بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة بناء الشخصية الدعوية
البناء والتكوين الذاتي
للشخصيات الدعوية
أسباب و أعراض الضعف النفسي الذي أصاب غالب المسلمين
إعداد: م.عبد الله بن علي صغير
إلى من هذه المحاضرة:
إلى كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة راحوا يتخبطون في هذه الحياة من غير هدف ولا طموح.
إلى شباب الصحوة الإسلامية العالمية إلى رواد النهضة الإسلامية إلى ثقل التغيير الإسلامي القويم.
إلى كل شاب وشابة راح يضيع زهرة شبابه في الأمور التي نهى الله عنها ونسي دينه ونسي رسالته في الحياة ونسي أن حقيقة وجوده في هذه الحياة .
إلى كل من يؤمن بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم وتسرب إلى نفسه شيء من االضعف النفسي..
إلى كل مسلم ومسلمة نسي قول الله تعالى ((...إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم... )) الرعد 11.
إلى كل من مسلم ومسلمة قرأ الآية الكريمة ((ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)) الأنبياء 105. ولم يتوقف عندها ولو للحظات ليحولها إلى واقع عملي .
مقدمة :
لقد امتن الله على الإنسان بأنه خلقه في أحسن تقويم وجعله خليفته في الأرض وإن ما يتميز به الإنسان عن غيره من المخلوقات بأن له عقلاً وروحاً وعندما أتحدث عن الروح فلا أقصد بذلك الشيء الغيبي الذي لا يعلمه إلا الله والذي يفارق الجسد عند الموت لا بل أقصد بذلك جملة العواطف والأحاسيس والمشاعر التي يمتلكها الإنسان ويتميز بها عن سائر المخلوقات.
وإن النفس أو الروح قد تتعرض لشيء من النكسات ولشيء من النكبات فتأثر على سلوك الجسد وعلى عطاء الإنسان ولا تقل المشاكل النفسية أهمية عن الأمراض الجسدية في الحد من عطاء الإنسان وعلى الداعي والمربي وعلى الأم والأب أن يهتموا بالتربية النفسية السليمة لطلابهم وأبنائهم وأن يعطوها الاهتمام الكامل دون إفراط أو تفريط .(1/1)
و لقد كان لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة فكان نعم المربي للأجساد ونعم المنير للعقول ونعم المعالج للنفوس ونعم الأب ونعم الأم ونعم الأخ والأخت فديته بأبي وأمي.
وسأسلط اليوم الضوء على الضعف النفسي الذي أصاب غالب المسلمين وهذا الموضوع ليس بجديد فقط طرحه العديد من العلماء قديماً وحديثاً و لكن لا مانع بأن أعود طرح هذا الموضوع بأسلوب آخر وأعالج مشاكل أخرى لعل الله ينفعني وينفع من يسمع هذه المحاضرة والله ولي التوفيق .
والسبب المباشر الذي جعلني أطرح هذا الموضوع هو أن إحدى الأخوات جزاها الله خيرا سألتني عن أسباب الضياع التي يعاني منها الكثير من المسلمين وعن طرق علاج هذه الظاهرة والحد منها .(1/2)
فرأيت أن موضوع الضياع مرتبط بشكل مباشر بالضعف النفسي الذي أصاب غالب المسلمين فأحببت أن أبدأ حديثي عن هذا الموضوع ثم أتحدث عن الضياع وأسبابه وعن طرق علاجه فالشخص الضائع تراه يسير في هذه الحياة كالسفينة التي ضلت طريقها في البحر والشعور بالضياع يجعل الإنسان يسير بلا هدف وهذا الشعور يري الإنسان الضائع كل ألوان الحياة لون واحد ويحول الأيام إلى توائم متشابهة والضياع مرتبط بشكل وثيق بفقد الطموح من نفس الإنسان والذي يتعلق بشكل كبير بالهزيمة النفسية والضعف التي يعاني منها غالب المسلمين لذلك سوف أقوم بهذه المحاضرة المتواضعة الحديث بشيء من التفصيل عن الضعف النفسي الذي أصاب غالب المسلمين,فقلما يوجد في هذه الحياة الصعبة المعقدة إنسان خالي من بعض الأمراض الروحية ولم أسميها نفسية لأن الكثير من الناس يتحسسون من هذه الكلمة رغم أن هذه الكلمة لا تعني بأي شكل من الأشكال أن الإنسان مختل عقلياً أو مجنون أو فيه نقص في عقله لا وإنما النفس كالجسد يتأثر بالظروف المحيطة فالإنسان الذي يولد ناعم البشرة لا تبقى بشرته كذلك مع تقدم عمره ولا أحد ينظر إلى هذا الموضوع على انه مرض بل لو سألت الإنسان الأمي ليقولن هذه البشرة أصبحت خشنة بسبب الظروف المحيطة بها.
وكذلك النفس والروح يتأثران بالبيئة والظروف المحيطة فمثلاً :إن عاش الطفل في جو أسري مليء بالمشاكل فمن الطبيعي أن يصبح هذا الطفل عدائياً وأن تصبح تلك المرأة التي عاشت تلك الظروف قاسية ... وهذه أيضاً مشكلة نفسية...
مظاهر وأعراض وأشكال الضعف النفسي عند غالب المسلمين(1/3)
ويعيش شباب أمتنا اليوم ظروف صعبة جعلتهم يصابون بمشكلة روحية ألا وهي الضعف النفسية بين الحقيقة والوهم فينظر الشاب إلى فلسطين فيرى الضعف بها ! وينظر إلى العراق فيرى الحرب الطائفية والفرقة وينظر إلى واقع أمته فيراها خلف الأمم فيصيبه الهم والغم ويصبح مصاباً بما يسمى الضعف النفسي والتي لها مظاهر وأعراض وأشكال وأسباب وكلها مترابطة ببعضها ارتباطاً وثيقاٌ وهي:
1- عدم الثقة بان تطبيق حكم الله وحدوده هي مصدر سعادة المجتمع وأمنه و استقراره :
فنرى الكثير من شباب المسلمين عندما تطرح مسألة قطع يد السارق يصبح ضعيفاً مربكاً من هذه المسألة ويحاول أن يغير هذا الحديث بل وأحياناً يحاول أن ينكر هذا الحكم بشكل أو بآخر .
ومثال آخر عندما تطرح مسألة رجم الثيب الزاني تراه أيضاًً ضعيفاًً ويحاول أن يتهرب من هذا الموضوع وكذلك عندما تطرح مسائل تحريم البنوك الربوية والبيوع الربوية تراه أيضاً منهزماً ضعيفاً . وإذا ما استمر هذا الانهزام بنفسه فإن ذلك سوف يقوده إلى تبني والاعتقاد بان قوانين البشر أصلح للأمة من شرع الله تعالى وقد لا يجرأ أن يقولها صراحة وإنما أفعاله ومعتقداته تدل على ذلك فهو لم يفهم بل فهم وأنكر قوله تعالى ((أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)) المائدة 50.
فالمسلم الذي يوقن بان لا إله إلا الله محمد رسول الله يجب أن يتيقن بلا أدنى شك بأن أحكام الإسلام هي مصدر تماسك المجتمع وأن تشريع الله عز وجل لا يعدله أي تشريع من شرائع البشر , لذلك من يؤمن بذلك نراه واثق الخطى قوي النفس قوي النقاش يجهر بمبادئه بينما ترى المسلم المنهزم غير واضح المبدأ ضعيف النقاش ضعيف النفس كثير التهرب .
2- عدم القناعة وعدم التفاؤل بأن النصر سوف يكون لا محالة للمسلمين وأن هذه الأرض سوف تحكم قبل يوم القيامة بلا إله إلا الله محمد رسول الله:(1/4)
فنرى الكثير من الشباب المتشائمين يقولون بأنه كتب علينا الذل إلى يوم القيامة وان أمريكا هي الحاكمة المطلقة في العالم وأنه لن يغير هذا العالم ولن تتغير موازين القوى إلا بظهور عيسى عليه السلام والمهدي بن عبدالله رضي الله عنه, فنرى مثل هؤلاء الشباب يائسين يعتبرون أن معارك الصحابة وغزواتهم هي حادثة طارئة في تاريخ الأمة لن تتكرر لذلك عندما تذكر فلسطين تراه شبه مقتنع بأنتها لن تتحرر وأن إسرائيل تفعل ما تشاء وكما يحلو لها , و هؤلاء المنهزمين ينسون حقائق التاريخ وأن الحياة كر وفر وأن الله تعالى قال في محكم تنزيله ((ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)) الأنبياء 105.
فالله تعالى يؤكد بأن وراثة الأرض وحكمها سوف يكون في النهاية لعباده المؤمنين ويجب أن نتذكر بان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما نهض بالدعوة إلى الله كان الروم والفرس مسيطرين على العالم ولم يكن احد في العالم آنذاك يتوقع أن تنهار تلك الدول ولكن انهارت بفضل الله وبسواعد رجال الله رضي الله عنهم.
3- رفض كل تجديد والاكتفاء بالتقليد:
فنرى الكثير من علماء المسلمين ومسلميهم متمسكين بأفكار مشايخهم وعلمائهم الأولين ولا يقبلون النقاش وأصبح لديهم فكرة راسخة في الأذهان أن كتب القدماء ومخطوطاتهم لا تقبل النقاش أو النقد فمثلاُ هناك من طلبة الطلب من يتعصب لآراء الإمام أبو حنيفة والإمام مالك الإمام والشافعي والإمام أحمد رضي الله عنهم دون النظر إلى صحة الدليل الذي استندوا عليه هؤلاء الفقهاء وتراهم يرفضون كل مسألة فقهية تخالف المذهب الفقهي الذي يسيرون به وهذا أيضاً عرض من أعراض الضعف النفسي عند بعض علماء وطلاب علم المسلمين لأنه غير مقتنعين بأنهم قد يصلوا إلى مرحلة الدقة والتمحيص أكثر من هؤلاء الأئمة .(1/5)
نحن لا نقول أننا نترك المذاهب الفقهية الأربعة ولكن نقول لابد عند التقليد من التحري والتدقيق في الأحاديث التي استند عليها هؤلاء الفقهاء رضي الله عنهم فالأئمة الأربعة بشر قد يخطئون وقد يصبون فالتقليد دون تمحيص أو تجديد دليل على انهزام نفسي يعاني منه بعض علماء وطلبة علم المسلمين.
فلو ظننا أن كل تلميذ سوف يكون أقل علماً وشأناً من معلمه فإننا سوف نصل في النهاية - على فرض أن هذا صحيح- إلى جيل خانع كسول غير قادر على إبداء الرأي أو حتى النقاش وإنما يقول فقط قال شيخي كذا! وقال شيخ شيخي كذا ! ...
وسؤالي إلى هؤلاء من هو شيخ البخاري ومن هو معلم سيدنا محمد الفاتح فاتح القسطنطينية ؟
4- عدم العزة بالإسلام وإخفاء بعض أحكام الإسلام وبعض أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فنرى الكثير من المسلمات يخجلن من وضع الحجاب الشرعي في الدول الإسلامية والدول الغربية لأنهم في حقيقة أنفسهم منهارين ويظنون أن الحجاب الشرعي دليل التخلف وأن الحضارة تكون بسفور المرأة ! وكذلك نرى العديد من شباب الإسلام يخجل من أن يقول هذا حرام في الإسلام وهذا حلال في الإسلام وخصوصاً عندما يجالس بعض الغربيين أو بعض النصارى فمثلاً إذا سؤل لماذا لا تشرب الخمر فيجيب بأنه يؤذي الصحة ويخجل من أن يقول السبب الحقيقي لذلك وهو خوفه من الله ويخجل أن يقول حرام هذا في شريعة الإسلام !.
وكذلك بعض رواة السيرة من علماء المسلمين في دول الغرب يحاول أن يخفي بعض أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم كعدد زوجاته وأمره صلى الله عليه وسلم بقتل يهود بني قريظة وكقصة تأبير النخل وغيرها لأنه في داخل نفسه منهزم ويظن أن هذه الأمور مصدر ضعف في دين الإسلام ؟! ونسي قوله (( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)) آل عمران 139.(1/6)
5- قلة الثقة بتغير النفس وتغير الواقع وتغيير الآخرين: فنرى الكثير من المسلمين يائساًً منهزما خارجاً من معادلة التغير الاجتماعي الديني ويقوم بالانزواء في الزوايا المظلمة تاركاً أهل المعاصي والفتن يغوصون في معاصيهم دون رقيب أو حسيب متمسكاً ببعض آيات القرآن الكريم التي يفسرها على هواه وعلى مزاجه الخاص ويفسر قوله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون )) المائدة 105 .بأنه ليس مسؤولاً عن الآخرين ولا يضره إن اهتدوا أم لم يهتدوا .... ويقول بان هذا الزمان زمان فتن وزمان معاصي ويقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)) رواه البخاري.
لذلك ترى الإنسان المنهزم اليائس يفسر ضعف شخصيته على انه ورع وانهزامه على انه عبادة وعزلته على أنها تفكّّّّر .
ونقول لهؤلاء المسلمين إذا جميعنا اعتزل الساحة فمن إذاً للإصلاح و إذا كلنا ابتعد عن ساحة التغير فمن يرد على المنافقين ومن يرد على المجاحدين إذا نحن تركنا الدعوة وإذا نحن تركنا الإصلاح وكيف ننسى قوله تعالى ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله....)) آل عمران 110.
6– الضياع والتشتت وعدم الطموح لتحقيق أي شيء أخروي أو دنيوي يفيد المسلمين:
فنرى الكثير من المسلمين يمضون الساعات الطوال بل حتى الأيام والسنين دون هدف ولا غاية وإذا سألته لماذا أنت موجود في الحياة يقول لك لا أعرف وأحياناً يقول لك لأعبد الله رغم أن واقعه العملي يدل على انه ضائع وإجابته بأنه مخلوق لعبادة الله هي إجابة تلقنها دون أن يشعر بلذتها أو مايترتب عليها,وإذا جلست معه قد تراه طبيباً أو مهندسا أو حافظا للقرآن أو فقيها ومع ذلك تراه فاقداُ للطموح.(1/7)
فمثلا الكثير من طلاب الجامعات بعد تخرجه لا يفكر أن ينشر أية مقالة باختصاصه في الانترنت أو الجامعة وتوقف تحصيله العلمي عند تخرجه فما هي إلا سنوات قليلة بعد التخرج إلا تراه تحول إلى آلة أو إلى رجل آلي ينام يأكل يعمل , هذه هي الحياة في نظره ولا يفكر بتطوير نفسه ولا يطمح بأن يقدم إلى اختصاصه أي شيء .
وكذلك حال بعض طلاب العلم الشرعي فنجده يتخرج من كلية الشريعة ثم بعد تخرجه لا يتابع تحصيله العلمي ولا يفكر بأن يلقي محاضرة يعظ بها الناس أو يؤلف كتاب يفيد فيه مكتبات المسلمين وإذا سألته عن السبب يقول لك هناك الكثير من الكتب تغني عن الكتاب الذي سوف أقوم بتأليفه ولن يقوم أحد بقراءته فالمكتبات عامرة بالكتب ولا تجد من يقرآها, ومثل هؤلاء اليائسين المنهزمين انهزموا وخرجوا من معادلة الإصلاح والتغيير.
7- الاعتماد على القصص والأحاديث الموضوعة في وعظ الناس ونفي بعض الروايات الصحيحة التي يطعن من خلالها بعض الناس في حقيقة الإسلام:
من أشكال الضعف النفسي عن بعض المسلمين هو الاستدلال بالأحاديث الموضوعة و القصص الموضوعة وشديدة الضعف في وعظ الناس وفي دعم بعض المعتقدات والأفكار وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على انهزامهم وضعفهم في توجيه وهداية الناس إلى الحق فشدة ضعفهم و انهزامهم جعلهم يعتمدون على القصص المكذوبة لدعم أفكارهم .
فالمسلم الواثق من صحة دينه وعقيدته لا يتكلم إلا حقا ولا ينطق إلا حقا ولا يعتمد على الخرافات والأوهام لإثبات صحة ما يدعو إليه فدين محمد عليه الصلاة والسلام دين الله غني عن الكذب ففيه من الصدق كله وفيه القوة كلها, وكذلك بعض طلاب العلم من المسلمين عندما تطرح بعض الروايات التي قد تخالف العادات والتقاليد السائدة يسارعون إلى تضعيف هذه الروايات ورفضها ونسخها , دون بينة ولا دليل وإنما فقط لأنها تخالف عاداتهم وتقاليدهم .(1/8)
والسؤال الذي يطرح نفسه مادمنا متفقين على أن الله عز وجل هو من شرع لنا الشريعة وأن دين الإسلام هو دين الحق فلماذا هذا الانهزام والضعف؟!
وليعلم الجميع وأنا منهم بأن شريعة الله جاءت لتسعد البشر وتحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والنفسي فعدم قبولنا لشيء وعدم اتفاق عادتنا مع شيء لا يجعله حراما فما هو غير مقبول لك قد يكون مقبول عند غيرك والعكس صحيح ويجب أن ندرك بأن الله عليم خبير عليم بنفوس وخبايا عباده وخبير بها.....
8- العرض الثامن هو عرض الذي يصيب المثقفين من المسلمين وهو الانبهار بالحضارة الغربية وإخفاء الشخصية الإسلامية عامة والعربية خاصة:
فنجد الكثير من أصحاب القرار ومن مدراء الشركات وخصوصاً التابعة للقطاع العام- القطاع الحكومي- منبهرين ومسلمين للفنيين الأجانب فنجد, مثلاً خبير عربي مسلم قد يكون برتبة بروفسور كثيرا ما يقول أفكار صحيحة ومع ذلك لا نجد من يسمع له وعندما يتحدث فني أجنبي قد لا تكون شهادته من رتبة معهد متوسط نجد أن الكثير من أصحاب القرار يسارعون إلى تطبيق هذه الفكرة دون تدقيق أو تمحيص؟!.
فنرى اليوم الفني الفاشل في بلاد الغرب الذي لا يجد فرصة عمل في بلاده أول ما يفكر به هو أن يأتي إلى بلاد المسلمين وخصوصاً البلاد العربية لأنه واثق بأنه سوف يجد فرصة عمل قد لا يحلم بها البروفسور المسلم العربي الناجح في بلده ؟! وأصبح هذا الشيء علني فمثلاً توجد إحدى الدول العربية المسلمة المنهزمة المنبهرة بالغرب عندما يوظفون مهندسين أو أطباء لديهم فإنهم يعطون الراتب على الجنسية فالذي جنسيته مصري أو سوري يأخذ راتب لا يساوي ربع راتب الأمريكي أو الفرنسي رغم أن المسلم المصري أو السوري قد يكون أكفء علمياً وخلقياً بعشرات المرات من هذا الغربي وإن دل هذا على شيء فهذا يدل على انهزام نفسي يعاني منه هؤلاء المنهزمين.(1/9)
9- عدم التمييز بين ما هو جيد وواجب أخذه والاستفادة منه من غير المسلمين وبين ما هو خبيث وسيء يجب عدم أخذه وقبوله من غير المسلمين:فالمسلم لا يتعلم من غير المسلم أصول التعامل الاجتماعي وأساس التنظيم الاقتصادي لا بل نتعلم من القرآن والسنة الصحيحة أمور ديننا وبناء مجتمعنا فالصدق والإخلاص وعدم قبول الرشوة وعدم التعامل بالربا نتعلمه من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم أما أمور الدنيا من اختراعات وابتكارات ووسائل أخرى فالواجب على المسلم أن يستفيد منها من أي شخص كان كافر أو مسلم فنحن لا نرفض السيارات لأنها صنع أمريكا وفرنسا وبريطانيا ولا نرفض ابتكاراتهم العلمية ونقول هؤلاء ملحدين لا نتعلم منهم .
فمادام الأمر متعلق بشأن من شؤون الدنيا فلا مانع بل وواجب أن نتعلمه من صديقنا أو عدونا لنساير التقدم ولكن عندما يكون الأمر يتعلق بالعقائد والمعاملات والعبادات فلا نتعلم إلا من محمد صلى الله عليه وسلم وآل بيته وأصحابه فهو القائل ((....صلُّوا كما رأيتموني أُصلي...)) رواه ابن حبان في صحيحه. وهذا الحديث لا يشمل الصلاة فقط بل ويشمل كل شيء شرعي يجب أن نتعلمه ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جهة أخرى يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((...أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ...)) رواه مسلم. فهذا الحديث يفتح لنا جميع الخيارات في الأمور الدنيوية للابتكار والاختراع والتعلم مادام لا يتعارض مع شريعة الله عز وجل.
10- الاهتمام بتقليد شخصية عصرية في العبادة والعقيدة والمعاملات وجعل هدف الوصول إلى هذه الشخصية هو الهدف والطموح ونسيان أن القدوة الحقيقية هي الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم:(1/10)
هذه الفكرة تجعل الإنسان محدود الطموح فأنت تفكر أن تكون مثل شيخك – رغم انه قد يملك الكثير من الأخطاء- وهذا يجعل قدوته معلمه ولا يفكر بأن يكون أفضل منه فتراه منهزماً خاضعاً فلا يجرئ على مناقشة معلمه , وينظر إلى مؤلفاته على أنها سحر من عالم الخيال من المستحيل أن يؤلف مثلها فلذلك عندما يخطئ المعلم أو الشيخ نرى هذا الخطأ ينتشر من تلميذ إلى تلميذ دون تدقيق أو تمحيص .
وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على انهزام نفسي واستصغار للنفس من قبل الطالب أو من قبل المتعلم وهذا خطأ كبير فالإنسان يسعى لنيل المستحيل ليحصل على الممكن وهذا ما ربى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وهذا ما ربى الصحابة عليه أبناؤهم.
فهذا علي بن أبي طالب _رضي الله عنه_ يربي أحد أبنائه إلى التطلع للأحسن، فقد ورد عن علي بن أبي طالب: (أنه سأل ابنه: تريد أن تكون مثل من ؟ فقال له أحد أبنائه: أريد أن أكون مثلك، فقال له: لا بل قل إنك تريد أن تكون مثل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لأنك إذا كان هدفك أن تكون مثل علي فلعلك لا تصل إلى علي ؟ ولو كان هدفك الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وهو قدوتك، قد تكون أفضل من علي بن أبي طالب).(1/11)
11- عدم الواقعية في الحديث عن قدرة العدو وتقدمه الفكري والحضاري وإعطاء واقع المسلمين مميزات وخصائص قائمة على الوهم غير واقعية وغير موجودة :وهذا أيضاً يعتبر من الضعف النفسي والخنوع والوهم الذي قد ينتاب الكثير من المسلمين فتراه يتحدث عن أمريكا وإسرائيل بأنها ضعيفة وأنهما منهزمين وان العرب والمسلمين أقوى من كل دول العالم, وتراه يتحدث ويتحدث ويصور لك قوة المسلمين حتى تظن نفسك تعيش في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أنك تعيش في عهد الخلفاء الراشدين وهذا التفاؤل الغير واقعي الذي ينادي به بعض الدعاة يجعل من الإنسان المسلم يعيش حالة من الخيال وحالة من الوهم وحالة من التواكل والراحة وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على انهزام نفسي وهروب من الواقع عند بعض المسلمين .
فالمسلم الصحيح الواقعي هو الذي يعطي الأمور حجمها الواقعي دون زيادة أو نقصان فنحن لا نقول أن أمريكا وإسرائيل وغيرهم من الدول الاستعمارية أنهم دول ضعيفة ونبسط الموضوع كثيراً ولا نقول بالمقابل أن أمريكا وإسرائيل هما الحاكمين المطلقين في الأرض ويفعلون ما يحلوا لهما , وإنما التصرف الصحيح هو أن نعترف بقوة أمريكا و اسرائيل ولكن يجب ان نؤمن بقول الله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)) محمد 7 .فعندما نعود إلى عقيدتنا وإلى ديننا بشكل صحيح فإننا إن شاء الله نحن الغالبون وعندما ننصر الله حق نصره فإن الله ينصرنا ولن يتركنا والله على كل شيء قدير.(1/12)
12- الاقتصار على مسائل اسلامية بسيطة ومفاهيم سطحية في تربية الشباب المسلمين وترك مسائل التوحيد والعقيدة: وهذا العرض يصيب بعض دعاة وعلماء المسلمين فتراه يؤلف الكتب العديدة حول الأذكار والأوراد و التزكيات ولا يؤلف كتب في مجال التوحيد والعقيدة وإذا سألته لماذا لا تناقش أمور العقيدة وتدحض الشبهات المثارة حولها والتي أصبح من الضروري التصدي لها يقول: نحن نشغل الناس بالأذكار والأوراد ولا داعي لأن نناقشهم في أمور العقيدة والتوحيد لأنهم والحمد لله مسلمين ويؤمنون بأن الله واحد أحد فرد صمد.
ولكن السؤال الذي نطرحه لهؤلاء الدعاة ماذا لوترك هذه الإنسان تلك الأذكار والأوراد وراح يناقشه بعض الناس بأمور العقيدة والتوحيد ؟ النتيجة ستكون بحسب ما نجده في واقع بعض المسلمين بأن عقيدته سوف تهتز و قد تنهار والعياذ بالله عند أول امتحان فكري أو نقاش عقائدي لان عقيدته بالأساس غير قوية وفكره غير سليم وإنما جسد بدون عقل جسد يقوم بالعبادات وينسى التفكر هذا من جهة ومن جهة أخرى إن أول ما بدأ به الرسول الأعظم عندما دعى الناس عامة وربى أصحابه خاصة على التوحيد والعقيدة السليمة وكان الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام يوصي أصحابه بالبدء بالعقيدة والتوحيد ثم الانتقال إلى المسائل الفرعية الأخرى وإن عقيدة الإسلام والحمد لله يفهمها الطفل والشيخ والعالم والجاهل فهي عقيدة بسيطة تخاطب العقل والقلب بأسلوب فطري بسيط دون تعقيد فالرسول عليه الصلاة والسلام يعلمنا ذلك بقوله لعبد الله بن عباس رضي الله عنه -والذي كان طفلا –(1/13)
:((يا غلام ، إني معلمك كلمات ، إحفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، وإذا سألت فلتسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفّت الصحف » رواه احمد والترمذي بسند صحيح .
فهنا نلاحظ كيف رسولنا ومعلمنا الكريم صلى الله عليه وسلم قام بترسيخ العقيدة السليمة في نفس ذلك الطفل والذي أصبح علماً من أعلام الصحابة وهذا الحديث بحسب ما ذكره العديد من رجال العلم بأنه اشتمل على نصف عقيدة المسلم .
والحديث السابق فيه حجة قوية وجلية وهي أن نبدأ أولاً ببناء العقيدة في نفوس الناس ولا نقول هذا صغير وهذا غير واعي بعد فعقيدتنا والحمد لله خالية من التعقيد وإن رأينا شخص ما يقول بأن عقيدة الإسلام صعبة وتحتاج إلى عقول ناضجة لتدركها , عندها يجب أن نعلم أن ذلك الشخص إما أن يكون جاهلاً لعقيدة الإسلام أو بعيداً عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
13- إهمال الجانب الديني الدعوي للمرأة والنظر إلى المرأة بنظرة مقتبسة من أفكار العصر الجاهلي أو النظر إلى المرأة بمنظار الدول الغربية السافرة:(1/14)
أولاً: النظر إلى المرأة بنظرة دونية يعد من مظاهر الضعف النفسي الذي أصاب غالب المسلمين: فالمرأة كالرجل لها حقوق عليها واجبات هذه الحقوق والوجبات يجب أن تكون مأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله وليست من العادات والتقاليد البالية فنرى بعض المسلمين يعتبر دور المرأة فقط للطبخ وللنكاح ولطاعة الزوج وتربية الأولاد ويحرمها من حقها في التعلم وحقها في التعليم .... بل والأخطر من ذلك يمنعها من حضور دروس العلم في المساجد ومن شهود صلاة الجماعة والصلوات المسنونة كصلاة التراويح وإذا سألت ذلك المسلم لماذا تمنع زوجتك من الذهاب إلى المسجد فيقول هناك حديث بما في معناه أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من الصلاة في المسجد .... ولكن ذلك المسلم المنهزم أمام التعصب والتزمت والجهل والتخلف قد نسي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه «لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ الله مَسَاجِدَ الله» رواه مسلم. وهناك الكثير من هذه الحالات وقد سميتها انهزاماً نفسي لأن في الغالب مرد ذلك إلى التعصب ضد المرأة وهذا مبعثه التزمت وعدم الإنصاف، والغيرة المذمومة التي جاء بها الحديث: " إن من الغيرة ما يبغضه الله ورسوله .....” رواه ابن حبان في صحيحه، وهي: الغيرة في غير ريبة.
فالمسلم مادام رضي بالله عز وجل ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالإسلام دينا إذا فيجب عليه أن يحتكم إلى شريعة الإسلام ويدع العادات والتقاليد والأفكار التعصبية العمياء وأن يتخذ جانب الإنصاف وأن يستوصي بالنساء خيرا .
وإن التعصب الأعمى ضد حقوق المرأة التي أعطاها الله إياها ينتج عنه مخالفة الله تعالى وتعطيل بعض أحكام القرآن ومنها قوله تعالى ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم )) التوبة 71 .(1/15)
فهذه الآية واضحة أشد الوضوح بأن على المؤمنين – رجال- وعلى المؤمنات – نساء- أن يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر...... فإن منعنا المرأة من الخروج لتعلم علم الدين في المسجد أو في أي مكان آخر طبعاً ضمن الضوابط الشرعية وكان الزوج غير مهتم بتربية زوجته التربية الدينية وذلك بسبب انشغاله بمشاغل الحياة أو لأنه غير كفء أصلاً ليعلمها فماذا ستكون النتيجة ؟ طبعاً ستكون جهل المرأة بأمور دينها وعدم تربيتها التربية الصحيحة لأولادها و.... لذلك كل يوم نسمع قصة جديدة عن نساء تعرضن لكثير من حالات الغش والاغتصاب على أيدي بعض لعنهم الله ولعن من اتبعهم.
والسبب في ذلك هو جهل المرأة بأمور دينها والذي يحمل وزره الرجال المتعصبين والمتزمتين حيال المرأة وكذلك الآية الكريمة تمتدح من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقيم الصلاة ... رجالاً ونساء دون تمييز فكيف تأمر المرأة بالمعروف وتنهى عن المنكر وهي لا تفقه شيء في أمور دينها ... إذاً فمن ينصح السافرات من النساء في الشوارع ومن يعظهن فإذا رجل اقترب لنصيحتهن قلنا له : انتبه ممنوع الاقتراب والتكلم وإذا اقتربت امرأة منعنها زوجها أو أبيها أو أخيها بل وحتى قد يضربها ... فتكون النتيجة بأننا قد عطلنا حكم الله في الأمر في المعروف والنهي عن المنكر وحكمنا على الظواهر والعلاقات الاجتماعية بحكم يخالف حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والله تعالى يقول محذراً من ذلك بقوله ((...ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)) المائدة 44.(1/16)
ثانياً- النظر إلى المرأة بنظرة مقتبسة من الدول الغربية السافرة من أعراض الضعف النفسي الذي أصاب غالب المسلمين : كذلك الحال إعطاء المرأة مكانة لم يعطيها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم للمرأة ودعوة المرأة إلى السفور والفجور والتبرج يعد أيضاً من مظاهر الضعف النفسي التي يعاني منها بعض المسلمون وخصوصاً طلاب الجامعات والمسلمين القادمين من بعض الدول الغربية فنراه ينظر على أن الحجاب تخلفا وأن الإسلام قيد المرأة وحرم حقوقها ...! ونجده منبهراً بنظرة الغرب إلى المرأة وفي كل حديثه يقول يجب تحقيق المساواة بين الرجل و المرأة وللأسف المساواة التي يتحدث عنها ذلك المنهزم هي المساواة في الزينة والتبرج والخروج من المنزل والنزول إلى الأسواق والعمل والنوادي دون حسيب ولا رقيب هذا ما يسميه بالمساواة !.
الإسلام يريد من المرأة أن تكون لؤلؤة مصونة وذلك المنهزم وأمثاله يريدونها سلعة رخيصة يراها البار والفاجر ويكسر حياؤها المنافق والفاسق ويطمع بها المخادع والماكر.
إن الإسلام ليس كما يظنه أو يدعيه البعض بأنه دين مساواة لا إن الإسلام دين عدل معنى كلمة عدل هي أن تكون حقوق الإنسان وواجباته تتماشى مع قدرته ومواهبه فحساب العالم عند الله غير الجاهل وحساب القوي المتخاذل عن الجهاد غير حسب الإنسان الضعيف الجبان فحساب المرأة المقصرة أو الرجل المقصر الذين تتهيأ لهم الظروف والمقومات ويجدون من يشد على أيديهم ليخدموا دين الله ليس كمثل حساب الرجل أو المرأة الذين لم يجدوا من يساعدهم ويقويهم على خدمة دين الله فالله تعالى يقول ((......هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب )) الزمر9. فهذه الآية تبين وبشكل واضح أن الذي يعلم غير الذي لايعلم فالذي يذوق حلاوة العلم الشرعي المتجدد والدعوة إلى الله والحب في الله والإخلاص مع الله غير الذي لا يذوق تلك النعم فبقدر العطاء يكون الحساب .(1/17)
فموقف الإسلام تجاه الذكر والأنثى واضح كل له خصوصيات وعليه واجبات فمثلاً جعل الإسلام للرجل فضل القوامة على المرأة بقوله تعالى ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم...)) النساء 34. فقوامة الرجل على المرأة معناها الإحاطة والاعتناء والتولي وأنه هو المسئول عليها فالذي يقول بأن المرأة لها حرية التصرف في بيت زوجها وتربية أولادها كما يحلو لها مخطئ بل الرجل هو القيم على البيت وهو المسئول عنه وهو ولي أمر أولاده وبناته0
ومثال آخر عن أبي بكرةَ قال: «لقد نَفَعَني اللهَ بكلمةٍ أيامَ الجملِ، لما بَلَغَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ فارساً مَلَّكوا ابنةَ كِسرَى قال: لن يُفلحَ قومٌ ولَّو أمرَهُم امرأة».رواه بخاري(1/18)
فهذا الحديث يدل وبشكل واضح على عدم تولية المرأة للشؤون العامة للرجال لأن الرجال هم القوامون على النساء وليس في عدم تولية المرأة على الرجال انتقصا من حقها أو من مكانتها كما يروج إليه بعض المفتونون بالفكر الغربي لا وإنما صوناً لها وحفاظاً عليها وحمايتها من الأخطاء لأن المرأة بطبعها عاطفية حنونة بسيطة فطرية فقد تقودها هذه البراءة إلى الكثير من الأخطاء هي بغنى عليها وخصوصاً عند توليها لرجال يجيدون فن المكر والخداع ويستغلون براءة المرأة لتحقيق مصالحهم ولو على حساب أنوثتها وعلى راحة منزلها وهؤلاء المنافقين من الرجال أصلحهم الله ولعن المعاد المتكبر فيهم قد وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفاً دقيقاً بقوله ((يَحْرُجُ في آخِرِ الزَّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا بالدِّينِ، يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ جُلُودَ الضَّأْنِ مِنَ الِّلينِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ السُّكَّرِ وَقُلِوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ. يَقُولُ الله عز وجل أَبي يَغْتَرُّونَ أَمْ عَلَيَّ تَجْتَرِئُونَ؟ فَبِي حَلَفْتُ لأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ مِنْهُمْ فِتْنَةً تَدَعُ الْحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَاناً)) رواه الترمذي.
و عندما نتكلم عن حنان وعطف المرأة وبراءتها فلا يفهم من هذا الكلام أن هذا انتقاص للمرأة لا وألف لا فهذه النفس اللطيفة البريئة التي تتمتع بها المرأة جعلتها تمتلك قدرة كبيرة جداً في الصبر على تربية الأولاد بعكس عموم الرجال اللذين لا يستطيعون الصبر على تربية الأولاد وهناك العديد من الأمور الإيجابية الجوانب الخيرة التي يمكن أن تفيد المرأة بها الإسلام لعل الله يوفقني في الحديث عن ذلك في محاضرة أخرى إن شاء الله.
فيا أمة محمد عليه الصلاة والسلام الله الله في صون النساء الله الله في أعراض النساء الله الله في الحفاظ عليهن من كل منافق فاجر .(1/19)
ويا شباب الإسلام لا تنسوا وصية أبا الزهراء صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي يوصي الأمة بالنساء بقوله ((....اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً)) رواه مسلم في صحيحه.
بعض أسباب الضعف النفسي التي يعاني منها الكثير من المسلمون
والآن بعد أن تكلمنا والحمد لله رب العزة بشكل موجز عن أشكال الضعف النفسي التي يعاني منها الكثير من المسلمين لنحاول الآن يا شباب الصحوة دراسة الأسباب التي جعلت مسلم القرن العشرين و القرن الواحد العشرين ضائعاًً في هذه الحياة فاقداً لعزته وطموحه فاقداً لهويته وكيانه لعل الله يفيدنا عند تشخيص هذه الأسباب من معالجة أنفسنا أولاً ثم أهلينا ثم أحبابنا ثم الأمثل فالأمثل والله بعون العبد مادام العبد في عون أخيه والله الموفق وهو على كل شيء قدير فإن أحسنت فمن الله وإن أسأت فمن نفسي وحسبي الله ونعم الوكيل و سوف أستفيد إن شاء الله من كل كلمة كتبها أحد علماء أمة سيدنا محمد عليه والصلاة والسلام في هذا المجال .
فالمسلمون أمة واحدة يتعلمون من بعضهم البعض ويجير أدناهم على اعلاهم يتناصحون ويتعلمون من بعضهم البعض فلا احد من المسلمين معصوم عن الخطأ إلا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وقد وصفهم الله تعالى بقوله ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ....)) آل عمران 110.
وسنحاول تشخيص هذه الأسباب بنظرة واقعية علمية وعملية بنظرة نستفيد فيها من التاريخ إن شاء الله ونتطلع إلى مستقبل قويم ترفرف فيه راية لا إله إلا الله محمد رسول الله فوق مشارق الأرض ومغاربها .
يمكن تلخيص أسباب الضعف النفس الذي أصاب غالب المسلمين بما يلي :
1- عدم الفهم الصحيح لسنة تعامل الله عز وجل مع الطغاة والمعتدين والظالمين:(1/20)
قبل الخوض في تفاصيل هذه الفكرة يجب التذكر بأننا نناقش أسباب الضعف النفسي عند المسلمين أي عند أناس يؤمنون بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم ويحبون آل بيته وأصحابه رضي الله عنهم .
غالباً ما ترتبط الضعف النفسي بضعف العلاقة بين المسلم وبين ربه عز وجل فالمسلم السوي هو الذي تراه واثق الخطى قوي النفس ذو عزيمة ونشاط لا يتفوق عليه أحد بالجانب النفسي وهذا كله بفضل الفهم الصحيح للعلاقة مع الله عز وجل ولفهم سنة الله عز وجل مع خلقه ظالماً ومظلوما ولكن الذي يحدث لكثير من المسلمين أن هذه العلاقة قد تنهار وتضطرب وخصوصاً عندما يحتكون مع الكفار والظالمين فبعض المسلمين يظن بأن الله دوما ينتقم من الظالمين في الحياة الدنيا وبأسرع وقت وأن الكفار يجب أن يعيشوا في كرب وضيق وضعف وجبن وخوف ويستشهدون بآيات يفسرونها على حسب فهمهم والذي غالباً ما يكون خاطئ ولكنهم يتفاجئون بأنهم يرون الكثير من الظالمين يعيشون بقوة ومنعة وحياة ظاهرها سعيدة ومليئة بالفرح ويرون بالوقت نفسه بان الكثير من المتقين يعيشون حياة صعبة مليئة بمصائب والمشاكل
فلقد التقيت الكثير من المسلمين وكان سبب إعراضهم عن الله تعالى وعن الثقة والاعتزاز بدينهم وعقيدتهم هو أنهم تعرضوا لظلم عظيم ولم يأخذ الله من الظالمين حقهم – على حسب قولهم وفهمهم- لذلك ترى أولئك المسلمين منهزمين يائسين وميئسين ولم يعلموا أو قد لم يجدوا من يبين لهم أن سنة الله مع الظالمين لها عدة وجوه منها :(1/21)
أ- تأخير العذاب إلى يوم القيامة لقوله تعالى ((ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار* مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء )) ابراهيم 42-43 . وذلك ليكون حسابهم يوم القيامة أشد و أمر وليكونوا فتنة في الدنيا لأصحاب القلوب المريضة والمنهزمين وليمحص الله المؤمنين و يختبرهم ويبتليهم فمثلاُ لو ان كل ظالم يقتص منه الله تعالى في الحياة الدنيا لقلّّّّّّّ تعلق المؤمن المظلوم باليوم الآخر ... ويطول الحديث في توضيح هذه الفكرة لعل الله يوفقني أن أتكلم في هذه الفكرة بشكل موسع في محاضرة أخرى.
ب – مد الظالم في طغيانه وظلمه ليحاسب يوم القيامة أشد الحساب وأشد العقاب لقوله تعالى ((قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا )) مريم 75. فسنة الله مع عباده المؤمنين أن يزيدهم إيمانا وكذلك سنته عز وجل مع الظالمين هي المد في ظلمهم وهذه عقوبة لهم في الدنيا قبل الآخرة فالمؤمن يجنبه الله أماكن السوء ويمنع عنه المعاصي ويقيه من منابت السوء فالمؤمن وإن ظلم نفسه فالله عز وجل أولى به فكم سمعنا على رجال ونساء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم راودتهم نفسهم عن المعاصي ولكن الله عز وجل وقاهم منها وصرفهم عنها وصرفها عنهم فالله تعالى يقول ((الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )) البقرة 257 .لن أعلق بأي تعليق على هذه الآية العظيمة والتي هي أصل عظيم من أصول العقيدة الإسلامية وسأترك لكم حسن تدبرها والتفكر فيها والله الموفق وهم أكرم الأكرمين.(1/22)
ج- إن من أسماء الله العليم والحكيم فهو يعلم شؤون العباد ويدبرها وله حكم كثيرة في التعامل مع الظالمين قد تخفى علينا فعسى أن نكره شيئا وهو خير لنا وعسى أن نحب شيئا وهو شر لنا فالله تعالى يقول ((.....وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)) البقرة 216. فكم من مصيبة رفعت صاحبها أعلى الدرجات وكم من نعمة أنزلت بصاحبها إلى أسفل السافلين ويقول الله تعالى ((ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير )) الشورى 27 . فالله خبير بصيرا بعباده ويفعل ما يشاء بعباده وهو أرحم الراحمين.
ظلمهم وهذه عقوبة لهم في الدنيا قبل الآخرة فالمؤمن يجنبه الله أماكن السوء ويمنع عنه المعاصي ويقيه من منابت السوء فالمؤمن وإن ظلم نفسه فالله عز وجل أولى به فكم سمعنا على رجال ونساء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم راودتهم نفسهم عن المعاصي ولكن الله عز وجل وقاهم منها وصرفهم عنها وصرفها عنهم فالله تعالى يقول ((الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )) البقرة 257 .لن أعلق بأي تعليق على هذه الآية العظيمة والتي هي أصل عظيم من أصول العقيدة الإسلامية وسأترك لكم حسن تدبرها والتفكر فيها والله الموفق وهم أكرم الأكرمين.
2- عدم الفهم الصحيح لسنة تعامل الله عز وجل مع عباده المتقين : كما أسلفنا بأنه غالباً ما ترتبط الضعف النفسي عند المسلم بضعف العلاقة بينه وبين ربه عز وجل فالكثير الكثير من المسلمين يظن بأن العبد المسيء عندما يتوب ويتوجه إلى الله تعالى فإن الحياة سوف تصبح سهلة المنال وانه لن يتعرض لمصائب أبداً ...وفي هذا السياق أذكر لكم القصة التالية والتي جرت أمامي وأحطت بكل تفاصيلها :(1/23)
كان هناك مسلمة من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وكانت تعيش حياة تقترب في ظاهرها من الهلاك فكانت تلك المرأة كثيرة الاختلاط بالرجال ولم تكن تولي أهمية كبرى لخدمة الإسلام وكانت تسير عليها الأيام دون هدف أو غاية أخروية.
وشاء الله لتلك المسلمة أن يسّر الله لها من يعينها على نفسها ومن يجعل منها مصباح نور وهداية ومن يربيها تربية إسلامية قويمة ومن يأخذ بيدها ليجعلها تخدم الإسلام على أسس صحيحة وواقعية وبفضل الله أولاً وبفضل رسوله صلى الله عليه وسلم ثانياً وبصدق وإخلاص من ربى تلك المسلمة وبقوة عزيمتها بالفعل قد تغيرت هذه المرأة إلى الأفضل والأحسن وبفترة زمنية قصيرة وهذا التغير لاحظه عليها الجاهل والعالم والصديق والعدو والقريب والبعيد وانعكس على سلوكها وفكرها وحتى على مشاعرها
ولكن هل تعلمون ماذا حدث لتلك المرأة المخلصة إن شاء الله ؟
راح بعض المنافقين وبعض الثرثارة يتكلمون عليها بكلام سيء وبكلام ليس عليه رقيب وعلى عتيد بكلام نفاق وبكلام فسق والله المستعان عما يصفون الأمر الذي جعل تلك المرأة التي أحسبها صادقت مع الله ومع رسوله صلى الله عليه وسلم تنكسر وتنثني عزيمتها وكادت أن تنهار وقالت الجملة التالية ((أبعد أن اتجهت إلى الله يقال عني ذلك!!)) فعندما كانت تلك المرأة عاصية لله عز وجل مقصرة في خدمة الإسلام لم تسمع مثل هذا الكلام الذي أثاره بعض الجاهلين حولها بعد تبنيها لفكرة التوحيد وخدمة دين الإسلام أبعد الصدق و الهداية يقال ذلك ؟!.
فلننقاش السلوك النفسي لهذه المرأة بعد هذه المحنة ,فهناك احتمالين لسلوكها النفسي لا ثالث لهما وهما :(1/24)
- إما أن تنهزم وتعود إلى نقطة البداية أو تتوقف على حالها وهذا الذي يصيب الكثير من الدعاة في بداية تعرضهم للبلاء والامتحان وهذا يصدق قوله تعالى ((من الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين )) الحج 11.
- أو تمر في مرحلة انتقالية- وذلك إذا كانت تلك المرأة مصممة على مبدأها- يحدث فيها صراع مع النفس أسبابه أقاويل بعض الناس ويكون هذا الصراع سببه هو إيمان تلك المرأة بما كانت تفعله ولكنها اصطدمت بما قيل لها لأنها كانت تتوقع عكس ذلك فهي كانت تتوقع أن تعيش حياة سعيدة ترى فيها التيسير في أمورها وإقبال الناس عليها..... وستكون نتيجة هذه الصراعات والمناقشات الفكرية التي تحدث في نفس تلك المرأة إيجابية إذا التجأت تلك المرأة إلى الله تعالى وإلى سنة رسوله الكريم عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم وإلى معلميها اللذين سيوضحون لها حقيقة ما حدث وأنه بلاء طبيعي يصيب المؤمنين المخلصين والحمد لله هذا ما حدث وعادت تلك المرأة إلى تعلمها العلم الشرعي الصحيح بهمة أكبر وإلى دعوتها إلى الله عز وجل وأصبحت كالزهرة العطرة التي تفوح برائحة الإيمان العطرة وأتمنى لها التوفيق في الاستمرارية على مبدئها وعلى تعلمها دون انقطاع أوتقصر والله يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم.
وهنا يجب أن نذكر بعض من سنن الله في التعامل مع عباده المؤمنين:(1/25)
أ-زيادتهم إيماناُ فوق إيمانهم وهدى فوق هداهم لقوله تعالى ((.. إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى)) الكهف 13 ولقوله تعالى((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)) العنكبوت 69. فبداية الهداية إلى الحق الإيمان بالله عز وجل ثم يمن الله على عباده بالهداية ثم تتطور العلاقة بين المؤمن والله عز وجل حتى يصبح لسان ذلك المؤمن صوتاً للحق ومسيره طريقا للحق و يجنبه الله سمع الكذب والخداع والمهاترات والكلام الذي لا يضر و لا ينفع فقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ((إن اللَّهَ قال: من عادَى لي وَليّاً فقد آذَنْته بالحرب. وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افتَرَضْته عليه. وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أُحبه، فإذا أحبَبته كنت سمعه الذي يسمع به وبَصرَه الذي يبصر به ويدَه التي يبطِش بها. ورجله التي يمشي بها، وإنْ سألني لأَعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذَنه. وما ترددتُ عن شيء أنا فاعله ترَدُّدي عن نفسِ المؤمن يكرَه الموتَ وأنا أكرَه مَساءته» رواه بخاري .
والمعنى أنه لا يسمع إلا ذكري ولا يلتذذ إلا بتلاوة كتابي ولا يأنس إلا بمناجاتي ولا ينظر إلا في عجائب ملكوتي ولا يمد يده إلا فيما فيه رضاي ورجله . وقيل أيضاً أن معناه هذه أمثال والمعنى توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء، وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه عن مواقعه ما يكره الله من الإصغاء إلى اللهو بسمعه، ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره، ومن البطش فيما لا يحل له بيده، ومن السعي إلى الباطل برجله، قيل ملخصاً بما فيه معناه لا يتحرك له جارحة إلا في الله ولله، فهي كلها تعمل بالحق وللحق.(1/26)
ب – ابتلائهم واختبارهم وتمحيصهم ليظهر للناس صدق إيمانهم وتقواهم : إن من سنة الله مع عباده المتقين خصوصا مع الدعاة الذين سيحملون راية التوحيد و سوف يمتهنون مهنة الأنبياء الابتلاء أي يعرضهم للبلاء والمحن والفتن وإن القاعدة الشرعية التي تقول
(( المنحة بعد المحنة )) والقاعدة التي تقول (( التمكين بعد البلاء )) مستنبطة من سنة الله مع عباده المؤمنين وخصوصاً الدعاة لأنهم الكفة الراجحة في معادلة التغيير الاجتماعي.
لأنه دوما بعد الفتن والبلاء يصبح الداعي صاحب الثبات على المبدأ وصاحب الإصرار والعزيمة أكثر قوة لأنه تمرس على نوع جديد من البلاء والفتن.
وإن من يقرأ السيرة النبوية باحثاُ عن سنة التمكين بعد الاختبار والبلاء يجدها واضحة جلية فنلاحظ أن سيد الدعاة ومعلمهم صاحب المدرسة الدعوية الأولى صلى الله عليه وسلم تعرض لشتى أنواع البلاء والفتن والمصائب وخصوصاًً في الفترة المكية ولاسيما يوم الطائف الذي كان شديد الوطأة على أبي الزهراء صلى الله عليه وسلم ولكن هذه الفتن والمحن ما زادت نبينا الكريم إلا إصراراً على مبدأه وقوة في الدعوة فأكثر الناس بلاء هم الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل لقوله صلى الله عليه وسلم ((إن من أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) رواه أحمد في مسنده.
فالمؤمن قوي الشخصية واثق المبدأ المتوكل على الله حق توكله لا تزيده الابتلاءات والفتن إلا إصراراً على مبدأه وإيمانا بربه عز وجل لأنه يدرك معنى قوله تعالى ((أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون *ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)) العنكبوت -32.
وهنا لابد لي من أنبه دعاة وداعيات المسلمين إلى نقطة هامة وهي:(1/27)
إن من يحمل مبدأ الدعوة إلى الله عز وجل ويهتدي بهدي نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم لا بد له ينال نصيبه من الفتن والبلاء فلكل داعي إلى الله كتب عليه نصيبه من الفتن والابتلاء وهذا النصيب قد يدفعه مبكراً عند بادية انطلاقه في العمل الدعوي أو متأخراً في آخر حياته أو قد يدفعه كل يوم ومن يقرأ التاريخ دعوة الإسلام يجد ذلك واضحاً جلياًً فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم دفع ذلك الثمن فتعرض لشتى أنواع المضايقات ولشتى أنواع الابتلاءات- طبعاً بعد البعثة النبوية- والسيدة عائشة-سيدة الداعيات- رضي الله عنها اتهمت بعرضها أيضاً...... والإمام مالك رضي الله عنه – صاحب الموطأ- دفع ذلك الثمن في حياته فضرب من قبل الخلفاء العباسيين وجلد وطيف به في المدينة المنورة والإمام أبو حنيفة سجن ويقال دس له السم فمات أيضاً والإمام الشافعي سجن وكادت عنقه أن تضرب زمن الخلفاء العباسيين أيضاً والإمام أحمد سجن وضرب ومنع من التدريس ومن الفتوى أيضا ....
فالمؤمن قوي الشخصية واثق المبدأ المتوكل على الله حق توكله لا تزيده الابتلاءات والفتن إلا إصراراً على مبدأه وإيمانا بربه عز وجل لأنه يدرك معنى قوله تعالى ((أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون *ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)) العنكبوت -32.
وإن من يتعمق بالتاريخ الإسلامي يجد الكثير الكثير من هذه الابتلاءات ولكن دوما التمكين يكون بعد الابتلاء وهذا ما تعلمانه من مدرسة محمد عليه والصلاة والسلام .(1/28)
لذلك يا دعاة وداعيات الإسلام لا تهزموا أمام البلاء والفتن واعلموا أن الله لن يتخلى عنكم فلا تتخلوا عنه وتيقنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر منكم الكثير الكثير فأعطوا الإسلام حقه والله الموفق والله غني عن الناس فالله عز وجل متم أمره وناشر دينه ومظهره على الدين كله لا محالة , بنا أو بغيرنا فلماذا لا نحظى بهذا الشرف الكبير والعمل العظيم ونترك الوهم والكسل والتعقيد والتذبذب لكي لا يحرمنا الله من شرف خدمة الإسلام ويختار لنصرة الدين غيرنا فالله تعالى يقول ((وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)) محمد 38.
ج- تطهيرهم من الذنوب والخطايا والتي لا يسلم منا أحد من البشر إلا الأنبياء المعصومين عن الخطأ:إن الفتن والمصائب والحوادث والنوازل تصيب المؤمن والكافر والمخلص والمنافق فهي من السنن الكونية التي تصيب عامة البشرية و لكن ما يميز المؤمن عن غير المؤمن هو أن كل مصيبة يتعرض لها يرتفع بها درجة عند الله تعالى فالمؤمن في المصائب يصبر ويحتسب وفي النعم يشكر ويحمد الله فالمؤمن دوما مع الله وإليه منيب ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((عَجَباً لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ. إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ. وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ. إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ. فَكَانَ خَيْراً لَهُ. وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ)) رواه مسلم في صحيحه.(1/29)
فالذي يريد منا أن يعرف أين وصل في سلم الإيمان فليقس نفسه على الحديث السابق فإن كان يصبر ويحمد الله على كل حال عند المصائب والفتن التي يتعرض لها ولا تتأثر علاقته بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبمن يوجهه إلى طاعة الله ورسوله ولا يتأثر عطاءه للإسلام – بشكل غير مقبول- فهو مؤمن وكذلك فليراقب نفسه أيضاً عندما يكرمه الله بالعطاء والنعم هل ينسى حق الله وهل ينسى حق نبيه صلى الله عليه وسلم وهل ينسى من أعانه على خدمة الإسلام ورباه تربية الإسلام فللأسف نجد الكثير من المسلمين عندما تكون الدنيا بهم ضيقة يتجهون إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعندما يعطيهم الله من نعمه تراه نسيب كل شيء وأصبح أكبر همه هو سعادة نفسه و راحته الشخصية أو العائلية وينسى ما عاهد عليه الله وهذا السلوك غير العادل وغير القويم من بعض المسلمين قد وصفه الله تعالى وصفاً دقيقاً بقوله ((وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل ...)) الزمر8, ((فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون)) الزمر49, ((وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون)) يونس12.
فنجد الكثير من المسلمين يكون عطاءهم للإسلام رائعاً وجيدا طالما أن أمورهم الدنيوية متعثرة كأن يكون لديهم مشاكل في عملهم أو في دراستهم أو في الحياة الزوجية .... وعندما تحل هذه المشاكل نجد ان نشاطهم الدعوي والتربوي قد قلّ وأصبح في حده الأدنى وقد ينعدم أحياناً .(1/30)
وهناك نموذج آخر من المسلمين يكونون أكثر نشاطاً طالما أن أمورهم الدنيوية ميسرة وحياتهم العائلية او الزوجية مستقرة لذلك يجب على المسلم والمؤمن والداعي والمجاهد خاصة أن يطلب من الله دوما ان يهيأ له الظروف التي تجعله خادماً لدين الله بالشكل الأفضل وأما نوع الظروف (حياة سعيدة أو حياة مليئة بالمشاكل أو استقرار عائلي أو مشاكل عائلية......) فالله هو الذي يقدرها بما يتوافق مع شخصياتنا فرب ضارة نافعة ورب نافعة قاتلة والله تعالى يقول ((.. وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ّّّّ)) البقرة 216, فالله رب العزة العليم بخفايا النفس وما تخفي الصدور هو أعلم بما يصلحنا مما يضرنا.
فلك الحمد يا الله على ما قضيت و لك الشكر يا لله على ما قدرت وأعطيت.
اللهم اجعلنا ممن يستقيم على حبك وعلى حب نبيك صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه واجعلنا ممن يستقيم على خدمة دينك وعلى التجديد والتيسير فيه ولا يجعلنا ممن يعقد ويتنطع فيه والحمد لله رب العالمين.
3- عدم الفهم الصحيح لسنة وشخصية رسولنا الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم والاقتداء ببعض سننه وترك البعض الآخر:
إن عدم الاقتداء الصحيح بالرسول صلى الله عليه وسلم يسبب انهزاماً وإحباطاً نفسياً للمسلم والمؤمن بصورة عامة وبصورة خاصة للداعي الذي ينوي أن يجدد للأمة دينها بعد أن دخلت الكثير من العادات والتقاليد والأفكار في صلب الدين وليست هي من الدين أو من أصل الدين.
إن فهمنا الدقيق لسنة وشخصية نبينا الكريم يهيأ لنا حصناً نفسياً يقينا من النكسات والنكبات والهزائم النفسي لأن الاقتداء بالسنة المطهرة لا يكون فقط الصلوات والأذكار والأدعية لا وإنما يكون بالمنهجية الحياتية والأسس الدعوية والطرق المعيشية والسنن التعاملية ولكي أوضح هذه الفكرة بإذن الله تعالى لنأخذ المثال التالي:(1/31)
هناك بعض المسلمين يعاملون الناس كلهم بطيب نية وببراءة زائدة وبضعف ويطأطئون الرأس أمام البار والفاجر ويسامحون المسيء دوماً مما يجعل الكثير من الناس يغشونهم و يستخفوبهم ويجدونهم فريسة سهلة للممارسة الغش والخداع وإذا سألت المسلم الذي المغبون لماذا تعامل الناس بهذا الشكل يقول لك : أمرنا رسول الله أن نحسّن أخلاقنا مع الناس وأن نعاملهم بطيب وبحسن نية ....
ولكن الذي يحدث بعد فترة أنّ هذا المسلم الذي فهم بعض سنن رسول الله خطأ أو اقتصر
في تطبيقه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض الأمور قد أصابه الإحباط وأحيانا الانهيار والسبب في ذلك لأنه تعرض للعديد من حالات الغش والخداع والنصب والاحتيال والاستهزاء فأصيب بمرض الضعف النفسي وأصبح منهزماّ معزولاً عن الناس ضعيف القوة وضعيف الرأي أو أصبح ظالماًً جائراً غير متوازن الشخصية وكل ذلك بسبب عدم فهمه للسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكل عملي وواقعي فالطيب والصفح له مكان للتطبيق والحزم والعزم والجد والقوة لها تطبيق فالرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام علمنا مبدأ الحذر والعزم بقوله «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْن» متفق عليه. وسببه هو : أنه لما أُسر أبو غرة الجمحي الشاعر ببدر-المشرك- فشكا فقره وبين لأن لديه عائلة يعولها... فَمَنَّ عليه النبيّ وأطلقه بغير فداء ثم ظفر به بأحُد فقال: مُنَّ عَليَّ وذكر فقراً وعائلة، فقال: «لا تَمْسَحُ عارِضَيْكَ بِمَكَّةَ تَقُولُ سخِرتُ بِمُحَمَّدٍ مَرَّتَيْنِ» وأمر به فَقُتِلَ. قال ابن هشام في تهذيب السيرة، عن سعيد بن المسيب أنَّ النبيّ قال حينئذ: «لا يُلْدَغُ» فذكره، فصار الحديث مثلاً أي معنى الحديث السابق : ليكن المؤمن حازما حذرا لا يؤتى من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى، وقد يكون ذلك في أمر الدين كما يكون في أمر الدنيا وهو أولاهما بالحذر.(1/32)
فالحلم ليس محمودا مطلقا، كما أن الجود ليس محمودا مطلقا، وقد قال تعالى في وصف الصحابة ((أشداء على الكفار رحماء بينهم)) الفتح 29.
لذلك يجب على المؤمن ان تتوازن شخصيته بين الحزم واللين وبين الصفح والمعاقبة فالحكمة هي أن تضع كل شيء موضعه دون إفراط أو تفريط وليس من الحكمة أن تكون ليناًً فتعصر ولا صلباً فتكسر.
4- عدم الفهم الصحيح لسنة الله في تداول القوى والانتصار في المعارك: يظن بعض المسلمين أن النصر في المعارك والصولات والجولات يجب أن يكون دوماً للمسلمين المؤمنين وعلى النقيض هناك البعض الآخر ظنّ أنه قد كتب على المسلمين اليوم وغداّ الذل والمسكنة وأنه لن تقوم للإسلام قائمة ويقول إن إسرائيل وأمريكا وأحلافهما هم الحكام المطلقين للعالم ولن تقوم للمسلمين قائمة فالمسلمين منهزمين في فلسطين وفي الجولان وفي لبنان وفي العراق وفي جميع أنحاء العالم ويقول ذلك المنهزم بان أمر الإسلام لن ينصلح إلا بنزول عيسى أو بظهور المهدي عليهما السلام .
ونرى ذلك المنهزم يقلل من شان المسلمين ويحطّم من معنوياتهم ويهوّل ويضخّم كثيرا من شأن إسرائيل وأمريكا وأعوانهما ويدعم ذلك المنهزم أوهامه وتصوراته المستقبلية ببعض المعارك التي ربحتها إسرائيل وأمريكا في العصر الحديث وينسى بعض انتصارات المسلمين حديثاُ(1/33)
وهذا خطأ كبير فمن سنة الله في هذه الحياة أن يجعل ميزان القوى تارة يرجح لصالح الباطل وتارة أخرى لصالح الحق ولكن دوما في النهاية العاقبة للمتقين فمثلاُ الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام ربح معركة بدر ثم خسر معركة أحد وربح معارك أخرى ولكن في النهاية دوماُ تكون العاقبة للمؤمنين وقد بين الله عز وجل في كتابه الحكيم سنة التداول وخصوصاً بعد معركة أحد لأن خسارة معركة أحد قد أثرت على معنويات عدد من الصحابة رضي الله عنهم وسببت لبعضهم إحباطاً نفسياً لذلك أراد الله عز وجل أن يعلمهم سنته في تداول القوى فيَقُول تَعَالَى مُخَاطِبًا عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا أُصِيبُوا يَوْم أُحُد وَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ : ((ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين. إن يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرح مثله وتلك الايام نداولها بين الناس وليعلم اللّه الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء واللّه لا يحب الظالمين. وليمحّص اللّه الذين آمنوا، ويمحق الكافرين. أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يعلم اللّه الذين جاهدوا منكم ويعلم لصابرين))آل عمران 139-142 .
والآن، لنتوقف قليلا عند هذه الآيات المباركات من سورة آل عمران، لنجد كيف يجعل اللّه تعالى أيام الباساء والضراء فرقانا في حياة الناس
وتحوّل الآيات هذه النكسة المرّة في حياة المسلمين الى قوّة واستعلاء، وتنتزع منها الخوف والوهن: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون...). وهو انقلاب عجيب في ماهية الاحداث، حيث تتحول النكسة الى استعلاء ويتحول الوهن والخوف الى قوة وأمن. وعامل الانقلاب هو "الايمان":(إن كنتم مؤمنين).
ثم تذكرهم الآيات الكريمة أن ما أصابهم من القروح في المعركة هي من متطلبات المعركة والمواجهة. ولما كانت المواجهة مع أئمة الكفر قضية حتمية من قضايا الدعوة الى اللّه فان ما أصابهم من القروح في المعركة يدخل في حتميات الدعوة الى اللّه وليس منها بد.(1/34)
ولكن مع ملاحظة نقطتين:
الاولى أن ما أصابهم من القروح أصاب أعداءهم كذلك: (إن يمسسكم قرح فقد مسَّ القوم قرح مثله). وهذه هي النقطة المشتركة بين الحزبين.
والنقطة الثانية هي التي يختص بها حزب اللّه دون حزب الشيطان وتشير إليها الآية 104 من سورة النساء:(... إن تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من اللّه مالا يرجون...).
ثم تقرّر الآية الكريمة أن هذه النكسة وتلك النشوة، وهذه الضعف وذلك الفوز، أجزاء من حركة التاريخ وفي هذه الحركة يداول اللّه تعالى أيام النصر والنكسة بين الناس ومن خلال ذلك يدير اللّه تعالى حركة التاريخ: (وتلك الأيام نداولها بين الناس).
إلا أن العاقبة دائما في هذه المداولة للمتقين ولن تتغير هذه النتيجة مهما كانت أيام النكسة مرة : (قال موسى لقومه استعينوا باللّه واصبروا إن الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) الأعراف 128 .
وبعد هذه الحقائق يأتي دور الفرقان. إن هذا التداول في الفوز والنكسة، ونشوة الفوز ومرارة النكسة: (ليعلم اللّه الذين آمنوا) واللّه تعالى يعلم من دون ذلك من دون ريب.. والمقصود ليفرز اللّه الذين آمنوا حق الإيمان عن الذين لم يؤمنوا حق الإيمان، وليفصل اللّه الذي صدقوا عن الكاذبين، والذين ترسخ الإيمان في قلوبهم وصدورهم عن الذين أخذوا الإيمان عارية ومؤقتة.
إن القروح التي أصابت المسلمين في معركة أحد كان لابد منها لفرز هؤلاء عن أولئك: (وليعلم اللّه الذين آمنوا). وهذا هو التمحيص في المجتمع، والفرقان الأول في المجتمع. ومن دون هذا التمحيص والفصل والفرقان في المجتمع لا تستطيع هذه الأمة أن تستلم دور الخلافة والإمامة على وجه الأرض، ولا يمكن أن يتخذ اللّه تعالى منهم شهداء وقيمين على حياة الناس(1/35)
. فان اللّه تعالى لا يتخذ الشهداء من الظالمين. فإذا دخلت الأمة التمحيص وخضعت للفرقان، وانفرز فيها المؤمنون الصالحون عن غيرهم.. عندئذ يتخذ اللّه منهم شهداء.
وإذا كان هذا التمحيص والفرقان تمحيصا في سطح المجتمع فان اللّه تعالى يريد بهذه القروح تمحيصا وفرقانا آخر داخل النفوس: (وليمحص اللّه الذين آمنوا).
وهذا التمحيص تمحيص في العمق، وداخل النفوس. و في نفوس المؤمنين أيضا يقين وشك، وصلاح وضلال، وصدق وكذب، وقوة وضعف، وتقوى وفجور، وتوحيد وشرك.
واللّه تعالى يريد للمؤمنين التمحيص حتى يطرد من نفوسهم الشك والضلال والكذب والضعف والفجور والشرك، وتخلص نفوسهم من ذلك، ويكون لهم اليقين والصلاح والصدق والقوة والتقوى والتوحيد نقياً خالصاً من كل شوب.
وكما لا تخلص ذرات الذهب المشوبة بالتراب إلا عبر المرور بدرجة عالية من الحرارة لتنفصل فيها ذرات التراب من المعدن ويخرج المعدن نقياً من وسط التراب العالق به.. كذلك لا تصفو نفس الإنسان إلا من خلال حدة قروح الضراء والبأساء التي يمرر اللّه تعالى المؤمنين من خلالها.
ولا تختص هذه المعاناة بالمؤمنين، فان هذه القروح كما قال اللّه تعالى تصيب هؤلاء وأولئك على نحو سواء: (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله).
وهذا التمحيص تمحيص في العمق، وداخل النفوس. وفي نفوس المؤمنين أيضا يقين وشك، وصلاح وضلال، وصدق وكذب، وقوة وضعف، وتقوى وفجور، وتوحيد وشرك. واللّه تعالى يريد للمؤمنين التمحيص حتى يطرد من نفوسهم الشك والضلال والكذب والضعف والفجور والشرك، وتخلص نفوسهم من ذلك، ويكون لهم اليقين والصلاح والصدق والقوة والتقوى والتوحيد نقياً خالصاً من كل شوب.(1/36)
وكما لا تخلص ذرات الذهب المشوبة بالتراب الاعبر المرور بدرجة عالية من الحرارة لتنفصل فيها ذرات التراب من المعدن ويخرج المعدن نقياً من وسط التراب العالق به.. كذلك لا تصفو نفس الانسان الا من خلال حدة قروح الضراء والبأساء التي يمرر اللّه تعالى المؤمنين من خلالها)) أ. محمد مهدي الآصفي من مقالته بعنوان الفرقان .
ويقول د .محمد عمارة في مجلة المصريون بعنوان سنة التداول :((وإذا كان الحال كذلك مع سنة التداول فإن الضعف النفسي لا يجوز لها أن تعرف مكانا لها بين الأمة التي تؤمن بهذه السنة مهما اشتدت المحن وطال الليل وتكاثفت الظلمات خصوصا مع تصديق التاريخ على صدق سنة التداول في مراحل هذا التاريخ ...ومع البشائر التي تؤكد عليها الأحاديث النبوية.
فإذا دعت هذه الأمة تاريخها في ظل سنة التداول وإذا أدركت أرصدتها الحضارية والمادية في ظل هذه السنة فإن الهزيمة النفسي التي هي أخطر تحديات واقعنا المعاصر لن تجد لها طريقا مفتوحا إلى عقول هذه الأمة وقلوبها …(1/37)
صحيح أن سفينة هذه الأمة الإسلامية تناوشتها الأمواج العاصفة في محيط عالي أعلنت الفرعونية والقارونية الغربية فيه الحرب الصليبية على الإسلام وأمته وحضارته وعالمه ...وأن التحديات المعاصرة تريد تحويل "نعمة التعددية" إلى "نقمة التشرذم المذهبي" ...لكن الوعي بعمل سنة التداول في التغيير والنهوض عبر التاريخ.. تاريخنا وتاريخ الأمم الأخرى يقول لنا :لقد كانت الفتوحات الإسلامية التي فتح فيها المسلمون في ثمانين عاما أوسع مما فتح الرومان في ثمانية قرون والتي هزم المسلمون فبها قوى الهيمنة العظمى الروم والفرس التي قهرت الشرق عشرة قرون ...تجديدا لسنة التداول بين الأمم والحضارات ......وكذلك كان التحرير الإسلامي الذي قادته دول الفروسية الإسلامية الأيوبية والمملوكية ـ ضد التيار والحملات الصليبية التي دامت قرنين من الزمان ...وكذلك كانت حركات التحرر الوطني في تاريخنا الحديث تلك التي دفعت الإمبراطوريات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والسوفيتية في نصف القرن الأخير )).
5- عدم الفهم الصحيح لحقيقة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله : هناك بعض المسلمين يعتقد بشكل أو بآخر بان الصحابة رضي الله عنهم معصومين عن الخطأ قد لا ينطق بذلك لسانه ولا يجرأ على ذلك لأننا كلنا نعلم إنما العصمة عن الخطأ تكون للأنبياء وحدهم ولكن أسلوب محاكمته للأمور ومناقشاته ومنهجه الفكري يدل وبشكل واضح على أنه يعتقد أن الصحابة رضي الله عنهم معصومين عن الخطأ وينسى أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يخطئون ويصيبون
ولكن كيف ينهزم ويحبط نفسياً ذلك المسلم ؟ ....(1/38)
يحدث الإحباط والضعف النفسي عندما يناقش ذلك المسلم مسلماً آخر يكون له بعض الاعتقادات في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تخالف اعتقاداته أو عندما يناقش شخصاً آخر غير مسلم ولكنه عالم بالتاريخ ومطلع على سير الصحابة رضي الله عنهم وتبدأ مشكلة المسلم الأول –الذي أخطأ الاعتقاد في الصحابة- عندما يقوم المسلم أو الملحد بتسليط الضوء على بعض الأخطاء والهفوات التي صدرت من بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ويقوم بتعظيمها .... فنجد المسلم الأول يسارع الجواب بنفي تلك الأخطاء وبتكذيب المسلم الآخر والملحد وقد يكفرهما!!...
وينهي النقاش بل ويهرب منه ! ..... ويذهب إلى منزله أو إلى أحد أصحابه الذي يشاركه خطأ الاعتقاد في الصحابة رضي الله عنهم ويبدأ البحث للتأكد حول صحة ما سمع حول بعض الهفوات التي صدرت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم فيقرأ مثلاً شيء عن قصة الخلاف البسيط التي جرى بين الأنصار والمهاجرين في سقيفة بني
ساعدة- التي بويع بها سيدنا أبي بكر رضي الله عنه- ويقرأ شيء آخر عن مقتل سيدنا عثمان رضي الله عنه ويقرأ شيء عن معركة الجمل (التي جرت فيها حرب بين الصحابة رضي الله عنهم) ومعركة صفين ... فنرى ذلك المسلم إن صح القول المغالي في فهمه لحقيقة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انهار واضطرب وخصوصاً إذا لم يكن لديه مربي كفء يحبّه و يجيبه عن تساؤلاته بشكل علمي وواقعي دون تحيز أو تدليس أما إن وفق الله ذلك المسلم وهيأ له مربياً رحيما حنونا يحبه أكثر من نفسه فسوف يجد الإجابة إن شاء الله عن كل تساؤلاته وخواطره وهواجسه ويتحول ذلك المسلم الضعيف سابقاٌ إلى مسلم طموح قوي إن شاء الله.
وهنا تجدر الإشارة إلى تنبيه نفسي وأخوتي إلى الفكرة الأساسية التالية والتي تتعلق باعتقادنا بالصحابة رضي الله عنهم:(1/39)
إن الصحابة رضي الله عنهم بشر يخطئون ويصيبون ولكن أخطائهم لا تشكل إلا الشيء اليسير من صالح أعمالهم وكل الناس معرضين للخطأ لقوله صلى الله عليه وسلم ((كلُّ بني آدمَ خطاءٌ، وخيرُ الخطائينَ التوابونَ». رواه الترمذي وابن ماجه والدرامي وغيرهم.
هناك تفاوت إيماني بين الصحابة رضي الله عنهم فليسوا كلهم بالمكانة والمنزلة سواء فالذي أسلم قبل الفتح خير ممن أسلم بعد الفتح والذي هاجر خير من الذي لم يهاجر لقوله تعالى((....... لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير )) الحديد10.
وإن معرفتنا هذا التفاوت يعطينا إدراك ومعرفة مسبقة عن بعض الأخطاء التي نتجت في الغالب عن بعض الذين أسلموا بعد فتح مكة المكرمة وعلى كل حال لم يقل الله تعالى عز وجل بقرآنه أو على لسان نبيه بالعصمة لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتبقى محاسن الصحابة كالجبال الشاهقة أمام بعض هفواتهم فهم خير امة أخرجت للناس ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ... )) آل عمران 110.(1/40)
6- تعميم الخطأ والفشل في قضية ما على سائر القضايا والأمور المشابهة: وهذا يصيب بعد الدعاة الجدد أو بعض العلماء الجدد فمثلاُ نرى بعض المسلمين مثلاًُ أخطأ في قضية ما وليكن مثلا هذا الخطأ كان في أسلوبه الدعوي حيث لم يختار المكان المناسب ولا الزمان المناسب ولا الشخص المناسب لطرح أفكاره وكانت النتيجة سلبية جداً فنجد ذلك الداعي قد انهزم وقد يقلع عن الدعوة إلى الله بحجة أنه لا يصلح للدعوة أو أنه يوجد من الدعاة من هو أفضل منه .... و كل هذه الكلمات كلمات انهزامية لأن العلوم الدنيوية (الطب- الهندسة – الكيمياء....) تحتاج إلى خبرة وممارسة وكثيراً ما يخطئ الطبيب في تشخيص الحالات المرضية عند بداية مسيرته الطبية وكثيرا ما يخطئ المهندس في تصوراته للحلول الهندسية في بداية حياته المهنية فهل هذا يدل على أن ذلك الطبيب أو المهندس فاشل!! لا وألف لا ولا أحد يأتي إلى هذه الحياة وهو يعلم كل شيء فلابد من الوقوع في بعض الأخطاء في أي مجال ما عند بدايته ولكن العاقل من يتعظ بغيره ويبدأ من حيث انتهى الآخرين ويستفيد من أخطائه ويحفظها ليحذر الآخرين من الوقوع بتلك الأخطاء فالمؤمن ذكي يستفيد من كل الفرص المتاحة أمامه مادامت لا تغضب الله عز وجل.
ولنأخذ مثالاً آخر على الضعف النفسي التي يتعرض لها الكثير من المسلمين عند بداية حياتهم الإيمانية الصحيحة وهو الإقلاع عن طلب العلم الشرعي وخدمة الإسلام
لقد شهدت الكثير من المسلمين الذين أقلعوا عن طلب العلم الشرعي وكان السبب المباشر لذلك هو عدة أمور أهمها:(1/41)
عدم موافقة طموحاتهم وطاقاتهم لأسلوب العلم الشرعي الذي يتلقونه وعدم معرف ميولهم وقدراتهم :فالإسلام فيه العديد من أنواع العلوم الشرعية كلها تندرج تحت راية الإسلام فكما أن في العلوم الدنيوية تخصصات كالطب والهندسة كذلك في العلم الشرعي تخصصات أيضاَ فمثلاُ قد تذهب لعند مربي فاضل أو عالم جليل ويقوم بتعليمك فقط فضائل الأعمال والأذكار والأوراد ... وتجد نفسك أنك غير راغب بذلك وغير متفاعل مع تلك المواضيع فإذا كان عندك رغبة جادة في طلب العلم الشرعي والتربية السليمة فيجب عليك البحث عن مربي آخر يجيد نوع آخر من علوم الدين كعلم فقه الواقع و علم التاريخ الإسلامي وإياك والانهزام واحذر داء الضعف النفسي . فإنك قد لا تصلح أن تكون فقيها فقد تصلح أن تكون داعيا وقد لا تصلح أن تكون مجاهداً وقد تصلح ان تكون عالماً بالتاريخ ... فلقد خلق الله عز وجل البشر من نفس واحدة ولهم نفس التكوين الوظيفي الجسدي أما التكوين النفسي والميول والرغبات فهي مختلفة من إنسان لآخر وهذا من حكمته الله عز وجل بأن جعل في الأمة الإسلامية جميع ألوان الطيف الإسلامي.
فالصحابة رضي الله عنهم كذلك الأمر مختلفون بالميول والرغبات والقدرات والطاقات فمنهم من لا يصلح للإمارة ويصلح للدعوة ومنهم من لا يصلح للجهاد الجسمي ويصلح للجهاد الفكري ومنهم من برع في الفقه ومنهم من برع في تلاوة القرآن ومنهم من عالما ومنهم من كان متعلما ويصدّق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «أَرْحَمُ أُمَّتي بأُمَّتي أبو بَكْرٍ، وأَشَدُّهُمْ في اللَّهِ عُمَرُ، وأَصْدَقُهُمْ حياءً عثمانُ، وأقرؤُهُمْ لكتابِ الله أُبَيُّ بنُ كعبٍ، وأفرضُهُمْ زيدُ بنُ ثابتٍ، وأعلَمُهم بالحلالِ والحرامِ مُعاذُ بنُ جَبَلٍ، ألا وإنَّ لِكُلِّ أمةٍ أَميناً، وأَمينُ هذهِ الأُمةِ أبو عُبيدةَ بنُ الجَرَّاحِ» رواه احمد وابن حبان وغيرهم وفي رواية لابن ماجه ((وَ أَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ)).(1/42)
فنلاحظ أن الصحابة رضي الله عنهم كل قد برع في مجال من مجالات الأمور الشرعية مع معرفتهم الجيدة ببقية المجالات وإلمامهم بها يكون كل حسب طاقته ومقدرته.
وهنا لابد لنا أن نشير إلى فكرة هامة وهي: من المفضل أن يلم الداعي إلى الله بجميع أنواع العلم الشرعي بما يتناسب مع دعوته وذلك ليثق الناس به وبعلمه وليس مطلوباً منه أن يلم بشكل تفصيلي بكل أمور العلم الشرعي وإنما يختار ما يناسب واقعه فيتعلمه ويتوسع به وعلى كل حال إن كان للداعي من يشرف على تربيته فإن المربي إن شاء الله سوف يوجهه التوجيه القويم والتوجيه السليم.
وسبب آخر لإقلاع بعض المسلمين عن طلب العلم الشرعي وخدمة الإسلام هو:
ب- عدم التآلف مع المربي أو المعلم : شهدت الكثير من المسلمين أيضاً قد أقلعوا عن طلب العلم الشرعي بحجة أنه لم يحب معلمه أو أن أسلوب معلمه غير جيد أو لأسباب أخرى كاستصغار المعلم لتلميذه و ما شابه ذلك من الأمور الأخرى ..... لأن الناس معادن كمعادن الذهب والفضة فإنك قد تجد عالم ذائع الصيت وتذهب لعنده لتتربى عنده أو تتعلم منه العلم الشرعي فتتفاجئ مثلاً بأن أسلوب تعامله معك قد لا يعجبك أو أنك كنت ترسم صورة أخرى لعلاقة العالم مع المتعلم أو للمربي مع المتربي فبعد تعرضك لهذه الصدمة إن صح القول قد تقلع عن طلب العلم وتعمم النتيجة التي حصلت عليها من ذلك العام على كل العلماء الآخرين .(1/43)
ومثال آخر نجد بعد الشبان والشابات وخصوصاً أصحاب العقول النيرة أحياناً يلتزمون مع جماعة معينة لها منهج فكري معين ثم نجد أن بعضهم ترك هذه الجماعة لأنه لم يستطع أن يتآلف معهم أو لم يجد في تلك الجماعة مكاناً لطموحه ولمنهجه الفكري ونراه بعد ذلك أقلع عن طلب العلم الشرعي وعمم تجربته السابقة الفاشلة أو الغير مجدية على سائر الأمور المشابهة وهذا خطأ فكلا الشبان في المثال الأول والثاني مخطئين لعدة أسباب منها أنك قد لا تتآلف مع أسلوب ومنهج أحد العلماء أو احد المربين ولكنك قد تستجيب وتحب وتعشق أسلوب المربي الآخر
وهذا يصدق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الأرواحُ حُنودٌ مجنَّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكَرَ منها اختَلفَ)) رواه بخاري ومسلم وأحمد وغيرهم.
وسبب الحديث السابق هو أن امرأة كانت تضحك النساء بمكة قدمت المدينة، فنزلت على امرأة تضحك النساء بالمدينة، فأُخبر النبي بذلك، فقال: «الأَرْوَاحُ» فذكره.
فنلاحظ ان سبب التآلف الذي ذكر في الحديث هو الالتقاء والتوافق في الصفات النفسي فكلا المرأتان كانت تجمعهم صفة عامة وهي الإسلام وصفة نفسية خاصة هي حب الدعابة ومن الحديث السابق يمكن أن نستنج أن التآلف والتودد والحب بين المسلمين يمكن أن يحكم بالخصائص النفسي فمثلاُ قد يتميز طالب علم بحبه للواقعية والعقلانية وميلوه إلى الاجتهاد والتجديد فهذا الطالب قد لا يتآلف مع مربي أو معلم ينتهج منهج التقليد والبعد عن الواقعية ورفض التجديد وهذا ليس خلل لا بذاك الطالب ولا بذلك المربي فكل إنسان يحب منهج فكري معين وليس للحق وجه واحد كما يصوره البعض لا وألف لا بل للحق عدة وجوه مادام مبني على اجتهاد وقاعدة شرعية وفقه واقع ودراية وإلمام وليس مبني على مزاجية وأهواء .
فمثلاً الإمام أبي حنيفة – مؤسس مدرسة الأخذ بالرأي- رضي الله عنه كان يحب الأخذ بالرأي في مسائل الدين(1/44)
وكان كثيراً ما يقول إنني أرى ونحو ذلك .... بعكس الإمام مالك- مؤسس مدرسة أهل الحديث- رضي الله عنه الذي كان يقول فقط قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يقول لا أعرف وكان يكره الرأي في الدين......... وقد أجمعت الأمة على سلامة المنهج الفكري للإمام أبي حنيفة وللإمام مالك رغم اختلافهما في أصول الفقه والفتوى فالاختلاف سعة ورحمة.
7- انتشار البيوع المحرمة وترك أبواب الجهاد والركون إلى الحياة الدنيا:
يقول رسول الله صلى الله عليه ((إذَا تَبَايَعْتُمْ بالْعِينَةِ وَأخَذْتُمْ أذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ الله عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُم» رواه ابن داوود وأحمد وصححه الطبري .
إن الربا بكل أنواعها وأشكالها والتي يعتبر بيع العينة أحد أشكالها تكون تسبباً مباشراً للذل الذي يتعرض له المسلم فالضعف النفسي والذل صفتان سلبيتان يلتقيان في نفس من يرضى أن يتعامل بالربا مهما كان شكلها فبيع العينة أحد أشكال الربا المحرمة وكيفيته هي: أن يبيع التاجر السلعة بثمن مؤجل ، ثم يشتريها نفس التاجر مرة أخرى نقدا بثمن أقل .
فتكون الصورة النهائية حصول النقد للمشتري ، وسوف يسدده بأكثر منه بعد مدة ، فكأنَّه قرضٌ في صورة بيع. .
فشخصية المسلم حتى لا تنهزم وتضعف وتتعرض للذل بكل أشكاله المعنوية والمادية يجب عليه أن يبتعد عن جميع أشكال الربا المحرم وأن لا يساهم فيها وحذرنا من ذلك أبي القاسم صلى الله عليه وسلم بقوله ((يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا، قال: قيل له الناس كلهم؟ قال: من لم يأكله منهم ناله من غباره)) رواه أحمد والنسائي وأبي داوود وغيرهم.(1/45)
وإن ما يحدث في زماننا من أشكال الربا كرهن المنزل بمبلغ من المال ثم الانتفاع بالمال من قبل صاحب المنزل وانتفاع صاحب المال بالمنزل هو دليل واضح على نبوءة الرسول الأعظم بالحديث السابق والذي يحدد فيه أن الكثير الكثير من أمته سوف يأكل الربا والقسم الآخر تناله غباره...... ولعل الله تعالى يوفقني في المحاضرة التي سأقوم إن شاء الله بكتابتها والتي ستكون بعنوان (( النظام المالي الذي أسسه الإسلام)) بالتوسع في أشكال الربا وشرح بعض أنواع البيوع المحرمة والحديث عن فقه البنوك الإسلامية.
وكذلك سبب آخر لحصول الذل والضعف النفسي في نفوسنا هو الاشتغال بالدنيا الفانية ((وَأخَذْتُمْ أذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بالزَّرْعِ )) وترك الجهاد بكل أنواعه فبالجهاد تصون الأمة كرامتها وتحفظ وجودها وتدافع عن دينها والحمد لله فاطر السموات والأرض المحي الأرض بعد موتها أن أبواب الجهاد مفتوحة وفيها ما يناسب جميع المسلمين ذكر وأثنى شاب وشيخ وعالم ومتعلم لأن الجهاد لا يعني فقط القتال في ساحات المعارك
فالرسول الأعظم يوضح لنا ذلك بقوله «جاهدوا المشركين بألسنتكم وأنفسكم، وأموالكم، وأيديكم». رواه أحمد وابن داوود والنسائي وغيرهم.
فالجهاد قد يكون بالسيف وهذا يناسب الرجل أكثر من المرأة وقد يكون جهاد فكري أو جهاد بالمال وهذا يناسب المرأة والرجل بحد سواء.
وفي الحديث السابق دليل على وجوب الجهاد بالنفس وهو بالخروج والمباشرة للكفار، وبالمال وهو بذله لما يقوم به من النفقة في الجهاد والسلاح ونحوه، وباللسان بإقامة الحجة عليهم ودعاؤهم إلى الله تعالى والزجر ونحوه من كل ما فيه نكاية للعدو.(1/46)
فمن لم تسمح له الظروف بالذهاب إلى الجهاد في العراق أو فلسطين أو الجولان أو لبنان وغيرها, فإن ذلك لا يعني نهاية الحياة فلديه أبواب كثيرة يستطيع أن يجاهد فيها كالجهاد الفكري والمادي.... ولكن هذا لا يعني مطلقاً أن ننسى الجهاد بالنفس لا بل معنى ذلك أن لا ننهزم ولا نضعف ونسى لخدمة الإسلام دون كلل أو ملل بكل الظروف المتاحة والله مع الصادقين.
لذلك إن ما نراه من تخبط الكثير من المسلمين وضياعهم ما هو إلا والله بسبب التعامل بالربا أو المشاركة فيها وترك أبواب الجهاد ولله الأمر من قبل ومن بعد يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وهو على كل شيء قدير.
سبب آخر من أسباب الضعف النفسي التي يعاني منها الكثير من المسلمين والذي يتحمل مسؤوليته بشكل مباشر بعض المربين اللذين لا يجيدون أسلوب التربية الإسلامية الصحيحة :
8- توليد الاستصغار في نفس المتربي وعدم الثقة بالنفس وتربيته على عدم الطموح والنقاش البناء والنقد الشرعي وتربيتهم تربية العبيد لا تربية القادة :(1/47)
يوجد في مجتمعنا الإسلامي بعض العلماء وبعض المربين يخطئون في تربية تلاميذهم وطلابهم لأنهم يحبون أن يقودوا قطيعاً من الغنم ولا يحبوا أن يقودوا أسوداً أقوياء فهم يقللون من طموح طالب العلم بأن يزرعوا في نفسه بأنه غير قادر على أن يكون أفضل من معلمه ويوهموه بأن الدين معقد وبأنه ليس بقدرته على النقاش فكثيراً أولئك العلماء المخطئين لا يسمحون لتلامذتهم بالنقاش أو الاعتراض على أقوال وفتوى معلميهم .... وكثيراً ما ينهزم أتباع أولئك العلماء المخطئون ويقولون لمن ينتقد أو يعترض على بعض آراء وأفكار علماؤهم : من نحن حتى نعترض على علماؤنا وكثيرا ما يقول أولئك المنهزمون -بحجة التواضع – نحن حقراء ...نحن مقصرين ... محن لا نصلح أن نكون خدماً لمشايخنا...... لذلك نرى أولئك التلاميذ منهزمين ضعفاء يهربون من النقاش العلمي والنقد الواقعي ويتعمدون أسلوب المراوغة والخداع والكذب لتجنب النقاشات والانتقادات الشرعية
ومنهم من يقوم أيضاً بتيئيس الناس بشكل او بآخر في كل خطبهم يقومون بتقريع الناس وطلاب العلم فتارة يسألون أسئلة ليس الهدف منها إلا جعل طالب العلم يفقد ثقته بنفسه ويجعلون الناس يتزعزعون في داخل أنفسهم.
وإن هذا خطا كبير ومخالف لسنة أبي الزهراء صلى الله عليه وسلمك ومخالف لنهج آل البيت والصحابة والتابعين رضي الله عنهم فالشافعي عندما كان عمره خمسة عشر عاماً خالف فتوى للإمام مالك علماً أن الإمام مالك هو معلم الشافعي ولم ينهاه الإمام مالك عندما علم بذلك لأن الفقه والحكمة من الملكات التي يضعها الله عز وجل فيمن يشاء من عباده وهو العليم الخبير.(1/48)
وإن من يقرأ السيرة النبوية العطرة يجدها مليئة بنماذج تربية القيادية التي تلقاها الصحابة من الرسول عليه الصلاة والسلام فق حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تربية أصحابه تربية القادة لا تربية العبيد، فالرسول صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه ويدع رأيه لرأيهم، ففي بدر يتكلم (الحباب بن المنذر) بشأن المكان الذين ينزلون فيه، فينهض الرسول _صلى الله عليه وسلم_ ويتحول إلى المكان الذي يسير به الحباب رضي الله عنه.
وعلى نهج الرسول عليه الصلاة والسلام سار الصحابة والتابعين رضي الله معهم فهذا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهم يعلمنا درساً عملياً في التربية حينما يقول على المنبر: (إذا أصبت فأعينوني، وإذا أخطأت فقوموني، فقال له رجل من بين الناس: إذا أخطأت قومناك بسيوفنا ! فعمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ لا يرضى بتعبيد الناس للناس ومصادرة عقولهم ، وتغييبهم عن الساحة ، بل يطالبهم بالمشاركة والناس لا يرضون بالتبعية والعجز .. وهكذا تبنى الأمم .
إن الفئة المسلمة بحاجة ماسة إلى العقول الناضجة المستنيرة القادرة على التفكير والإبداع؛ و على المربى أن يستشعر أهمية ذلك فيحيي هذه الملكة في نفوس أتباعه، فلأن يقود أسوداً متوثبة يقظة، خير له وأنفع من أن يقود قطيعاً من الخرفان التي لا تعي ولا تدرك، ولن يقوى المربى على ذلك إلا إذا كان أسداً، فهل من أسود!!.
9- انعدام الطموح والنظرة المحدودة لخدمة الإسلام والعطاء للبشرية جمعاء:
إن من أخطر مظاهر الضعف النفسي التي يعاني منها الكثير من المسلمين هي انعدام الطموح الذي يجعل الإنسان يسير بلا هدف ويجعله يرى الحياة كلها بلون واحد ويرافقه شعور قاتل بالملل والضياع فالمسلم الضائع يولد ويكبر ويشيخ ومن ثم يموت دون أن يترك أثراُ طيباً في هذه الحياة كل هذا لانعدام الطموح لديه ولبعده عن الفهم الحقيقي للإسلام الصحيح.(1/49)
إن الطموح من الصفات الإيجابية التي تجعل المرء يشعر بوجوده وكيانه ومن الصفات الرائعة التي تميز الإنسان القوي عن الإنسان المنهزم وصفة الطموح العالي ممدوحة بالقرآن الكريم فالله تعالى يقول ((والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما )) الفرقان 74. فالله تعالى يتحدث عن صفات عباده المؤمنين واللذين يطلبون من الله تعالى أن يجعلهم أئمة ليس للمسلمين ولا حتى المؤمنين وإنما للمتقين هذه الإمامة التي تمكنهم من تحقيق هدفهم وطموحهم في نصر الإسلام وخدمة لا إله إلا الله محمد آل البيت .
وبصفة الطموح العالي التي تعلموها من مدرسة سيد البشرية محمد عليه الصلاة والسلام فالطموح فتح المسلمون مشارق الأرض ومغاربها وبالطموح العالي حطم الصحابة رضي الله عنهم عرش كسرى وقيصر الروم وبالطموح العالي ألف الإمام مالك كتابه الموطأ وبالطموح العالي صمد أحمد بن حنبل رضي الله عنه في محنته ......
وبالطموح العالي فتح قائدنا وحبيبنا وقرة أعيينا ومجدد دعوتنا محمد الفاتح القسطنطينية وحقق حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلم الصحابة وحلم التابعين وحلم المسلمين بعد ثمانية قرون من الزمن ونال بشرته التي يقول فيها ((لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش...". رواه أحمد في مسنده.
وكذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى إلا وحيا يوحى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عمه قال: «بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أوّلاً، أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل تفتح أوّلاً يعني قسطنطينية». رواه أحمد والحديث صححه العلماء.(1/50)
وإن من يقرأ سيرة الإمام القائد محمد الفاتح العثماني تجده شاباً مليئاً بالحيوية والنشاط فكان فقهياً وكان داعياً ومجاهداً وكل لا يجلس في مجلس إلا وتحدث عن حلمه في فتح القسطنطينية لينال البشرى هو وجنوده رضي الله عنه وعنهم جميعاً .
جزاك الله يا محمد الفاتح عن أمة الإسلام أحسن الجزاء فقد أفرحت رسولنا الكريم و أقررت عينيه وحققت نبوته فسلام الله عليك ورحمته وبركاته.
اللهم أعنا يا رب اللهم وفقنا يا رب اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا ا لباطل باطلاً و أرزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يفقه الحياة فقهاً واقعياً تجعلنا نسير بتا لمرضاتك ولخدمة دينك الله اجزي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أحسن الجزاء فو الله إنه قد جاهد ونصح وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وأدى الأمانة وبلغ الرسالة والحمد لله رب العالمين .
أخوتي الأعزاء شباب الصحوة الإسلامية دعاة التجديد قدمت لنفسي ولكم في هذه المحاضرة بعضاً من أعراض وأسباب الضعف النفسي وسوف أقدم لكم ولنفسي كيفية علاج الضعف النفسي بأسلوب بسيط خالي من التعقيد وبأسلوب جديد بعيداً إن شاء الله عن التقليد والتلفيق فإن أحسنت فمن الله ثم بفضل رسوله صلى الله عليه وسلم وإن أسئت فمن نفسي والله وراء المبتغى و((الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ..)) البقرة 257.
توصية هام لابد منها ولا غنى عنها(1/51)
1- أوصي نفسي ثم أخواني وأخواتي ممن يريدون أن يجددوا دين أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بأن يتعلموا فقه الواقع ويدرسوا الواقع دراسة موضوعية فليس العاقل من يميز بين الخطأ والصواب وإنما العاقل من يختار من الأمور الأمر الأقل ضرراً والأقل شرراً من عدة أمور مليئة بالشر والضرر لأن زماننا زمان فتنة كثرة فيه الفتاوى المأجورة وكثرة فيه المعاصي بكل أنواعها وكثرة فيه المحن ويجب أن لا نعيش في زمن غير زماننا فلا نتمسك بأمور بسيطة تلهينا عن أمور عظيمة ونفهم الورع والتقوى بشكل غير واقعي فنبتعد عن مساندة من يريد أن يخدم الإسلام و يجدد فيه وأن لا تكون قراراتنا في الأمور الدعوية قرارات حدية متأثرة بعدة عوامل داخلية وخارجية قد لا تكون صحيحة مطلقاٌ أو قد تلهينا عن خدمة الإسلام أو قد تكون صحيحة ولكن ليس هنا مجال تطبيقها فالورع له مكانه والتقوى لها مكانها وكل شيء له مكانه.
2- أوصي نفسي وكل مسلم أو مسلمة أراد أن يتربى تربية صحيحة تشمل العقل والقلب والسلوك : أن يتمسك بمن يربيه على الشرع والدين وأن لا يفرط به فلا غنى عن التربية الإسلامية ولا غنى عن مربي فاضل يأخذ بيدنا إلى طريق الحق والخير فالمؤمن قوي بأخيه....وإذا الله أراد بنا خيراً هيأ لنا من يعيننا على الخير.....(1/52)
وإن من يقرأ سيرة الإمام الشافعي رضي الله عنه وعن أثر الفجوة عليه التي أحدثها موت معلمه الإمام مالك رضي الله عنه يعلم أن ليس دين الإسلام مجرد أفكار وكتابات وإنما روح الإسلام الحب في الله والتضحية في الله والإخلاص في الله فالسر العظيم لنجاح الصحابة رضي الله عنهم هو حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحبهم ومؤازرتهم لبعضهم البعض فكانوا خير أمة أخرجت للناس وخير قدوة جزاهم الله عن الإسلام أحسن وأعظم الجزاء .والله إنني أتعجب من أمر لا أجد له جواب منذ ثمانية سنوات ألا وهو : في الحياة الدنيا وفي هذه الزمان قلما نجد صديق بمعنى الصديق يعيننا على نوائب الدهر وأزماته ويمن يملك منا ذلك الصديق فإنه يملك شيء نادر وثمين ولكن عجبي ممن يرزقه الله من يحبه ومن يعينه على دينه ومن يكون مرآة لأخطائه وسنداّ له و مشاركاً له في طموحه في خدمة الإسلام ونصره وسؤالي لماذا أحياناً نرزق ذلك الشخص ونفرط به ؟!! سؤال لا أجد له جواب يقنعني والحمد لله في السراء والضراء
3- أنصح نفسي وجميع الآباء والأمهات أن يخصصوا وقت للحديث عن الغزوات والمعارك التي خاضها الرسول عليه الصلاة والسلام وآل بيته وأصحابه من لهده رضي الله عنهم وأن يربوا في نفوس أبنائهم روح العزة بالله وبرسوله وأن يزروا الثقة في أنفسهم بأن النصر آت وأن الإسلام ليعلو ولا يعلى عليه.
بدلاً من يتركوهم يتعلموا من التلفاز وخصوصاً أفلام الكرتون القصص الخيالية الوهمية التي تشوش عقل الطفل ومداركه وتشوه فطرته وتجعله منهزماً منبهراً بالحضارة الغربية.
ومن الكتب المفيدة التي تتحدث غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وعن معارك أصحابه :الكتب التي ألفها الدكتور محمد علي الصلابي جزاه الله خيراً في هذا المجال وهي كثيرة وموجودة في موقع صيد الفوائد www.saaid.net .(1/53)
4- أتوجه بكلمة إلى خطباء المساجد والدعاة جز اهم الله خيراً يحاولوا علاج ظاهرة الضعف النفسي في خطبهم وأن تكون خطبهم واقعية لها علاقة بمستجدات التي تمر بتا الأمة وأن لا تكون خطباً تقليدية جامدة توارثناها منذ عدة قرون .... فلكل زمان أولوليات فكرية تخص المرحلة التي نحن فيها وعلينا حسن الاختيار للزمان والمكان والفكرة والأشخاص
توصية خاصة بالنساء
أخواتي المؤمنات الطاهرات يا بنات خديجة وفاطمة وعائشة وزينب :
أتوجه إليكم بكلمة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام أعلم بما أقصد منها :
أعلموا أن الله خلقكم لتكونوا نجوماً وشمس حق وهدى في هذه الحياة والإسلام اجتباكم لتصبحوا عوناً للرجال في نشر دعوة لا إله إلا الله محمد رسول .
وأعلموا أن وراء كل رجل داع إلى الله امرأة طاهرة تشد أزره وتعينه على نوائب الدهر وتوفر له ملجأ عاطفياً يعينه على دعوته وعلى السير بما يرضي الله ورسوله وإن أغفل التاريخ دور المرأة في مؤازرة رجال الحق والهدى فإن الله تعالى لن يضيع لكنّ حق مهما طال الزمن واعلموا أن الإسلام بحاجة لكم وأنتن بحاجة للإسلام وأنكنّ تستطيعون أن تفعلن الكثير ولديكنّ الكثير الذي تقدمونه للإسلام فلا تبخلوا فالله ورسوله والمؤمنين بانتظار تضحياتكم .
((وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون...)) التوبة105.
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
تم بعونه تعالى في 22 شوال 1428
2/11/2007
الكتب والمراجع التي اعتمد في هذه المحاضرة
القرآن الكريم وقد ذكرت أرقام الآيات وأسماء السور.
الأحاديث النبوية وقد ذكرت رواتها.
شرح ابن كثير للقرآن الكريم
فتح الباري لشرح صحيح بخاري.
الهزيمة النفسية عند المسلمين للدكتور عبدالله الخاطر.
د.محمد عمارة -سنة التداول صحيفة المصريون .
محمد المصري :مقالة بعنوان لماذا لا نفكر – موقع المسلم.(1/54)
رسالة التقريب العدد /15/ للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية للأستاذ الشيخ محمد مهدي الآصفي مقالة بعنوان الفرقان .
وآخر دعواهم الحمد لله رب العالمين
م.عبدالله بن علي صغير
engalep@maktoob.com(1/55)