بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن كتابَ اللهِ _عز وجل_ أَوْلَى ما صُرفت الهممُ للعناية به تلاوةً، وحفظاً، وتدبراً، وعملاً.
وإن من أعظم ما يعين على ذلك فَهْمَ مقاصدِ السورِ، والوقوفَ على أغراضها، وما تحتوي عليه من موضوعات.
وقد كان للمفسرين الأوائل عنايةٌ بذلك، ولكن كم ترك الأول للآخر؛ فقد كان للشيخ العلامة محمد الطاهر بن عاشور 1296_ 1393هـ القِدْحُ المُعلَّى في ذلك الشأن؛ حيث عُني بأغراض السور ومقاصدها أيَّما عناية، وذلك في تفسيره العظيم (التحرير والتنوير).
حيث التزم فيه أن يُصَدِّر كلَّ سورة من سور القرآن ببيان أغراضها، وما تشتمل عليه من مقاصدَ بإيجازٍ وافٍ، وتحريرٍ عالٍ، يدل على اتساعٍ، وطولِ باع.
قال × في مقدمة تفسيره 1/185: =ولم أغادرْ سورةً إلا بيَّنتُ ما أحِيطُ به من أغراضها؛ لئلا يكونَ الناظرُ في تفسيرِ القرآنِ مقصوراً على بيان مفرداته، ومعانيْ جُمَله كأنها فِقَرٌ متفرقةٌ تَصْرِفُه عن روعة انسجامه، وتَحْجِبُ عنه روائعَ جماله+ ا.هـ.
ونظراً لعظم شأن ذلك التفسير، ولأنه مليءٌ بكنوز من العلم والمعارف، والثقافة، ولكونه مطولاً يقع في ثلاثين جزءاً، وفي صفحات يَصِلُ عددُها إلى أحدَ عشرَ ألفاً ومائةٍ وسبعٍ وتسعين صفحةً بخط صغير، ولو كان الخط أكبر لكانت الصفحات أكثر، وهذا مما يصرف عن قراءته _ فقد رأيت أن أستخرج بعض اللطائف الرائعة، واللفتات البارعة التي احتوى عليها ذلك التفسير العظيم؛ رغبةً في عموم النفع، وإسهاماً في التعريف بذلك العمل الجليل الذي لا يخطر لكثير من طلبة العلم _فضلاً عن غيرهم_ ما يشتمل عليه من نفائس العلم وغواليه.(1/1)
وقد سميته (لطائف من تفسير التحرير والتنوير) وقد صُدِّر بمقدمة وأربعة مباحث تحتوي على معالمَ عامةٍ في سيرة ابن عاشور، وتعريفٍ عامٍّ بتفسيره، ومنهجه فيه، وخلاصة ما اشتمل عليه مع مقدمة في علم البلاغة، ثم بعد ذلك تم الشروع في إيراد اللطائف التي استُخرجت من ذلك التفسير.
والكتاب يقع فيما يزيد على ألف صفحة(1).
ولقد كان من ضمن ذلك أغراضُ السورِ؛ حيثُ نَقَلْتُها كاملةً في الكتاب المذكور.
ثم بدا لي أن تُفرد تلك الأغراض في كتيِّب خاصٍّ؛ ليسهل تداولُه، ونشره، ولأجل أن يفيد منه جمهور الناس من طلاب علم، وحفظة قرآن، وغيرهم.
كما أنه قد يفيد أئمة المساجد الذين يقومون بالحديث على جماعة مساجدهم في شتى الكتب؛ فذلك مما يناسب قراءته خصوصاً في شهر رمضان.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن تسمية الشيخ ابن عاشور لتلك الأغراض متفاوتة، ففي غالب السور يسميها أغراضاً، وفي بعضها مقاصد على تنوع في عباراته؛ فتارة يقول: أغراض هذه السورة، وتارة يقول: أغراضها، وتارة يقول: مقاصدها، وتارة يقول: هذه السورة تضمنت كذا وكذا، إلى غير ذلك مما يورده.
فلا مشاحة _إذاً_ أن يقال: مقاصد السور، أو أغراضها.
وسوف أنقل هذه الأغراض بنصِّها وبعبارة الشيخ، وقد يصحب ذلك تعليقات يسيرة في الهامش، مع مراعاة أن تلك النقول من طبعة دار سحنون؛ فأسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن ينفع بهذا العمل، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم.
كما أسأله _عز وجل_ أن يغفر للشيخ ابن عاشور، وأن يجزل له الأجر والمثوبة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
محمد بن إبراهيم الحمد
ص.ب 460
الرمز البريدي: 11932
الزلفي: 27/9/1427هـ
www.Toislam.Net
alhamad@toislam.net
__________
(1) _ سيخرج قريباً _بإذن الله_.(1/2)
فالفاتحةُ تضمَّنت مناجاةً للخالق جامعةً التنزهَ عن التعطيلِ، والإلحاد، والدّهرية بما تضمنه قولُه: [مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ] وعن الإشراك بما تضمّنه [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ] وعن المكابرةِ والعناد بما تضمنه [اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ].
فإنَّ طلبَ الهدايةِ اعترافٌ بالاحتياج إلى العلم، وَوَصْفَ الصراطِ بالمستقيم اعترافٌ بأن من العلم ما هو حقٌّ، ومنه ما هو مشوبٌ بِشُبَهٍ وغَلَط.
ومَنِ اعترَفَ بهذين الأمرين فَقَدْ أعدَّ نفسَه لاتِّباع أَحْسَنِهما، وعن الضلالات التي تعتري العلومَ الصحيحةَ، والشرائعَ الحقةَ؛ فتذهبُ بفائدتها، وتُنْزِلُ صاحبها إلى دركةٍ أقلَّ مما وقفَ عنده الجاهلُ البسيطُ، وذلك بما تضمَّنه قولُه: [غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ] كما أجملناه قريباً.
ولأجل هذا سُمِّيَتْ هاتِه السورةُ أمَّ القرآن _ كما تقدم _.
ولما لُقِّن المؤمنون هاتِهِ المناجاةَ البديعةَ التي لا يهتدي إلى الإحاطة بها في كلامه غيرُ علامِ الغيوب _سبحانه_ قُدَّم الحمدُ عليها؛ ليضَعَه المناجون كذلك في مناجاتهم جرياً على طريقة بلغاء العرب عند مخاطبة العظماء أن يفتتحوا خطابهم إياهم، وَطِلْبَتَهم بالثناء، والذكرِ الجميل.
قال أميةُ بنُ أبي الصلتِ يمدحُ عبدَ اللهِ بنَ جُدْعان:
أَأَذْكُرُ حاجتي أم قَدْ كَفاني ... حياؤك إن شيمتَك الحياءُ
إذا أثنى عليك المرءُ يوماً ... كفَاه عن تعرُّضه الثناءُ
فكان افتتاحُ الكلامِ بالتحميد سُنَّةَ الكتابِ المجيد، لكل بليغ مُجيد. 1/153_154(1/3)
محتوياتُ هذه السورة: هذه السورةُ متراميةٌ أطرافُها، وأساليبُها ذاتُ أفنانٍ، قد جمعت من وشائجِ أغراض السور ما كان مصداقاً لتلقيبها فُسطاطَ القرآنِ؛ فلا تستطيعُ إحصاءَ محتوياتِها بِحُسْبان، وعلى الناظر أن يترقَّب تفاصيلَ منها فيما يأتي لنا من تفسيرها، ولكن هذا لا يحجم بنا عن التعرض إلى لائحات منها.
وقد حِيْكَتْ بنسج المناسبات، والاعتبارات البلاغية من لُحْمةٍ مُحْكَمَةٍ في نظم الكلام، وسُدَىً(1) متينٍ من فصاحة الكلمات.
ومعظمُ أغراضها ينقسم إلى قسمين: قسمٍ يُثْبِتُ سموَّ هذا الدين على ما سبقه، وعلوَّ هَدْيِهِ، وأصولَ تطهيره النفوسَ.
وقسمٍ يُبَيِّن شرائعَ هذا الدين لأتباعه، وإصلاح مجتمعهم.
وكان أسلوبُها أحسنَ ما يأتي عليه أسلوبٌ جامعٌ لمحاسنِ الأساليبِ الخطابيةِ، وأساليبِ الكتبِ التشريعيةِ، وأساليبِ التذكيرِ والموعظةِ، يتجدد بمثله نشاطُ السامعين بتفنن الأفانين.
ويحضر لنا من أغراضها أنها ابتدئت بالرمز إلى تحدي العرب المعاندين تحدياً إجمالياً بحروف التَّهَجِّي المفتتح بها رمزاً يقتضي استشرافَهم لِما يَرِدُ بَعْدَه، وانتظارَهم لبيان مَقْصِدِه؛ فَأَعْقَبَ بالتنويه بشأن القرآن؛ فَتَحَوُّلُ الرمزِ إيماءاً إلى بعض المقصود من ذلك الرمز له أشدُّ وقعاً على نفوسهم؛ فَتَبْقَى في انتظار ما يَتَعَقَّبُه من صريح التعجيز الذي سيأتي بعد قوله: [وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ] الآيات.
فعدَل بهم إلى ذاتِ جهة التنويه بفائق صدق هذا الكتاب وهديه، وتخلَّص إلى تصنيف الناس تجاهَ تلَقِّيهم هذا الكتاب، وانتفاعهم بهديه أصنافاً أربعة، وكانوا قبل الهجرة صنفين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك التلقي.
__________
(1) _ اللُّحمة والسَّدى: يطلقان على عدة أمور، ومنها قولهم: لحمة الثوب وسداه، فاللحمة أعلاه، والسَّدى أسفله. انظر لسان العرب 12/538، و14/374.(1/4)
وإذ قد كان أخصُّ الأصناف انتفاعاً بهديه هم المؤمنين بالغيب المقيمين الصلاة؛ يعني المسلمين _ ابتُدئ بذكرهم.
ولمَّا كان أشدَّ الأصناف عناداً وحقداً صِنْفا المشركين الصرحاء، والمنافقين _ لُفَّ الفريقان لَفَّاً واحداً؛ فَقُورعوا بالحجج الدامغة، والبراهين الساطعة.
ثم خصَّ بالإطناب صِنْفَ أهلِ النفاق؛ تشويهاً لنفاقهم، وإعلاناً لدخائلهم، ورد مطاعنهم.
ثم كان خاتمةُ ما قُرِعَتْ به أنوفُهم صريحَ التحدي الذي رمز إليه بدءاً تحدياً يلجئهم إلى الاستكانة، ويُخْرِسُ ألسنتَهم عن التطاول والإبانة، ويُلْقي في قرارات أنفسهم مذلةَ الهزيمة، وصدقَ الرسول الذي تحداهم؛ فكان ذلك من رد العجز على الصدر(1)
__________
(1) _ رد العجز على الصدر هو أحد فنون البديع من علم البلاغة وهو جعل أحد اللفظين المكررين، أو المتجانسين، أو ملحقين بهما اشتقاقاً، أو شبه اشتقاق في أول الفقرة والآخر في صدرها.
فالمكرران نحو: [وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ] والمتجانسان نحو: [اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً].(1/5)
فاتسع المجالُ لدعوة المُنصِفين إلى عبادة الرب الحق الذي خلقهم وخلق السماوات والأرض، وأنعم عليهم بما في الأرض جميعاً، وتَخَلَّص إلى صفة بدء خلق الإنسان؛ فإن في ذلك تذكيراً لهم بالخلق الأول قبل أن توجد أصنامُهم التي يزعمونها من صالحي قوم نوح، ومَنْ بعدهم، ومِنَّةً على النوع بتفضيل أصلِهم على مخلوقات هذا العالم، وبمزيته بِعِلْمِ ما لم يَعْلَمْهُ أهلُ الملأ الأعلى، وكيف نشأت عداوةُ الشيطان له ولنسله؛ لتهيئة نفوس السامعين لاتهام شهواتها، ولمحاسبتها على دعواتها؛ فهذه المنَّةُ التي شملت كلَّ الأصناف الأربعة المتقدم ذكرها كانت مناسبةً للتخلص إلى مِنَّة عظمى تخص الفريق الرابع، وهم أهل الكتاب الذين هم أشدُّ الناس مقاومة لهدى القرآن، وأَنْفَذُ الفرقِ قولاً في عامة العرب؛ لأن أهلَ الكتاب يومئذ هم أهلُ العلم، ومظنةُ اقتداءِ العامة لهم من قوله: [يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي] الآيات، فأطنب في تذكيرهم بنعم الله، وأيامه لهم، ووصف ما لاقوا به نِعَمَهُ الجمةَ من الانحراف عن الصراط السوي انحرافاً بلغ بهم حد الكفر، وذلك جامع لخلاصة تكوين أمةِ إسرائيل، وجامعتِهم في عهد موسى، ثم ما كان من أهم أحداثهم مع الأنبياء الذين قَفَوا موسى إلى أن تلقوا دعوة الإسلام بالحسد والعداوة؛ حتى على المَلَكِ جبريلَ، وبيان أخطائهم؛ لأن ذلك يلقي في النفوس شكاً في تأهلهم للاقتداء بهم، وذَكَر من ذلك نموذجاً من أخلاقهم من تعلق الحياة [وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ] ومحاولة العمل بالسحر [وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ] الخ، وأذى النبي بموجَّه الكلام: [لا تَقُولُوا رَاعِنَا].(1/6)
ثم قُرِنَ اليهودُ والنصارى والمشركون في قَرن حسدهم المسلمين، والسخط على الشريعة الجديدة [مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ] إلى قوله: [وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ] ثم ما أثير من الخلاف بين اليهود والنصارى، وادعاء كل فريق أنه هو المحق [وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ] إلى [يَخْتَلِفُونَ].
ثم خُص المشركون بأنهم أظلم هؤلاء الأصناف الثلاثة؛ لأنهم منعوا المسلمين من ذكر الله في المسجد الحرام، وسعوا بذلك في خرابه، وأنهم تشابهوا في ذلك هم واليهود والنصارى، واتحدوا في كراهية الإسلام.
وانتقل بهذه المناسبة إلى فضائل المسجد الحرام، وبانيه، ودعوتِه لذريته بالهدى، والاحترازِ عن إجابتها في الذين كفروا منهم، وأن الإسلام على أساس ملة إبراهيم وهو التوحيد، وأن اليهودية والنصرانية ليستا ملة إبراهيم، وأن من ذلك الرجوعَ إلى استقبال الكعبةِ ادخره الله للمسلمين آية على أن الإسلام هو القائم على أساس الحنيفية، وذَكَرَ شعائر الله بمكة، وإبكاتَ أهل الكتاب في طعنهم على تحويل القبلة، وأن العناية بتزكية النفوس أجدر من العناية باستقبال الجهات [لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ].
وذُكِّروا بنسخ الشرائع؛ لصلاح الأمم، وأنه لا بدع في نسخ شريعة التوراة، أو الإنجيل بما هو خير منهما.
ثم عاد إلى محاجة المشركين بالاستدلال بآثار صنعة الله [إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ] إلخ، ومحاجة المشركين في يوم يتبرأون فيه من قادتهم، وإبطال مزاعم دين الفريقين في محرمات من الأكل [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ].(1/7)
وقد كَمَّل ذلك بذكر صنفٍ من الناس قليلٍ وهم المشركون الذين لم يظهروا الإسلام، ولكنهم أظهروا مودة المسلمين [وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا].
ولما قَضَى حق ذلك كله بأبدع بيان، وأوضح برهان انتقل إلى قسم تشريعات الإسلام إجمالاً بقوله: [لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ] ثم تفصيلاً: القصاصُ، الوصيةُ، الصيامُ، الاعتكافُ، الحجُ، الجهادُ، ونظامُ المعاشرة والعائلة، والمعاملاتُ المالية، والإنفاقُ في سبيل الله، والصدقاتُ، والمسكراتُ، واليتامى، والمواريثُ، والبيوعُ، والربا، والديونُ، والإشهادُ، والرهنُ، والنكاحُ، وأحكامُ النساء، والعدةُ، والطلاقُ، والرضاعُ، والنفقاتُ، والأيمانُ.
وخُتِمَتِ السورةُ بالدعاء المتضمن لخصائص الشريعة الإسلامية، وذلك من جوامع الكلم؛ فكان هذا الختام تذييلاً(1) وفذلكة(2) [
__________
(1) _ التذييل: هو أحد ضروب الإطناب، والإطناب أحد أبواب القسم الأول من أقسام علم البلاغة، وهو علم المعاني.
والتذييل: هو الإتيان بجملة مستقلة عقب الجملة الأولى التي تشتمل على معناها للتأكيد.
وتحت التذييل أضرب وتقسيمات.
وقد أكثر ابن عاشور في تفسيره من إيراد التذييل؛ لما له من الأهمية، والشرف.
قال أبو هلال العسكري ×: =وللتذييل في الكلام موقع جليل، ومكان شريف خطير؛ لأن المعنى يزداد به انشراحاً، والمقصد انفتاحاً+. كتاب الصناعتين ص313
وقال: =فأما التذييل فهو إعادة الألفاظ المترادفة على المعنى بعينه؛ حتى يظهر لمن لم يفهمه، ويتوكد عند من فهمه+. كتاب الصناعتين ص313
(2) _ الفَذْلَكَة: كلمة محدثة، ومعناها: مجمل ما فصِّل وخلاصته.
ومنه: فَذْلَكَ الحساب: أي أنهاه، وفرغ منه.
وهي منحوتة من قوله: فذلك كذا وكذا: إذا أجمل حسابه. انظر المعجم الوسيط 2/678.(1/8)
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ] الآيات.
وكانت في خلال ذلك كله أغراضٌ شتى سبقت في معرض الاستطراد في متفرق المناسبات؛ تجديداً لنشاط القارئ والسامع كما يسفر وجهُ الشمسِ إثرَ نزولِ الغيوثِ الهوامع، وتَخْرُج بوادِرُ الزَّهرِ عَقِبَ الرُّعودِ القوارع، من تمجيد الله وصفاته [اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ] ورحمتِه وسماحةِ الإسلام، وضربِ أمثال [أَوْ كَصَيِّبٍ] واستحضارِ نظائر [وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ] [أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ] وعلمٍ وحكمةٍ، ومعانيْ الإيمانِ والإسلامِ، وتثبيتِ المسلمين [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ] والكمالاتِ الأصليةِ، والمزايا التحسينيةِ، وأخذِ الأعمال والمعاني من حقائقها وفوائدها لا من هيئاتها، وعدمِ الاعتداد بالمصطلحات إذا لم تَرْمِ إلى غايات [وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا] [لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ] [وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ] والنظرِ والاستدلالِ، ونظامِ المحاجَّةِ، وأخبارِ الأمم الماضية، والرسلِ وتفاضلِهم، واختلافِ الشرائع. 1/203_206(1/9)
واشتملت هذه السورة من الأغراض على: الابتداء بالتنويه بالقرآن، ومحمد"، وتقسيم آيات القرآن، ومراتبِ الأفهام في تلقِّيها، والتنويهِ بفضيلة الإسلام، وأنه لا يَعْدِلُه دين، وأنه لا يُقْبَلُ دينٌ عند الله بعد ظهور الإسلام، غير الإسلام، والتنويهِ بالتوراةِ والإنجيل، والإيماء إلى أنهما أنزلا قبل القرآن؛ تمهيداً لهذا الدين؛ فلا يَحِقُّ للناس أن يَكْفُروا به، وعلى التعريفِ بدلائل إلهية الله _تعالى_ وانفراده، وإبطالِ ضلالة الذين اتخذوا آلهة من دون الله: مَنْ جعلوا له شركاء، أو اتخذوا له أبناءاً، وتهديدِ المشركين بأن أمرَهم إلى زوالٍ، وألا يغرهم ما هم فيه مِنَ البذخ، وأن ما أعد للمؤمنين خيرٌ من ذلك، وتهديدِهم بزوال سلطانهم، ثم الثناءِ على عيسى _عليه السلام_ وآل بيته، وذكرِ معجزةِ ظهورِه، وأنه مخلوق لله.(1/10)
وذِكْرُ الذين آمنوا به حقاً، وإبطالُ إلهية عيسى، ومِنْ ثَمَّ أفضى إلى قضية وفد نجران ولجَاجتهم، ثم محاجةِ أهل الكتابين في حقيقة الحنيفية، وأنهم بُعَدَاءُ عنها، وما أَخَذَ اللهُ مِنَ العهد على الرسل كلِّهم: أن يؤمنوا بالرسولِ الخاتَم، وأن الله جعل الكعبةَ أولَ بيتٍ وُضِعَ للناس، وقد أعاد إليه الدينَ الحنيفَ كما ابتدأه فيه، وأوجب حَجَّهَ على المؤمنين، وأظهر ضلالاتِ اليهودِ، وسوءَ مقالتِهم، وافتراءَهم في دينهم، وكتمانَهم ما أنزل إليهم، وذَكَّر المسلمين بنعمته عليهم بدين الإسلام، وأَمَرهم بالاتحاد والوِفاق، وذكَّرهم بسابق سوءِ حالهم في الجاهلية، وهَوَّنَ عليهم تظاهرَ معانديهم من أهل الكتاب والمشركين، وذكَّرهم بالحذر من كيدهم وكيدِ الذين أظهروا الإسلامَ ثم عادوا إلى الكفر؛ فكانوا مثلاً لتمييز الخبيث مِنَ الطيب، وأَمَرهم بالاعتزاز بأنفسهم، والصبرِ على تلقي الشدائد، والبلاء، وأذى العدو، ووعدهم على ذلك بالنصر والتأييد وإلقاء الرعب منهم في نفوس عدوهم، ثم ذكَّرهم بيوم أحد، ويوم بدر، وضرب لهم الأمثال بما حصل فيهما، ونوَّه بشأن الشهداء من المسلمين، وأمر المسلمين بفضائل الأعمال: من بذل المال في مواساة الأمة، والإحسان، وفضائل الأعمال، وترك البخل، ومذمة الربا، وختمت السورة بآيات التفكير في ملكوت الله. 3/144_145(1/11)
وقد اشتملت على أغراضٍ وأحكام كثيرةٍ أَكْثَرُها تشريعُ معاملاتِ الأقرباء وحقوقهم؛ فكانت فاتحتُها مناسِبةً لذلك بالتذكير بنعمة خلق الله، وأنهم محقوقون بأن يشكروا ربَّهم على ذلك، وأن يراعوا حقوقَ النوعِ الذي خُلِقوا منه بأن يصلوا أرحامَهم القريبةَ والبعيدةَ، وبالرفق بضعفاءِ النوعِ من اليتامى، ويراعوا حقوقَ صنفِ النساء من نوعهم بإقامة العدل في معاملاتهن، والإشارةِ إلى عقود النكاحِ والصداقِ، وشَرْعِ قوانين المعاملة مع النساء في حالتي الاستقامة والانحرافِ من كلا الزوجين، ومعاشرتِهن والمصالحةِ معهن، وبيانِ ما يحل للتزوج منهن، والمحرماتِ بالقرابة أو الصهر، وأحكامِ الجواري بملك اليمين.
وكذلك حقوقُ مصيرِ المالِ إلى القرابة، وتقسيمُ ذلك، وحقوقُ حفظِ اليتامى في أموالهم، وحفظِها لهم، والوصايةُ عليهم.
ثم أحكامُ المعاملاتِ بين جماعة المسلمين في الأموال والدماء، وأحكامُ القتلِ عمداً وخطأً، وتأصيلُ الحكمِ الشرعيِّ بين المسلمين في الحقوق والدفاع عن المعتدى عليه، والأمرُ بإقامة العدل بدون مصانعةٍ، والتحذيرُ من اتباع الهوى، والأمرُ بالبرِّ، والمواساةِ، وأداءِ الأمانات، والتمهيدُ لتحريم شرب الخمر.
وطائفةٌ من أحكامِ الصلاةِ، والطهارةِ، وصلاةِ الخوفِ.
ثم أحوالُ اليهود؛ لكثرتهم بالمدينة، وأحوالُ المنافقين وفضائحُهم، وأحكامُ الجهادِ لدفع شوكةِ المشركين، وأحكامُ معاملةِ المشركين، ومساويهم، ووجوبُ هجرةِ المؤمنين من مكة، وإبطالُ مآثر الجاهلية.
وقد تخلل ذلك مواعظُ وترغيبٌ، ونهيٌ عن الحسد، وعن تمني ما للغير من المزايا التي حرم منها من حرم بحكم الشرع، أو بحكم الفطرة، والترغيب في التوسط في الخير والإصلاح، وبث المحبة بين المسلمين.4/213_214(1/12)
وقد احتوت هذه السورةُ على تشريعاتٍ كثيرةٍ تُنْبِئُ بأنها أُنزلت لاستكمال شرائع الإسلام، ولذلك افْتُتِحَتْ بالوصايةِ بالوفاءِ بالعقودِ، أي بما عاقدوا الله عليه حين دخولهم في الإسلام من التزامِ ما يؤمرون به؛ فقد كان النبي"يأخذ البيعةَ على الصلاةِ والزكاةِ والنصحِ لكلِّ مسلم، كما في حديث جابر بن عبد الله في الصحيح، وأخذَ البيعةَ على الناس بما في سورة الممتحنة، كما روى عبادة ابن الصامت، وَوَقَعَ في أولها قولُه _تعالى_: [إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ] فكانت طالعتُها براعةَ استهلالٍ.6/72_73
وقد احتوتْ على تمييز الحلالِ من الحرام في المأكولات، وعلى حفظ شعائر الله في الحج والشهر الحرام، والنهي عن بعض المحرمات من عوائد الجاهلية مثل الأزلام، وفيها شرائعُ الوضوءِ، والغسلِ، والتيممِ، والأمرِ بالعدل في الحكم، والأمر بالصدق في الشهادة، وأحكامُ القصاص في الأنفسِ والأعضاء، وأحكامُ الحرابةِ، وتسليةُ الرسول " عن نفاق المنافقين، وتحريمُ الخمرِ والميسرِ، والأيمانُ وكفارتُها، والحكمُ بين أهل الكتابِ، وأصولُ المعاملةِ بين المسلمين، وبين أهل الكتاب، وبين المشركين والمنافقين، والخشيةُ من ولايتهم أن تُفْضَي إلى ارتداد المسلم عن دينه، وإبطالُ العقائد الضالة لأهل الكتابين، وذكرُ مساوٍ من أعمال اليهود، وإنصافُ النصارى فيما لهم من حسن الأدب، وأنهم أرجى للإسلام، وذكرُ قضيةِ التيهِ، وأحوالُ المنافقين، والأمرُ بتخلق المسلمين بما يناقض أخلاق الضالين في تحريم ما أُحِلَّ لهم، والتنويهُ بالكعبة وفضائلها وبركاتها على الناس، وما تخلَّلَ ذلك أو تَقَدَّمه من العبر، والتذكيرُ للمسلمين بنعم الله _تعالى_ والتعريضُ بما وقع فيه أهل الكتاب من نبذ ما أُمِرُوا به، والتهاون فيه، واستدعاؤهم للإيمان بالرسول الموعود به.(1/13)
وخُتِمَتْ بالتذكير بيوم القيامة، وشهادةِ الرسل على أممهم، وشهادةِ عيسى على النصارى، وتمجيدِ الله _تعالى_.6/73_74
أغراض هذه السورة: ابتدأت بإشعار الناس بأن حقَّ الحمدِ ليس إلا لله؛ لأنه مبدع العوالم جواهرَ(1) وأعراضاً(2)؛ فعلم أنه المتفردُ بالإلهية.
وإبطالُ تأثيرِ الشركاء من الأصنام والجن بإثبات أنه المتفردُ بخلق العالمِ جواهرِه وأعراضِهِ، وخلقِ الإنسان، ونظامِ حياته وموته بحكمته _تعالى_ وعلمه، ولا تملك آلهتهم تصرفاً ولا علماً.
وتنزيهُ الله عن الولد والصاحبة.
قال أبو إسحاق الإسفرائيني: =في سورة الأنعام كل قواعد التوحيد+.
وموعظةُ المعرضين عن آيات القرآن والمكذبين بالدين الحق، وتهديدُهم بأن يَحِلَّ بهم ما حل بالقرون المكذبين من قبلهم والكافرين بنعم الله _تعالى_ وأنهم ما يضرون بالإنكار إلا أنفسهم.
ووعيدُهم بما سيلقون عند نزع أرواحهم، ثم عند البعث.
وتسفيهُ المشركين فيما اقترحوه على النبي " من طلب إظهار الخوارق؛ تهكماً.
__________
(1) _ الجواهر: جمع جوهر، والجوهر خلاف العَرَض؛ الجوهر ما كان قائماً بنفسه كالجسم مثلاً، والعرض ما كان قائماً بغيره كاللون كبياض الثلج، وسواد القار؛ فهي قائمة بغيرها لا بنفسها.
(2) _ الأعراض: جمع عرض، والعرض هو ما لا ثبات له أو هو: ما ليس بلازم للشيء.
أو هو: ما لا يمتنع انفكاكه عن الشيء. انظر التعريفات للجرجاني ص153_154
ومن الأمثلة على ذلك: الفرح بالنسبة للإنسان فهو عَرَض؛ لأنه لا ثبات، بل هو عارض يعرض ويزول.
وكذلك الغضب، والرضا.
والعَرَض في اصطلاح المتكلمين _كما قال الفيومي_: =ما لا يقوم بنفسه، ولا يوجد إلا في محل يقوم به+. المصباح المنير للفيومي ص209.
وقال الراغب الأصفهاني: =والعرض ما لا يكون له ثبات، ومنه استعار المتكلمون العَرَض لما لا ثبات له إلا بالجوهر كاللون والطعم+. معجم مفردات ألفاظ القرآن ص342.(1/14)
وإبطالُ اعتقادهم أن الله لَقَّنهم على عقيدة الإشراك؛ قصداً منهم لإفحام الرسول"وبيانُ حقيقة مشيئة الله، وإثباتُ صدق القرآن بأن أهل الكتاب يعرفون أنه الحق، والإنحاء على المشركين تكذيبَهم بالبعث، وتحقيقُ أنه واقعٌ، وأنهم يشهدون بعده العذابَ، وتتبرأ منهم آلهتُهم التي عبدوها، وسيندمون على ذلك، كما أنها لا تغني عنهم شيئاً في الحياة الدنيا؛ فإنهم لا يَدْعون إلا الله عند النوائب.
وتثبيتُ النبيِّ " وأنه لا يؤاخذ بإعراض قومه، وأَمْرُه بالإعراض عنهم.
وبيانُ حكمةِ إرسال الله الرسل، وأنها الإنذارُ والتبشيرُ، وليست وظيفةُ الرسل إخبارَ الناس بما يتطلبون عِلْمَه من المغيبات.
وأن تفاضل َالناس بالتقوى، والانتساب إلى دين الله.
وإبطالُ ما شرعه أهلُ الشرك من شرائعِ الضلال.
وبيانُ أن التقوى الحقَّ ليست مجردَ حرمانِ النفسِ من الطيبات، بل هي حرمان النفس من الشهوات التي تَحُولُ بين النفس وبين الكمال والتزكية.
وضربُ المثلِ للنبي مع قومه بمثل إبراهيم مع أبيه وقومه، وكان الأنبياء والرسل على ذلك المثل مَنْ تَقَدَّمَ منهم، ومَنْ تَأَخَّر.
والمنةُ على الأمة بما أنزل الله من القرآن؛ هدىً لهم كما أنزل الكتاب على موسى، وبأن جعلها الله خاتمة الأمم الصالحة.
وبيانُ فضيلةِ القرآنِ ودينِ الإسلام، وما منحَ اللهُ لأهله من مضاعفة الحسنات.
وتخلَّلت ذلك قوارعُ للمشركين، وتنويهٌ بالمؤمنين، وامتنانٌ بِنَعَمٍ اشتملت عليها مخلوقاتُ اللهِ، وذكرُ مفاتح الغيب.7/123_124
وهي أجمعُ سورِ القرآن لأحوال العرب في الجاهلية، وأشدُّها مقارعةَ جدالٍ لهم واحتجاج على سفاهة أحوالهم من قوله: [وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً] وفيما حرموه على أنفسهم مما رزقهم الله. 7/125(1/15)
أغراضها: افتتحت هذه السورةُ بالتنويهِ بالقرآن، والوعدِ بتيسيره على النبي" لِيُبَلِّغَهُ، وكان افتتاحها كلاماً جامعاً وهو مناسب لما اشتملت عليه السورة من المقاصد؛ فهو افتتاح وارد على أحسن وجوه البيان، وأكملها شأنَ سورِ القرآن.
وتدورُ مقاصدُ هذه السورةِ على محورِ مقاصدَ منها: النهيُ عن اتخاذ الشركاء من دون الله، وإنذارُ المشركين عن سوء عاقبة الشرك في الدنيا والآخرة، ووصفُ ما حلَّ بالمشركين والذين كذبوا الرسل: من سوء العذاب في الدنيا، وما سيحل بهم في الآخرة، وتذكيرُ الناس بنعمة خلق الأرض، وتمكينِ النوع الإنساني من خيرات الأرض، وبنعمةِ الله على هذا النوع بخلق أصله وتفضيله.
وما نشأ من عداوة جنس الشيطان لنوع الإنسان.
وتحذيرُ الناسِ من التلبس ببقايا مكر الشيطان من تسويله إياهم حرمانَ أنفسِهم الطيباتِ، ومن الوقوع فيما يَزُجُّ بهم في العذاب في الآخرة.
ووصفُ أهوالِ يومِ الجزاءِ للمجرمين، وكراماتِه للمتقين.
والتذكيرُ بالبعث، وتقريبُ دليله.
والنهيُ عن الفساد في الأرض التي أصلحها الله لفائدةِ الإنسان.
والتذكيرُ ببديع ما أوجده الله لإصلاحها وإحيائها.
والتذكيرُ بما أودع اللهُ في فطرةِ الإنسان من وقت تكوين أصله أن يقبلوا دعوةَ رسلِ الله إلى التقوى والإصلاح.
وأفاضَ في أحوال الرسل مع أقوامهم المشركين، وما لاقوه من عنادهم وأذاهم، وأنذر بعدم الاغترار بإمهالِ اللهِ الناسَ قبل أن ينزل بهم العذاب، وإعذاراً لهم أن يُقْلعوا عن كفرهم وعنادهم؛ فإن العذاب يأتيهم بغتة بعد ذلك الإمهال.
وأطال القولَ في قصة موسى _عليه السلام_ مع فرعون وفي تصرفات بني إسرائيل مع موسى _عليه السلام_.
وتخلَّلَ قِصتَه بشارةُ اللهِ ببعثة محمد " وصفةُ أمته، وفضلُ دينه.
ثم تَخَلَّصَ إلى موعظة المشركين كيف بدَّلوا الحنيفية، وتقلَّدوا الشرك، وضربَ لهم مثلاً بمن آتاه الله الآيات، فوسوس له الشيطان؛ فانسلخ عن الهدى.(1/16)
ووصفُ حالِ أهل الضلالة، ووصفُ تكذيبهم بما جاء به الرسول، ووصفُ آلهتهم بما ينافي الإلهية، وأن لله الصفاتِ الحسنى صفاتِ الكمال.
ثم أمر الله رسوله _عليه الصلاة والسلام_ والمسلمين بسعة الصدر، والمداومة على الدعوة، وحذرهم من مداخل الشيطان بمراقبة الله بذكره سراً وجهراً، والإقبالِ على عبادته. 8_2/7_9
أغراضُ هذه السورة: ابتدأت ببيانِ أحكامِ الأنفال، وهي الغنائمُ وقسمتُها، ومصارفُها، والأمرِ بتقوى الله في ذلك وغيره، والأمرِ بطاعة الله ورسوله، في أمر الغنائم وغيرها.
وأمرِ المسلمين بإصلاح ذات بينهم، وأن ذلك من مقومات معنى الإيمان الكامل.
وذكرِ الخروج إلى غزوة بدر، وبخوفهم من قوة عددهم، وما لقوا فيها من نصرٍ، وتأييدٍ من الله ولطفه بهم.
وامتنانِ الله عليهم بأن جعلهم أقوياء.
وَوَعَدَهم بالنصر والهداية(1) إن اتقوا بالثبات للعدو، والصبر.
والأمرُ بالاستعداد لحرب الأعداء، والأمر باجتماع الكلمة والنهي عن التنازع، والأمر بأن يكون قصدُ النصرةِ للدين نُصْبَ أعينهم.
ووصفُ السببِ الذي أخرج المسلمين إلى بدر، وذِكْرُ مواقع الجيشين، وصفاتُ ما جرى من القتال.
وتذكيرُ النبي"بنعمة الله عليه؛ إذ أنجاه من مكر المشركين به بمكة، وخَلَّصُه من عنادهم، وأن مقامَه بمكة كان أماناً لأهلها، فلما فارقهم فَقَدْ حقَّ عليهم عذابُ الدنيا بما اقترفوا من الصد عن المسجد الحرام.
ودعوةُ المشركين للانتهاء عن مناوأة الإسلام، وإيذانُهم بالقتال.
والتحذيرُ من المنافقين.
وضربُ المثلِ بالأمم الماضية التي عاندت رسل الله، ولم يشكروا نعمة الله.
وأحكامُ العهدِ بين المسلمين والكفار، وما يترتب على نقضهم العهد، ومتى يحسن السلم.
وأحكامُ الأسرى، وأحكامُ المسلمين الذين تخلفوا في مكة بعد الهجرة، وولايتُهم، وما يترتب على تلك الولاية. 9/247
__________
(1) _ في الأصل: الهواية، ولعل الصواب ما أُثبت.(1/17)
فافتتحت السورةُ بتحديد مدةِ العهودِ التي بين النبي"وبين المشركين، وما يتبع ذلك من حالة حرب وأمن، وفي خلال مدة الحرب مدة تمكينهم من تلقي دعوة الدين وسماع القرآن.
وأتبع بأحكام الوفاء والنكث وموالاتهم.
ومنعُ المشركين من دخول المسجد الحرامِ وحضورِ مناسك الحج.
وإبطالُ مناصبِ الجاهلية التي كانوا يعتزون بأنهم أهلُها.
وإعلانُ حالةِ الحرب بين المسلمين وبينهم.
وإعلانُ الحربِ على أهل الكتاب من العرب حتى يعطوا الجزية، وأنهم ليسوا بعيداً من أهل الشرك، وأن الجميع لا تنفعهم قُوَّتُهم ولا أموالُهم.
وحرمةُ الأشهرِ الحرامِ، وضبطُ السَّنَةِ الشرعيةَ، وإبطالُ النسيء الذي كان عند الجاهلية.
وتحريضُ المسلمين على المبادرة بالإجابة إلى النفير للقتال في سبيل الله، ونصر النبي"وأن الله ناصرُ نبيِّه، وناصرُ الذين ينصرونه.
وتذكيرُهم بنصر الله رسولَه يومَ حنين، وبنصره إذ أنجاه من كيد المشركين بما هَيَّأَ له من الهجرة إلى المدينة، والإشارةُ إلى التجهيز بغزوة تبوك.
وذمُّ المنافقين المتثاقلين والمعتذرين والمستأذنين في التخلف بلا عذر.
وصفاتُ أهل النفاق من جبن، وبخل، وحِرْصٍ على أخذ الصدقات مع أنهم ليسوا بمستحقيها.
وذكرُ أذاهم الرسولَ " بالقول، وأيمانِهم الكاذبةِ، وأمرِهم بالمنكرِ، ونهيِهم عن المعروفِ، وكذبِهم في عهودهم، وسخريتِهم بضعفاء المؤمنين.
والأمرُ بضرب الجزية على أهل الكتاب، ومذمةُ ما أدخله الأحبارُ والرهبانُ في دينهم من العقائد الباطلة، ومن التكالب على الأموال.
وأمرُ اللهِ بجهاد الكفار والمنافقين.
ونهيُ المؤمنين عن الاستعانة بهم في جهادهم، والاستغفارِ لهم.
ونهيُ نبيه " عن الصلاة على موتاهم.
وضربُ المثلِ بالأمم الماضية.
وذكرُ الذين اتخذوا مسجد الضرارِ عن سوء نية، وفَضْلُ مسجدِ قباء ومسجد الرسول بالمدينة.
وانتقل إلى وصف حالة الأعراب من محسنهم ومسيئهم، ومهاجرهم ومتخلِّفهم.(1/18)
وقوبلت صفاتُ أهلِ الكفر والنفاق بأضدادها صفاتِ المسلمين، وذكر ما أعد لهم من الخير.
وذُكِرَ في خلال ذلك فَضْلُ أبي بكر، وفَضْلُ المهاجرين والأنصار.
والتحريضُ على الصدقة، والتوبة، والعمل الصالح.
والجهاد، وأنه فرضٌ على الكفاية.
والتذكيرُ بنصر الله المؤمنين يوم حنين بعد يأسهم.
والتنويهُ بغزوةِ تبوكَ وجيشها.
والذين تاب اللهُ عليهم من المتخلفين عنها.
والامتنانُ على المسلمين بأن أرسل فيهم رسولاً منهم جَبَلَه على صفاتٍ فيها كلُّ خير لهم.
وشَرْعُ الزكاةِ ومصارفها، والأمرُ بالفقه في الدين، ونَشْرُ دعوةِ الدين. 10/99_101
من أغراض هذه السورة: ابتدئت بمقصد إثباتِ رسالة محمد"بدلالة عجزِ المشركين عن معارضة القرآن دلالةً نُبِّه عليها بأسلوب تعريضي دقيق بُني على الكناية بتهجية الحروف المقطعة في أول السورة كما تقدم في مفتتح سورة البقرة، ولذلك أتبعت تلك الحروف بقوله _تعالى_ [تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ] إشارة إلى أن إعجازه لهم هو الدليل على أنه من عند الله، وقد جاء التصريح بما كني عنه هنا في قوله [قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ].
وأُتْبِعَ بإثبات رسالة محمد " وإبطالِ إحالةِ المشركين أن يرسل اللهُ رسولاً بشراً.
وانتقل من ذلك إلى إثبات انفراد اللهِ _تعالى_ بالإلهية بدلالة أنه خالقُ العالمِ ومدبره؛ فَأَفضى ذلك إلى إبطالِ أن يكونَ لله شركاءُ في إلهيته، وإلى إبطال معاذيرِ المشركين بأن أصنامَهم شفعاءُ عند الله.
وأُتْبِعَ ذلك بإثبات الحشر والجزاء؛ فذلك إبطال أصول الشرك.
وتخلل ذلك بذكر دلائل من المخلوقات، وبيانِ حكمة الجزاء، وصفةِ الجزاء، وما في دلائل المخلوقات من حكم ومنافع للناس.
ووعيد منكري البعث المعرضين عن آيات الله، وبضد أولئك وَعْد الذين آمنوا؛ فكان معظمُ هذه السورةِ يدور حول محورِ تقريرِ هذه الأصول.(1/19)
فمن ذلك التنبيهُ على أن إمهالَ اللهِ _تعالى_ الكافرين دون تعجيل العذاب هو حكمةٌ منه.
ومن ذلك التذكيرُ بما حل بأهل القرون الماضية لما أشركوا وكذَّبوا الرسل.
والاعتبارُ بما خلق اللهُ للناس من مواهبِ القدرة على السير في البر والبحر، وما في أحوال السير في البحر من الإلطاف.
وضَرْبُ المثل للدنيا وبهجتها وزوالها، وأن الآخرةَ هي دارُ السلام.
واختلافُ أحوالِ المؤمنين والكافرين في الآخرة، وتبرؤُ الآلهة الباطلة من عبدتها.
وإبطالُ إلهيةِ غير الله _تعالى_ بدليل أنها لا تغني عن الناس شيئاً في الدنيا ولا في الآخرة.
وإثباتُ أن القرآن منزَّل من الله، وأن الدلائلَ على بطلان أن يكون مفترىً واضحةٌ.
وتحديْ المشركين بأن يأتوا بسورة مثله، ولكنَّ الضلالةَ أعمت أبصار المعاندين.
وإنذارُ المشركين بعواقبِ ما حل بالأمم التي كذبت بالرسل، وأنهم إن حل بهم العذاب لا ينفعهم إيمانهم، وأن ذلك لم يلحق قومَ يونسَ؛ لمصادفة مبادرتهم بالإيمان قبل حلول العذاب.
وتوبيخُ المشركين على ما حَرَّمُوه مما أحل الله من الرزق.
وإثباتُ عموم العلم لله _تعالى_.
وتبشيرُ أولياءِ اللهِ في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وتسليةُ الرسولِ عما يقوله الكافرون.
وأنه لو شاء لآمن مَنْ في الأرض كلهم.
ثم تَخَلَّص إلى الاعتبارِ بالرسل السابقين: نوحٍ ورسلٍ من بعده، ثم موسى وهارونَ.
ثم استشهد على صدق رسالة محمد"بشهادة أهل الكتاب.
وختمت السورةُ بتلقين الرسول _عليه الصلاة والسلام_ مما يُعْذَر به لأهل الشك في دين الإسلام، وأن اهتداءَ مَنِ اهتدى لنفسه وضلالَ مَنْ ضَلَّ عليها، وأن اللهَ سيحكم بينه وبين معانديه. 11/78_80
وأغراضها: ابتدأت بالإيماء إلى التحدي؛ لمعارضة القرآن بما تومئ إليه الحروف المقطعة في أول السورة، وباتلائها بالتنويهِ بالقرآن، وبالنهيِ عن عبادة غير الله _تعالى_.(1/20)
وبأن الرسولَ _عليه الصلاة والسلام_ نذيرٌ للمشركين بعذاب يومٍ عظيمٍ، وبشيرٌ للمؤمنين بمتاعٍ حسنٍ إلى أجلٍ مسمىً.
وإثباتُ الحشرِ، والإعلامُ بأن اللهَ مطلعٌ على خفايا الناس، وأن اللهَ مدبرٌ أمورَ كلَّ حيٍّ على الأرض.
وخلقُ العوالمِ بعد أن لم تكن، وأن مرجعَ الناسِ إليه، وأنه ما خلقهم إلا للجزاء.
وتثبيتُ النبيِّ"وتسليتُهُ عما يقوله المشركون وما يقترحونه من آيات على وَفْقَ هواهم [أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ].
وأن حَسْبَهم آيةُ القرآنِ الذي تحداهم بمعارضته؛ فعجزوا عن معارضته؛ فتبين خذلانُهم؛ فهم أحقاءُ بالخسارة في الآخرة.
وضَرْبُ مثلٍ لفريقي المؤمنين والمشركين.
وذِكْرُ نظرائهم من الأمم البائدة من قوم نوح، وتفصيلُ ما حلَّ بهم وعادٍ وثمود، وإبراهيم، وقوم لوط، ومدين، ورسالة موسى؛ تعريضاً بما في جميع ذلك من العبر وما ينبغي منه الحذر؛ فإن أولئك لم تَنْفَعْهم آلهتُهم التي يدعونها.
وأن في تلك الأنباء عظةً للمتبعين بسيرهم.
وأن مِلاكَ ضلالِ الضالين عدمُ خوفِهم عذابَ اللهِ في الآخرة؛ فلا شك في أن مشركي العرب صائرون إلى ما صار إليه أولئك.
وانفردت هذه السورةُ بتفصيلِ حادثِ الطوفانِ وغَيْضِه.
ثم عَرْضٌ باستئناس النبي"وتسليتِه باختلاف قوم موسى في الكتاب الذي أوتيه؛ فما على الرسول وأتباعه إلا أن يستقيم فيما أمره الله، وأن لا يركنوا إلى المشركين، وأن عليهم بالصلاة والصبر والمضي في الدعوة إلى الصلاح؛ فإنه لا هلاك مع الصلاح.
وقد تخلل ذلك عظاتٌ وعبرٌ ، والأمرُ بإقامة الصلاة. 11/312_313(1/21)
من مقاصد هذه السورة: روى الواحدي والطبري يزيد أحدهما على الآخر عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: =أُنْزِل القرآن فتلاه رسول الله"على أصحابه زماناً، فقالوا _أي المسلمون بمكة_: يا رسول الله لو قصصت علينا، فأنزل الله [الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ] الآيات الثلاث+.
فأهم أغراضها: بيانُ قصةِ يوسفَ _ عليه السلام _ مع إخوته، وما لقيه في حياته، وما في ذلك من العبر من نواحٍ مختلفة.
وفيها إثباتُ أن بعضَ المرائي قد يكون إنباءاً بأمر مُغَيَّب، وذلك من أصول النبوءات وهو من أصول الحكمة المشرقية(1) كما سيأتي عند قوله _تعالى_: [إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً] الآيات.
وأن تعبير الرؤيا عِلْمٌ يَهَبُهُ اللهُ لمن يشاء من صالحي عباده.
وتحاسدُ القرابةِ بينهم.
ولطفُ الله بمن يصطفيه من عباده.
والعبرةُ بحسن العواقب، والوفاءُ، والأمانةُ، والصدقُ، والتوبةُ.
وسكنى إسرائيلَ وبنيه بأرضِ مِصْر.
وتسليةُ النبي " بما لقيه يعقوبُ ويوسفُ _ عليهما السلام _ مِنْ آلهم مِنَ الأذى، وقد لقي النبي"من آله أشد مما لقيه مِنْ بُعَداء كفار قومه، مثل عمه أبي لهب، والنَّضْر بن الحارث، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وإن كان هذا قد أسلم بَعْدُ وحَسُنَ إسلامُه؛ فإن وقْعَ أذى الأقاربِ في النفوس أشدُّ من وقع أذى البُعداء، كما قال طرفة:
وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضةً ... على المرءِ مِنْ وقعِ الحُسام المهند
قال _تعالى_ [لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ].
وفيها العبرةُ بصبر الأنبياء مثلِ يعقوبَ ويوسفَ _عليهم السلام_ على البلوى، وكيف تكون لهم العاقبة.
__________
(1) _ هي التي تقوم على الحدس، والإلهام، وتسمى الفلسفة الإشراقية.(1/22)
وفيها العبرةُ بهجرة قوم النبي"إلى البلد الذي حل به كما فعل يعقوبُ _عليه السلام_ وآلُه، وذلك إيماء إلى أن قريشاً ينتقلون إلى المدينة مهاجرين؛ تبعاً لهجرة النبي".
وفيها من عِبَرِ تاريخِ الأممِ والحضارةِ القديمةِ وقوانينِها ونظامِ حكوماتِها وعقوباتِها وتجارتِها، واسترقاقِ الصبيِّ اللقيطِ، واسترقاقِ السارقِ، وأحوالِ المساجينِ، ومراقبةِ المكاييل.
وإن في هذه السورة أسلوباً خاصاً من أساليب إعجاز القرآن وهو الإعجازُ في أسلوب القصص الذي كان خاصة أهل مكة يعجبون مما يتلقونه منه من بين أقاصيص العجم والروم، فقد كان النَّضْرُ بنُ الحارثِ وغيرُه يَفْتِنُون قريشاً بأن ما يقوله القرآن في شأن الأمم هو أساطيرُ الأولين اكتتبها محمد".
وكان النَّضْر يتردد على الحيرة، فَتَعَلَّم أحاديث (رستم) و(اسفنديار) من أبطال فارس؛ فكان يحدث قريشاً بذلك ويقول لهم: =أنا والله أحسن حديثاً من محمد؛ فَهَلُمَّ أحدثكم أحسنَ من حديثه+.
ثم يحدثهم بأخبار الفرس؛ فكان ما في بعضها من التطويل على عادة أهل الأخبار من الفرس يُمَوَّه به عليهم بأنه أَشْبَعُ للسامع، فجاءت هذه السورة على أسلوب استيعاب القصة؛ تحدياً لهم بالمعارضة.
على أنها مع ذلك قد طوت كثيراً من القصة من كل ما ليس له كبير أثر في العبرة.
ولذلك ترى في خلال السورة [وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ] مرتين [كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ] فتلك عبر من أجزاء القصة.
وما تخلل ذلك من الحكمة في أقوال الصالحين كقوله [عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ] وقوله [إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ]. 12/198_200(1/23)
مقاصدها: أقيمت هذه السورة على أساس إثبات صدق الرسول " فيما أوحي إليه من إفراد الله بالإلهية، والبعثِ، وإبطالِ أقوال المكذبين؛ فلذلك تكررت حكايةُ أقوالِهم خمسَ مراتٍ موزعةً على السورة بدءاً ونهاية.
ومهَّد لذلك بالتنويه بالقرآن، وأنه منزلٌ من الله، والاستدلالُ على تفرده _تعالى_ بالإلهية بدلائل خلق العَالَمَين، ونظامِهما الدال على انفراده بتمام العلم والقدرةِ، وإدماجِ الامتنان؛ لما في ذلك من النعم على الناس.
ثم انتقل إلى تفنيد أقوال أهل الشرك، ومزاعمهم في إنكار البعث.
وتهديدِهم أن يحل بهم ما حل بأمثالهم.
والتذكيرِ بنعم الله على الناس.
وإثباتِ أن الله هو المستحقُّ للعبادة دون آلهتهم.
وأن اللهَ العالمُ بالخفايا، وأن الأصنامَ لا تعلم شيئاً، ولا تُنْعِمُ بنعمة.
والتهديدُ بالحوادث الجوية أن يكون منها عذابُ للمكذبين كما حل بالأمم قبلهم.
والتخويفُ من يوم الجزاء، والتذكيرُ بأن الدنيا ليست دارَ قرارٍ.
وبيانُ مكابرةِ المشركين في اقتراحهم مجيءَ الآيات على نحو مقترحاتهم.
ومقابلةُ ذلك بيقين المؤمنين، وما أعد الله لهم من الخير.
وأن الرسولَ " ما لقي من قومه إلا كما لقي الرسل _ عليهم السلام _ من قبله.
والثناءُ على فريق من أهل الكتب يؤمنون بأن القرآنَ منزلٌ من عند الله.
والإشارةُ إلى حقيقة القدر، ومظاهر المحو والإثبات.
وما تخلل ذلك من المواعظ والعبر والأمثال.13/76_77
واشتملت من الأغراض على أنها ابتدأت بالتنبيه إلى إعجاز القرآن، وبالتنويه بشأنه، وأنه أُنزل لإخراج الناس من الضلالة، والامتنانِ بأن جعله بلسان العربِ، وتمجيدِ الله _ تعالى _ الذي أنزله.
ووعيدُ الذين كفروا به بمن أنزل عليه، وإيقاظُ المعاندين بأن محمداً " ما كان بدعاً من الرسل، وأن كونَه بشراً أمرٌ غيرُ منافٍ لرسالته من عند الله كغيره من الرسل، وضَرَبَ له مثلاً برسالة موسى _عليه السلام_ إلى فرعون؛ لإصلاح حال بني إسرائيل.(1/24)
وتذكيرُه قومَهَ بنعم الله، ووجوبِ شكرها، وموعظتُه إياهم بما حل بقوم نوحٍ وعادٍ ومَنْ بَعْدَهم وما لاقته رسلُهم من التكذيب، وكيف كانت عاقبةُ المكذبين.
وإقامةُ الحجة على تفرد الله _ تعالى _ بالإلهية بدلائل مصنوعاته.
وذِكْرُ البعثِ، وتحذيرُ الكفارِ من تغرير قادتهم وكبرائهم بهم من كيد الشيطان، وكيف يتبرأون منهم يومَ الحشرِ، وَوَصْفُ حالهم وحالِ المؤمنين يومئذ.
وفضلُ كَلِمَةِ الإسلام، وخُبْثُ كلمةِ الكفر.
ثم التعجيبُ من حال قومٍ كفروا نعمة الله، وأوقعوا مَنْ تبعهم في دار البوار بالإشراك.
والإيماءُ إلى مقابلته بحال المؤمنين.
وعَدّ بعض نعمه على الناس تفصيلاً ثم جَمَعَها إجمالاً.
ثم ذكَّر الفريقين بحال إبراهيم _عليه السلام_ ليعلم الفريقان مَنْ هو سالكُ سبيلِ إبراهيمَ _عليه السلام_ ومَنْ هو ناكبٌ عنه من ساكني البلد الحرام.
وتحذيرُهم من كفرانِ النعمةِ، وإنذارُهم أن يَحِلَّ بهم ما حل بالذين ظلموا من قبل.
وتثبيتُ النبي " بوعد النصر.
وما تخلل ذلك من الأمثال.
وخُتِمَتْ بكلمات جامعة من قوله [هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ] إلى آخرها. 13/178_179
مقاصد هذه السورة: افتتحت بالحروف المقطَّعة التي فيها تعريضٌ بالتحدي بإعجاز القرآن.
وعلى التنويهِ بفضل القرآن وهديه.
وإنذارِ المشركين بندمٍ يندمونه على عدم إسلامهم، وتوبيخِهم بأنهم شغلهم عن الهدى انغماسُهم في شهواتهم، وإنذارِهم بالهلاك عند حلول إبَّان الوعيدِ الذي عينه الله في علمه.
وتسليةِ الرسول "على عدم إيمان من لم يؤمنوا، وما يقولونه في شأنه، وما يتورَّكون بطلبه منه، وأن تلك عادةُ المكذبين مع رسلهم.
وأنهم لا تجدي فيهم الآياتُ والنذرُ لو أسعفوا بمجيء آيات حسب اقتراحهم به، وأن الله حافظُ كتابِه من كيدهم.
ثم إقامةُ الحجة عليهم بعظيم صنع الله، وما فيه من نعم عليهم، وذكرُ البعثِ ودلائلِ إمكانه.(1/25)
وانتقل إلى خلقِ نوع الإنسان وما شرف الله به هذا النوع، وقصةِ كفرِ الشيطان.
ثم ذكر قصة إبراهيم ولوط _عليهما السلام_ وأصحاب الأيكة وأصحاب الحجر.
وختمت بتثبيت الرسول " وانتظار ساعةِ النصر، وأن يصفح عن الذين يؤذونه، ويكل أمرهم إلى الله، ويشتغل بالمؤمنين، وأن الله كافيه أعداءه.
مع ما تخلل ذلك من الاعتراض(1) والإدماج(2) من ذكر خلق الجن، واستراقِهم السمعَ، ووصفِ أحوالِ المتقين، والترغيبِ في المغفرة، والترهيبِ من العذاب. 14/7
__________
(1) _ الاعتراض: هو من ضروب الإطناب، الذي هو أحد أبواب علم المعاني أحد أقسام علم البلاغة.
والاعتراض: هو أن يُؤْتَى في أثناء الكلام أو بين كلامين متصلين معنىً _ بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب.
وهو من دقائق البلاغة، وله فوائد عديدة.
ومن أمثلته قوله _تعالى_: [وَيَجْعَلُوْنَ للهِ البَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُوْنَ].
فقوله: [سُبْحَانَهُ] جملة؛ لأنه مصدر بتقدير الفعل، وقعت في أثناء الكلام؛ لأن قوله: [وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُوْنَ] عطفٌ على قوله: [للهِ البَنَاتِ] عطف على مفردات، فـ [لَهُمْ] عطف على [لله] و[مَا يَشْتَهُوْنَ] عطف على البنات. انظر معجم البلاغة العربية د. بدوي طبانة ص414.
(2) _ الإدماج: أحدُ ضروب الإطناب، وهو أن يُدمج المتكلم غرضاً في جملة من المعاني قدْ نحاه؛ ليوهم السامع أنه لم يقصده، وإنما عرض في كلامه لتتمة معناه الذي قصد.
ومن أمثلة ذلك قول الله _تعالى_: [وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُوْنَ شَهْراً].
ومعناه أن الوالدة تكلفت بحمل مولودها، ورضاعه ثلاثين شهراً، وأدمج فيه أن أقل الحمل ستة أشهر؛ إذ يسقط من الثلاثين شهراً _ حَوْلان؛ للرضاع، بدليل قوله _تعالى_: [والوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ].
فيبقى للحمل ستة أشهر، وهو أقله. انظر معجم البلاغة العربية ص227_228.(1/26)
أغراض هذه السور: معظمُ ما اشتملت عليه السورة إكثارٌ متنوعُ الأدلة على تفرد الله _تعالى_ بالإلهية، والأدلةُ على فساد دين الشرك، وإظهارُ شناعته.
وأدلة إثبات رسالة محمد "، وإنزال القرآن عليه ".
وأن شريعةَ الإسلامِ قائمةٌ على أصول ملة إبراهيم _عليه السلام_.
وإثباتُ البعث والجزاء؛ فابتدئت بالإنذار بأنه قد اقترب حلول ما أنذر به المشركون من عذاب الله الذي يستهزئون به، وتلا ذلك قرعُ المشركين، وزجرُهم على تصلبهم في شركهم وتكذيبهم.
وانْتُقِل إلى الاستدلال على إبطال عقيدة الشرك؛ فابتدئ بالتذكير بخلق السماوات والأرض، وما في السماء من شمس وقمر ونجوم، وما في الأرض من ناس وحيوان ونبات وبحار وجبال، وأعراض الليل والنهار.
وما في أطوار الإنسان وأحواله من العبر.
وخُصَّتِ النحلُ وثمراتُها بالذكر؛ لوفرة منافعها والاعتبارِ بإلهامها إلى تدبير بيوتها، وإفرازِ شَهْدِها.
والتنويهُ بالقرآن، وتنزيهُه عن اقتراب الشيطان، وإبطالُ افترائهم على القرآن.
والاستدلالُ على إمكان البعث، وأنه تكوينٌ كتكوين الموجودات.
والتحذيرُ مما حل بالأمم التي أشركت بالله وكذبت رسله _عليهم السلام_ عذابَ الدنيا، وما ينتظرهم من عذاب الآخرة، وقابل ذلك بضده من نعيم المتقين المصدقين والصابرين على أذى المشركين والذين هاجروا في الله وظلموا.
والتحذيرُ من الارتداد عن الإسلام، والترخيصُ لمن أكره على الكفر في التَّقِية من المكرهين.
والأمرُ بأصول من الشريعة؛ من تأصيلِ العدل، والإحسانِ، والمواساةِ، والوفاءِ بالعهدِ، وإبطالِ الفحشاءِ والمنكرِ والبغيِ، ونقضِ العهودِ، وما على ذلك من جزاء بالخير في الدنيا والآخرة.
وأُدْمِجَ في ذلك ما فيها من العبر والدلائل، والامتنان على الناس بما في ذلك من المنافعِ الطيبات المنتظمة، والمحاسن، وحسن المناظر، ومعرفة الأوقات، وعلاماتِ السير في البر والبحر، ومن ضرب الأمثال.
ومقابلةُ الأعمال بأضدادها.(1/27)
والتحذيرُ من الوقوع في حبائل الشيطان، والإنذارُ بعواقب كفران النعمة.
ثم عرض لهم بالدعوة إلى التوبة [ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ] إلخ...
وملاكُ طرائقِ دعوةِ الإسلام [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ].
وتثبيت الرسول _عليه الصلاة والسلام_ ووعده بتأييد الله إياه. 14/94_96
أغراضها: العماد الذي أقيمت عليه أغراض هذه السورة إثباتُ نبوة محمد"، وإثباتُ أن القرآنَ وحيٌ من الله، وإثباتُ فضلِه وفضلِ مَنْ أنزل عليه، وذِكْرُ أنه مُعْجِزٌ.
وردُّ مطاعن المشركين فيه، وفيمن جاء به، وأنهم لم يفقهوه؛ فلذلك أعرضوا عنه .
وإبطالُ إحالتهم أن يكون النبي "أُسري به إلى المسجد الأقصى؛ فافتتحت بمعجزة الإسراء؛ توطئةً للتنظير بين شريعة الإسلام وشريعة موسى _عليه الصلاة والسلام_ على عادة القرآن في ذكر المثل والنظائر الدينية، ورمزاً إلهياً إلى أن الله أعطى محمداً "من الفضائل أفضلَ مما أعطى مَنْ قَبْلَهُ.
وأنه أَكْمَلَ له الفضائلَ؛ فلم يَفُتْهُ منها فائتٌ؛ فمن أَجْلِ ذلك أَحَلَّه بالمكانِ المُقَدَّس الذي تداولَتْهُ الرسل مِنْ قَبْل؛ فَلَمْ يَسْتَأْثِرْهُمْ بالحلول بذلك المكان الذي هو مهبطُ الشريعةِ المُوْسَوية، ورمزُ أطوارِ تاريخِ بني إسرائيلَ وأسلافِهم، والذي هو نظيرُ المسجدِ الحرامِ في أَنَّ أصلَ تأسيسه في عهد إبراهيمَ كما سننبه عليه عند تفسير قوله _تعالى_: [إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى] فأحل الله به محمداً _عليه الصلاة والسلام_ بعد أن هُجِرَ وخُرِّب؛ إيماءاً إلى أن أُمَّتَهُ تُجَدِّدُ مَجْدَهُ.
وأن اللهَ مَكَّنه من حرمي النبوَّة والشريعة؛ فالمسجدُ الأقصى لم يكن معموراً حين نزول هذه السورة، وإنما عُمِرَتْ كَنَائِسُ حولَه، وأن بني إسرائيل لم يحفظوا حُرْمَةَ المسجدِ الأقصى؛ فكان إفسادهم سبباً في تسلطِ أعدائهم عليهم، وخرابِ المسجد الأقصى.(1/28)
وفي ذلك رمزٌ إلى أن إعادةَ المسجدِ الأقصى ستكون على يدِ أُمَّةِ هذا الرسولِ الذي أنكروا رسالَتَهُ.
ثم إثباتُ دلائلِ تَفَرُّدِ اللهِ بالإلهية، والاستدلالُ بآيةِ الليلِ والنهار، وما فيهما من المنن على إثبات الوحدانية.
والتذكيرُ بالنعم التي سخَّرها اللهُ للناس، وما فيها من الدلائل على تفرده بتدبير الخلق، وما تقتضيه مِنْ شُكْرِ المُنْعِمِ، وتركِ شُكْرِ غيرِه، وتنزيهِه عن اتخاذِ بناتٍ له.
وإظهارُ فضائلَ مِنْ شريعةِ الإسلام وحكمته، وما علمه اللهُ المسلمين من آدابِ المعاملةِ نحوَ ربِّهم _سبحانه_ ومعاملةِ بعضِهم مع بعض، والحكمةِ في سيرتهم وأقوالهم، ومراقبةِ الله في ظاهرِهم وباطنِهم.
وعن ابن عباس أنه قال: =التوراةُ كلُّها في خَمْسَ عشرةَ آيةً من سورة بني إسرائيل+.
وفي رواية عنه: =ثمانَ عشرةَ آيةً منها كانت في ألواح موسى+.
أي من قوله _تعالى_: [لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً] إلى قوله: [وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً].
ويعني بالتوراةِ الألواحَ المشتملةَ على الوصايا العشرِ، وليس مرادُه أنَّ القرآنَ حكى ما في التوراة، ولكنها أحكامٌ قرآنيةٌ موافقةٌ لما في التوراة.
على أن كلامَ ابنِ عباسٍ معناه: أن ما في الألواح مذكورٌ في تلك الآي، ولا يريد أنهما سواء؛ لأن تلك الآياتِ تزيدُ بأحكام، منها قوله: [رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ] إلى قوله: [لِرَبِّهِ كَفُوراً] وقوله: [وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ] وقوله: [وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ] إلى قوله: [ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنْ الْحِكْمَةِ] مع ما تخلل ذلك كله من تفصيلٍ، وتَبْيِيْنٍ عَرِيَتْ عنه الوصايا العشرُ التي كتبت في الألواح.
وإثباتُ البعثِ والجزاءِ.
والحثُّ على إقامة الصلوات في أوقاتها.(1/29)
والتحذيرُ من نَزْغِ الشيطان، وعداوتِه لآدم وذريته، وقصةُ إبايَتِهِ من السجود.
والإنذارُ بعذاب الآخرة.
وَذِكْرُ ما عرضَ للأمم مِن أسباب الاستئصال والهلاك.
وتهديدُ المشركين بأن اللهَ يوشك أن ينصر الإسلام على باطلهم.
وما لقي النبي "من أذى المشركين واستعانتهم باليهود.
واقتراحُهم الآيات، وتَحْمِيْقُهم في جهلهم بآية القرآن وأنه الحق.
وتخلل ذلك من المُسْتَطْرَدات والنذر والعظات ما فيه شفاءٌ ورحمةٌ، ومن الأمثالِ ما هو علمٌ وحكمة. 15/7_9
أغراضُ السورةِ: افْتُتِحَتْ بالتحميد على إنزال الكتاب للتنويه بالقرآن؛ تطاولاً من الله _تعالى_ على المشركين وملقنيهم من أهل الكتاب.
وأُدْمِجَ فيه إنذارُ المعاندين الذين نسبوا لله ولداً، وبشارةٌ للمؤمنين، وتسليةُ رسول الله "عن أقوالهم حين تريَّث الوحيُ لِمَا اقتضته سُنَّةُ اللهِ مع أوليائه من إظهارِ عَتَبِهِ على الغفلة عن مراعاة الآداب الكاملة.
وذَكَرَ افتتانَ المشركين بالحياة الدنيا وزينتها، وأنها لا تكسب النفوسَ تَزْكِيةً.
وانْتَقَل إلى خبر أصحاب الكهف المسؤول عنه.
وحذَّرهم من الشيطان وعداوته لبني آدم؛ ليكونوا على حذرٍ مِنْ كيده.
وقَدَّم لقصة ذي القرنين قصةً أهمَّ منها، وهي قصةُ موسى والخضرِ _عليهما السلام_ لأن كلتا القصتين تشابهتا في السَّفَرِ لِغَرَضٍ شريفٍ؛ فذو القرنين خرج لِبَسْطِ سلطانِه على الأرض، وموسى _عليه السلام_ خرج في طلب العلم.
وفي ذكر قصة موسى تعريضٌ بأحبار بني إسرائيل؛ إذ تهمموا بخبر مَلِكٍ من غير قومهم، ولا من أهل دينهم، ونسوا خبراً من سيرة نبيهم.(1/30)
وتخلل ذلك مستطرداتٌ من إرشاد النبي " وتثبيته، وأن الحقَّ فيما أخبر به، وأن أصحابَه الملازمين له خيرٌ من صناديد المشركين، ومن الوعدِ والوعيدِ، وتمثيلِ المؤمن والكافر، وتمثيلِ الحياةِ الدنيا وانقضائها، وما يَعْقُبُها من البعث والحشر، والتذكيرِ بعواقبِ الأمم المكذبة للرسل، وما خُتِمَتْ به من إبطالِ الشركِ ووعيدِ أهلِه ووعدِ المؤمنين بضدِّهم، والتمثيل لسعة علم الله _تعالى_.
وخُتِمَتْ بتقرير أن القرآن وحيٌ من الله _تعالى_ إلى رسوله " فكان في هذا الختام مُحَسِّن رَدِّ العَجُز على الصدر. 15/245_246
أغراض السورة: ويظهر أن هذه السورة نزلت للرد على اليهود فيما اقترفوه من القول الشنيع في مريم وابنها، فكان فيها بيان نزاهة آل عمران، وقداستهم في الخير.
وهل ينبت الخطيَّ إلا وشيجُه(1)
ثم التنويهُ بِجَمْعٍ من الأنبياء والمرسلين من أسلاف هؤلاء وقرابتهم، والإنحاءُ على بعض خلفهم من ذرياتهم الذين لم يكونوا على سننهم في الخير من أهل الكتاب والمشركين، وأتوا بفاحش من القول؛ إذ نسبوا لله ولداً، وأنكر المشركون منهم البعثَ وأثبت النصارى ولداً لله _تعالى_.
والتنويهُ بشأنِ القرآن في تبشيره ونذارته.
وأن الله يسَّره بكونه عربياً؛ لِيسْرِ تلك اللغة.
والإنذارُ مما حل بالمكذبين من الأمم من الاستئصال.
واشتملت على كرامةِ زكريا؛ إذ أجاب الله دعاءه، فرزقه ولداً على الكبر وعَقْرِ امرأته.
وكرامةِ مريمَ بخارقِ العادة في حَمْلِها وقَدَاسةِ ولدِها، وهو إرهاصٌ لنبوءة عيسى _ عليه السلام _ ومثلُهُ كلامُه في المهد.
والتنويهُ بإبراهيمَ، وإسحاقَ، ويعقوبَ، وموسى، وإسماعيلَ، وإدريسَ _عليهم السلام_.
ووصفُ الجنةِ وأهلِها.
وحكايةُ إنكارِ المشركين البعثَ بمقالة أُبَيِّ بنِ خلفٍ، والعاصي بنِ وائلٍ وتَبَجُّحِهم على المسلمين بمقامهم ومجامعهم.
__________
(1) _ هذا صدر بيت شاهد نحوي، وعَجُزه:
وتنبت إلا في منابتها النَّخْلُ(1/31)
وإنذارُ المشركين أن أصنامَهم التي اعتزوا بها سيندمون على اتخاذها.
ووعدُ الرسولِ النصرَ على أعدائه.
وذِكْرُ ضَرْبٍ مِنْ كُفْرِهم بنسبة الولد لله _تعالى_.
والتنويهُ بالقرآن، ولملته العربية، وأنه بشيرٌ لأوليائه، ونذيرٌ بهلاك معانديه كما هلكت قرونٌ قَبْلَهَم.
وقد تكرر في هذه السورة صفَةُ الرحمن ستَّ عشرةَ مرةً، وذكرُ اسمِ الرحمةَ أربعَ مرات؛ فأنبأ بأن مِنْ مقاصدِها تحقيقَ وصفِ الله _ تعالى _ بصفةِ الرحمن، والردَّ على المشركين الذين تقعروا بإنكار هذا الوصف كما حكى الله _تعالى_ عنهم في قوله في سورة الفرقان: [وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ].
ووقع في هذه السورة استطرادٌ بآية [وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ] 16/58_60
أغراضها: احتوت من الأغراض على: التحدي بالقرآن بذكر الحروف المُقَطَّعة في مُفْتَتَحِها.
والتنويهِ بأنه تنزيلٌ من الله لهدي القابلين للهداية؛ فأكثرها في هذا الشأن.
والتنويهِ بعظمةِ الله _تعالى_ وإثباتِ رسالةِ محمد " بأنها تماثل رسالةَ أعظمِ رسولٍ قبله شاع ذكرُه في الناس؛ فَضُرِب المثلُ لنزول القران على محمد " بكلام الله موسى _عليه السلام_.
وبسطِ نشأةِ موسى، وتأييدِ الله إياه، ونصرِه على فرعون بالحجة والمعجزات، وبصرف كيد فرعون عنه وعن أتباعه.
وإنجاءِ اللهِ موسى وقومَهُ، وغرقِ فرعون، وما أكرم اللهُ به بني إسرائيلَ في خروجهم من بلد القبط.
وقصةُ السامريِّ، وصُنْعِهِ العجلَ الذي عبده بنو إسرائيل في مغيب موسى _عليه السلام_.
وكلُّ ذلك تعريضٌ بأن مآلَ بعثةِ محمدٍ "صائرٌ إلى ما صارت إليه بعثةُ موسى _عليه السلام_ من النصر على معانديه؛ فلذلك انتقل من ذلك إلى وعيد مَنْ أعرضوا عن القرآن، ولم تنفعهم أمثالُه ومواعظُه.
وتذكيرُ الناس بعداوةِ الشيطان للإنسان بما تضمنته قصةُ خلقِ آدمَ.(1/32)
ورَتَّب على ذلك سوءُ الجزاءِ في الآخرة لمن جعلوا مقادتَهم بيد الشيطان وإنذارُهم بسوء العقاب في الدنيا.
وتسليةُ النبي"على ما يقولونه وتثبيتُه على الدين.
وتخلل ذلك إثباتُ البعثِ، وتهويلُ يومِ القيامة وما يتقدمه من الحوادث والأهوال. 16/181_182
أغراض السورة: والأغراض التي ذُكِرَت في هذه السورة هي: الإنذارُ بالبعث، وتحقيقُ وقوعه، وإنه؛ لِتَحَقُّقِ وقوعِه كان قريباً.
وإقامةُ الحجةِ عليه بخلق السماوات والأرض عن عدم، وخلق الموجودات من الماء.
التحذيرُ من التكذيب بكتاب الله _تعالى_ ورسوله.
والتذكيرُ بأن هذا الرسولَ"ما هو إلا كأمثاله من الرسل وما جاء إلا بمثل ما جاء به الرسل من قبله.
وذكْرُ كثيرٍ من أخبار الرسل _عليهم السلام_ .
والتنويهُ بشأن القرآن وأنه نعمةٌ مِنَ اللهِ على المخاطبين، وشأنِ رسول الإسلام" وأنه رحمةٌ للعالمين.
والتذكيرُ بما أصاب الأممَ السالفةَ مِنْ جَرَّاء تكذيبهم رسلَهم، وأن وعد الله للذين كذبوا واقع، ولا يغرهم تأخيرُه؛ فهو جاءٍ لا محالة.
وحذَّرهم من أن يغتروا بتأخيره كما اغتر الذين مِنْ قَبْلِهم حتى أصابهم بغتةً، وذَكَر مِنْ أشراطِ الساعةِ فتحَ يأجوجَ ومأجوجَ.
وذكَّرهم بما في خلق السماوات والأرض من الدلالة على الخالق.
ومن الإيماءِ إلى أن وراء هذه الحياة حياةً أخرى أَتْقَنَ، وأحكمَ؛ لِتُجزى كلُّ نفسٍ بما كسبت، ويَنْتَصِرُ الحقُّ على الباطل.
ثم ما في ذلك الخلقِ من الدلائل على وحدانية الخالق؛ إذ لا يستقيم هذا النظام بتعدد الآلهة.
وتنزيهُ الله _تعالى_ عن الشركاء، وعن الأولاد، والاستدلالُ على وحدانية الله _تعالى_.
وما يُكرهه على فعل ما لا يريد.
وأن جميعَ المخلوقاتِ صائرون إلى الفناء.
وأعقب ذلك تذكيرُهم بالنعمةِ الكبرى عليهم، وهي نعمةُ الحفظ.
ثم عَطَفَ الكلامَ إلى ذكرِ الرسل والأنبياء.
وتنظيرِ أحوالهم وأحوالِ أممهم بأحوالِ محمدٍ "وأحوالِ قومه.(1/33)
وكيف نَصَرَ اللهُ الرسلَ على أقوامهم، واستجاب دعواتِهم.
وأن الرسلَ كلَّهم جاؤوا بدين الله وهو دين واحد في أصوله قطّعه الضالون قطعاً.
وأثنى على الرسل، وعلى مَنْ آمنوا بهم.
وأن العاقبةَ للمؤمنين في خيرِ الدنيا وخيرِ الآخرة، وأن اللهَ سيحكم بين الفريقين بالحق، ويعينُ رُسَلَه على تبليغ شرعه. 17/6_8
ومن أغراض هذه السورة: خطابُ الناسِ بأمرهم أن يتقوا الله، ويخشوا يومَ الجزاءِ وأهوالَه.
والاستدلالُ على نفي الشرك، وخطابُ المشركين بأن يُقلعوا عن المكابرة في الاعتراف بانفراد الله _تعالى_ بالإلهية وعن المجادلة في ذلك؛ اتباعاً لوساوس الشياطينِ، وأن الشياطينَ لا تغني عنهم شيئاً، ولا ينصرونهم في الدنيا وفي الآخرة.
وتفظيعُ جدالِ المشركين في الوحدانية بأنهم لا يستندون إلى علم وأنهم يُعرضون عن الحُجة؛ ليضلوا الناس.
وأنهم يرتابون في البعث وهو ثابتٌ لا رِيْبَةَ فيه، وكيف يرتابون فيه بِعِلَّةِ استحالةِ الإحياءِ بعد الإماتة؟ ولا ينظرون أن اللهَ أوجد الإنسانَ من تراب، ثم من نطفة، ثم طوَّره أطواراً.
وأن اللهَ ينزلُ الماءَ على الأرض الهامدةِ، فتحيا، وتُخْرِجُ من أصناف النبات؛ فالله هو القادرُ على كلِّ ذلك؛ فهو يحيي الموتى، وهو على كل شيء قدير.
وأن مجادلتَهم بإنكار البعث صادرةٌ عن جهالة وتكبر عن الامتثال لقول الرسول _عليه الصلاة والسلام_.
وَوَصْفُ المشركين بأنهم في تردد من أمرهم في اتباع دين الإسلام.
والتعريضُ بالمشركين بتكبُّرِهم عن سُنّةِ إبراهيمَ _عليه السلام_ الذي ينتمون إليه، ويحسبون أنهم حماةُ دينهِ، وأمناءُ بيته، وهم يخالفونه في أصل الدين.
وتذكيرٌ لهم بما مَنَّ اللهُ عليهم في مشروعية الحج من المنافع؛ فكفروا نِعْمَتَه.
وتنظيرُهم في تلقي دعوةِ الإسلام بالأمم البائدة الذين تلقَّوا دعوة الرسل بالإعراض والكفر؛ فحل بهم العذاب.(1/34)
وأنه يوشك أن يَحِلَّ بهؤلاء مِثْلُهُ؛ فلا يَغُرَّهم تأخيرُ العذاب؛ فإنه إملاءٌ مِنَ اللهِ لهم كما أملى للأمم مِنْ قَبْلِهِمْ، وفي ذلك تأنيسٌ للرسول _عليه الصلاة والسلام_ والذين آمنوا، وبشارة لهم بعاقبة النصر على الذين فَتَنوهم وأخرجوهم من ديارهم بغير حقٍّ.
وأن اختلافَ الأممِ بين أهل هدىً وأهل ضلالٍ أمرٌ به افترقَ الناسِ إلى مللٍ كثيرة.
وأن يومَ القيامةِ هو يومُ الفصلِ بينهم لمشاهدة جزاءِ أهلِ الهدى وجزاءِ أهلِ الضلال.
وأن المهتدين والضالين خصمان اختصموا في أمر الله؛ فكان لكلِّ فريقٍ جزاؤه.
وسَلّى اللهُ رسولَه _عليه الصلاة والسلام_ والمؤمنين بأن الشيطانَ يُفْسِدُ في قلوب أهل الضلالة آثارَ دعوةِ الرسلِ، ولكنَّ اللهَ يُحكم دينَه، ويبطل ما يلقي الشيطان؛ فلذلك ترى الكافرين يُعْرِضُون، وينكرون آياتِ القرآن.
وفيها التنويهُ بالقرآنِ والمتلقين له بخشية وصبر، ووصفُ الكفارِ بكراهيتهم القرآن، وبغضِ المُرْسَلِ به، والثناءُ على المؤمنين، وأن اللهَ يَسَّرَ لهم اتباعَ الحنيفيةِ وسماهم المسلمين.
والإذنُ للمسلمين بالقتال، وضمانُ النصرِ، والتمكينُ في الأرض لهم.
وخُتِمَتِ السورةُ بتذكير الناسِ بِنِعَمِ اللهِ عليهم، وأن اللهَ اصطفى خَلْقاً مِنَ الملائكة ومِنَ الناس؛ فأقبل على المؤمنين بالإرشاد إلى ما يقربهم إلى الله زلفى، وأن الله هو مولاهم وناصرُهم. 17/183_185
أغراض السورة: هذه السورةُ تدورُ آيُهَا حولَ مِحْورِ تحقيقِ الوحدانية، وإبطالِ الشرك، ونقضِ قواعده، والتنويهِ بالإيمان وشرائعه.
فكان افتتاحُها بالبشارة للمؤمنين بالفلاح العظيم على ما تحلوا به من أصول الفضائلِ الروحية والعملية التي بها تزكيةُ النفس، واستقامةِ السلوكِ.(1/35)
وأُعْقِبَ ذلك بوصف خَلْقِ الإنسانِ أصلهِ ونسلهِ الدالِ على تفرد الله _تعالى_ بالإلهية؛ لِتَفَرُّدِه بخلق الإنسان، ونشأتِه؛ لِيَبْتَدِئَ الناظرُ بالاعتبار في تكوين ذاته، ثم بعدَمه بعد الحياة، ودلالةِ ذلك الخلق على إثبات البعث بعد الممات، وأن اللهَ لم يَخْلَقُ الخلقَ سُدَىً ولعباً.
وانْتُقِلَ إلى الاعتبار بخلق السماوات، ودلالته على حكمة الله _تعالى_.
وإلى الاعتبارِ والامتنانِ بمصنوعات الله _تعالى_ التي أصلُها الماءُ الذي به حياة ما في هذا العالم من الحيوان والنبات، وما في ذلك من دقائقِ الصنع، وما في الأنعامِ من المنافع ومنها الحَمْلُ.
ومن تسخير المنافع للناس، وما أوتيه الإنسانُ من آلاتِ الفكرِ والنظرِ.
وَوَرَدَ ذِكْرُ الحَمْلِ على الفُلْك؛ فكان منه تَخَلُّصٌ إلى بعثةِ نوحٍ، وحدثِ الطوفان.
وانْتُقِلَ إلى التذكير ببعثة الرسل للهدى والإرشادِ إلى التوحيدِ والعملِ الصالحِ، وما تلقاها به أقوامُهم من الإعراض والطعنِ والتفرقِ، وما كان من عقاب المكذبين، وتلك أمثالٌ لموعظةِ المعرضين عن دعوة محمد " فَأُعْقِبَ ذلك بالثناء على الذين آمنوا واتقوا.
وبتنبيه المشركين على أن حالَهم مماثلٌ لأحوال الأمم الغابرة وكلمتهم واحدة؛ فهم عُرْضَةٌ لأن يَحُلَّ بهم ما حل بالأمم الماضية المكذبة.
وقد أراهم اللهُ مخائلَ العذابِ لعلهم يقلعون عن العناد، فأصروا على إشراكهم بما ألقى الشيطان في عقولهم.
وذُكِّروا بأنهم يُقِرُّون إذا سئلوا بأن الله مُفْرَدٌ بالربوبية، ولا يَجْرون على مقتضى إقرارهم أنهم سيندمون على الكفر عندما يحضرهم الموتُ وفي يوم القيامة.
وبأنهم عرفوا الرسولَ، وخبروا صدقَه وأمانتَه ونُصْحَهُ المجردَ عن طلبِ المنفعة لنفسه إلا ثواب الله؛ فلا عذر لهم بحال في إشراكهم وتكذيبهم الرسالة، ولكنهم متبعون أهواءهم معرضون عن الحق.
وما تخلل ذلك من جوامع الكلم.(1/36)
وخُتِمَتْ بأمر النبي"أن يغضَّ عن سوء معاملتهم، ويدفعها بالتي هي أحسن، ويسأل المغفرة للمؤمنين، وذلك هو الفلاح الذي ابتدئت به السورة. 18/6_7
شملت من الأغراض كثيراً من أحكامِ معاشرةِ الرجالِ للنساء، ومن آدابِ الخُلْطَةِ والزيارةِ.
وأولُ ما نزلت بسببه قضيةُ التزوجِ بامرأة اشتهرت بالزنى، وصُدِّر ذلك ببيان حدَّ الزنى، وعقابِ الذين يقذفون المحصناتِ، وحُكْمِ اللِّعَانِ، والتعرضِ إلى براءة عائشة _ رضي الله عنها _ مما أرجفه عليها أهل النفاق، وعقابِهم، والذين شاركوهم في التحدثِ به.
والزجرُ عن حبِّ إشاعةِ الفواحشِ بين المؤمنين والمؤمنات، والأمرُ بالصفح عن الأذى مع الإشارة إلى قضية مِسْطَحِ بنِ أُثاثة.
وأحكامُ الاستئذانِ في الدخول إلى بيوت الناس المسكونةِ, ودخول البيوت غير المسكونة، وآدابُ المسلمين والمسلمات في المخالطة، وإفشاء السلام.
والتحريضُ على تزويج العبيد والإماء، والتحريضُ على مكاتبتهم، أي إعتاقهم على عوضٍ يدفعونه لمالكيهم.
وتحريمُ البغاءِ الذي كان شائعاً في الجاهلية، والأمرُ بالعفاف.
وذمُّ أحوال أهل النفاق، والإشارةُ إلى سوء طويتهم مع النبي".
والتحذيرُ مِنَ الوقوع في حبائل الشيطان.
وضَرْبُ المثلِ لهدي الإيمان، وضلالِ الكفر.
والتنويهُ ببيوت العبادة والقائمين فيها.
وتخلَّل ذلك وصفُ عظمةِ الله _تعالى_ وبدائعِ مصنوعاته، وما فيها من منن على الناس.
وقد أردف ذلك بوصف ما أعده الله للمؤمنين، وأن الله عَلِمَ بما يضمره كلُّ أحدٍ، وأن المرجعَ إليه، والجزاءَ بيده. 18/140_141
واشتملت هذه السورة على الابتداءِ بتحميدِ الله _تعالى_ وإنشاءِ الثناء عليه، ووصفِه بصفات الإلهية والوحدانية فيها.
وأُدْمِجَ في ذلك التنويهُ بالقرآن، وجلالِ مُنَزِّلهِ، وما فيه من الهدى، وتعريضٌ بالامتنان على الناس بهديه وإرشاده إلى اتقاء المهالك، والتنويهُ بشأن النبي".(1/37)
وأقيمت هذه السورة على ثلاث دعائم: الأولى: إثبات أنَّ القرآنَ منزلٌ من عند الله، والتنويهُ بالرسولِ المُنَزَّلِ عليه " ودلائلُ صِدْقه، ورِفْعَةُ شأنه عن أن تكونَ له حظوظُ الدنيا، وأنه على طريقة غيرِه من الرسل، ومن ذلك تلقى قومُه دعوتَه بالتكذيب.
الدعامة الثانية: إثباتُ البعثِ والجزاء، والإنذارُ بالجزاء في الآخرة، والتبشيرُ بالثوابِ فيها للصالحين، وإنذارُ المشركين بسوءِ حظهم يومئذ، وتكونُ لهم الندامةُ على تكذيبهم الرسولَ، وعلى إشراكهم، واتباعِ أئمة كفرهم.
الدعامة الثالثة: الاستدلالُ على وحدانية الله، وتفردُه بالخلق، وتنزيهُه عن أن يكون له ولدٌ أو شريكٌ، وإبطالُ إلهيةِ الأصنامِ، وإبطالُ ما زعموه من بُنُوَّةِ الملائكة لله _تعالى_.
وافتُتِحَتْ في آيات كلِّ دَعامةٍ من هذه الثلاث بجملة [تَبَارَكَ الَّذِي] الخ.
قال الطيبي: =مدارُ هذه السورة على كونه " مبعوثاً إلى الناس كافةً ينذرهم ما بين أيديهم وما خلفهم؛ ولهذا جَعل براعةَ استهلالِها [تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً]+
وذَكَرَ بدائعَ مِنْ صنعه _تعالى_ جمعاً بين الاستدلال والتذكير.
وأَعْقَبَ ذلك بتثبيت الرسول"على دعوته، ومقاومته الكافرين.
وضَرَبَ الأمثالَ للحالين ببعثة الرسل السابقين، وما لقوا من أقوامهم مثل قوم موسى وقوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس وقوم لوط.
والتوكلُ على الله، والثناءُ على المؤمنين به، ومدحُ خصالِهم ومزايا أخلاقِهم، والإشارةُ إلى عذاب قريب يَحُلُّ بالمكذبين. 18/314_315
الأغراض التي اشتملت عليها: أولها التنويهُ بالقرآن، والتعريضُ بعجزهم عن معارضته، وتسليةُ النبي"على ما يلاقيه من إِعْراضِ قومه عن التوحيد الذي دعاهم إليه القرآن.
وفي ضِمْنِهِ تهديدُهم على تَعَرُّضهم لغضب الله _تعالى_ وضربُ المثل لهم بما حَلَّ بالأمم المكذبةِ رُسُلَها، والمُعْرِضَةِ عن آيات الله.(1/38)
وأَحْسِبُ أنها نزلت إِثْرَ طلبِ المشركين أن يأتِيَهم الرسولُ بخوارقَ؛ فافتتحت بتسلية النبي"وتثبيتٍ له، ورباطةٍ لجأشه بأن ما يلاقيه من قومه هو سنةُ الرسل من قبله مع أقوامهم مثل موسى وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب؛ ولذلك خَتَم كلَّ استدلال جيء به على المشركين المكذبين بتذييل واحد هو قوله: [إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ] تسجيلاً عليهم بأن آيات الوحدانية، وصدقَ الرسلِ عديدةٌ كافيةٌ لمن يتطلب الحق.
ولكن أكثرَ المشركين لا يؤمنون، وأن اللهَ عزيزٌ قادرٌ على أن يُنْزِلَ بهم العذاب، وأنه رحيم برسله؛ فَناصِرُهم على أعدائهم.
قال في الكشاف: =كلُّ قصةٍ من القصص المذكورة في هذه السورة كتنزيل برأسه.
وفيها من الاعتبار ما في غيرها؛ فكانت كلُّ واحدةٍ منها تُدْلي بحقٍّ في أن تختم بما اخْتُتِمت به صاحبتُها، ولأن في التكرير تقريراً للمعاني في الأنفس، وكلما زاد ترديدُه كان أمكنَ له في القلب، وأرسخَ في الفهم، وأبعدَ من النسيان، ولأن هذه القصصَ طُرِقَتْ بها آذانٌ وَقَرَتْ عن الإنصات للحق؛ فَكُوثرت بالوعظ والتذكير، وروجعت بالترديد والتكرير؛ لعل ذلك يفتح أذناً، أو يفتق ذهناً+ ا هـ.
ثم التنويهُ بالقرآن، وشهادةُ أهل الكتاب له، والردُّ على مطاعنهم في القرآن وجعلِه عضين، وأنه منزهٌ عن أن يكون شعراً ومن أقوال الشياطين، وأمر الرسول"بإنذار عشيرته، وأن الرسول ما عليه إلا البلاغ، وما تخلل ذلك من دلائل . 19/90_91
أول أغراض هذه السورة افتتاحُها بما يشير إلى إعجاز القرآن ببلاغة نظمه، وعلوِّ معانيه بما يشير إليه الحرفانِ المقطعان في أولها.
والتنويهُ بشأنِ القرآن، وأنه هدىً لمن ييسر اللهُ الاهتداءَ به دون مَنْ جحدوا أنه من عند الله.
والتحدي بعلم ما فيه من أخبار الأنبياء.(1/39)
والاعتبارُ بِمُلْكِ أعظمِ مُلْكٍ أوتيه نبيٌّ، وهو مُلْكُ داودَ، وملكُ سليمانَ _عليهما السلام_ وما بلغه مِنَ العلمِ بأحوال الطير، وما بلغ إليه ملكُه مِنْ عظمةِ الحضارة.
وأشهرُ أمةٍ في العرب أوتيت قوة، وهي أمةُ ثمودَ، والإشارةُ إلى مُلْكٍ عظيم من العرب وهو ملكُ سبأ.
وفي ذلك إيماء إلى أن نبوة محمد"رسالة تقارنها سياسةُ الأمةِ، ثم يعقبها ملكُ، وهو خلافَةُ النبيِّ".
وأن الشريعةَ المحمديةَ سيقامُ بها مُلْكٌ للأمة عتيدٌ كما أقيم لبني إسرائيل ملك سليمان.
ومحاجةُ المشركين في بطلان دينهم، وتزييفُ آلهتِهِمْ، وإبطالُ أخبارِ كهانهم وعرافيهم وسدنةِ آلهتهم، وإثباتُ البعثِ وما يتقدمه من أهوال القيامة وأشراطِها.
وأن القرآنَ مهيمنٌ على الكتب السابقة، ثم موادعةُ المشركين، وإنباؤهم بأن شأنَ الرسولِ الاستمرارُ على إبلاغ القرآنِ، وإنذارِهم بأن آياتِ الصدق سيشاهدونها، والله مطلعٌ على أعمالهم. 19/215_216
اشتملت هذه السورة على التنويهِ بشأنِ القرآنِ، والتعريضِ بأن بلغاءَ المشركين عاجزون عن الإتيان بسورةٍ مثلِهِ, وعلى تفصيل ما أُجْمِلَ في سورة الشعراء من قول فرعون لموسى: [أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً] إلى قوله: [وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ] فَفَصَّلت سورةُ القصصِ كيف كانت تربيةُ موسى في آل فرعون.
وبُيِّن فيها سببُ زوالِ مُلْكِ فرعونَ.
وفيها تفصيلُ مَا أُجْمِلَ في سورة النمل من قوله:[إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً] فَفَصَّلت سورةُ القصصِ كيف سارَ موسى وأهلُه، وأين آنس النارَ، وَوَصْفَ المكان الذي نودي فيه بالوحي إلى أن ذَكَرَتْ دعوةَ موسى فرعونَ؛ فكانت هذه السورةُ أَوْعَبَ لأحوال نشأةِ موسى إلى وقت إبلاغه الدعوةَ، ثم أَجْمَلَتْ ما بعد ذلك؛ لأن تفصيلَه في سورة الأعراف وفي سورة الشعراء.
والمقصودُ من التفصيل ما يتضمنه مِنْ زيادةِ المواعظِ والعبر.(1/40)
وإذْ قد كان سَوْقُ تلك القصةِ إنما هو للعبرة والموعظة؛ ليعلم المشركون سُنَّةَ اللهِ في بعثة الرسل ومعاملته الأممَ المكذبةَ لرسلها، وتحدِّي المشركين بعلم النبي" بذلك، وهو أميٌّ لم يقرأْ ولم يكتبْ، ولا خالط أهل الكتاب _ ذَيَّلَ اللهُ ذلك بتنبيه المشركين إليه، وتحذيرَهم من سوء عاقبة الشرك، وأنذرهم إنذاراً بليغاً.
وفَنَّد قولَهم: [لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى] من الخوارق كقلب العصا حيةً، ثم انتقاضَهم في قولهم؛ إذ كذبوا موسى _أيضاً_.
وتحداهم بإعجاز القرآن وهديه مع هدي التوراة.
وأبطلَ معاذيرَهم، ثم أنذرهم بما حل بالأمم المكذبة رسل الله.
وساقَ لهم أدلة على وحدانية الله _تعالى_ وفيها كلُّها نعمٌ عليهم، وذكَّرهم بما سيحُلُّ بهم يوم الجزاء.
وأنحى عليهم في اعتزازهم على المسلمين بقوتهم ونَعْمتهم ومالهم بأن ذلك متاعُ الدنيا، وأن ما ادخر للمسلمين عند الله خيرٌ وأبقى.
وأَعْقَبَهُ بضربِ المثل لهم بحال قارونَ في قوم موسى, وتخلَّص من ذلك إلى التذكيرِ بأن أمثال أولئك لا يَحْظَوْن بنعيم الآخرة، وأن العاقبةَ للمتقين.
وتخلل ذلك إيماءٌ إلى اقتراب مهاجرةِ المسلمين إلى المدينة، وإيماء إلى أن الله مُظْهِرُهم على المشركين بقوله:[وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ] الآية.
وخَتَم الكلامَ بتسلية الرسول"وتثبيته وَوَعْدِه بأنه يجعل بلَدَه في قبضته، ويمكِّنَه من نواصي الضالين.
وَيَقْرُبُ عندي أن يكون المسلمون ودُّوا أن تُفَصَّل لهم قصةُ رسالةَِ موسى _عليه السلام_ فكان المقصودُ انتفاعَهم بما في تفاصيلها من معرفةٍ نافعة لهم؛ تنظيراً لحالهم وحال أعدائهم؛ فالمقصودُ ابتداءاً هُمُ المسلمون ولذلك قال _تعالى_ في أولها:[نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ]أي للمؤمنين. 20/62_63(1/41)
أغراض هذه السورة: افتتاحُ هذه السورةِ بالحروف المقطَّعة يؤذن بأن من أغراضها تَحَدِّيَ المشركين بالإتيان بمثل سورة منه _كما بينا في سورة البقرة_ وجدالَ المشركين في أن القرآن نَزَل من عند الله هو الأصل فيما حدث بين المسلمين والمشركين من الأحداث المُعَبَّرِ عنها بالفتنة في قوله هنا: [أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ].
فَتَعَيَّنَ أن أولَ أغراضِ هذه السورةِ تثبيتُ المسلمين الذين فتنهم المشركون، وصدُّوهم عن الإسلام، أو عن الهجرة مع من هاجروا.
وَوَعْدُ اللهِ بنصر المؤمنين، وخَذْلُ أهلِ الشرك وأنصارهم وملقنيهم من أهل الكتاب.
والأمرُ بمجافاة المشركين، والابتعادُ منهم ولو كانوا أقربَ القرابة.
ووجوبُ صبرِ المؤمنين على أذى المشركين، وأن لهم في سعةِ الأرضِ ما ينجيهم من أذى أهل الشرك.
ومجادلةُ أهلِ الكتاب بالتي هي أحسن ما عدا الظالمين منهم للمسلمين.
وأَمْرُ النبيِّ " بالثبات على إبلاغِ القرآنِ وشرائعِ الإسلام.
والتأسيْ في ذلك بأحوالِ الأممِ التي جاءتها الرسلُ، وأن محمداً " جاء بمثل ما جاؤوا به.
وما تخلل أخبار مَنْ ذُكر فيها من الرسل من العبر.
والاستدلالُ على أن القرآنَ منزلٌ من عند الله بدليل أُمِّيَةِ مَنْ أُنْزِلَ عليه ".
وتذكيرُ المشركين بنعم الله عليهم؛ ليقلعوا عن عبادةِ ما سواه.
وإلزامُهم بإثباتِ وحدانيته بأنهم يعترفون بأنه خالقُ مَنْ في السماوات ومَنْ في الأرض.
والاستدلالُ على البعثِ بالنظر في بدء الخلق، وهو أعجبُ من إعادته.
وإثباتُ الجزاء على الأعمال.
وتوعُّدُ المشركين بالعذاب الذي يأتيهم بغتةً وهم يتهكمون باستعجاله.
وضَرْبُ المثل لاتخاذ المشركين أولياء من دون الله بِمَثَلٍ وهي بيت العنكبوت. 20/200_201(1/42)
أول أغراض هذه السورة سبب نزولها على ما سَرَّ المشركين من تغلُّب الفرس على الروم؛ فَقَمَعَ اللهُ _تعالى_ تطاولَ المشركين به, وتحدَّاهم بأن العاقبةَ للروم في الغُلْب على الفرس بعد سنين قليلة.
ثم تَطَرَّق من ذلك إلى تجهيل المشركين بأنهم لا تغوص أفهامُهم في الاعتبار بالأحداث, ولا في أسباب نهوضِ وانحدار الأمم من الجانب الرباني، ومن ذلك إهمالُهم النظرَ في الحياة الثانية, ولم يتعظوا بهلاك الأمم السالفة المماثلة لهم في الإشراك بالله، وانْتَقَل من ذلك إلى ذكر البعث.
واسْتَدَلَّ لذلك ولوحدانيته _تعالى_ بدلائلَ من آياتِ الله في تكوين نظام العالم ونظامِ حياة الإنسان.
ثم حضَّ النبيَّ"والمسلمين على التمسك بهذا الدين, وأثنى عليه.
ونَظَرَ بين الفضائل التي يدعو إليها الإسلام وبين حال المشركين ورذائلهم، وضربَ أمثالاً لإحياء مُخْتَلَفِ الأمواتِ بعد زوال الحياة عنها, ولإحياء الأمم بعد يأسِ الناس منها، وأمثالاً لحدوث القوة بعد الضعف وبعكس ذلك.
وختمَ ذلك بالعود إلى إثبات, البعث ثم بتثبيت النبي"وَوَعْدِه بالنصر.
ومن أَعْظم ما اشتملت عليه التصريحُ بأن الإسلامَ دينٌ فطر اللهُ الناس عليه, وأن مَنْ ابتغى غيرَه ديناً فقد حاول تبديل ما خلق الله, وأنى له ذلك. 21/40_41(1/43)
الأغراض التي اشتملت عليها هذه السورةُ تتصل بسبب نزولها الذي تقدم ذِكْرُه أن المشركين سألوا عن قصة لقمان وابنه، وإذا جمعنا بين هذا وبين ما سيأتي عند قوله _تعالى_: [وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ] من أن المراد به النَّضْر بن الحارث؛ إذ كان يسافر إلى بلاد الفرس, فيقتني كتب اسْفَنْدِيار ورُسْتُمْ وبَهْرَام، وكان يقرؤها على قريش ويقول: يخبركم محمد عن عاد وثمود, وأحدثكم أنا عن رستم واسفنديار وبهرام؛ فَصُدِّرت هذه السورة بالتنويه بهدي القرآن؛ ليعلم الناس أنه لا يشتمل إلا على ما فيه هدىً وإرشادٌ للخير ومُثُلُ الكمال النفساني؛ فلا التفاتَ فيه إلى أخبارِ الجبابرة وأهل الضلال إلا في مقام التحذير مما هم فيه ومن عواقبه؛ فكان صَدْرُ هذه السورة تمهيداً لقصة لقمان.
وقد تقدم الإلماع إلى هذا في قوله _تعالى_ في أول سورة يوسف [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ]، ونَبَّهْتُ عليه في المقدمة السابعة بهذا التفسير.
وانتقل من ذلك إلى تسفيه النَّضر بنِ الحارث وقِصصِهِ الباطلة.
وابتُدئَ ذكرُ لقمانَ بالتنويه بأن آتاه اللهُ الحكمةَ, وأمره بشكر النعمة, وأطيل الكلام في وصايا لقمانَ وما اشتملت عليه: من التحذير من الإشراك، ومن الأمر ببر الوالدين، ومن مراقبةِ الله؛ لأنه عليمٌ بخفيات الأمور، وإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبرِ، والتحذيرِ من الكبرِ والعجبِ، والأمرِ بالاتسام بسمات المتواضعين في المشي والكلام.
وسلكت السورةُ أفانينَ ذاتَ مناسباتٍ لما تضمنته وصية لقمان لابنه، وأُدْمج في ذلك تذكير المشركين بدلائل وحدانية الله _تعالى_ وبنعمه عليهم، وكيف أعرضوا عن هديه، وتمسكوا بما أَلْفَوا عليه آباءهم.
وذَكَرَتْ مزيةَ دين الإسلام, وتسليةَ الرسول " بتمسك المسلمين بالعروة الوثقى، وأنه لا يُحْزِنُه كُفْرُ مَنْ كفروا.(1/44)
وانتظم في هذه السورة الردُّ على المعارضين للقرآن في قوله: [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ] وما بعدها, وخُتِمَتْ بالتحذير من دعوة الشيطان, والتنبيه إلى بطلان ادعاءِ الكهان عِلْم الغيب. 21/138_139
من أغراض هذه السورة: أوَّلُها التنويهُ بالقرآن أنه منزلٌ من عند الله، وتوبيخُ المشركين على ادعائهم أنه مفترىً بأنهم لم يسبقْ لهم التشرفُ بنزول كتاب.
والاستدلالُُ على إبطال إلهية أصنامهم بإثبات انفراد الله بأنه خالق السماوات والأرض، ومُدَبِّرُ أمورهما.
وذكرُ البعثِ, والاستدلالُ على كيفيةِ بدءِ خَلْقِ الإنسان ونسلِه، وتنظيرُُُُه بإحياء الأرض، وأُدْمِج في ذلك أن إحياءَ الأرضِ نعمةٌ عليهم كفروا بمسديها.
والإنحاءُ على الذين أنكروه ووعيدُهم.
والثناءُُُ على المصدقين بآيات الله وَوَعْدُهم، ومقابلةُ إيمانهم بكفر المشركين، ثم إثباتُ رسالةِ رسولٍ عظيمٍ قبل محمد "هُدِيَ به أمةٌ عظيمة.
والتذكيرُُُُ بما حل بالمكذبين السابقين؛ ليكون ذلك عظةً للحاضرين، وتهديدهم بالنصر الحاصل للمؤمنين.
وخُتِمَ ذلك بانتظار النصر.
وَأَمْرُ الرسولِ "بالإعراض عنه؛ تحقيراً لهم، وَوَعْدُه بانتظار نصره عليهم.
ومن مزايا هذه السورةِ وفضائلها ما رواه الترمذي والنسائي وأحمد والدارمي عن جابر بن عبد الله قال: =كان النبي لا ينام حتى يقرأ [الم تَنْزِيْلُ] السجدة و[تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ]+. 21/204_205
أغراض هذه السورة: لكثير من آيات هذه السورة أسبابٌ لنزولها، وأكثرُها نزل للرد على المنافقين أقوالاً قصدوا بها أذى النبي".
وأهم أغراضها: الردُّ عليهم قولَهم لما تزوج النبي"زينبَ بنتَ جحشٍ بعد أن طلَّقها زيدُ بنُ حارثةَ فقالوا: تزوج محمدٌ امرأةَ ابنِه وهو ينهى الناس عن ذلك؛ فأنزل الله _تعالى_ إبطال التبني.
وأن الحقَّ في أحكام الله؛ لأنه الخبير بالأعمال, وهو الذي يقول الحق.(1/45)
وأن ولايةَ النبي"للمؤمنين أقوى ولاية، ولأزواجه حُرْمَةُ الأمهاتِ لهم، وتلك ولايةٌ مِنْ جعْل الله؛ فهي أقوى وأشدُّ من ولايةِ الأرحام.
وتحريضُ المؤمنين على التمسك بما شرع الله لهم؛ لأنه أخَذَ العهدَ بذلك على جميع النبيين .
والاعتبارُ بما أظهره الله من عنايته بنصر المؤمنين على أحزاب أعدائهم من الكفرة والمنافقين في وقعة الأحزاب, ودفعُ كيدِ المنافقين.
والثناءُ على صدق المؤمنين, وثباتِهم في الدفاع عن الدين.
ونعمةُ اللهِ عليهم بأن أعطاهم بلادَ أهلِ الكتاب الذين ظاهروا الأحزاب.
وانْتُقِلَ من ذلك إلى أحكامٍ في معاشرة أزواج النبي"وذكر فضلهن وفضل آل النبي"وفضائلِ أهل الخير من المسلمين والمسلمات.
وتشريعٌ في عدة المطلقة قبل البناء.
وما يسوغُ لرسول الله " من الأزواج, وحكمُ حجابِ أمهات المؤمنين, ولُبْسةُ المؤمنات إذا خرجن.
وتهديدُ المنافقين على الإرجاف بالأخبار الكاذبة.
وخُتِمَت السورةُ بالتنويه بالشرائع الإلهية؛ فكان ختامُها من ردِّ العَجُزِ على الصدر؛ لقوله في أولها [وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ].
وتخلل ذلك مستطرداتٌ من الأمر بالائتساء بالنبي".
وتحريضُ المؤمنين على ذكر الله, وتنزيهه؛ شكراً له على هديه, وتعظيمُ قَدْرِ النبي"عند الله وفي الملأ الأعلى، والأمرُ بالصلاةِ عليه والسلام.
ووعيدُ المنافقين الذين يأتون بما يؤذي الله ورسوله والمؤمنين.
والتحذيرُ من التورط في ذلك؛ كيلا يقعوا فيما وقع فيه الذين آذوا موسى _عليه السلام_. 21/247_248
من أغراض هذه السورة: إبطالُ قواعدِ الشرك وأعظمُها إشراكهم آلهةً مع الله, وإنكارُ البعث؛ فابتدئ بدليل على انفراده _تعالى_ بالإلهية عن أصنامهم ونفي أن تكون الأصنامُ شفعاءَ لِعُبَّادها.(1/46)
ثم موضوعُ البعث، وعن مقاتل: =أن سببَ نزولها أن أبا سفيانَ لما سمع قوله _تعالى_: [لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ] الآية الأخيرة من سورة الأحزاب _ قال لأصحابه: كأن محمداً يتوعدنا بالعذاب بعد أن نموت, واللاتِ والعزى لا تأتينا الساعة أبداً، فأنزل الله _تعالى_ [وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ]+ الآية.
وعليه فما قبل الآية المذكورة من قوله: [الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ] إلى قوله: [وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ] تمهيدٌ للمقصود من قوله: [وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة].
واثباتُ إحاطةِ عِلْمِ اللهِ بما في السماوات وما في الأرض؛ فما يخبر به فهو واقع ومن ذلك إثبات البعث والجزاء.
وإثباتُ صدقِ النبيِّ"فيما أخبر به، وصِدْقُ ما جاء به القرآنُ, وأن القرآنَ شَهِدَتْ به علماءُ أهلِ الكتاب.
وتخلل ذلك بضروب مِنْ تهديدِ المشركين وموعظتهم بما حل ببعض الأمم المشركين مِنْ قَبْل.
وعَرَّضَ بأن جَعْلَهم لله شركاءَ كفرانٌ لنعمةِ الخالق؛ فَضَرَبَ لهم المثلَ بمن شكروا نعمةَ اللهِ واتقوه؛ فَأُوتوا خيرَ الدنيا والآخرة, وسُخِّرَتْ لهم الخيراتُ مِثْلِ داودَ وسليمانَ، وبمن كفروا بالله؛ فسلَّط عليه الأرزاءَ في الدنيا وأَعَدَّ لهم العذاب في الآخرة مثلِ سبأ، وحذِّروا من الشيطان، وذُكِّروا بأن ما هم فيه من قرة العين يقربهم إلى الله، وأنذروا بما سيلقون يوم الجزاء مِنْ خِزْيٍ، وتكذيبٍ، وندامةٍ، وعدم النصيرِ، وخلود في العذاب،وبُشِّر المؤمنون بالنعيم المقيم. 22/134_135
أغراض هذه السورة: اشتملت هذه السورةُ على إثباتِ تَفَرُّدِ الله _تعالى_ بالإلهية؛ فافْتُتِحَتْ بما يدل على أنه مستحقُ الحمدِ على ما أبدع من الكائناتِ الدالِّ إبداعُها على تفرده _تعالى_ بالإلهية.(1/47)
وعلى إثباتِ صِدْقِ الرسول"فيما جاء به وأنه جاء به الرسل من قبله، وإثباتِ البعث والدار الآخرة.
وتذكيرِ الناسِ بإنعام الله عليهم بنعمةِ الإيجادِ ونعمةِ الإمداد، وما يعبد المشركون من دونه لا يغنون عنهم شيئاً وقد عبدهم الذين من قبلهم فَلَمْ يغنوا عنهم.
وتثبيتِ النبي"على ما يلاقيه من قومه.
وكشفِ نواياهم في الإعراض عن اتباع الإسلام؛ لأنهم احتفظوا بعزتهم.
وإنذارِهم أن يَحُلَّ بهم ما حل بالأمم المكذبة قبلهم.
والثناءِ على الذين تلقوا الإسلام بالتصديق وبضد حال المكذبين.
وتذكيرِهم بأنهم كانوا يودون أن يرسل إليهم رسولٌ؛ فلما جاءهم رسول تكبروا واستنكفوا.
وأنهم لا مفر لهم من حلول العذاب عليهم؛ فقد شاهدوا آثار الأمم المكذبين من قبلهم، وأن لا يغتروا بإمهال الله إياهم؛ فإن الله لا يخلف وعده.
والتحذيرِ من غرورِ الشيطان، والتذكير، بعداوتِه لنوع الإنسان. 22/247_248
أغراض هذه السورة: التحديْ بإعجاز القرآن بالحروف المُقَطَّعة، وبالقسم بالقرآن؛ تنويهاً به، وأُدْمِجَ وصفُه بالحكيم؛ إشارةً إلى بلوغه أعلى درجات الإحكام.
والمقصودُ من ذلك تحقيقُ رسالةِ محمدٍ"وتفضيلُ الدين الذي جاء به في كتابٍ منزلٍ من الله؛ لإبلاغ الأمةِ الغايةَ الساميةَ, وهي استقامةُ أمورِها في الدنيا, والفوزُ في الحياةِ الأبدية؛ فلذلك وُصِفَ الدينُ بالصراط المستقيم كما تقدم في سورة الفاتحة.
وأن القرآنَ داعٍ لإنقاذ العرب الذين لم يسبقْ مجيءُ رسولٍ إليهم؛ لأن عَدَمَ سبقِ الإرسالِ إليهم تهيئةً لنفوسهم لقبول الدين؛ إذ ليس فيها شاغلُ سَبْقٍ يَعَزُّ عليهم فراقه, أو يكتفون بما فيه من هدىً.
وَوَصْفُ إعراضِ أكثرِهم عن تلقي الإسلام، وتمثيلُ حالِهم الشنيعة، وحرمانُهم من الانتفاع بهدي الإسلام, وأن الذين اتبعوا دينَ الإسلامِ هم أهل الخشيةُ، وهو الدين الموصوف بالصراط المستقيم.(1/48)
وَضْربُ المثلِ لفريقي المتبعين والمعرضين من أهل القرى بما سبق من حال أهل القرية الذين شابه تكذيبُهم الرسلِ تكذيبَ قريشٍ.
وكيف كان جزاءُ المعرضين من أهلها في الدنيا, وجزاءُ المتبعين في درجات الآخرة.
ثم ضَرَبَ المثلَ بالأعم وهم القرون الذين كذبوا فأُهلكوا، والرثاءُ لحال الناس في إضاعة أسباب الفوز كيف يسرعون إلى تكذيب الرسل.
وتخلَّص إلى الاستدلال على تقريبِ البعثِ، وإثباتِه بالاستقلال تارة, وبالاستطراد أخرى، مُدْمِجاً في آياته الامتنانَ بالنعمة التي تتضمنها تلك الآيات، ورامزاً إلى دلالة تلك الآيات والنعم على تفرد خالقها ومنعمها بالوحدانية؛ إيقاظاً لهم.
ثم تذكيرُهم بأعظمِ حادثةٍ حدثت على المكذبين للرسل والمتمسكين بالأصنام من الذين أرسل إليهم نوح نذيراً؛ فهلك مَنْ كذَّب، ونجا مَنْ آمن.
ثم سيقت دلائلُ التوحيدِ المشوبةُ بالامتنانِ للتذكيرِ بواجبِ الشكر على النعم بالتقوى والإحسان وتَرقُّبِ الجزاء.
والإقلاعُ عن الشرك, والاستهزاءُ بالرسول, واستعجالُ وعيدِ العذاب.
وحُذِّروا من حلوله بغتةً حين يفوت التدارك.
وذُكِّروا بما عَهِدَ اللهُ إليهم مما أودعه في الفطرة من الفطنة.
والاستدلالُ على عداوة الشيطان للإنسان.
واتباعُ دعاةِ الخير.
ثم رَدَّ العَجُزَ على الصدر؛ فعاد إلى تنزيه القرآن عن أن يكون مفترىً صادراً من شاعرٍ بتخيلات الشعراء.
وسلَّى اللهُ رسولَه"أن لا يُحْزِنَه قولُهم وأن له بالله أسوةً؛ إذ خلقهم, فعطلوا قُدْرَتَهُ عن إيجادهم مرة ثانية, ولكنهم راجعون إليه.
فقامت السورة على تقرير أمهات أصول الدين على أبلغ وجهٍ وأَتَمِّهِ من إثباتِ الرسالةِ، ومعجزةِ القرآن، وما يعتبر في صفات الأنبياء, وإثباتِ القدر، وعلمِ الله، والحَشرِ، والتوحيدِ، وشكرِ المنعم.
وهذه أصولُ الطاعةِ بالاعتقاد والعمل، ومنها تتفرع الشريعةُ.(1/49)
وإثباتُ الجزاء على الخير والشر مع إدماج الأدلةِ من الآفاق والأنفسِ بتَفَنُّنٍ عجيب؛ فكانت هذه السورة جديرة بأن تسمى (قَلْب القرآن) لأن من تقاسيمها تتشعب شرايينُ القرآن كلِّه، وإلى وَتِيْنِها يَنْصَبُّ مجراها.
قال الغزالي: إن ذلك لأن الإيمانَ صحتُه باعتراف بالحشر، والحشرُ مقررٌ في هذه السورة بأبلغ وجه، كما سميت الفاتحة أم القرآن؛ إذ كانت جامعة لأصول التدبر في أفانيه كما تكون أم الرأس مِلاكُ التدبرِ في أمور الجسد+. 22/342_344
أغراضها: إثباتُ وحدانيةِ الله _تعالى_ وسوقُ دلائلَ كثيرةٍ على ذلك دلت على انفراده بصنع المخلوقات العظيمة التي لا قَبِلَ لغيره بصنعها وهي العوالمُ السماويةُ بأجزائها وسكنها، ولا قَبِلَ لمن على الأرض أنْ يتطرقَ في ذلك.
وإثباتُ أن البعثَ يُعْقبه الحشرُ والجزاء.
ووصفُ حالِ المشركين يوم الجزاء, ووقوعُ بعضِهم في بعض.
ووصفُ حُسْنِ أحوال المؤمنين ونعيمهم.
ومذاكرتُهم فيما كان يجري بينهم وبين بعض المشركين من أصحابهم في الجاهلية, ومحاولتُهم صرفَهم عن الإسلام.
ثم انْتُقِل إلى تنظير دعوةِ محمدٍ"قوَمهُ بدعوةِ الرسل مِنْ قَبْلِه، وكيف نَصَرَ اللهُ رسلَه, ورَفَع شأنَهم, وبارك عليهم.
وأُدمج في خلال ذلك شيءٌ من مناقبهم، وفضائلهم، وقُوَّتِهم في دين الله وما نجاهم الله من الكروب التي حفَّت بهم, وخاصةً منقبةُ الذبيحِ، والإشارة إلى أنه إسماعيلُ.
وَوَصْفُ ما حلَّ بالأمم الذين كذبوهم.
ثم الإنحاءُ على المشركين فسادَ معتقداتِهم في الله, ونِسْبتَهم إليه الشركاء.
وقولهم: الملائكةٌ بناتُ اللهِ، وتكذيبُ الملائكة إياهم على رؤوس الأشهاد.
وقولهم في النبي" والقرآن, وكيف كانوا يودون أن يكون لهم كتاب.
ثم وَعْدُ اللهِ رسولَه بالنصر كدأْب المرسلين ودأْب المؤمنين السابقين، وأن عذابَ اللهِ نازلٌ بالمشركين، وتَخْلُصُ العاقبةُ الحسنى للمؤمنين.(1/50)
وكانت فاتحتُها مناسبةً لأغراضها بأن القَسَمَ بالملائكة مناسبٌ لإثبات الوحدانية؛ لأن الأصنامَ لم يدَّعوا لها ملائكةً، والذي تخدمه الملائكةُ هو الإلهُ الحق, ولأن الملائكةَ من جملة المخلوقاتِ الدالِّ خَلْقُها على عظم الخالق، ويُؤْذِنُ القسمُ بأنها أشرفُ المخلوقاتِ العلوية.
ثم إن الصفاتِ التي لوحظت في القسم بها مناسبةٌ للأغراض المذكورة بعدها، فـ[الصَّافَّاتِ] يناسب عَظَمَةَ ربِّها، و[الزَّاجِرَاتِ] يناسب قَذْفَ الشياطين عن السماوات، ويناسب تسييرَ الكواكبِ وحفظِها من أن يدرك بعضُها بعضاً، ويناسب زَجْرُها الناسَ في المحشر.
و[التَّالِيَاتِ ذِكْراً] يناسب أحوالَ الرسولِ, والرسل _ عليهم الصلاة والسلام _ وما أرسلوا به إلى أقوامهم.
هذا وفي الافتتاح بالقسم تشويقٌ إلى معرفة المُقْسَمِ عليه؛ لِيُقْبِلَ عليه السامعُ بشراشره.(1)
فقد استكملت فاتحةُ السورةِ أحسنَ وجوه البيان وأكملها. 23/81_83
أغراضها: أصلُها ما عَلِمتَ من حديث الترمذي في سبب نزولها، وما اتصل به من توبيخ المشركين على تكذيبهم الرسول"وتَكَبُّرِهم عن قبول ما أرسل به، وتهديدِهم بمثل ما حلَّ بالأمم المكذبة قبلهم, وأنهم إنما كذبوه لأنه جاء بتوحيد الله _تعالى_ ولأنه اخْتُصَّ بالرسالة من دونهم, وتسلية الرسول"عن تكذيبهم وأن يقتدي بالرسل من قبله داود وأيوب وغيرهم, وما جُوْزوا عن صبرهم، واستطرادِ الثناء على داود وسليمان وأيوب، وأَتْبَعَ ذكر أنبياء آخرين؛ لمناسبة سنذكرها.
وإثباتُ البعثِ؛ لحكمة جزاء العاملين بأعمالهم من خير وشر.
وجزاءُ المؤمنين المتقين, وضدُّه مِنْ جزاء الطاغين والذين أضلوهم, وقبَّحوا لهم الإسلامَ والمسلمين، ووصفُ أحوالِهم يوم القيامة.
وذكرُ أولِ غواية حصلت، وأصلِ كلِّ ضلالةٍ وهي غوايةُ الشيطان في قصة السجود لآدم.
__________
(1) _ بشراشره: أي بكليته.(1/51)
وقد جاءت فاتحتُها مناسبةً لجميع أغراضها؛ إذ ابْتُدِئَتْ بالقسم بالقرآن الذي كذَّب به المشركون، وجاء المُقْسَمُ عليه أن الذين كفروا في عزة وشقاق, وكل ما ذكر فيها من أحوال المكذبين سَبَبُهُ اعتزازُهم وشقاقُهم، ومن أحوال المؤمنين سببه ضدُّ ذلك، مع ما في الافتتاح بالقسم من التشويق إلى ما بعده؛ فكانت فاتحتُها مستكملةً خصائصَ حُسْنِ الابتداء. 23/203
أغراضها: ابتُدِئَتْ هذه السورة بما هو كالمقدمة للمقصود، وذلك بالتنويه بشأن القرآن تنويهاً تكرر في ستة مواضع(1)من هذه السورة؛ لأن القرآن جامع لأغراضها.
وأغراضُها كثيرةٌ تحوم حولَ إثباتِ تفرد الله بالإلهية, وإبطالِ الشرك فيها.
وإبطالِ تَعَلُّلات المشركين لإشراكهم وأكاذيبهم.
ونفيِ ضَرْبٍ من ضروب الإشراك وهو زعمهم أن لله ولداً.
والاستدلالِ على وحدانية الله في الإلهية بدلائلِ تَفَرُّدِهِ بإيجاد العوالم العلوية والسفلية، وبتدبيرِ نظامها وما تحتوي عليه مما لا ينكر المشركون انفراده به.
والخلقِ العجيبِ في أطوار تكوُّنِ الإنسان والحيوان.
والاستدلالِ عليهم بدليل من فعلهم وهو التجاؤهم إلى الله عندما يصيبهم الضُّر.
والدعوةِ إلى التدبر فيما يُلْقى إليهم من القرآن الذي هو أحسن القول.
وتنبيههِم على كفرانِهم شُكْرَ النَّعْمَةِ.
والمقابلةِ بين حالهم وبين حال المؤمنين المخلصين لله.
وأن دينَ التوحيدِ هو الذي جاءت به الرسلُ مِنْ قَبْل.
__________
(1) _ هي قوله: [تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ] الآيتين وقوله: [اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ] الآيه, وقوله: [وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ] الآيتين, وقوله: [إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ] الآية, وقوله: [وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ] الآية, وقوله:[بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي] الآية.(1/52)
والتحذيرُ من أن يَحِلَّ بالمشركين ما حَلَّ بأهل الشرك من الأمم الماضية.
وإعلامُ المشركين بأنهم وشركاءهم لا يُعْبَأُ بهم عند الله وعند رسوله"فالله غنيٌّ عن عبادتهم، ورسولُه لا يخشاهم ولا يخاف أصنامَهم؛ لأن اللهَ كفاه إياهم جميعاً.
وإثباتُ البعثِ والجزاء؛ لِتُجْزَى كلُّ نفس بما كسبت.
وتمثيلُ البعث بإحياء الأرض بعد موتها.
وَضَربَ لهم مَثَلَهُ بالنوم والإفاقةَ بعده, وأنه يوم الفصل بين المؤمنين والمشركين.
وتمثيلُ حالِ المؤمنين وحال المشركين في الحياتين: الحياةِ الدنيا والحياةِ الآخرة.
ودعاءُ المشركين للإقلاع عن الإسراف على أنفسهم، ودعاءُ المؤمنين للثبات على التقوى, ومفارقة دار الكفر, وخُتِمَت بوصفِ حال يوم الحساب.
وتخلل ذلك كلَّه وعيدٌ ووعدٌ،وأمثالٌ، وترهيبٌ وترغيبٌ، ووعظٌ, وإيماءٌ بقوله: [قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ] الآية إلى أن شأن المؤمنين أنهم أهل علم, وأن المشركين أهل جهالة، وذلك تنويه برفعة العلم ومَذَمَّةِ الجهل. 23/312_313
أغراض هذه السورة: تضمنت هذه السورةُ أغراضاً من أصول الدعوة إلى الإيمان؛ فابْتُدِئَتْ بما يقتضي تحديَ المعاندين في صدق القرآن كما اقتضاه الحرفان المُقطَّعان في فاتحتهما كما تقدم في أول سورة البقرة.
وأجري على اسم الله _تعالى_ من صفاته ما فيه تعريضٌ بدعوتهم إلى الإقلاع عما هم فيه؛ فكانت فاتحةُ السور مثلَ دِيباجةِ الخُطْبَةِ مشيرةً إلى الغرض من تنزيلِ هذه السورة.
وعَقَّب ذلك بأن دلائلَ تنزيلِ هذا الكتابِ من الله بَيِّنَةٌ لا يجحدها إلا الكافرون من الاعتراف بها حسداً، وأن جدالهم تَشْغِيْبٌ, وقد تكرر ذكر المجادلين في آيات الله خَمْسَ مرات في هذه السورة، وتمثيلُ حالهم بحال الأمم التي كذبت رسل الله بذكرهم إجمالاً، ثم التنبيهُ على آثار استئصالهم, وضربُ المثل بقوم فرعون.
وموعظةُ مؤمن آل فرعونَ قَوْمَهُ بمواعظَ تُشبه دعوة محمد"قومه.(1/53)
والتنبيهُ على دلائل تفرد الله _تعالى_ بالإلهية إجمالاً.
وإبطالُ عبادة ما يعبدون من دون الله.
والتذكيرُ بنعم الله على الناس؛ ليِشْكُرَه الذين أعرضوا عن شكره.
والاستدلالُ على إمكان البعث.
وإنذارُهم بما يَلْقَون مِنْ هَوْلِه, وما يترقبهم من العذاب، وتوعدهم بأن لا نصيرَ لهم يومئذ, وبأن كبراءهم يتبرؤون منهم.
وتثبيتُ الله رسولَه"بتحقيقِ نصرِ هذا الدينِ في حياته وبعد وفاته.
وتخلَّل ذلك الثناءُ على المؤمنين، وَوصفُ كرامتِهم، وثناءُ الملائكة عليهم.
ووردَ في فضلِ هذه السورةِ الحديثُ الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: =من قرأ حم المؤمن إلى [إِلَيْهِ المَصِيْر] وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي، ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح+. 24/77_78
أغراضُها: التنويهُ بالقرآنِ, والإشارةُ إلى عَجْزِهم عن معارضته.
وذكرُ هَدْيِهِ، وأنه معصومٌ من أن يتطرقه الباطل، وتأييدهُ بما أُنْزِل إلى الرسل من قبل الإسلام.
وتَلقِّي المشركين له بالإعراض وصمِّ الآذان.
وإبطالُ مطاعنِ المشركين فيه, وتذكيرُهم بأن القرآنَ نزل بِلُغَتِهم؛ فلا عذر لهم أصلاً في عدم انتفاعهم بهديه.
وَزجْرُ المشركين, وتوبيخُهم على كفرهم بخالق السماوات والأرض مع بيان ما في خلقها من الدلائل على تفرده بالإلهية.
وإنذارُهم بما حلَّ بالأمم المكذبةِ من عذاب الدنيا.
ووعيدُهم بعذاب الآخرة, وشهادةُ سمعهم وأبصارهم وأجسادهم عليهم.
وتحذيرُهم من القرناء المُزَيِّنين لهم الكُفْرَ من الشياطين والناس, وأنهم سيندمون يومَ القيامة على اتباعهم في الدنيا.
وقوبل ذلك بما للموحدين من الكرامة عند الله.
وأمرُ النبيِّ"بدفعهم بالتي هي أحسن, وبالصبر على جفوتهم, وأن يستعيذ بالله من الشيطان.
وذُكِرَتْ دلائلُ تفردِ الله بخلق المخلوقات العظيمة كالشمس والقمر.
ودلائلُ إمكانِ البعث؛ وأنه واقع لا محالة, ولا يعلم وقته إلا الله _تعالى_.(1/54)
وتثبيتُ النبي"والمؤمنين بتأييد الله إياهم بتنزل الملائكة بالوحي، وبالبشارة للمؤمنين.
وتخلل ذلك أمثالٌ مختلفةٌ في ابتداء خلق العوالم, وعِبَرٌ في تقلبات أهل الشرك، والتنويه بإيتاء الزكاة. 24/228_229
أغراضُ هذه السورة: أولُ أغراضِها الإشارةُ إلى تحدي الطاعنين في أن القرآن وحيٌ مِنَ اللهِ بأن يأتوا بكلام مثله؛ فهذا التحدي لا تخلو عنه السور المفتتحة بالحروف الهجائية المقطعة _كما تقدم في سورة البقرة_.
واستدل اللهُ على المعاندين بأن الوحي إلى محمد"ما هو إلا كالوحي إلى الرسل من قبله؛ لِيُنْذِرَ أهلَ مكةَ ومَنْ حولَها بيوم الحساب.
وأن الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض لا تُعَارَضُ قدرتُه, ولا يُشَكُّ في حكمته، وقد خَضَعَتْ له العوالمُ العليا ومَنْ فيها, وهو فاطرُ المخلوقات؛ فهو يجتبي من يشاء لرسالته؛ فلا بِدْعَ أن يشرع للأمة المحمدية من الدين مِثْلَ ما شرع لمن قبله من الرسل، وما أرسل اللهُ الرسلَ إلا مِنَ البشرِ يوحي إليهم؛ فلم يَسْبِقْ أَنْ أرسل ملائكةً لمخاطبة عمومِ الناس مباشرةً.
وأن المشركين بالله لا حجة لهم إلا تقليدُ أئمةِ الكفر الذين شرعوا لهم الإشراكِ، وألقوا إليهم الشبهات.
وحذَّرهم يومَ الجزاء, واقترابَ الساعة, وما سيلقى المشركون يوم الحساب من العذاب مع إدماجِ التعريضِ بالترغيب فيما سيلقاه المؤمنون من الكرامة، وأنهم لو تَدَّبروا لعلموا أن النبيَّ"لا يأتي عن الله مِنْ تلقاء نفسه؛ لأن الله لا يقره على أن يقول عليه ما لم يقله.
وذُكِرَتْ دلائلُ الوحدانيةِ, وما هو من تلك الآيات؛ نعمةً على الناس مثل دليل السير في البحر, وما أوتيه الناسُ مِنْ نِعَمِ الدنيا.
وتسليةُ الرسولِ"بأن الله هو مُتَولي جزاءِ المكذبين وما على الرسول"من حسابهم من شيء؛ فما عليه إلا الاستمرار على دعوتهم إلى الحق القويم.(1/55)
ونبَّههم إلى أنه لا يبتغي منهم جزاءاً على نصحه لهم, وإنما يبتغي أن يراعوا أواصر القرابة بينه وبينهم.
وذكَّرهم نِعَمَ اللهِ عليهم، وحذَّرهم من التسبب في قطعها بسوء أعمالهم، وحرَّضهم على السعي في أسباب الفوز في الآخرة, والمبادرةِ إلى ذلك قبل الفوات؛ فقد فاز المؤمنون المتوكلون، ونوَّه بجلائل أعمالهم، وتَجَنُّبِهم التعرضَ لغضب الله عليهم.
وتخلل ذلك تنبيهٌ على آياتٍ كثيرةٍ من آيات انفراده _تعالى_ بالخلق والتصرف المقتضي إنفرادَهُ بالإلهية؛ إبطالاً للشرك.
وخَتَمَها بتجَدُّد المُعجزة الأميةِ بأن الرسول"جاءهم بهدىً عظيمٍ من الدين وقد علموا أنه لم يكن ممن تصدى لذلك في سابق عمره، وذلك أكبر دليل على أن ما جاء به أمر قد أوحي إليه به؛ فعليهم أن يهتدوا بهديه؛ فمن اهتدى بهديه فقد وافق مراد الله.
وختم ذلك بكلمة جامعة تتضمن التفويض إلى الله، وانتظار حُكْمِهِ وهي كلمةُ [أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ]. 25/24_25
أغراضها: أعظمُ ما اشتملت عليه هذه السورةُ من الأغراض: التحديْ بإعجازِ القرآن؛ لأنه آيةُ صدقِ الرسول"فيما جاء به، والتنويهُ بهِ عِدةَ مرات، وأنه أوحى الله به؛ لتذكيرهم، وتكريرِ تذكيرِهم وإن أعرضوا كما أعرض مَنْ قَبْلَهُمْ عن رسلهم.
وإذ قد كان باعثُهم على الطعنِ في القرآن تَعَلُّقَهُمْ بعبادة الأصنام التي نهاهم القرآن عنها _ كان من أهمِّ أغراضِ السورةِ التعجيبُ من حالهم؛ إذ جمعوا بين الاعتراف بأن اللهَ خالقُهم والمنعمُ عليهم وخالقُ المخلوقات كلِّها وبين اتخاذِهم آلهةً يعبدونها شركاءَ لله، حتى إذا انتقض أساسُ عنادِهم اتضح لهم ولغيرهم باطِلُهم.
وجعلوا بناتٍ لله مع اعتقادهم أن البناتِ أحطُّ قدراً من الذكور؛ فجمعوا بذلك بين الإشراك والتنقيص.
وإبطالُ عبادةِ كلِّ ما دون الله على تفاوتِ درجاتِ المعبودين في الشرف؛ فإنهم سواءٌ في عدم الإلهية للألوهية ولِبُنُوَّة الله _تعالى_.(1/56)
وعرَّج على إبطال حججهم ومعاذيرهم، وسفَّه تخييلاتِهم وَتُرَّهاتهم.
وذكَّرهم بأحوال الأمم السابقين مع رسلهم، وأنذرهم بمثل عواقبهم، وحذَّرهم من الاغترار بإمهال الله وخص بالذكر رسالةَ إبراهيمَ وموسى وعيسى _عليهم السلام_.
وخصَّ إبراهيمَ بأنه جعل كلمةَ التوحيدِ باقيةً في جَمْعٍ مِنْ عَقِبِه, وتوعَّد المشركين, وأنذرهم بعذاب الآخرة بعد البعث الذي كان إنكارُهم وقُوعَهُ من مُغَذِّيات كُفْرِهم وإعراضهم؛ لاعتقادهم أنهم في مَأْمَنٍ بعد الموت.
وقد رُتِّبت هذه الأغراضُ وتفاريعُها على نَسْجٍ بديعٍ، وأسلوبٍ رائعٍ في التقديم والتأخير، والأصالة والاستطراد على حسب دواعي المناسباتِ التي اقتضتها البلاغةُ، وتجديدُ نشاط السامع لقبول ما يلقى إليه.
وتخلل في خلاله من الحجج والأمثال والمُثُل والقوارع والترغيب والترهيب شيء عجيب، مع دحْضِ شُبَهِ المعاندين بأفانينِ الإقناعِ بانحطاط مِلَّةِ كُفْرِهم وعَسْفِ مُعْوَجِّ سلوكهم.
وأُدْمِجَ في خلال ذلك ما في دلائل الوحدانية من النعم على الناس والإنذار والتبشير.
وقد جرت آياتُ هذه السورةِ على أسلوبِ نِسْبَةِ الكلامِ إلى الله _تعالى_ عدا ما قامت القرينة على الإسناد إلى غيره. 25/158_159
أغراضها: أشبهَ افتتاحُ هذه السورةِ فاتحةَ سورةِ الزخرفِ من التنويه بشأن القرآنِ وشرفِهِ, وشرفِ وقتِ ابتداءِ نزولِه؛ ليكون ذلك مُؤْذِناً أنه من عند الله, ودالاً على رسالة محمد"ولِيُتَخَلَّصَ منه إلى أن المعرضين عن تدبر القرآن ألهاهم الاستهزاءُ واللمزُ عن التدبر؛ فَحَقَّ عليهم دعاءُ الرسول بعذاب الجوع؛ إيقاظاً لبصائرهم بالأدلة الحسية حين لم تنجع فيهم الدلائلُ العقلية؛ ليعلموا أن إجابة الله دعاء رسوله"دليل على أنه أرسله؛ لِيُبَلِّغَ عنه مرادَه.
فأنذرهم بعذاب يَحُلُّ بهم علاوةً على ما دعا به الرسول"تأييداً من الله له بما هو زائدٌ على مطلبه.(1/57)
وضَرَبَ لهم مثلاً بأمم أمثالهم عصوا رُسُلَ اللهِ إليهم؛ فَحَلَّ بهم من العقاب ما من شأنه(1) أن يكون عظةً لهؤلاء؛ تفصيلاً بقوم فرعون مع موسى ومؤمني قومه، ودون التفصيل بقوم تُبَّعٍ، وإجمالاً وتعميماً بالذين مِنْ قبل هؤلاء.
وإذ كان إنكارُ البعثِ وإحالَتُه من أكبر الأسباب التي أغرتهم على إهمال التدبر في مراد الله _تعالى_ انْتَقَلَ الكلامُ إلى إثباته, والتعريف بما يعقبه من عقوبة المعاندين ومثوبة المؤمنين؛ ترهيباً وترغيباً.
وأُدْمِجَ فيها فضلُ الليلةِ التي أُنزل فيها القرآنُ، أي اْبتُدِئَ إنزالُه وهي ليلة القدر.
وأُدْمج في خلال ذلك ما جرت إليه المناسباتُ من دلائل الوحدانية, وتأييد الله من آمنوا بالرسل، ومن إثبات البعث.
وخُتِمَتْ بالشد على قلب الرسول"بانتظار النصر, وانتظار الكافرين القهر. 25/276
أغراضها: الابتداءُ بالتحدي بإعجازِ القرآنِ, وأنه جاء بالحق؛ توطئةً لما سيذكر بأنه حقُّ كما اقتضاه قوله: [تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ].
وإثباتُ انفرادِ الله _تعالى_ بالإلهية بدلائلِ ما في السماوات والأرض من آثار خَلْقِه وقدرتِه في جواهر الموجودات وأعراضها, وإدماجُ ما فيها مع ذلك مِنْ نِعَمِ يَحُقُّ على الناس شُكْرُها لا كفرُها.
ووعيدُ الذين كَذبوا على الله، والتزموا الآثامَ بالإصرار على الكفر والإعراض عن النظر في آيات القرآن، والاستهزاء بها.
والتنديدُ على المشركين؛ إذ اتخذوا آلهةً على حسب أهوائهم, وإذ جحدوا البعث، وتهديدُهم بالخسران يومَ البعثِ، ووصفُ أهوالِ ذلك، وما أُعِدَّ فيه من العذاب للمشركين ومن رحمة للمؤمنين.
ودعاءُ المسلمين للإعراض عن إساءة الكفار لهم, والوعدُ بأن اللهَ سيخزي المشركين.
ووصفُ بعضِ أحوالِ يومِ الجزاء.
__________
(1) _ في الأصل: من شأنه بدون: ما، ولعل الصواب ما أُثبت.(1/58)
ونُظِّر الذين أَهملوا النظر في آيات الله مع تبيانها, وخالفوا على رسولهم" فيما فيه صلاحهم بحال بني إسرائيل في اختلافهم في كتابهم بعد أن جاءهم العلم وبعد أن اتبعوه؛ فما ظنك بمن خالف آياتِ اللهِ من أول وَهْلَةِ؛ تحذيراً لهم من أن يقعوا فيما وقع فيه بنو إسرائيل من تسليط الأمم عليهم, وذلك تحذيرٌ بليغ.
وذلك تثبيت للرسول"بأن شَأْنَ شَرْعِهِ مع قومه كشأن شريعة موسى لا تَسْلَمُ من مخالف، وأن ذلك لا يقدحُ فيها, ولا في الذي جاء بها، وأن لا يعبأ بالمعاندين, ولا بكثرتهم؛ إذ لا وزن لهم عند الله. 25/324
أغراضها: من الأغراض التي اشتملت عليها أنها افْتُتِحتْ مِثْلُ سورةِ الجاثية بما يشير إلى إعجاز القرآن للاستدلال على أنه مُنَزَّلٌ من عند الله.
والاستدلالُ بإتقانِ خلقِ السماوات والأرض على التفرد بالإلهية، وعلى إثباتِ جزاء الأعمال.
والإشارةُ إلى وقوع الجزاء بعد البعث, وأن هذا العالمَ صائرٌ إلى فناء, وإبطالُ الشركاءِ في الإلهية, والتدليلُ على خلوِّهم عن صفاتِ الإلهية, وإبطالُ أن يكون القرآن من صنع(1) غير الله.
وإثباتُ رسالةِ محمدٍ " واستشهادُ الله _تعالى_ على صدق رسالته, واستشهادُ شاهدِ بني إسرائيل وهو عبد الله بن سلام.
والثناءُ على الذين آمنوا بالقرآن, وذكرُ بعضِ خصالهم الحميدة وما يضادها من خصال أهل الكفر وحسدِهم الذي بعثهم على تكذيبه.
وذَكَرت معجزةَ إيمان الجن بالقرآن.
وخُتِمَت السورةُ بتثبيت الرسول".
وأقحِمَ في ذلك معاملةُ الوالدين والذريةِ مما هو مِنْ خُلُقِ المؤمنين، وما هو من خلُقُ ِأهل الضلالة.
__________
(1) _ لو كانت العبارة: =وإبطال أن يكون القرآن من عند غير الله+ لكانت أدقَّ وأصحَّ، _كما هي عبارة المؤلف في كثير من المواضع السابقة واللاحقة_.(1/59)
والعبرةُ بضلالهم مع ما كانوا عليه من القوة، وأن اللهَ أخذهم بكفرهم, وأهلك أمماً أخرى؛ فجعلهم عظةً للمكذبين, وأن جميعهم لم تُغْنِ عنهم أربابُهم المكذوبة.
وقد أشبهت كثيراً من أغراض سورة الجاثية مع تَفَنُّن. 26/6_7
أغراضها: معظم ما في هذه السورةِ التحريضُ على قتال المشركين، وترغيبُ المسلمين في ثواب الجهاد.
افتتحت بما يثير حنقَ المؤمنين على المشركين؛ لأنهم كفروا بالله وصدوا عن سبيله، أي دينه.
وأعلم اللهُ المؤمنين بأنه لا يسدد المشركين في أعمالهم, وأنه مصلحُ المؤمنين؛ فكان ذلك كفالةً للمؤمنين بالنصر على أعدائهم.
وانْتُقِلَ من ذلك الى الأمر بقتالهم, وعدمِ الإبقاء عليهم.
وفيها وعدُ المجاهدين بالجنة، وأمرُ المسلمين بمجاهدة الكفار, وأن لا يَدْعُوهم إلى السلم، وإنذارُ المشركين بأن يصيبَهم ما أصاب الأممَ المكذبين مِنْ قبلهم.
ووصفُ الجنةِ ونعيمِها، ووصفُ جهنمَ وعذابِها.
ووصفُ المنافقين وحالِ اندهاشهم إذا نزلت سورة فيها الحضُّ على القتال، وقلةِ تَدَبُّرِهِمُ القرآنَ وموالاتِهم المشركين.
وتهديدُ المنافقين بأن الله ينبي رسوله"بسيماهم، وتحذيرُ المسلمين من أن يروجَ عليهم نفاقُ المنافقين.
وخُتِمَتِ بالإشارة إلى وعد المسلمين بنوال السلطان, وحذَّرهم إن صار إليهم الأمر من الفساد والقطيعة. 26/72
أغراضُها: تَضَمَّنّتْ هذه السورةُ بشارةَ المؤمنين بِحُسْنِ عاقبة صُلْحِ الحديبية, وأنه نصرٌ وفتحٌ؛ فنزلت به السكينةُ في قلوب المسلمين, وأزال حُزْنَهم مِنْ صدِّهم عن الاعتمار بالبيت، وكان المسلمون عُدَّةً لا تغلب من قلة؛ فرأوا أنهم عادوا كالخائبين؛ فأعلمهم الله بأن العاقبة لهم، وأن دائرةَ السَّوءِ على المشركين والمنافقين.
والتنويهُ بكرامة النبي"عند ربه, ووعدُه بنصر متعاقب.
والثناءُ على المؤمنين الذين عَزَّروه وبايعوه، وأن اللهَ قَدَّمَ مَثَلَهُمْ في التوراة وفي الإنجيل.(1/60)
ثم ذِكْرُ بيعةِ الحديبية, والتنويهِ بشأن مَنْ حضرها.
وَفضْحُ الذين تخلفوا عنها من الأعراب ولَمْزُهُمْ بالجبن والطمع وسُوءِ الظن بالله وبالكذب على رسول الله" ومَنْعُهُمّ من المشاركة في غزوة خيبر، وإنباؤهم بأنهم سَيُدْعون إلى جهاد آخر, فإن استجابوا غُفِرَ لهم تَخَلُّفُهم عن الحديبية.
وَوَعْدُ النبيِّ"بفتحٍ آخرَ يَعقبه فتحٌ أعظمَ منه وبفتحِ مكةَ, وفيها ذكرٌ بفتحٍ مِنْ خيبر كما سيأتي في قوله _تعالى_ [فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ]. 26/142_143
أغراض هاته السورة: تتعلق أغراضُها بحوادثَ جدَّت متقاربةٍ كانت سبباً لنزول ما فيها من أحكام وآداب.
وأولُها تعليمُ المسلمين بعضَ ما يجب عليهم من الأدب مع النبي"في معاملتِهِ, وخطابِه وندائِه، دعا إلى تعليمهم إياها ما ارتكبه وفد بني تميم من جفاء الأعراب لما نادوا الرسول"من بيوته كما سيأتي عند قوله _تعالى_: [إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ].
ووجوبُ صدقِ المسلمين فيما يخبرون به، والتثبتُ في نقل الخبر مطلقاً, وأن ذلك من خلق المؤمنين، ومجانبةِ أخلاق الكافرين والفاسقين، وتَطَرُّقٌ إلى ما يحدث من التقاتل بين المسلمين، والإصلاح بينهم لأنهم إخوة، وما أمر الله به من آداب حسن المعاملة بين المسلمين في أحوالهم في السر والعلانية، وتَخَلُّصٌ من ذلك إلى التحذير من بقايا خلق الكفر في بعض جفاة الأعراب؛ تقويماً لأود نفوسهم. 26/213_214
أغراض هاته السورة:
أولها: التنويهُ بشأن القرآن.
ثانيها: أنهم كذبوا الرسولَ"لأنه من البشر.
وثالثها: الاستدلالُ على إثبات البعث, وأنه ليس بأعظم من ابتداء خلق السماوات وما فيها وخلقِ الأرض وما عليها، ونشأة النباتِ والثمار من ماء السماء, وأن ذلك مثلٌ للإحياء بعد الموت.(1/61)
الرابع: تنظيرُ المشركين في تكذيبهم بالرسالة والبعث ببعض الأمم الخالية المعلومة لديهم، ووعيدُ هؤلاء أن يَحِلَّ بهم ما حل بأولئك.
الخامس: الوعيدُ بعذابِ الآخرة ابتداءاً من وقت احتضارِ الواحد، وذِكْرُ هولِ يوم الحساب.
السادس: وَعْدُ المؤمنين بنعيم الآخرة.
السابع: تسليةُ النبي"على تكذيبهم إياه, وأَمْرُه بالإقبال على طاعة ربه, وإرجاءُ أمرِ المكذبين إلى يوم القيامة, وأن اللهَ لو شاء لأَخَذَهم من الآن، ولكنَّ حكمةَ اللهِ قَضَت بإرجائهم, وأن النبيَّ"لم يكلَّف بأن يُكْرِهَهُم على الإسلام, وإنما أُمِرَ بالتذكير بالقرآن.
الثامن: الثناءُ على المؤمنين بالبعث بأنهم الذين يتذكرون بالقرآن.
التاسع: إحاطةُ علمِ اللهِ _تعالى_ بخفيات الأشياء, وخواطر النفوس. 26/275
أغراض هذه السورة: احتوت على تحقيقِ وقوع البعث والجزاء.
وإبطالِ مزاعمِ المكذبين به وبرسالةِ محمد "ورمْيِهِمْ بأنهم يقولون بغير تَثَبُّت.
ووعيدِهم بعذاب يفتنهم.
وَوَعْدِ المؤمنين بنعيم الخلد, وذِكْرِ ما استحقوا به تلك الدرجة من الإيمان والإحسان.
ثم الاستدلالِ على وحدانية الله, والاستدلالِ على إمكان البعث, وعلى أنه واقعٌ لا محالةَ بما في بعض المخلوقات التي يشاهدونها, ويحسون بها دالة على سعة قدرة الله _تعالى_ وحكمته على ما هو أعظمُ من إعادة خلق الإنسان بعد فنائه, وعلى أنه لم يخلق إلا لجزائه.
والتعريضِ بالإنذارِ بما حاق بالأمم التي كذبت رسل الله، وبيانِ الشبهِ التام بينهم وبين أولئك.
وتلقينِ هؤلاء المكذبين الرجوعَ إلى الله, وتصديقَ النبي"ونبذَ الشرك.
ومعذرةِ الرسول"مِنْ تَبِعَةِ إعراضهم, والتسجيلِ عليهم بكفران نعمة الخلق والرزق.
ووعيدِهم على ذلك بمثل ما حلَّ بأمثالهم. 26/335_336(1/62)
أغراض هذه السورة: أولُ أغراضِ هذه السورةِ التهديدُ بتحقيقِ وقوعِ العذاب يوم القيامة للمشركين المكذبين بالنبي " فيما جاء به من إثبات البعث وبالقرآنِ المتضمن ذلك فقالوا: هو سحر.
ومقابَلةُ وعيدِهم بَوعْدِ المتقين المؤمنين, وصفةِ نعيمهم, ووصفِ تَذَكُّرهم؛ خشيةً، وثنائهم على الله بما مَنَّ عليهم، فانتقل إلى تسلية النبي"وإبطال أقوالهم فيه وانتظارهم موتَه.
وتحديهم بأنهم عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن.
وإبطالُ خليطٍ مِنْ تكاذيبهم بإعادة الخلق، وببعثه رسولٍ ليس من كبرائهم, وبكون الملائكة بناتِ الله, وإبطالُ تعدُّدِ الآلهة, وذكرُ استهزائهم بالوعيد.
وأمرُ النبي"بتركهم, وأن لا يحزن لذلك؛ فإن الوعيدَ حالٌّ بهم في الدنيا ثم في الآخرة, وأمرُه بالصبر، ووعدُه بالتأييد، وأمرُه بشكر ربه في جميع الأوقات. 27/36
أغراض هذه السورة: أولُ أغراضها تحقيقُ أن الرسولَ " صادقٌ فيما يبلِّغه عن الله _تعالى_ وأنه منزهٌ عما ادعوه.
وإثباتُ أن القرآنَ وحيٌ من عند الله بواسطة جبريل.
وتقريبُ صفةِ نزولِ جبريلَ بالوحي في حالين زيادةً في تقريرِ أنه وحيٌ من الله واقعٌ لا محالة.
وإبطالُ إلهيةِ أصنام المشركين, وإبطالُ قولِهم في اللات والعزى ومناة بنات الله, وأنها أوهامٌ لا حقائقَ لها, وتنظيرُ قولِهم فيها بقولهم في الملائكة أنهم إناثٌ.
وذكرُ جزاءِ المُعرضين والمهتدين, وتحذيرُهم من القول في هذه الأمور بالظن دون حجة.
وإبطالُ قياسهم عالمَ الغيبِ على عالم الشهادة, وأن ذلك ضلالٌ في الرأي قد جاءهم بضده الهدى من الله.
وذُكِرَ لذلك مثالٌ مِنْ قصة الوليد بن المغيرة، أو قصة ابن أبي سرح.
وإثباتُ البعث والجزاء.
وتذكيرُهم بما حلَّ بالأمم ذاتِ الشرك مِنْ قَبْلِهم, وبمن جاء قبل محمد"من الرسلِ أهلِ الشرائع.
وإنذارُهم بحادثة تَحُلُّ بهم قريباً.(1/63)
وما تخلل ذلك من مُعْتَرضَات ومُسْتَطْردات لمناسبات ذكرهم عن أن يتركوا أنفسهم(1)، وأن القرآن حوى كتب الأنبياء السابقين. 27/88_89
أغراض هذه السورة: تسجيلُ مكابرةِ المشركين في الآيات البينة، وأمرُ النبي"بالإعراض عن مكابرتهم.
وإنذارُهم باقتراب القيامة, وبما يلقونه حين البعث من الشدائد.
وتذكيرُهم بما لَقِيَتْهُ الأممُ أمثالُهم من عذاب الدنيا؛ لتكذيبهم رسلَ الله, وأنهم سيلقون مثلَ ما لقي أولئك؛ إذ ليسوا خيراً من كفار الأمم الماضية.
وإنذارُهم بقتال يُهزمون فيه، ثم لهم عذابُ الآخرة وهو أشد.
وإعلامُهم بإحاطة الله علماً بأفعالهم, وأنه مجازيهم شرَّ الجزاء, ومجازِ المتقين خير الجزاء, وإثباتُ البعث، وَوَصْفُ بعض أحواله.
وفي خلال ذلك تكريرُ التنويهِ بهدي القرآن وحكمته. 27/166
أغراض هذه السورة: ابتدئت بالتنويه بالقرآن قال في الكشاف: =أراد الله أن يقدم في عدد آلائه أول شيء ما هو أسبق قِدَماً من ضروب آلائه، وأصناف نعمائه وهي نعمة الدين؛ فقدم من نعمة الدين ما هو أعلى مراتبها, وأقصى مراقبها, وهو إنعامه بالقرآن, وتنزيله, وتعليمه، وأَخَّر ذكر خلق الإنسان عن ذكره, ثم أتبعه إياه, ثم ذكر ما تميز به من سائر الحيوان من البيان+ ا هـ.
وتبع ذلك من التنويه بالنبي"بأن اللهَ هو الذي علمه القرآن؛ رداً على مزاعم المشركين الذين يقولون [إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ] ورداً على مزاعمهم أن القرآن أساطير الأولين, أو أنه سحر, أو كلام كاهن أو شعر.
ثم التذكيرُ بدلائلِ قدرة الله _تعالى_ في ما أتقن صنعه مُدْمَجاً في ذلك التذكيرُ بما في ذلك كله من نعمٍ على الناس.
وخلقُ الجن, وإثباتُ جزائهم.
والموعظةُ بالفناء, وتَخلّص من ذلك إلى التذكير بيوم الحشر والجزاء، وختمت بتعظيم الله والثناء عليه.
__________
(1) _ هكذا في الأصل، ولعل فيه خطأً مطبعيَّاً، ولعل الصواب: ولمناسبات ذكَّرهم فيها أن يزكوا أنفسهم.(1/64)
وتخلل ذلك إدماجُ التنويهِ بشأن العدل، والأمرُ بتوفية أصحابِ الحقوق حقوقَهم، وحاجةُ الناس إلى رحمةِ الله فيما خَلَق لهم، ومن أهمِّها نعمةُ العلم ونعمةُ البيان، وما أَعَّد من الجزاء للمجرمين, ومن الثواب والكرامة للمتقين, ووصفُ نعيم المتقين.
ومن بديع أسلوبها افتتاحها الباهر باسمه [الرَّحْمَن] وهي السورة الوحيدة المفتتحة باسم من أسماء الله لم يتقدَّمْه غيره.
ومنه التعدادُ في مقام الامتنان, والتعظيم بقوله [فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ] إذ تكرر فيها إحدى وثلاثين مرة, وذلك أسلوب عربي جليل كما سنبينه. 27/229
أغراض هذه السورة: التذكيرُ بيوم القيامة, وتحقيقُ وقوعه.
ووصفُ ما يعرض لهذا(1) العالمِ الأَرضيِّ عند ساعة القيامة.
ثم صفةُ أهلِ الجنةِ وبعضِ نعيمهم.
وصفةُ أهل النار وما هم فيه من العذاب وأن ذلك لتكذيبهم بالبعث.
وإثباتُ الحشرِ والجزاءِ, والاستدلالُ على إمكان الخلق الثاني بما أبدعه الله من الموجودات بعد أن لم تكن.
والاستدلالُ بدلائل قدرة الله _تعالى_ والاستدلالُ بنزع اللهِ الأرواحَ من الأجساد والناسُ كارهون لا يستطيع أحدٌ مَنْعَها من الخروج على أن الذي قَدِرَ على نزعها بدون مُدافِعٍ قادرٌ على إرجاعها متى أراد أن يميتهم.
وتأكيدُ أن القرآن مُنَزَّل من عند الله, وأنه نعمةٌ أنعم الله بها عليهم, فلم يشكروها, وكذبوا بما فيه. 27/280
أغراضها: الأغراضُ التي اشتملت عليها هذه السورة: التذكيرُ بجلال الله _تعالى_ وصفاتِه العظيمة، وسعةِ قدرته وملكوته، وعمومِ تصرفه، ووجوبِ وجوده، وسعةِ علمه، والأمرُ بالإيمان بوجوده، وبما جاء به رسوله"، وما أنزل عليه من الآيات البينات.
والتنبيهُ لما في القرآن من الهُدى وسبيلِ النجاة، والتذكيرُ برحمة الله ورأفته بخلقه.
__________
(1) _ لعل ما أُثبت هو الصواب، وفي الأصل: وهذا.(1/65)
والتحريضُ على الإنفاق في سبيل الله، وأن المالَ عرضٌ زائل لا يبقى منه لصاحبه إلا ثوابُ ما أنفق منه في مرضاة الله.
والتخلصُ إلى ما أعدَّ اللهُ للمؤمنين والمؤمنات يوم القيامة من خير, وضِدِّ ذلك للمنافقين والمنافقات.
وتحذيرُ المسلمين من الوقوع في مهواة قساوة القلوب التي وقع فيها أهلُ الكتابِ مِنْ قَبْلِهم من إهمالِ ما جاءهم مِنَ الهدى حتى قست قلوبُهم وجرَّ ذلك إلى الفسوق كثيراً منهم.
والتذكيرُ بالبعث, والدعوةِ إلى قلة الاكتراث بالحياة الفانية, والأمرُ بالصبر على النوائب, والتنويهُ بحكمة إرسال الرسلِ والكتبِ؛ لإقامة أمور الناس على العدل العام.
والإيماءُ إلى فضل الجهاد في سبيل الله.
وتنظيرُ رسالةِ محمد"برسالة نوح وإبراهيم _ عليهما السلام _ على أن في ذريتهما مهتدين وفاسقين, وأن اللهَ أَتْبَعَهُما برسلٍ آخرين منهم عيسى _ عليه السلام _ الذي كان آخرَ رسولٍ أُرْسِلَ بشرع قبل الإسلام، وأن أتباعَه كانوا على سُنَّةِ مَنْ سبقهم: منهم مؤمن، ومنهم كافر.
ثم أهاب بالمسلمين أن يُخْلِصوا الإيمانَ؛ تعريضاً بالمنافقين, وَوَعَدَهم بحسن العاقبة, وأن الله فضَّلهم على الأمم؛ لأن الفضل بيده يؤتيه من يشاء. 27/355_356
أغراض هاته السورة: الحكمُ في قضيةِ مُظَاهَرَةِ أوسِ بنِ الصامتِ من زوجِهِ خولة.
وإبطالُ ما كان في الجاهلية من تحريم المرأةِ إذا ظاهر منها زوجُها, وأن عَمَلَهم مخالفٌ لما أراده الله, وأنه من أوهامهم وزورهم التي كبتهم الله بإبطالها, وتَخَلَّص من ذلك إلى ضلالات المنافقين ومنها مناجاتهم بمرأى المؤمنين؛ ليغيظوهم ويحزنوهم.
ومنها موالاتُهم اليهودَ, وحَلِفُهم على الكذب.
وتخلل ذلك التعرضُ لآداب مجلس الرسول " وشرعُ التصدقِ قبلَ مناجاةِ الرسول"والثناءُ على المؤمنين في مجافاتهم اليهودَ والمشركين, وأن اللهَ ورسولَه وحزبَهما هم الغالبون. 28/6(1/66)
أغراض هذه السورة: وقع الاتفاق على أنها نزلت في شأن بني النضير، ولم يُعَيِّنوا ما هو الغرضُ الذي نزلت فيه, ويظهر أن المقْصِدَ منها حكمُ أموالِ بني النضير بعد الانتصار عليهم _كما سنبينه في تفسير الآية الأولى منها_.
وقد اشتملت على أن ما في السماوات وما في الأرض دالٌّ على تنزيه الله، وكونِ ما في السماوات والأرض مُلْكَهُ، وأنه الغالبُ المدبر.
وعلى ذكرِ نِعْمَةِ اللهِ على ما يَسَّرَ من إجلاء بني النضير مع ما كانوا عليه من المَنَعةِ والحصون والعدة، وتلك آيةٌ من آيات تأييدِ رسول الله"وغلبته على أعدائه.
وذكرُ ما أجراه المسلمون من إتلافِ أموالِ بني النَّضير, وأحكامُ ذلك في أموالهم, وتَعْيِيْن مستحقيه من المسلمين.
وتعظيمُ شأنِ المهاجرين والأنصارِ والذين يجيئُون بعدَهم من المؤمنين.
وكشفُ دخائلِ المنافقين ومواعيدِهم لبني النضير أن ينصروهم, وكيف كذبوا وعدهم, وأنحى على بني النضير والمنافقين بالجبن وتفرُّق الكلمةِ، وتنظير حال تغرير المنافقين لليهود بتغرير الشيطان للذين يكفرون بالله، وتَنَصُّلِه من ذلك يوم القيامة؛ فكان عاقبةُ الجميعِ الخلودَ في النار.
ثم خطابُ المؤمنين بالأمر بالتقوى, والحذرِ من أحوال أصحابِ النار, والتذكيرُ بتفاوت حال الفريقين.
وبيانُ عظمةِ القرآن، وجلالتِه، واقتضائه خشوعَ أهلِه.
وتخلل ذلك إيماءٌ إلى حكمةِ شرائعِ انتقالِ الأموال بين المسلمين بالوجوه التي نظَّمها الإسلام بحيث لا تَشُقُّ على أصحاب الأموال.
والأمرُ باتباع ما يشرعه الله على لسان رسوله".
وخُتِمَتْ بصفاتٍ عظيمة من الصفات الإلهية, وأنه يسبح له ما في السماوات والأرض؛ تزكيةً لحال المؤمنين, وتعريضاً بالكافرين. 28/63_64
أغراض هذه السورة: اشتملت من الأغراض على تحذيرِ المؤمنين من اتخاذ المشركين أولياءَ مع أنهم كفروا بالدين الحق, وأخروجهم من بلادهم.(1/67)
وإعلامِهم بأن اتخاذَهم أولياءَ ضلالٌ, وأنهم لو تمكنوا من المؤمنين لأساؤوا إليهم بالفعل والقول، وأن ما بينهم وبين المشركين من أواصر القرابة لا يُعْتَدُّ به تُجاهَ العداوة في الدين، وضربَ لهم مثلاً في ذلك قطيعةَ إبراهيمَ لأبيه وقومِه.
وأردف ذلك باستئناسِ المؤمنين برجاءِ أن تَحْصُلَ مودةٌ بينهم وبين الذين أمرهم اللهُ بمعاداتهم أي هذه معاداة غير دائمة.
وأردف بالرخصة في حسن معاملة الكفرة الذين لم يقاتلوا المسلمين قتالَ عداوةٍ في دين, ولا أخرجوهم من ديارهم.
وهذه الأحكامُ إلى نهاية الآية التاسعة.
وحكمُ المؤمناتِ اللاءِ يأتين مهاجراتٍ, واختبارُ صدقِ إيمانهن, وأن يُحْفظن من الرجوع إلى دار الشرك, ويُعَوَّضُ أزواجُهن المشركون ما أعطوهن من المهور, ويقع الترادُّ كذلك مع المشركين.
ومبايعةُ المؤمنات المهاجرات؛ لِيُعْرَفَ التزامُهن لأحكام الشريعة الإسلامية، وهي الآية الثانية عشرة.
وتحريمُ تزوِّجِ المسلمينِ المشركاتِ وهذا في الآيتين العاشرة والحادية عشرة.
والنهي عن موالاة اليهود وأنهم أشبهوا المشركين وهي الآية الثالثة عشرة. 28/131_132
أغراضها: أولُ أغراضِها التحذيرُ من إخلافِ الوعدِ والالتزام بواجبات الدين.
والتحريضُ على الجهاد في سبيل الله والثباتُ فيه، وصدقُ الإيمانِ، والثباتُ في نصرة الدين، والائتساءُ بالصادقين مثل الحواريين.
والتحذيرُ من أذى الرسول"تعريضاً باليهود مثل كعب بن الأشرف.
وَضْربُ المثل لذلك بفعل اليهود مع موسى وعيسى _ عليهما السلام _.
والتعريضُ بالمنافقين.
والوعدُ على إخلاص الإيمانِ والجهادِ بحسن مثوبة الآخرة والنصر والفتح. 28/173
أغراضُها: أولُ أغراضِها ما نزلت لأجله وهو التحذيرُ من التخلفِ عن صلاة الجمعة, والأمرُ بتركِ ما يشغلُ عنها في وقت أدائها.
وقُدِّم لذلك: التنويهُ بجلال الله _تعالى_ والتنويهُ بالرسول"وأنه رسول إلى العرب ومن سيلحق بهم، وأن رسالته لهم فضلٌ من الله.(1/68)
وفي هذا توطئةٌ لذمِّ اليهود؛ لأنهم حسدوا المسلمين على تشريفهم بهذا الدين.
ومن جملة ما حسدوهم عليه ونقموه أن جُعِل يومُ الجمعة اليومَ الفاضل في الأسبوع بعد أن كان يوم السبت, وهو المعروف في تلك البلاد.
وإبطالُ زعمهم أنهم أولياء الله.
وتوبيخُ قومٍ انصرفوا عنها؛ لمجيء عِيْرِ تجارةٍ من الشام. 28/205_206
أغراضُها: فضحُ أحوالِ المنافقين بعد كثير من دخائلهم وتولُّد بعضها عن بعض من كذب، وخَيْسٍ بِعَهْد الله، واضطرابٍ في العقيدة، ومن سفالةِ نفوسٍ في أجسام تَغُرُّ وتعجب، ومن تصميمٍ على الإعراض عن طلب الحق والهدى، وعلى صدِّ الناس عنه.
وكان كل قسم من آيات السورة المفتتح بـ(إذا) خص بغرض من هذه الأغراض؛ وقد علمت أن ذلك جرت إليه الإشارة إلى تكذيب عبد الله بن أُبَي ابن سلول فيما حلف عليه من التنصل مما قاله.
وخُتِمَت بموعظة المؤمنين وحثِّهم على الإنفاق والادخار للآخرة قبل حلول الأجل. 28/233
أغراضُها: واشتملت هذه السورةُ على التذكير بأن من في السماء ومن في الأرض يسبحون لله، أي ينزهونه عن النقائص تسبيحاً متجدداً.
وأن الملكَ لله وحده؛ فهو الحقيقُ بإفراده بالحمد؛ لأنه خالق الناس كلِّهم, فآمن بوحدانيته ناسٌ, وكفر ناسٌ ولم يشكروا نعمه؛ إذ خلقهم في أحسن صورة, وتحذيرُهم من إنكار رسالة محمد".
وإنذارُهم على ذلك؛ ليعتبروا بما حل بالأمم الذين كذبوا رسلَهم، وجحدوا بَيِّناتهم؛ تكبراً أن يهتدوا بإرشاد بشرٍ مثلِهم.
والإعلامُ بأن اللهَ عليمٌ بالظاهر والخفي في السماوات والأرض؛ فلا يجري أمر في العالم إلا على ما اقتضته حكمته.
وأنحى عليهم إنكارَ البعث, وبيَّن لهم عدمَ استحالَتِه, وهدَّدهم بأنهم يَلْقَون حين يبعثون جزاءَ أعمالهم, فإن أرادوا النجاة فليؤمنوا بالله وحده, وليصدقوا رسولَه"والكتابَ الذي جاء به, ويؤمنوا بالبعث, فإنهم إن آمنوا كُفِّرت عنهم سيئاتُهم, وإلا فجزاؤهم النار خالدين فيها.(1/69)
ثم تثبيتُ المؤمنين على ما يلاقونه من ضرِّ أهل الكفر بهم؛ فليتوكلوا على الله في أمورهم.
وتحذيرُ المؤمنين من بعض قرابتهم الذين تغلغل الإشراك في نفوسهم؛ تحذيراً من أن يثبطوهم عن الإيمان والهجرة.
وعَرَّض لهم بالصبر على أموالهم التي صادرها المشركون.
وأمرَهم بإنفاق المال في وجوه الخير التي يُرْضون بها ربَّهم, وبتقوى الله والسمعِ له والطاعة. 28/259
أغراضُها: الغرضُ من آيات هذه السورة تحديدُ أحكامِ الطلاق, وما يَعْقُبُه من العِدَّة والإرضاع والإنفاق والإسكان؛ تتميماً للأحكام المذكورة في سورة البقرة.
والإيماءُ إلى حكمةِ شرعِ العِدَّة, والنهيُ عن الإضرار بالمطلقاتِ والتضييِق عليهن.
والإشهادُ على التطليقِ, وعلى المراجعة, وإرضاعُ المطلَّقة ابنَها بأجرٍ على الله.
والأمرُ بالائتمار, والتشاور بين الأبوين في شأن أولادهما.
وتخلل ذلك الأمرُ بالمحافظة الوعد بأن الله يؤيد من يتقي الله, ويتبع حدوده، ويجعل له من أمره يسراً، ويُكَفِّر عنه سيئاته.
وأن الله وضع لكل شيء حُكْمَهَ لا يعجزه تنفيذُ أحكامه.
وأعقب ذلك بالموعظة بحال الأمم الذين عتوا عن أمر الله ورسله, وهو حثٌّ للمسلمين على العمل بما أمرهم به الله ورسوله"لئلا يَحِقَّ عليهم وصفُ العتو عن الأمر.
وتشريفُ وحيِ اللهِ _تعالى_ بأنه منزلٌ من السماوات وصادرٌ عن علم الله وقدرته _تعالى_. 28/293_294
أغراضُ هذه السورةِ: ما تضمنه سبب نزولها أن أحداً لا يُحَرِّم على نفسه ما أحل الله له لإرضاء أحد؛ إذ ليس ذلك بمصلحة له ولا للذي يسترضيه؛ فلا ينبغي أن يُجْعل كالنذر؛ إذ لا قُرْبَةَ فيه, وما هو بطلاق؛ لأن التي حرمها جاريةٌ ليست بزوجة؛ فإنما صلاحُ كلِّ جانبٍ فيما يعود بنفع على نفسه أو ينفع به غيره نفعاً مرضياً عند الله, وتنبيهُ نساء النبي"إلى أن غيرة الله على نبيه أعظم من غيرتهن عليه، وأسمى مقصداً.
وأن الله يُطْلِعُه على ما يخصه من الحادثات.(1/70)
وأنَّ مَنْ حلف على يمين فرأى حِنْثَها خيراً من بِرِّها أن يُكَفِّر عنها, ويفعل الذي هو خير.
وقد ورد التصريح بذلك في حديث وفد عبد القيس عن رواية أبي موسى الأشعري، وتقدم في سورة براءة.
وتعليمُ الأزواج أن لا يكثرن من مضايقة أزواجهن؛ فإنها ربما أدت إلى الملال، فالكراهية، فالفراق.
وموعظةُ الناس بتربية بعض الأهل بعضاً، ووعظِ بعضِهِمْ بعضاً.
وأتبع ذلك بوصفِ عذابِ الآخرةِ ونعيمِها وما يفضي إلى كليهما من أعمال الناس صالحاتِها وسيئاتِها.
وذيَّل ذلك بضرب مثلين من صالحات النساء, وضدُّهن لما في ذلك من العظمة لنساء المؤمنين ولأمهاتهم. 28/345
أغراضُ السورة: والأغراضُ التي في هذه السورة جاريةٌ على سنن الأغراض في السور المكية.
ابتدأت بتعريف المؤمنين معانيَ من العلم بعظمة الله _تعالى_ وتفرده بالمُلْكِ الحقِّ, والنظرِ في إتقان صنعه الدال على تفرده بالإلهية؛ فبذلك يكون في تلك الآيات حظٌّ لِعِظَةِ المشركين.
ومن ذلك التذكيرُ بأنه أقام نظامَ الموتِ والحياة؛ لتظهر في الحالين مجاريْ أعمالِ العِبَاد في ميادينِ السبق إلى أحسنِ الأعمال ونتائجِ مجاريها, وأنه الذي يجازي عليها.
وانفرادُه بخلق العوالم العليا خلقاً بالغاً غايةَ الإتقان فيما تراد له.
وأتبعه بالأمرِ بالنظر في ذلك, وبالإرشاد إلى دلائله الإجمالية, وتلك دلائل على انفراده بالإلهية مُتَخَلِّصاً من ذلك إلى تحذير الناس من كيد الشياطين، والارتباقِ معهم في ربقة عذاب جهنم, وأن في اتباع الرسول"نجاةً من ذلك, وفي تكذيبه الخسرانَ، وتنبيهُ المعاندين للرسول"إلى علم الله بما يحوكونه للرسول ظاهراً وخُفْيَةً بأن علمَ اللهِ محيطٌ بمخلوقاته.
والتذكيرُ بِمِنَّةِ خلقِ العالم الأرضي، ودقَّةِ نظامه، وملاءمته لحياة الناس، وفيها سعيُهم ومنها رزقهم.
والموعظةُ بأن اللهَ قادرٌ على إفساد ذلك النظام, فيصبح الناس في كرب وعناء؛ ليتذكروا قيمةَ النعم بتصور زوالها.(1/71)
وضَربَ لهم مثلاً في لطفه _تعالى_ بهم بلطفه بالطير في طيرانها.
وأيَّسهم من التوكل على نصرة الأصنام، أو على أن ترزقهم رزقاً.
وفظَّع لهم حالةَ الضلال التي ورَّطوا أنفسهم فيها.
ثم وبَّخ المشركين على كفرهم نعمةَ اللهِ _تعالى_ وعلى وقاحتهم في الاستخفاف بوعيده, وأنه وشيكُ الوقوعِ بهم.
ووبَّخهم على استعجالهم موت النبي"ليستريحوا من دعوته.
وأوعدهم بأنهم سيعلمون ضلالهم حين لا ينفعهم العلم، وأنذرهم بما قد يحل بهم من قحط وغيره.29/7_8
أغراضُها: جاء في هذه السورة الإيماءُ بالحرف الذي في أولها إلى تحدي المعاندين بالتعجيز عن الإتيان بمثل سور القرآن وهذا أول التحدي الواقع في القرآن؛ إذ ليس في سورة العلق, ولا في المزمل, ولا في المدثر إشارةٌ إلى التحدي ولا تصريح.
وفيها إشارةٌ إلى التحدي بمعجزة الأمية بقوله [وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ].
وابتدئت بخطاب النبي"تأنيساً له، وتسليةً عما لقيه من أذى المشركين.
وإبطالُ مطاعن المشركين في النبي".
وإثباتُ كمالاته في الدنيا والآخرة وهديه, وضلال معانديه, وتثبيته.
وأُكَّد ذلك بالقسم بما هو من مظاهر حكمة الله _تعالى_ في تعليم الإنسان الكتابة؛ فَتَضَمَّن تشريفَ حروفِ الهجاء والكتابة, والعلم؛ لتهيئة الأمة لخلع دثارِ الأمية عنهم, وإقبالِهم على الكتابة والعلم؛ لتكون الكتابةُ والعلمُ سبباً لحفظ القرآن.
ثم أنحى على زعماء المشركين مثل أبي جهل والوليد بن المغيرة بمذَمَّات كثيرة, وتوعدهم بعذاب الآخرة, وببلايا في الدنيا بأنْ ضَرَبَ لهم مثلاً بمن غَرَّهُمْ عِزُّهُمْ وثراؤهم؛ فأزال الله ذلك عنهم, وأباد نعمتهم.
وقابل ذلك بحال المؤمنين المتقين, وأن اللهَ اجتباهم بالإسلام، وأن آلهتهم لا يغنون عنهم شيئاً من العذاب في الدنيا ولا في الآخرة.(1/72)
ووعظهم بأن ما هم فيه من النعمة استدراجٌ وإملاءٌ؛ جزاءَ كيدهم, وأنهم لا معذرة لهم فيما قابلوا به دعوة النبي"من طغيانهم, ولا حرج عليهم في الإنصات إليها.
وأَمَرَ رسولَه "بالصبر في تبليغ الدعوة, وتلقيْ أذى قومِه، وأن لا يضجر في ذلك ضجراً عاتب الله عليه نبيه يونس _ عليه السلام _.29/58_59
أغراضُها:اشتملت هذه السورةُ على تهويلِ يومِ القيامةِ, وتهديدِ المكذبين بوقوعه, وتذكيرِهم بما حل بالأمم التي كذبت به من عذاب في الدنيا ثم عذاب الآخرة, وتهديدِ المكذبين لرسل الله _تعالى_ بالأمم التي أشركت وكذبت.
وأُدْمج في ذلك أن الله نجى المؤمنين من العذاب، وفي ذلك تذكيرٌ بنعمة الله على البشر؛ إذ أبقى نوعَهم بالإنجاء من الطوفان.
ووصفُ أهوالٍ من الجزاء, وتفاوتُ الناسِ يومئذ فيه، ووصفُ فظاعةِ حالِ العقاب على الكفر, وعلى نبذ شريعة الإسلام، والتنويه بالقرآن.
وتنزيهُ الرسول"وعن أن يكون غير رسول, وتنزيهُ الله _تعالى_ عن أن يقر من يَتَقَّول عليه, وتثبيت الرسول"وإنذارُ المشركين بتحقيق الوعيد الذي في القرآن.29/111
أغراضها:حوت من الأغراض تهديدَ الكافرين بعذاب يوم القيامة، وإثباتَ ذلك اليوم, ووصفَ أهواله, ووصفَ شيءٍ من جلالِ الله فيه، وتهويلَ دارِ العذابِ وهي جهنمُ, وذِكْرَ أسبابِ استحقاق عذابها, ومقابلةَ ذلك بأعمال المؤمنين التي أوجبت لهم دارَ الكرامةِ, وهي أضدادُ صفاتِ الكافرين, وتثبيتَ النبي", وتسليتهُ على ما يلقاه من المشركين, ووصفَ كثيرٍ من خصال المسلمين التي بثها الإسلام فيهم، وتحذيرَ المشركين من استئصالهم وتبديلهم بخير منهم.29/153
أغراضها: أعظمُ مقاصدِ السورةِ ضَرْبُ المثلِ للمشركين بقوم نوحٍ وهم أول المشركين الذين سلط عليهم عقاب في الدنيا، وهو أعظمُ عقابٍ أعني الطوفان, وفي ذلك تمثيلٌ لحال النبي"مع قومه بحالهم.(1/73)
وفيها تفصيلٌ كثيرٌ من دعوة نوح _ عليه السلام _ إلى توحيد الله ونبذِ عبادة الأصنام, وإنذارِه قومَهُ بعذاب أليم, واستدلاِله لهم ببدائع صنع الله _تعالى_ وتذكيرِهم بيوم البعث, وتصميمِ قومه على عصيانه، وعلى تصلُّبهم في شركهم, وتسميةِ الأصنامِ التي كانوا يعبدونها, ودعوةِ نوحٍ على قومه بالاستئصال.
وأشارت إلى الطوفانِ, ودعاءِ نوحٍ بالمغفرة له وللمؤمنين، وبالتبار للكافرين كلهم.
وتخلل ذلك إدماجُ وعدِ المطيعين بسعةِ الأرزاق, وإكثارِ النسل, ونعيمِ الجنة.29/185_186
أغراضها: إثباتُ كرامةٍ للنبي"بأنَّ دعوتَه بلغت إلى جنس الجن وإفهامهم فَهْمَ معانٍ من القرآن الذي استمعوا للنبي"وفهمَ ما يدعو إليه من التوحيد والهدى، وعلمهم بعظمة الله، وتنزيهه عن الشريك، والصاحبة، والولد.
وإبطالُ عبادةِ ما يُعْبَدُ من الجن, وإبطالُ الكهانة وبلوغِ علم الغيب إلى غير الرسل الذين يُطْلِعُهم اللهُ على ما يشاء.
وإثباتُ أنَّ لله خلقاً يُدْعَون الجنَّ, وأنهم أصنافٌ منهم الصالحون ومنهم دون ذلك بمراتب، وتضليلُ الذين يتقوَّلون على الله ما لم يَقُلْه، والذين يعبدون الجن، والذين ينكرون البعثَ، وأن الجنَّ لا يُفْلِتُون من سلطان الله _تعالى_.
وتَعَجُّبُهم من الإصابة برجوم الشهب المانعة من استراق السمع، وفي المراد من هذا المنعِ، والتخلصُ من ذلك إلى ما أوحى الله إلى رسوله"في شأن(1) القحط الذي أصاب المشركين؛ لشركهم ولمنعهم مساجدَ الله، وإنذارِهم بأنهم سيندمون على تألُّبِهم على النبي"ومحاولتِهم منه العدولَ عن الطعنِ في دينهم.29/217
أغراضُها: الإشعارُ بملاطفة الله _تعالى_ رسولَه " بندائه بوصفه بصفة تزمُّلِه.
واشتملت على الأمرِ بقيام النبي"غالبَ الليل, والثناءِ على طائفة من المؤمنين حملوا أنفسهم على قيام الليل.
وعلى تثبيت النبي"بتحَمُّل إبلاغ الوحي.
__________
(1) _ في الأصل: =من في شأن ...+ ولعل الصواب: ما أُثبت.(1/74)
والأمرُ بإدامةِ إقامة الصلاة, وأداءِ الزكاة, وإعطاءِ الصدقات.
وأمرُه بالتَّمَحُّضِ للقيام بما أمره اللهُ من التبليغِ, وبأن يتوكل عليه.
وأمرُه بالإعراضِ عن تكذيب المشركين.
وتَكَفُّلُ اللهِ له بالنصر عليهم, وأن جزاءَهم بيد الله.
والوعيدُ لهم بعذاب الآخرة.
ووعظُهم مما حل بقوم فرعونَ لما كذبوا رسول الله إليهم.
وذِكْرُ يومِ القيامة, وَوَصْفُ أهواله.
ونسخُ قيَام معظم الليل بالاكتفاء بقيام بعضه؛ رعياً للأعذار الملازمة.
والوعدُ بالجزاءِ العظيم على أفعال الخيرات, والمبادرةُ بالتوبة, وأدمج في ذلك أدبُ قراءةِ القرآنِ وتدبرِه.
وأن أعمالَ النهارِ لا يغني عنها قيامُ الليل.
وفي هذه السورة مواضعُ عويصةٌ, وأساليبُ غامضةٌ؛ فعليك بتدبرها. 29/254_255
أغراضها: جاء فيها من الأغراض تكريمُ النبي"والأمرُ بإبلاغ دعوة الرسالة، وإعلانُ وحدانيةِ الله بالإلهية, والأمرُ بالتطهر الحسيِّ والمعنوي, ونبذِ الأصنامِ, والإكثارِ من الصدقات, والأمرُ بالصبرِ, وإنذارُ المشركين بهول البعث, وتهديدُ مَنْ تصدى للطعن في القرآن, وزَعَم أنه قول البشر, وكُفْرُ الطاعنِ نعمةَ اللهِ عليه؛ فأقدم على الطعن في آياته مع عِلْمِهِ بأنها حقٌّ.
ووصُف أهوالِ جهنمَ, والردُّ على المشركين الذين استخفوا بها, وزعموا قلةَ عَددِ حَفَظَتِها, وتحدي أهلِ الكتاب بأنهم جهلوا عَدَدَ حفظتِها, وتأييسُهُمْ من التخلص من العذاب, وتمثيلُ ضلالهم في الدنيا, ومقابلةُ حالهم بحال المؤمنين أهل الصلاة والزكاة والتصديق بيوم الجزاء.29/293
أغراضها: اشتملت على إثباتِ البعثِ, والتذكيرِ بيوم القيامة وذكرِ أشراطه, وإثباتِ الجزاء على الأعمالِ التي عملها الناس في الدنيا, واختلافِ أحوال أهل السعادة وأهل الشقاء وتكريم أهل السعادة, والتذكيرِ بالموت وأنه أولُ مراحلِ الآخرةِ, والزجرِ عن إيثار منافعِ الحياةِ العاجلةِ على ما أعدَّ لأهل الخير من نعيم الآخرة.(1/75)
وفي تفسيرِ ابنِ عطيةَ عن عمرَ بنِ الخطابِ ولم يسنده: أنه قال: =من سأل عن القيامة, أو أراد أن يعرف حقيقة وقوعها فليقرأ هذه السورة+.
وأُدمج فيها آيات [لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ] إلى [وَقُرْآنَهُ] لأنها نزلت في أثناء نزول هذه السورة. 29/337
أغراضها: التذكيرُ بأن كل إنسان كُوِّن بعد أن لم يكن, فكيف يَقْضي باستحالة إعادة تكوينه بعد عدمه.
وإثباتُ أن الإنسان محقوقٌ بإفراد الله بالعبادة؛ شكراً لخالقه؛ ومُحَذَّرٌ من الإشراك به.
وإثباتُ الجزاء على الحالين مع شيء من وصف ذلك الجزاء بحالتيه والإطناب في وصف جزاء الشاكرين.
وأُدمج في خلال ذلك الامتنانُ على الناس بنعمة الإيجاد ونعمة الإدراك, والامتنانُ بما أعطيه الإنسان من التمييز بين الخير والشر, وإرشاده إلى الخير بواسطة الرسل؛ فمن الناس من شكر نعمة الله ومنهم من كفرها, فعبد غيره.
وتثبيتُ النبي"على القيام بأعباء الرسالة, والصبر على ما يلحقه في ذلك، والتحذير من أن يلين للكافرين، والإشارة إلى أن الاصطفاء للرسالة نعمة عظيمة يستحق الله الشكر عليها بالاضطلاع بها(1) اصطفاه له، وبالإقبال على عبادته.
والأمر بالإقبال على ذكر الله والصلاة في أوقات من النهار.29/371
أغراضها: اشتملت على الاستدلال على وقوع البعث عَقِبَ فناء الدنيا, ووصفِ بعضِ أشراط ذلك, والاستدلالِ على إمكان إعادة الخلق بما سبق من خلق الإنسان وخلق الأرض, ووعيدِ منكريه بعذاب الآخرة, ووصفِ أهواله, والتعريضِ بعذابٍ لهم في الدنيا كما استُؤصلت أممٌ مكذِّبةٌ مِنْ قَبْلُ, ومقابلة ذلك بجزاء الكرامة للمؤمنين, وإعادةِ الدعوة إلى الإسلام والتصديقِ بالقرآن لظهور دلائله.29/419
__________
(1) _كأن في الكلام سِقْطاً, ولعل صوابه: = من اصطفاه ...+.(1/76)
أغراضها: اشتملت هذه السورة على وصفِ خوضِ المشركين في شأن القرآن وما جاء به مما يخالف معتقداتهم، ومن ذلك إثباتُ البعث، وسؤالُ بعضهم بعضاً عن الرأي في وقوعه مستهزئين بالإخبار عن وقوعه.
وتهدُيدهم على استهزائهم.
وفيها إقامةُ الحجةِ على إمكان البعثِ بخلق المخلوقات التي هي أعظم من خلق الإنسان بعد موته, وبالخلق الأول للإنسان وأحواله.
ووصفُ الأهوالِ الحاصلةِ عند البعث من عذاب الطاغين مع مقابلة ذلك بوصف نعيم المؤمنين.
وصفةُ يوم الحشر؛ إنذاراً للذين جحدوا به, والإيماءُ إلى أنهم يعاقبون بعذابٍ قريبٍ قبل عذابِ يومِ البعث.
وأدمج في ذلك أن علم الله _تعالى_ محيطٌ بكل شيء, ومن جملة الأشياء أعمالُ الناس. 30/6
أغراضها: اشتملت على إثباتِ البعث والجزاء، وإبطالِ إحالةِ المشركين وقوعَه, وتهويلِ يومِه, وما يعتري الناس حينئذ من الهول(1) وإبطالِ قول المشركين بتعذر الإحياء بعد انعدام الأجساد.
وعَرَّض بأن نُكْرَانَهم إياه مُنْبَعِثٌ عن طغيانهم؛ فكان الطغيان صاداً لهم عن الإصغاء إلى الإنذار بالجزاء, فأصبحوا آمنين في أنفسهم غير مترقبين حياةً بعد هذه الحياة الدنيا بأن جَعَلَ مَثَلَ طغيانِهم كطغيان فرعونَ وإعراضِه عن دعوة موسى _ عليه السلام _ وإن لهم في ذلك عبرةً، وتسليةً لرسول الله".
وانعطف الكلامُ إلى الاستدلال على إمكان البعث بأنَّ خَلْقَ العوالم, وتدبير نظامه أعظم من إعادة الخلق.
وأُدمج في ذلك إلْفاتٌ إلى ما في خلق السماوات والأرض من دلائل على عظيم قدرة الله _تعالى_.
وأُدمج فيه امتنانٌ في خلق هذا العالمِ من فوائدَ يَجْتنونها, وأنه إذا حل عالمُ الآخرة, وانقرض عالم الدنيا جاء الجزاءُ على الأعمالِ بالعقاب والثواب.
__________
(1) _ في الأصل: الوهل، ولعل الصواب ما أُثبت.(1/77)
وكُشِف عن شبهتهم في إحالة البعث باستبطائهم إياه, وجَعْلِهِمْ ذلك أمارةً على انتفائه؛ فلذلك يسألون الرسول"عن تعيين وقت الساعة سؤالَ تَعَنُّتٍ، وأن شأن الرسول أن يذكِّرهم بها, وليس شأنُه تعيينَ إبَّانها، وأنها يوشك أن تَحلَّ؛ فيعلمونها عياناً, وكأنهم مع طول الزمن لم يلبثوا إلا جزءاً من النهار. 30/59_60
أغراضُها: تعليمُ رسول الله"الموازنة بين مراتب المصالح, ووجوب الاستقراء لِخَفِيَّاتها؛ كي لا يُفْيتَ الاهتمامُ بالمهمِّ منها في بادئ الرأي مُهمّاً آخرَ مساوياً في الأهمية أو أرجح؛ ولذلك يقول علماء أصول الفقه: إن على المجتهد أن يبحث عن معارضِ الدليل الذي لاح له.
والإشارةُ إلى اختلافِ الحالِ بين المشركين المعرضين عن هدي الإسلام وبين المسلمين المقبلين على تَتَبُّع مواقعه.
وقُرِنَ ذلك بالتذكير بإكرام المؤمنين, وسموَّ درجتهم عند الله _تعالى_.
والثناءِ على القرآن وتعليمه لمن رغب في علمه.
وانْتُقِل من ذلك إلى وصف شِدَةِ الكفر من صناديد قريش بمكابرة الدعوة التي شغلت النبي"عن الالتفاتِ إلى رغبة ابن أُمِّ مكتوم.
والاستدلالُ على إثبات البعث وهو مما كان يدعوهم إليه حين حضورِ ابنِ أُمِّ مكتوم, وذلك كان من أعظم ما عُني به القرآن من حيث إن إنكارَ البعثِ هو الأصلُ الأصيلُ في تصميم المشركين على وجوب الإعراضِ عن دعوة القرآن؛ توهماً منهم بأنه يدعو إلى المحال؛ فاسْتَدَلَّ عليهم بالخَلْقِ الذي خلقه الإنسان، واستدل بعده بإخراج النبات والأشجار من أرض ميتة.
وأُعْقِبَ الاستدلالُ بالإنذار بحلول الساعة, والتحذيرِ من أهوالها, وبما يعقبها من ثواب المتقين وعقاب الجاحدين.
والتذكيرُ بنعمة الله على المنكرين عسى أن يشكروه.(1/78)
والتنويهُ بضعفاء المؤمنين, وعلوِّ قدرهم ووقوع الخير من نفوسهم, والخشية، وأنهم أعظم عند الله من أصحاب الغنى الذين فقدوا طهارة النفس، وأنهم أحرياء بالتحقير والذم، وأنهم أصحاب الكفر والفجور. 30/102
أغراضها: اشتملت على تحقيقِ الجزاءِ صريحاً, وعلى إثبات البعثِ, وابتُدىء بوصفِ الأهوالِ التي تتقدمه, وانْتُقل إلى وصفِ أهوالٍ تَقَعُ عَقِبَه.
وعلى التنويهِ بشأنِ القرآن الذي كذبوا به؛ لأنه أوعدهم بالبعث زيادةً لتحقيقِ وقوعِ البحث؛ إذ رموا النبيَّ"بالجنونِ, والقرآنَ بأنه يأتيه به شيطان. 30/139_140
أغراضها: واشتملت هذه السورةُ على: إثباتِ البعث، وذكرِ أهوالٍ تتقدمه.
وإيقاظُ المشركين للنظر في الأمور التي صرفتهم عن الاعتراف بتوحيد الله _تعالى_ وعن النظر في دلائلِ وقوعِ البعث والجزاء.
والإعلام بأن الأعمالَ محصاةٌ, وبيانُ جزاءِ الأعمال خيرِها وشرِّها.
وإنذار الناس بأن لا يحسبوا شيئاً ينجيهم من جزاء الله إياهم على سيِّئ أعمالهم. 30/169_170
أغراضها: اشتملت على التحذيرِ من التطفيف في الكيل والوزن وتفظيعه بأنه تَحَيُّلٌ على أكلِ مالِ الناس في حال المعاملة أخذاً وإعطاءاً.
وأن ذلك مما سيحاسبون عليه يوم القيامة.
وتهويلُ ذلك اليوم بأنه وقوفٌ عند ربهم؛ ليفصل بينهم, وليجازيهم على أعمالهم وأن الأعمال محصاة عند الله.
ووعيدُ الذين يكذبون بيوم الجزاء والذين يكذبون بأن القرآن منزل من عند الله.
وقوبل حالُهم بضدِّه مِنْ حالِ الأبرار أهل الإيمان, ورفعِ درجاتهم وإعلان كرامتهم بين الملائكة والمقربين, وذكر صور من نعيمهم.
وانتقل من ذلك إلى وصف حال الفريقين في هذا العالم الزائل؛ إذ كان المشركون يسخرون من المؤمنين, ويلمزونهم, ويستضعفونهم, وكيف انقلب الحالُ في العالم الأبدي. 30/188_189
أغراضها: ابتدئت بوصفِ أشراطِ الساعةِ، وحلولِ يومِ البعثِ، واختلاف أحوال الخلق يومئذ بين أهل نعيم وأهل شقاء. 30/217(1/79)
من أغراض هذه السورة: ابتدئت أغراضُ هذه السورةِ بضرب المثل للذين فتنوا المسلمين بمكةَ بأنهم مثلُ قوم فَتَنوا فريقاً ممن آمن بالله؛ فجعلوا أخدوداً من نار؛ لتعذيبهم؛ ليكون المثلُ تثبيتاً للمسلمين, وتصبيراً لهم على أذى المشركين, وتذكيرِهم بما جرى على سلفهم في الإيمان من شدة التعذيب الذي لم ينلهم مثلُه, ولم يصدَّهم ذلك عن دينهم.
وإشعارُ المسلمين بأن قوةَ اللهِ عظيمةٌ؛ فسيلقى المشركون جزاءَ صنيعهم, ويلقى المسلمون النعيم الأبدي والنصر.
والتعريضُ للمسلمين بكرامتهم عند الله _تعالى_.
وضربُ المثلِ بقومِ فرعونَ وبثمودَ, وكيف كانت عاقبةُ أمرِهم ما كذبوا الرسل, فحصلت العبرةُ للمشركين في فتنهم المسلمين, وفي تكذيبهم الرسول"والتنويه بشأن القرآن. 30/236_237
أغراضها: إثباتُ إحصاءِ الأعمالِ, والجزاءِ على الأعمال.
وإثباتُ إمكانِ البعثِ بنقض ما أحاله المشركون ببيان إمكانِ إعادةِ الأجسام.
وأدمج في ذلك التذكيرُ بدقيق صنعِ الله وحكمتِه في خلق الإنسان.
والتنويهُ بشأن القرآن.
وصدقُ ما ذُكِرَ فيه من البعث؛ لأن إخبارَ القرآنِ به لمَّا استبعدوه, وموهوا على الناس بأن ما فيه غير صدق, وتهديد المشركين الذين ناووا المسلمين.
وتثبيتُ النبي"وَوَعْدُه بأن اللهَ منتصرٌ له غير بعيد. 30/257_258
أغراضها: اشتملت على تنزيه الله _تعالى_ والإشارةُ إلى وحدانيته؛ لانفراده بخلق الإنسان, وخلقِ ما في الأرض مما فيه بقاؤه.
وعلى تأييد النبي"وتثبيته على تلقي الوحي.
وأن اللهَ معطيه شريعةً سمحةً, وكتاباً يتذكر به أهلُ النفوسِ الزكيةِ الذين يخشون ربَّهم، ويُعْرِضُ عنهم أهلُ الشقاوةِ الذين يؤثرون الحياة الدنيا, ولا يعبأون بالحياة الأبدية.
وأن ما أوحي إليه يصدِّقه ما في كتب الرسل من قبله, وذلك كلُّه تهوين لما يلقاه من إعراض المشركين. 30/272(1/80)
أغراضها: اشتملت هذه السورة على تهويلِ يومِ القيامة, وما فيه من عقاب قوم مشوهةٍ حالتُهم، ومن ثواب قومٍ ناعمةٍ حالتُهم, وعلى وجه الإجمال المرهِّب أو المرغِّب.
والإيماءِ إلى ما يبين ذلك الإجمالَ كلَّه بالإنكار على قوم لم يهتدوا بدلالة مخلوقات من خلق الله _وهي نُصْبَ أعينهم_ على تفرده بالإلهية؛ فيعلم السامعون أن الفريق المهدد هم المشركون.
وعلى إمكان إعادته بعض مخلوقاته خلقاً جديداً بعد الموت يوم البعث.
وتثبيت النبي"على الدعوة إلى الإسلام, وأن لا يعبأ بإعراضهم.
وأن وراءهم البعثَ؛ فهم راجعون إلى الله, فهو مجازيهم على كفرهم, وإعراضهم. 30/293_294
أغراضها: حَوَتْ من الأغراضِ ضربَ المثلِ لمشركي أهل مكة في إعراضهم عن قبول رسالة ربهم بمثل عادٍ وثمودَ وقومِ فرعونَ.
وإنذارُهم بعذاب الآخرة, وتثبيتُ النبي"مع وعده باضمحلال أعدائه.
وإبطالُ غرورِ المشركين من أهل مكة؛ إذ يحسبون أن ما هم فيه من النعيم علامةٌ على أن الله أكرمهم, وأن ما فيه المؤمنون من الخصاصة علامةٌ على أن الله أهانهم.
وأنهم أضاعوا شكرَ الله على النعمة؛ فلم يواسوا ببعضها الضعفاء, وما زادتهم إلا حرصاً على التكثر منها.
وأنهم يندمون يوم القيامة على أن لم يقدموا لأنفسهم من الأعمال ما ينتفعون به يوم لا ينفع نفساً مالُها ولا ينفعها إلا إيمانها, وتصديقها بوعد ربها؛ وذلك ينفع المؤمنين بمصيرهم إلى الجنة. 30/311_312
أغراضها: حوتْ من الأغراضِ التنويهَ بمكةَ, وبمُقامِ النبي"بها, وبركتِه فيها وعلى أهلها.
والتنويهَ بأسلاف النبي"من سكانها الذين كانوا من الأنبياء مثلِ إبراهيم وإسماعيل, أو من أتباع الحنيفية مثل عدنان ومضر.(1/81)
والتخلصَ إلى ذمِّ سيرةِ أهل الشرك, وإنكارهم البعث, وما كانوا عليه من التفاخرِ المُبَالَغِ فيه، وما أهملوه من شُكْرِ النعمة على الحواس، ونعمةِ النطق، ونعمةِ الفكر، ونعمةِ الإرشاد؛ فلم يشكروا ذلك بالبذل في سبل الخير وما فرطوا فيه من خصال الإيمان وأخلاقه.
ووعيدَ الكافرين، وبشارةُ الموقنين. 30/345_346
أغراضها: تهديدُ المشركين بأنهم يُوشِكُ أن يصيبهم عذابٌ بإشراكهم وتكذيبهم برسالة محمد"كما أصاب ثمودَ بإشراكهم وعتوِّهم على رسول الله إليهم الذي دعاهم إلى التوحيد.
وقُدِّم لذلك تأكيدُ الخبر بالقسم بأشياءَ معظمةٍ, وذُكِرَ منْ أحوالها ما هو دليل على بديع صنع الله _تعالى_ الذي لا يشاركه فيه غيرُه؛ فهو دليلٌ على أنه المنفردُ بالإلهية, والذي لا يستحق غيرُه الإلهية.
وخاصةُ أحوالِ النفوسِ ومراتبها في مسالك الهدى والضلال, والسعادة والشقاء. 30/365_366
أغراضها: احتوت على بيان شرفِ المؤمنين, وفضائلِ أعمالِهم, ومذمةِ المشركين, ومساويهم, وجزاء كلٍّ.
وأن اللهَ يهدي الناسَ إلى الخير؛ فهو يجزي المهتدين بخير الحياتين, والضالين بعكس ذلك.
وأنه أَرَسَل رسولَه"للتذكير بالله وما عنده؛ فينتفع مَنْ يخشى؛ فيفلح, وَيْصدِفُ عن الذكرى مَنْ كان شقياً؛ فيكون جزاؤه النارَ الكبرى, وأولئك هم الذين صدهم عن التذكر إيثارُ حبِّ ما هم فيه في هذه الحياة.
وأدمج في ذلك الإشارةُ إلى دلائل قدرة الله _تعالى_ وبديع صنعه. 30/377_378
أغراضها: إبطالُ قولِ المشركين؛ إذ زعموا أن ما يأتي من الوحي للنبي"قد انقطع عنه.
وزاده بشارةً بأن الآخرةَ خيرٌ له من الأولى على معنيين في الآخرة والأولى, وأنه سيعطيه ربُّه ما فيه رضاه, وذلك يغيظ المشركين.
ثم ذكَّره اللهُ بما حفَّه به من ألطافه وعنايته في صباه, وفي فتوته، وفي وقت اكتهاله, وأمره بالشكر على تلك النعم بما يناسبها من نفع لعبيده, وثناء على الله بما هو أهله. 30/394(1/82)
أغراضها: احتوت على ذكرِ عنايةِ الله _تعالى_ لرسوله"بلطف الله له, وإزالةِ الغمّ والحرجِ عنه، وتيسير(1) ما عسر عليه، وتشريفِ قدره؛ لِيُنَفِّسَ عنه؛ فمضمونُها شبيهٌ بأنه حجةٌ على مضمون سورة الضحى؛ تثبيتاً له بتذكيره سالف عنايته به, وإنارة سبيل الحق, وترفيع الدرجة؛ ليعلم أن الذي ابتدأه بنعمته ما كان لِيقطع عنه فضله، وكان ذلك بطريقة التقرير بماض يعلمه(2) النبي".
وأتبع ذلك بوعده بأنه كلما عَرَضَ له عُسْرٌ فسيجد من أمره يسراً كدأب الله _تعالى_ في معاملته؛ فَلْيَتَحَمَّلْ متاعبَ الرسالةِ, ويرغبَ إلى الله عونه. 30/407_408
أغراضها: احتوت هذه السورةُ على التنبيهِ بأنَّ اللهَ خلق الإنسانَ على الفطرةِ المستقيمة, ليعلموا أن الإسلام هو الفطرةُ كما قال في الآية الأخرى [فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا].
وأن ما يخالف أصولَه بالأصالةِ أو بالتحريف فسادٌ وضلالٌ، ومتبعي ما يخالف الإسلام أهلُ ضلالةٍ.
والتعريضُ بالوعيد للمكذبين بالإسلام.
والإشارةُ بالأمور المُقْسَمِ بها إلى أطوار الشرائع الأربعة؛ إيماءاً إلى أن الإسلامَ جاء مصدقاً لها, وأنها مشاركةٌ أصولُها لأصول دين الإسلام.
والتنويهُ بحسنِ جزاءِ الذين اتبعوا الإسلامَ في أصوله وفروعه.
وشملت الامتنان على الإنسان بخلقه على أحسن نظام في جثمانه ونفسه. 30/419_420
أغراضها: تلقينُ محمدٍ"الكلام القرآني وتلاوته؛ إذ كان لا يعرف التلاوة من قبل.
والإيماءُ إلى أن عِلْمَهُ بذلك ميسرٌ؛ لأن اللهَ الذي ألهم البشرَ العلمَ بالكتابة قادرٌ على تعليم مَنْ يشاء ابتداءاً.
وإيماءٌ إلى أن أمته ستصير إلى معرفةِ القراءةِ والكتابة والعلم.
__________
(1) _ في الأصل: وتفسير، ولعل الصواب ما أُثبت
(2) _ في الأصل: يعمله، ولعل الصواب ما أُثبت.(1/83)
وتوجيهُه إلى النظر في خلق الله الموجودات, وخاصة خَلْقَهُ الإنسانَ خلقاً عجيباً مستخرجاً من عَلَقَةٍ؛ فذلك مبدأُ النظر.
وتهديدُ مَنْ كذَّب النبيَّ"وتعرَّضَ؛ ليصده عن الصلاة, والدعوة إلى الهدى والتقوى.
وإعلامُ النبي"أن اللهَ عالمٌ بأمرِ مَنْ يناوونه, وأنه قامعهم وناصر رسوله.
وتثبيتُ الرسولِ على ما جاءه من الحق, والصلاة, والتقرب إلى الله.
وأنْ لا يعبأَ بقوةِ أعدائه؛ لأن قوةَ اللهِ تقهرهم.30/434
أغراضُها: التنويهُ بفضلِ القرآن وعظمته بإسناد إنزاله إلى الله _تعالى_.
والردُّ على الذين جحدوا أن يكون القرآنُ منزلاً من الله _تعالى_.
ورَفْعُ شأنِ الوقت الذي أُنزل فيه, ونزولُ الملائكة في ليلة إنزاله.
وتفضيلُ الليلةِ التي توافق ليلةَ إنزالِه من كل عام.
ويستتبع ذلك تحريضُ المسلمين على تحيُّنِ ليلةِ القدر بالقيام والتصدق. 30/455_456
أغراضها: توبيخُ المشركين وأهل الكتاب على تكذيبهم بالقرآن والرسول".
والتعجيبُ من تناقض حالهم؛ إذ هم ينتظرون أن تأتيَهم البينةُ, فلما أتتهم البينةُ كفروا بها.
وتكذيبُهم في ادعائهم أن اللهَ أوجب عليهم التمسكَ بالأديان التي هم عليها.
ووعيدُهم بعذابِ الآخرة, والتسجيلُ عليهم بأنهم شرُّ البرية.
والثناءُ على الذين آمنوا وعملوا الصالحات, وَوَعْدُهُم بالنعيم الأبدي ورضى اللهِ عنهم, وإعطائه إياهم ما يرضيهم.
وتخلل ذلك تنويهٌ بالقرآن, وفضله على غيره باشتماله على ما في الكتب الإلهية التي جاء بها الرسول"من قبل وما فيه من فضل وزيادة.30/468
أغراضها: إثباتُ البعثِ, وذكرُ أشراطِه, وما يعتري الناس عند حدوثها من الفزع.
وحضورُ الناس للحشر, وجزائهم على أعمالهم من خير أو شر, وهو تحريضٌ على فعل الخير, واجتناب الشر.30/490
أغراضها: ذمُّ خصالٍ تُفضي بأصحابها إلى الخسران في الآخرة، وهي خصالٌ غالية على المشركين والمنافقين، ويراد تحذير المسلمين منها.(1/84)
ووعظُ الناسِ بأن وراءهم حساباً على أعمالهم بعد الموت؛ ليتذكره المؤمن, ويُهَدَّد به الجاحد.
وأُكِّد ذلك كلُّه بأن اُفتُتِحَ بالقسم، وأُدْمِج في القسم التنويهُ بخيل الغزاة, أو رواحل الحجيج.30/498
أغراضُها: ذُكِرَ فيها إثباتُ وقوعِ البعث, وما يسبق ذلك من الأهوال.
وإثباتُ الجزاءِ على الأعمال, وأن أهلَ الأعمالِ الصالحة المعتبرةِ عند الله في نعيم، وأهلَ الأعمالِ السيئةِ التي لا وزن لها عند الله في قعر الجحيم.30/509
أغراضها: اشتملت على التوبيخِ على اللهو عن النظرِ في دلائل القرآن, ودعوة الإسلامِ بإيثار المال, والتكاثر به, والتفاخر بالأسلاف, وعدمِ الإقلاع عن ذلك إلى أن يصيروا في القبور كما صار مَنْ كان قبلَهم، وعلى الوعيد على ذلك.
وحثهم على التدبر فيما يُنْجِيهم من الجحيم.
وأنهم مبعوثون ومسؤولون عن إهمال شكر المنعم العظيم.30/518
أغراضها: واشتملت على إثباتِ الخسرانِ الشديدِ لأهل الشرك, ومَنْ كان مِثلَهم مِنْ أهلِ الكفر بالإسلام بعد أن بلغت دعوتُه، وكذلك مَنْ تقلَّد أعمالَ الباطلِ التي حذر الإسلامُ المسلمين منها.
وعلى إثبات نجاةِ وفوزِ الذين آمنوا وعملوا الصالحات, والداعين منهم إلى الحق.
وعلى فضيلةِ الصبرِ على تزكية النفس ودعوةِ الحق.
وقد كان أصحاب رسول الله"اتخذوها شعاراً لهم في ملتقاهم, روى الطبراني بسنده إلى عبيدالله بن عبدالله بن الحصين الأنصاري _من التابعين_ أنه قال: =كان الرجلان من أصحاب رسول الله إذا التقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها, ثم يسلم أحدهما على الآخر _أي سلام التفرق_ وهو سنة _أيضاً_ مثل سلام القدوم+.
وعن الشافعي: =لو تدبَّرَ الناسُ هذه السورةَ لَوَسعتهم+.
وفي رواية عنه: =لو لم ينزلْ إلى الناس إلا هي لكفتهم+.
وقال غيره: =إنها شملت جميع علوم القرآن+.30/527_528(1/85)
أغراضها: فَغَرَضُ هذه السورةِ وعيدُ جماعةٍ من المشركين جعلوا هَمْزَ المسلمين ولَمْزَهُمْ ضرباً من ضروب أذاهم؛ طمعاً في أن يلجئهم المللُ من أصناف الأذى إلى الانصراف عن الإسلام، والرجوع إلى الشرك.30/535_536
أغراضها: وقد تضمنت التذكيرَ بأن الكعبةَ حرمُ الله, وأن اللهَ حَمَاه ممن أرادوا به سوءاً أو أظهر غَضَبَهُ عليهم, فعذبهم؛ لأنهم ظلموا بطمعهم في هدم مسجد إبراهيمَ, وهو عندهم في كتابهم، وذلك ما سماه الله كيداً، وليكون ما حل بهم تذكرةً لقريش بأن فاعلَ ذلك هو ربُّ ذلك البيتِ, وأنْ لا حظَّ فيه للأصنام التي نصبوها حوله.
وتنبيهَ قريشٍ, أو تذكيرَهُمْ بما ظهر من كرامةِ النبي"عند الله؛ إذ أهلك أصحاب الفيل في عام ولادته.
ومن وراء ذلك تثبيتُ النبي"بأن اللهَ يَدْفَعُ عنه كيدَ المشركين, فإن الذي دَفَعَ كيدَ مَنْ يكيد لبيته لأَحَقُّ بأن يدفع كيدَ مَنْ يكيد لرسوله"ودينه, ويشعر بهذا قوله [أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ].
ومن وراء ذلك كلِّه التذكيرُ بأن اللهَ غالبٌ على أمره، وأن لا تغرَّ المشركين قُوَّتُهم, وَوَفْرَةُ عددهم, ولا يوهنَ النبي"تَأَلُّبَ قبائِلهم عليه؛ فقد أهلك الله من هو أشدُّ منهم قوةً وأكثرُ جمعاً.
ولم يتكرر في القرآن ذِكْر إهلاكِ أصحاب الفيل خلافاً لقصص غيرهم من الأمم لوجهين: أحدهما: أن إهلاك أصحاب الفيل لم يكن لأجل تكذيب رسولٍ من الله.
وثانيهما: أن لا يَتَّخِذَ منه المشركون غروراً بمكانةٍ لهم عند الله كغرورهم بقولهم المحكي في قوله _تعالى_: [أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ] الآيةَ، وقوله: [وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ].30/543_544(1/86)
أغراضها: أَمْرُ قريشٍ بتوحيد الله _تعالى_ بالربوبية؛ تذكيراً لهم بنعمةِ أن اللهَ مكَّن لهم السَير في الأرض للتجارة برحلتي الشتاء والصيف لا يخشون عادياً يعدو عليهم.
وبأنه أَمَّنهم من المجاعات, وأمنَّهم من المخاوف؛ لما وقر في نفوس العرب من حرمتهم؛ لأنهم سكان الحرم وعمار الكعبة.
وبما أَلْهَمَ الناسَ من جلب المِيْرَةِ إليهم من الآفاق المجاورة كبلاد الحبشة.
ورد القبائل, فلا يغير على بلدهم أحد قال _تعالى_: [أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ] فأكسبهم ذلك مهابةً في نفوس الناس وعطفاً منهم.30/554
أغراضها: من مقاصدِها التعجيبُ مِنْ حالِ مَنْ كذَّبوا بالبعث, وتفظيع أعمالهم من الاعتداءِ على الضعيف واحتقارِه, والإمساكِ عن إطعام المسكين، والإعراضِ عن قواعد الإسلام من الصلاة والزكاة؛ لأنه لا يخطر بباله أن يكون في فعله ذلك ما يجلب له غضبُ اللهِ وعقابه.30/564
أغراضها: اشتملت على بشارةِ النبي"بأنه أعطي الخيرَ الكثيرَ في الدنيا والآخرة.
وأَمْرُهُ بأن يشكرَ اللهَ على ذلك بالإقبال على العبادة.
وأن ذلك هو الكمالُ الحقُّ لا ما يتطاول به المشركون على المسلمين بالثروة والنعمة, وهم مغضوبٌ عليهم من الله _تعالى_ لأنهم أبغضوا رسولَه، وغضبُ الله بَتْرٌ لهم إذا كانوا بمحل السخط من الله.
وأن انقطاع الولد الذكر فليس بتراً؛ لأن ذلك لا أثر له في كمال الإنسان. 30/572(1/87)
أغراضها: وسبب نزولها _ فيما حكاه الواحدي في أسباب النزول وابن إسحاق في السيرة _ أن رسول الله"كان يطوف في الكعبة, فاعترضه الأسودُ ابن المطلب بنِ أسد، والوليدُ بنُ المغيرةِ، وأميةُ بنُ خلف، والعاصُ بنُ وائلِ, وكانوا ذوي أسنان في قومهم، فقالوا: يا محمد: هلم فلنعبد ما تعبد سنة, وتعبد ما نعبد سنة, فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي تعبد خيراً مما نعبد كنا قد أخذنا بحظه منه, وإن كان ما نعبد خيراً مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه, فقال: =معاذ الله أن أشرك به غيره+.
فأنزل الله فيهم [قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ] السورة كلها, فغدا رسولُ اللهِ"إلى المسجد الحرام, وفيه الملأُ من قريشٍ, فقرأها عليهم, فيئسوا منه عند ذلك, وإنما عَرضوا عليه ذلك؛ لأنهم رأوا حِرْصَه على أن يؤمنوا؛ فطمعوا أن يستنزلوه إلى الاعتراف بإلهية أصنامهم .
وعن ابن عباس: =فيئسوا منه، وآذوه, وآذوا أصحابه+.
وبهذا يُعْلَمُ الغرضُ الذي اشتملت عليه، وأنه تأييسهم من أن يوافقهم في شيء مما هم عليه من الكفر بالقول الفصل المؤكد في الحال والاستقبال, وأن دينَ الإسلام لا يخالط شيئاً من دين الشرك.30/580
أغراضها: والغرضُ منها الوعدُ بنصرٍ كاملٍ من عند الله أو بفتح مكة، والبشارةُ بدخول خلائقَ كثيرةٍ في الإسلام بفتحٍ، وبدونه إن كان نزولها عند مُنْصَرَفِ النبيِّ"من خيبر _كما قال ابن عباس في أحد قوليه_.
والإيماءُ إلى أنه حين يقع ذلك فقد اقترب انتقالُ رسولِ اللهِ"إلى الآخرة.
ووعدُه بأن الله غَفَرَ له مغفرةً تامةً لا مؤاخذةَ عليه بعدها في شيء مما يختلج في نفسِه الخوف أن يكون منه تقصيرٌ يقتضيه تحديدُ القوةِ الإنسانية الحدّ الذي لا يفي بما تطلبه هِمَّتُه الملكيةُ بحيث يكون قد ساوى الحدَّ الملكي الذي وصفه الله _تعالى_ في الملائكة بقوله [يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ]. 30/589(1/88)
أغراضها: زجرُ أبي لهبٍ على قوله: =تباً لك ألهذا جمعتنا?+ ووعيدُه على ذلك، ووعيد امرأته على انتصارها لزوجها، وبغضِها النبي". 30/600
أغراضها: إثباتُ وحدانية الله _تعالى_.
وأنه لا يُقْصَدُ في الحوائجِ غيرُه, وتنزيهُه عن سماتِ المحدثاتِ, وإبطالُ أن يكونَ له ابنٌ.
وإبطالُ أن يكونَ المولودُ إلهاً مثل عيسى _ عليه السلام _.
والأحاديثُ في فضائلها كثيرةٌ وقد صح أنها تعدل ثُلُثَ القرآنِ, وتأويلُ هذا الحديثِ مذكورٌ في شرح الموطأ والصحيحين. 30/612
أغراضها: والغرضُ منها تعليمُ النبيِّ"كلماتٍ للتعوذ بالله من شر ما يُتَّقىَ شرُّه من المخلوقات الشريرة، والأوقاتِ التي يكثر فيها حدوثُ الشر، والأحوالِ التي يستر أفعال الشر من ورائها؛ لئلا يرمى فَاعِلوها بِتَبِعاتها؛ فعلَّم الله نبيه هذه المعوذة؛ ليتعوذ بها، وقد ثبت أن النبيَّ"كان يتعوذُ بهذه السورةِ وأختِها, ويأمر أصحابَه بالتعوذ بهما؛ فكان التعوذُ بهما مِنْ سُنَّةِ المسلمين. 30/625
أغراضها: إرشادُ النبيِّ"لأن يَتَعَوَّذَ بالله ربِّه من شرِّ الوسواس الذي يحاول إفسادَ عملِ النبي" وإفسادَ إرشادِه الناسَ, ويلقي في نفوس الناسِ الإعراضَ عن دعوته.
وفي هذا الأمرِ إيماءٌ إلى أن الله _تعالى_ معيذُه من ذلك, فَعَاصِمُه في نفسه من تسلط وسوسة الوسواس عليه، ومتمم دعوته حتى تعمَّ في الناس.
ويتبع ذلك تعليمُ المسلمين التعوذَ بذلك؛ فيكون لهم من هذا التعوذ ما هو حظُّهم من قابلية التعرضِ إلى الوسواس، ومن السلامة منه بمقدار مراتبهم في الزلفى. 30/632
-المقدمة ... 3
-أغراض سورة الفاتحة ... 9
-أغراض سورة البقرة ... 10
-أغراض سورة آل عمران ... 16
-أغراض سورة النساء ... 17
-أغراض سورة المائدة ... 19
-أغراض سورة الأنعام ... 20
-أغراض سورة الأعراف ... 22
-أغراض سورة الأنفال ... 24
-أغراض سورة التوبة ... 25
-أغراض سورة يونس ... 28
-أغراض سورة هود ... 30
-أغراض سورة يوسف ... 32
-أغراض سورة الرعد ... 34(1/89)
-أغراض سورة إبراهيم ... 35
-أغراض سورة الحجر ... 37
-أغراض سورة النحل ... 39
-أغراض سورة الإسراء ... 40
-أغراض سورة الكهف ... 43
-أغراض سورة مريم ... 44
-أغراض سورة طه ... 46
-أغراض سورة الأنبياء ... 47
-أغراض سورة الحج ... 49
-أغراض سورة المؤمنون ... 51
-أغراض سورة النور ... 53
-أغراض سورة الفرقان ... 54
-أغراض سورة الشعراء ... 56
-أغراض سورة النمل ... 57
-أغراض سورة القصص ... 58
-أغراض سورة العنكبوت ... 60
-أغراض سورة الروم ... 62
-أغراض سورة لقمان ... 63
-أغراض سورة السجدة ... 64
-أغراض سورة الأحزاب ... 65
-أغراض سورة سبأ ... 67
-أغراض سورة فاطر ... 68
-أغراض سورة يس ... 69
-أغراض سورة الصافات ... 71
-أغراض سورة ص ... 73
-أغراض سورة الزمر ... 74
-أغراض سورة غافر ... 76
-أغراض سورة فصلت ... 77
-أغراض سورة الشورى ... 78
-أغراض سورة الزخرف ... 80
-أغراض سورة الدخان ... 82
-أغراض سورة الجاثية ... 83
-أغراض سورة الأحقاف ... 84
-أغراض سورة محمد ... 85
-أغراض سورة الفتح ... 86
-أغراض سورة الحجرات ... 87
-أغراض سورة ق ... 88
-أغراض سورة الذاريات ... 89
-أغراض سورة الطور ... 90
-أغراض سورة النجم ... 91
-أغراض سورة القمر ... 92
-أغراض سورة الرحمن ... 92
-أغراض سورة الواقعة ... 94
-أغراض سورة الحديد ... 94
-أغراض سورة المجادلة ... 96
-أغراض سورة الحشر ... 96
-أغراض سورة الممتحنة ... 98
-أغراض سورة الصف ... 99
-أغراض سورة الجمعة ... 99
-أغراض سورة المنافقون ... 100
-أغراض سورة التغابن ... 100
-أغراض سورة الطلاق ... 101
-أغراض سورة التحريم ... 102
-أغراض سورة الملك ... 103
-أغراض سورة القلم ... 105
-أغراض سورة الحاقة ... 106
-أغراض سورة المعارج ... 107
-أغراض سورة نوح ... 107
-أغراض سورة الجن ... 108
-أغراض سورة المزمل ... 109
-أغراض سورة المدثر ... 110
-أغراض سورة القيامة ... 110
-أغراض سورة الإنسان ... 111
-أغراض سورة المرسلات ... 112
-أغراض سورة النبأ ... 112
-أغراض سورة النازعات ... 113
-أغراض سورة عبس ... 114
-أغراض سورة التكوير ... 115
-أغراض سورة الانفطار ... 116
-أغراض سورة المطففين ... 116
-أغراض سورة الانشقاق ... 117
-أغراض سورة البروج ... 117(1/90)
-أغراض سورة الطارق ... 118
-أغراض سورة الأعلى ... 118
-أغراض سورة الغاشية ... 119
-أغراض سورة الفجر ... 119
-أغراض سورة البلد ... 120
-أغراض سورة الشمس ... 120
-أغراض سورة الليل ... 121
-أغراض سورة الضحى ... 121
-أغراض سورة الانشراح ... 122
-أغراض سورة التين ... 123
-أغراض سورة العلق ... 123
-أغراض سورة القدر ... 124
-أغراض سورة البينة ... 124
-أغراض سورة الزلزلة ... 125
-أغراض سورة العاديات ... 125
-أغراض سورة القارعة ... 126
-أغراض سورة التكاثر ... 126
-أغراض سورة العصر ... 126
-أغراض سورة الهمزة ... 127
-أغراض سورة الفيل ... 128
-أغراض سورة قريش ... 129
-أغراض سورة الماعون ... 129
-أغراض سورة الكوثر ... 130
-أغراض سورة الكافرون ... 130
-أغراض سورة النصر ... 131
-أغراض سورة المسد ... 132
-أغراض سورة الإخلاص ... 132
-أغراض سورة الفلق ... 132
-أغراض سورة الناس ... 133(1/91)