أدب الإسلام
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين سيدنا محمد النبي المصطفى الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أيها الأخوة المستمعون ، أيتها الأخوات المستمعات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأسأل الله لي ولكم العافية والنجاة من النار ، وأن يجعل الله يومنا خيراً من أمسنا ، وأن يكون غدنا خيراً من يومنا ، وأن تكون الآخرة خيرا لنا من الأولى وبعد فقد أسس الإسلام دعوته ورسالته على أساس متين من الأخلاق الكريمة والآداب الرفيعة ، والفضائل السامية ، وذلك لأن الأخلاق أساس كل خير ، ومفتاح كل تقدم ، وسبيل كل نجاح ولن تتقدم المجتمعات في مدارج الكمال إلا بصلاح الأخلاق ، ولا تنحدر الأمم في مهاوي الضلال إلا بسوائها ولهذا كان اهتمام الإسلام بالأخلاق قويا واضحاً ، وعنايته بشأنها شديدة بينة ، لأن النصوص القرآنية والأحاديث النبوية كليهما يحملان الدعوة إلى الأخلاق جملة وتفصيلا ، وتمتزج فيهما الأخلاق ... ، والفضائل بالدين ، والآداب بالشرع امتزاجاً لا يتفضل أحدهما عن الآخر والمشكلات التي تواجه الإنسان في هذه الأيام التي أخذت فيها الأرض زخرفها .... وظن أهلها أنهم قادرون عليها بما وصلوا إليه من منجزات العلم ومعالم الحضارة المادية الجبارة والتي سببت كثيراً من القلق النفسي والاجتماعي ، وألقت بظلالها القاتمة على كل البيئات والمجتمعات بحيث لم تنج منها جهة ولم تسلم منها ناحية ، وقد ملأت القلوب بالخوف والهلع وأفقدتها أمنها وطمأنينتها بما نشرته من ظلم وانتشار للعدوان وسيطرة للظلم والقتل والدمار ، كل ذلك إنما هو بسبب غياب الأخلاق وفقدان الفضائل وغرابة الآداب وليس هناك من أمل في الإصلاح إلا بالعودة إلى نور الإسلام والتمسك بآدابه التي تملأ النفس تقوى وهدى وإيمان .(1/1)
إن رسالة الإسلام جاءت للإنقاذ من الظلم وللابتعاد عن القسوة وفي ذات الوقت لتحقيق العدل والرحمة ونشر الطمأنينة والسعادة ومن يعمق الفكر ويتأمل النظر في كل ما أمر به الإسلام ونهى عنه يجد أنه من تأديب الله لخلقه بأدب الوحي الذي كان يتعهد به رسول الله صلى الله عليه وسلم بما نشر من مكارم الأخلاق وبما علم من أدب النبوة ولعلنا نعيش معاً تلك الآداب وهذه الأخلاق فنقول : إن الأخلاق هي القواعد السليمة لسلوك البشر ، تبنى الأمم وعليها غرس دعائم الفضيلة ، ومن هنا اقترح نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم بأنه قمة في الخلق الفاضل والسلوك القويم فقال " وإنك لعلى خلق عظيم " سورة القلم (4) .(1/2)
وآداب الإسلام هي تعاليمه التي جاءت في القرآن الكريم وبينتها السنة المطهرة وأبرزها سلوك السلف الصالح فأحيت موات القلوب وروت ظمأها وبلت صداها ، وشفت أسقامها وعللها ومن هنا فإن آداب الإسلام هي الغاية من بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي بينها بقوله " إنما بعثت لتمم مكارم الأخلاق " وقبل أن يؤدب الرسول أمته كان الله قد أدبه بالأدب العالي حيث كان القدوة الحسنة والأسوة الطيبة ، وعلى هذا فتكون آداب الإسلام قد تمثلت في أدب رسول الله والتي هي الطراز الفذ والنمط العالي والغاية المنشودة والأمل المرجى للمثل العليا وللحياة الفاضلة ، وقد سأل أحد الحكماء : هل قرأت أدب النفس لأرسطو ؟ فأجاب بقوله : لقد قرأت أدب النفس لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد صدق فإن ما تصوره الأولون وما تخيله السابقون واصطنعوا له صوراً بعضها ناقص وبعضها كامل وجدنا أنه قد تحول إلى حقائق حية تجسد فيها الكلام إلى نماذج حية ، فأضحى سيرة رجل وأدب أمة وشعائر دين عظيم ، ذلكم هو أدب النفس لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أن المسلمين فتحوا قلوبهم ... على ما جاء في أدب الإسلام لما بهرتهم المظاهر الخلابة من مدينة الغرب أو الشرق والتي في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب ، وتواجدوا في حضارة الإسلام وتراثه وآدابه وسيرة أبنائه معينا لا ينضب ، وخيراً على كر الأيام ومر السنين ، وتحققوا لأنفسهم كما حقق أسلافهم عزاً ومجداً ونوراً يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ، هذا وآداب الإسلام كثيرة في العقيدة والعبادات والمعاملات وفي الحرب والسلام ، وفي البيوت والطرقات ، وفي البيع والشراء وفي الأفعال والأقوال ، وفي الأخذ والعطاء ، وفي الرضا والغضب ، وفي السراء والضراء وأول هذه الآداب هو الأدب مع الله تعالى والأدب مع كتابه تعالى والأدب مع رسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم يأتي أدي النفس وتأتي آداب الأسرة من الوالدين والأولاد والأخوة(1/3)
والأدب مع الأقارب وذوي الأرحام ثم أدب الجيران وآداب الضيف والأدب مع المرضى واليتامى والفقراء والأدب مع الأصحاب والأحباب وآداب الخدم والأدب مع الحكام وآداب الرعية والآداب العامة مع المسلمين ثم هناك الأدب مع غير المسلمين والأدب مع الحيوان والأدب مع الموتى وآداب الدعوة والدعاء والدعاة والمعلم والمتعلم والطعام والشراب إلى آخر ما جاء في القرآن والسنة وآثار الصالحين وعلى هذه الآداب الرفيعة والفضائل السامية قامت دعوة الإسلام على أسس قوية متينة لم تنل منها العواصف ولم تعبث بها الريح على طول الزمان وعرضه ، وسنحاول إن شاء الله تعلى أن تكون لنا وقفات مع كل تلك الآداب لنتحلى فيها منهج الإسلام الذي وضعه وارتضاه لعلنا بالعودة إليها نعود إلى أصول ديننا فنأخذ منها ما يحقق لنا سعادة الدنيا وفلاح الآخرة كما سعد ... الأول الذين تربوا على مائدة القرآن فرضى الله عنهم ورضوا عنه .
والله الهادي سواء السبيل ،،،
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله علي
بسم الله الرحمن الرحيم
( من آداب الإسلام - الآداب مع الله تعالى )
الجزء (1)(1/4)
إن الأدب مع الله تعالى يوجب الحياء منه وإن الحياء دليل صادق على طبيعة الإنسان المستقيمة ، فهو يبين قيمة أيمانه ومقدار أدبه ، وقد وصى الإسلام بنية وأتباعه بالأدب والحياء وجعل الخلق السامي أبرز ما يتميز به الإنسان من فضائل ، وقد روى الأمام مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء ) والإيمان هو الصلة الوطيدة بين العباد وربهم ومن لوازم هذه الصلة تزكية النفوس وتقويم الأخلاق وتهذيب الأعمال ، والتزام الأدب ، والإنسان العاقل في حضرة الرجال الكبار يجلهم ويحرص على استرضائهم ، ويكون ذلك بضبط سلوكه في حضرتهم ضبطا محكما ، فيتكلم بحذر ويتصرف بوجل وخوف وأدب واحترام ، وقد يحسن بعض الناس إلى الإنسان ، وأمام هذا الذي أحسن إليه يطل مطأطأ الرأس لهذا الإحسان الذي قدم إليه ، فيحرص على الأدب في حضرته بل وفي غيابه وتلك هي طبيعة الإحسان يملك الإنسان ويأسره ، وعلى العاقل أن ينظر إلى ما هو فيه من نعم وفضل مصدرها المنعم الأكبر وهو الله رب العالمين فعليه أن يلتزم الأدب معه ويحرص على مرضاته حتى يقابل النعمة بالشكرَانِ ، والجميل بالعرفان ، فينزه ربه أن يراه حيث نهاه أو أن يفقده حيث أمره أن يكون ، وعلى المسلم أن ينظر إلى خلقه وإلى أطواره التي مر بها من يوم أن قذف به في رحم أمه ، ثم تطور إلى علقة ثم إلى مضغة ثم حول إلى عظام ثم كسيت العظام لحما ثم أنشأه الله خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ، ثم أخرجه الله إلى الدنيا وتولاه بالرزق والنعمة ، ثم عطف عليه أبواه حتى صار بشرا يمشي على الأرض ، ورزقه من الطيبات وسخر له الكون لخدمته واسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة ( وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها أن الإنسان لظلوم مفار ) إبراهيم آيه 34 ، فيجب عليه أن يلتزم الأدب مع الله وذلك يكون بشكر نعمه التي لاحصر لها ، وبحمده والثناء عليه بما هو أهله وبتسخير جوارحه في طاعة الله ، والبعد(1/5)
عن معاصيه إذ ليس من الأدب جحود فضل المنعم وكفر أن النعم والتنكر له ولإحسانه وإنعامه لأن ذلك يؤذن بزوال النعم وقرب الانتقام ومما يوجب الأدب مع الله تعالى أن تكون على علم بأن الله تعالى معك وأنه يعلم سرك ونجواك وأنه خلقك ويعلم ماتوسوس به نفسك وأنه تعالى أقرب إليك من حبل الوريد وأنه تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وأنه ( ما يكون من نجوى ثلاثة ألا هو رابعهم ولاخمسة ألا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر ألا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة أن الله بكل شيء عليم ) ( سورة المجادلة آية 7 ) ( وما تكون شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل ألا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا أكبر ألا في كتاب مبين ) سورة يونس آية (61 ) .(1/6)
حينئذ يعبد الله ويراقبه ويسير في طاعته ولا يتعدى حدوده التي حددها ، وهذا هو معنى الإحسان في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول وقد سئل عن الإحسان ؟ فقال ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك ) ومن موجبات الأدب مع الله تعالى أن تعلم سر عظمته تعالى وقدرته وجبروته ، وسر ضعفك واحتياجك إليه وأنه ما من دابة ألا والله آخذ بناصيتها وأنه لا ملجا ولا منجى من الله ألا إليه فيغفر إلى الله ويلقى برحله في ساحات عفوه وفي رحاب كرمه ورحمته فيكب على الأرض ساجداً صاغر أيسأله فيعطيه ويدعوه فيجيبه ويلوذ به فيحميه ، ويستجير به فيجيره ويستغفره فيقبل توبته وأنابته ومن الأدب مع الله تعالى أن يعمل العبد ويرجو من الله حسن القبول وأن يحسن الظن به تعالى وأن يتوكل عليه وحده ويعتمد على جنابه عملا بقوله ( وعلى فتوكلوا أن كنتم مؤمنين ) سورة المائدة آية (23) وبقوله سبحانه ( ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فألئك هم الفائزون ) سورة النور آية (52) وبقوله ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) سورة النحل آية (97) والقرآن الكريم يلفت أنظارنا إلى أن نوحا عليه السلام حينما أراد أن ينبه قومه إلى حسن الأدب مع الله ويذكرهم بنعمه عليهم قال لهم ( ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاج ) سورة نوح آية ( 13 ، 20 ) وفي حديث الترمذي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( استحيوا من الله حق الحياء قلنا أنا نستحي من الله يا رسول الله والحمد لله قال : ليس ذلك الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى وتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا وآثر الآخرة(1/7)
على الأولى فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ) .
والله الهادي سواء السبيل وللحديث بقية
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله الشيخ علي
بسم الله الرحمن الرحيم
( من آداب الإسلام ... الأدب مع الله تعالى )
الجزء (2)
أن الأدب مع الله تعالى يحتم على المسلم أن ينزه لسانه أن يخوض في باطل ، وأن ينزه بصره أن ينظر عورة أو يرمق شهوة أو ينظر لمحرم ، وأن ينزه سمعه أن يسترق سرا أو أن يستكشف خبئا ، كما أن على المسلم أن يفطم بطنه عن الحرام ويقنعها بالطيب الميسور ، ثم عليه أن يصرف وقته في مرضاة ربه وإيثار ما عنده من مثوبة وألا تستخفه نزوات العين ومتعها الخادعة ، أنه أن فعل ذلك عن شعور وثقة بأن اله تعالى يرقبه إذا سقطت صبغة الأدب عن وجهه كما تسقط القشرة الخضراء عن العود الغض فان ذلك يكون ديليلا على أن الحياة الفاضلة قد أذنت بالضمور والذبول ، ويوشك الحطام الباقي أن يكون حبطا للنار ، والسبب في ذلك أن المرء عندما يفقد أدبه مع الله يتدرج من سيئ إلى أسوأ ويهبط من رذيلة إلى أرذل ، ولا يزال يهوى حتى يصير في الدرك الأسفل وهذا هو معنى الحديث الذي يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي يكشف عن مراحل هذا السقوط والذي يبتدىء بضياع الأدب والحياء وينتهي بشر العواقب وزوال الإسلام والإيمان . روى ابن ماجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن الله عز وجل إذا أراد أن يهلك عبداً نزع منه الحياء فإذا نزع منه الحياء لم تلقه ألا ممقتا فإذا لم تلقه ألا مقيتا ممقتا نزعت منه الأمانة ، فإذا نزعت من الأمانة لم تلقه ألا خائنا مخونا ، فإذا لم تلقه ألا خائنا مخونا نزعت منه الرحمة ، فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه ألا رجيما ملعنا فإذا لم تلقه ألا رجيما ملعنا نزعت منه ربقة الإسلام ) أن الأدب مع الله هو العاصم من الدنايا وهو الداعي لكل الفضائل وقديما ذهب رجل إلى إبراهيم أين أدهم وقال له : يا أبا اسحق أنى مسرف على نفسي في ارتكاب(1/8)
المعاصي فاعرض علي ما يكون لها زاجرا ومستنقذ قال : أن قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك المعصية ولم توبقك لذة ، قال : هات يا أبا اسحق قال : أما الأولى فإذا أردت أن تعصى الله عز وجل فلا تأكل من رزقه قال فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه ؟ قال : يأخذا أفيحسن بك أن تأكل رزقه وتعصيه ؟ قال : لا هات الثانية : قال وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئا من بلاده قال : هذه اعظم من الأولى يأخذا إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما ملك له فأين أسكن ؟ قال يأخذا أفيحسن بك أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه ؟ قال : هات الثالثة : قال وإذا أردت أن تعصيه وأنت تحت رزقه وبلاده فانظر موضعا لا يراك فيه فاعصه فيه قال يا إبراهيم ما هذا وهو يعلم السر و أخفي قال : يا هذا أفيحسن بك أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه وهو يراك ويعلم ما تجاهر به ؟ قال : لا هات الرابعة قال : فإذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له أخرني حتى أتوب توبة نصوحا وأعمل لله صالحا ، قال : لا يقبل مني قال : يأخذا أفأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب وتعلم أنه إذا جاءك لم يكن له تأخير فكيف ترجو وجه الخلاص ؟ قال : هات الخامسة قال : إذا جاءك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم قال : انهم لا يدعونني ولا يقبلون مني قال : فكيف ترجو النجاة أذن ؟ قال له يا إبراهيم حسبي حسبي ، أنا أستغفر الله وأتوب إليه ولزم العبادة والأدب مع الله حتى فارق الدنيا .(1/9)
وخلاصة القول : أن شكر العبد ربه على نعمه وحياؤه منه تعالى عند الميل إلى المعصية وصدق التوبة إلى الله والتوكل عليه وحسن الثقة به ورجاء فضله ورحمته والخوف من عقابه وبلاءه وحسن الظن به في انجاز وعده وانقاذ وعيده فيمن شاء من خلقه هو أدبه مع الله ، وبقدر تمسكه به ومحافظته عليه تعلو درجته ويرتفع مقامه وتسمو مكانته وتعظك كرامته فيصبح من أهل ولايته ورعايته ومحط رحمته وتنزل نعمته فيكون عبداً ربانيا يقول للشيء كن فيكون وهذا أقصى ما يطلبه المسلم ويتمناه المؤمن . إن كثير من أمور الدنيا يغري العبد ويدفعه إلى نسيان ربه ومنها النفس الأمارة بالسوء والهوى والشيطان ومفاتن الحياة الدنيا ، ولكن العاقل لو تأمل في أمر نفسه لوجد أن مايربطه بالله ويقربه منه إنما هو الأقرب والأكثر ، فمن حوله ملائكة الله الكرام أر لكاتبين يعلمون ما يفعله العبد ، ومعه ربه الذي يقول عن نفسه ( وهو معكم أينما كنتم ) ومعه نعم الله المسبغة ظاهرة وباطنه وتوجبا عليه أن يستخدمها في الشكر والطاعة وبين يديه الكتاب والسنة اللذان قال عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا أمر بينا كتاب الله وسنتي ) ثم بين عينيه الموت الذي هو أقرب إليه من شراك نعله ، ثم هو كل يوم يودع موتى إلى قبورهم وغداً هو راحل إليهم وهناك سوف يجد ما عمل من خير محضرا وما عمل من سوء يود لو أن بينه وبينه أمداً بعيداً وهذا ما يحول بينه وبين المعاصي ويصرف عنه شياطين الأنس والجن والله الهادي سواء السبيل .
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله علي
بسم الله الرحمن الرحيم
( من آداب الإسلام ... الأدب مع القرآن الكريم )(1/10)
ويتبع الأدب مع الله تعالى الأدب مع قرآن الكريم ، والقرآن الكريم هو كتاب الله ( الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) وهو الذي يقول فيه ربنا ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) وهو الذي يزيد المؤمنين أيمانا إذا تلي عليهم وهو الشفاء لما في الصدور وهو الذي شفاءو رحمة للمؤمنين وهو الذي يقول فيه رسولنا صلى الله عليه وسلم فيما رواه على كرم وجهه ( أنها ستكون فتن قلت وما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعكم وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسن ، ولا يخلق من كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يشبع منه العلماء وفي رواية ( ولا تختلف به الأهواء ) هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن تقول ( أنا سمعنا قرآنا عجبا يهدب إلى الرشد ) من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم ) وهو الذي يشفع لصاحبه يوم القيامة كما يقول عليه السلام ( أن الصيام والقرآن ليشفعان في العبد يوم القيامة يقول الصيام رب منعته الطعام بالنهار فشفعنى فيه ويقول القرآن رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان ) وهو الذي أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعهده لكثرة نفلته روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تعاهدوا القرآن فوا الذي نفسي بيده لهو اشد تفصيا من الإبل في عقلها ) وهو الذي قال عنه ربنا لرسوله صلى الله عليه وسلم ( أنا سنلقى عليك قولا ثقيلا ) وهو الذي تعهد الله تعالى بحفظه إذ قال ( أنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون ) ولقد مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم قارئ القرآن بأمثلة مختلفة على حسب درجات العمل به(1/11)
حين قال ( مثل الذي يقرأ القرآن كالأرجة طعمها طيب وريحها طيب ، والذي يقرأ القرآن كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها ومثل الفاجر وفي رواية المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل الفاجر وفي رواية المنافق - الذي يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها ) رواه الشيخان والترمذي عن أبي موسى ، ولقد أوجب الله بالمداومة على تلاوته وحسن ترتيله في قوله ( ورتل القرآن ترتيلا وبحسن الاستماع إليه والإنصات لكي تتنزل رحمة ربنا إذ يقول سبحانه ( وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) ويكون الأدب مع القرآن بتحسين الصوت والتجويد روى أحمد وابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( زينوا القرآن بأصواتكم ) ويكون الأدب مع القرآن بالتفكير والتدبر واستحضار القلب وعدم الغفلة عنه ويكون باستحضار الخشوع والبكاء فقد روى ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اتلوا القرآن وابكوا فان لم تبكوا فتباكوا ) وغاية الأدب مع القرآن تكون بالعمل به وبالوقوف عند حدوده التي حددها الله تعالى وأن يحل المسلم حلاله ويحرم حرامه وأن يلتزم بخلاقه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد سئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ( كان خلقُه القرآن ) فكأن المسلم قرآن يمشي على الأرض بأخلاقه ومبادئه وتلك هي التقوى حيث سئل علي كرم الله وجهه عن التقوى فقال ( هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل ) ولقد كان لهذه الأمة شأنها ومكانتها يوم أن كان القرآن خلقها فكانوا يداً على من سواهم وكان يسعى بذمنهم أدناهم وكانوا رحماء بينهم أشداء على الكفار وكنت تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا وكان سيماهم في وجههم من أثر السجود أولئك حزب الله ألا أن حزب الله هم المفلحون . لقد حوى القرآن علاج أمراض البشر وتضمن علاج عللهم ( وننزل من القرآن ما(1/12)
هو شفاء للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارة ) الإسراء (82) لقد جمع أصول التوحيد ووضح أنواع العبادات التي يتقرب بها إلى الله من أقوال وأفعال ونيات ، وجمع صفوف المعاملات في البيع والشراء والتعامل فيها بين الناس موضحاً ما يحل وما يحرم ، وبين الآداب العامة للإنسان مع ربه ونفسه غيره ، وبين سنن الله في الكون وفي المجتمعات البشرية وكيف كان رقيها وكيف كان هبوطها وحرر العقل من الخرافات والأوهام ، وحرر النفس من الأمراض النفسية كالهلع والجبن والبخل والغل والحسد ، وحرم الخبائث التي تضر الإنسان وأهل الطيبات وحرم الفواحش والاثم والبغي والشرك الذي لم ينزل به سلطانا ، وسد أبواب الشر في مجالات الحياة وفتح أبواب الخير ، لقد أنزله الله على رسوله ليكون هداية لخلقه وحجة عليهم بما اشتمل من جوانب الإيجاز وأسرار التشريع للفرد وللأسرة وللجماعة وأخبر عن عالم الغيب بالأسلوب لنتأب بأدبه حتى نكون خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله فهل من دعوة إليه والله الهادي سواء السبيل .
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله علي
بسم الله الرحمن الرحيم
من آداب الإسلام ...
( الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم )(1/13)
فلقد نهى الله المسلمين أولا عن رفع أصواتهم على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم نهو ثانيا أن يكلموه كما يكلم بعضهم بعضا ثم أمروا بعد ذلك ثالثا بغض أصواتهم عنده بحيث يكون صوته عاليا على أصواتهم إذ يقول سبحانه ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) وقال سبحانه ( إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم ) حيث أثنى على الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله ، وحتى قال العلماء : إنه يكره رفع الصوت عند قبره عليه السلام كما كان يكره في حياته لأنه يحترم حيا وفي قبره عليه السلام ) ثم يبين تعالى اللوم الذي لحق الذين نادوه من وراء الحجرات بغير أدب وبصوت عال ، وسلى رسوله بأنهم معذورون لأن أكثرهم لا يعقلون ، وبين أنهم لو انتظروا لحين خروجه إليهم لكان ذلك خيراً لهم مما فعلوه ومع هذا فالله غفور رحيم لمن تاب وأناب منهم ولم يعد لمثل ما حدث مرة أخرى ومن الأدب الذي أدب الله به المسلمين مع رسولهم صلى الله عليه وسلم أنه حينما كان الواحد منهم يريد مناجاته أن يقدم بين يدي نجواه صدقة فقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ) المجادلة (12) .
ثم خفف عنهم بعد ذلك بالتوبة عليهم ونما عليهم إن عجزوا عن ذلك أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وأن يطيعوا الله ورسوله لأن الله خبير بما يعملون يقول تعالى : ( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون ) المجادلة (13) .(1/14)
ومن الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم مخالفته في أي أمر حتى لا يهلكوا بذلك لأن في مخالفته الفتنة والعذاب الأليم يقول سبحانه : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) النور (63) .
كما أدب الله المسلمين بالتأسي به والاقتداء به في كل أمورهم فقال سبحانه : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) الأحزاب (21) .
والأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون بالامتثال والانقياد لحكمه ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) المائدة (49) .
( أنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ) النساء 105 ولهذا فقد قال صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) ومن هنا كان من الأدب مع القاضي والحاكم والقائد والرضا والتسليم بما يفرضه الشرع والعقل والدين ما دام الحكم مطابقا لما أمر الله تعالى به ، كما أدب الله المسلمين مع رسولهم حيث لا يكتمل إيمانهم إلا إذا كان رسول الله أحب إليهم من نفوسهم التي بين جنوبهم حتى قال صلى الله عليه وسلم والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه ) فقال عمر والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي التي بين جنبي فقال له صلى الله عليه وسلم : لم يكتمل إيمانك يا عمر : فقال له عمر : والله لأنت الآن أحب إلي من كل شيء حتى من نفسي التي بين جنبي ، فقال صلى الله عليه وسلم : الآن يا عمر أي الآن كمل إيمانك ) .
ولقد أدب الله المسلمين بأن أمرهم بالصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم حين يذكر اسمه حيت أن الله وملائكته يصلون عليه إذ يقول ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) الاحزاب آية (56)(1/15)
ولقد أدب الله المسلمين مع نبيهم حيث جعل حبهم لله وحب الله لهم موقوفان على اتباعهم لرسوله صلى الله عليه وسلم ( إن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) آل عمران آية (31) .
وأدبهم الله بأمره إياهم باتباع سنته والتزامها وعدم مفارقتها فمن فارق سنته فليس في عداد المسلمين ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) إن من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إحياء سنته وتنفيذ وصاياه والعمل بما قاله وفعله وأمر به وتطبيق شريعته والتزام ما أمر به والانتهاء عن ما نهى وتصديقه في كل ما جاء به حيث إنه مبلغ عن الله وحيث صدقه الله بالمعجزات وخوارق العادات ، فمن بدل من بعده فلا نجاة له في الدنيا ولا في الآخرة وفي الحديث ( ألا ليذادن أقوام يوم القيامة عن حوضي كما يذاد البعير الضال فأناديهم ألا هلم فيقال لا يا محمد إنهم بدلوا بعدك فأقول سحقاً ) وفي الحديث ( ألا إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا أمرا بينا كتاب الله وسنتي ) لقد أدب الله المسلمين مع رسولهم بألا يدخلوا بيته إلا أن يؤذن لهم إلى طعام وأن عليهم إذ أطعموا أن ينتشروا ولا يجلسوا مستأنسين الحديث لأن ذلك يؤذي رسولهم وهو يستحيي منهم ، وأن عليهم مراعاة شعوره ، كما أدبهم بأن يكون حديثهم مع نسائه من وراء حجاب ففي ذلك طهارة لقلوبهم وقلوبهم كما اعتبر نساءه أمهات للمؤمنين فلا يجوز الزواج منهن ، كما كان من أدب المؤمنين الذين أدركوه أن يجيبوه حين يناديهم ولو كانوا في صلاتهم عملا بقوله تعالى ( يأيها الذين أمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحيكم ) الأنفال (24) ولا عجب في ذلك فقد أحيا الله به النفوس بعد موات و اخرجهم من الظلمات إلى النور وهداهم الله به صراط الله العزيز الحميد فصلوات ربي وسلامه على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله الهادي سواء السبيل .
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله علي
بسم الله الرحمن الرحيم(1/16)
( من آداب الإسلام ... أدب النفس )
إن من أعظم آداب الإسلام تأديبه للنفس البشرية وصيانته لها وحفظه لها مما يؤدي بها إلى الهلاك والتلف ويجعلها أهلا لغضب الله ورسوله في الدنيا والآخرة .
وقد أدب الإسلام النفس الإسلامية بآداب تتضح وتتجلى فيما يلي :-
1. صلاح النفس وتزكيتها وتقواها والبعد بها عما يغضب الله وعن كل ما نهى عنه وإلزامها الصراط المستقيم الذي هو صراط الله العزيز الحميد ، ويتضح لكل عقل سوي أن كل ما أمر به الإسلام يحقق لها سعادتها في الدارين وأن كل ما نهى عنه الإسلام فإنه يحفظ عليها ذاتها وكرامتها وكيانها .
2. ومن أدب الإسلام للنفس أنها قد تزل بها القدم وينحرف العقل بها عن الطريق - وهذا طبع البشر - فلم يتركها للهلاك بل إنه أرشدها لما ينقذها به ويعيدها إلى طريق الجادة ، والعلاج الذي وضعه الإسلام للنفس هو الإنابة والرجوع إلى الله والندم على ما فات وعدم العزم على المعاصي وشرع لها الاستغفار والتوبة والمحاسبة على الماضي لتنتفع بها في مستقبلها .
3. والحياة مليئة بالمغريات التي تفتن الناس في دينهم ودنياهم ، والإسلام قد وضع معالم الطريق لذلك والتي تكفل النجاة من هذه المغريات والموبقات ألا وهي مجاهدة النفس ومحاربتها والاستعانة بالعبادة من صلاة وصوم وطاعة حتى ينتصر المسلم على شهواته ، والنفس أمارة بالسوء إلا من رحم الله ونبه الإسلام النفس إلى التخلق بالخلق الحسن والأدلة على تلك الآداب لاصلاح النفس وتأديبها بآداب الإسلام واضحة بينه لا يغفل عنها إلا من صم سمعه وأعمى بصره وأغلق قلبه عن هدي الله يقول الحق سبحانه ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) الشمس آية ( 9 ، 10 ) .(1/17)
ويقول سبحانه ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) الأعلى آية 14 ، 15 ويقول تعالى ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) هود آية 114 ويقول جل شأنه ( وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) النور 31 ويقول صلى الله عليه وسلم ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ) ويقول صلى الله عليه وسلم ( اتق الله حيث ما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) وفي الحديث ( إني لأتوب إلى الله وأستغفره في اليوم مائة مرة ) ويقول سبحانه ( ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين ) العنكبوت 6 ويقول الله تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) العنكبوت 69 وفي الحق أن الإسلام عني بالنفس البشرية عناية لا مثيل لها وعالج مشاكلها وأدبها بأدب الله ورسوله لأن الله تعالى هو العليم بما يصلح شأنها ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف
الخبير ) الملك آية (14) .
ولا عجب في ذلك فالنفس هي أساس المجمع فإذا تأبت فإن المجتمع ينصلح حاله كله ، ومن هنا كان للنفس في القرآن شأنها حيث يأمرنا القرآن أن نرجع إليها لننظر فيها ونعتبر بما في داخلها حيث يقول الحق تبارك وتعالى ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) الذاريات آية (21) وحيث أقسم بها الحق تبارك وتعالى في قوله ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) الشمس (7 ، 8) مما يدل على مكانه النفس وأهميتها ومدى العناية بها .(1/18)
إن من أدب الإسلام للنفس أن دعاها للقناعة والرضى بالمقسوم في كل شيء ، كما حذرها من التعلق بالمال والغنى تعلقاً يفقدها اتزانها ، ومن أدب الإسلام للنفس أن دعاها للتوبة والصبر والصدق واليقين والتوكل والتقوى والمراقبة والأمانة والوفاء والحلم والعفو والعدل وحذرها من سوء الخلق والتكبر والحسد والرياء والكذب والنفاق والإسراف والغش والخداع وسوء الظن والمكر السيء وأظهار الشماتة ، ومما أدب به الإسلام النفس أنه زاح عنها كابوس واليأس والقنوط وأبعدها عن البقاء على الماضي إلا بالقدر الذي تستفيد منه في حاضرها ومستقبلها حيث الأمل المرجو والرجاء في فضل الله وعونه حيث يقول سبحانه ( ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) حيث يقول صلى الله عليه وسلم .
الشيخ / عبد الظاهر عبدالله علي
بسم الله الرحمن الرحيم
( من آداب الإسلام ... أدب العبادات والمعاملات )(1/19)
لقد نظر الإسلام إلى العبادات على أنها أركان أساسية يقوم عليها كيان الدين وجوهره ونظر إلى المعاملات على أنها مرتبطة بالدين وأنها وثيقة الصلة به حتى شاع القول المأثور ( الدين المعاملة ) ولا غرو في ذلك فإن المعاملات هي المحك الذي يبرز حقيقة الأيمان في نفس المؤمن وأنها تبرهن على معدن الأيمان في نفس المؤمن فوضع الإسلام قاسما مشتركا بين كافة أنواع العبادات من طهارة وصلاة وصيام وزكاة وحج - وهو لا بد من وجوده فيها كلها وهذا من أدب الإسلام وتعليمه وهذا العامل لا بد فيه من عنصرين اثنين لكي تكون العبادة موافقة لآداب الإسلام ومنهاجه العنصر الأول هو الصبر والعنصر الثاني الإخلاص فلكي تتحقق الطهار فلا بد فيها من الصبر ولهذا جاء الحث في حديث رسول الله على إسباغ الوضوء على المكاره وجاء التحذير من عدم الإسباغ للوضوء حتى نادى رسول الله يوما وهم يتوضوؤن قائلا ( ويل للأعقاب من النار وكررها عدة مرات وهذا لا يتحقق ألا بالصبر وفي الطهارة لا بد لها من الإخلاص أيضا حيث يقصد بها وجه الله تعالى التزاما بالأمر ، ولهذا قال سبحانه وتعالى ( أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) البقرة آية (222) وقال مثنيا على من يحبون الطهارة ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين ) التوبة آية (108) وقال ( وان كنتم جنبا فاطهروا ) المائدة آية (6) ونرى عنصر الصبر والاخلاص لازمين لكي تكون الصلاة شرعية وهذا من أدب الإسلام ولذلك فان الصلاة التي لا تؤدي بركوعها وسجودها وخشوعها وأركانها كاملة فلا اعتبار لها ومن هنا فقد أمرنا الله تعالى بالصبر والاستعانة به فقال(1/20)
( استعينوا بالصبر والصلاة ) البقرة آية (153) ويأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على الصلاة فيقول ( وامر اهلك بالصلاة واصطبر عليها ) طه آية (132) وإذا فقدت الصلاة عنصر الإخلاص كانت ويلا يعذب بها صاحبها قال تعالى ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون . الذين هم يراءون ) الماعون آية (4 ، 6 ) ويقول في صفات صلاة المنافقين ( أن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله ألا قليلا ) النساء آية (142) والصبر والاخلاص لازمان لتحقيق الصوم ولو لم يكن هناك صبر لما استطاع المسلم أن يمسك عن الطعام والشراب والشهوات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس و إنما الذي يجعله يغالب ذلك هو الصبر ، وللأخلاص في الصوم منزلته ولهذا جاء الحديث ( الصيام فانه لي وأنا أجزي به ) أي خالصا لوجهه ( كل عمل أبن آدم له ألا الصوم فانه لي وأنا أجزي به ) ( من صام رمضان أيمانا واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه ) ومعنى الأيمان والاحتساب أنه لوجهه تعالى . ومن أدب الإسلام في الزكاة والصدقة أنه لا بد فيهما من الصبر والاخلاص لله فلو انعدم الصبر ما دفع المؤمن زكاته ولما قدر أن ينزل عن جزء من ماله لغيره ، و إنما يهون ذلك بالصبر يقول سبحانه في شأن المنفقين و المطيعين لله ( وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) الإنسان آية (12) ولوا انعدم الإخلاص في الزكاة والصدقة كانتا رياء وصارتا كالعدم حتى أننا لنرى القرآن الكريم يقسم البخلاء قسمين نوع بخيل كاراً على ما في يده لا ينفق منه شيئا ونوع آخر ينفق للرياء والسمعة لا بالاخلاص يقول تعالى ( أن الله لا يحب من كان مختالاً فخورا الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله و اعتدنا للكافرين عذاباً مهينا والذين ينفقون أموالهم راء الناس ويؤمنون بالله وباليوم الآخر ) النساء آية (36 : 37) ويحكم الحق تبارك وتعالى على من(1/21)
أنفق ماله للرياء بغير إخلاص بان صدقته باطلة ومردودة عليه إذ يقول
( يا أيها الذين أمنوا ألا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ) البقرة آية (264) والحج والعمرة يحتاجان إلى الصبر والا لما أنفق الحج لهما ولما فارق الأهل والوطن ولما تكبد المسلم المشاق واحتمل وعثاء السفر وأعباءه وأداء الشعائر وإذا فقد الحج عنصر الإخلاص كان كأن لم يكن بل وبا لاعلى صاحبه ولذا فان من يكفر الله عنه ذنوبه هو الذي قصد ثواب الله ووجهه وفي الحديث ( عبادي جاءوني شعثا من كل فج عميق يرجون جنتي ) أي مخلصين لله تائبين خاضعين طالبين العفو والمغفرة من رب العالمين ، وفيما يخص المعاملات فإن الصبر من ألزم الأمور لها حتى تؤتي ثمارها المرجوة من التعاون والمحبة بين الناس وحتى ينال صاحبها الأمان من رب العباد فمن يوكل إليه عمل لن يستطيع أن يأتى به على الوجه الأكمل إلا إذا صبر واخلص ليكون نصيبه وافر من الثواب والمثوبة في الدنيا والآخرة ، إن الذي يقرض الناس من ماله لا يستطيع ذلك إلا بالصبر والإخلاص ، وكذلك من يؤدي ما عليه للناس لا يقدر على ذلك إلا بالصبر والاخلاص ، والذي يؤدي ما عليه من الأمانات ويقوم بالوفاء لهم فيما يجب عليه لن يتأتى له ذلك إلا بالاخلاص والوفاء وأي عمل يؤدي دون صبر وإخلاص فإنه لن ينتفع به أحد سواء من أداره أو من أدى إليهم والله الهادي سواء السبيل .
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله علي
آداب الصيام(1/22)
الصيام هو الركن الرابع من أركان الإسلام وهو الذي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن سأله بأنه لا عدل له ، روي احمد عن أبي إمامة رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : مرني بعمل يدخلني الجنة ، قال : عليك بالصوم فإنه لا عدل له ، ثم أتيته الثانية فقال : عليك بالصيام ، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الجماعة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يصوم عبد يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهة سبعين خريفاً وهو العبادة التي يكون لأصحابها باب مخصوص في الجنة يدخلون منه ولا يدخل أحد منه غيرهم فعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أن للجنة باب يقال له الريان يقال يوم القيامة : أين الصائمون ؟ فإذا دخل أخرهم أغلق ذلك الباب " رواه البخاري ومسلم ، وروي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله عز وجل : كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي أنا أجزي به ، والصيام جنة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن شاتمه أحد وقاتله فليقل : إني صائم مرتين . والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، وللصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه " ومن هنا فقد جعل الإسلام للصائم آدابا يستحب له أن يراعيها لينال الثواب الذي أعده الله للصائمين وهي "(1/23)
السحور وقد أجمعت الأمة على استحبابه فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تسحروا فإن في السحور بركة " رواه البخاري وقد روي النسائي بسند جيد عن المقداد بن معد يكرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عليكم بهذا السحور فإنه هو الغذاء المبارك " وسبب بركته أنه يقوي الصائم وينشطه ويهون عليه الصيام ويتحقق السحور بكثير الطعام وقليلة ولو بجرعة ماء فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين " رواه أحمد ووقت السحور من منتصف الليل إلى طلوع الفجر والمستحب تأخيره وعن أبي ذر العفاري رضي الله عنه مرفوعا " لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور " .(1/24)
ومن آداب الصيام تعجيل الفطر متى تحقق غروب الشمس وينبغي أن يكون الفطر على رطب ... فإن لم يجد مغلي الماء وعن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا كان أحدكم صائماً فاليفطر على التمر فإن لم يجد التمر مغلي الماء فإن الماء طهور " ومن آداب الصيام الدعاء عند الفطر وأثناء الصيام لقول النبي صلى الله عليه وسلم رواه أحمد " إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد " وكان عبد الله بن عمرا بن العاص إذا أفطر يقول " اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء آت تغفر لي " وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى " ومن دعائه صلى الله عليه وسلم " اللهم لك صمت وعلى رزقك افطرت " ومن آداب الصيام الكف عما يتنافى مع الصيام لأنه عبادة من أفضل العبادات وقد شرعه الله تعالى ليهذب النفس ويعودها الخير ، فعلى الصائم أن يتحفظ من الأعمال التي تخدش صومه حتى ينتفع بالصيام وتحصل له التقوى التي ذكرها الله تعالى في قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتثون " البقرة آية (183) .
وليس الصيام إمساكا عن الأكل والشرب والجماع فحسب بل هو إمساك عن سائر ما نهى الله عنه إلى جانب ما ذكر لما رواه ابن خزيمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو الرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل إن صائم " ولقوله عليه السلام " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لك حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " .(1/25)
ومن آداب الصيام الجود والسخاء ومدارسة القرآن الكريم وهما مستحبان في كل وقت لكنهما أكد في رمضان وفي الصيام عموما فقد روي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة " .
ومن آداب الصيام الاجتهاد في العبادة والاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان على وجه الخصوص لما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنهما قالت " إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر أحي الليل وأيقظ أهله وشد المئزر .
ومن آداب الصيام أن يكثر الصائم من نوافل العبادات ويشغل نفسه بالصلاة وتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء له ولكافة المسلمين ... لك من الطاعات التي تقرب إلى الله تعالى وتصل المرء بخالقه ودراسة العلم وقراءة سير الأنبياء والصالحين وألا ينشغل بما لا يعنيه من قول أو عمل لقوله صلى الله عليه وسلم " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وأن يكثر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم ، وعلى الصائم أن يرقب قدوم الضيف العزيز في كل عام وأن يستغله أحسن استغلال فإنه لا يدري هل سيدركه رمضان آخر أم أنه سوف يكون قد ودع الدنيا وقدم على ربه الكريم .
والله الهادي سواء السبيل ...
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله علي
بسم الله الرحمن الرحيم
( من آداب الإسلام ... أدب النفس )
إن من أعظم آداب الإسلام تأديبه للنفس البشرية وصيانته لها وحفظه لها مما يؤدي إلى الهلاك والتلف ويجعلها أهلا لغضب الله ورسوله في الدنيا والآخرة .
وقد أدب الإسلام النفس الإسلامية بآداب تتضح وتتجلى فيما يلي : -(1/26)
1. صلاح النفس وتزكيتها وتقواها والبعد بها عما يغضب الله وعن كل ما نهى عنه وإلزامها الصراط المستقيم الذي هو صراط الله العزيز الحميد ، ويتضح لكل عقل سوي أن كل ما أمر به الإسلام يحقق لها سعادتها في الدارين وأن كما نهى عنه الإسلام فإنه يحفظ عليها ذاتها وكرامتها وكيانها .
2. ومن أدب الإسلام للنفس أنها قد تزل بها القدم وينحرف العقل بها عن الطريق - وهذا طبع البشر - فلم يتركها للهلاك بل إنه أرشدها لما ينقذها به ويعيدها إلى طريق الجادة ، والعلاج الذي وضعه الإسلام للنفس هو الإنابة والرجوع إلى الله والندم على ما فات وعدم العزم على المعاصي وشرع لها الاستغفار والتوبة والمحاسبة على الماضي لتنتفع بها في مستقبلها .
3. والحياة مليئة بالمغريات التي تفتن الناس في دينهم ودنياهم ، والإسلام قد وضع معالم الطريق لذلك والتي تكفل النجاة من هذه المغريات والموبقات ألا وهي مجاهدة النفس ومحاربتها والاستعانة بالعبادة من صلاة وصوم وطاعة حتى ينتصر المسلم على شهواته ، والنفس أمارة بالسوء إلا من رحم الله ونبه الإسلام النفس إلى التخلق بالخلق الحسن والأدلة على تلك الآداب لا صلاح النفس وتأديبها بآداب الإسلام واضحة بينة لا يغفل عنها إلا من صم سمعه وأعمى بصره وأغلق قلبه عن هدي الله يقول الحق سبحانه ( قد أفلح زكاها وقد خاب من دساها ) الشمس آية (9 ، 10) .(1/27)
ويقول سبحانه ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) الأعلى آية (14 ، 15) ويقول تعالى ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) هود آية (114) ويقول جل شأنه ( وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) النور (31) ويقول صلى الله عليه وسلم ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ) ويقول صلى الله عليه وسلم ( اتق الله حيث ما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) وفي الحديث ( إني لأتوب إلى الله وأستغفره في اليوم مائة مرة ) ويقول سبحانه ( ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين ) العنكبوت (6) ويقول الله تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا وإن الله لمع
المحسنين ) العنكبوت (69) وفي الحق أن الإسلام عني بالنفس البشرية عناية لا مثيل لها وعالج مشاكلها وأدبها بأدب الله ورسوله لأن الله تعالى هو العليم بما يصلح شأنها ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) الملك آية (14) ولا عجب في ذلك فالنفس هي أساس المجتمع فإذا تأدبت فإن المجتمع ينصلح حاله كله ، ومن هنا كان للنفس في القرآن شأنها حيث يأمرنا القرآن أن نرجع إليها لننظر فيها ونعتبر بما في داخلها حيث يقول الحق تبارك وتعالى ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) الذاريات آية (21) وحيث أقسم بها الحق تبارك وتعالى في قوله ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) الشمس (7 ، 8) مما يدل على مكانة النفس وأهميتها ومدى العناية بها .
والله الهادي سواء السبيل
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله علي
أدب الأسرة - أدب الزوج مع زوجته
الجزء (1)(1/28)
لقد شرع الإسلام الآداب في الحياة الزوجية بين الزوجين ما يكفل السعادة المنشودة على أعلى المستويات ، فأوجب من الحقوق والآداب ما هو مشترك بينهما وهي التعاون والأمانة والرحمة والمودة إذ يقول سبحانه " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " الروم (21) كما أوجب الثقة المتبادلة لقوله تعالى " إنما المؤمنون أخوة " الحجرات (10) كما أوجب الرفق في المعاملة وكرم الخلق وحسن الصنيع لما بينهما من العهد الأكيد لقوله تعالى " وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً " النساء (21) تلك هي أهم الآداب المشتركة والحقوق المتبادلة بين الزوجين وأما حقوق الزوجة على زوجها وأدبه معها فتتحلى في :
1. العشرة بالمعروف :
لقوله تعالى : وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيرا كيرا " النساء (19) فتوصى الآية بالرفق بالزوجة حيث إن الإسلام يطالب أن تكون المعاشرة بالمعروف كنظام في العشرة حيث ينادي لم تكرهها ؟؟ ربما هذا الخير يكون من أجلها فتترطب المشاعر الملتهبة ويزول شعور الكراهية العارض وتعود إلى الزوجية ونسخة صبح الوداد لتنعش حياة الأسرة من جديد .
2. النفقة :
ويوجب الإسلام على الرجال النفقة وهي نفقة حدها القدرة والايسار فيقول سبحانه " لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسر " الطلاق (7) ويضع الإسلام في أدب النفقة جواً يشبع بالحب والحنان ولا تسلط فيه ولا عنف فيقول صلى الله عليه وسلم " إذا سعي الرجل امرأته الماء أجر " البخاري وإذن فما تدعو إليه الأصوات من ... النفقة بقدر ثابت إنما هو خروج بقانون الأسرة عن حياض الشريعة ورعه الإيمان بالله الذي جعل العسر واليسر بيده سبحانه .
3. حفظ سرها :(1/29)
وتتضح عظمة الأدب الإسلامي وهو يحوط المرأة بسياج من الستر يحفظ عليها ماء وجهها ويخفي عن الناس بعض خصائصها الخاصة التي تتحلى بها مع شدة وقارها ، فإذا ما عرفت عنها ربما رآها الناس صغيرة أو ربما هي ... من نفسها يقول صلى الله عليه وسلم " إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها " لقد شاء الإسلام أن تبقى للمرأة خصائصها سراً لا يجوز للرجل أن يذيعه ليبقى لها كبرياؤها وأنوثتها وكرامتها بعيداً عن سمع الناس وخواطرهم .
4. حفظ مالها :
لقد أعطى الإسلام للمرأة حقها في التصرف المباشر في أموالها وجعله حقا طبيعيا في ملكية المال وأهلية التصرف فيه إذ يقول سبحانه " للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيب امفروضا " النساء (7) وقد نص القرآن على هذه الملكية ونص على عدم التدخل في شئونها المالية يقول سبحانه " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا مه شيئا تأخذونه بهتانا وإثما مبينا " النساء
(20) وقال سبحانه " وأتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " النساء (4) فقد قضت الآيات أنه لا يجوز أخذ شيء من مال المرأة إلا عن رضي نفس منها .
5. عدم إحراجها :-(1/30)
ومن الواجبات التي يحتمها الإسلام في الأدب مع الزوجة عدم إحراجها ، فإذا كان مسافراً فلا يرجع إليها ليلا دون أن يخبرها بعودته فقد روي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا طال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلاً " وعند الطبراني في الكبير " ولا تطرقوا النساء ليلاً " وفي سند أحمد رضي الله عنه " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ليلا " وهكذا يضمن الإسلام للمرأة حياة طبيعية وهذه الحياة هي مفهوم قوله تعالى " الرجال قوامون على النساء " النساء (34) فالقوامة هي تمام الرعاية وكمال الضبط وهي تكليف للرجال من الله تعالى ليحسنوا رعاية الأسرة وقد حبا الله الرجل من الخصائص ما يؤهلهم ويرشحهم لحمل هذه الأمانة ، فإن تخلى الرجال عنها فقد تخلوا عن أمانة من أمانات الله ، ويم يتخلى الرجال عن هذه القوامة فإن الحياة تتعسر وتفسد فلنلتزم بأدب الإسلام ولا نضيق ذرعا بالمرأة ولا نذمها لقوله عليه السلام " لا ... مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي آخر " وعلينا أن نحرص على فقهها في دينها لأننا مطالبون بكل ما يقيها من النار لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة " التحريم (6) إن تعليم المرأة ما تحتاج إليه من أمور الدين هو ما ينفق مع وظيفتها التي خلقت له ، لأنها راعية في بيتها وهي مسئولة عن رعيتها فتتعلم الطهارة وأحكام الصلاة والصيام وقراءة القرآن وذكر الله وواجبها نحو أهلها وزوجها وأولادها وجيرانها وكيف يكون لباسها الشرعي وكيف تتجنب الخلوة بالرجل وكيف تخاطبهم إن دعا إلى ذلك داع ، ومن الأدب مع الزوجة ممازحتها وطلاقة الوجه معها وإدخال السرور عليها واختيار أحسن الكلمات لها وشكرها على ما تؤديه من عمل واحتمال الأذى منها ومعرفة طبيعتها التي خلقت منها فإنها خلقت من ضلع فإن ذهبنا نقيمها كسرناها وكسرها طلاقها وإن تركنا الضلع على حالة لم يزل أعوج فلا مفر لنا(1/31)
من مداراتها .
ومن الأدب معها الغيرة عليها في حدود الشرع وعدم الإفراط فيها فإن الاعتدال في كل شيء هو سمة الوسطية الإسلامية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله يغار والمؤمن يغار " متفق عليه ولقوله " إني لأغار وما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب " ، ومن الأدب مع الزوجة أن يحذ الزوج عليها غشيان أماكن الريبة فإنه ما اجتمع رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما وذلك لأن النساء لحم على وضم ... في غير حرم ما لم تتاركهن عناية حذر ورعاية أمين ، ومن الأدب مع الزوجة العدل معها في القسم ومع غيرها لقوله صلى الله عليه وسلم " من كان له امرأتان فمال إلى أحدهما دون الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل " رواه أصحاب السنن .
والله الهادي سواء السبيل ...
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله علي
أدب الأسرة - أدب الزوجة مع زوجها
الجزء (2)
ولقد وصف الله الحياة الزوجية بأنها سكن وبأنها لباس وتبقى قيمة السكن وقيمة اللباس ما بقي أثرهما محموداً مؤنسا ولن تتحقق الحياة السعيدة إلا إذا كانت المرأة هي شاطئ الأمان ومرفأ السلامة الذي يأوي إليه الزوج بعد مشقة الحياة ، ومن أدب الزوجة مع زوجها حسن معاشرته وطاعته لأن عصيانه حرام لقوله صلى الله عليه وسلم " لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " ولقوله تعالى " فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله حينما نقف على طريق الحياة الزوجية فإننا نجد الإسلام يغرس لافتات الحقوق على المرأة تجاه زوجها ، ويشرع من الآداب الزوجية ما يحقق حياة الأمن للحياة الزوجية الهادئة الوداعة فيلزمها بالتالي : -(1/32)
1. احترام مشاعره : ففي الحديث الشريف " لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تأذن في بيت زوجها وهو كاره ولا تخرج وهو لها كاره ولا تطيع فيه أحدا ، ولا تعتزل فراشه ولا تضر به ، فإن كان أظلم فلتأته حتى ترضيه " رواه الحاكم ففي الحديث حث على الوفاء بالجميل ، واحترام للعشرة ، وتأكيد للميثاق الغليظ الذي بين الزوجين واعتراف بحق القوامة للرجل ، ومن الاحترام لمشاعر الزوج ألا تنعت له صاحبتها ففي الحديث " لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها " رواه أحمد البخاري .
2. التزين له وحده : ومن أدب الزوجة مع زوجها معاشرته بالمعروف ومقتضى هذه المعروف أن تكون مفاتن المرأة لزوجها وحده ، لأنها إن استبقت محاسنها لزوجها وحده فقد ادخرت لها وله عمرا طويلا في مباهج السعادة الزوجية أما إذا بذلت مفاتنها للمجتمع فقد فتنت قلب الرجال مطلقا وصارت النسب في تفاوت المحاسن مشتهى لكل من يهوى ، وانتقلت اللذة من عشها الحلال إلى قارعة الطريق كأنها حبات تفاح عطبت وعف عنها الذوق السليم فصارت نهبا لكل جاثم من أبابيل الذباب ومن هنا جاءت اللوحة الفنية لترسم زينة المرأة في الأدب الإسلامي على نحو ما يبين الحديث الشريف " إذا تعطرت المرأة لغير زوجها فإنما هو نار وشنار " رواه الطبري . وروى أحمد " والمرأة إذا استعطت فمرت بالمجلس فهي زانية " وما شرع غصن البصر للمؤمنين والمؤمنات في سورة النور إلا منعا لتطاول البصر عن محاولة كشف المستور من الزينات ، وليس من ... أن يكون الغصن من المكشوف منها لأن القرآن لا يبيح حرما وينهى عن التطلع إليه .(1/33)
3. الوفاء له وعدم التطاول عليه : ومحاسنة الإسلام في آداب المعاشرة الزوجية حسن الأخلاق ومن محاسن الأخلاق الاعتراف بالجميل وقد أرسى الإسلام الحنيف هذه القواعد في حياة الأسرة وجاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقرر أنه " لا يحل لامرأة أن تهجر فراش زوجها " وليؤكد أنه " إذا باتت المرأة هاجرة زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح " وأنه " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته لعنتها الملائكة حتى تصبح " رواه البخاري وأحمد ومن الملاحظ في هذه الأحاديث أن الأحكام هنا غير منتهية بجزاء مادي كما في السرقة والزنا بل إن الأحكام فيها متروكة لفطرة التدين والخوف من الله تعالى ومعنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو صاحب حق في التشريع لم يضع عقابا ماديا لمن يخالف هذه الأحكام لأن الأسرة لا تقوم على أساس من العقاب المادي بقدر ما تقوم على أساس من الخلق ورعاية محارم الله عز وجل ، ومن هنا فإن أي تشريع وضعي يحاول أن يضيف قيوداً جديدة على أنظمة الإسلام في تشريعه للأسرة فهو عبث وتدخل لا مبرر له وإفساد للجمال الذي شرعه الله تعالى .(1/34)
4. الحفاظ على ماله : ومن أدب الإسلام للزوجة مع زوجها أن يكون التصرف في بيت الزوجية متروك لمستوى العلاقة والثقة بين الزوجين ، وقد وضعت السنة المطهرة موازين هذا التصرف وهي في حدود " لا ضرر ولا ضرار ولا إسراف ولا مفسدة " يقول صلى الله عليه وسلم " إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا " ولقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدة للتغلب على الخلافات التي تحدث في كل أسرة ومن الممكن لكل زوجة أن تجعلها نبراسا شخصيا لها وهي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك " رواه الطبراني . إن الإسلام يعتبر الحياة الأسرية سكنا للروح وللفكر وللمشاعر كما هي سكن للجسد والغرائز ، والسكن هو نعمة الله الكبرى على الإنسان " ومن أدبها مع زوجها ألا تصوم نفلا إلا بإذنه ولا تعتمر ولا تحج إلا بإذنه ، ومن أدب الزوجة مع الزوج احترامها لأهل زوجها كاحترامها لأهلها ولا يجوز لها أن تدخل أحدا من أقاربها في الشئون الخاصة بينها وبين زوجها على سبيل الإفساد ولا تطيع فيه أحدا أبداً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ينظر الله تبارك وتعالى إلى امرأة لا تشكر زوجها وهي لا تستغني عنه " رواه النسائي ولقوله عليه السلام " ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فحقكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لم تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن " رواه ابن ماجة وبعد تحقيق تلك الآداب فإن الأسرة ستعيش عيشة راضية مرضية ترفرف عليها أعلام السعادة وألوية الأمان وهذا ما يبتغيه الإسلام وينشده من الحياة الزوجية .
والله الهادي سواء السبيل ،،،
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله علي
بسم الله الرحمن الرحيم(1/35)
( من آداب الإسلام ... أدب الأسرة )
الجزء (1)
ا. الأدب مع الوالدين :
جاءت وصايا القرآن الكريم بالولدين تترى وجاءت لاحقة بالأمر بتوحيد الله تعالى والنهي عن الإشراك به مما يدل على أهمية الإحسان أليهما والعناية ببرهما والتحذير من عقوقهما وجاء ذلك في سبع سور من القرآن الكريم سواء في ذلك العهد المكي أو العهد المدني وسواء في هذه الأمة أم فيمن سبقها من الأمم السابقة مما يؤكد على أن شرع الله أولى الوالدين خصوصيات ليست لغيرهما إذ يقول سبحانه ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا ) البقرة آية (83) وفي سورة النساء جاءت الوصية بالوالدين تالية للأمر بعبادة الله والنهي عن الإشراك به إذ يقول ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ) النساء آية (36) ثم جاءت الوصية بهما ضمن الوصايا العشر في سورة الأنعام بعد النهي عن الشرك بالله فقال سبحانه ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم إلا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ) الأنعام آية (151) وفي سورة الإسراء فصلت آيات القرآن معنى الإحسان وجاء التعبير قاطعا بصيغة القضاء مما يدل على حتميته وأنه لا يجوز التنصل منه مهما كان الأمر فقال تعالى(1/36)
( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) الإسراء آية (23) ثم وضحت معنى الإحسان فقالت ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ) الإسراء آية (23) فربما تقدمت بالوالدين أو بأحدهما العمر فيرتد كأنه طفل مصداقا لقوله سبحانه ( ومن نعمره ننسكه في الخلق ) يس آية (68) وهنا يضيق الطبع البشري - ألا من رحمة الله - بالوالدين ولا يتحمل الأولاد انتكاسة الفطرة للأبوين إذ قد يفعلان فعل الأطفال فنهى الأولاد عن أن يصدمنهم أقل لفظ يؤذى الوالدين وألا يزجرا ولا ينهر أمهما حدث منهما وليس ذلك فحسب بل وعلى الأولاد أن يختاروا أرق الألفاظ وأحسن العبارات الرقيقة والتي تكون بردا وسلاما على نفس الوالدين بل وعليه أن يكون ذليلا بين أيديهما أشعاراً منه لهما بأنهما ما زالا صاحبي الفضل على أولادهما وأنه مازالت لهما مكانتهما عند أولادهما ، وأن يكثر من الدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما ردا للجميل الذي قدماه واعترافاً بالفضل الذي أسدياه لأولادهما إذ يقول الحق تبارك وتعالى ( ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) الإسراء (23 - 24) ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله رجل من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ فيجيبه بقوله أمك فيقول السائل ثم من ؟ فيقول له صلى الله عليه وسلم ثم أمك فيعيد السئوال ثالثة فيقول : ثم من ؟ فيأتي الجواب ثم أمك فيسأل للمرة الرابعة ثم من ؟ فيقول له صلى الله عليه وسلم ثم أبوك ، لقد أوجب الإسلام للأم ثلاثة أضعاف ما للأب لما كابدته من آلام الحمل ومشقة الوضع وعنت الرضاعة والتربية بل انه مهما فعل الأولاد فانهم لن يكافئوا الوالدين ولذا يقول صلى الله عليه وسلم ( لا يجزى ولد والده ألا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ) ويسأل صلى الله عليه وسلم عن أي العمل أحب إلى الله ؟ فيجيب ( الصلاة لوقتها وبر الوالدين ) بل أن عقوق الوالدين(1/37)
من أكبر الكبائر كما قال صلى الله عليه وسلم ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين ) وفي الحديث ( أن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ) أن الوالدين من الحقوق والبر ما يعجز الأولاد عن إدراكه إلا من رحم الله تعالى ذلك أنهما سبب الفضل وهما اللذان شقيا وسهرا لإسعاد أولادهما وتحملا من ذلك من ذلك من التعب ما تنوء به الجبال ويعجز عن إيضاحه البيان ومن هنا فقد كان رضاهما دليلا على رضا الله تعالى وكان سخطهما عنوانا على سخط الله تعالى ولذا جاء قول الله تعالى لموسى عليه السلام ( أن كلمة من العاق تزن جبال الأرض كلها قال موسى يا رب من العاق ؟ قال الله له : هو الذي يقول لوالده لا لبيك ) ولذا فقد كان دعاؤهما لا يحجبه عن الله حاجب يقول صلى الله عليه وسلم ( دعوة الوالد لولده كدعوتي لسائر أمتي ) ولذا فان الأولاد مأمورون ببرهما في حياتهما وبعد موتهما كما قال صلى الله عليه وسلم حين سئل : هل بقى من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما ؟ فقال نعم : صل لهما واستغفر الله لهما وأنفذ عهدهما وأكرم صديقهما وصل الرحم التي لا توصل إلا بهما ) أن الأولاد هم امتداد لحياة الوالدين لأنهما من بقايا فضلهما وجهدهما وأثر من آثار عملهما ولذا فان مما يلحق العبد بعد موته من الخير ) ولد صالح يدعو له ) ألا ليت قومي يعلمون ما يكابده الوالدان من مشاق وما يلحقها من عناء وتعب طول حياتهما في سبيل أولادهما ولذا قال صلى الله عليه وسلم ( فاليعمل البار ما يشاء فانه لن يدخل النار وليعمل العاق ما يشاء فانه لن يدخل الجنة ) لأن رضا الله من رضا الوالدين وسخطه من سخطهما وما ذلك ألا لعظم حقوقهما حتى أن الله أمرنا بالشكر له وللوالدين فقال ( أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير ومن هنا فلا يملك الولد مالا إلا كان للأب فيه حق ونصيب كما قال صلى الله عليه وسلم لولد شكا إليه أن أباه قد أخذ ماله(1/38)
فقال له ( أنت ومالك لأبيك أنت ومالك لأبيك أنت ومالك لأبيك ) لقد أوجب الإسلام طاعة الوالدين وبرهما في كل شيء إلا في معصية الله والإشراك به ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلى ) لقمان وأخرج البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت أتتني أمي راغبة فسألت النبي صلى الله عليه وسلم : أصلها ؟ قال : نعم فإنزال الله فيها ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ) الممتحنة وعلى ذلك فبر الوالدين الكافرين أو الفاسقين واجب في غير معصية وذلك لأن برهما مقابل ما فعل الوالدين بالابن من معروف وقدما له من خير وقاما به من تربية والكافران في ذلك كالمسلمين غير أنه لا يستغفر لهما ولا يدعهما بعد موتهما على الكفر ، والإسلام لا يعدل بالجهات شيء آخر ومع ذلك فقد جعل الإسلام من البر بهما أن يستأذنهما في الجهاد والله الهادي سواء السبيل.
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله علي
بسم الله الرحمن الرحيم
( من آداب الإسلام .... أدب الأسرة )
الجزء(2)
ا. الأدب مع الأولاد(1/39)
لقد عنا الإسلام بالأولاد حتى قبل ميلادهم فأوصى الآباء بأن يراعوا الأدب معهم وذلك باختيار التربية الصالحة التي سوف يغرسون فيها وينبت زرعهم حتى يأتي النبات طيبا بإذن ربه كما قال سبحانه ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه خبث لا يخرج إلا نكدا) الأعراف آية (58) فأوصى الإسلام الآباء باختيار الزوجات التي سوف تكون أمهات لأولادهم وأن يراعى فيهن جانب الدين قبل الدنيا ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) ، ذلك لأن النكاح ركن عظيم من أركان الحياة الاجتماعية وهو السبب الأعظم في بقاء النوع الإنساني على أحسن وجه وأكمل نظام والوسيلة الشريفة لتكوين الأسرة إذ لولا النكاح لاختلطت المياه ، واشتبهت الأنساب وضاعت الأولاد لعدم من يراعيها .(1/40)
ولذلك فقد حث الإسلام على الزواج من ذات الدين إذ لو كانت ضعيفة الدين فإنها لم تصن نفسها عن الخسائس ولم تحصن فرجها عن المحارم ولأزرت بزوجها ولسودت وجوه أولادهما ولألحقت بهم العار والخزي فلا يقوون على حياة أفضل في المجتمع الذي يحيون فيه ) ولذا جاء أمر القرآن الكريم بالعناية بالأم وحين اختيارها في قوله تعالى ( وأنكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم وامائكم أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) النور آية (32) وكما حث الإسلام على حسن اختيار الزوجة الصالحة التي سوف تكون أما للولد غداً حتى لا يلحقه بها عار بسوء اختيارها أماله كذلك حث الإسلام على حسن اختيار الزوج الصالح الذي سوف يكون أبا لأولاده غداً حتى يحيا وسط المجتمع مرفوع الرأس عالي الهمة روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إذا خطب اليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) فلينظر العاقل أين يضع كريمته ، ومن زوج ابنته فاسقا أو سيئ الخلق فقد جنى عليها وأساء إليها وتعرض لسخط الله بما قطع من حق الرحم وسوء الاختيار ، وقال رجل للحسن : قد خطب ابنتي جماعة فمن أزوجها ؟ قال : من يتق الله فانه أن أحبها أكرمها وأن ابغضها لم يظلمها . تلك هي عناية الإسلام بالأولاد بالأرض التي سوف يزرعون فيها وتكون لهم وعاءا وهذا من حسن تأديب الإسلام للوالدين لرعاية أولادهما وبعد أنعام الله على الوالدين بأولادهما فقد أوجب الأدب معهم ويتمثل ذلك في قول الله تعالى ( يا إيها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) التحريم آية (6) قال ابن عباس رضي الله عنهما : اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصى الله ومروا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي فذلك وقاية لكم ولهم من النار ( وقال علي كرم الله وجهه :(1/41)
علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم ) وهذه الآية جمعت كل الأدب اللازم للأولاد ذلك لأن الإنسان ينشأ في أول أمره وأيام طفولته على فطرة سليمة ونفس صافية تتأثر بالخير كما تتأثر بالشر ، وتنطبع فيها الأخلاق الحسنة ونفس صافية تتأثر بالخير كما تتأثر بالشر ، وتنطبع فيها الأخلاق الحسنة كما تنطبع فيها الأخلاق السيئة فإذا وجد في هذا الوقت من يحكم تربيته ويحسن تأديبه ويسلك به سبيل الاستقامة وطريق الأدب والكمال ، شب حسن الأخلاق طيب النفس متعلقا بأهداب الفضيلة مستمسكا بحبل الهدى والرشد ، فيحيا حياة طيبة يكون بها سعيدا في نفسه ونافعا في أمته ، أما إذا أهمل أمره فلم ينل خظة من التربية والتأديب ولم يأخذ نصيبه من الإرشاد والتهذيب نشأ سيئ الخلق خبيث النفس فاقد الهمة ساقط المروءة محبا للشر كارها للخير ، كلا على أهله وعشيرته وكان شقاءا على نفسه وبلاءا على الناس أجمعين لإهماله في تربيته وتأديبه وتهاونه في إرشاده وتهذيبه فهو مسئول عن ذلك أمام الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم ( أن الله تعالى سائل كل راع عنها استرعاه حفظ أم ضيع حتى ليسأل الرجل عن أهل بيته ) .(1/42)
أيها الآباء وآيتها الأمهات : أن تربية الأولاد في صغرهم على مبادئ الدين الحنيف وتعويدهم على مكارم الأخلاق من أهم المسائل التي يجب على الآباء والأمهات أن يتنبوا لها ، وعلى المصلحين أن يعنوا بها وأن يعلموا أن عليها تدور حياة الأمة في مستقبلها وعليها وحدها يتوقف رقيها في مدارج الرفعة والكمال في الأمم إلا بالأخلاق وما الأخلاق إلا بالتربية الصحيحة وأنكم لو تأملتم في جميع ما نشكوا منه اليوم من فساد الأخلاق وانتشار المنكرات وانتهاك المحرمات وزيغ في العقائد وتهاون في تنفيذ أوامر الدين وخروج النساء في الطرقات والأسواق من غير ضرورة لذلك ، لو تأملتم لوجدتم أن السبب في هذا كله هو ترك التربية الدينية وإهمال التأديب في وقته أن الولد قطعة من والديه وأمانة في أعناقهما فاتقوا الله يا قوم في ثمرات قلوبكم وافلاذ أكبادكم ولا تلقوا بأيديكم في نار جهنم التي وقودها الناس والحجارة ، يا قوم اتقوا الله في أبنائكم وبناتكم وذرياتكم والأولاد الذين ألقيت إليكم مقاليد أمورهم وصارت رعاية شئونهم في أيديكم تنالوا رضا الله في الدنيا والآخرة وتسعدوا وتسعدوا أولادكم في حياتكم وبعد مماتكم . ولقد أدب الإسلام الوالدين مع أولاهما حتى قبل أن يأتيا وأن يحصناهم من الشيطان بالاستعاذة إذ يقول صلى الله عليه وسلم ( لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال بسم الله اللهم جنينا الشيطان وجنب الشيطان ما راقتنا فقضي بينهما ولد لم يضره ) ومن الأدب مع الأولاد حين ولادتهم الأذان في الأذن اليمنى والإقامة في الأذن اليسرى لفعله صلى الله عليه وسلم مع الحسين بن علي حين ولد ، ومن الأدب مع الأولاد حسن أسمائهم ولقوله صلى الله عليه وسلم ( إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم فأحسنوا أسمائكم ) رواه أبو داود والله الهادي سواء السبيل .
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله علي
أدب الأسرة - الأدب مع الاخوة والأخوات
الجزء(3)(1/43)
لقد ألزم الإسلام كلاً من الاخوة والأخوات الأدب في القول والمعاملة والمعاشرة ، وأوجب عليهم الإحسان لبعضهم على بعض حتى تدوم المحبة والمودة بينهم وحتى يسود الأسرة جو من الوئام والألفة والصفاء ، وتخيم السعادة على جوانب البيت بأسره وعلى جميع نواحيه ، فالصغيرة عليه أن يحترم الكبير ، والكبير عليه أن يرحم الصغير لقوله صلى الله عليه وسلم " بر أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك فأدناك " ولقوله صلى الله عليه وسلم " حق كبير الاخوة على صيرهم كحق الوالد على ولده " والأخوة في الدين هي أعلى مراتب الأخوة وأعظمها ، وهي رباط اجتماعي لا يماثله رباط آخر ولا يقاربه ، ولذلك وجدنا الأب يحارب ولده في الإسلام والزوج يقاتل زوجته والأخ يعادي أخاه من أجل مرضاة الله ، والمراد بالأخوة هنا أخوة الدين والعقيدة ، فهذا أضيف إليها أخوة النسب فهي مقدمة على غيرها ، وهي أولى بالبر عن سواها فالأقربون أولى بالمعروف ، ولذا جاء نداء القرآن بالدعوة إلى الإحسان إليهم " يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير ... الدين والأقربين " سورة البقرة ، وجاء قوله تعالى " وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا " سورة النساء ، وجاء قوله تعالى " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين " البقرة ، ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصدقة للقريب فقال : اثنتان صدقة وصلة " وفي الحديث ما يؤكد أن قرابة المسلم هم أحق الناس بصلته وبره وإحسانه " يا أمة محمد والذي بعثني بالحق لا يقبل الله صدقة من رجل وله قرابة محتاجون إلى صلته ويصرفها إلى غيرهم والذي نفسي بيده لا ينظر الله إليه يوم القيامة "(1/44)
الطبراني ومن مستلزمات الأخوة أن تحب في أخيك إيمانه وعبادته وطاعته لربه واستسلامه لخالقه ، كما أنه من مستلزمات الأخوة أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك وتكره له ما تكرهه لنفسك وأن تؤدي ما عليك من حقوق له حسبما جاء بها الإسلام ، وأن تفرج كربته وأن تستر عورته وأن تفرح لفرحه وتحزن لحزنه وأن تمده بمالك إن احتاج إليه ، ومن هنا يتضح الفرق بين رباط الدم والنسب وبين رباط الإسلام والعقيدة فإن رباط الإسلام أقوى وهو حاكم على رباط النسب والدم ومهيمن عليه وهو الرباط الباقي فلا يفنى والأبدي فلا يزول بعد الموت وهو المعبر عن كيان الإنسان ومكانته عند الله في الدنيا والآخرة ، وهو وحده أساس السعادة والسيادة والكرامة والعزة ، وهو إشراقة النور في قلب المؤمن وبدونه يكون الظلام ومضلات الهوى ، وبالإيمان يتغير الفكر والسلوك وأنواع المعاملات والتصرفات ولذا جاء قوله سبحانه وتعالى " إنما المؤمنون أخوة " الحجرات (10) وقد ... سبحانه على المؤمنين بهذه الأخوة فقال " واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا " آل عمران (103) ولقد كان الميراث أول الإسلام بالأخوة في الدين لا بالنسب ولم يكن أحد من المسلمين في يده درهم و دينار وهو يرى أنه أحق بديناره أو درهمه من أخيه المسلم بل كان يرى أن إخوانه أحق بما في يده منه حتى استحقوا قول ربهم " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فألئك هم المفلحون " الحشر (9) ، وأخوة الإسلام لها آداب وحقوق وتقوى هذه الحقوق إذا انضم إليها إخاء الدم والنسب فتزداد قوة على قوة فتقوى الصلات بين الأخوة وتكون الحياة في ظل النسب والإسلام كريمة طيبة ومقتضى هذه الأخوة وآدابها أن تحب الخير لهم وتبغض الشر المكروه وأن تكون كما قال عليه السلام " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " رواه مسلم والبخاري وقوله صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين في توادهم(1/45)
وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر " ، ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من علامة الأخوة الحقيقية أن يدفعك تألمك إلى كشف ضوائق إخوانك فلا تهدأ نفسك حتى تزول الغمة عن إخوانك وأن تسعى جاهدا في تفريج كرباتهم يقول علي السلام " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يثلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة " ذلك لأن المؤمن ينطلق بنور حبه لله فيحب كل أخ يحب الله و.... ويصافي كل مسلم ويجد في قلب كل مسلم روضة من الإيمان تجذبه إليه وتربطه إن محبة الخير لكل مسلم أمر واجب في الإسلام ولازم لصدق الإيمان وأثر للعقيدة السليمة النقية ولذا قال صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه البخاري ومسلم ، إن من أدب الأخوة نصرة المظلوم وعون المستضعف وأولى الأخوة بالنصرة أن تنصر أخاك على نفسك لأنك إذا لم تبدأ بنفسك فلا خير فيك لغيرك ، وأن تسعى في قضاء حاجاته لآت السعي في قضاء الحاجات خير من الاعتكاف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ومن أدب الاخوة أن تستر عورات إخوانك ففي الحديث " من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة " رواه مسلم . ولقوله عليه السلام " من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة من قبرها " ومن أدب الأخوة الحلم عليهم وأن تغفر لهم زلاتهم فقد أخرج الطبراني أن رجلا شتم ابن عباس رضي الله عنهما فقال ابن عباس " إنك لتشتمني وإن في ثلاث خصال : إن لآت على الآية في كتاب الله فلو رددت أن جميع الناس يعلمون ما أعلم ، وإني لسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح ولعلي لا أقاضي إليه أبداً ، وإني لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين فأفرح ومالي به سائمة " . والله الهادي سواء السبيل ،،،(1/46)
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله علي
( الأدب مع الأقربين وذوي الأرحام )
إن الرحم على وجهين عامة وخاصة ، فالرحم العامة رحم الدين ويجب مواصلتها بملازمة الأيمان والمحبة لأهله ونصرتهم والنصيحة لهم وترك مضارتهم والعدل بينهم والنصفة في معاملاتهم والقيام بحقوقهم الواجبة كتمريض المرضى وحقوق الموتى من غسلهم والصلاة عليهم وتكفينهم ودفنهم وغير ذلك من الحقوق مترتبة لهم وهذا هو الأدب مع الرحم العامة وأما القرابة والرحم الخاصة فإن الإسلام قد قد وضع لها آدابا خاصة فوق ما سبق من نفقة وتفقد أحوالهم وترك التغافل عنهم في أوقات حاجتهم والأدب معهم يكون بصلتهم بإيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر حسب الطاقة وتتمثل في قوله تعالى ( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ) الرعد (21)
وفي قوله ( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ) الإسراء (26) وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أحب أن يبسط له في رزقه ونسأله في أثره فليصل رحمه ) رواه البخاري ومسلم .(1/47)
وعن أبي أيوب رضي الله عنه أن أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر فأخذ بخطام أناقته ثم قال : يا رسول الله خبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار قال : فكف النبي صلى الله عليه وسلم ثم نظر في أصحابه ثم قال : لقد وفق أو لقد هدى : قال : كيف قلت ؟ قال : فأعادها فقال النبي صلى الله عليه وسلم تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم دع الناقة ) رواه البخاري ومسلم وتكون الصلة لذوي الأرحام بالمال والزيارة وعيادة المريض وإجابة الدعوة والتهنئة بما يسر والتعزية في المصائب وسداد الدين أو المساعدة في سداده وتمريض المريض وذلك لأن الرحم لها حق زائد على حقوق عامة المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم أسرع الخير ثوابا البر وصلة الرحم البغي وقطعه الرحم ) وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة قاطع ) يعنى قاطع رحم وجاء قوله صلى الله عليه وسلم ( أن الرحمة تنزل على قوم بينهم قاطع رحم ) وقد توعد الله قاطع الرحم فقال ( والذين ينقضون عهد الله بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله ) ولقد لفت الإسلام نظر أتباعه إلى حسن الأدب مع الأهل والأقربين وذوي الأرحام فأوجب الإحسان إليهم وعدم نسيانهم من الخير حتى عند قسمة التركات والمواريث إذا لم يكن لهم نصيب عند استغراق الورثة للتركة فعلينا أن نعطيهم من المال ، بل إن الإسلام قد جعل لهم الوصية مفروضة يقول سبحانه ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خير الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ) البقرة (180) ويقول سبحانه ( وإذا احضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فأرزقوهم منه وقولوا لهم معروفا ) النساء (8) وقد جعلهم القرآن الكريم أحق الناس بالمعروف والإحسان قبل غيرهم فقال سبحانه ( اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب(1/48)
بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ) النساء (36) كما جاء الحث على إعطائهم حقوقهم في قوله تعالى ( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبدلوا تبديلا ) الإسراء (26) وحتى إذا لم يجد الإنسان ما يعطيهم فلا اقل من أن يمنيهم بالخير ويردهم بما يؤملون به الفضل الذي يرجوه من الله فيقول تعالى ( وإما تعرض عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسوراً ) الإسراء (28) أن يوصل أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) وعن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنها وعنه قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن قالت فرجعت إلى عبد الله بن مسعود فقلت له إنك رجل خفيف ذات اليد أي قليل المال وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة فاسأله فان كان ذلك يجزي عني وإلا صرفنا إلى غيركم قال عبد الله بل أتته أنت فاسأله فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله حاجتها كان رسول الله قد ألقيت عليه المهابة فخرج علينا بلال فقلنا له : ائت رسول الله فأخبره أن امرأتين في الباب تسألانك أتجزي الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أبناء من حجورهما ؟ فدخل بلال على رسول الله فسأله فقال له صلى الله عليه وسلم من هما ؟ فقال امرأة من الأنصار وزينب فقال صلى الله عليه وسلم : أي اليانب هي ؟ قال امرأة عبد الله بن مسعود فقال صلى الله عليه وسلم : لها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة ) متفق عليه ومن هذا دليل على مكانة الإحسان لذوي الأرحام إن الأقربين هم أولى الناس بمعروفك وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم خير تأدبا معهم وجعل الصدقة لهم تعادل صدقتين لغيرهم من قوله ( الصدقة على المسكين صدقة وعلى القريب صدقتان صدقة وصلة ) رواه الترمذي ، وفي الطبراني من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا أمة محمد والذي بعثني بالحق لا يقبل الله صدقة وله قرابة محتاجون إلى صلته ويصرفها إلى(1/49)
غيرهم والذي نفس بيده لا ينظر الله إليه يوم القيامة ) وهذا من أدب الإسلام مع الأقارب حيث ببرهم ومواساتهم والإحسان إليهم ومسح دموعهم ومؤاساة جراحاتهم وتفريج كرباتهم وإدخال السعادة عليهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله وفي الحديث ( صلة الرحم تزيد في العمر ) ولقد بين سبحانه وتعالى أن الأعراض عند ذوي الأرحام إنما هو من إساءة الأدب معهم وهو قرين الفاسدين في الأرض إذ يقول سبحانه ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) محمد (22 ، 23) وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله ليعمر بالقوم الديار ويثمر لهم الأموال وما نظر إليهم منذ خلقهم . قبل وكيف ذاك يا رسول الله ؟ قال بصلتهم أرامهم ) رواه الطبراني ولقد بين صلى الله عليه وسلم أن الأدب مع الأقارب وذوي الأرحام واجب حتى ولو كانوا هم من لا يستحقون ذلك وبين أن ذلك من أسباب نصر الله لصاحبه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال : يا رسول الله أن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي واحلم عليهم ويجهلون علي . فقال : إن كنت كما قلت فكأنها تسفهم الملل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك ) رواه مسلم ن قطيعة الرحم إساءة للأدب معها وهي التي قامت بعد أن خلق الله الخلق وفرغ من خلقهم وتعلقت بالعرس وقالت : هذا أحكام العائذ بك من القطيعة فقال الله لها : نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت بلى : قال : فذاك لك وهي من الأمور التي تعاجل صاحبها بالعقوية في الدنيا غير عقاب الآخرة وهي من الأسباب التي ترد عمل صاحبها حين يعرض عمله على الله كل خميس وليلة الجمعة وهي من الأمور التي تعامل صاحبها بالعقاب في الدنيا من عقاب الآخرة يقول صلى الله عليه وسلم ( فحسن تعاجل صاحبها بالعقوبة في الدنيا لنحرص على الأدب مع(1/50)
أقاربنا وذي أرحامنا حتى نكون أهلا لمرضاة الله ورضوانه وعفوه وإحسانه والله الهادي سواء السبيل .
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله علي
الأدب مع الخدم
وممن يجب الأدب معهم صنف من الناس قد ألجأتهم الحاجة والعوز للعمل لدى غيرهم ليسدوا حاجتهم ويحصلون على لقمة العيش الحلال وهؤلاء قد أوجب لهم الإسلام من الحقوق وشرع لهم من الآداب ما يتناسب مع إنسانيتهم والرحمة بهم والشفقة عليهم وما يشعرهم بأنهم ليسوا أقل ممن يخدمونهم وقد جعل الإسلام لهم من الرابطة بينهم وبين مخدوميهم ما يذكرهم بأصل الخلقة وأن بين الجميع رحم يجب أن توصل يقول سبحانه ( اتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) النساء (1)(1/51)
وقد كان الخدم فيما مضى هم المملوكون لمن يخدمونهم ، وقد انتهى عصر العبيد والجواري وصار الخدم من عصر الناس الأحرار ، وقد رفع الإسلام من شأنهم وأعطاهم من الحقوق مالا يحصل عليه الأحرار وقد أوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يجعلهم يعيشون في بحبوحة من العيش حتى قاسموا مخدميتهم نعيمهم وأرزاقهم وملابسهم ، ونهى عن ضربهم وإيذائهم وحرمانهم وبين صلى الله عليه وسلم أنهم إن أساءوا هذا الحق فإنهم يعذبون يوم القيامة بذنوبهم ، وقد أمر صلى الله عليه وسلم المخدومين بأن يبتعدوا عن مظاهر الغرور والكبرياء عليهم ، وأن يحافظوا على شعورهم حتى في الكلمة فعن المحرور بن سويد رضي الله عنه قال : رأيت أبا ذر بالربدة وعليه برد غليظ وعلى غلامه مثله قال : فقال القوم : يا أبا ذر لو كنت أخذت البرد على غلامك فجعلته مع هذا حلة وكسوت غلامك ثوبا غيره ؟ قال : فقال : أبو ذر : أين كنت سببت رجلا وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه فشكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا ذر إنك أمرؤ فيك جاهلية . فقال هم إخوانكم فضلكم الله عليكم فمن لم يلاتمكم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله ) رواه أبو داود وفي رواية للبخاري ومسلم ( هم أخواتكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ، ولا يكلفه من العمل ما يغلبه فان كلفه ما يغلبه فليعنه ) .
ولقد حرم الإسلام إهانته وضربه فعن معاوية بن سويد بن مقرن قال : الطمت مولى لنا . فدعاه أبي ودعاني فقال له : اقتص منه أي أربه كما ضربك ... فأنا معشر بني مقرن كنا سبعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وليس لنا إلا خادم فلطمها فلطمها رجل منا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اعتقوها . قالوا : ليس لنا خادم غيرها ، قال : فلتخدمهم حتى يستغنوا فإذا استغنوا فليعتقوها ) رواه مسلم .(1/52)
ولقد ضرب صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في حسن العشرة فلم يرو عنه أنه ضرب خادما ولا امرأة ولا رجل إلا أن يكون جهاد في سبيل الله ، وعن أنس رضي الله عنه قال : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي : أف قط ، وما قال لي لشيء صنعته لم صنعته ؟ ولا لشيء لم أصنعه : لم تصنعه ؟ وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال : كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي : اعلم أبا مسعود . فلم افهم الصوت من الغضب ، فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول : اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام . فقلت يا رسول الله : هو حر لوجه الله تعالى ، فقال : أما لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار ) رواه مسلم .
وقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : كم أعفو عن الخادم ؟ قال : كل يوم سبعين مرة . رواه أبو داود .
وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر وهو لعن بعض خدمه فقال : لحانون وصديقون لا يجتمعان أبدا . فأعتق أبو بكر جميع خدمه لقد ضمن الإسلام لهؤلاء الخدم ولو كانوا رقيقا حقوقا وشرع لهم آدابا وهي مراعاة شعورهم الآدمي فلا يقول أحد : عبدي وأمتي وإنما يقول : فتاي وفتاتي . وضمن لهم مراعاة قوتهم وطاقتهم المادية فلا يكلفون مالا يطيقون وإلا وجب إعانتهم .(1/53)
وحرم ضربهم بغير سبب ومما يروى أنه صلى الله عليه وسلم أرسل يوما خادما في حاجة له من أول النهار فلم يعد إلا آخره ولم يقضها فقال له صلى الله عليه وسلم وقد أمسك بسواكه : ( والله لولا خوف القصاص من الله يوم القيامة لأوجعتك ضربا بهذا السواك ) ويقول صلى الله عليه وسلم ( من ضرب سوطا ظلماً اقتص منه يوم القيامة ) إن كثيراً من المخدومين يهدرون كرامة خدمهم وإنسانيتهم ويستنفذون كال طاقاتهم حتى يصابوا بالمرض والهزال ويقعدون عن العمل لانهم لا يكافئون على أعمالهم ولا تقدر مجهوداتهم في الوقت الذي لا يطعمونهم ما يكفيهم وهم يلقون ببقايا الطعام في المزابل ويختارون لهم أردأ الملابس نوعا ومظهراً ويلزمنهم بالعمل من الفجر إلى ما بعد العشاء دون أدنى راحة لهم ويحملونهم ما لا يطيقون من الأعمال الشاقة لهم ولأولادهم ويسمعونهم أسوأ العبارات ويضربونهم دون ما سبب وإن مرضوا لا يرحمون مرضهم وإن ضعفوا لا يفكرون في أسباب ضعفهم ، أن أمثال هؤلاء هم وحوش في صور أناس وهؤلاء كفروا بنعمة الله وقست قلوبهم حتى صارت كالحجارة أو أشد قسوة وهم لا يعلمون ماذا تدخر لهم الأقدار والأيام والليالي من الزمان رواه البزار ، فيا من جعل الله لهم خدما اتقوا الله فيهم فإن الدهر حول ، الدهر يوماً يوم لك ويوم عليك والله يقول : ( وتلك الأمثال نداولها بين الناس ) أل عمران (14) ولا يدري أحد ماذا يفعل بأولادهم من بعده ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) ويقول ( من لا يرحم لا ُيرحم ) فاتقوا الله فيهم وأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تكتسون وإذا مرضوا فعالجوهم وارحموا ضعفهم ومرضهم وإن احتاجوا فأعطوهم من مال الله الذي في أيديكم وعاملوهم مثلما تحبوا أن يعامل أولادكم لو كانوا في وضعهم لأن الذئب لا ينسى والبر لا يبلى والديان لا يموت وبالكيل الذي تكيل به للناس يكال لك وبما تفعل تجازى وبما عملت يا أخي(1/54)
واسأل الله الهادي سواء السبيل .
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله علي
( الأدب مع الجيران )
وممن ألزم الإسلام الأدب معهم وشدد على ذلك الجيران لأنهم اكثر الناس اتصلا ببعضهم فهم يحرس بعضهم بعضا إن شاءُ أو يسهل كل منهم سبيل الضرر أن أراد ، والجار يطلع على جاره أكثر من غيره ، وهو المؤتمن على سره وعرضه وماله وعوراته ، وقد جعل الإسلام الجيران ثلاثة ، جار له حق واحد وهو الجار الكافر ، وجار له حقان وهو الجار المسلم له حق الجوار وحق الإسلام ، وجار له ثلاثة حقوق وهو الجار المسلم القريب له حق الجوار وحق الإسلام وحق القرابة ، وجاءت الوصية به والإحسان إليه ومراعاة شعوره في قوله تعالى : ( والجار ذي القربى والجار الجنب ) النساء (36) ومن الأدب معه لا يؤذى والايضار وان تصان حرماته وكرامته وأن يعطى إن كان فقيرا وأن يعان إن طلب العون وأن ينصر أن طلب النصر ، وأن يعان إن مرض ، وأن يهنأ أن أصابه خير وأن يعزى إن أصابته مصيبة ، وأن يشيع إلى قبره بعد موته وألا يتطاول عليه بالبنيان أو بشيء ألا بأذنه وألا تحجي عنه الريح وألا يؤذى برائحة اللحم إلا إذا غرف له منها وأن تدخل فاكهتك سراً حتى لا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده إلا إذا أهديت له منها ، وأن يحفظ في عرضه وماله وأن تسدر عوراته وأن لا تفشي أسراره وأن تغفر له خطاياه وزلاته وأن يكون بشتى صنوف الكرام وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ) متفق عليه .(1/55)
ولقد بلغ الإسلام في الأدب مع الجار في رعاية حقوقه فوضع حقوقه مع حق الله وصور الوالدين والأرحام فقال سبحانه ( اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب ) والصاحب بالجنب وأبن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب كل مختالا فخوراً ) النساء (36) كما بينت السنة أن الذي يقصر في حق جاره أو يؤذيه يعتبر مرتكبا من الكبائر وأن القيام بحق الجار واجب من الواجبات الشرعية الهامة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خير أو ليصمت ) رواه البخاري ومسلم ، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه ، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره ) رواه الترمذي .
بل أن الإسلام قد اعتبر الجار الصالح من سعادة جاره فعن نافع بن الحارث رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سعادة المرء الجار الصالح والمركب الهنيء والمسكن الواسع ) رواه أحمد .
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اعتبر إيذاء الجار مما ينفي الأيمان عند صاحبه فقال : والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا رسول الله قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه ) قالوا وما بوائقة يا رسول الله ؟ قال( سره ) رواه البخاري ومسلم بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقسم ألا يدخل الجنة من لا يطمئن جاره على نفسه وماله منه فقال ( والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقة ) رواه أحمد.(1/56)
وقد اشتكى جار لرسول الله صلى الله عليه وسلم من سوء معاملة جاره فقال له : أذهب فأصبر فأتاه مرتين أو ثلاثا فقال له : أذهب فاطرح متاعك في الطريق ففعل فجعل الناس يمرون ويسألون فيخبرهم ضير جاره فجعلوا يلعنونه وبعضهم يدعو عليه ، فجاء إلي جاره فقال : ( أرج فانك لن ترى مني شيئا تكرهه ) رواه أحمد .
وبذلك ندرك خطر إيذاء الجار وعظم شؤونه وسوء حاله ولا ينجو من ذلك إلا القليل فإن الغيبة والنميمة والسب والشتم أشد ما تكون بين الجيران وهذا ما جاء في معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ما تقولون في الزنا ؟ قالوا حرام حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة . قال : لأن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه بأن يزني بامرأة جاره . قال : ما تقلون في السرقة ؟ قالوا : حرمها الله ورسوله فهي حرام . قال ( لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره ) رواه أحمد .(1/57)
ويقول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر : ( يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك ) رواه مسلم ولقد أوصى صلى الله عليه وسلم النساء يوما فقال : ( يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو ..) رواه البخاري أي لا تحقرن أن تهدي جارة إلى جارتها شيئا ولو أنها تهدي إليها ما لا ينفع به في الغالب لجلب المحبة والمودة وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم ) رواه الطبراني هذا هو أدب الإسلام بمن هو ألصق بنا وأقرب الناس منا وهو الجار إننا إن أدينا تلك الحقوق والتزمنا الأدب كان لنا شأن غير ما نحن فيه الآن وساعتها تكون خير أمة أخرجت للناس وننهي حديثنا بدعاء داود عليه السلام حيث قال : اللهم إني أسألك أربعة وأعوذ بك من أربعة : أسألك علماً نافعاً . وقلبا خاشعاً وجدا صابرا . وزوجة تعينني في دنياي وآخرتي . وأعوذ بك ولد يكون علي سيداً . ومن زوجة تشيني قبل المشيب . ومن مال يكون نعيما لغيري ووبالا علي ومن جار سوء إن رأى مني حسنا كتمها وإن رأى مني سيئة أذاعها والله يهدي سواء السبيل .
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله علي
( آداب الاستئذان والزيارة )(1/58)
لقد خص الله بني آدم بالمنازل وفضلهم بالستر فيها عن الأبصار وحجز عن الخلق أن يطلعوا على ما فيها من خارجها أو يلجوها من غير إذن أربابها وأدبهم بما يرجع إلى الستر عليهم لئلا يطلع أحد منهم على عودة ، ومن صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن اطلع في بيت قوم من غير إذنهم حل لهم أن يفقئوا عينه ) وقد مد الله سبحانه وتعالى التحريم في دخول بيت ليس هو بيتك وإلى غاية هي الاستئذان والاستئناس ( حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) أي تستعلموا من في البيت التنحنح أو بأي وجه أمكن وعن أبي أيوب الأنصاري قلنا يا رسول الله هذا السلام فما الاستئذان ؟ قال ( يتكلم الرجل بتسبيحه وتكبيرة وتحمية وتنحنح ويؤذن أهل البيت ) رواه ابن ماجة ، والسنة في الاستئذان ثلاث مرات لأن الطالب من الكلام إذا كرر ثلاثا سمع وفهم ، هذا إذا كان الباب مفتوحا أما إذا كان الباب مردودا فله أن يقف حيث شاء منه ويستأذن وإن شاء دق الباب ، وصيغة الدق أن يكون خفيفا بحيث يسمع ولا يعنف في ذلك ، ولكل قوم في الاستئذان عرفهم في العبادة ، وإذا أوقعت العين على العين فالسلام قد تعين ولا تعد رؤيته إذنا لك في دخولك عليه ، فإذا قضيت حق السلام لأنك الوارد عليه تقول له : أدخل ؟؟ فإن إذن لك وإلا رجعت . فإن لم تجدوا في بيوت غيركم أحد أو ليس لكم فيها متاع فلا تدخلوها سواء كان الباب مفتوحا أو مغلقا وإن وجدتم أحد فيها ولم يأذن لكم أو قال لكم أرجعوا فارجعوا لأنه أركن لكم وأطهر وأسلم لعرضكم وحرمات الآخرين .
فإذا كانت هناك بيوت ليس فيها أحد ولكم فيها متاع فلا مانع من دخولها لأنه لا يترتب على دخولكم محضور .(1/59)
ثم ذكر أوقات العودة التي يجب أن يستأذن فيها أهل البيت على خاصتهم وأن هناك أوقات لا بد للأطفال الذين لم يبلغوا الحلم والعبيد ، ولا يتجرءوا على الدخول لأنها أوقات تعري في العادة وهي قبل صلاة الفجر وقت القيلولة وبعد صلاة العشاء هذه الأوقات الثلاثة لا بد لأي أحد أن يستأذن فيها قبل الدخول لما يترتب على الدخول بدون استئذان من كشف المشتور وظهور العورات هذا ما يتعلق بالاستئذان والاستئناس أما ما يتعلق بالزيارة وآدابها فإن الإسلام يعلم أن زيارة الناس بعضهم بعضا أمر تقضيه الحياة الاجتماعية وتدعوا إليه طبيعة الإنسان ويحض عليه الدين فأول آداب الزيارة هو أن يزور بنية صالحة مثل أن يزور والديه بنية برهما ويزور أقاربه بنية صلة الرحم ويزور جاره بنية الحسان إليه ويزور أي مسلم بنية الزيارة لوجه الله تعالى ومن سبيله ولا تكون الزيارة لوجه الله وفي سبيله إلا إذا كان له غرض صالح دينيا كان يزور عامل عاملا أو أخاً صالحا أو كان يزور أخاً ليأمره بالمعروف أو ينهاه عن المنكر ، أو ليقضي حاجة أو ليسد دينه أو ليتعرف على أحواله ويقوم بواجبه نحو ما يحتاجه أو ليرد زيارة له وفي الحديث
( من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا ) رواه الترمذي .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً زار أخا له في قرية فأرصد الله على مدرجته ملكا فلما أتا عليه قال : أين تريد ؟ قال : أريد أخا لي في القرية قال : هل لك عليه من نعمة تزر بها ؟ قال : لا ، غير أني أحببته في الله تعالى قال : فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه ) رواه مسلم .(1/60)
ثانياً : أن يراعى الأمر المناسب ولا يشق على المزور وذلك يقتضي أن يزور في الوقت المناسب وأن يستأذن في الزيارة قبل حدوثها إن كان المزور ممن تشغله أمور هامة تقتضي ذلك ، وألا يجلس عند أكثر من المناسب عرفا وألا يعبث بمحتويات الدار وألا يصيب معه أطفالاً من شأنهم العبث والإفساد والإتلاف ، فإن ذلك حرام لا شك فيه غلا أن يسامح المزور ويصفح وألا يتدخل فيما لا يعنيه من شئون المزور وألا يرهق المزور بمطالب تشق عليه سواء كان ذلك من مأكل أو مشرب أو غيرهما وألا يتدخل في أمور المزور الشخصية ، وألا يعيب عليه شيئا في داره إلا أن يكون عنده منكر كتماثيل ينكرها الإسلام ، وأن يحاول أن يدخل السرور على المزور إن وجب الأمر يستدعى ذلك وأن يحاول أن يجعل من المجلس فرصة لذكر الله تعالى عن طريق تدارس مسألة علمية ، أو الدعاء بالخير لأنفسهم ولغيرهم وذكر الصالحين وأحوالهم وقصصهم ويحاول أن يعرض على أخيه أنه مستعد للقيام بما يطلب من مساعدة أو قضاء حاجة هذا أهم مجمل آداب الزيارة والاستئذان في شرع الإسلام مثل لنا من عودة إلى منبع الإسلام الصافي لننهل من معينه وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه وسلم والذي لان ينضب والله الهادي سواء السبيل .(1/61)
ومن آداب الزيارة أن يغض بصره عما يرى في البيت فما يجب ستره وألا يسمح لبصره أن ينظر عورة ولا لسمعه أن يسترق سرا لأن الأمر لا يسلم من اعلاعه عما لا يتبعن فإذا ما رأى أو سمع فاليكن أمينا على ما رأى وما سمع وألا يذيع أسرار الناس فإن ذلك يؤذيهم لقوله عليه السلام من ستر عورة فكأنما استحيا عورة من غيرها وإذا ما رأى أمر استدعى التغيير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليكن حكيما في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر عاملا بقوله تعالى ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ) وليسع جاهد ( أن تكون زيارة لله تعالى حتى يكون ضمن الذين يناديهم ربهم يوم القيامة المتحابون في لهم متاع من نور يغيظهم النبيون والشهداء ) رواه الترمذي ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى ( وجبت محبتي للمتحابين فيَّ والمجالس فيَّ والمتزاورين فيَّ وعليه أن يمسك عن الغيبة والنميمة وأكل أعراض الناس وألا يتقرب بعرض أحد لمن يزروه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أكل بعرض أخيه أكله أطعمه الله مثلها في النار ) وعليه ألا يحسد المزور على نعمة رآها عنت وأن يتمنى من الله وأن يسأله من فضله وعليه أن يحاول جاهدا أن يقنع باليسير مما يقدم إليه من طعام وشراب ذاكراً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن يأكل في معى واحدا الكافر يأكل في سبعة أمعاء ) غير ناسن لقوله صلى الله عليه وسلم ( ما ملا أبن آدم وعاءً شراً ن بطنه ) .
الشيخ / عبدالله الظاهر عبدالله علي
( آداب الطريق )(1/62)
لم يدع الإسلام بابا من أبواب الخير إلا وأرشد أتباعه إليه كما لم يدع بابا من أبواب الشر والإثم إلا وحر منه من الأقتراب إليه ، والإسلام يقدم العلاج الوقائي حتى لا يقع المسلم في الشر والسوء ويبحث عن علاج لأمراضه وعلله ، والأصل في الجلوس على الطريق أنه غير مرغوب فيه بسبب ما يترتب عليه من مضايقات للناس مثل النظر الحرام وشغل القلب بالناس وما يجره ذلك إلى الوقوع في الغيبة وسوء الظن واتهام الآخرين بحسب ظواهرهم ، والتقصير في حقوق المسلمين المادي ومن هنا جاء تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من الجلوس على الطرقات ولما نهاهم عن ذلك وأبدوا حاجاتهم للجلوس فيها وأنهم لا غنى لهم عنها بسبب ضيق منازلهم وحاجتهم الملحة لها فسح لهم بالجلوس عليها وطالبهم بالآداب التي يجب عليهم الالتزام بها وهذه الحقوق كثيرة عدها بعضهم حتى بلغت ثلاثة عشر أدبا وهي غض البصر وكف الأذى عن الناس بقول أو فعل ورد السلام على من يلقيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتشميت العاطس ومساعدة من يحمل متاعه على سيارته أو دابته وإغاثة الملهوف وإرشاد ابن السبيل وإعانة المظلوم ومساعدته على ظالمه وذكر الله تعالى حتى لا يشغله الطريق ويلهيه وحسن الكلام لأن هذه المجالس تكون عرضة للخوض فيما هو ممنوع شرعا وإفشاء السلام فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إياكم والجلوس على الطرقات قالوا يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها قال : فإذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه قالوا وما حقه ؟ قال ( غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) رواه البخاري ومسلم .
وزاد أبو داود ( إرشاد أبن السبيل وتشميت العاطس إذا حمد الله ) وزاد سعيد بن منصور ( وإغاثة الملهوف )
وزاد البزار ( والإعانة على الحمل )(1/63)
وزاد الطبراني ( وأعينوا المظلوم و أذكروا الله كثيرا ) وجاء في حديث لأبي هريرة ( وحسن الكلام ) . ومن هنا ندرك أن المسلم مطالب دائما بتحمل المسئولية نحو إخوانه المسلمين لأن خير الناس أنفعهم للناس وأن من لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم فإذا ما أهل حقا من هذه الحقوق تجاه إخوانه المسلمين فإن يكون قد عرض نفسه لغضب الله ومقته وعقابه وإنه لن يفر من حساب الله يوم القيامة .
إن من الواجب على المسلم أن يراعى شعور الآخرين وإحساسهم وكرامتهم وراحتهم لأن النظر سهم مسموم من سهام إبليس فمن تركه مخافة من الله تعالى أذاقه الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه ومعظم النار من مستصغر الشرر ، إن طريق الناس هو من حرمانهم وعلى المسلم أن يتجنب ما يؤذيهم بأي لون من ألوان الأذى المادي أو المعنوي ولذلك جاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ) وجاء في الحديث ( أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة ) وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن شجرة كانت تؤذي المسلمين فجاء رجل فقطعها فدخل الجنة ) رواه مسلم .
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بينما رجل يمشي بطريق وحد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له ) رواه مسلم . وجاء في صحيح مسلم أن أبا برذة قال : قلت يا نبي الله علمني شيئا أنتفع به ، قال : أعزل الأذى عن طريق المسلمين ) رواه مسلم . وإذا كان المسلم مأموراً بإبعاد أذى غيره عن طريق المسلمين فإنه يكون من باب أولى مطالباً بمنع إيذائه هو ، وإذا كانت هذه هي آداب الطريق والجلوس فيه فإن الإسلام لم يدع آداب المشي في الطريق فقد أثنى الله تعالى على عباد الرحمن(1/64)
وقال فيهم ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) الفرقان (63) وأنهم إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا( لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) القصص (55) فأمر بالتواضع في الطريق ونهى القرآن المسلم أن يكون مشيه في الطريق خيلا وكبير فقال ( ولا تمشي في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) الإسراء (37) كما نهى الإسلام المسلم أن يحمل ما يزعج الناس أو يضرهم فلا يجوز لمسلم أن يحمل نعه سلاحاً أو خنجراً أو مدفعا فيقول صلى الله عليه وسلم ( إذا مر أحدكم في مجلس أو سوق وبيده نبل فليأخذ بنصالها ثم ليأخذ بنصالها ثم ليأخذ بنصالها ) والنصل هو حديدة الهم التي تقتل وعليه أن لا يروع الناس بأي لون من ألوان الروع يقول صلى الله عليه وسلم من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وأن كان أخاه لأبيه وأمه ) رواه مسلم .
وجاء قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع من يده فيقع في حفرة من النار ) رواه مسلم . وعليه أن لا يمشي في نعل واحدة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا يمشي أحدكم في نعل واحدة لينعلها جميعا أو ليخلعها جميعا ) رواه البخاري وسلم .
وهكذا نرى الإسلام يبعد الأذى عن المسلمين وعن طريقهم سواء منك أو من غيرك يقول صلى الله عليه وسلم ( اتقوا اللاعنين ) قالوا وما اللاعنين ؟ قال الذي يتخلى من طريق الناس أو ظلهم ) رواه مسلم .
ولو أن المسلمين وعوا هذه الآداب وعملوا بها إذن لكان لهم شأن غير ما هم فيه والله الهادي سواء السبيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وإلا حديث أخر أن شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .(1/65)
ومن آداب الطريق ألا يظهر الشماتة بأحد فيه أو أن يحتقر أحد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك ) رواه الترمذي . ولقوله صلى الله عليه وسلم ( بحب مرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) رواه مسلم . ومن آداب الطريق ألا ينام فيه لأن النوم عورة يجب سترها وهو لا يدري من طريقه وأثناء نومه ما يحدث له ، ومن الأدب أن يغضب إذا انتهكت حرمات الله وأن يلاطف اليتيم إذا مر به .
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله علي
( أدب المجالس )
المجلس هو مجتمع يضم فئات من الناس تربطهم علائق وروابط ووشائح خاصة وهو رمز من رموز الترابط بين المسلمين ولها آداب يجب أن تراعى ومن أهمها :(1/66)
1. مراعاة آداب الدخول من الاستئذان والاستئناس والسلام ومنها إفساح المكان للداخل إذا كان المكان ضيق فيجب على الجالسين أن ينضم كل منهم إلى بعض لإفساح مكان لمن داخل عليهم لأن في عدم إفساحهم حرج له وإيذاء لشعوره وهذا لا يليق بالمسلم وإذا كان الداخل من ذوي الشأن أو من أهل الفضل والصلاح فإن الإفساح له من الحاضرين أمر واجب لا يجوز التهاون فيه فإذا لم يفسح له وجب على صاحب المجلس أن يهتم به وأن يحتفل بقدومه بطريقة لا تؤذي أحد لقول الله تعالى ( يا أيها الذين أمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير ) المجادلة (11) . وقد وضحت الآية أدبين من آداب المجالس وهما إفساح المكان للداخل وللقادم والانصراف بعد أداء مهمة المجلس التي انعقد من أجلها . ومنن هذه الآداب ألا يقيم أحداً من مجلسه ليجلس هو فيه لما رواه البخاري عن أبن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر ولكن تفسحوا وتوسعوا ) وجاء في حديث مسلم ( لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده فيقعد فيه ولكن يقول : أفسحوا ) وهذا في المجالس المباحة باحة عامة والحكمة من هذا هي اجتثاث أسباب الضغائن والأحقاد بين المسلمين وحثهم على التواضع لأن من سبق إلى شيء استحقه ، وأخذ الحق حرام ، ولما في هذا النهي من الأدب الرفيع الذي يجب أن يلتزم به المسلم ومن أدب المجلس أن يجلس الداخل حيث انتهى به المجلس في المكان الخالي وليس له حق في أن يترك المكان الخالي ليزاحم غيره في مجالسهم لما رواه أبو داود قال ( كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي ) .(1/67)
2. ومن أدب المجالس ألا يفرق بين اثنين لا فرجة بينهما لما في ذلك من التطفل والإيذاء لهما ولمنافاة ذلك للأدب والذوق لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا يحل لرجل أن يفرق بين أثنين إلا بإذنهما ) رواه أو داود . ومن أدب المجالس إلا يجلس وسط الحلقة وقد جاء النهي عن ذلك بصورة فيها تحريم في حديث الترمذي عن أبي مجلز ( أن رجلاً قعد وسط حلقة فقال حذيفة : ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم أو لعن الله على لسان محمد في مجلس وسط الحلقة ) ومن أدب المجالس ألا يتناجى أثنان معهما ثالث لما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى أثنان دون الثالث ) رواه البخاري ومسلم . وعن أبن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا كنتم ثلاثة لا يتناجى أثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه ) رواه البخاري ومسلم . فيؤخذ من هذين الحديثين أنه لا يحل لرجل أو امرأتين يجلسان في مكان ومعهما في المجلس ثالث أو ثالثة أن يتحدثا سراً بحيث لا يسمع الثالث لأن في ذلك إيذاء له وحزناً فربما يظن أنهما يتآمران عليه أو أن رأيهما فيه ليس بحسن وفيه مراعاة لشعور الآخرين ولكن إذا أذن لهما صاحبهما فلا بأس إن كان ذلك بإذنه . ومن هذه الآداب مراعاة آداب الحديث وذلك بأن ينصت إذا تكلم أخوه وأن يختار الكلام المناسب وألا يسخر أو يعرض بغيره في حديثه وأن يترك الجدال المنهي عنه وهو الذي لا يوصل إلى الحقيقة وأن يحترم الأخر في المجلس وألا يجاهر بالنصيحة لأحد حتى لا يفضحه وأن يوقر الكبير وذي الفضل ويرحم الصغير وأن يدعو لمن يسدى إليه معروفا ومها أن يحافظ على أسرار المجلس لقوله صلى الله عليه وسلم ( المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس سفك دم حرام أو عرض حرام أو اقتطاع مال بغير حق ) ولقوله صلى الله عليه سلم ( إذا حدثك أخوك بكلمة ثم التفت مني عندك بالأمانة ) ومن آداب المجالس ذكر(1/68)
الله تعالى فيها لحديث ( ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسن ) رواه أبو داود والحديث ( ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله تعالى فيه ، ولم يصلوا على نبيهم فيه إلا كان لهم عليه برة فإن شاء عذبهم وأن شاء غفر لهم ) رواه الترمذي . ومن آداب المجالس أن يجلسوا كفارة المجلس عند الانصراف لحديث ( من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال قيل أن يقوم من مجلسه ذلك ( سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وإلا غفرله ما كان في مجلسه ذلك ) رواه الترمذي . ومن آداب المجالس الاهتمام بمجالس الصالحين وضعفاء المسلمين اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والذي قال له ربه ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ) الكهف (28) . ولقوله صلى الله عليه وسلم ( ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ) رواه مسلم . ومن آداب المجلس أن غيره أو ÷و إلي قام من المجلس ثم عاد إليه مرة أخرى فهو أحق به من غيره لقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا قام أحدكم من مجلس ثم رجع إليه فهوا أحق به ) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : فلما كان رسول الله خشيناك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك وتبليغنا به جنتك ومن اليقين ما نهون به علينا مصائب الدنيا ، متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا وأجعله الوارث منا وأجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا ) رواه الترمذي .
الشيخ / عبدالله الظاهر عبدالله علي
( آداب الحديث )(1/69)
خلق الله الإنسان وزينه بنطق اللسان وقد امتن الله على عباده بنعمة البيان فقال ( الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ) الرحمن (411) . فالبيان من نعم الله الكبرى التي توجب الشكر على العبد لربه ويقرأ القرآن الكريم أن كثيراً من كلام البشر لا خير فيه ولا فائدة ترجى منه إلا إذا اشتمل على خير ونفع يعود على البشرية فيقول ( لا خير في كثير من نجواهم أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيما ) النساء (114) . وقد عنى الإسلام بموضوع الكلام وأسلوبه وقسمه إلى طيب وخبيث وضرب لذلك مثالين ليدل على قيمة كل منهما فقال : ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلا كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون . ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار ) إبراهيم (24 : 26) والإسلام يعتبر الكلمة أمانة وأن الإنسان مسئول عنها فيقول ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عنيت ) ق (18) .
ولذا فقد جعل الإسلام للحديث آدابا وأوجب على المسلم الالتزام بها وحذر من التهاون فيها وأول هذه الآداب الصدق فعلى المسلم أن يكون صادقاً في حديثه لأن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حين يكتب عند الله صديقا ) وصدق الحديث هو من مكملات الإيمان ومتممات الإسلام يقول سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) التوبة (119) . فعلى المسلم إذا حدث ألا يحدث بغير الحق وإذا أخبر فلا يخبر بغير الواقع ، وأن كذب الحديث من إمارات النفاق وفي الحديث ( آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أتمن خان ) .(1/70)
ومن آداب الحديث البعد به عن اللغو ولأمر ما أثنى الله على عباده المؤمنين فقال : قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون ) المؤمنون (1 ، 4) حيث ذكر الأعراض عن اللغو بين فريضتين من فرائض الإسلام وهما الصلاة والزكاة وما ذلك إلا لأهمية الإعراض عن اللغو وصون اللسان عن الفحش وما لا فائدة فيه.
وقد بغض الإسلام في اللغو لأنه من التفاهات ولأنه مضيعة للقوت في غير فائدة وبقدر ترفع المسلم عن اللغو تكون منزلته عند ربه وفي الحديث ( إن العبد ليقول الكلمة لا يقولها إلا ليضحك بها المجلس يهوي بها أبعد ما بين السماء والأرض . وإن المرء ليزل عن لسانه أشد مما يزل عن قدميه ) القرآن الكريم عباد الرحمن فيقول ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) وبأنهم إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبغي الجاهلين ) القصص (55) .
ومن آداب الحديث أن يتكلم الإنسان بالخير وأن يعود نفسه الجميل من القول ولقد أخذ الله الميثاق على السابقين بأن يقولوا الحسن من القول فقال ( وقولوا للناس حسنا ) البقرة (83) . وقال ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزع بينهم ) الإسراء (53) . ولقد علمنا القرآن أن نرد بالقول الحسن إن لم نجد ما نعطيه فقال ( وما تعرض عنهم ابتغاء ورحمة من ربك ترجوها فقال لهم قولا ميسورا ) الإسراء (28) .(1/71)
ومن آداب الحديث ترك الجدل وكثرثرة ومن الحديث ( ما ضل قوم بعد الهدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ) والجدل هو أبعد شيء عن البحث النزيه والاستدلال الموافق وقد روى الطبراني عن عدد من الصحابة قالوا ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن نتمادى في شيء من أمر الدين فغض غضبا شديدا لم يغضب مثله . ثم انهرنا فقال : مهلا يا أمة محمد إنما هلك من كان قبلكم بهذا ذكر المرء لقلة خيره ، ذروا المرء فإن المؤمن لا يمارى ، ذروا المراء فإن الممارى قد تمت خسارته ، ذروا المراء فكفى إنها لا تزال مماريا ، ذروا المراء فإن المارى لا أشفع له يوم القيامة ذروا المراء فأنا زعيم في ثلاثة أبيات في الجنة رياضها وسطها وأعلاها لمن ترك المراء وهو صادق ، ذروا المراء فإن أول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان المراء ) .
ومن آداب الحديث الآية خذ المرء حديث المجلس كله ذاك يستأثر بالكلام وحده ونجيب عليه أن يغلب جانب الصمت وأن يعصى غير الفرصة لينال حظه من الكلام وألا يتكلف في الكلام وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وشبه من يكون كذلك بالبقرة التي ترعى المرعى بلسانها وأن الله تعالى يلوي لسانهم ووجوههم في النار وفي الحديث ( البلاء موكل بالمنطق ) وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول ( لا يستقيم أيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم حتى يستقيم لسانه ) .
ومن آداب الحديث أن ينصت إذا تكلم أخوه وأن يختار الكلمة المناسبة وألا يظهر أخاه أمام نفسه ولا أمام غيره في صورة الجاهل أو الأحمق وإن رأى على أحد منكر اسر إليه به ولا يفضحه وأن يوقر الكبير ويرحم الصغير .
ومن آداب الحديث أن يذكر اسم الله في أول حديثه وفي الختام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسن ) رواه أبو داود .(1/72)
ومن آداب الحديث أن يخاطب كل إنسان بما يناسبه شرعا وعرفا وأن يحذر تعظيم الفاسق والكافر والمنافق لغير ضرورة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقولوا للمنافق سيداً فإنه أن يكن سيداً فقد سخطتم ربكم عز وجل ) رواه أبو داود .
ومن آداب الحديث أن يراعى أمانة الكلمة فيه لأن اللسان نعمة وهو أخطر شيء في الإنسان وقد قالوا : المرء صعوبة قلبه ولسانه وكذلك جاء من الحديث أن الأعضاء كل يوم تنادى اللسان تقول له : ( يا هذا اتق الله فينا ولا تقل إلا خير فإنك إن استمعت استمعنا وإن عوجب عوجبنا ) وقال صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لا يستقيم أيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ) وكم من أناس يحدثوا بكلمة فزلت بهم في جهنم وكم من أناس آخرين قالوا كلمة فسعدوا بها في الدنيا والآخرة ويقول صلى الله عليه وسلم إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا لا يكفى لها بالا فيستحق بها رضوان الله إلى يوم القيامة وأن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا نلقى لها بالا فيستحق بها سخط الله إلى يوم القيامة ولقد قال آدم كلمة استحق بها التوبة من الله حين سأله الله تعالى عن أكله من الشجرة فقال : ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين ) وقال إبليس كلمة بعد امتناعه عن السجود لآدم ولما سأله الله قال : أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) فاستحق بها اللعنة والطرد من رحمة الله تعالى ومن آداب الحديث أن يتجنب السباب ولا يسب شيئا ولا أحد والا يلعن شيئا ولا أحداً لأن اللعنة إذا خرجت من صاحبها صعدت إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تذهب إلى الأرض فتغلق أبواب الأرض دونها ثم تذهب إلى الملعون فإن كان أهلا لها نزلت عليه الأعادات لقائها فنزلت عليه . والله الهادي سواء السبيل وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم ولى حديث آخر أن شاء الله تعالى(1/73)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الشيخ / عبد الله الظاهر عبدالله علي
( آداب المتعلم )
إن العلم نور ونور الله لا يهدي لعاصي ولمتعلم هو من يرغب في إزالة ما عمي عليه من ظلام الجهل بإشعاع ضاء العلم ، وهو الذي سوف يعين لغيره وسوف يضيء للناس من حيث يحرم نفسه ولا بدله من أمور إذا تحققت له بلغ قصصه ونال مراده في الدنيا والآخرة وأهمها ما يلي :-
أولاً : إخلاص اكنية لله وسلامة قصة فيما يطلب وهو يقضي سنوات عمره في تحصيل المعرفة والحكمة ضالته فهو ينشدها أنى وجدها ولو أن هذا الطالب قد تفقه في دينه وعرف طريقه إلى رضوان الله تعالى في طلب العلم لنال ثوابا عظيما ، وخير ما يوصل العبد لمرضاة الله هو أن يبتغي بعلمه وجه الله ويخلص النية لله بعيد عن شهوات حب الظهور والمادة الوصولية فعن أبي هريرة رض الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم عرف الجنة يوم القيامة ) رواه أبو داود .(1/74)
والنية الصالحة تحول العمل الدنيوي إلى عبادة كما أن النية المدخولة والرياء يحبطان الأعمال ويجعلان أعظم العبادات طريقا لجهنم وبئس المصير وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمته فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت قال : كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جرئ فقد قيل ، ثم أمر به فحسب حتى ألقي في النار ، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال : كذبت ولكنك تعلمت ليقال هو قارئ فقد قيل ، أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه نعمه قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال : كذبت ، ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى لقي في النار ) رواه مسلم .
وفي فضل العلم وفضل النية الصالحة في جميع الأعمال وشؤم النية السيئة جاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي قال فيه ( وأحدثكم حديثا فاحفظوه : إنما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله مالاً وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل ، وعبد رزقع الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول : لو أن لي مالاً لعلمت بعمل فلان ، فهو بنيته فأجرها سواء أو عبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً يخبط في ماله بغير علم ولا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل ، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول : لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء ) .(1/75)
ثانياً : من أدب المتعلم أن يعرف حق معلمه عليه ويقوم به وحينئذ يبارك الله له فينتفع بما تعلم ويزداد علما وهدى ويقر بأن صلته بمعلمه كصلته بأبيه أو أشد فأبوه قد رباه كما ربى عامة الناس أولادهم أما المعلم فإنه قد رباه ليحشر يوم القيامة مع موسى وعيسى وحمد صلى الله عليه وسلم عليهم جميعاً وتكون له الشفاعة يوم القيامة فمن يشفعون فعليه أن يتواضع لمعلمه ويلقى إليه بزمام أمره ويلتزم بنصيحته ويطلب رضاء الله بخدمته والإسراع إلى مساعدته وبذل كل جهد في تقديره واحترامه وإجلاله ويروى الشعبي فيقول : صلى زيد بن ثابت على جنازة فقربت إليه بغلته ليركبها فجاء ابن عباس فأخذ بركابه فقال زيد ابن ثابت : خل عنه يا ابن عم رسول الله . فقال : ابن عباس : هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء والكبراء فقبل زيد بن ثابت يده وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بين نبينا صلى الله عليه وسلم ) رواه الطبراني .
وليعلم المتعلم أن المعلم بخبرته ودراسته وحرصه على صالح تلامذته أقدر على بذل النصيحة و'طاء الدواء النافع ، وعلى كل متعلم أن يذكر تأدب موسى مع الخضر عليهما السلام حين احتاج إلى علمه والاستفادة منه حيث شرط عليه الخضر ألا يسأله شيء يعلمه يخبره عنه وشرط عليه أن يصبر ولا يعصي له أمر ورد موسى قائلا ( ستجدني إن شاء الله صابر ولا أعص لك أمراً ) الكهف (69) .
ومن أدب المتعلم مع معلمه ألا يكثر عليه السئوال ولا يعنيه في الجواب وألا يلح عليه إذا كسل ولا يأخذ بثوبه إذا نهض ولا يفشي له شراً ولا يغتاب عن أحد وعليه أن يوقره وأن يعظمه ما دام يحفظ أمر الله وقد صدق شرقي إذ يقول :-
قف للمعلم وفه التبجيلا : كاد المعلم أن يكون رسولا(1/76)
ثالثاً : أن يبدأ بالأهم من العلوم وذلك أن كان حر الاختيار فيما يتعلمه فيبدأ بالأهم لدينه أولا ثم الأهم لدنياه ثم يحاول أن يأخذ من كل علم طرفا ثم يتفرع بعد ذلك لأفيد العلوم في الدنيا والآخرة ، وخير هذه العلوم ما يوصلك إلى معرفتك بربك ومعرفتك بشرعه ودينه الذي أنزله على رسوله وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم ودعا الخلق جميعا إليه وجعل السعادة في الدنيا والآخرة موقوفة على العمل به .
ربعاً : أن يهتم بالتطبيق العملي إلى أبعد حد لأن العلم يطلب لذاته لأن شرف العلم وسمو منزلته وسهولة الحصول على أنواع كثيرة منه كل هذا يدفع الإنسان العاقل أن يحرص على التعلم وعلى الاستزادة من العلم ما أمكن والعلم إذا لم يعمل به كان وبالاً على صاحبه والقرآن قد ضرب لنا أمثلة لمن علم ولم يعمل بعلمه تنفر منه الطباع السوية يقول سبحانه ( وأمثلة الله على علم ) وقال ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب أن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ) الأعراف (175 ، 176) .
ويقول سبحانه في شأن اليهود والذين حفظوا التوراة ثم لم يعلموا بما فيها ( ومثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) الجمعة (5) .(1/77)
ويقول سبحانه معا تباً من يقول ولا يعمل بعمله ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون كبر مقتا عبد الله أن تقولوا مالا تفعلون ) ويقول سبحانه ( أن تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) وبين صلى الله عليه وسلم حال الذي يعلم ويناقض فعله قوله وعلمه ( يؤتى بالرجل يوم القيامة وقد خرجت أقتابه من دبره وهو يدور بها في النار كما يدور الحمار بالرحى فيطلع عليه أهل النار ويقولون له أولست فلانا ؟ فيقول بلى فيقولون له : أو لست الذي كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ فيقول : بلى فيقولون له : ما الذي صيرك إلى أنت فيه ؟ فيقول لهم : كنت أمركم بالمعروف ولا أفعله وأنهاكم عن المنكر وآمنه ، أن للعلم شرفه وكرامته وثوابه ومنزلته ورسول الله صلى الله عليه وسم يقول : أن الملائكة لتصنع أجنحتها لطالب العلم رضها بما تصنع ، وقال أبو الورداء لأن تعلم مسألة الحب إلى من قيام ليلة : قال : كن عالماً ومتعلماً أو مستمعاً ولا تكن الرابع فتهلك ، فالنعرف للعلم قدره وشرفه .
الشيخ /عبدالله الظاهر عبدالله علي
( آداب المعلم مع من يعلمهم )
إن شرف كل صنعة يظهر بشرف محلها فكما يظهر شرف الصياغة على الدباغة حيث إن محل الأولى هو الذهب ومحل الثانية هو جلود الميتة كذلك يظهر شرف صناعة المعلم من حيث إنه منشغل بعقل الإنسان الذي هو أشرف جزء من أشرف مخلوق وهو الإنسان وعقله الذي هو مناط التكليف والمعلم إنما هو مرب لمن يعلمه وهو صانع للأجيال التي سيناط مستقبل الأمة وقد وضع المربون أصولاً وقواعد في العمل بها نجاح المعلم في مهمته نحو من يعلمهم وأول هذه الآداب :-
أولاً : الشفقة على المتعلم والرحمة به لأن المعلم في منزلة الوالد أو أكثر ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنما أنا لكم مثل الوالد لولده ) رواه أبو داود .(1/78)
فعليه أن يقصد بتعليمهم إنقاذهم من النار ويعدهم إعداداً فكرياً وروحياً وعقلياً يجعلهم صالحين لنفع أنفسهم ونفع أمتهم وذلك لا يكون إلا بالعمل على إنقاذهم من الجهل ومن الخلق السيء والعادات القبيحة وليعلم أنهم أمانة في عنقه وأن الله سائله عنهم لأنه راع لهم وكل راع مسئول عن رعيته والله تعالى يقول ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) الأنفال (27) . والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم صنيع حتى ليسأل الرجل عن أهل بيته ) والمعلم الناجح هو الذي يملك زمام من يعلمه بالرحمة والشفقة والحنان والعطف وشدة الحرص عليه لأنه وارث للأنبياء والمرسلين .
ثانياً : النصح للمتعلم وتوضيح الأمور له ليكون على بينة من أمره وليحذر المعلم أن يجرى من يعلمهم على علماء الأمة السابقين أو لنيل منهم وعليه أن يبتعد بهم عن الخلافات المذهبية وعن كل ما يؤوي إلى سبب الشقاق والخلاف وأن يتبع الحكمة القائلة : هم رجال ونحن رجال ، وأن يقول لهم قول الإمام مالك رضي الله عنه ( كل أحد يؤخذ من قوله ويرد الأصحاب هذا القبر الشريف يعنى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وان يكون شعاره قول الحكيم من الأئمة السابقين ( فتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا فيما اختلفنا فيه ) وأن يحذره من العيب والطعن في الآخرين وأن يعوده نظافة القلب وعفة اللسان ويزجره عن سوء الأخلاق بطريق التلميح والإشارة قبل التصريح والعبارة فإن لم يجد ذلك انتقل إلى الشدة والصرامة .(1/79)
ثالثاً : أن يكون مثلا أعلى وقدوة طيبة ونبراسا يضيء لمن يعلمه ولذلك فإن القرآن الكريم يخبرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه القدوة الطيبة في قوله تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر وذكر الله كثيرا ) الأحزاب (21) وقديما قالوا : مقام رجل في ألف رجل أبلغ من مقالة ألف رجل في رجل ، والمعلم بسلوكه وسيرته يغرس في نفوس من يعلمهم الفضيلة ومبادئ الأخلاق الكريمة وهو محل نقد من يعلمهم لأن عيونهم معقودة عليه فليحذر أن يتناقض قوله مع فعله ، وافعاله إنما هي قوالب لأواله والله تعالى يقول ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) .
رابعاً : وعلى المعلم أن يرعى ما يناسب من يعلمهم والمؤثرات التي تأثروا بها في بيوتهم ومجتمعاتهم ويكون مثله كمثل الطبيب الذي يعالج المرض فإن عالجهم بدوا واحد قتلهم لأن كل مرض له ما يناسبه من علاج ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ( نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ) رواه أبو داود .
خامساً : وليحذر المعلم من أن يكون معلم سوء لأن علمه حين إذ يكون كالسراب الذي يحسب الظمأن ماء حتى إذا جاء لم يجده شيئا ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحذر أمثال هذا اللون من العلماء حين قال ( إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان ) وقال ( لأنا أخوف عليكم من الرجال . فقيل وما ذاك ؟؟ فقال : من الأئمة المضلين ) رواه أحمد وقال صلى الله عليه وسلم ( لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء ، ولتماروا به السفهاء ولتصرفوا به وجوه الناس ) رواه ابن ماجة .(1/80)
وليعلم المعلم أن الله قد رفع درجاته في الدنيا والآخرة وأنه من أعطاهم الله الشفاعة في خلفة وأن مداد العلماء يوزن يوم القيامة بدماء الشهداء وأن الله تعالى قد قال في العلماء العاملين إنما يخشى الله من عباده العلماء فليحرص أن يكون منهم.
وإن للمعلم أثره في من يعلمهم وهو يترك بصماته واضحة على من يعلمهم ولقد كان من سبق من الأئمة الذين تعلموا على يد معلمين لهم صورة مشرقة مضيئة وشموس هداية وأقمار رشد لأنهم أنتفعوا بعلماء قادة فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم معلم الأمة الخير كل فرد من أمته مدين له بالفضل يقول سبحانه ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) وها هو الإمام مالك رضي الله عنه قد أثر في تلميذه الشافعي وها هي الإمام البخاري قد انتفع بشيوخه الذين علموه وها هو ابن قيم قد انتفع علم ورحمة الأمام بن تيمية حتى أصبحنا نقرأ من التلميذ علم وخلق وحلم وفضل معلمه ، والمعلم الرحيم هو الحريص على نفع من يعلمهم وهو الذي يفيدهم في الحياة الآخرة الدائمة وهو الذي ينفعهم في علوم الدنيا لأنه قصد به وجه الله والدار الآخرة فكان من خير الناس وخير الناس أنفعهم للناس . ولذلك حث الله الأمة على الخروج للعلم لنفع الناس فيقول سبحانه فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون وقد جعلهم الله أهل الذكر وأمرنا أن نستوضح منهم وأن نستجلس ما خفى علينا من مور منهم فقال تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تفلحون وهم الذين أخذ الله ميثاقه عليهم أن يبينوا للناس ما علموه ولا يخفى أحد منهم شيئا مما علم فقال وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبينه للناس ولا تكتمونه ونص على من كنتم العلم منهم فقال وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون وقال صلى الله عليه وسلم ومن علم علماً فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار . رواه(1/81)
أبو داود الترمزي وقال عليه السلام ( أن الله وملائكته وأهل سماواته واضحة النحلة في حجرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير ) رواه الترمذي .
وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر العلم باق بعد الموت يصل ثوابه إلى معلمه فقال ( إذا مات أبن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث . صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) متفق عليه .
وقال عليه السلام ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) رواه مسلم .
والله الهادي سواء السبيل وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه.
الشيخ/ عبدالله الظاهر عبدالله علي
( آداب الدعوة والدعاة )
ما سمع البشر على مدى تاريخه الطويل والعريض عن أسلوب اليسر والبشر والعين والرفق ما يشبه أسلوب الدعوة إلى الله والتي جاء ممثلا في قوله تعالى ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) النحل (125) .
هذا هو منهج الإسلام في الدعوة إلى الله والذي رسمه لنبيه ورسوله ولكل من انشغل بالدعوة ليلتزم به في بيان هدى الله وإيضاح سبيله ، والحكمة هي وضع الأمر في نصابه ، والدعوة تكون بكشف الحجاب عن الحقيقة في غير مواربه ولا هوادة ، وباختيار أنسب الأوقات والظروف والمناسبات وبرعاية مقتضى الحال ، وبانتقاء أدق الألفاظ وألين العبارات وباصطفاء أحسن المواعظ وأرقها ، وباحتمال صنوف أنواع البلاء والأذى ، من غير مجابهة بالغلظة والجفاء عملا بقوله تعالى ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيكان كان للإنسان عدوً مبينا ) الإسراء (53) .(1/82)
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم برغم الأذى الذي ناله من قومه - يدعو لهم بالهداية والمغفرة فكان خير الدعاة إلى الله بقوله وفعله وسلوكه بينهم ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) الأحزاب (21) .
لقد وعظهم بحسن شمائله وخلقه القويم حتى هدى الله به النفوس الجامحة وجمع به القلوب المتنافرة ، وفتح الله به الأعين العمي والآذان الصم والقلوب الغلف وصدق الله فيه قوله ( وإنك لعلى خلق عظيم ) القلم (4) .
ولقد حقق قول الله فيه ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم ) آل عمران (159) .
وهذا هو طريق الإسلام الأمثل الذي تفرد به لنشر دعوته وآدابه القويمة وإرشاداته الكريمة ونصائحه النافعة وهدايته المنيرة ، لقد سلك القرآن طريقا في الدعوة إلى الله شعارها اللين والرفق حتى مع غير المسلمين الذين يعبدون غير الله فقال ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) الأنفال (108) .
ونهى عن الجدال مع أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن باستثناء الظلمة فهم حيث يقول ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ألا الذين ظلموا منهم ) العنكبوت (46) .(1/83)
ولقد جاء أسلوب الدعوة إلى الله غاية في الرقة والرحمة والألفة مع قوة في الحجة وصلابة في العقيدة لا تعرف المداهنة ولا النفاق حينما أرسل الله تعالى موسى وهرون إلى فرعون الذي قال ( أنا ربكم الأعلى ) والذي قال ( ما علمت لكم من إله غيري ) حيث أمرهما أن يقولا له ( فقولا له لينا لعله يتذكر أو يخش ) طه (44) . وحيث يقول سبحانه ( فقل هل لله إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى ) النازعات ( 18 ، 19) . ولذا فحينما دخل رجل على الخليفة العباسي المأمون وقال له سأقول لك قولا غليظا أرجو ألا تجد علي فيه . فقال له المأمون : لا تقل ولا أجد . فقال الرجل : ولم ؟ قال المأمون : لست خير من موسى وهرون ولست بشر من فرعون . فإن الله قد بعث من هو خير منك الأذى من هو شر مني وأمرهما أن يقولا له : فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) طه (44) .
ونحن نجد القرآن الكريم في معرض الوعظ من أدب حكيم يعظ ولده وفلذة كبده يتسامى في الرقة واللين بحيث لا يترك لمن يوعظ فرصة للتأبي حتى يأتي به على طريق الله حيث يقول سبحانه ( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) لقمان (13) . ثم يكرر النداء ويختار لفظ المنادى وهو يا بني وهو تصغير لابن للدلالة على الحنو والعطف حتى يستأثر بابنه مما يجعله ينقاد له ويسلم له قياده ( بابني إنها أن نك مثقال حبة ) بابني أقم الصلاة ) وامر بالمعروف وأنه عن المنكر اصبر على ما إصابك أن ذلك من عزم الأمور مما يكون له أكبر الأثر في نفس المستمع .(1/84)
ولقد سلك هذا الأسلوب سلفنا الصالح فكان التوفيق حليفهم في أمور دينهم والقبول نصيبهم لا أمور دنياهم ، ولو أن كل مرشد وكل داعية وكل قائم على أمر الدعوة سلك هذا الطريق في دعوته وفي أحواله العامة والخاصة لاستقامت أمور المسلمين وصلحت شئونهم ولتربت في الأمة ملكة الأخلاق الكريمة التي لا تسعد الأمة إلا بها ولا يتقدم مجتمع إلا إذا تحلى بها .
إن الأسرة لا تسعد بحسن العشرة من ولي أمرها إلا إذا سلك راعيها مع زوجه وأولاده مسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله وولي الأمر لايطمئن لحسن سير العمل إلا إذا كان في نصحه لمرؤسيه مثالاً للحكمة والموعظة الحسنة ، وبذلك تكون منزلته فيهم منزلة القائد الناجح من حيث والد من ولده والمعلم من تلميذة ، والواعظ لا تصل موعظته لقلوب السامعين إلا إذا اتبع معهم ما رسمه القرآن الكريم وفي الحديث ( ما أهدى المرء المسلم لأخيه هدية أفضل من كلمة حكمة يزيدها الله بهادي أو يروه بها عن ردي ) والقرآن الكريم يوجه الدعاة ويمحهم فيقول ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) فصلت (33) .
وقد روى مسلم عن أبي مسعود رضي الله عنه قال : ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ) . وروى الشيخان عن تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الدين النصيحة : قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) .(1/85)
إن على الداعية أن يلتزم بآداب الدعاة وهي العلم والورع بحيث يقف عند حدود الله في أمره ونهيه دون تزويد أو غرور أو اعتداء أو إيذاء لاحد وان يكون حسن الخلق وذلك هو أساس الدعوة فإن سوء الخلق يضر أكثر مما ينفع وأن يكون قادرا على ضبط شهرته وغضبه وعليه أن يعلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف ) وعليه أن يحسن النية لينال رضا الله وثوابه وأن يقطع الأمل في نفع الناس له أو ضرهم له وأن يتوكل على الله ليكون الله حسبه ونعم الوكيل حتى تؤتى دعوته ثمارها المرجوة وقطوفها اليانعة والله الهادي سواء السبيل .
أن خير الدعوة ما كان بالسلوك والقدوة الصالحة الحسنة ولعلنا نذكر أن مسلمي الذين دخلوا في دين الله أفواجا ما دخلوا بخطابة ولا بحلقات تعليم وإنما كان الدافع لهم على الدخول في الإسلام هو ما رأوه من التجارة المسلمين الذين كانوا صادقين في أموالهم وأمناء في معاملاتهم وأوفياء في عهودهم ورحماء فيما بينهم ومتوكلين على ربهم وحافظين لدينهم ومقيمين لصلاتهم ومؤدين لزكاتهم وواصلين لأرحامهم ومتعاونين فيما بينهم على البر والتقوى لا على الأثم والعدوان فكانوا بذلك السلوك خير دعاية لإسلامهم فانتفعوا ونفع الله بهم والله الهادي سواء السبيل وصلي الله على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه وسلم .
الشيخ / عبدالله الظاهر عبدالله علي
( آداب عيادة المريض وفضلها )(1/86)
من حق المسلم على أخيه إذا مرض أن يعوده في مرضه وذلك ليشعر المريض عند مرضه بروح الأخوة الإسلامية من إخوانه تسرى عنه وتخفف من آلامه وأحزانه ، وتعوضه بعض ما حرمه من القوة والصحة وحتى يدعوا له الصالحون ويبشروه بالخير ويبعثوا فيه الأمل ، ويمنوه بحب الله رحمته وكرمه وثوابه ، ويعرفون بما يجهله من ثواب الصابرين ويذكروه بالتوبة واللجوء إلى رحمة الله وعفوه ، وربما ذكر بعضهم له دواء نافعا أو طيباً معالجا فانتفع بأقوالهم ، ولذلك جاء في فضل عيادة المريض من الأحاديث ما يشعر بأن عيادة المريض من خير العيادات التي يتقرب بها المسلم لربه وفي الحديث ( إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع ، قيل يا رسول الله وما خرفة الجنة ؟ قال : جناها . رواه مسلم وعن علي كرم الله وجهه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح ، وكان له خريف من الجنة ) رواه الترمذي . وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من عاد مريضاً لم يزل يخوض في الرحمة حتى يجلس ، فأجلس اغتمس فيها ) رواه مالك . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من عاد مريضاً ناداه مناد من السماء طبت وطاب ممشاك وتبوأ من الجنة منزلا ) رواه الترمذي . وعيادة المريض فرض واجب ويلحق بها تعهده وتفقده والتلطف به ورعاية شئونه وأحواله ولعيادة المريض آداب يجب أن تراعى وأولها ألا يطيل الجلوس عنده حتى لا يضجر أو يشق عليه أو على أهله ومن الأفضل أن تتكرر العيادة وأن تكون في أول المرض ويستحب أن يضع يده عليه ويدعو له بالصلاح والعافية فعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضا مسحه بيمينه وقال : أذهب الباس رب الناس واشف وأنت الشافي لا شفاء إلا(1/87)
شفاؤك ألا يغدر سقما ) متفق عليه وروى أبو داود عن بن عباس رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من عاد مريضا لم يحضره أجله فقال عنده سبع مرات : أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض ) كما يستحب أن يقول العائد للمريض ( لا بأس طهور أن شاء الله ) رواه البخاري . ويستحب أن يذكر المريض بصالح ؟ فما له إذا كان في مرض موته ، ويستحب أن يطلب من المريض الدعاء لأن ملائكة الرحمة تحضره وجاء في الحديث أن دعاء المريض كدعاء الملائكة ويستحب له أن يطلب من المريض الصبر والرضا بقضاء الله وقدره وألا يتمنى الموت مهما ثقل عليه المرض وأن يدعو بما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله
( لا يتمنى أحدكم الموت من ضراً أصابه ) فإن كان لا بد فاعلا فليقل : ( اللهم أحيني ما كانت الحياة خير لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ) رواه البخاري ومسلم . ويستحب أن يوصى أهله بالصبر وعدم الضجر والالتزام بشرع الله وألا يقعوا في حرام وأن يوصى بسداد دينه لأن الدين يمنعه من دخول الجنة وأن يدعوه إلى الشهادتين وأن يقول عن قرب موته ( اللهم أعني على غمرات الموت وسكرات الموات ، اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى ) وان يطلب من أهله وممن حوله من جيرانه أن يسامحوه وان يوصي بأمور أولاده وأن يوصيه بحسن الظن بالله تعالى لقول الله تعالى في حديثه القدسي ( أنا عند ظن عبدي بي ) وأن يحببه في لقاء الله تعالى ويذكره بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ) .(1/88)
وإذا حضر مريضاً حضرته الوفاة فمن السنة أن يلقنه برفق كلمة ( لا إله إلا الله ) وهذا التلقين مندوب ليكون أخر كلامه من كلام الدنيا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) رواه الجماعة كما أن على من حضر المحتضر أن يوجهه جهة القبلة بأن يجعله مستلقيان على ظهره ووجهه إلى القبلة أو بأن يضجعه على جنبه الأيمن كما في حالة النوم لما رواه أحمد أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موتها استقبلت القبلة ثم توسدت يمينها ) ويستحب أن يغمض عيني المحتضر لأن الروح إذا خرج تبعه البصر وشخص إلى أعلى وعن أم سلمة رضى الله عنها قالت ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال ( إن الروح إذا قبض تبعه البصر ) رواه مسلم . ويطلب لمن حضر مريضاً يحتضر أن ينهى أهله عن قول المعاصي أو فعلها من شق الجيوب ولطم الخدود أو الدعاء بدعوى الجاهلية وأن يقولوا ما علمنا الله تعالى عن ذلك ( أنا لله وأنا إليه راجعون ) هذا قضاؤك قد رضينا بالقضاء وبالقدر ) هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ) ويبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية ) .
ويجوز للمسلم أن يعود المريض غير المسلم إن كان غير محارب لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أو جهل فقال : أي عم قل : لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله ) .
ولما رواه أبو داود عن أنس ( أن غلام من اليهود كان مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده . فقعد عند رأسه فقال له : أسلم فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال أبوه : أطع أبا القاسم فأسلم فقام النبي وهو يقول ( الحمد لله الذي أنقذه بي من النار ) والله الهادي سواء السبيل .(1/89)
ومن السنة أن يذكره بأجر الصابرين على المرض وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عجباً لأمر المؤمن إن أسره كله فهو خير له إن إصابته نعماء شكر كان له أجر وإن إصابته ضراء صبر كان له أجر وليس ذلك لغير المؤمنين ) وفي قوله صلى الله عليه وسلم ( ما يصيب المؤمن من هم وغم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها فيصبر عليها إلا كان له بها أجر ) وقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه ( إن ابتليت عبدي بمرض ثم وصل الناس يودونه فإذا لم يشكني لهم بل قال الحمد لله أنا لله وأنا إليه راجعون يقول الله تعالى لقد أخذت العهد على نفسي إن شفيت أن اليد له لحما طير من الجنة ودما طير من دمه وأن فيضنه أن غفر له ذنوبه وأن أدخله الجنة ) والله الهادي سواء السبيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإلى حديث آخر والسلام .
الشيخ / عبدالله الظاهر عبدالله علي
( آداب الطعام )
للطعام آداب يجب على كل مسلم أن يلتزم بها فأدبا مع ولي نعمته الذي أسبغ نعمه على العباد ظاهره وباطنه وهذا أدوم لنعم الله على العبد وأول هذه الآداب هو التسمية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا أكل أحدكم طعاما فليقل
( بسم الله ) فإن نسي في أوله فليقل ( باسم الله على أوله وآخره ) رواه أحمد .(1/90)
وهذه التسمية سنة وقال بعضهم إنها واجبة والحكمة فيها حرمان الشيطان من مشاركة الآكل المسمى في طعامه لحديث ( أن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه ) رواه مسلم . وعن جابر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( إذا دخل بيته فذكر الله عند الدخول وعند طعامه قال الشيطان : لا بيت لكم ولا عشاء ، وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان : أدركتم المبيت ، فإذا لم يذكر الله عند طعامه قال : أدركتم المبيت والعشاء ) رواه مسلم . ثم الأكل يكون باليمين لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا تأكلوا بالشمال فإن الشيطان يأكل بالشمال ) رواه مسلم . وهذا إذا لم يكن هناك عذر يمنعه وجاء في حديث مسلم أن رجلا أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله فقال ( كل بيمينك . قال : لا أستطيع . قال : لا استطعت ، ما منعه إلا الكبر ، فما رفعها إلى فيه ) لأنها قد شلها الله .
ومن آداب الطعام أن يأكل من أمامه وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : البركة تنزل في وسط الطعام فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه ) رواه أحمد . وعن عمر بن أبي سلمة قال : كنت غلاما في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت يدجي تطين في الصحفة فقال لي : يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ) متفق عليه .
وقال الشافعية يحرم الأكل من الوسط أو من أعلى الطعام والأكل من أمام الآخرين ل، فيه اعتداءً على حقهم .
ومن آداب الطعام التواضع في جلسة الآكل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أما أنا فلا آكل متكئا ) رواه الجماعة والمستحب في صفة الجلوس للأكل أن يكون جاثيا على ركباتيه وظهور قدميه فيما يشبه جلسة التشهد ووجه الطعام متكئا هو مخافة كثرة الأكل وأن ذلك طبيا غير صحي ولأن فيه تكبرا على نعمة الله .(1/91)
ومن آداب الطعام ألا يعيب طعاما لأن من شيمة المؤمن ألا يكون عيابا ولا طعانا ولا بذيءً ولا فاحشاً وعيب الطعام إنما هو ازدراء لنعم الله وفيه إيذاء لصانعه ومن يقدمه وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط . إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه ) رواه البخاري ومسلم . ولما قدم إليه الضب ولم يأكله قال له خالد : أحرام الضب يا رسول الله ؟ قال : لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه ) .
ومن آداب الطعام الكلام أثناء الطعام فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يتكلم على الطعام وينصح أصحابه ويعلمهم كيف يأكلون وكان السلف رضوان الله عنهم يتكلمون أثناء الأكل بالمعلاروف وبحكايات الصالحين ومن آداب الطعام الأكل بثلاثة أصابع ولعق ما بقي من طعام عليها والانتفاع بكل الطعام وألا يلقى بشيء منه على الأرض في القمامة لحديث أنس رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أطعم طعاما فألعق أصابعه الثلاث وقال : إذا وقعت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان وأمرنا أن نسلت القصعة وقال ( إنكم لا تدرون من أي طعامكم البركة ) رواه أحمد .
فإن أكل بالملعقة فلا جناح عليه لأنه يؤدي ما يأمر به الشرع من النظافة وعدم التقذر وحفظ الطعام وتصغير اللقمة ولا مانع من الأكل بالشوكة إذا كان ذلك باليمين .
ومن آداب الطعام أن يتجنب التنفس في الطعام والنفخ فيه لأنه يؤدي إلى القذارة والضرر ولما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه ) رواه البخاري ومسلم .(1/92)
ومن أدب الطعام تقليل الأكل حتى لا تحصل له التخمة التي تؤدي إلى الأمراض وإلى ثقل الجسم وخموله وقلة الحركة ومن هنا ندرك السر في قوله صلى الله عليه وسلم ( ما ملاءة أبن آدم وعاءً شر من بطنه حسب أبن آدم أكلات لقمة صلبة . فإن كان لا مما له فثلث طعام وثلث شراب وثلث لنفسه ) رواه النسائي . وقد جاء في الحديث الصحيح ( المؤمن يأكل في معن واحدة والكافر يأكل في سبعة أمعاء ) والمعنى أن الكافر يأكل الكثير ولا يقنع ولا يشبع والمؤمن قانع بالقليل .
ومن الآداب في الطعام أن يغسل يديه وفمه قبل الطعام وبعده لأنه مطلوب عرفا وشرعاً ولقوله صلى الله عليه وسلم ( من بات وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا تلومن إلا نفسه ) رواه الخمسة .
ومن آداب الطعام شكر الله وحمده بعد الأكل فمن السنة أن يحمد الله ويشكره بعد الأكل لما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم بعد الطعام والحمد لله بحمدا كثيرا طيبا مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا ) رواه أحمد .
ومنها ( الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول منى ولا قوة ) وأن من قال غفر له ما تقدم من ذنبه .
ومن الآداب الاجتماعية في الطعام ألا يذهب إلى طعام الغير إلا يدعوة لقوله تعالى ( يا أيها الذين أمنوا لا تدخلوا بيوت الني ألا أن يؤذن لكم إلى طعام غيرنا طريق إناه ) وألا يحضر معه أحداً لم تشمله الدعوة ، ومنها مباسطة الضيوف ومؤانستهم وتشجيع الضيف على الأكل وإكرامه ، والعفة في الطعام ومراعاة حق من يشاركه والمحافظة على شعوره وعدم إيذاءه ومن الآداب الدعاء لمن أكل طعامه لحديث ( افطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة ) رواه أبو داود ولقوله صلى الله عليه وسلم ( من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا فأدعوا له ) وإذا ما طعم انصرف لقوله تعالى
( فإذا أطعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث ) ومن آداب الطعام ألا يكون هو أول من يبدأ.(1/93)
تلكم هي أهم الآداب الفردية والاجتماعية للطعام فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا والله الهادي سواء السبيل .
بالطعام إذا كان مع جماعة ولم يكن صاحب بيت وبخاصة إذا كان هناك معه من هو أكثر منه أو من هو أكرم منه لأن ذلك يتنافى مع الأدب واحترام الآخرين ولقول الشاعر وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعمالهم إذا أجشع القوم العجل ومنها عدم النظر إلى أكل الآخرين الذين يشاركونه الطعام حتى لا يكون سببا في إيذائهم وإحراجهم وألا يفعل الآخرين في الطعام حتى لا يكافه النفوس وأن يكون أول القائمين عن الطعام قناعة باليسر منه لأن القناعة كنز لا يفنى وصلى الهم على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه وسلم وإلى حديث آخر إن شاء الله تعالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الشيخ / عبدالله الظاهر عبدالله علي
( آداب الشرب )
كما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم آدابا وسننا للطعام كذلك شرع آدابا وسننا للشرب لما فيها من التأدب بأدب الإسلام ولما فيها من الذوق الرفيع والنظافة ورعاية حقوق الآخرين وعلى المسلم أن يتمسك بها وأول هذه الآداب .
الشرب بالميمن لما فيه من البركة ولما جاء عن بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يأكل أحدكم بشماله ولا يشرب بشماله فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ) رواه مسلم .(1/94)
ومن آدابه أن يشرب قاعدا لأنه أصح للجسد وأيسر وأقرب للراحة كما أنه أفضل هيئة وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما ) رواه مسلم . وعن أبى عباس رضي الله تعالى عنهما قال ( شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما من زمزم ) متفق عليه . ومن سنن الشرب وآدابه الشمية في أوله والحمد في الآخرة فيسمى أن يسمى الشارب في أول شربه وأن يحمد الله في آخره شربه وإن سمى في أول كل شربة منه وحمد آخرها كان أحسن من أكل ، والدليل على التسمية والحمدلة حديث ابن عباس عن الترمذي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تشربوا نفساً واحداً كشرب البعير ولكن اشربوا مثنى وثلاث وسموا الله إذا أنتم شربتم وحمدوا لله إذا أنتم رفعتم ) .
ومن آداب الشرب التنفس ثلاثا خارج الإناء بمعنى أن يشرب بعض الماء ثم يبعد إناء الشرب عن فمه ويتنفس خارج الإناء ثم يشرب ثم يتنفس كذلك ثم يفعل ذلك مرة ثالثة ، ويكره التنفس في الإناء أو النفخ فيه ولو كان ما فيه حاراً أو كان فيه شيء يستفزه ويريد إبعاده ولكن يتخلص منه بإراقته كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم والدليل على ذلك ما جاء عن أنس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الشراب ثلاثا ويقول : إنه أروى وأبرأ وامرأ ) رواه أحمد ومسلم .(1/95)
وعن أبي قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ) متفق عليه . وعن أبي سعيد ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب ، فقال رجل : القذاة أراها في الإناء ؟ فقال : أهرقها ) رواه أحمد ولا شك أن التنفس خارج الإناء من مكارم الأخلاق ومن باب النظافة ، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بشيء ثم لا يفعله وأن كان لا يستقذر منه ، ومعنى قول أنس : أنه كان يتنفس في الإناء ؟ أنه صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في أثناء شربه في الإناء ثلاثا أو في أثناء شربه الشراب كما قال النووي ومعنى قوله : أروى وأبرأ وامرأ ، أكثر ريا ودفعا للعطس وأبرأ من ألم العطس وأوفق للمعدة ، والنهى عن التنفس في الإناء يترك فيه رائحة كريهة تتعلق بالماء أو بالإناء ، وكما لا يتنفس في الإناء لا يتجشأ فيه ، ومن آداب الشرب أن يعطي من على يمينه وإن كان أصغر وهو من السنة إذا شرب لبنا أو ماءً أو غيرهما وكان معه جماعة وأراد إعطاءهم ليشربوا بعده فعليه أن يبدأ بالأيمن إن كان أصغر من غيره أو أقل شأنا فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( أتى بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال
( الأيمن فالأيمن ) رواه الجماعة .
وعن سهل بن سعد ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ) أتى بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ ( أي كبار السن ) فقال للغلام : أنا أذن في أن أعطي هؤلاء ؟ فقال الغلام : والله يا رسول الله لا آثرت بنصيبي منك أحد فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أي وضعه فيها ) متفق عليه .(1/96)
ومن آداب الشرب أن يكون ساقي القوم أخرهم فعن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : ساقي القوم أخرهم شرباً ) رواه ابن ماجه . وفيه إشارة إلى أن من ولي من أمور المسلمين شيئا فإنه يجب عليه أن يقدم إصلاحهم على ما يخصه وأن يكون غرضه إصلاح حالهم وجر المنفعة لهم ودفع الضر عنهم .
ومن آداب الشرب أنه يحرم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة فعن حذيفة بن اليمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم الدنيا ولكم في الآخرة ) رواه البخاري ومسلم .
ومن الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أن الذي يشرب من آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) متفق عليه . ففي الحديث نهى عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة والأكل والشرب في آنية الكفار جائز ولا شيء فيه فعن جابر ابن عبد الله رضي الله عنه قال : ( كنا نقرءوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم فنستمتع بها ولا يعيب ذلك عليهم ) رواه أحمد .
وعن أبي ثعلبة قال : ( قلت يا رسول الله : أنا بأرض قوم أهل كتاب أفناكل من آنيتهم ؟ قال : ( أن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها ) متفق عليه .
والله الهادي سواء السبيل .(1/97)
وصحا فيهما وبيان أن الأكل والشرب فيهما إنما هو للمشركين في الدنيا وأما في الآخرة فهم في النار يعذبون والمؤمنون في الختام يتمتعون والصحاف جمع صحفة وهي إناء يشبع خمسة وسواء كان الإناء من ذهب خالص أو لفضة خالص أو مخلوطا بهما والعلة في النهى وقيل بل لكونه ذهبا وفضة وهل يحرم الأكل والشرب فقط أم يحرم سائر الاستعمالات الأولى أنه يحرم أي استعمال لآنية الذهب والفضة وهل يلحق بالذهب والفضة سائر نفائس الأحجار الكريمة كالياقوت والجواهر نه لا يلحق بالذهب والفضة شيء من الحرمة لعدم ورود النهي عن شيء من ذاك والأصل في ذلك إنما هو لعدم الدليل كل عنهما وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه وسلم وإلى حديث آخر أن شاء الله تعالى والسلام .
الشيخ / عبد الظاهر عبد الله علي
( آداب الضيف والضيافة )(1/98)
لا يوجد في دين ولا ملة ولا نحلة ما يوجد في دين الإسلام من الأدب العالي فيما يخص الضيف والضيافة بما يتناسب مع الفطرة السوية والذوق السليم والأدب السامي ، وهذا هو شأن الإسلام في كل ما يتصل بالخلق الاجتماعي ، ولو أننا قارنا بين ما وضعه الإسلام في آداب الضيف والضيافة وبين واقع الناس اليوم وما صار إليه أمر الخلق لعلمنا ما لهذه الآداب من أثر في وحدة الصفوف وتوحيد المشاعر والأفئدة والقلوب ، وقد تحدث القرآن الكريم عن الضيف وأصول الضيافة حين تحدث عن ضيف إبراهيم الخليل حين أمر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن ينبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما فقال لهم سلاما ثم لم يلبث أن جاءهم بعجل حنيذ حين قال تعالى ( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراح إلى أهله فجاء بعجل سمين ) الذاريات ( 24 ، 26) . وفي هذه الآيات آداب الضيف أن يعجل قراه فيقدم له الموجود الميسر من الحال ثم يتبعه بغيره أن كان له حبه ولا يتكلف ما يضر به ، والضيافة من مكارم الأخلاق ومن خلق النبيين والصالحين ، وإبراهيم ضيف الضيفان ومن أدب الضيف مع صاحب البيت أن يبادر بالطعام إذا قدم له الطعام ومن الأدب مع الضيف أن يلاحظ رب البيت أكله هل يأكل أم لا وعن أبي شريح العدوي أنه قال : أبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعته أذناي حين تكلم به قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته .
قالوا وما جائزته ؟ قال : يوم وليلة . قال الضيافة ثلاثة أيام وما كان بعد ذلك فهو صدقة ومن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليقل خير أو ليسكت ) أخرجه الشيخان .
وعن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة وما أنفقد عليه بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه ) رواه الترمذي .(1/99)
والظاهر مما في هذين الحديثين من آداب الضيف أن المراد بالضيف هو الضيف المسافر والذي يمر على القرى والنجوع والامصار أو هو الذي يطلق على كل إنسان يحل على غيره ولو كان الأثنان في بلد واحد كما كان يحل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض الأنصار ومعه بعض الصحابة فقال الأنصار ( ما أحد أكر أضيافاً منى ) .
ويكون الأدب مع الضيف بإكرامه بطلقة الوجه وحسن اللقاء وطيب الكلام والإطعام ونحو ذلك مما جرى العرف عليه ويكون الأدب مع الضيف بأن يتكلف له أول يوم وفي اليوم الثاني والثالث يقوم له ما يقدمه لنفسه وأولاده ثم له بعد الأيام الثلاثة أن يعتذر له بعدم قدرته على الضيافة وقد قال النووي رضي الله عنه أجمع المسلمون على الضيافة وأنها من متأكدات الإسلام ويجوز للضيف أن يأخذ من مال مضيفه بقدر حاجته الضرورية فعن أي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محروما فله أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج عليه رواه أحمد ، وفي حديث آخر ( أيما رجل أضاف قوماً فأصبح الضيف محروما فإن نصره حق على كل مسلم حتى يأخذ بقرى ليلة من زرعه وماله ) وعن عقبة بن عامر قال : قلت يا رسول الله : إنك تبعثني فننزل بقوم لا يقرونا فما ترى ؟؟ فقال : إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا . وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي له ) رواه البخاري ومسلم . فهذا كله صريح في أن حق الضيف واجب في مدة يوم وليلة واستدل على وجوب ذلك للضيف بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( وما كان وراء ذلك فهو صدقة ) ومنها قوله صلى الله عليه وسلم ( ليلة الضيف حق واجب ) وفي رواية ( ليلة الضيف واجبة على كل مسلم ) ولقد بلغ من كرم أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام للضيف أن بيته كن له أربعة أبواب في كل ناحية بابا حتى يدخله الضيف دون مشقة وعناء وقد اشتهرت أمة العرب والإسلام بكرم الضيف حتى كان بعضهم يقدم للضيف(1/100)
ناقته التي لا يملك غيرها وكان هذا مثار فخر واعتزاز له ولأولاده من بعده وفي قصة أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه حين أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفه وأوصاه أن يكرمه بعد أن سأل في بيوت نسائه فأجبنه جميعا بأنه ليس عنده سوى الماء وذهب أبو طلحة إلى زوجته وقال لها : هذا هو ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكرميه فقالت له زوجته ليس عندنا إلا طعام الصبية وهو وهو طعام يكفي واحد فسأحتال على الأولاد وأعللهم بالطعام حتى يناموا وسأضع الطعام بين يديك أنت والضيف وسأحتال على المصباح كأني أصلحه وسأطفئه وتوهم أنت ضيف رسول الله كأنك تشاركه الطعام فيأكل ولا تأكل ويشبع ضيف رسول اله صلى الله عليه وسلم ونبيت نحن على الطوى حتى يفرج الله عنا .
ونفذت الزوجة وزوجها ما اتفقا عليه وبات الضيف عندهم ولما أصبح غدى مع أبي طلحة إلى صلاة الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الوحي قد سبقهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقبل النبي أبا طلحة بقوله ( إن ربك قد عجب من فعلك وزوجك مع ضيف رسو الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله تعالى قوله ( يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فألئك هم المفلحون ) . فهل وجدت البشرية إيثاراً وإكراماً للضيف كهذا الذي سجله التاريخ الإسلامي عن أتباعه وهم الجيل الذي لا يتكرر على طول الزمان وعرضه والله الهادي سواء السبيل .(1/101)
إن كرم الضيوف خلق إسلامي وعربي ولا يوجد في البشرية من يتمتع بصفات الإيثار والكرم مثلما يتمتع به المسلمون لأن دينهم قد علمهم أن ما عندهم ينفذ وأنن ما عند الله باق ولقد كانت تذبح الشاة في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقومون بتوزيعها حتى يقول أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ما بقا منها إلا الرأس والأرجل فكان جوابه صلى الله عليه وسلم بقيت كلها إلا الرأس والأرجل وكان يأتي لعائشة رضي الله عنها نصيبها من بيت المال أكثر من ثمانية ألف فكانت توزعها كلها حتى تقول لها خادمتها ما بقى شيء نضطر منه فكانت تقول رضي الله عنها : لو ذكرتني لفعلت حتى إنهم كانوا ليؤثرون غيرهم بما عندهم ونزل فيهم قوله تعالى ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منك جزاء ولا شكورا أنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا . فكان ثوابهم ما قاله لهم ربهم فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا جزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) إلى أن يقول لهم سبحانه ( إن هذا كان لكمة جزاء وكان سعيكم مشكورا ) وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والله الهادي سواء السبيل .
الشيخ / عبدالله الظاهر عبدالله علي
( آداب الدعاء )
روى أن نبي الله موسى كان يرعى غنم نبي الله شعيب فنزل بها في واد يقال له وادي الذئاب ونظر حوله فإذا بالذئاب تحيط به من كل جانب وقد أدركه التعب والغضب ولم يقو على رعايتها فاتجه إلى الله يدعوه قائلا : اللهم اسبق علمك ونفذت إرادتك وكلت حيلتي وأنت تعلم أني مؤتمن عليها اللهم ارعها لي ) وألقي بعصاه ونام فلما استيقظ وجد أن الذئاب تحيط بغنمه حتى لا تشرد منها شاة ، ووجد كبير الذئاب وقد أمسك بعصاه يحوطها . فقال : إلهي وسيدي ما هذا الذي أراه ؟ فقال الله تعالى له : يا موسى لا تعجب مما ترى يا موسى كن لي كما أريد أكن لك كما تريد ) .(1/102)
وقد جاء في حديث رسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم ( ليس شيء أكرم على الله من الدعاء ) .
وللدعاء آداب يجب على المسلم أن يتأدب بها حتى يكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة من ربه وأولها تقديم الوضوء والطهارة وتقديم الصلاة واستقبال القبلة ورفع الأيدي إلى السماء وعدم رفع البصر إلى السماء وتقديم التوبة والاعتراف بالذنب وافتتاحه بحمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل الصلاة على النبي في أوله ووسطه وفي ختامه لأن الله تعالى يقبل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيناً وهو أكرم من أن يقبل الصلاتين ويدع ما بينهما ، وأن يخفض صوته بالدعاء لقوله عليه السلام ( أربعون على أنفسكم لا تدعون صم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا بصيراً قريبا وهو منكم ) ولقوله تعالى ( دعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ) الأعراف (55) .
ومن آداب الدعاء ألا يأتي بالكلام المسجوع المتكلف لقوله عليه السلام ( إياكم والسجع في الدعاء يحب أحدكم أن يقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ، أعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ) ولقوله عليه السلام ( إن الله بكم حي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا ) ولقوله عليه السلام ( لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء عن تخطف الله أبصارهم ) .
ومن آداب الدعاء تخيراً أوقاته الفاضلة وهو إن كان مطلوبا في كل حال ووقت وحين ، غير أنه في بعض الأوقات الفاضلة أكثر استجابة وأدعى للإجابة في هذه الأوقات من غيرها ومنها وقت السجود لقوله عليه السلام ( أقرب ما يكون لعبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء فيه ) وعند الآذان وعند الإقامة وما بينهما وفي وقت السحر لقوله عليه السلام ( إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه ) ولقوله صلى الله عليه وسلم ( ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا وينادى مناد عن الله عز وجل(1/103)
( هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من سائل فيعطى مسألته ؟ هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من كذا هل من كذا ؟ وعند جلسة الخطيب بين الخطبتين إلى أن يسلم من صلاة الجمعة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله عز وجل فيها خيراً إلا أعطاه إياه ) وعند نزول المطر ، وعند التقاء الجسم في الجهاد ، وفي الثلث الأخير من الليل وفي وقت المرض ، وفي السفر لقوله عليه السلام كان يخرج للسفر ( اللهم إني أعوذ بك من عناء السفر وكآبة المنقلب والحور بعد الكور ( أي الفساد بعد الإصلاح ) ودعوة المظلوم وسوء المنظر في المال والأهل ) وفي ليلة النصف من شعبان وليلة السابع والعشرين من رجب وليلة القدر لقوله عليه السلام ( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا يغفر له ما تقدم من ذنبه ) ولقوله لعائشة وقد سألته ماذا تقول فيها قال : قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى ) وفي ليلتي العيدين لقوله عليه السلام ( من أحيا ليلة العيد لم يمت قبله يوم تموت القلوب ) وفي يوم عرفة لقوله عليه السلام ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ومن آداب الدعاء تخير الأماكن الطاهرة والتي هي مظنه الإجابة فيها مؤكدة ومنها بيوت الله تعالى وعند قبره صلى الله عليه وسلم وفي الروضة الشريفة لقوله صلى الله عليه وسلم ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ) وفي المسجد الحرام وعند الملتزم وعند مقام إبراهيم وعند الركنين وفي حجر إسماعيل عليه السلام وفي مسجده صلى الله عليه وسلم لقوله عليه السلام ( لا تشد الرجال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا ) وفي عرفات لما ورد أن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا ويباهى ملائكته بأهل الموقف ويقول الله تعالى لملائكته : عبادي جاؤوني شعثا من كل فج عميق يرجون جنتي(1/104)
أشهدكم أني قد غفرت لهم ولو كانت ذنوبهم كعدد الرمال وكقطر المطر أو كزبد البحر أفيضوا عبادي مغفورين لكم ولمن سعيتم له ) .
ومن آداب الدعاء أن يدعوا بالمأثور من الدعوات المستجابة ومنها دعوة الصائم حتى يفطر لقوله عليه السلام ( إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد ) وبدعاء المظلوم الذي تفتح له أبواب السماء وقد جاء في القرآن الكريم على لسان نوح عليه السلام ( فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ) القمر (10) . ولقوله عليه السلام ( ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويقول لها وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ) ومن الدعاء المستجاب دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( دعوة الرجل لأخيه بظهر الغيب تعدل سبعين دعوة مستجابة ويوكل الله ملكا يقول آمين ولك ما دعوت ) .
ومن الدعاء المستجاب دعوة الوالد لولده أو عليه ومنها دعوة الولد الصالح لقوله عليه السلام ( دعوة الوالد لولده كدعوتي لسائر أمتي ) ولقوله ( إذا مات أبن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولاد صالح يدعو له ) ومن الدعوات المستجابة دعوة الإمام العادل لقوله عليه السلام ( ثلاث لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر والإمام العادل والمظلوم ) ودعوة المسافر ودعوة الغائب للغائب لقوله عليه السلام ( دعوتان ليس بينهما وبين الله حجاب دعوة المظلوم ودعوة المرء لأخيه بظهر الغيب ) ودعوة الأنبياء والدعاء باسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب ولقوله تعالى ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) الأعراف (18) والله الهادي سواء السبيل .(1/105)
وقد أرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى ما يرد الدعاء ويجعله غير مستجاب وهو وهو أكل الحرام أو شرب الحرام أو لبس الحرام حين قال : ما بال الرجل يطيل السفر أشعث غير يمد يديه إلى السماء يقول يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وقد غذى بالحرام فأني مستجاب له وحين جاءه سعد بن أبي وقاص وقال يا رسول الله أدع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال له : يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفسي بيده أن العبد ليقذف بالقمة الحرام في بطنه ما يقبل الله منه صلاة ولا دعاء أربعين يوماً والله الهادي سواء السبيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
الشيخ / عبدالله الظاهر عبدالله علي
( آداب السلام )
شرع الله السلام بقوله سبحانه ( فإذا ادخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة ) النور (61) .
وبقوله تعالى ( وإذا أحييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) النساء (86) .
وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( حق المسلم خمس رد السلام وعيادة المريض ، واتباع الجنائز . وإجابة الدعوة . وتشميت العاطس ) رواه البخاري وسلم .
والسلام هو التحية التي شرعها الله لعباده المؤمنين من عهد آدم إلى يوم القيامة رواه البخري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما خلق الله آدم عليه السلام قال له : إذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس - فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم . فقالوا : السلام عليك ورحمة الله فزادوه : ورحمة الله .(1/106)
وللسلام فضل عظيم ولذا فقد أمر به الني صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر وبن العاص رضي الله عنهما أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الإسلام خير ؟؟ قال : تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ) وكان عبد الله بن عمر يذهب إلى السوق ولا يشتري منه شيئا فلما سئل عن ذلك قال : إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقيناه ) اسناد صحيح .
وكيفية السلام هو مما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود عن عمر بن حصين رضي الله عنهم قال : جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليكم ، فرد عليه ثم جلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( عشر ) ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله . فرد عليه ثم جلس فقال : ( عشرون ) ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . فرد عليه فجلس فقال ( ثلاثون ) .
فأقل السلام الذي يصير به المسلم مؤديا سنة السلام أن يقول : السلام عليكم وأوسطه أن يقول : السلام عليكم ورحمة الله . وأكمله أن يقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وأما الجواب فأقله : وعليكم السلام وقد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال ( فرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب وهو يصلي فقال : يا أبي فلتف ثم لم يجبه ثم صلى أبي فخفف / ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله . قال : وعليك ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك ) الخ .
ومن آداب السلام أن يرفع المسلم صوته بالسلام رفعا يسمع من يسلم عليهم إسماعا مخفقا إلا إذا كان عند من يسلم عليهم نياما فقد جاء في صحيح مسلم عن المقداد قال فيه : كنا نرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه من اللبن فيجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان ) .(1/107)
وإلقاء السلام سنة مستحبة والرد بالمثل واجب والأفضل الرد بالأحسن لقوله تعالى ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) النساء (86) .
ولو سلم الصبي على بالغ وجب على البالغ الرد والسنة البدء بالسلام قبل الكلام والذي يبدأ بالسلام أكثر ثوابا بالحديث ( وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) .
ويسلم المسلم على المسلم الذي ليس مشهوراً بفسق ولا بدعة وتسلم المرأة على المرأة مثل الرجل مع الرجل ، وكذلك تسلم المرأة على المحارم ويجب الرد عليها وعليهم أن يسلموا عليها ويجب عليها الرد وإن كانت المرأة أجنبية عجوزاً جاز السلام عليها ، وكذلك إن كانت شابة اعتادت ملاقاة الرجال وكلامهم ولا فتنة في السلام عليها وإن كانت شابة جميلة يخاف الافتتان بها فلا يجوز سلام الرجل عليها وإن سلم عليها أحد فلا يجب الرد ويجوز أن تسلم جماعة النساء على جماعة الرجال وجماعة الرجال على جماعة النساء كما يجوز تسليم الواحد من الرجال على جماعة من النساء والواحدة من النساء على جماعة الرجال ما دامت الفتنة مأمونة لما في سنن ابن ماجة عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت : مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا).
وفي صحيح مسلم عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وهو يغتسل وفاطمة تستره فسلمت عليه فقال : من هذه ؟ قلت أم هانئ بنت أبي طالب قال : مرحبا بأم هانئ فلما فرغ من غسله قام فصلى ) .(1/108)
وقد ثبت زيارة أبي بكر لأم أيمن وسلامها عليها رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسلم ومن آداب السلام أن يسلم الماشي على القاعد سواء كان الماشي صغيراً أو كبيراً قليلاً أو كثيراً ، كما يسلم الداخل على من بالبيت على أي حال كان أما إذا تلاقى أثنان في الطريق فإن السنة أن يسلم الراكب على الماشي والقيل على الكثير والصغير لما جاء في صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير .
ولا يجوز إذا لقى واحد جماعة أن يخص منهم البعض دون الباقي بالسلام فإن ذلك مكروه ، إذا دخل إنسان على جماعة قليلة يعمهم سلام واحد ويستحب إذا دخل بيته أن يسلم وإن يكن فيه أحد وليقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
وإذا كان جالسان مع قوم ثم أراد أن يفارقهم فالسنة أن يسلم عليهم لقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا انتهى أحدكم إلى المسجد فليسلم فإذا أراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة ) .
ومن السنة السلام على الصبيان ليعلمهم تحية الإسلام لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم ( مر على غلمان فسلم عليهم ) .
ولا يسلم على غير المسلمين ولا يرد عليهم السلام أن كانوا محاربين أما غير المحاربين المحاربين فلا يبدؤهم بالسلام وإذا سلموا قال : وعليكم لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام ) رواه مسلم .
ولا يجوز له أن يسلم بغير تحية الإسلام وهي السلام ولا يسلم على أصحاب البدع والكبائر المجاهرين بها لما في ذلك من مخالفة الإسلام والله الهادي سواء السبيل .(1/109)
ولذلك فإن للسلام فضل كبير فحين سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : يا رسول الله أن الإسلام خير ؟؟ قال : تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ) رواه البخاري ومسلم وقال صلى الله عليه وسلم : لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولاد لكم على شيء إذا فعلتموه تحاييهم : افأفشو السلام بينكم ) وراه مسلم . وقال ( يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا والأرحام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ) رواه الترمذي .
وهناك أحوال يكره فيها السلام وهي كثيرة منها إذا كان المسلم عليها مشتقلا بالبول أو الجماع أو نحوهما من الخلوه بزوجته وانشغاله بما يخصهما ولا يسلم على من كان تائها أو نائما في أول نومه ولا على من كان في الحمام أو في المرحاض أو في مكان فيه نجاسة والأولى ألا يسلم على من كان مشتغلا بقراءة القرآن فإن سلم عليه كفاه الرد بالإشارة حتى لا يقطع قراءته وكذلك المشتغل بالدعاء والسلام على المصلى أجازه بعضهم ويرد المصلى بالإشارة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يرد بالفظ ويكره إلقاء السلام على المؤذن ويكره السلام على من يأكل إذا كانت اللقمة في فمه والله الهادي سواء السبيل وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم وإلى حديث آخر أن شاء الله تعالى .
الشيخ / عبدالله الظاهر عبدالله علي
( آداب الجنازة والتعزية )
للجنازة آداب وسنن يحسن اتباعها والعمل بها بعد الموت ، فيشرع في حمل الجنازة أن يدور بها على جوانب النعش لما رواه أبن مسعود قال ( من أتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها فإنه من السنة ثم إن شاء فليتطوع وإن شاء الله فليدع ) ولقوله صلى الله عليه وسلم ( عودوا المريض وامشوا مع الجنازة تذكركم الآخرة ) رواه أحمد .(1/110)
ومن آداب الجنازة الإسراع بها لما رواه الجماعة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم ) رواه أحمد .
ومن آداب الجنازة المشي أمامها أو خلفها أو عن يمنها أو شمالها قريبا منها ورأى الجمهور أن المشي أمامها أفضل ورأى الأحناف أن المشي خلفها أولى ، ومن آدابها ألا يرفع الصوت عندها أو قراءة أو غير ذلك وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند ثلاث عند الجنائز وعند الذكر وعند القتال ومن آدابها ألا تتبع بتارك ذلك وقد روى الترمذي عن أبى عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبراً ليلاً فأسرج له سراج ، ومن آدابها ألا يقعد المشيع لها قبل أن توضع على الأرض قال البخاري : من تبع جنازة لا يقعد حتى حتى توضع عن مناكب الرجال فإن قعد أمر بالقيام وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع ) ومن آدابها القيام لها عندما تمر والحكمة في القيام ما جاء في رواية لأحمد من حديث عبد الله بن عمر ومرفوعا : إنما تقومون إعظاما للذي يقبض النفوس ومن آدابها عدم اتباع النساء لها لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت ( نهينا أن نتبع الجنائز ولم يعزم علينا ) رواه أحمد .
ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تشييع الجنازة والصلاة عليها وتكثير عدد المصلين حيث قال ( من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل وما القيراطان ؟ قال : مثل الجبلين العظيمين وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه ) رواه مسلم .(1/111)
وروى أبو داود عن مالك بن هبيرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من مسلم يموت فيصلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب أي استحق دخول الجنة .
ثم بعد الجنازة تأتي التعزية وهي التصبير على المصيبة من موت أو غيره ويكون التصبير والتسلية بذكر آيات الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم وحكايات الصالحين وأقوال الحكماء ما من شأنه أن يهون المصيبة على المصاب ويرضيه بقضاء الله وقدره في التعاون البر والتقوى وتحت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه وهي مستحبة وتتأكد في حق الأقربين وهي مستحبة قبل الدفن وبعده ، ووقتها يدخل من حين يموت الميت ويبقى إلى ثلاثة أيام بعد الدفن وتكره التعزية بعد الثلاث إلا لغائب ، ومن آدابها أن يعم بها جميع أهل البيت وأقاربه الكبار والصغار والرجال والنساء إلا إن خشيت الفتنة من تعزية النساء ، ومن آدابها عدم القعود لها إلا أن يكون ذلك هو السبيل لتعزية المصاب وذلك لأن الجلوس بدعة ولأنه يجدد الأحزان ويكلف المصاب ، ومن آدابها النهي عن المحرم الذي يقع فيها من نياحة ولطم وشق للجيوب والتسخط على قدر الله ومن آدابها ألا يأخذ المعزى من مال المتوفى وبخاصة إن كانوا أيتاما لأنه ظلم والله تعالى يقول ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما أنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا ) النساء (10) .
وتحصل التعزية بأي لفظ ، وقد اختار العلماء أن يقول المعزى للمصاب أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك ، وأحسن ما يعزة به ما عزي به الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ابنته زينب في صبي لها مات بقوله : لله م أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر والتحتسب .(1/112)
ومن آدابها أن يضع المعزى لأهل الميت وبخاصة أقربهم طعاما في يومهم وليلهم برابهم وإشعاراً لهم بالمواساة العملية فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قتل جعفر بن أبي طالب قال : اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر يشغلهم ) رواه أبو داود .
ومن آدابها ألا ينشغل عن المعزى بكلام الدنيا وأن يذكر المعزى من يعزيه بالأجر الذي ينتظره إن صبروا واحتسب ورضى وسلم لله فيما قضى وما قدر وعلى المعزى أن يذكر من يعزيه ما يلقاه الميت بعد فراق الدنيا وإقباله على مصيره وما ينتظره في الآخرة وأنه مجزى بعمله وعليه أن ينشغل بذكر الله أو بقراءة القرآن وليحذر اللغو والفحش في القول وأن يقول ما علمنا الله : هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ) هذا قضاؤك قد رضينا بالقضاء وبالقدر أنا لله وإنا إليه راجعون . والله الهادي سواء السبيل .(1/113)
ومن آداب الدعاء في الجنازة الإخلاص فيه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صليتم على الميت فأخلصوا الدعاء وإذا كان مع الجنازة منكر فإن استطاع أن يغيره غيره وأن لم يستطع فقيل يرجع وقيل لا يرجع حتى لا يترك حق لباطل ومن السنة تعميق القبر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم احفروا وأعمقوا وأحسنوا وادفنوا ومن السنة أن يدخل القبر من مؤخره إن تيسر وإلا من قبل رأسه ومن السنة توجيه الميت في قبره للقبلة وحل أربطة الكفن ويقول عند الدفن باسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن السنة أن يثو ثلاث حثيات على القبر وأن يقول منها خلقناكم وفيها اكفيدكم وفيها نخرجكم تارة أخرى ومن السنة أن يدعو للميت بعد دفنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال استغفروا لأخيكم وسلو له التثبيت فإنه الأن يسأل ومن السنة عند الشافعية بعد الدفن أن يلقن عند قبره فيقال له قل لا إله إلا الله اشهد أن لا إله إلا الله ثلاث مرات يا فلان قل ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم ثم ينصرف ومن السنة تشنيم القبر أو تسطيحه وكلاهما وارد وتعليم القبر بعلامة من حجر أو خشب والله الهادي سواء السبيل .
الشيخ / عبدالله الظاهر عبدالله علي
??
??
??
??
13(1/114)