أوجز العبارات
شرح أخصر المختصرات
كتاب الحج والعمرة
الشيخ محمد بن حامد القرني
كتاب الحج والعمرة
الحج : بفتح الحاء على الأشهر ، لغة القصد ، ويطلق على العمل أيضاً ، وعلى الإتيان مرة بعد أخرى ، وفي الشرع : التعبد لله عز وجل ،بأداء المناسك من طواف وسعي ووقوف بعرفة ومبيت ورمي وغيرها في وقت مخصوص على ما جاء في سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - .
والعمرة : بضم العين المهملة ، أصلها من الزيارة ، وجمعها عُمر ، وشرعاً التعبد لله بالطواف والسعي والحلق أو التقصير .
( يجبان على المسلم الحر ) كاملاً ( المكلف ) البالغ العاقل ( المستطيع ) بماله أو بدنه ، لقوله تعالى : وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ(1)1) ولحديث عائشة : [ يارسول الله ، هل على النساء جهاد ؟ قال : نعم ، عليهن جهاد لا قتال فيه ، الحج والعمرة ](2)2) ، وإذا ثبت الوجوب على النساء فالرجال أولى .
وهي واجبة على المكي وغيره ، وهما ( في العمر مرة ) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ الحج مرة فمن زاد فهو تطوع](3)
__________
(1) سورة البقرة : 169
(2) أخرجه الإمام أحمد 6/71، 165 والنسائي في الحج / باب فضل الحج 5/86 وابن ماجه في المناسك ( 2901) والدارقطني 2/284 ، وابن خزيمة ( 3074) وابن أبي شيبة ( 76) والبيهقي 4/350 وقال الألباني في الأرواء ( 4/151 : صحيح على شرط الشيخين ).
(3) أخرجه أحمد 1/290، وأبو داود في المناسك / باب فرض الحج ( 1721) والنسائي في الحج / باب وجوب الحج 5/111 وابن ماجه في المناسك / باب فرض الحج ( 2886) والحاكم 1/441 وقال الحاكم : إسناده صحيح وأبو سنان هذا هو الدؤلي ولم يخرجاه وأقره الذهبي".
(
4) سورة آل عمران : 97(1/1)
3) ، إلا لسبب كنذر فيتكرر الوجوب ، ووجوبهما ( على الفور ) لقوله تعالى : وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ(1)وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - [ أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا ](2)5)، والأصل في الأمر الوجوب والفورية ، ولعدم ضمان سلامة العاقبة.
( فإن زال مانع حج ) من رق وصغر وجنون ( بعرفة ) وزال مانع ( عمرة ) مما تقدم ( قبل طوافها وفعلا إذن ) بأن وقف الحاج بعرفة ، وطاف المعتمر للعمرة ( وقعا فرضاً ) وسقطت عمرة الإسلام وحجته ، وإن زال المانع بعد انتهاء وقت الوقوف في الحج و بعد انتهاء الطواف في العمرة ، وقعا نفلاً وبقي الوجوب .
( وإن عجز لكبر أو مرض لايرجى برؤه ) كشلل ، وسرطان مقعد ، وغيره ( لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر ) ولو امرأة ، ممن سقط عنه فرض الحج والعمرة ( من حيث وجبا ) أي من مكان المستنيب ( ويجزآنه ) ويسقطان الفرض عنه ( ما لم يبرأ ) المستنيب ( قبل إحرام نائب ) فإن برأ قبل الإحرام ، صار حج النائب نفلاً ، وتلزم المستنيب نفقة النائب ما لم يعلم بالبرء .
( وشرط لامرأة ) وجود ( محرم أيضاً ) وهو : زوجها ، أو من تحرم عليه على التأبيد ، بنسب أو سبب مباح ، كرضاع ونسب ومصاهرة ، ويشترط في المحرم أن يكون مسلماً مكلفاً .( فإن أيست منه استنابت ) من يحج عنها ويعتمر ، إن استطاعت بمالها وإلا سقط الوجوب عنها ، وإن حجت بغير محرم حرم وأجزأها .
( وإن مات من لزماه ) أي الحج والعمرة ( أخرجا من تركته ) قبل الإرث ، وقبل الوصية ، لأنه دين ، ودين الله أحق بالوفاء ، سواء أوصى به أم لم يوص .
(
__________
(2) أخرجه مسلم في الحج / باب فرض الحج مرة في العمر ( 1337)(1/2)
وسن لمريد إحرام ) حج أو عمرة ( غسل ) لفعله صلى - صلى الله عليه وسلم - (1)1) سواء كان المحرم رجلاً أو امرأة ، ولو حائضاً أو نفساء ( أو تيمم لعذر ) لعدم الماء ، أو لمرض ( و) سن له أيضاً ( تنظف ) بأخذ الشعور التي ينبعي أخذها ، وكذا الأظفار ، لئلا يحتاجه حال إحرامه (و) سن أيضاً( تطيب) في بدن لفعله? - صلى الله عليه وسلم - (2)2) ( وكره طيب في ثوبه ) أي في إحرامه ، فإن طيب الإحرام جاز له استدامة لبسه ، فإن نزعه أو سقط لم يجزله لبسه ، ولا يؤثر انتقال الطيب في إحرامه وجسده ؛ إن انتقل بنفسه بسبب عرق أو شمس ونحوه .
( و) يسن أيضاً ( إحرام بإزار ورداء أبيضين ) نظيفين ، ونعلين ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - [ وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين](3)( و ) سن ( إحرام عقب فريضة ) لفعله - صلى الله عليه وسلم - حين أهل دبر صلاة الظهر(4)(أو ) عقب ( ركعتين ) يركعهما ( في غير وقت نهي ) .
(
__________
(1) أخرجه الترمذي في الحج / باب ما جاء في الاغتسال عن الإحرام (830) والدارمي 2/31 وابن خزيمة (2595) والطبراني في الكبير ( 4862) ، والدارقطني 2/220 ، والبيهقي 5/32 ، عن زيد بن ثابت أن النبي " تجرد لإهلاله واغتسل ".وقال الترمذي "
حسن غريب " وقال ابن حجر في التلخيص 3/251 : " حسنه الترمذي وضعفه العقيلي ".
(2) أخرجه البخاري في الحج / باب الطيب عند الإحرام ( 1539) ومسلم في الحج / باب الطيب للمحرم عند الإحرام (1189)
(133) عن عائشة قالت " كنت أطيب النبي لإحرامه قبل أن يحرم .. الحديث ".
(3) أخرجه الإمام أحمد 2/34 عن ابن عمر ، وذكره الحافظ في التلخيص 2/237 وعزاه لا بن النذر في الأوسط ، وأبي عوانة في
صحيحه بسند صحيح ، وقال أحمد شاكر في تحقيق المسند 7/169:"إسناده صحيح ".
(4) كما في حديث جابر الطويل ، وقد أخرجه مسلم ( 1218)(1/3)
ونيته شرط ) فلا يعد محرماً من تجرد من المخيط ، ولبس الإحرام ، ولو لبى ، حتى ينوي الدخول في النسك ، فالنية شرط لدخول سائر الأعمال ، لأن الأعمال بالنيات ، ومنها الإحرام ، ( والاشتراط فيه سنة ) وصيغة الاشتراط أن يقول : اللهم إني أريد نسك كذا – من عمرة أو حج مفرد أو تمتع أو قران _ فيسره لي فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ، لحديث ضباعة بنت الزبير حين سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد عزمت على الحج وهي شاكية فقال لها [حجي واشترطي وقولي محلي حيث حبستني ](1)وثمرة الاشتراط أن من دخل في النسك فأصابه مرض أو عدو أو حابس يحبسه عن إتمام نسكه وقد اشترط قبل ذلك ، حل ولا شئ عليه .
( وأفضل الأنساك التمتع ) ثم الإفراد فالقران لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لصحابته بالتمتع(2)( و ) التمتع ( أن يحرم بعمرة في أشهر الحج ) – شوال وذي القعدة وذي الحجة ( ويفرغ منها ثم يحرم به ) أي بالحج ( في عامه ) .
( ثم الإفراد ) بالحج ( وهو أن يحرم بحج ) وحده دون عمرة ، أو يحرم بحج ( ثم بعمرة بعد فراغه منه ) ( والقران أن يحرم بهما معاً أو بها ) أي بالعمرة ( ثم يدخله ) أي الحج ( قبل الشروع في طوافها وعلى كل من متمتع وقارن إذا كان أفقياً ) وهو من كان من أهل مكة أو الحرم ( دم نسك ) لا جبران ، لقوله تعالى [فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ](3)إلى قوله تعالى في نفس الآية [ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِد ِ
__________
(1) أخرجه مسلم في الحج / باب جواز اشتراط المحرم التحليل بعذر المرض ( 1207) عن عائشة رضي الله عنها .
(2) كما حديث جابر السابق وقد أخرجه مسلم ( 1218)
(3) سورة البقرة : 196(1/4)
الْحَرَامِ(1)( بشرطه ) وشروط الهدي : أن يبلغ السن المعتبرة شرعاً ، وأن يكون الهدي سليماً من العيوب ، وأن يكون الذبح في زمانه ومكانه الشرعي ، وأن يكون من بهيمة الأنعام ، واشترط لوجوب الهدي إلا يسافر بين الحج والعمرة مسافة قصر 0
( وإن حاضت متمتعة ) قبل طواف العمرة ( فخشيت فوات الحج أحرمت بالحج ) وأدخلته على العمرة وجوباً ،( وصارت قارنة) بين الحج والعمرة ، لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة بذلك(2)، ولأن الحج على الفور .
( وتسن التلبية ) وهي قول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، ويذكر نسكه ، لورود ذلك ، ويكثر من التلبية ، ويرفع الرجال بها الصوت ، وتخفيها المرأة بقدر ما تسمع رفيقتها ( وتتأكد ) التلبية ( إذا علا نشزاً أو هبط وادياً أو صلى مكتوبة أو أقبل ليل أو نهار أو التقت الرفاق أو ركب أو نزل أو سمع ملبياً أو رأى البيت أو فعل محظوراً ناسياً ) وعند اختلاف الأحوال ، وفي المساجد ، وفي تنقلاته كلها ، وإذا رأى ما يعجبه قال : لبيك إن العيش عيش الآخرة .
( وكره إحرام قبل ميقات ) أو محاذاته ، إلا لمن كانت وسيلة نقله أسرع من أن يحرم من الميقات أو محاذاته إذا ابتدأ الإحرام فيه ، كسفينة سريعة ، وطائرة ، فلا بأس أن يحرم قبله ، لأن ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب .
( و) ويكره إحرام ( بحج قبل ) دخول ( أشهره ) الثلاثة .
فصل
الميقات لغة : الحد زمانياً أو مكانياً ، وجمعه مواقيت ، كمواعيد ، وشرعاً : ما حدد للعبادة من زمان أو مكان .
(
__________
(1) سورة البقرة : 196
(2) أخرجه البخاري في الحيض / باب الأمر بالنفساء إذا نفست (294) ، ومسلم في الحج /باب بيان وجوه الإحرام (1211)(132)(1/5)
وميقات أهل المدينة الحليفة ) تصغير الحلفاء ، بفتح الحاء المهملة وسكون اللام ، وهو شجر معروف ، وسمي المكان به لكثرته فيه ، ويبعد عن المدينة ستة أو سبعة أميال ، وهي أبعد المواقيت عن مكة ، وتسمى اليوم أبيار على ( و ) ميقات ( الشام ومصر والمغرب الجحفة ) بضم الجيم المعجمة وسكون الحاء المهملة ، وهي قرية قديمة ، اجتحفها السيل وقد خربت ولم تعد صالحة للإحرام فيحرم الناس من رابغ وهي أبعد منها عن مكة .
(و) ميقات أهل ( اليمن يلملم) وهو جبل أو مكان معروف ، يسمى اليوم بالسعدية (و) لأهل ( نجد قرن ) بسكون الراء ، وهو قرن المنازل ، ويسمى اليوم بالسيل الكبير ، وهو غير قرن الثعالب ، الجبل المطل على عرفة ( و) ميقات ( أهل المشرق ) من العراق وخراسان ونحوهما ( ذات عرق ) وسمي هذا المكان به لأن فيه عرقاً ؛ وهو الجبل الصغير وهو موجود ، ويسمى الضريبة بفتح الضاد وتشديدها .
( ويحرم من ) أراد النسك وكان يسكن ( بمكة منها ) أي من مسكنه بمكة ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - حين وقت المواقيت [ ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ ، حتى أهل مكة من مكة ](1)(و) يحرم أهل مكة ( لعمرة من الحل ) لأمره - صلى الله عليه وسلم - عائشة بذلك(2)، والحل ما كان خارج حدود الحرم المعروفة ؛ كعرفة والجعرانة وأدناه التنعيم ، ومن كانت طريقه لا تمر على أحدها أحرم من محاذاته ، وأما ميقات ( وادي محرم ) الموجود اليوم أعلى جبل الهدا بالطائف فهو محاذ لقرن المنازل وأصل لواديه فيحرمون منه .
(
__________
(1) أخرجه البخاري في الحج / باب مهل أهل الشام ( 1526) ومسلم في الحج / باب المواقيت ( 1181) عن ابن عباس رضي الله
عنهما .
(2) سبق تخريجه .(1/6)
وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ) والأفصح بفتح القعدة ، وكسر الحجة ، وآخر أشهر الحج يوم النحر ، وهو يوم الحج الأكبر ( ومحظورات الإحرام ) التي تجتنب بسببه ( تسعة ) أحدها : ( إزالة الشعر ) من جميع البدن بحلق أو نتف أو نحوه ، لقوله تعالى : وَلاَتَحْلِقُواْ رؤُوسَكُم حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ(1)، وشعر سائر البدن كالرأس،بجامع الترفه (و) الثاني ( تقليم الأظفار ) أو قصها من يد أو رجل قياساً على الشعر للترفه وحكاه ابن المنذر إجماعاً(2)، فإن انكسر الظفر أو سقط الشعر بدون تسبب من المحرم فلا فدية ، وإن تأذى من شعره لقمل وقروح فأزاله فدى ، (و الثالث ) من المحظورات ( تغطية رأس ذكر ) بملاصق له لحديث :[ لا تخمروا رأسه(3)]، والملاصق كالعمامة والطاقية والحناء ، لا إن استظل بخيمة أو ثوب أو شجره ، وأما الشمسية ونحوها فالأكثر والصحيح جوازها لمحرم ، والله أعلم.
(و) الرابع من محظورات الإحرام ، يحرم على الذكر ( لبسه المخيط ) وهو المفصل على قدر عضو من الجسم ، أو الجسم كله كالقميص والسراويل ( إلا سراويل لعدم ) وجود ( إزار و )إلا (خفين ) لعدم (نعلين ) ، فيجوز لبسهما إلى أن يجد ، ولا فدية ، ولا شئ في لبس الكمر والمنطقة ، لحفظ النقود والوثائق ، ولو كان فيها خيوطاً .
(
__________
(1) سورة البقرة : 196
(2) قال في الإنصاف : 3/455: والصحيح من المذهب ، وعليه الأصحاب قاطبة : أن تقليم الأظفار كحلق الشعر ، وحكاه ابن المنذر
إجماعاً . وفي المغني :5/388 " أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره ".
(3) أخرجه البخاري في جزاء الصيد / باب سنة المحرم إذا مات ( 1851) ، ومسلم في الحج / باب ما يفعل بالمحرم إذا مات ( 1206)
(99) عن ابن عباس رضي الله عنهما .(1/7)
و) الخامس ( الطيب ) فيحرم على الذكر والأنثى حال الإحرام ،لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - [ لا تلبسوا شيئاً مسه الزعفران والورس ](1)فإن طيب بدنه أو ثوبه أو ادهن بمطيب أو شمه تلذذاً أثم وفدى (و) السادس من محظورات الإحرام : (قتل صيد البر ) بشرطه ويأتي ، لقوله تعالى : لا تَقْتُلواْ الَصّيْدَ وأَنْتُمْ حُرُم(2)، وحُرّم عَلِيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُْمْتُمْ حُرُماً(3)(و) السابع ( عقد النكاح ) للذكور والإناث لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب ](4)، ولا يصح العقد ولا فدية فيه ، وتصح الرجعة بلا كراهة .
(و) الثامن (جماع ) المحرم ، وهو أشدها إثماً وأعظمها أثراُ في النسك لقوله تعالى ( فَمَنْ فَرَضَ فِيْهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ )(5)فسره ابن عباس بالجماع وله أحكام تأتي .
(و) التاسع ( مباشرة ) المحرم ( فيما دون الفرج ) لأنه وسيلة إلى الوطء وهو حال الإحرام حرام ، والوسيلة إلى المحرم حرام ، .
__________
(1) أخرجه البخاري في الحج / باب ما يلبس المحرم من الثياب 2/145 ، ومسلم في الحج /باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة 2/834
عن ابن عمر رضي الله عنهما .
(2) سورة المائدة : 95 .
(3) سورة المائدة : 95
(4) أخرجه مسلم في النكاح / باب تحريم نكاح المحرم 9/193 نووي ، عن عثمان رضي الله عنهما
(5) . سورة البقرة : 197(1/8)
فأما تفصيل أحكام المحظورات ، (ففي ) إزالة ( أقل من ثلاث شعرات و) إزالة (ثلاثة أظفار )يجب ( في كل واحد فأقل طعام مسكين ) لأنه أقل ما وجب شرعاً فدية ( وفي ) إزالة أو تقليم ( الثلاث فأكثر دم ) أي شاة ، أو إطعام ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع ، أو صيام ثلاثة أيام ، لقوله تعالى ( فَفِدْيَة مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ )(1)( وفي تغطية الرأس ) للذكر ( بملاصق ولبس مخيط ) للذكر ( وتطيب في بدن أو ثوب وشم ) للتلذذ ( أو دهن ) بمطيب ( الفدية ) كما مضى .
( وإن قتل ) المحرم ( صيداً مأكولاً برياً أصلاً ) كحمام وبط وأرنب ونحوها ( فعليه جزاؤه ) وسيأتي جزاء الصيد مفصلاً .
فإن كان الصيد غير مأكول ؛ كالحشرات والسباع والخمس الفواسق ، فلا فدية ، وإن كان إنسياً ؛ كالإبل والبقر والغنم ، أو كان صيد بحر، أو صائلاً ، فلا شئ أيضاً .
( والجماع ) من محرم ( قبل التحلل الأول في حج ) أي قبل رمي جمرة العقبة ( وقبل فراغ سعي في عمرة مفسد لنسكهما مطلقاً ، وفيه لحج بدنه ، ولعمرة شاة ، ويمضيان في فاسده ) لقوله تعالى ( وَأَتِمُّوْاْ الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله )(2)( ويقضيانه مطلقاً ) من العام القادم فـ(ـإن كانا مكلفين قضياه فوراً )من العام القادم (وإلا) فيكون القضاء (بعد التكليف و)بعد أداء ( حجة الإسلام فوراً )، ولا شئ على مكرهة ، ( ولا يفسد النسك ) (بـ)مجرد ( مباشرة ويجب بها بدنه إن أنزل وإلا شاة ) أي : فإن لم ينزل بل أمذى ؛ أو كان له شهوة ولم يمذ ، فعليه شاة كفدية الأذى .
( ولا ) يفسد النسك ( بوطء في حج بعد التحلل الأول وقبل الثاني ) لكن يترتب عليه أحكام فـ(ـيفسد الإحرام ) وعليه فـ( ـيحرم من الحل ليطوف ) طواف الفرض ( للزيارة في إحرام صحيح ويسعى إن لم يكن سعى ) مع طواف القدوم ( وعليه شاة ) .
(
__________
(1) سورة البقرة : 196
(2) سورة المائدة : 95(1/9)
وإحرام امرأة كرجل ) فيحرم عليها كل ما يحرم على الرجل بالإحرام ، وتجب عليها الفدية التي تجب عليها ( إلا في لبس مخيط ) فلا يحرم عليها لبسه ، وكذا خفين ، ولها أن تحرم بما شاءت من الثياب ( وتجتنب البرقع ) وهو ما تغطي به المرأة وجهها ، وتفتح فتحة بقدر العين لترى بها ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - [ لا تنتقب المرأة ](1)، والبرقع أولى ، ( والقفازين ) وهما لباس يعمل لليدين ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - [ ولا تلبس القفازين ](2)(و) تجتنب المحرمة ( تغطية الوجه ) فلا تغطي وجهها ( فإن غطته بلا عذر ) كمرور رجال أجانب ( فدت ) بشاة ، ولها أن تغطي وجهها لعذر ولو بملاصق ولا شئ فيه .
فصل في الفدية
( يخير بفدية ) أي في فدية ( حلق ) شعر ( وتقليم ) أظفار ( وتغطية رأس ) لذكر ( وطيب ) ولبس مخيط ( بين صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام ستة مساكين ، لكل مسكين مد بر أو نصف صاع تمر أو زبيب أو شعير ، أو ذبح شاة ) لقوله تعالى : فَفِدْيَة مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) وقوله - صلى الله عليه وسلم - : لكعب بن عجرة : لعله آذاك هوام رأسك قال : نعم يا رسول الله ، قال : [احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك بشاة ](3)،
__________
(1) أخرجه البخاري في جزاء الصيد / باب ما ينهى عن الطيب للمحرم والمحرمة ( 1838) عن ابن عمر رضي الله عنهما .
(2) أخرجه البخاري في جزاء الصيد / باب ما ينهى عن الطيب للمحرم والمحرمة ( 1838) عن ابن عمر رضي الله عنهما
(3) أخرجه البخاري في المحصر / باب النسك شاة ( 1817) (1818) ، ومسلم في الحج / باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به
أذى (1201) .(1/10)
وغير الحلق مقاس عليه ، لأجل الترفه به ، (و) يخير ( في جزاء صيد بين ) ذبح ( مثل مثلي ) أوالتصدق بقيمته على فقراء الحرم ، لقوله تعالى ( فَجَزَاءُُ ُمِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ الْنَّعَمِ )(1)( هَدْيَاً بَالِغَ الْكَعْبَةِ )(2)( أو تقويمه ) أي يقوم المثل ( بدراهم يشتري بها طعاماً يجزئ في فطرة فيطعم عن كل مسكين مد بر أو نصف صاع من غيره أو يصوم عن كل طعام مسكين يوماً ) ويخير ( بين إطعام ) كما مر ( أو صيام ) كما تقدم ( في غير المثلي ) وتسقط المماثلة لتعذرها ، وذلك كمن قتل جراداً مثلاً.
( وإن عدم متمتع أو قارن الهدي ) أو عدم ثمنه ، ولو وجد من يقرضه أو يمهله ( صام ثلاثة أيام في الحج، والأفضل جعل آخرها يوم عرفة ) فيصوم السابع والثامن والتاسع ، ويكون إحرامه قبل السابع ، ليصومه في الحج ، ولا يجوز تأخيرها عن أيام التشريق ، (و)صام (سبعة أيام إذا رجع إلى أهله )لقوله تعالى ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِيْ الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَاْ رَجَعْتُمْ )(3)وله صوم السبعة بعد فراغه من الحج .
( والمحصر ) يجب عليه التحلل بنسك ، يذبحه في مكانه الذي أحصر فيه ، ثم يقصر أو يحلق رأسه ، فـ(ـإذا لم يجده ) أي الهدي (صام عشرة أيام) بنية التحلل ، ثم قصر أو حلق ( ثم حل من نسكه).
( وتسقط ) الفدية على المحرم ( بنسيانٍ في ) ما فيه فدية أذى ، كـ( لبس ، وطيب ، وتغطية رأس ) .
( وكل هدي ) وجب على المحرم ( أو طعام فيعطى لمساكين الحرم إلا فدية أذى ولبس ونحوها ) كطيب ، وتغطية رأس ، وإحصار ( فحيث وجد سببها ) ودم التمتع والقران كالأضحية ، ( ويجزئ الصوم بكل مكان ) إلا صوم المتمتع والقارن عادمي الهدي فثلاثة من العشرة في الحج.
(
__________
(1) سورة المائدة : 95 .
(2) سورة المائدة : 95 .
(3) سورة البقرة : 196(1/11)
والدم شاة ) وهي عند الفقهاء : للذكر والأنثى من الضأن والمعز ( أو سبع بدنه ) بشرط أن ينوي قبل ذبحها ، وتجزئ سبع بقرة إلا في جزاء صيد .
( ويرجع في جزاء الصيد ) لمن لزمه ( إلى ما قضت به الصحابة و ) أما ( ما لم تقض ) الصحابة فيه فيرجع ( فيه إلى قول ) حكمين ( عدلين خبيرين ) ، وأما بقية الصيد مـ(ـما لامثل له ) ولم تقض فيه الصحابة فـ( ـتجب قيمته مكانه ) ولو اشترك جماعة في قتل صيد فعليهم جميعاً قيمته .
( وحرم مطلقاً ) على المحرم والحلال ( صيد ) ما كان داخل ( حرم مكة ) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - [ إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ](1)فإن صاد حلال في الحرم عومل معاملة المحرم من الجزاء .
كما يحرم ( قطع شجره ، وحشيشه ) الأخضرين ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( لا يعضد شجرها ولا يختلى خلاها )(2)إلا الإذخر ، وهو نبت طيب الرائحة ، لشدة الحاجة إليه ( وفيه ) أي في قطع الشجر والحشيش ( الجزاء ) كما قرر الصحابة ، فتعامل معاملة الصيد .
(و) يحرم ( صيد حرم المدينة ) لحديث أنس قال النبي - صلى الله عليه وسلم - [ المدينة حرم ما بين كذا إلى كذا لا يقطع شجرها ولا يحدث فيها حدث ... الحديث ](3)(و) يحرم ( قطع شجره ) أي حرم المدينة ( وحشيشه لعير حاجة علف وقتب ونحوهما) والقتب : ما يوضع على ظهر البعير ، ( ولا جزاء ) أي في صيد حرم المدينة ، ولا قطع شجره ، لعدم ورود ما يدل على ذلك .
باب دخول مكة
(
__________
(1) أخرجه البخاري في جزاء الصيد / باب لا يحل القتال بمكة ( 2783) ، ومسلم في الحج / باب تحريم مكة ( 1353) عن ابن عباس رضي الله عنهما .
(3) أخرجه البخاري في فضائل المدينة / باب : حرم المدينة (1867) .(1/12)
يسن ) دخول مكة ( نهاراً ) في أوله ( من أعلاها ) أي من الحجون (و) يسن دخول المسجد الحرام من باب بني شيبة : وهو باب عفا عليه الدهر ، قريباً من مقام إبراهيم ومن دخل الآن من باب السلام متجهاً إلى الكعبة فقد دخل من باب بني شيبة ، لما روى البخاري عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاء مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها(1)
( فإذا رأى ) الداخل (البيت رفع يديه وقال ما ورد ) ومنه اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، حينا ربنا بالسلام ، اللهم زد هذا البيت تعظيماً وتشريفاً ومهابة وبراً(2)الخ .
( ثم طاف ) حول البيت ( مضطبعاً ) بأن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن ، وطرفيه على عاتقه الأيسر ، وهذا الطواف يطوفه ( للعمرة المعتمر ، وللقدوم غيره )كالمفرد والقارن ، ولا يضطبع قبل الطواف ولا بعده .
( ويستلم الحجر الأسود ) وهو الذي في الركن الشرقي الجنوبي من الكعبة ( ويقبله ) لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - (3)( فإن شق عليه ) استلامه لم يزاحم ( وأشار إليه ) بيده ( ويقول ما ورد ) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنه :
بسم الله ، اللهم إيماناً بك ، وتصديقاً بكتابك ، ووفاء بعهدك ، واتباعاً لسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - (4).
(
__________
(1) أخرجه البخاري في الحج / باب من أين يخرج من مكة ( 1577) .ورواه مسلم في الحج /باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا( 1258)
(2) ذكره الشافعي في الأم 2/144 وفي المسند بهامش الأم ، والبيهقي 5/73 وقال : هذا منقطع .
(3) حديث ابن عمر : لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانين ، أخرجه البخاري ( 1609) ومسلم في الحج 9/13نووي
(4) أخرجه البيهقي 5 / 7 9 عن علي رضي الله عنه ، وأخرجه ابن أبي شيبة 4/105 ، وأبوداود في مسائله (103) ، وأخرجه عبد
الرزاق (8898) عن ابن عباس رضي الله عتهما .(1/13)
ويرمل الأفقي وهو من جاء من خارج مكة )، والرمل : الإسراع في المشي مع مقاربة الخطا
( في ) ثلاثة أشواط من ( هذا الطواف ) لغعله - صلى الله عليه وسلم - (1).
( فإذا فرغ ) الطائف من طوافه سبعة أشواط وانتهى إلى الحجر كما ابتدأ منه ( صلى ركعتين خلف المقام ) مقام إبراهيم إن تيسر ذلك وإلا صلاها في أي موضع بالحرم ، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة ( قُلْ يَِا أَيَّهَا الْكَافِرُوْنَ ) وفي الثانية (قُلْ هُوُ الله أَحَدٍ ).
( ثم يستلم الحجر الأسود ) مرة أخرى إن تيسر ( ويخرج إلى الصفا من بابه ) وقد كان للمسجد أبواب تفضي إلى المسعى فأزيلت مع توسعته ( فيرقاه حتى يرى البيت ) أي فيرقا الصفا قارئاً قول الله ( إِنَّ الْصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله ..)(2)ويقول أبدأ بمابدأ الله به ، حتى يرى الكعبة من فوق الصفا إن أمكن ، وإلا جهتها ( فيكبر ثلاثاً ويقول ما ورد ) أي يقول (الله أكبر) رافعاً يديه ، ثلاث مرات (ويقول ما ورد ) ومنه ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،له الملك وله الحمد ، وهو على كل شئ قدير ، لا إله إلا الله ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده )، ثم يدعو ، ثم يعيد الذكر مرة ثانية ، ثم يدعو ،ثم يعيد الذكر للمرة الثالثة(3)(
__________
(1) أخرجه البخاري في الحج / باب كيف كان بدء الرمل ( 1602) ، ومسلم في الحج / باب استحباب الرمل (1464) عن ابن عباس
رضي الله عنهما .
(2) 3 ) سورة البقرة : 158 .
(3) كما في حديث جابر في صفة حج النبي ? وفيه : ( فبدأ بالصفا ، فرقى عليه حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة ، فوحد الله
وكبره ، وقال : لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا بين ذلك ، قال مثل هذا ثلاث مرات ،
ثم ينزل إلى المروة ".(1/14)
ثم ينزل ) من الصفا ( ما شياً إلى )المروة فإذا وصل ( العلم الأول ) وهو الشاخص البين بلون أخضر في جدار المسعى ( فيسعى ) سعياً (شديداً إلى ) أن يصل العلم الأخضر ( الآخر ثم يمشي ) مشيه المعتاد ( ويرقى المروة ويقول ما قاله على الصفا ) من الذكر ، والدعاء المتقدم ( ثم ينزل ) من المروة ( فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه إلى ) أن يصل ( الصفا يفعله سبعاً ، ويحسب ذهابه ) شوط (و رجوعه ) شوط ، ويكون مبدأه من الصفا ، ومنتهاه على المروة ، ويشتغل في سعيه بالذكر ، والدعاء ، وقراءة القرآن ، ( ويتحلل متمتع لا هدي معه بتقصير شعره ) أو حلقه ، والتقصير في حقه أفضل ، ليبقى الحلق للحج ، ولورود أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لصحابته بالتقصير(1)( ومن معه هدي ) قد ساقه فلا يحل إلا ( إذا حج ) وتحلل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - [ لولا أني سقت الهدي لأحللت معكم ](2).
( والمتمتع يقطع التلبية إذا أخذ في الطواف ) وكذا المعتمر بخلاف القارن والمفرد ، فلا يقطعانها إلا يوم العيد ، عند رمي جمرة العقبة ، وقد روى الفضل بن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة(3).
فصل في صفة الحج والعمرة .
(
__________
(1) حديث ابن عمر أن النبي قال ?:" من كان معه هدي فإنه لا يحل من شئ حرم عليه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن معه
هدي فليطف بالبيت ، وبالصفا والمروة ، وليقصر ، وليحل ". أخرجه البخاري (1691) ، ومسلم 8/ 208نووي .
(2) حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي . وقد سبق تخريجه .
(3) أخرجه البخاري في الحج / باب النزول بين عرفة وجمع ( 1670) ، ومسلم في الحج / باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى
يشرع في رمي جمرة العقبة (1281) .(1/15)
ويسن لمحل بمكة ) من أهلها ، أو متمتع ، ولو من غير أهلها ( الإحرام بالحج يوم التروية ) وهو اليوم الثامن من ذي الحجة ، وسمي بذلك لأن الناس يتروون فيه بالماء ليوم عرفة وما بعده ، (و) ويسن للحاج ( المبيت ) بمنى ليلة التاسع ، وعليه فيصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر يوم التروية ، بمنى ، قصراً بلا جمع ، ( فإذا طلعت الشمس) يوم التاسع ( سار إلى عرفة ) فينزل بنمرة ، وهي قرية قرب عرفه ، وليست منها ، ثم إذا زالت الشمس سار إلى عرفة ، وكلها موطن إلا بطن عرنه ، وهو واد بعرفة ، منها تاريخياً ، وليس منها شرعياً ( وجمع فيها بين الظهر والعصر تقديماً ) بإذان واحد ، وإقامتين ،( وأكثر من الدعاء مما ورد ) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - [ خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا و النبيون قبلي ، لاإله إلا الله ، وحده لاشريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شئ قدير ](1)ويدعو بما أحب ، ولا بأس بقراءة القرآن ، وأحاديث تتعلق بالرحمة والبعث والنشور ونحوها ، وتسبيح الله وتهليله ، وينوع خشية الملل .
( ووقت الوقوف من فجر عرفة إلى فجر ) يوم (النحر) فمن وقف بأي ساعة منها أجزأه ، فإن خرج من عرفة قبل غروب الشمس ، فعليه دم ، لحديث عروة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [ من شهد صلاتنا ، ووقف معنا حتى ندفع ، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه ](2)(
__________
(1) أخرجه أحمد 2/210 ، والترمذي في الدعوات (3585) وقال الترمذي :"حسن غريب من هذا الوجه ". وقال الألباني في هامش
المشكاة 2/ 797 : وحسنه – أي الترمذي – في بعض الروايات عنه ، وهو كما قال باعتبار شاهده الذي بعده ، وهو مرسل
صحيح الإسناد ".
(2) أخرجه أحمد 4/15 ، 261 ، وأبو داود في المناسك / باب من لم يدرك عرفة (1950) ، والترمذي في الحج / باب ما جاء فيمن أدرك
الإمام بجمع ( 891) ، والنسائي في مناسك الحج / باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بمزدلفة 5/ 263 ، وابن ماجة في
المناسك / باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع ( 3016) ، والطيالسي (1282) والدارمي 2/59 ، والحميدي (900) وابن خزيمة
( 2820) ، وقال الترمذي :" حسن صحيح " وقال الحاكم :" حديث صحيح على شرط كافة أهل الحديث ". وقال الحافظ في
التلخيص(1049) :" وصححه الدارقطني ، والحاكم ، والقاضي أبو بكر بن العربي ".(1/16)
ثم يدفع بعد الغروب إلى مزدلفة بسكينة ) ووقار ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ دفع بعد الغروب ،وأردف أسامة بن زيد ، وهو يقول للناس : أيها الناس السكينة السكينة](1)، ( ويجمع فيها بين العشائين ) المغرب والعشاء ( تأخيراً ) لفعله - صلى الله عليه وسلم - (2)، فإن خشي ذهاب منتصف الليل صلى ولو في الطريق ، ( ويبيت فيها ) وجوباً ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بات بها ولا يشتغل بغير المبيت ، وله الدفع بعد غروب القمر ، خاصة لمن معه ضعفة ، والسنة البقاء بمزدلفة حتى يصلي الصبح ( فإذا صلى الصبح أتى المشعر الحرام ) وهو جبل صغير بمزدلفة ، وسمي حراما ً لأن هنالك مشعر حلال وهو عرفة ، وهو حرام لدخوله حدود الحرم (فرقاه) أو ( وقف عنده وحمد الله وكبر وقرأ ( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ ..الآيتين )(3)ويدعو حتى يسفر) جداً ( ثم يدفع إلى منى ) قبل أن تطلع الشمس خلافاً لأهل الجاهلية ( فإذا بلغ محسراً ) وهو بطن واد عظيم ، بين مزدلفة ومنى يحسر صاحبه ويتعبه ، ( أسرع رمية بحجر) وهو تقريباً خمسمائة ذراع ، والذراع ثلثي المتر ، ويصعب تطبيق هذه السنة بالسيارات اليوم .
( وأخذ حصى الجمار ) ويجوز أخذها من الوادي ، أو قبله ، أو بعده ، ليكون أول ما يعمل عند دخول منى تحيتها _ رمي جمرة العقبة _ فيأخذ من طريقه ( سبعين ) حصاة إن عزم على التأخر ، أو تسعاً وأربعين إن تعجل ، والحصاة ( أكبر من الحمص ) وهو معروف ( ودون البندق ) وهو دون القدر الذي تضعه بين الإبهام والوسطى ، كحصى الخذف تقريباً .
__________
(1) حديث جابر الطويل في صفة الحج وقد سبق تخريجه .
(2) المرجع السابق .
(3) سورة البقرة : 198، 199 .(1/17)
فإذا وصل منى ؛ فيقطع التلبية ، وينطلق إلى الجمار( فيرمي جمرة العقبة وحدها بسبع ) حصيات متعاقبات ( يرفع يمناه ، حتى يرى بياض إبطه ) لأنه أعون له على الرمي ، وإن كان قريباً لم يحتج إليه ( ويكبر مع كل حصاة ) ويقول الله أكبر ( ثم ينحر ) الهدي إن كان معه هدي ( ويحلق أو يقصر من جميع شعره ) إن كان رجلاً ( والمرأة ) تقصر من شعرها (قدر أنملة ) فتمسك ضفائرها ، وتقص قدر أنمله وهي مفصل الإصبع من الأعلى ، ويساوي بالسنتيمترات اثنان تقريباً .
( ثم قد حل له كل شئ) كان محظوراً عليه بالإحرام ( إلا النساء ) وطؤهن ومباشرتهن وتقبيلهن ، ولمسهن بشهوة وعقد النكاح . ( ثم يفيض إلى مكة فيطوف طواف الزيارة ) وهو طواف الإفاضة ( الذي هو ركن ثم يسعى ) بين الصفا والمروة سبعاً ( إن لم يكن قد سعى ) هذا إذا كان مفرداً أو قارناً ، ولم يسع مع طواف القدوم (و) بهذا ( قد حل له كل شئ ) حرم عليه بالإحرام حتى النساء .
( وسن ) للحاج والمعتمر ( أن يشرب من زمزم لما أحب ) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما طاف الإفاضة شرب من ماء زمزم(1)، ويدعو بما أحب لحديث [ ماء زمزم لما شرب له ](2)( ويتضلع منه ) والتضلع : أن يشرب حتى يمتلئ ما بين أضلاعه ، لحديث [ آية ما بين أهل الإيمان والنفاق ؛ التضلع من ماء زمزم ](3)(
__________
(1) حديث جابر الطويل وقد سبق تخريجه .
(2) أخرجه الإمام أحمد 3/ 357 ، وابن ماجه في المناسك / باب الشرب من زمزم ( 3062) وأخرجه الحاكم – من طريق ابن عباس – وقال :" هذا حديث صحيح الإسناد " . وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة ص (112) :" رواه ابن ماجة عن جابر بسند ضعيف ، وقال السيوطي له شاهد عن ابن عباس مرفوعاً ، وعن معاوية موقوفاً ، وضعفه النووي ، وصححه الدمياطي والمنذري ".
(3) أخرجه ابن ماجة في المناسك / باب الشرب من زمزم ( 1017) والحاكم 1/ 472 ، وقال الحاكم "صحيح على شرط الشيخين،
ولم يخرجاه ".(1/18)
ويدعو بما ورد ) ومنه بسم الله ، اللهم اجعله لنا نافعاً ورزقاً واسعاً ورياً وشبعاً ، وشفاء من كل داء ، واغسل به قلبي واملأه من خشيتك(1).
( ثم يرجع فيبيت بمنى ثلاث ليال ) إن لم يتعجل في ليلتين ، فيبيت الحادية عشرة ، والثانية عشرة ، والثالثة عشرة ، ( ويرمي الجمار ) الصغرى ، وهي التي تلي مسجد الخيف ، فيجعلها عن يساره ، بسبع حصيات متعاقبات ، يكبر مع كل حصاة ، ثم يتنحى قليلاً في موضع لا يناله الزحام ، ويدعو مستقبل القبله ، ثم الوسطى ، ويجعلها عن يمينه ، ثم يتنحى ويدعو ، ثم جمرة العقبة ، ولا يدعو عندها لعدم وروده ، يكرر هذا ( في كل يوم من أيام التشريق ، بعد الزوال ، وقبل الصلاة ) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى بعد الزوال، وقبل الصلاة(2).
( ومن تعجل في يومين ) فيجب عليه الخروج قبل غروب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق ولا إثم عليه ، فـ(ـإن لم يخرج قبل الغروب لزمه المبيت ) ليلة الثالث عشر (والرمي من الغد ) بعد الزوال ، على نحو ما تقدم .
__________
(1) رواه ابن عكرمه قال : كان ابن عباس إذا شرب من زمزم قال :" اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً ، وشفاءً من كل
داء ". أخرجه الدارقطني 2/288 ، والحاكم 1/ 473 وقال : " صحيح الإسناد إن سلم من الجارودي ، ولم يخرجاه ". ووافقه
الذهبي .
(2) لحديث جابر قال : " رأيت رسول الله يرمي يوم النحر ضحى ، وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس :" رواه البخاري معلقاً
بصيغة الجزم ، في الحج / باب رمي الجمار 1/ 530 ، ومسلم في الحج / باب بيان استحباب الرمي (1299) .(1/19)
فإذا عزم على الخروج من مكة ، طاف بالبيت طواف الوداع ( وطواف الوداع واجب يفعله ) الحاج و لايقيم بعده ، فإن أقام أعاده لحديث ابن عباس : [أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف إلا أنه خفف عن الحائض ](1)والنفساء في حكمها .فيسقط عنهما .
وإن أخر طواف الزيارة ، وطافه عند الخروج أجزأه عن الوداع لأنه حقق مقصود الحديث ، ( ثم يقف ) بعد انتهاء الطواف ( في الملتزم ) وهو ما بين الحجر الأسود والباب ( داعياً بما ورد ) ومنه : اللهم هذا بيتك ، وأنا عبدك ، وابن عبدك ، وابن أمتك ، حملتني على ما سخرت لي من خلقك ، وسيرتني في بلادك ، حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك ، وأعنتني على أداء نسكي ..الخ(2)روي عن ابن عباس وفعله الأصحاب .
( وتدعو الحائض والنفساء على باب المسجد ) ولا تدخله لأنها ممنوعة منه .
( وسن زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبري صاحبيه ) أبي بكر وعمر لأنهم من جملة قبور المسلمين وقد جاء [ زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة ](3).
فإذا وصل المدينة ، وأراد زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبري صاحبيه ، فإنه يدخل ويسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - مستقبلاً له ، ثم يسلم على صاحبيه ، وإن دعا للنبي - صلى الله عليه وسلم - مع سلامه عليه بالوسيلة ، ولصاحبيه بحسن الجزاء فلا بأس ، من غير رفع صوت أو تمسح أو طواف أو وقوف طويل.
(
__________
(1) أخرجه البخاري في الحج / باب طواف الوداع 2/195 ، ومسلم في الحج / باب وجوب طواف الوداع (1327) .
(2) حاشية الروض المربع 4/ 178 ، وذكره شيخ الإسلام في منسكه ص(51) .
(3) أخرجه مسلم (977) بلفظ " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " . وفي لفظ عنده (976) (108) " فإنها تذكركم الموت " ، وعند الترمذي في الجنائز 2/ 156 " فإنها تذكركم الآخرة ". وعند أبي داود ( 3235) :"فإن زيارتها تذكرة ".(1/20)
وصفة العمرة أن يحرم بها من ) كان مقيماً ( بالحرم من أدنى الحل ) وقد مر توضيحه (وغيره من دويرة أهله ، إن كان دون الميقات ) كأهل جدة وبحرة ( وإلا فمنه ) أي من الميقات الذي يمرون عليه لقوله - صلى الله عليه وسلم - [ هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ](1)
( ثم يطوف ) سبعاً وتقدم بيانه ( ويسعى ) سبعاً كما مر ( ويقصر ) أو يحلق من جميع رأسه ، والحلق لغير متمتع أفضل ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا للمحلقين ثلاثاً ، وللمقصرين واحدة(2)، والعمرة جائزة في كل وقت ، وأفضلها في رمضان .
فصل
( أركان الحج أربعة ) لا يصح الحج بدون واحد منها ( وهي : إحرام ) ودخول في النسك بنية ، وليس مجرد لبس ملابس الإحرام (و) الثاني ( وقوف )بعرفة ،
لحديث [ الحج عرفة ](3)(و) الثالث (طواف) الزيارة وهو طواف الإفاضة (و) الرابع ( سعي ) بين الصفا والمروة لحديث [ اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي ](4).
(
__________
(1) سبق تخريجه .
(2) أخرجه البخاري في كتاب الحج / باب الحلق والتقصير ( 1727) ومسلم في الحج / باب تفضيل الحلق على التقصير ( 1301).
(3) أخرجه أحمد 4/309، 335 ، وأبو داود (1949) ، والترمذي ( 890) والنسائي 5/256 وابن ماجه (3015) والدارمي 2/59 وابن خزيمة ( 2822) ، وابن حبان ( 1009) والحاكم 1/464 والدارقطني 2/240 ، والبيهقي 5/116 . وصححه ابن خزيمه ، وابن حبان ، والدارقطني .
(4) سبق تخريجه .(1/21)
وواجباته سبعة ) أولها : ( إحرام مار على ميقات منه ) أو محاذاته ، فمن مر ولم يحرم رجع إلا فدى بدم ( و) ثانيها : (وقوف)بعرفة ( إلى الليل إن ) كان قد ( وقف نهاراً ) (و) ثالثها : (مبيت بمزدلفة إلى بعد نصفه ) أي الليل ( إن وافاها قبله و) رابعها : (المبيت بمنى لياليها)لغير أهل السقاية والرعاية ومن في حكمهم ، ومن لم يجد مكاناً بمنى نزل عند آخر خيامها (و) خامسها : ( الرمي مرتباً و) سادسها : ( حلق ) الرأس أو ( تقصير ) جميعه (و) ثامنها : ( طواف وداع ) لغير حائض ونفساء ومكي .
فمن ترك الإحرام لم ينعقد نسكه ، ومن ترك ركناً غيره لم يصح الحج إلا به ، ومن ترك واجباً فعليه دم ، ومن ترك غيرها من السنن فلا شئ عليه .
( وأركان العمرة ثلاثة : إحرام ) كما تقدم ( وطواف )للعمرة (وسعي ) لها.
( وواجبها اثنان : الإحرام من الحل ) للمكي ، وغيره من ميقاته أو محاذاته ؛ فإن كان دون الميقات فمن حيث أنشأ ( والحلق أوالتقصير ).
( ومن فاته الوقوف ) بعرفة نهاراً وليلاً حتى طلع فجر يوم النحر فقد (فاته الحج ) ، وإحرامه باق عليه ، ( و)يجب عليه أن يـ(ـتحلل بعمرة )فيطوف بالبيت ، ويسعى ، ويحلق أو يقصر ، ويجب عليه قضاء نسكه ، والهدي في نسك القضاء ، هذا ( إن لم يكن اشترط ) عند إحرامه ، فإن اشترط حل ولا شئ عليه .
( ومن ) أحصر و( منع ) من (البيت هدى) في محله الذي أحصر فيه ، ثم حلق أو قصر (ثم حل فإن فقده ) أي الهدي ( صام عشرة أيام ، ومن صد عن عرفة ) حتى انتهى وقت الوقوف ( تحلل بعمرة ) ولا دم عليه .
فصل
( والأضحية ) بضم الهمزة وكسرها وتشديد الياء وتخفيفها أربع لغات ، واحدة الأضاحي ويقال : ضحية ، وهي ما يذبح في أيام النحر تقرباً إلى الله عز وجل ، وسميت بذلك نسبة لوقت ذبحها .(1/22)
وهي ( سنة يكره تركها لقادر ) عليها ، لحديث [ من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا ](1)، ( ووقت الذبح ) لأضاحٍ وهدي متعة وقرانٍ ، وتطوعٍ لمفرد ( بعد صلاة العيد ) بالبلد ، وإن تعددت الصلاة فالأسبق ( أو بقدرها ) أي صلاة العيد لمن ليس لديهم صلاة ، وإذا اجتمع صلاة عيد وجمعة ، واكتفوا بالجمعة فالذبح بعدها ، لقيامها مقام العيد ، ويستمر وقت الذبح ( إلى آخر أيام التشريق ) فيكون ثلاثة أيام ، يوم النحر ويومين بعده .
( ولا يعطى جازر) وهو من يتولى ذبحها عن صاحبها ( أجرته منها ) ، كأن يقول : خذ أجرتك لحماً منها ، ( ولا يباع جلدها ، ولا شئ منها ) لأنها تعينت لله بجميع أجزائها ، وما تعين لله فلا يؤخذ عوض عليه ، ودليل ذلك حديث عمر ، أنه أعطى شخصاً فرساً له ليجاهد عليها ، فلم يهتم بها الرجل ، فأراد عمر أن يشتريها منه ؛ فقال النبي? - صلى الله عليه وسلم - له : [لا تشتري ولو أعطاكه بدرهم ](2)، لأنها أخرجت لله .
( ولا شيئاً منها ) أي ككبد ورأس ورجل ونحوه ، ( بل ينتفع به ) أو يتصدق به أو يهديه .
( وأفضل هدي وأضحية إبل ) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدى إبلاً(3)، وهي أكثر لحماً ونفعاً ( ثم بقر ، ثم غنم ) إن أخرجت كاملة وإلا فشاة خير من سبع بدنة أو بقرة .
(
__________
(1) أخرجه أحمد 1/321 ، وابن ماجه (3123) ، والدارقطني 2/545 ، والحاكم 2/ 349 عن أبي هريرة وصححه الحاكم .
(2) أخرجه البخاري في الزكاة / باب هل يشتري صدقته ( 1490) ، ومسلم في الهبات / باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به 3/
1239 .
(3) أخرجه البخاري في الحج / باب يتصدق بجلال البدن ( 1718) .ومسلم في الحج / باب في الصدقة بلحوم الهدي ( 13179) عن
علي رضي الله عنه .(1/23)
ولا يجزئ ) في الغنم (إلا جذع ضأن ) وهو ماله ستة أشهر ( أو ثني غيره ) أي : من المعز ، وهو ماله سنة : لحديث أبي بردة ، رضي الله عنه ، حين قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن عندي عناقاً هي أحب إلي من شاتين ، أفتجزئ عني ، ؟
قال - صلى الله عليه وسلم - : [ نعم ، ولن تجزئ أحداً بعدك ](1).
( فثني إبل ) وهو ( ماله خمس سنين ، وبقر) ما له( سنتان) .
( وتجزئ الشاة عن واحد) وأهل بيته لحديث أبي أيوب قال كان الرجل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته(2).
( والبقرة والبدنة عن سبعة ) لحديث جابر قال : نحرنا في عام الحديبية البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة(3). ( ولا تجزئ هزيلة ) وهي الضعيفة التي لا مخ فيها ، لحديث [ ولا العجفاء التي لا تنقي ](4).(
__________
(1) أخرجه البخاري في الأضاحي /باب قول النبي لأبي بردة ضح ... (1783) ، ومسلم ( 1961) عن البراء رضي الله عنه
(2) أخرجه الترمذي ( 1505) ، وابن ماجة ( 3147) ، ومالك 2/37 وقال الترمذي :" حسن صحيح ".
(3) أخرجه مسلم في الحج ( 1318)
(4) أخرجه أحمد 4/284، 289 وأبو داود ( 2802) والترمذي ( 1541) والنسائي 7/214 ، وابن ماجه ( 2144) والطيالسي ( 1110)
والدارمي 2/76 وابن خزيمه ( 2912) وابن حبان ( 5889) والحاكم ( 1/467) عن البراء وقال الترمذي :" حسن صحيح ".
و صححه الحاكم ".(1/24)
وبينة عور وعرج ) لنص النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد عما يتقى من الأضاحي فقال أربع : ومنها [ العوراء البين عورها ](1)وأشد منها العمياء ، ولا تجزئ عرجاء لا تطيق مشياً مع صحيحة ، والكسيرة من باب أولى ( ولا ذاهبة الثنايا ) وهي الهتماء ، لقصورها في تغذية نفسها ( أو ) التي ذهب ( أكثر أذنها وقرنها ) وهي العضباء ، وقد [نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أعضب الأذن والقرن ](2)، ولحديث [ أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تستشرف العين والأذن ](3).
والدليل على ما تقدم حديث ما يتقى من الأضاحي وقد سبق وفيه [ العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ضلعها ، والعجفاء التي لا تنقي ] وغيرها من الصفات مثلها أو أشد .
( والسنة ) في ذبح ونحر الضحايا والهدايا ( نحر إبل ) بطعنها بحربة ونحوها ، في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر وجرها حتى يقطع الحلقوم والمرئ ، وتكون الإبل حال النحر( قائمة معقولة يدها اليسرى ) إن تيسر فإن خاف على نفسه أو على البهيمة ، فنحرها باركة فلا بأس ، والسنة ( ذبح غيرها من بهيمة الأنعام ) كالغنم والبقر وإن عكس فلا بأس ، لحديث : [ ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ](4).
(
__________
(1) المرجع السابق .
(2) أخرجه أحمد 1/101 ، 127 ، وأبو داود ( 2805) والنسائي 7/217 ، والطيالسي ( 1109) ، وابن خزيمة ( 293) ، وفيه جري بن
كليب ، قال في خلاصة التهذيب " روى عن قتادة فقط ، وقال أبو حاتم : لا يحتج به ".
(3) أخرجه أحمد 1/108 ، وأبو داود ( 2804) ، والترمذي ( 1543) والنسائي 7/217 ، وابن ماجه ( 3142) والدارمي 2/77 والبيهقي 9/
275 وقال الترمذي : " حسن صحيح " ، وسكت عنه أبو داود ، وصححه الحاكم .
(4) أخرجه البخاري في الذبائح / باب ما ند من البهائم ( 5509) ومسلم في الأضاحي/ باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم (1968
) عن رافع بن خديج رضي الله عنه .(1/25)
وسن أن يأكل ) المضحي والهادي ( ويهدي ويتصدق أثلاثاً مطلقاً ) سواء كانت واجبة أو نفلاً ، (و) يسن أيضاً ( الحلق بعدها ) أما المضحي فيجب تأخير الحلق إلى الذبح ، كما سيأتي ، وأما الهادي فيسن له تأخير الحلق وله تقديمه .
( وإن أكلها ) أي الأضحية أو الهدي ( إلا أوقية ) وهي معيار وزن معروف ( جاز ) لأن الأمر بالأكل والإطعام مطلق ؛ فيعم القليل والكثير .
( وحرم على مريدها ) أي الأضحية ( أخذ شئ من شعره وظفره وبشرته ) ما دام ( في العشر) الأول من ذي الحجة ، لحديث [ إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا ظفره ولا من بشرته شيئاً ](1).
( وتسن العقيقة ) وهي فعيلة ، بمعنى مفعولة ، والعق في اللغة القطع ، وهنا : الذبيحة التي تذبح عن المولود ذكراً كان أو أنثى ، ودليلها حديث [ كل غلام مرتهن بعقيقته يوم القيامة ](2)( وهي عن الغلام شاتان ) وكلما تقاربت كان أفضل ، فإن عجز فواحدة ( وعن الجارية شاة ) واحدة ، ( تذبح يوم السابع ) تفاؤلاً بمرور جميع الأيام عليه ، ( فإن فات ) يوم السابع ، أو لم يستطع فيه ( ففي أربعة عشر فإن فات ففي أحد وعشرين ثم لا تعتبر الأسابيع ) روي هذا عن عائشة رضي الله عنها(3).
(
__________
(1) أخرجه مسلم في الأضاحي / باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئاً (1977) عن أم سلمة
رضي الله عنها .
(2) أخرجه أحمد 5/7 ، 12، 17 وأبو داود ( 2834 ) ، والترمذي ( 1570) ، والنسائي 7/166 ، وابن ماجه ( 3165 ) والطيالسي ( 1117) والحاكم ( 4/237) عن سمرة ، وقال الترمذي :" حسن صحيح ".
(3) أخرجه الحاكم 4/238 ، وصححه ، ووافقه الذهبي ، وأعله الألباني بعلتين :
الأولى : الانقطاع بين عطاء وكرزة ، والثانية : الشذوذ والإدراج ". انظر: الإرواء 4/395(1/26)
وحكمها كأضحية ) في السن المعتبرة والأوصاف المجزئة ، وتقسيمها أثلاثاً ، لكن يباح بيع جلد ورأس وسواقط ، ولا يجزئ فيها شرك في دم واحد .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين ..(1)
__________
(1) تم الفراغ منه ضحى الثلاثاء السابع من شوال لعام ألف وأربعمائة وواحد وعشرين للهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام .(1/27)