أفراح الرّوح
سيد قطب
قدم لها ووضع عناوينها
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
موقعنا على الانترنت
منبر التوحيد والجهاد
http://www.tawhed.ws
http://www.almaqdese.com
http://www.alsunnah.info
الدّال على الخير كفاعله
تقديم
قصة هذه الأفكار والخواطر " أفراح الروح "
أُوفدَ سيد قطب إلى أمريكا من قِبَل وزارة المعارف ، للاطلاع على مناهج التربية والتعليم فيها ، وأقام فيها حوالي سنتين : 3 / 11 / 1948 إلى 20 / 8 / 1950 . وكان يرسلُ رسائل " إخوانية " شخصية إلى أخيه وأُخْتَيْه في مصر ، وإلى معارفه وأصدقائه في مصر وخارجها ، يسجل فيها بعض أفكاره وخواطره حول الحياة . وكان ينشر بعض المقالات في بعض المجلات الأدبية ، مثل مجلة " الكتاب " التي كان يرأس تحريرها الأديب " عادل الغضبان " .
وكان " عادل الغضبان " يطلب منه أن يرسل مقالات لينشرها له في المجلة ، وكان سيد قطب عازفاً عن كتابة المقالات وهو في أمريكا ، ورأى أن بعض رسائله الشخصية إلى إخوته وأصدقائه تتضمن أفكاراً وخواطر نافعة ، يمكن أن ينتفع بها القراء ، فاختار مقتطفات من تلك الرسائل الشخصية وبعث بها إلى الأستاذ " الغضبان " ولكن الأخير لم ينشرها . ولما عاد سيد قطب إلى مصر في صيف عام 1950 وزار الغضبان سلّمه مغلّفاً فيه رسائله التي بعث بها إليه .
وقد أخبرنا سيد قطب عن قصة هذه الرسائل في مقال " في الأدب والحياة " الذي نشره في مجلة الكتاب ، في شهر أبريل – نيسان – 1951 . ووما قاله في ذلك المقال : " عندما كنت بعيداً عن الوطن – مدى عامين في أمريكا – كان في نفسي عزوف لا أدري مأتاه عن الكتابة ، إلا في القليل النادر ...
" ولكن داء الكتابة لم يزايلني البتة في خلال تلك الفترة ! كنت أكتب إلى أخي وأُخْتَيَّ وأصدقائي في مصر وسائر البلاد العربية ، وفي إنجلترا وفرنسا كذلك ، وكنت أقول لهم في رسائلي الخاصة ما أودّ أن أقوله للناس في الكتابات المنشورة ...(1/1)
وخطر لي مرة أن الكثير من هذه الرسائل الخاصة التي لم تكتب للنشر ، وإنما كُتِبَتْ لتؤدي أغراضاً حقيقية واقعية في حينها ، تصلح للنشر أكثر مما أُعِدَّ للنشر فعلاً ... وجمعْتُ طائفة منها ، وأرسلتها إلى أستاذ أديب كبير ، كان يستحثّني لأكتب شيئاً لمجلته ...
وحين عدت إلى مصر التقينا ، ففتح مكتبه ، وسلّمني وُرَيْقات بخطّي ، وقال : إنها خواطر قيمة ، ولكني أرجأت نشرها لأجلك أنت ، لقد خفت أن يحسبك القراء قد أفلست ! فلجأت إلى مختارات من رسائلك ! .. " .
وسجّل في مقال " في الأدب والحياة " مقتطفات من رسالته إلى أخته " حميدة " .. ومن رسالته إلى صديق له ضيّق الصدر بالناس .. ومن رسالته إلى صديق آخر اعتزل الناس .. ومن رسالته إلى صديق ثالث بيّن له أن الغاية لا تبرر الوسيلة ..
ويبدو أن سيد قطب أخذ تلك الرسائل من عادل الغضبان ، واحتفظ بها في بيته .. ولما سُجِنَ في الخمسينيات وصلت هذه الرسائل إلى مجلة " الفكر " التونسية ، فنشرتها في العدد السادس ، شهر آذار 1959 ، تحت عنوان " أضواء من بعيد " ، ولا أدري من أين جاءت المجلة بهذا العنوان للرسائل ، فقد نشر سيد قطب وهو في أمريكا مقالاً في مجلة الكتاب عدد فبراير – شباط – عام 1950 بعنوان " أضواء من بعيد " ليس له صلة بتلك الرسائل .
وفي عام 1971 وقفت " الدار العلمية " في بيروت على مقال مجلة الفكر التونسية " أضواء من بعيد " – الذي حوى تلك الرسائل ، فنشرته في رسالة صغيرة ، وضعت لها عنواناً من عندها ، هو " أفراح الروح " ، ولا أدري من أين جاءت بهذا العنوان !! ثم انتشرت تلك الخواطر والأفكار بالعنوان الجديد " أفراح الروح " ، وطُبِعتْ عدة طبعات ، وأُعجب بها القراء .(1/2)
ويبدو أن المقتطفات التي اختارها سيد قطب كانت من سبع عشرة رسالة من رسائله الشخصية ، نشر في مقال " في الأدب والحياة " مقتطفات من أربع رسائل ، أشرنا لها ، أما باقي المقتطفات فلم نتمكن من الوقوف على رسائلها .
وبهذا نعرف أن هذا " الكتيّب " ليس رسالة بعث بها سيد إلى أخته " أمينة " ، وإنما هو مقتطفات من سبع عشرة رسالة شخصية ، بعث بها من أمريكا إلى إخوته وأصدقائه . وأن العنوان " أفراح الروح " ليس من اختيار سيد قطب ، إنما من اختيار الدار العلمية .
نقول هذا من باب التاريخ والتوثيق العلمي ، حتى لا تضيع الحقائق ولا تنتشر الادعاءات والمزاعم عندما يطول على الناس الأمد .
ولما أردات " دار عمار " العامرة إعادة إصدار هذا الكتيب رغب الأستاذ عصام فارس حفظه الله أن أقرأ الكتيب ، وأن أكتب له تقديماً ، فلبيت رغبته ، وعملت على ضبط فواصله وتشكيل بعض كلماته ، ووضع عنوانين لمقتطفات الرسائل ، وكتابة هذا التقديم له . وأسأل الله النفع والقبول والأجر والثواب .
الثلاثاء 1 / 11 / 1422
15 / 1 / 2002
د. صلاح الخالدي
بسم الله الرحمن الرحيم
أختي الحبيبة … (1) هذه الخواطر مهداة إليك …
(1)
حول الموت والحياة
إن فكرة الموت ما تزال تخايل لك ، فتتصورينه في كل مكان ، ووراء كل شيء ، وتحسبينه قوة طاغية ، تُظِلُّ الحياة والأحياء ، وتَرَيْنَ الحياة بجانبه ضئيلة واجفة مذعورة .
إنني أنظر اللحظة فلا أراه إلا قوة ضئيلة حسيرة ، بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة ، وما يكاد يصنع شيئاً إلا أن يلتقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات ! …
__________
(1) لعل هذه الرسالة إلى أخته " حميدة " وليست " أمينة " كما ذهب بعضهم ، لأن " حميدة " كانت دائمة التفكير في الموت ، أكثر من باقي إخوتها . كما ذكر سيد قطب عنها في كتاب " الأطياف الأربعة " .(1/3)
مَدُّ الحياة الزاخر هو ذا يعج من حولي ! … كل شيء إلى نماء وتدفق وازدهار … الأمهات تحمل وتضع ، الناس والحيوان سواء . الطيور والأسماك والحشرات تدفع بالبيض المتفتح عن أحياء وحياة … الأرض تتفجر بالنبت المتفتح عن أزهار وثمار … السماء تتدفق بالمطر ، والبحار تعج بالأمواج … كل شيء ينمو على هذه الأرض ويزداد ! .
بين الحين والحين يندفع الموت فينهش نهشة ويمضي ، أو يقبع حتى يلتقط بعض الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات ! … والحياة ماضية في طريقها ، حية متدفقة فوارة ، لا تكاد تحس بالموت أو تراه !…
لقد تصرخ مرة من الألم ، حين ينهش الموت من جسمها نهشة ، ولكن الجرح سرعان ما يندمل ، وصرخة الألم سرعان ما تستحيل صيحة مراح … ويندفع الناس والحيوان ، والطير والأسماك ، والدود والحشرات ، والعشب والأشجار ، تغمر وجه الأرض بالحياة والأحياء ! … والموت قابع هنالك ، ينهش نهشة ويمضي … أو يتسقّط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات !! .
الشمس تطلع ، والشمس تغرب ، والأرض من حولها تدور ، والحياة تنبثق من هنا ومن هناك … كل شيء إلى نماء … نماء في العدد والنوع ، نماء في الكم والكيف … لو كان الموت يصنع شيئاً لوقف مد الحياة ! … ولكنه قوة ضئيلة حسيرة ، بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة …! .
من قوة الله الحي ... : تنبثق الحياة وتنداح !! . (1)
(2)
كيف نضاعف حياتنا
عندما نعيش لذواتنا فحسب ، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة ، تبدأ من حيث بدأنا نعي ، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود ! …
أما عندما نعيش لغيرنا ، أي عندما نعيش لفكرة ، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة ، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية ، وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض ! …
__________
(1) مقال " في الأدب والحياة " مجلة الكتاب . الجزء الرابع . أبريل 1951 ص : 391 – 192 .(1/4)
إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة ، نربحها حقيقة لا وهماً ، فتصور الحياة على هذا النحو ، يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا . فليست الحياة بِعَدِّ السنين ، ولكنها بعدادِ المشاعر ، وما يسميه " الواقعيون " في هذه الحالة " وهماً " ! هو في " الواقع " حقيقة " ، أصحّ من كل حقائقهم ! … لأن الحياة ليست شيئاً آخر غير شعور الإنسان بالحياة . جَرِّدْ أي إنسان من الشعور بحياته تجرده من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي ! ومتى أحس الإنسان شعوراً مضاعفاً بحياته ، فقد عاش حياة مضاعفة فعلاً …
يبدو لي أن المسألة من البداهة بحيث لا تحتاج إلى جدال ! …
إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة ، حينما نعيش للآخرين ، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين ، نضاعف إحساسنا بحياتنا ، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية ! .
(3)
بين شجرة الخير وشجرة الشر
بذرة الشر تهيج ، ولكن بذرة الخير تثمر ، إن الأولى ترتفع في الفضاء سريعاً ، ولكن جذورها في التربة قريبة ، حتى لتحجب عن شجرة الخير النور والهواء ، ولكن شجرة الخير تظلُّ في نموها البطيء ، لأن عمق جذورها في التربة يعوِّضها عن الدفء والهواء …
مع أننا حين نتجاوز المظهر المزور البراق لشجرة الشر ، ونفحص عن قوتها الحقيقية وصلابتها ، تبدو لنا واهنة هشة نافشة في غير صلابة حقيقية ! … على حين تصبر شجرة الخير على البلاء ، وتتماسك للعاصفة ، وتظلُّ في نموها الهادئ البطيء ، لا تحفل بما تَرْجُمُها به شجرة الشر من أقذاء وأشواك ! …
(4)
آثار لمس الجانب الطيب عند الناس
عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس ، نجد أن هناك خيراً كثيراً ، قد لا تراه العيون أول وهلة ! …
لقد جربت ذلك . جربته مع الكثيرين … حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون ، أو فقراء الشعور …(1/5)
شيء من العطف على أخطائهم وحماقاتهم ، شيء من الود الحقيقي لهم ، شيء من العناية – غير المتصنعة – باهتماماتهم وهمومهم … ثم ينكشف لك النبع الخيّر في نفوسهم ، حين يمنحونك حبهم ومودتهم وثقتهم ، في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك ، متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء وإخلاص .
إن الشر ليس عميقاً في النفس الإنسانية إلى الحد الذي نتصوره أحياناً . إنه في تلك القشرة الصلبة ، التي يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء … فإذا أَمِنُوا تكشّفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة حلوة شهية … هذه الثمرة الحلوة ، إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالأمن من جانبه ، بالثقة في مودته ، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم ، و على أخطائهم ، وعلى حماقاتهم كذلك … وشيء من سعة الصدر في أول الأمر ، كفيل بتحقيق ذلك كله ، أقرب مما يتوقع الكثيرون … لقد جربت ذلك ، جربته بنفسي . فلست أُطلقها مجرد كلمات مجنّحة ، وليدة أحلام وأوهام ! … (1)
(5)
آثار حبنا للآخرين
عندما تنمو في نفوسنا بذور الحب والعطف والخير ، نعفي أنفسنا من أعباء ومشقات كثيرة . إننا لن نكون في حاجة إلى أن نتملق الآخرين ، لأننا سنكون يومئذ صادقين مخلصين ، إذ نزجي إليهم الثناء . إننا سنكشف في نفوسهم عن كنوز من الخير ، وسنجد لهم مزايا طيبة ، نثني عليها حين نثني ونحن صادقون ؛ ولن يعدم إنسان ناحية خيّرة أو مزية حسنة ، تؤهله لكلمة طيبة … ولكننا لا نطلع عليها ولا نراها ، إلا حين تنمو في نفوسنا بذرة الحب ! …
__________
(1) من رسالة له من أمريكا إلى صديق له ضيق الصدر من الناس . مقال " في الأدب والحياة " . مجلة الكتاب . أبريل : 1951 . ص : 392(1/6)
كذلك لن نكون في حاجة لأن نُحَمِّلَ أنفسنا مؤونة التضايق منهم ، ولا حتى مؤونة الصبر على أخطائهم وحماقاتهم ، لأننا سنعطف على مواضع الضعف والنقص ، ولن نفتش عليها لنراها يوم تنمو في نفوسنا بذرة العطف ! وبطبيعة الحال لن نُجَشِّم أنفسنا عناء الحقد عليهم ، أو عبء الحذر منهم ، فإنما نحقد على الآخرين ، لأن بذرة الخير لم تنم في نفوسنا نمواً كافياً ، ونتخوف منهم ، لأن عنصر الثقة في الخير ينقصنا ! .
كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة ، حين نمنح الآخرين عطفنا وحبنا وثقتنا ، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير ! .
(6)
طريق العظمة الحقيقية
حين نعتزل الناس ، لأننا نحس أننا أطهر منهم روحاً ، أو أطيب منهم قلباً ، أو أرحب منهم نفساً ، أو أذكى منهم عقلاً ، لا نكون قد صنعنا شيئاً كبيراً … لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبل ، وأقلها مؤونة ! .
إن العظمة الحقيقية : أن نخالط هؤلاء الناس ، مُشْبَعين بروح السماحة ، والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم ، وروح الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم ، ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع ! .
إنه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العليا ، ومثلنا السامية ، أو أن نتملق هؤلاء الناس ونثني على رذائلهم ، أو أن نشعرهم أننا أعلى منهم أفقاً .. إن التوفيق بين هذه المتناقضات ، وسعة الصدر لما يتطلبه هذا التوفيق من جهد : هو العظمة الحقيقية ! . (1)
(7)
الاعتراف بمساعدة الآخرين
__________
(1) من رسالة له من أمريكا إلى صديق أراد اعتزال الناس . مقال " في الأدب والحياة " . مجلة الكتاب . أبريل : 1951 ص : 393(1/7)
عندما نصل إلى مستوى معين من القدرة ، نحس أنه لا يعيبنا أن نطلب مساعدة الآخرين لنا ، حتى أولئك الذين هم أقل منا مقدرة ! ولا يغض من قيمتنا أن تكون معونة الآخرين لنا قد ساعدتنا على الوصول إلى ما نحن فيه . إننا نحاول أن نصنع كل شيء بأنفسنا ، ونستنكف أن نطلب عون الآخرين لنا ، أو أن نضمّ جهدهم إلى جهودنا ، كما نستشعر الغضاضة في أن يعرف الناس أنه كان لذلك العون أثر في صعودنا إلى القمة ؛ إننا نصنع هذا كله حين لا تكون ثقتنا بأنفسنا كبيرة ، أي عندما نكون بالفعل ضعفاء في ناحية من النواحي .. أما حين نكون أقوياء حقاً فلن نستشعر من هذا كله شيئاً .. إن الطفل هو الذي يحاول أن يبعد يدك التي تسنده وهو يتكفأ في المسير ! .
عندما نصل إلى مستوى معين من القدرة ، سنستقبل عون الآخرين لنا بروح الشكر والفرح ... الشكر لما يقدَّمُ لنا من عون .. والفرح بأن هناك من يؤمن بما نؤمن به نحن ... فيشاركنا الجهد والتبعة ... إن الفرح بالتجاوب الشعوري هو الفرح المقدس الطليق ! .
(8)
الفرح بانتشار الأفكار
إننا نحن حين " نحتكر " أفكارنا وعقائدنا ، ونغضب حين ينتحلها الآخرون لأنفسهم ، ونجتهد في توكيد نسبتها إلينا ، وعدوان الآخرين عليها ! إننا إنما نصنع ذلك كله ، حين لا يكون إيماننا بهذه الأفكار والعقائد كبيراً ، حين لا تكون منبثقة من أعماقنا ، كما لو كانت بغير إرادة منا ، حين لا تكون هي ذاتها أحب إلينا من ذواتنا ! .
إن الفرح الصافي هو الثمرة الطبيعية لأن نرى أفكارنا وعقائدنا ملكا للآخرين ، ونحن بعد أحياء . إن مجرد تصورنا لها أنها ستصبح – ولو بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض – زاداً للآخرين وريّاً ، ليكفي لأن تفيض قلوبنا بالرضا والسعادة والاطمئنان ! .(1/8)
" التجار " وحدهم هم الذين يحرصون على " العلاقات التجارية " لبضائعهم ، كي لا يستغلها الآخرون ، ويسلبوهم حقهم من الربح ، أما المفكرون وأصحاب العقائد ، فكل سعادتهم في أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ، ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها لأنفسهم ، لا إلى أصحابها الأولين ! .
إنهم لا يعتقدون أنهم " أصحاب " هذه الأفكار والعقائد ، وإنما هم مجرد " وسطاء " في نقلها وترجمتها ... إنهم يحسُّون أن النبع الذي يستمدون منه ليس من خَلْقِهم ، ولا من صنع أيديهم . وكل فرحهم المقدّس ، إنما هو ثمرة اطمئنانهم إلى أنهم على اتصال بهذا النبع الأصيل ! …
(9)
الفرق بين العلم والمعرفة
الفرق بعيد ... جِدُّ بعيد ... : بين أن نفهم الحقائق ، وأن ندرك الحقائق ... إن الأولى : العلم ... والثانية هي : المعرفة ! ...
في الأولى : نحن نتعامل مع ألفاظ ومعان مجردة ... أو مع تجارب ونتائج جزئية ...
وفي الثانية : نحن نتعامل مع استجابات حية ، ومدركات كلية …
في الأولى : ترد إلينا المعلومات من خارج ذواتنا ، ثم تبقى في عقولنا متحيزة متميزة …
وفي الثانية : تنبثق الحقائق من أعماقنا . يجري فيها الدم الذي يجري في عروقنا و أوشاجنا ، ويتسق إشعاعها مع نبضنا الذاتي ! ...
في الأولى : توجد " الخانات " و العناوين : خانة العلم ، وتحتها عنواناته ، وهي شتّى . خانة الدين ، وتحتها عنوانات فصوله وأبوابه ... وخانة الفن ، وتحتها عنوانات مناهجه واتجاهاته ! ...
وفي الثانية : توجد الطاقة الواحدة ، المتصلة بالطاقة الكونية الكبرى ... ويوجد الجدول السارب ، الواصل إلى النبع الأصيل ! ...
(10)
دور الرواد في توحيد المعارف(1/9)
نحن في حاجة ملحة إلى المتخصصين ، في كل فرع من فروع المعارف الإنسانية ، أولئك الذين يتخذون من معاملهم ومكاتبهم صوامع وأديرة ! ... ويهبون حياتهم للفرع الذي تخصصوا فيه ، لا بشعور التضحية فحسب ، بل بشعور اللذة كذلك ! … شعور العابد الذي يهب روحه لإلهه وهو فرحان ! ...
ولكننا مع هذا ، يجب أن ندرك أن هؤلاء ليسوا هم الذين يوجِّهون الحياة ، أو يختارون للبشرية الطريق ؟ ...
إن الرواد – كانوا دائماً وسيكونون – هم أصحاب الطاقات الروحية الفائقة ، هؤلاء هم الذين يحملون الشعلة المقدسة ، التي تنصهر في حرارتها كل ذرات المعارف ، وتنكشف في ضوئها طريق الرحلة ، مزودة بكل هذه الجزئيات ، قوية بهذا الزاد ، وهي تغذُّ السير نحو الهدف السامي البعيد ! . :
هؤلاء الرواد هم الذين يدركون ببصيرتهم تلك الوحدة الشاملة ، المتعددة المظاهر في : العلم ، والفن ، والعقيدة ، والعمل ، فلا يحقرون واحداً منها ، ولا يرفعونه فوق مستواه ! .
الصغار وحدهم ، هم الذين يعتقدون أن هناك تعارضاً بين هذه القوى ، المتنوعة المظاهر ؛ فيحاربون العلم باسم الدين ، أو الدين باسم العلم …
ويحتقرون الفن باسم العمل ، أو الحيوية الدافعة باسم العقيدة المتصوفة ! ... ذلك أنهم يدركون كل قوة من هذه القوى ، منعزلة عن مجموعة من القوى الأخرى ، الصادرة كلها من النبع الواحد ، ومن تلك القوة الكبرى المسيطرة على هذا الوجود (1) ! ... ولكن الرواد الكبار يدركون تلك الوحدة ، لأنهم متصلون بذلك النبع الأصيل ، ومنه يستمدون ! …
__________
(1) الصواب أن يقال : " من ذي القوة الكبرى المسيطر ... " لأن الله ذات موصوفة وليس صفة سبحانه وتعالى . [ الناشر ] .(1/10)
إنهم قليلون ... قليلون في تاريخ البشرية ... بل نادرون ! ولكن منهم الكفاية ... : فالقوة المشرفة (1) على هذا الكون ، هي التي تصوغهم ، وتبعث بهم في الوقت المقدر المطلوب ! .
(11)
المعلوم والمجهول في هذا الوجود
الاستسلام المطلق للاعتقاد في الخوارق والقوى المجهولة خطر ، لأنه يقود إلى الخرافة ... ويحول الحياة إلى وهم كبير ! ...
ولكن التنكر المطلق لهذا الاعتقاد ، ليس أقل خطراً : لأنه يغلق منافذ المجهول كله ، وينكر كل قوة غير منظورة ، لا لشيء إلا لأنها قد تكون أكبر من إدراكنا البشري ، في فترة من فترات حياتنا ! وبذلك يُصَغِّر من هذا الوجود – مساحة وطاقة ، وقيمة كذلك ، ويحدّه بحدود " المعلوم " ، وهو إلى هذه اللحظة حين يقاس إلى عظمة الكون – ضئيل .. جِدُّ ضئيل ! ...
إن حياة الإنسان على هذه الأرض سلسلة من العجز عن إدراك القوى الكونية ، أو سلسلة من القدرة على إدراك هذه القوى ، كلما شب عن الطوق ، وخطا خطوة إلى الأمام ، في طريقه الطويل ! .
إن قدرة الإنسان في وقت بعد وقت على إدراك إحدى قوى الكون ، التي كانت مجهولة له منذ لحظة ، وكانت فوق إدراكه في وقت ما .. لكفيلة بأن تفتح بصيرته على أن هناك قوى أخرى لم يدركها بعد ، لأنه لا يزال في دور التجريب ! .
إن احترام العقل البشري ذاته لَخليقٌ بأن نحسب للمجهول حسابه في حياتنا ، لا لنكل إليه أمورنا ، كما يصنع المتعلقون بالوهم والخرافة ، ولكن لكي نحس عظمة هذا الكون على حقيقتها ، ولكي نعرف لأنفسنا قدرها في كيان هذا الكون العريض . وإن هذا لخليقٌ بأن يفتح للروح الإنسانية قوى كثيرة للمعرفة ، وللشعور بالوشائج التي تربطنا بالكون من داخلنا ، وهي بلا شك أكبر وأعمق من كل ما أدركناه بعقولنا حتى اليوم ، بدليل أننا ما نزال نكشف في كل يوم عن مجهول جديد ؛ وأننا لا نزال بعد نعيش ! .
(12)
__________
(1) الصواب أن يقال : " فالقوي المدبر لهذا الكون ... " [ الناشر ] .(1/11)
الإنسان لا يستغني عن الله
من الناس في هذا الزمان ، من يرى في الاعتراف بعظمة الله المطلقة غضّاً من قيمة الإنسان ، وإصغاراً لشأنه في الوجود : كأنما الله والإنسان ندّان ، يتنافسان على العظمة والقوة في هذا الوجود ! .
أنا أحس أنه كلما ازددنا شعوراً بعظمة الله المطلقة ، زدنا نحن أنفسنا عظمة ، لأننا من صنع إله عظيم ! .
إن هؤلاء الذين يحسبون أنهم يرفعون أنفسهم حين يخفضون في وهمهم إلههم أو ينكرونه ، إنما هم المحدودون ، الذين لا يستطيعون أن يروا إلا الأفق الواطئ القريب ! .
أنهم يظنون أن الإنسان إنما لجأ إلى الله إبّان ضعفه وعجزه ، فأما الآن فهو من القوة بحيث لا يحتاج إلى إله ! كأنما الضعف يفتح البصيرة ، والقدرة تطمسها ! .
إن الإنسان لجدير بأن يزيد إحساساً بعظمة الله المطلقة كلما نمت قوته ، لأنه جدير بأن يدرك مصدر هذه القوة ، كلما زادت طاقته على الإدراك …
إن المؤمنين بعظمة الله المطلقة لا يجدون في أنفسهم ضعة ولا ضعفاً ، بل على العكس ، يجدون في نفوسهم العزة والمنعة ، باستنادهم إلى القوة الكبرى ، المسيطرة على هذا الوجود . إنهم يعرفون أن مجال عظمتهم إنما هو في هذه الأرض ، وبين هؤلاء الناس ، فهي لا تصطدم بعظمة الله المطلقة في هذا الوجود . إن لهم رصيداً من العظمة والعزة في إيمانهم العميق ، لا يجده أولئك الذين ينفخون أنفسهم كـ " البالون " حتى ليغطي الورم المنفوخ عن عيونهم كل آفاق الوجود ! .
(13)
حول الحرية والعبودية
أحياناً تتخفى العبودية في ثياب الحرية ، فتبدو انطلاقاً من جميع القيود : انطلاقاً من العرف والتقاليد ، انطلاقاً من تكاليف الإنسانية في هذا الوجود ! .(1/12)
إن هنالك فارقاً أساسياً بين الانطلاق من قيود الذل والضغط والضعف ، والانطلاق من قيود الإنسانية وتبعاتها ، إن الأولى معناها التحرر الحقيقي ، أما الثانية فمعناها التخلي عن المقومات التي جعلت من الإنسان إنساناً ، وأطلقته من قيود الحيوانية الثقيلة ! .
إنها حرية مُقَنَّعَة ، لأنها في حقيقتها خضوع وعبودية للميول الحيوانية ، تلك الميول التي قضت البشرية عمرها الطويل وهي تكافحها ، لتتخلص من قيودها الخانقة ، إلى جو الحرية الإنسانية الطليقة …
لماذا تخجل الإنسانية من إبداء ضروراتها ؟ لأنها تحس بالفطرة أن السمو مع هذه الضروريات هو أول مقومات الإنسانية و، أن الانطلاق من قيودها هو الحرية ، وأن التغلب على دوافع اللحم والدم ، وعلى مخاوف الضعف والذل ، كلاهما سواء في توكيد معنى الإنسانية ! .
(14)
لا انفصال بين المبادئ والأشخاص
لست ممن يؤمنون بحكاية المبادئ المجردة عن الأشخاص ، لأنه ما المبدأ بغير عقيدة حارة دافعة ؟ وكيف توجد العقيدة الحارة الدافعة في غير قلب إنسان ؟ .
إن المبادئ والأفكار في ذاتها – بلا عقيدة دافعة – مجرد كلمات خاوية ، أو على الأكثر معانٍ ميتة ! والذي يمنحها الحياة هو حرارة الإيمان ، المشعة من قلب إنسان ! لن يؤمن الآخرون بمبدأ أو فكرة تنبت في ذهن بارد ، لا في قلب مشع .
آمن أنت أولاً بفكرتك ، آمن بها إلى حد الاعتقاد الحار ! عندئذ فقط يؤمن بها الآخرون !! وإلا فستبقى مجرد صياغة لفظية ، خالية من الروح والحياة ! ...
لا حياة لفكرة لم تتقمص روح إنسان ، ولم تصبح كائناً حياً دبّ على وجه الأرض في صورة بشر ! ... كذلك لا وجود لشخص – في هذا المجال – لا تعمر قلبه فكرة يؤمن بها ، في حرارة وإخلاص …
إن التفريق بين الفكرة والشخص ، كالتفريق بين الروح والجسد أو المعنى واللفظ ، عملية – في بعض الأحيان – مستحيلة ، وفي بعض الأحيان تحمل معنى التحلل والفناء ! .(1/13)
كل فكرة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان ! أما الأفكار التي لم تُطْعَمْ هذا الغذاء المقدّس ، فقد وُلدت ميتة ، ولم تدفع بالبشرية شبراً واحداً إلى الأمام ! .
(15)
الغاية لا تبرر الوسيلة
من الصعب علي أن أتصور كيف يمكن أن نصل إلى غاية نبيلة باستخدام وسيلة خسيسة !؟
إن الغاية النبيلة لا تحيا إلا في قلب نبيل . فكيف يمكن لذلك القلب أن يطيق استخدام وسيلة خسيسة ؟ بل كيف يهتدي إلى استخدام هذه الوسيلة ؟! حين نخوض إلى الشط الممرع بركة من الوحل لا بد أن نصل إلى الشط ملوّثين ... إن أوحال الطريق ستترك آثارها على أقدامنا ، وعلى مواضع هذه الأقدام ، كذلك الحال حين نستخدم وسيلة خسيسة : إن الدنس سيعلق بأرواحنا ، وسيترك آثاره في هذه الأرواح ، وفي الغاية التي وصلنا إليها ! .
إن الوسيلة في حساب الروح جزء من الغاية . ففي عالم الروح لا توجد هذه الفوارق والتقسيمات ! الشعور الإنساني وحده إذا حس غاية نبيلة فلن يطيق استخدام وسيلة خسيسة .. بل لن يهتدي إلى استخدامها بطبيعته !
" الغاية تبرر الوسيلة !؟ " : تلك هي حكمة الغرب الكبرى !! لأن الغرب يحيا بذهنه ، وفي الذهن يمكن أن توجد التقسيمات والفوارق بين الوسائل والغايات ! . (1)
(16)
أفراح الروح بإسعاد الآخرين
بالتجربة عرفت ، أنه لا شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفيف الذي نجده ، عندما نستطيع أن نُدخِلَ العزاء أو الرضى ، الثقة أو الأمل أو الفرح ، إلى نفوس الآخرين ! .
إنها لذة سماوية عجيبة ، ليست في شيء من هذه الأرض ، إنها تجاوب العنصر السماوي الخالص في طبيعتنا ، إنها لا تطلب لها جزاءً خارجياً ، لأن جزاءها كامن فيها ! .
__________
(1) من رسالة له من أمريكا إلى صديق قدم له خطة ودعاه إلى قبولها ويبدو أنه لم يوافق عليها . مقال " في الأدب والحياة " مجلة الكتاب . أبريل : 951 ص : 393 .(1/14)
هنالك مسألة أخرى ، يقحمها بعض الناس في هذا المجال ، وليست منه في شيء ، مسألة اعتراف الآخرين بالجميل ! .
لن أحاول إنكار ما في هذا الاعتراف من جمال ذاتي ، ولا ما فيه من مسرة عظيمة للواهبين ، ولكن هذا كله شيء آخر ، إن المسألة هنا مسألة الفرح ، بأن الخير يجد له صدى ظاهرياً قريباً في نفوس الآخرين ، وهذا الفرح قيمته من غير تلك ، لأنه ليس من طبيعة ذلك الفرح الآخر ، الذي نحسه مجرداً ، في ذات اللحظة التي نستطيع أن ندخل فيها العزاء أو الرضى ، الثقة أو الأمل أو الفرح في نفوس الآخرين ! إن هذا لهو الفرح النقي الخالص ، الذي ينبع من نفوسنا ، ويرتد إليها ، بدون حاجة إلى أي عناصر خارجية عن ذواتنا ، إنه يحمل جزاءه كاملاً ، لأنه جزاءه كامن فيه ! .
(17)
النظرة إلى الإنجازات والأخطاء
لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة ! لقد أخذت في هذه الحياة كثيراً ، أعني : لقد أعطيت !! .
أحيانا تصعب التفرقة بين الأخذ والعطاء ، لأنهما يعطيان مدلولاً واحداً في عالم الروح ! في كل مره أعطيت لقد أخذت ، لست أعني أن أحداً قد أعطى لي شيئاً ، إنما أعني أنني أخذت نفس الذي أعطيت ، لأن فرحتي بما أعطيت لم تكن أقل من فرحة الذين أخذوا .
لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة ! لقد عملت بقدر ما كنت مستطيعاً أن أعمل ! هناك أشياء كثيرة أود أن أعملها ، لو مُدَّ لي في الحياة ، ولكن الحسرة لن تأكل قلبي إذا لم أستطع ؛ إن آخرين سوف يقومون بها ، إنها لن تموت إذا كانت صالحة للبقاء ، فأنا مطمئن إلى أن العناية التي تلحظ هذا الوجود لن تدع فكرة صالحة تموت …(1/15)
لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة ! لقد حاولت أن أكون خيّراً بقدر ما أستطيع ، أما أخطائي وغلطاتي فأنا نادم عليها ! إني أكل أمرها إلى الله ، وأرجو رحمته وعفوه ، أما عقابه فلست قلقاً من أجله ، فأنا مطمئن إلى أنه عقاب حق ، وجزاء عدل ، وقد تعودت أن أحتمل تبعة أعمالي ، خيراً كانت أو شراً ... فليس يسوءني أن ألقى جزاء ما أخطأت حين يقوم الحساب ! .
انتهت
موقعنا على الانترنت
منبر التوحيد والجهاد
http://www.tawhed.ws
http://www.almaqdese.com
http://www.alsunnah.info
الدّال على الخير كفاعله
الفهرس
تقديم بقلم الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
قصة هذه الأفكار والخواطر ( أفراح الروح )
حول الموت والحياة
كيف نضاعف حياتنا
بين شجرة الخير وشجرة الشر
آثار لمس الجانب الطيب عند الناس
آثار حبنا للآخرين
طريق العظمة الحقيقية
الاعتراف بمساعدة الآخرين
الفرح بانتشار الأفكار
الفرق بين العلم والمعرفة
دور الرواد في توحيد المعارف
المعلوم والمجهول في هذا الوجود
الإنسان لا يستغني عن الله
حول الحرية والعبودية
لا انفصال بين المبادئ والأشخاص
الغاية لا تبرر الوسيلة
أفراح الروح بإسعاد الآخرين
النظرة إلى الإنجازات والأخطاء
الفهرس
موقعنا على الانترنت
منبر التوحيد والجهاد
http://www.tawhed.ws
http://www.almaqdese.com
http://www.alsunnah.info
الدّال على الخير كفاعله(1/16)