أمة لن تموت
الدكتور / راغب السر جاني
www.islamstory.com
مقدمة الكتاب
إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهدي الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد:
فإن الناظر إلي بلاد المسلمين يجد أن كثيراً من أبناء المسلمين قد أصابهم الإحباط من واقع المسلمين ، ويأسوا من أن تقوم لأمة الإسلام قائمة من جديد. كثير من أبناء المسلمين يعتقدون أن سيادة المسلمين للعالم كانت تاريخاً مضى ، وأن المستقبل قد يكون للشرق أو للغرب، ولكن حتما - أو غالبا - ليس للمسلمين ، وأكثر هذه الطائفة تفاؤلاً يعتقد أنه لو كان الإسلام سيعود من جديد لصدارة الأمم ، فإن هذا لن يكون إلا بعد عمر مديد، وأجل بعيد ، لا نراه نحن ولا أبناؤنا ، ولا حتى أحفادنا.
في هذا الجو من الإحباط واليأس ، يستحيل علي المسلمين أن يفكروا في قضية فلسطين أو الشيشان أو كشمير أو العراق أو أفغانستان أو غيرها ، فضلا عن أن يسهموا في حلها ، ومن ثم فإن حديثنا في هذا الكتاب سيتناول وسيلة هامة من وسائل بناء هذه الأمة، ألا وهي زرع الأمل في نفوس المسلمين ، ومحو الإحباط الذي سيطر على طوائف شتى من الأمة الإسلامية، وبالذات الشباب منهم..
وقد قسمت الكتاب إلى بابين رئيسيين. أما الباب الأول فهو بعنوان: "لماذا أحبط المسلمون؟" ، وأتحدث فيه عن الأسباب التي أدت إلى إحباط المسلمين. وأما الباب الثاني فهو بعنوان: "أمة لن تموت" وأتحدث فيه عن عشر حقائق هامة، تشير جميعها إلى أن هذه الأمة فعلاً لن تموت!
والكتاب في مجموعه دعوة للأمل...
الأمل في قيام جديد... الأمل في سيادة و تمكين... الأمل في نصر و صدارة...
الأمل في أن تستعيد هذه الأمة مكانتها الطبيعية بين الأمم... تلك المكانة التي أرادها الله لها ، وما ذلك على الله بعزيز......(1/1)
وأسأل الله أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتي و حسناتكم أجمعين..
والآن مع صفحات الكتاب...
الباب الأول
لماذا أحبط المسلمون؟
إنه لمن العجب حقاً أن تحبط أمة تملك كتاباً مثل القرآن ، وحديثاً مثل حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم.. وإنه لمن العجب حقاً أن بيأس شعب له تاريخ مثل تاريخ المسلمين ، وله رجال أمثال رجال المسلمين.. وإنه لمن العجب حقاً أن يقنط قوم يملكون مقدرات كمقدرات المسلمين ، وكنوزاً مثل كنوز المسلمين. عجيب حقا أن تقنط هذه الأمة وقد قال ربها في كتابه: "قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون".. لكنها حقيقة مشاهدة ، وواقع لا ينكر. والواقع أن غياب الأمل ، وضياع الحلم، وانحطاط الهدف ، كارثة مروعة حلت على المسلمين ، ومصيبة مهولة لا يرجى في وجودها نجاة. لابد أن الذي زرع اليأس في قلوب بعض المسلمين أمر تعاظم في النفوس الواهنة ، وحدث أكبرته القلوب الضعيفة ، فخضعت خضوعاً مذلاً حين كان يرجى لها الانتفاض ، وركعت ركوعاً مخزياً حين كان يرجى لها القيام.
لابد أن نقف وقفات ووقفات ، لنحلل وندرس ونفقه:
لماذا صرنا إلى ما صرنا إليه؟!! وكيف السبيل لقيام وسيادة وصدارة ومجد؟
أما لماذا صرنا إلى هذا الوضع فهذا يرجع إلى عوامل عديدة ، وتراكمات مختلفة ، نستطيع أن نقسمها إلى قسمين كبيرين: القسم الأول هو واقع صنعه المسلمون بأيديهم لما فرطوا في دين الله ، وابتعدوا عن منهج الله ، واستهانوا - وأحياناُ تحالفوا !!- بأعداء الله. أما القسم الثاني فهو مؤامرة بشعة ، نسجت خيوطها على مدار أعوام طويلة ، وتعاون على التخطيط لها طوائف مختلفة من أعداء الأمة.
أولاً الواقع الذي يعيشه المسلمون:(1/2)
(1)ـ الواقع الذي يعيشه المسلمون من هزائم متكررة بدءاً من سقوط الخلافة العثمانية ومن سقوط فلسطين وإعلان إسرائيل في1948 ومن هزيمة مرة في 1956- لولا الرئيس الأمريكي أيزنهاور الذي جعل المسلمين يصورون الحدث وكأنه نصر، بل ويحتفل به بعد ذلك! - ومروراً بنكسة 1967 وتدمير الجيش المصري والسوري وضرب كل المطارات - حتى المطارات الداخلية جدا مثل المنيا والأقصر والغردقة وأبو صوير - في هزيمة كبيرة منكرة. حتى نصر أكتوبر 1973 - والذي كان نصراً مجيدا حقا - أتبع بثغرة مرة ، وبوقف لإطلاق النار ، وبخسارة سريعة لمكاسب هائلة.
(2)ـ الواقع الذي يعيشه المسلمون من خيانات مستمرة في أطراف كثيرة متفرقة من العالم الإسلامي ، أدت إلى ضياع البلاد والعباد ، وأدت إلى غياب القدوة ، وفقد الثقة في كل من يقود.
(3)ـ الواقع الذي يعيشه المسلمون من إباحية في وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية ، ومجاهرة بكل فسق ومجون وانحلال ، وافتخار بكثير من الموبقات ، وإهمال لمشاعر أمة كاملة عاشت قروناً وهي تحترم كل قانون إسلامي ، وكل أدب إسلامي ، وكل عرف إسلامي.
(4)ـ الواقع الذي يعيشه المسلمون من سرقات وإحتيالات ، ورشوة وفساد ، و هروب بمليارات من أموال المسلمين ، بينما يتضور بعضهم - أو كثير منهم - جوعاً.
(5)ـ الواقع الذي يعيشه المسلمون من انهيار للإقتصاد، وديون متراكمة، وإفلاسات مشهرة ، وسيطرة هائلة للإقتصاد الأجنبي على معظم مقاليد الأمور في البلاد الإسلامية ، واتساع مهول للفجوة بين طائفة الأغنياء القليلة جداً وبين طائفة الفقراء - أو المعدمين - عظيمة الاتساع.
(6)ـ الواقع الذي يعيشه المسلمون من فرقة وتناحر وتشاحن بين المسلمين ، حتى قل أن تجد قطرين متجاورين لا يتنازعان على الحدود والأفكار و أحياناً على العقائد. بل وقد يمتد الصراع أحياناً - أو كثيراً - بين المتمسكين بهذا الدين من أبناء المسلمين.(1/3)
هذا الواقع يورث في نفوس بعض المسلمين - أو في نفوس كثير من المسلمين - إحباطاً ويأساً يشعرون معه أن القيام من جديد - إن لم يكن صعباً - فهو من ضروب المستحيل.
ثانياً: المؤامرة الفكرية على الإسلام:ـ
والمؤامرة على الإسلام قديمة جداً وطويلة جداً وذات أبعاد كثيرة ، وليس المجال متسعاُ لشرح أبعاد المؤامرة بالكامل ، ولكن ما يهمنا في هذا المقام هو الحديث - بإيجاز - عن أحد أبعاد هذه المؤامرة وهو البعد الفكري منها.
لقد دأبت طوائف شتى من أعداء الأمة على العمل على انحراف أفكار الأمة عن الفكر الإسلامي الصحيح ، ومن ثم تفقد الأمة المقياس السليم للحكم على الأمور. وكان أحد الأهداف الواضحة والمحددة لهذه المؤامرة هو زرع بذور اليأس في قلوب المسلمين ، وإقناعهم باستحالة النهوض من هذه الكبوة التي وقعوا فيها.
لكن بداية ، من هم هؤلاء المتآمرون على الإسلام؟!
لقد اشترك في هذه المؤامرة الكثيرون:
(1)ـ المستشرقون: وهم طائفة من العلماء الأوربيين، أكل الغل قلوب معظمهم، وحرق الحقد صدور غالبيتهم، وأعمي الحسد بصائر جلهم، فجاءوا يتعلمون الإسلام، ويدرسون تاريخه ورجاله ومنهجه، لا ليهتدوا بهداه، ولكن ليطعنوا فيه، وليلبسوا على المسلمين دينهم.. انتشرت كتبهم، وعمت أفكارهم، وطغى تحليلهم، وباتوا شوكة حامية في حلق المسلمين.(1/4)
(2)ـ المستغربون: لقد تبع هؤلاء المستشرقين طائفة أخرى يحلو لي أن أسميها طائفة المستغربين. وهم من أبناء المسلمين الذين فتنوا بالغرب، وتاقت نفوسهم إليه، واستغل الغرب الفرصة، ومدوا إليهم أيديهم بالسوء ، وصنعوهم على أعينهم ، ودسوا في عقولهم أفكارهم، ثم أعادوهم إلى أوطانهم.. يحبطون أبناء جلدتهم، ويشككونهم في دينهم، ويقنطونهم من القيام إلا بإتباع الغرب، حتى إن بعضهم كان يقول إن بلادنا لن تتقدم إلا إذا نقلت ما في لندن وباريس، بحلوه ومره، وبحسنه وسيئه، وبمعروفه ومنكره!!..لقد ذهب أحدهم - وهو من أبناء الأزهر الحافظين للقرآن - إلى فرنسا فتعلم هناك، ثم عاد إلى بلاد المسلمين، يعلم تلامذته أن ينقدوا القرآن الكريم.. فهذه آية قوية، وهذه آية ضعيفة.."كبرت كلمة تخرج من أفواههم ، إن يقولون إلا كذباً" وكان يقول لتلامذته ليس معنى أن القرآن ذكر وجود إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام أن هذا أمر حقيقي!!.. لابد من برهان مادي.. وكان يقول لتلامذته إن الآيات المدنية أكثر نضجاً من المكية!!، وكأن هذا من تراكم الخبرة "تعالى الله عما يصفون".. وكان يكتب كتباً عن الصحابة - وبالذات في زمن الفتنة - فيطعن في كل من استطاع بلا خجل ولا مواربة، ثم إذا به يترقى في المناصب حتى يصبح وزيراًُ للتعليم!، يربي ويعلم ملايين التلاميذ.. وهكذا أصبح الشيخ الأزهري من دعاة العلمانية والإحباط، والأزهر منهم براء..
(3)ـ المستعمرون: اشترك أيضا في مؤامرة الإحباط المستعمرون الذين جثموا على صدور الأمة عشرات السنين، أذاقوها من العذاب ألواناً.. في مصر وفلسطين وسوريا ولبنان وليبيا والجزائر وتونس والمغرب واليمن والسودان والعراق والكويت و في كل بلاد المسلمين.(1/5)
(4)ـ بعض الحكام: اشترك في المؤامرة أيضاً بعض الحكام المسلمين الذين أقنعوا شعوبهم أنهم لا طاقة لهم اليوم بجالوت وجنوده..ولا سبيل لحرب الدول " الكبرى" ..وأنهم إن لم يكونوا تبعاً لهذا فليكونوا تبعاً لذاك..وأن الفجوة بيننا وبينهم لا تعد بالسنين بل بالقرون..
(5)ـ السلبيون من المسلمين: وهي طائفة كبيرة قد تدرك الحق لكنها لا تعمل له، وقد تعرف المعروف ولكنها لا تأمر به، وقد ترى المنكر ولكنها لا تنهى عنه..إنهم ينتظرون إما حلاً من السماء ، أو من غيرهم من أهل الأرض!!..ليس لهم عمل إلا الانتقاص من غيرهم ، ونقد العاملين الحاملين للواء هذا الدين..
ماذا فعلت هذه الطوائف الهمجية؟!
لقد فعلوا جرائم عدة ، فعلى سبيل المثال:
(1)ـ جريمة تزوير التاريخ: وهي جريمة بشعة لا يتسع المجال للخوض في تفصيلاتها الآن ، وقد أفردت لها محاضرة خاصة..لقد كذبوا وزورا، والتقطوا الضعيف والموضوع، وأعرضوا عن الصحيح والحسن، ونقبوا عن المصائب ـ ولابد أن في تاريخ كل أمة مصائب ـ وتركوا الأمجاد والفضائل.. ركزوا على الجوانب السياسية بمشكلاتها، وأغفلوا الجوانب الأخلاقية والعلمية والمعمارية والعسكرية والاقتصادية والفكرية والأدبية وغيرها من جوانب الحضارة.. أساءوا التأويل عن عمد، وطعنوا في الشرفاء عن قصد، فخرج التاريخ إلينا مسخاً مشوهاً، يستحي منه الكثير، ويتناساه الأكثر، واقتنع المعظم بأنه إذا كان السابقون الأولون علي هذه الشاكلة، فكيف يرجى خير ممن لحق!!..لقد كانت حقاً جريمة كبرى!!!(1/6)
(2)ـ جريمة تشويه الواقع: فهم طمسوا تاريخ المسلمين المشرق، فليطمسوا واقعهم وحاضرهم.. فليشترك المربون والإعلاميون من المستغربين في تغييب الأمة ، وزرع اليأس في القلوب ، وليساعد الإعلام الغربي في هذه المهمة ، فتسمى الأشياء بغير أسمائها ، فليكن الالتزام بالإسلام مرادفاً للإرهاب!!، وليكن الحجاب مرادفاً للتزمت!!، وليكن تطبيق الشرع مرادفاً للرجعية والجمود والتخلف.. إذا أجرم مسلم في الغرب قالوا أجرم مسلم ، وكذلك إذا أجرم مسلم ملتزم بإسلامه في بلاد المسلمين ذكروه بصفته الإسلامية..أما إذا أجرم نصراني فإنهم يذكرونه باسمه لا بدينه!.. كما في حادث تفجير "أكلاهوما" المشهور في أمريكا سنة 1995 حيث قالوا فعلها المسلمون، فلما تبين أن الذي فعلها نصراني قالوا فعلها "مكفاي" باسمه لا بديانته!! .. إذا أساء مسلم قالوا أساء مسلم، وإذا نبغ مسلم في علمه قالوا نبغ مصري أو سوري أو باكستاني، وصفوه بقوميته .. وآه من تصوير الملتزمين بالإسلام في وسائل الإعلام!!..كم من المرات يأتون بالشيخ أو المأذون في صورة هزلية مضحكة!!.. كم من المرات يأتون بالمسلمين في الأفلام التي يطلقون عليها إسلامية وهم في صوره عجيبة!!.. ينظرون نظرات حالمة، وأبصارهم معلقه بالسماء، ويبتسمون في بلاهة، ويتحركون ببطيء شديد، وكأن الإنسان إذا أسلم لابد أن يتخلف عقليا بهذه الصورة!!.. كم من المرات يأتون بمن التزم طريق الإسلام ينقلب من الحديث بالعامية إلى الحديث بالعربية الفصحى، وليتها الفصحى الرائعة التي أنزل الله بها القرآن ، والتي تحدث بها خير البشر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنهم يأتون بالمسلمين يتحدثون العربية في تنطع وتقعر شديدين، والذين حوله من الناس لا يفهمون، وينظرون إليه مستنكرين.. سبحان الله!!.. مع أن اللغة العربية من أرقي - بل هي أرقى - لغات العالم أجمع.(1/7)
(3) جريمة تعظيم الغرب: فبعد أن حطموا النماذج الإسلامية في التاريخ والواقع رفعوا لك جدا من قيمة الغرب، حتى لا يبقي أمامك خيار إلا الإتباع الذليل، والتقليد الأعمى.. عظموا سلاح الغرب، ومدنية الغرب، وأخلاق الغرب، وعقل الغرب، وأدب الغرب، وفن الغرب، بل وعظموا لغة الغرب.. حتى افتتن المسلمون.. وأصبح الرجل يحرص على تعليم الإنجليزية لابنه أكثر من حرصه على العربية، وحتى تدرج الأمر بنا إلى أن ابتلينا بما أطلقوا عليه مدارس إسلامية "للغات"!!!، بحجة أننا يجب أن نعلم أبناءنا لغة الغرب لندعوهم إلى الإسلام!! أتتعلمها علي حساب لغتك؟ وبحجة أن الأعمال المرموقة لابد لها من لغة أجنبية جيدة.. هل على حساب لغة القرآن؟!.. وحتى لو أتيت لابنك بمعلم للعربية في البيت ، سيظل الطفل معظماً للغته الأولى في مدرسته..أنا لست ضد تعليم الأطفال لغة أجنبية "ثانية" ، ولكن بشرط أن تكون فعلاً لغة "ثانية"!!..لا أن ندرس للأطفال العلوم والرياضيات والجغرافيا والتاريخ باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية أو أي لغة أخرى إلا العربية!!.. هل هذا منطق مقبول؟!.. معظم البلاد التي ترجو صدارة تعظم من لغتها، وتقدمها على غيرها.. في فرنسا لو خاطبت رجلاً بالإنجليزية ما رد عليك إلا متأففاً لاعتزازه بلغته.. في ألمانيا كذلك إذا أردت أن تعيش هناك، فلا حديث إلا بالألمانية..بل أكثر من ذلك.. لقد ذهبت إلى المركز الثقافي الأسباني أبحث عن بعض الصور الخاصة بتاريخ المسلمين في الأندلس..والله ما وجدت عندهم كتاباً واحداً بالإنجليزية فضلاً عن العربية..لم أجد إلا كتباً باللغة الأسبانية فقط!!.. وعندما قلت لهم إن اللغة الأسبانية محدودة جدا في مصر، وعليهم أن يأتوا بكتب مترجمة حتى نفهمها، قالوا من أراد أن يعرف عنا شيئا فليتعلم لغتنا!!.. هكذا يعتزون بلغتهم المحدودة!!..لقد أدت جريمة تعظيم الغرب إلى فقد الطموح عند الشباب، وضعف الهمم، وهوان العزم، فيصبح(1/8)
أمل الشاب المسلم في الحياة أن يلقي بوطنه وأهله وراء ظهره، وينطلق إلي بلاد الغرب.. إلى أمريكا وأوروبا، ليعيش في جنة الله في أرضه كما يزعمون!!..
وهكذا نتيجة هذه الجرائم والمؤامرات وغيرها أحبط كثير من المسلمين إحباطاً شديداً، ورضخوا للواقع، وقنعوا بالسير في ذيل الحضارة الغربية ، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
الباب الثاني
أمة لن تموت
ومع كآبة الواقع ، وضخامة المؤامرة ، وبشاعة الكيد ، فإني أعود من جديد وأتعجب.. كيف يمكن أن تحبط أمة تمسك في يديها بكتاب القرآن ، وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
لقد حفل القرآن العظيم والحديث الشريف بالعشرات - بل المئات - من الحقائق المبشرة التي تؤكد حتمية عودة هذه الأمة لصدارة العالمين.. هذا أمر لا ينكره من يدرك طبيعة هذا الدين ، وطبيعة هذه الأمة.. كل ما نرجوه أن يعود المسلمون لدينهم ، وأن يأخذوه من مصادره الصحيحة لا من مصادر المستشرقين أو المستغربين.. وأن يستمعوا وينصتوا لكلام ربهم ونبيهم ، ولكلام من يثقون بدينهم ويعرفون إسلامهم وأخلاقهم لا لدعاة العلمانية والتحرر من قيود الدين كما يدعون!!
ولقد اخترت لكم عشر حقائق فقط من الحقائق المبشرة ، ومن أراد الزيادة فليعد إلى الكتاب والسنة ، فإن عجائبهما لا تنتهي ، وكنوزهما لا تنقطع!!.. "صنع الله الذي أتقن كل شئ"..
الحقيقة الأولى
سنة التداول(1/9)
إن هؤلاء الذين قنطوا لم يدركوا طبيعة سنن الله في الأرض ، فالله سبحانه وتعالى شاء أن يجعل الأيام دولاً بين الناس. قال تعالى: " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ، وتلك الأيام نداولها بين الناس". فكما تعاني أمة المسلمين من القرح اليوم ، فقد كان هناك أيام عانى فيها الآخرون من القرح، بينما كانت أمة المسلمين في سلامة وعافية. كل الأمم تسود فترة وتتبع غيرها فترات... كل الأمم تقود زمنا وتنقاد لغيرها أزماناً... بل إن كل الأمم تعيش مرة وتموت وتندثر وتختفي مرات، إلا أمة واحدة ، قد تنقاد لغيرها فتره من الفترات ، وقد تتبع غيرها زماناً من الأزمان ، لكنها لا تموت أبدا.... تلك هي أمة الإسلام!!
أين حضارة الرومان؟!
لم يبقي منها إلا أطلال وأبنية..
أين حضارة الإغريق؟!
لم يبقي منها إلا فلسفة فارغة ، ومعابد وثنية
أين حضارة الفرس؟!
ماتت ولم تترك ميراثا..
أين حضارة الفراعنة؟!
بقيت منها جمادات وديار كديار عاد وثمود، وبقيت جثث محنطة وأوراق بالية ، لكن أين الفراعنة؟ إما في بطون القبور ، أو في جوف البحر، حيث ينتظر جنود فرعون الساعة!!
أين التتار وجيوشهم؟!
لم يبق لهم أثر واحد..
أين إنجلترا الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس؟!
إنها تابع ذليل...
أين الإمبراطورية الروسية القيصرية ثم الشيوعية؟!
سقطت سقوطاً مروعا...
وسيأخذ غيرهم دورات ودورات ثم يسقطون، وسيعلو نجمهم فترة ثم يهبطون، فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين..
ومن ثم فلا عجب أن ترى أمة ظالمة قد ارتفعت وتكبرت وتجبرت.. إنها في دورة ارتفاع ، ولكنها حتماً لن تخرج عن سنة الله في أرضه وخلقه.. إن مصيرها إلى زوال.. حتماً إلى زوال.. فلن تجد لسنة الله تبديلاً ، ولن تجد لسنة الله تحويلاً...
الحقيقة الثانية
أمة الإسلام أمة باقية(1/10)
وإذا كان من سنة الله أن كل الأمم تموت وتندثر ، فإن من سننه كذلك أن أمة الإسلام لها طبيعة مغايرة.. إنها ما سقطت إلا وكان لها بعد السقوط قيام، وما ضعفت إلا وكان لها بعد الضعف قوة، وما ذلت إلا وكان لها بعد الذل عزة!!.
لماذا؟!
لأن طبيعة أمة الإسلام أنها أمة شاهدة على غيرها من الأمم "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ، لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً".. حتى الأمم الغابرة - قبل أمة الإسلام - نشهد عليها بما جاء في كتابنا القرآن ، والأمم المعاصرة نشهد عليها بما رأيناه بأعيننا، وقومناه بمنهجنا وأحكامنا وشرعنا، وسنظل نشهد على الأمم إلى يوم القيامة، فنحن باقون ما دامت الحياة ، وغيرنا لا شك مندثر وذاهب.
طبيعة هذه الأمة أنها تحمل الرسالة الخاتمة، والكلمة الأخيرة من الله إلى خلقه، وليس هناك رسول بعد رسولنا صلي الله عليه وسلم ، وليست هناك رسالة بعد الإسلام، فلابد وأن يحفظ الله المسلمين لأجل أهل الأرض جميعاً.
طبيعة هذه الأمة أنها الأمة الوحيدة التي كان من همها أن تعلم غيرها دون ثمن ولا أجر، بل قد يدفع المعلمون المسلمون مالاً، ويبذلون جهدا وعرقاً ووقتاً بل ونفساً حتى يعلموا غيرهم. َمن ِمن الأمم يفعل ذلك غير أمة الإسلام؟! ألم تكن الشعوب تغير علي الشعوب لتأخذ خيرها، وتنهب أرضها، وتقتل أهلها، بينما كان المسلمون يضحون بأرواحهم ليستنقذوا الناس من جحيم الكفر والضلال إلى جنة الإيمان والهدي؟ ألم يقل ربعي بن عامر رضي الله عنه قولاً ما تكرر في التاريخ على ألسنة المتحضرين من الأمم غير أمة الإسلام يوضح فيه الرسالة الإسلامية بإيجاز فيقول" لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلي عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".. هكذا..لا نريد منكم جزاءاً ولا شكوراً..(1/11)
هذه هي طبيعة الأمة الإسلامية.. بقاؤها هو خير الأرض، وذهابها فناء الأرض "كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"..
إذا كانت هذه هي طبيعة الأمة الإسلامية ، فلماذا الإحباط واليأس ؟..
الحقيقة الثالثة
حقيقة المعركة
يقول الله سبحانه وتعالى "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"..
آية عظيمة مبهرة!!
يا أخواني وأحبابي: إن كل ما ذكرناه من جرائم ومكائد ومؤامرات وتزوير وتشويه وخيانات وعمالات ونفاق وكذب - كل هذا - يدخل تحت كلمة "ويمكرون".. لكن انظر إلى الجانب الآخر من المقابلة: "ويمكر الله والله خير الماكرين"
فالله عز وجل يقابل مكرهم بمكره.. "وما قدروا الله حق قدره، والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عما يشركون"
أيها المسلمون:
إن كان أصابكم شئ من الإحباط فلكونكم لم تفهموا المعركة على حقيقتها، ولم تدركوا الصدام بكامل أبعاده.. إنها ليست حرباً بين المسلمين والكافرين، وإن كان ظاهرها كذلك.. إنما هي في حقيقتها حرب بين الله وبين من مرق عن طريقه، وكفر بعبادته، وارتضى غيره حكماً ، وقبل غير كتابه شرعاً.. هي حرب بين الله، وبين طرف صغير حقير من مخلوقاته سبحانه.. لكن الله من رحمته بالمؤمنين، ومن كرمه عليهم، منّ عليهم بأن جعلهم جنده وحزبه وأولياءه.. فالمؤمنون يقفون أمام الكافرين، ملتزمين بمنهج ربهم في وقوفهم، كما أمرهم يفعلون، لا يترددون ولا يفرون، واثقين بوعده، راغبين في جنته، راهبين لناره، مخلصين له، معتمدين عليه، لاجئين إليه.. إن فعلوا ذلك كان هو ـ سبحانه جلت قدرته وتعاظمت أسماءه ـ كان المدافع عنهم، الحامي لهم، المؤيد لقوتهم، الناصر لجيشهم، الناشر لفكرتهم، المنتقم من عدوهم.. واسمعوا وأنصتوا أيها المسلمون لقوله سبحانه وتعالى حتى تفهموا حقيقة المعركة:
" فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى"(1/12)
"إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً"..
" ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون، فأنظر كيف كان عاقبة مكرهم، أنّا دمرناهم وقومهم أجمعين"..
أيها المسلمون المعتزون بإسلامهم:
هل تعلمون لمن تعملون؟! وإلى أي ركن تأوون؟!
إنكم تعملون لله وتأوون إلي ركن شديد سبحانه!!..
هل إذا جلس المتآمرون في جنح الظلام يدبرون ويخططون ، أهم بعيدون عن عينه سبحانه؟ " يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل، فتكن في صخرة أو في السماوات أو الأرض ، يأتي بها الله ، إن الله لطيف خبير"
هل إذا أطلق المتآمرون صاروخاً أو رصاصة ، أتسقط بغير علمه سبحانه؟!.. إذا كان يعلم بسقوط أوراق الشجر عبر الزمان والمكان، فكيف بسقوط الصواريخ؟!.. اقرأ هذه الآيات وتدبرها بعناية: "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار، ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى، ثم إليه مرجعكم، ثم ينبأكم بما كنتم تعملون، وهو القاهر فوق عباده، ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون، ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق، ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين ، قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية، لئن أنجانا من هذه لنكو نن من الشاكرين، قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ، ثم أنتم تشركون، قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض، انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون، وكذب به قومك وهو الحق، قل لست عليكم بوكيل ، لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون"..
الحقيقة الرابعة
حقيقة البشرى في الكتاب والسنة
أيها المسلمون المعتزون بربهم:(1/13)
هذا الإله العظيم الجليل الكبير، هذا الإله الرحيم الكريم الودود ، يبشركم في كتابه.. يقول صاحب العزة والجبروت: " وكان حقاً علينا نصر المؤمنين".. هكذا بهذه الصياغة العجيبة المعجزة!! والله لو تنزل من آيات البشرى غيرها لكفت!!.. هذا الإله القادر المقتدر يتعهد بنصر المؤمنين، ويجعله حقاً عليه سبحانه.. ليس هذا نصراً في الآخرة فقط بدخول الجنة، ولكنه نصر في الدنيا كذلك.. قال سبحانه "إنّا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد".. هكذا الوعد: نصر في الدارين، في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.. إن كان هناك مؤمنون ، فلابد لهم من نصر، هكذا وعد، وهو سبحانه لا يخلف الميعاد.. استمعوا إلى قوله تعالى" وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً، يعبدونني لا يشركون بي شيئاً، ومن كفر بعد ذلك ، فأولئك هم الفاسقون".. فإذا توفر الإيمان والعمل الصالح والعبادة الخالصة دون الشرك به سبحانه، كان الاستخلاف في الأرض، وكان التمكين للدين، وكان الأمن بعد الخوف.. من الذي وعد بذلك؟ إنه جبار السماوات والأرض، مالك الملك ذو الجلال والإكرام..
أيها المسلمون:(1/14)
انظروا إلى هذه الصورة الرائعة الجليلة في غزوة بني النضير يقول سبحانه وتعالى: "هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر، ما ظننتم أن يخرجوا..( أنتم أيها المؤمنون المقاتلون المجاهدون لما رأيتم مناعة الحصون وبأسها ظننتم أن اليهود لن يهزموا) " وظنوا(أي اليهود) أنهم مانعتهم حصونهم من الله ( ماذا حدث؟) فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وقذف في قلوبهم الرعب، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين (ثم ما هو التعليق على الحدث؟) فاعتبروا يا أولي الأبصار".. الغاية من القصة أن نعتبر.. القرآن ليس تأريخاً لما سبق لمجرد التأريخ.. القرآن كتاب عظيم، ينبض بالحياة، ويهدي إلي صراط مستقيم..
أيها المسلمون المعتزون برسولهم صلي الله عليه وسلم:
ألم تسمعوا إلى قول رسولكم وحبيبكم محمد صلى الله عليه وسلم وهو يقول في الحديث الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله عن ثوبان رضي الله عنه: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها".. نعم يا إخواني، سيبلغ ملك المسلمين مشارق الأرض ومغاربها ، بكل ما تحمله الكلمة من معاني...
ألم تسمعوا إلي قول مرشدكم وقدوتكم محمد صلي الله عليه وسلم وهو يقول في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والطبراني وابن حبان وصححه الألباني عن تميم الداري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلي الله عليه سلم يقول: "ليبلغن هذا الأمر (يعني الإسلام) ما بلغ الليل والنهار (أي كل الأرض) ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين (المدر هو الحجر أي بيوت المدن ، والوبر هو الشعر أي بيوت البادية أي كل بيوت الأرض: بيوت المدن وبيوت البادية سيدخلها الإسلام) بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر".. وعد من الصادق المصدوق صلى الله عليه سلم.. "وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى"..(1/15)
بل اسمع وتأمل إلى ما رواه الإمام أحمد وصححه الألباني عن أبي قبيل رحمه الله قال: "كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وسئل: أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ فدعا بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتاباً قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله نكتب إذ سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ فقال مدينة هرقل (أي القسطنطينية) تفتح أولاً".. والقسطنطينية هي عاصمة الدولة الرومانية الشرقية آنذاك وهي إستانبول الآن، ورومية هي روما، وكانت عاصمة الدولة الرومانية الغربية، وكانتا معاقل النصرانية في العالم، ويفهم من الحديث أن الصحابة كانوا يعلمون منه صلى الله عليه سلم أن هاتين المدينتين ستفتحان، لكن يسألون أي المدينتين تفتح أولاً فبشر رسول الله صلى الله عليه سلم بفتح القسطنطينية أولاً ، وقد كان، وتحققت البشارة النبوية بعد أكثر من ثمانمائة سنة!!.. وبالضبط في 20 جماد الأولى سنة 857 هجرية ، على يد الفتى العثماني المجاهد محمد الفاتح رحمه الله، وستحدث البشارة الثانية لا محالة، وسيدخل الإسلام روما عاصمة إيطاليا إن شاء الله تعالى. ولي على هذا الحديث تعليقان:(1/16)
التعليق الأول: هو أن بعض العلماء يعتقدون أن فتح رومية (أو روما) سيكون بالدعوة إلى الإسلام وبإنشاء المراكز الإسلامية والمساجد فقط، ويستبعدون الفتح عن طريق الجهاد ، والحق أن الحديث لم يشر إلى ذلك، بل أرى أن قصر تفسير فتح رومية على الدعوة دون الجهاد هو نوع من الهزيمة النفسية، فالذي يقول ذلك لا يتخيل أنه بالإمكان أن يحرك المسلمون جيشاً لإيطاليا، فلتكن الدعوة إذن هي التفسير للحديث!.. لكن على العكس من ذلك..فإن سياق الحديث يوحي بأن الفتح سيكون جهاداً.. وسياق الواقع كذلك، فقد فتحت القسطنطينية بعد حلقات متتالية من الجهاد المضني المستمر، وقد تفتح رومية بطريق متشابهة، ولذلك جمعت مع القسطنطينية في حديث واحد، ولتعلمن نبأه بعد حين!!..
التعليق الثاني: هو أن محمد الفاتح رحمه الله كان يعد العدة، ويجهز الجيوش فعلاً لفتح رومية وذلك لاستكمال تحقيق البشارة النبوية، لكنه لم يوفق لذلك، والحق قد تعجبون من قولي هذا: أنني قد سعدت بل وحمدت الله على أنه لم يتم له فتح رومية!!.. لماذا؟! ذلك حتى تبقى بشارة رسول الله صلى الله عليه سلم تبعث الأمل في نفوسنا ، وحتى يبقى لنا شئ نفتحه، وإلا فأين دورنا؟! أليس لنا من دور غير التصفيق لأجدادنا الفاتحين؟!.. أبداً.. نحن إن شاء الله على دربك يا رسول الله سائرون، ولما بقي منك يا محمد الفاتح - إن شاء الله - فاتحون.
الحقيقة الخامسة
حقيقة التاريخ
ليس وعد رسول الله صلى الله عليه سلم بمدينتين فقط: القسطنطينية ورومية، فقد وعد كما ذكرنا بفتح الأرض جميعاً ، ووعد ربنا بنصر المؤمنين، ولقد رأينا ذلك كثيراً في صفحات تاريخنا، لا أقول أياماً أو شهوراً أو سنوات، بل رأيناه قروناً عديدة.
لقد كان المسلمون ينتصرون دائماً وهم أقل عدداً وعدة:
* انتصر المسلمون علي عدوهم في بدر، مع فارق العدد والعدة، انظروا إلى وصفه سبحانه: " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة، فاتقوا الله لعلكم تشكرون"(1/17)
* انتصر المسلمون في موقعة اليمامة باثني عشر ألفاً من المجاهدين على أربعين ألفاً (على الأقل) من المرتدين..
* فتح خالد بن الوليد رضي الله عنه العراق بثمانية عشر ألفاً من الرجال الأبطال ، فدك حصون الفرس في خمس عشرة موقعة متتالية دون هزيمة ، وكان أقل جيوش الفرس تبلغ ستين ألفاً ، ووصلت إلى مائة وعشرين ألفاً في موقعة الفراض.
* انتصر المسلمون المجاهدون في موقعة القادسية باثنين وثلاثين ألفاً من الرجال الأفذاذ على مائتين وأربعين ألفاً من الفرس ، وكانت موقعة فاصلة كسرت فيها شوكة الفرس ، وقتل فيها معظم قادة الجيش الفارسي.
* انتصر المسلمون المؤمنون في موقعة نهاوند بثلاثين ألفاً على مائة وخمسين ألفاً من الفرس..
* انتصر المسلمون الصابرون في حصار تستر بثلاثين ألفاً على مائة وخمسين ألفاً من الفرس،وقد تكرر القتال أثناء ذلك الحصار ثمانين مرة ، وانتصر فيها المسلمون جميعاً دون هزيمة واحدة!!!..
* انتصر المسلمون في اليرموك بتسعة وثلاثين ألفاً على مائتي ألفاً من الرومان..
* انتصر المسلمون في معركة وادي برباط في فتح الأندلس باثني عشر ألف رجل على مائة ألف قوطي أسباني..
لقد رأينا ذلك وأمثاله مئات - بل آلاف - من المرات.. وما هذا الذي ذكرته إلا مقتطفات يسيرة من سفر الإسلام الضخم!!.. اقرءوا التاريخ يا إخواني.. فوالله الذي لا إله إلا هو ، لا يوجد تاريخ في الأرض مثل تاريخ المسلمين، ولا يوجد دين مثل دين المسلمين، ولا يوجد رجال مثل رجال المسلمين..
وحتى السقطات التي كانت في تاريخ المسلمين اتبعت بقيام أقوى وأشد، وتعالوا نقلب صفحات قلائل:(1/18)
* بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ارتدت الجزيرة العربية بكاملها إلا ثلاث مدن وقرية: المدينة ومكة والطائف وقرية هجر بالبحرين، ولم تكن الردة - كما يعتقد البعض - بمنع الزكاة فقط، بل ارتد كثير عن الإسلام بالكلية، ومنهم من فتن المسلمين في دينهم، ومنهم من قتل المسلمين، بل إن منهم من ادعى النبوة، وليسوا بالقليلين، وعمّ الكفر جزيرة العرب، ويأس بعض الصحابة!! فكان الموقف أشد مما نحن فيه الآن ألف مرة، حتى قال بعضهم يا خليفة رسول الله لا طاقة لنا بحرب العرب جميعاً، الزم بيتك وأغلق عليك بابك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين، وهكذا ظنوا أنه لا أمل في القيام، لكن الله عز وجل منّ على المسلمين بأبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذي قام كالأسد الهصور، يردد قولة لو قالها المسلمون لسادوا الدنيا جميعاً.. قال: "أينقص الدين وأنا حي؟" كلمة عظيمة جداً.. "أينقص الدين وأنا حي؟.. أقاتلهم وحدي حتى تنفرد سالفتي" (حتى تقطع رقبتي).. وقام الصديق رضي الله عنه وقام معه المسلمون، فما هو إلا عام من الجهاد والقتال والنزال، حتى أشرقت الأرض من جديد بنور ربها، وأسلمت الجزيرة العربية بكاملها، بل وأخذ أبو بكر الصديق قراراً أحسب أنه أعجب قرار في التاريخ!! وهو إخراج جيشين من جزيرة العرب: جيش لفتح بلاد فارس، وجيش لفتح بلاد الروم...!! عجبا لك أيها الجبل!!.. دولة صغيرة خارجة من حرب أهلية مدمرة تواجه دولتين تقتسمان العالم فارس والروم!! لكنه موعود.." وكان حقا علينا نصر المؤمنين"، ويفتح الله عليه الدولتين، وتكون انتصارات بلا هزائم، وتمكين بلا ضعف، وأمن بلا خوف!!...(1/19)
* أسمعتم يا إخواني عن ملوك الطوائف في بلاد الأندلس؟ أرأيتم كيف قسمت بلاد الأندلس في عهدهم إلى أكثر من عشرين دويلة صغيرة متناحرة؟!، أرأيتم العمالة والخيانة والخزي والعار؟! أرأيتم السفه والمجون والخلاعة والانحلال؟ ثم أرأيتم ما شابه ذلك في بلاد المغرب والجزائر والسنغال وموريتانيا في قبائل البربر آنذاك؟ أرأيتم الزنا كيف فشا؟! والخمور كيف انتشرت؟ أرأيتم السلب والنهب كيف طغى على الأرض؟ ثم ماذا حدث؟ لقد تغير الوضع تماماً في سنوات معدودات فيما يشبه المعجزة!! كيف؟! لقد جاء رجل!! رجل واحد!! هو الشيخ عبد الله بن يس رحمه الله ، جاء يدعو إلى الله على بصيرة، جاء يربي ويعلم ويجاهد و يصابر، فإذا الرجل رجلين ، والرجلان أربعة، والأربعة ألف وألفين وعشرة آلاف، وإذا البلاد تفتح، والإسلام ينتشر، وإذا بدولة المرابطين تقوم، وإذا برجال وكأنهم ملائكة يوسف بن تاشفين وأبو بكر بن عمر رحمهما الله يعلمان ويربيان ويجاهدان ويصابران، فإذا بالدولة تتسع، والخير يعم، ويدخل في الإسلام ثلث أفريقيا!!.. ويصبح الجيش مائة ألف فارس في الشمال، وخمسمائة ألف جندي في الجنوب، وإذا بالجيوش تعبر إلى الأندلس، فتعيد البسمة إلى شفاه المسلمين، وتشفي صدور قوم مؤمنين، وتذهب غيظ قلوبهم، وتذل الشرك وأهله، وتعز الإسلام وحزبه، وينصرها الله في "موقعة الزلاقة" بثلاثين ألفاً من الأبطال يهلكون ستين ألفاً من القوط الأسبان!.. أرأيتم كيف تكون طاقة الإسلام؟ أرأيتم كيف يكون رجال الإسلام؟ أرأيتم كيف يكون شرع الإسلام؟(1/20)
* ولماذا نذهب بعيدا؟ هل آتاكم نبأ فلسطين؟! لماذا الجزع من احتلال دام خمسين سنة؟ ألم تسمعوا عن حملات الصليبين التسعة البشعة؟ ألم تعلموا أنهم مكثوا في أرض فلسطين محتلين مائتين من السنين؟ وفي بيت المقدس اثنين وتسعين سنة؟ ألم تقرءوا أنهم قتلوا في بيت المقدس سبعين ألفاً من المسلمين في يوم واحد؟! وكانوا يسيرون في دماء المسلمين إلى ركبهم؟
ثم ألم ترى كيف فعل ربك بالصليبين؟!.. دارت دورتهم في التاريخ ، وانتهت دولتهم البشعة القذرة، وقام رجال متوضئون متطهرون، قارئون لكتابهم، خاشعون في صلاتهم، حاملون لسيوفهم، معتمدون على ربهم، يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم، قام رجال أمثال عماد الدين زنكي ونور الدين محمود الشهيد، وصلاح الدين الأيوبي رحمهم الله جميعاً... قاموا يحرصون على الموت فوهبت لهم الحياة، قاموا يتزينون للجنة فتزينت الجنة لهم، قاموا مع الله فكان الله معهم، صدقهم الله وعده، ونصر عباده، وأعز جنوده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا هو سبحانه، فكانت حطين، وكان ما بعد حطين، وكانت أيام تشرف التاريخ بتدوينها...وحق للتاريخ أن يتشرف بتسجيل أيام المسلمين..
الحقيقة السادسة
حقيقة الواقع
ولماذا نقلب في التاريخ فقط؟ أليس في واقعنا ما يشهد لوعد ربنا بالتحقيق؟!
نعم والله رأينا وسمعنا، ونحن على ذلك من الشاهدين، واعقدوا معي مقارنة بين واقعنا الآن وواقعنا منذ أربعين سنة، وهي ليست في عمر الأمم بشيء..
* انظروا إلى الصلاة في المساجد.. أرأيتم زوار المساجد وعمارها؟ من هم؟ وكيف أعدادهم؟ كنا في القديم لا نشاهد إلا أرباب المعاشات، وقليل ما هم، أما الآن فالمساجد أكثر من أن تحصى، وعمارها كذلك، وكلهم من الشباب والأطفال، ألا ينبئ ذلك بمستقبل لهذا الدين؟(1/21)
* انظروا إلى الحج والعمرة.. ملايين من المسلمين في كل عام، من كل حدب وصوب.. أعلمتم أنه أصبح من المستحيل أن تجد الكعبة خالية من الزوار والطواف؟ أرأيتم اشتياق الرجال والنساء والشيوخ والشباب إلى الحج والعمرة؟
* انظروا إلى الحجاب وانتشاره في الستينات.. لم يكن في الجامعة المصرية - على سبيل المثال - إلا فتاة محجبة واحدة فقط على مستوى الجامعة ، ثم دارت الأيام، فإذا دخلتم الجامعة الآن، ونظرتم إلى النصف المملوء من الكوب بروح التفاؤل، وجدتم آلافاً من الفتيات مسلمات مؤمنات قانتات تائبات، أما إذا نظرتم إلى نصف الكوب الفارغ فسيدخل في روعكم ما نحن بصدد دفعه..
* انظروا إلى الانتخابات في النقابات والاتحادات وغيرها.. ألم تلمسوا تعاطفاً وحباً وتضامناً مع مَن رفع الإسلام شعاراً، واتخذه منهجاً وإمامًا؟ ألم تشاهدوا بأعينكم كيف يختار المسلمون المسلمين دون أن يعرفوا أشخاصهم، لا لشيء إلا لأنهم فقط يعتزون بإسلامهم؟
* انظروا إلى معارض الكتاب.. ألم تلحظوا أن أكثر الكتب مبيعاً هي الكتب الإسلامية؟ وأن أشد الأجنحة زحاماً هي الأجنحة الإسلامية؟ وأن أكثر الدور إنتاجاً هي الدور الإسلامية؟
* بل أرأيتم كيف إن كل الفئات على اختلاف توجهاتها تحاول الآن أن تلعب بورقة الإسلام، حتى وإن كانوا لا يرغبون فيه، وذلك لعلمهم بأن هوى الناس وميلهم أصبح للشرع والإسلام:
o رأينا أحزاباً علمانية تعلن في برامجها أطروحات إسلامية!!..
o رأينا بنوكاً ربوية تفتح فروعاً للمعاملات الإسلامية!!..
o رأينا محلات لتصفيف الشعر للنساء تفتح أقساماً للمحجبات!!..
o رأينا برامج تلفزيونية ما كانت تحادث إلا فنانين وفنانات وراقصين وراقصات، بدأت تروج لبرامجها باستضافة علماء المسلمين..
رأينا كل ذلك وغيره، وسوف تحمل الأيام المزيد ثم تعالى يا أخي ندقق النظر، ونوسع المدارك، ونخرج للساحة العالمية:(1/22)
* ألم تسمع إلى نصر الأفغان على الروس في بضع سنين، لله الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذ يفرح المؤمنون، بنصر الله ينصر من يشاء، وهو العزيز الرحيم، وعد الله لا يخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. إياك إياك أن تظن أن الروس هزموا لجبال أفغانستان الوعرة، بل هزموا لأن الله هزمهم، وردوا لأن الله ردهم ، وذلك لما رأى من أهلها رجالاً أمثال الجبال أو أقوى من الجبال..
* ألم تشاهدوا جنود إسرائيل يرقصون طرباً، ويهللون فرحاً، لأنهم فروا كالجرذان، وهربوا كالقطيع، بمقاومة شعبية قادها حزب الله ، في بلد فقير كلبنان، خرج من حروب أهلية إلى أزمات اقتصادية..
* ألم تشاهدوا كيف احتلت جمهوريات إسلامية بقيصرية روسية، ثم بشيوعية بلشفية، ما يزيد على ثلاثمائة عام.. قهر وتعذيب وتشريد وتذبيح ..حمل المصحف كان جريمة يعاقب عليها القانون، الإيمان بالله ينكرونه، والإيمان برسوله يحاربونه.. ثم تمر السنوات، ويولي الليل، وتشرق الشمس، فإذا بشعوب مازالت مسلمة، وبقلوب مازالت مؤمنة، وبأيد مازالت متوضئة، وبرؤوس مازالت ساجدة.. فعل من هذا فعله؟! إنه فعل الله الذي وعد.. وكان حقا علينا نصر المؤمنين..
ثم تعالى معي يا أخي أبعد من ذلك:
* انظر إلى أمريكا كيف كان بها بضعة آلاف مسلم فقط في الستينات، فإذا بهم الآن ثمانية ملايين!!.. لقد رأيت شقة في مدينة أمريكية كانت تستخدم مسجداً في السبعينات.. وكانت هذه الشقة هي المسجد الوحيد بالمدينة.. فإذا بالأيام تمر، وفي ذات المدينة رأيت عشرة مساجد!!..
* انظروا إلى الجاليات الإسلامية في الغرب.. أسمعتم عن مدارسها عن مساجدها، عن مراكزها، عن جرائدها، عن مؤتمراتها، عن شركاتها؟
* أعلمت يا أخي أن دين الإسلام هو أسرع الأديان نمواً في العالم الآن؟
* أعلمت أن موقعاً إسلامياً على الإنترنت يدخله يوميا مليونان من الزائرين؟! منهم مليون في أمريكا وحدها؟!(1/23)
أليس هذا - يا أحبابي - فتحاً و نصراً وعزاً وأملاً؟
الحقيقة السابعة
حقيقة الأعداء
يا إخواني ويا أحبابي:
من تقاتلون؟ وأي الأقوام تحاربون؟
أليسوا اليهود ومن عاونهم؟!
أليسوا الذين قال عنهم ربنا: " ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا"؟
أليسوا الذين قال عنهم ربنا: " لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر"؟
أليسوا الذين قال عنهم ربنا: "ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا"؟
هؤلاء هم اليهود!!..
"أتخشونهم؟ فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين، قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم، ويشف صدور قوم مؤمنين، ويذهب غيظ قلوبهم، ويتوب الله على من يشاء، والله عليم حكيم"
إن كان اليهود أو كانت الأرض جميعاً معهم:
* أتخشون كثرتهم وأحزابهم وتجمعهم؟ ألم يخاطبهم الله وأمثالهم بقوله: "ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت، وأن الله مع المؤمنين"؟
* أتخشون عدتهم؟ ألم يقل ربنا: " قل الذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد"؟
* أتخشون أموالهم؟ ألم يقل ربنا: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ، فسينفقونها، ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون، والذين كفروا إلى جهنم يحشرون"؟
* أتخشون عقولهم وجوارحهم؟ ألم يصفهم ربنا بقوله: "لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها،أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون"
ثم هل تظنون أيها المسلمون أن حياة هؤلاء نصر بلا هزيمة، وعز بلا ذل؟
* شاهدنا أمريكا المتكبرة تخرج مهرولة ومولولة من فيتنام التي لا ترى على الخريطة بتسعة وخمسين ألف قتيل!!.. وشاهدناها مره أخرى ومره ثالثة تخرج بنفس الهرولة والولولة من الصومال ولبنان!!
* شاهدنا مفاعل "تشرنوبل" الروسي المحكم ينفجر ويلوث آلاف الأفدنة..(1/24)
* شاهدنا صاروخ " تشالنجر" أو المتحدي الذي قالوا عنه إنهم بلغوا فيه حد الكمال "تعالى الله عما يشركون" "وظن أهلها أنهم قادرون عليه آتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً ، فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس".. لقد انفجر الصاروخ الكامل بعد ثوان معدودات من إطلاقه، وأمام أعينهم ليزيد من حسرتهم!!..
ثم ألم تشاهدوا قدرة الله عليهم ، وهم يقفون أمامها مكتوفي الأيدي تماماً:
* شاهدنا فيضاناً يغرق مدينة في ساعتين!!.. حدث ذلك في مدينة "نيو أورليانز" في أمريكا في مايو سنة 1995.. "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر، وفجرنا الأرض عيوناً، فالتقى الماء على أمر قد قدر"..
* شاهدنا عاصفة ثلجية تدفن السيارات تماماً، وتغلق الشوارع، وتوقف الحياة ثلاثة أيام متصلة في "نيويورك" المدينة العصرية الحديثة!!..
* شاهدنا إعصاراً يحمل سيارات النقل الضخمة ويقذف بها فوق المنازل!!..
* شاهدنا ريحاً صرصراً في يوم نحس مستمر، تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر، تقتلع الشجر في الغابات، وتمحو الحياة في لحظات، شاهدنا ذلك ولكن يا للحسرة لم نشاهد هناك مدكر!!..
وهل رأيتم هذا المجتمع من داخله؟!
لقد شاهدنا مجتمعاً مهللاً مفككاً منحطاً ، يعيش على الرذيلة، ولا يهتم بالفضيحة.. أهواءه تسيره، ورغباته تحركه، وشهواته تسيطر عليه وتدمره..
انظروا معي إلى هذه الأرقام تصف حال المراهقين الأمريكان الذين لم يبلغوا بعد ثمانية عشر عام من العمر، والذين سيحكمون بلدهم بعد عشر سنوات:
* 55? من هؤلاء الشباب ارتكبوا جريمة الزنا، وترتفع النسبة إلى 80? في المدن الكبرى وتنخفض إلى 33? في المناطق الريفية.. أي أن أشرف مناطق أمريكا يرتكب فيها الزنا بنسبة 33?!! ..هذا تحت الثامنة عشرة من العمر، فإذا صعدنا فوق ذلك قاربت النسبة 90?!!..
* ثلاثمائة وخمسون ألف حالة حمل بدون زواج كل عام في البنات الأصغر من 18 سنة، وهذا عدد أقل بكثير من الحقيقي، وذلك لكثرة الإجهاض!!(1/25)
* 24? من العائلات الأمريكية ليس فيها أب، إما لأن الأم لا تعرف الأب لأنها ارتكبت الزنا مع أكثر من رجل، وإما بسبب الطلاق!!..
* 40 ? من الشباب المراهق يجربون المخدرات!!.. أما الخمور فحدث ولا حرج فالرقم أكبر من أن يحصى..
* الجرائم زادت في مدينة دالاس الأمريكية بنسبة 70? في عام واحد!! (من سنة 1998 إلى سنة 1999)
* السبب الثالث للوفاة في المراهقين هو الانتحار! أي أن الانتحار هو السبب الثالث في الوفاة في المراهقين الذين سيحكمون أمريكا بعد ذلك.. أمريكا وحدها تسجل 32000 حالة انتحار كل عام!!..
* عدد المرضى بالقمار الإجباري ( أي إدمان القمار) واحد من كل سبعة من المراهقين..
هذه هي أمريكا من الداخل!!.. هذا هو مجتمع أمريكا المهلهل الذي نخشاه!!..
أخي وحبيبي ورفيقي في طريق الله:
أتشك في نصر على قوم كهؤلاء؟
أتشك في نصر على جيش غالبيته من الزناة والشواذ؟
أتشك في نصر على جيش أشرب في قلبه حب الخمور والمنكرات؟
أخي وحبيبي ورفيقي في طريق الله:
" لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد، متاع قليل، ثم مأواهم جهنم، وبئس المهاد"
"ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون"
الحقيقة الثامنة
النصر لا يأتي إلا بعد أشد لحظات المجاهدة
أخي يا من تظن أن النصر قد تأخر:
اعلم أن النصر لا يأتي إلا بعد أشد لحظات المجاهدة.. ألم تسمع إلى قوله تعالى: "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا، جاءهم نصرنا، فنجي من نشاء، ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين".. في هذه اللحظة التي ظن فيها الجميع - الرسول وقومه - أن الأمر قد وصل إلى نهايته في التكذيب والظلم والإعراض والشك، في هذه اللحظة التي وصل فيها الأذى للدعاة إلى مداه، وقد ثبت الدعاة على مبادئهم.. هنا في هذه اللحظة فقط " جاءهم نصرنا"..(1/26)
اسمع أيضا إلى قوله تعالى: " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا، حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه، متى نصر الله".. في هذه اللحظة التي بلغ فيها السيل الربا، والصبر إلى نهايته، في هذه اللحظة المجيدة يقول سبحانه: "ألا إن نصر الله قريب"..
ألم تلاحظ في السيرة النبوية أن أشد لحظات الابتلاء للمؤمنين كانت في غزوة الأحزاب، حيث وصفها ربنا في كتابه فقال: "وإذ زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وتظنون بالله الظنونا ، هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً".. ألم تلحظ أنه بعد غزوة الأحزاب كان المسلمون في فتح يتلوه فتح؟.. بعد أشد لحظات المجاهدة، جاءت الحديبية، ثم مكة، ثم الطائف، ثم جزيرة العرب بكاملها.. أمجاد تعقبها أمجاد، وأيام نصر وفرح وتمكين..
الحقيقة التاسعة
الله لا يعجل بعجلة عباده
أخي يا من تظن أن النصر قد تأخر:
اعلم أن الأدب مع الله يقتضي عدم استعجاله، وأن حكمة الله البالغة اقتضت أن يختبر أحبابه وأصفياءه، وأن النصر يأتي في وقت يعلم الله فيه أن خير المؤمنين أصبح في النصر، وليس في انتظار النصر..
يروي البخاري عن خباب بن الأرت رضي الله عنه أنه قال: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعوا الله لنا؟.. ألم شديد، وإيذاء عظيم.. جلد وحرق وخنق وشنق.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد كان الرجل في من قبلكم ، يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر (أي ليتمن الله هذا الأمر) حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله و الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون"(1/27)
سبحان الله.. تستعجلون؟!! بعد كل هذا التعذيب في مكة كان خباب بن الأرت يستعجل؟!
نعم.. مازال هناك أشياء أخرى..
مازال هناك ترك للمال وترك للأهل، وترك للديار..
مازال هناك صراع ونزال..
مازال هناك جهاد وشهادة..
ثم..... يأتي النصر!!
في الميعاد الذي حدده الخالق.. لا في الميعاد الذي حدده المخلوق!!
الحقيقة العاشرة
الأجر لا يرتبط بالنصر ولكن بالعمل
أخي يا من تظن أن النصر قد تأخر:
اعلم أن الأجر غير مرتبط بالنصر، ولكن بالعمل.. "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن، فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون"..
واعلم أنه كلما حسن عملك، كلما عظم أجرك..
وكلما زاد جهدك، كلما كمل ثوابك..
وأنك إن لم ترى النصر بعينيك، فسيراه أبناؤك وأحبابك..
واعلم أن الأجر يضيع إذا فقدت اليقين في النصر..
وأن النصر لا يأتي إلا بيقين فيه.. يقين لا يساوره شك.. ولا تخالطه ريبة.."من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة، فليمدد بسبب إلى السماء، ثم ليقطع فلينظر، هل يذهبن كيده ما يغيظ"(1/28)
أرأيت صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم كيف كانوا في الأحزاب لا يأمنون على شئ؟ كيف كانوا محاصرين ومهددين.. ثم هم يستمعون إلى بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمور تفوق الخيال، فإذا هم مصدقون، وبالبشرى موقنون.. انظروا كيف يحكي البراء رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه سلم كان يضرب الحجر ويقول: "بسم الله، ثم ضرب ضربة وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأنظر قصوره الحمراء الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع آخر، فقال: الله أكبر أعطيت فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الآن، ثم ضرب الثالثة فقال: بسم الله، فقطع بقية الحجر، فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني".. والصحابة في هذا الحصار يستمعون إلى بشرى فتح الشام وفارس واليمن، فيصدقون عن يقين، وكأنهم يرونه رأي العين مع رسول الله صلي الله عليه وسلم..
ولهذا جاء النصر!!
أيها المؤمنون!!
أنتم الأعلون
إخواني وأحباب:
أحمل لكم آية عجيبة، وكل آيات الله عجيب.. آية هي كنز من كنوز المنان، وعطية من عطايا الرحمن:
"ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"..
أتعلمون أيها المسلمون: متى نزلت هذه الآية؟
لقد نزلت بعد غزوة أحد!!.. بعد الهزيمة!!..
وذلك ليعلم الله المؤمنين أن العزة والعلو لا يتأثران بهزيمة مرحلية، ولا يرتبطان بنصر مرئي، ولا يعتمدان على تمكين مشاهد.. وليعلم الله المؤمنين أن الأيام دول، وأن للتاريخ دورات، فلهذا دورة، ولهذا دورة، أما الدورة الأخيرة فللمؤمنين إن شاء الله..
أيها المؤمنون.. " عباد الله ":
* أنتم الأعلون لأن إلهكم الله الذي لا إله إلا هو سبحانه، وما كان الله ليعجزه من شئ في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً..(1/29)
* أنتم الأعلون لأنكم أتباع النبي الخاتم محمد صلي الله عليه وسلم، خير الخلق، وسيد الرسل والماحي الذي يمحو الله به الكفر، والحاشر الذي يحشر الناس على قدمه، والعاقب الذي ليس بعده نبي صلى الله عليه وسلم..
* أنتم الأعلون لأن كتابكم القرآن فيه نبأ من قبلكم، ونبأ ما يأتي بعدكم، وحكم ما بينكم، من خالفه من الجبابرة قسمه الله عز وجل، ومن ابتغى العلم في غيره أضله الله عز وجل، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، وشفاؤه النافع عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيستقيم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلقه كثرة الترديد..
* أنتم الأعلون لأن شريعتكم الإسلام، دين ودنياً جسد وروح، عقل وقلب، ما ترك الله في شريعته من شئ إلا وضحه وبينه: " اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً"..
* أنتم الأعلون لأنكم الأكمل أخلاقاً.. "إنما بعثت لأتتم مكارم الأخلاق"..
* أنتم الأعلون لأنكم الأقوى رابطة "لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ا ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم"..
* أنتم الأعلون لأن الملائكة تثبتكم.. " إذ يوحي ربك للملائكة أني معكم، فثبتوا الذين آمنوا"..
* أنتم الأعلون لأن الطمأنينة في قلوبكم "وما جعله الله إلا بشرى، ولتطمئن به قلوبكم، وما النصر إلا من عند الله، إن الله عزيز حكيم"..
* أنتم الأعلون لأن الجنة موعدكم.. "إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا، وأنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخرياً، حتى أنسوكم ذكري، وكنتم منهم تضحكون، إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون"..
أنتم أيها المؤمنون الصابرون - إن شاء الله - الفائزون..
وختاماً
أخي وحبيبي ورفيقي في طريق الله:
يا مسلم يا عبد الله..
يا من سيناديك الحجر والشجر بلسان الحال أو بلسان المقال: - بكليهما نؤمن ونصدق - يا مسلم يا عبد الله..
جفف دمعك، واجبر كسرك، وارفع رأسك..(1/30)
وأعلم أن الأيام القادمة لك لا عليك..
وأن المستقبل لدينك لا لدين غيرك..
وأن العاقبة للمتقين..
وأعلم أيضا أن مع الصبر نصراً..
وأن مع العسر يسراً..
وأن أنوار الفجر لا تأتي إلا بعد أحلك ساعات الليل..
وأن الله ناصرك ما دمت ناصره..
ومعك ما دمت معه..
وهاديك إلى سبيله، ما دمت مجاهداً في سبيله..
" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين"..
"فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد"
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..
وجزاكم الله خيراً كثيراً .
??
??
??
??
www.islamstory.com
1
18(1/31)