" فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" ؛ قال الإمام أحمد: الفتنة أن يفع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك0(1/7)
فإياكم واتباع الأهواء واجعلوا النبي صلى الله عليه وسلم لكم إماما ومتبعا؛وخذوا العلم من أهله ممن يسلكون طريقه صلوات ربي وسلامه عليه؛ ويدلون الناس على سنته؛ ولا يجرفنّكم أهل الشرك وأهل الأهواء البدع؛الذين لا يريدون لسنته أن تعلو في الأرض؛ويريدون أن تعلو أهواءهم ليصلوا إلى مآربهم .
إن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك طريق خير إلا دل هذه الأمة عليه ولا ترك طريق شر إلا حذر أمته منه؛ وكان مما قال صلوات ربي وسلامه عليه:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "؛ وقال صلى الله عليه وسلم : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "؛ أي أنه مردود على صاحبه0
فالاتباع.. الاتباع له في أمره ونهيه ؛ وإياكم من محدثات الأمور؛ ومما اختلق أهل الأهواء وعامة الناس ودهماؤهم ؛ الذين لا يريدون لدينكم أن يرتفع؛ولكن يريدون أن ينطمس نور السنة؛وتنتشر ظلمة البدع بين الناس؛ فيذهب الدين سنةً سنة؛حتى تفشو البدع وتذهب السنة وتعلو الأهواء فلا يبقى من يدل الناس على الطريق الصحيح0
نسأل الله أن يوفقنا لطاعته ؛ وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم0(1/8)
حتى لا يضيع الدين..
سالم العجمي
إمام وخطيب مسجد الإمام الشعبي بالجهراء
الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده؛والصلاة على رسوله وعبده؛وبعد..
فاعلم أيها المسلم أن الله سبحانه إنما خلق الخليقة لعبادته سبحانه؛فأمرهم بتوحيده وإفراده بالعبادة؛فمن وحده حق التوحيد عاش أمنا في هذه الدنيا وفي الآخرة؛ واطمئن عيشه وهدأت نفسه؛ومن أشرك بالله جل وعلا أحدا كانت حياته هما وغما وإذا به يقاد إلى نار جهنم خالدا فيها أبدا .
فمن أراد بحبوحة العيش في الدارين فليوحد الله جل وعلا حق توحيده وليستقيم على طاعته0
والتوحيد هو أن يصرف العبادة لله وحده ولا يصرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله؛ فإنه إن صرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله جل وعلا عُدّ مشركا ؛فلا يقبل الله من صرفا ولا عدلا؛ ولا يُتقبَّل منه عمل وإذ به في الآخرة من الخاسرين؛"إن الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"، ومن تأمل بما أعده الله سبحانه وتعالى للموحدين الذين يفردونه بالعبادة؛سارع إلى ذلك وعلم أن عقوبة الشرك لا عقوبة أشد منها0
وانظروا إلى فضله سبحانه وتعالى حيث أنه يجازي صاحب المعصية بالمغفرة إذا كان موحدا فيدخله في رحمته ويعامله بعفوه وإحسانه؛ وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفضل العظيم بقوله:" يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة؛ فينشر له تسعة وتسعون سجلا ( يعني من الذنوب والمعاصي )؛كل سجل منها مد البصر؛ثم يقال: أتنكر من هذا شيئا فيقول: لا يا رب0 فيقال: ألك عذر ألك حسنة؛ فيهاب الرجل فيقول :لا 0فيقال:بلى إن لك عندنا حسنات وإنه لا ظلم عليك0
((1/1)
ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين )؛فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛فيقول: أي ربِّ؛ ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم0فتوضع السجلات في كفه والبطاقة في كفه فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء"؛لكن هذا قال لا إله إلا الله وعلم أن معناها: لا معبود بحق إلا الله، فهو وإن كان مسرفا على نفسه بالمعاصي ولكنه لم يصرف نوعا من أنواع العبادة لغير الله ..فلا يصلي مع المسلمين وهو يدعو عليا أو الحسين أو العباس أو غيرهم0
ولا يصلي مع المسلمين وقلبه معلق في القبور؛فإذا أصابته مصيبة نادى يا علي يا حسين يا خضر يا عباس؛لا.. لا يقول هذا0
ولا يقول: يا بخت فلان ( ولا نخاف من السيد فلان يشوّر فينا) ، لا يقول هذا؛ ولا يعتقده.
ولذلك قال أهل العلم في قول الله تعالى :"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما": إن من اجتنب كبائر الذنوب يكفّر الله عنه الصغائر ، وكذلك من ترك الشرك فإن الله سبحانه وتعالى يغفر له ما وقع منه الكبائر" لأنه إن كان موحداً دخل تحت رحمة الله ، وهو سبحانه الذي لا معقب لحكمه ولا يُسأل عما يفعل؛ فإن شاء عذب وإن شاء غفر؛وإذا شاء سبحانه أن يغفر للعبد فمن يرده؟! ، ولكن لا بد أن يكون موحداً يا عباد الله0
واعلموا أن فساد الدين لا يأتي إلا بالاعتقادات الباطلة؛والتكلم بها ؛أو العمل بخلاف الحق والصواب 0
ومما أفسد عقائد الناس وحرفهم عن السبيل الصحيح؛تلك القبور المشيدة التي تعبد من دون الله وتُدعى من دون الله، سواء في السعي إليها أو تعلق القلوب بها0(1/2)
ولذلك فقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من كل فعل يكون على هذه القبور؛ فيكون بعد ذلك وسيلة لعبادتها من دون الله؛ كالبناءِ عليها وتعظيمِها والغلوِّ في أصحابها؛فإن هذا كله يفضي إلى الشرك بالله سبحانه؛ ولذلك لما ذكرت أم سلمة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها في أرض الحبشة؛وما فيها من الصور؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح-أو العبد الصالح- فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور؛أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة"؛ والمقصود بجعل القبور مسجداً؛جعلها موضعاً للعبادة0
والشرك بقبر الرجل الذي هو معروف؛أشد داعياً إلى عبادته من الوثن الذي لا يُعرَف صاحبه؛فالناس عادة إذا علموا أن هذا قبر فلان وهو رجل صالح معروف؛ قد يكون نبياًّ؛أو صحابيا وهم برءاء من الشرك وأهله؛ فإن النفوس تسارع إلى الإشراك به من دون الله ، ليس كالوثن أو الصور التي لا يُعرَف أصحابها؛ولأجل كل هذا فقد اشتد تحذيره صلى الله عليه وسلم من اتخاذ القبور مساجد0
وبسبب الجهل المنتشر -ومع الأسف الشديد - تجد بعض أخواننا إذا سافر إلى بعض البلدان ومر على بعض المساجد التي فيها القبور صلى بها؛وهو حسن النية؛ ولكن هذه الصلاة باطلة لا تجوز 0(1/3)
وتأملوا إلى أنصح الخلق للخلق محمد صلى الله عليه وسلم الذي اشتد تحذيره من هذا الفعل المنكر إلى وقت موته،تقول عائشةرضي الله عنها:"لما نُزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفِقَ (أي جعل) يطرح خميصة له على وجهه؛فإذا اغتم كشفها وقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر مما صنعوا، تقول عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خُشي أن يُتخذ مسجداً"؛( أي موضعاً للعبادة) ، فانظروا إلى تحذير الصادق المصدوق من اتخاذ القبور مساجد؛ ولعنِه من فعل هذا الفعل؛ هذا مع إن اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؛ فكيف بمن اتخذ قبور من هو أدنى حالاً من الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم ؟!
كما دعا صلى الله عليه وسلم بقوله:" اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد"؛ فإذا كان قبره –صلوات ربي وسلامه عليه- إذا عُبد من دون الله عُدّ وثنا فكيف بقبر غيره؟!
ولما خالف الناس أمر النبي صلى الله عليه وسلم افتتنوا بعبادة القبور؛ من قبور الصالحين وغيرهم؛وعظموها تعظيما مبتدَعاً آل بهم إلى الشرك؛حتى خرجوا من الإسلام؛"إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار"؛ وهاهم يصرفون العبادة التي لا تجوز إلا لله يصرفونها للقبور؛من الصلاة عندها؛ والطواف بها؛والنذر لها؛ودعائها؛ ودعائها؛ وسؤالها قضاء الحاجات وتفريج الكربات؛ فإذا حلّت بهم مصيبة لم تتوجه القلوب إلى الله؛ ولكن توجهت إلى قبر فلان بن فلان؛ وهذا كله من الشرك المخرج من الملة.
فيا عباد الله: لا تضيعوا نصيبكم من الله ،واعلموا أن العبد ولو كان مسرفاً على نفسه بالمعاصي؛فإنه حري أن يدخل تحت رحمة الله إذا كان موحداً، وأما إذا كان مشركاً فلا يتعب نفسه بعمل من الأعمال فعمله مردود عليه؛ يقول سبحانه:" أنا أغنى الشركاء عن الشرك"؛ فلا يقبل الله-سبحانه وتعالى- الذي أمرنا بعبادته وحده أن نشرك به غيره0(1/4)
ومع هذا النهي الأكيد والوعيد الشديد؛تجد هؤلاء المشركين يشركون بالله أناساً لا يملكون لأنفسهم ضراّ ولا نفعاً؛مع أن الشرك يدل على حمق صاحبه وأنه بليد؛ ولو كان عاقلاً فكيف يأتي إلى جدار فيدعوه من دون الله ؟!0
ولو كان صاحب القبر يملك لنفسه شيئاً لأحيا نفسه من الموت وقال للناس ادعوني، أو كان صالحاً لقال للناس دعوني وتبرأ من شركهم، يقول الله سبحانه وتعالى:"ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون0وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين"؛ فلا يحسون بالذين يدعونهم من دون الله؛ويوم القيامة يتبرؤون من شركهم وما اقترفوا من الأعمال نحوهم.
ومن رأى العالم الإسلامي وما فيه من كثرة القبور تملّكه الهم والغم؛فكيف بأمة تريد أن ترتقي وقلوب كثير منها متعلقة بهذه الأوثان ؟!
وكيف بأمة تريد النصر وهي تدعو غير الله؛وتعبد غير الله، يقول سبحانه:"وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ولا يشركون بي شيئاً"؛ فالدين الذي يمكنه الله هو دين التوحيد ؛ وشرط التمكين هو عبادة الله وحده لا شريك له0
فإذا أرادوا الاستخلاف والتمكين في الأرض،وأرادوا الأمن في الدارين فلا بد أن يعملوا بالشرط :"يعبدونني لا يشركون بي شيئاً"0
فإذا أردت النجاة عبد الله؛فحقق توحيدك وقصدك لله ،وتوجه بقلبك إلى الله؛وانزع من قلبك كل اتجاه لغير الله ؛فهو سبحانه الضار النافع والمعطي المانع ؛لا معطي لما منع؛ولا مانع لما أعطى0(1/5)
ومن المحادة لله تلك الحملة الشرسة التي بدأت تقودها بعض القنوات الإعلامية بتفننها في إعلاناتها للقبور والأوثان التي تعبد من دون الله؛سواء كان ذلك في الإعلام المكتوب أو المرئي أو المسموع ؛ ويسمون تلك القبور بالعتبات المقدسة، وهذه تسمية قد أوحاها إليهم الشيطان؛لأنه يفرح بعبادة غير الله؛ولإكثار حزبه وأتباعه في نار جهنم؛فيكونون مخلدين في نار جهنم لا يخرجون منها أبدا 0
وأولئك الذين يدعون القبور بأنها عتبات مقدسة؛ إنما فعلوا ذلك لجهلهم وحمقهم؛ فليس عندنا في دين الإسلام " عتبات مقدسة " ؛سواء كان ذلك القبر لنبيٍّ من الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم؛أو لصحابيًّ جليلٍ نشهد أنه في الجنة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بريء ممن يشركون به من دون الله، لكن عندنا في دين الإسلام أماكن قد ورد الشرع المطهر بأنها أماكن فاضلة؛وهذه الأماكن كالمسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى؛التي صح فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد:المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى" ؛ فلا يجوز لعبد من عباد الله يرجو النجاة بين يدي الله والخلاص من نار جهنم أن يشد رحله ويذهب إلى قبر من القبور من أجل أن يصلي فيه؛أو أنه يدعوه أو يستغيث به؛ أو يسأله حاجة من حاجات الدنيا؛حتى ولو كان قبره صلوات ربي وسلامه عليه؛فلا يجوز للعبد أن يشد رحله راكباً من ها هنا وهو نيته أن يذهب للقبر؛ فإذا أراد زيارةً فلينو زيارة المسجد النبوي الذي حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ، أما إذا نوى زيارة القبر فهذه بدعة وضلالة مفضية إلى الشرك ، والنبي صلى الله عليه وسلم أنزه الناس عن الشرك وأفضلهم تحقيقا لتوحيد ربه جل وعلا؛ فالذي قطع علينا هذا الدرب المؤدي إلى الشرك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا كان هذا العمل مع قبره فكيف بمن هو دونه؟!(1/6)
فلا تغرنّكم تلك المسميات من أهل الباطل؛فإن بعضهم بدأ يمهد من أجل أن تزور الناس هذه القبور؛ أو على الأقل أن تتعلق قلوبهم في الوقت الحالي بها؛حتى إذا سنحت لهم الفرصة فإذا بهم يركضون ويهبون مسرعين من أجل الإشراك بالله سبحانه وتعالى0
فاحذروا التعلق بهذه القبور في أي صورة من الصور؛ فإن بعض الناس لا يستطيع الذهاب إليها فيتعلق قلبه بها ؛ويعيش حياته متحسراً لأجل أنه لا يستطيع الوصول إليها،وإذا به يلجأ إليها عند كل ملمة؛وهذا من الشرك المخلد صاحبه في النار0
وانظروا إلى أحوالهم عند القبور ترون فيها من استحضار الهيبة والخشوع والذل والبكاء؛الذي لم يحصل لهم في اعظم الأماكن في الحرم المكي أو في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإذا بهم خاشعين متذللين كالذين يقفون أمام الأصنام في السابق؛تغشى وجوههم الذلة؛وعليهم القتر بادياً واضحاً يدعونها من دون الله0
وقد صارت هذه القبور وسيلة ابتزاز لأموال البلداء والسفهاء؛ فيوضع عليها سدنة الذين يقومون بجمع الأموال؛ فإذا أراد أحد أن يزور القبر دفع مبلغاً من المال،وإذا أراد أن يطوف أو يدعو؛ أو أراد مطوفاً دفع مبلغاً من المال0
وانظروا إلى الصور التي يغار لها قلب كل مؤمن صادق؛عندما يرى قبراً يُطاف ويعبد من دون الله تنقله وسائل الإعلام ؛ويرى أناسا يطوفون على هذه القبور ويدعونها من دون الله؛يقفون الساعات يدعون صاحب هذا القبر أن يجلب لهم نفعاً أو يدفع عنهم ضراً؛ولو كان يملك جلباً لخير أو دفعاً لضر لنفع نفسه؛ ولقام محيياً نفسه من الموت الذي حلّ بها ؛والله إنه أمر عظيم يا عباد الله؛فلا ينبغي أن يتحرك القلب لمنكر من المنكرات أكثر من غيرته أن تصرف عبادة لغير الله ؛وأن يعبد غير الله جل وعلا0(1/7)
والواجب على من ولاّه الله أمر المسلمين إزالة القبور التي تعبد من دون الله؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم" نهى أن يبنى على القبر أو يجصص عليه أو يُكتب عليه"؛ كل هذا مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قطعاً لمادة الشرك؛ يقول الله جل وعلا في أصدق قول يليق على هؤلاء: "والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير0إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم" ؛يقولون اللهم إنا برآء لم ندعهم إلى هذا الشرك؛ولكن فتنهم الغلو وفتنهم رفعنا فوق منزلتنا؛ فعبدونا من دون الله فنحن برآء منهم 0
نسأل الله أن يعيذنا من الشرك وأهله ؛ وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه0(1/8)
دعوة التوحيد وسهام الحاقدين..
سالم العجمي
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؛من يهده الله فلا مضل له؛ومن يضلل فلا هادي له؛وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛وأشهد أن محمداً عبده ورسوله0
أما بعد00
فقد مّر على الديارِ النجدية فيما مضى أيام انتشر فيها الشرك وارتفعت رايته ، وطمست معالم التوحيد في كثير من بقاعها ، وفشت البدع والخرافات بين الناس حتى صار التوحيدُ بينهم غريباً ، ومن دعا إليه فكأنه جاء بدعاً من القول؛فنادوا به بكل تهمة؛وكادوه بكل طريق وسبيل؛واستعانوا عليه بأعوانهم من الفسقة والأراذل ؛حتى ارتفع صوتُ الباطل ودوّى؛وضعف صوتُ الحق،وخفَت نوره0 وقد فشا الشرك بين الجهلة؛فكانوا يأتون القبور فيدعونها رغباً ورهباً ويزعمون أنها تقضي الحوائج؛وكانت المرأة إذا تأخر زواجها ولم ترغب فيها الأزواج تذهب إلى - فحل نخلٍ – وتدعوه من دون الله قائلةً : يا فحل الفحول؛أريد زوجاً قبل الحول0
وكانوا يتبركون بالأشجار فيعلقون عليها الخرق؛رجاء البركة وللاستشفاء من الأمراض؛ وهكذا من وسائل الشرك والانحدار وصرف العبادة لغير الله .
فلما أراد الله سبحانه أن يُتِمَّ نعمته على عباده؛وينصرَ دينَه ويعلي كلمتَه،أذن بظهور نور التوحيد براقاً في كلِّ أفقٍ وبقعة في تلك الديار،فازدهرت الأرض به بعد محلٍ وقحْط ، وارتوت به بعد ظمأٍ وهلكة ، وأنقذ الله به عباده من ظلمات الجهل والشرك والتذلل لغيره سبحانه0
وكان ذلك على يد الإمام المجاهد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله؛يعاونه على ذلك ويشد أزره الإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى0(1/1)
فقد ولد الإمام محمد رحمه الله في عام 1115 هـ؛ولما اشتد عودُه رحل لطلب العلم فجاب الديار في سبيل ذلك وهو فتى في عنفوان شبابه؛فلما حصل له من العلم ما يعينُه على دعوتهِ وجهاده في سبيل ذلك؛رجع إلى بلاده حريملاء عام 1140 هـ؛وعمره آنذاك خمسة وعشرون عاماً .
وبدأ يدعو للتوحيد ونبذ الشرك والخرافة؛مما أهاج عليه عباد القبور والفسقة والسفلة،وقد تبعه أناس من أهل البلد لما رأوا صدقه وإخلاصَه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر0
وكعادة المصلحين في كل زمن فقد حصل على الشيخ من الشر الذي كاد أن يودي بحياته؛وذلك بأنه كان هناك بعض الفساق والأسافل؛كَثُر تعديهم وفسقهم فأراد الشيخ أن يمنعوا من الفساد ، وينفَّذ فيهم الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، فهمّوا بقتل الشيخ فتسوّروا عليه الجدار ليلاً؛ فكان من لطف الله أن شعر بهم الناس فصاحوا بهم فهربوا0
فانتقل الشيخ بعدها إلى العينية وأميرها يومئذٍ عثمان بن حمد بن معمر؛فتلقاه بالقبول وأكرمه ، وبين له الشيخ دعوته وقال له:إني لأرجو إن أنت قمت بنصر ( لا إله إلا الله ) أن يظهرك الله تعالى ،وتملك نجداً وأعرابها،فساعده عثمان على ذلك ،فأعلن بالدعوة وتبعه الناس؛ وكان بها أشجار تعظم فقطعها،وقبور تعبد فأزالها؛وفشا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛وأقيمت الحدود0(1/2)
فلما ارتفع صيت الشيخ في الآفاق بلغ ذلك حاكم الأحساء؛وكان يؤدي خراجاً لابن معمر،فهدده بقطع الخراج إن لم يخرج الشيخَ من عنده ، فأخبر ابنُ معمرٍ الشيخ محمداً بالخبر ،فقال الشيخ قول الواثق : إن هذا الذي قمت به أنا ودعوت إليه كلمة ( لا إله إلا الله )؛وأركان الإسلام؛والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإن أنت تمسكتَ به ونصرته فإن الله سبحانه سيظهرك على أعدائك، فلا يزعجك صاحب الأحساء ولا يفزعك؛فإني أرجو أن ترى من الظهور والتمكين والغلبة؛ما تملك به بلاده وما وراءها وما دونها،فاستحى عثمان وأعرض عن الشيخ،فلما رجع جاء جلساء السوء إلى عثمان وخوفوه وأرجفوا به؛حتى طلب من الشيخ أن يغادر العينية،وهذا من حكمة الله وعلمه أن نصر هذا الدين والظهورَ والغلبةَ والتمكينَ يكون لغيره وعلى يد غيره0
فانتقل الشيخ إلى الدرعية،وكان أميرها يومئذٍ محمد بن سعود رحمه الله،وكأنَّ حال الشيخ يومئذٍ كحال النبي صلى الله عليه وسلم حين كان ينادي من ينصرني من يؤويني حتى أبلغ كلام ربي0(1/3)
فلما نزل بالدرعية،حل ضيفا على أحد أهل الدرعية؛فخاف الرجل على نفسه من محمد بن سعود؛فوعظه الشيخ وأسكن جأشه؛وعلم به أناس من أهل الدرعية فزاروه خفية؛فقرر لهم التوحيد واستقر في قلوبهم،فأرادوا أن يخبروا محمد بن سعود بمجيئه؛ويشيروا عليه بنصرته ولكنهم هابوه،فأتوا إلى زوجته الصالحة (موضي)،وكانت ذات عقل ودين ومعرفة،فأخبروها بمكانة الشيخ؛وصفة ما يأمر به وينهى عنه،فوقر في قلبها حب التوحيد،وقذف الله في قبلها محبة الشيخ؛فلما دخل عليها زوجها محمد أخبرته بمكانه،وقالت:إن هذا الرجل أتى إليك وهو غنيمة ساقها الله لك، فأكرمه وعظِّمه،واغتنم نصرته،فقَبل قولَها،ثم دخل عليه أخواه ثنيان ومشاري،وأشاروا عليه بمساعدته ونصرته،وألقى الله سبحانه في قلب محمدِ بن سعود محبَّة الشيخ محمد فأراد أن يرسل إليه،فقالت له زوجته وأخواه: سر إليه برجلك وأظهر تعظيمه،لعلَّ الناس أن يكرموه ويعظموه؛فسار إليه محمد بن سعود0
وهذا القول منهم (أي: ثنيان ومشاري وموضي)؛واستجابة محمد بن سعود وذهابه للشيخ؛لهو دليل على أنهم أهل دين وتقوى؛ما سعوا إلى الملك بل انهم نصروا الشيخ وهو مستضعف ليس له دولة ولا ملك،وأنهم ما أرادوا إلا نصرةَ التوحيد ورفع رايته،ولذلك لما دخل محمد بن سعود على الإمام محمد بن عبدالوهاب رحب به وقال له:أبشر ببلاد خير من بلادك ، وأبشر بالعز والمنعة والنصرة والأمن؛فقال له الشيخ: وأنت أبشر بالنصر والتمكين والعاقبة الحميدة؛ هذا دين الله؛من نصره نصره الله،ومن أيده أيده الله0
وهكذا فقد فتح الله على يد محمد بن سعود؛واختاره لنصرة دينه وإقامة شرعه بالرغم من كثرة الحكام في وقته؛كما اختار الله الإمام محمد بن عبد الوهاب لرفع راية التوحيد بالرغم من وجود علماء غيره؛"ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم"0(1/4)
وكان الشيخ محمد بن عبد الوهاب لا ينسى مناصرة محمد بن سعود له لإقامة التوحيد ودعوة الناس إليه؛فكان يقول في مراسلاته :إن العلماء في الشام واليمن إذا سئلوا عما أدعو إليه؛قالوا :إن ما يدعو إليه ابنُ عبد الوهاب هو دين الله ورسوله،ولكن لا نقدر على إظهاره،لأن الدولة تحاربنا ولا ترضى بذلك، وأما ابن عبد الوهاب أظهره لأن الحاكم في بلده ما أنكره بل لما عرف الحقَّ اتبعه0
ثم في عام 1158 هـ بدأ الجهاد الفعلي بالحجة والبيان والسيف والسنان،وبدأ الشيخ يكاتب أهل البلدان ويراسلهم،ويكتب للرؤساء والقضاة ومدّعي العلم؛ فمنهم من اتبع الحق وقبل به،ومنه من صدّ عنه وأعرض واتخذه سخريا،واستهزأ بالشيخ ونسبه إلى الجهل والسحر وغير ذلك0
وقام عليه علماء السوء بالتشنيع والإفك يصدهم عن اتباع الهدى؛حبُّ الدنيا والبحثُ وراءَ متاعها الزائل؛وما ورثوه عن أسلافهم من العادات الرديئة والخرافات البائدة كما قال تعالى عنهم:"إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنا على آثارهم مهتدون"0
وها هي عادتهم في كل زمن وحين؛ يحاربون التوحيد وإقامة الدين ، وينصرون الشركَ والبدعَ والخرافاتِ؛ولو اضطرهم ذلك إلى الهجوم بالإفك الظاهر؛ والأكاذيب الواضحة؛واتهام أهل السنة بالزور والبهتان؛"ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون"0
فبدأت دعوة الشيخ تؤتي ثمارها؛والتزم الناس بالطاعة والدخول في دين الله ، وهدموا ما عندهم من القباب وأزالوا ما لديهم من المساجد المبنية على القبور ، وحكّموا الشريعة ، وتركوا تحكيمَ قوانينَ الآباء ، وساد الأمن .(1/5)
وفي عام 1179 هـ توفي الإمامُ محمد بن سعود؛ناصرُ دعوة التوحيد بعد أن أقام تلك الدولة العظيمة التي بلغت محاسنها الآفاق،وسار بسيرتها الركبان وابتهج بها قلبُ كلِّ موحّدٍ صادق؛ولم يزل الشيخ مجتهدا في دعوته بعد أن خلف محمدَ بن سعود ابنُه العادل عبد العزيز الذي أقام العدل وبث العلم ؛فسار على طريقة والده؛وناصرَ الشيخ في دعوته،ولا زال حتى توسعت الدولة بعد أن كانت قرية صغيرة؛فأصبحت دولة عظيمة؛فسيحَة الأرجاء؛ متناهيةَ الأطراف0
وبقى الشيخ على ذلك حتى توفاه الله في عام 1206 هـ؛وكفى بفضله شرفا ما حصل بسببه من إزالة البدع واجتماع المسلمين،وتقويمِ الجماعات والجمع ، وتجديد الدينِ بعد دروسه ،وقطع أصول الشركِ بعد غروسه؛فلم يزل مجاهداً حتى أذعن أهلَ نجدٍ وتابعوا،وعمل فيها بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعمرت نجدٌ بعد خرابها،وصَلحت بعد فسادها، ونال الفخرَ والملكَ من نصره وآواه ،وصاروا ملوكاً بعد التفرق والقتال0
وهكذا كل من نصر الشريعةَ من قديم الزمان وحديثه ،الله ينصره على أعدائه؛ ويجعله مالكاً لمن عاداه0
وكانت عقيدته رحمه الله عقيدةُ السلفِ الأُول في الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدرِ خيره وشره،ويدعو الناسَ إلى التوحيد ونبذِ الشرك والبدع؛وهذا هو أساس العداوةِ والنزاع بين الناس:
*إنكار الشرك والدعوةُ إلى التوحيد الخالص .
*وإنكار البدع والخرافات كالبناء على القبور واتخاذها مساجد .
فالإمام محمدُ بنُ عبد الوهاب ما جاءَ بدين جديد ولا بشريعة محدثة؛بل إنه على عقيدة خير القرون،ويدعو إلى ما دعت إليه الأنبياءُ كافةً وهو: (توحيد الله وإفراده بالعبادة)؛قال تعالى:"ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"0(1/6)
فالتوحيد هو أوجبُ الواجباتِ على العبد ، وأول ما يجب على العبد أن يتدين به لربه ؛وما خاصم أهلُ الضلالة ، أهلَ التقى والديانة وحاربوهم وحذروا منهم؛ إلا لدعوتهم لتوحيد الله وحثِّ الناس عليه0
فلما طُمِسَت بصيرتُهم؛وزاغت قلوبهم؛طمسَ الله بصائرهم عن معرفةِ حقيقة التوحيد ولذته؛فتاهوا في غياهب الظلمات؛لا يفقهون ولا يعقلون؛صمُّ بكم عمي فهم لا يرجعون،وقاموا بالحربِ على الهدى واقتفوا طرق الضلالة،فباتوا في طغيانهم يعمهون0
إن مما دعا إلى هذه الكلمات إزالة اللبس الذي أحدثه بعض الناس ممن جهلوا حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب،فقاموا يكيلون إليها بالتهم الكاذبة؛والأراجيف الظالمة ، ويشوهون صورتها عند الناس ، ومما دفعهم إلى ذلك أنها دعوة التوحيد الحق؛التي تنبذ الشرك والخرافة التي يتدين بها كثير من هؤلاء الملبِّسين الظلمة؛الذين جعلوا خرافاتهم وبدعَهم وسيلة للتكسب وأكل أموال الناس بالباطل؛ممن يحثّونهم على التقرب للقبور والنذر عندها؛فيستولون على أموالهم بهذه الحيل الشيطانية0
كما أن مما دعا إلى هذه الخطبة قيامُ بعض الجهلة من رموز دعاةِ الباطل ممن تلمعهم القنوات الفضائية بالهجوم على دعوة الشيخ محمد قبل أيام – في إحدى القنوات الفضائية النتنة –وما أكثرها- ووصفها بالإرهاب والتطرف،وما كانت دعوةُ محمد بن عبد الوهاب والدولة التي قامت في وقته ولا زالت –دولة إرهاب وتطرف–بل إنها دعوة تقوم على ما قامت عليه دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛من إقرار التوحيد ونبذ الشرك ؛"ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون"0
وما ظهر الإرهابُ والتطرف إلا من قبل هذا وإمثاله؛من أصحاب الدعوات الثورية السياسية التي جعلت السياسةَ دينَها وديدَنها؛ فهم أبعد ما يكونون عن تعاليم الدين وأقربُ إلى ألاعيبِ السياسةِ والإفك والعدوان0(1/7)
والغريب في الأمر أن هذه الاتهامات تزامنت مع الحملة الإعلامية الشرسة التي تقودها بعض دول الكفر ضد دولة التوحيد،وتظهرها بأنها رأس الإرهاب ومنبع التطرف؛ولكن من نظر في التاريخ عرف أن أسلاف هذا الحاقد،الذين شرب من منهلهم الكدر؛ومستنقعهم الضحل؛كانوا كلما قام الكفار على دعوة التوحيد آزروهم وزينوا لهم باطِلَهم؛ فليس غريباً أن يأخذ هذا وأمثالُه ميراثَ أصحابه السابقين ؛وليس غريباً أن يكتم الحاقد حقده وبغضه حتى إذا جاءته الفرصة أظهر ما في مكنونه؛كما قيل :
إن العدوَّ وإن أبدى مسالمةً
إذا رأى منك يوماً غرةً وثبا
وفي هذا عبرةٌ للمعتبرين،وأصحاب النوايا السليمة؛حتى لا يغتروا بالأدعياء الذين يتحينون الفرص للتهجم عليهم،وإن كانت القضيةُ مسألة كفرٍ وإسلام؛فالحاقد أعمى؛وحين تسنح له الفرصة؛لا ينظر إلى شيء سوى أن يشفي حقده؛مهما كانت النتائج0
فنسأل الله أن يجنبنا كيدَ الأدعياءِ والحاقدين وأن يوفقنا للحق الواضح المبين؛ واتباع سنة سيد المرسلين؛وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل؛وصلى الله وسلم على نبينا محمد ؛ وعلى آله وصحبه0
كتبه
سالم العجمي
الكويت- الجهراء ص ب1476
salem-alajmi@maktoob.com(1/8)
هذه دعوتنا(1)
سالم العجمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ؛ والصلاة والسلام على رسوله وعبده؛نبينا محمد وعلى آله وصحبه؛ وبعد00
فإن الدعوة إلى الله مهمة عظمى، ومبلغ أسمى، وخير ما يدخره العبد بين يدي الله يوم لقائه..
ولله المنة الخالصة على من وُفِّق إليها وكان من جنودها؛فعمل في سبيل ذلك دون كلل ولا ملل؛واجتهد في إصلاح الناس؛وبثِّ ما شأنه أن يقودهم إلى كل خير.
ومنتهى التوفيق والسداد أن تكون هذه الدعوة على منهاج النبوة؛دون ميل ولا انحراف،دعوة وسط؛ لا وكس ولا شطط : "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا "0
فدعوة الناس إلى السنة الغراء؛والمحجة الواضحة البيضاء؛هي الجهاد الممدوح صاحبه؛ الذي يبذل نفسه ووقته وماله وجهده من أجل إرساء قواعد الدعوة إلى الخير0
ومن أراد نصرة الدعوة وتوضيحها وبيانها وإيصالها إلى الناس؛فلا بد أن يتحلى بأعظم سلاح يجاهد به الأعداء،ويندحر به الخصوم " وهو العلم "0
ومن لم يكن له علمٌ يعينه انقطع به الدرب،وفاته الركب، وخارت قواه، وذبلت نضارته، ويبست أوراقه0
فإذا به يحتاج إلى من يرفعه بعد أن كان يرى في نفسه أنه سيفعل ما لم تفعله القبائل، ويأت بما لم تأت به الأوائل.
وإذا به يرجع عامياً، يقضي وقته بالكلام وسفاسف الأوهام0
فمن أراد نصرة الدعوة إلى السنة والعقيدة الصحيحة فلابد أن يتحلى بالعلم0 فإذا تحلى به فقد أمسك بيده السلاح؛ الذي يدفع به الشبهة ويدحر به الهوى،وإذ به قد سلك طريق المجاهدين؛الذين يذبون عن الدين؛ويوضحون للناس ما التبس عليهم؛ وعكّر صفو عقائدهم0
__________
(1) خطبة الجمعة 25 شوال 1424هـ الموافق 19/12/2003م(1/1)
وهذا أعظم الجهاد؛وهو أفضل من ضرب السيوف؛وطعن الرماح؛ والقصف بأشنع الأسلحة؛ قال ابن القيم رحمه الله : " والجهاد بالحجة واللسان، مقدمٌ على الجهاد بالسيف والسنان" ؛ وقال: "فالجهاد بالعلم والحجة؛جهاد أنبيائه ورسله وخاصته من عباده المخصوصين بالهداية والتوفيق والاتفاق،ومن مات ولم يغزُ ولم يحدث نفسه بغزو؛مات على شعبة من النفاق) اهـ0
فيا معاشر المسلمين:
إن الأمة تحتاج لطالب العلم الذي يبصرها في دينها أكثر من حاجتها إلى شيء آخر؛ لأن بالعلم يعبد المسلم ربه على بصيرة،ويعرف سبيل السعادة والنجاة،فينجو من غياهب الظلمات،ويفر من مواقع الفتن.
ولو نظرنا في تاريخ الأمة وأمجادها،نجد أن من بلغ بها السؤدد هم العلماء الربانيون، الذين أناروا طريق السالكين، وأرشدوا كل تائه، وهدوا كل حائر0
ومن عرف عظم الأجر في طلب العلم، ومنازل أهل العلم ومكانتهم،وحاجة الأمة إلى طالب العلم،جعل ذلك هدفاً لا يألوا جهداً في سبيل الوصول إليه.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شاب، قلت لشاب من الأنصار: يا فلان: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنتعلم منهم فإنهم كثير،فقال: العجب لك يا ابن عباس أترى الناس يحتاجون إليك وفي الأرض من ترى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؛ قال: فتركت ذلك؛ وأقبلت على المسألة؛وتتبع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد كنت لآتي الرجل في الحديث يبلغني أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجده قائلاً ، فأتوسد ردائي على بابه تسفي الريح على وجهي؛حتى يخرج؛فإذا خرج؛قال : يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛مالَك؟ فأقول: بلغني حديث عنك أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحببت أن أسمعه منك، فيقول: فهلا بعثت إليّ حتى آتيك، فأقول: أنا أحق أن آتيك0(1/2)
فكان الرجل بعد ذلك يراني وقد ذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتاج الناس إليّ؛فيقول : كنتَ أعقلَ مني0
فالعلم الشرعي سبب إلى الدين،ومنبهة للرجل؛ومؤنس في الوحشة؛وصاحب في الغربة،ووصلة في المجالس؛ وذريعة في طلب الحاجة؛ورفعة لأهله0
قال الحجاج لخالد بن صفوان: من سيدُ أهل البصرة؟ فقال له: الحسن البصري؛ قال: وكيف ذاك وهو مولى؟! ؛ قال: احتاج الناس إليه في دينهم؛واستغنى عنهم في دنياهم؛وما رأيت أحداً من أشراف البصرة إلا وهو يطلب الوصول في حلقته إليه، ليستمع قوله ؛ويكتب علمه؛ قال الحجاج : هذا والله السؤدد0
فالعلماء هم سراج الأمة الذين يجاهدون أهل الأهواء،ويذبون عن الدين؛ ويحمون بيضته؛ومن لم يتحصن بالعلم ؛وتصدى لدعوة الناس أتى بالعجائب؛وثغر ثغرة في الإسلام؛ فأُتي من قبله.
ومن أجل ذلك فلا ينبغي أن يسلّم زمام الأمة للمتعالمين، الذين لم يكتسبوا علماً ولا أدباً؛ فيقودون الأمة إلى الهاوية0
قال ابن مسعود رضي الله عنه : " لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، فإذا أخذوه عن أصاغرهم وشرارهم هلكوا "0
وعلى طالب العلم أن يصحح نيته في طلبه للعلم؛ويكون مخلصاً في ذلك لله وحده؛ لا يريد به شيئاً من الدنيا؛ أو طمعاً في تصدرٍ أو منصبٍ أو جاهٍ،وأن يكون هدفه نشر الدين؛ ونصرة سنة سيد المرسلين ؛ويفرح لذلك ،سواء كان ذلك على يده أو على يد غيره،وهذا من علامات الإخلاص ؛وليحذر أن يطلب العلم الشرعي وهو يريد به حطاماً من حطام الدنيا الزائل، فقد قال صلى الله عليه وسلم:"من تعلم علماً مما يُبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة"؛ يعني : ريحها0
وقيل للإمام احمد :"ما ينوي طالب العلم ؟؛قال: ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن الناس"0(1/3)
كما أن الواجب على طالب العلم أن يعرف أولويات الدعوة، فيبدأ بالأهم ثم المهم؛ ويتجنب ما لا يفيده؛وليس من ضروريات دعوته؛ولا ينشغل بالسفاسف التي لم يأت بها الشرع؛ بل هي من اختلاف أهل الأهواء؛فينشغل عن الهدف الأسمى0
وأهم المهمات التي يجب على طالب العلم أن يبدأ بها ويقدمها على ما سواها؛أن يدعوَ إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة؛لأن هذا هو سبيل المرسلين عليهم الصلاة والسلام؛ فما بعث الله نبياً من أنبيائه إلا من أجل هذه الغاية؛لعظم قدرها وأهمية تحقيقها؛وما بُعث نبي إلى قومه إلا ونادى بهم:"يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره"؛ وقال تعالى: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"0
وما سُلّ السيف ؛وفرض الجهاد؛وسالت الدماء؛وقام سوق الجنة والنار؛إلا من أجل تحقيق هذه الغاية.
وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى التوحيد وإفراد الله بالعبادة؛وينادي بهم في كل اجتماع: "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا"0
فإذا عرف طالب الحق هذا المطلب؛ نجح وأفلح؛وسلك الطريق التي لا يضل سالكها ولا يزيغ0
على أنه لا بد أن يُبيَّن للناس- ولاسيما في هذه العصور لانتشار الجهل- حقيقة التوحيد وما هيته؛ ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله؛ بأن معناها أنه لا معبود بحق إلا الله،فلا تُصرف عبادة إلا له سبحانه،ومن صرف نوعاً من أنواع العبادة؛ من خوف أو رجاء ؛أو توكل؛ أو رغبة؛ أو رهبة؛ أو ذبح؛ أو نذرونحو ذلك؛ لغير الله فقد أشرك بالله واستحق الخلود في النار؛قال تعالى:"إنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار"؛ فلا بد من بيان هذا الهدف أتم بيان وأوضحه،خصوصاً وأن كثيراً من دعاة الضلالة بدأوا يفسرون شهادة التوحيد بغير معناها المراد؛ فحرفوا الناس عن جادة الحق وسبيل الهدى.(1/4)
وعلى طالب العلم أن يتأدب بأدب الإسلام الذي أرشدت إليه نصوص الكتاب والسنة،وأن يتذوق محاسن الأخلاق التي تكون مفتاحاً إلى قلوب الخلق ووسيلة لاجتذابهم إلى المنهج الحق،لا سيما في وقت نفر كثير من الناس من الالتزام بسبب الشبهات المضلة والشهوات المردية؛التي تدعوهم في كل حين "هلم إليّ "0
ومن نظر في سيرة المصطفى والنبي المجتبى رأى في ذلك أعظم دليل؛ فقد كان معروفاً بالصدق ومكارم الأخلاق قبل أن يُبعث،ولذلك لما بُعث لم يطعنوا في أخلاقه وسجاياه؛بل سرعان ما فتح الله له قلوباً غلفاً؛ وآذاناً صماً.
ولذلك لما جاءه الملك بالوحي وضمّه وقال له اقرأ رجع إلى خديجة وهو خائف: وقال لها : زملوني 00زملوني ؛ فدثروه حتى ذهب منه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر ، لقد خشيت على نفسي. فقالت : "كلا والله ما يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم ؛وتحمل الملّ؛ وتُكسب المعدوم؛ وتقرئ الضيف؛ وتعين على نوائب الحق"0
فوصفته رضي الله عنها بمكارم الأخلاق- صلى الله عليه وسلم0
وكان يسميه أهل الجاهلية الصادق الأمين؛ ولما جمعهم للدعوة؛ قالوا: ما جربنا عليك الكذب ؛ "ومن ردّ دعوته فلم يردّها لأجل طعن في أخلاقه؛بل عتوا واستكباراً"0
فالأخلاق والآداب مفتاح لتبيلغ الدعوة إلى الناس؛فيكون لفظُ المرء حسناً وفعله حسناً حسب الإمكان؛ويجاهد نفسه في هذا الباب حق الجهاد محتسباً الأجر ومستشعراً الغنيمة؛فلعلك بأخلاقك تقيم أخلاق الزوجة والأبناء ؛أو تدعو رجلاً بمعروف تسديه إليه فيهتدي؛ فيكون لك من وراء ذلك-بفضل الله ورحمته- ما لم يخطر لك على بال ؛ وربما دعا المرء بفعله أكثر من قوله؛ قال عمر رضي الله عنه: "تعلموا العلم وعلموه الناس وتعلموا له الوقار والسكينة وتواضعوا لمن تعلمتم منه، ولمن علمتوه ولا تكونوا جبابرة العلماء فلا يقوم جهلكم بعلمكم "0(1/5)
وقال مالك : " إن حقاً على من طلب العلم أن يكون له وقارٌ وسكينة وخشية وأن يكون متبعاً لآثار من مضى قبله" 0
ولا يعني كون المرء خلوقاً أن يسكت عن إنكار المنكر، ويقر الباطل حتى يقال عنه خلوق؛ فإنه لا تضاد بين إنكار المنكر والتمسك بالآداب والأخلاق؛ فيكون أمره بالمعروف بمعروف؛وإنكاره للمنكر بغير منكر؛ فلا يجفو ولا يغلو0
فإذا كان متأدبا بطرحه، قوياً في حجته، فما يضره بعد ذلك كلام من تكلم وتشويه من شوّه؛ وليكن همه رضا الله وحده لا شريك له ولا معبود سواه ؛فلا ينظر إلى فلان أو إلى علان؛ ولكل حال ما يقتضيه، والموفق من وفقه الله لاتباع خير الورى وصفوة الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
فإذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر بكل أدب وحكمة ولم يتقبل منه ؛فليحمد الله على ما وفق إليه من الخير؛حين ضلّ عنه كثير.
قال الحسن البصري: السني يعرض الحكمة فإن قُبلت حمد الله؛وإن ردت حمد الله0
إن قُبلت حمد الله لهداية الخلق على يديه؛ وإن ردت حمد الله أن وفقه الله للحق الذي لم يوفّق له من دعاه إليه.
وينبغي له بين ذلك أن يتحسس نعمة الله تعالى أن هداه، وأن يرحم حال من لم يوفّق إلى الخير؛ فإذا به يتأرجح بين شبهات البدع؛ أو ظلمات الآثام؛مع القيام بأمر الله فيه؛وحمد الله الذي عافاه من حاله؛ وليستحضر دائماً قوله تعالى: "كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم"؛ وليحذر أن يأخذه الكبر والاغترار وكأنه معصوم؛فيحتقر العصاة، وكأنه كتبت له النجاة بين يدي الله ؛وعليه بلزوم التواضع وحمد الله على المنة، يقول ابن القيم:
واجعل لقلبك مقلتين كلاهما بالحق في ذا الخلق ناظرتان
فانظر بعين الحكم وارحمهم بها إذ لا تردُّ مشيئة الديان
وانظر بعين الأمر واحملهم على أحكامه..فهما إذا نظران
واجعل لوجهك مقلتين كلاهما من خشية الرحمن باكيتان
لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهم فالقلب بين أصابع الرحمن(1/6)
وعلى طالب العلم إن أراد لدعوته المضيّ قدماً، وقطف ثمرة ما غرسه من الخير والنبت المبارك،أن يكون رحيماً بمن سار معه على طريق التمسك بالآثار،والعمل بهدي الصادق المختار صلى الله عليه وسلم؛ فلا يكون فظاً غليظاً فينفر منه القريب قبل البعيد، وليأخذ بما أدّب الله سبحانه به نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال: "واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين . فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون"0 فأوصاه بالتواضع والرحمة لمن سار على طريقه؛وأحق من عمل بهذا الهدي الواضح؛ من ادعى اتباعه صلى الله عليه وسلم .
إن تألّف القلوب أعظم نعمة، ألم ترَ إلى امتنان الله سبحانه على نبيه أن ألّف القلوب عليه،قال تعالى:"هو الذي أيدك بنصرك وبالمؤمنين.وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم إنه عزيز حكيم".
وعلى من تأمل تجربة إخوانه بين أهل الشبهات والشهوات،رأف بحالهم، ولم يزد غربتهم0
فلربما رأيت في الظاهر شخصاً قائماً بأمر الله في لباسه ومظهره،وهو من الداخل منهارٌ يدافع الفتن وهي إليه أسرع ؛ فتنة في الشارع؛ فتنة في المنزل،ضغط نفسي، هموم متراكمة؛ يحتاج إلى يد حانية تساعده على المسير حتى يبلغ الهدف، فيأتيه الفظّ الغليظ فيسيء معاملته فيُعين الشيطان عليه0
فالرحمة الرحمة00يا من تريدون نصرة الخير، وبثّ الاعتقاد الصحيح، واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم بين البشرية؛ قال سفيان الثوري رحمه الله:"استوصوا بأهل السنة خيراً فإنهم غرباء "0
وعلى طالب العلم أن يتجنب كل خلق دنيء، وأعظمها الحسد؛الذي يفسد القلوب ويوغر الصدور؛ويشتت الشمل؛ ويبث الفرقة0
فإذا رأى أحد إخوانه وقد فتح الله على يديه-فليفرح لذلك- لأن الهدف واحد؛ وليستشعر وكأنه هو من فتح الله على يديه0(1/7)
أما إن حسده فدعاه ذلك إلى تنقصه؛وتنفير الناس منه؛وتزوير الحقائق؛فحينئذٍ يعود الجهد إلى شتات؛ قال تعالى: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً "0
فإذا أيقن بأنَّ فَتْحَ اللهِ على العبد منّة من الله وفضل؛طفئت نار الحسد التي تتقدُ في صدره؛ وما قاد الناس إلى حب الرئاسة والظهور إلا الحسد،وامتلاء القلب من الغل0
فكم من الناس يدفعه الحسد إلى حب الترأس؛فيريد أن يكون رأساً يرجع الناس إليه؛ يدفعه لذلك الحسد واحتقار الناس،حتى لربما فتح أبواب البدع والأقوال الشاذّة، ودفعه ذلك لترك طلب العلم مخافة أن يقال : فلان الذي يَعُدُّه الناس شيخاً يطلب العلم ،فيستمر في جهله ويستكبر أن يسأل؛فإذا به بعد فترة وقد تراجع وعلم تلبيس الشيطان عليه؛أو فتح باب الشبهات على الناس.
قال أبو العتاهية:
أأخيّ من عشق الرئاسة خفتُ أنْ
يطغى ويحدث بدعة وضلالا
وقال الفضيل بن عياض: ما من أحد أحب الرياسة إلا حسد وبغى وتتبع عيوب الناس،وكره أن يذكر أحد بخير.
ولذلك لو نظرت إلى من فتح الله على يديهم وهدى لهم قلوب الناس، لرأيتهم أكثر الناس تواضعاً وطهارة للقلوب من الحسد والغل والضغينة؛ولم يمنعهم ما بلغوه من المنزلة، وامتلاء صدورهم من العلم أن يتواضعوا؛فوفقهم الله بسبب ذلك إلى أنْ سخّر لهم الخلق فانتفعوا بهم ؛يقول عبد العزيز بن حازم :" سمعت أبي يقول :العلماء كانوا فيما مضى من الزمان إذا لقي العالم من هو فوقه في العلم؛كان ذلك يوم غنيمة؛وإذا لقي من هو مثله ذاكره، وإذا لقي من هو دونه لم يزْهُ عليه؛( أي:لم يتكبر عليه )؛ حتى جاء هذا الزمان،فصار الرجل يعيب من هو فوقه ابتغاء أن ينقطع منه؛ حتى يرى الناس أنه ليس به حاجة إليه،ولا يذاكر من هو مثله؛ويزهى على من هو دونه ، فهلك الناس )0(1/8)
وعليه أن يجتنب الكذب ونقل الكلام بين الناس على غير وجه التثبّت؛فإنه من الكذب؛وقد قال صلى الله عليه وسلم : "إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور؛وإن الفجور يهدي إلى النار؛ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكذب عند الله كذابا"0
فالكذب من أعظم الآثام؛ومن مساوئ الأخلاق؛ وقد كان أهل الجاهلية يترفعون عنه،حتى قال أبو سفيان- وقد كان مشركاً-: " كنت امرءاً سيداً أتكرم عن الكذب"0
وليحذر إن أبغض شخصاً أن يفتري عليه؛أو ينقل عنه ما يعلمُ أنه بريء منه لأنه يبغضه .
فمن أراد نجاح دعوته فعليه بالصدق، فإن الله يفتح عليه أبواب النعم والكرامات ، وأما الكاذب فإنه وإن طال به الزمن فسيفتضح يوماً ما،وعذاب الله أخزى0
ومثل هذا لا يؤخذ عنه العلم لأن من لم يُفدْه ما ادعاه من الطلب،ولم يورِّثْه خشية وإنابة فلا خير فيه؛ قال مالك رحمه الله : "لا يؤخذ العلم عن رجل معروف بالكذب في أحاديث الناس،وإن كان لا يكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم"0
من أجل ذلك فإنك تجد من تميز بالصدق قد جعل الله له إجلالاً ومهابة حتى في قلوب مخالفيه،عكس الكذاب الذي أذلّه الله بذنبه؛وسرعان ما يبوء بالخزي والاندحار0
قال ابن القيم رحمه الله : "والكذب له تأثير عظيم في سواد الوجه، ويكسوه برقعاً من المقت يراه كل صادق،فسيما الكاذب في وجهه يُنادى عليه لمن له عينان؛ والصادق يرزقه الله مهابة وجلالة،فمن رآه هابه وأحبه،والكاذب يرزقه الله إهانة ومقتاً ،فمن رآه مقته واحتقره"0
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الدعاة إلى توحيد الله بالعبادة ،وإفراد النبي صلى الله عليه وسلم بالمتابعة؛ وان يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين0
وكتب
سالم العجمي
الكويت –الجهراء ص ب 1476(1/9)