أنيس الفضلاء
من سير أعلام النبلاء
فوائد - وطرائف - ونُكت - وأخبار
جمع وترتيب
أبي رملة محمد المنصور بن إبراهيم
بسم الله الرحمن الرحيم
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى 1428هـ/2007م
ISBN 978 - 2076 - 28 - 7
لإبداء ملحوظاتك يمكنك الاتصال بالباحث عن طريق الهاتف النقال على الرقم الآتي:
+234 803 507 5754
أو البريد الألكتروني الآتي:
mansursokoto@yahoo.co.uk0
الناشر
مركز الدراسات الإسلامية
جامعة عثمان بن فودي سكتو
نيجيريا
فهرس الموضوعات
المقدمة :..........................................................................1
ترجمة موجزة لمؤلف سير أعلام النبلاء، وفيه مبحثان:............................5
المبحث الأول: التعريف بالعصر الذي عاش فيه:……………................
المبحث الثاني: حياته الشخصية والعلمية . وفيه سبعة مطالب:..................10
تفسير السلف لصفات الله تعالى :...............................................19
من أخبار القيامة:................................................................52
بين أهل السنة والمبتدعة:........................................................54
الشيعة والتشيع:.................................................................67
الاعتزال والمعتزلة:.............................................................72
الإرجاء والمرجئة:..............................................................74
التصوف والصوفية:............................................................76
مسائل في طلب العلم وأخبار العلماء............................................87
علم القراآت:...................................................................96
من أخبار أهل الحديث:.......................................................100(1/1)
مسائل في علم المصطلح والجرح والتعديل:...................................113
فوائد في التصنيف والمصنفين:..............................................134
فوائد من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيرته:..................146
العلماء والكتب:..........................................................156
علم الفقه وأصوله:......................................................162
أخبار القضاة والمفتين:..................................................172
من أخلاق العلماء :.....................................................178
تنافس الأقران من العلماء:..............................................196
الاعتذار عن أفاضل العلماء:............................................201
من أخبار الملوك والحكّام:...............................................215
بين العلماء والحكام:....................................................226
أخبار الفتوح والغزوات وحكايات الأقوياء والشجعان:..............241
حكايات الصالحين والعبّاد:...........................................248
طرائف من أخبار الأذكياء والظرفاء:..................................269
من نُكَت العميان:....................................................283
وصايا ونصائح وحِكَم ومواعظ:.....................................293
كرامات الأولياء ومخاريق الشياطين: .................................308
غرائب الأخبار:.....................................................318
مصارع العشاق:.....................................................325
طرائف من الشعر وأخبار الشعراء:.................................330
الأوائل والأواخر:......................................................346(1/2)
وصايا المحتضرين:.....................................................353
فوائد متنوعة:..........................................................360
من ذاكرة التاريخ:......................................................374
فهرس المصادر والمراجع:............................................379
الفهرس الشامل للمواضيع والفوائد:................................385
المقدمة
…يعتبر كتاب سير أعلام النبلاء للحافظ شمس الدين الذهبي من أحسن كتب السير والتراجم، وذلك لشموليته وعمومه، فهو ليس ككتاب الحلية لأبي نعيم الذي يختص بالأولياء والصالحين، وليس كثقات العجلي أو ثقات ابن حبان، ولا ككتاب الكامل في الضعفاء للعقيلي أو مثيله لابن عدي، فهذه كتب مختصة بتراجم رواة الأحاديث. ولا هو مثل كتاب الطبري "تاريخ الرسل والملوك" أو كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير، فإنهما عُنيا بسرد الحوادث على ترتيب السنين. ولكنه كتاب عام في التاريخ والسير، وفيه من أخبار الصالحين والطالحين، والزهاد والعباد، والملوك والفقراء، والعلماء وغير العلماء، والرؤساء والمرؤوسين. وفيه من مباحث المصطلح والجرح والتعديل، والعقائد والفرق، والتصوف والسلوك، والفقه والأصول، وغير ذلك من المباحث الجليلة النافعة.
…ومما يرفع من قيمته ما فيه من تعليقات نفيسة قيمة عقّب بها المصنف على كثير من السنن المروية والأقوال المأثورة، تصحيحا وتصويبا، وتحقيقا ونقدا، وإضافة واستدراكا، وساق ذلك كله بأسلوبه العَذْب وعباراته السّلِسَة، مما يدل على منزلته العلية في شتى العلوم ومختلف الفنون.
…(1/3)
وقد أشار الحافظ صلاح الدين ابن أيبك الصفدي (ت764هـ) إلى مزية من مزايا كتب الذهبي وتتجلى بوضوح في السير، حيث قال: "وأعجبني ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثا يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن أو ظلام إسناد أو طعن في رواته، وهذا لم أر غيره يراعي هذه الفائدة فيما يورده"(1).
…وثمة فائدة أخرى امتاز بها هذا الكتاب، وهي التزام المصنف للعدل والإنصاف في نقد الرجال وتقييمهم، والموازنة بين محاسن الرجل ومساوئه، وحسن الظن بالناس، والترضي والاستغفار لمن ظهرت الإساءة منه. وسيرى القارئ من النماذج والأمثلة لذلك ما يشفي صدره ويروي غليله في هذه الرسالة إن شاء الله.
…كان هذا الكتاب - سير أعلام النبلاء - هو أنيسي أيام الطلب في الجامعة الإسلامية بالمدينة، وكنت كلما مرت علي فائدة قيّدتها، حتى اجتمع عندي من ذلك كرّاستان، وكان عدد من الزملاء الذين اطلعوا على هذا التقييد يشيرون بتأليف ذلك وتنسيقه، وإخراجه لكي تعم فائدته. ولكني اعتذرت لهم وقتئذ بأني إنما قيدته لنفسي، وأكثر ذلك إنما كان إشارة إلى مواضع هذه الفوائد لتسهيل الرجوع إليها. ولكنني الآن وبعد مُضيّ أكثر من عقد من الزمان على ذلك بدا لي موافقة هؤلاء الإخوان، وذلك لتشهيذ الهمم إلى قراءة أصل الكتاب الذي يعتبر في رأيي من أهم الأصول التي ينبغي اطلاع طلبة العلم عليها.
…فهذه خلاصة ما تم تقييده من فوائد السير، وقد حرصت على نقل تعليقات الذهبي كما هي، ورتبتها حسب المواضيع، وجعلت لها عناوين تيسر الوصول إلى ما فيها من الفقه، وحذفت منها عددا من الأخبار والآثار لكي يتناسب حجمه مع التلخيص المطلوب.
__________
(1) نكث الهميان في نُكَت العميان، ص242، وانظر أيضا: الوافي بالوفيات 2/163.(1/4)
…ثم أضفت إليه بعض الفوائد المنتقاة من الأجزاء الثلاثة الأولى من تاريخ الإسلام للمصنف، فإنه أشار إلى أن هذه الأجزاء الثلاثة التي تتضمن المغازي والسيرة النبوية وتاريخ عهد الخلفاء الراشدين مكمِّلة للسير لأنه يبدأ من بعد عصر الخلفاء الأربعة، وتتمة العشرة المبشرين بالجنة.
…ثم ضممت إليه أيضا شيئا من فوائد كتاب نكث الهميان في نُكَت العميان لتلميذ المصنف صلاح الدين خليل ابن أيبك الصفدي وذلك في بعض الأبواب التي استحسنت إكمال الفائدة به، وأحلت إليهما في الحاشية. وأما السير فاكتفيت في الإحالة إليه بذكر الجزء والصفحة بعد النص المنقول مباشرة. وإذا تصرفت فيه بالاختصار ونحوه ذكرته في موضعه. …
…ولم يخل الكتاب مع ذلك من فوائد أخرى أفدتها من كتب المصنف مثل "المنتقى من منهاج الاعتدال" و"ميزان الاعتدال في نقد الرجال" ومن غيرها مثل "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" للحافظ ابن عبد البر المالكي و"فتح الباري" للعلامة ابن حجر و"الفصل في الملل والأهواء والنحل" لأبي محمد ابن حزم وغيرها من الكتب، وأكثر ذلك إنما ترد الفائدة منه تعليقا في الحاشية.
والله المسؤول أن يتقبله ويجعل له القبول بين طلبة العلم وينفع به أكثر مما نفع بأصله، إنه سميع مجيب.
أبو رملة/محمد المنصور بن إبراهيم
مدينة سكتو، نيجيريا
الخامس من شهر جمادى الأولى، عام 1425هـ
- - -
ترجمة موجزة لمؤلف سير أعلام النبلاء
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: التعريف بالعصر الذي عاش فيه.وفيه ثلاثة مطالب:ـ
المطلب الأول: الحالة السياسية:
نشأ الإمام الذهبي (673هـ - 748هـ) في عصر كثرت فيه الأحداث والصراعات الفكرية والسياسية، وتميزت تلك المرحلة بالعديد من السلبيات. منها على سبيل الإيجاز ما يلي:-
أولا: الحروب الصليبية (490هـ - 690هـ) .(1/5)
بدأت الحروب الصليبية في أواخر القرن الخامس الهجري، ودامت قرنين من الزمان، أنهكت جميع قوى الإسلام السياسية، وصيرت البلاد الإسلامية ممالك صغيرة تحت أمراء ضعفاء حتى استعان بعضهم بأعداء الإسلام من الصليبيين والتتار، ناهيك عن الخيانات التي قام بها الفاطميون بانحيازهم للصليبيين.(1)
ثانيا: سقوط الخلافة العباسية على يد التتار عام 656هـ .
لقد تم إنهاء الخلافة وسقطت بغداد على يد هولاكو خان بالتآمر مع ابن العلقمي الرافضي الذي خان المعتصم بالله وطمع التتار في الاستيلاء على العراق انتقاما من أهل السنة والجماعة، وقُتل ببغداد يومئذ أكثر من ألف ألف، حتى جرت السيول من الدماء.(2)
…ثم تشوف هولاكو إلى الشام ومصر، وتمت سيطرته عليها ثم على حلب ودمشق، وملك العراقين وخراسان. حينئذ دخل العالم الإسلامي في حالة من الفوضى التي يرثى لها.(3)
المطلب الثاني: الحالة الاجتماعية .
لا شك أن الحوادث التي تقدم ذكرها قد تركت آثارا ظاهرة على حياة الأمة الإسلامية، وخلف دخول التتار على البلاد الإسلامية من التقاليد والعادات ما جعل من المجتمع الإسلامي مجتمعا منحلا انتشرت فيه المعاصي والمنكرات من البغاء والرشوة والحيل في المعاملات وغيرها.
وقد دفع ذلك بالعلماء العاملين والدعاة المخلصين إلى القيام بدور بارز في محاربة تلك الظواهر الاجتماعية الفاسدة عن طريق الوعظ والتدريس والتأليف وسائر وسائل الاصلاح الاجتماعي. ومن هؤلاء العلماء الأفذاذ الإمام شمس الدين الذهبي ورفقاؤه شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728هـ) وأبو الحجاج المزي (ت742هـ) وعلم الدين البرزالي (ت739هـ) وغيرهم من علماء ذلك العصر مثل النووي والعز ابن عبد السلام وابن دقيق العيد وعدد لا يحصى من العلماء كثرة.
المطلب الثالث: الحالة العلمية والفكرية .
__________
(1) مقدمة الإخنائية لأحمد بن موسى العنزي، ص 16.
(2) سير أعلام النبلاء (23/180-181).
(3) البداية والنهاية لابن كثير (7/13).(1/6)
…كانت دمشق في نهاية القرن السابع الهجري ومطلع القرن الثامن قد أصبحت مركزا كبيرا من مراكز الحياة الفكرية، فيها من المدارس العامرة ودور الحديث والقرآن العدد الكثير. وكانت العناية بالعلوم الشرعية من التفسير والحديث والفقه والأصول هي السمة البارزة لهذا العصر. وظهرت فيه الموسوعات العلمية مثل بداية المجتهد لابن رشد (ت 595هـ) وتفسير الفخر الرازي (ت 606هـ) والمغني لابن قدامة المقدسي (ت 611هـ) والكامل في التاريخ لابن الأثير (ت 630هـ) والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (630هـ) والمجموع للنووي (ت 677هـ) ومؤلفات ابن تيمية وتلاميذه ومعاصريه وهي كثيرة جدا.
…وشهدت دمشق كذلك في هذا العصر نزاعا مذهبيا وعقائديا حادا. وكان الحكام المماليك يتدخلون فيه في كثير من الأحيان، فيناصرون فئة على أخرى.(1) وكان الأيوبيون قبل ذلك قد عملوا على نشر المذهب الشافعي وعقيدة أبي الحسن الأشعري، حتى قال المقريزي: "وقد أخذ بها - يعني الأشعرية - جماهير أهل الأمصار الإسلامية، ومن خالف هذه العقيدة أريق دمه".(2) وكان النزاع بين الأشاعرة وبين الحنابلة نزاعا مضطرما، زاده اعتماد الحنابلة على النصوص في دراسة التوحيد واعتماد الأشاعرة على البرهان العقلي والأدلة المنطقية.
__________
(1) انظر مثلا: البداية والنهاية (14/28، 38، 49) والدرر الكامنة لابن حجر (1/61).
(2) الخطط للمقريزي (2/358).(1/7)
…وإلى جانب ذلك كان الجهل والاعتقاد بالخرافات سائدا بين عوام المسلمين. وكان التصوف منتشرا في أرجاء البلاد انتشارا عظيما. وظهر بينهم كثير من المشعوذين الذين وجدوا اهتماما وتأييدا من قبل الحكام. وانتشر تقديس الأشياخ والاعتقاد فيهم، وطلب النذور عند قبورهم، بل كانوا يسجدون لبعض تلك القبور ويطلبون المغفرة من أصحابها.(1) والتف غالبية الرعاع من الناس حول المتصوفة مثل أحمد البدوي (ت 675هـ) وإبراهيم الدسوقي (ت 676هـ) وغيرهما للتبرك بهم والاهتداء بسيرهم.
…وعلى النقيض من ذلك كان الحنابلة يرفعون لواء الإصلاح والتجديد وقمع البدع والخرافات، والعودة إلى نهج السلف والتمسك بهديهم. وعلى رأسهم الإمام الذهبي ورفاقه الذين سبق ذكرهم.
…في ذلك الجو السياسي والعلمي والفكري نشأ وترعرع الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي.
المبحث الثاني: حياته الشخصية والعلمية. وفيه سبعة مطالب:ـ
المطلب الأول: اسمه ومولده ونشأته .
هو الإمام الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي.
ولد في ربيع الآخر سنة 673هـ بكفربطنا من غوطة دمشق، واهتم بدراسة القرآن بالقراآت العشرة وأتقنها قبل أن يبلغ العشرين من عمره. وعني بالحديث عناية فائقة، فسمع من جم غفير من المحدثين، ورحل داخل البلاد الشامية وخارجها، فسمع الحديث بدمشق، وبعلبك، وحمص، وحماه، وحلب، وطرابلس، ونابلس، والرملة، وبلبيس، والقاهرة، والإسكندرية، والقدس. وحج سنة 698هـ فسمع من علماء الحجاز وغيرها.
__________
(1) مقدمة سير أعلام النبلاء لبشار عواد نقلا عن تاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 36 (أيا صوفيا 3014).(1/8)
واحتوى معجم شيوخه على ألف وثلاثمائة شيخ.(1) واتصل الذهبي اتصالا وثيقا بثلاثة من شيوخ ذلك العصر, وهم: جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي (654هـ - 742هـ)، وتقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم المعروف بابن تيمية الحراني (661هـ - 728هـ)، وعلم الدين أبو محمد القاسم بن محمد البرزالي (665هـ - 739هـ)، وأحبهم وترافق معهم طيلة حياته، وتأثر بهم تأثرا عظيما، لا سيما شيخ الإسلام ابن تيمية الذي قال عنه الذهبي: "وهو أكبر من أن ينبه مثلي على نعوته، فلو حُلّفتُ بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله، ولا والله رأى هو مثل نفسه في العلم"(2). وقد خالفه الذهبي مع ذلك في مسائل، وانتقده في بعض آرائه حتى أرسل إليه نصيحة مكتوبة في بعض ذلك.(3)
وقال عنه في تذكرة الحفاظ: "وقد انفرد بفتاوى نِيل من عرضه لأجلها، وهي مغمورة في بحر علمه، فالله تعالى يسامحه ويرضى عنه، فما رأيت مثله، وكل أحد من الأمة فيؤخذ من قوله ويترك، فكان ماذا؟"(4).
المطلب الثاني: شمائله وأخلاقه .
قال تلميذه تقي الدين ابن رافع السلامي(ت774هـ):
"كان خيّرا، صالحا، متواضعا، حسن الخلق، حلو المحاضرة. غالب أوقاته في الجمع والاختصار والاشتغال بالعبادة. له ورد بالليل، وعنده مروءة وعصبية وكرم".
وقال الزركشي (ت794هـ):
".. مع ما كان عليه من الزهد التام، والإيثار العام، والسبق إلى الخيرات، والرغبة بما هو آت".
المطلب الثالث: منزلته العلمية .
__________
(1) نكث الهميان للصفدي، ص243.
(2) تاريخ الإسلام للذهبي ، ونقله الصفدي في "أعيان العصر" وابن كثير في البداية والنهاية 14/9.
(3) نشرت هذه النصيحة الذهبية في دمشق 1347هـ.
(4) تذكرة الحفاظ (4/1497).(1/9)
اتفق علماء عصره على الاعتراف بفضله وبراعته وعلو منزلته في العلم إلى درجة أن الإمام الحافظ ابن حجر شرب ماء زمزم سائلا الله عز وجل أن يبلغه مرتبة الذهبي في الحفظ، وأن يبلغ فطنته.(1)
قال السيوطي في ذيل تذكرة الحفاظ: "والذي أقوله: إن المحدثين عيال الآن في الرجال وغيرها من فنون الحديث على أربعة: المزي، والذهبي، والعراقي، وابن حجر".
وتاج الدين السبكي مع مخالفته للذهبي في عدد من المسائل ورده عليه إلا أنه لزم فيه الإنصاف حيث قال: "اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ، بينهم عموم وخصوص: الذهبي والمزي والبرزالي والشيخ الإمام الوالد، لا خامس لهؤلاء في عصرهم.."(2)
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني نقلا عن البدر النابلسي في مشيخته: "كان علامة زمانه في الرجال وأحوالهم، حديد الفهم، ثاقب الذهن، وشهرته تغني عن الإطناب فيه"(3).
المطلب الرابع: مناصبه التدريسية.
__________
(1) الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ للسخاوي، ص 472. وقد شرب ماء زمزم لنيل العلم عدد من القدماء، منهم الحافظ ابن خزيمة كما في تذكرة الحفاظ للذهبي (2/721). وشربه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري ليرزقه الله حسن التصنيف كما في المصدر السابق (3/1044). وكل ذلك استنادا للحديث الصحيح:"ماء زمزم لما شرب له". أخرجه أحمد 3/357، رقم (14855) وابن ماجه في ك المناسك، باب (78) الشرب من زمزم (3062)، والبيهقي في الكبرى 5/202،248، والحاكم في المستدرك (1/473) عن جابر. وله شواهد ذكرها السخاوي في المقاصد الحسنة، ص 411، رقم 926. وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع برقم 5502.
(2) طبقات الشافعية (9/100)، ولكنه لم يُنصف حيث لم يذكر معهم شيخ الإسلام أبا العباس ابن تيمية، فإنه شريكهم في كل فن، وهم يعترفون له بالسبق كما يُعرف من كلامهم.
(3) الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة للحافظ ابن حجر (3/427).(1/10)
تولى الحافظ الذهبي منذ سنة 703هـ الخطابة بمسجد كفر بطنا، وهي قرية بغوطة دمشق، وظل مقيما بها إلى سنة 718هـ. وفي هذه السنة وُلي مشيخة دار الحديث بتربة أم الصالح، وكانت من كبريات دور الحديث بدمشق آنذاك، وقد اتخذ من هذه المدرسة سكنا له إلى أن توفاه الله.
وتولى كذلك مشيخة الحديث بكبريات دور الحديث الدمشقية كدار الحديث العدوية، ، ودار الحديث الفاضلية، ودار الحديث الظاهرية، ودار الحديث التنكزية، ودار الحديث النفيسية التي تولى التدريس والإمامة بها بعد وفاة رفيقه علم الدين البرزالي عام 739هـ.
المطلب الخامس: آثاره العلمية .
خلّف الإمام الذهبي كمًّا هائلا من الآثار العلمية، حتى قال الحافظ ابن حجر إنه أكثر أهل عصره تصنيفا(1).
وقال عن مؤلفاته:"ورغب الناس في تواليفه، ورحلوا إليه بسببها، وتداولوها قراءة ونسخا وسماعا"(2).
وقال الحسيني:"وقد سار بجملة منها الركبان في أقطار البلدان"(3).
وقد عدّد مصنفاته الدكتور بشار عواد، ورتبها على حسب العلوم، فبلغت (215) مائتين وخمسة عشر مصنفا منها المختصرات والمنتقيات ومعجمات الشيوخ والمشيخات والأجزاء.(4)
المطلب السادس: عقيدته ومنهجه .
عُرف الحافظ شمس الدين الذهبي بتعظيمه للأثر، واتباعه للسلف الصالح، وتقديمه للسنن على آراء الرجال. وقد اشتهر عنه قوله:
العلم قال الله قال رسوله * إن صح والإجماع فاجهد فيه
وحذار من نصب الخلاف جهالة * بين الرسول وبين رأي فقيه
فكان رحمه الله تعالى شديد التمسك بالسنة، كثير التحسر على انتشار البدع. وقد قال في ترجمة الحكيم الترمذي:
__________
(1) المصدر السابق (3/426).
(2) المصدر السابق نفسه (3/427).
(3) ذيل تذكرة الحفاظ ص 36.
(4) راجع : مقدمة بشار عواد في المجلد الأول من سير أعلام النبلاء، ص 75-90.(1/11)
تُكُلم في السُّلَمي من أجل تأليفه كتاب"حقائق التفسير"، فيا ليته لم يؤلفه، فنعوذ بالله من الإشارات الحلاّجية، والشطحات البسطامية، وتصوف الاتحادية، فواحزناه على غربة الإسلام والسنة، قال الله تعالى: ?وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله..? [الأنعام:153].(1)
وقال في ترجمة شيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي الأنصاري:
.. وما أحلى تصوف الصحابة والتابعين ! ما خاضوا في هذه الخطرات والوساوس، بل عبدوا الله، وذلوا له وتوكلوا عليه، وهم من خشيته مشفقون، ولأعدائه مجاهدون، وفي الطاعة مسارعون، وعن اللغو معرضون، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.(2)
وقد انتُقد الذهبي من أجل ذلك من قبل بعض معاصريه من متعصبة الحنفية والشافعية، ومن بعض غلاة أهل التصوف، وليس ذلك بضاره شيئا إن شاء الله، فإنه ما سلم من الانتقاد أحد من الفضلاء تقريبا، وهذه سيرهم شاهدة على ذلك. ويكفي المرءَ لدينه أن يسعى في إرضاء ربه، ويبذل جهده في اتباع الحق. وقديما قالوا "رضى الناس غاية لا تدرك".
ومن ذا الذي ينجو من الناس سالما * ولو غاب عنهم بين حافيتي نسر
ويحسن أن نعامل الذهبي بما عامل به هو غيره من الناس، فقد حكى قول من ترك الأخذ عن العالم الجليل أحد قادة الصوفية الفضيل بن عياض رحمه الله، فكان من جملة تعليقاته على ذلك قوله:
إذا كان مثل كبراء السابقين الأولين قد تَكلم فيهم الروافض والخوارج، ومثل الفضيل يُتكلم فيه، فمن الذي يسلم من ألسنة الناس؟ لكن إذا ثبتت إمامة الرجل وفضله لم يضره ما قيل فيه، وإنما الكلام في العلماء مفتقر إلى وزن بالعدل والورع(3).
المطلب السابع: وفاته .
__________
(1) سير أعلام النبلاء (13/442).
(2) المصدر السابق (18/510).
(3) سير أعلام النبلاء (8/448).(1/12)
أضر الذهبي في أخريات حياته، وما زال بصره ينقص قليلا قليلا إلى أن تكامل عدمه، وذلك قبل أربع سنين من وفاته أو أكثر بقليل. وتوفي ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة سنة 748هـ في دمشق بالمدرسة المنسوبة لأم صالح في قاعة سكنه رحمه الله.
وقد حضر جنازته جم غفير من العلماء، كان من بينهم تاج الدين السبكي. ورثاه غير واحد من تلامذته منهم الصفدي والتاج السبكي.
ومما قاله الصفدي في رثائه(1):
أشمسَ الدين غِبْتَ وكلُّ شمس * تغيب وغاب عنا نور فضلك
وكم ورّخت أنت وفاة شخص * وما ورخت قط حياة مثلك
تفسير السلف لصفات الله تعالى
وموقفهم من علم الكلام :
قول الإمام مالك (93هـ - 179هـ) في الاستواء:
قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: الله في السماء، وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء (8/101).
وسأله رجل: كيف الاستواء؟ فأطرق، وأخذته الرحضاء، ثم رفع رأسه فقال: ?الرحمن على العرش استوى? كما وصف نفسه، ولا يقال له كيف؟ وكيف عنه مرفوع. وأنت صاحب بدعة فأخرجوه، فأُخرج.(2)
قول أبي عبيد القاسم بن سلاّم (157هـ - 224هـ):
ذكر أبو عبيد أحاديث في باب الصفات فقال : هذه أحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض ، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل : كيف يضحك ؟ وكيف وضع قدمه ؟ قلنا : لا نفسر هذا ، ولا سمعنا أحدا يفسره .
__________
(1) نكث الهميان للصفدي، ص244.
(2) راجع لذلك كتابنا "استواء الله على العرش بين تسليم السلف وتأويل الخلف"، ط. دار العلم بسكتو، 1425هـ، ص78.(1/13)
قال الذهبي : قد فسّر علماء السلف المهم من الألفاظ وغير المهم، وما أبقوا ممكنا، وآيات الصفات وأحاديثها لم يتعرضوا لتأويلها أصلا، وهي أهم الدين ، فلو كان تأويلها سائغا أو حتما لبادروا إليه، فعُلِم قطعا أن قراءتها وإمرارها على ما جاءت هو الحق ، لا تفسير لها غيرُ ذلك ، فنؤمن بذلك ونسكت اقتداء بالسلف ، معتقدين أنها صفات لله تعالى استأثر الله بعلم حقائقها (يعني كيفيتها) وأنها لا تشبه صفات المخلوقين ، كما أن ذاته المقدسة لا تماثل المخلوقين. فالكتاب والسنة نطقا بها ، والرسول ^ بلّغ ، وما تعرض لتأويل مع كون الباري قال :(لتبين للناس ما نزل إليهم) [النحل : 44]، فعلينا الإيمان والتسليم للنصوص، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم(10/505-506).
قول نعيم بن حماد (ت228هـ):
قال الرمادي: سألت نعيم بن حماد عن قوله تعالى: (وهو معكم) [الحديد:4]، قال: معناه أنه لا يخفى عليه خافية بعلمه، ألا ترى قوله: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) الآية [المجادلة:7].
قال الذهبي في ترجمة قتيبة، وقد ذكر أنه على طريقة المثبتة وأن أخبار الصفات تُمَرّ ولا تُتَأوّل، قال:
وما أحسن قول نعيم بن حماد الذي سمعناه بأصح إسناد عن محمد ابن إسماعيل الترمذي أنه سمعه يقول: من شبّه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف به نفسه ولا رسوله تشبيها.
ثم قال: هذا الكلام حق، نعوذ بالله من التشبيه، ومن إنكار أحاديث الصفات، فما ينكر الثابت منها من فقُه، وإنما بعد الإيمان بها هنا مقامان مذمومان:
…تأويلها وصرفها عن موضوع الخطاب، فما أوّلها السلف، ولا حرفوا ألفاظها عن مواضعها، بل آمنوا بها، وأمرّوها كما جاءت.(1/14)
…المقام الثاني: المبالغة في إثباتها، وتصورها من جنس صفات البشر، وتشكلها في الذهن، فهذا جهل وضلال، وإنما الصفة تابعة للموصوف، فإذا كان الموصوف عز وجل لم نره، ولا أخبرنا أحد أنه عاينه مع قوله لنا في تنزيله: (ليس كمثله شيء) [الشورى:11] فكيف بقي لأذهاننا مجال في إثبات كيفية الباري، تعالى الله عن ذلك، فكيف صفاته المقدسة، نقر بها ونعتقد أنها حق، ولا نمثلها أصلا ولا نتشكلها.
…(13/300-301) وراجع أيضا: (10/610-611).
- - -
قول إسحاق بن راهويه (160هـ - 238هـ):
قال حرب الكرماني : قلت لإسحاق : (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) [المجادلة : 7] كيف تقول فيه ؟ قال : حيثما كنت فهو أقرب إليك من حبل الوريد ، وهو بائن من خلقه ، وأبين شيء في ذلك قوله: (الرحمن على العرش استوى) [طه :5].
وقال إسحاق بن راهويه : إجماع أهل العلم أنه تعالى على العرش استوى ، ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة .
وورد عن إسحاق أن بعض المتكلمين قال له : كفرتُ برب ينزل من سماء إلى سماء . فقال : آمنتُ برب يفعل ما يشاء . (11/370)
قال الذهبي : هذه الصفات من الاستواء والإتيان والنزول قد صحت بها النصوص ، ونقلها الخلف عن السلف ، ولم يتعرضوا لها برد ولا تأويل ، بل أنكروا على من تأولها مع إصفاقهم (اجتماعهم) على أنها لا تشبه نعوت المخلوقين ، وأن الله ليس كمثله شيء ، ولا تنبغي المناظرة ولا التنازع فيها ، فإن في ذلك محاولة للرد على الله ورسوله، أو حوما على التكييف أو التعطيل (11/376).
قول أبي سعيد الدارمي (ت280هـ):
قال الإمام أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي: اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله تعالى فوق عرشه، فوق سماواته.(1/15)
قال الذهبي: أوضح شيء في هذا الباب قوله عز وجل :(الرحمن على العرش استوى)[طه:5]. فليُمَرّ كما جاء، كما هو معلوم من مذهب السلف، ويُنهى الشخص عن المراقبة والجدال، وتأويلات المعتزلة، (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول)[آل عمران:53].
قول الخطيب البغدادي (392هـ - 463هـ):
قال الحافظ أبوبكر الخطيب : أما الكلام في الصفات ، فإن ما رُوي منها في السنن الصحاح مذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها. وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله ، وحققها قوم من المثبتين فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف . والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين ، ودين الله تعالى بين الغالي فيه والمقصِّر عنه . والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ، ويُحْتَذَى في ذلك حذوَه ومثالَه . فإذا كان معلوما أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية ، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف .
…فإذا قلنا : لله يد وسمع وبصر ، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه ، ولا نقول : إن معنى اليد القدرة ، ولا إن معنى السمع والبصر العلم ، ولا نقول إنها جوارح ، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل ، ونقول : إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها ، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله :(ليس كمثله شيء) [الشورى:11] (ولم يكن له كفؤا أحدا) [الإخلاص:4]. (18/287-288).
السلف يكرهون الكلام والجدل :
قال عبد الله بن أحمد : مات أبوبكر الأعين في سنة 240هـ فترحّم عليه أبي ، وقال : إني لأغبطه ، مات وما يعرف إلا الحديث. لم يكن صاحب كلام.
قال الذهبي : هكذا كان السلف لا يرون الدخول في الكلام ولا الجدال، بل يستفرغون وسعهم في الكتاب والسنة والتفقه فيهما، ويتبعون ولا يتنطعون (12/120).
فتوى ابن الصلاح في الفلسفة والمنطق:(1/16)
سئل الحافظ تقي الدين ابن الصلاح الشهرزوري عن الفلسفة والمنطق، فقال: الفلسفة أُسّ السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة. ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالبراهين، من تلبس بها قارنه الخذلان والحرمان، واستحوذ عليه الشيطان، وأظلم قلبه عن نبوة محمد ^.. واستعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية من المنكرات المستبشعة، والرقاعات المستحدثة. وليس بالأحكام الشرعية - ولله الحمد - افتقار إلى المنطق أصلا، هو قعاقع قد أغنى الله عنها كل صحيح الذهن (23/143).
متى دخل علم الكلام في المغرب ؟
قال أبو علي الحسين ابن أبي حريصة : بلغني أن أبا ذر الهروي مات بمكة سنة 404هـ وكان على مذهب مالك ومذهب الأشعري.
قال الذهبي : أخذ الكلام ورأي أبي الحسن - الأشعري - عن القاضي أبي بكر ابن الطيب ، وبث ذلك بمكة ، وحمله عنه المغاربة إلى المغرب والأندلس، وقبل ذلك كانت علماء المغرب لا يدخلون في الكلام ، بل يتقنون الفقه أو الحديث أو العربية ، ولا يخوضون في المعقولات . وعلى ذلك كان الأصيلي ، وأبو الوليد ابن الفرضي ، وأبو عمر الطلمنكي ، ومكي القيسي ، وأبو عمرو الداني ، وأبو عمر ابن عبد البر ، والعلماء(1) (17/557).
فتن جرت في تاريخ الأمة
وقوع الفتنة في الأمة - نعوذ بالله من الفتن :
…ذكر الذهبي في آخر ترجمة الحسن بن علي - رضي الله عنه - أن مروان منع من دفن الحسن مع جده ^، وقد أذنتْ بذلك عائشة رضي الله عنها، وكادت تكون فتنة لكن أطفأها الله بتدخل أبي هريرة - رضي الله عنه -.
__________
(1) يبدو أن الهروي قد رجع إلى مذهب أهل الحديث ، وأخباره تدل على ذلك . وله مصنف في الصفات على منوال كتاب البيهقي بحدثنا وأخبرنا ، أثبت فيه الصفات على طريقة السلف . راجع ترجمته وافية في السير (17/554-563) .(1/17)
…ثم قال: أعاذنا الله من الفتن، ورضي الله عن جميع الصحابة، فَتَرَضَّ عنهم يا شيعي تفلح، ولا تدخل بينهم، فالله حكم عدل يفعل فيهم سابق علمه، ورحمته وسعت كل شيء، وهو القائل: "إن رحمتي وسعت غضبي"(1) و(لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون). فنسأل الله أن يعفو عنا، وأن يثبّتنا بالقول الثابت. آمين (3/279).
أصناف الناس بعد وقوع الفتنة:
* قال الذهبي في ترجمة الفقيه أبي سلمة الفأفاء (ت132هـ): كان مُرجئا ينال من علي - رضي الله عنه - . قتل في أواخر سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، وهو من عجائب الزمان ، كوفي ناصبي ، ويندر أن تجد كوفيا إلا هو يتشيع . ثم قال :
…وكان الناس في الصدر الأول بعد وقعة صفين على أقسام :
1- أهل سنة ، وهم أولوا العلم ، وهم محبون للصحابة ، كافون عن الخوض فيما شجر بينهم كسعد وابن عمر ومحمد بن مسلمة وأمم .
2- ثم شيعة يتوالون وينالون ممن حاربوا عليا ، ويقولون إنهم بغاة ظلمة .
3- ثم نواصب : وهم الذين حاربوا عليا يوم صفين ، ويقرون بإسلام علي وسابقَيْه ، ويقولون : خذل الخليفة عثمان.
…فما علمت في ذلك الزمان شيعيا كفّر معاوية وحزبه ، ولا ناصبيا كفّر عليا وحزبه ، بل دخلوا في سب وبغض . ثم صار اليوم شيعة زماننا يكفرون الصحابة ، ويبرؤون منهم جهلا وعدوانا ، ويتعدون إلى الصديق ، قاتلهم الله. وأما نواصب وقتنا فقليل ، وما علمت فيهم من يكفر عليا ولا صحابيا (5/374).
* وعن مطرِّف قال: قلت للزبير: ما جاء بكم؟ ضيّعتم الخليفة حتى قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه؟ قال: إنا كنا نقرأ على عهد رسول الله ^، وأبي بكر، وعمر، وعثمان: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) [الأنفال:25]، لم نكن نحسب أنا أهلها، حتى وقعت منا حيث وقعت (1/57).
__________
(1) صحيح أخرجه البخاري في ك التوحيد، باب قول الله تعالى (ويحذركم الله نفسه) (13/325)، ومسلم في ك التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى، وأنها سبقت غضبه (2751)، والترمذي (3537).(1/18)
* وقال في ترجمة معاوية - رضي الله عنه - :
…وخَلْفَ معاوية خلق كثير يحبونه ويتغالون فيه ، ويفضلونه ، إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء ، وإما قد ولدوا في الشام على حبه وتربى أولادهم على ذلك . وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة وعدد كثير من التابعين والفضلاء ، وحاربوا معه أهل العراق ونشؤوا على النصب ، نعوذ بالله من الهوى . كما نشأ جيش علي - رضي الله عنه - ورعيته - إلا الخوارج منهم - على حبه والقيام معه ، وبغض من بغى عليه ، والتبري منهم ، وغلا خلق منهم في التشيع .
…فبالله كيف يكون حال من نشأ في إقليم لا يكاد يشاهد إلا غاليا في الحب مفرطا في البغض ؟ ومن أين يقع له الإنصاف والاعتدال ؟!
…فنحمد الله على العافية ، الذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق ، واتضح من الطرفين ، وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين ، وتبصّرنا ، فعذرنا واستغفرنا ، وأحببنا باقتصاد ، وترحّمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة ، أو بخطإ إن شاء الله مغفور ، وقلنا كما علمنا الله :(ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ..) ، وترضّينا أيضا عمن اعتزل الفريقين كسعد ابن أبي وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة وسعيد بن زيد وخلق . وتبرأنا من الخوارج المارقين الذين حاربوا عليا وكفروا الفريقين . فالخوارج كلاب النار ، قد مرقوا من الدين ، ومع هذا فلا نقطع لهم بخلود النار كما نقطع به لعبدة الأصنام والصلبان (3/128).
* وقال يونس بن عبيد: إني أعدها نعمة الله أني لم أنشأ بالكوفة (6/294).
* وقال في ترجمة الحسن بن صالح الكوفي : هو من أئمة الإسلام لو لا تلبّسه ببدعة. وكان يترك الجمعة ، ولا يراها خلف أئمة الجور بزعمه. ثم ذكر عن وكيع قوله : حسن بن صالح عندي إمام . فقيل له : إنه لا يترحم على عثمان . فقال : أفتترحم أنت على الحجاج ؟(1/19)
قال الذهبي : لا بارك الله في هذا المثال . ومراده : أن ترك الترحم سكوت ، والساكت لا يُنسب إليه قول ، ولكن من سكت عن ترحم مثل الشهيد أمير المؤمنين عثمان ، فإن فيه شيئا من تشيع ، فمن نطق فيه بغضّ وتنقّص وهو شيعي جلد يؤدب ، وإن ترقّى إلى الشيخين بذم فهو رافضي خبيث ، وكذا من تعرض للإمام علي بذم فهو ناصبي يُعزّر، فإن كفّره فهو خارجي مارق . بل سبيلنا نستغفر للكل ونحبهم، ونكف عما شجر بينهم (7/361-370بتصرف يسير).
* وفي ترجمة أبي حَصِين عثمان بن عاصم الكوفي ذكر الذهبي قوله : ما سمعنا بحديث "من كنت مولاه.." حتى جاء هذا - يعني أبا إسحاق - من خراسان فنعق به ، فاتبعه على ذلك ناس . فقال الذهبي : الحديث ثابت بلا ريب ، ولكن أبو حَصِين عثماني ، وهذا نادر في رجل كوفي (5/415).
موقف المسلم من المرويات في مثالب الصحابة:
* قال ابن المبارك : السيف الذي وقع بين الصحابة فتنة ، ولا أقول لأحد منهم هو مفتون (8/405).
* وقال شهاب بن خراش : أدركت من أدركت من صدر هذه الأمة وهم يقولون : اذكروا مجلس أصحاب رسول الله ^ ما تأتلف عليه القلوب، ولا تذكروا الذي شجر بينهم ، فتحرشوا عليهم الناس (8/285).
* وقال الذهبي رحمه الله في ترجمة الإمام الشافعي:(1/20)
…"تقرر الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين، وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف، وبعضه كذب، وهذا فيما بين أيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه وإخفاؤه، بل إعدامه لتصفو القلوب وتتوفر على حب الصحابة والترضي عنهم، وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء، وقد يُرخّص في مطالعة ذلك خلوة للعالم المنصف العري من الهوى بشرط أن يستغفر لهم كما علمنا الله تعالى حيث يقول: (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم) [الحشر:10]. فالقوم لهم سوابق، وأعمال مكفرة لما وقع منهم، وجهاد محاء، وعبادة ممحصة، ولسنا ممن يغلو في أحد منهم، ولا ندعي فيهم العصمة، نقطع بأن بعضهم أفضل من بعض، ونقطع بأن أبا بكر وعمر أفضل الأمة، ثم تتمة العشرة المشهود لهم بالجنة، وحمزة وجعفر ومعاذ وزيد، وأمهات المؤمنين، وبنات نبينا ^، وأهل بدر مع كونهم على مراتب، ثم الأفضل بعدهم مثل أبي الدرداء وسلمان الفارسي وابن عمر وسائر أهل بيعة الرضوان الذين رضي الله عنهم بنص آية سورة الفتح. ثم عموم المهاجرين والأنصار كخالد بن الوليد والعباس وعبد الله بن عمرو، وهذه الحلبة, ثم سائر من صحب رسول الله ^ وجاهد معه، أو حج معه أو سمع منه رضي الله عنهم أجمعين وعن جميع صواحب رسول الله ^ المهاجرات والمدنيات وأم الفضل وأم هانئ الهاشمية وسائر الصحابيات."
…"فأما ما تنقله الرافضة وأهل البدع في كتبهم من ذلك ، فلا نعرّج عليه ولا كرامة ، فأكثره باطل وكذب وافتراء ، فدأب الروافض رواية الأباطيل ، أو رد ما في الصحاح والمسانيد ، ومتى إفاقة من به سُكْران ؟"(1/21)
…"وبكل حال فالجهال والضلال قد تكلموا في خيار الصحابة. وفي الحديث الثابت: "لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله، إنهم ليدعون له ولدا، وإنه ليرزقهم ويعافيهم"(1). (10/93-94 باختصار).
* وقال في ترجمة مسطح بن أُثاثة - المذكور في قصة الإفك: إياك يا جري أن تنظر إلى هذا البدري شزرا لهفوة بدت منه(2)، فإنها غُفرت وهو من أهل الجنة. وإياك يا رافضي أن تلوّح بقذف أم المؤمنين بعد نزول النص في براءتها فتجب لك النار . (1/188).
انتهاك الحجاج لحرمة البيت الحرام:
وقاتل الحجاج عبد الله ابن الزبير وقد لاذ بالبيت الحرام، وخذله من كان معه، وجعلوا يتسللون إلى الحجاج، وجعل الحجاج يصيح: أيها الناس! علام تقتلون أنفسكم؟ من خرج إلينا فهو آمن، لكم عهد الله وميثاقه وربِّ هذه البنيّة لا أغدر بكم، ولا لنا حاجة في دمائكم، فتسلل إليه نحو من عشرة آلاف. قال المنذر بن جهم: فلقد رأيت ابن الزبير وما معه أحد.
…وقال إسحاق ابن أبي إسحاق: حضرت قتل ابن الزبير، جعلت الجيوش تدخل عليه من أبواب المسجد، فكلما دخل قوم من باب حمل عليهم وحده حتى يخرجهم، فبينا هو على تلك الحال إذ وقعت شُرفة من شرفات المسجد على رأسه، فصرعته.
قال الذهبي: ما إخال أولئك العسكر إلا لو شاؤوا لأتلفوه بسهامهم، ولكن حرصوا على أن يمسكوه عنوة، فما تهيأ لهم. فليته كف عن القتال لما رأى الغلبة، بل ليته لا التجأ إلى البيت، ولا أحوج أولئك الظلمة والحجاج - لا بارك الله فيه - إلى انتهاك حرمة بيت الله وأمنه. فنعوذ بالله من الفتنة الصماء (3/377-378).
وقعة الحَرَّة بالمدينة:
__________
(1) أخرجه البخاري ، ك الأدب ، باب الصبر في الأذى (10/426) ومسلم ، ك صفات المنافقين ، باب لا أحد أصبر على أذى من الله عز وجل ، ح 2804.
(2) لم يتبين لي مراد المصنف بهذا، فإني لا أعرف له هفوة إلا ما رماه به المنافقون، وبرّأه الله مما قالوا.(1/22)
كانت في أيام يزيد ابن أبي سفيان سنة 63هـ. أرسل يزيد أمير جيشه مسلم بن عقبة المري إلى المدينة فاستباحها في ذلك اليوم، واستخف بأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وقتل بقايا المهاجرين والأنصار، ونهبت دورهم. ولم تصل الجماعة يومئذ في مسجد رسول الله ^. وكانت من أعظم مصائب الإسلام. نسأل الله العصمة من الفتن.
…ثم سار الجيش وعليهم حُصين بن نمير، فحاصروا الكعبة، وبها ابن الزبير، وجرت أمور عظيمة. وحضر ابن الزبير الموسم سنة 72هـ فحج بالناس، وحج بأهل الشام الحجاج، ولم يتمكنوا من الطواف بالبيت (3/374).
- - -
فتنة التتار:
…أول ما سُمع بذكر التتار كان سنة 606هـ، خرجوا من أراضيهم بادية الصين، وراء بلاد كردستان، فعاثوا في الأرض فسادا.
وصفهم الموفق البغدادي فقال: حديثهم حديث يأكل الأحاديث، وخبر ينسي التواريخ، ونازلة تطبق الأرض، هذه أمة لغتها مشوبة بلغة الهند لمجاورتهم، عراض الوجوه، واسعوا الصدور، خفاف الأعجاز، صغار الأطراف، سمر، سريعوا الحركة، تصل إليهم أخبار الأمم، ولا تصل أخبارهم إليهم، وقلما يقدر جاسوس أن يتمكن منهم، لأن الغريب لا يشببههم، وإذا أرادوا وجهة كتموا أمرهم، ونهضوا دفعة، فتنسدّ لهذا على الناس وجوه الحيل، وتضيق طرق الهرب، ويسبقون التأهب، نساؤهم يقاتلن، يقتلون النساء والولدان بغير استثناء، وربما أبقوا ذا صنعة أو ذا قوة، وغالب سلاحهم النُّشّاب، ويطعنون بالسيوف أكثر مما يضربون بها، جواشنهم من جلود، وخيلهم تأكل الكلأ وما تجد من ورق وخشب، وسروجهم صغار ليس لها قيمة، وأكلهم أي حيوان وجد وتمسه النار، تحلة القسم، ليس في قتلهم استثناء، كان قصدهم إفناء النوع - يعني النوع الإنساني- (22/225-227).(1/23)
…قال ابن الأثير: لو قيل إن العالم منذ خُلق إلى الآن لم يبتلوا بمثل كائنة التتار لكان صادقا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها. قوم خرجوا من أطراف الصين، فقصدوا بلاد تركستان، ثم إلى بخارى وسمرقند فتملكوها، ثم تعبر طائفة منهم إلى خراسان فيفرغون منها تخريبا وقتلا إلى الري وهمذان، ثم يقصدون أذربيجان ونواحيها ويستبيحونها في أقل من سنة، أمر لم نسمع بمثله، ثم ساروا إلى دربند شروين، فملكوا مدنه، وعبروا إلى بلاد اللان واللكز قتلا وأسرا، ثم قصدوا بلاد قفجاق فقتلوا من وقف، وهرب من بقي إلى الغياض والجبال، واستولت التتار على بلادهم، ومضت فرقة أخرى إلى غزنة وسجستان وكرمان، ففعلوا كذلك، وأشد. هذا ما لم يطرق الأسماع مثله، فإن الإسكندر ما ملك الدنيا بهذه السرعة، بل في نحو عشر سنين، ولم يقتل أحدا.
…قال: وخيلهم لا تعرف الشعير، إنما تحفر بحوافرها وتأكل عروق النبات، وهم يسجدون للشمس، ولا يحرمون شيئا، ويأكلون الحيوانات (22/236-237).
…ففي سنة 617هـ أخذوا بخارى بالسيف وأبادوا أهلها فتركوها كأمس الذاهب، ثم أحاطوا بسمرقند، فبرز من أهلها نحو سبعين ألفا، فحصدهم التتار، ثم عبروا جيحون خوضا وسباحة، وأخذوا الري ومازندران، ثم أخذوا قزوين بالسيف، وبلغت القتلى أربعين ألفا، ثم أخذوا أذربيجان ومراغة، وأحرقوا همذان، وساروا إلى تبريز فبذل أهلها أموالا، فساروا إلى بيلقان فأخذوها عنوة، وذلك في رمضان سنة 618هـ، وحصدوا أهلها، حتى كانوا يزنون بالمرأة ثم يقتلونها، وساروا إلى كنجة فصانعوهم بالأموال، ثم التقوا الكُرج فقتلوا من أهلها ثلاثين ألفا، ثم بيّتوا القفجاق، وأبادوا فيهم، وأتوا سوداق فملكوها، وأقاموا هناك إلى سنة 620هـ.
…وأخذوا خوارزم بعد حصار دام ثلاثة أشهر، وقتلوا بها أمما، لكن بعد أن قُتل منهم خلائق أيضا، وأخذوا مرو، وبلخ، ونيسابور، وطوس، وسرخس، وهراة، فلا يحصى من راح تحت السيف.(1/24)
…وأما الخليفة - الناصر لدين الله - فإنه جمع الجموع، وجيش الجيوش، وحشر فنادى، وأتته البعوث من كل حدب ينسلون، ولما جاء رسول التتار احتفل الجيش وبالغوا، حتى امتلأ قلبه رعبا، ودماغه خيالا، فرجع مخبِّرا.
…وأما أهل أصبهان ففتحوا، ودخلت التتار، فمال عليهم الناس قتلا، فقلّ من نجا من التتار.
…سئل عنهم الملك الأشرف فقال: ما أقول في قوم لم يؤسر أحد منهم قط.
…وعن نيسابوري قال: أُحصي من قُتل بنيسابور فبلغوا أزيد من خمسمائة ألف. وأُحصي القتلى بمرو فكانوا سبعمائة ألف.
…ومتى التمس الشخص رحمتهم ازدادوا عتوا، وإذا اجتمعوا على شرب خمر، أحضروا أسارى ويمثلون بهم بأن يقطِّعوا أعضاءهم، فكلما صاح ضحكوا، وقد جمُع فيهم من كل وحش رديء خلقه. نسأل الله العافية(1) (22/234-240باختصار).
طرائف من أخبار السلف
أولئك الناس إن عُدوا وإن ذُكروا * ومن سواهم فلغو غير معدود
أكرم النساء مهرا :
__________
(1) وصف الإمام السبكي في طبقات الشافعية (ص 215) هذه الواقعة فقال: " هي الواقعة التي ما سطر مثلها المؤرخون، والمصيبة التي ما عاينها الأولون، والداهية التي ما خطرت ببال، والكائنة التي تكاد ترجف عندها الجبال. أجمع الناس على أن العالم مذ خلق الله تعالى آدم إلى زمانها لم يبتلوا بمثلها، وأن ما فعله بخت نصر ببني إسرائيل من القتل وتخريب بيت المنقدس يقصر عن فعلها. ثم نقل عن ابن الأثير قوله: "لعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا إلا يأجوج ومأجوج. وأما الدجال فإنه يُبقى على من اتبعه ويهلك من خالفه وهؤلاء لم يبقوا على أحد بل قتلوا النساء والرجال والأطفال وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الأجنة فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.(1/25)
قال أنس بن مالك - رضي الله عنه -: خطب أبو طلحة أم سليم ، فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يُردّ ، ولكنك كافر وأنا مسلمة ، ولا يحل لي أن أتزوجك ، فإن تسلم فذاك مهري ، ولا أسألك غيره ، فأسلم ، فكان ذلك مهرها . قال ثابت : فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهرا من أم سليم ، فدخل بها فولدت له (16/257) .
أحسن الناس صوتا بالقرآن :
قال أبو عثمان النهدي : ما سمعت مزمارا ولا طنبورا ولا صنجا أحسن من صوت أبي موسى الأشعري ، إن كان ليصلي بنا فنَوَدُّ أنه قرأ البقرة من حسن صوته (1/392) .
بلال ليس بحبشي، وصهيب ليس برومي:
روى بقية عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة عن النبي ^ :"السُّبّاق أربعة : أنا سابق العرب ، وبلال سابق الحبشة ، وصهيب سابق الروم ، وسلمان سابق الفرس"(1).
قال الذهبي : هذا حديث منكر فرد . والأظهر أن بلالا ليس بحبشي، وأما صهيب فعربي من النمر بن قاسط (8/530) .
شهادة لأبي الدرداء - رضي الله عنه -:
بسند صحيح عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ^ :"ليكفرن أقوام بعد إيمانهم" فبلغ ذلك أبا الدرداء، فأتاه فقال : يا رسول الله ! بلغني أنك قلت : "ليكفرن أقوام بعد إيمانهم" ، قال :"نعم ، ولست منهم". (11/518).
أُمْنِيّة عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -:
__________
(1) أخرجه ابن عدي في الكامل 1/49/1 وقال : ليس بمعروف هذا الحديث إلا لبقية عن محمد بن زياد الألهاني . وأخرجه الحاكم في المستدرك (3/285) من حديث أنس بن مالك، وقال: تفرد به عمارة بن زاذان، وأقره الذهبي، وابن زاذان ضعيف لسوء حفظه.(1/26)
اجتمع في الحجر عبد الله، ومصعب، وعروة - بنو الزبير - وابن عمر، فقال ابن عمر: تمنوا، فقال ابن الزبير: أتمنى الخلافة، وقال عروة: أتمنى أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب: أتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة وسُكينة بنت الحسين. فقال ابن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة. قال أبو الزناد: فنالوا ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غُفر له (4/141).
من زهد عبد الله - رضي الله عنه -:
قال قزعة: رأيت على ابن عمر ثيابا خشنة أو جشنة، فقلت له: إني قد أتيتك بثوب لين مما يصنع بخراسان، وتقر عيناي أن أره عليك.قال: أرنيه، فلمسه، وقال: أحرير هذا؟ قلت: لا، إنه من قطن. قال: أخاف أن أكون مختالا فخورا، والله لا يحب كل مختال فخور.
قال الذهبي: كل لباس أوجد في المرء خيلاء وفخرا فتركه متعين ولو كان من غير ذهب ولا حرير. فإنا نرى الشاب يلبس الفرجية(1) الصوف بفرو من أثمان أربع مائة درهم ونحوها، والكبر والخيلاء على مشيته ظاهر، فإن نصحته ولمته برفق كابر، وقال: ما فيّ خيلاء ولا فخر. وهذا السيد ابن عمر يخاف على نفسه. وكذلك ترى الفقيه المترف إذا ليم في تفصيل فرجية تحت كعبيه وقيل له: قال النبي ^: "ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار"، يقول: إنما قال هذا فيمن جر إزاره خيلاء، وأنا لا أفعل خيلاء. فتراه يكابر، ويبرئ نفسه الحمقاء، ويعمد إلى نص مستق عام فيخصه بحديث آخر مستقل في بمعنى الخيلاء، ويترخص بقول الصديق: إنه يا رسول الله يسترخي إزاري، فقال: "لست ممن يفعله خيلاء". فقلنا: أبو بكر - رضي الله عنه - لم يكن يشد إزاره مسدولا على كعبيه أولا، بل كان يشده فوق الكعب، ثم فيما بعد يسترخي.. (3/232-234).
ما يشتكيه عبد الله بن مسعود :
__________
(1) الفرجية: ثوب واسع طويل الأكمام، يتخذ من قطن أو حرير أو صوف.(1/27)
مرض عبد الله ابن مسعود فعاده الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنهما وقال له: ما تشتكي؟ قال ابن مسعود: ذنوبي. قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة الله. قال: ألا آمر لك بطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني. قال: ألا آمر لك بعطاء؟ قال: لا حاجة لي فيه (1/498).
حسن إسلام أبي سفيان:
أبو سفيان بن حرب رأس قريش وقائدهم يوم أحد ويوم الخندق. وله هنات وأمور صعبة، لكن تداركه الله بالإسلام يوم الفتح فأسلم شبه مكره خائف، ثم بعد أيام صلح إسلامه.
وكان من دهاة العرب، ومن أهل الرأي والشرف فيهم، فشهد حنينا، وأعطاه صهره رسول الله ^ من الغنائم مائة من الإبل، وأربعين أوقية من الدراهم يتألفه بذلك، ففرغ عن عبادة "هبل" ومال إلى الإسلام.
وشهد قتال الطائف، فقلعت عينه حينئذ، ثم قلعت الأخرى يوم اليرموك. وكان يومئذ قد حسن إن شاء الله إيمانه، فإنه كان يومئذ يحرض على الجهاد، وكان تحت راية ولده يزيد، فكان يصيح: يا نصر الله اقترب! وكان يقف على الكراديس(1) يذكّر، ويقول: اللهَ اللهَ ، إنكم أنصار الإسلام ودارة العرب، وهؤلاء أنصار الشرك ودارة الروم. اللهم هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك.
فإن صح هذا عنه فإنه يُغبط بذلك. ولا ريب أن حديثه عن هرقل وكتاب النبي ^ يدل على إيمانه، ولله الحمد (3/106-107).
مثال في متابعة الصحابة للرسول ^:
عن ابن أبي ليلى أن عبد الله بن رواحة أتى النبي ^ وهو يخطب فسمعه وهو يقول: "اجلسوا"، فجلس مكانه خارج المسجد حتى فرغ من خطبته. فبلغ ذلك النبي ^ فقال: "زادك الله حرصا على طواعية الله ورسوله". مرسل صحيح (1/232).
أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه -:
روى مسلم أن النبي ^ قال لأبي ذر - مع قوة بدنه وشجاعته - :"يا أبا ذر ! إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي. لا تأمّرنّ على اثنين ولا تولينّ مال يتيم".
__________
(1) الكراديس: كتائب الخيل، واحدها: كردوس.(1/28)
قال الذهبي: فهذا محمول على ضعف الرأي، فإنه لو ولي مال يتيم لأنفقه كله في سبيل الخير، ولترك اليتيم فقيرا. فقد ذكرنا أنه كان لا يستجيز ادخار النقدين. والذي يتأمر على الناس يريد أن يكون فيه حلم ومداراة، وأبو ذر - رضي الله عنه - كانت فيه حدّة - كما ذكرنا فنصحه النبي ^ (2/75).
من طيب نفوس الصحابة - رضي الله عنهم -:
عن خبيب بن يساف - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله ^ وهو يريد غزوا، أنا ورجل من قومي لم نسلم، فقلنا: إنا نستحيي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده، قال: "أسلمتما؟ قلنا: لا. قال:"إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين". قال: فأسلمنا، وشهدنا معه، فقتلت رجلا، وضربني ضربة، وتزوجت ابنته بعد ذلك، فكانت تقول لي: لا عدمتُ رجلا وشّحكَ هذا الوشاح، فأقول لها: لا عدمتِ رجلا عجّل أباك إلى النار (1/501).
من حرص الصحابة على العبادة:
عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن، فقرأته كله في ليلة، فقال رسول الله ^: "اقرأه في شهر". قلت: يا رسول الله دعني أستمتع من قوتي وشبابي. قال: "اقرأه في عشرين" قلت: دعني أستمتع، قال: "اقرأه في سبع ليال". قلت: دعني يا رسول الله أستمتع. قال: فأبى. رواه النسائي.(1/29)
قال الذهبي: وصح أن رسول الله ^ نازله إلى ثلاث ليال، ونهاه أن يقرأه في أقل من ثلاث. وهذا كان في نزل من القرآن، ثم بعد هذا القول نزل ما بقي من القرآن. فأقل مراتب النهي أن تكره تلاوة القرآن كله في أقل من ثلاث، فما فقه ولا تدبر من تلى في أقل من ذلك. ولو تلا ورتل في أسبوع، ولازم ذلك، لكان عملا فاضلا. فالدين يسر، فوالله إن ترتيل سبع القرآن في تهجد قيام الليل مع المحافظة على النوافل الراتبة، والضحى، وتحية المسجد، مع الأذكار المأثورة الثابتة، والقول عند النوم واليقظة، ودبر المكتوبة والسحر، مع النظر في العلم النافع والاشتغال به مخلصا لله، مع الأمر بالمعروف وإرشاد الجاهل وتفهيمه، وزجر الفاسق ونحو ذلك، مع أداء الفرائض في جماعة بخشوع وطمأنينة وانكسار وإيمان، مع أداء الواجب واجتناب الكبائر، وكثرة الدعاء والاستغفار، والصدقة وصلة الرحم، والتواضع، والإخلاص في جميع ذلك، لشُغْل عظيم جسيم، ولمقام أصحاب اليمين وأولياء الله المتقين، فإن سائر ذلك مطلوب. فمتى تشاغل العابد بختمة في كل يوم، فقد خالف الجنيفية السمحة، ولم ينهض بأكثر ما ذكرناه ولا تدبر ما يتلوه (3/83-84).
لما ذا تزوج عمر بنت فاطمة؟
خطب عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت علي شقيقة الحسن والحسين وهي صغيرة فقيل له: ما تريد إليها؟ قال: إني سمعت رسول الله ^ يقول: "كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي"(1).
__________
(1) صحيح أخرجه الحاكم (3/142) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، فتعقبه الذهبي وقال: منقطع. وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" من طريق آخر عن جعفر بن محمد به. وأورده السيوطي في "الدر المنثور" (5/15) ونسبه إلى الطبراني في "الأوسط" و "الكبير". وفي الباب عن ابن عمر عند ابن عساكر وعن المسور بن مخرمة عند أحمد (4/491) وسنده حسن في الشواهد.(1/30)
قال أبو عمر ابن عبد البر: قال عمر لعلي: زوجنيها أبا حسن، فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصد أحد، قال: فأنا أبعثها إليك، فإن رضيتها فقد زوجتكها - يعتل بصغرها - قال: فبعثها إليه بِبُرُد وقال لها: قولي له: هذا البرد الذي قلت لك. فقالت له ذلك، فقال: قولي له: قد رضيت رضي الله عنك، ووضع يده على ساقها، فكشفها، فقالت: أتفعل هذا؟ لو لا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك، ثم مضت إلى أبيها، فأخبرته وقالت: بعثتني إلى شيخ سوء! قال: يا بنية إنه زوجك(1) (3/500-501).
العشرة المبشرون بالجنة :
قال الذهبي بعد أن انتهى من إيراد تراجم العشرة رضي الله عنهم:
…"فهذا ما تيسر من سيرة العشرة ، وهم أفضل قريش ، وأفضل السابقين المهاجرين ، وأفضل البدريين ، وأفضل أصحاب الشجرة ، وسادة هذه الأمة في الدنيا والآخرة".
…"فأبعد الله الرافضة ما أغواهم وأشد هواهم ، كيف اعترفوا بفضل واحد منهم وبخسوا التسعة حقهم ، وافتروا عليهم بأنهم كتموا النص في علي أنه الخليفة . فوالله ما جرى من ذلك شيء ، وأنهم زوّروا الأمر عنه بزعمهم وخالفوا نبيهم ، وبادروا إلى بيعة رجل من بني تيم لا لرغبة في أمواله ولا لرهبة من عشيرته ورجاله".
…"ويحك! أيفعل هذا من له مسكة عقل؟ ولو جاز هذا على واحد لما جاز على جماعة ، ولو جاز وقوعه من جماعة لاستحال وقوعه والحالة هذه من ألوف من سادة المهاجرين والأنصار وفرسان الأمة وأبطال الإسلام، لكن لا حيلة في برء الرفض فإنه داء مزمن. والهدى نور يقذفه الله في قلب من يشاء ، فلا قوة إلا بالله" (1/140-141).
- - -
خلافة الصديق في نص القرآن:
__________
(1) ولدت أم كلثوم لعمر زيدا، وقيل ولدت له أيضا رقية، فلما مات عمر تزوجت بعون ، ثم مات قتزوجها محمد بن جعفر ثم مات فتزوجها أخوه عبد الله بن جعفر فماتت عنده، ولم تنجب لأحد الإخوة الثلاثة.(1/31)
قال الإمام أبوبكر بن عياش: أبوبكر الصديق خليفة رسول الله ^ في نص القرآن، لأن الله تعالى يقول: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون)[الحشر:8]. قال: فمن سماه الله صادقا فليس يكذب، هم قالوا: يا خليفة رسول الله (8/500-501).(1)
من أخبار القيامة
ضغطة القبر :
روى أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي ^ قال :"إن للقبر ضغطة ، ولو كان أحد ناجيا منها نجا سعد ابن معاذ" قال الذهبي : إسناده قوي .
__________
(1) راجع إثبات الحجج على ولاية أبي بكر رضي الله في منهاج الاعتدال لابن تيمية، انتقاء الذهبي ص51-57. وقال الحافظ ابن عبد البر المالكي رحمه الله: قد استدل قوم من أهل العلم على خلافة أبي بكر بقول الله عز وجل: (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون، فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما)[الفتح:16]، ومعلوم أن الداعي لأولئك القوم غير النبي ^، لأن الله قد منع المخلفين من الأعراب من الخروج مع رسول الله ^ بقوله: (قل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا، إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع القاعدين)[التوبة:83]. وقد أرادوا الخروج معه إلى بعض ما رجوا فيه الغنيمة، فأنزل الله: (سيقول المخلفون من الأعراب إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذروها نتبعكم، يريدون أن يبدلوا كلام الله)[الفتح:15] يعني قوله: (لن تخرجوا معي أبدا)، ولا تبديل لكلمات الله. ثم قال: وفي قوله: (فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما) أوضح الدلائل على وجوب طاعة أبي بكر وإمامته. وفيه كلام طويل ماتع لا يمكن نقله هنا، فراجعه في التمهيد 22/129-132.(1/32)
…وقال : هذه الضمة ليست من عذاب القبر في شيء ، بل هو أمر يجده المؤمن كما يجد ألم فقد ولده وحميمه في الدنيا ، وكما يجد من ألم مرضه وألم سؤاله في قبره وامتحانه وألم تأثره ببكاء أهله عليه وألم قيامه من قبره وألم الموقف وهوله وألم وروده على النار ونحو ذلك. فهذه الأراجيف كلها قد تنال العبد وما هي من عذاب القبر ولا من عذاب جهنم قط ، ولكن العبد التقي يرفق الله به في بعض ذلك أو كله، ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه . قال تعالى :(وأنذرهم يوم الحسرة)، وقال: (وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر).
فنسأل الله تعالى العفو واللطف الخفي . ومع هذه الهزات فسعد ممن نعلم أنه من أهل الجنة ، وأنه من أرفع الشهداء - رضي الله عنه -.
كأنك يا هذا تظن أن الفائز لا يناله هول في الدارين ولا روع ولا ألم ولا خوف. سل ربك العافية وأن يحشرنا في زمرة سعد. (1/290-291).
- - -
بين أهل السنة والمبتدعة
الاتباع وترك الابتداع:
* سمع ابن عمر رضي الله عنهما رسول الله ^ يقول: "لو تركنا هذا الباب للنساء". قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات (3/213).
* وسئل مالك عن الداعي يقول: يا سيدي! فقال: يعجبني دعاء الأنبياء: ربنا، ربنا (8/97).
الغيرة على السنة:
…أتى إنسان إلى الشيخ أبي محمد ابن أبي شريح فقال له: إن امرأتي ولدت لستة أشهر. فقال: هو ولدك، قال رسول الله ^: "الولد للفراش"(1)، فعاوده، فرد عليه كذلك، فقال الرجل: أنا لا أقول بهذا، فقال: هذا الغزو، وسلّ عليه السيف، فأكببنا عليه وقلنا: جاهل لا يدري ما يقول.
قال الذهبي: كان سبيله أن يوضح له، ويقول: لك أن تنتفي باللعان، ولكنه احتمى للسنة وغضب لها (16/527-528).
__________
(1) صحيح أخرجه البخاري في ك الخصومات، باب دعوى الوصي للميت (5/54)، وفي ك الفرائض، باب الولد للفراش (12/26-27)، وفي ك الأحكام، باب من قضي له بحق أخيه فلا يأخذه (13/152)، ومسلم في ك الرضاع، باب الولد للفراش، ح 1457.(1/33)
وصف الرجل بالسني والسلفيّ:
* قال الحسن بن سفيان : سمعت هدبة بن خالد يقول : صليت على شعبة ، فقيل له : رأيته ؟ فغضب ، وقال : رأيت من هو خير منه حماد بن سلمة ، وكان سنيا ، وكان شعبة رأيه رأي الإرجاء .
قال الذهبي: كلا ، لم يكن شعبة مرجئا ، ولعله شيء يسير لا يضره (11/99).
* وقال الذهبي في ترجمة العلامة أبي محمد عبد الله بن ذُنِّين الصدفي الأندلسي: كان مجاب الدعوة. وكان سنيا، أثريا، ثبتا ، متحريا، قوالا بالحق، لا يخاف في الله لومة لائم. صنف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كتابا، وكان مهيبا في الله، مطاعا، لا يختلف اثنان في فضله، وكان يخدم كرمه بنفسه ويتبلغ منه (17/426-427).
* وقال: ما علمت يعقوب الفسوي إلا سلفيا (13/183).
* وقال في ترجمة السلطان أبي سعيد كُوكْبُري بن علي بن بُكْتُكِين التركماني(549هـ - 630هـ): كان متواضعا، خيرا، سنيا، يحب الفقهاء والمحدثين.
* وقال : يحتاج الحافظ أن يكون تقيا ذكيا نحويا لغويا زكيا حييا سلفيا (13/380).
* وقال في ترجمة ابن السلار (ت 548هـ): كان بطلا، شجاعا، مقداما ، مهيبا ، شافعيا ، سنيا ، ليس على دين العبيدية (20/282).
* وقال في ترجمة ابن المجد الحنبلي: كان ثقة ثبتا، ذكيا، سلفيا، ذا ورع وتقوى، ومحاسن جمة، وتعبد وتأله، ومروءة تامة، وقول بالحق، ونهي عن المنكر، ولو عاش لساد في العلم والعمل(1)، فرحمه الله (23/118).
تاريخ ظهور البدع:
قال الليث بن سعد: بلغت الثمانين، وما نازعت صاحب هوى قط.
__________
(1) عاش تسعا وثلاثين سنة، فإنه ولد عام 605هـ وتوفي عام 643هـ.(1/34)
قال الذهبي: كانت الأهواء خاملة في زمن الليث، ومالك، والأوزاعي، والسنن ظاهرة عزيزة. فأما في زمن أحمد بن حنبل وإسحاق، وأبي عبيد، فظهرت البدعة، وامتُحن أئمة الأثر، ورَفع أهل الأهواء رؤوسهم بدخول الدولة معهم، فاحتاج العلماء إلى مجادلتهم بالكتاب والسنة، ثم كثر ذلك، واحتج عليهم العلماء أيضا بالمعقول، فطال الجدال، واشتد النزاع، وتولدت الشبه. نسأل الله العافية (8/144).
التحذير من البدع وأهلها:
* قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام (11/296).
* وقال يونس بن عبيد: إني أعدها نعمة الله أني لم أنشأ بالكوفة. وقال لابنه - وقد بلغه أنه سمع من عمرو بن عبيد - : أنهاك عن الزنا والسرقة وشرب الخمر، ولأن تلقى الله بهن أحب إلي من أن تلقاه برأي عمرو وأصحابه (6/294).
هجر المبتدعة وترك مجالستهم:
* قال أبو قلابة: لا تجالسوا أهل الأهواء، أو قال: أصحاب الخصومات، فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، ويلبسوا عليكم بعض ما تعرفون (11/285).
* ولقي الإمام الأوزاعي ثور بن يزيد الحمصي - وقد رمي بالقدر - فمد ثور يده إليه ، فأبى الأوزاعي أن يمد إليه يده، وقال : يا ثور ! لو كانت الدنيا لكانت المقاربة ، ولكنه الدين(1) (6/344).
__________
(1) قد نُفي ثور وأُحرقت داره من أجل الكلام في القدر ، ولكن قال الذهبي : والظاهر أنه رجع ، فقد روى أبو زرعة عن منبه بن عثمان أن رجلا قال لثور : يا قدري ! فقال: إن كنتُ كما قلتَ إني لرجل سوء ، وإن كنتُ على خلاف ما قلتَ إنك لفي حل (6/344-345) .(1/35)
* وكان العلامة أبو يوسف القزويني رأسا في الاعتزال، فصنف تفسيرا في ثلاثمائة مجلد ونيف، وقال: من قرأه علي وهبت له النسخة، فلم يقرأه أحد(1) (18/617).
عدم شهود جنازة المبتدعة:
لما مات عبد العزيز ابن أبي روّاد لم يشهد الثوري جنازته لأنه كان يرى رأي المرجئة (7/273).
كما لم يشهد الثوري ولا الحسن بن صالح جنازة عمر بن ذر القدري ولم يشهد الثوري أيضا جنازة مسعر ابن كدام(2) لما رميا به من الإرجاء (9/76) و (6/389).
وكذلك لم يشهد وكيع جنازة أبي معاوية الضرير (7/165).
المبتدعة أسرع الناس ردة:
كان ابن سيرين يرى أن أهل الأهواء أسرع الناس ردة، وأن هذه الآية نزلت فيهم (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) (4/610).
سماع الحديث من المبتدعة:(3)
* كان زائدة بن قدامة لا يحدث قدريا ولا صاحب بدعة يعرفه (7/376).
* وقال رجل من أهل البدع لأيوب السختياني: يا أبا بكر! أسألك عن كلمة ؟ فولى وهو يقول بيده: لا، ولا نصف كلمة (11/285).
* وكان سليمان التيمي يستحلف الرجل في براءته من القدرية، فإن أجاب حدثه بخمسة أحاديث (6/200).
* وقال ابن طاووس لابن له يكلمه رجل من أهل البدع: يا بني ! أدخل أصبعيك في أذنيك لا تسمع ما يقول. ثم قال: اشدد، اشدد (11/285).
__________
(1) قال السمعاني: كان أبو يوسف القزويني أحد الفضلاء المقدمين، جمع "التفسير" الكبير الذي لم يُر في التفسير أكبر منه، ولا أجمع للفوائد، لو لا أنه مزجه بالاعتزال، وبث فيه معتقده، ولم يتبع نهج السلف (السير 18/617).
(2) أما مسعر فلعل القول بالقدر لا يثبت عنه فقد روي عنه: أن الإيمان قول وعمل. وعنه أيضا: التكذيب بالقدر أبا جاد الزندقة (7/168).
(3) سيأتي بيان موقف علماء الجرح والتعديل من رواية المبتدعة.(1/36)
* وسئل ابن عون عن قوم يتكلمون بالقدر أيُسمع منهم؟ فقال: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) (6/367).
* ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين، فقالا: يا أبا بكر ! نحدثك بحديث ؟ قال: لا. قالا: فنقرأ عليك آية ؟ قال: لا. لتقومان عني، أو لأقومنه، فقاما. فقال بعض القوم: يا أبا بكر! وما عليك أن يقرآ عليك آية ؟ قال: خشيت أن يقرآ آية فيحرفانها، فيقر ذلك في قلبي (11/285).
الاحتفال بالمولد النبوي في القرن السابع(1):
قال الحافظ الذهبي في ترجمة السلطان معظم الدين أبي سعيد التركماني (549هـ - 630هـ):
…" وأما احتفاله بالمولد فيقصر التعبير عنه، كان الخلق يقصدونه من العراق والجزيرة وتُنصب قباب خشب له ولأمرائه وتتزيّن. وفيها جوق المغاني واللعب، وينزل كلَّ يومٍ العصرَ فيقف على قبة ويتفرج، ويعمل ذلك أياما، ويُخرج من البقر والإبل والغنم شيئا كثيرا فَتُنْحَرُ وَتُطْبَخُ الألوان، وَيَعْمَلُ عدة خلع للصوفية، ويتكلم الوعاظ في الميدان، فينفق أموالا جزيلة. وقد جمع له ابن دحية "كتاب المولد" فأعطاه ألف دينار" (22/336).
المبتدعة يدعون إلى ترك السنن:
قال أحمد بن حنبل : أخبرني رجل من أصحاب الحديث أن يحيى بن صالح الوحاظي قال : لو ترك أصحاب الحديث عشرة أحاديث - يعني التي في الرؤية . ثم قال أحمد : كأنه نزع إلى رأي جهم .
__________
(1) يقال إن أول من أحدث الاحتفال بالمولد النبوي هم الشيعة الفاطميون في أثناء المائة الرابعة، ثم تبعهم بعض المنتسبين إلى السنة جهلا وتقليدا، وفيه نوع شبه باليهود والنصارى. راجع: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للعلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله 4/287.(1/37)
قال الذهبي : والمعتزلة تقول : لو أن المحدثين تركوا ألف حديث في الصفات والأسماء والرؤية والنزول لأصابوا . والقدرية تقول : لو أنهم تركوا سبعين حديثا في إثبات القدر. والرافضة تقول : لو أن الجمهور تركوا من الأحاديث التي يدعون صحتها ألف حديث لأصابوا . وكثير من ذوي الرأي يردون أحاديث شافه بها الحافظ المفتي المجتهد أبو هريرة رسولَ الله ^ ويزعمون أنه ما كان فقيها، ويأتوننا بأحاديث ساقطة أو لا يعرف لها إسناد أصلا محتجين بها . قلنا: وللكل موقف بين يدي الله تعالى . يا سبحان الله ! أحاديث رؤية الله في الآخرة متواترة، والقرآن مصدق لها ، فأين الإنصاف ؟! (10/455).
من سمع ببدعة فلا يحكها لغيره:
قال الإمام الثوري: من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه لا يلقها في قلوبهم. قال الذهبي: أكثر السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة (7/261).
رؤوس المبتدعة عند باب المأمون:
يروى أن المأمون قال لحاجبه من بالباب؟ قال: أبو الهذيل العلاف - رأس المعتزلة - وعبد الله بن أباض الخارجي وهشام بن الكلبي الرافضي. فقال المأمون: ما بقي من رؤوس جهنم إلا وقد حضر.(1)
كتاب "الشكوك" لابن عبد القدوس:
مات لصالح بن عبد القدوس المتكلم ولد، فأتاه العلاّف -رأس المعتزلة - يُعَزّيه، فرآه جزعا، فقال: ما هذا الجزع وعندك أن المرء كالزرع؟ قال: يا أبا الهذيل! جزعت عليه لكونه ما قرأ كتاب "الشكوك" لي. فمن قرأه يشك فيما كان حتى يتوهم أنه لم يكن، وفيما لم يكن حتى يظن أنه كان. قال: فشُكَّ أنت في موت ابنك، وظُنَّ أنه لم يمت، وشُكَّ أنه قد قرأ كتاب "الشكوك" (11/174)(2).
ثلاث إخوة وست إخوة :
كان ثلاث إخوة بنو رئاب متعادين : فهارون بن رئاب من أئمة السنة ويمان بن رئاب من أئمة الخوارج وعلي بن رئاب من أئمة الروافض (5/264).
__________
(1) المصدر السابق، ص 278.
(2) وانظر أيضا: نكث الهميان، ص 279.(1/38)
وكان لإسماعيل بن علية ثلاثة بنين: محمد وحماد وإبراهيم فالأوليان سنيان والثالث جهمي شيطان (9/112-113) وهو الذي صلى على أبيهم ابن علية (9/115).
وكان بنو الجعد ستة: اثنان شيعيان واثنان مرجئيان واثنان خارجيان. قال الذهبي: وهم عبيد وعمران وزياد ومسلم وعبيد الله (وسالم)(1) (5/109).
بدعة التحزب في الدين:
قال مطرِّف بن عبد الله الشخير (ت86هـ) : كنا نأتي زيد بن صوحان فكان يقول : يا عباد الله ، أكرموا وأجملوا، فإنما وسيلة العباد إلى الله بخصلتين : الخوف والطمع. فأتيته ذات يوم وقد كتبوا كتابا، فنسقوا كلاما من هذا النحو : إن الله ربنا، ومحمد نبينا، والقرآن إمامنا، ومن كان معنا كنا وكنا، ومن خالفنا كانت يدنا عليه وكنا وكنا. قال : فجعل يعرض الكتاب عليهم رجلا رجلا، فيقولون: أقررت يا فلان؟ حتى انتهوا إلي فقالوا: أقررت يا غلام؟ قلت: لا، قال زيد بن صوحان: لا تعجلوا على الغلام، ما تقول يا غلام؟ قلت: إن الله قد أخذ علي عهدا في كتابه، فلن أحدث سوى العهد الذي أخذه علي. فرجع القوم من عند آخرهم ما أقر منهم أحد. وكانوا زهاء ثلاثين نفسا (4/192).
من غرائب أقوال المبتدعة(2):
ادعى عطاء المقنع (ت163هـ) أن الله تحول إلى صورة آدم، ولذلك أمر الملائكة بالسجود له، وأنه تحول إلى صورة نوح، ثم إبراهيم، وإلى حكماء الأوائل، ثم إلى صورة أبي مسلم صاحب الدعوة، ثم إليه هو (7/307).(3)
__________
(1) وقال يوسف بن أسباط - من أئمة السنة - : كان أبي قدريا وأخوالي روافض فأنقذني الله بسفيان (السنة للآلكائي 1/60).
(2) وهذه الأقوال إنما نحكيها لكي يتعجب منها العاقل، ويحمد الله على السلامة من الهوى والبدع. ولو لا أن حكاية الكفر ليست بكفر لما جاز لنا حكاية كثير منها أصلا.
(3) كان المقنع أعور، ألكن، قصيرا. اتخذ وجها من ذهب. ومن مخاريقه قمر ثان يُرى من مسيرة شهرين، حتى قال أبو العلاء:
أفق أيها البدر المقنع رأسه * ضلال وغيّ مثل بدر المقنع(1/39)
وكان عثمان البرّي (ت في حدود سنة 170هـ) قدريا، أنكر الميزان(1)، وكذّب أبا هريرة. وسُئل عن "تبّت" هي في أم الكتاب؟ فقال: لم تكن، وإنما في الكتاب: ت، ب، ت (7/326).
وزعم طاغية الزنج - واسمه أحمد بن محمد - أنه المذكور في قوله تعالى: (وأنه لما قام عبد الله..)، وقال إن النبي ^ ما يمتاز عليه إلا بالنبوة! (13/134).(2)
وكان عبد الواحد بن زيد لا يقول إن الله يضل العباد، تنزيها له. قال الذهبي: وهذه بدعة(3) (7/180).
الشيعة والتشيع
ابن العلقمي الشيعي يخون المسلمين ويتواطأ مع التتّار:
__________
(1) أنكر المعتزلة الميزان، كما أنكروا سؤال الملكين وعذاب القبر والصراط. انظر: ترجمة بشر المريسي في لسان الميزان (2/29).
(2) ومثل هذا بيان بن سمعان التميمي الذي زعم أنه المعني بقوله تعالى: (هذا بيان للناس)، وزعم أن الله تعالى يفنى كله حاشا وجهه. تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. انظر: الفصل لابن حزم 4/185. وأما النظام فزعم أن في كل نوع من أنواع الطير والسمك والأوزاغ والتيوس والحمير والدود والقرود والكلاب والبراغيث.. أنبياء لله تعالى. الفصل 4/198.
(3) نعم، ترك إطلاق القول بذلك بدعة، لأن الله تعالى قال: (يضل من يشاء ويهدي إليه من ينيب).(1/40)
…في سنة 655هـ جرت فتنة مَهُولة ببغداد بين الناس وبين الرافضة، وقتل عِدَّةٌ من الفريقين، وعَظُم البلاء، ونُهِبَ الْكَرخ، فحنق ابن العلقمي الوزير الرافضي، وكاتب هولاكو ، وطمّعه في العراق ، فجاءت رسل هولاكو إلى بغداد سنة 656هـ .. وخرج عسكر العراق إلى هولاكو فانكسروا، ونزل هولاكو من الجانب الشرقي، وأتى قائده بايجو من الجانب الغربي فأحاطوا بالعراق من الجانبين، وأشار الوزير على الخليفة بالمداراة، وقال: أخرج إليه أنا، فخرج واستوثق لنفسه ورجع فقال: القان (هولاكو) راغب في أن يزوج بنته بابنك أبي بكر ويُبقي لك منصبك كما أبقى صاحب الروم في مملكته من تحت أوامر القان، فاخْرُج إليه .. والخليفة لا يدري ما يتم، فخرج في كبراء دولته للنكاح يعني، فضُرب أعناق الكلّ بهذه الخديعة، ورُفس الخليفة المستعصم حتى تلف، وبقي السيف في بغداد بضعة وثلاثين يوما، فأقل ما قيل: قتل بها ثمان مائة ألف نفس، وأكثر ما قيل: بلغوا ألف ألف وثمان مائة ألف، وجرت السيول من الدماء، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
…ثم بعد ذهاب البلد ومَن فيه إلا اليسير نودي بالأمان، وانعكس على الوزير مرامه ، وذاق ذُلاًّ وويلا ، وما أمهله الله ، فقتلوه خنقا ، وقيل رفسا ، وقيل غما في بساط. وكانوا يسمونه: الأبله. وعمل ابن العلقمي على ترك الجمعات ، وأن يبنى مدرسة على مذهب الرافضة ، فما بلغ أمله ، وأُقيمت الجمعات (23/180-181باختصار).
العبيديون يمتحنون أهل السنة:
في ترجمة الإمام أبي بكر محمد بن أحمد بن سهل الرملي المعروف بابن النابلسي، قال أبو ذر الحافظ:
…سجنه بنو عبيد، وصلبوه على السنة. سمعت الدارقطني يذكره ويبكي، ويقول: كان يقول وهو يُسلخ: (كان ذلك في الكتاب مسطورا) [الإسراء:58].(1/41)
…وقد قيل إنه كان إماما في الحديث والفقه، صائم الدهر، كبير الصولة عند العامة والخاصة. ولما سُلخ كان يُسمع من جسده قراءة القرآن، فغلب المغربي بالشام، وأظهر المذهب الرديء - يعني تشيع العبيدية - وأبطل التراويح والضحى، وأمر بالقنوت في الظهر، وقتل النابلسي.
قال الذهبي: لا يوصف ما قلب هؤلاء العبيدية الدين ظهرا لبطن، واستولوا على المغرب، ثم على مصر والشام، وسبوا الصحابة (16/148-149).
الشيعة الإسماعيلية:
…كان سنان بن سلمان الباطني كبير الإسماعيلية وطاغوتهم، وكان رجلا عظيما خفي الكيد ، بعيد الهمة ، عظيم المخاريق ، ذا قدرة على الإغواء وخديعة القلوب ، وكتمان السر ، واستخدام الطغام والغفلة في أغراضه الفاسدة .
…وكان متنسكا ، متخشعا ، واعظا . وكان يجلس على صخرة كأنه صخرة لا يتحرك إلا لسانه ، فربطهم ، وغلوا فيه ، واعتقدوا فيه الإلهية ، فتَبًّا له ولجهلهم ، وطالت أيامه.
…أوصى أتباعه يوما فقال : عليكم بالصفاء بعضكم لبعض ، لا يمنعن أحدكم أخاه شيئا له ، فأخذ هذا بنت هذا ، وهذا أخت هذا سفاحا، وسموا نفوسهم بالصُّفاة. وأحل لهم وطء أمهاتهم وأخواتهم وبناتهم، وأسقط عنهم صوم رمضان (21/182-186).
انتشار الرفض في مصر والشام:
قال الذهبي في ترجمة أبي الحسن ابن السمسار الدمشقي بعد أن ذكر قول الكتاني وأبي الوليد الباجي في تشيعه:
…مات ابن السمسار في صفر سنة 433هـ، وقد كمّل التسعين، وتفرد بالرواية عن ابن أبي العقب وطائفة، ولعل تشيعه كان تقية لا سجية، فإنه من بيت الحديث، ولكن غلت الشام في زمانه بالرفض، بل ومصر والمغرب بالدولة العبيدية، بل والعراق وبعض العجم بالدولة البويهية، واشتد البلاء دهرا، وشمخت الغلاة بأنفها، وتواخى الرفض والاعتزال حينئذ، والناس على دين الملك، نسأل الله السلامة في الدين (17/507).
* وفي ترجمة الإمام أبي بكر المنيني الأسود (ت426هـ):(1/42)
قال الدربندي: لم يكن في جميع الشام من يكنى بأبي بكر غيره، وكان ثقة.
قال الذهبي: وكذا لم يكن يوجد بمصر منذ تملك بنو عبيد أحد يكنى بأبي بكر، وكانت الدنيا تغلي بهم رفضا وجهلا (17/453).
أئمة أهل البيت يتبرأون من الرافضة:
قال سالم ابن أبي حفصة: سألت أبا جعفر وابنه جعفرا عن أبي بكر وعمر، فقال: يا سالم ! تولهما، وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى. ثم قال جعفر: يا سالم ! أيسب الرجل جده ؟ أبو بكر جدي(1)، لا نالتني شفاعة محمد ^ إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما.
قال الذهبي : هذا القول متواتر عن جعفر الصادق، وأشهد بالله إنه لبار في قوله غير منافق لأحد، فقبح الله الرافضة! (6/260).
الاعتزال والمعتزلة
ومن غرائب أقوال المعتزلة:
قال ثمامة بن أشرس النميري - أحد كبائر المعتزلة - : إن العالم فعل الله بطباعه، وإن المقلدين من اليهود والنصارى والمجوس وعبّاد الأوثان يصيرون ترابا. وإن صاحب الكبيرة - ولو مرة - مخلد في النار(2). وإن أولاد المسلمين والمجانين وإبراهيم ابن النبي ^ في النار (4/895).(3)
__________
(1) نعم، هو حفيد أبي بكر الصديق رضي الله عنه من جهتين: فأمه أم فروة هي بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمها هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.
(2) وأما بكر ابن أخت عبد الواجد بن زيد - من الخوارج - فقال: إن المذنب كافر مشرك كعابد الوثن بأي ذنب كان منه صغيرا أو كبيرا ولو فعله على سبيل المزاح. وقال: إن طلحة والزبير كافران من أهل الجنة لأنهما من أهل بدر !! (الفصل 3/229). وقال بشر بن المعتمر - من أئمة المعتزلة - : من سرق عشرة دراهم إلا حبة فلا إثم عليه ولا وعيد. فإن سرق عشرة دراهم خرج عن الإسلام ووجب عليه الخلود إلا أن يتوب (الفصل 4/203).
(3) وهو الذي أباح تفخيذ الأولاد، قال: لأنه لم يأت نص بتحريمه!! (لسان الميزان 2/83).(1/43)
* وكان واصل بن عطاء رأس المعتزلة(1) قد أجاز تلاوة القرآن بالمعنى (5/465).
* وابتدع أبو الهذيل العلاف - من رؤوس المعتزلة أيضا - القول بأن المقتول بالسيف أو غيره لم ينته أجله، ومن أكل حراما لم يأكل رزقه.(2)
* وأما عمرو بن عبيد فقال: إن كانت (تبت يدا أبي لهب) في اللوح المحفوظ فما لله على ابن آدم حجة.
…وقال عن حديث الصادق المصدوق: لو سمعت الأعمش يقوله لكذّبته.. إلى أن قال: ولو سمعت رسول الله يقوله لرددته (6/104-105).
الإرجاء والمرجئة
* خرج إبراهيم بن طهمان يريد الحج ، فقدم نيسابور، فوجدهم على قول جهم . فقال : الإقامة عند هؤلاء أفضل من الحج . فأقام فنقلهم من قول جهم إلى الإرجاء .
* قال أبو الصلت : لم يكن إرجاؤهم هذا المذهب الخبيث: أن الإيمان قول بلا عمل ، وأن ترك العمل لا يضر بالإيمان . بل كان إرجاؤهم أنهم يرجون لأهل الكبائر الغفران ردا على الخوارج وغيرهم الذين يكفرون الناس بالذنوب (7/380).
* قال الحميدي : ثنا يحيى بن سليم أن سعيد بن سالم قال لابن عجلان: أرأيت إن أنا لم أرفع الأذى عن الطريق أكون ناقص الإيمان؟ فقال: هذا مرجئ ! من يعرف هذا ؟ قال: فلما قمنا عاتبته فرد علي القول. فقلت: هل لك أن تقف فتقول: يا أهل الطواف إن طوافكم ليس من الإيمان وأقول أنا: بل هو من الإيمان، فننظر ما يصفعون(3) ؟ قال: تريد أن تشهرني ؟ قلت: فما تريد إلى قول إذا أظهرته شهرك؟ (9/320) .
* وقال الذهبي في ترجمة حماد ابن أبي سليمان - وقد تحول إلى الإرجاء - :
__________
(1) قال ابن علية: أول من تكلم في الاعتزال واصل فدخل معه عمرو بن عبيد، فأعجب به وزوجه أخته (السير 6/105).
(2) نكث الهميان، ص 277.
(3) كذا هو ، ولعله : يصنعون، أو من يصفعون.(1/44)
إنهم لا يَعُدّون الصلاة والزكاة من الإيمان ، ويقولون : الإيمان إقرار باللسان ويقين في القلب . والنزاع في هذا لفظي إن شاء الله ، وإنما غلو الإرجاء من قال : لا يضر مع التوحيد ترك الفرائض . نسأل الله العافية.
…وقال حماد بن زيد : قدم علينا حماد ابن أبي سليمان البصرة فخرج وعليه ملحفة حمراء فجعل صبيان البصرة يسخرون به . فقال له رجل: ما تقول في رجل وطئ دجاجة ميتة فخرجت من بطنها بيضة ؟ وقال له آخر : ما تقول في رجل طلق امرأته ملئ سُكُرَّجة (السكرجة : المائدة) ؟ (7/450).
- - -
التصوف والصوفية
عقيدة الصوفية القدامى وعبادتهم:
* قال الجنيد بن محمد - سيد الصوفية -: عِلْمُنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب، ويكتب الحديث، ولم يتفقه، لا يُقتدى به (14/67).
* وقال النُّوري العراقي - من سادتهم أيضا -: من رأيته يدعي مع الله حالة تخرج عن الشرع فلا تقربن منه (14/72).
* وسئل النُّوري حينما انتفخت رجلاه، فقال: طالبتني نفسي بأكل تمر، فدافعتها، فأبت علي فاشتريته، فلما أكلت، قلت: قومي فصلي، فأبت، فقلت: لله علي إن قعدت على الأرض أربعين يوما، فما قعدت - يعني إلا في صلاة (14/71).
الجوع قوام التصوف:
قال الجنيد: ما أخذنا التصوف عن القال والقيل، بل عن الجوع، وترك الدنيا، وقطع المألوفات.
قال الذهبي: هذا حسن، ومراده: قطع أكثر المألوفات، وترك فضول الدنيا، وجوع بلا إفراط. أما من بالغ في الجوع كما يفعله الرهبان، ورفض سائر الدنيا، ومألوفات النفس، من الغذاء والنوم والأهل، فقد عرض نفسه لبلاء عريض، وربما خولط في عقله، وفاته بذلك كثير من الحنيفية السمحة, وقد جعل الله لكل شيء قدرا، والسعادة في متابعة السنن. فزن الأمور بالعدل، وصم وأفطر، ونم وقم، والزم الورع في القوت، وارض بما قسم الله لك، واصمت إلا من خير (14/69-70).
* وفي ترجمة أبي العباس ابن عطاء أنه فقد عقله ثمانية عشر عاما ثم ثاب إليه عقله.(1/45)
قال الذهبي: ثبّت الله علينا عقولنا وإيماننا. فمن تسبب في زوال عقله بجوع، ورياضة صعبة، وخلوة، فقد عصى وأثم، وضاهى من أزال عقله بعض يوم بسكر. فما أحسن التقيد بمتابعة السنن والعلم (14/256).
بين الرهبانية والتصوف:
قال ابن أبي الحواري: قلت لراهب في دير حرملة، وأشرف من صومعته: ما اسمك؟ قال: جريج. قلت: ما يحبسك؟ قال: حبست نفسي عن الشهوات. قلت: أما كان يستقيم لك أن تذهب معنا ها هنا، وتجيء وتمنعها الشهوات؟ قال: هيهات!! هذا الذي تصفه قوة، وأنا في ضعف، قلت: ولم تفعل هذا؟ قال: نجد في كتابنا أن بدن ابن آدم خُلق من الأرض، وروحه خُلق من ملكوت السماء، فإذا أجاع بدنه وأعراه، وأسهره وأقمأه نازع الروح إلى الموضع الذي خرج منه، وإذا أطعمه وأراحه أخلد البدن إلى الموضع الذي خُلق منه، فأحب الدنيا. قلت: فإذا فعل هذا يعجَّل له في الدنيا الثواب؟ قال: نعم، نور يوازيه. فحدّثت بهذا أبا سليمان الداراني، فقال: قاتله الله، إنهم يصفون.
قال الذهبي: الطريقة المثلى هي المحمدية، وهي الأخذ من الطيبات، وتناول الشهوات المباحة من غير إسراف، كما قال تعالى: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) [المؤمنون:51]. وقد قال النبي ^: "لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وآتي النساء، وآكل اللحم. فمن رغب عن سنتي فليس مني"(1)، فلم يشرع لنا الرهبانية، ولا التمزق ولا الوصال، بل ولا صوم الدهر، ودين الإسلام يسر وحنيفية سمحة، فليأكل المسلم من الطيب إذا أمكنه، كما قال تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته) [الطلاق:7] وقد كان النساء أحب شيء إلى نبينا ^، وكذلك اللحم والحلواء والعسل، والشراب الحلو البارد، والمسك، وهو أفضل الخلق وأحبهم إلى الله تعالى.
__________
(1) صحيح وهو قطعة من حديث أخرجه البخاري (9/89-90) ومسلم (1401) والنسائي (6/60) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.(1/46)
…ثم العابد العري من العلم، متى زهد وتبتل وجاع، وخلا بنفسه، وترك اللحم والثمار، واقتصر على الدُّقة والكسرة، صفت حواسه ولطفت، ولازمت خطرات النفس، وسمع خطابا يتولد من الجوع والسهر، لا وجود لذلك الخطاب - والله - في الخارج، وولج الشيطان في بطنه وخرج، فيعتقد أنه قد وصل، وخوطب وارتقى، فيتمكن منه الشيطان، ويوسوس له، فينظر إلى المؤمنين بعين الازدراء، ويتذكر ذنوبهم، وينظر إلى نفسه بعين الكمال، وربما آل الأمر إلى أن يعتقد أنه ولي، صاحب كرامات وتمكن، وربما حصل له شك، وتزلزل إيمانه.
…فالخلوة أبو جاد الترهب، وليس ذلك من شريعتنا في شيء. بلى، السلوك الكامل هو الورع في القوت، والورع في المنطق، وحفظ اللسان، وملازمة الذكر، وترك مخالطة العامة، والبكاء على الخطيئة، والتلاوة بالترتيل والتدبر، ومقت النفس وذمها في ذات الله، والإكثار من الصوم المشروع، ودوام التهجد، والتواضع للمسلمين، وصلة الرحم، والسماحة وكثرة البشر، والإنفاق مع الخصاصة، وقول الحق المر برفق وتؤدة، والأمر بالعرف، والأخذ بالعفو، والإعراض عن الجاهلين، والرباط بالثغر، وجهاد العدو، وحج البيت، وتناول الطيبات في الأحايين، وكثرة الاستغفار في السحر، فهذه شمائل الأولياء، وصفات المحمديين. أماتنا الله على محبتهم (12/88-91).
الغلو في الصالحين:
* قال رجل لميمون بن مهران: يا أبا أيوب! ما يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم، قال: أقبل على شأنك، ما يزال الناس بخير ما اتقوا ربهم (5/75).
* وقال رجل لابن عمر: يا خير الناس، أو ابن خير الناس! فقال ابن عمر: ما أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس، ولكني عبد من عباد الله، أرجو الله وأخافه. والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه (3/236).
* وقال رجل : "نظرة عندنا من أحمد - ابن حنبل - تعدل عبادة سنة".(1/47)
قال الذهبي :"هذا غلو لا ينبغي. لكن الباعث له حب ولي الله في الله(1) (11/211).
* وقال محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري لما بلغه وفاة أحمد: "ينبغي لكل أهل دار ببغداد أن يقيموا عليه النياحة في دورهم".
قال الذهبي : "تكلم الذهلي بمقتضى الحزن لا بمقتضى الشرع" (11/203-204).
* وقال محمد بن مصعب العابد: "لسوط ضربه أحمد بن حنبل في الله أكبر من أيام بشر بن الحارث".
قال الذهبي: "بشر عظيم القدر كأحمد ، ولا ندري وزن الأعمال، إنما الله يعلم ذلك" (11/201).
* وقال إسحاق بن راهويه: إذا اجتمع الثوري والأوزاعي ومالك على أمر فهو سنة.
قال الذهبي: بل السنة ما سنّه النبي ^ والخلفاء الراشدون من بعده. والإجماع هو ما أجمعت عليه علماء الأمة قديما وحديثا إجماعا ظنيا أو سكوتيا، فمن شذ عن هذا الإجماع من التابعين أو تابعيهم لقول باجتهاده اِحْتُمِلَ له. فأما من خالف الثلاثة المذكورين من كبار الأئمة فلا يسمى مخالفا للإجماع ولا للسنة. وإنما مراد إسحاق أنهم إذا اجتمعوا على مسألة فهو حق غالبا، كما نقول اليوم: لا يكاد يوجد الحق فيما اتفق أئمة الاجتهاد الأربعة على خلافه، مع اعترافنا بأن اتفاقهم على مسألة لا يكون إجماع الأمة، ونهاب أن نجزم في مسألة اتفقوا عليها بأن الحق في خلافها. (7/116-117).
بين الأستاذ والمريد:
* قال الإمام أبو سهل الصعلوكي(ت 369هـ): من قال لأستاذه: لم ؟ لا يفلح أبدا (16/237).
* ومثله أيضا نُقل عن أبي عبد الرحمن السُّلَمِي، فعقّب عليه الذهبي بقوله:
__________
(1) نعم، ولكن الحب في الله يجب أن يكون منضبطا بالضوابط الشرعية.(1/48)
…ينبغي للمريد أن لا يقول لأستاذه: لم ؟ إذا علمه معصوما لا يجوز عليه الخطأ، أما إذا كان الشيخ غير معصوم وكره قول: لم ؟ فإنه لا يفلح أبدا ، قال الله تعالى:?وتعاونوا على البر والتقوى? [المائدة:2] وقال:?وتواصوا بالحق? [العصر:3] ?وتواصوا بالمرحمة? [البلد:17]. بلى هنا مريدون أثقال أنكاد، يعترضون ولا يقتدون، ويقولون ولا يعملون، فهؤلاء لا يفلحون (17/251-252).
عقيدة الحلاج(1):
كان الحلاج يتكلم على ما في قلوب الناس، فسمي بذلك حلاج الأسرار، ولقّب به.
قال ابن الوليد: كان المشايخ يستثقلون كلامه، وينالون منه لأنه كان يأخذ نفسه بأشياء تخالف الشريعة، وطريقة الزهاد، وكان يدعي المحبة لله، ويَظهر منه ما يخالف دعواه.
قال الذهبي: ولا ريب أن اتباع الرسول ^ عَلَم لمحبة الله لقوله تعالى: ?قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم?[آل عمران:31] (14/324-325).
ومن أقواله:
الكفر والإيمان يفترقان من حيث الاسم، فأما من حيث الحقيقة، فلا فرق بينهما.
وقال: من فرّق بين الإيمان والكفر فقد كفر، ومن لم يفرق بين المؤمن والكافر فقد كفر.
وسئل: ما تقول فيما قال فرعون؟ قال: كلمة حق. قيل: فما تقول فيما قال موسى؟ قال: كلمة حق، لأنهما كلمتان جرتا في الأبد كما أجريتا في الأزل (14/352).
ومن دعائه: أنزّهك عما قرفك به عبادك، وأبرأ إليك مما وحّدك به الموحِّدون (14/342).
__________
(1) قد قتل الحلاج وصلب من أجل زندقته، وكان يدعي الكرامات بالحيل. راجع بعض ذلك فيما يأتي في مبحث الكرامات.(1/49)
قال الذهبي: هذا عين الزندقة، فإنه تبرأ مما وحد الله به الموحدون الذين هم الصحابة والتابعون وسائر الأمة، فهل وحّدوه تعالى إلا بكلمة الإخلاص؟ فإذا برئ الصوفي منها فهو ملعون زنديق، وهو صوفي الزي والظاهر، مستتر بالنسب إلى العارفين، وفي الباطن فهو من صوفية الفلاسفة أعداء الرسل، كما كان جماعة في أيام النبي ^ منتسبون إلى صحبته وإلى ملته، وهم في الباطن من مردة المنافقين (14/342-343 باختصار).
وصيته لتلميذه:
قال جندب بن زاذان تلميذ الحلاج: كتب إلي الحلاج: بسم الله المتجلي عن كل شيء لمن يشاء، والسلام عليك يا ولدي، ستر الله عنك ظاهر الشريعة، وكشف لك حقيقة الكفر، فإن ظاهر الشريعة كفر، وحقيقة الكفر معرفة جلية، وإني أوصيك أن لا تغتر بالله، ولا تيأس منه، ولا ترغب في محبته، ولا ترضى أن تكون غير محب، ولا تقل بإثباته، ولا تمل إلى نفيه، وإياك والتوحيد، والسلام (14/352-353).
…ووُجد في بعض كتبه: إذا صام الإنسان وواصل ثلاثة أيام وأفطر في رابع يوم على ورقات هندباء أغناه عن صوم رمضان، وإذا صلى في ليلة ركعتين من أول الليل إلى الغداة أغنته عن الصلاة بعد ذلك، وإذا تصدق بكذا وكذا أغناه عن الزكاة (14/347).
- - -
مسائل في طلب العلم
وأخبار العلماء
النية في طلب العلم:
قال معمر بن راشد الأزدي: كان يقال: إن الرجل يطلب العلم لغير الله، فيأبى عليه العلم حتى يكون لله.
قال الذهبي: نعم، يطلبه أولا والحامل حب العلم، وحب إزالة الجهل عنه، وحب الوظائف، ونحو ذلك. ولم يكن عَلِم وجوب الإخلاص فيه، ولا صدق النية، فإذا علم حاسب نفسه، وخاف من وبال قصده، فتجيئه النية الصالحة كلها أو بعضها، وقد يتوب من نيته الفاسدة ويندم. وعلامة ذلك أنه يقصر من الدعاوى وحب المناظرة، ومن قصد التكثر بعلمه، ويزري على نفسه، فإن تكثر بعلمه أو قال: أنا أعلم من فلان، فبُعدا له (7/17).
مبدأ تعلم ابن حزم للعلم:(1/50)
قال أبو محمد ابن حزم الأندلسي: كان سبب تعلمي الفقه أني شهدت جنازة، فدخلت المسجد فجلست، ولم أركع، فقال لي رجل: قم فصلّ تحية المسجد، وكنت قد بلغت 26 سنة، فقمت وركعت. فلما رجعنا من الصلاة على الجنازة دخلت المسجد، فبادرت بالركوع، فقيل لي: اجلس، اجلس، ليس ذا وقت صلاة، وكان بعد العصر. قال: فانصرفت وقد حزنت، وقلت للأستاذ الذي ربّاني: دُلَّني على دار الفقيه أبي عبد الله ابن دحّون. قال: فقصدته، وأعلمته بما جرى، فدلني على موطأ مالك، فبدأت به عليه.. (18/199).
من حفظ 50 ألف حديث:
حدّث إسحاق بن البهلول (ت202هـ) من حفظه ببغداد بأكثر من خمسين ألف حديث.
قال الذهبي : كذا فليكن الحفظ، وإلا فلا. قنعنا اليوم بالاسم بلا جسم. فلو رأى الناس في وقتنا من يروي ألف حديث بأسانيدها حفظا لانبهروا به (12/490).
إن الله يرفع بهذا الدين أقواما :
كان عطاء ابن أبي رباح أسود، أعور، أفطس، أشلّ، أعرج، ثم عمي، وقُطعت يده مع ابن الزبير، وكان لا يحسن العربية. ولكنه كان ثقة فقيها عالما كثير الحديث، وكان طويل الصمت، فإذا تكلم ظُن أنه يُؤَيَّد.
…ومن قوله : إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعه ، وقد سمعته قبل أن يولد (5/80 وما بعدها).
غربة العلماء:
قال الفريابي: كان معنا محمد بن إسماعيل البخاري، وكان لا يزاحمنا في شيء مما نحن فيه، ويُكب على العلم (12/405).
من أعلم الناس؟
قال ابن حزم: أعلم الناس من كان أجمعهم للسنن، وأضبطهم لها، وأذكرهم لمعانيها، وأدراهم بصحتها، وبما أجمع الناس مما اختلفوا فيه. قال: وما نعلم هذه الصفة - بعد الصحابة - أتم منها في محمد ابن نصر المروزي، فلو قال قائل: ليس لرسول الله ^ حديث ولا لأصحابه إلا وهو عند محمد بن نصر، لما أبعد عن الصدق.
قال الذهبي: ويمكن ادعاء ذلك لمثل أحمد بن حنبل ونظرائه، والله أعلم (14/40).
أحفظ أهل الدنيا:(1/51)
في ترجمة الخطيب البغدادي أن سعيدا المؤدب قال له عند قدومه: أنت الحافظ أبو بكر؟ فقال: انتهى الحفظ إلى الدارقطني (18/281).
وفي ترجمة الإمام أبي الحسن الدارقطني أنه حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار، فجعل ينسخ جزءا كان معه، وإسماعيل يملي، فقال رجل: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، فقال الدارقطني: فهمي للإملاء خلاف فهمك، كم تحفظ أملى الشيخ؟ فقال: لا أحفظ. فقال الدارقطني: أملى ثمانية عشر حديثا، الأول عن فلان عن فلان، ومتنه كذا وكذا، والحديث الثاني عن فلان عن فلان، ومتنه كذا. ومر في ذلك حتى أتى على الأحاديث، فتعجب الناس.
وقال أبو بكر البرقاني: كان الدارقطني يملي علي "العلل" من حفظه.
قال الذهبي: إن كان كتاب "العلل" الموجود قد أملاه الدارقطني من حفظه كما دلت عليه هذه الحكاية فهذا أمر عظيم، يُقْضَى به للدارقطني أنه أحفظ أهل الدنيا. وإن كان قد أملى بعضه من حفظه فهذا ممكن، وقد جمع قبله كتاب "العلل" علي بن المديني حافظ زمانه (16/453-455).
المعين على حفظ العلوم:
قال علي بن خشرم: ما رأيت بيد وكيع كتابا قط، إنما هو حفظ، فسألته عن أدوية الحفظ، فقال: إن علّمتك الدواء استعملته؟ قلت: إي والله. قال: ترك المعاصي، ما جربت مثله في الحفظ(1) (9/151).
من ابتلي بولد سوء أو ورّاق سوء:
* قال ابن حبان: سبرت أحاديث قيس بن الربيع، وتتبعتها، فرأيته صدوقا مأمونا حين كان شابا، فلما كبر ساء حفظه، وامتحن بابن سوء، فكان يدخل عليه الحديث، فوقع في أخباره مناكير (8/44).
__________
(1) نعم، هذه وصية وكيع لتلاميذه، فقد اشتهر قول الإمام الشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي * فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال : اعلم بأن العلم نور * ونور الله لا يعطى لعاص(1/52)
* وكان لمالك كاتب اسمه حبيب ابن أبي حبيب قد نسخ كتبه، ولكنه ليس بمأمون، حتى إنه اتهم، وكان يقرأ للجماعة فإذا أخطأ فتح عليه مالك، وكان ذلك قليلا، ولكنه كان يخطرف (يسرع) بالناس يصفّح ورقتين وثلاثا، ولا ينظر أحد في كتابه ولا يستفهم هيبة لمالك وإجلالا له (8/65).
ردود العلماء بعضهم على بعض :
* ألف الفقيه المالكي أبو عبد الله ابن سحنون القيرواني مصنفا في الرد على الشافعي والعراقيين (13/61).
* وصنف إسماعيل بن إسحاق القاضي كتابا في الرد على محمد بن الحسن يكون في مائتي جزء (13/340).
* ورد القاضي ابن المنير على الزمخشري فألف العلامة علم الدين الأنصاري كتابا في الرد عليه والدفاع عن الزمخشري.(1)
* وألف العلامة المغامي الأندلسي كتابا في الرد على الشافعي في عشرة أجزاء ، وصنف كتاب فضائل مالك (13/337).
* ولما ذكر الذهبي في ترجمة محمد بن عبد الله بن عبد الحكم (ت268هـ) أنه ألف كتابا في "الرد على الشافعي" وكتاب "الرد على فقهاء العراق" قال: وما زال العلماء قديما وحديثا يرد بعضهم على بعض في البحث، وفي التواليف، وبمثل ذلك يتفقه العالم، وتتبرهن له المشكلات. ولكن في زماننا قد يُعاقَب إذا اعتنى بذلك لسوء نيته، ولطلبه للظهور والتكثر فيقوم عليه قضاة وأضداد. نسأل الله حسن الخاتمة وإخلاص العمل (12/501).
العلوم التي يحرم تعلّمها:
__________
(1) نكث الهميان، ص195.(1/53)
قال الذهبي: العلم الذي يحرم تعلمه ونشره علم الأوائل وإلهيات الفلاسفة وبعض رياضتهم بل أكثره، وعلم السحر، والسيمياء، والكيمياء، والشعبذة، والحيل، ونشر الأحاديث الضعيفة، وكثير من القصص الباطلة أو المنكرة، وسيرة البطال المختلفة، وأمثال ذلك، ورسائل إخوان الصفا، وشعر يُعرض فيه إلى الجناب النبوي. فالعلوم الباطلة كثيرة جدا، فلتحذر. ومن ابتلي بالنظر فيها للفرجة والمعرفة من الأذكياء فليقلل من ذلك، وليطالعه وحده، وليستغفر الله تعالى، وليلتجئ إلى التوحيد، والدعاء بالعافية في الدين، وكذلك أحاديث كثيرة مكذوبة وردت في الصفات(1)، لا يحل بثها إلا للتحذير من اعتقادها، وإن أمكن إعدامها فحسن. اللهم فاحفظ علينا إيماننا، ولا قوة إلا بالله (10/604).
من كان علمه وبالا عليه:
* قال الذهبي في ترجمة العلامة النعمان بن محمد بن منصور المغربي:
…كان مالكيا، فارتد إلى مذهب الباطنية، وصنف له أُسّ الدعوة، ونبذ الدين وراء ظهره، وألّف في المناقب والمثالب، ورد على أئمة الدين، وانسلخ من الإسلام، فسُحقا له وبُعدا.
…ونافق الدولة، لا بل وافقهم - يعني دولة العبيديين - وكان ملازما للمعزّ أبي تميم منشئ القاهرة. وله يد طولى في فنون العلوم والفقه والاختلاف، ونفس طويل في البحث، فكان علمه وبالا عليه.
__________
(1) نعم، مثاله ما أورده ابن الجوزي في الموضوعات من حديث محمد بن شجاع البلخي - الكذاب الأشر - عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "إن الله عز وجل خلق الفرس فأجراها، فعرقت، ثم خلق نفسه منها" ، ومن طريق الفضل بن عيسى - المتروك - عن جابر رضي الله عنه مرفوعا: "كلم الله موسى بقوة عشرة آلاف لسان.." فهذه وأمثالها مما لا تحل روايته إلا للتعجب منه والتنبيه على بطلانه. راجع: الموضوعات لابن الجوزي 1/105 و 113.(1/54)
…وصنف في الرد على أبي حنيفة في الفقه، وعلى مالك، والشافعي، وانتصر لفقه أهل البيت. وله كتاب في اختلاف العلماء، وكتبه كبار مطولة. وانتقل إلى غير رضوان الله بالقاهرة في رجب سنة 363هـ (16/150-151).
* وفي ترجمة أبي محمد عبد الرحمن بن يوسف بن خراش قال الذهبي: وابن خراش هذا رافضي متروك ، صنف جزءين في مثالب الشيخين . وقال أيضا: هذا معثّر مخذول. كان علمه وبالا، وسعيه ضلالا. نعوذ بالله من الشقاء (13/509).
علم القراآت
من كره قراءة حمزة:
قال سفيان بن عيينة: لو صليت خلف من يقرأ بقراءة حمزة لأعدت.
قال الذهبي: وثبت مثل هذا عن ابن مهدي، وعن حماد بن زيد نحوه.
وقال أبو بكر بن عياش: قراءة حمزة بدعة.
قال الذهبي: مرادهم بذلك ما كان من قبيل الأداء، كالسكت والإضجاع في نحو شاء وجاء، وتغيير الهمز، لا ما في قراءته من الحروف. هذا الذي يظهر لي، فإن الرجل حجة ثقة فيما ينقل (8/473).
وقال أيضا: كره طائفة من العلماء(1) قراءة حمزة لما فيها من السكت، وفرط المد، واتباع الرسم والاضجاع، وأشياء، ثم استقر اليوم الاتفاق على قبولها، وبعضٌ كان حمزة لا يراه.
…بلغنا أن رجلا قال له: يا أبا عمارة! رأيت رجلا من أصحابك همز حتى انقطع زره. فقال: لم آمرهم بهذا كله.
…وعنه قال: إن لهذا التحقيق حدا ينتهي إليه، ثم يكون قبيحا (7/91).
متى حدث الخلاف في قراءة يعقوب؟
أول من ادعى أن حرف يعقوب من الشاذ أبو عمرو الداني، وخالفه في ذلك أئمة، وصار في الجملة في المسألة خلاف حادث.
__________
(1) وممن كرهها أيضا الإمام يزيد بن هارون السلمي كما في ترجمته من السير 9/369.(1/55)
قال الذهبي: وقد كان الإمام يعقوب بن إسحاق الحضرمي يقرئ الناس علانية بحرفه بالبصرة في أيام ابن عيينة، وابن المبارك، ويحيى القطان، وابن مهدي، والقاضي أبي يوسف، ومحمد بن الحسن، ويحيى اليزيدي، وسليم بن عيسى، والشافعي، ويزيد بن هارون، وعدد من أئمة الدين، فما بلغنا بعد الفحص والتنقيب أن أحدا من القراء ولا الفقهاء ولا الصلحاء ولا النحاة ولا الخلفاء كالرشيد والأمين والمأمون أنكروا قراءته، ولا منعوه منها أصلا، ولو أنكر أحد عليه لنقل، ولاشتهر، بل مدحها غير واحد، وأقرأ بها أصحابه بالعراق، واستمر إمام جامع البصرة بقراءتها في المحراب سنين متطاولة، فما أنكر عليه مسلم، بل تلقاها الناس بالقبول.(1/56)
…ولقد عومل حمزة مع جلالته بالإنكار عليه في قراءته من جماعة من الكبار، ولم يجر مثل ذلك للحضرمي أبدا، حتى نشأ طائفة متأخرون لم يألفوها، ولا عرفوها، فأنكروها، ومن جهل شيئا عاداه. قالوا: لم تتصل بنا قراءته متواترة، قلنا: اتصلت بخلق كثير متواترة، وليس من شرط التواتر أن يصل إلى كل الأمة، فعند القرّاء أشياء متواترة دون غيرهم، وعند الفقهاء مسائل متواترة عن أئمتهم لا يدريها القراء، وعند المحدثين أحاديث متواترة قد لا يكون سمعها الفقهاء، أو أفادتهم ظنا فقط، وعند النحاة مسائل قطعية، وكذلك اللغويون، وليس من جهل علما حجة على من علمه، وإنما يقال للجاهل: تعلّم، وسل أهل العلم إن كنت لا تعلم، لا يقال للعالم: اجهل ما تعلم، رزقنا الله وإياكم الإنصاف. فكثير من القراآت تدّعون تواترها، وبالجهد أن تقدروا على غير الآحاد فيها، ونحن نقول: نتلو بها وإن كانت لا تعرف إلا عن واحد لكونها تلقيت بالقبول، فأفادت العلم، وهذا واقع في حروف كثيرة، وقراآت عديدة، ومن ادعى تواترها فقد كابر الحس. أما القرآن العظيم سوره وآياته فمتواتر ولله الحمد، محفوظ من الله تعالى، لا يستطيع أحد أن يبدله ولا يزيد فيه آية ولا جملة مستقلة، ولو فعل ذلك أحد عمدا لانسلخ من الدين، قال الله تعالى: ?إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون?[الحجر:9] (10/170-171).
القراءة بالشواذ:
في ترجمة شيخ المقرئين أبي الحسن ابن شَنَبُوذ (ت 328هـ) أنه كان له رأي في القراءة بالشواذ التي تخالف رسم الإمام، فنقموا عليه ذلك وبالغوا وعزروه.
قال الذهبي: والمسألة مختلف فيها في الجملة، وما عارضوه أصلا فيما أقرأ به يعقوب، ولا لأبي جعفر، بل فيما خرج عن المصحف العثماني.
قال أبو شامة: كان الرفق بابن شنبوذ أولى، وكان اعتقاله وإغلاظ القول له كافيا. وليس بمصيب فيما ذهب إليه، لكن أخطاؤه في واقعة لا تسقط حقه من حرمة أهل القرآن والعلم (15/264-265).
القراءة بالمعنى لضرورة:(1/57)
كان أبو الدرداء يُقرئ رجلا أعجميا: ?إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم? [الدخان:43] فقال الأعجمي: طعام اليتيم، فرد عليه فلم يقدر أن يقوله، فقال: قل: طعام الفاجر، فأقرأه "طعام الفاجر" (2/350).
من أخبار أهل الحديث
هل ذُكر المحدثون في القرآن؟
قال يزيد بن هارون لحماد بن زيد: هل ذكر الله أصحاب الحديث في القرآن؟ قال: بلى، الله تعالى يقول: ?فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ..?(1) [التوبة:122].
معاناتهم في طلب الحديث:
* قال الحافظ أبو علي البلخي الوخشي : لقد كنت بعسقلان أسمع من ابن مصحح، وبقيت أياما بلا أكل، فقعدت بقرب خبّاز لأشم رائحة الخبز وأتقوى بها (18/367).
* وقال أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن خراش : شربت بولي في طلب هذا الشأن خمس مرات(2) (13/509).
* وقال الذهبي في ترجمة سفيان بن عيينة : ولقد كان خلق من طلبة الحديث يتكلفون الحج ، وما المحرك لهم سوى لقي سفيان بن عيينة لإمامته وعلو إسناده (8/457).
* وقال سعيد بن جبير: ربما أتيت ابن عباس، فكتبت في صحيفتي حتى أملأها، وكتبت في نعلي حتى أملأها، وكتبت في كفي (4/335).
* وقدم بكار بن قتيبة قاضيا على مصر فأراد منه أحمد بن طولون أن يلعن الموفق ولي العهد، فامتنع، فسجنه، وكان كل جمعة يلبس ثيابه وقت الصلاة، ويمشي إلى الباب، فيقولون له الموكلون به: ارجع، فيقول: اللهم اشهد. وطلب أصحاب الحديث من ابن طولون أن يسمح لهم بأخذ الحديث منه فكان يحدثهم من طاقة السجن (12/600-603).
__________
(1) دخول المحدثين في هذه الآية دخول أوّلي، ولكن مدلولها يصدق على طلاب العلوم الشرعية كلهم. والله أعلم.
(2) وابن خراش هذا رافضي متروك ، صنف جزءين في مثالب الشيخين . قال الذهبي : هذا معثّر مخذول . كان علمه وبالا ، وسعيه ضلالا . نعوذ بالله من الشقاء. وقد تقدم، راجع: السير 13/509.(1/58)
* وعُرف المحدثون بالفقر حتى قال سفيان بن عيينة مرة لرجل: ما حِرْفتك؟ قال : طلب الحديث. قال: بشّر أهلك بالإفلاس . وقال : لا تدخل هذه المحابر بيت رجل إلا أشقى أهله وولده (8/461) .
بديع الزمان ينازع المحدثين:
قال أبو نصر الوائلي: لما ورد أبو الفضل الهمذاني نيسابور تعصبوا له، ولقبوه بديع الزمان ، فأُعجب بنفسه إذ كان يحفظ مائة بيت إذا أنشدت مرة ، وينشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة ، فأنكر على الناس قولهم : فلان الحافظ في الحديث ، ثم قال : وحفظ الحديث مما يذكر ؟! فسمع به الحاكم ابن البيّع ، فوجه إليه بجزء ، وأجّل له جمعة في حفظه ، فرد إليه الجزء بعد الجمعة ، وقال : من يحفظ هذا ؟ محمد ابن فلان وجعفر بن فلان عن فلان ؟ أسامي مختلفة ، وألفاظ متباينة ؟ فقال له الحاكم : فاعرف نفسك ، واعلم أن هذا أصعب مما أنت فيه (17/173).
مذاكرتهم الحديث عند انتظار الجنازة :
* في ترجمة أحمد بن عبد الرحمن الكريزاني من ثقات ابن حبان:
قال ابن حبان : ثني محمد بن المنذر وابن سعيد ثنا أحمد بن عبد الرحمن الكريزاني قال : سمعت أبا عاصم يقول : حضرت جنازة ابن جريج بمكة ، فلما جُهّز وصُلّي عليه ووُضع على شفير القبر قال سفيان - وابن جريج على أيدي الرجال فيما بين اللحد والثوري - يا أبا عاصم ! كتبت عن ابن جريج عن عطاء أنه كره صلاة الفريضة داخل البيت ؟ قلت : لا. فعجبت من سفيان وورعه حيث غلبه حب الحديث في ذلك الموضع(1).
* وقال يحيى القطان : مات ابن أبي خالد وأنا بالكوفة ، فجلس إلى جنبي سفيان - الثوري - ننتظر الجنازة ، فقال : يا يحيى ! خذ حتى أحدثك عن إسماعيل بعشرة أحاديث ، لم تسمع منها بشيء ، فحدثني بعشرة.
* وذاكر الذهليُّ البخاري الأسامي والكنى والعلل في جنازة سعيد بن مروان (12/432).
* ولما توفي الثوري وجدت رقاع في حبوته - عند غسله - يسأل مبارك بن فضالة عن حديث (7/284).
__________
(1) كتاب الثقات لابن حبان (8/49).(1/59)
تقديمهم الحديث على النوافل:
* قال الإمام الشافعي: قراءة الحديث خير من صلاة التطوع (18/518).
* وقال يحيى القطان : ما رأيت رجلا أجل من سفيان الثوري ، لولا الحديث كان يصلي بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، فإذا سمع مذاكرة الحديث ترك الصلاة وجاء (7/267).
* وكان منزل إسماعيل بن عياش بجانب منزل أبي اليمان ، فحدّث أبو اليمان أن إسماعيل كان يحيي الليل ، وكان ربما قرأ ، ثم يقطع ، ثم رجع فقرأ من الموضع الذي قطع منه ، فسأله عن ذلك يوما فقال : يا بني ، إني أصلي فأقرأ ، فأذكر الحديث في الباب من الأبواب التي أخرجتها ، فأقطع الصلاة ، فأكتبه فيه ثم أرجع إلى صلاتي (8/315).
* وقال ابن المبارك: ما رأيت أحدا ارتفع مثل مالك، ليس له كثير صلاة ولا صيام، إلا أن تكون له سريرة.
قال الذهبي: ما كان عليه من العلم ونشره أفضل من نوافل الصوم والصلاة لمن أراد به الله (8/97).
* وقال محمد بن يوسف الفريابي: كنت مع البخاري بمنزله ذات ليلة، فأحصيت عليه أنه قام وأسرج يستذكر أشياء يعلّقها في ليلة ثمان عشرة مرة (12/404).
* وكان مسعر يقول: إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل أنتم منتهون؟(1/60)
قال الذهبي: هذه مسألة مختلف فيها: هل طلب العلم أفضل، أو صلاة النافلة والتلاوة والذكر؟ فأما من كان مخلصا لله في طلب العلم، وذهنه جيد، فالعلم أولى، ولكن مع حظ من صلاة وتعبد، فإن رأيته مجدّا في طلب العلم، لا حظ له في القربات، فهذا كسلان مهين، وليس هو بصادق في حسن نيته. وأما من كان طلبه الحديث والفقه غيّة ومحبة نفسانية فالعبادة في حقه أفضل، بل ما بينهما أفعل تفضيل، وهذا تقسيم في الجملة، فقلّ - والله - من رأيته مخلصا في طلب العلم. دعنا من هذا كله، فليس طلب الحديث اليوم على الوضع المتعارف من حيز طلب العلم، بل اصطلاح وطلب أسانيد عالية، وأخذ عن شيخ لا يعي، وتسميع لطفل يلعب ولا يفهم، أو لرضيع يبكي، أو لفقيه يتحدث مع حدث، أو آخر ينسخ. وفاضلهم مشغول عن الحديث بكتابة الأسماء أو بالنعاس، والقارئ إن كان له مشاركة فليس عنده من الفضيلة أكثر من قراءة ما في الجزء، سواء تصحف عليه الاسم، أو اختبط المتن، أو كان من الموضوعات. فالعلم عن هؤلاء بمعزل، والعمل لا أكاد أراه، بل أرى أمورا سيئة، نسأل الله العفو (7/167).
تعظيمهم الحديث وحملته:
* حدّث شريك عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: قال عمر: "إنا لنأكل لحوم هذه الإبل ، ليس يقطعها في بطوننا إلا هذا النبيذ الشديد" فقال الحسن بن زيد بن الحسن : ?ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ، إن هذا إلا اختلاق? [ص:7] فقال شريك : أجل ! شَغَلَك الجلوسُ على الطنافس في صدور المجالس عن استماع هذا وأمثاله ، فلم يجبه الحسن بشيء ، وأُسكت القوم ، فتحدثوا بعد في النبيذ ، وشريك ساكت . فقال أبو عبيد الله : حدِّثنا يا أبا عبد الله بما عندك . فقال : كلا ! الحديث أعز على أهله من أن يعرّض للتكذيب (8/203).(1/61)
* وقال يحيى ابن الذهلي: دخلت على أبي في الصيف الصائف وقت القائلة، وهو في بيت كتبه ، وبين يديه السراج ، وهو يصنف ، فقلت: يا أبة، هذا وقت الصلاة ، ودخان هذا السراج بالنهار ، فلو نَفَّسْتَ عن نفسك . قال : يا بني ، تقول لي هذا وأنا مع رسول الله ^ وأصحابه والتابعين (12/279).
* وقيل لمالك: لِمَ لمْ تأخذ عن عمرو بن دينار؟ قال: أتيته، فوجدته يأخذون عنه قياما، فأجللت حديث رسول الله ^ أن آخذه قائما (8/67).
* وكان مالك لا يحدّث إلا وهو على طهارة إجلالا للحديث (8/96).
* وقال الثوري في الحديث : ما يعدله شيء لمن أراد الله به.
* وقال : ليس شيء أنفع للناس من الحديث (7/273).
* وقال يزيد بن زريع : لكل دين فرسان وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد.
* وقال أيضا : الملائكة حراس السماء وأهل الحديث حراس الأرض . (8/298).
التحديث بالأجرة:
* وأتى شعبة إلى أبي الزبير، وكانت به حاجة شديدة، فتذمم أن يسأله إذ لم يكن عنده ما يعطيه (7/223).
* وقال البرزالي: كان القاضي شمس الدين ابن صصرى يسأل من غير حاجة، وهو مسند الشام في زمانه.
وقال ابن الحاجب: ربما كان يأخذ من آحاد الأغنياء على التسميع.
وقال محمد بن الحسن بن سلام: كان فيه شح بالتسميع إلا بعرض من الدنيا، وهو من بيت حديث وأمانة وصيانة، وكان متمولا له مال وأملاك (22/283-284).
* أبو نعيم الفضل بن دكين: كان ينفق من كسبه، ولكنه كان يأخذ على الحديث شيئا قليلا لفقره. وأُثر عنه قوله: يلومونني على الأخذ، وفي بيتي ثلاثة عشر نفسا، وما في بيتي رغيف (10/152).
من أخطأ في صلاته يذكر حدثنا:
قال العتيقي : سمعت عمر بن شاهين يقول : قام أبو بكر الباغندي ليصلي فكبر ثم قال : أخبرنا محمد بن سليمان لوين . فسبحنا به فقال: ?بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين?.
ما يحتاج إليه المحدث :(1/62)
قال عثمان بن خُرّزاذ : يحتاج صاحب الحديث إلى خمس، فإن عدمت واحدة فهي نقص: يحتاج إلى عقل جيد، ودين، وضبط، وحذاقة بالصناعة مع أمانة تعرف منه.
قال الذهبي : الأمانة جزء من الدين، والضبط داخل في الحذق. فالذي يحتاج إليه الحافظ أن يكون تقيا، ذكيا، نحويا، لغويا، زكيا، حييا، سلفيا. يكفيه أن يكتب بيده مائتي مجلد، ويحصل من الدواوين المعتبرة خمس مائة مجلد، وأن لا يفتر من طلب العلم إلى الممات بنية خالصة وتواضع، وإلا فلا تتعنّ (13/380).
احتياطهم في رواية الحديث:
* قال الشافعي: كان مالك إذا شك في حديث طرحه كله (8/75).
* وقال أبو عمار الحسين بن حريث : قلت للشقيقي : سمعتَ من أبي حمزة كتاب الصلاة ؟ قال : قد سمعت، ولكن نهق حمار يوما فاشتبه علي حديث، فلا أدري أي حديث هو، فتركت الكتاب كله (10/351-352) .
إعلام الناس باحتلام الغلام أثناء الطلب :
احتلم عبد الرحمن بن بشر فدعا أبوه عبدَ الرزاق وأصحابَ الحديثِ الغرباءَ، فلما فرغوا من الطعام قال: اشهدوا أن ابني قد احتلم، وهو ذا يسمع من عبد الرزاق، وقد سمع من سفيان بن عيينة (12/342).
غاية المحدث:
سئل سهل بن عبد الله التستري : إلى متى يكتب الرجل الحديث؟ قال: حتى يموت، ويُصب باقي حبره في قبره (13/331).
بين المحدثين القدامى والجدد:
قال الذهبي - بعد أن ذكر صلاح قبيصة -:
كذا كان والله أهل الحديث، العلم والعبادة. واليوم فلا علم ولا عبادة، بل تخبيط ولحن وتصحيف كثير وحفظ يسير. وإذا لم يرتكب العظائم ولا يخل بالفرائض فلله دره.
* وقال أيضا : وإنما شأن المحدث اليوم الاعتناء بالدواوين الستة ومسند أحمد وسنن البيهقي، وضبط متونها وأسانيدها، ثم لا ينتفع بذلك حتى يتقي ربه ويدين بالحديث. فعلى علم الحديث وعلمائه ليبك من كان باكيا . فقد عاد الإسلام المحض غريبا كما بدأ . فليسع امرؤ في فكاك رقبته من النار . فلا حول ولا قوة إلا بالله.(1/63)
…ثم العلم ليس هو بكثرة الرواية ، ولكنه نور يقذفه الله في القلب، وشرطه الاتباع، والفرار من الهوى والابتداع. وفقنا الله وإياكم لطاعته (13/323).
* وفي ترجمة هُدْبة بن خالد القيسي الثوباني بعد أن ذكر عن عباس بن عبد العظيم أن الكتب التي يحدث بها هدبة هي كتب أخيه أمية بن خالد قال :
رافق أخاه في الطلب ، وتشاركا في ضبط الكتب ، فساغ له أن يروي من كتب أخيه ، فكيف بالماضين لو رأونا اليوم نسمع من أي صحيفة مصحَّفة على أجهل شيخ له إجازة ، ونروي من نسخة أخرى بينهما من الاختلاف والغلط ألوان، ففاضلنا يصحح ما تيسر من حفظه، وطالبنا يتشاغل بكتابة أسماء الأطفال ، وعالمنا ينسخ ، وشيخنا ينام ، وطائفة من الشبيبة في واد آخر من المشاكلة والمحادثة . لقد اشتفى منا كل مبتدع، ومجّنا كل مؤمن . أفهؤلاء الغُثاء هم الذين يحفظون على الأمة دينها ؟ كلا والله . فرحم الله هدبة ، وأين مثل هدبة(1) ؟ نعم ما هو في الحفظ كشعبة (11/99).
مسائل في علم المصطلح والجرح والتعديل
بين الحديث الصحيح والحسن:
__________
(1) هو من شيوخ البخاري ومسلم . وكان ذا عبادة ، حتى قال عبدان الأهوازي : كنا لا نصلي خلف هدبة من طول صلاته ، يسبح في الركوع والسجود نيفا وثلاثين تسبيحة . (السير 11/99).(1/64)
ذكر الذهبي في ترجمة محمد بن طلحة بن مصرف اليامي بعض أقوال العلماء في توثيقه وتوهينه ثم قال: يجيء حديثه من أدنى مراتب الصحيح، ومن أجود الحسن. وبهذا يظهر لك أن "الصحيحين" فيهما الصحيح وما هو أصح منه، وإن شئت قلت: فيهما الصحيح الذي لا نزاع فيه، والصحيح الذي هو حسن. وبهذا يظهر لك أن الحسن قسم داخل في الصحيح، وأن الحديث النبوي قسمان، ليس إلا صحيح وهو على مراتب، وضعيف وهو على مراتب. والله أعلم(1) (7/339).
منزلة أحاديث مسند أحمد:
قال حنبل: جمعنا أحمد بن حنبل أنا وصالح وعبد الله، وقرأ علينا المسند، ما سمعه غيرنا، وقال: هذا الكتاب جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفا، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله ^ فارجعوا إليه، فإن وجدتموه وإلا فليس بحجة.
قال الذهبي: في الصحيحين أحاديث قليلة ليست في المسند، لكن قد يقال: لا ترد على قوله، فإن المسلمين ما اختلفوا فيها. ثم ما يلزم من هذا القول أنّ ما وجد فيه أن يكون حجة، ففيه جملة من الأحاديث الضعيفة مما يسوغ نقلها، ولا يجب الاحتجاج بها. وفيه أحاديث معدودة شبه موضوعة، ولكنها قطرة في بحر. وفي غضون المسند زيادات جمة لعبد الله بن أحمد (11/329).
منزلة كتاب المستدرك للحاكم :
__________
(1) ومثل هذا ما قاله في كتاب الموقظة (ص25-26) : وقد قلت لك إن الحسن ما قصر سنده قليلا عن رتبة الصحيح … ثم لا تطمع بأن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها، فإنا على إياس من ذلك ، فكم من حديث يتردد فيه الحفاظ هل هو حسن أو ضعيف أو صحيح؟ بل الحافظ الواحد يتغير اجتهاده في الحديث الواحد فيوما يصفه بالصحة ويوما يصفه بالحسن ولربما استضعفه. وهذا حق ، فإن الحديث الحسن يستضعفه الحافظ عن أن يرقيه إلى مرتبة الصحيح ، فبهذا الاعتبار فيه ضعف ما ، إذ الحسن لا ينفك عن ضعف ما ، ولو انفك عن ذلك لصح باتفاق.(1/65)
نقل الذهبي قول أبي سعد الماليني : طالعت كتاب "المستدرك" الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره ، فلم أر فيه حديثا على شرطهما.
ثم قال: هذه مكابرة وغلو، وليست رتبة أبي سعد أن يحكم بهذا، بل في "المستدرك" شيء كثير على شرطهما، وشيء كثير على شرط أحدهما، ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب، بل أَقَلّ، فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما، وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة، وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيّد، وذلك نحو ربعه، وباقي الكتاب مناكير وعجائب، وفي غضون ذلك أحاديث نحو المائة يشهد القلب ببطلانها، كنت قد أفردت منها جزءا، وحديث الطير بالنسبة إليها سماء، وبكل حال فهو كتاب مفيد، قد اختصرته، ويعوز عملا وتحريرا (17/175-176).
الحديث الضعيف في فضائل الأعمال :
* قال الذهبي في ترجمة ليث ابن أبي سليم: بعض الأئمة يحسّن لليث ولا يبلغ حديثه مرتبة الحسن، بل عداده في مرتبة الضعيف المقارب، فيُروى في الشواهد والاعتبار، وفي الرغائب والفضائل، أما في الواجبات فلا (6/184).
* وقال سفيان بن عيينة : لا تسمعوا من بقية - يعني ابن الوليد - ما كان سنة ، واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره.
قال الذهبي : لهذا أكثر الأئمة على التشديد في أحاديث الأحكام ، والترخيص قليلا - لا كلَّ الترخيص - في الفضائل والرقائق ، فيقبلون في ذلك ما ضعف إسناده ، لا ما اتُّهِم رواته ، فإن الأحاديث الموضوعة والأحاديث شديدة الوهن لا يلتفتون إليها ، بل يروونها للتحذير منها، والهتك لحالها. فمن دلّسها أو غطى تبيانها فهو جان على السنة ، خائن لله ورسوله . فإن كان يجهل ذلك فقد يعذر بالجهل ، ولكن سلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (8/520).
مراسيل الزهري:
قال يحيى بن سعيد بن القطان: مرسل الزهري شر من مرسل غيره، لأنه حافظ، وكل ما قدر أن يسمي سمى، وإنما يترك من لا يحب أن يسميه.(1/66)
قال الذهبي : مراسيل الزهري كالمعضل، لأنه يكون سقط منه اثنان، ولا يسوغ أن نظن به أنه أسقط الصحابي فقط، ولو كان عنده عن صحابي لأوضحه ولما عجز عن وصله. ولو أنه يقول: عن بعض أصحاب النبي ^، ومن عد مرسل الزهري كمرسل سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ونحوهما، فإنه لم يدر ما يقول. نعم مرسله كمرسل قتادة ونحوه (5/238-239).
مراسيل عطاء والحسن:
قال يحيى بن سعيد القطان: مرسلات مجاهد أحب إلي من مرسلات عطاء بكثير. كان عطاء يأخذ عن كل ضرب.
وقال الفضل بن زياد عن أحمد بن حنبل: ليس في المرسلات شيء أضعف من مرسلات الحسن وعطاء ابن أبي رباح، كانا يأخذان عن كل أحد. ومرسلات ابن المسيب أصح المراسيل، ومرسلات إبراهيم النخعي لا بأس بها (5/86).
منزلة علماء الجرح والتعديل :
قال ابن الرومي: ما رأيت أحدا قط يقول الحق في المشايخ غير يحيى - يعني ابن معين - ، وغيره كان يتحامل بالقول.
قال الذهبي : هذا القول من عبد الله ابن الرومي غير مقبول، وإنما قاله باجتهاده ، ونحن لا ندعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل ، لكن هم أكثر الناس صوابا ، وأندرهم خطأ ، وأشدهم إنصافا ، وأبعدهم عن التحامل . وإذا اتفقوا على تعديل أو جرح فتمسك به ، واعضض عليه بناجذيك ، ولا تتجاوزه فتندم . ومن شذ منهم فلا عبرة به . فخل عنك العناء ، وأعط القوس باريها ، فوالله لو لا الحفاظ الأكابر لخطبت المبتدعة على المنابر ، ولئن خطب خاطب من أهل البدع ، فإنما هو بسيف الإسلام وبلسان الشريعة ، وبجاه السنة ، وبإظهار متابعة ما جاء به الرسول ^ ، فنعوذ بالله من الخذلان (11/82).
لا يقبل الجرح إذا تبين أن الصواب خلافه:(1/67)
قال الذهبي : ومن نادر ما شذ به ابن معين رحمه الله كلامه في أحمد ابن صالح حافظ مصر ، فإنه تكلم فيه باجتهاده ، وشاهد منه ما يلينه باعتبار عدالته لا باعتبار إتقانه ، فإنه متقن ثبت ، ولكن عليه مآخذ في تيهٍ وبَأْوٍ كان يتعاطاه ، والله لا يحب كل مختار فخور . ولعله اطلع منه على حال في أيام شبيبة ابن صالح ، فتاب منه أو من بعضه ، ثم شاخ ولزم الخير ، فلقيه البخاري والكبار واحتجوا به . وأما كلام النسائي فيه فكلام موتور لأنه آذى النسائي ، وطرده من مجلسه ، فقال فيه : ليس بثقة (11-82-83).
وقال في ترجمة طالوت بن عباد الصيرفي بعد أن ذكر قول أبي حاتم أنه صدوق: فأما قول ابن الجوزي: ضعفه علماء النقل، فهفوة من كِيس أبي الفرج. فإلى الساعة ما وجدت أحدا ضعفه. وحسبك بقول المتعنت في النقد أبي حاتم فيه (11/26).
لا يُقبل جرح من مجروح:
* قال الأزدي في الحارث بن محمد: إنه ضعيف، لم أر من شيوخنا من يحدث عنه .
قال الذهبي : هذه مجازفة . ليت الأزدي عرف ضعف نفسه (13/389).
* وقال ابن عدي في الكامل : سمعت أحمد بن محمد بن سعيد سمعت ابن خراش يحلف بالله أن أحمد بن الفرات يكذب متعمدا.
قال ابن عدي : وهذا تحامل ، ولا أعلم له رواية منكرة.
قال الذهبي : من الذي يصدق ابن خراش ذلك الرافضي في قوله(1) ؟! (12/487) .
وقال : وجدت فائدة منقولة عن أبي الخطاب ابن دحية أن الرملي الكذابة قال: البخاري مجهول ، لم يرو عنه سوى الفربري !!
قال أبو الخطاب : والله كذب في هذا وفجر والتقم الحجر ..
__________
(1) وابن خراش قد كفر داود الظاهري وجهله فضلك فعقب عليهما أبو زرعة (السير 13/99) .(1/68)
* ولما حكى الذهبي قول قطبة : تركت حديث الفضيل بن عياض لأنه روى أحاديث أزرى على عثمان بن عفان . قال : فلا نسمع قول قطبة ، ليته اشتغل بحاله فقد قال البخاري : فيه نظر ، وقال النسائي وغيره : ضعيف . ثم ذكر الذهبي ما كان عليه الفضيل من السنة والاتباع وحب الصحابة. ثم عقب بقوله :
…إذا كان مثل كبراء السابقين الأولين قد تكلم فيهم الروافض والخوارج ، ومثل الفضيل يُتكلم فيه ، فمن الذي يسلم من ألسنة الناس ؟ لكن إذا ثبتت إمامة الرجل وفضله لم يضره ما قيل فيه ، وإنما الكلام في العلماء مفتقر إلى وزن بالعدل والورع (8/448).
فائدة لا فائدة فيها :
قال الذهبي : فائدة لا فائدة فيها ، نحكيها لنليشها:
…قال أبو عبيد الآجري سمعت أبا داود يقول : إسحاق تغير قبل موته بخمسة أشهر. وسمعت منه في تلك الأيام فرميت به.
…فهذه حكاية منكرة. وفي الجملة فكل أحد يتعلل قبل موته غالبا ويمرض فيبقى أيام مرضه متغير القوة الحافظة ويموت إلى رحمة الله على تغيره ثم قبل موته بيسير يختلط ذهنه ويتلاشى علمه. فإذا قضى زال بالموت حفظه ، فكان ما ذا ؟ أفبمثل هذا يليَّن عالم قط ؟! كلا والله ، ولا سيما مثل هذا الجبل في حفظه وإتقانه (11/378).
وقال في ترجمة عفان بعد أن ذكر أنه في مرض موته يكون ساعة خرفا وساعة عقلا :
…كل تغير يوجد في مرض الموت فليس بقادح في الثقة، فإن غالب الناس يعتريهم في مرض الموت الحاد نحو ذلك، ويتم لهم وقت السياق وقبله أشد من ذلك . وإنما المحذور أن يقع الاختلاط بالثقة فيحدث في حال اختلاطه بما يضطرب في إسناده أو متنه فيخالف فيه (10/254).…
…والضابط في المسألة هو ما ذكره في ترجمة عارم وأن أبا داود لم يأخذ عنه لتغيره.(1/69)
…قال : والذي ينبغي أن من خلط في كلامه كتخليط السكران أن لا يحمل عنه ألبتة ، وأن من تغير لكثرة النسيان أن لا يؤخذ عنه(1) (10/269).
حفاظ ضعفاء:
* محمد بن حميد بن حيان أبو عبد الله الرازي : العلامة الحافظ الكبير، ولكنه كان يُركّب الأسانيد على المتون. قال الذهبي : وهو مع إمامته منكر الحديث، صاحب عجائب. (11/503-504).
* سليمان بن داود الشاذكوني المنقري : العالم الحافظ البارع.
…قال ابن معين: جرّبت عليه الكذب، واتهمه أبو زرعة بالوضع، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال البخاري: هو أضعف عندي من كل ضعيف، ورآه ابن المديني سكران (10/681-682).
* نعيم بن حماد: أول من جمع المسند وصنفه، وهو من أعلم الناس بالفرائض.
قال الذهبي : نعيم من كبار أوعية العلم ، لكنه لا تركن النفس إلى رواياته ، وقد صنف كتاب الفتن فأتى بالعجائب، لا يجوز لأحد أن يحتج به (5/595بتصرف).
* عبد الرحمن بن يوسف بن خراش المروزي:
…قال أبو نعيم ابن عدي: "ما رأيت أحدا أحفظ من ابن خراش". وكان ابن خراش رافضيا، حمل إلى بندار جزءين صنّفهما في مثالب الشيخين، فأجازه بألفي درهم، بنى بها حجرة ببغداد ليحدث بها، فمات حين فرغ منها.
وقال عبدان: حدّث بمراسيل وصلها، ومواقيف رفعها.
وقال: سألته عن حديث: "ما تركنا صدقة" فقال: باطل، أتهم مالك ابن أوس.
قال الذهبي: هذا معثر مخذول، كان علمه وبالا، وسعيه ضلالا، نعوذ بالله من الشقاء (13/509-510).
ثقة لا يكاد يحدث عنه ثقة:
__________
(1) قد اختلف قول الدارقطني وقول ابن حبان في عارم وأحاديثه التي حدّث بها بعد الاختلاط . والذهبي يميل إلى قول الدارقطني أنه لم ينكر من حديثه بعد الاختلاط شيء، وإنما تغير بأخرة (السير 10/267-268) .(1/70)
* قال الإمام الدارقطني في مالك بن دينار: إنه ثقة، ولا يكاد يحدّث عنه ثقة(1) (5/364).
* ومثله ما قال في محمد بن واسع: ثقة بُلي برواة ضعفاء (6/118).
* وقال أيضا لما سئل عن إبراهيم ابن أبي عبلة: الطرق إليه ليست تصفو، وهو في نفسه ثقة (6/324).
رأي الإمام الذهبي في الواقدي:
قال في ترجمة ابن أبي ذئب: والواقدي - وإن كان لا نزاع في ضعفه - فهو صادق اللسان، كبير القدر (7/142).
وختم ترجمة الواقدي بقوله: وقد تقرّر أن الواقدي ضعيف، يُحتاج إليه في الغزوات والتاريخ ، ونُورد آثاره من غير احتجاج . أما في الفرائض فلا ينبغي أن يذكر ، فهذه الكتب الستة ، ومسند أحمد ، وعامة من جمع في الأحكام ، نراهم يترخصون في إخراج أحاديث أناس ضعفاء ، بل ومتروكين، ومع هذا لا يخرجون لمحمد بن عمر - الواقدي - شيئا ، مع أن وزنه عندي أنه مع ضعفه يُكتب حديثه ، ويُروى ، لأني لا أتهمه بالوضع . وقول من أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه ، كما أنه لا عبرة بتوثيق من وثقه كيزيد وأبي عبيد والصغاني والحربي ومعن وتمام عشرة محدثين ، إذ قد انعقد الإجماع على أنه ليس بحجة ، وأن حديثه في عداد الواهي ، رحمه الله (9/469).
حفاظ لم يأخذ عنهم البخاري :
قال الذهبي في ترجمة محمد بن رمح (150هـ - 242هـ) :
__________
(1) يعني ليس له تلاميذ ثقات يروون عنه، وإنما روى عنه أخوه عثمان، وأبو سلمة الأنصاري - وهما لا شيء - والحارث بن وجيه، وأبو إسحاق الحميسي وهما ضعيفان. لكن روى عنه ممن فوق هؤلاء عبد الله بن شوذب وصدقة الدقيقي وجعفر الضبعي وهمام بن يحيى، وأحاديثهم لا تنزل عن الحسن. وروى عنه من الثقات أبان بن يزيد العطار وبسطام بن مسلم العوذي وسعيد ابن أبي عروبة، وهؤلاء كلهم ثقات. وأحاديث ابن دينار نحو الأربعين كما قال ابن المديني، فهو قليل الحديث. توفي سنة 130هـ. راجع ترجمته في السير 5/362-364، وتهذيب التهذيب 10/14-15، وميزان الاعتدال 3/426.(1/71)
لم يتفق لي أن أورد ابن رمح في كتاب تذكرة الحفاظ، فذكرته هنا لجلالته. وأنا أتعجب من البخاري كيف لم يرو عنه ! فهو أهل لذلك، بل هو أتقن من قتيبة بن سعيد رحمهما الله (11/499).
وقال في ترجمة ميمون بن مهران: قد خرّج أرباب الكتب لميمون سوى البخاري، فما أدري لم تركه؟ (5/78).
لماذا لم يرو البخاري حديث يحيى بن بكير عن مالك؟
لم يخرج البخاري حديث يحيى بن بكير عن مالك، وإنما أكثر عن يحيى بن بكير عن الليث لأن يحيى إنما سمع من مالك بعرض حبيب ابن أبي حبيب كاتبه، وحبيب ليس بمأمون، حتى إنه اتهم، وكان يقرأ للجماعة فإذا أخطأ فتح عليه مالك، وكان ذلك قليلا، ولكنه كان يخطرف (يسرع) بالناس يصفح ورقتين وثلاثا، ولا ينظر أحد في كتابه ولا يستفهم هيبة لمالك وإجلالا له(1) (8/65).
لما ذا روى مسلم حديث سويد ؟
قال إبراهيم ابن أبي طالب : قلت لمسلم : كيف استجزت الرواية عن سويد بن سعيد في "الصحيح" ؟ قال : فمن أين كنتُ آتي بنسخة حفص بن ميسرة؟
قال الذهبي : ما كان لمسلم أن يخرج له في الأصول. وليته عضد أحاديث حفص بن ميسرة بأن أوردها بنزول درجة أيضا (11/418).
أحاديث مسلم ليست من العوالي(2):
قال إبراهيم ابن أبي طالب: قلت لمسلم: قد أكثرت في "الصحيح" عن أحمد بن عبد الرحمن الوهبي، وحاله قد ظهر، فقال: إنما نقموا عليه بعد خروجي من مصر.
__________
(1) كان للإمام مالك من الهيبة في نفوس النانس ما ليس لغيره من أهل العلم، فهو الذي قال فيه مصعب بن عبد الله:
يدع الجواب فلا يراجع هيبة * والسائلون نواكس الأذقان
عز الوقار ونور سلطان التقى * فهو المَهيب وليس ذا سلطان
راجع السير (8/65 ، 113) مع الحاشية رقم 4. وانظر: الإلماع للقاضي عياض، ص77.
(2) الإسناد العالي هو الذي قلّ رجاله، وعكسه النازل. وكان العلماء يرحلون إلى البلدان النائية لطلب علو الإسناد.(1/72)
قال الذهبي: ليس في صحيح مسلم من العوالي إلا ما قَلّ، كالقعنبي عن أفلح بن حميد، ثم حديث حماد بن سلمة، وهمام ومالك والليث، وليس في الكتاب حديث عال لشعبة، ولا للثوري، ولا لإسرائيل، وهو كتاب نفيس كامل في معناه، فلما رآه الحفاظ أعجبوا به، ولم يسمعوه لنزوله، فعمدوا إلى أحاديث الكتاب، فساقوها من مروياتهم عالية بدرجة وبدرجتين ونحو ذلك حتى أتوا على الجميع هكذا (12/568-569).
أحاديث الترمذي في السنن:
* تكلم الحافظ الذهبي عن كتاب الجامع للترمذي في ترجمته في السير. ومن ضمن ما قال :
…"في الجامع علم نافع ، وفوائد غزيرة ، ورؤوس المسائل ، وهو أحد أصول الإسلام لو لا ما كدّره بأحاديث واهية ، بعضها موضوع، وكثير منها في الفضائل".
وقال: "جامعه قاض بإمامته وحفظه وفقهه، ولكن يترخص في قبول الأحاديث، ولا يشدد، ونَفَسُه في التضعيف رخو (13/274-276).
* وقال شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي الأنصاري: كتاب أبي عيسى الترمذي عندي أفيد من كتاب البخاري ومسلم. قيل له لم ؟ قال: لأنهما لا يصل إلى الفائدة منهما إلا من يكون من أهل المعرفة التامة، وهذا كتاب قد شرح أحاديثه، وبينها، فيصل إلى فائدته كل فقيه ومحدّث(1) (18/513).
بين تشدد شعبة وتعنت ابن حبان:
قال شعبة : أتيت أبا الزبير وفخذه مكشوفة ، فقلت له : غط فخذك. قال : ما بأس بذلك. فلذلك لم أرو عنه (7/223).
__________
(1) وكان شيخنا وشيخ مشايخنا العلامة المحدث حماد الأنصاري رحمه الله تعالى معجبا جدا بجامع بأبي عيسى، وكان يعيد كلام الهروي هذا على الطلبة ويكرره، ويوصيهم بدراسة هذا الكتاب والعناية به، فرحم الله الجميع.(1/73)
وقال الذهبي: إذا وثق أبو حاتم رجلا فتمسك به، فإنه لا يُوثِّق إلا رجلا صحيح الحديث، وإذا لين رجلا أو قال فيه: لا يحتج به، فتوقف حتى ترى ما قال غيره فيه، فإن وثقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم، فإنه متعنت في الرجال، قد قال في طائفة من رجال "الصحاح": ليس بحجة، ليس بقوي، أو نحو ذلك (13/260).
رواية الثقة في دينه غير المأمون في روايته:
* قال مالك: ربما جلس إلينا الشيخ فيحدث جُلَّ نهاره، ما نأخذ عنه حديثا واحدا، وما بنا أن نتهمه، ولكن لم يكن من أهل الحديث (8/72).
* وقال الذهبي في ترجمة مطر الوراق: الإمام الزاهد الصادق، أبو رجاء ابن طهمان الخراساني، كان من العلماء العاملين، وكان يكتب المصاحف ويتقن ذلك.
…قال فيه النسائي: ليس بالقوي، وقال أبو حاتم: ضعيف، وكان يحيى القطان يشبه مطرا بابن أبي ليلى في سوء الحفظ، وقال محمد ابن سعد: فيه ضعف في الحديث، وقال عثمان بن دحية: لا يساوي دستجة بقل.
…ومع كل هذه الأقوال في مطر الوراق فقد مشّاه الذهبي بقوله: غيره أتقن للرواية منه، ولا ينحط حديثه عن رتبة الحسن، وقد احتج به مسلم(1) (5/452-453).
رواية المتهم في دينه الثقة في روايته :
قال الحاكم : كان ابن خزيمة يقول : حدثنا الثقة في روايته المتهم في دينه عبّاد ابن يعقوب يعني الرواجني (11/537).
وكان الرواجني شيعيا يشتم السلف ، ويقول : من لم يبرأ في صلاته كل يوم من أعداء آل محمد حُشر معهم(2) . وانظر له قصة طريفة أوردها الذهبي في (11/538) مات في شوال سنة 250هـ.
رواية المبتدع:
__________
(1) ولا يختلف عنه كثيرا قول الحافظ ابن حجر في التقريب: صدوق كثير الخطأ، وحديثه عن عطاء ضعيف. انظر: تقريب التهذيب رقم 6699.
(2) قال الذهبي : هذا الكلام مبدأ الرفض ، بل نكف ، ونستغفر للأمة ، فإن آل محمد في إياهم قد عادى بعضهم بعضا واقتتلوا على الملك، وتمت عظائم ، فمن أيهم نبرأ ؟ (11/538) .(1/74)
قال الحافظ محمد بن البرقي: قلت ليحيى بن معين: أرأيت من يُرمى بالقدر يُكتب حديثه؟ قال: نعم. قد كان قتادة وهشام الدستوائي وسعيد ابن أبي عروبة وعبد الوارث - وذكر جماعة - يقولون بالقدر، وهم ثقات، يُكتب حديثهم ما لم يَدْعُو إلى شيء.
قال الذهبي: هذه مسألة كبيرة، وهي: القدري والمعتزلي والجهمي والرافضي، إذا علم صدقه في الحديث وتقواه، ولم يكن داعيا إلى بدعته، فالذي عليه أكثر العلماء قبول روايته، والعمل بحديثه. وترددوا في الداعية، هل يُؤخذ عنه؟ فذهب كثير من الحفاظ إلى تجنب حديثه وهجرانه. وقال بعضهم: إذا علمنا صدقه وكان داعية، ووجدنا عنده سنة تفرد بها، فكيف يسوغ لنا ترك تلك السنة؟ فجميع تصرفات أئمة الحديث تؤذن بأن المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه من دائرة الإسلام، ولم تبح دمه، فإن قبول ما رواه سائغ.
…وهذه المسألة لم تتبرهن لي كما ينبغي، والذي اتضح لي منها أن من دخل في بدعة، ولم يُعدّ من رؤوسها، ولا أمعن فيها، يُقبل حديثه كما مثّل الحافظ أبو زكريا بأولئك المذكورين، وحديثهم في كتب الإسلام لصدقهم وحفظهم.(1)
__________
(1) وعلى هذا مشى المصنف وغيره من علماء الجرح والتعديل فقال في ترجمة أبان بن تغلب من الميزان: شيعي جلد، لكنه صدوق. فلنا صدقه وعليه بدعته. وقد وثّقه أحمد ابن حنبل وابن معين وأبو حاتم وأورده ابن عدي - يعني في الكامل - وقال: كان غاليا في التشيع. ثم أورد استشكالا وأجاب عليه. قال: فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع وحدّ الثقة العدالة والإتقان؟ فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة؟
…وجوابه أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرق، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق. فلو رُدّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة.
…ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك. فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة.
…قال: وأيضا فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقا ولا مأمونا، بل الكذب شعارهم والتقيّة والنفاق دثارهم. فكيف يُقبل نقل من هذا حاله؟! حاشا وكلا. = فالشيعي في زمان السلف وعُرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا رضي الله عنه وتعرض لسبهم. والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضا، فهذا ضال معثِّر. ولم يكن أبان يعرض للشيخين أصلا، بل قد يعتقد أن عليا أفضل منهما. ميزان الاعتدال (1/5-6).(1/75)
فوائد في التصنيف والمصنفين
"من صنّف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس"(1)
* قال الحاكم أبو عبد الله : شربت ماء زمزم ، وسألت الله أن يرزقني حسن التصنيف (17/171).
* وسنن النسائي المتداول بين الناس اسمه المجتنى - ويقال المجتبى - وليس من تصنيف النسائي وإنما هو اختصار ابن السني من السنن الكبرى للنسائي(2) (16/256).
* ومسند الشافعي لم يصنفه الشافعي وإنما انتقاه أبو العباس الأصم من كتاب "الأم" لينشط لروايته للرحالة (12/589).
* ولم ير العلامة ابن حزم "سنن ابن ماجه" ولا "جامع الترمذي" ولم يدخلا الأندلس إلا بعد موته (18/202).
* ولم يكن عند الإمام البيهقي كذلك "سنن النسائي" ولا "جامع الترمذي" ولا سنن ابن ماجه" ولكن كانت تصانيفه جيدة نافعة، وتقارب ألف جزء. وقد قال إمام الحرمين الجويني: ما من فقيه شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا البيهقي، فإن المنة له على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه.
__________
(1) من قول الخطيب البغدادي (ت 463هـ)، راجع: السير 18/281.
(2) هكذا قال المصنف رحمه الله ، وقد خالفه في ذلك عدد من المتقدمين، وقالوا إنما اختصره النسائي بنفسه لما سأله أحد الأمراء عن كتابه السنن: أكله صحيح؟ فقال: لا. قال: فاكتب لنا الصحيح مجردا، فصنع المجتبى. وقد وُجد المجتبى برواية أبي الحسن اليزيدي (ت551هـ) عن أبي محمد عبد الرحمن بن حمد الصوفي (ت 500هـ) عن أبي نصر الكسار (ت 433هـ) عن ابن السني (ت 363هـ) قال: حدثنا الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي.. فثبت ما ذهب إليه الآخرون من أن النسائي هو بنفسه اجتبى هذا الكتاب من مصنفه الموصوف بالسنن الكبرى. راجع: مقدمة سنن النسائي بشرح السيوطي وحاشية السندي، تحقيق مكتب تحقيق التراث الإسلامي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط. الثانية، 1412هـ/1992م، ص5م-8م.(1/76)
قال الذهبي: أصاب أبو المعالي، هكذا هو، ولو شاء أن يعمل لنفسه مذهبا يجتهد فيه لكان قادرا على ذلك لسعة علومه ومعرفته بالاختلاف، ولهذا نراه يلوّح بنصر مسائل مما صح فيها الحديث (18/165-169).
* يقال: إن كتاب "إصلاح المنطق" لابن السكيت كتاب بلا خطبة، وكتاب "أدب الكاتب" لابن قتيبة خطبة بلا كتاب (12/19).
موطأ مالك ورواياته:
قال الحافظ العلائي: روى الموطأ عن مالك جماعات كثيرة، وبين رواياتهم اختلاف من تقديم وتأخير وزيادة ونقص، وأكبرها رواية القعنبي، ومن أكبرها وأكثرها زياداتٍ روايةُ أبي مصعب، فقد قال ابن حزم: آخر شيء روي عن مالك من الموطآت موطأ أبي مصعب وموطأ أحمد بن إسماعيل السهمي، وفي هذين الموطأين نحو من مائة حديث زائدة. وهما آخر ما روي عن مالك. وفي ذلك دليل على أنه كان يزيد في الموطأ أحاديث كل وقت كان أغفلها، ثم أثبتها، وهكذا يكون العلماء رحمهم الله (11/437-438) وقارن بـ (12/25تعليق).
وأُدخلت أحاديث على موطإ أبي حذافة لأنه كان مغفّلا (12/26).
منزلة المستخرجة ورواياتها:
قال ابن الفرضي : رحل العُتبي - أبو عبد الله محمد بن أحمد، صاحب العُتْبِيَّة - وأخذ عن سحنون وأصبغ ونظرائهما، وكان حافظا للمسائل، جامعا لها، عالما بالنوازل، جمع "المستخرجة" وأكثر فيها من الروايات المطروحة، والمسائل الشاذة.
وقد قيل إنه كان يؤتى بالمسائل الغريبة فإذا أعجبته قال : أدخلوها في "المستخرجة" . وقال ابن وضاح : في "المستخرجة" خطأ كثير ، فتعقبه صاحب "نفح الطيب" وقال: لكن الكتاب وقع عليه الاعتماد من أعلام المالكية كابن رشد وغيره .
وقال أبو محمد ابن حزم : للمستخرجة بإفريقية القدر العالي، والطيران الحثيث (12/336).
أصل المدونة:(1/77)
…أصل "المدونة" أسئلة سألها أسد بن الفرات لابن القاسم ، فلما ارتحل سحنون بها عرضها على ابن القاسم ، فأصلح فيها كثيرا ، وأسقط ، ثم رتبها سحنون وبوبها ، واحتج لكثير من مسائلها بالآثار من مروياته، مع أن فيها أشياء لا ينهض دليلها ، بل رأي محض . وحكوا أن سحنون في أواخر الأمر علّم عليها ، وهمّ بإسقاطها وتهذيب "المدونة"، فأدركته المنية رحمه الله . فكبراء المالكية يعرفون تلك المسائل ، ويقررون منها ما قدروا عليه ، ويوهنون ما ضعف دليله. فهي لها أسوة بغيرها من دواوين الفقه. وكل أحد فيؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب ذاك القبر ^ تسليما . فالعلم بحر بلا ساحل، وهو مفرَّق في الأمة، موجود لمن التمسه (12/68).
وكل ما في المدونة لوكيع وابن مهدي فإنما أخذه سحنون عن موسى (12/109).
مختصر المزني ومنزلته:
قيل إن المزني كان إذا فرغ من تبييض مسألة وأودعها مختصره صلى لله ركعتين. وامتلأت البلاد بمختصر المزني في الفقه ، وشرحه عدة من الكبار بحيث يقال إن البكر يكون في جهازها نسخة بمختصر المزني. (12/493-494).
كيف ظهرت مصنفات الماوردي ؟
قيل إن الإمام أبا الحسن الماوردي لم يظهر شيئا من مصنفاته في حياته، وجمعها في موضع، فلما دنت وفاته قال لمن يثق به: الكتب التي في الموضع الفلاني كلها تصنيفي، وإنما لم أظهرها لأني لم أجد لها نية خالصة، فإذا عاينت الموت، ووقعت في النزع، فاجعل يدك في يدي، فإن قبضت عليها وعصرتها فاعلم أنه لم يقبل منها شيء، فاعمد إلى الكتب وألقها في دجلة، وإن بسطت يدي فاعلم أنها قبلت.
…قال الرجل: فلما احتضر وضعت يده في يدي فبسطها، فأظهرت كتبه(1) (18/66).
من هُجر من أجل كتبه:
__________
(1) للماوردي كتب كثيرة، منها تفسيره المسمى "النكت والعيون"، و"قانون الوزارة وسياسة الملك"، و"الأحكام السلطانية" و"أدب الدنيا والدين" و"والإقناع" في الفقه الشافعي وغير ذلك كثير.(1/78)
* قال السُّلمي: هُجر الحكيم الترمذي لتصنيفه كتاب "ختم الولاية"، و"علل الشريعة"، وليس فيه ما يوجب ذلك، ولكن لبُعْد فهمهم عنه.
قال الذهبي: كذا تُكُلم في السُّلَمي من أجل تأليفه كتاب"حقائق التفسير"، فيا ليته لم يؤلفه، فنعوذ بالله من الإشارات الحلاّجية، والشطحات البسطامية، وتصوف الاتحادية، فواحزناه على غربة الإسلام والسنة، قال الله تعالى: ?وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله..? [الأنعام:153] (13/442).
* وكان أبو محمد بن حزم ذا ذكاء مفرط، وذهن سيال، وكتب نفيسة كثيرة. وقد أداه اجتهاده إلى نفي القياس كله جليّه وخفيّه، والأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والحديث، والقول بالبراءة الأصلية، واستصحاب الحال، وصنف في ذلك كتبا كثيرة، وناظر عليه، وبسط لسانه وقلمه، ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب، فجّج العبارة، وسبّ وجدّع، فكان جزاؤه من جنس فعله، بحيث إنه أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة، وهجروها، ونفروا منها، وأحرقت في وقت، واعتنى بها آخرون من العلماء، وفتشوها انتقادا واستفادة، وأخذا ومؤاخذة، ورأوا فيها الدر الثمين ممزوجا في الرصف بالخرز المهين، فتارة يطربون، ومرة يعجبون، ومن تفرده يهزؤون. وفي الجملة فالكمال عزيز، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسولَ الله ^.
…وكان ينهض بعلوم جمة، ويجيد النقل، ويحسن النظم والنثر، وفيه دين وخير، ومقاصده جميلة، ومصنفاته مفيدة، وقد زهد في الرئاسة، ولزم بيته مكبا على العلم، فلا نغلو فيه ولا نجفو عنه، وقد أثنى عليه قبلنا الكبار (18/186-187).
…وقد امتحن ابن حزم لتطويل لسانه في العلماء، وشُرّد من وطنه، فنزل بقرية له، وجرت له أمور، وقام عليه جماعة من المالكية، وجرت بينه وبين أبي الوليد الباجي مناظرات ومنافرات، ونفّروا منه ملوك الناحية، فأقصته الدولة، وأُحرقت مجلدات من كتبه (18/198).
أنفع الكتب لطالب العلم:(1/79)
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام - وكان أحد المجتهدين -: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل "المحلى" لابن حزم، وكتاب "المغني" للشيخ موفق الدين.
قال الذهبي: لقد صدق الشيخ عز الدين. وثالثها: "السنن الكبير" للبيهقي، ورابعها: "التمهيد" لابن عبد البر. فمن حصّل هذه الدواوين، وكان من أذكياء المفتين، وأدمن المطالعة فيها، فهو العالم حقا (18/193).
ابن العربي وكتابه "الفصوص":
قال الذهبي في ترجمة ابن العربي: كان ذكيا، كثير العلم، كتب الإنشاء لبعض الأمراء بالمغرب، ثم تزهد وتفرد، وتعبد وتوحد، وسافر وتجرد، وأتهم وأنجد، وعمل الخلوات، وعلق شيئا كثيرا في تصوف أهل الوحدة.
…ومن أردإ تواليفه كتاب "الفصوص"، فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر، نسأل الله العفو والنجاة، فواغوثاه! (23/48).
من وضع نهج البلاغة ؟
وضع نهج البلاغة الشريف المرتضى أبو طالب علي بن حسين بن موسى البغدادي (ت436هـ).
قال الذهبي: هو جامع نهج البلاغة المنسوبة ألفاظه إلى الإمام علي - رضي الله عنه -، ولا أسانيد لذلك، وبعضها باطل، وفيه حق، ولكن فيه موضوعات حاشا الإمام النطق بها، ولكن أين المنصف؟ وقيل بل جمعُ أخيه الشريف الرضي.(1)
قال: كان المرتضى من الأذكياء الأولياء المتبحرين في الكلام والاعتزال، والأدب والشعر، لكنه إمامي جلد، نسأل الله العفو.
وقال ابن حزم: الإمامية كلهم على أن القرآن مبدل، وفيه زيادة ونقص سوى المرتضى، فإنه كفر من قال ذلك، وكذلك صاحباه الطوسي وأبو القاسم الرازي.
__________
(1) وقال المصنف في ترجمته في الميزان: من طالع كتابه نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، ففيه السب الصراح والحط على السيدين: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنَفَس القرشيين الصحابة وبنَفَس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرين جزم بأن الكتاب أكثره باطل. ميزان الاعتدال (3/124).(1/80)
قال الذهبي: وفي تصانيفه سب أصحاب رسول الله ^، فنعوذ بالله من علم لا ينفع (17/588-590).
تصانيف ابن مندة:
قال الذهبي: هو في تواليفه حاطب ليل، يروي الغث والسمين، وينظم رديء الخرز مع الدر الثمين (18/354).
أوهام الخليلي في "الإرشاد":
وفي ترجمة أبي جعفر الحمّار ذكر الذهبي قول الخليلي في الإرشاد أنه توفي سنة 285هـ، قال: والأول أصح، يعني قول من قال سنة 286هـ، قال: وللخليلي أوهام كثيرة في كتابه كأنه أملاه من حفظه (13/377).
أبو الفرج ابن الجوزي وتصانيفه:
قال الإمام موفق الدين: كان ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ، وصنف في فنون العلم تصانيف حسنة، وكان صاحب فنون، كان يصنف في الفقه، ويُدرس، وكان حافظا للحديث، إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنة، ولا طريقته فيها. وكانت العامة يعظمونه، وكانت تنفلت منه في بعض الأوقات كلمات تنكر عليه في السنة، فيُستفتى عليه فيها، ويضيق صدره من أجلها.
وكان أبو المظفر ابن حمدي ينكر على أبي الفرج كثيرا كلمات يخالف فيها السنة.
وكانت تصانيفه تربو عل ثلاثمائة وأربعين مصنفا ما بين عشرين مجلدا إلى كراس، وكان كثير الأوهام، كثير الغلط فيما يصنفه، فإنه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره.
قال الذهبي: هكذا هو، له أوهام وألوان من ترك المراجعة، وأخذ العلم من صحف، وصنف شيئا لو عاش عمرا ثانيا لما لحق أن يحرره ويتقنه (21/378-384).
- - -
فوائد من أحاديث المصطفى
صلىالله عليه وسلم وسيرته
كم يحتاج إليه المسلم من الأحاديث؟(1/81)
قال الإمام أبو داود السجستاني صاحب "السنن": كتبت عن رسول الله ^ خمسمائة ألف حديث(1)، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب - يعني "السنن" - ، جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث. ذكرت فيه الصحيح، وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث، أحدها: قوله ^: "الأعمال بالنيات"(2)، والثاني: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"(3)، والثالث: قوله: "لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه"(4)، والرابع: "الحلال بين.."(5) الحديث.
قال الذهبي: قوله: يكفي الإنسان لدينه.. ممنوع، بل يحتاج المسلم إلى عدد كثير من السنن الصحيحة مع القرآن (13/209-210).
الدين النصيحة :
__________
(1) يعني الطرق والأسانيد، لا المتون، كما هي عادة المحدثين في عدّ الطرق، وإلا فإن متون الأحاديث النبوية لا تبلغ هذا العدد، ولا تقاربه. والله أعلم.
(2) صحيح مشهور، أخرجه البخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
(3) صحيح بشواهده، أخرجه الترمذي (2317) وابن ماجه (3976) من حديث أبي هريرة، وأخرجه أحمد (1/201) من حديث الحسين بن علي. وله شواهد عن علي وزيد بن ثابت والحارث بن همام وأبي ذر رضي الله عنهم.
(4) صحيح أخرجه البخاري في ك الإيمان، باب علامة الإيمان (1/53-54)، ومسلم في ك الإيمان أيضا، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والترمذي (2517)، والنسائي (8/115)، وابن ماجه (66).
(5) صحيح أخرجه البخاري في ك الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه وعرضه (1/117)، ومسلم (1599)، وأبو داود (3329،3330)، والترمذي (1205)، والنسائي (7/241).(1/82)
قال الذهبي : فتأمل هذه الكلمة الجامعة ، وهي قوله :"الدين النصيحة"(1) . فمن لم ينصح لله وللأئمة وللعامة كان ناقص الدين . وأنت لو دعيت يا ناقص الدين لغضبت. فقل لي متى نصحت لهؤلاء ؟ كلا والله ، بل ليتك سكت ولا تنطق أو لا تحسن لإمامك الباطل ، وتجرّؤه على الظلم وتغشه . فمن أجل ذلك سقطت من عينيه ومن أعين المؤمنين . فبالله قل لي متى يفلح من كان يسره ما يضره ؟ ومتى يفلح من لم يراقب مولاه ؟ ومتى يفلح من دنا رحيله وانقرض جيله وساء فعله وقيله ؟ فما شاء الله كان . وما نرجو صلاح أهل الزمان ، لكن لا ندع الدعاء لعل الله يلطف وأن يصلحنا. آمين (11/500).
إن الدين يسر :
* دخل أبو برزة الأسلمي - رضي الله عنه - في صلاة العصر فانفلت فرسه فاتبعها في القبلة حتى أدركها ، فأخذ بالمقود ثم صلى ، فغمزه رجل من الخوارج ، فلما فرغ من صلاته قال : ما عنفني أحد منذ فارقت رسول الله ^ غير هذا. إني شيخ كبير ، ومنزلي متراخ ، ولو أقبلت على صلاتي وتركت فرسي ثم ذهبتُ أطلبها لم آت أهلي إلا في جنح الليل. لقد صحبت رسول الله ^ فرأيت مِنْ يُسْره (3/41-42) .
* وقال أبو العالية : كنا عبيدا مملوكين ، منا من يؤدي الضرائب ومنا من يخدم أهله، فكنا نختم كل ليلة فشق علينا حتى شكا بعضنا إلى بعض ، فلقينا أصحاب رسول الله ^ فعلمونا أن نختم كل جمعة فصلينا ونمنا ولم يشق علينا (4/209) .
* وقال عبد الرحمن بن المسور: خرجت مع أبي، وسعد، وعبد الرحمن بن الأسود ابن عبد يغوث عام أذرح، فوقع الوجع بالشام، فأقمنا بسرغ خمسين ليلة، ودخل علينا رمضان، فصام المسور وعبد الرحمن، وأفطر سعد وأبى أن يصوم، فقلت له: يا أبا إسحاق! أنت صاحب رسول الله ^، وشهدت بدرا، وأنت تفطر وهما صائمان؟ قال: أنا أفقه منهما (1/95).
لا حسد إلا في اثنتين :
__________
(1) وانظر حول هذا الحديث شرح مسلم للنووي (2/37) وجامع العلوم والحكم لابن رجب (حديث رقم 7) .(1/83)
عن الفضيل قال: المؤمن يغبط ولا يحسد. الغبطة من الإيمان والحسد من النفاق.
قال الذهبي : هذا يفسر لك قوله عليه الصلاة والتسليم :"لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالا فهو ينفقه في الحق ، ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار"(1) . فالحسد هنا معناه : الغبطة : أن تحسد أخاك على ما آتاه الله ، لا أنك تحسده بمعنى أنك تود زوال ذلك عنه ، فهذا بغي وخبث (8/437) .
من خصائصه ^:
ذكر الحافظ الذهبي في ترجمة ابن لهيعة حديثه عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ^ قال: "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تجعلوها عليكم قبورا، كما اتخذت اليهود والنصارى في بيوتهم قبورا، وإن البيت ليتلى فيه القرآن فيتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض"(2).
__________
(1) صحيح أخرجه البخاري 9/65 ومسلم ح815 من حديث ابن عمر . وأخرجه البخاري (1/152-153) ومسلم ح816 من حديث ابن مسعود .
(2) لأوله شاهد صحيح من حديث ابن عمر أخرجه البخاري في ك الصلاة، باب كراهية الصلاة في المقابر (1/441) وفي ك التطوع، باب التطوع في البيوت (3/51)، ومسلم في ك صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة النافلة في بيته ح777. وراجع لمزيد البيان في المسألة فتح الباري (1/442). والله الموفق.(1/84)
قال: هذا حديث نظيف الإسناد، حسن المتن، فيه النهي عن الدفن في البيوت. وله شاهد من طريق آخر. وقد نهى عليه السلام أن يبنى على القبور. ولو اندفن الناس في بيوتهم لصارت المقبرة والبيوت شيئا واحدا، والصلاة في المقبرة فمنهي عنها نهي كراهة أو تحريم. وقد قال عليه السلام: "أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة"(1). فناسب ألا تُتَّخَذَ المساكنُ قبورا.
وأما دفنه في بيت عائشة صلوات الله عليه وسلامه فمختص به ، كما خُص ببسط قطيفة تحته في لحده، وكما خُص بأن صلوا عليه فرادى بلا إمام، فكان هو إمامهم حيا وميتا في الدنيا والآخرة، وكما خُص بتأخير دفنه يومين، ويكره تأخير أمته، لأنه هو أُمِن عليه التغيّر بخلافنا، ثم إنهم أخروه حتى صلوا كلهم عليه داخل بيته، فطال لذلك الأمر، ولأنهم ترددوا شطر اليوم الأول في موته حتى قدم أبوبكر الصديق من السنح، فهذا كان سبب التأخير (8/29-30).
هل قرأ النبي ^ أوكتب شيئا ؟:
في ترجمة ابن مندة أورد الذهبي من طريقه عن عتبة :"ما مات النبي ^ حتى قرأ وكتب"(2).
__________
(1) صحيح أخرجه البخاري في ك صفة الصلاة، باب صلاة الليل (2/179) وفي ك الاعتصام بالسنة، باب ما يكره من كثرة السؤال (13/227)، وأخرجه الترمذي في أبواب الصلاة، باب ما جاء في فضل صلاة التطوع في البيت ح450، وأخرجه أحمد (5/182) من حديث زيد بن ثابت. وفي الباب عن عمر، وجابر، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وابن عمر، وعائشة، وعبد الله بن سعد، وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهم.
(2) ضعيف لأن فيه مجالد بن سعيد الهمداني . وقد أورده الحافظ في الفتح (7/386-387) وتحرف فيه اسم مجالد إلى مجاهد ، ونسبه لابن أبي شيبة وضعفه .(1/85)
قال الذهبي: لم يَرِدْ أنه ^ كتب شيئا، إلا ما في صحيح البخاري من أنه يوم صلح الحديبية كتب اسمه "محمد بن عبد الله" . واحتج بذلك القاضي أبو الوليد الباجي ، وقام عليه طائفة من فقهاء الأندلس بالإنكار وبدّعوه حتى كفره بعضهم(1). والخطب يسير، فما خرج عن كونه أميا بكتابة اسمه الكريم ، فجماعة من الملوك ما علموا من الكتابة سوى مجرد العلامة، وما عدهم الناس بذلك كاتبين، بل هم أميون ، فلا عبرة بالنادر ، وإنما الحكم للغالب . والله تعالى فمن حكمته لم يُلْهِم نبيه تعلم الكتابة حسما لمادة المبطلين كما قال تعالى: ?وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون? [العنكبوت:48] ومع هذا فقد افتروا ?وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وعشيا? [الفرقان:5] فانظر إلى قِحَة المعاند ، فمن الذي كان بمكة وقت المبعث يدري أخبار الرسل والأمم الخالية ؟ ما كان بمكة أحد بهذه الصفة أصلا . ثم ما المانع من تعلم النبي ^ كتابة اسمه واسم أبيه مع فرط ذكائه ، وقوة فهمه ، ودوام مجالسته لمن يكتب بين يديه الوحي والكتب إلى ملوك الطوائف؟
…ثم هذا خاتمه في يده ونقشه محمد رسول الله . فلا يظن عاقل أنه عليه السلام ما تعقّل ذلك ، فهذا كله يقتضي أنه عرف كتابة اسمه واسم أبيه . وقد أخبر الله بأنه صلوات الله عليه ما كان يدري ما الكتاب . ثم علّمه الله تعالى ما لم يكن يعلم .
__________
(1) كان ممن كفره الفقيه أبوبكر ابن الصائغ، وقال إنه تكذيب بالقرآن. قال الذهبي في تذكرة الحفاظ (3/921-922): فتكلم في ذلك من لم يفهم الكلام حتى أطلقوا عليه الفتنة، وقبحوا عند العامة ما أتى به خطباؤهم في الجمع، وقال شاعرهم:
برئت إلى الله ممن شرى دنيا بآخرة * وقال: إن رسول الله قد كتبا
وراجع أيضا: ميزان الاعتدال (3/507-508).(1/86)
…ثم الكتابة صفة مدح ، قال تعالى :?الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم?[العلق:4-5] فلما بلّغ الرسالة ، ودخل الناس في دين الله أفواجا شاء الله لنبيه أن يتعلم الكتابة النادرة التي لا يخرج بمثلها عن أن يكون أميا .
…ثم هو القائل :"إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" فصَدَق إخباره بذلك ، إذ الحكم للغالب ، فنفى عنه وعن أمته الكتابة والحساب لندور ذلك فيهم وقلته ، وإلا فقد كان فيهم كُتّاب الوحي وغير ذلك ، وكان فيهم من يحسب ، وقال تعالى ?لتعلموا عدد السنين والحساب? [الإسراء:12] . ومن علمهم الفرائض ، وهي تحتاج إلى حساب وعول ، هو ^ فنفى عن الأمة الحساب، فعلمنا أن المنفي كمال ذلك ودقائقه التي يقوم بها القبط والأوائل، فإن ذلك ما لم يحتج إليه دين الإسلام ولله الحمد ..
…وأما الشعر : فنزهه الله تعالى عن الشعر ، قال تعالى :?وما علمناه الشعر وما ينبغي له? [يس:69] فما قال الشعر مع كثرته وجودته في قريش ، وجريان قرائحهم به. وقد يقع شيء نادر في كلامه - عليه السلام - موزونا ، فما صار بذلك شاعرا قط، كقوله ^:
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب(1)
وقوله ^:
هل أنت إلا أصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت(2)
ومثل هذا قد يقع في كتب الفقه والطب وغير ذلك مما يقع اتفاقا، ولا يقصده المؤلف ولا يشعر به. أفيقول مسلم قط: إن قوله تعالى: ?وجفان كالجوابي ، وقدور راسيات? [سبأ:13] هو بيت ؟! معاذ الله! وإنما صادف وزنا في الجملة، والله أعلم (14/189-193).
الفرق بين القيام للقادم والقيام إليه:
__________
(1) صحيح أخرجه البخاري في ك المغازي ، باب قول الله تعالى :?ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم? (8/24) ومسلم في ك الجهاد والسير ، باب في غزوة حنين ، ح 1776 .
(2) صحيح أخرجه البخاري في ك الجهاد : باب من ينكب أو يطعن في سبيل الله (6/14) ومسلم في ك الجهاد والسير : باب ما لقي النبي ^ من أذى المشركين والمنافقين ، ح 1796.(1/87)
خرج أحمد بن حنبل يوما فقام ابن أبي المثنى، فقال له أحمد: أما علمت أن النبي ^ قال: "من أحب أن يمتثل الناس له قياما فليتبوأ مقعده من النار"(1). فقال ابن أبي المثنى: إنما قمت إليك، ولم أقم لك. فاستحسن ذلك (13/140).
- - -
العلماء والكتب
"أعز مكان في الدنا سرج سابح * وخير جليس في الزمان كتاب"(2)
المولعون بالكتابة:
* كان أبو إسحاق الجرجاني الحافظ يكتب في الليلة تسعين ورقة بخط دقيق.
قال الذهبي: هذا يمكنه أن يكتب صحيح مسلم في أسبوع (13/54).
* وكتب الحافظ إبراهيم ابن ديزيل (ت 277هـ) في بعض الليالي، قال: فجلست كثيرا، وكتبت ما لا أحصيه حتى عييت، ثم خرجت أتأمل السماء، فكان أول الليل، فعدت إلى بيتي، وكتبت إلى أن عييت ثم خرجت فإذا الوقت آخر الليل، فأتممت جزئي وصليت الصبح، ثم حضرت عند تاجر يكتب حسابا له فورخه يوم السبت، فقلت: سبحان الله! أليس هذا يوم الجمعة؟ فضحك، وقال: لعلك لم تحضر أمس الجامع؟ قال: فراجعت نفسي، فإذا أنا كتبت لليتين ويوما (13/190).
* ومكث الإمام محمد بن جرير الطبري أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة (14/276).
حرص العلماء على الكتب ونسخها واقتناعها:
* قال إسماعيل بن الفضل : رأيت سليمان بن داود الشاذكوني في النوم، فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي . قلت : بما ذا ؟ قال : كنت في طريق أصبهان ، فأخذني المطر ومعي كتب ، ولم أكن تحت سقف، فانكببت على كتبي حتى أصبحت ، فغفر لي بذلك (10/682).
* وترك محمد بن مكرم الرويفعي الإفريقي (630هـ - 711هـ) بخط يده خمسمائة مجلد.
قال الصفدي: رأيت كتاب الصحاح للجوهري في مجلدة واحدة بخطه في غاية الحسن. ولم يزل يكتب إلى أن أضر وعمي في آخر عمره، رحمه الله.(3)
__________
(1) صحيح أخرجه أبو داود (5229) والترمذي (2775) والبخاري في الأدب المفرد (977) وأحمد (4/93و100) عن معاوية بإسناد صحيح.
(2) من شعر المتنبي
(3) نكث الهميان، ص 276.(1/88)
* وكان شافع بن علي الكناني العسقلاني(649هـ - 730هـ) جمّاعة للكتب حتى إنه خلف ثمانية عشر خزانة كتبا نفائس أدبية، وكان أعمى لكنه إذا لمس الكتاب وجسّه قال: هذا الكتاب الفلاني، ملكته في الوقت الفلاني. وإذا أراد أي مجلد كان قام إلى الخزانة التي هو فيها وتناوله منها كأنه الآن وضعه.(1)
* وكان للقاضي الفاضل محيى الدين هوس مفرط في تحصيل الكتب، عنده نحو مائتي ألف كتاب (21/343).
علماء وقفوا كتبهم:
* وقف ابن أبي حاتم تصانيفه وأوصى إلى الدرستيني القاضي (13/265).
* ووقف شيخ الشافعية قطب الدين الطُّريثيثي كتبه كذلك (21/109).
* وكذلك فعل مفتي الشام وقاضي حماة هبة الله بن عبد الرحيم البارزي (645هـ - 738هـ)، وتساوي كتبه مائة ألف درهم.(2)
علماء دفنوا كتبهم أو أحرقوها:
* قال أبو عبد الله الحاكم : إسحاق ، وابن المبارك ، ومحمد بن يحيى هؤلاء دفنوا كتبهم . (11/377)
* وقال مطين : أوصى أبو كريب أن تدفن كتبه فدفنت. (11/396).
* وأوصى محمد بن أسلم أن تدفن كتبه (12/199).
* ودفنت كتب أبي حاتم وأبي زرعة الأصول (13/265).
* وأوصى الحافظ أبو بكر بن محمد الجِعابي أن تحرق كتبه فأحرقت، فكان فيها كتب للناس. قال أبو الحسين: كان لي عنده مائة وخمسون جزءا (16/90).
علماء محوا كتبهم أو غرّقوها:
* وعمل إمام النحو أبو القاسم ابن كردان الواسطي إعرابا للقرآن في بضعة عشر مجلدا ، ثم غسله قبل موته (17/427).
* وأوصى شعبة أن تغسل كتبه إذا مات، فغسلها ابنه سعد (7/23).
* وحمل أحمد ابن الحواري كتبه إلى البحر فغرّقها، وقال: يا علم لم أفعل بك هذا استخفافا، ولكن لما اهتديت بك استغنيت عنك (12/88).
__________
(1) نكث الهميان، ص 163-164.
(2) المصدر السابق، ص 302-303.(1/89)
قال الذهبي : فعل هذا بكتبه من الدفن والغسل والإحراق عدة من الحفاظ خوفا من أن يظفر بها محدث قليل الدين فيغير فيها ويزيد فيها فينسب ذلك إلى الحافظ ، أو أن أصوله كان فيها مقاطيع وواهيات ما حدث بها أحدا وإنما انتخب من أصوله ما رواه، وما بقي فرغب عنه وما وجدوا لذلك سوى الإعدام ، فلهذا ونحوه دفن رحمه الله كتبه (11/396).
وقال: فعل ذلك عدة من الأئمة، وهو دال على أنهم لا يرون نقل العلم وجادة فإن الخط يتصحف على الناقل، وقد يمكن أن يزاد في الخط حرف فيغير المعنى ونحو ذلك. وأما اليوم فقد اتسع الخرق، وقلّ تحصيل العلم من أفواه الرجال، بل ومن الكتب غير المغلوطة، وبعض النقلة للمسائل قد لا يحسن أن يتهجى (11/377).
* وكان الأوزاعي يقول : كان هذا العلم كريما يتلاقاه الرجال بينهم، فلما دخل في الكتب دخل فيه غير أهله.
قال : ولا ريب أن الأخذ من الصحف وبالإجازة يقع فيه خلل ، ولا سيما في ذلك العصر حيث لم يكن بعد نقط ولا شكل فتتصحف الكلمة بما يحيل المعنى . ولا يقع مثل ذلك في الأخذ عن أفواه الرجال، وكذلك التحديث من الحفظ يقع فيه الوهم بخلاف الرواية من كتاب محرر.(1) (7/114).
تزوج امرأة فاستفاد منها كتبا :
تزوج أبو إسحاق السبيعي امرأة الحارث الأعور ، فوقعت إليه كتبه رحمهما الله (5/398) .
من باع كتب والده:
__________
(1) ونقل الحافظ ابن حجر في الفتح أن جماعة من الصحابة والتابعين كرهوا كتابة الحديث، واستحبوا أن يؤخذ عنهم حفظا كما أخذوا حفظا، لكن لما قصرت الهمم، وخشي الأئمة ضياع العلم دوّنوه (فتح الباري 1/251).(1/90)
وكان لابن الجوزي ولد اسمه علي، أخذ مصنفات والده - وتربو على ثلاثمائة وأربعين مصنفا ما بين عشرين مجلدا إلى كراس، فعمد إليها علي وباعها بيع العبيد، ولمن يزيد. ولما أُحدر والده إلى واسط تحيّل على الكتب بالليل، وأخذ منها ما أراد، وباعها ولا بثمن المداد. وكان أبوه قد هجره منذ سنين، فلما امتحن صار ألبا عليه (21/384).
علم الفقه وأصوله
كراهة التعمق في مسائل الرأي والقياس:
قال الشعبي: لعن الله "أرأيت". وقال: أرأيتم لو قتل الأحنف وقتل معه صغير أكانت ديتهما سواء أم يفضل الأحنف لعقله وحلمه؟ قالوا: بل سواء. قال: فليس القياس بشيء.
وقال: الرأي كالميتة: إن اضطررت إليه أكلته (4/311).
ولابن حزم:
قالوا تحفّظ فإن الناس قد كثرت * أقوالهم وأقاويل الورى محن
فقلت: هل عيبهم لي أنّيَ لا * أقول بالرأي إذ في رأيهم فتن
وأنني مولع بالنص لست إلى * سواه أنحو ولا في نصره أَهن
لا أنثني لمقاييس يقل بها * في الدين بل حسبي القرآن والسنن
يا برد ذا القول في قلبي وفي كبدي * ويا سروري به لو أنهم فطنوا
دعهم يعضوا على صم الحصى كمدا*من مات من قوله عندي له كفن
هل يُعتد بخلاف الظاهرية؟
ذكر الذهبي خلاف العلماء في ذلك ثم ذكر قول إمام الحرمين أبي المعالي : الذي ذهب إليه أهل التحقيق أن منكري القياس لا يُعدون من علماء الأمة ، ولا من حملة الشريعة، لأنهم معاندون ، مباهتون فيما ثبت استفاضة وتواترا ، لأن معظم الشريعة صادر عن الاجتهاد ، ولا تفي النصوص بعشر معشارها، وهؤلاء ملتحقون بالعوام .
قال الذهبي : هذا القول من أبي المعالي أداه إليه اجتهاده ، وهم فأداهم اجتهادهم إلى نفي القول بالقياس ، فكيف يُرَدُّ الاجتهاد بمثله .. ثم ذكر مناظرة العلماء للظاهرية ونصبهم الخلاف معهم وقال : وبكل حال ، فلهم أشياء أحسنوا فيها، ولهم مسائل مستهجنة يُشغب عليهم بها. وذكر مسألة التغوط في الماء الراكد وعدم الربا في غير الستة المنصوصة، وقال :(1/91)
لا ريب أن كل مسألة انفرد بها - يعني داود - وقطع ببطلان قوله فيها فإنها هدر، وإنما نحكيها للتعجب. وكل مسألة له عضدها نص، وسبقه إليها صاحب أو تابع فهي من مسائل الخلاف، فلا تهدر.
ثم قال:
وفي الجملة فداود بن علي بصير بالفقه ، عالم بالقرآن ، حافظ للأثر ، رأس في معرفة الخلاف ، من أوعية العلم ، له ذكاء خارق ، وفيه دين متين . وكذلك في فقهاء الظاهرية جماعة لهم علم باهر ، وذكاء قوي، فالكمال عزيز ، والله الموفق . ونحن فنحكي قول ابن عباس في المتعة وفي الصرف وفي إنكار العول، وقول طائفة من الصحابة في ترك الغسل من الإيلاج وأشباه ذلك ، ولا نجوّز لأحد تقليدهم في ذلك (13/104-108).
لما ذا لم يأخذ مالك بحديث "البيِّعان.."؟
قال أحمد بن حنبل: بلغ ابن أبي ذئب أن مالكا لم يأخذ بحديث "البيّعان بالخيار.."(1) فقال: يُستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه.
قال الذهبي: مالك إنما لم يعمل بظاهر الحديث لأنه رآه منسوخا. وقيل: عمل به وحمل قوله:"حتى يتفرقا" على التلفظ بالإيجاب والقبول. فمالك في هذا الحديث وفي كل حديث له أجر ولا بد، فإن أصاب ازداد أجرا آخر، وإنما يرى السيف على من أخطأ في اجتهاده الحرورية.(2) ولم يسندها الإمام أحمد، فلعلها لم تصح. (7/142-143باختصار).
من فقه الإمام أحمد:
__________
(1) تتمته: "..ما لم ينفرقا". وهو حديث صحيح أخرجه مالك في الموطأ في ك البيوع، باب الخيار (2/671) ، والبخاري في ك البيوع، باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا (4/276) ، ومسلم في ك البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين كلهم من طريق نافع عن ابن عمر.
(2) الحرورية: هم الخوارج، نسبوا إلى حروراء، موضع بظاهر الكوفة، وبه كان أول اجتماعهم حين خرجوا على علي رضي الله عنه.(1/92)
سئل أحمد عن رجل نذر أن يطوف على أربع، فقال: يطوف طوافين، ولا يطف على أربع.(1)
قال ابن عقيل: من عجيب ما سمعته عن هؤلاء الأحداث الجهال أنهم يقولون أحمد ليس بفقيه، لكنه محدث. وهذا غاية الجهل، لأن له اختيارات بناها على الأحاديث بناء لا يعرفه أكثرهم، وربما زاد على كبارهم.
قال الذهبي: الجاهل لا يعرف رتبة نفسه، فكيف يعرف رتبة غيره؟! (11/321باختصار).
…ولعل مراده بالفقه ما حكاه أبو بكر بن حرب الفقيه حيث قال: كنت عند حاتم العتكي فدخل عليه شيخ من أصحابنا من أهل الرأي، فقال: أنت الذي تروي أن النبي ^ أمر بقراءة الفاتحة خلف الإمام ؟ فقال: قد صح قوله عليه السلام: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"(2). قال: كذبت، إن الفاتحة لم تكن في عهد النبي ^، إنما نزلت في عهد عمر (16/290-291).
من غرائب الفقهاء:
* قال الذهبي في ترجمة العلامة أبي سهل الصعلوكي : ومن غرائبه وجوب النية لإزالة النجاسة (16/237).
* وكان أبو طلحة الأنصاري - رضي الله عنه - لا يرى بابتلاع البَرَد للصائم بأسا، يقول: ليس بطعام ولا شراب (2/27).
* ومن غرائب ما انفرد به الأوزاعي أن الفخذ في الحمام ليست بعورة، وأنها في المسجد عورة. وله مسائل كثيرة حسنة ينفرد بها، وهي موجودة في الكتب الكبار، وكان له مذهب مستقل مشهور، عمل به فقهاء الشام مدة، وفقهاء الأندلس، ثم فني (7/117).
بين التقليد والاتباع :
__________
(1) هذا هو الفقه، فإن الطواف على الأربع ليس من السنة، فلا يجب عليه أن يفعله، بل يقتدي بالسنة ويكرره مكان استخدام يديه.
(2) صحيح أخرجه البخاري (2/199،200) في ك صفة الصلاة، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، ومسلم (394) في ك الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وأبو داود (822)، والترمذي (247)، والنسائي (2/137،138) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.(1/93)
* حكى الذهبي في ترجمة مالك عن شيخ: أن الإمام لمن التزم بتقليده كالنبي مع أمته، لا تحل مخالفته . فقال الذهبي :
قوله : لا تحل مخالفته مجرد دعوى ، واجتهاد بلا معرفة ، بل له مخالفة إمامه إلى إمام آخر ، حجته في تلك المسألة أقوى ، لا بل عليه اتباع الدليل فيما تبرهن له، لا كمن تمذهب لإمام فإذا لاح له ما يوافق هواه عمل به من أي مذهب كان . ومن تتبع رخص المذاهب وزلات المجتهدين فقد رق دينه كما قال الأوزاعي أو غيره : من أخذ بقول المكيين في المتعة ، والكوفيين في النبيذ ، والمدنيين في الغناء ، والشاميين في عصمة الخلفاء ، فقد جمع الشر . وكذا من أخذ في البيوع الربوية بمن يتحيل عليها ، وفي الطلاق ونكاح التحليل بمن توسع فيه وشبه ذلك ، فقد تعرض للانحلال ، فنسأل الله العافية والتوفيق(1) (8/90).
* وقال مالك رحمه الله: كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر ^.
قال الذهبي: ولا ريب أن كل من أنس من نفسه فقها، وسعة علم، وحسن قصد، فلا يسعه الالتزام بمذهب واحد في كل أقواله، لأنه تبرهن له مذهب الغير في مسائل، ولاح له الدليل، وقامت عليه الحجة، فلا يقلد فيها إمامه، بل يعمل بما تبرهن، ويقلد الإمام الآخر بالبرهان، لا بالتشهي والغرض (8/93-94).
* وفي ترجمة الحافظ أبي بكر ابن المنذر أن الشيخ محيي الدين النواوي قال فيه: له في كتبه ما لا يقاربه فيه أحد، وهو في نهاية من التمكن من معرفة الحديث، وله اختيار فلا يتقيد في الاختيار بمذهب بعينه، بل يدور مع ظهور الدليل.
قال الذهبي: ما يتقيد بمذهب واحد إلا من هو قاصر في التمكن من العلم كأكثر علماء زماننا، أو من هو متعصب (14/491).
شرط مخالفة إمام المذهب:
__________
(1) قال ابن عبد البر النمري المالكي: ليس أحد من خلق الله إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي ^، فإنه لا يترك من قوله إلا ما تركه هو ونسخه قولا أو عملا. والحجة فيما قال ^، وليس في قول غيره حجة. التمهيد (1/159).(1/94)
كان الإمام أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله الداركي شيخ الشافعية بالعراق، يختار في الفتوى فيقال له في ذلك، فيقول: ويحكم! حدّث فلان عن فلان عن رسول الله ^ بكذا وكذا، والأخذ بالحديث أولى من الأخذ بقول الشافعي وأبي حنيفة.
قال الذهبي: هذا جيد، لكن بشرط أن يكون قال بذلك الحديث إمام من نظراء هذين الإمامين مثل مالك أو سفيان أو الأوزاعي، وبأن يكون الحديث ثابتا، سالما من علة، وبأن لا يكون حجة أبي حنيفة والشافعي حديثا صحيحا معارضا للآخر. أما من أخذ بحديث صحيح وقد تنكبه سائر أئمة الاجتهاد،
فلا، كخبر: "فإن شرب في الرابعة فاقتلوه"(1) وكحديث: "لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده"(2) (16/405-406).
وقال الذهبي عند ما أورد كلام ابن حزم "أنا أتبع الحق، وأجتهد، ولا أتقيد بمذهب"، قال:
نعم، من بلغ رتبة الاجتهاد، وشهد له بذلك عدة من الأئمة، لم يَسُغ له أن يقلد، كما أن الفقيه المبتدئ والعامي الذي يحفظ القرآن أو كثيرا منه لا يسوغ له الاجتهاد أبدا، فكيف يجتهد؟ وما الذي يقول؟ وعلام يبني؟ وكيف يطير ولما يريّش؟
__________
(1) صحيح لكنه منسوخ. قال الترمذي في الجامع: وإنما كان في أول الأمر، ثم نُسخ بعد. هكذا روى محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي ^ قال: "إن شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه" قال: ثم أتي النبي ^ بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة فضربه ولم يقتله.. والعمل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك في القديم والحديث. سنن الترمذي (4/49) بعد الحديث رقم 1444.
(2) صحيح أخرجه البخاري (12/94) في ك الحدود، باب قول الله تعالى:(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)، وباب لعن السارق إذا لم يسم، ومسلم (1687) في الحدود، باب حد السرقة ونصابها، والنسائي (8/65) في السارق، باب تعظيم السرقة.(1/95)
والقسم الثالث: الفقيه المنتهي اليقظ الفَهِم المحدث الذي قد حفظ مختصرا في الفروع، وكتابا في قواعد الأصول، وقرأ النحو، وشارك في الفضائل مع حفظه لكتاب الله وتشاغله بتفسيره وقوة مناظرته، فهذه رتبة من بلغ الاجتهاد المقيد، وتأهل للنظر في دلائل الأئمة، فمتى وضح له الحق في مسألة وثبت فيها النص، وعمل بها أحد الأئمة الأعلام.. فليتبع فيها الحق ولا يسلك الرخص، وليتورع، ولا يسعه فيها بعد قيام الحجة عليه تقليد (18/191).
أخبار القضاة والمفتين
ومن كان يهوى أن يُرى متصدرا * ويكره "لا أدري" أصيبت مقاتله(1)
سن القضاء والإفتاء:
* ولي يحيى بن أكثم قضاء البصرة وله عشرون سنة، فاستصغروه، وقيل له: كم سن القاضي؟ فقال: أنا أكبر من عتاب بن أسيد الذي ولاه رسول الله ^ على مكة، وأكبر من معاذ حين وجه به رسول الله ^ قاضيا على اليمن، وأكبر من كعب بن سور الذي وجه به عمر قاضيا على البصرة (12/8).
* ولما توفي داود الظاهري وجلس ولده أبو بكر للفتيا استصغروه، فدسّوا عليه من يسأله عن حد السكر، ومتى يعد الرجل سكران ؟ فقال : إذا عزبت عنه الهموم ، وباء بسره المكتوم، فاستُحسن ذلك منه (13/109).
قاض أنصف تاجرا من أمير:
شكا تاجر إلى القاضي ابن بشير أنه ضاعت له جارية صغيرة، وأنها في القصر، وكان الأمير الحكم بن عبد الرحمن الأندلسي معروفا بالعلم والورع والعدل، فقال له القاضي: لا يكمل عدلك حتى تنصف من نفسك ، وهذا قد ادعى أمرا، فلا بد من إحضارها ، وشهادة الشهود على عينها، فأحضرها الحكم، وأنصف التاجر (8/270).
كيف عُزل قاضي القضاة بمصر:
بعث المتوكل إلى نائبه بمصر، فحلق رأس قاضي القضاة محمد ابن أبي الليث، وضربه، وطوف به على حمار في رمضان، وسجن، وكان ظلوما، جهميا. ثم ولي القضاء الحارث بن مسكين، فكان يضربه كل حين عشرين سوطا ليؤدي ما وجب عليه، فإنا لله ! (12/36).
أجرؤ الناس على الفتيا:
__________
(1) من شعر أبي بكر بن دريد(1/96)
* قال سحنون: أجرؤ الناس على الفتيا أقلهم علما (12/66).
* وقال ابن شبرمة : دخلت على محمد بن سيرين بواسط فلم أر أجبن من فتوى منه ، ولا أجرأ على رؤيا منه (4/614).
* وقال عبد الرحمن ابن أبي ليلى: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله ^ من الأنصار، إذا سئل أحدهم عن شيء ودّ أن أخاه كفاه (4/263).
* وقال علي بن المديني: كان سفيان بن عيينة إذا سئل عن شيء قال: لا أحسن. فنقول: من نسأل؟ فيقول: سل العلماء، وسل الله التوفيق (8/469).
* وقال الشافعي: ما رأيت أحدا فيه من آلة العلم ما في سفيان ابن عيينة، وما رأيت أكف عن الفتيا منه (8/458).
ترك الإفتاء بالرأي:
* قال عبد العزيز بن رفيع : سئل عطاء عن شيء فقال : لا أدري . قيل ألا تقول برأيك ؟ قال : إني أستحيي من الله أن يدان في الأرض برأيي. (5/86)
* وقال أبو هلال : سألت قتادة عن مسألة فقال : لا أدري . قلت : قل فيها برأيك . قال : ما قلت برأيي منذ أربعين سنة . وكان يومئذ له نحو من خمسين سنة . قال الذهبي : فدل على أنه ما قال في العلم شيئا برأيه (5/273).
* وقال سحنون: إني لأخرج من الدنيا ولا يسألني الله عن مسألة قلت فيها برأيي، وما أكثر ما لا أعرف (12/69).
* وقال سعيد بن المسيب : كان مكحول إذا سئل عن شيء لا يجيب حتى يقول لا حول ولا قوة إلا بالله ، هذا رأي والرأي يخطئ ويصيب. (5/161).
من لم يجب عن كل سؤال يُطرح عليه:
* قال ابن عباس لعكرمة : انطلق فأفت الناس ، فمن جاءك يسألك عما يعنيه فأفته ، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته ، فإنك تطرح عنك ثلثي مؤنة الناس (5/15).
* وقال مسروق : سألت أبيا عن شيء فقال : أكان بعد ؟ قلت: لا. قال: فأَجِمّنا حتى يكون، فإذا كان، اجتهدنا لك رأينا (1/399).
* وقال عبد الله بن مسعود : والله إن الذي يفتي الناس في كل ما يسألون لمجنون . قال الأعمش : قال لي الحكم : لو سمعت هذا منك قبل اليوم ما كنت أفتي في كثير مما كنت أفتي (5/211).(1/97)
* وعن خالد بن خراش قال: قدمت على مالك بأربعين مسألة، فما أجابني مهنا إلا في خمس مسائل (8/77).
وكان إياس بن معاوية لا يجيب على كل سؤال (10/333).
من أجاب بـ"لا أدري" :
* قال مالك: جُنة العالم "لا أدري" فإذا أغفلها أصيبت مقاتله (8/77).
* وقال تميم بن عطية العيسي : كثيرا ما كان مكحول يسأل فيقول : ندانم(1) يعني : لا أدري (5/161).
* وقال حنظلة ابن أبي سفيان : ما رأيت عالما قط يقول لا أدري أكثر من طاووس (5/43).
* وقال أحمد بن يونس : سأل الحسن بن صالح رجلا عن شيء فقال: لا أدري . فقال : الآن حين دريت (7/368).
* وسئل سحنون: أيسع العالم أن يقول: لا أدري فيما يدري؟ قال: أما ما فيه كتاب أو سنة ثابتة فلا، وأما ما كان من هذا الرأي فإنه يسعه ذلك، لأنه لا يدري أمصيب هو أم مخطئ (12/65).
الخوف من التكاثر بمسائل الفتيا:
قال عبدة ابن أبي ليلى (ت127هـ) : لوددت أن حظي من أهل الزمان أنهم لا يسألوني عن شيء ولا أسألهم . إنهم يتكاثرون بالمسائل كما يتكاثر أهل الدراهم بالدراهم (5/230).
من أخلاق العلماء
التواضع وعدم الغرور:
* قال محمد بن واسع : لو كان للذنوب ريح ما جلس إلي أحد (6/120).
* وقال خلف بن تميم : رأيت الثوري بمكة وقد كثروا عليه فقال : إنا لله ، أخاف أن يكون الله قد ضيع هذه الأمة حيث احتاج الناس إلى مثلي (7/275).
* ولما علم طلحة بن مصرف (ت112) إجماع أهل الكوفة على أنه أقرأ من بها ذهب ليقرأ على الأعمش رفيقه لتنزل رتبته ويأبى الله إلا رفعته (5/191).
* وقيل لأحمد بن حنبل: جزاك الله عن الإسلام خيرا. فقال: بل جزى الله الإسلام عني خيرا ، من أنا ؟ وما أنا ؟؟ (11/225).
* وأتى جماعة إلى أبي معاوية الأسود يطلبون منه أن يدعو لهم فقال : اللهم ارحمني بهم ولا تحرمهم بي . (9/79)
__________
(1) كلمة فارسية معناها ما ذكر . وكان مكحول فارسيا لا يستطيع أن يقول قل ، يقول : كل .(1/98)
* وقال رجل لميمون بن مهران: يا أبا أيوب! ما يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم، قال: أقبل على شأنك، ما يزال الناس بخير ما اتقوا ربهم (5/75).
* وقال أبو الوازع لابن عمر: لا يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم. فغضب، وقال: إني لأحسبك عراقيا، وما يدريك ما يغلق عليه ابن أمك بابَه (3/220).
* وقال رجل لابن عمر: يا خير الناس، أو ابن خير الناس! فقال ابن عمر: ما أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس، ولكني عبد من عباد الله، أرجو الله وأخافه. والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه (3/236).
* كان سفيان الثوري إذا قيل له: إنه رؤي في المنام يقول: أنا أعرف بنفسي من أصحاب المنامات (7/252).
* وقال المروذي لأحمد بن حنبل : إني لأرجو أن يكون يدعى لك في جميع الأمصار . فقال له أحمد : يا أبابكر إذا عرف الرجل نفسه فما ينفعه كلام الناس (11/211)
الزهد :
* قال سفيان الثوري : ليس الزهد بأكل الغليظ ولبس الخشن، ولكنه قصر الأمل وارتقاب الموت (7/243) .
* وقال إبراهيم بن أدهم : الزهد فرض وهو الزهد في الحرام، وزهد سلامة وهو الزهد في الشبهات وزهد فضل وهو الزهد في الحلال (7/390).
* وقال ميمون بن مهران: لا يكون الرجل تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، وحتى يعلم من أين ملبسه ومطعمه ومشربه (5/74).
* وقال الثوري : المال داء هذه الأمة ، والعالم طبيبها ، فإذا جر العالم الداء إلى نفسه فمتى يبرئ الناس ؟! (7/243).
ما يقوله العالم إذا قيل له اتق الله:
قال رجل لأبي حنيفة : اتق الله ! فانتفض واصفر وأطرق ، وقال : جزاك الله خيرا ، ما أحوج الناس كل وقت إلى من يقول لهم مثل هذا (6/400).
من لم يبتسم:
* قال عمرو بن زرارة النيسابوري : صحبت إسماعيل بن علية أربع عشرة سنة ، فما رأيته تبسم فيها (9/109).
* وقال محمد بن النعمان بن عبد السلام: لم أر أعبد من يحيى بن حماد، وأظنه لم يضحك.(1/99)
قال الذهبي : الضحك اليسير والتبسم أفضل ، وعدم ذلك من مشايخ العلم على قسمين:
أحدهما : يكون فاضلا لمن تركه أدبا وخوفا من الله وحزنا على نفسه المسكينة.
والثاني : مذموم لمن فعله حمقا وكبرا وتصنعا ، كما أن من أكثر الضحك استخف به . ولا ريب أن الضحك في الشباب أخف منه ، وأعذر منه في الشيوخ .
وأما التبسم وطلاقة الوجه فأرفع من ذلك كله . قال النبي ^ :"تبسمك في وجه أخيك صدقة"(1).
وقال جرير : ما رآني رسول الله ^ إلا تبسم(2).
فهذا هو خلق الإسلام . فأعلى المقامات من كان بكاء بالليل بساما بالنهار.
وقال عليه السلام :"لن تسعوا الناس بأموالكم ، فليسعهم منكم بسط الوجه"(3).
بقي هنا شيء : ينبغي لمن كان عبوسا منقبضا أن يتبسم، ويحسن خلقه ، ويمقت نفسه على رداءة خلقه . وينبغي لمن كان ضحوكا بساما أن يُقصّر من ذلك، ويلوم نفسه حتى لا تمجه الأنفس . وكل انحراف عن الاعتدال فمذموم . ولا بد للنفس من مجاهدة وتأديب (10/140-141) .
الصبر على الابتلاء:
وقعت الآكلة في رجل عروة بن الزبير، فصعدت في ساقه، فبعث إليه الوليد، فحُمل إليه ودعا الأطباء فقالوا: ليس له دواء إلا القطع، وقالوا له: اشرب المرقِد، فقال عروة للطبيب: امض لشأنك، ما كنت أظن أن خلقا يشرب ما يزيل عقله حتى يعرف به. فوضع المنشار على ركبته اليسرى، فما سُمع له حسّ، فلما قطعها جعل يقول: لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت لقد عافيت. وما ترك جزءه من بالقرآن تلك الليلة. قال الوليد: ما رأيت شيخا قط أصبر من هذا.
__________
(1) صحيح رواه الترمذي (1956) والبخاري في الأدب المفرد (891) وابن حبان في الصحيح (864).
(2) صحيح أخرجه البخاري )3035 و 6089) ومسلم (2475 و 135) .
(3) ضعيف جدا أخرجه البزار (1977) والحاكم (1/124) وأبو نعيم (10/24) ، وفيه عبد الله بن سعيد المقبري وهو متروك .(1/100)
…ثم إنه أصيب بابنه محمد في ذلك السفر، ركضته بغلة في اصطبل، فلم يُسمع من عروة في ذلك كلمة. فلما كان بوادي القرى قال: ?لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا?[الكهف:63]، اللهم كان لي بنون سبعة، فأخذت واحدا وأبقيت لي ستة، وكان لي أطراف أربعة، فأخذت وادا وأبقيت ثلاثة، ولئن ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت (4/430).
الإنصاف:(1)
* لقي عبدُ الواحد بن زياد زفر بن الهذيل - أكبر تلاميذ أبي حنيفة - فقال له: صرتم حديثا للناس وضُحْكة. قال: وما ذاك؟ قال: تقولون: "ادرؤوا الحدود بالشبهات"(2)، ثم جئتم إلى أعظم الحدود فقلتم: تقام بالشبهات. قال: وما هو؟ قال: قال رسول الله ^: "لا يقتل مسلم بكافر"(3)، فقلتم: يقتل به - يعني بالذمي -. قال زفر: فإني أشهدك الساعة أني قد رجعت عنه.
قال الذهبي: هكذا يكون العالم وقّافا مع النص (8/41).
* وكتب عبد الله بن عمر العمري العابد إلى مالك بن أنس يحضه على الانفراد والعبادة، فكتب إليه مالك: أما بعد، فإن الله عز وجل قد قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فُتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد. فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فُتح لي فيه. وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه. وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر (8/114).
الدعاوى لا تثمر خيرا:
قال قتادة : ما نسيت شيئا ، ثم قال : يا غلام : ناولني نعلي، قال : نعلك في رجلك.
__________
(1) يؤثر عن الإمام مالك رحمه الله قوله: "ما في زماننا شيء أقل من الإنصاف". راجع: جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 1/531 يا سبحان الله ! فكيف نقول نحن ؟.
(2) صحيح موقوفا كما في ضعيف الجامع رقم 258. وقد روي من طرق مختلفة. راجع أيضا: السلسلة الضعيفة رقم 2196، وإرواء الغليل رقم 2316.
(3) صحيح رواه أحمد (1/79) والبخاري في ك الديات، باب العاقلة، (12/217) وغيرهما.(1/101)
قال الذهبي : هذه الحكاية غيرة فإن الدعاوى لا تثمر خيرا (5/279).
الاعتزاز بالنفس :
عن سفيان الثوري : ما وضع رجل يده في قصعة رجل إلا ذل له (7/243).
وقد قال صالح بن عبد القدوس البصري:
يا صاح لو كرهت كفي مصاحبتي * لقُلْتُ إذ كرهت كفي لها بيني
لا أبتغي وصل من لا يبتغي صلتي * ولا أبالي حبيبا لا يباليني(1)
عدم الثقةِ بالنفس والأمنِ من مكر الله :
* قال الجنيد : سمعت السري يقول : إني لأنظر إلى أنفي كل يوم مخافة أن يكون وجهي قد اسود . وما أحب أن أموت حيث أعرف ، أخاف ألا تقبلني الأرض فأفتضح (12/187).
* ولما حضر محمدَ بن واسع الموتُ قال لبنيه وإخوته : أتدرون أين يذهب بي؟ والله إلى النار أو يعفو الله عني (6/121).
حسن الظن بالله:
لما احتضر سعد ابن أبي وقاص - رضي الله عنه - بكى ابنه مصعب، وكان رأس سعد في حجره، فرفع رأسه إليه، وقال: أي بني! ما يبكيك؟ قال: لمكانك وما أرى بك. قال: لا تبك، فإن الله لا يعذبني أبدا، وإني من أهل الجنة.
قال الذهبي: صدق والله، فهنيئا له (1/122).
النظافة :
* قال محمد بن الضحاك الحزامي: كان مالك نقي الثوب، رقيقه، يكثر اختلاف اللبوس (8/69).
* وقال بشر بن الحارث: دخلت على مالك، فرأيت عليه طيلسانا يساوي خمس مائة، وقد وقع جناحاه على عينيه أشبه شيء بالملوك (8/70).
* وقال الميموني : ما أعلم أني رأيت أحدا أنظف بدنا ولا أشد تعاهدا لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه ، ولا أنقى ثوبا بشدة بياض من أحمد ابن حنبل . (11/208).
الورع :
* سقط لكهمس دينار ففتش فلقيه فلم يأخذه وقال : لعله غيره (6/317).
* وقال الفضيل : أهدى لنا ابن المبارك شاة فكان ابني لا يشرب منها، فقلت له في ذلك فقال : إنها رعت بالعراق (8/446)
* وسئل مسروق بن الأجدع عن بيت شعر فقال : أكره أن أجد في صحيفتي شعرا (4/69)
__________
(1) نكث الهميان، ص 171.(1/102)
* وقال يحيى بن سعيد : زاملت أبابكر ابن عياش بمكة ، فما رأيت أورع منه، لقد أهدى له رجل رُطبا ، فبلغه أنه من بستان أُخذ من خالد بن سلمة المخزومي ، فأتى آل خالد فاستحلهم وتصدق بثمنه (8/499).
* وقد ترك عدد من أهل الورع ميراث آبائهم ، منهم:
-يزيد بن زريع ، وكان أبوه واليا على أُبُلّة فخلف خمس مائة ألف ، فما أخذ يزيد منها حبة (8/299).
-شيخ الصوفية أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي (ت243هـ)، وقد خلف له أبوه ميراثا كثيرا فتركه، وقال: لا يتوارث أهل ملتين، وكان أبوه واقفيا(1) (12/110).
-شيخ الحنابلة الإمام أبو محمد الحسن بن علي البربهاري (ت323هـ) وترجمته في (15/90-93).
أشد الورع:
قيل للفضيل: ما الزهد؟ قال: القنوع. قيل: ما الورع؟ قال: اجتناب المحارم. قيل: ما العبادة؟ قال: أداء الفرائض. قيل: ما التواضع؟ قال: أن تخضع للحق. وقال: أشد الورع في اللسان.
قال الذهبي: هكذا هو، فقد ترى الرجل ورعا في مأكله وملبسه ومعاملته، وإذا تحدث يدخل عليه الداخل من حديثه، فإما أن يتحرى الصدق، فلا يكمل الصدق، وإما أن يصدق فينمق حديثه ليُمدح على الفصاحة، وإما أن يظهر أحسن ما عنده ليُعظّم، وإما أن يسكت في موضع الكلام ليُثنى عليه. ودواء ذلك كله الانقطاع عن الناس إلا من جماعة (8/434).
الكرم :
* قال ابن الزبير : ما رأيت امرأة قط أجود من عائشة وأسماء ، وجودهما مختلف: أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء حتى إذا اجتمع عندها وضعته في مواضعه ، وأما أسماء فكانت لا تدخر شيئا لغد (2/292).
* وكان قيس بن سعد يطعم الناس في أسفاره مع رسول الله ^، وكان إذا نفد ما معه تدين، وكان ينادي كل في يوم: هلموا إلى اللحم والثريد (3/106).
__________
(1) الواقفة هم الذين يقفون في القرآن، فلا يقولون إنه مخلوق ولا غير مخلوق. والجادة أن يقال: إنه كلام الله تعالى غير مخلوق.(1/103)
* وقال حسين الجعفي : قدم ابن الحر وعبدة في تجارة مكة وبها فاقة فتصدقا بعشرة آلاف ، ففضل خلق من المساكين فما تخلصوا منهم إلا بإنفاق أربعين ألفا وخرجوا من مكة ليلا (5/229) .
* وكان حماد ابن أبي سليمان ذا دنيا متسعة ، وكان يفطّر في رمضان خمس مائة إنسان ، وكان يعطيهم بعد العيد لكل واحد مائة درهم (5/234) .
* وقال موسى التيمي : ما رأيت أحدا أجمع للدين والمملكة والشرف منه . وقيل كان يشتري أهل البيت فيكسوهم ويعتقهم ويقول : أستعين بهم على غمرات الموت . فمات وهو نائم في مسجده.
* وقيل إنه كان يفطر كل يوم في رمضان خمسين إنسانا ، فإذا كان ليلة العيد كساهم ثوبا ثوبا (5/238).
* وكان أبو حمزة السكري(1) إذا مرض الرجل من جيرانه تصدق بمثل نفقة المريض لما صرف عنه من العلة . وقد أراد جاره أن يبيع داره فقيل له بكم ؟ قال : بألفين ثمن الدار ، وبألفين جوار أبي حمزة . فبلغ ذلك أبا حمزة فوجه إليه أربعة آلاف وقال : لا تبع دارك (7/386).
* وكان زُييد بن الحارث اليامي الكوفي (ت122هـ) إذا كانت ليلة مطيرة يطوف على عجائز الحي ويقول : ألكم في السوق حاجة ؟
* وكان زييد هذا مؤذنَ مسجده ، فكان يقول للصبيان : تعالوا فصلّوا أهب لكم جوزا ، فكانوا يطينون به فيقال له في ذلك فقال : وما علي أن أشتري لهم جوزا بخمسة دراهم ويتعودون الصلاة (5/297) .
* وكان جعفر بن محمد الصادق يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء (6/262).
* وقال الليث : كان ابن شهاب الزهري من أسخى من رأيت، كان يعطي، فإذا فرغ ما معه يستلف من عبيده وكان يطعم الناس الثريد، ويسقيهم العسل (5/335).
__________
(1) سمي السكري لحلاوة كلامه ، وكان مرجئا ثقة.(1/104)
* ومرض رجل فوصف له لبن الجواميس، فأرسل إلى عبد الرحمن(1) ابن أبي بكرة أن ابعث إلينا بجاموسة، فبعث إليه بتسع مائة جاموسة، فقال: إنما أردت واحدة. فبعث إليه أن اقبضها كلها (4/412).
* كان أبو جعفر القارئ من العبّاد ، وكان يقوم الليل ، وكان حسن الخُلُق، ليّن الجانب ، وكان يتصدق حتى بإزاره . (5/288 مع تصرف)
* كان الليث بن سعد كريما جدا ، له في ذلك أخبار كثيرة ، منها :
* أنه خرج إلى الحج ، فقدم المدينة ، فبعث إليه مالك بن أنس بطبق رطب ، فرد الليث الطبق وعليه ألف دينار .
* ولما قدم منصور بن عمار وصله الليث بألف دينار ، ولما احترقت كتب ابن لهيعة بعث إليه الليث من الغد بألف دينار . وكان دخله في السنة ثمانين ألف دينار ، وما تجب عليه زكاة لأنه ينفقها قبل أن يحول الحول.
* وكان يأمر بكتابة من يلزم المسجد ليصلهم بعطائه (8/150-152).
* وكان للزبير بن العوام - رضي الله عنه - ألف مملوك يؤدون الخراج إليه، فربما تصدق بخراجهم كله في مجلسه قبل أن يقوم ، وكان يتجر . ولذلك خلّف أملاكا بنحو أربعين ألف ألف درهم . والقصة مشهورة في توزيع تركته، وهي في الصحيح.(2)
شكر المعروف:
كان الخليل بن أحمد الفراهيدي إذا أفاد إنسانا شيئا لم يُره بأنه أفاده، وإن استفاد من أحد شيئا أراه بأنه استفاد منه (7/431).
الحب في الله والبغض في الله :
قال رجل لابن عمر : إني لأحبك . قال : وأنا أبغضك في الله . قال : ولم ؟ قال : لأنك تبغي في أذانك ، وتأخذ عليه أجرا (5/351) .
كراهة الشهرة :
قال إبراهيم بن أدهم : ما صدق اللهَ عبدٌ أحب الشهرة .
__________
(1) والأشبه أن يكون صاحب القصة أخوه الأمير عبيد الله. قاله الذهبي (السير 4/412).
(2) تاريخ الإسلام للذهبي (3/498).(1/105)
علق الذهبي عليه بقوله : علامة المخلص الذي قد يحب شهرة ولا يشعر بها أنه إذا عوتب في ذلك لا يُحرّد ولا يبرئ نفسه ، بل يعترف ويقول: رحم الله من أهدى إلي عيوبي ، ولا يكن معجبا بنفسه لا يشعر بعيوبها بل لا يشعر أنه يشعر ، فإن هذا داء مزمن (7/393).
الخوف من الرياء :
قال شقيق البلخي (ت194هـ) : كنت شاعرا فرزقني الله التوبة وخرجت من ثلاث مائة ألف درهم ولبست الصوف عشرين سنة ولا أدري أني مراء حتى لقيت عبد العزيز ابن أبي رواد فقال : ليس الشأن في أكل الشعير ولبس الصوف، الشأن أن تعرف الله بقلبك ولا تشرك به شيئا (9/314).
ترك الغيبة :
* قيل لابن المبارك : إذا أنت صليت لم لا تجلس معنا ؟ قال : أجلس مع الصحابة والتابعين أنظر في كتبهم وآثارهم ، فما أصنع معكم ؟ أنتم تغتابون الناس (8/398).
* وقال البخاري: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا.
قال الذهبي: صدق رحمه الله، ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام على الناس، وإنصافه فيمن يضعفه (12/439).
* وقال أبو عاصم النبيل: منذ عقلت أن الغيبة حرام ما اغتبت أحدا قط (9/482).
ترك الكلام عند الغضب:
قال مورِّق العجلي: تعلمت الصمت في عشر سنين، وما قلت شيئا قط إذا غضبت أندم عليه إذا زال غضبي (4/354).
ترك الخصام :
قال الحجاج ابن أرطأة : ما خاصمت أحدا قط ، وما جلست إلى قوم يختصمون (7/71) .
- - -
تنافس الأقران من العلماء
بين الحاكم وابن قتيبة :
قال الحاكم : "لا تجوز الرواية عن ابن قتيبة" . وقال أيضا :"أجمعت الأمة على أنه كذاب" .
قال الذهبي : هذه مجازفة وقلة ورع ، فما علمت أحدا اتهمه بالكذب قبل هذه المقولة ، بل قال الخطيب إنه ثقة (13/299) .
بين يحيى ابن أبي كثير وقتادة :
وذُكر يحيى ابن أبي كثير عند قتادة فقال : متى كان العلم في السمّاكين؟ فذُكر قتادة عند يحيى فقال : لا يزال أهل البصرة بشر ما كان فيهم قتادة.(1/106)
قال الذهبي : كلام الأقران يُطوى ولا يُروى ، فإذا ذُكر تأمله المحدث، فإن وجد له متابعا ، وإلا أعرض عنه . (5/275-276)
بين مطّين وابن أبي شيبة :
تكلم الحافظان محمد بن عثمان ابن أبي شيبة وأبو جعفر الحضرمي الملقب بمطيَّن كل واحد في الآخر . فقال الذهبي : لا يعتد غالبا بكلام الأقران ، لا سيما إذا كان بينهما منافسة ، فقد عدّد ابن عثمان لمطين نحوا من ثلاثة أوهام ، فكان ما ذا ؟ ومطين أوثق الرجلين ، ويكفيه تزكية مثل الدارقطني له . (14/42) .
قول مغيرة في أبي إسحاق والأعمش :
عن مغيرة قال : ما أفسد حديث أهل الكوفة غير أبي إسحاق والأعمش . قال الذهبي : لا يسمع قول الأقران بعضهم في بعض ، وحديث أبي إسحاق محتج به في دواوين الإسلام (5/399) .
لما ذا طعن الإمام أحمد في هشام بن عمار؟
ذكر أحمد بن حنبل هشام بن عمار فقال: طياش خفيف.
قال الذهبي: لأنه بلغه عنه أنه قال في خطبته: الحمد لله الذي تجلى لخلقه بخلقه. فهذه الكلمة لا ينبغي إطلاقها، وإن كان لها معنى صحيح، لكن يحتج بها الحلولي والاتحادي. وما بلغنا أنه سبحانه وتعالى تجلى لشيء إلا بجبل الطور، فصيّره دكا. وفي تجليه لنبينا ^ اختلاف أنكرته عائشة، وأثبته ابن عباس (11/432).
بين مالك وبعض معاصريه من العلماء:
وقال محمد بن إسحاق: اعرضوا علي علم مالك فإني بيطاره. فلما ذُكر ذلك لمالك قال: دجال من الدجاجلة يقول هذا. قال ابن إدريس: لم أسمع بجمع الدجال إلا منه (7/50).
تنازع العلماء على كرسي الشافعي:
لما توفي الإمام الشافعي تنازع على كرسيه يوسف البويطي وابن عبد الحكم والمزني، فجاء الحميدي - وكان بمصر - فقال: قال الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف، ليس أحد من أصحابي أعلم منه. فقال ابن عبد الحكم: كذبت. قال: بل كذبت أنت وأبوك وأمك. وغضب ابن عبد الحكم. وجرت أمور عقّب الذهبي عليها بقوله يخاطب القارئ:(1/107)
استفق، ويحك، وسل ربك العافية، فكلام الأقران بعضهم في بعض أمر عجيب، وقع فيه سادة، فرحم الله الجميع (12/61و498).
تنافس الأقران من الفقهاء:
* كان بين أصبغ بن نباتة وابن عبد الحكم مباعدة، وكان أحدهما يرمي الآخر بالبهتان (10/658).
* وقال أحمد بن حنبل: بلغ ابن أبي ذئب أن مالكا لم يأخذ بحديث "البيعان بالخيار.."(1) فقال: يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه. ثم قال أحمد: هو أورع وأقول بالحق من مالك.
قال الذهبي: لو كان ورعا كما ينبغي لما قال هذا الكلام القبيح في حق إمام عظيم. فمالك إنما لم يعمل بظاهر الحديث لأنه رآه منسوخا. وقيل: عمل به وحمل قوله:"حتى يتفرقا" على التلفظ بالإيجاب والقبول. فمالك في هذا الحديث وفي كل حديث له أجر ولا بد، فإن أصاب ازداد أجرا آخر، وإنما يرى السيف على من أخطأ في اجتهاده الحرورية.(2)
وبكل حال فكلام الأقران بعضهم في بعض لا يُعوّل على كثير منه، فلا نقصت جلالة مالك بقول ابن أبي ذئب فيه، ولا ضعّف العلماء ابن أبي ذئب بمقالته هذه، بل هما عالما المدينة في زمانهما - رضي الله عنهما - ولم يسندها الإمام أحمد، فلعلها لم تصح. (7/142-143).
التنافس بين علماء اللغة:
كان أبو عبد الله ابن الأعرابي يزعم أن أبا عبيدة والأصمعي لا يعرفان شيئا. وذكرت له لفظة رواها الأصمعي فقال: سمعتها من ألف أعرابي بخلاف هذا (10/687-688).
الاعتذار عن أفاضل العلماء
وإذا الصديق أتى بذنب واحد * جاءت محاسنه بألف شفيع
الاعتذار عن ابن نصر :
__________
(1) تتمته: "..ما لم يتفرقا". وهو حديث صحيح أخرجه مالك في الموطأ في ك البيوع، باب الخيار (2/671) ، والبخاري في ك البيوع، باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا (4/276) ، ومسلم في ك البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين كلهم من طريق نافع عن ابن عمر.
(2) الحرورية: هم الخوارج، نسبوا إلى حروراء، موضع بظاهر الكوفة، وبه كان أول اجتماعهم حين خرجوا على علي رضي الله عنه.(1/108)
في معرض الرد على الحافظ محمد بن نصر المروذي (202هـ - 294هـ) وذلك في قوله "إن الإيمان مخلوق"
قال الذهبي : الخوض في ذلك لا يجوز ... إلى أن قال : ولو أنا كُلّما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورا له قمنا عليه وبدّعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن مندة ولا من هو أكبر منهما ، والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين . فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة(1) (14/40).
الاعتذار عن ابن حزم :
وقال أبو الغصن المدني: رأيت في يد أبي بكر بن حزم(2) (ت120هـ) خاتم ذهب فَصُّهُ من ياقوتة حمراء .
قال الذهبي : لعله لم يبلغه التحريم ، ويجوز أن يكون فعله وتاب .
قتادة يرى رأي القدرية :
وعند ما ذكر تصريح قتادة بالقول بالقدر وأن كل شيء بالقدر إلا المعاصي قال الذهبي رحمه الله : ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه ، وبذل وسعه ، والله حكم عدل ، لطيف بعباده ، ولا يُسأل عما يفعل ..الخ كلامه الجميل رحمه الله رحمة واسعة (5/271) .
__________
(1) وقد أورد ابن عبد البر في كتاب التمهيد عن القاسم بن محمد أن رجلا قال: عجبت من عائشة حين كانت تصلي أربعا في السفر ورسول الله ^ يصلي ركعتين! فقال له القاسم بن محمد: عليك بسنة رسول الله ^. ثم قال ابن عبد البر: قول القاسم هذا في عائشة يشبه قول سعيد بن المسيب حيث قال: ليس من عالم ولا شريف ولا ذو فضل إلا وفيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه، ومن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله. ثم أورد تأويلات العلماء لإتمام الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها. راجع التمهيد (11/170).
(2) كان أميرا على المدينة. وكان كثير العبادة والتهجد رحمه الله. قال مالك : لم يكن على المدينة أمير أنصاري سواه. (السير 5/314).(1/109)
وقال بعد أن نقل أقوالا تفيد ثبوت هذه البدعة عن قتادة : قد اعتذرنا عنه وعن أمثاله ، فإنِ اللهُ عذرهم فيا حبذا ، وإن هو عذبهم فإن الله لا يظلم الناس شيئا ، ألا له الخلق والأمر (5/277).
القفال ينصر رأي المعتزلة:
سئل أبو سهل الصعلوكي عن تفسير أبي بكر القفال فقال : قدّسه من وجه ودنّسه من وجه ، أي دنسّه من جهة نصره للاعتزال .
قال الذهبي : والكمال عزيز ، وإنما يمدح العالم بكثرة ما لَه من الفضائل ، فلا تدفن المحاسن لورطة ، ولعله رجع عنها . وقد يغفر له باستفراغه الوسع في طلب الحق ، ولا قوة إلا بالله (16/285).
ولما ذكر في آخر ترجمة ابن قدامة قول أبي شامة عنه: كان إماما عَلَما في العلم والعمل، صنف كتبا كثيرة، لكن كلامه في العقائد على الطريقة المشهورة عن أهل مذهبه - يعني الحنابلة المثبتة لصفات الباري على حقيقتها دون تحديد الكيفية - فسبحان من لم يوضح له الأمر فيها على جلالته في العلم ومعرفته بمعاني الأخبار.
قال الذهبي: وهو متعجب منكم مع علمكم وذكائكم كيف قلتم! وكذا كل فرقة تتعجب من الأخرى، ولا عجب في ذلك. ونرجو لكل من بذل جهده في تطلب الحق أن يغفر له من هذه الأمة المرحومة (22/172).
الموازنة بين وكيع وابن مهدي:
سئل أبو داود: أيما أحفظ وكيع أو عبد الرحمن بن مهدي؟ فقال: وكيع أحفظ، وعبد الرحمن أتقن، وقد التقيا بعد العشاء في المسجد الحرام، فتوافقا حتى سمعا أذان الصبح.
أما يحيى بن معين فزلّ لسانه وقال: من فضل عبد الرحمن بن مهدي على وكيع فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.(1/110)
قال الذهبي: هذا كلام رديء، فغفر الله ليحيى، فالذي أعتقده أنا أن عبد الرحمن أعلم الرجلين وأفضل وأتقن. وبكل حال هما إمامان نظيران(1) (9/152).
عبادة وكيع:
قال يحيى بن أكثم : صحبت وكيعا في الحضر والسفر ، وكان يصوم الدهر ويختم القرآن كل ليلة .
__________
(1) وقد سئل أحمد بن حنبل عن الرجلين إذا اختلفا في الحديث، فقال: نوافق عبد الرحمن أكثر، وخاصة في سفيان، كان معنيا بحديثه. وعبد الرحمن يسلم منه السلف، ويجتنب شرب المسكر.. قال الذهبي: عبد الرحمن له جلالة عجيبة، وكان يُغشى عليه إذا سمع القرآن، نقله صاحب "شريعة المقارئ" (السير 9/153).(1/111)
قال الذهبي : هذه عبادة يُخضع لها ، ولكنها من مثل إمام من الأئمة الأثرية مفضولة ، فقد صح نهيه عليه السلام عن صوم الدهر ، وصح أنه نهى أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث. والدين يسر ، ومتابعة السنة أولى(1)، فرضي الله عن وكيع ، وأين مثل وكيع ؟ ومع هذا فكان ملازما لشرب نبيذ الكوفة الذي يسكر الإكثار منه ، فكان متأولا في شربه، ولو تركه تورعا لكان أولى به فإن من توقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، وقد صح النهي والتحريم للنبيذ المذكور . وليس هذا موضع هذه الأمور ، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك ، فلا قدوة في خطإ العالم . نعم ، ولا يوبخ بما فعله باجتهاد. نسأل الله المسامحة (9/143-144) .
محنة وكيع:
وهي غريبة تورّط فيها، ولم يُرد إلا خيرا، ولكن فاتته سكتة، وقد قال النبي ^: "كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع"(2). فليتق عبد ربه، ولا يخافن إلا ذنبه.
__________
(1) يبدو أن لوكيع في صوم الدهر عذرا ، فقد قال ابن عمار إن وكيعا يشتكي في يوم الشك والعيد من أجل الإفطار (السير 9/149) ، ولم ينفرد وكيع من بين السلف بصيام الدهر فقد قال الذهبي في ترجمة أبي عمرو الخفاف إنه صام الدهر نيفا وثلاثين سنة ، فعقب عليه بقوله : ليته أفطر وصام ، فما خفي والله عليه النهي عن صيام الدهر، ولكن له سلف . ولو صاموا أفضل الصوم للزموا صوم داود عليه السلام (السير 13/561) . ومن سلفه في هذا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقد كانت في آخر حياتها تصوم الدهر (السير2/187) ولعلها كانت تفعل ذلك لتكفّر ما كان منها من الخروج إلى الجمل ، فقد ندمت على ذلك ندما شديدا ، وكانت تبكي من أجل ذلك حتى تبل خمارها ، ومنعت أن تُدفن بجانب رسول الله ^ ، فدفنت في البقيع . نسأل الله العصمة من الفتن (السير2/193).
(2) صحيح أخرجه أبو داود (4992)، ومسلم (5) في مقدمة صحيحه عن أبي هريرة، وعنده "كفى بالمرء كذبا..". وهو في السلسة الصحيحة برقم 2025، وصحيح الجامع برقم 4482.(1/112)
قال علي بن خشرم: حدثنا وكيع، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن عبد الله البهي، أن أبا بكر الصديق جاء إلى النبي ^ بعد وفاته، فأكبّ عليه، فقبله، وقال: "بأبي وأمي، ما أطيب حياتك وميتتك"، ثم قال البهي: وكان تُرك يوما وليلة حتى ربا بطنه، وانثنت خنصراه.
قال ابن خشرم: فلما حدّث وكيع بهذا بمكة اجتمعت قريش، وأرادوا صلب وكيع، ونصبوا خشبة لصلبه، فجاء سفيان بن عيينة فقال لهم: اللهَ اللهَ ! هذا فقيه أهل العراق، وابن فقيهه، وهذا معروف. قال سفيان: ولم أكن سمعته إلا أني أردت تخليص وكيع.(1)
قال ابن خشرم: سمعت الحديث من وكيع بعد ما أرادوا صلبه، فتعجبت من جسارته، وأُخبرت أن وكيعا احتجّ، فقال: إن عدة من أصحاب رسول الله ^ - منهم عمر - قالوا: لم يمت رسول الله ^، فأراد الله أن يريهم آية الموت.
__________
(1) وهذا من طيب نفوس السلف، فإنه كان بينهما مباعدة، ولكن أبت نفسه أن يرى أخاه يُقتل من أجل هفوة بدت منه. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.(1/113)
قال الذهبي: هذه زلة عالم، فما لوكيع ولرواية هذا الخبر المنكر المنقطع الإسناد! كادت نفسه أن تذهب غلطا، والقائمون عليه معذورون، بل مأجورون، فإنهم تخيلوا من إشاعة هذا الخبر المردود، غصا ما لمنصب النبوة، وهو في بادئ الرأي يوهم ذلك، ولكن إذا تأملته فلا بأس إن شاء الله بذلك، فإن الحي قد يربو جوفه، وتسترخي مفاصله، وذلك تفرع من الأمراض، و"أشد الناس بلاء الأنبياء"(1)، وإنما المحذور أن تجوّز عليه تغير سائر موتى الآدميين ورائحتهم، وأكل الأرض لأجسادهم، والنبي ^ فمفارق لسائر أمته في ذلك، فلا يبلى، ولا تأكل الأرض جسده، ولا يتغير ريحه، بل هو الآن، وما زال أطيب ريحا من المسك.. (9/159-161).
ومن زلات ألسن العلماء:
قال الفاروق - رضي الله عنه -: إن أخوف ما أخاف عليكم ثلاثة: منافق يقرأ القرآن لا يخطئ فيه واوا ولا ألفا، يجادل الناس أنه أعلم منهم ليضلهم عن الهدى، وزلة عالم، وأئمة مضلون (11/463-464).
فمن زلات العلماء ما يلي:-
__________
(1) قطعة من حديث صحيح، أخرجه الترمذي في ك الزهد ، باب ما جاء في الصبر على البلاء (2400)، وابن ماجه في ك الفتن، باب الصبر على البلاء (4033). وهو في السلسلة الصحيحة برقم 143 وفي صحيح موارد الظمآن برقم 698.(1/114)
* قال علي بن عبد الله الداهري: سألت أبا بكر ابن أبي داود عن حديث الطير، فقال: إن صح حديث الطير(1) فنبوة النبي ^ باطل، لأنه حكى عن حاجب النبي ^ خيانة - يعني أنسا - وحاجب النبي لا يكون خائنا.
__________
(1) أخرجه الترمذي (3721) والحاكم ولفظ الترمذي: عن أنس رضي الله عنه قال: "كان للنبي ^ طير" ولفظ الحاكم عن أنس رضي الله عنه قال: كنت أخدم رسول الله ^ فقُدّم له فرخ مشوي، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير، فقلت: اللهم اجعله رجلا من أهلي من الأنصار، فجاء علي، فقلت: إن رسول الله ^ على حاجة، ثم جاء، فقلت ذلك، فقال: اللهم ائتني كذلك، فقلت ذلك، فقال لي رسول الله ^: افتح، فدخل، فقال: ما حبسك يا علي ؟ فقال: إنه هذه آخر ثلاث كرات يردني أنس، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قلت: أحببت أن يكون رجلا من قومي. فقال: إن الرجل محب قومه".(1/115)
قال الذهبي: هذه عبارة رديئة، وكلام نحس. بل نبوة محمد ^ حق، قطعي، إن صح خبر الطير، وإن لم يصح، وما وجه الارتباط؟ هذا أنس قد خدم النبي ^ قبل أن يحتلم، وقبل جريان القلم، فيجوز أن تكون قصة الطائر في تلك المدة. فرضنا أنه كان محتلما، ما هو بمعصوم من الخيانة، بل فعل هذه الجناية الخفيفة متأولا، ثم إنه حبس عليا عن الدخول كما قيل، فكان ما ذا ؟ والدعوة النبوية قد نفذت واستجيبت، فلو حبسه أو رده مرات ما بقي يتصور أن يدخل ويأكل مع المصطفى سواه إلا، اللهم إلا أن يكون النبي ^ قصد بقوله: "ائتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي" عددا من الخيار، يصدق على مجموعهم أنهم أحب الناس إلى الله، كما يصح قولنا: أحب الخلق إلى الله الصالحون، فيقال: فمن أحبهم إلى الله ؟ فنقول: الصديقون والأنبياء. فيقال: فمن أحب الأنبياء كلهم إلى الله ؟ فنقول: محمد وإبراهيم وموسى. والخطب في ذلك يسير. وأبو لبابة - مع جلالته - بدت منه خيانة، حيث أشار لبني قريظة إلى حلقه، وتاب الله عليه. وحاطب بدت منه خيانة، فكاتب قريشا بأمر تخفى به النبي ^ من غزوهم، وغفر الله لحاطب مع عظم فعله - رضي الله عنه -.
ثم قال: وقد أخطأ ابن أبي داود في عبارته وقوله، وله على خطئه أجر واحد(1). وليس من شرط الثقة أن لا يخطئ ولا يغلط ولا يسهو. والرجل فمن كبار علماء الإسلام، ومن أوثق الحفاظ رحمه الله تعالى (13/231-233).
* وأنكر العلماء على أبي حاتم ابن حبان البستي قوله: "النبوة العلم والعمل"، فحكموا عليه بالزندقة، وهُجر، وكُتب فيه إلى الخليفة، فكتب بقتله.
__________
(1) إنما ينال الأجر من اجتهد في مسائل الدين، وبذل وسعه في فهمها، لا من زلّ وخاض في المهامه، وأساء الأدب، فأنى له الأجر ؟ لكن نسأل الله أن يسامحنا وإياه، فإنها هفوة لا اجتهاد.(1/116)
قال الذهبي: هذه حكاية غريبة، وابن حبان فمن كبار الأئمة، ولسنا ندعي فيه العصمة من الخطأ، لكن هذه الكلمة التي أطلقها قد يطلقها المسلم، ويطلقها الزنديق الفيلسوف. فإطلاق المسلم لها لا ينبغي، لكن يُعتذر عنه، فنقول: لم يرد حصر المبتدأ في الخبر، ونظير ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "الحج عرفة"(1)، ومعلوم أن الحاج لا يصير بمجرد الوقوف بعرفة حاجا، بل بقي عليه فروض وواجبات، وإنما ذكر مهمّ الحج. وكذا هذا ذكر مهم النبوة، إذ من أكمل صفات النبي كمال العلم والعمل، فلا يكون أحد نبيا إلا بوجودهما، وليس كل من برّز فيهما نبيا، لأن النبوة موهبة من الحق تعالى، لا حيلة للعبد في اكتسابها، بل بها يتولد العلم اللدني والعمل الصالح. وأما الفيلسوف فيقول: النبوة مكتسبة ينتجها العلم والعمل، فهذا كفر، ولا يريده أبو حاتم أصلا، وحاشاه (16/95-97).
* وأنكروا على أبي حاتم أيضا أنه أنكر الحد لله، حتى إنه أُخرج من سجستان.
قال الذهبي: إنكاركم عليه بدعة أيضا، والخوض في ذلك مما لم يأذن به الله، ولا أتى نص بإثبات ذلك ولا نفيه."ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"(2)، وتعالى الله أن يُحد أو يوصف إلا بما وصف به نفسه، أو علمه رسله بالمعنى الذي أراد بلا مثل ولا كيف (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)[الشورى:11] (16/97-98).
* وأنكروا على الحافظ فضلك الصائغ قوله: إن الإيمان مخلوق، وأخرج من البلد بأعوان.
__________
(1) صحيح أخرجه أحمد (4/309و310و335) ، والحميدي (899) ، وأبو داود (1949)، والترمذي (889) ، والنسائي (5/264) ، وابن ماجه (3015) وغيرهم عن عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه. وهو في صحيح الجامع برقم 3172.
(2) حديث صحيح بشواهده. أخرجه الترمذي (2317) ، وابن ماجه (3976) من حديث أبي هريرة. وأخرجه أحمد (1/201) والطبراني (2886) من حديث الحسين بن علي. وله شواهد عن أبي بكر الصديق وعن علي وزيد بن ثابت.(1/117)
قال الذهبي: هذه من مسائل الفضول، والسكوت أولى، والذي صح عن السلف وعلماء الأثر أن الإيمان قول وعمل، وبلا ريب أن أعمالنا مخلوقة، لقول الله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون) [الصافات:96]. فصح أن بعض الإيمان مخلوق، وقولنا لا إله إلا الله فمن إيماننا، فتلفظنا بها أيضا من أعمالنا. وأما ماهية الكلمة الملفوظة فهي غير مخلوقة، لأنها من القرآن. أعاذنا الله من الفتن والهوى (12/630).
* وأنكر العلماء على شيخ الصوفية الواعظ أبي القاسم إبراهيم ابن محمد النصراباذي النيسابوري الزاهد قولَه: "الروح غير مخلوقة". وقد ضُرب من أجل ذلك وأُهين وحُبس غير مرة، فقيل له: إنك تقول: "الروح غير مخلوقة"، فقال: لا أقول ذا، ولا أقول إنها مخلوقة، بل أقول: إنها من أمر ربي، فجهدوا به، فقال: ما أقول إلا ما قال الله.
قال الذهبي: هذه هفوة، بل لا ريب في خلقها، ولم يكن سؤال اليهود لنبينا ^ عن خلقها ولا قدمها، إنما سألوا عن ماهيتها وكيفيتها، قال الله تعالى: ?الله خالق كل شيء? [الزمر:62] فهو مبدع الأشياء وموجد كل فصيح وأعجم، ذاته وحياته وروحه وجسده، وهو الذي خلق الموت والحياة والنفوس سبحانه (16/264).
* كما أنكروا على شيخ الصوفية الزاهد أبي طالب المكي صاحب "قوت القلوب" قوله: ليس على المخلوقين أضر من الخالق، فبدّعه العلماء وهجروه من أجل غلطته هذه (16/537).
* وقال خالد بن خِداش : شهدت حماد بن زيد في آخر يوم مات فيه فقال: أحدثكم بحديث لم أحدث به قط ، إني أكره أن ألقى الله ولم أحدث به ، سمعت أيوب يحدث عن عكرمة قال : إنما أنزل الله متشابه القرآن ليضل به.
قال الذهبي : هذه عبارة رديئة، بل إنما أنزله الله تعالى ليهدي به المؤمنين، وما يضل به إلا الفاسقين، كما أخبرنا عز وجل في سورة البقرة (5/33).
- - -
من أخبار الخلفاء والولاة والحكّام
عمر وتقسيم الفيء:(1/118)
فرض أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لأسامة ثلاثة آلاف وخمس مائة، وفرض لابنه عبد الله ثلاثة آلاف، فقال عبد الله لم فضّلته علي؟ فوالله ما سبقني إلى مشهد. قال: لأن أباه كان أحب إلى رسول الله ^ من أبيك، وهو أحب إلى رسول الله ^ منك، فآثرت حب رسول الله ^ على حبي (2/499).
مسروق أميرا على السلسلة :
غاب مسروق عاملا على السلسلة - مدينة بواسط - سنتين ثم قدم ، فنظر أهله في خرجه فأصابوا فأسا فقالوا : غبت ثم جئتنا بفأس بلا عود؟ قال: إنا لله، استعرنا، نسينا نردها!! (4/66).
أمير يجلّ أهل العلم:
صب الرشيد على يدي أبي معاوية الضرير بعد الأكل ، وقال له : فعلته إجلالا للعلم (9/288).
حلم معاوية :
قدم معاوية المدينة فلقيه أبو قتادة فقال : تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار فما منعكم ؟ قالوا : لم يكن لنا دواب . قال : فأين النواضح ؟ قال أبو قتادة : عقرناها في طلب أبيك يوم بدر . إن رسول الله ^ قال لنا :"إنكم ستلقون بعدي أثرة" . قال معاوية : فما أمركم ؟ قال : أمرنا أن نصبر . قال : فاصبروا . (2/453) وانظر : (7/246).
عمر بن عبد العزيز:
كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم أن أَدِقَّ قلمك وقارب بين أسطرك فإني أكره أخرج من أموال المسلمين ما لا ينتفعون به. (5/132).
وكان تُسرج عليه الشمعة ما كان في حوائج المسلمين، فإذا فرغ أطفأها وأُسرج عليه سراجه (5/136).
الحكم بن هشام الأموي:
…بويع بالملك بعد موت أبيه سنة 180هـ، وكان في أول أمره رشيدا، ثم تغير وجاهر بالمعاصي، وسفك الدماء.
…وكان من جبابرة الملوك، وفساقهم، ومتمرديهم. وكان فارسا شجاعا فاتكا ذا دهاء وحزم وعتو وظلم. وكان يأخذ أولاد الناس الملاح، فيخصيهم ويمسكهم لنفسه (8/253-254).
الحجاج السفّاك:(1/119)
ولي الحجاج بن يوسف الثقفي على العراق والمشرق كله عشرين عاما. وكان ظلوما، جبارا، ناصبيا، خبيثا، سفاكا للدماء. وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء، وفصاحة وبلاغة، وتعظيم للقرآن.
قال الذهبي: قد سُقْتُ من سوء سيرته في تاريخي الكبير، وحصاره لابن الزبير بالكعبة، ورميه إياها بالمنجنيق، وإذلاله لأهل الحرمين(1)، وحروبه لابن الأشعث، وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله. فَنَسُبُّه ولا نحبه، بل نبغضه في الله، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان. وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله. وله توحيد في الجملة، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء (4/343بتصرف).
الوليد بن عبد الملك:
هو الذي أنشأ جامع دمشق، وأعاد بناء المسجد النبوي وزخرفه، و افتتح الأندلس، وبلاد الترك، والهند. وقد بويع بعهد من أبيه، وكان مترفا، دميما، سائل الأنف، طويلا أسمر، بوجهه أثر جدري، في عنفقته شيب، يتبختر في مشيه. وكان قليل العلم، لُحَنَة.
…وكان ذا تعبد، حتى قيل إنه يختم القرآن في كل ثلاث، وختم في رمضان سبع عشرة ختمة. ويجل القراء، ويوزع لهم العطايا. وفرض للفقهاء والأيتام والزمنى والضعفاء.
…وكان فيه عسف وجبروت، وقيام بأمر الخلافة، وضبط الأمور. فالله يسامحه (4/347-348بتصرف).
سلطان الأندلس الناصر لدين الله:
…ابتدأ ملكه ببناء مدينة الزهراء في أول سنة 325هـ، فكان يقسم دخل مملكته أثلاثا: فثلث يرصده للجند، وثلث يدخره في بيت المال، وثلث ينفقه في الزهراء.
__________
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج الاعتدال (المنتقى منه للذهبي ص295-296): "وأما الكعبة فلم تُقصد بإهانة، وإنما قصدوا ابن الزبير. ولم يهدم يزيد الكعبة، ولا أحرقها باتفاق المسلمين، ولكن طارت إلى الأستار شرارة من نار من امرأة فاحترقت الكعبة، فهدمها ابن الزبير وأعادها أحسن مما كانت على الوجه الذي وصفه النبي ^".(1/120)
…وكانت مدينة الزهراء على بعد فرسخ من قرطبة ، وساق إليها أنهارا ، ونقب لها الجبل ، وأنشأها مدورة، وعدة أبراجها ثلاثمائة برج، وشرفاتها من حجر واحد ، وقسمها أثلاثا : فالثلث المسند إلى الجبل قصوره ، والثلث الثاني دور الممالك والخدم ، وكانوا اثني عشر ألفا بمناطق الذهب ، يركبون لركوبه ، والثلث الثالث بساتين تحت القصور . وعمل مجلسا مشرفا على البساتين ، صفح عمده بالذهب ، ورصعه بالياقوت والزمرد ، واللؤلؤ، فرشه بمنقوش الرخام ، وصنع قدامه بحرة مستديرة ملأها زئبقا ، فكان النور ينعكس منه إلى المجلس(1). (8/267-268).
أخبار جِنكِزْخان:
أول مظهره كان في سنة 599هـ، وهو ملك التتار وسلطانهم الأول الذي خرب البلاد وأفنى العباد، واستولى على الممالك، وليس للتتار ذكر قبله، إنما كانت طوائف المغول بادية بأراضي الصين فقدموه عليهم، فهزم جيوش الخطا، واستولى على ممالكهم، ثم على تركستان وإقليم ما وراء النهر ثم إقليم خراسان وبلاد الجبل وغير ذلك. وأذعنت بطاعته جميع التتار، وأطاعوه في كل شيء، ولم يكن يتقيد بدين الإسلام ولا غيره. وقَتْل المسلم أهون عنده من قتل البرغوث، وله شجاعة مفرطة، وعقل وافر، ودهاء ومكر. وأهلكه الله في رمضان سنة 624هـ (22/243).
الظاهر بالله ابن الناصر بالله ابن المستضيء بالله:
__________
(1) يقال إنه أُكمل بناؤها في اثنتي عشرة سنة، بألف بناء في اليوم، مع البنّاء اثنا عشر فاعلا. السير 8/268.(1/121)
ولد في المحرم سنة 570هـ وبويع بالخلافة بعد أبيه سنة 622هـ، فأظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سيرة العمرين، فإنهلو قيل: ما ولي الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز مثله لكان القائل صادقا، فإنه ما أعاد من الأموال المغصوبة والأملاك المأخوذة في أيام أبيه وقبلها شيئا كثيرا، وأطلق المكوس في البد جميعها، وأمر بإعادة الخراج القديم في جميع العراق وإسقاط جميع ما جدده أبوه، وأخرج المحبوسين، وأرسل إلى القاضي عشرة آلاف دينار ليفيها عمن أعسر. وفرق في العلماء والصلحاء مائة ألف دينار. مات سنة 623هـ، وكانت خلافته تسعة أشهر ونصفا رحمه الله.(1)
الخليفة المستنصر العباسي:
هو الخليفة السابع والثلاثين من بني العباس، ولد سنة 588، وأمه تركية ، وكان أشقر ، سمينا ، ربعة ، مليح الصورة ، عاقلا ، حازما ، سائسا ، ذا رأي ودهاء ونهوض بأعباء الملك . بويع بالخلافة عند موت أبيه في ثالث عشر رجب عام 623هـ فنشر العدل ، وبث المعروف ، وقرب العلماء والصلحاء ، وبنى المساجد والمدارس والربط، ودور الضيافة ، وعمّر طرق الحاج ، وعمر بالحرمين دور المرضى وبعث إليها الأدوية ، وقام بأمر الجهاد أحسن قيام ، وحمل الناس على أقوم سنن . توفي بكرة الجمعة عاشر جمادى الأولى سنة 640هـ رحمه الله .
الحاكم بأمر الله العبيدي:
…صاحب مصر، وهو الذي أنشأ دارا كبيرة وملأها قيودا وأغلالا، وجعل لها سبعة أبواب، وسماها جهنم، فكان من سخط عليه أسكنه فيها.
…وكان يخترع كل وقت أحكاما يلزم الرعية بها. أمر بسب الصحابة رضي الله عنهم، وبكتابة ذلك على المساجد والشوارع، وأمر عماله بالسب. وحرّم السمك الذي لا فلوس - قشور - عليه، وقتل بائعيه، وحرّم بيع الرطب، وجمع منه شيئا عظيما، فحرقه، ومنع من بيع العنب، وأباد الكروم. ومنع النساء من الخروج من البيوت، وأبطل عمل الخفاف لهن جملة، وما زلن ممنوعات من الخروج سبع سنين وسبعة أشهر (15/174-178).
__________
(1) نكث الهميان، ص 238-239.(1/122)
قطر الندى مع زوجها المعتضد:
زُفت قطر الندى إلى المعتضد بالله العباسي في جهاز لم يُعهد مثله، وكانت بديعة الحسن، جيدة العقل، فيقال: إنه خلا بها يوما فنام على فخذها، فوضعت رأسه على مخدة، وخرجت، فاستيقظ فناداها، وغضب، وقال: ألم أُحلك إكراما لك، فتفعلين هذا ؟ قالت: ما جهلت إكرامك لي، ولكن فيما أدبني أبي أن قال: لا تنامي بين جلوس، ولا تجلسي مع نائم ! (13/473).
خليفة قتلته امرأته:
عقد مروان بن الحكم لولديه عبد الملك وعبد العزيز بالخلافة بعده، وزهّد الناس في خالد بن يزيد بن معاوية، ووضع منه، وسبه يوما، وكان متزوجا بأمه، فأضمرت له الشر، فنام، فوثبت في جواريها، وغمته بوسادة قعدن على جوانبها، فتلف، وصرخن، وظُن أنه مات فجاءة (3/479).
خليفة لم يزل صائما منذ أن استُخلف :
نقل الخطيب عن أبي موسى العباسي أن المهتدي بالله محمد ابن الواثق لم يزل صائما منذ استخلف إلى أن قتل (12/536) .
ملك أبى أن يتداوى بالخمر :
تعلل الملك الصالح نور الدين محمود ابن الأتابك بقولنج خمسة عشر يوما فعرض عليه طبيبه خمرا للتداوي ، فأبى ، وقال : قد قال نبينا ^ :"إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها"(1)، ولعلي أموت وهو في جوفي . فمات في رجب سنة 577هـ رحمه الله. (21/111-112) .
السلطان مسعود ابن محمد بن ملكشاه السلجوقي(ت 547هـ):
كان بطلا، شجاعا، كبير النفس، كثير المزاح، حسن الخلق، كريما، عفيفا عن أموال الرعية، وهو من أحسن السلاطين سيرة، وألينهم عريكة. أبطل مكوسا ومظالم كثيرة، وعدل، واتسع ملكه. وكان يميل إلى العلماء والصالحين، ويتواضع لهم (20/385).
مِنْ كرم الوزير الحسن بن سهل:
__________
(1) علقه البخاري في ك الطب (10/68) ووصله مسلم (1984) وأبو داود (3873) والترمذي (2046) من حديث طارق بن سويد الجعفي أنه سأل النبي ^ عن الخمر ، فنهاه ، أو كره أن يصنعها ، فقال : إنما أصنعها للدواء . فقال :"إنه ليس بدواء ، ولكنه داء".(1/123)
كان الوزير الحسن بن سهل - حمو المأمون، أبو بوران - فردا في الجود حتى إنه أراد أن يكتب لسقّاء مرة ألف درهم، فسبقته يده فكتب ألف ألف درهم، فروجع في ذلك فقال: والله لا أرجع عن شيء كتبته يدي. فصولح السقّاء على جملة منها، ودُفعت إليه (11/172).
الوزير القاسي:
* كان الوزير الأديب أبو جعفر ابن الزيّات يقول: ما رحمت أحدا قط، الرحمة خور في الطبع. فسُجن في قفص حَرِج، جهاته بمسامير كالمسالّ، فكان يصيح: ارحموني! فيقولون: الرحمة خور في الطبع !!! (11/173).
* وغضب الوزير أبو الفضل الشيرازي على أهل بغداد لقتلهم جندارا، فأمر بإلقاء النار في الأسواق، فاحترق من النحاسين إلى السماكين، واحترق عدة من الرجال والنساء والأطفال، وراحت الأموال، ودخل في ذلك الحريق من بيوت الله ثلاثة وثلاثون مسجدا وست مائة بيت ودكان. وكثر الدعاء عليه، وشتموه في وجهه، ثم قبض عليه عز الدولة، وطُرد إلى الكوفة، فسقي سم الذراريح، فهلك سنة بضع وستين وثلاثمائة (16/309).
بين العلماء والحكام
عطاء وعبد الملك :
…حج عبد الملك بن مروان فدخل عليه عطاء ابن أبي رباح وهو جالس على السرير وحوله الأشراف، فلما بصر به عبد الملك قام إليه فسلم عليه وأجلسه على السرير، وقعد بين يديه وقال: يا أبا محمد حاجتك؟ قال: يا أمير المؤمنين! اتق الله في حرم الله وحرم رسوله فتعاهده بالعمارة، واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار، فإنك بهم جلست هذا المجلس، واتق الله في أهل الثغور فإنهم حصن المسلمين، وتفقد أمور المسلمين، فإنك وحدك المسؤول عنهم، واتق الله فيمن على بابك فلا تغفل عنهم، ولا تغلق دونهم بابك. فقال له: أفعل، ثم نهض وقام، فقبض عليه عبد الملك وقال: يا أبا محمد! إنما سألتنا حوائج غيرك، وقد قضيناها فما حاجتك؟ قال: ما لي إلى مخلوق حاجة، ثم خرج فقال عبد الملك: هذا وأبيك الشرف، هذا وأبيك السؤدد (5/84-85).
طاووس وسليمان بن عبد الملك :(1/124)
حج سليمان بن عبد الملك فأمر أن يحضر له فقيه ليسأله عن بعض المناسك ، فجيء بطاووس ، فلما وقف بين يديه قال له : يا أمير المؤمنين ! إن صخرة كانت على شفير جب في جهنم ، هوت فيها سبعين خريفا حتى استقرت قرارها . أتدري لمن أعدها الله ؟ قال : لمن أشركه الله في حكمه فجار ، فبكيا لها . (5/42)
الزهري مع هشام بن عبد الملك :
لقد عيب على الإمام الزهري صحبته للملوك فدافع عنه الذهبي بقوله: بعض من لا يعتد به لم يأخذ عن الزهري لكونه كان مداخلا للخلفاء، ولئن فعل ذلك فهو الثبت الحجة . وأين مثل الزهري رحمه الله. ثم حكى ما يلي :
…دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك فقال : يا سليمان ! من الذي تولى كبره منهم ؟ قال : عبد الله بن أبي بن سلول. قال : كذبت ، هو علي . فدخل ابن شهاب فسأله هشام ، فقال : هو عبد الله بن أبي . قال : كذبت ، هو علي . فقال : أنا أكذب لا أبا لك ! فوالله لو نادى مناد من السماء إن الله أحل الكذب ما كذبت . حدثني سعيد وعروة وعبيد وعلقمة بن وقاص عن عائشة : أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي . فلم يزل القوم يغرون به ، فقال هشام : ارحل فوالله ما كان ينبغي لنا أن نحمل على مثلك ، قال : ولم ؟ أنا اغتصبتك على نفسي أو أنت اغتصبتني على نفسي؟ فخل عني. فقال له: لا. ولكنك استدنت ألفي ألف. فقال: قد علمت وأبوك قبلك أني ما استدنت هذا المال عليك ولا على أبيك . فقال هشام : إنا أن نهيج الشيخ . فأمر فقضي عنه ألف ألف ، فأخبر بذلك فقال : الحمد لله الذي هذا هو من عنده (5/339-340).
من كره مصاحبة الحكام:(1/125)
* دخل عبد الصمد عم المنصور على سفيان الثوري يعوده ، فحول سفيان وجهه إلى الحائط ، ولم يرد السلام ، فقال عبد الصمد : يا سيف ! أظن أبا عبد الله نائما . قال : أحسب ذاك - أصلحك الله - فقال سفيان : لا تكذب ، لست بنائم . فقال عبد الصمد : يا أبا عبد الله ! لك حاجة ؟ قال : نعم ، ثلاث حوائج : لا تعود إلي ثانية ، ولا تشهد جنازتي ، ولا تترحم علي . فخجل عبد الصمد، وقام . فلما خرج قال : والله لقد هممت أن لا أخرج إلا ورأسه معي (7/244).
* وقال أبو عبد الله ابن أبي ذهل: قلت لأبي الفضل القرّاب: هل رأيت أفضل من عثمان بن سعيد الدارمي؟ فأطرق ساعة، ثم قال: نعم، إبراهيم الحربي. وقد كنا في مجلس الدارمي غير مرة، ومر به الأمير عمرو بن الليث(1)، فسلم عليه، فقال: عليكم، حدثنا مسدد.. ويواصل في تحديثه، ولم يزد على رد السلام (13/321).
* وقال حماد بن سلمة: إن دعاك الأمير لتقرأ عليه (قل هو الله أحد) [الإخلاص:1] فلا تأته (7/448).
من اتقى جوائزهم:
قال الإمام سفيان بن سعيد الثوري : ليس أخاف إهانتهم ، إنما أخاف كرامتهم ، فلا أرى سيئتهم سيئة . لم أر للسلطان مثلا إلا مثلا ضرب على لسان الثعلب ، قال : عرفت للكلب نيفا وسبعين دستانا - حيلة - ليس منها دستان خيرا من أن لا أرى الكلب ولا يراني (7/262).
وبعث بعض الأمراء إلى أبي حصين عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي بألفي درهم فردها ، فقال له مسعر : لم رددتها ؟ قال : الحياء والتكرم (5/416).
فَرّ من هدية السلطان:
__________
(1) قيل إنه كان ضرابا في الصُّفر ، وقيل بل مكاري حمير، فآ به الحال إلى السلطنة. وكان حسن السياسة، عدلا، وكانت زوجته في ترف حتى قيل إنه كان في خدمتها ألف وسبع مائة جارية (السير 12/516).(1/126)
لما أتى سليمان بن عبد الملك إلى المدينة أعجبه سمت رجل فسأل عامله عمر بن عبد العزيز عنه فقال : هو صفوان بن سليم ، فأرسل خادمه بكيس فيه خمسمائة دينار ، فوجد صفوان في المسجد يصلي ، فلما سلم قدمها له فقال : لستُ الذي أُرسلتَ إليه . قال : ألست صفوان بن سليم ؟ قال : بلى . قال : فإليك أرسلت . قال : اذهب فاستثبت، فولى الغلام ، وأخذ صفوان نعله وخرج ، فلم يُر بها حتى خرج سليمان من المدينة (5/368).
أثر الولاية على العلماء:
كان يحيى بن سعيد خفيف الحال ، فاستقضاه المنصور فلم يتغير حاله ، فقيل له في ذلك فقال : من كانت نفسه واحدة لم يغيره المال (5/475).
قال حماد بن سلمة: ما كنا نشبه شمائل إسماعيل بن علية إلا بشمائل يونس حتى دخل فيما دخل فيه.
قال الذهبي: يريد ولاية الصدقة. وكان موصوفا بالدين والورع والتأله، منظورا إليه في الفضل والعلم، وبدت منه هفوات خفيفة، لم تغير رتبته إن شاء الله. وقد بعث إليه ابن المبارك بأبيات حسنة يعنفه فيها، وهي:
يا جاعل العلم له بازيا يصطاد أموال المساكين
احتلت للدنيا ولذاتها بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنونا بها بعدما كنت دواء للمجانين
أين رواياتك فيما مضى عن ابن عون وابن سيرين
ودرسك العلم بآثاره في ترك أبواب السلاطين
تقول: أكرهت، فما ذا كذا زل حمار العلم في الطين
لا تبع الدين بالدنيا كما يفعل ضلاّل الرهابين
(9/109-110).
من استعفى السلطان من العمل :(1/127)
قال إبراهيم ابن أبي عبلة : بعث إلي هشام بن عبد الملك فقال : إنا قد عرفناك واختبرناك ، ورضينا بسيرتك وبحالك ، وقد رأيت أن أخلطك بنفسي وخاصتي ، وأشركك في عملي ، وقد وليتك خراج مصر . قلت : أما الذي عليه رأيك يا أمير المؤمنين ، فالله يثيبك ويجزيك ، وكفى به جازيا ومثيبا ، وأما أنا ، فما لي بالخراج بصر ، وما لي عليه قوة ، فغضب حتى اختلج وجهه ، وكان في عينيه حول ، فنظر إلي نظرا منكرا ، ثم قال : لتلين طائعا أو كارها ، فأمسكت . ثم قلت : أتكلم ؟ قال : نعم . قلت : إن الله سبحانه قال في كتابه : (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها) [الأحزاب:72] فوالله ما غضب عليهن إذ أبين ولا أكرههن. فضحك حتى بدت نواجذه وأعفاني (6/324).
من وعظ السلطان بنصيحة مخلصة :
* دخل عبد الصمد بن علي وهو أمير مكة على سفيان الثوري وسفيان يتوضأ وإبراهيم بن أعين يصب عليه ، فسلم عليه ، فقال سفيان : من أنت؟ فقال: أنا عبد الصمد. فقال: كيف أنت؟ اتق الله، اتق الله، وإذا كبّرت فأسمع (7/259) .
* وركب جعفر بن سليمان - والي المدينة - في زي عجيب من التجمل ، وكان بالبصرة فقيه صالح غلب على عقله ، فخرج إلى طريق جعفر ، فقال له: يا جعفر ! انظر أي رجل تكون إذا خرجت من قبرك ، وحملت على الصراط ، وهذا الجمع والزي لا يساوي غدا حبة ، ولا يغنون عنك من الله شيئا ، إنك تموت وحدك ، وتدخل قبرك وحدك ، وتقف بين يدي الله وحدك ، وتحاسب وحدك ، فانظر لنفسك فقد نصحتك (8/240) .
* ووعظ أبو العباس ابن السّمّاك الرشيدَ فقال : يا أمير المؤمنين ! إن لك بين يدي الله مقاما ، وإن لك من مقامك منصرفا ، فانظر إلى أين تكون، فبكى الرشيد كثيرا (8/329).(1/128)
* ودخل القاضي منذر بن سعيد البلّوطي على سلطان الأندلس عبد الرحمن بن محمد المدعو بالناصر لدين الله وقد بنى قصر الزهراء لسكناه على بعد فرسخ من قرطبة ، وساق إليها أنهارا ، وجعل بساتين تحت القصور . وعمل مجلسا مشرفا على البساتين ، صفح عمده بالذهب ، ورصعه بالياقوت والزمرد ، واللؤلؤ ، وفرشه بمنقوش الرخام ، وصنع قدامه بحرة مستديرة ملأها زئبقا ، فكان النور ينعكس منه إلى المجلس(1). فلما دخل عليه قاضيه المنذر وقف وقرأ :?ولو لا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون * ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكؤون * وزخرفا ، وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ، والآخرة عند ربك للمتقين? [الزخرف:33-35] . فقال السلطان : وعظت أبا الحكم ، ثم قام عن المجلس ، وأمر بنزع الذهب والجواهر (8/268).
من صدع بالحق أمام السلطان :
* ولي السفاح فظهر جور بإفريقية ، فوفد عبد الرحمن بن زياد على أبي جعفر المنصور مشتكيا . ثم قال : جئت لأعلمك بالجور ببلدنا فإذا هو يخرج من دارك! فغضب المنصور وهم به (6/412).
__________
(1) يقال إنه أكمل بناؤها في اثنتي عشرة سنة، بألف بناء في اليوم، مع البناء اثنا عشر فاعلا. السير 8/268.(1/129)
* وقال الأوزاعي : لما فرغ عبد الله بن علي - يعني عم السفاح - من قتل بني أمية بعث إلي ، وكان قتل يومئذ نيفا وسبعين منهم بالكافركوبات(1)، فدخلت عليه فقال : ما تقول في دماء بني أمية ؟ فحدت . فقال : قد علمت من حيث حدت فأجب . - قال : وما لقيت مفوها مثله - فقلت : كان لهم عليك عهد . قال : فاجعلني وإياهم ولا عهد ، ما تقول في دمائهم ؟ قلت : حرام ، لقول رسول الله ^ :"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث.." الحديث(2) . فقال : ولم ويلك ؟! أليست الخلافة وصية من رسول الله ^ قاتل عليها علي بصفين ؟ قلت : لو كانت وصية ما رضي بالحكمين . فنكس رأسه ، ونكست ، فأطلت . ثم قلت : البول . فأشار بيده : اذهب ، فقمت ، فجعلت لا أخطو خطوة إلا قلت : إن رأسي يقع عندها (7/123-124).
علق الذهبي على هذا بقوله: قد كان عبد الله بن علي ملكا جبارا، سفاكا للدماء، صعب المراس، ومع هذا فالإمام الأوزاعي يصدعه بمر الحق كما ترى، لا كخلق من علماء السوء الذين يحسنون للأمراء ما يقتحمون به من الظلم والعسْف، ويقلبون لهم الباطل حقا - قاتلهم الله - أو يسكتون مع القدرة على بيان الحق (7/125) .
__________
(1) جمع كافركوب: وهو المقرعة. انظر: تاريخ الإسلام 6/234.
(2) صحيح وتمامه: "..الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" أخرجه البخاري في ك الديات، باب قول الله تعالى (..أن النفس بالنفس والعين بالعين) 12/176-177 ومسلم في ك القسامة، باب ما يباح به دم المسلم (1676) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.(1/130)
* وعن سفيان الثوري قال : أدخلت على المهدي بمنى ، فسلمت عليه بالإمرة ، فقال : أيها الرجل طلبناك فأعجزتنا، فالحمد لله الذي جاء بك ، فارفع إلينا حاجتك . فقلت : قد ملأت الأرض ظلما وجورا ، فاتق الله ، وليكن من غيرك فيك عبرة . فطأطأ رأسه ، ثم قال : أرأيت إن لم أستطع دفعه ؟ قال : تخليه وغيرك . فطأطأ رأسه ، ثم قال: ارفع إلينا حاجتك . قلت: أبناء المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان بالباب ، فاتق الله ، وأوصل إليهم حقوقهم . فطأطأ رأسه . فقال أبو عبد الله : أيها الرجل ! ارفع إلينا حاجتك . قلت : وما أرفع ؟ حج عمر بن عبد العزيز فقال لخازنه : كم أنفقت ؟ قال : بضعة عشر درهما . وإني أرى ها هنا أمورا لا تطيقها الجبال ! (7/264-265) .
من أغضب السلطان بقوله :
* أغلظ عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان لأمير المؤمنين المهدي، فاستشاط غضبا، وقال : والله لو كان المنصور حيا ما أقالك. قال: لا تقل ذاك، فوالله لو كُشف لك عنه حتى تُخَبَّر بما لقي، ما جلست مجلسك هذا (7/314).
* وقال محمد بن أسلم: لما أدخلت الطوسي على عبد الله بن طاهر، ولم أسلم عليه بالإمرة، غضب، وقال: شراك نعلي عمر بن الخطاب خير منك، وكان يرفع رأسه إلى السماء، وقد بلغني أنك لا ترفع رأسك إلى السماء، فقلت برأسي هكذا إلى السماء ساعة، ثم قلت: ولم لا أرفع رأسي إلى السماء؟ وهل أرجو الخير إلا ممن في السماء؟! ولكني سمعت مؤمَّل بن إسماعيل يقول: سمعت سفيان يقول: النظر في وجوهكم معصية، فقال بيده هكذا، يُحبس. (12/202).
* وأنكر عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي على الحجاج كثرة القتل فهمّ به فقال له : من في بطنها أكثر ممن على ظهرها (5/63).
حكّام عرفوا قدر أنفسهم :(1/131)
* دخل عمر بن حوشب الوالي على سفيان الثوري ، فسلم عليه ، فأعرض عنه ، فقال : يا سفيان ! نحن والله أنفع للناس منك ، نحن أصحاب الديات، وأصحاب الحمالات ، وأصحاب حوائج الناس والإصلاح بينهم ، وأنت رجل نفسك . فأقبل عليه سفيان ، فجعل يحادثه ، ثم قام . فقال سفيان : لقد ثقل علي حين دخل ، ولقد غمني قيامه من عندي حين قام (7/246) .
* ومثله ما أورده ابن تيمية في منهاج السنة أن المسور بن مخرمة - من صغار الصحابة - دخل على معاوية ، ولما خلا به وطلب منه أن يخبره بجميع ما ينقمه عليه ، ذكر له المسور جميع ذلك . فقال معاوية : ومع هذا يا مسور ألك سيئات ؟ قال : نعم .
قال : أترجو أن يغفرها الله ؟ قال : نعم .
قال : فما جعلك أرجى لرحمة الله مني ؟ وإني مع ذلك والله ما خُيّرت بين الله وغيره إلا اخترت الله على غيره . ووالله لما أليه من الجهاد وإقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل من عملك . وأنا على دين يقبل الله من أهله الحسنات ويتجاوز عن السيئات . فما جعلك أرجى لرحمة الله مني ؟ قال المسور : فخصمني.(1)
من كتب إلى الخليفة ليبين له الحق:
* كتب أبو جعفر المنصور إلى الإمام الأوزاعي : أما بعد .. فقد جعل أمير المؤمنين في عنقك ما جعل الله لرعيته قبلك في عنقه ، فاكتب إلي بما رأيت فيه المصلحة مما أحببت . فكتب الأوزاعي : أما بعد .. فعليك بتقوى الله ، وتواضع يرفعك الله يوم يضع المتكبرين في الأرض بغير الحق . واعلم أن قرابتك من رسول الله ^ لن تزيد حق الله عليك إلا عظما ، ولا طاعته إلا وجوبا . (7/125)
__________
(1) مختصر منهاج السنة 1/299. وراجع: الطبقات لابن سعد، تحقيق د. عبد العزيز السلومي، 1/148-149.(1/132)
* وكتب سعيد بن حمير إلى الأمير عبد الله بن محمد المرواني : أيها الإمام! أنت من المتقين(1) ، وإنما يقوم الناس لرب العالمين ، فلا ترض من رعيتك بغير الصواب . وقد عمل الأمير بنصيحته فأمر العامة بترك القيام له ، ولكنهم لم ينتهوا (8/264)
من لم يقم للسلطان:
حج الخليفة المهدي فدخل مسجد رسول الله ^ ، فلم يبق أحد إلا قام إلا ابن أبي ذئب ، فقال له المسيب بن زهير : قم، هذا أمير المؤمنين . فقال: إنما يقوم الناس لرب العالمين ! فقال المهدي: دعه ، فلقد قامت كل شعرة في رأسي (7/143-144) .
الناس في العلم سواء:
جاء الأمير أبو أحمد الموفق إلى أبي داود فدخل عليه قال أبو داود: ما جاء بالأميرفي مثل هذا الوقت؟ قال: خلال ثلاث. قال: ما هي؟ قال: تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطنا، ليرحل إليك طلبة العلم، فتعمر بك، فإنها قد خربت، وانقطع عنها الناس، لما جرى عليها من محنة الزنج. فقال أبو داود: هذه واحدة. قال: وتروي لأولادي "السنن". قال: نعم، هات الثالثة. قال: وتفرد لهم مجلسا، فإن أولاد الخلفاء لا يقعدون مع العامة. قال: أما هذه فلا سبيل إليها، لأن الناس في العلم سواء. فكانوا يحضرون ويسمعون مع العامة (13/216).
- - -
أخبار الفتوح والغزوات
وحكايات الشجعان
يوم اليرموك:
كانت وقعة مشهورة، نزلت الروم اليرموك في رجب سنة 15هـ، وكان المسلمون أربعة وعشرين ألفا، أميرهم أبو عبيدة ابن الجراح، والروم في عشرين ومائة ألف، عليهم باهان وسقلاب، وقد سلسلوا أنفسهم الخمسة والستة في السلسلة لكي لا يفروا، فلما هزمهم الله جعل الواحد يقع في وادي اليرموك فيجذب من معه في السلسلة حتى ردموا الوادي، واستووا فيما قيل بحافتيه، فداسهم الخيل، وهلك منهم خلق لا يحصون، واستشهد جماعة من أمراء المسلمين.(2)
فتح اصطخر:
__________
(1) كان الأمير عبد الله محمود السيرة ، وكان مواظبا لصلاة الجماعة في الجامع راجع : السير (8/264) .
(2) تاريخ الإسلام 3/139-140).(1/133)
افتتح عبد الله بن عامر إصطخر عنوة فقتل وسبى، وكان على مقدمة عبيد الله بن معمر التيمي، فقتل وهو شاب، فأقسم ابن عامر لئن ظفر بالبلد ليقتلن حتى يسيل الدم من باب المدينة، وكان بها يزدجرد بن شهريار بن كسرى، فخرج في مائة ألف وسار فنزل مرو، وخلف على إصطخر أميرا من أمرائه في جيش يحفظونها. فنقب المسلمون المدينة، فما دروا إلا والمسلمون معهم في المدينة، فأسرف ابن عامر في قتلهم، وجعل الدم لا يجري من الباب، فقيل له: أفنيت الخلق، فأمر بالماء فصب على الدم حتى خرج من الباب، ورجع إلى حلوان فافتتحها ثانيا، فأكثر فيه القتل لكونهم نقضوا الصلح.(1)
من أخبار الأكاسرة:
كان لكسرى وقيصر ومن قبلهما من الملوك في دولتهم دهر طويل، فأما الأكاسرة والفرس - وهم المجوس - فملكوا العراق والعجم نحوا من خمسمائة سنة. فأول ملوكهم دارا، وطال عمره، فيقال إنه بقي في الملك مائتي سنة. وعدة ملوكهم خمسة وعشرون نفسا، منهم امرأتان، وكان آخر القوم يزدجرد الذي هلك في زمان عثمان.
وممن ملك منهم ذو الأكتاف سابور، عقد له بالأمر وهو في بطن أمه، لأن أباه مات وهو حمل، فقال الكهان: هذا يملك الأرض، فوضع التاج على بطن الأم، وكتب منه إلى الآفاق وهو بعد جنين. وهذا شيء لم يسمع بمثله قط.
ومن متأخري ملوكهم أنو شروان، وكان حازما عاقلا، كان له اثنا عشر ألف امرأة وسرية، وخمسون ألف دابة، وألف فيل إلا واحدا، وولد نبينا ^ في زمانه، ثم مات أنو شروان وقت موت عبد المطلب، ولما استولى الصحابة على الإيوان أحرقوا ستره، فطلع منه ألف ألف مثقال ذهبا.(2)
فتح إفريقية:
__________
(1) تاريخ الإسلام (3/325-326).
(2) تاريخ الإسلام (3/160).(1/134)
في سنة 27هـ عزل عثمان بن عفان عمرو بن العاص عن مصر، وولى عليها عبد الله بن سعد ابن أبي سرح، فغزا إفريقية، والتقى مع جُرجير بسُبيطِلة على يومين من القيروان، وكان جرجير في 200,000 مقاتل، والمسلمون في 20،000 مقاتل. فهجم جرجير على معسكر المسلمين، وأحاط بهم.
قال ابن الزبير: فرأيت غرة من جرجير بصرت به خلف عساكره على برذون أشهب معه جاريتان تظللان عليه بريش الطواويس، وبينه وبين جنده أرض بيضاء ليس بها أحد، فخرجت إلى ابن أبي سرح فندب لي الناس، فاخترت منهم ثلاثين فارسا، وقلت لسائرهم: احموا لي ظهري، فوالله ما نشبت أن خرقت الصف إليه فخرجت صامدا له، وما يحسب هو ولا أصحابه إلا أني رسول إليه، حتى دنوت منه فعرف الشر، فوثب على برذونه، وولى مدبرا، فأدركته ثم طعنته، فسقط، ثم دففت عليه بالسيف، ونصبت رأسه على رمح وكبّرت، وحمل المسلمون، فارفض أصحابه من كل وجه، وركبنا أكتافهم.
فسبى المسلمون وغنموا، فبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار. وفتح الله إفريقية سهلها وجبلها، ثم اجتمعوا على الإسلام وحسنت طاعتهم.(1)
انتصار المسلمين على جيوش الهند:
في سنة 590هـ كانت الحرب تستعر بين شهاب الدين الغوري وبين سلطان الهند بَنارس، فالتقوا على نهر ماخون، وكان مع الهندي سبع مائة فيل، ومن العسكر على ما قيل ألف ألف نفس، وفيهم عدة أمراء مسلمين، فنُصر شهاب الدين، وكثر القتل في المشركين حتى جافت بهم الأرض، وقتل بنارس، وعرف بشد أسنانه بالذهب، وغنم المسلمون تسعين فيلا فيها فيل أبيض، ومن خزائن بنارس ألفا وأربع مائة حمل (22/215).
الملحمة العظمى بالأندلس:
__________
(1) تاريخ الإسلام (3/318-319).(1/135)
…وفي تاسع شعبان سنة 591هـ كانت الملحمة العظمى بالأندلس، وتسمى وقعة الزلاقة، كانت بين يعقوب وبين الفنش الذي استولى على بلاد الأندلس، فأقبل اللعين في مائتي ألف، وعرض يعقوب جنده فكانوا مائة ألف مرتزقة، ومائة ألف مطوعة، عدوا البحر إلى الأندلس فنزل النصر، ونجا قليل من العدو.
…وعدة القتلى في هذه الوقعة مائة ألف وستة وأربعون ألفا، وأسر ثلاثون ألفا، وأخذ من خيامهم مائة ألف وخمسون ألفا، ومن الخيل ثمانون ألف رأس، ومن البغال مائة ألف، ومن الحمير التي لأثقالهم أربع مائة ألف، وبيع الأسير بدرهم، والحصان بخمسة، وقسم السلطان الغنيمة على الشريعة، واستغنوا. فلله الحمد (22/217).
معاذ بن عمرو بن الجموح:
…شهد بدرا مع رسول الله ^، وقال: جعلت يوم بدر أبا جهل من شأني، فلما أمكنني حملت عليه فضربته، فقطعت قدمه بنصف ساقه، وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي، فبقيتْ معلقة بجلدة بجنبي، وأجهدني عند القتال، فقاتلت عامة يومي، وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت قدمي عليها، ثم تمطيت عليها حتى طرحتها.(1)
حكيم بن جبلة:
سار حكيم بن جبلة العبدي في الفتنة، وقتل في موقعة الجمل- سامحه الله - وذكر أنه ما زال يقاتل حتى قطعت رجله، فأخذها وضرب بها الذي قطعها فقتله بها، ثم أخذ يقاتل ويقول:
يا ساق لن تراعي * إن معي ذراعي * أحمي بها كُراعي
حتى نزفه الدم، فاتكأ على المقتول الذي قطع رجله، فمر به رجل، فقال له: من قطع رجلك؟ قال: وسادتي. ثم قتله سُحيم الحُداني(3/531-532).(2)
عمرو بن معديكرب:
قال مالك بن عبد الله: ما رأيت أشرف من رجل رأيته يوم اليرموك. إنه خرج إليه عِلج فقتله، ثم آخر فقتله، ثم آخر فقتله، ثم انهزموا وتبعهم وتبعته، ثم انصرف إلى خباء عظيم له فنزل، فدعا بالجفان ودعا مَن حوله. قلت: من هذا؟ قالوا: عمرو بن معديكرب.(3)
__________
(1) وانظر: تاريخ الإسلام (3/355).
(2) تاريخ الإسلام (3/495).
(3) تاريخ الإسلام (3/141).(1/136)
خالد بن عبد الله القسري:
كان خالد القسري قد حارب مروان الحمار(1)، ثم ظفر به مروان، فأُدخل عليه يوما، فاستدناه، ولفّ على إصبعه منديلا، ورص عينه حتى سالت. ثم فعل كذلك بعينه الأخرى، وما نطق يزيد، بل صبر. نسأل الله العافية (6/76-77).
- - -
حكايات الصالحين والعبّاد
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ذخرا يكون كصالح الأعمال(2)
عمر بن عبد العزيز:
حج سليمان بن عبد الملك فرأى الخلق فقال لعمر بن عبد العزيز: أما ترى هذا الخلق الذين لا يحصيهم إلا الله، ولا يسع رزقهم غيره!؟ قال: يا أمير المؤمنين! هؤلاء اليوم رعيتك، وهم غدا خصماؤك، فبكى وقال: بالله أستعين (3) (5/112).
وأصابهم برق ورعد حتى كادت تنخلع قلوبهم فقال سليمان لعمر : يا أبا حفص ! هل رأيت مثل هذه الليلة قط ؟ أو سمعت بها ؟ قال : يا أمير المؤمنين ! هذا صوت رحمة الله ، فكيف لو سمعت صوت عذاب الله !؟ (5/121).
وفاة ولد ذرّ بن عمر:
__________
(1) قال الذهبي: كان مروان بطلا، شجاعا، رزينا، مهيبا، جبارا، يصل السير بالسرى، ولا يجف له لِبد، دزخ الخوارج بالجزيرة (السير:6/74).
(2) من شعر الأخطل التغلبي (ت 90هـ) في قصيدة مدح بها عكرمة بن ربعي الفياض، مطلعها:
لمن الديار بحائل فوُعال درست وغيّرها سنون حوالي
(3) قال ابن سيرين : رحم الله سليمان افتتح خلافته بإحياء الصلاة ، واختتمها باستخلافه عمر . وكان سليمان ينهى الناس عن الغناء . قال الذهبي : وكان من أمثل الخلفاء ، نشر علم الجهاد ، وجهز مائة ألف برا وبحرا ، فنازلوا القسطنطينية ، واشتد القتال والحصار عليها أكثر من سنة (السير 5/125) . وكان من الأكلة حتى قيل إنه أكل مرة أربعين دجاجة . وقيل أكل مرة خروفا وست دجاجات وسبعين رمانة ، ثم أتي بمكوك زبيب طائفي فأكله (السير 5/112-113) .(1/137)
لما مات ذر قعد عمر على شفير قبره وهو يقول : يا بني شغلني الحزن لك عن الحزن عليك ، فليت شعري ما قلت وما قيل لك ؟ اللهم إنك أمرته بطاعتك وببري ، فقد وهبت له ما قصر فيه من حقي ، فهب له ما قصر فيه من حقك .
وقال : انطلقنا وتركناك ، ولو أقمنا ما نفعناك ، فنستودعك أرحم الراحمين .
عزاء المري لمن مات ولده:
قال الأصمعي: شهدت صالحا المُرِّي عزّى رجلا، فقال: لئن كانت مصيبتك بابنك لم تُحْدث لك موعظة في نفسك، فهي هينة في جنب مصيبتك بنفسك فإياها فابك (8/47-48).
من لم يعرف الكذب :
قال عمر بن عبد العزيز: ما كذبت منذ أن علمت أن الكذب يضر أهله (5/121).
وقال مطرف بن عبد الله الشخير : ما يسرني أني كذبت كذبة وأن لي الدنيا وما فيها (4/195) .
من لم يسمح لجلسائه بالغيبة:
كان سعيد بن جبير لا يدع أحدا يغتاب عنده (4/336).
من كره أن ينتشر ذكره في الناس:
دخل على الإمام أحمد عمه فقال: يا ابن أخي، أيش هذا الغم؟ وأيش هذا الحزن؟ فرفع رأسه، وقال: يا عم، طوبى لمن أخمل الله ذكره (11/207).
من كره فضول الكلام:
قال بشر الحافي : كان المعافى صاحب دنيا واسعة وضياع كثيرة ، قال مرة رجل : ما أشد البرد اليوم ، فالتفت إليه المعافى وقال : استدفأتَ الآن ؟ لو سَكَتَّ لكان خيرا لك .
قال الذهبي : قول مثل هذا جائز ، لكنهم كانوا يكرهون فضول الكلام ، واختلف العلماء في الكلام المباح ، هل يكتبه الملكان أم لا يكتبان إلا المستحب الذي فيه أجر ، والمذموم الذي فيه تبعة ؟ والصحيح كتابة الجميع لعموم النص في قوله تعالى :(ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) [ق:18]. ثم ليس إلى الملكين اطلاع على النيات والإخلاص ، بل يكتبان النطق ، وأما السرائر الباعثة للنطق فالله يتولاها (9/84).
من كره لأخيه ذل السؤال:
قال مطرف لبعض إخوانه : يا أبا فلان ، إذا كانت لك حاجة ، فلا تكلمني ، واكتبها في رقعة ، فإني أخاف أن أرى في وجهك ذل السؤال (4/194).(1/138)
من فرح بالابتلاء:
* صُدع فتح بن سعيد الموصلي فسُرّ بذلك ، وقال : ابتلاني ببلاء الأنبياء ، فشكر هذا أن أصلي أربع مائة ركعة (10/484).
* وكانت أسماء تصدع فتضع يدها على رأسها ، وتقول : بذنبي ، وما يغفر الله أكثر (2/290).
* وعن أبي سعيد قال : قال أُبيّ : يا رسول الله ما جزاء الحمى ؟ قال: "تجري الحسنات على صاحبها" فقال : اللهم إني أسألك حمى لا تمنعني خروجا في سبيلك . فلم يمس إلا وبه حمى .
قال الذهبي : ملازمة الحمى له حرفت خلقه يسيرا ، ومن ثم يقول زرّ ابن حبيش : كان أُبيّ فيه شراسة (1/392).
* وقال مطرف : لأن أُعافى فَأَشْكُر أحب إلي من أن أُبْتَلَى فأصبر (4/195).
* وقيل للحسن بن علي - رضي الله عنه -: إن أبا ذر يقول: الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلي من الصحة. فقال: رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول : من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن شيئا. وهذا هو الرضى بما تصرف به القضاء (3/262).
الذين إذا رؤوا ذكر الله :
* كان الربيع بن خثيم إذا دخل على ابن مسعود لم يكن له إذن لأحد حتى يفرغ كل واحد من صاحبه، فقال له ابن مسعود: يا أبا يزيد! لو رآك رسول الله ^ لأحبك، وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين (4/258).
* ورأى الأعمش حمزة الزيات مقبلا فقال: (وبشر المخبتين) (7/92).
* وقال يونس ابن أبي إسحاق عن أبيه: كان عمرو بن ميمون إذا رئي ذُكر الله (4/160).
* وقال أبو عوانة: رأيت محمد بن سيرين في السوق فما رآه أحد إلا ذكر الله (4/610).
* وقال كثير بن الوليد: كنت إذا رأيت ابن شوذب ذكرت الملائكة (7/93).
* وكان القعنبي إذا مر بمجلس يقولون: لا إله إلا الله (10/262-263).
من لا ينام في السحر :
حبس أسدٌ الناسَ ليلة في طريق الحج ، فندق الناس بعضهم بعضا، فلما كان السحر ذهب عنهم، فنزلوا وناموا، وقام طاووس يصلي فقال له رجل: ألا تنام ؟ فقال: وهل ينام أحد السحر ؟ (5/40) وانظر أيضا: (5/42).
مات في الركعة الأولى :(1/139)
قال مصعب : سمع عامر - ابن عبد الله بن الزبير - المؤذن وهو يجود بنفسه فقال : خذوا بيدي ، فقيل : إنك عليل . قال : أسمع داعي الله فلا أجيبه ؟ فأخذوا بيده فدخل مع الإمام في المغرب فركع ركعة ثم مات (5/220).
…وكان عامر ربما انصرف من العتمة فيعرض له الدعاء فلا يزال يدعو إلى الفجر.
مات وهو ساجد خلف المقام:
* مات أبو بشر اليشكري سنة 125هـ وهو ساجد خلف المقام (5/466).
* ورأى سعيد بن جبير جارية بصرية وهي متعلقة بأستار الكعبة، تدعو وتتضرع وتبكي حتى ماتت (4/334)(1).
* ومات محمد بن شجاع ساجدا، وكان ذا تعبد وتهجد وتلاوة (12/380).
الجرجاني في صلاته:
قال السِّلَفي : كان عبد القاهر الجرجاني - النحوي - ورعا قانعا ، دخل عليه لص ، فأخذ ما وجد ، وهو ينظر وهو في الصلاة فما قطعها (13/433).
من أحب تلاوة القرآن:
قال سعيد بن جبير: ما مضت علي ليلتان منذ قتل الحسين إلا أقرأ فيها القرآن، إلا مريضا أو مسافرا (4/336).
كيف يختم بعض السلف؟
* قال سلام ابن أبي مطيع : كان قتادة يختم القرآن في سبع، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ، وإذا جاء العشر ختم كل ليلة. (5/276).
* وكان سليم بن عتر يختم كل ليلة ثلاث ختمات، ويأتي امرأته ثلاث مرات، وقالت بعد موته: رحمك الله، لقد كنت ترضي ربك، وترضي امرأتك (4/132).
* وقال أبو الفرج الإسفراييني: كان الخطيب البغدادي معنا في الحج، فكان يختم كل يوم ختمة قراءة ترتيل، ثم يجتمع الناس عليه وهو راكب يقولون: حدِّثنا، فيحدثهم (18/279).
* وكان بقي بن مخلد يختم القرآن كل ليلة، في ثلاث عشرة ركعة، وكان يصلي بالنهار مائة ركعة، ويصوم الدهر. وكان كثير الجهاد، فاضلا، يذكر عنه أنه رابط اثنتين وسبعين غزوة (13/292).
__________
(1) وشاهدت أنا في مكة عام 1990م رجلا أندنوسيا كان يتلو القرآن أمامي بعد صلاة الفجر، خلف المقام، فلما أخذتني غفوة أفاقتني صرخة امرأته وهو ميت.(1/140)
* وكان سعيد بن جبير يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء في شهر رمضان، وكانوا يؤخرون العشاء .
قال الذهبي: هذا خلاف السنة، وقد صح النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث.(1) (4/324-325).
من جزّء الليل بينه وبين أهله :
* كان زُييد بن الحارث الكوفي (ت122هـ) يجزء الليل ثلاثا هو وابناه، ويصلي جزء أحدهما إذا تكاسل . (5/296)
* وأما عمرو بن دينار(2) فجزّء الليل ثلاثا وجعل ثلثا لنومه وثلثا لصلاته وثلثا لدراسة الحديث . (5/302)
* واقتسم الحسن بن صالح الكوفي هو وأخوه علي وأمهما الليل ، فلما ماتت أمهما اقتسماه ، ثم مات علي - سنة 154هـ - فقام الحسن الليل كله.
* وقام ليلة بـ (عم يتساءلون) فغشي عليه فلم يختمها إلى الفجر . (7/369).
التفكر في الآخرة :
* ناول يوسف بن أسباط المطهرة للثوري فوضع الثوري يساره على خده ، وبقي يفكر حتى طلع الفجر ، وإنما يفكر في الآخرة (7/241).
* وكان الربيع بن خثيم إذا قيل له: كيف أصبحتم؟ قال: ضعفاء مذنبين، نأكل أرزاقنا، وننتظر آجالنا (4/259).
الإسرار بالعبادة:
* كان أيوب يقوم الليل كله فيخفي ذلك ، فإذا كان الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة (6/17).
* وكان عبد الرحمن ابن أبي ليلى يصلي فإذا دخل الداخل نام على فراشه (4/264).
* وكان أبو وائل إذا صلى في بيته ينشج نشيجا ، ولو جعلت له الدنيا على أن يفعله وأحد يراه ما فعله (4/165).
* وكان داود ابن أبي هند يحمل غداءه ويتصدق به في الطريق كي لا يُعرف أنه صائم (6/378).
الإكثار من ذكر الله :
__________
(1) روى الترمذي (2950) وأبو داود (1394) بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ^ قال:"لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث". ولم يرخص له ^ أن يختم في أقل من ثلاث. أخرجه البخاري (9/84) ومسلم (1159).
(2) عمرو بن دينار المكي هو أثبت الناس في عطاء ، وأما عمرو بن دينار البصري فضعيف .(1/141)
* كان حسان بن عطية قدريا ، وكان إذا صلى العصر يذكر الله تعالى في المسجد حتى تغيب الشمس (5/467).
* وكان أحمد بن حرب إذا جلس بين يدي الحجام ليحفي شاربه، يسبح، فيقول له الحجام: اسكت ساعة، فيقول: اعمل أنت عملك. وربما قطع من شفته وهو لا يعلم (11/33).
* وكان عامر بن عبد الله بن الزبير ربما انصرف من العتمة فيعرض له الدعاء فلا يزال يدعو إلى الفجر . (5/220).
مفهوم الذكر عند بعض السلف :
قال سعيد بن جبير: إن الخشية أن تخشى الله حتى تحول بينك وبين معصيته، فتلك الخشية، والذكر طاعة الله، فمن أطاع الله فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن (4/326).
من كره أن يسترقي :
قال سعيد بن جبير: لدغتني عقرب، فأقسمتْ عليّ أمي أن أسترقي، فأعطيت الراقي يدي التي لم تلدغ، وكرهت أن أحنثها (4/333).
من أحب صلاة الليل :
كان صفوان بن سليم (ت132هـ) يصلي في الشتاء في السطح وفي الصيف في بطن البيت يتيقظ بالحر والبرد حتى يصبح . ثم يقول : هذا الجهد من صفوان وأنت أعلم . وإنه لَتَرِمُّ رجلاه حتى يعود كالسقط من قيام الليل ويظهر فيه عروق خضر (5/365) .
من كرر سورة واحدة يتدبرها:
* قال رجل لابن المبارك : قرأت البارحة القرآن في ركعة ، فقال : لكني أعرف رجلا لم يزل البارحة يكرر (ألهاكم التكاثر) إلى الصبح ، ما قدر أن يتجاوزها - يعني نفسه (8/397).
* وكان محمد بن هبة الله بن ثابت البندنيجي (ت495هـ) يقرأ في كل أسبوع ستة آلاف مرة "قل هو الله أحد" ويعتمر في شهر رمضان ثلاثين عمرة، وهو ضرير يؤخذ بيده.(1)
من بكى عند التلاوة :
* كان عقبة من أحسن الناس صوتا بالقرآن ، فقال له عمر : اعرض علي ، فقرأ ، فبكى عمر (1/468).
* وكان ابن عمر إذا قرأ (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ..) بكى حتى يغلبه البكاء (3/214).
__________
(1) نكث الهميان، ص 277.(1/142)
* وروى هشام الدستوائي عن القاسم ابن أبي بزة أن ابن عمر قرأ فبلغ (يوم يقوم الناس لرب العالمين) فبكى حتى خر وامتنع من قراءة ما بعدها (3/236) .
* وعن ابن أبي مليكة قال: صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة فكان إذا نزل قام شطر الليل. فسأله أيوب: كيف كانت قراءته؟ قال: قرأ (وجاءت سكرة الموت بالحق..) فجعل يرتل ويكثر في ذلك النشيج (3/342).
* وقال محمد بن ناجية : صليت خلف الفضيل فقرأ: (الحاقة) في الصبح، فلما بلغ إلى قوله :(خذوه فغلوه) غلبه البكاء فسقط ابنه مغشيا عليه (8/444).
* ودخل عبد الله بن وهب الحمام فسمع قارئا يتلو (وإذ يتحاجون في النار..) فغشي عليه (9/227) وراجع (7/77 و 7/270).
* وقرأ رجل سورة الدخان عند يحيى القطان فصعق يحيى وغشي عليه (9/180).
* وكان ابن جبير يردد (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ..) بضعا وعشرين مرة في صلاة (4/324).
* وقرئ عنده قول الله تعالى :(إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين) فصعق أيضا (9/184).
* وقرئ عنده (إذا زلزلت الأرض زلزالها) فسقط مغشيا عليه (9/187).
* وقال ابن مهدي : كنت لا أستطيع سماع قراءة الثوري من كثرة بكائه (7/277).
* قال مسروق : قال لي رجل من أهل مكة : هذا مقام أخيك تميم الداري ، صلى ليلة حتى أصبح أو كاد يقرأ آية يرددها ويبكي :(أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ..) (2/445).
البكاء من خشية الله :
* وقال مالك: كنا ندخل على أيوب السختياني، فإذا ذكرنا حديث رسول الله ^ بكى حتى نرحمه (6/11).
* وكان هشام بن حسان إذا ذكر النبي ^ والجنة والنار بكى حتى تسيل دموعه على خديه (6/360).
* وكان في خدي أبي بكر ابن أبي مريم أثر من الدموع رحمة الله عليه (7/65).
* وكان الضحاك بن مزاحم إذا أمسى بكى، فيقال له في ذلك فيقول: لا أدري ما صعد اليوم من عملي (4/600).
من بكى في الخطبة والصلاة:(1/143)
* عن عبد الله بن الشخير - رضي الله عنه - قال : أتيت النبي ^ وهو يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء(1) (4/188).
* وقالت أم سعيد: كان بيننا وبين داود الطائي جدار قصير، فكنت أسمع حنينه عامة الليل، لا يهدأ، وربما ترنم في السَّحَر بالقرآن، فأرى أن جميع النعيم قد جُمع في ترنمه (7/424).
* وقال عباد بن منصور : خطبنا عدي بن أرطأة على منبر المدائن حتى بكى وأبكانا (5/53).
* وقال الأعمش : كان أبو صالح - السمان - مؤذنا ، فأبطأ الإمام فأمنا ، فكان لا يكاد يجيزها من الرقة والبكاء رحمه الله (5/37).
بكى شوقا إلى الصلاة :
لما احتضر عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بكى ، فقيل له فقال : أسفا على الصلاة والصوم ، ولم يزل يتلو حتى مات (5/12)
من تذكر الموت فبكى :
* كان صفوان بن سليم يقول : في الموت راحة للمؤمن من شدائد الدنيا، وإن كان في ذا غصص وكرب ، ثم ذرفت عيناه . وكان يجلس إلى القبر فلا يزال يبكي حتى يظن من رآه أنه بعض أهله (5/366-367).
* وبكى هشام الدستوائي حتى فسدت عينه، فكانت مفتوحة وهو لا يكاد يبصر بها. وكان إذا فقد السراج من بيته يتململ على فراشه، وذلك لتذكره ظلمة القبر (7/152).
* وقال يحيى ابن أبي بكير : قلت للحسن بن صالح : صف لنا غسل الميت ، فما قدر عليه من البكاء (7/368).
صفتان متناقضتان في الظاهر :
* وقرأ ثابت البناني (أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) وهو يصلي صلاة الليل ينتحب ويرددها . ومع ذلك فثابت يلبس الثياب الثمينة والطيالس والعمائم (5/225).
* وقال الحافظ ابن عمار: كنت إذا نظرت إلى يحيى القطان ظننت أنه لا يحسن شيئا بزي التجار، فإذا تكلم أنصت له الفقهاء (9/179).
لسعه زنبور ولم يقطع صلاته:
__________
(1) أخرجه الترمذي في الشمائل (351) ، وأحمد (4/25،26) ، وأبو داود (904) ، والنسائي 3/13 ، وإسناده قوي ، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم .(1/144)
كان الإمام البخاري يصلي ذات ليلة فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة، فلما قضى صلاته قال : انظروا أيش آذاني ؟ (12/441).
من لا يتهاون بالتكبيرة الأولى:
قال إبراهيم التيمي : إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يديك منه .
وكان هو إذا سجد كأنه جزم حائط ينزل على ظهره العصافير . ومع ذلك يقول : "ما عرضت قولي على عملي إلا خفت أن أكون مكذبا".
وهو الذي قال : ما بينكم وبين القوم ! أقبلت عليهم الدنيا فهربوا وأدبرت عنكم فاتبعتموها (5/61).
من حج ماشيا:
كان نافع بن جبير يحج ماشيا وناقته تقاد (4/542).
من أحرم بالحج قبل الميقات(1):
كان عبد الله بن عامر - رضي الله عنه - أميرا على نيسابور فقتل كسرى وفتح خراسان ومن أجل ذلك أحرم بالحج منها شكرا لله تعالى (3/19).
وكان الأسود بن يزيد التابعي ربما أحرم من جبّانة عزرم (4/51).
وأحرم ابن جبير من الكوفة بعمرة (4/325و336) ومثله في (5/12).
- - -
طرائف من أخبار الأذكياء والظرفاء
الفتح ابن خاقان :
دخل الخليفة المعتصم على الأمير خاقان فمازح ولده الفتح بن خاقان وهو صبي فقال : يا فتح ! أيما أحسن داري أو داركم ؟ فقال الفتح : دارنا إذا كنت فيها . فأعجب به ووهبه مائة ألف (12/83).
أبو العيناء الإخباري :
__________
(1) يعتبر فعل ذلك من المبالغة في التعبد، ولكن متابعة السنة أولى. فلم يثبت عن الرسول ^ أنه أحرم في غير الميقات. وأفتى بعض أهل العلم بجواز الإحرام قبل الميقات لمن خاف أن يجاوزه وهو لا يعلم كما هو الحال عند كثير من الحجاج الذين يذهبون إلى الحج عن طريق الطائرة، فيحرم هذا من بيته أو في المطار. أما أن يحرم قبل الميقات ليبالغ في التعبد فليس ذلك بمشروع. والعلم عند الله تعالى. راجع: الفقه الواضح للدكتور محمد بكر إسماعيل 1/587.(1/145)
قال الوزير أبو الصغر لأبي العيناء الإخباري : ما أخرك عنا ؟ قال : سرق حماري . قال : وكيف سرق ؟ قال : لم أك مع اللص فأخبرك . قال : فهلا جئت على غيره ؟ قال : أخرني عن السرى قلة يساري ، وكرهت ذلة المكاري ومنة العواري (13/309).
جاء ليسرق عندنا فسرقناه :
دخل لص على مالك بن دينار فما وجد ما يأخذ ، فناداه مالك : لم تجد شيئا من الدنيا فترغب في شيء من الآخرة ؟ قال : نعم . قال: توضأ ، وصل ركعتين ، ففعل ثم جلس وخرج إلى المسجد فسئل من ذا ؟ قال : جاء ليسرق فسرقناه (5/363) .
كلمات في الطلب :
* آخى النبي ^ بين بلال وأبي رويحة ، فأتيا في زمن عمر إلى قوم من خولان فقالا : إنا قد أتيناكم خاطبين ، وقد كنا كافرين فهدانا الله ، ومملوكين فأعتقنا الله ، وفقيرين فأغنانا الله ، فإن تزوجونا فالحمد لله ، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله . فزوجوهما (1/358).
* وقال ابن السكيت : كتب رجل إلى صديق له : قد عرضتُ حاجةً إليك ، فإن نجحتْ فالفاني منها حظي ، والباقي حظك . وإن تعذرتْ فالخير مظنون بك ، والعذر مقدم لك، والسلام . (12/18) .
* ودخل ابن السمّاك على رئيس في شفاغة لفقير فقال : إني أتيتك في حاجة ، والطالب والمعطي عزيزان إن قُضِيَتْ الحاجة ، ذليلان إن لم تقض ، فاختر لنفسك عز البذل عن ذل المنع ، وعز النجح على ذل الرد (8/329).
توقيع:
* عزل الإمام الناصر لدين الله عاملا له يُدعى ابن زيادة عن عمل كان يتولاه، ولم يبين له سبب عزله، فرفع إليه شعرا منه هذا البيت:
هب أن ذلك عن رضاك فمن ترى * يدري مع الإعراض أنك راض
فوقّع له على رقعته : "الاختيار صرّفك، والاختبار صَرَفَك، وما عزلناك لخيانة ولا جناية، ولكن للملك أسرار، لا تطلع عليها العامة، ولتعلمن نبأه بعد حين"(1).
__________
(1) نكث الهميان، ص 95.(1/146)
* وكتب بعض السلاطين في حاجة إلى الإمام البخاري، ودعا له دعاء كثيرا، فكتب إليه البخاري: "أما بعد، وصل إلي كتابك وفهمته، وفي بيته يؤتى الحكم. والسلام" (12/406).
من طرائف أبي العيناء:
قال ابن مكرم لأبي العيناء يوما: أحسبك لا تصوم شهر رمضان، فقال له أبو العيناء: ويلك، وتدعني امرأتك أصوم؟(1)
وقال له ابن مكرم: مذهبي الجمع بين الصلاتين. فقال له: صدقت، تجمع بينهما بالترك.(2)
وقيل له: ما تقول في ابن مكرم والعباس بن رستم؟ فقال: هما الخمر والميسر، وإثمهما أكبر من نفعهما.(3)
وليقه رجل في السحر، فقال متعجبا: أبا عبد الله أتبكر في مثل هذا الوقت؟ فقال أبو العيناء: أتشاركني في الفعل وتنفرد بالتعجب؟(4)
وقال له رجل: يا مخنث! فقال: (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه).(5)
ومر يوما على دار عدو له، فقال: ما خبر أبي محمد؟ قالوا: كما تحب. قال: فما لي لا أسمع الرنّة والصياح؟(6)
ومن طرائف الأعمش:
سأل أبو داود الحائكُ الأعمش: ما تقول يا أبا محمد في الصلاة خلف الحائك؟ فقال الأعمش: لا بأس بها على غير وضوء ! قال: وما تقول في شهادته ؟ قال: يقبل مع عدلين (6/234).
وأرسل الأمير عيسى بن موسى إلى الأعمش بألف درهم وصحيفة ليكتب له فيها حديثا، فكتب فيها : بسم الله الرحمن الرحيم وقل هو الله أحد، ووجه بها إليه. فبعث الأمير إليه يقول: يا ابن الفاعلة ! ظننت أني لا أحسن كتاب الله؟ فبعث إليه: أظننت أني أبيع الحديث؟ (6/236-237).
أردت شينا فصار زينا:
قال رجل للدارمي : ما ذا أنت لو لا العلم ؟ فقال الدارمي: أردت شينا فصار زينا . (13/324) .
من قُذف في النوم :
قال رجل لعكرمة : فلان قذفني في النوم . فقال : اضرب على ظله ثمانين (5/19).
من يأخذ عطاءه على قدر علمه :
__________
(1) المصدر السابق، ص 268.
(2) المصدر السابق، ص 267.
(3) المصدر السابق، ص 267.
(4) المصدر السابق، ص 269.
(5) المصدر السابق، ص 269.
(6) المصدر السابق، ص 269.(1/147)
سئل إبراهيم بن طهمان مرة في مجلس الخليفة فقال: لا أدري. فقالوا له: تأخذ في كل شهر كذا وكذا، ولا تحسن مسألة؟ فقال: إنما آخذ على ما أحسن، ولو أخذت على ما لا أحسن لفني بيت المال. فأعجب أمير المؤمنين جوابه وأمر له بجائزة فاخرة، وزاد في جرايته - راتبه (7/382).
حيلة من ذكي:
* حلف رجل عند شريك فقال : عليه كذا وكذا إن لم يكن شريك حدثه بكذا . فقال شريك : وأنا علي مثلُ الذي عليه - يعني من الثياب - إن كنت حدثته به . (8/215).
* وغزا سعيد بن العاص طبرستان، فحاصرهم، فسألوه الأمان على أن لا يقتل منهم رجلا واحدا، فقتلهم كلهم إلا رجلا واحدا يعني نفسه.(1)
* ولما استعمل عمر المغيرة بن شعبة على البحرين كرهوه فعزله، فخافوا أن يرده، فقال دهقانهم: إن فعلتم ما آمركم لم يرده علينا. قالوا: مرنا. قال: تجمعون مائة ألف حتى أذهب بها إلى عمر فأقول إن المغيرة اختان هذا فدفعه إلي. فجمعوا له مائة ألف، وأتى عمر، فقال ذلك. فدعا المغيرة وسأله، فقال: كذب أصلحك الله، إنما كانت مائتي ألف، قال: فما حملك على هذا؟ قال: العيال والحاجة. فقال عمر للعلج: ما تقول؟ قال: لا والله، لأصدقنك. ما دفع إلي قليلا ولا كثيرا. فقال عمر للمغيرة: ما أردت إلى هذا؟ قال: الخبيث كذب علي، فأحببت أن أخزيه (3/26-27).
سرعة البديهة:
* قدم وكيع مكة - وكان سمينا - فقال له الفضيل : ما هذا السمن يا وكيع وأنت راهب العراق ؟ فقال : هذا من فرحي بالإسلام . فأفحمه . (9/156) .
* ويقال: إن رجلا أعمى تزوج امرأة قبيحة، فقالت له: رزقت أحسن الناس وأنت لا تدري. فقال لها: يا بظراء! أين كان البصراء عنك قبلي؟.(2)
__________
(1) تاريخ الإسلام (3/329).
(2) نكث الهميان، ص 67.(1/148)
* وقعد همّام بن منبه إلى ابن الزبير - وكان بنجران رجل يعظمونه يقال له حنش لم يكن له لحية - فقال له رجل من قريش : من أنت ؟ قال: من أهل اليمن . قال : ما فعلت عجوزكم - يعني حنشا ؟ قال همام: عجوزنا أسلمت مع سليمان لله رب العالمين وعجوزكم حمالة الحطب، فَبُهِتَ القرشي . فقال ابن الزبير : أما تدري من كلمت ؟ لم تعرضت لابن منبِّه ؟ (5/313) .
من لم ينتهز الفُرَص ضاعت عليه:
أَسر عيينة بن حصن يوم هوازن امرأة عجوزا، فالتمس الفداء، فجاء ابنها فبذل فيها مائة من الإبل، فتقاعد عيينة يريد المزيد، ثم غاب عنه، ونزّله إلى خمسين، فامتنع، ثم لم يزل به إلى أن أعطاه عشرة من الإبل، فغضب عيينة وامتنع، ثم جاءه وقال: يا عم أطلقها وأشكرك، قال: لا حاجة لي بمدحك. ثم قال عيينة: ما رأيت كاليوم أمرا أنكد، وأقبل يلوم نفسه، فقال الفتى: أنت صنعت هذا، عمدت إلى عجوز والله ما ثديها بناهد، ولا بطنها بوالد، ولا فوها ببارد، ولا صاحبها بواجد فأخذتها من بين من ترى. فقال: خذها لا بارك الله لك فيها. قال الفتى: إن رسول الله ^ قد كسا السبي فأخطأها من بينهم الكسوة، فهلا كسوتها؟ قال: لا والله. فما فارقه الفتى حتى أخذ منه سمل ثوب، ثم ولى وهو يقول: إنك لغير بصير بالفرص.
وأعطى رسول الله ^ عيينة من الغنائم مائة من الإبل. (1)
اتق لسان الشعراء:
مدح ربيعةُ بن ثابت الأسدي الرقي العباسَ بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بأبيات من أجمل الشعر، منها:
لو قيل للعباس يا ابن محمد * قل لا وأنت مخلد ما قالها
ما إن أَعُدّ من المكارم خصلة * إلا وجدتك عمها أو خالها
وإذا الملوك تسايروا في بلدة * كانوا كواكبها وكنت هلالها
إن المكارم لم تزل معقولة * حتى حللت براحتيك عقالها
فأرسل إليه العباس بدينارين، فقال:
مدحتك مدحة السيف المحلى * لتجري في الكرام كما جريتُ
فهبها مدحة ذهبت ضياعا * كذبت عليك فيها وافتريتُ
__________
(1) تاريخ الإسلام (3/350).(1/149)
فأنت المرء ليس له وفاء * كأني إذ مدحتك قد رثيتُ
فلما وقف عليها العباس غضب وتوجه إلى الرشيد وكان عظيما. فقال: إن ربيعة الرقي قد هجاني، فأحضره الرشيد وهمّ بقتله، فقال: يا أمير المؤمنين مره بإحضار القصيدة فأحضرها. فلما رآها استحسنها وقال: والله ما قال أحد في الخلفاء مثلها، فكم أثابك؟ قال: دينارين. فغضب الرشيد على العباس وقال: يا غلام: أعط ربيعة ثلاثين ألف درهم وخلعة واحمله على بغلة. وقال له: بحياتي لا تذكره في شعرك لا تعريضا ولا تصريحا. وكان الرشيد قد هم بأن يزوج العباس ابنته ففتر عنه بعد ذلك.(1)
* امتدح عبد الله بن الزَّبير الأسدي معاوية، ثم قدم على ابن الزبير فلم يعطه شيئا، فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك. فقال: إن وراكبها (3/383).
* ومن شعر أبي الفتح التعاويذي (ت584هـ):
ولقد مدحتكم على جهل بكم * وظننت فيكم للصنيعة موضعا
ورجعت بعد الاختبار أذمكم * فأضعت في الحالين عمري أجمعا(2)
من طرائف أبي نعيم :
دق رجل على أبي نعيم الباب ، فقال : من ذا ؟ قال : أنا . قال : من أنا ؟ قال : رجل من ولد آدم . فخرج إليه أبو نعيم وقبله وقال : مرحبا وأهلا ، ما ظننت أنه بقي من هذا النسل أحد ! (10/154) .
يحتجون علينا بالطيور !
ذكر أبو زرعة في سؤالات البرذعي أن رجلا من أهل الرأي بخراسان ناظر إسحاق بن راهويه فذكر إسحاق قول طاووس فضحك الرجل وقال : يحتجون علينا بالطيور! .
الشريف علي الرضى :
قال الخليفة المأمون لعلي الرضا : ما يقول بنو أبيك في جدنا العباس ؟ فقال : ما يقولون في رجل فرض الله طاعة نبيه على خلقه ، وفرض طاعته على نبيه ؟ فأمر له المأمون بألف ألف درهم .
قال الذهبي : وهذا يوهم في البديهة أن الضمير في طاعته للعباس وإنما هو لله. (9/391) .
كم سن هشام ؟ :
__________
(1) نكث الهميان، ص 151-152.
(2) نكث الهميان، ص 263.(1/150)
قال المبرد : قال رجل لهشام الفوطي المعتزلي : كم تعد من السنين ؟ قال : من واحد إلى ألف . قال : لم أرد هذا . كم لك من السن ؟ قال : اثنان وثلاثون. قال: كم لك من السنين ؟ قال : ما هي لي ، كلها لله . قال : فما سنك ؟ قال: عظم . قال : فابن كم أنت ؟ قال: ابن أم وأب . قال : فكم أتى عليك ؟ قال: لو أتى علي شيء لقتلني . قال : ويحك ! فكيف أقول ؟ قال : قل : كم مضى عليك من عمرك ؟ (10/547).
عمر بن ذر القدري:
سأل بعض الخلفاء عمر بن ذر عن القدر . فقال له عمر : ههنا ما يشغل عن القدر ! قال : ما هو ؟ قال : ليلة صبيحتها يوم القيامة . فبكيا جميعا . (6/389) .
عامر بن شراحيل الشعبي :
قال له رجل : ما اسم امرأة إبليس ؟ فقال : ذاك عرس ما شهدته .
ووجده رجل مع زوجته فقال له : أيكما الشعبي ؟ فقال : هذه .
قصة الباهلي مع المنصور :
كان الإمام أبوبكر الباهلي صاحبا للمنصور أبي جعفر قبل أن يلي الخلافة ، فلما ولي ، قدم إليه مهنئا ، فقال المنصور : أعطوه ألف دينار ، وقولوا له : لا تعد ، فأخذها ، ثم عاد إليه من قابل ، فحجبوه، ثم دخل إليه في المجلس العام ، فقال : ما جاء بك ؟ قال : سمعت أنك مريض فجئت أعودك . فقال: أعطوه ألف دينار ، قد قضيت حق العيادة، فلا تعد فإني قليل الأمراض . فعاد من قابل ، ودخل في مجلس عام، فقال له : ما جاء بك ؟ قال: دعاء سمعته منك، جئت لأحفظه منك. قال: يا هذا إنه غير مستجاب، إني في كل سنة أدعو به أن لا تأتيني، وأنت تأتيني (9/442).
من نُكَت العميان(1)
أحفظ من العميان:
* قيل لقتادة وهو أكمه - ولد أعمى - : ما بال العميان أذكى وأكيس من البصراء ؟ فقال : لأن أبصارهم تحولت إلى قلوبهم .
__________
(1) هذا الفصل من فوائد نكث الهميان في نُكَت العميان لصلاح الدين ابن أيبك الصفدي كما أشرت إليه في المقدمة.(1/151)
قال الصفدي: قلّ أن وجد أعمى بليدا، ولا يرى أعمى إلا وهوذكي.. والسبب الذي أراه في ذلك أن ذهن الأعمى وفكره يجتمع عليه، ولا يعود متشعبا بما يراه، ونحن نرى الإنسان إذا أراد أن يتذكر شيئا نسيه أغمض عينيه وفكر، فيقع على ما شرد من حافظته. وفي المثل: أحفظ من العميان. أورده الميداني في أمثاله.(1)
* وفي ترجمة أحمد بن إبراهيم البهنسي القمني الفقيه الأعمى (620هـ - 686هـ): أنه كان يحفظ السطور الكثيرة والأبيات مِن سمعة واحدة، ويقعد يوم الجمعة تحت الخطيب فيحفظ من إنشاء الخطيب في مرة واحدة، ويمليها بعد ذلك.(2)
* وقد أنشد علي بن عبد الغني الحصري لنفسه(3):
وقالوا قد عميتَ فقلت: كلا * وإني اليوم أبصر من بصير
سواد العين زاد سواد قلبي * ليجتمعا على فهم الأمور
بركة دعوة الرسول ^ والصالحين من أمته لبعض العميان:
* عن عمر بن عبد العزيز عمن حدثه أن حبيب بن فورك خرج به أبوه إلى رسول الله ^ وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئا، فسأله رسول الله ^ عما أصابه، فقال: إني كنت أمون جملا لي فوضعت رجلي على بيض حية فابيضت عيناي. فنفث رسول الله ^ في عينيه فأبصر. فلقد رأيته يدخل الخيط في الإبرة وهو ابن ثمانين.(4)
__________
(1) نكث الهميان، ص 83.
(2) المصدر السابق، ص 91.
(3) المصدر السايق، ص76.
(4) نكث الهميان، ص 37.(1/152)
* وعن قتادة بن النعمان - رضي الله عنه - قال: أهدي إلى رسول الله ^ قوس، فدفعها رسول الله ^ إليّ يوم أحد، فرميت بها بين يدي رسول الله ^ حتى اندقت عن سيتها، ولم أَزُل عن مقامي نصب وجه رسول الله ^ ألقى السهام، وكلما مال سهم منها إلى وجه رسول الله ^ بلا رمس أرميه، فكان آخرها سهما ندرت منه حدقتي على خدي. وافترق الجمع فأخذت حدقتي بكفي فسعيت بها في كفي إلى رسول الله ^، فلما رآها رسول الله ^ في كفي دمعت عيناه، فقال: اللهم إن قتادة فدى وجه نبيك بوجهه، فاجعلها أحسن عينيه وأحدَّهما نظرا.(1)
* قال ابن وهب : مر ابن المبارك برجل أعمى ، فقال له : أسألك أن تدعو لي أن يرد الله علي بصري ، فدعا الله فرد عليه بصره وأنا أنظر (8/395).
شكاوى العميان:
كتب مبارك أخو سفيان الثوري إليه يشكو ذهاب بصره، فكتب إليه سفيان: أما بعد، فقد فهمت كتابك، فيه شكاية ربك. فاذكر الموت يهن عليك ذهاب بصرك. والسلام.(2)
وقال ناصر الدين شافع الضرير(3):
أضحى وجودي برغمي في الورى عدما * إذ ليس لي فيهم ورد ولا صدر
عدمت عيني وما لي فيهم أثر * فهل وجود ولا عين ولا أثر ؟
* ووقع أبوبكر ابن العلاف الأعمى في حفرة فقال(4):
قالت كأنك في الوتى فقلت لها * قد مات من ذهبت والله عيناه
عيناي كفاي لا طرف ألذ به * وكيف يفرح من عيناه كفاه ؟
* وقال ابن التعاويذي:
فها أنا كالمقبور في كسر منزلي * سواء صباحي عنده ومسائي
يرق ويبكي حاسدي لي رحمة * وبُعدا لها من رقة وبكاء(5)
من تفاءل بالعمى:
__________
(1) المصدر السابق، ص 37-38. وقد اشتهرت القصة الثانية حتى قال الخرنق الأوسي من ذرية قتادة:
ومنا الذي سالت على الخد عينه * فردت بكف المصطفى أحسن الرد
فعادت كما كانت لأحسن حالها * فيا طيب ما عين ويا طيب ما يد
(2) المصدر السابق، ص 40.
(3) المصدر السايق، ص 76.
(4) المصدر السايق، ص76.
(5) المصدر السابق، ص 78.(1/153)
* قال رجل للقاسم بن محمد - وقد ذهب بصره - : لقد سُلبت أحسن وجهك. قال: صدقت، غير أني منعت النظر إلى ما يلهي، وعُوِّضْتُ الفكرة في العمل فيما يجدي.(1)
* وأنشد الجاحظ لابن عباس:
إن يأخذ الله من عيني نورهما * ففي لساني وسمعي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل * وفي فمي صارم كالسيف مأثور(2)
* وقد أخذ هذا المعنى الخريمي فقال:
فإن يك عيني خبا نورها * فكم قبلها نور عين خبا
فلم يعم قلبي ولكنما * أرى نور عيني لقلبي سعى
والمعري فقال:
سواد العين زاد سواد قلبي * ليتفقا على فهم الأمور(3)
وقال أبو علي البصير - أعمى -(4):
لئن كان يهديني الغلام لوجهتي * ويقتادني في السير إذ أنا راكب
فقد يستضيء القوم بي في أمورهم * ويخبو ضياء العين والرأي ثاقب
من فخر العميان:
* قال اليمان ابن أبي اليمان البندنيجي:
أنا اليمان ابن أبي اليمان * أسعد من أبصرت في العميان
إذا تلقني تلق عظيم الشان * تلاقني أبلغ من سحبان
في العلم والحكمة والبيان(5)
* وقال أبو علي البصير - أعمى -(6):
إذا ما غدت طلابة العلم ما لها * من العلم إلا ما يخلد في الكتب
غدوت بتشمير وجد عليهم * ومحبرتي سمعي ودفترها قلبي
* وقال عز الدين أحمد بن عبد الدائم(7):
إن يذهب الله من عيني نورهما * فإن قلبي بصير ما به ضرر
أرى بقلبي دنياي وآخرتي * والقلب يدرك ما لا يدرك البصر
تمنى العمى فأصبح أعمى!
قال المؤمل بن أُميل المحاربي الكوفي (ت190هـ) في امرأة من أهل الحيرة يهواها من أهل الحيرة:
شفّ المؤملَ يوم الحيرة النظر * ليت المؤملَ لم يُخلق له بصر
فيقال إنه بات تلك الليلة فرأى رجلا في المنام أدخل أصبعيه في عينيه، وقال: هذا ما تمنيت. فأصبح أعمى.
ومن هذه القصيدة:
__________
(1) المصدر السابق، ص 39.
(2) المصدر السايق، ص 71.
(3) المصدر السابق، ص 72.
(4) المصدر السايق، ص 76-77.
(5) المصدر السابق، ص 313.
(6) المصدر السايق، ص77.
(7) المصدر السايق، ص77.(1/154)
يكفي المحبين في الدنيا عذابهم * والله لا عذبتهم بعدها سقر(1)
ومن نوادر العميان:
قال الإمام الشافعي - رضي الله عنه -: رأيت باليمن أعميين يتقاتلان، وأبكم يصلح بينهما.(2)
أعرق الناس في العمى:
قيل إن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي أعرق الناس في العمى، لأنه أعمى ابن أعمى ابن أعمى ابن أعمى ابن أعمى، وقعت ريشة في عينه فعمي منها.(3)
وقيل إن العمى شائع في بني عوف، إذا أسن الرجل منهم عمي، وقلّ من يفلت عن ذلك. ولذلك قال أرطاة بن سهية يهجو شبيب بن البرصاء، من جملة أبيات:
فلو كنت عوفيا عميت وأسهلت * كذاك ولكن المريب مريب
فقيل إن أرطاة لما قال هذا الهجو كان كل شيخ من بني عوف يتمنى أن يعمى. ثم إن أرطاة عُمِّر ولم يعم - وهو عوفي - فكان شبيب يعيره بذلك. ثم مات شبيب وعمي أرطاة، فكان يقول: ليت شبيبا عاش فرآني أعمى.(4)
ويقال: إن جد أبي العيناء الأكبر لقي علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فأساء مخاطبته، فدعا عليه وعلى ولده بالعمى. فكل من كان منهم أعمى فهو صحيح النسب.(5)
ومن أغرب أخبار العميان:
ذكر الإمام فخر الدين رحمه الله تعالى في كتاب "أسرار التنزيل" عندما ذكر الفتوة أن رجلا تزوج امرأة، وقبل الدخول بها ظهر بالمرأة جُدَري أذهب عينها. فقال الرجل: ظهر في عيني نوع ضعف وظلمة، ثم قال: عميت. فزُفت إليه المرأة. ثم إنها ماتت بعد عشرين سنة، ففتح الرجل عينيه، فقيل له في ذلك، فقال: ما عميت، ولكن تعاميت حذرا أن تحزن المرأة. فقيل له سبقت الفتيان.(6)
ومن شعر العميان:
ومن شعر علي بن عبد الغني الكفيف الحصري:
قالت وهبتك مهجتي فخذي * ودع الفراش ونم على فخذي
وثنت على مثل الكثيب يدي * فأجبتها نعم الأريكة ذي
__________
(1) المصدر السابق، ص299.
(2) المصدر السابق، ص 68.
(3) نكث الهميان، ص194.
(4) المصدر السابق، ص 69.
(5) المصدر السابق، ص 70.
(6) المصدر السابق، ص 40.(1/155)
وهممت لكن قال لي أدبي * بالله من شيطانك استعذ
قالت: عففتَ، فعفت قلت لها* مذ شبت باللذات لم ألذ
قال علي بن ظافر: وهذا الشعر مما يعرف أنه من أشعار العميان من غير أن يذكر قائله.
قال الصفدي: وقد امتحنت بذلك جماعة من الأدباء، فقلت: بأي شيء يُستدل من هذه الأبيات على أن هذا شعر أعمى؟ فلم يتفطن أحد منهم لما فطن له علي بن ظافر رحمه الله.
وقال: يستدل به على أنه شعر أعمى قوله: "نم على فخذي"، "وثنت على مثل الكثيب يدي". لأنه لم يهتد إلى أن ينام على فخذها حتى أخذت بيده ووضعتها على فخذها. ألا ترى أنه لما لمسها قال: "نعم الأريكة ذي" ولم يشكرها قبل لمسها. وهذه نكتة أدبية(1).
- - -
وصايا ونصائح وحِكَم ومواعظ
* وعظ أبوبكر بن المقرئ مرة فمات في المجلس من تذكيره أربعة أنفس (11/16).
* وقيل لمحمد بن واسع : كيف أصبحت ؟ قال : قريبا أجلي، بعيدا أملي ، سيئا عملي .
* وقال أحمد بن خضرويه : القلوب جوالة ، فإما أن تجول حول العرش، أو تجول حول الحش (11/488) .
* نصيحة ابن السمّاك: الدنيا كلها قليل، والذي بقي منها قليل، والذي لك من الباقي قليل، ولم يبق من قليلك إلا قليل، وقد أصبحت في دار العزاء، وغدا تصير إلى دار الجزاء، فاشتر نفسك لعلك تنجو (8/330).
* وكتب رجل إلى ابن عمر أن اكتب إلي بالعلم كله. فكتب إليه ابن عمر: إن العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كاف اللسان عن أعراضهم، لازما لأمر جماعتهم فافعل (3/222).
* وقال عمرو بن العاص - رضي الله عنه - : ليس العاقل من يعرف الخير من الشر ، ولكن هو الذي يعرف خير الشرين (3/74) .
* وقال الأحنف بن قيس : من أسرع إلى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون (4/93).
* وسئل: ما المروءة ؟ فقال : كتمان السر والبعد من الشر (4/93).
* ومن كلام سهل بن عبد الله التستري:
__________
(1) المصدر السايق، ص73-74.(1/156)
"الجاهل ميت، والناسي نائم، والعاصي سكران، والمصرّ هالك".
"لا معين إلا الله، ولا دليل إلا رسول الله، ولا زاد إلا التقوى، ولا عمل إلا الصبر عليه".
"من تكلم فيما لا يعنيه حُرم الصدق، ومن اشتغل بالفضول حُرم الورع، ومن ظن ظن السوء حُرم اليقين، ومن حرم هذه الثلاثة هلك". (13/332).
* وقال الشافعي: إذا تكلمت فيما لا يعنيك ملكتك الكلمة ولم تملكها (10/98).
* ومن قول بديع الزمان الهمذاني (ت 398هـ): "الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه، وإذا سكن متنه تحرك نتنه، وكذا الضيف يسمج لقاؤه إذا طال ثواؤه، ويثقل ظله إذا انتهى محله" (17/68 حاشية).
* ومن كلام الأديب أبي عمر ابن الجسور (401هـ): " من أصلح فاسده أرغم حاسده" "من أطاع غضبه أضاع أدبه" "مِن سعادة جدك وقوفك عند حدك" "إذا بقي ما قاتك فلا تأس على ما فاتك" (17/148 حاشية).
* ومن كلام الموفق أبي محمد الموصلي (ت 629هـ): من لم يحتمل ألم التعلم لم يذق لذة العلم، ومن يكدح لم يفلح. إذا خلوت من التعلم والتفكر فحرك لسانك بالذكر وخاصة عند النوم، وإذا حدث لك فرح بالدنيا فاذكر الموت وسرعة الزوال وكثرة المنغصات، إذا حزبك أمر فاسترجع، وإذا اعترتك غفلة فاستغفر (22/322).
* وقال ميمون بن مهران: من أساء سرا فليتب سرا، ومن أساء علانية فليتب علانية، فإن الناس يعيرون ولا يغفرون، والله يغفر ولا يعير (5/75).
* وقال ابن المبارك : ليكن مجلسك مع المساكين ، وإياك أن تجلس مع صاحب بدعة (8/399) .
* قال عبدة ابن أبي لبابة (ت127هـ) : إذا رأيت الرجل لجوجا مماريا معجبا برأيه فقد تمت خسارته .
* ونظر الفضيل إلى رجل يشكو إلى رجل ، فقال : يا هذا تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك (8/439) .
* وقال أبو زرعة : أملى علي أحمد بن عاصم الحكيم : الناس ثلاث طبقات:
1.مطبوع غالب : وهم المؤمنون ، فإذا غفلوا ذكروا .
2.ومطبوع مغلوب ، فإذا بُصروا أبصروا ورجعوا بقوة العقل .(1/157)
3.ومطبوع مغلوب غير ذي طباع . ولا سبيل إلى رد هذا بالمواعظ .
قال الذهبي : فما الظن إذا كان واعظ الناس من هذا الضرب ، عبد بطنه وشهوته ، وله قلب عري من الحزن والخوف . فإن انضاف إلى ذلك فسق مكين أو انحلال من الدين فقد خاب وخسر ، ولا بد من أن يفضحه الله تعالى (11/410) .
* وقال زين العابدين : سلاح اللئام قبح الكلام (4/408) .
* وقال علي بن موسى الرضى : إذا أقبلت الدنيا على إنسان أعطته محاسن غيره ، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه (9/388) .
* وقال وهب بن منبه : المؤمن ينظر ليعلم ، ويتكلم ليفهم ، ويسكت ليسلم، ويخلو ليغنم (4/549) .
* وقال أيضا :العلم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والعقل دليله ، والعمل قيمه ، والصبر أمير جنوده ، والرفق أبوه ، واللين أخوه (4/549).
* وقال أبو داود: خير الكلام ما دخل الأُذن بغير إذن (13/216).
* وقال الشافعي: من نمّ لك نمّ عليك .
* وقال أيضا: أرفع الناس قدرا من لا يرى قدره.
* وقال: التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم اللئام. التواضع يورث المحبة، والقناعة تورث الراحة (10/99).
* وقال الأوزاعي : إن المؤمن يقول قليلا ويعمل كثيرا ، وإن المنافق يتكلم كثيرا ويعمل قليلا (7/125).
* وقال طاووس : لا يتم نسك الشاب حتى يتزوج (5/47).
* وقال أيضا : الإيمان عريان ، ولباسه التقوى ، وزينته الحياء، وماله الفقه (4/550).
* وقال الشافعي: سياسة الناس أشد من سياسة الدواب.
* وقال أيضا: العاقل من عقله عقله عن كل مذموم (10/98).
* وقال جعفر بن محمد الصادق: إذا بلغك عن أخيك ما يسوؤك فلا تغتم، فإنه إن كان كما يقول كانت عقوبة عجلت، وإن كان على خلاف ما يقول كانت حسنة لم تعملها (6/264).
* وقال الحارث المحاسبي: ترك الدنيا مع ذكرها صفة الزاهدين، وتركها مع نسيانها صفة العارفين (12/111).(1/158)
* وقال إبراهيم بن أدهم : كل ملك لا يكون عادلا فهو واللص سواء، وكل عالم لا يكون تقيا فهو والذئب سواء، وكل من ذل لغير الله فهو والكلب سواء (7/392) .
* وقال الفراهيدي : لا يعرف الرجل خطأ معلمه حتى يجالس غيره (7/341).
* وقال معروف : إذا أراد الله بعبد شرا أغلق عنه باب العمل وفتح عليه باب الجدل (9/340) .
خير ما أعطي الإنسان :
* قال حبيب الجلاب: سألت ابن المبارك: ما خير ما أعطي الإنسان؟ قال: غزيرة عقل. قلت: فإن لم يكن ؟ قال: حسن أدب. قلت: فإن لم يكن؟ قال: أخ شفيق يستشيره. قلت: فإن لم يكن؟ قال: صمت طويل. قلت: فإن لم يكن؟ قال: موت عاجل (8/397).
* وقال الشافعي: أنفع الذخائر التقوى، وأضرها العدوان (10/98).
* وقال أيضا: لا زاد أفضل من التقوى ، ولا شيء أحسن من الصمت ، ولا عدو أضر من الجهل ، ولا أدوأ من الكذب (6/263).
خطبة شداد بن أوس :
خطب شداد بن أوس - رضي الله عنه - فقال : أيها الناس ! إن الدنيا أجل حاضر ، يأكل منها البر والفاجر ، وإن الآخرة أجل مستأخر ، يحكم فيها ملك قادر . ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة ، وإن الشر كله بحذافيره في النار (1/466).
وصية فضالة:
قال ابن محيريز: قلت لفضالة بن عبيد: أوصني. قال: خصال ينفعك الله بهن، إن استطعت أن تَعرف ولا تُعرف فافعل، وإن استطعت أن تسمع ولا تكلم فافعل، وإن استطعت أن تجلس ولا يُجلس إليك فافعل (3/116).
وصية ابن سينا(1):
__________
(1) الفيلسوف الشهير، صاحب التصانيف في الطب والفلسفة والمنطق. توفي سنة 370هـ. قال ابن خلكان: اغتسل وتاب، وتصدق بما معه على الفقراء، ورد المظالم، وأعتق مماليكه، وجعل يختم القرآن في كل ثلاث. قال الذهبي: هو رأس الفلسفة الإسلامية، لم يأت بعد الفارابي مثله، فالحمد لله على الإسلام والسنة. السير: 17/533-535.(1/159)
..أفضل الحركات الصلاة، وأمثل السكنات الصيام، وأنفع البر الصدقة، وأزكى السر الاحتمال، وأبطل السعي الرياء. ولن تخلص النفس عن الدون ما التفتت إلى قيل وقال وجدال. وخير العمل ما صدر عن خالص نية، وخير النية ما انفرج عن علم، ومعرفة الله أول الأوائل، إليه يصعد الكلم الطيب (17/535).
من لا يرجى نفعه:
قال الفضل بن محمد بن علي القصباني(ت 444هـ):
في الناس من لا يرتجى نفعه * إلا إذا مُس بإضرار
كالعود لا يطمع في ريحه * إلا إذا أحرق بالنار(1)
بئس الرفيقان :
وقال الحسن البصري : بئس الرفيقان الدرهم والدينار ، لا ينفعانك حتى يفارقانك (4/576) .
الناس ثلاثة :
وقال المأمون : الناس ثلاثة : رجل منهم كمثل الغذاء لا بد منه ، ومنهم كالدواء يحتاج إليه في حال المرض ، ومنهم كالداء مكروه على كل حال (10/282) .
وقال جعفر الصادق : لا يتم المعروف إلا بثلاثة : بتعجيله ، وتصغيره، وستره (6/263) .
ثلاثة لا تقربها:
قال ميمون بن مهران: ثلاث لا تبلون نفسك بهن: لا تدخل على السلطان وإن قلت آمره بطاعة الله، ولا تصغين بسمعك إلى هوى فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه، ولا تدخل على امرأة ولو قلتَ أعلمها القرآن (5/77).
تعاهد نفسك في ثلاث:
قال حاتم الأصم: تعاهد نفسك في ثلاث: إذا عملت فاذكر نظر الله إليك، وإذا تكلمت فاذكر سمع الله منك، وإذا سكت فاذكر علم الله فيك (11/485).
ثلاثة هي للبر والفاجر:
قال ميمون بن مهران: ثلاثة تؤدى إلى البر والفاجر: الأمانة، والعهد، وصلة الرحم (5/74).
الخلق أربعة :
قال أبوبكر بن عياش : الخلق أربعة : معذور ومخبور ومجبور ومثبور . فالمعذور البهائم والمخبور: ابن آدم ، والمجبور: الملَك، والمثبور: الجن (8/501).
وخصال التوكل أربعة:
__________
(1) نكث الهميان، ص227.(1/160)
قيل لحاتم الأصم: على ما بنيت أمرك في التوكل ؟ قال: على خصال أربعة: علمت أن رزقي لا يأكله غيري، فاطمأنت به نفسي. وعلمت أن عملي لا يعمله غيري، فأنا مشغول به. وعلمت أن الموت يأتي بغتة، فأنا أبادره. وعلمت أني لا أخلو من عين الله، فأنا مستحي منه (11/485).
والاستقامة في أربعة:
قال حاتم الأصم: من أصبح مستقيما في أربع فهو بخير: التفقه، ثم التوكل، ثم الإخلاص، ثم المعرفة (11/485).
ولا يكمل الرجل إلا بأربع:
قال الشافعي: لا يكمل الرجل إلا بأربع: بالديانة، والأمانة، والصيانة والرزانة (10/98).
وللمروءة أركان أربعة:
وقال الشافعي: للمروءة أركان أربعة: حسن الخلق، والسخاء، والتواضع، والنسك (10/98).
صلاح خمسة في خمسة :
قال الحكيم الترمذي : صلاح خمسة في خمسة : صلاح الصبي في المكتب ، وصلاح الفتى في العلم ، وصلاح الكهل في المسجد ، وصلاح المرأة في البيت، وصلاح المؤذي في السجن.
وقال : كفى بالمرء عيبا أن يسره ما يضره (13/441).
والخير في خمسة:
وقال الشافعي: الخير في خمسة: غنى النفس، وكف الأذى، وكسب الحلال، والتقوى، والثقة بالله (10/97).
أصول التصوف الستة:
قال سهل بن عبد الله التستري - سيد الصوفية - : أصولنا ستة: التمسك بالقرآن، والاقتداء بالسنة، وأكل الحلال، وكف الأذى، والتوبة، وأداء الحقوق (13/332).
الدرجات سبع:
قال يحيى بن معاذ: الدرجات سبع: التوبة، ثم الزهد، ثم الرضى، ثم الخوف، ثم الشوق، ثم المحبة، ثم المعرفة (13/15).
وتكامل الإنسان في سبع:
وقال الثوري: يثغر الغلام لسبع، ويحتلم بعد سبع، ثم ينتهي طوله بعد سبع، ثم يتكامل عقله بعد سبع(1)، ثم هي التجارب (7/270).
كرامات الأولياء ومخاريق الشياطين
منزلة الكرامات عند العلماء:
__________
(1) وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 163هـ): أكمل ما يكون الإنسان عقلا وذهنا عند الأربعين (السير 7/431).(1/161)
قال أبو يزيد البسطامي الزاهد: لله خلق كثير يمشون على الماء، لا قيمة لهم عند الله، ولو نظرتم إلى من أعطي من الكرامات حتى يطير، فلا تغتروا به حتى تروا كيف هو عند الأمر والنهي، وحفظ الحدود والشرع (13/88).
كرامة لأبي الآذان البغدادي :(1)
قال البرقاني : حدثنا أبوبكر الإسماعيلي قال حُكي لنا أن أبا الآذان طالت خصومة بينه وبين يهودي أو غيره ، فقال له : أدخل يدك ويدي في النار ، فمن كان محقا لم تحترق يده ، فذُكر أن يده لم تحترق، وأن يد اليهودي احترقت (14/82) .
كيف نجت كتب أبي الحسن القزويني :
قال الخليلي : سمعت الحسن بن أحمد بن صالح يحكي عن سليمان بن يزيد : أن علي ابن أبي طاهر - القزويني - لما رحل إلى الشام وكتب الحديث جعل كتبه في صندوق ، وقيره ، وركب البحر ، فاضطربت السفينة ، وماجت ، فألقى الصندوق في البحر ، ثم سكنت السفينة ، فلما خرج منها ، أقام على الساحل ثلاثا يدعو الله ، ثم سجد في الليلة الثالثة وقال : إن كان طلبي ذلك لوجهك وحب رسولك فأغثني برد ذلك ، فرفع رأسه فإذا بالصندوق ملقى عنده (14/88) .
أُلقي على سَبُع فلم يضره :
قال الحسين بن أحمد الرازي : سمعت أبا علي الروذباري يقول : كان سبب دخولي مصر حكاية بُنان الحمال ، وذلك أنه أمر ابن طولون بالمعروف فأمر به أن يلقى بين يدي سبُع ، فجعل السبع يشمه ولا يضره ، فلما أخرج من بين يدي السبع قيل له : ما الذي كان في قلبك حيث شمك؟ قال : كنت أتفكر في سؤر السباع ولعابها . قال : ثم ضرب سبع درر فقال له - يعني - للملك: حبسك الله بكل درة سنة ، فحبس ابن طولون سبع سنين (14/489).
عاد إليه بصره وهو نائم!
__________
(1) قال الذهبي : الحافظ العالم المتقن القدوة ، توفي سنة 290هـ (السير 14/82) .(1/162)
قال يعقوب بن عثمان الفسوي(ت280هـ): كنت أكثر النسخ في الليل، وقلت نفقتي، فجعلت أستعجل، فنسخت ليلة حتى تصرم الليل، فنزل الماء في عيني، فلم أبصر السراج، فبكيت على انقطاعي وما يفوتني من طلب العلم، فاشتد بكائي، فنمت فرأيت النبي ^ في النوم، فناداني: يا يعقوب بن سفيان، لم بكيت؟ فقلت: يا رسول الله ذهب بصري، فتحسرت على ما فاتني من كتب سنتك، وعلى انقطاعي عن بلدي. فقال: ادن مني، فدنوت منه، فأمرّ يده على عيني كأنه يقرأ عليهما، ثم استيقظت، فأبصرت، فأخذت نسخي وقعدت أكتب في السراج.(1)
أقسم على الله فأبره:
قال أحمد بن محمد الخراساني النوري الزاهد(2) : كان في نفسي من هذه الكرامات ، فأخذت من الصبيان قصبة ، ثم قمت بين زورقين وقلت : وعزتك لئن لم تخرج لي سمكة فيها ثلاثة أرطال لأغرقن نفسي . قال : فخرجت لي سمكة ثلاثة أرطال .
…قال أبو العباس بن عطاء : فبلغ ذلك الجنيد فقال : حكمه أن تخرج له أفعى فتلدغه (14/72).
كرامة لأبي هريرة - رضي الله عنه - بعد موته:
…قال القاضي أبو الطيب: كنا في مجلس النظر بجامع المنصور، فجاء شاب خراساني، فسأل عن مسألة المصراة، فطالب بالدليل، حتى استدل بحديث أبي هريرة الوارد فيها(3)، فقال - وكان حنفيا - : أبو هريرة غير مقبول الحديث. فما استتم كلامه حتى سقطت عليه حية عظيمة من سقف الجامع، فوثب الناس من أجلها، وهرب الشاب منها وهي تتبعه. فقيل له: تب، تب. فقال: تبت، فغابت الحية، فلم ير لها أثر. إسنادها صحيح، رواه أئمة (2/619).
وأخرى لابن نافع:
__________
(1) نكث الهميان للصفدي، ص 312.
(2) توفي سنة 295هـ وقد كان صديقا للجنيد ، واتهم بالزندقة وكاد يقتل ، ثم فسد عقله في آخر حياته . (السير 14/70-77) .
(3) راجعه في "الموطأ" ك البيوع، باب ما ينهى عنه من المساومة والمبايعة (2/683-684) وصحيح البخاري (4/309) وصحيح مسلم (1515).(1/163)
كان عقبة بن نافع ذا شجاعة وحزم وديانة، وكان مجاب الدعوة، فجهزه معاوية على عشرة آلاف، فافتتح إفريقية، واختط قيروانها. وكان الموضع غيضة لا يرام من السباع والأفاعي، فنادى: يا أهل الوادي ! إنا حالون إن شاء الله، فاظعنوا، ثلاث مرات. فما رئي حج ولا شجر إلا خرجت من تحته دابة حتى هبطن من بطن الوادي، وهربت الوحوش حتى إنها لتحمل أولادها. ثم قال للناس: انزلوا بسم الله (3/533).
وثالثة للرياشي:
…قال علي ابن أبي أمية: لما كان من دخول الزنج البصرة ما كان، وقتلهم بها من قتلوا، وذلك في شوال سنة 257هـ بلغنا أنهم دخلوا على الرِّياشي(1) المسجد بأسيافهم، والرياشي قائم يصلي الضحى، فضربوه بالأسياف، وقالوا: هات المال، فجعل يقول: أي مال؟ أي مال؟!! حتى مات. فلما خرجت الزنج عن البصرة، دخلناها، فمررنا ببني مازن الطحانين - وهناك ينزل الرياشي - فدخلنا مسجده، فإذا به ملقى وهو مستقبل القبلة، كأنما وجه إليها. وإذا بشملة تحركها الريح وقد تمزقت، وإذا جميع خلقه صحيح سَوِىّ لم ينشق له بطن، ولم يتغير له حال، إلا أن جلده قد لصق بعظمه ويبس، وذلك بعد مقتله بسنتين رحمه الله (12/374-375).
مخاريق الحلاّج:
__________
(1) اسمه عباس بن الفرج، وكان علامة حافظا نحويا أديبا. وأما فتنة الزنج فكانت عظيمة، وهم عبارة عن عبيد البصرة من قطاع الطريق وغيرهم، التفوا حول رجل من الشياطين الدهاة كان يدّعي العلوية، ودعا إلى نفسه، فبدّعوا وقتلوا، وقووا، وانضم إليهم كل مجرم، واستفحل الشر بهم، فسار جيش من العراق لحربهم، فكسروا الجيش، وأخذوا البصرة، واستباحوها، ثم عزموا على أخذ بغداد، وبنوا لزعيمهم مدينة عظيمة، ودام البلاء بهم ثلاثة عشر سنة، وجرت ملاحم ووقعات يطول شرحها حتى قُتل هذا الشيطان مع عدد من جيشه، لا بارك الله فيهم. السير 12/375 بتصرف.(1/164)
…حرّك الحلاج يده يوما، فنثر على مَن عنده دراهم، فقال بعضهم: هذه دراهم معروفة، ولكن أومن بك إذا أعطيني درهما عليه اسمك واسم أبيك. فقال: كيف وهي لم تُصنع؟ قال: من أحضر من ليس بحاضر صنع ما لم يُصنع.
…ومن مخاريقه أن رجلا قال له: أريد تفاحة، ولم يكن وقته، فأومأ بيده إلى الهواء، فأعطاهم تفاحة وقال: هذه من الجنة. فقيل له: فاكهة الجنة غير متغيرة، وهذه فيها دودة، فقال: لأنها خرجت من دار البقاء إلى دار الفناء، فحل بها جزء من البلاء (14/321-325).
مجابو الدعوة :
* سعد ابن أبي وقاص: من أخوال النبي ^، فارس الإسلام، سابع سبعة في الإسلام، وأول من رمى بسهم في سبيل الله. دعا له رسول الله ^ فقال: "اللهم سدد سهمه، وأجب دعوته"، فكان مجاب الدعوة تُخاف دعوته وترجى. وقد خرجت جارية له فكشفتها الريح، فشد عليها عمر بالدرة وجاء سعد ليمنعه فتناوله بالدرة، فذهب سعد يدعو على عمر، فناوله عمر الدرة وقال: اقتص، فعفا عنه.
* ومن ذلك أنه دعا على امرأة كانت تطلع عليه فنهاها فلم تنته، فقال: شاه وجهك. فعاد وجهها في قفاها.
* وهجاه رجل فقال: اللهم اكفنا يده ولسانه، فجاء سهم غرب فأصابه فخرس، ويبست يده جميعا.
* وكذب عليه رجل من أهل الكوفة لما كان واليا عليها، فقال إن سعدا لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يسير بالسرية. فقال سعد: اللهم إن كان كاذبا فأعم بصره، وأطل عمره، وعرّضه للفتن. قال عبد الملك بن عمير: فأنا رأيته بعدُ يتعرض للإماء في السكك. فإذا سئل كيف أنت؟ يقول: كبير مفتون أصابتني دعوة سعد. وفي رواية: فما مات حتى عمي، وكان يتلمس الجدارات، وافتقر حتى سأل الناس، وأدرك فتنة المختار ابن أبي عبيد فقتل فيها.(1/165)
* ودعا على رجل سمعه يسب عليا وطلحة والزبير، فنهاه فلم ينته، فقال: اللهم إن كنت تعلم أنه سب أقواما قد سلف لهم منك سابقة وأسخطك سبه إياهم، فأره اليوم آية تكون آية للعالمين، فخرجت ناقة نادة فحبطته حتى مات.(1)
* خالد ابن أبي عمران التونسي : فقيه أهل المغرب ، ثقة ، ثبت ، صالح، رباني ، كان مجاب الدعوة (5/378).
* قال ابن وهب : مر ابن المبارك برجل أعمى ، فقال له : أسألك أن تدعو لي أن يرد الله علي بصري ، فدعا الله فرد عليه بصره وأنا أنظر (8/395).
* وكان بين مطرف بن عبد الله الشخير وبين رجل كلام ، فكذب عليه، فقال : اللهم إن كان كاذبا فأمته ، فخر ميتا من مكانه . فرُفع ذلك إلى زياد فقال : قتلت الرجل . قال: لا ، ولكنها دعوة وافقت أجلا (4/189).
* ودعا بقي بن مخلد القرطبي لامرأة أسر ولدها فانفك قيده في الساعة التي دعا فيها، ثم أحضر الحداد وقيده، فسقط القيد مرة أخرى. فدعوا رهبانهم فأشاروا بإطلاقه، وقالوا قد أطلقه الله (13/290).
* وكان لسعيد بن جبير ديك، كان يقوم الليل بصياحه، فلم يصح ليلة من الليالي حتى أصبح، فلم يصل سعيد تلك الليلة، فشق عليه، فقال : ما له قطع الله صوته؟ فما سمع له صوت بعد. قالت أمه: يا بني، لا تدع على شيء بعدها (4/323).
* وكان مفضل بن فضالة قاضي مصر رجلا صالحا، ضعيف البدن، طويل القيام. وكان مجاب الدعوة. دعا الله أن يذهب عنه الأمل، فأذهبه عنه، فكاد أن يُختلس عقله، ولم يهنأ عيش، فدعا الله أن يرد إليه الأمل، فرده، فرجع إلى حاله (8/171-172).
وكفى الله المؤمنين القتال :
__________
(1) نكث الهميان، ص 155-156.(1/166)
ذُكر عن الأمير أحمد بن عبد الله الخجستاني من الظلم والعسف حتى إنه أمر بحربة ركزت على رأس المربعة ، وجمع الأعيان ، وحلف : إن لم يصبوا الدراهم حتى يغيب رأس الحربة فقد أحلوا دماءهم ، فكانوا يقتسمون الغرامة بينهم ، فخص تاجر بثلاثين ألف درهم ، فلم يقدر إلا على ثلاثة آلاف ، فحملها إلى أبي عثمان الحيري وأخبره بالخبر فقال له الحيري : أتأذن لي أن أفعل فيها ما ينفعك ؟ قال : نعم . ففرقها أبو عثمان ، وقال للتاجر : امكث عندي . فلم يزل في مناجاة ربه حتى الفجر وأُذِّن للصبح ثم لم يقم حتى أتاه خادمه وقال له : لقد شُقَّ بطن الأمير ، فأخذ أبو عثمان في الإقامة (14/65-66) .
غرائب الأخبار
أناس لا يأكلون ولا يشربون :
* قال الحاكم : حدثنا أبي ، سمع الطهماني يقول : رأيت بخوارزم امرأة لا تأكل ولا تشرب ولا تروث .
قال الذهبي : سقت قصتها في "تاريخ الإسلام" ، وهي رحمة بنت إبراهيم ، قتل زوجها وترك ولدين ، وكانت مسكينة ، فنامت فرأت زوجها مع الشهداء يأكل على موائد ، وكانت صائمة . قالت : فاستأذنهم وناولني كسرة أكلتها ، فوجدتها أطيب من كل شيء ، فاستيقظت شبعانة. واستمرت . قال: وهذه حكاية صحيحة ، فسبحان القادر على كل شيء .
* وحكى الشيخ عز الدين الفاروثي : أن رجلا بعد الست مائة كان بالعراق، دام سنين لا يأكل.
* قال الذهبي : وحكى لي ثقات ممن لحق عائشة الصائمة بالأندلس ، وكانت حية سنة سبع مائة ، دامت أعواما لا تأكل (13/572).
من عاش بعد الموت :
* توفي الإمام المحدث أبو يوسف يعقوب بن دينار الماجشون، ووُضع على المغتسل، ثم أفاق وعاش، وله في ذلك حكاية في "تاريخ دمشق" ثم توفي سنة نيف وعشرين ومائة(1) (5/370).
__________
(1) وكان يعلّم الغناء، ويتخذ القيان مع صدقه في الرواية. السير 5/370.(1/167)
* ومرض إبراهيم بن صالح بن علي عبد الله بن عباس فحضره جبريل الطبيب، وشهد بموته، وهو من أعلم الناس بطب الروم، فكُفِّن، ثم استدعى الرشيد ابن بهلة وهو أعلم بطب الهند، فنخسه بمسلة تحت ظفره، فحرك يده شيئا، ثم أمر بنزع الكفن عنه، ودعا بمنفاخ وكُنْدُس فنفخ في أنفه، فعطس وفتح عينيه، فرأى الرشيدَ فأخذ يده وقبلها، فقال: كيف حالك؟ قال: كنت في ألذ نومة، فعض شيء أصبعي فآلمني، وعوفي. ثم زوجه الرشيد بأخته عباسة، وولاه مصر، وبها مات. فكان يقال: رجل مات ببغداد، ثم مات ودفن بمصر (8/274).
* وعن ربعي بن حِراش قال: كنا أربعة إخوة، فكان الربيع أكثرنا صلاة وصياما في الهواجر، وإنه توفي، فبينا نحن حوله قد بعثنا من يبتاع له كفنا، إذ كشف الثوب عن وجهه فقال: السلام عليكم، فقال القوم: وعليكم السلام يا أخا عيسى، أبعد الموت؟! قال: نعم، إني لقيت ربي بعدكم، فلقيتُ ربا غير غضبان، واستقبلني بروح وريحان وإستبرق، ألا وإن أبا القاسم ينتظر الصلاة علي فعجلوني. ثم كان بمنزلة حصاة رمي بها في طست. فنمي الحديث إلى عائشة فقالت: قد كنا نتحدث أن رجلا من هذه الأمة يتكلم بعد الموت (4/361-362).
* وعن سعيد ابن المسيب أن زيد بن خارجة - رضي الله عنه - توفي في زمن عثمان، فسجي بثوب، ثم إنهم سمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم فقال: أحمد أحمد في الكتاب الأول، صدق صدق أبو بكر الضعيف في نفسه القوي في أمر الله في الكتاب الأول، صدق صدق عمر القوي الأمين في الكتاب الأول، صدق صدق عثمان على منهاجهم، مضت أربع سنين وبقيت سنتان، أتت الفتن وأكل الشديد الضعيف، وقامت الساعة، وسيأتيكم خبربئر أريس، وما بئر أريس.
…قال ابن المسيب: ثم هلك رجل من بني خطمة، فسُجّي بثوب، فسمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم فقال: إن أخا بني الحارث ابن الخزرج صدق صدق.(1)
بلغت لحيته ركبته :
__________
(1) تاريخ الإسلام (3/341).(1/168)
كان أبو عبد الله العوفي الكوفي قاضي الشرقية ببغداد ، وكان مسنا كبيرا ، فيه دعابة ، وكانت له لحية تبلغ ركبته (9/396) .
أطول العرب :
بعث قيصر إلى معاوية: ابعث إلي سراويل أطول رجل من العرب، فقال لقيس بن سعد: ما أظننا إلا احتجنا إلى سراويلك، فقام فتنحى وجاء، فألقاها، فقال: ألا ذهبت إلى منزلك ثم بعثت بها؟ فقال:
أردت بها كي يعلم الناس أنها * سراويل قيس والوفود شهود
وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه * سراويل عادي نمته ثمود
وإني من الحي اليماني سيد * وما الناس إلا سيد ومسود
فكدهم بمثلي إن مثلي عليهم * شديد وخلقي في الرجال مديد
…فأمر معاوية بأطول رجل في الجيش فوضعت على أنفه فوقفت بالأرض (3/112).
النَّسْناَس: خلق آخر يشبه الناس!
* في ترجمة السلطان أبي القاسم محمود بن سبكتكين التركي أنه أُحضر إليه شخصان من النسناس من بادية بلاصيغون، وهي مملكة قدرخان، وعدو النسناس في شدة عدو الفرس، وهو في صورة آدمي، لكن بدنه ملبس بالشعر، وكلامه صفير، ويأكل حشيشا، وأهل تلك البلاد يصطادونهم ويأكلونهم، فسأل السلطان الفقهاء عن أكل لحمهم فنهوا عنه (17/494-495).
* وعن شبيب بن شيبة قال: قدمت الشِّحر(1) على رئيسها، فتذاكرنا النَّسْنَاس، فقال: صِيدوا لنا منها، فلما أن رحت إليه إذا بنسناس مع الأعوان، فقال (يعني النسناس): أنا بالله وبك! فقلت: خلّوه، فخلوه. فخرج يعدو، وإنما يرعون النبات. فلما كان السحر سمعنا قائلا يقول: أبا محمد، إن الصبح قد أسفر، وهذا الليل قد أدبر، والقانص قد حضر، فعليك بالوزر. فقال: كلي ولا تراعي، فقالوا: يا أبا محمد، فهرب، وله وجه كوجه الإنسان، وشعرات بيض في ذقنه، ومثل اليد في صدره، ومثل الرجل بين وركيه.
قال الذهبي: لعل هؤلاء تولدوا من قردة وناس! فسبحان القادر (12/13-15).
ببغاء تقرأ (قل هو الله أحد):
__________
(1) صقع بين عدن وعمان.(1/169)
جاء رجل إلى الناصر لدين الله بببغاء تقرأ (قل هو الله أحد).(1)
تزوج بتسع مائة امرأة :
روى الخطيب عن الوزير علي بن مسلمة أن أبابكر الصباغ البغدادي تزوج بأزيد من تسع مائة امرأة (17/424).
من أَسَنّ ولم يُثغر:
* مات عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب وقد جاوز الثمانين، وأسنانه التي ولد بها كما هي لم يثغر.(2)
* وبلغت أسماء بنت الصديق مائة سنة ولم يسقط لها سن ، وكانت أكبر من عائشة ببضع عشرة سنة (2/288).
ولي الإمارة وهو في بطن أمه:
كان من ملوك الفرس ذو الأكتاف سابور. وقد عُقِدَ له بالأمر وهو في بطن أمه، لأن أباه مات وهو حمل، فقال الكهان: هذا يملك الأرض، فوضع التاج على بطن الأم، وكُتِبَ منه إلى الآفاق وهو بعد جنين. وهذا شيء لم يسمع بمثله قط.(3)
عجوز من الأقوياء:
* تزوج سويد بن غفلة بكرا وهو ابن مائة وست عشرة سنة. وأتت عليه مائة وعشرون وهو يؤمّ في قيام رمضان (4/72) .
* وطاف سعد ابن أبي وقاص على تسع جوار في ليلة، ثم استيقظت العاشرة لما أيقظها، فنام هو، فاستحيت أن توقظه (1/122).
- - -
مصارع العشاق
وَهَل يَسلَم الطبع السَليم مِن الهَوى وَلا فَضل في قَلب خَليّ مِن العشق(4)
شاب قتله الغرام:
عروة بن حِزام أبو سعيد: شاب عذري قتله الغرام، وهو الذي كان يشبب بابنة عمه عفراء بنت مصاهر. خرج أهلها من الحجاز إلى الشام فتبعهم عروة وامتنع عمه من تزويجه بها لفقره، وزوجها بابن عم آخر غني، فهلك في محبتها عروة.
ومن قوله فيها:
وما هو إلا أن أراها فجاءة * فأبهت حتى ما أكاد أجيب
__________
(1) نكث الهميان للصفدي ص95.
(2) وكان عبد الصمد هذا كبير القدر معظما. ويقال إنه أعرق الناس في العمى، فإنه ولد بصيرا ولكن أباه وجده وجد أبيه وجده جده عميان، فوقعت في عينه ريشة فعمي منها. نكث الهميان، ص193-194.
(3) تاريخ الإسلام (3/160).
(4) لأحمد بن حسين الكيواني ت 1173هـ(1/170)
وأصرف عن رأيي الذي كنت أرتئي * وأنسى الذي أعددت حين أغيب(1)
قتيل الحب:
قال ابن نفطويه: دخلت على محمد بن داود في مرضه، فقلت: كيف تجدك؟ قال: حب من تعلم أورثني ما ترى.. الخ القصة. وفيها أنه مات من ليلته أو في اليوم الثاني (13/113).
ماتت من أجل قُبلة:
كانت عُلية بنت المهدي أدبية، شاعرة، عارفة بالغناء والموسيقى، وكانت رخيمة الصوت(2)، وهي من ملاح زمانها. وكانت مع ذلك ذات عفة وتقوى ومناقب.
…وكانت لا تغني إلا زمن حيضها، فإذا طهرت أقبلت على التلاوة والعلم. واكنت تقول: لا غُفر لي فاحشة ارتكبتها قط، وما أقول في شعري إلا عبثا.
…فيقال: إن سبب موتها أن المأمون ضمها إليه فقبلها، وهي عمته، وكان وجهها مغطى، فشرقت وسعلت، ثم حمت أياما، وماتت (10/187-188).
عشّاق الصور:
* قال فضلك الرازي: مضيت أنا وداود الأصبهاني إلى يحيى بن أكثم ومعنا عشرة مسائل، فأجاب في خمسة منها أحسن جواب، ودخل غلام مليح، فلما رآه اضطرب، فلم يقدر يجيء ولا يذهب في مسألة، فقال داود: قم، اختلط الرجل.
قال الذهبي: قد ولع الناس بيحيى لتولعه بالصور حبا أو مزاحا. وكان عبثه بالمرد أيام الشبيبة، فلما شاخ أقبل على شأنه، وبقيت الشناعة (12/8-10بتصرف).
* وكان الواثق بالله يحب مولى أهداه له من مصر شخص، فأغضبه، فحد، حتى قال لبعض الخدم: والله إن مولاي ليروم أن أكلمه من أمس، فما أفعل، فعمل الواثق:
يا ذا الذي بعذابي ظل مفتخرا * ما أنت إلا مليك جار إذ قدرا
لو لا الهوى لتجارينا على قدر * وإن أفق منه يوما ما فسوف ترى
(10/307).
__________
(1) تاريخ الإسلام (3/346-347).
(2) وكذلك كان أخوها إبراهيم بن مهدي، حتى قالوا إنه إذا تنحنح طرب من يسمعه، وإذا غنى أصغت الوحوش حتى تضع رؤوسها في حجره، فإذا سكت هربت. وكان إذا غنىّ لم يبق أحد إلا ذهل (السير 10/560).(1/171)
* وكان المتوكل على الله العباسي مشغوفا بقبيحة لا يصبر عنها، فوقفت له وقد كتبت على خدها بالغالية: اسمه "جعفر"، فتأملها، ثم أنشأ يقول:
وكاتبة بالمسك في الخد جعفرا * بنفسي محط المسك من حيث أثرا
لئن أودعت سطرا من المسك خدها* لقد أودعت قلبي من الحب أسطرا
(12/33).
ومما قيل في الحب:
وما الحب من حسن ولا من سماحة * ولكنه شيء به الروح تكلف(1)
* ومنه قصيدة الشاعر أبي المرهف النميري:
متى يتألف الشمل الصديع * وآمن من زماني ما يروع
وتأنس بعد وحشتنا بنجد * منازلنا القديمة والربوع
ذكرت بأيمن العلمين عصرا * مضى والشمل ملتئم جميع
فلم أملك لدمعي رد غرب * وعند الشوق تعصيك الدموع(2)
وقال الكميت:
والحب فيه حلاوة ومرارة * سائلْ بذلك من تطعّم أو ذُقِ
ما ذاق بؤسَ معيشةٍ ونعيمَها * فيما مضى أحد إذا لم يعشق
(5/389).
طرائف من الشعر وأخبار الشعراء
وإنهم يقولون ما لا يفعلون!:
قال مالك: أتى فتيان إلى عمر بن عبد العزيز وقالوا: إن أبانا توفي وترك مالا عند عمّنا حُميد الأَمَجِي، فأحضره عمر، فلما دخل قال: أنت القائل:
شربتُ المدام فلم أقلع * وعوتبت فيها فلم أسمع
حميد الذي أَمَجٌ داره * أخو الخمر ذو الشيبة الأصلع
أتاه المشيب على شربها * وكان كريما فلم ينزع
قال: نعم. قال: ما أراني إلا سوف أحدك، إنك أقررت بشرب الخمر، وأنك لم تنزع منها. قال: أيهات! أين يذهب بك؟ ألم تسمع الله يقول: (والشعراء يتبعهم الغاوون) إلى قوله: (وأنهم يقولون ما لا يفعلون)[الشعراء:224-225].
فقال عمر: أولى لك يا حميد، ما أراك إلا قد أفلتّ. ويحك يا حميد! كان أبوك رجلا صالحا، وأنت رجل سوء. قال: أصلحك الله، وأينا يشبه أباه؟ كان أبوك رجل سوء، وأنت رجل صالح.
__________
(1) من شعر محمد بن داود الصيدلاني، قاله في محبوبه محمد بن داود، السير 13/112.
(2) نكث الهميان، ص 301.(1/172)
قال عمر: إن هؤلاء زعموا أن أباهم توفي وترك مالا عندك، قال: صدقوا، وأحضره بختم أبيهم، وقال: أنفقت عليهم من مالي، وهذا مالهم. قال: ما أحد أحق أن يكون هذا عنده منك. فقال: أيعود إلي وقد خرج مني؟! (5/118-119).
نظم شعرا وهو نائم:
قال العلامة أثير الدين: أنشدنا الإمام العلامة علم الدين عبد الكريم بن علي العراقي، قال: نظمت في النوم في قاضي القضاة ابن رزين وكان معزولا:
يا سالكا سبل السعادة منهجا * يا موضح الخطب البهيم إذا دجا
يا ابن الذين رست قواعد مجدهم * وسرى ثناهم عاطرا فتأرجا
لا تيأسن من عود ما فارقته * بعد السرار ترى الهلال تبلجا
وابشر وسرّح ناظرا فلقد ترى * عما قليل في العدى متفرجا
وترى وليك ضاحكا مستبشرا *قد نال من تدميرهم ما يرتجى(1)
أجازه المهدي ومنعه المنصور:
امتدح المؤمل بن أُميل المهدي وهو ولي عهد المنصور، فأمر له بعشرين ألف درهم. فبلغ المنصور ذلك، فكتب إليه يلومه، وقال: إنما كان ينبغي أن تعطيه أربعة آلاف درهم بعد أن يقيم ببابك سنة. وأجلس قائدا من قواده على جسر النهروان يتصفح وجوه الناس حتى مر به المؤمل بن أميل. قال: أتيتَ إلى غلام غر فخدعته. قال: نعم، أصلح الله أمير المؤمنين أتيت غلاما كريما فخدعته فانخدع. فكأن ذلك أعجب المنصور، فقال: أنشدني ما قلت فيه. فأنشده القصيدة التي منها:
هو المهدي إلا أن فيه * مشابهة من القمر المنير
تشابه ذا وذا فهما إذا ما * أنارا مشكلان على البصير
فهذا في الظلام سراج نار * وهذا في النهار ضياء نور
ولكن فضّل الرحمن هذا * على ذا بالمنابر والسرير
وبالملك العزيز فذا أمير * وما ذا بالأمير ولا الوزير
وبعض الشهر ينقص ذا وهذا * منير عند نقصان الشهور
__________
(1) نكث الهميان، ص196.(1/173)
فقال: والله أحسنت، ولكن هذا لا يساوي عشرين ألف درهم، فأين المال؟ فقال: هو ذا. فقال: يا ربيع! امض معه فأعطه أربعة آلاف درهم، وخذ الباقي. ففعل. فلما تولى المهدي رفع المؤمل رقعة ذكر فيها واقعته، فضحك، وقال: ردوا إليه عشرين ألف درهم، فردت.(1)
الكميت والفرزدق:
كان الكميت مقدم شعراء وقته. فيقال: إنه وقف على الفرزدق وهو ينشد، فقال: يا غلام! أيسرك أني أبوك؟ قال: أما أبي فلا أبغي به بدلا، ولكن يسرني أن تكون أمي. فحصر الفرزدق، وقال: ما مر بي مثلها (5/389).
الصابئ الأديب:
كان أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابئ الحراني مشركا، وكان صاحب ترسل بديع، وكان يحفظ القرآن، ويصوم رمضان، لكن حرصوا عليه أن يسلم فأبى. وقد لِيم الشريف الرضي لما رثاه بعد موته، فقال: إنما رثيت فضله، وهذا عذر بارد (16/523-524).
في ذم الدنيا:(2)
أو ما عجيب جيفة مسمومة * وكلابها قد غالهم داء الكلب
يتذابحون على اعتراق عظامها * فالسيد المرهوب فيهم من غلب
هذي هي الدنيا ومع علمي بها * لم أستطع تركا لها يا للعجب
(21/96)
* وللشاعر شيث بن إبراهيم المعروف بابن الحاج القناوي (ت599هـ):
هي الدنيا إذا اكتملت * وطاب نعيمها قتلت
فلا تفرح بلذتها * فباللذات قد شغلت
وكن منها على حذر * وخف منها إذا اعتدلت(3)
عواقب طول العمر :
للإمام الكبير العلامة فارس الشام أبي المظفر أسامة ابن الأمير مرشد الكناني (ت584هـ) :
مع الثمانين عاث الضعف في جسدي
وساءني ضعف رجلي واضطراب يدي
إذا كتبت فخطي خط مضطرب
كخط مرتعش الكفين مرتعد
فاعجب لضعف يدي عن حملها قلما
من بعد حطم القنا في لبة الأسد
فقل لمن يتمنى طول مدته :
هذي عواقب طول العمر والمُدد
(21/167)
في الوعظ:
ليحيى بن معين (ت233هـ):
المال يذهب حله وحرامه * يوما وتبقى في غد آثامه
ليس التقي بمتق لإلهه * حتى يطيب شرابه وطعامه
__________
(1) نكث الهميان، ص 299-300.
(2) من شعر أبي طالب اللخمي (ت578هـ).
(3) نكث الهميان، ص170.(1/174)
ويطيب ما يحوي وتكسب كفه * ويكون في حسن الحديث كلامه
نطق النبي لنا به عن ربه * فعلى النبي صلاته وسلامه
(11/94)
* ولصالح بن عبد القدوس (1):
لا يعجبنك من يصون ثيابه * حذر الغبار وعرضه مبلول
ولربما افتقر الفتى فرأيته * دنس الثياب وعرضه مغسول
* وله أيضا:
يا صاح لو كرهت كفي مصاحبتي * لقلت إذ كرهت كفي لها بيني
لا أبتغي وصل من لا يبتغي صلتي * ولا أبالي حبيبا لا يباليني
* وله أيضا:
أنست بوحدتي فلزمت بيتي * فتم العزُّ لي ونما السرور
وأدبني الزمان فليت أني * هُجرت فلا أُزار ولا أزور
ولست بقائل ما دمت يوما * أسار الجند أم قدم الأمير(2)
في مدح العلم:(3)
يطيب العيش أن تلقى حليما * غذاه العلم والرأي المصيب
ليكشف عنك حيلة كل ريب * وفضل العلم يعرفه الأريب
سقام الحرص ليس له دواء * وداء الجهل ليس له طبيب
في الندم :
قصيدة أبي محمد عبد السلام بن رغبان المعروف بديك الشعراء(4)، وقد كان له مملوك مليح وسرية ، فوجدهما في لحاف ، فقتلهما ، ثم تأسف عليها ورثاها:
يا طلعة طلع الحِمام عليها * وجنى لها ثمر الردى بيديها
روّيت من دمها الثرى ولطالما * روّى الهوى شفتيّ من شفتيها
قد بات سيفي في مجال وشاحها * ومدامعي تجري على خديها
فوحق نعليها وما وطئ الحصى * شيء أعز علي من نعليها
ما كان قَتْلِيهَا لأني لم أكن * أبكي إذا سقط الذباب عليها
لكن ضننت على العيون بحسنها * وأنفت من نظر الحسود إليها
(11/164)
قبول العذر :(5)
__________
(1) نكث الهميان، ص 172، وكان صالح ممن يعظ الناس بالبصرة، قتله المهدي على الزندقة شيخا كبيرا.
(2) انظر هذه القصائد مع ترجمة الشاعر في نكث الهميان، ص171-172.
(3) من شعر الجاحظ (ت 250هـ)، وكان ماجنا، قليل الدين، صاحب نوادر. انظر: السير 11/529مع الحاشية).
(4) كان شيعيا طريفا خِمّيرا ماجنا خليعا بطّالا ، له مَراثٍ في الحسين (السير 11/164) .
(5) لهلال ابن العلاء الرقي (ت280هـ).(1/175)
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا * إن برّ عندك فيما قال أو فجرا
فقد أطاعك من أرضاك ظاهره * وقد أجلّك من يعصيك مستترا
(13/310)
* وقال إدريس بن عبد الله اللخمي عندما حجبه رجل:
سأترككم حتى يلين حجابكم * على أنه لا بد أن سيلين
خذوا حذركم من نومة الدهر إنها*وإن لم تكن حانت فسوف تحين(1)
ومن الرثاء:
رثت صفية بنت عبد المطلب(2) ابن أخيها رسول الله ^ بهذه الأبيات:
عين جودي بدمعة وسهود * واندبي خير هالك مفقود
واندبي المصطفى بحزن شديد * خالط القلب فهو كالمعمود
كدت أقضي الحياة لما أتاه * قدر خُطّ في كتاب مجيد
فلقد كان بالعباد رؤوفا * ولهم رحمة، وخير رشيد
رضي الله عنه حيا وميتا * وجزاه الجنان يوم الخلود
(2/271).
وفي رثاء المستنصر العباسي(3) :
أيا رنّة الناعي عبثتِ بمسمعي * وأججت نار الحزن ما بين أضلعي
وأخرست مني مقولا ذا براعة * يصوغ أفانين القريض الموشّع
نعيتِ إلي البأس والجود والجحى * فأوقفتِ آمالي وأجريتِ أدمعي
* وقال صفي الدين ابن جميل :
عزّ العزاء وأعوز الإلمام * واسترجعت ما أعطت الأيام
فدع العيون تسح يوم فراقهم * عوض الدموع دما فليس تلام
بانوا فلا قلبي يقر قراره * أسفا ولا جفني القريح ينام
(23/168)
دالية ابن العلاف في رثاء الهر:
__________
(1) نكث الهميان، ص 117.
(2) وهي عمة الرسول ^، وشقيقة حمزة، وأم الزبير بن العوام والسائب البدري. وقد أسلمت وهاجرت رضي الله عنها.
(3) من قصيدة الناصر داود يرثي المستنصر وقد تقدمت ترجمته في أخبار الملوك. وكان عاقلا ، حازما ، سائسا، ذا رأي ودهاء، محبا للصالحين والعلماء، وقد نهض بأعباء الملك وقام بأمر الجهاد أحسن قيام ، وحمل الناس على أقوم سنن . توفي بكرة الجمعة عاشر جمادى الأولى سنة 640هـ رحمه الله .(1/176)
قيل إن جارية للوزير علي بن عيسى هويتْ غلاما لابن العلاف الضرير، فعلم بهما الوزير، فقتلهما، وسلخهما وحشاهما تبنا، فرثاه أستاذه ابن العلاف (ت318هـ) وكنى عنه بالهر(1)، فقال:
يا هر فارقتنا ولم تعد * وكنت عندي بمنزل الولد
وكيف ننفك عن هواك وقد * كنت لنا عدة من العدد
وتخرج الفأر من مكامنها * ما بين مفتوحها إلى السدد
يلقاك في البيت منهم مدد * وأنت تلقاهم بلا مدد
حتى اعتقدت الأذى لجيرتنا * ولم تكن للأذى بمعتقد
وحمت حول الردى بظلمهم * ومن يحم حول حوضه يرد
وكان قلبي عليك مرتعدا * وأنت تنساب غير مرتعد
تدخل برج الحمام متئدا * وتبلع الفرخ غير متئد
وتطرح الريش في الطريق لهم * وتبلع اللحم بلع مزدرد
أطعمك الغي لحمها فرأى * قتلك أصحابُها من الرشد
كادوك دهرا فما وقعت وكم * أفلتَّ من كيدهم ولم تكد
فحين أخفرت وانهمكت وكا * شفت وأشرفت غير مقتصد
صادوك غيظا عليك وانتقموا * منك وزادوا ومن يَصِدْ يُصَد
ثم شفوا بالحديد أنفسهم * منك ولم يرعووا على أحد
ولم تزل للحمام مرتصدا * حتى سقيت الحمام بالرصد
لم يرحموا صوتك الضعيف كما * لم تَرْثِ يوما لصوتها الغَرِدِ
أذاقك الموتَ ربُّهن كما * أذقت أفراخه يدا بيد
كأن حبلا حوى بجودته * جيدك للخنق كان من مسد
كأن عيني تراك مضطربا * فيه وفي فيك رغوة الزبد
وقد طلبت الخلاص منه فلم * تقدر على حيلة ولم تجد
فجدت بالنفس والبخيلَ بها * كنتَ ومن لم يَجُد بها يَجِدِ
__________
(1) وقيل إنها قيلت في قِطّ كان لابن العلاف يحبه ويأنس به، فدخل برج حمام غيره مرة، وأكل الفراخ، فاصطادوه وذبحوه، فرثاه بقصيدة طنانة. ويقال: بل رثى بها ابن المعتز، وورى بالهر، وكان ودودا له. وعن ابنه الحسن بن العلاف قال: إنما كنى أبي بالهر عن ابن الفرات المحسن، ولد الوزير (السير14/515)، وقد ذكرها ابن أيبك الصفدي في نكث الهميان (ص 140-142) وقال: أنا شديد التعجب ممن يزعم أن هذه القصيدة رثي بها غير هر.(1/177)
فما سمعنا بمثل موتك إذ * مت ولا مثل حالك النكد
عشت حريصا يقوده طمع * ومت ذا قاتل بلا قود
يا من لذيذ الفراخ أوقعه * ويحك! هلا قنعت بالغدد
ألم تخف وثبة الزمان وقد * وثبت في البرج وثبة الأسد
عاقبة البغي لا تنام وإن * تأخرت مدة من المدد
أردت أن تأكل الفراخ ولا * يأكلُك الدهرُ أكل مضطهد
هذا بعيد من القياس وما * أعزه في الدنو والبعد
لا بارك الله في الطعام إذا * كان هلاك النفوس في المعد
كم دخلت لقمة حشا شره * فأخرجت روحه من الجسد
ما كان أغناك عن تسلقك الـ* برج ولو كان جنة الخلد
قد كنت في نعمة وفي دعة * من العزيز المهيمن الصمد
تأكل من فأر دارنا رغدا * أكل جزاف نام بلا عدد
وكنت بددت شملهم زمنا * فاجتمعوا بعد ذلك البدد
ولم يبقّوا لنا على سبد * في جوف أبياتنا ولا لبد
وفرغوا قعرها وما تركوا * ما علقته يد على وتد
وفتتوا الخبز في السلال فكم * تفتتت للعيال من كبد
ومزقوا من ثيابنا جددا * فكلنا في مصائب جدد
قال الذهبي: وهي في خمسة وستين بيتا (14/518).
- - -
الأوائل والأواخر
* يقال إن أول بلدة بنيت بعد الطوفان هي قرية الثمانين، وهي بلدة صغيرة بجزيرة ابن عمر بأرض الموصل، نزلها الثمانون الذين كانوا في سفينة نوح عليه السلام. وإليها ينسب العالم النحوي عمر بن ثابت الثمانيني الضرير (ت442هـ).(1)
* وأول من أحدث المصافحة الأشعريون، قدموا على رسول الله صلى الله ^ فبشر بقدومهم وقال: "يقدم عليكم غدا قوم هم أرق قلوبا للإسلام منكم". فلما دنوا جعلوا يرتجزون :
غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه
فلما قدموا تصافحوا ، فكانوا أول من أحدث المصافحة(2) (1/384)
* وأول خلق الله أسلم بإجماع المسلمين خديجة بنت خويلد (3/115).
__________
(1) نكث الهميان للصفدي، ص 220.
(2) إسناده صحيح أخرجه أحمد 3/371،372 عن أنس .(1/178)
* وأول امرأة تزوج بها النبي ^ بعد وفاة خديجة هي أم المؤمنين سودة بنت زمعة العامرية، وانفردت به نحوا من ثلاث سنين أو أكثر حتى دخل بعائشة (2/265).
* وأول من رمى بسهم في سبيل الله سعد ابن أبي وقاص - رضي الله عنه -، وهو من أخوال النبي ^ (1/98-99).
* وأول مولود للمهاجرين بالمدينة عبد الله بن الزبير، وقد أقام المهاجرون مدة لا يولد لهم، فقالوا: سحرتنا يهود، وكثرت القالة في ذلك، فلما أعلنت ولادة ابن الزبير كبّر المسلمون تكبيرة واحدة ارتجت منها المدينة (3/365).
* وأول من كسا الكعبة بالديباج عبد الله بن الزبير، وكانت كسوتها قبل ذلك الأنطاع، وكتب عليها "لعبد الله أبي بكر أمير المؤمنين"، ويطيبها حتى يوجد ريحها من طرف الحرم (3/374).
* وأول من وضع عِلم الخلاف: القاضي أبو زيد الدبّوسي، شيخ الحنفية. قال الذهبي: وكان من أذكياء الأمة (17/521).
* وأول من أظهر السنة بمرو وجميع خراسان : النضر بن شميل البصري النحوي (ت203هـ) (9/330).
* وأول من أظهر طريقة التصوف بنيسابور هو أبو حفص عمرو بن سلم النيسابوري الحداد (ت264هـ) (12/511).
* وأول من تكلم في علم الفناء والبقاء أبو سعيد الخرّاز البغدادي.
قال الذهبي: فأي سكتة فاتته، قصد خيرا، فولّد أمرا كبيرا، تشبث به كل اتحادي ضال (13/420).
* وأول من صنف القراآت : الإمام المحدث أبو الحسن الدارقطني، وعقد لها أبوابا، وكان ذلك قبل فرش الحروف (16/450).
* وأول من أنكر قراءة يعقوب وادعى أنها شاذة هو أبو عمرو الداني، وخالف في ذلك أئمة، وصار في الجملة في المسألة خلاف حادث. والله أعلم (10/172).(1/179)
* وأول من ابتدع القول باللفظ(1): حسين بن عبد الله الكرابيسي، ابتدعه ليورّط إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله (8/289).
* وأول من حمل علم الشافعي إلى خراسان محمد بن أحمد بن حفص (ت263هـ) (12/616-617).
* وأول شافعي ولي قضاء بغداد أبو السائب عتبة بن عبيد الله الهمذاني الصوفي (ت 351هـ) ثم القاضي أبو بشر عمر بن أكثم الأسدي الشافعي (ت 357هـ) بعده (16/47و111).
* وأول من جمع المسند وصنفه نعيم بن حماد، وهو من أعلم الناس بالفرائض (5/595).
* وأول من نشر الحديث بالأندلس بقي بن مخلد القرطبي، صاحب المسند، فثار عليه شيوخ الأندلس، لأنهم كان علمهم بالمسائل ومذهب مالك، وكان بقي يفتي بالأثر، فشذ عليهم شذوذا عظيما، فعقدوا عليه الشهادات، وبدّعوه، ونسبوا إليه الزندقة، وأشياء نزهه الله منها (13/290-291).
* وأول من جلب صحيح البخاري إلى مصر وحدث به الحافظ أبو علي سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن البزاز (ت 353هـ)، وكان قد سمعه بخراسان من الفربري (16/117).
آخر الصحابة موتا:
* آخر من مات من الصحابة بدمشق واثلة بن الأسقع. توفي سنة 85هـ وله 98 سنة - رضي الله عنه - (3/387).
وآخر من مات منهم بالكوفة عبد الله ابن أبي أوفى. توفي سنة 86هـ وقد قارب المائة - رضي الله عنه - (3/430).
__________
(1) كانت الجهمية تقول: إن القرآن مخلوق، ولا يوصف بأنه كلام الله. وبدّعهم العلماء وكذبوهم في هذه المقولة، فابتدع الكرابيسي قولا آخر يريد به أن يلبّس على أئمة السنة فقال: لفظي بالقرآن مخلوق. وحيث إن المتلوّ قول الباري، والتلفظ به من صنع القارئ ومن كسبه فالتلاوة غير المتلو، والقراءة غير المقروء، كما أننا نسمع رجلا يحكي شاعرا فنقول إن الشعر من كلام فلان، ولكن الصوت صوت فلان. ومع ذلك فقد كره أئمة السنة الخوض في هذا خوفا من أن يُتذرع به إلى قول الجهمية. والعلم عند الله تعالى.(1/180)
* وآخر من مات منهم بالشام عبد الله بن بسر. وهو الذي مسح رسول الله ^ يده على رأسه وقال: "لتبلغن قرنا"(1) فتوفي بها سنة 88هـ وله 94 سنة وقيل إنه عاش مائة سنة - رضي الله عنه - (3/432).
* وآخر المهاجرين وفاة سعد ابن أبي وقاص.
* وآخر من مات من أمهات المؤمنين أم سلمة بنت أبي أمية المخزومية. وقد عمرت حتى بلغها مقتل الحسين الشهيد، فوجمت لذلك، وغشي عليها، وحزنت عليه كثيرا. ثم لم تلبث بعده إلا يسيرا، وانتقلت إلى الله، رضي الله عنها (2/202).
* وآخر الصحابيات وفاة أم خالد بنت خالد القرشية، وكانت من المهاجرات إلى الحبشة رضي الله عنها (3/471).
* وخاتمة من رأى رسول الله ^ في الدنيا أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي، وقد رأى النبي ^ في حجة الوداع وهو يستلم الركن بمحجنه ثم يقبل المحجن. وقد أقام بمكة حتى مات سنة عشر ومائة على الصحيح (3/469-470).
ومن الأواخر:
* آخر الناس عهدا برسول الله ^ قُثَم بن العباس ابن عمه ^ فإنه آخر من خرج من لحده عند الدفن - رضي الله عنه - (3/441).
وقيل إن آخر الناس به عهدا المغيرة بن شعبة. وذلك أنه بعد أن دفن وخرج علي ابن أبي طالب من القبر، ألقى المغيرة خاتمه، فقال: يا أبا الحسن، خاتمي! قال: انزل فخذه، فنزل ومسح يده على الكفن ثم خرج (3/26).
- - -
وصايا المحتضرين
* لما احتضر سعد ابن أبي وقاص دعا بخَلَق جبة صوف، فقال: كفنوني فيها، فإني لقيت المشركين فيها يوم بدر، وإنما خبأتها لهذا اليوم. وكان سعد آخر المهاجرين وفاة، - رضي الله عنه - (1/122-123).
* وأوصى علقمة بن وقاص الليثي فقال: إذا أنا حضرت فأجلسوا عندي من يلقّنني لاإله إلا الله، وأسرعوا بي إلى حفرتي، ولا تنعوني إلى الناس، فإني أخاف أن يكون ذلك نعيا كنعي الجاهلية (4/60).
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (4/189) وسنده حسن.(1/181)
* وأوصى عَبِيدة السلماني أن يصلي عليه الأسود بن يزيد، فقال الأسود: عجّلوا به قبل أن يجيء الكذاب - يعني المختار الثقفي.
* كانت وصية ابن سيرين: "ذكر ما أوصى به محمد ابن أبي عمرة أهله وبنيه، أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم، وأن يطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب ?يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون?[البقرة:132] وأوصاهم أن لا يدعو أن يكونوا إخوان الأنصار ومواليهم في الدين، فإن العفاف والصدق خير وأبقى وأكرم من الزنى والكذب، وأوصى فيما ترك: إن حدث بي حدث قبل أن أغير وصيتي.." فذكر الوصية (4/620-621).
* وقال محمد بن القاسم: دخلت على محمد بن أسلم قبل موته بأربعة أيام بنيسابور، فقال: يا أبا عبد الله! تعال أبشرك بما صنع الله بأخيك من الخير، قد نزل بي الموت، وقد منّ الله علي أنه ما لي درهم يحاسبني الله عليه. ثم قال: أغلق الباب، ولا تأذن لأحد حتى أموت، وتدفنون كتبي. واعلم أني أخرج من الدنيا وليس أدع ميراثا غير كسائي ولبدي وإنائي الذي أتوضأ فيه وكتبي هذه، فلا تكلفوا الناس مؤونة (12/199).
* قال عبد الرحمن بن مهدي: لما احتضر سفيان الثوري بكى وجزع، فقلت له: يا أبا عبد الله! ما هذا البكاء ؟ قال: يا عبد الرحمن! لشدة ما نزل بي من الموت، الموت والله شديد. فمسسته، فإذا هو يقول: روح المؤمن تخرج رشحا، فأنا أرجو. ثم قال: الله أرحم من الوالدة الشفيقة الرفيقة، إنه جواد كريم، وكيف لي أن أحب لقاءه وأنا أكره الموت. فبكيت حتى كدت أن أختنق، أخفي بكائي عنه، وجعل يقول: أوّه.. أوّه.. من الموت.(1/182)
…قال عبد الرحمن: فما سمعته يقول: أوه، ولا يئن إلا عند ذهاب عقله. ثم قال: مرحبا برسول ربي، ثم أغمي عليه، ثم أسكت حتى أحدث، ثم أغمي عليه، فظننت أنه قد قضى، ثم أفاق فقال: يا عبد الرحمن! اذهب إلى حماد بن سلمة، فادعه لي، فإني أحب أن يحضرني. وقال: لقّني قول: لاإله إلا الله، فجعلت ألقنه.
…قال: وجاء حماد مسرعا حافيا، ما عليه إلا إزار، فدخل وقد أغمي عليه، فقبل بين عينيه، وقال: بارك الله فيك يا أبا عبد الله، ففتح عينيه ثم قال: يا حماد! خذ حذرك، واحذر هذا المصرع. وذكر فصلا طويلا ضعُف بصري أنا عن قراءته (7/250-251).
* قال جنيد: دخلت على السري السقطي وهو يجود بنفسه، فقلت: أوصني. قال: لا تصحب الأشرار، ولا تشتغلن عن الله بمجالسة الأخيار (12/186).
* وسئل ابن جرير عند موته أن يوصي فقال: الذي أدين الله به وأوصيكم به هو ما ثَبَّتُّ في كتبي، فاعملوا به وعليه، ثم أكثر من التشهد وذكر الله عز وجل، ومسح يده على وجهه، وغمّض بصره بيده، وبسطها وقد فارقت روحه الدنيا (14/276).
* وقال أبو المنذر إسماعيل بن عمر: دخلنا على ورقاء بن عمر وهو في الموت، فجعل يهلّل ويكبّر، ويذكر الله، وقال لابنه: يا بني! اكفني رد السلام على هؤلاء لا يشغلوني عن ربي عز وجل (7/422).(1/183)
* ومرض عبد الغني المقدسي مرضا شديدا منعه من الكلام والقيام، واشتد ستة عشر يوما، وكان ولده أبو موسى يسأله كثيرا: ما تشتهي؟ فيقول: أشتهي الجنة، أشتهي رحمة الله. لا يزيد على ذلك. قال أبو موسى: فجئته بماء حار فمد يده فوضأته وقت الفجر، فقال: يا عبد الله قم صل بنا وخفف، فصليت بالجماعة، وصلى جالسا، ثم جلست عند رأسه، فقال: اقرأ يس، فقرأتها، وجعل يدعو وأنا أؤمن، فقلت: ما تشتهي شيئا؟ قال: أشتهي النظر إلى وجه الله سبحانه، فقلت: ما أنت عني راض؟ قال: بلى والله، فقلت: ما توصي بشيء؟ قال: ما لي على أحد شيء، ولا لأحد علي شيء. قلت: توصيني؟ قال: أوصيك بتقوى الله والمحافظة على طاعته، فجاء جماعة يعودونه، فسلموا، فرد عليهم، وجعلوا يتحدثون، فقال: ما هذا؟ اذكروا الله، قولوا لا إله إلا الله، فلما قاموا جعل يذكر الله بشفتيه، ويشير بعينيه، فقمت لأناول رجلا كتابا من جانب المسجد فرجعت وقد خرجت روحه رحمه الله، وذلك يوم الاثنين 23 من ربيع الأول سنة 600هـ (18/467-468).
وصية الإمام جعفر بن محمد لولده موسى:
…يا بُني لِلَّهِ من قنع بما قُسم له استغنى، ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيرا، ومن لم يرض بما قسم الله له اتهم الله في قضائه، ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه، ومن كشف حجاب غيره انكشفت عورته، ومن سل سيف البغي قُتل به، ومن احتفر بئرا لأخيه أوقعه الله فيه، ومن داخل السفهاء حُقر، ومن خالط العلماء وُقّر، ومن دخل مداخل السوء اتُّهم.
…يا بني لِلَّهِ إياك أن تزري بالرجال فيُزرى بك، وإياك والدخول فيما لا يعنيك فتذل لذلك.(1/184)
…يا بني لِلَّهِ قل الحق لك وعليك تُستشار من بين أقربائك، كن للقرآن تاليا، وللإسلام فاشيا، وللمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا، ولمن قطعك واصلا، ولمن سكت عنك مبتدئا، ولمن سألك معطيا. وإياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في القلوب. وإياك والتعرض لعيوب الناس فمنزلة المعترض لعيوب الناس كمنزلة الهدف. إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه، فإن للجود معادن، وللمعادن أصولا، وللأصول فروعا، وللفروع ثمرا. ولا يطيب ثمر إلا بفرع، ولا فرع إلا بأصل، ولا أصل إلا بمعدن طيب. زر الأخيار ولا تزر الفجار، فإنهم صخرة لا يتفجر ماؤها، وشجرة لا يخضر ورقها، وأرض لا يظهر عشبها (6/263).
* وللمعتضد بالله العباسي عند موته (ت287هـ):
تمتع من الدنيا فإنك لا تبقى * وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرنقا
ولا تأمنن الدهر إني أمنته * فلم يبق لي حالا ولم يرع لي حقا
قتلت صناديد الرجال فلم أدع * عدوا ، ولم أمهل على ظنة خلقا
وأخليت دور الملك من كل بازل* وشتتهم غربا ومزقهم شرقا
فلما بلغت النجم عزا ورفعة * ودانت رقاب الخلق أجمع لي رِقّا
رماني الردى سهما فأخمد جمرتي * فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ملقى
فأفسدت دنياي وديني سفاهة * فمن ذا الذي مني بمصرعه أشقى
فياليت شعري بعد موتي ما أرى * إلى رحمة لله أم ناره ألقى
(13/477) .
- - -
فوائد متنوعة
الفرج بعد الشدة:
امتحن الخليفة المهدي وزيره يعقوب بن داود في حبه للعلويين فقال له بعد أن ثبت لديه ذلك: لقد حل دمك، ولو شئت لأرقته، ولكن احبسوه في المطبّق. فحُبس في بئر وبني عليه قبة، فكان فيها خمس عشرة سنة، يُدلى له في كل يوم رغيف وكوز ماء ويُؤذن بأوقات الصلوات. فلما كان في رأس ثلاث عشرة سنة أتاه آت في منامه، فقال له:
حنى على يوسف ربٌّ فأخرجه * من قعر جبّ وبيت حوله غُمم
فحمد الله، وقال: أتاني الفرج، ثم مكث حولا لا يرى شيئا. ثم أتاه ذلك الآتي فأنشده:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه * يكون وراءه فرج قريب(1/185)
ثم أقام حولا آخر لا يرى شيئا، ثم أتاه ذلك الآتي بعد حول فأنشده:
عسى فرج يأتي به الله إنني * له كل يوم في خليقته أمر
فلما أصبح نودي فظن أنه يؤذن بالصلاة، ودُلّي له حبل أسود، وقيل: اشدده في وسطك، ففعل. فلما خرج إلى الضوء وقابله غشي بصره ولم ير شيئا.(1)
من وضع الكتابة العربية ؟
قال ابن خلكان: روى الكلبي والهيثم بن عدي أن الناقل للكتابة العربية من الحيرة إلى الحجاز هو حرب بن أمية. فقيل لأبي سفيان: ممن أخذ أبوك الكتابة؟ قال: من ابن سِدرة، وأخبره أنه أخذها من واضعها مَرَامِرُ بن مرة. قال: وكانت لحمير كتابة تسمى المسند، حروفها منفصلة غير متصلة، وكانوا يمنعون العامة من تعلمها، فلما جاء الإسلام لم يكن بجميع اليمن من يقرأ ويكتب(2).
…فجميع كتابات الأمم اثنتا عشرة كتابة، وهي: العربية، والحميرية، واليونانية، والفارسية، والرومية، والسريانية، والقبطية، والبربرية، والأندلسية، والهندية، والصينية، والعبرانية. فخمس منها ذهبت: الحميرية، واليونانية، والقبطية، والبربرية، والأندلسية. وثلاث لا تعرف ببلاد الإسلام: الرومية، والصينية، والهندية (17/318-319).
غيرة النساء
* قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ما كان رسول الله ^ يذكرها.
قال الذهبي : وهذا من أعجب شيء أن تغار رضي الله عنها من امرأة عجوز توفيت قبل تزوج النبي ^ بعائشة بمُديدة ، ثم يحميها الله من الغيرة من عدة نسوة يشاركنها في النبي ^. فهذا من ألطاف الله بها وبالنبي ^، لئلا يتكدر عيشهما . ولعله إنما خفف أمر الغيرة عليها حب النبي ^ لها وميله إليها ، فرضي الله عنها وأرضاها (2/165).
__________
(1) نكث الهميان، ص 311-312.
(2) علق الذهبي على هذا بقوله: فيه نظر، فقد كان بها خلق من أحبار اليهود يكتبون بالعبراني.(1/186)
* وعنها رضي الله عنها قالت: لما تزوج النبي ^ أم سلمة حزنت حزنا شديدا، لما ذكروا لنا من جمالها، فتلطفت حتى رأيتها، فرأيتها والله أضعاف ما وُصفت لي في الحسن، فذكرت ذلك لحفصة - وكانتا يدا واحدة - فقالت: لا والله، إن هذه إلا الغَيرة، ما هي كما تقولين، وإنها لجميلة. فرأيتها بعد، فكانت كما قالت حفصة، ولكني كنت غَيْرَى (2/209).
* وعنها رضي الله عنها أن النبي ^ كان إذا خرج أقرع بين نسائه ، فطارت القرعة لعائشة وحفصة ، وكان إذا كان بالليل ، سار مع عائشة يتحدث ، فقالت حفصة : ألا تركبين الليلة بعيري ، وأركب بعيرك تنظرين وأنظر ؟ فقلت : بلى ، فركبت ، فجاء النبي ^ إلى جمل عائشة، وعليه حفصة ، فسلم عليها ، ثم سار حتى نزلوا ، وافتقدته عائشة . فلما نزلوا جعلت رجليها بين الإذخر وتقول : يا رب ، سلّط علي عقربا أو حية تلدغني، رسولك ، ولا أستطيع أن أقول له شيئا(1) (2/176).
فضل عائشة على الصحابة في العلم:
قال ابن شهاب الزهري : لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل (2/185) .
وقال أبو موسى - رضي الله عنه - : ما أشكل علينا أصحاب محمد ^ حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما (2/179) .
وسئل مسروق : هل كانت عائشة تحسن الفرائض ؟ قال: والله، لقد رأيت أصحاب محمد ^ الأكابر يسألونها عن الفرائض (2/182).
وكان عروة بن الزبير يقول لعائشة : يا أمتاه لِلَّهِ لا أعجب من فقهك ، أقول زوجة نبي الله ، وابنة أبي بكر . ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس ، أقول ابنة أبي بكر ، وكان أعلم الناس . ولكن أعجب من علمك بالطب كيف هو ؟ ومن أين هو ؟ أو ما هو ؟
__________
(1) صحيح أخرجه البخاري في ك النكاح ، باب القرعة بين النساء ، (9/272،273) ومسلم في ك فضائل الصحابة ، باب فضل عائشة ، ح2445 .(1/187)
قال : فضربت على منكبيه ، وقالت : أي عُرَيّة ، إن رسول الله ^ كان يسقم عند آخر عمره - أو في آخر عمره - وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه ، فتنعت له الأنعات ، وكنت أعالجها له ، فمن ثم (2/182) .
وعنه قال : لقد صحبت عائشة ، فما رأيت أحدا قط كان أعلم بآية أنزلت ، ولا بفريضة ، ولا بسنة ، ولا بشعر ، ولا أروى له ، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب ، ولا بكذا وكذا ، ولا بقضاء ، ولا طب منها . (2/183) .
ودخل عليها معاوية فكلمها ، فلما قام اتكأ على يد مولاها ذكوان ، فقال : والله ما سمعت قط أبلغ من عائشة ، ليس رسول الله ^ (2/183).
عاقبة الغدر:
* حاصر الملكُ أزدشير أحدَ ملوك الطوائف اسمه ضَيْزَن، وأقام أربع سنين ولا يقدر عليه. وكان على حصن البلد طِلَّسْم، فلا يفتح حتى تؤخذ حمامة، تخضب رجلاها بحيض بكر زرقاء، ثم تسيب الحمامة فتحط على السور، فيقع الطلسم. وكان لضيزن بنت فائقة الجمال، فلمحت من الحصن أزدشير، فأعجبها وهويته، فأرسلت إليه يتزوجها وتفتح له الحصن، وتم ذلك بالحيلة التي ذكرنا. فلما رآها أزدشير قد أسلمت أباها مع فرط كرامتها عليه قال: أنت أسرع إلي بالغدر، فربط ضفائرها بذنب فرس، وركضه، فهلكت (14/518-519).
* ذكرنا قبلُ ما جرى بين المسلمين وبين التتار في سنة 655هـ وكيف تواطأ الوزير الشيعي مع هولاكو وطمّعه في العراق، ثم ما جرى من قتل الخليفة، وبقاء السيف في بغداد بضعة وثلاثين يوما ، فأقل ما قيل : قُتل بها ثمان مائة ألف نفس ، وأكثر ما قيل : بلغوا ألف ألف وثمان مائة ألف، وجرت السيول من الدماء، فإنا لله وإنا إليه راجعون.(1/188)
…ثم بعد ذهاب البلد ومَن فيه إلا اليسير نودي بالأمان، وانعكس على الوزير مرامه ، وذاق ذُلاًّ وويلا ، وما أمهله الله ، فقتلوه خنقا ، وقيل رفسا ، وقيل غما في بساط. وكانوا يسمونه: الأبله. وعمل ابن العلقمي على ترك الجمعات ، وأن يبنى مدرسة على مذهب الرافضة، فما بلغ أمله، وأُقيمت الجمعات (23/180-181).
تعظيم التوراة والإنجيل:
عن عبد الله بن سلام أنه جاء إلى النبي ^ فقال: إني قد قرأت القرآن والتوراة. فقال: "اقرأ بهذا ليلة، وبهذا ليلة". إسناده ضعيف.(1)
…فإن صح، ففيه رخصة في التكرار على التوراة التي لم تبدل، فأما اليوم فلا رخصة في ذلك لجواز التبديل على جميع نسخ التوراة الموجودة. ونحن نعظم التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام، ونؤمن بها. فأما هذه الصحف التي بأيدي هؤلاء الضلال، فما ندري ما هي أصلا. ونقف، فلا نعاملها بتعظيم ولا بإهانة، بل نقول: آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله. ويكفينا في ذلك الإيمان المجمل، ولله الحمد (2/418-419).
من مكايد الشيطان:
* قال الحسن صالح : إن الشيطان ليفتح للعبد تسعة وتسعين بابا من الخير يريد بها بابا واحدا من الشر (7/369) .
__________
(1) ضعيف جدا لأنه من رواية إبراهيم ابن أبي يحيى الأسلمي وهو متروك، وقد اتهمه بعض أهل العلم، مع مخالفة هذا الحديث لما صح من الأحاديث عن جابر وعن عمر وعبد الله بن شداد من النهي عن مطالعة هذه الصحف. نعم، إذا صح عند الإنسان أنها كتب محرفة، وكان على علم بالكتاب والسنة، وأنس من نفسه القوة على محاجة أهل الكتاب وإفحامهم، وإقامة الحجة عليهم، فلا بأس عليه إن شاء الله في مطالعتها لهذا القصد، ويستغفر الله من الأمور المنكرة الشنيئة التي يمر بها في تلك الكتب. والله الهادي إلى صراط مستقيم.(1/189)
* وكان أبو ميسرة القيرواني المالكي يختم كل ليلة ، فرأى ليلة نورا قد خرج من الحائط ، وقال : تملأ من وجهي فأنا ربك . فبصق في وجهه وقال : اذهب يا ملعون . فطفئ النور (15/396) .
جهلة المصلين لِلَّهِ
كان أبو عبد الله بن نظيف يصلي بالناس في مسجد عبد الله سبعين سنة، وكان شافعيا يقنت، فأمّ بعده رجل مالكي، وجاء الناس على عادتهم، فلم يقنت، فتركوه وانصرفوا، وقالوا لا يحسن يصلي (17/477).
التخصص في أمة محمد ^:
قال الذهبي في ترجمة علي بن هلال المعروف بابن البواب الكاتب:
الكتابة مسلّمة لابن البواب، كما أن أقرأ الأمة أبي بن كعب، وأقضاهم علي، وأفرضهم زيد، وأعلمهم بالتأويل ابن عباس، وأمينهم أبو عبيدة، وعابرهم محمد بن سيرين، وأصدقهم لهجة أبو ذر، وفقيه الأمة مالك، ومحدثهم أحمد بن حنبل، ولغويهم أبو عبيد، وشاعرهم أبو تمام، وعابدهم الفضيل، وحافظهم سفيان الثوري، وأخباريّهم الواقدي، وزاهدهم معروف الكرخي، ونحويهم سيبويه، وعروضبّهم الخليل، وخطيبهم ابن نباتة، ومنشئهم القاضي الفاضل، وفارسهم خالد بن الوليد رحمهم الله (17/319-320).
أناس ماتوا فجأة :
* قال أبو الفرج صاحب "الأغاني" في مجلسه: لم نسمع بمن مات فجاءة على المنبر، فقال شيخ أندلسي قد لزم أبا الفرج اسمه يحيى بن عائذ: إنه شاهد في جامع بلده بالأندلس خطيبهم وقد صعد يوم الجمعة ليخطب، فلما بلغ يسيرا من الخطبة خر ميتا فوق المنبر، فأنزل، وطلبوا في الحال من خطب (16/422).
* قالت أم هشام مولاة عبد الله بن بسر: بينما أنا أوضِّئ عبد الله بن بسر - صاحب النبي ^ - إذ خر مغشيا عليه. تعني مات فجأة (14/560).
* الحافظ علي بن حمشاذ النيسابوري (258هـ - 338هـ): قال الحاكم: قرأ علينا بكرة الجمعة نصف جزء، ثم قمنا نتأهب للصلاة، فلما صلينا قعدت ساعة فسمعت المنادي يصيح بجنازته، فصحت، وقلت هذا كذب ، وإذا هو قد دخل الحمام فمات (15/399).(1/190)
* الشيخ الأمين المسنِد صفي الدين ابن أبي الفتح البغدادي: توفي فجاءة في تاسع عشر رمضان سنة 630هـ (22/352).
* الإمام الحاكم أبو عبد الله محمد بن البيّع النيسابوري : دخل الحمام، فاغتسل ، وخرج ، وقال : آه . وقبضت روحه وهو متزر لم يلبس قميصه بعد، ودفن بعد العصر يوم الأربعاء في صفر سنة 405هـ (17/175-177).
* الإمام الحافظ أبو الطاهر السِّلفي : كان قد جاوز المائة ، وإنما تزوج بعد أن أسن وبلغ الثمانين ، وكان يطأ أهله ويتمتع إلى قريب وفاته ، ولم يزل يُقرأ عليه الحديث يوم الخميس إلى أن غربت الشمس من ليلة وفاته ، وهو يردّ على القارئ اللحن الخفي ، وصلى يوم الجمعة خامس شهر ربيع الآخر سنة 576هـ صلاة الصبح عند انفجار الفجر، وتوفي بعدها فجاءة (21/39) .
* الملك القاهر ناصر الدين محمد ابن وزير الديار المصرية ابن عم السلطان صلاح الدين : كان واليا على حمص ، فيقال إنه سكر ، فأصبح ميتا ، وقيل : مرض مرضا حادا فمات يوم عرفة سنة 581هـ ، وبلغت تركته نحو ألف ألف دينار (21/144) .
* تقي الدين ابن الأنماطي: بات في عافية، فأصبح لا يقدر على الكلام أياما، ثم مات في رجب سنة 619هـ (22/174).
* ومات أبو محمد ابن قتيبة فجاءة، صاح صيحة سُمعت من بُعد، ثم أغمي عليه، وكان أكل هريسة، فأصاب حرارة، فبقي إلى الظهر، ثم اضطرب ساعة، ثم هدأ، فما زال يتشهد إلى السحر، ومات - سامحه الله - وذلك في شهر رجب، سنة 276هـ. (13/300).
* وتوفي الفقيه عماد الدين أبو إسحاق المقدسي الجماعيلي ليلة الخميس سابع عشر ذي القعدة سنة 614هـ عشاء الآخرة فجأة، وكان صلى المغرب بالجامع، وكان صائما، فذهب إلى البيت فأفطر على شيء يسير، فجاءه الموت فجعل يقول: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث، واستقبل القبلة وتشهد (22/51).
* ابن الرومية صاحب كتاب "المعلم بما زاد البخاري على مسلم": توفي فجاءة في سلخ ربيع الأول سنة 637هـ (23/59).(1/191)
* مسند بغداد الشيخ أبو بكر ابن أبي أحمد الأنباري، توفي فجأة يوم عاشوراء عام 360هـ (16/63-64).
* القاضي أبو الحسن محمد بن صالح الهاشمي العباسي الكوفي ثم البغدادي(1): مات فجأة في جمادى الأولى سنة 369هـ ((16/227).
* محمد بن جعفر الصادق : كان قد بلغ السبعين ، فيقال إنه جامع ودخل الحمام وافتصد ، فمات فجأة سنة 203هـ (10/105) .
* الإمام الأوزاعي : يقال إن سبب موته أنه اختضب ودخل الحمام الذي في منزل ، وأدخلتْ معه امرأتُه كانونا فيه فحم، لئلا يصيبه البرد، وأغلقت عليه من برّا ، فلما هاج الفحم ضعفت نفسه ، وعالج الباب ليفتحه فامتنع عليه ، فألقى نفسه ، فوجد موسدا ذراعه إلى القبلة (7/127) .
* أبو بكر الإسماعيلي: قال أبو الطيب الطبري (ت450هـ، وله 102سنة): سرت إلى جرجان للقاء أبي بكر الإسماعيلي، فقدمتها يوم الخميس، فدخلت الحمام، ومن الغد لقيت ولده أبا سعد، فقال لي: الشيخ قد شرب دواء لمرض، وقال لي: تجيء غدا لتسمع منه. فلما كان بكرة السبت غدوت فإذا الناس يقولون: مات الإسماعيلي (17/669).
* قال الحاكم: قال الدغولي: في العلماء جماعة فقدوا فجأة فلم يوجدوا، منهم: عبد الرحمن ابن أبي ليلى، فقد يوم الجماجم. ومنهم معمر بن راشد، ولم تعرف له تربة قط. وبَدَل بن المحبر، افتقد ولا يُدرى أين ذهب. ثم سمى جماعة ماتوا فجأة كالشعبي وحميد الطويل والأوزاعي(2) (14/560).
- - -
__________
(1) قال الذهبي: وهو عظيم القدر، واسع العلم، كثير الطلب، حسن التصنيف، ينظر في فنون العلم والأدب، متوسط في مذهب مالك. لا أعلم هاشميا ولي قضاء بغداد غيره. ولم يأخذ رزقا على القضاء، ولا لبس لهم خلعة (السير 16/227).
(2) هناك كثيرون أيضا غيرهم، منهم: العلوي أبو الحسن مسند خراسان (ت401هـ)، (السير 17/99). وشيخ المالكية أبو عمر المكوي، مصنف الاستيعاب في المذهب مائة جزء (ت400هـ). (السير17/149). وراجع من السير أيضا: 17/173، 207، 217 ، 241 ، 274.(1/192)
من ذاكرة التاريخ
اِقرَإِ التاريخَ إِذ فيهِ العِبَر ضاعَ قَومٌ لَيسَ يَدرونَ الخَبَر(1)
* في سنة 235هـ جاء سيل مهول إلى مدينة قرطبة حتى احتمل ربض قنطرتها، واحتمل ست عشرة قرية إلى البحر بما فيها من الناس والمواشي، وهلك ما لا يعد ولا يحصى، فلا قوة إلا بالله (8/261).
* وكثرت العلماء بالأندلس في دولة الحكم بن هشام الملقب بالمرتضى (ت 238هـ) حتى قيل إنه كان بقرطبة أربعة آلاف متقلس متزيين بزي العلماء، فلما أراد الله فناءهم، عز عليهم انتهاك الحكم للحرمات(2) وائتمروا ليخلعوه، ثم جيشوا لقتاله، وجرت بالأندلس فتنة عظيمة على الإسلام وأهله، وقتل منهم ناس كثيرون، وفر عدد منهم عيسى بن دينار الفقيه، ويحيى بن يحيى صاحب الإمام مالك، وقبض على يحيى بن مضر وموسى بن سالم الخولاني، ومالك بن يزيد القاضي وأمثالهم من أهل العلم والدين في سبعة وسبعين رجلا، فضُربت أعناقهم، وصلبوا، فلا قوة إلا بالله. (8/255-257).
* وفي أول خلافة المتوكل (ت 247هـ) كانت الزلزلة بدمشق، سقط منها شرفات الجامع، وانصدع حائط المحراب، وهلك خلق تحت الردم، ودامت ثلاث ساعات، وهرب الناس إلى المصلى يستغيثون. وامتدت إلى الجزيرة، وهلك بالموصل خمسون ألفا، وبأنطاكية عشرون ألفا (12/33-34).
* وفي سنة 240هـ سمع أهل خِلاَط(3) صيحة من السماء، مات منها جماعة كثيرة (12/37).
* وفي سنة 241هـ ماجت النجوم، وتناثرت شبه الجراد أكثر الليل، فكان ذلك آية مزعجة (12/37).
__________
(1) من شعر أحمد شوقي
(2) كان الحكم من جبابرة الملوك، وفساقهم ومتمرديهم، وكان في أول أمره على سيرة حميدة، تلا فيها أباه، ثم تغير، وتجاهر بالمعاصي، وكان يأخذ الناس الملاح، فيخصيهم ويمسكهم لنفسه (السير 8/254).
(3) هي قصبة أرمينية الوسطى.(1/193)
* وفي سنة 242هـ وقعت الزلزلة بقوماس، والدامغان، والري، وطبرستان، ونيسابور، وأصبهان، وهلك منها بضعة وأربعون ألفا، وانهد نصف مدينة الدامغان. ثم في سنة 245هـ عمت الزلزلة البلاد، ومات منها خلائق (12/37-38)
* وفي سنة 286هـ ظهر القرامطة بالبحرين بقيادة أبي سعيد الجنابي، وقد كان كيالا بالبصرة، فقيرا يرفو الأعدال، وهم يستخفون به، ويسخرون منه، فما إن ظهر أمره حتى كثيرت جموعه، وانضاف إليه بقايا الزنج، فحاربوا المعتضد، وهزموا جيوشه مرات، وفعلوا العظائم، ثم قتل أبو سعيد الجنابي، فقيل إنه ذُبح في حمام قصره، فخلفه ابنه سليمان الذي وفد إلى مكة وقتل الحجيج حول الكعبة، وقلع الحجر الأسود.
…ثم استفحل شأن القرامطة، وأسرفوا في القتل والسبي، ووقع الفناء بأذربيجان، حتى عُدمت الأكفان جملة فكفنوا في اللُّبود (13/475-476 باختصار).
* وفي سنة 371هـ وقع حريق عظيم ببغداد، وذهبت الأموال (15/172).
* وفي سنة 400هـ تم القحط الشديد بنيسابور ونواحيها، حتى هلك مائة ألف أو يزيدون، وأُكلت الجيف ولحوم الآدميين (15/177).
* وفي سنة 407هـ سقطت قبة الصخرة (15/180).
* وفي سنة 448 كان بالأندلس القحط الذي ما سُمع بمثله، ويسمونه الجوع الكبير، وكان بمصر القحط والفناء. وكان ببغداد غلاء مفرط وفناء، وأما بما وراء النهر فتجاوز الوصف (15/188-189).
* وفي سنة 461هـ كان حريق جامع دمشق، ودثرت محاسنه، واحترقت الخضراء معه، وكانت دار الملك، من حرب وقع بين عسكر العراق وعسكر مصر (15/189).
* وفي سنة 463هـ اشتد الغلاء بمصر حتى حُكي أن امرأة أكلت رغيفا بألف دينار، باعت عروضا تساوي ألف دينار بثلاث مائة دينار، فاشترت بها جوالق قمح، فانتبهه الناس، فنهبت هي منه فحصل لها ما خبز رغيفا (15/191).
* وفي سنة 468هـ اشتد القحط بالشام.(1/194)
* وفي سنة 596هـ نقص النيل، ووقع القحط، وهلك أهل مصر، وكان ذلك من الآيات الكبار، فإن النيل كسر من ثلاثة عشر ذراعا سوى ثلاثة أصابع. ودخلت سنة سبع والبلاء شديد، وأكلوا الجيف، ولحوم الآدميين، وجرى ما لا يعبر عنه (22/219).
* وفي سنة 654هـ ظهرت الآية الكبرى، وهي النار بظاهر المدينة النبوية، ودامت أياما تأكل الحجارة، واستغاث أهل المدينة إلى الله وتابوا، وبكوا، ورأى أهل مكة ضوءها من مكة، وأضاءت لها أعناق الإبل ببصرى، كما وعد بها رسول الله ^ فيما صح عنه. وكُسف فيها الشمس والقمر، وكان فيها الغرق العظيم ببغداد، وهلك خلق من أهلها، وتهدمت البيوت، وطفح الماء على السور.
* وفي السنة نفسها كان حريق بالمسجد النبوي فاحترق جميعه في أول رمضان من مسرجة القيّم، فلله الأمر (23/180).
* وفي سنة 656هـ دخل عسكر هولاكو بمواطأة الوزير ابن العلقمي إلى بغداد وأعمل السيف فيها بضعة وثلاثين يوما، ورُفس الخليفة المستعصم حتى تلف، وجرت السيول من الدماء، وانقطعت الخلافة العباسية بموته ثلاث سنين وأشهرا بعد أن دامت 524 سنة فلله الأمر. (23/181-184).
- - -
فهرس المصادر والمراجع
حرف الألف
1-إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل : للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط. الثانية/ 1405هـ.
2-الإستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار : للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان ، ط.الأولى /1421هـ.
3-الإصابة في تمييز الصحابة : للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ط. دار الفكر ، بيروت ، لبنان.
4-إعلام الموقعين عن رب العالمين : لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، مطبعة دار السعادة ، مصر ، ط. الأولى/ 1373هـ.
5-إكمال المعلم بفوائد مسلم : لأبي الفضل عيض بن موسى اليحصبي ، تحقيق الدكتور يحيى إسماعيل ، ط. دار الوفاء ، الأولى ، المنصورة ، مصر.(1/195)
حرف الباء
6-البداية والنهاية : للحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمرو بن كثير، مكتبة التراث ، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت ، 1413هـ/1993م.
حرف التاء
7-تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام : للحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، تحقيق د.عمر تدمري، دار الكتاب العربي، ط.الأولى /1407هـ.
8-التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد : للإمام أبي عمر يوسف ابن عبد الله بن عبد البر ، وزارة الأوقاف المغربية ، ط.الأولى / 1387هـ.
9-تهذيب التهذيب : للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ،دار صادر ، بيروت ، ط. الأولى /1326هـ.
حرف السين
10-سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها : للمحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، 1392هـ.
11-سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء على الأمة : للمحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط. الثالثة ، 1392هـ.
12-السنن : للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، تعليق عزت عبيد الدعاس، دار الكتب العلمية، ط.الأولى، 1388هـ.
13-السنن : للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة ، تحقيق أحمد شاكر ، وكمال يوسف الحوت ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط. الأولى / 1408هـ.
14-السنن : للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ، تحقيق مكتبة تحقيق التراث الإسلامي، دار المعرفة، بيروت، ط. الثانية / 1412هـ.
15-السنن : للإمام محمد بن يزيد القزويني (ابن ماجه) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، دار الفكر ،بيروت.
16-السنن : لأبي محمد الدارمي، طبع بعناية محمد أحمد دهمان ، نشرته دار إحياء السنة النبوية.
17-السنن : للحافظ أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني، تعليق عبد الله اليماني المدني، ط./1386هـ.
18-السنن الكبرى : لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، دار الفكر ، بيروت.(1/196)
19-سير أعلام النبلاء : للحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق مجموعة من الباحثين تحت إشراف شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط. السابعة /1410هـ.
حرف الشين
20-شرح صحيح مسلم : للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، مراجعة الشيخ خليل الميس، دار العلم ، بيروت ، ط. الأولى.
21-شرح علل الحديث : لأبي عبد الله مصطفى بن العدوي المصري ، نشر دار ابن رجب ، مصر ، بدون تاريخ.
22-شرح علل الترمذي : للحافظ زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، تحقيق ودراسة د. همام عبد الرحيم سعيد ، مكتبة المنار، الزرقاء ، الأردن ، ط. الأولى /1407هـ.
حرف الصاد
23-صحيح البخاري :للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، باهتمام عبد المالك مجاهد، دار السلام ، الرياض، ط. الأولى /1414هـ.
24-صحيح الجامع الصغير وزياداته : للمحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي ، بيروت ،ط. الثانية /1408هـ.
حرف الضاد
25-ضعيف الجامع الصغير وزياداته : للمحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي ، بيروت ،ط. الثانية /1408هـ.
26-ضوابط الجرح والتعديل : د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف، ط. الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الأولى /1412هـ.
حرف الفاء
27-فتح الباري بشرح صحيح البخاري : للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تصوير دار المعرفة، بيروت ، عن الطبعة السلفية.
حرف اللام
28-لسان الميزان : للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، بتحقيق وإشراف محمد بن عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت، ط. الأولى /1416هـ.
حرف الميم
29-كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين : للحافظ محمد بن حبان البستي ، تحقيق محمود إبراهيم زايد، ط. دار المعرفة، بيروت.(1/197)
30-مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط. الثانية/1402هـ.
31-مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية : جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم العصمي النجدي بمساعدة ابنه محمد ، تصوير عن ط. دار الإفتاء، الرياض، 1391هـ.
32-مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للعلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز، طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والدعوة والإرشاد، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط. الثانية، 1411هـ/1990م.
33-المستدرك : لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، دار الفكر ، بيروت، 1398هـ.
34-المسند : للإمام أحمد بن حنبل ، مصورة الطبعة المنيرية الحجرية.
35-مشكاة المصابيح : للشيخ محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي ، تعليق محمد ناصر الدين الألباني وآخرين ، نشر المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط. الثانية /1399هـ.
36-معالم السنن : لأبي سليمان أحمد بن محمد الخطابي ، تصحيح راغب الطباخ، المطبعة العلمية ، حلب ،1932م.
37-منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية : لشيخ الإسلام أحمد ابن عبد الحليم ابن تيمية الحراني ، تحقيق د. محمد رشاد سالم ، مؤسسة قرطبة ، القاهرة ، ط. الأولى 1406هـ.
38-الموضوعات لابن الجوزي ، ضبط وتقديم وتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية، المدينة النبوية، ط. الأولى، 1386هـ/1966م.
39-الموطأ : للإمام مالك بن أنس الأصبحي ، بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
40-ميزان الاعتدال في نقد الرجال : لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، تحقيق محمد علي البجاوي ، دار الفكر ، بيروت.
حرف النون
41-نصب الراية لأحاديث الهداية : لجمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي ، نشر المكتبة الإسلامية ، ط. الثانية / 1393هـ.
الفهرس الشامل للمواضيع والفوائد(1/198)
المقدمة :.............................................................1
ترجمة موجزة لمؤلف سير أعلام النبلاء، وفيه مبحثان:...................5
المبحث الأول: التعريف بالعصر الذي عاش فيه . وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الحالة السياسية:.........................................5
المطلب الثاني: الحالة الاجتماعية .......................................6
المطلب الثالث: الحالة العلمية والفكرية .................................7
المبحث الثاني: حياته الشخصية والعلمية . وفيه سبعة مطالب:...........10
المطلب الأول: اسمه ومولده ونشأته ...................................10
المطلب الثاني: شمائله وأخلاقه . .....................................12
المطلب الثالث: منزلته العلمية . ..................................12
المطلب الرابع: مناصبه التدريسية ......................................14
المطلب الخامس: آثاره العلمية ........................................14
المطلب السادس: عقيدته ومنهجه.....................................15
المطلب السابع: وفاته ...............................................18
تفسير السلف لصفات الله تعالى :....................................19
قول الإمام مالك....................................................19
قول أبي عبيد القاسم بن سلاّم:....................................... 19
قول نعيم بن حماد:..................................................20
قول إسحاق بن راهويه:..............................................21
قول أبي سعيد الدارمي:..............................................22
قول الخطيب البغدادي:..............................................23
السلف يكرهون الكلام والجدل :.....................................24(1/199)
فتوى ابن الصلاح في الفلسفة والمنطق:................................24
متى دخل الكلام في أهل المغرب ؟.....................................25
فتن جرت في تاريخ الأمة:...........................................26
وقوع الفتنة في الأمة - نعوذ بالله من الفتن :...........................26
أصناف الناس بعد وقوع الفتنة :......................................27
موقف المسلم من المرويات في مثالب الصحابة:.........................31
انتهاك الحجاج لحرمة البيت الحرام:....................................34
وقعة الحرة بالمدينة:...................................................35
فتنة التتار:.........................................................36
طرائف من أخبار السلف:..........................................40
أكرم النساء مهرا :.................................................40
أحسن الناس صوتا بالقرآن :.........................................40
بلال ليس بحبشي وصهيب ليس برومي:...............................41
شهادة لأبي الدرداء...................................................41
أُمْنِيّة عبد الله بن عمر :..............................................42
من زهد عبد الله:..................................................42
ما يشتكيه عبد الله بن مسعود :......................................43
حسن إسلام أبي سفيان:.............................................44
مثال في متابعة الصحابة للرسول ^:...............................45
أبو ذر الغفاري:...................................................45
من طيب نفوس الصحابة :...........................................46
من حرص الصحابة على العبادة:.....................................46(1/200)
لما ذا تزوج عمر ابنة فاطمة:.........................................48
العشرة المبشرون بالجنة :..............................................49
خلافة الصديق في نص القرآن:........................................51
من أخبار القيامة:..................................................52
ضغطة القبر :.......................................................52
بين أهل السنة والمبتدعة:...........................................54
الاتباع وترك الابتداع:..............................................54
الغيرة على السنة:..................................................54
وصف الرجل بالسني و السلفيّ ؟....................................55
التحذير من البدع وأهلها:...........................................57
هجر المبتدعة وترك مجالستهم:.........................................58
عدم شهود جنازة المبتدعة:...........................................59
المبتدعة أسرع الناس ردة:............................................59
من لم يسمع من المبتدعة ولم يُسمعهم:................................60
الاحتفال بالمولد في القرن السابع:.....................................61
المبتدعة يدعون إلى ترك السنن:.......................................62
من سمع ببدعة فلا يحكها لغيره:.......................................63
رؤوس المبتدعة عند المأمون:..........................................63
كتاب "الشكوك" لابن عبد القدوس:..................................63
ثلاث إخوة وست إخوة:............................................64
بدعة التحزب في الدين:.............................................65
من غرائب أقوال المبتدعة:............................................65(1/201)
الشيعة والتشيع:...................................................67
ابن العلقمي الشيعي يخون المسلمين ويتواطأ مع التتّار:................67
العبيديون يمتحنون أهل السنة:........................................68
الشيعة الإسماعيلية:..................................................69
انتشار الرفض في مصر والشام:.......................................70
أئمة أهل البيت يتبرأون من الرافضة:...................................71
الاعتزال والمعتزلة:.................................................72
ومن غرائب أقوال المعتزلة:..........................................72
الإرجاء والمرجئة:..................................................74
التصوف والصوفية:................................................76
عقيدة الصوفية القدامى وعبادتهم:.....................................76
الجوع قوام التصوف:...............................................76
بين الرهبانية والتصوف:............................................78
الغلو في الصالحين:.................................................80
بين الأستاذ والمريد:................................................83
عقيدة الحلاج:.....................................................84
ومن أقواله:.......................................................84
ومن دعائه:.......................................................85
وصيته لتلميذه:....................................................86
مسائل في طلب العلم وأخبار العلماء................................87
النية في طلب العلم:................................................87
مبدأ تعلم ابن حزم للعلم:...........................................88
من حفظ 50 ألف حديث:..........................................88(1/202)
إن الله يرفع بهذا الدين أقواما :......................................89
غربة العلماء:......................................................89
من أعلم الناس؟...................................................89
أحفظ أهل الدنيا:..................................................90
المعين على حفظ العلوم:............................................91
من ابتلي بولد سوء أو ورّاق سوء:...................................91
ردود العلماء بعضهم على بعض:....................................92
العلوم التي يحرم تعلّمها:.............................................93
من كان علمه وبالا عليه:...........................................94
علم القراآت:.....................................................96
من كره قراءة حمزة:................................................96
متى حدث الخلاف في قراءة يعقوب؟..................................97
القراءة بالشواذ:.....................................................99
القراءة بالمعنى لضرورة:..............................................99
من أخبار أهل الحديث:...........................................100
هل ذُكر المحدثون في القرآن؟.......................................100
معاناتهم في طلب الحديث:.........................................100
بديع الزمان ينازع المحدثين:.........................................102
مذاكرتهم الحديث عند انتظار الجنازة :...............................103
تقديمهم الحديث على النوافل:......................................104
تعظيمهم الحديث وحملته:...........................................106
التحديث بالأجرة:................................................108
من أخطأ في صلاته يذكر حدثنا:....................................109(1/203)
ما يحتاج إليه المحدث :.............................................109
احتياطهم في رواية الحديث:.........................................110
إعلام الناس باحتلام الغلام أثناء الطلب :...........................110
غاية المحدث:.....................................................110
بين المحدثين القدامى والجدد:.......................................111
مسائل في علم المصطلح والجرح والتعديل:.........................113
بين الحديث الصحيح والحسن:.....................................113
منزلة أحاديث مسند أحمد:........................................114
منزلة كتاب المستدرك للحاكم :....................................114
الحديث الضعيف في فضائل الأعمال :...............................115
مراسيل الزهري:.................................................116
مراسيل عطاء والحسن:............................................117
منزلة علماء الجرح والتعديل :.......................................117
لا يقبل الجرح إذا تبين أن الصواب خلافه:...........................118
لا يُقبل جرح من مجروح:...........................................119
فائدة لا فائدة فيها:................................................121
حفاظ ضعفاء:...................................................122
ثقة لا يكاد يحدث عنه ثقة:........................................124
رأي الإمام الذهبي في الواقدي:......................................125
حفاظ لم يأخذ عنهم البخاري:.....................................126
لماذا لم يرو البخاري حديث يحيى بن بكير عن مالك؟..................126
لما ذا روى مسلم حديث سويد ؟...................................127
أحاديث مسلم ليست من العوالي:...................................128(1/204)
أحاديث الترمذي في السنن:........................................129
بين تشدد شعبة وتعنت ابن حبان:...................................130
رواية الثقة في دينه غير المأمون في روايته:.............................130
رواية المتهم في دينه الثقة في روايته:..................................131
رواية المبتدع:.....................................................132
فوائد في التصنيف والمصنفين:.....................................134
موطأ مالك ورواياته:..............................................136
منزلة المستخرجة ورواياتها:.........................................136
أصل المدونة:.....................................................137
مختصر المزني ومنزلته:...............................................138
من هُجر من أجل كتبه:...........................................139
أنفع الكتب لطالب العلم:.........................................141
ابن العربي وكتابه "الفصوص":.....................................142
من وضع نهج البلاغة ؟............................................142
تصانيف ابن مندة:...............................................144
أوهام الخليلي في "الإرشاد":.......................................144
أبو الفرج ابن الجوزي وتصانيفه:...................................144
فوائد من أحاديث المصطفى صلىالله عليه وسلم وسيرته:............146
كم يحتاج إليه المسلم من الأحاديث؟.................................146
الدين النصيحة :..................................................147
إن الدين يسر :...................................................148
لا حسد إلا في اثنتين :.............................................149
من خصائصه ^:................................................150(1/205)
هل قرأ النبي ^ أوكتب شيئا ؟:.....................................152
الفرق بين القيام للقادم والقيام إليه:..................................155
العلماء والكتب:.................................................156
المولعون بالكتابة:.................................................156
حرص العلماء على الكتب ونسخها واقتناعها:.......................157
علماء وقفوا كتبهم:................................................158
علماء دفنوا كتبهو أو أحرقوها:.....................................159
علماء محوا كتبهم أو غرّقوها:.......................................159
تزوج امرأة فاستفاد منها كتبا :.....................................161
من باع كتب والده:..............................................161
علم الفقه وأصوله:...............................................162
من كره التعمق في مسائل الرأي والقياس:............................162
هل يُعتد بخلاف الظاهرية؟.........................................163
لما ذا لم يأخذ مالك بحديث "البيِّعان.."؟.............................164
من فقه الإمام أحمد:...............................................165
من غرائب الفقهاء:...............................................166
بين التقليد والاتباع :..............................................167
شرط مخالفة إمام المذهب:...........................................169
أخبار القضاة والمفتين:.............................................172
سن القضاء والإفتاء:................................................172
قاض أنصف تاجرا من أمير:........................................173
كيف عُزل قاضي القضاة:..........................................173(1/206)
أجرؤ الناس على الفتيا:............................................173
ترك الإفتاء بالرأي:................................................174
من لم يجب عن كل سؤال يُطرح عليه:..............................175
من أجاب بـ"لا أدري" :.........................................176
الخوف من التكاثر بمسائل الفتيا:.....................................177
من أخلاق العلماء :...............................................178
التواضع وعدم الغرور:.............................................178
الزهد :..........................................................180
ما يقوله العالم إذا قيل له اتق الله:...................................180
من لم يبتسم:....................................................181
الصبر على الابتلاء:...............................................183
الإنصاف:........................................................184
الدعاوى لا تثمر خيرا:.............................................185
الاعتزاز بالنفس :.................................................185
عدم الثقةِ بالنفس والأمنِ من مكر الله :..............................186
حسن الظن بالله:.................................................186
النظافة :.........................................................186
الورع :..........................................................187
أشد الورع:.......................................................189
الكرم :..........................................................189
شكر المعروف:...................................................193
الحب في الله والبغض في الله :.......................................194
كراهة الشهرة :..................................................194(1/207)
الخوف من الرياء :................................................194
ترك الغيبة :.......................................................195
ترك الكلام عند الغضب:...........................................195
ترك الخصام :.....................................................195
تنافس الأقران من العلماء:........................................196
بين الحاكم وابن قتيبة :.............................................196
بين يحيى ابن أبي كثير وقتادة :.......................................196
بين مطّين وابن أبي شيبة :..........................................196
قول مغيرة في أبي إسحاق والأعمش :................................197
لما ذا طعن الإمام أحمد في هشام بن عمار؟............................197
بين مالك وبعض معاصريه من العلماء:...............................198
تنازع العلماء على كرسي الشافعي:.................................198
تنافس الأقران من الفقهاء:..........................................199
التنافس بين علماء اللغة:...........................................200
الاعتذار عن أفاضل العلماء:.......................................201
الاعتذار عن ابن نصر :.............................................201
الاعتذار عن ابن حزم :.............................................202
قتادة يرى رأي القدرية :...........................................202
القفّال ينصر رأي المعتزلة :.........................................203
الموازنة بين وكيع وابن مهدي:......................................204
عبادة وكيع:.......................................................204
محنة وكيع:........................................................206(1/208)
ومن زلات ألسن العلماء:...........................................208
من أخبار الملوك والحكّام:.........................................215
عمر وتقسيم الفيء:................................................215
مسروق أميرا على السلسلة :........................................215
أمير يجل أهل العلم:................................................215
حلم معاوية :......................................................216
عمر بن عبد العزيز:................................................216
الحكم بن هشام الأموي:...........................................217
الحجاج السفّاك:...................................................217
الوليد بن عبد الملك:...............................................218
سلطان الأندلس الناصر لدين الله:....................................219
أخبار جِنكِزخان:.................................................220
الظاهر بالله ابن الناصر بالله ابن المستضيء بالله:.......................220
الخليفة المستنصر العباسي:..........................................221
الحاكم بأمر الله العبيدي:...........................................222
قطر الندى مع زوجها المعتضد:......................................222
خليفة قتلته امرأته:.................................................223
خليفة لم يزل صائما منذ أن استُخلف :..............................223
ملك أبى أن يتداوى بالخمر :........................................223
السلطان مسعود ابن محمد بن ملكشاه السلجوقي:....................224
مِنْ كرم الوزير الحسن بن سهل:.....................................224
الوزير القاسي:......................................................225(1/209)
بين العلماء والحكام:.................................................226
عطاء وعبد الملك :..................................................226
طاووس وسليمان بن عبد الملك : ...................................227
الزهري مع هشام بن عبد الملك :....................................227
من كره مصاحبة الملوك:............................................228
من اتقى جوائزهم:................................................229
فَرّ من هدية السلطان:..............................................230
أثر الولاية على العلماء:............................................230
من استعفى السلطان من العمل :....................................232
من وعظ السلطان بنصيحة مخلصة :..................................232
من صدع بالحق أمام السلطان :.....................................234
من أغضب السلطان بقوله :........................................236
حكّام عرفوا قدر أنفسهم :.........................................237
من كتب إلى الخليفة ليبين له الحق:...................................238
من لم يقم للسلطان:...............................................239
الناس في العلم سواء:...............................................240
أخبار الفتوح والغزوات وحكايات الأقوياء والشجعان:.............241
يوم اليرموك:.......................................................241
فتح اصطخر:......................................................241
من أخبار الأكاسرة:...............................................242
فتح إفريقية:.......................................................243
انتصار المسلمين على جيوش الهند:...................................244
الملحمة العظمى بالأندلس:..........................................245(1/210)
معاذ بن عمرو بن الجموح:.........................................245
حكيم بن جبلة:...................................................246
عمرو بن معديكرب:..............................................246
خالد بن عبد الله القسري:.........................................247
حكايات الصالحين والعبّاد:.........................................248
عمر بن عبد العزيز:................................................248
وفاة ذر بن عمر :..................................................249
عزاء المري لمن مات ولده:..........................................249
من لم يعرف الكذب :..............................................250
من لم يسمح لجلسائه بالغيبة:........................................250
من كره أن ينتشر ذكره في الناس:...................................250
من كره فضول الكلام:............................................251
من كره لأخيه ذل السؤال:.........................................251
من فرح بالابتلاء:..................................................251
الذين إذا رؤوا ذكر الله :..........................................253
من لا ينام في السَّحر :.............................................254
مات في الركعة الأولى:.............................................254
مات وهو ساجد خلف المقام:.......................................254
الجرجاني في صلاته:................................................255
من أحب تلاوة القرآن:.............................................255
كيف يختم بعض السلف؟...........................................256
من جزّء الليل بينه وبين أهله :.......................................257
التفكر في الآخرة :................................................258(1/211)
الإسرار بالعبادة:..................................................258
الإكثار من ذكر الله :..............................................259
مفهوم الذكر عند بعض السلف :....................................260
من كره أن يسترقي :...............................................260
من أحب صلاة الليل :............................................260
من كرر سورة واحدة يتدبرها:.....................................261
من بكى عند التلاوة :.............................................261
البكاء من خشية الله :..............................................263
من بكى في الخطبة والصلاة:.......................................264
بكى شوقا إلى الصلاة :............................................265
من تذكر الموت فبكى :............................................265
صفتان متناقضتان في الظاهر :......................................266
لسعه زنبور ولم يقطع صلاته:.......................................266
من لا يتهاون بالتكبيرة الأولى:......................................266
من حج ماشيا:....................................................267
من أحرم بالحج قبل الميقات:........................................268
طرائف من أخبار الأذكياء والظرفاء:...............................269
الفتح ابن خاقان :..................................................269
أبو العيناء الإخباري :..............................................269
جاء ليسرق عندنا فسرقناه :.........................................269
كلمات في الطلب :...............................................270
توقيع:............................................................271
من طرائف أبي العيناء:..............................................272(1/212)
ومن طرائف الأعمش:.............................................273
أردت شينا فصار زينا:.............................................273
من قُذف في النوم :................................................274
من يأخذ عطاءه على قدر علمه :....................................274
حيلة من ذكي:...................................................274
سرعة البديهة:.....................................................276
من لم ينتهز الفُرَص ضاعت عليه:....................................277
اتق لسان الشعراء:.................................................278
من طرائف أبي نعيم :..............................................280
يحتجون علينا بالطيور !.............................................280
الشريف علي الرضى :.............................................280
كم سن هشام ؟ :.................................................281
عمر بن ذر القدري:...............................................281
عامر بن شراحيل الشعبي :.........................................281
قصة الباهلي مع المنصور :..........................................282
من نُكَت العميان:...............................................283
أحفظ من العميان:................................................283
بركة دعوة الرسول ^ لبعض العميان:............................284
شكاوى العميان:..................................................286
من تفاءل بالعمى:..................................................287
من فخر العميان:..................................................288
تمنى العمى فأصبح أعمى............................................289
ومن نوادر العميان:................................................289(1/213)
أعرق الناس في العمى:.............................................290
ومن أغرب أخبار العميان:.........................................291
ومن شعر العميان:................................................292
وصايا ونصائح وحِكَم ومواعظ:..................................293
خير ما أعطي الإنسان :...........................................300
خطبة شداد بن أوس :.............................................301
وصية فضالة:......................................................301
وصية ابن سينا:...................................................302
من لا يرجى نفعه:................................................302
بئس الرفيقان :....................................................303
الناس ثلاثة :.....................................................303
ثلاثة لا تقربها:....................................................303
تعاهد نفسك في ثلاث:............................................304
ثلاثة هي للبر والفاجر:............................................304
الخلق أربعة :.....................................................304
وخصال التوكل أربعة:............................................304
والاستقامة في أربعة:...............................................305
ولا يكمل الرجل إلا بأربع:.........................................305
وللمروءة أركان أربعة:.............................................305
صلاح خمسة في خمسة :.............................................306
والخير في خمسة:..................................................306
أصول التصوف الستة:.............................................306
الدرجات سبع:...................................................307(1/214)
وتكامل الإنسان في سبع:..........................................307
كرامات الأولياء ومخاريق الشياطين: ..............................308
منزلة الكرامات عند العلماء:.......................................308
كرامة لأبي الآذان البغدادي :.......................................308
كيف نجت كتب أبي الحسن القزويني :..............................309
أُلقي على سَبُع فلم يضره :.........................................309
عاد إليه بصره وهو نائم!...........................................310
أقسم على الله فأبره:..............................................310
كرامة لأبي هريرة بعد موته:........................................311
وأخرى لابن نافع:.................................................312
وثالثة للرياشي:....................................................312
مخاريق الحلاّج:....................................................313
مجابو الدعوة :.....................................................314
وكفى الله المؤمنين القتال :.........................................317
غرائب الأخبار:..................................................318
أناس لا يأكلون ولا يشربون :......................................318
من عاش بعد الموت :..............................................318
بلغت لحيته ركبته :................................................321
أطول العرب :....................................................321
النسناس: خلق آخر يشبه الناس!....................................322
ببغاء تقرأ (قل هو الله أحد):........................................323
تزوج بتسع مائة امرأة :...........................................323(1/215)
من أَسَنّ ولم يُثغر:..................................................323
ولي الإمارة وهو في بطن أمه:.......................................324
عجوز من الأقوياء:................................................324
مصارع العشاق:..................................................325
شاب قتله الغرام:.................................................325
قتيل الحب:.......................................................326
ماتت من أجل قُبلة:..............................................326
عشاق الصور:.....................................................327
ومما قيل في الحب:................................................328
طرائف من الشعر وأخبار الشعراء:................................330
وإنهم يقولون ما لا يفعلون!:.......................................330
نظم شعرا وهو نائم:..............................................331
أجازه المهدي ومنعه المنصور:.......................................332
الكميت والفرزدق:...............................................333
الصابئ الأديب:..................................................334
في ذم الدنيا:......................................................334
عواقب طول العمر :..............................................335
في الوعظ:.......................................................336
في مدح العلم:...................................................338
في الندم :........................................................338
قبول العذر :.....................................................339
ومن الرثاء:......................................................340
دالية ابن العلاف في رثاء الهر:......................................342(1/216)
الأوائل والأواخر:................................................346
آخر الصحابة موتا:...............................................350
ومن الأواخر:....................................................351
وصايا المحتضرين:................................................353
وصية الإمام جعفر بن محمد لولده موسى:............................357
فوائد متنوعة:....................................................360
من وضع الكتابة العربية ؟..........................................361
غيرة النساء:.....................................................362
فضل عائشة على النساء في العلم:...................................364
عاقبة الغدر:.....................................................365
تعظيم التوراة والإنجيل:............................................367
من مكايد الشيطان:..............................................368
جهلة المصلين !..................................................368
التخصص في أمة محمد ^:.......................................368
أناس ماتوا فجأة :................................................369
من ذاكرة التاريخ:..............................................374
فهرس المصادر والمراجع:........................................379
الفهرس الشامل للمواضيع والفوائد:..........................385
ترقبوا قريبا :
فتح رب البرية
باستخراج أدلة مقدمة العزّية
تأليف
أبي رملة محمد المنصور إبراهيم(1/217)