أدعية
في مشيئة الله
تأليف
أبو إسلام أحمد بن علي
غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين أجمعين
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)
وبعد :
قال الله تعالى:
{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }التكوير29
فمشيئة الله تعالى فوق كل مشيئة , وما يريده الله تعالى هو النافذ وهو القائم وهو الذي نرضى به ونقبله ونحن لا نملك ما يعترض مشيئته تعالى , وليس لنا أن نتذمر أو أن نجزع أو أن نغضب لما يحدث لنا في حياتنا الدنيا ولكن نرضى بما قضاه الله تعالى لنا , يقول الله تعالى في كتابة العزيز :
مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ{22} لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ{23}الحديد
فهذا الكتاب عبارة عن أدعية نبتهل بها إلى الله تعالى في أن يحققها لنا ويتقبلها منا, وهذه الأدعية لها علاقة بالآيات التي يذكر فيها مشيئة الله تعالى.
نبتهل إلى الله تعالى أن يتقبل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم , عسى أن ينفع به وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه , وأن نعي ونتأسى ونتبع سنة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فإنها خير الطريق إلى جنة الخلد بإذن الله تعالى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
تأليف
أبو إسلام أحمد بن علي
أدعية
في مشيئة الله
1- اللهم أحفظ أسماعنا وأبصارنا فأنت وحدك القادر على ذلك...
وأنت سبحانك عز من قال :(1/1)
{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة20
يقارب البرق - من شدة لمعانه - أن يسلب أبصارهم, ومع ذلك فكلَّما أضاء لهم مشَوْا في ضوئه, وإذا ذهب أظلم الطريق عليهم فيقفون في أماكنهم. ولولا إمهال الله لهم لسلب سمعهم وأبصارهم, وهو قادر على ذلك في كل وقتٍ, إنه على كل شيء قدير.
××××××××××××××××
2- اللهم أفض علينا من فضلك وإحسانك وعطائك
فأنت وحدك القادر على ذلك....
وأنت سبحانك عز من قال :
{بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ }البقرة90
قَبُحَ ما اختاره بنو إسرائيل لأنفسهم; إذ استبدلوا الكفر بالإيمان ظلمًا وحسدًا لإنزال الله من فضله القرآن على نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم, فرجعوا بغضب من الله عليهم بسبب جحودهم بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم, بعد غضبه عليهم بسبب تحريفهم التوراة. وللجاحدين نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم عذابٌ يذلُّهم ويخزيهم.
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }آل عمران73(1/2)
ولا تصدِّقوا تصديقًا صحيحًا إلا لمَن تبع دينكم فكان يهودياً, قل لهم -أيها الرسول- : إن الهدى والتوفيق هدى الله وتوفيقه للإيمان الصحيح. وقالوا: لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين فيتعلمون منكم فيساووكم في العلم به, وتكون لهم الأفضلية عليكم, أو أن يتخذوه حجة عند ربكم يغلبونكم بها. قل لهم -أيها الرسول- : إن الفضل والعطاء والأمور كلها بيد الله وتحت تصرفه, يؤتيها من يشاء ممن آمن به وبرسوله. والله واسع عليم, يَسَعُ بعلمه وعطائه جميع مخلوقاته, ممن يستحق فضله ونعمه.
وأنت سبحانك عز من قال :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }المائدة54
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه من يرجع منكم عن دينه, ويستبدل به اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك, فلن يضرُّوا الله شيئًا, وسوف يأتي الله بقوم خير منهم يُحِبُّهم ويحبونه, رحماء بالمؤمنين أشدَّاء على الكافرين, يجاهدون أعداء الله, ولا يخافون في ذات الله أحدًا. ذلك الإنعام مِن فضل الله يؤتيه من أراد, والله واسع الفضل, عليم بمن يستحقه من عباده.
وأنت سبحانك عز من قال :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة28(1/3)
يا معشر المؤمنين إنما المشركون رِجْس وخَبَث فلا تمكنوهم من الاقتراب من الحرم بعد هذا العام التاسع من الهجرة, وإن خفتم فقرًا لانقطاع غارتهم عنكم, فإن الله سيعوضكم عنها, ويكفيكم من فضله إن شاء, إن الله عليم بحالكم, حكيم في تدبير شؤونكم.
وأنت سبحانك عز من قال :
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }الجمعة4
ذلك البعث للرسول صلى الله عليه وسلم, في أمة العرب وغيرهم, فضل من الله, يعطيه مَن يشاء من عباده. وهو - وحده- ذو الإحسان والعطاء الجزيل.
وأنت سبحانك عز من قال :
{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }الحديد21
سابقوا -أيها الناس- في السعي إلى أسباب المغفرة من التوبة النصوح والابتعاد عن المعاصي؛ لِتُجْزَوْا مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض, وهي مُعَدَّة للذين وحَّدوا الله واتَّبَعوا رسله, ذلك فضل الله الذي يؤتيه مَن يشاء مِن خلقه, فالجنة لا تُنال إلا برحمة الله وفضله, والعمل الصالح. والله ذو الفضل العظيم على عباده المؤمنين.
وأنت سبحانك عز من قال :
{لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }الحديد29
أعطاكم الله تعالى ذلك كله؛ ليعلم أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، أنهم لا يقدرون على شيء مِن فضل الله يكسبونه لأنفسهم أو يمنحونه لغيرهم, وأن الفضل كله بيد الله وحده يؤتيه مَن يشاء من عباده, والله ذو الفضل العظيم على خلقه.
××××××××××××××××
3- اللهم اختصنا برحمتك وأدخلنا فيها(1/4)
فأنت وحدك القادر على ذلك...
وأنت سبحانك عز من قال :
{مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }البقرة105
ما يحب الكفار من أهل الكتاب والمشركين أن يُنزَّل عليكم أدنى خير من ربكم قرآنًا أو علمًا, أو نصرًا أو بشارة. والله يختص برحمته مَن يشاء مِن عباده بالنبوة والرسالة. والله ذو العطاء الكثير الواسع.
وأنت سبحانك عز من قال :
{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }آل عمران74
إن الله يختص مِن خلقه مَن يشاء بالنبوة والهداية إلى أكمل الشرائع, والله ذو الفضل العظيم.
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }يوسف56
وكما أنعم الله على يوسف بالخلاص من السجن مكَّن له في أرض "مصر" ينزل منها أي منزل شاءه. يصيب الله برحمته من يشاء من عباده المتقين, ولا يضيع أجر مَن أحسن شيئًا مِن العمل الصالح.
وأنت سبحانك عز من قال :
{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }الفتح25(1/5)
كفار قريش هم الذين جحدوا توحيد الله, وصدُّوكم يوم "الحديبية" عن دخول المسجد الحرام, ومنعوا الهدي, وحبسوه أن يبلغ محل نحره, وهو الحرم. ولولا رجال مؤمنون مستضعفون ونساء مؤمنات بين أظهر هؤلاء الكافرين بـ "مكة", يكتمون إيمانهم خيفة على أنفسهم لم تعرفوهم؛ خشية أن تطؤوهم بجيشكم فتقتلوهم, فيصيبكم بذلك القتل إثم وعيب وغرامة بغير علم, لكنَّا سلَّطناكم عليهم؛ ليدخل الله في رحمته من يشاء فيَمُنَّ عليهم بالإيمان بعد الكفر, لو تميَّز هؤلاء المؤمنون والمؤمنات عن مشركي "مكة" وخرجوا من بينهم, لعذَّبنا الذين كفروا وكذَّبوا منهم عذابًا مؤلمًا موجعًا.
××××××××××××××××
4- اللهم أهدنا إلى طريقك المستقيم
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }البقرة142
سيقول الجهال وضعاف العقول من اليهود وأمثالهم, في سخرية واعتراض: ما الذي صرف هؤلاء المسلمين عن قبلتهم التي كانوا يُصَلُّون إلى جهتها أول الإسلام; (وهي "بيت المقدس") قل لهم -أيها الرسول-: المشرق والمغرب وما بينهما ملك لله, فليست جهة من الجهات خارجة عن ملكه, يهدي مَن يشاء من عباده إلى طريق الهداية القويم. وفي هذا إشعار بأن الشأن كله لله في امتثال أوامره, فحيثما وَجَّهَنا تَوَجَّهْنا.
وأنت سبحانك عز من قال :(1/6)
{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }البقرة213
كان الناس جماعة واحدة, متفقين على الإيمان بالله ثم اختلفوا في دينهم, فبعث الله النبيين دعاة لدين الله, مبشرين مَن أطاع الله بالجنة, ومحذرين من كفر به وعصاه النار, وأنزل معهم الكتب السماوية بالحق الذي اشتملت عليه; ليحكموا بما فيها بين الناس فيما اختلفوا فيه, وما اخْتَلَف في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه ظلمًا وحسدًا إلا الذين أعطاهم الله التوراة, وعرفوا ما فيها من الحجج والأحكام, فوفَّق الله المؤمنين بفضله إلى تمييز الحق من الباطل, ومعرفة ما اختلفوا فيه. والله يوفِّق من يشاء من عباده إلى طريق مستقيم.
وأنت سبحانك عز من قال :
{لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }البقرة272
لست -أيها الرسول- مسئولا عن توفيق الكافرين للهداية, ولكن الله يشرح صدور مَن يشاء لدينه, ويوفقه له. وما تبذلوا من مال يَعُدْ عليكم نَفْعُه من الله, والمؤمنون لا ينفقون إلا طلبًا لمرضاة الله. وما تنفقوا من مال -مخلصين لله- توفوا ثوابه, ولا تُنْقَصُوا شيئا من ذلك. وفي الآية إثبات صفة الوجه لله تعالى على ما يليق به سبحانه.
وأنت سبحانك عز من قال :(1/7)
{قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }الأنعام149
قل -أيها الرسول- لهم: فلله جل وعلا الحجة القاطعة التي يقطع بها ظنونكم, فلو شاء لوفَّقكم جميعًا إلى طريق الاستقامة.
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }يونس25
والله يدعوكم إلى جناته التي أعدها لأوليائه, ويهدي مَن يشاء مِن خَلْقه, فيوفقه لإصابة الطريق المستقيم, وهو الإسلام.
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }النحل9
وعلى الله بيان الطريق المستقيم لِهدايتكم, وهو الإسلام, ومن الطرق ما هو مائل لا يُوصل إلى الهداية, وهو كل ما خالف الإسلام من الملل والنحل. ولو شاء الله هدايتكم لهداكم جميعًا للإيمان.
وأنت سبحانك عز من قال :
{لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }النور46
لقد أنزلنا في القرآن علامات واضحات مرشدات إلى الحق. والله يهدي ويوفق مَن يشاء مِن عباده إلى الطريق المستقيم، وهو الإسلام.
××××××××××××××××
5- اللهم ارزقنا من رزقك الطيب الحلال وابسطه لنا بغير حساب
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }البقرة212
حُسِّن للذين جحدوا وحدانية الله الحياةُ الدنيا وما فيها من الشهوات والملذات, وهم يستهزئون بالمؤمنين. وهؤلاء الذين يخشون ربهم فوق جميع الكفار يوم القيامة; حيث يدخلهم الله أعلى درجات الجنة, وينزل الكافرين أسفل دركات النار. والله يرزق مَن يشاء مِن خلقه بغير حساب.(1/8)
وأنت سبحانك عز من قال :
{تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ }آل عمران27
ومن دلائل قدرتك أنك تُدخل الليل في النهار, وتُدخل النهار في الليل, فيطول هذا ويقصر ذاك, وتُخرج الحي من الميت الذي لا حياة فيه, كإخراج الزرع من الحب, والمؤمن من الكافر, وتُخرج الميت من الحي كإخراج البيض من الدجاج, وترزق من تشاء مَن خلقك بغير حساب.
وأنت سبحانك عز من قال :
{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }آل عمران37
فاستجاب الله دعاءها وقبل منها نَذْرها أحسن قَبول, وتولَّى ابنتها مريم بالرعاية فأنبتها نباتًا حسنًا, ويسَّر الله لها زكريا عليه السلام كافلا فأسكنها في مكان عبادته, وكان كلَّما دخل عليها هذا المكان وجد عندها رزقًا هنيئًا معدّاً قال: يا مريم من أين لكِ هذا الرزق الطيب؟ قالت: هو رزق من عند الله. إن الله -بفضله- يرزق مَن يشاء مِن خلقه بغير حساب.
وأنت سبحانك عز من قال :(1/9)
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }المائدة64
يُطلع الله نَبِيَّه على شيء من مآثم اليهود -وكان مما يُسرُّونه فيما بينهم- أنهم قالوا: يد الله محبوسة عن فعل الخيرات, بَخِلَ علينا بالرزق والتوسعة, وذلك حين لحقهم جَدْب وقحط. غُلَّتْ أيديهم, أي: حبست أيديهم هم عن فِعْلِ الخيرات, وطردهم الله من رحمته بسبب قولهم. وليس الأمر كما يفترونه على ربهم, بل يداه مبسوطتان لا حَجْرَ عليه, ولا مانع يمنعه من الإنفاق, فإنه الجواد الكريم, ينفق على مقتضى الحكمة وما فيه مصلحة العباد. وفي الآية إثبات لصفة اليدين لله سبحانه وتعالى كما يليق به من غير تشبيه ولا تكييف. لكنهم سوف يزدادون طغيانًا وكفرًا بسبب حقدهم وحسدهم; لأن الله قد اصطفاك بالرسالة. ويخبر تعالى أن طوائف اليهود سيظلون إلى يوم القيامة يعادي بعضهم بعضًا, وينفر بعضهم من بعض, كلما تآمروا على الكيد للمسلمين بإثارة الفتن وإشعال نار الحرب ردَّ الله كيدهم, وفرَّق شملهم, ولا يزال اليهود يعملون بمعاصي الله مما ينشأ عنها الفساد والاضطراب في الأرض. والله تعالى لا يحب المفسدين.
وأنت سبحانك عز من قال :
{اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ }الرعد26(1/10)
الله وحده يوسِّع الرزق لمن يشاء من عباده, ويضيِّق على مَن يشاء منهم, وفرح الكفار بالسَّعة في الحياة الدنيا, وما هذه الحياة الدنيا بالنسبة للآخرة إلا شيء قليل يتمتع به, سُرعان ما يزول.
وأنت سبحانك عز من قال :
{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً }الإسراء30
إن ربك يوسِّع الرزق على بعض الناس، ويضيِّقه على بعضهم، وَفْق علمه وحكمته سبحانه وتعالى. إنه هو المطَّلِع على خفايا عباده، لا يغيب عن علمه شيء من أحوالهم.
وأنت سبحانك عز من قال :
{لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }النور38
ليعطيهم الله ثواب أحسن أعمالهم، ويزيدهم من فضله بمضاعفة حسناتهم. والله يرزق مَن يشاء بغير حساب، بل يعطيه مِنَ الأجر ما لا يبلغه عمله، وبلا عدٍّ ولا كيل.
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ }القصص82
وصار الذين تمنوا حاله بالأمس يقولون متوجعين ومعتبرين وخائفين من وقوع العذاب بهم: إن الله يوسِّع الرزق لمن يشاء من عباده, ويضيِّق على مَن يشاء منهم, لولا أن الله منَّ علينا فلم يعاقبنا على ما قلنا لَخسف بنا كما فعل بقارون, ألم تعلم أنه لا يفلح الكافرون, لا في الدنيا ولا في الآخرة؟
وأنت سبحانك عز من قال :
{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }العنكبوت62(1/11)
الله سبحانه وتعالى يوسع الرزق لمن يشاء من خلقه, ويضيق على آخرين منهم; لعلمه بما يصلح عباده, إن الله بكل شيء من أحوالكم وأموركم عليم, لا يخفى عليه شيء.
وأنت سبحانك عز من قال :
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }الروم37
أولم يعلموا أن الله يوسع الرزق لمن يشاء امتحانًا, هل يشكر أو يكفر؟ ويضيِّقه على من يشاء اختبارًا, هل يصبر أو يجزع؟ إن في ذلك التوسيع والتضييق لآيات لقوم يؤمنون بالله ويعرفون حكمة الله ورحمته.
وأنت سبحانك عز من قال :
{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }سبأ36
قل لهم -أيها الرسول-: إن ربي يوسِّع الرزق في الدنيا لمن يشاء مِن عباده, ويضيِّق على مَن يشاء, لا لمحبة ولا لبغض, ولكن يفعل ذلك اختبارًا, ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك اختبار لعباده؛ لأنهم لا يتأملون.
وأنت سبحانك عز من قال :
{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }سبأ39
قل -أيها الرسول- لهؤلاء المغترين بالأموال والأولاد: إن ربي يوسِّع الرزق على مَن يشاء من عباده, ويضيِّقه على مَن يشاء؛ لحكمة يعلمها, ومهما أَعْطَيتم من شيء فيما أمركم به فهو يعوضه لكم في الدنيا بالبدل, وفي الآخرة بالثواب, وهو -سبحانه- خير الرازقين, فاطلبوا الرزق منه وحده, واسعَوا في الأسباب التي أمركم بها.
وأنت سبحانك عز من قال :
{أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }الزمر52(1/12)
أولم يعلم هؤلاء أن رزق الله للإنسان لا يدل على حسن حال صاحبه, فإن الله لبالغ حكمته يوسِّع الرزق لمن يشاء مِن عباده, صالحًا كان أو طالحًا, ويضيِّقه على مَن يشاء منهم؟ إن في ذلك التوسيع والتضييق في الرزق لَدلالات واضحات لقوم يُصدِّقون أمر الله ويعملون به.
وأنت سبحانك عز من قال :
{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }الشورى12
له سبحانه وتعالى ملك السموات والأرض، وبيده مفاتيح الرحمة والأرزاق، يوسِّع رزقه على مَن يشاء مِن عباده ويضيِّقه على مَن يشاء, إنه تبارك وتعالى بكل شيء عليم, لا يخفى عليه شيء من أمور خلقه.
وأنت سبحانك عز من قال :
{اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ }الشورى19
الله لطيف بعباده، يوسِّع الرزق على مَن يشاء, ويضيِّقه على مَن يشاء وَفْق حكمته سبحانه, وهو القوي الذي له القوة كلها, العزيز في انتقامه من أهل معاصيه.
××××××××××××××××
6- اللهم لا تضيق علينا ولا تشقق علينا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }البقرة220(1/13)
مثل ذلك البيان الواضح يبيِّن الله لكم الآيات وأحكام الشريعة; لكي تتفكروا فيما ينفعكم في الدنيا والآخرة. ويسألونك -أيها النبي- عن اليتامى كيف يتصرفون معهم في معاشهم وأموالهم؟ قل لهم: إصلاحكم لهم خير, فافعلوا الأنفع لهم دائمًا, وإن تخالطوهم في سائر شؤون المعاش فهم إخوانكم في الدين. وعلى الأخ أن يرعى مصلحة أخيه. والله يعلم المضيع لأموال اليتامى من الحريص على إصلاحها. ولو شاء الله لضيَّق وشقَّ عليكم بتحريم الخالطة. إن الله عزيز في ملكه, حكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه.
××××××××××××××××
7- اللهم آتنا من ملكك الواسع وأعزنا في الدنيا والآخرة ولا تذلنا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة247
وقال لهم نبيهم: إن الله قد أرسل إليكم طالوت مَلِكًا إجابة لطلبكم, يقودكم لقتال عدوكم كما طلبتم. قال كبراء بني إسرائيل: كيف يكون طالوت مَلِكًا علينا, وهو لا يستحق ذلك؟ لأنه ليس من سبط الملوك, ولا من بيت النبوة, ولم يُعْط كثرة في الأموال يستعين بها في ملكه, فنحن أحق بالملك منه; لأننا من سبط الملوك ومن بيت النبوة. قال لهم نبيهم: إن الله اختاره عليكم وهو سبحانه أعلم بأمور عباده, وزاده سَعَة في العلم وقوة في الجسم ليجاهد العدو. والله مالك الملك يعطي ملكه مَن يشاء من عباده, والله واسع الفضل والعطاء, عليم بحقائق الأمور, لا يخفى عليه شيء.
وأنت سبحانك عز من قال :(1/14)
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26
قل -أيها النبي متوجها إلى ربك بالدعاء-: يا مَن لك الملك كلُّه, أنت الذي تمنح الملك والمال والتمكين في الأرض مَن تشاء مِن خلقك, وتسلب الملك ممن تشاء, وتهب العزة في الدنيا والآخرة مَن تشاء, وتجعل الذلَّة على من تشاء, بيدك الخير, إنك -وحدك- على كل شيء قدير. وفي الآية إثبات لصفة اليد لله تعالى على ما يليق به سبحانه.
××××××××××××××××
8- اللهم علمنا من علمك الواسع
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ }البقرة251
فهزموهم بإذن الله, وقتل داود -عليه السلام- جالوتَ قائدَ الجبابرة, وأعطى الله عز وجل داود بعد ذلك الملك والنبوة في بني إسرائيل, وعَلَّمه مما يشاء من العلوم. ولولا أن يدفع الله ببعض الناس -وهم أهل الطاعة له والإيمان به- بعضًا, وهم أهل المعصية لله والشرك به, لفسدت الأرض بغلبة الكفر, وتمكُّن الطغيان, وأهل المعاصي, ولكن الله ذو فضل على المخلوقين جميعًا.
وأنت سبحانك عز من قال :(1/15)
{اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }البقرة255
الله الذي لا يستحق الألوهية والعبودية إلا هو, الحيُّ الذي له جميع معاني الحياة الكاملة كما يليق بجلاله, القائم على كل شيء, لا تأخذه سِنَة أي: نعاس, ولا نوم, كل ما في السموات وما في الأرض ملك له, ولا يتجاسر أحد أن يشفع عنده إلا بإذنه, محيط علمه بجميع الكائنات ماضيها وحاضرها ومستقبلها, يعلم ما بين أيدي الخلائق من الأمور المستقبلة, وما خلفهم من الأمور الماضية, ولا يَطَّلعُ أحد من الخلق على شيء من علمه إلا بما أعلمه الله وأطلعه عليه. وسع كرسيه السموات والأرض, والكرسي: هو موضع قدمي الرب -جل جلاله- ولا يعلم كيفيته إلا الله سبحانه, ولا يثقله سبحانه حفظهما, وهو العلي بذاته وصفاته على جميع مخلوقاته, الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء. وهذه الآية أعظم آية في القرآن, وتسمى: (آية الكرسي).
××××××××××××××××
9- اللهم امنع الاختلاف والاقتتال بين الناس
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :(1/16)
{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }البقرة253
هؤلاء الرسل الكرام فضَّل الله بعضهم على بعض, بحسب ما منَّ الله به عليهم: فمنهم مَن كلمه الله كموسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام, وفي هذا إثبات صفة الكلام لله عز وجل على الوجه اللائق بجلاله, ومنهم مَن رفعه الله درجاتٍ عاليةً كمحمد صلى الله عليه وسلم, بعموم رسالته, وختم النبوة به, وتفضيل أمته على جميع الأمم, وغير ذلك. وآتى الله تعالى عيسى ابن مريم عليه السلام البينات المعجزات الباهرات, كإبراء مَن ولد أعمى بإذن الله تعالى, ومَن به برص بإذن الله, وكإحيائه الموتى بإذن الله, وأيده بجبريل عليه السلام. ولو شاء الله ألا يقتتل الذين جاؤوا مِن بعد هؤلاء الرسل مِن بعد ما جاءتهم البينات ما اقتتلوا, ولكن وقع الاختلاف بينهم: فمنهم مَن ثبت على إيمانه, ومنهم مَن أصر على كفره. ولو شاء الله بعد ما وقع الاختلاف بينهم, الموجب للاقتتال, ما اقتتلوا, ولكن الله يوفق مَن يشاء لطاعته والإيمان به, ويخذل مَن يشاء, فيعصيه ويكفر به، فهو يفعل ما يشاء ويختار.
××××××××××××××××
10- اللهم بارك لنا وضاعف لنا في أموالنا وأرزاقنا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :(1/17)
{مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة261
ومِن أعظم ما ينتفع به المؤمنون الإنفاقُ في سبيل الله. ومثل المؤمنين الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة زُرِعتْ في أرض طيبة, فإذا بها قد أخرجت ساقًا تشعب منها سبع شعب, لكل واحدة سنبلة, في كل سنبلة مائة حبة. والله يضاعف الأجر لمن يشاء, بحسب ما يقوم بقلب المنفق من الإيمان والإخلاص التام. وفضل الله واسع, وهو سبحانه عليم بمن يستحقه, مطلع على نيات عباده.
××××××××××××××××
11- اللهم آتنا الحكمة
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }البقرة269
يؤتي الله الإصابة في القول والفعل مَن يشاء من عباده, ومن أنعم الله عليه بذلك فقد أعطاه خيرًا كثيرًا. وما يتذكر هذا وينتفع به إلا أصحاب العقول المستنيرة بنور الله وهدايته.
××××××××××××××××
12- اللهم اغفر لنا ولا تعذبنا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة284(1/18)
لله ملك السموات والأرض وما فيهما ملكًا وتدبيرًا وإحاطة, لا يخفى عليه شيء. وما تظهروه مما في أنفسكم أو تخفوه فإن الله يعلمه, وسيحاسبكم به, فيعفو عمن يشاء, ويؤاخذ من يشاء. والله قادر على كل شيء, وقد أكرم الله المسلمين بعد ذلك فعفا عن حديث النفس وخطرات القلب ما لم يتبعها كلام أو عمل, كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }آل عمران129
ولله وحده ما في السموات وما في الأرض, يغفر لمن يشاء من عباده برحمته, ويعذب من يشاء بعدله. والله غفور لذنوب عباده, رحيم بهم.
وأنت سبحانك عز من قال :
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً }النساء48
إن الله تعالى لا يغفر ولا يتجاوز عمَّن أشرك به أحدًا من مخلوقاته, أو كفر بأي نوع من أنواع الكفر الأكبر, ويتجاوز ويعفو عمَّا دون الشرك من الذنوب, لمن يشاء من عباده, ومن يشرك بالله غيره فقد اختلق ذنبًا عظيمًا.
وأنت سبحانك عز من قال :
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }النساء116
إن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به, ويغفر ما دون الشرك من الذنوب لمن يشاء من عباده. ومن يجعل لله تعالى الواحد الأحد شريكًا من خلقه, فقد بَعُدَ عن الحق بعدًا كبيرًا.
وأنت سبحانك عز من قال :(1/19)
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }المائدة18
وزعم اليهود والنصارى أنهم أبناء الله وأحباؤه, قل لهم -أيها الرسول- : فَلأيِّ شيء يعذِّبكم بذنوبكم؟ فلو كنتم أحبابه ما عذبكم, فالله لا يحب إلا من أطاعه, وقل لهم: بل أنتم خلقٌ مثلُ سائر بني آدم, إن أحسنتُم جوزيتم بإحسانكم خيرا, وإن أسَأْتُم جوزيتم بإساءتكم شرًّا, فالله يغفر لمن يشاء, ويعذب من يشاء, وهو مالك الملك, يُصَرِّفه كما يشاء, وإليه المرجع, فيحكم بين عباده, ويجازي كلا بما يستحق.
وأنت سبحانك عز من قال :
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }المائدة40
ألم تعلم -أيها الرسول- أن الله خالق الكون ومُدبِّره ومالكه, وأنه تعالى الفعَّال لما يريد, يعذب من يشاء, ويغفر لمن يشاء, وهو على كل شيء قدير.
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }الفتح14
ولله ملك السموات والأرض وما فيهما, يتجاوز برحمته عمن يشاء فيستر ذنبه, ويعذِّب بعدله من يشاء. وكان الله سبحانه وتعالى غفورًا لمن تاب إليه, رحيمًا به.
××××××××××××××××
13- اللهم أحسن خلقتنا وخلقنا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } آل عمران6(1/20)
هو وحده الذي يخلقكم في أرحام أمهاتكم كما يشاء, من ذكر وأنثى, وحسن وقبيح, وشقي وسعيد, لا معبود بحق سواه, العزيز الذي لا يُغالَب, الحكيم في أمره وتدبيره.
××××××××××××××××
14- اللهم أيدنا بنصرك على الكافرين و أهل الباطل
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ }آل عمران13
قد كان لكم -أيها اليهود المتكبرون المعاندون- دلالة عظيمة في جماعتين تقابلتا في معركة "بَدْر": جماعة تقاتل من أجل دين الله, وهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه, وجماعة أخرى كافرة بالله, تقاتل من أجل الباطل, ترى المؤمنين في العدد مثليهم رأي العين, وقد جعل الله ذلك سببًا لنصر المسلمين علبهم. والله يؤيِّد بنصره من يشاء من عباده. إن في هذا الذي حدث لَعِظة عظيمة لأصحاب البصائر الذين يهتدون إلى حكم الله وأفعاله.
××××××××××××××××
15- اللهم ارزق كل امرأة عاقر لا تلد الولد الصالح
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ }آل عمران40
قال زكريا فرحًا متعجبًا: ربِّ أنَّى يكون لي غلام مع أن الشيخوخة قد بلغت مني مبلغها, وامرأتي عقيم لا تلد؟ قال: كذلك يفعل الله ما يشاء من الأفعال العجيبة المخالفة للعادة.
××××××××××××××××
16- اللهم إننا نسلم ونرضى بقدرتك وبمشيئتك في خلقك
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :(1/21)
{قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ }آل عمران47
قالت مريم متعجبة من هذا الأمر: أنَّى يكون لي ولد وأنا لست بذات زوج ولا بَغِيٍّ؟ قال لها المَلَك: هذا الذي يحدث لكِ ليس بمستبعد على الإله القادر, الذي يوجِد ما يشاء من العدم, فإذا أراد إيجاد شيء فإنما يقول له :(كُن) فيكون.
وأنت سبحانك عز من قال :
{لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }المائدة17
لقد كفر النصارى القائلون بأن الله هو المسيح ابن مريم, قل -أيها الرسول- لهؤلاء الجهلة من النصارى: لو كان المسيح إلهًا كما يدَّعون لقَدرَ أن يدفع قضاء الله إذا جاءه بإهلاكه وإهلاك أُمِّه ومَن في الأرض جميعًا, وقد ماتت أم عيسى فلم يدفع عنها الموت, كذلك لا يستطيع أن يدفع عن نفسه; لأنهما عبدان من عباد الله لا يقدران على دفع الهلاك عنهما, فهذا دليلٌ على أنه بشر كسائر بني آدم. وجميع الموجودات في السموات والأرض ملك لله, يخلق ما يشاء ويوجده, وهو على كل شيء قدير. فحقيقة التوحيد توجب تفرُّد الله تعالى بصفات الربوبية والألوهية, فلا يشاركه أحد من خلقه في ذلك, وكثيرًا ما يقع الناس في الشرك والضلال بغلوهم في الأنبياء والصالحين, كما غلا النصارى في المسيح, فالكون كله لله, والخلق بيده وحده, وما يظهر من خوارق وآيات مَرَدُّه إلى الله. يخلق سبحانه ما يشاء, ويفعل ما يريد.
وأنت سبحانك عز من قال :(1/22)
{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }النور45
والله تعالى خلق كل ما يدِب على الأرض مِن ماء، فالماء أصل خلقه، فمن هذه الدواب: مَن يمشي زحفًا على بطنه كالحيَّات ونحوها, ومنهم مَن يمشي على رجلين كالإنسان، ومنهم من يمشي على أربع كالبهائم ونحوها. والله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء، وهو قادر على كل شيء.
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }القصص68
وربك يخلق ما يشاء أن يخلقه, ويصطفي لولايته مَن يشاء من خلقه, وليس لأحد من الأمر والاختيار شيء, وإنما ذلك لله وحده سبحانه, تعالى وتنزَّه عن شركهم.
وأنت سبحانك عز من قال :
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ }الروم54
الله تعالى هو الذي خلقكم من ماء ضعيف مهين, وهو النطفة, ثم جعل من بعد ضعف الطفولة قوة الرجولة, ثم جعل من بعد هذه القوة ضعف الكبر والهرم, يخلق الله ما يشاء من الضعف والقوة, وهو العليم بخلقه, القادر على كل شيء.
وأنت سبحانك عز من قال :
{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }فاطر1(1/23)
الثناء على الله بصفاته التي كلُّها أوصاف كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، خالق السموات والأرض ومبدعهما, جاعل الملائكة رسلا إلى مَن يشاء من عباده, وفيما شاء من أمره ونهيه, ومِن عظيم قدرة الله أن جعل الملائكة أصحاب أجنحة مثنى وثلاث ورباع تطير بها؛ لتبليغ ما أمر الله به, يزيد الله في خلقه ما يشاء. إن الله على كل شيء قدير, لا يستعصي عليه شيء.
وأنت سبحانك عز من قال :
{لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }الزمر4
لو أراد الله أن يتخذ ولدًا لاختار من مخلوقاته ما يشاء, تنزَّه الله وتقدَّس عن أن يكون له ولد, فإنه الواحد الأحد, الفرد الصمد, القهَّار الذي قهر خلقه بقدرته, فكل شيء له متذلل خاضع.
وأنت سبحانك عز من قال :
{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ } {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }الشورى49-50
لله سبحانه وتعالى ملك السموات والأرض وما فيهما, يخلق ما يشاء من الخلق, يهب لمن يشاء من عباده إناثًا لا ذكور معهن، ويهب لمن يشاء الذكور لا إناث معهم. ويعطي سبحانه وتعالى لمن يشاء من الناس الذكر والأنثى, ويجعل مَن يشاء عقيمًا لا يولد له, إنه عليم بما يَخْلُق, قدير على خَلْق ما يشاء, لا يعجزه شيء أراد خلقه.
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ }الزخرف60
ولو نشاء لجعلنا بدلا منكم ملائكة يَخْلُف بعضهم بعضًا بدلا من بني آدم.
وأنت سبحانك عز من قال :
{فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ }الانفطار8
وركَّبك لأداء وظائفك, في أيِّ صورة شاءها خلقك؟
××××××××××××××××(1/24)
17- اللهم اجعلنا ممن تجتبيه وتختاره بالطيبات على خلقك
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }آل عمران179
ما كان الله ليَدَعَكم أيها المصدقون بالله ورسوله العاملون بشرعه على ما أنتم عليه من التباس المؤمن منكم بالمنافق حتى يَمِيزَ الخبيث من الطيب, فيُعرف المنافق من المؤمن الصادق. وما كان مِن حكمة الله أن يطلعكم -أيها المؤمنون- على الغيب الذي يعلمه من عباده, فتعرفوا المؤمن منهم من المنافق, ولكنه يميزهم بالمحن والابتلاء, غير أن الله تعالى يصطفي من رسله مَن يشاء؛ ليطلعه على بعض علم الغيب بوحي منه, فآمنوا بالله ورسوله, وإن تؤمنوا إيمانًا صادقًا وتتقوا ربكم بطاعته, فلكم أجر عظيم عند الله.
××××××××××××××××
18- اللهم زكي أنفسنا .. أنت خير من زكاها
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }النساء49
ألم تعلم -أيها الرسول- أمر أولئك الذين يُثنون على أنفسهم وأعمالهم, ويصفونها بالطهر والبعد عن السوء؟ بل الله تعالى وحده هو الذي يثني على مَن يشاء مِن عباده, لعلمه بحقيقة أعمالهم, ولا يُنقَصون من أعمالهم شيئًا مقدار الخيط الذي يكون في شق نَواة التمرة.
××××××××××××××××
19- اللهم لا تسلط علينا أعدائنا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :(1/25)
{إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً }النساء90
لكن الذين يتصلون بقوم بينكم وبينهم عهد وميثاق فلا تقاتلوهم, وكذلك الذين أتَوا إليكم وقد ضاقت صدورهم وكرهوا أن يقاتلوكم, كما كرهوا أن يقاتلوا قومهم, فلم يكونوا معكم ولا مع قومهم, فلا تقاتلوهم, ولو شاء الله تعالى لسلَّطهم عليكم, فلقاتلوكم مع أعدائكم من المشركين, ولكن الله تعالى صرفهم عنكم بفضله وقدرته, فإن تركوكم فلم يقاتلوكم, وانقادوا إليكم مستسلمين, فليس لكم عليهم من طريق لقتالهم.
××××××××××××××××
20- اللهم ثبتنا على شريعتك الحقة وعلى منهاج النبوة الصادق
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }المائدة48(1/26)
وأنزلنا إليك -أيها الرسول- القرآن, وكل ما فيه حقّ يشهد على صدق الكتب قبله, وأنها من عند الله, مصدقًا لما فيها من صحة، ومبيِّنًا لما فيها من تحريف، ناسخًا لبعض شرائعها, فاحكم بين المحتكمين إليك من اليهود بما أنزل الله إليك في هذا القرآن, ولا تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهوائهم وما اعتادوه, فقد جعلنا لكل أمة شريعة, وطريقة واضحة يعملون بها. ولو شاء الله لجعل شرائعكم واحدة, ولكنه تعالى خالف بينها ليختبركم, فيظهر المطيع من العاصي, فسارعوا إلى ما هو خير لكم في الدارين بالعمل بما في القرآن, فإن مصيركم إلى الله, فيخبركم بما كنتم فيه تختلفون, ويجزي كلا بعمله.
××××××××××××××××
21- اللهم اجمعنا على الهدى ووفقنا للإيمان
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ }الأنعام35
وإن كان عَظُمَ عليك -أيها الرسول- صدود هؤلاء المشركين وانصرافهم عن الاستجابة لدعوتك, فإن استطعت أن تتخذ نفقًا في الأرض, أو مصعدًا تصعد فيه إلى السماء, فتأتيهم بعلامة وبرهان على صحة قولك غير الذي جئناهم به فافعل. ولو شاء الله لَجَمعهم على الهدى الذي أنتم عليه ووفَّقهم للإيمان, ولكن لم يشأ ذلك لحكمة يعلمها سبحانه, فلا تكونن -أيها الرسول- من الجاهلين الذين اشتد حزنهم, وتحسَّروا حتى أوصلهم ذلك إلى الجزع الشديد.
وأنت سبحانك عز من قال :
{ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأنعام88(1/27)
ذلك الهدى هو توفيق الله, الذي يوفق به من يشاء من عباده. ولو أن هؤلاء الأنبياء أشركوا بالله -على سبيل الفرض والتقدير- لبطل عملهم; لأن الله تعالى لا يقبل مع الشرك عملا.
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ }الرعد31
يردُّ الله -تعالى- على الكافرين الذين طلبوا إنزال معجزات محسوسة على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول لهم: ولو أن ثمة قرآنًا يقرأ, فتزول به الجبال عن أماكنها, أو تتشقق به الأرض أنهارًا, أو يحيا به الموتى وتُكَلَّم -كما طلبوا منك- لكان هذا القرآن هو المتصف بذلك دون غيره, ولما آمنوا به. بل لله وحده الأمر كله في المعجزات وغيرها. أفلم يعلم المؤمنون أن الله لو يشاء لآمن أهل الأرض كلهم من غير معجزة؟ ولا يزال الكفار تنزل بهم مصيبة بسبب كفرهم كالقتل والأسر في غزوات المسلمين, أو تنزل تلك المصيبة قريبًا من دارهم, حتى يأتي وعد الله بالنصر عليهم, إن الله لا يخلف الميعاد.
وأنت سبحانك عز من قال :
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }الزمر23(1/28)
الله تعالى هو الذي نزل أحسن الحديث, وهو القرآن العظيم, متشابهًا في حسنه وإحكامه وعدم اختلافه, تثنى فيه القصص والأحكام, والحجج والبينات, تقشعر من سماعه, وتضطرب جلود الذين يخافون ربهم؛ تأئرًا بما فيه مِن ترهيب ووعيد, ثم تلين جلودهم وقلوبهم; استبشارًا بما فيه من وعد وترغيب, ذلك التأثر بالقرآن هداية من الله لعباده. والله يهدي بالقرآن من يشاء مِن عباده. ومن يضلله الله عن الإيمان بهذا القرآن؛ لكفره وعناده, فما له مِن هاد يهديه ويوفقه.
××××××××××××××××
22- اللهم اكشف عنا البلاء النازل بنا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ }الأنعام41
بل تدعون -هناك- ربكم الذي خلقكم لا غيره, وتستغيثون به, فيفرج عنكم البلاء العظيم النازل بكم إن شاء; لأنه القادر على كل شيء, وتتركون حينئذ أصنامكم وأوثانكم وأولياءكم.
××××××××××××××××
23- اللهم لا مشيئة إلا مشيئتك ولا خوف إلا منك يارب ...
فأنت سبحانك عز من قال :
{وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ }الأنعام80
وجادله قومه في توحيد الله تعالى قال: أتجادلونني في توحيدي لله بالعبادة, وقد وفقني إلى معرفة وحدانيته, فإن كنتم تخوفونني بآلهتكم أن توقع بي ضررًا فإنني لا أرهبها فلن تضرني, إلا أن يشاء ربي شيئًا. وسع ربي كل شيء علمًا. أفلا تتذكرون فتعلموا أنه وحده المعبود المستحق للعبودية؟
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }الإنسان30(1/29)
وما تريدون أمرًا من الأمور إلا بتقدير الله ومشيئته. إن الله كان عليمًا بأحوال خلقه, حكيمًا في تدبيره وصنعه.
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }التكوير29
وما تشاؤون الاستقامة, ولا تقدرون على ذلك, إلا بمشيئة الله رب الخلائق أجمعين.
××××××××××××××××
24- اللهم ارفع مراتبنا ودرجاتنا في الدنيا والآخرة
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }الأنعام83
وتلك الحجة التي حاجَّ بها إبراهيم عليه السلام قومه هي حجتنا التي وفقناه إليها حتى انقطعت حجتهم. نرفع مَن نشاء من عبادنا مراتب في الدنيا والآخرة. إن ربك حكيم في تدبير خلقه, عليم بهم.
وأنت سبحانك عز من قال :
{فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ }يوسف76
ورجعوا بإخوة يوسف إليه, فقام بنفسه يفتش أمتعتهم, فبدأ بأمتعتهم قبل متاع شقيقه; إحكامًا لما دبَّره لاستبقاء أخيه معه, ثم انتهى بوعاء أخيه, فاستخرج الإناء منه, كذلك يسَّرنا ليوسف هذا التدبير الذي توصَّل به لأخذ أخيه, وما كان له أن يأخذ أخاه في حكم مَلِك "مصر"; لأنه ليس من دينه أن يتملك السارق, إلا أن مشيئة الله اقتضت هذا التدبير والاحتكام إلى شريعة إخوة يوسف القاضية برِقِّ السارق. نرفع منازل مَن نشاء في الدنيا على غيره كما رفعنا منزلة يوسف. وفوق كل ذي علمٍ من هو أعلم منه, حتى ينتهي العلم إلى الله تعالى عالم الغيب والشهادة.
××××××××××××××××
25- اللهم لا تجعلنا نشرك بك أحداً(1/30)
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } الأنعام107
ولو شاء الله تعالى أن لا يشرك هؤلاء المشركون لما أشركوا, لكنه تعالى عليم بما سيكون من سوء اختيارهم وإتباعهم أهواءهم المنحرفة. وما جعلناك -أيها الرسول- عليهم رقيبًا تحفظ عليهم أعمالهم, وما أنت بقَيِّمٍ عليهم تدبر مصالحهم.
××××××××××××××××
26- اللهم اجعلنا ممن يؤمنوا بآياتك ولا تجعلنا من الجاهلين
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ }الأنعام111
ولو أننا أجبنا طلب هؤلاء, فنزَّلنا إليهم الملائكة من السماء, وأحيينا لهم الموتى, فكلموهم, وجمعنا لهم كل شيء طلبوه فعاينوه مواجهة, لم يصدِّقوا بما دعوتهم إليه -أيها الرسول- ولم يعملوا به, إلا من شاء الله له الهداية, ولكن أكثر هؤلاء الكفار يجهلون الحق الذي جئت به من عند الله تعالى.
××××××××××××××××
27- اللهم لا تجعلنا مغرورين بوسوسة شياطين الإنس والجن ونجنا برحمتك من هذا الابتلاء
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }الأنعام112(1/31)
وكما ابتليناك -أيها الرسول- بأعدائك من المشركين ابتلينا جميع الأنبياء -عليهم السلام- بأعداء مِن مردة قومهم وأعداء من مردة الجن, يُلقي بعضهم إلى بعض القول الذي زيَّنوه بالباطل; ليغتر به سامعه, فيضل عن سبيل الله. ولو أراد ربك -جلَّ وعلا- لحال بينهم وبين تلك العداوة, ولكنه الابتلاء من الله, فدعهم وما يختلقون مِن كذب وزور.
××××××××××××××××
28- اللهم لا تجعل النار هي مثوانا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ }الأنعام128
واذكر -أيها الرسول- يوم يحشر الله تعالى الكفار وأولياءهم من شياطين الجن فيقول: يا معشر الجن قد أضللتم كثيرًا من الإنس, وقال أولياؤهم من كفار الإنس: ربنا قد انتفع بعضنا من بعض, وبلغنا الأجل الذي أجَّلْتَه لنا بانقضاء حياتنا الدنيا, قال الله تعالى لهم: النار مثواكم, أي: مكان إقامتكم خالدين فيها, إلا مَن شاء الله عدم خلوده فيها من عصاة الموحدين. إن ربك حكيم في تدبيره وصنعه, عليم بجميع أمور عباده.
××××××××××××××××
29- اللهم لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ }الأنعام133(1/32)
وربك -أيها الرسول- الذي أمر الناس بعبادته, هو الغني وحده, وكل خلقه محتاجون إليه, وهو سبحانه ذو الرحمة الواسعة, لو أراد لأهلككم, وأوجد قومًا غيركم يخلفونكم من بعد فنائكم, ويعملون بطاعته تعالى, كما أوجدكم من نسل قوم آخرين كانوا قبلكم.
××××××××××××××××
30- اللهم لا تجعلنا ممن يقتل النفس التي حرمت قتلها إلا بالحق
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }الأنعام137
وكما زيَّن الشيطان للمشركين أن يجعلوا لله تعالى من الحرث والأنعام نصيبًا, ولشركائهم نصيبًا, زيَّنت الشياطين لكثير من المشركين قَتْلَ أولادهم خشية الفقر; ليوقعوا هؤلاء الآباء في الهلاك بقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق, وليخلطوا عليهم دينهم فيلتبس, فيضلوا ويهلكوا, ولو شاء الله ألا يفعلوا ذلك ما فعلوه, ولكنه قدَّر ذلك لعلمه بسوء حالهم ومآلهم, فاتركهم -أيها الرسول- وشأنهم فيما يفترون من كذب, فسيحكم الله بينك وبينهم.
××××××××××××××××
31- اللهم لا تجعلنا ممن يعود في ملة الكفر
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ }الأعراف89(1/33)
وقال شعيب لقومه مستدركًا: قد اختلقنا على الله الكذب إن عُدْنا إلى دينكم بعد أن أنقذنا الله منه, وليس لنا أن نتحول إلى غير دين ربنا إلا أن يشاء الله ربنا, وقد وسع ربنا كل شيء علمًا, فيعلم ما يصلح للعباد, على الله وحده اعتمادنا هداية ونصرة, ربنا احكم بيننا وبين قومنا بالحق, وأنت خير الحاكمين.
××××××××××××××××
32- اللهم لا تصيبنا بذنوبنا ولا تطبع على قلوبنا بسبب ذنوبنا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ }الأعراف100
أوَلم يتبين للذين سكنوا الأرض من بعد إهلاك أهلها السابقين بسبب معاصيهم, فساروا سيرتهم, أن لو نشاء أصبناهم بسبب ذنوبهم كما فعلنا بأسلافهم, ونختم على قلوبهم, فلا يدخلها الحق, ولا يسمعون موعظة ولا تذكيرًا؟
××××××××××××××××
33- اللهم لا تصيبنا بعذابك وأدخلنا في رحمتك الواسعة
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }الأعراف156
واجعلنا ممن كتبتَ له الصالحات من الأعمال في الدنيا وفي الآخرة, إنا رجعنا تائبين إليك, قال الله تعالى لموسى: عذابي أصيب به مَن أشاء مِن خلقي, كما أصبتُ هؤلاء الذين أصبتهم من قومك, ورحمتي وسعت خلقي كلَّهم, فسأكتبها للذين يخافون الله, ويخشون عقابه, فيؤدون فرائضه, ويجتنبون معاصيه, والذين هم بدلائل التوحيد وبراهينه يصدقون.
وأنت سبحانك عز من قال :(1/34)
{قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ }هود33
قال نوح لقومه: إن الله وحده هو الذي يأتيكم بالعذاب إذا شاء, ولستم بفائتيه إذا أراد أن يعذبكم; لأنه سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وأنت سبحانك عز من قال :
{يُعَذِّبُُ مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ }العنكبوت21
يعذب مَن يشاء مِن خلقه على ما أسلف مِن جرمه في أيام حياته, ويرحم مَن يشاء منهم ممن تاب وآمن وعمل صالحًا, وإليه ترجعون, فيجازيكم بما عملتم.
وأنت سبحانك عز من قال :
{لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }الأحزاب24
ليثيب الله أهل الصدق بسبب صدقهم وبلائهم وهم المؤمنون, ويعذب المنافقين إن شاء تعذيبهم, بأن لا يوفقهم للتوبة النصوح قبل الموت, فيموتوا على الكفر, فيستوجبوا النار, أو يتوب عليهم بأن يوفقهم للتوبة والإنابة, إن الله كان غفورًا لذنوب المسرفين على أنفسهم إذا تابوا, رحيمًا بهم; حيث وفقهم للتوبة النصوح.
××××××××××××××××
34- اللهم تب علينا وأذهب غيظ قلوبنا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة15
ويُذْهِب عن قلوب المؤمنين الغيظ. ومن تاب من هؤلاء المعاندين فإن الله يتوب على من يشاء. والله عليم بصدق توبة التائب, حكيم في تدبيره وصنعه ووَضْع تشريعاته لعباده.
وأنت سبحانك عز من قال :
{ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة27
ومن رجع عن كفره بعد ذلك ودخل الإسلام فإن الله يقبل توبة مَن يشاء منهم, فيغفر ذنبه. والله غفور رحيم.
××××××××××××××××
35- اللهم لا تخلد عصاة الموحدين في النار(1/35)
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }هود107
ماكثين في النار أبدًا ما دامت السموات والأرض, فلا ينقطع عذابهم ولا ينتهي, بل هو دائم مؤكَّد, إلا ما شاء ربك من إخراج عصاة الموحدين بعد مدَّة من مكثهم في النار. إن ربك -أيها الرسول- فعَّال لما يريد.
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ }هود108
وأما الذين رزقهم الله السعادة فيدخلون الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض, إلا الفريق الذي شاء الله تأخيره, وهم عصاة الموحدين, فإنهم يبقون في النار فترة من الزمن, ثم يخرجون منها إلى الجنة بمشيئة الله ورحمته, ويعطي ربك هؤلاء السعداء في الجنة عطاء غير مقطوع عنهم.
××××××××××××××××
36- اللهم نجنا برحمتك من المهالك
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }يوسف110
ولا تستعجل -أيها الرسول- النصر على مكذبيك, فإن الرسل قبلك ما كان يأتيهم النصر عاجلا لحكمة نعلمها, حتى إذا يئس الرسل من قومهم, وأيقنوا أن قومهم قد كذبوهم ولا أمل في إيمانهم, جاءهم نصرنا عند شدة الكرب, فننجي من نشاء من الرسل وأتباعهم, ولا يُرَدُّ عذابنا عمَّن أجرم وتجرَّأ على الله. وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم.
وأنت سبحانك عز من قال :
{ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاء وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ }الأنبياء9(1/36)
ثم أنجزنا للأنبياء وأتباعم ما وعدناهم به من النصر والنجاة, وأهلَكْنا المسرفين على أنفسهم بكفرهم بربهم.
××××××××××××××××
37- اللهم لا تهلكنا بالصواعق
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ }الرعد13
ويسبِّح الرعد بحمد الله تسبيحًا يدل على خضوعه لربه, وتنزِّه الملائكة ربها مِن خوفها من الله, ويرسل الله الصواعق المهلكة فيهلك بها مَن يشاء من خلقه, والكفار يجادلون في وحدانية الله وقدرته على البعث, وهو شديد الحول والقوة والبطش بمن عصاه.
××××××××××××××××
38- اللهم لا تضلنا وأهدنا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ }الرعد27
ويقول الكفار عنادًا: هلا أُنزل على محمد معجزة محسوسة كمعجزة موسى وعيسى. قل لهم: إن الله يضل مَن يشاء من المعاندين عن الهداية ولا تنفعه المعجزات, ويهدي إلى دينه الحق مَن رجع إليه وطلب رضوانه.
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }إبراهيم4
وما أرسلنا مِن رسولٍ قبلك -أيها النبي- إلا بلُغة قومه; ليوضِّح لهم شريعة الله, فيضل الله من يشاء عن الهدى, ويهدي من يشاء إلى الحق, وهو العزيز في ملكه, الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها وَفْق الحكمة.
وأنت سبحانك عز من قال :(1/37)
{ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا
لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ }المدثر31
وما جعلنا خزنة النار إلا من الملائكة الغلاظ, وما جعلنا ذلك العدد إلا اختبارًا للذين كفروا بالله؛ وليحصل اليقين للذين أُعطوا الكتاب من اليهود والنصارى بأنَّ ما جاء في القرآن عن خزنة جهنم إنما هو حق من الله تعالى, حيث وافق ذلك كتبهم, ويزداد المؤمنون تصديقًا بالله ورسوله وعملا بشرعه, ولا يشك في ذلك الذين أُعطوا الكتاب من اليهود والنصارى ولا المؤمنون بالله ورسوله؛ وليقول الذين في قلوبهم نفاق والكافرون: ما الذي أراده الله بهذا العدد المستغرب؟ بمثل ذلك الذي ذُكر يضلُّ الله من أراد إضلاله, ويهدي مَن أراد هدايته, وما يعلم عدد جنود ربك - ومنهم الملائكة- إلا الله وحده. وما النار إلا تذكرة وموعظة للناس.
وأنت سبحانك عز من قال :
{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }القصص56
إنك -أيها الرسول- لا تهدي هداية توفيق مَن أحببت هدايته, ولكن ذلك بيد الله يهدي مَن يشاء أن يهديه للإيمان, ويوفقه إليه, وهو أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه.
××××××××××××××××
39- اللهم أمحو عنا وخفف عنا ولا تشدد علينا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :(1/38)
{يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ }الرعد39
يمحو الله ما يشاء من الأحكام وغيرها, ويُبْقي ما يشاء منها لحكمة يعلمها, وعنده أمُّ الكتاب, وهو اللوح المحفوظ.
××××××××××××××××
40- اللهم تفضل بإنعامك علينا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }إبراهيم11
ولما سمع الرسل ما قاله أقوامهم قالوا لهم: حقًا ما نحن إلا بشر مثلكم كما قلتم, ولكن الله يتفضل بإنعامه على مَن يشاء من عباده فيصطفيهم لرسالته, وما طلبتم من البرهان المبين, فلا يمكن لنا ولا نستطيع أن نأتيكم به إلا بإذن الله وتوفيقه, وعلى الله وحده يعتمد المؤمنون في كل أمورهم.
××××××××××××××××
41- اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولا تضلنا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ }إبراهيم27
يثبِّت الله الذين آمنوا بالقول الحق الراسخ, وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله, وما جاء به من الدين الحق يثبتهم الله به في الحياة الدنيا, وعند مماتهم بالخاتمة الحسنة, وفي القبر عند سؤال المَلَكين بهدايتهم إلى الجواب الصحيح, ويضل الله الظالمين عن الصواب في الدنيا والآخرة, ويفعل الله ما يشاء من توفيق أهل الإيمان وخِذْلان أهل الكفر والطغيان.
××××××××××××××××
42- اللهم اجعلنا على قلب رجل واحد وأهدنا ولا تضلنا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...(1/39)
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }النحل93
ولو شاء الله لوفَّقكم كلكم, فجعلكم على ملة واحدة, وهي الإسلام والإيمان, وألزمكم به, ولكنه سبحانه يُضلُّ مَن يشاء ممن علم منه إيثار الضلال, فلا يهديه عدلا منه, ويهدي مَن يشاء مِمَّن علم منه إيثار الحق, فيوفقه فضلا منه, وليسألنَّكم الله جميعًا يوم القيامة عما كنتم تعملون في الدنيا فيما أمركم به, ونهاكم عنه, وسيجازيكم على ذلك.
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }الشورى8
ولو شاء الله أن يجمع خَلْقَه على الهدى ويجعلهم على ملة واحدة مهتدية لفعل, ولكنه أراد أن يُدخل في رحمته مَن يشاء مِن خواص خلقه. والظالمون أنفسهم بالشرك ما لهم من وليٍّ يتولى أمورهم يوم القيامة، ولا نصير ينصرهم من عقاب الله تعالى.
××××××××××××××××
43- اللهم اجعل إرادتنا وطلبنا للآخرة وليس للدنيا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً }الإسراء18
من كان طلبه الدنيا العاجلة، وسعى لها وحدها، ولم يصدِّق بالآخرة، ولم يعمل لها، عجَّل الله له فيها ما يشاؤه اللّه ويريده مما كتبه له في اللوح المحفوظ، ثم يجعل الله له في الآخرة جهنم، يدخلها ملومًا مطرودًا من رحمته عز وجل؛ وذلك بسبب إرادته الدنيا وسعيه لها دون الآخرة.
××××××××××××××××
44- اللهم أنت وحدك القادر على أيجاد الخلق...
وأنت سبحانك عز من قال :(1/40)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }الحج5
يا أيها الناس إن كنتم في شك من أن الله يُحيي الموتى فإنَّا خلقنا أباكم آدم من تراب, ثم تناسلت ذريته من نطفة, هي المنيُّ يقذفه الرجل في رحم المرأة, فيتحول بقدرة الله إلى علقة, وهي الدم الأحمر الغليظ, ثم إلى مضغة, وهي قطعة لحم صغيرة قَدْر ما يُمْضَغ, فتكون تارة مخلَّقة, أي تامة الخلق تنتهي إلى خروح الجنين حيًا, وغير تامة الخلق تارة أخرى, فتسقط لغير تمام؛ لنبيِّن لكم تمام قدرتنا بتصريف أطوار الخلق, ونبقي في الأرحام ما نشاء, وهو المخلَّق إلى وقت ولادته, وتكتمل الأطوار بولادة الأجنَّة أطفالا صغارًا تكبَرُ حتى تبلغ الأشد, وهو وقت الشباب والقوة واكتمال العقل, وبعض الأطفال قد يموت قبل ذلك, وبعضهم يكبَرُ حتى يبلغ سن الهرم وضَعْف العقل; فلا يعلم هذا المعمَّر شيئًا مما كان يعلمه قبل ذلك. وترى الأرض يابسةً ميتة لا نبات فيها, فإذا أنزلنا عليها الماء تحركت بالنبات تتفتح عنه, وارتفعت وزادت لارتوائها, وأنبتت من كل نوع من أنواع النبات الحسن الذي يَسُرُّ الناظرين.
××××××××××××××××
45- اللهم أكرمنا ولا تهنّا ولا تعذبنا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :(1/41)
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ }الحج18
ألم تعلم- أيها النبي- أن الله سبحانه يسجد له خاضعًا منقادًا مَن في السموات من الملائكة ومَن في الأرض من المخلوقات والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب؟ ولله يسجد طاعة واختيارًا كثير من الناس، وهم المؤمنون، وكثير من الناس حق عليه العذاب فهو مهين، وأيُّ إنسان يهنه الله فليس له أحد يكرمه. إن الله يفعل في خلقه ما يشاء وَفْقَ حكمته.
××××××××××××××××
46- اللهم أهدنا لنورك الكريم
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }النور35(1/42)
الله نور السموات والأرض يدبر الأمر فيهما ويهدي أهلهما، فهو- سبحانه- نور، وحجابه نور، به استنارت السموات والأرض وما فيهما، وكتاب الله وهدايته نور منه سبحانه، فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات بعضها فوق بعض. مثل نوره الذي يهدي إليه, وهو الإيمان والقرآن في قلب المؤمن كمشكاة, وهي الكُوَّة في الحائط غير النافذة، فيها مصباح، حيث تجمع الكوَّة نور المصباح فلا يتفرق، وذلك المصباح في زجاجة، كأنها -لصفائها- كوكب مضيء كالدُّر، يوقَد المصباح من زيت شجرة مباركة، وهي شجرة الزيتون، لا شرقية فقط، فلا تصيبها الشمس آخر النهار، ولا غربية فقط فلا تصيبها الشمس أول النهار، بل هي متوسطة في مكان من الأرض لا إلى الشرق ولا إلى الغرب، يكاد زيتها -لصفائه- يضيء من نفسه قبل أن تمسه النار، فإذا مَسَّتْه النار أضاء إضاءة بليغة، نور على نور، فهو نور من إشراق الزيت على نور من إشعال النار، فذلك مثل الهدى يضيء في قلب المؤمن. والله يهدي ويوفق لاتباع القرآن مَن يشاء، ويضرب الأمثال للناس؛ ليعقلوا عنه أمثاله وحكمه. والله بكل شيء عليم, لا يخفى عليه شيء.
وأنت سبحانك عز من قال :
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }فاطر8
أفمن حسَّن له الشيطان أعماله السيئة من معاصي الله والكفر وعبادة ما دونه من الآلهة والأوثان فرآه حسنًا جميلا كمَن هداه الله تعالى, فرأى الحسن حسنًا والسيئ سيئًا؟ فإن الله يضل من يشاء من عباده, ويهدي من يشاء, فلا تُهْلك نفسك حزنًا على كفر هؤلاء الضالين, إن الله عليم بقبائحهم وسيجازيهم عليها أسوأ الجزاء.
××××××××××××××××
47- اللهم أنزل على بلادنا المطر الزلال الغدق
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :(1/43)
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ }النور43
ألم تشاهد أن الله سبحانه وتعالى يسوق السحاب إلى حيث يشاء، ثم يجمعه بعد تفرقه، ثم يجعله متراكمًا، فينزل مِن بينه المطر؟ وينزل من السحاب الذي يشبه الجبال في عظمته بَرَدًا، فيصيب به مَن يشاء من عباده ويصرفه عمَّن يشاء منهم بحسب حكمته وتقديره, يكاد ضوء ذلك البرق في السحاب مِن شدته يذهب بأبصار الناظرين إليه.
وأنت سبحانك عز من قال :
{اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }الروم48
الله -سبحانه- هو الذي يرسل الرياح فتثير سحابًا مثقلا بالماء, فينشره الله في السماء كيف يشاء, ويجعله قطعًا متفرقة, فترى المطر يخرج من بين السحاب, فإذا ساقه الله إلى عباده إذا هم يستبشرون ويفرحون بأن الله صرف ذلك إليهم.
××××××××××××××××
48- اللهم اجعل لنا الجنات والقصور كما وعدت بها نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً }الفرقان10
عَظُمَتْ بركات الله, وكَثُرَتْ خيراته, الذي إن شاء جعل لك - أيها الرسول - خيرًا مما تمنَّوه لك، فجعل لك في الدنيا حدائق كثيرة تتخللها الأنهار، وجعل لك فيها قصورًا عظيمة.
××××××××××××××××(1/44)
49- اللهم لا تفزعنا من هول نفخة يوم البعث
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ }النمل87
واذكر -أيها الرسول- يوم يَنفخ الملَك في "القرن" ففزع مَن في السموات ومَن في الأرض فزعًا شديدًا مِن هول النفخة, إلا مَنِ استثناه الله ممن أكرمه وحفظه من الفزع, وكل المخلوقات يأتون إلى ربهم صاغرين مطيعين.
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ }الزمر68
ونُفِخ في "القرن" فمات كلُّ مَن في السموات والأرض, إلا مَن شاء الله عدم موته, ثم نفخ المَلَك فيه نفخة ثانية مؤذنًا بإحياء جميع الخلائق للحساب أمام ربهم, فإذا هم قيام من قبورهم ينظرون ماذا يفعل الله بهم؟
××××××××××××××××
50- اللهم انصرنا بنصرك المؤزر
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{......وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ}{بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }الروم4-5
لله سبحانه وتعالى الأمر كله قبل انتصار الروم وبعده, ويوم ينتصر الروم على الفرس يفرح المؤمنون بنصر الله للروم على الفرس. والله سبحانه وتعالى ينصر من يشاء, ويخذل من يشاء, وهو العزيز الذي لا يغالَب, الرحيم بمن شاء من خلقه. وقد تحقق ذلك فغَلَبَت الرومُ الفرسَ بعد سبع سنين, وفرح المسلمون بذلك; لكون الروم أهل كتاب وإن حرَّفوه.
××××××××××××××××
51- اللهم أحيي قلوبنا و اجعلنا ممن يستمع إلى القول فيتبع أحسنه
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :(1/45)
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ }فاطر22
وما يستوي أحياء القلوب بالإيمان, وأموات القلوب بالكفر. إن الله يسمع مَن يشاء سماع فَهْم وقَبول, وما أنت -أيها الرسول- بمسمع مَن في القبور, فكما لا تُسمع الموتى في قبورهم فكذلك لا تُسمع هؤلاء الكفار لموت قلوبهم.
××××××××××××××××
52- اللهم لا تطمس أبصارنا يوم القيامة واجعلنا ممن يجوز الصراط بسلام
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ }يس66
ولو نشاء لطمسنا على أعينهم بأن نُذْهب أبصارهم, كما ختمنا على أفواههم, فبادَروا إلى الصراط ليجوزوه, فكيف يتحقق لهم ذلك وقد طُمِست أبصارهم؟
××××××××××××××××
53- اللهم لا تمسخ وجوهنا
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلَا يَرْجِعُونَ }يس67
ولو شئنا لَغَيَّرنا خلقهم وأقعدناهم في أماكنهم, فلا يستطيعون أن يَمْضوا أمامهم, ولا يرجعوا وراءهم.
××××××××××××××××
54- اللهم اجعلنا من المصطفين لتوحيدك ووفقنا للعمل بطاعتك
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }الشورى13(1/46)
شرع الله لكم- أيها الناس- من الدِّين الذي أوحيناه إليك -أيها الرسول، وهو الإسلام- ما وصَّى به نوحًا أن يعمله ويبلغه, وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى (هؤلاء الخمسة هم أولو العزم من الرسل على المشهور) أن أقيموا الدين بالتوحيد وطاعة الله وعبادته دون مَن سواه، ولا تختلفوا في الدين الذي أمرتكم به, عَظُمَ على المشركين ما تدعوهم إليه من توحيد الله وإخلاص العبادة له, الله يصطفي للتوحيد مَن يشاء مِن خلقه، ويوفِّق للعمل بطاعته مَن يرجع إليه.
××××××××××××××××
55- اللهم أنزل علينا من رزقك بالقدر الذي لا يلهينا عن عبادتك
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ }الشورى27
ولو بسط الله الرزق لعباده فوسَّعه عليهم، لبغوا في الأرض أشَرًا وبطرًا، ولطغى بعضهم على بعض، ولكن الله ينزل أرزاقهم بقدر ما يشاء لكفايتهم. إنه بعباده خبير بما يصلحهم, بصير بتدبيرهم وتصريف أحوالهم.
××××××××××××××××
56- اللهم اجعلنا هداة مهتدين بالقرآن الكريم
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الشورى52
وكما أوحينا إلى الأنبياء من قبلك -أيها النبي- أوحينا إليك قرآنًا من عندنا، ما كنت تدري قبله ما الكتب السابقة ولا الإيمان ولا الشرائع الإلهية؟ ولكن جعلنا القرآن ضياء للناس نهدي به مَن نشاء مِن عبادنا إلى الصراط المستقيم. وإنك -أيها الرسول- لَتَدُلُّ وَتُرْشِدُ بإذن الله إلى صراط مستقيم- وهو الإسلام-
××××××××××××××××(1/47)
57- اللهم انصر المؤمنين على الكافرين
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ }محمد4
فإذا لقيتم- أيها المؤمنون- الذين كفروا في ساحات الحرب فاصدقوهم القتال, واضربوا منهم الأعناق, حتى إذا أضعفتموهم بكثرة القتل, وكسرتم شوكتهم, فأحكموا قيد الأسرى: فإما أن تَمُنُّوا عليهم بفك أسرهم بغير عوض, وإما أن يفادوا أنفسهم بالمال أو غيره, وإما أن يُسْتَرَقُّوا أو يُقْتَلوا, واستمِرُّوا على ذلك حتى تنتهي الحرب. ذلك الحكم المذكور في ابتلاء المؤمنين بالكافرين ومداولة الأيام بينهم, ولو يشاء الله لانتصر للمؤمنين من الكافرين بغير قتال, ولكن جعل عقوبتهم على أيديكم, فشرع الجهاد؛ ليختبركم بهم, ولينصر بكم دينه. والذين قُتلوا في سبيل الله من المؤمنين فلن يُبْطِل الله ثواب أعمالهم.
××××××××××××××××
58- اللهم نور بصيرتنا ودلنا على من ينافقنا من الناس
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ}{وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ }محمد29-30
ولو نشاء -أيها النبي- لأريناك أشخاص المنافقين, فلعرفتهم بعلامات ظاهرة فيهم, ولتعرفنَّهم فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم. والله تعالى لا تخفى عليه أعمال مَن أطاعه ولا أعمال من عصاه, وسيجازي كلا بما يستحق.(1/48)
××××××××××××××××
59- اللهم كما فتحت للمسلمين مكة التي بها المسجد الحرام افتح علينا القدس التي بها المسجد الأقصى الذي باركت حوله
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً }الفتح27
لقد صدق الله رسوله محمدًا رؤياه التي أراها إياه بالحق أنه يدخل هو وأصحابه بيت الله الحرام آمنين, لا تخافون أهل الشرك, محلِّقين رؤوسكم ومقصِّرين, فعلم الله من الخير والمصلحة (في صرفكم عن "مكة" عامكم ذلك ودخولكم إليها فيما بعد) ما لم تعلموا أنتم, فجعل مِن دون دخولكم "مكة" الذي وعدتم به, فتحًا قريبًا, وهو هدنة "الحديبية" وفتح "خيبر".
××××××××××××××××
60- اللهم ائذن لنا بالشفاعة من الأنبياء ومن نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ومن الملائكة المكرمين ومن عبادك الصالحين في دخول جنات النعيم
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى }النجم26
وكثير من الملائكة في السموات مع علوِّ منزلتهم, لا تنفع شفاعتهم شيئًا إلا من بعد أن يأذن الله لهم بالشفاعة, ويرضى عن المشفوع له.
××××××××××××××××
61- اللهم اجعل الخير والزرع والحدائق الغناء في أرض المسلمين ولا تجعلها حطاماً
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ }الواقعة65
لو نشاء لجعلنا ذلك الزرع هشيمًا, لا يُنتفع به في مطعم, فأصبحتم تتعجبون مما نزل بزرعكم.
××××××××××××××××(1/49)
62- اللهم أنزل على بلاد المسلمين الماء الزلال ولا تجعله أجاجاً
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ }الواقعة70
لو نشاء جعلنا هذا الماء شديد الملوحة, لا يُنتفع به في شرب ولا زرع, فهلا تشكرون ربكم على إنزال الماء العذب لنفعكم.
××××××××××××××××
63- اللهم سلطنا على أعدائك وأعدائنا أعداء الدين وانصرنا عليهم
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }الحشر6
وما أفاءه الله على رسوله من أموال يهود بني النضير, فلم تركبوا لتحصيله خيلا ولا إبلا ولكن الله يسلِّط رسله على مَن يشاء مِن أعدائه, فيستسلمون لهم بلا قتال, والفيء ما أُخذ من أموال الكفار بحق من غير قتال. والله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء.
××××××××××××××××
64- اللهم اجعلنا ممن يتقيك ويتعظ بآياتك في الكون
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ }المدثر56
وما يتعظون به إلا أن يشاء الله لهم الهدى. هو سبحانه أهلٌ لأن يُتقى ويطاع, وأهلٌ لأن يغفر لمن آمن به وأطاعه.
××××××××××××××××
65- اللهم أدخلنا في رحمتك ولا تجعلنا من الظالمين
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
{يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }الإنسان31
يُدْخل مَن يشاء مِن عباده في رحمته ورضوانه, وهم المؤمنون, وأعدَّ للظالمين المتجاوزين حدود الله عذابًا موجعًا.
××××××××××××××××(1/50)
66- اللهم لا تجعلنا ممن ينسى القرآن الكريم بعد حفظه
فأنت وحدك القادر على ذلك ...
وأنت سبحانك عز من قال :
سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى{6} إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى{7}الأعلى
سنقرئك -أيها الرسول- هذا القرآن قراءة لا تنساها,إلا ما شاء الله أن تنساه بنسخ تلاوته وحكمه وكان صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة مع قراءة جبريل خوف النسيان فكأنه قيل له لا تعجل بها إنك لا تنسى فلا تتعب نفسك بالجهر بها إنه تعالى يعلم الجهر من القول والفعل وما يخفى منهما.
××××××××××××××××
تم الانتهاء من هذا الكتاب بإذن الله تعالى ومشيئته
يوم السبت 21/10/1430هـ الموافق 10/10/2009م
---------------------------
ahmedaly240@hotmail.com
ahmedaly2407@gmail.com(1/51)