أعمال ثوابها كقيام الليل
تأليف
د . محمد بن إبراهيم النعيم
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1430هـ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أعمال ثوابها كقيام الليل (1)
تمهيد
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد ،
فإن لقيام الليل شأن عظيم عند الله عز وجل ، فأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ، ومن مزاياه أنه لا يكفر الذنوب فحسب ، وإنما ينهى صاحبه عن الوقوع في الآثام ؛ لما رواه أبو أمامة الباهلي - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (عليكم بقيام الليل ، فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وقربة إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ، ومنهاة للإثم) (2) .
وكان السلف رحمهم الله تعالى بل وأجدادنا إلى عهد قريب لا يفرطون في قيام الليل ، أما في هذا العصر فقد انقلب ليل كثير من الناس إلى نهار وسهر ، وفوتوا عليهم لذة مناجاة الله تعالى بالليل ، ووصل تفريطهم إلى ترك صلاة الفجر .
فعندما زار طاووس بن كيسان رحمه الله تعالى رجلا في السحر فقالوا : هو نائم ، قال : ما كنت أرى أن أحدا ينام في السحر (3) ، فلو زارنا طاووس بن كيسان رحمه الله تعالى اليوم فماذا عساه أن يقول عنا يا ترى ؟
إن من رحمة الله عز وجل بعباده ، أنه وهبهم أعمالا يسيرة يعدل ثوابها قيام الليل ، فمن فاته قيام الليل أو عجز عنه فلا يُفوت عليه هذه الأعمال لتثقيل ميزانه ، وهذه ليست دعوة للتقاعس عن قيام الليل ، إذ لم يفهم سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى ذلك ، بل كانوا ينشطون في كل ميادين الخير .
__________
(1) جزء مقتطع من كتابي (كيف تثقل ميزانك؟) .
(2) رواه الترمذي (3549) ، وابن خزيمة (1135) ، والحاكم (1156) ، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن لغيره (624) .
(3) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم (4/6) .(1/1)
كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد دل صحابته الكرام على بعض الأعمال السهلة لمن لم يستطع مجاهدة نفسه على قيام الليل ، رغبة منه - صلى الله عليه وسلم - في حثنا على فعل الخير لتكثير حسناتنا ، حيث روى أبو أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من هاله الليل أن يكابده ، أو بخل بالمال أن ينفقه ، أو جبن عن العدو أن يقاتله ، فليكثر من سبحان الله وبحمده ، فإنها أحب إلى الله من جبل ذهب ينفقه في سبيل الله عز وجل) (1) .
والأحاديث التي سأوردها إنما هي فضائل أعمال ثوابها كقيام الليل ، أهداها لنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - لزيادة حسناتنا وتثقيل ميزاننا ، فحري بنا العمل بها والتي من أهمها :
(1) أداء صلاة العشاء والفجر في جماعة
عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أنه قال : قال رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ ، وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ) (2) .
لذلك ينبغي الحرص على أداء الفرائض في المساجد جماعة ، وأن لا نفوتها البتة لعظم أجرها ، خصوصا العشاء والفجر ، فهما أثقل الصلوات على المنافقين ، ولو يعلمون ما فيهما من أجر لأتوهما ولو حبوا كما أخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن ثوابهما أن لكل واحد منهما ثواب قيام نصف ليلة .
(2) أداء أربع ركعات قبل صلاة الظهر
__________
(1) رواه الطبراني في الكبير (7795)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: صحيح لغيره (1541).
(2) رواه الإمام مالك (371) ، وأحمد –الفتح الرباني- (5/168) ، ومسلم (656) ، والترمذي (221) ، وأبو داود واللفظ له (555) ، والدارمي (1224) .(1/2)
عن أبي صالح رحمه الله تعالى مرفوعا مرسلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ يَعْدِلْنَ بِصَلاَةِ السَّحَرِ) (1) .
ومن مزايا هذه الركعات الأربع أنها تُفتح لها أبواب السماء ، لما رواه أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (أربع قبل الظهر تفتح لهن أبواب السماء) (2) .
ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحرص كل الحرص على أداء هذه الركعات ، وإذا فاتته لأي ظرف طارئ قضاها بعد الفريضة ولا يتركها ، حيث روت عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان إذا لم يُصلِّ أربعا قبل الظهر ، صلاهن بعدها (3) ، وفي رواية أخرى قالت : كان إذا فاته الأربع قبل الظهر صلاها بعد الظهر (4) .
ولذلك من فاته صلاة الأربع ركعات ، أو لم يتمكن من أدائها لظروف عمله ؛ مثل بعض المعلمين فلا حرج من قضائها بعد انتهاء عمله ورجوعه إلى منزله .
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (5940) ، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1431) .
(2) رواه أبو داود (3128) ، والترمذي في الشمائل ، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن لغيره (585)
(3) رواه الترمذي (426) ، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (350) .
(4) رواه البيهقي ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4759) .(1/3)
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى : وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى السُّنَنِ الَّتِي قَبْلَ الْفَرَائِضِ ، وَعَلَى اِمْتِدَادِ وَقْتِهَا إِلَى آخِرِ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ ، وَذَلِكَ لأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَوْقَاتُهَا تَخْرُجُ بِفِعْلِ الْفَرَائِضِ لَكَانَ فِعْلُهَا بَعْدَهَا قَضَاءً وَكَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَى فِعْلِ سُنَّةِ الظُّهْرِ , وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهَا تُفْعَلُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ, ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ الْعِرَاقِيُّ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ . اهـ (1) .
(3) أداء صلاة التراويح كلها مع الإمام
عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغفاري - رضي الله عنه - قَالَ : صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَمَضَانَ ، فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنْ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ، فَلَمَّا كَانَتْ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا ، فَلَمَّا كَانَتْ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ ، قَالَ : فَقَالَ : (إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) (2) .
__________
(1) جامع الترمذي لأبي عيسى الترمذي (ح 426) .
(2) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (5/11) ، وأبو داود واللفظ له (1375) ، والترمذي (806) ، والنسائي (1364) ، وابن ماجه (1327) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1615) .(1/4)
وهذا أمر ينبه عليه كثير من أئمة المساجد في رمضان ، فتراهم يحثون المصلين على أداء صلاة التراويح كاملة مع الإمام ، ولكن البعض يتقاعس عن هذه الشعيرة التي أصبحت تميز شهر رمضان عن بقية الشهور ، وقد قال عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - : (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (1) .
وكذلك الحال مع ليلة القدر ؛ فقيامها يفضل على قيام ألف شهر ، لقوله عز وجل { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } ، فالعجب كل العجب ممن يفرط في هذه الليلة العظيمة .
(4) قراءة مئة آية في الليل
عَنْ تَمِيمٍ الداريّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : (مَنْ قَرَأَ بِمِئَةِ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ لَهُ قُنُوتُ لَيْلَةٍ) (2) .
وقراءة مئة آية أمر سهل لن يقتطع من وقتك أكثر من عشر دقائق ، ويمكن أن تدرك هذا الفضل إن كان وقتك ضيقا بقراءة أول أربع صفحات من سورة الصافات مثلا ، أو قراءة سورة القلم والحاقة .
__________
(1) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (9/220) ، والبخاري (37) ، ومسلم (759) ، والترمذي (808) ، والنسائي (1602) ، وأبو داود (1371) .
(2) رواه الإمام أحمد واللفظ له –الفتح الرباني- (18/11) ، والدارمي (3450) وصححه الألباني في صحيح الجامع (6468) .(1/5)
وإذا فاتك قراءتها بالليل فاقضها ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر ، ولا تكسل عنها ، تدرك ثوابها بإذن الله تعالى ؛ لما رواه عمر بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : (مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الظُّهْرِ ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنْ اللَّيْلِ) (1) .
قال المباركفوري رحمه الله تعالى معلقا على حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ اِتِّخَاذِ وِرْدٍ فِي اللَّيْلِ ، وَعَلَى مَشْرُوعِيَّةِ قَضَائِهِ إِذَا فَاتَ لِنَوْمٍ أَوْ لِعُذْرٍ مِنْ الأَعْذَارِ , وَأَنَّ مَنْ فَعَلَهُ مَا بَيْنَ صَلاةِ الْفَجْرِ إِلَى صَلاةِ الظُّهْرِ ، كَانَ كَمَنْ فَعَلَهُ فِي اللَّيْلِ ، وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا مَنَعَهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً اهـ (2) .
ولعل هذا الحديث يستحثك على أن يكون لك ورد يومي من القرآن خصوصا بالليل .
ألا تعلم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حثنا على قراءة عشر آيات على الأقل بالليل كي لا نكتب من الغافلين؟
__________
(1) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (18/29) ، ومسلم واللفظ له (747) ، والترمذي (581) ، والنسائي (1790) ، وأبو داود (1313) ، وابن ماجه (1343) ، والدارمي (1477) .
(2) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري ( 3/185 ح 581) .(1/6)
فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين ، ومن قام بمئة آية كُتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كُتب من المقنطرين) (1) .
فهل نحرص على قراءة كتاب الله عز وجل؟ ينبغي أن لا يكون ختمنا له مقتصرا على شهر رمضان فحسب ، وإنما يكون ذلك طوال العام .
ولعل الحرص على قراءة مئة آية يوميا للحصول على ثواب قيام ليلة انطلاقة مباركة لحثنا على ملازمة كتاب الله عز وجل .
(5) قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في الليل
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ) (2) .
قال النووي رحمه الله تعالى : قِيل : مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ مِنْ قِيَام اللَّيْل ، وَقِيلَ : مِنْ الشَّيْطَان, وَقِيلَ : مِنْ الآفَات, وَيَحْتَمِل مِنْ الْجَمِيع اهـ (3) .
وأيَّد ابن حجر رحمه الله تعالى هذا الرأي قائلا : وَعَلَى هَذَا فَأَقُول : يَجُوز أَنْ يُرَاد جَمِيع مَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَم ، وَالْوَجْه الأَوَّل ورد صَرِيحًا مِنْ طَرِيق عَاصِم عَنْ عَلْقَمَة عَنْ أَبِي مَسْعُود رَفَعَهُ : "مَنْ قَرَأَ خَاتِمَة الْبَقَرَة أَجْزَأَتْ عَنْهُ قِيَام لَيْلَة" اهـ (4) .
__________
(1) رواه أبو داود اللفظ له (1398) ، وابن حبان (2572) ، وابن خزيمة (1144) ، والدارمي (3444) ، والحاكم (2041) ، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن صحيح (639) .
(2) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (18/99) ، والبخاري واللفظ له (5010) ، ومسلم (807) ، والترمذي (2881) ، وأبو داود (1397) ، وابن ماجه (1369) ، والدارمي (1487) .
(3) صحيح مسلم بشرح النووي (6/340 ح 807) .
(4) فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني (8/673 ح 5010) .(1/7)
إن قراءة هاتين الآيتين أمر سهل جدا ومعظم الناس يحفظونهما ولله الحمد ، فحري بالمسلم المحافظة على قراءتها كل ليلة ، ولا ينبغي الاقتصار على ذلك لسهولته وترك بقية الأعمال الأخرى التي ثوابها كقيام الليل ؛ لأن المؤمن هدفه جمع أكبر قدر ممكن من الحسنات ، كما أنه لا يدري أي العمل سيُقبل منه .
قال عبد الله بن عمير رحمه الله تعالى : لا تقنعن لنفسك باليسير من الأمر في طاعة الله عز وجل كعمل المهين الدنيء ، ولكن اجتهد فعل الحريص الحفي اهـ (1) .
(6) حسن الخلق
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَاتِ قَائِمِ اللَّيْلِ صَائِمِ النَّهَارِ) (2) .
قال أبو الطيب محمد شمس الدين آبادي رحمه الله تعالى : وَإِنَّمَا أُعْطِيَ صَاحِب الْخُلُق الْحَسَن هَذَا الْفَضْل الْعَظِيم ؛ لِأَنَّ الصَّائِم وَالْمُصَلِّي فِي اللَّيْل يُجَاهِدَانِ أَنْفُسهمَا فِي مُخَالَفَة حَظّهمَا , وَأَمَّا مَنْ يُحْسِن خُلُقه مَعَ النَّاس مَعَ تَبَايُن طَبَائِعهمْ وَأَخْلَاقهمْ ، فَكَأَنَّهُ يُجَاهِد نُفُوسًا كَثِيرَة ، فَأَدْرَكَ مَا أَدْرَكَهُ الصَّائِم الْقَائِم فَاسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَة ، بَلْ رُبَّمَا زَادَ اهـ (3) .
وحسن الخلق يكون بتحسين المعاملة مع الناس وكف الأذى عنهم .
__________
(1) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم (3/354) .
(2) رواه الإمام مالك (1675) ، وأحمد واللفظ له –الفتح الرباني- (19/76) ، وأبو داود (4798) ، وابن حبان (480) ، والحاكم (199) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1620) .
(3) عون المعبود شرح سنن أبي داود لأبي الطيب محمد شمس الدين الحق العظيم آبادي (13/154 ح 4798) .(1/8)
إن المرء لم يُعط بعد الإيمان شيئا خيرا من خلق حسن ، ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل ربه عز وجل أحسن الأخلاق ، حيث روى جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال : (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم اهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق ، لا يقي سيئها إلا أنت) (1) .
وكذلك يفعل - صلى الله عليه وسلم - كلما نَظَرَ في المِرآة ، حيث روى ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : كان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - إذا نظر في المرآة قال : (اللهم كما حسنت خَلْقِي فحسن خُلُقِي) (2) .
وصاحب الخلق الحسن من أحب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقربهم إليه مجلسا يوم القيامة ، روى لنا ذلك جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (إن من أحبكم إلي ، وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة ؛ أحاسنكم أخلاقا) (3) .
__________
(1) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (3/181) ، ومسلم (771) ، والترمذي (3421) ، والنسائي واللفظ له (897) ، وأبو داود (760) ، والدارمي (1238) ، وابن خزيمة (462) ، والبيهقي (2172) ، وأبو يعلى (285) .
(2) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (14/281) ، وابن حبان (959) ، وأبو يعلى (5075) ، والطيالسي واللفظ له (374) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1307) .
(3) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (23/13) ، والترمذي واللفظ له (2018) ، والطبراني في الكبير (10424) ، والبخاري في الأدب المفرد (272) ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2649) .(1/9)
وسيجعل الله عز وجل لصاحب الخلق الحسن قصرا في أعلى الجنة ؛ لعظم ثوابه وتكريما له ؛ لما رواه أبو أُمَامَةَ الباهلي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (أنا زَعِيمٌ ببيت في رَبَضِ الجنة لمن ترك الْمِرَاءَ وإن كان محقا ، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا ، وببيت في أعلى الجنة لمن حَسَّنَ خُلُقَهُ ) (1) .
وينبغي أن لا يكون حسن خلقك مقصورا على الأباعد من الناس فقط وتنسى أقرب الناس إليك ، وإنما أن يمتد أيضا إلى والديك وأفراد أسرتك ، فبعض الناس تراه مرحا وسيع الصدر ودمث الأخلاق مع الناس ولكنه على خلاف ذلك مع أهله وأولاده .
(7) السعي في خدمة الأرملة والمسكين
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ ؛ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ) (2) .
ويمكن أن تكسب هذا الثواب الجزيل ، لو سعيت في خدمة فقير ، فقدمت أوراقه لجمعية خيرية مثلا ليدرسوا حالته ويعطوه حاجته .
كما يمكن أن تكسب هذا الثواب العظيم ، لو سعيت في خدمة أرملة ، وهي التي مات عنها زوجها ، فتقضي حوائجها ، وهذا ليس بالأمر العسير ، لأنك لو فتشت في أهل قرابتك ستجد البعض ممن مات عنها زوجها من عمة أو خالة أو جدة ، فبخدمتها وشراء حاجياتها تكسب ثواب الجهاد أو قيام الليل .
(8) المحافظة على بعض آداب الجمعة
__________
(1) رواه أبو داود واللفظ له (4800) ، والبيهقي (20965) ، والطبراني في الكبير (7488) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1464) .
(2) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (19/55) ، والبخاري واللفظ له (5353) ، ومسلم (2982) ، والترمذي (1969) ، والنسائي (2577) ، وابن ماجه (2140) ، وابن حبان (4245) ، والبيهقي (12444) .(1/10)
عن أوْس بْن أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ - رضي الله عنه - قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ ، وَدَنَا مِنْ الإِمَامِ ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ ؛ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا) (1) .
فخطوة واحدة إلى الجمعة ممن أدى هذه الآداب لا يعدل ثوابها قيام ليلة أو أسبوع أو شهر ، وإنما يعدل سنة كاملة ، فتأمل في عظم هذا الثواب .
وهذه الآداب تتمثل في الاغتسال ليوم الجمعة والتبكير والمشي إليها ، والدنو من الإمام ، وعدم الابتعاد إلى الصفوف الأخيرة ، وحسن الاستماع للخطبة ، وعدم العبث واللغو .
ولنعلم أن أي عبث أثناء الخطبة يُعدُّ لغوا ، ومن لغا فلا جمعة له ، فمن مس الحصى فقد لغا ، ومن قال صه فقد لغا : أي من قال لصاحبه أو ابنه الصغير : اسكت فقد لغا ، ومن عبث بسبحته أو جواله أو بأي شيء أثناء الخطبة فقد لغا .
فلا ينبغي التفريط بآداب الجمعة البتة كي لا تخسر هذا الثواب العظيم الذي سيثقل ميزانك كثيرا ، ويمنحك ثواب قيام سنوات كثيرة .
(9) رباط يوم وليلة في سبيل الله عز وجل
روى سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله ، وأُجري عليه رزقه ، وأمِنَ الفتَّان) (2) ، والفتَّان هو فتنة القبر .
(10) أن تنوي قيام الليل قبل النوم
__________
(1) رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني- (6/51) ، والترمذي (496) ، وأبو داود واللفظ له (345) ، والنسائي (1381) ، وابن ماجه (1087) ، والدارمي (1547) ، والحاكم (1041) ، وابن خزيمة (1758) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6405) .
(2) رواه الإمام البخاري (2892) ، ومسلم واللفظ له (1913) ، والنسائي (3168) .(1/11)
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - ، يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتَّى أَصْبَحَ ، كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى ، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ) (1) .
أرأيت أهمية النية وأنها تجري مجرى العمل ؟ لذلك ندرك خطورة من ينام وهو لا ينوي أداء صلاة الفجر في وقتها ، وإنما تراه يضبط المنبه على وقت العمل أو المدرسة ، فهذا إنسان مصر على ارتكاب كبيرة من الكبائر ، فلو مات عليها ساءت خاتمته عياذا بالله .
أما من نوى قيام الفجر وبذل أسباب ذلك ثم لم يقم ، فلا لوم عليه ؛ لأنه ليس في النوم تفريط ، وإنما التفريط في اليقظة .
(11) أن تُعلِّم غيرك الأعمال التي ثوابها كقيام الليل
فإن تعليمك الناس للأعمال التي ثوابها كقيام الليل وسيلة أخرى تنال بها ثواب قيام الليل ، فالدال على الخير كفاعله ، فكن داعية خير وانشر هذه المعلومات تكسب ثوابا بعدد من تعلم منك وعَمِلَ به .
... تم الكتاب بحمد الله تعالى
وكتبه أبو عمر
8/6/1430هـ
الأحساء 31982
ص . ب . 1153
malnoaim@kfu.edu.sa
جدول المحتويات
تمهيد : ... 3
(1) أداء صلاة العشاء والفجر في جماعة ... 5
(2) أداء أربع ركعات قبل صلاة الظهر ... 5
(3) أداء صلاة التراويح كلها مع الإمام ... 5
(4) قراءة مئة آية في الليل ... 5
(5) قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في الليل ... 5
(6) حسن الخلق ... 5
(7) السعي في خدمة الأرملة والمسكين ... 5
(8) المحافظة على بعض آداب الجمعة ... 5
(9) رباط يوم وليلة في سبيل الله عز وجل ... 5
(10) أن تنوي قيام الليل قبل النوم ... 5
(11) أن تُعلِّم غيرك الأعمال التي ثوابها كقيام الليل ... 5
كتب للمؤلف :
(1) كيف تطيل عمرك الإنتاجي ؟
(2) كيف ترفع درجتك في الجنة ؟
__________
(1) رواه النسائي (1787) ، وابن ماجه (1344) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5941) .(1/12)
(3) كيف تحظى بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟
(4) كيف تنجو من كرب الصراط ؟
(5) أمنيات الموتى .
(6) كيف تملك قصورا في الجنة ؟
(7) أعمال ثوابها كقيام الليل .
(8) كيف تثقل ميزانك ؟
(9) كيف تفتح أبواب السماء ؟ (تحت الطبع)(1/13)