منتدى
نور الإسلام
http://www.noor-alislam.com
يقدم لكم ...
سلسلة
أختاه ... متى الالتزام ؟!12
جمع و ترتيب و تأليف
فريق عمل دار نشر نور الإسلام
http://daralnashr.noor-alislam.com
تقديم نورالإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم ..
اخوتي و أخواتي القراء الكرام .. سلام الله عليكم و رحمته و بركاته ،،
قبل أن نقوم بالتقديم لهذه السلسلة، دعونا نتعرف سوياً على منتدى نور الإسلام..
1 - من نحن؟
نور الإسلام منتدى إسلامي تم تشييد بنائه على منهج أهل السنة و الجماعة بفهم السلف الصالح - و نحمد الله على أن وفقنا لذلك- و ينقسم المنتدى إلى ستة أقسام رئيسية و هي:
مسجد نور الإسلام
مكتبة نور الإسلام
دار نشر نور الإسلام
إعلام نور الإسلام
دار إفتاء نور الإسلام
زهرات الإسلام ( قسم الأخوات )
وتتجانس هذه الأقسام مع بعضها البعض و يتم توظيفها توظيفاً دقيقاً للوصول بها إلى أرقى صورة ممكنة لكي تصل إلى القارئ بطريقة سلسة واضحة.
و يأتي الآن سؤالاً هاماً ..
2 - لماذا سعينا لعمل ورشة تأليف للكتب في المنتدى ؟
إن السبب الرئيسي لإنشاء مثل هذا القسم المتميز من نوعه و الذي يتفرد به نور الإسلام - على ما نعلم - هو الهمة العالية التي يتمتع بها القائمين على المنتدى و رغبتهم الصادقة في تسخير الطاقات المخزنة لدى الشباب في خدمة الإسلام و المسلمين و لو كان من خلال عمل بسيط الذي هو سيكون بداية لأعمال أكبر و أضخم في المستقبل بإذن الله .
3 - ما هي أعمالنا الحالية أو المستقبلية ؟
قد تبنى نورالإسلام في الفترة الحالية سلسلة ممتدة إن شاء الله تعالى - و ندعو الله تعالى أن يعيننا على استكمالها إلى أن يتوفانا الله تعالى - و هي سلسلة (دعوة على منهاج النبوة ) و الكتيب الذي بين أيدينا الآن هو جزء من سلسلة جديدة اسمها ( أختاه ... متى الإلتزام ؟! )(1/1)
و تبّنى نور الإسلام إصدارات أخرى أيضاً سيقوم بإصدارها تباعاً إن شاء الله و الإفصاح عنها في وقتها المحدد.
4 - كيف تنضم إلى قافلة نور الإسلام المباركة ؟
يمكنك الدخول على هذا الرابط : http://www.noor-alislam.com و التسجيل معنا و أن تعرض علينا أفكارك و تشاركنا في أقسام نور الإسلام .. فنحن ننتظرك بفارق الصبر و لإبداء أي ملاحظات يسعدنا أن نتلقاها على هذا البريد :
noor-alislam.com@hotmail.com
مع تحيات
فريق عمل دار نشر نور الإسلام
http://daralnashr.noor-alislam.com
تقديم السلسلة
مقدمة السلسلة3
إلى حفيدات أسماء في العفة و الطهر و النقاء .. إلى السائرات على درب عائشة و حفصة و سمية .. إلى الطاهرات النقيات التقيات العفيفات ..
إلى المغرورات بزخارف الغرب و الشرق الزائفة .. إلى المبهورات بحضارة المتخلفين .. إلى كل من عصت ربها و شقت ستور خدرها فخرجت من بيتها كاسية عارية مائلة مميلة فاتنة مفتونة أطلق صيحة التحذير و صرخة النذير :
أختاه ... متى الالتزام ؟!
موت الفجأة يخطف الشاب قبل العجوز .. و اقترب يوم الحساب وحانت لحظة الوعيد .. فأين أنت يا أختاه من الله الواحد القهار ..
( ... وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ أن اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)4
ألم تحن ساعة الالتزام يا أختاه .. نكتب إليكِ هذه السلسة المتواضعة .. مستعينين بالله و قدرته أن يمن علينا و نكملها و ندعوالله أن تنتفعي بها لتتوجهي إلى الطريق السليم .(1/2)
فلنبدأ معاً أختاه .. قصتك و قصة أخواتك و قصة صديقاتك ... إنها تحدث في اليوم ألف مرة بل و ربي أكثر .. إنه صراع الحق و الباطل إلى أن يشاء ربك .. فتمهلي معنا أختاه .. و عيشي معنا هذه القصة ..
مع تحيات
فريق عمل دار نشر نور الإسلام
http://daralnashr.noor-alislam.com
وكانت هذه البداية ...
وقفت تختار من بين ملابسها ما تخرج به اليوم للسهرة مع زوجها محمد الذي كان يعمل بدار الكتب .. ها هي أسماء تخرج فستان سهرتها و تقف أمام المرآة تعدل من هندامها ..
نادى عليها محمد قائلاً : هلمّي يا أسماء تأخرنا على موعد الدرس .
فردت عليه أسماء : حسناً يا محمد انتهيت من ارتداء النقاب فقط أثبته .
و انطلقا الزوجان إلى درسهما مع الشيخ5 / .... في مسجد ... و تكلم الدرس يومها عن العفة و كيف كانت أمهات المؤمنين عفيفات طاهرات نقيات و تطرق الدرس لأمثال كثيرة من صحابيات رسول الله و نسائه صلى الله عليه و سلم فكان بحق درساً رائعاً ترقص له القلوب و يحلق العقل به في الأحلام طمعاً في أن تنال تلك النجوم العالية المتألقة في سماء العفة والطهر و النقاء .(1/3)
بعد انتهاء الدرس خرجت أسماء تنتظر محمد في السيارة وكانت الساعة تقترب من العاشرة مساءاً .. فأخذت تقلب أسماء في الوجوه المارة أمامها من النساء فما وجدت خيراً قط .. فما وجدت إلا متنمصة .. أو ملطخة وجهها بكل أنواع البويات .. أو تاركة لشعرها العنان يطير أينما حركه الهواء .. و بينما هي على تلك الحال ، فرأت منظراً لم يكن يخطر ببالها .. إنها مروة صديقتها في الثانوية العامة.. صديقة عمرها .. إنها تقف في صحبة شاب من شباب ( الخنفسة )6 تتحدث إليه و تضحك و تتمايل .. فأبت نفس أسماء أن ترى هذا المشهد أمام ناظريها و تسكت عما فيه أختها .. و لكن كيف تحدثها و معها هذا المختل . فكرت لحظة ثم قفزت في عقلها فكرة .. فأخرجت أسماء هاتفها النقّال ( المحمول ) و بحثت عن رقم الهاتف الخاص بصديقتها مروة فقد تذكرت أن والد مروة اشترى لها هاتفاً كجائزة بعد نجاحها في الثانوية العامة وأنها أعطتها الرقم حينها .. فطلبتها أسماء و انتظرت إلى أن أخرجت مروة هاتفها النقال و ردت ...
فقالت مروة : ( هاي مين معايا ؟!)
فقالت أسماء وهي مذهولة مما سمعت : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ، أنا أسماء صديقتك من الثانوية العامة ..
فردت مروة و على وجهها الحيرة : أسماء ..أسماء من ؟!
قالت أسماء : أسماء صديقتك .... <<و حكت لها موقفاً يذكرها بها>>
فصاحت مروة : أسماء .. أهلاً أهلاً .. ما الذي ذكركِ بي الآن .. ؟
فقالت أسماء : انظري الآن أمامك ..
فالتفتت فما وجدت إلا سيارة صغيرة تجلس بداخلها سيدة ترتدي نقاباً لونه أسود ..
فقالت أسماء : أنا التي في السيارة .. فهلا قدمتِ برهة ..(1/4)
صعقت مروة بعد أن رأت أسماء على هذه الحال و هي تقول في نفسها ( ما الذي أصابها لعلها جنت أو أجبرها أهلها على هذه الخيمة على رأسها ) .. فلما تقدمت مروة تجاه السيارة قامت لها أسماء تقبلها و تسلم عليها .. و تبادلا الحديث لبرهة و اتفقت مروة مع أسماء على التقابل غداً بمنزل أسماء و أعطتها العنوان ... و صعقت أيضاً مروة عندما علمت بزواج أسماء رغم أنهما في نفس السن و هي لم تتزوج إلى الآن رغم ما قيل لها عن جمالها الفتان و عقلها الباهر و لسانها الفصيح .. كل هذا يدور بمخيلتها بعد أن تركتها أسماء عندما حضر زوجها محمد و رحلا إلى منزلهما ..
و في الطريق إلى المنزل ظلت أسماء تتذكر منظر صديقة عمرها مروة وحالها المزري الذي آلت إليه .. فلم تكن مروة على هذه الحال عندما دخلت مروة كلية ...... و انطلقت أسماء إلى تعلم العلوم الشرعية في كلية ...... فكانت مروة ترتدي حجاباً جيداً إلى حد ما ، أما ما رأته أسماء من تبرج صريح و خلاعة ظاهرة لم يكن ليخطر ببالها فها هي مروة لطخت وجهها بكل أنواع البويات الموجودة في السوق و كشفت عن شعرها بعد أن ذهبت إلى ( الكوافير ) لتمشطه و تسرحه بآخر الصيحات العالمية- تشبهاً بالكافرات- والآن أسماء تتذكر هذه الملابس المبهرجة المعطرة المكشوفة الملونة التي رأتها على مروة ، هذا إضافة إلى التنمص الظاهر و غيره من الـ ( بلاوي ) التي لم ترد أسماء أن تفكر فيها . ظلت أسماء شاردة إلى أن عادت إلى منزلها تفكر كيف تبدأ معها من الغد...
جاء اليوم التالي ، و حان موعد صلاة الفجر فأيقظت أسماء زوجها7 محمد ليحضرالصلاة في المسجد و قامت هي لتستعد للصلاة.
و عندما حان موعد الشروق صعد محمد من المسجد حتى يتجهز للنزول إلى عمله ، فأسرعت أسماء تحضر لزوجها ملابسه و ذهبت تعد له الإفطار ..(1/5)
نزل محمد إلى عمله بدار الكتب ، و ظلت أسماء تنظم البيت و ترتبه لحين حضور الضيفة ، فانتظرت أسماء إلى أن سمعت ضوضاء كبيرة في الشارع التي كانت تقطن فيه فإذا بسيارة يستقلها شاب و يشغل المذياع بأحد أشرطة الـ ( الكاسيت ) القذرة و إذا بالباب ينفتح و تخرج منه مروة .. لم تصدق أسماء ما رأت فكانت صاعقة أشد من سابقتها بالأمس.
فإذا بالباب يُطرق و ها هي مروة تدخل و ترحب بها أسماء كثيراً ، و أخذت بيدها لتدور بها في أنحاء البيت فها هي غرفة الجلوس و ها هو مطبخها و أخذت تطوف بها في أنحاء البيت تريها منزل الزوجية إلى أن انتهيا إلى غرفة الجلوس الخاصة بالنساء في منزل أسماء .جلسا سوياً بعد أن أحضرت أسماء طعام الإفطار8 و هما يتجاذبان أطراف الحديث ..
فسألت أسماء- و على وجهها ابتسامة- صديقتها مروة قائلة : من هو الشاب الوسيم الذي أوصلكِ اليوم إلى هنا يا مروة ؟! هل هو زوجك ؟! أم أخوكِ ؟!9
أظهرت مروة علامات العجب على وجهها و هي تقول : لا هذا و لا ذاك ... إنه زميلي منذ أن كنا في الدراسة و عملنا سوياً بعد ذلك أيضاً .. تجمعنا صداقة بريئة..
(1) الاختلاط و عمل المرأة
انزعجت أسماء من إجابة مروة و توقفت عن الأكل و قالت لها : ماذا ؟!! صداقة بريئة ؟!! أتعملين ؟!!
قالت مروة و بكل برود : أجل و ما الخطأ في هذا ؟!!
حينها علمت أسماء من أين تبدأ مع صديقة عمرها ... فبدأت معها النقاش بجد و حماس ..
و قالت : لو لم يكن فيه خطأ لفعلته !! و لكني على يقين بخطورة الاختلاط و توابعه..
ضحكت مروة مستهزئة و هي تقول : أمازلتِ بهذه العقلية المتأخرة يا أسماء .. و الله ظننت أنك تقدمتي و فهمتي الدنيا على حقيقتها .. فلماذا كنا نتعلم إذن .. وا أسفاه !!
فردت أسماء بقول الثابتة : و الله إن التأخر كل التأخر في مخالفة أمر الله تعالى و رسوله .. و إنا لله و إنا إليه راجعون ..
سكتت مروة و كأنها ضربت بسلاح في وجهها و لم تنطق بكلمة ..(1/6)
إستمرت أسماء في حديثها قائلة بكلمات حانية : و الله يا أخيتي الغالية .. يا صديقة عمري إني لأخاف عليكِ كما أخاف على نفسي .. و إني ناصحةٌ إياكِ .. إنك يا أخيتي في خطر كبير و يوم الموقف العظيم ليس ببعيد فإني أخشى أن يفوت الوقت دون أن تعودي لرشدك ..
توقف لسان مروة عن الكلام .. و لما استطاعت أن تتكلم لم تجد إلا : ماذا تريدين يا أسماء ؟
ردت عليها صديقتها الواثقة بما تقول : ما رأيك أن نتناقش في هذه القضية الخطيرة لعلي أستطيع أن أجذبك معي إلى طريق الحق ... ما رأيك ؟!
ردت عليها مروة بتعجرف : ليس لدي مانع .. و لكني على يقين بأني لست مخطئة10
قالت أسماء و وجهها متهللاً : إذن هيا بنا أولاً لنصلي صلاة الضحى11 ثم نكمل حديثنا ..
فقاما للصلاة .. و بعد الانتهاء منها توجها معاً لقاعة المكتبة12 التي اعتنى محمد بجمعها بحكم عمله في دار الكتب فكانت مكتبة قيمة تستحق المتابعة و القراءة ..
جلسا يحتسيان الشاي .. و دار النقاش بينهما ..
الشبهة الأولى : الإسلام لم يمنع اختلاط الجنسين !!
تقول مروة وهي تأرجح شعرها و تصففه بيدها : الإسلام لم يمنع اختلاط الجنسين !! بل كانوا يختلطون في المساجد والأسواق ومجالس العلم وساحات الجهاد ومجالس التشاور في أمور المسلمين يا أسماء فكيف بعد هذا تأتي و تقولي أن الاختلاط لا يجوز و حرام و هذا الكلام الغريب !!
قالت أسماء في عزة و ثبات : إن الله تعالى شرع لأمته ما يفيدها و لا يضرها .. و قد شرع الله تعالى في شريعته أن الاختلاط محرم بكل وسائله .. و هاكي الأدلة على صدق ما أقول و أول هذه الأدلة من القرآن الكريم :(1/7)
1- قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً، واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً)13 ، حيث أمر سبحانه أمهات المؤمنين -وجميع المسلمات والمؤمنات داخلات في ذلك- بالقرار في البيوت لما في ذلك من صيانتهن وإبعادهن عن وسائل الفساد، لأن الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى شرور عدة كالتبرج والخلوة بالأجنبي، ثم أمرهن بالأعمال الصالحة التي تنهاهن عن الفحشاء والمنكر، وذلك بإقامتهن الصلاة وإيتائهن الزكاة وطاعتهن لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ثم وجههن إلى ما يعود عليهن بالنفع في الدنيا والآخرة، وذلك بأن يكن على اتصال دائم بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية المطهرة اللذين فيهما ما يجلو صدأ القلوب ويطهرها من الأرجاس والأنجاس ويرشد إلى الحق والصواب.
وقد سمى الله مكث المرأة في بيتها قراراً، وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة، ففيه استقرار لنفسها وراحة لقلبها وانشراح لصدرها، وخروجها عن هذا القرار يفضي إلى اضطراب نفسها وقلق قلبها وضيق صدرها وتعريضها لما لا تحمد عقباه.
2- وقوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يُؤذين وكان الله غفوراً رحيماً)14 ، حيث أمر عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام -وهو المبلغ عن ربه- أن يقول لأزواجه وبناته وعامة نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن، وذلك يتضمن ستر باقي أجسامهن بالجلابيب إذا أردن الخروج لحاجة لئلا تحصل لهن الأذية من مرضى القلوب.(1/8)
فإذا كان الأمر بهذه المثابة فما بالك بنزولها إلى ميدان الرجال واختلاطها معهم وإبداء حاجتها إليهم بحكم الوظيفة، والتنازل عن كثير من أنوثتها لتنزل إلى مستواهم، وذهاب كثير من حيائها ليحصل بذلك الانسجام بين الجنسين المختلفين معنى وصورة.
3- وقوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن) 15، حيث يأمر سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام أن يبلغ المؤمنين والمؤمنات أن يلتزموا بغض البصر وحفظ الفرج عن الزنا، ثم أوضح سبحانه أن هذا الأمر أزكى لهم. ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها، ولا شك أن اختلاط النساء بالرجال؛ والرجال بالنساء في ميادين العمل وغيرها وإطلاق البصر -الذي هو من لوازم هذا الاختلاط- من أعظم وسائل وقوع الفاحشة، وهذان الأمران المطلوبان من المؤمن يستحيل تحققهما منه وهو يعمل مع المرأة الأجنبية كزميلة أو مشاركة له في العمل في مختلف مجالاته وميادينه. فاقتحامها هذا الميدان أو اقتحامه الميدان معها لا شك أنه من الأمور التي يستحيل معها غض البصر وإحصان الفرج والحصول على زكاة النفس وطهارتها.
وهكذا أمر الله المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة إلا ما ظهر منها وأمرهن الله بإسدال الخمار على الجيوب المتضمن ستر رأسها ووجهها، لأن الجيب محل الرأس والوجه، فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة إلى ميدان الرجال واختلاطها معهم في الأعمال، والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير، وكيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنباً إلى جنب بحجة أنها تشاركه في الأعمال أو تساويه في جميع ما يقوم به ؟!!.(1/9)
والإسلام يحرم جميع الوسائل والذرائع الموصلة إلى الأمور المحرمة، ولذلك نجده حرم على النساء خضوعهن بالقول للرجال لكونه يفضي إلى الطمع فيهن كما في قوله تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) 16، يعني مرض الشهوة، فكيف يمكن التحفظ من ذلك مع الاختلاط؟!!.
ومن البديهي أن المرأة إذا نزلت إلى ميدان الرجال لابد أن تكلمهم وأن يكلموها، ولابد أن ترقق لهم الكلام وأن يرققوا لها الكلام، والشيطان من وراء ذلك يزين ويحسن ويدعو إلى الفاحشة حتى يقعوا فريسة له، والله حكيم عليم حين أمر المرأة بالحجاب والبعد عن الاختلاط، وما ذاك إلا لأن الناس فيهم البر والفاجر والطاهر والعاهر، فالحجاب واجتناب الاختلاط يمنع بإذن الله من الفتنة ويحجز دواعيها وتحصل به طهارة قلوب الرجال والنساء والبعد عن مظان التهمة17.
4- وقوله تعالى: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) الآية18، فهذا يدل على أن سؤال أي شيء من النساء الأجنبيات إنما يكون من خلف ستر يستر الرجال عن النساء والنساء عن الرجال. وخير حجاب للمرأة بعد حجاب وجهها وجسمها باللباس هو بيتها الذي يحجبها عن الرجال الأجانب؛ بحيث لا يروا شيئاً من جسدها، ولا شيئاً من لباسها ولا زينتها الظاهرة ولا الباطنة.
و قالت أسماء : وأما دليل ذلك من السنة يا مروة فهو ما يلي :(1/10)
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها"19، حيث يرشد هنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة إبعاد الرجال عن النساء في الصلاة التي أقرب ما يكون فيها المسلم إلى ربه، حيث تضعف شهوات النفس وتخف وساوس الشيطان وإغوائه ويكون المسلم فيها والمسلمة أبعد عن مواضع الفتنة والريبة، فكيف في غير الصلاة؟!!، فهذا مما يدل على ضرورة منع الاختلاط بين الجنسين في ميادين العمل وغيرها.
2- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها"20، قال الطيبي: "والمعنى المتبادر أنها ما دامت في خدرها لم يطمع الشيطان فيها وفي إغواء الناس، فإذا خرجت طمع وأطمع، لأنها حبائله وأعظم فخوخه"21، وقال المنذري: فيستشرفها الشيطان "أي ينتصب ويرفع بصره إليها ويَهمُّ بها، لأنها قد تعاطت سبباً من أسباب تسلطه عليها، وهو خروجها من بيتها"22.
3- وما روي عن أم حميد الساعدية رضي الله عنها أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك، فقال: "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتكِ في بيتك خير لكِ من صلاتكِ في حجرتكِ، وصلاتكِ في حجرتكِ خير لك من صلاتكِ في داركِ، وصلاتكِ في داركِ خير لكِ من صلاتكِ في مسجد قومكِ، وصلاتكِ في مسجد قومكِ خير لكِ من صلاتكِ في مسجدي"23.(1/11)
فهذه الصحابية امرأة صالحة تقية ذات خلق ودين، ومع ذلك بيَّن لها صلى الله عليه وسلم الحق والخير في أي الأماكن تكون صلاتها فيه أفضل وأبقى، وذكر لها على الترتيب الأماكن التي يتميز بعضها عن بعض في الخير، وهي: بيتها، والمراد به هنا: المكان الذي تكون فيه المرأة أكثر ستراً وبعداً عن أعين الناس، وهو مكان مبيتها مع زوجها الذي لا يراها فيه أحد سواه، ثم حجرتها - ويظهر من الحديث أنها أقل من البيت ستراً وصوناً، وبعد حجرتها دارها، وهي التي تكون فيه بعيدة عن أنظار الرجال الأجانب، وبعد الدار مسجد قومها، لأنه أقرب المساجد إلى سكنها، والنزول إليه لا يقتضي منها السير كثيراً، فاستشراف الشيطان لها فيه أقل في المساحة والزمن، وبعد مسجد قومها يأتي مسجده صلى الله عليه وسلم، وهو أبعد فتضطر معه إلى السير لمسافة أطول، وحينئذ يكون استشراف الشيطان لها أطول مدة وأشد تمكيناً، ولذا نصحها صلى الله عليه وسلم بالصلاة في بيتها، لأنه أشد الأماكن ستراً لها وبعداً عن مخالطة الرجال الأجانب، ومنه يتبين حرص النبي صلى الله عليه وسلم على صيانة المرأة إلى هذا الحد الذي ليس وراءه ما بعده، لأنه مدرك لما ينتج عن خروجها من بيتها من أخطار على الفرد والأسرة والمجتمع.
وإذا كان خروج المرأة الصالحة التقية للصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده غير مستحب، فما القول في خروج النساء إلى الأندية وميادين الدراسة والعمل وساحات السياسة ومسيرات الاحتجاج وغيرها مما ينادي أصحاب هذه الدعوى إلى خروج المرأة المسلمة إليها ؟!!.
4- الأحاديث التي يحذر فيها النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء والخلوة بهن، ومن ذلك:
ما روي عن عتبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو24؟ قال: الحمو الموت"25.(1/12)
وما روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم"26.
وما روي عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان"27.
ومن المعلوم لكل مجرب أنه يستحيل التحرز عن الوقوع فيما حذرت عنه هذه الأحاديث في تلك المجتمعات التي تجيز اختلاط الجنسين ببعضهما في ميادين العمل والتعليم ونحوها.
5- الأحاديث التي تأمر بغض البصر، وهي عديدة، منها:
ما روي عن جرير ابن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري"28.
وما روي عن بريدة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : " يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة"29.
وما روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر"30.
وكذلك ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: "كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم، وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احتجبا منه، فقلنا: يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟، فقال صلى الله عليه وسلم: أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه"31.
ومما لا شك فيه أنه لن يتسنى للرجال ولا للنساء غض البصر في ظل إباحة اختلاطهما ببعضهما في ميادين العمل والتعليم وغيرها ولو كان ذلك بقصد تبليغ الدعوة الإسلامية.
فقالت مروة و هي مستهزئة : و لكنك إلى الآن لم تردي على تساؤلي يا أسماء .. أين الإجابة ؟!
ردت أسماء بحلم و صبر و روية : رويدكِ أخيتي .. فها هو الرد قادم ..(1/13)
و استمرت أسماء قائلة : ذكرتِ يا مروة أن الإسلام لم يمنع الاختلاط و ها أنا قد رددت على ذلك بالأدلة .. فهل أنت مقتنعة ؟
تقول مروة : أجل و لكن إن كان هذا فكيف و قد كان هناك اختلاط كما ذكرت في أمور عدة كمجالس العلم و الجهاد و غيرها .. ؟!!
قالت أسماء : حسناً .. نأتي الآن للرد على هذه النقطة و قبل الرد سأذكر لكِ نماذجاً من الصحابة و الصحابيات رضوان الله عليهم أجمعين كيف أنهم كانوا يطبقون أوامر الشريعة التي أمرت بتحريم الاختلاط و كل الوسائل المؤدية إليه ..
قالت مروة : تفضلي .. كلي آذان صاغية ..
بدأت أسماء في قوة : لقد فقه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم الأدلة الشرعية الدالة على تحريم الاختلاط وامتثلوا لها، فاجتنبوا الاختلاط ومنعوه. ومما نُقل عنهم في هذا الجانب يُثبت هذا ويقرره، ومن ذلك ما يلي:
1- روي أنه دخلت على عائشة رضي الله عنها مولاة لها، فقالت لها: "يا أم المؤمنين طفتُ بالبيت سبعاً واستلمت الركن مرتين أو ثلاثاً، فقالت لها عائشة: لا آجركِ الله، لا آجركِ الله، تدافعين الرجال؟!!، ألا كَبَّرتِ ومررت"32.
2- كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه شديد الغيرة على النساء، فهو الذي أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بحجب نسائه فوافقه القرآن، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال عمر رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب"33، وكان رضي الله عنه "ينهى الرجال عن الدخول إلى المسجد من باب النساء"34.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال: فرأى رجلاً معهن فضربه بالدرة"35.(1/14)
3- وعن ابن جريج أنه قال: أخبرني عطاء -إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال- قال: كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال؟، قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال: لم يكن يخالطن، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجْرة36من الرجال لا تخالطهم37. وهذا مما يدل على حرص النساء في صدر الإسلام على عدم مزاحمة الرجال أو الاختلاط بهم حتى في المطاف بالمسجد الحرام.
4- وروي أنه قيل لسودة رضي الله عنها: "ألا تحجين وتعتمرين كما يفعل أخواتك، فقالت: قد حججت واعتمرت فأمرني الله أن أقرَّ في بيتي. قال الراوي: فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أُخرجت جنازتها رضوان الله عليها"38.
5- وأُثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال مستنكراً اختلاط النساء بالرجال: "ألا تستحيون ألا تغارون أن يخرج نساؤكم؟، فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العُلوج39"40.
6- وروي عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن زوجته عاتكة بنت زيد شرطت عليه ألا يمنعها الخروج إلى المسجد فأجابها، فلما أرادت الخروج إلى المسجد للعشاء الآخر شق ذلك عليه ولم يمنعها، فلما عيل صبره خرج ليلة إلى العشاء وسبقها، وقعد لها على الطريق بحيث لا تراه، فلما مرت ضرب بيده على عَجُزها فنفرت من ذلك ولم تخرج بعدُ41.
7- وعن أبي عمر الشيباني أنه رأى عبد الله بن مسعود يُخرج النساء من المسجد يوم الجمعة ويقول: "أُخرجن إلى بيوتكن فهو خير لكُنَّ"42. وعنه رضي الله عنه أنه قال -حاثاً المرأة على قرارها في بيتها-: "إنما النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس فيستشرفها الشيطان، فيقول: إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبته، وإن المرأة لتلبس ثيابها، فيقال: أين تريدين؟، فتقول: أعود مريضاً، أو أشهد جنازة، أو أصلي في مسجد، وما عَبَدت امرأة ربها بمثل أن تعبده في بيتها"43.(1/15)
وبعد: فكيف يقال بعد كل ما تقدم إن الإسلام لم يمنع الاختلاط ولم يمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام؟!!، إن هذا إلا محض افتراء لا يُقبل صدوره من مسلم عنده أدنى فقه لنصوص الشريعة وأحكامها ومعرفة لِسِيَر الصدر الأول للإسلام.
ثم تقول أسماء : نأتي الآن إلى سؤالك يا مروة .. و هو أن المسلمين و المسلمات في عهد النبي - صلى الله عليه و سلم - كانوا يختلطون في المساجد والأسواق ومجالس العلم وساحات الجهاد ومجالس التشاور في أمور المسلمين!!
تقول مروة في تكبر و غرور : نعم أنا أريد أن أعرف الرد .. من فضلك !!
تستمر أسماء : أما في المساجد والطرقات، فلم يكن فيها اختلاط بين الرجال والنساء بالصورة التي يريدها دعاة الاختلاط، لأن الرجال كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته يُصَلُّون في مقدمة المسجد والنساء في مؤخرته مع عنايتهن بالحجاب والتحفظ من كل ما يثير الفتنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إليهن في يوم العيد بعدما يعظ الرجال فيعظهن ويذكرهن لبعدهن عن سماع خطبته، فعن عبد الرحمن بن عابس أنه قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما قيل له: "أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته، حتى أتى العَلَم الذي عند دار كثير ابن الصامت فصلى ثم خطب، ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكَّرهن وأمرهن بالصدقة"44.
قال الحافظ ابن حجر: "قوله: (ثم أتى النساء) يُشعر بأن النساء كن على حدة من الرجال غير مختلطات بهم، وقوله (ومعه بلال) فيه أن الأدب في مخاطبة النساء في الموعظة أو الحكم أن لا يحضر من الرجال إلا من تدعو الحاجة إليه من شاهد ونحوه، لأن بلالاً كان خادم النبي صلى الله عليه وسلم ومتولي قبض الصدقة، وأما ابن عباس فقد تقدم أن ذلك اغتفر له بسبب صغره"45.(1/16)
ولم يقتصر منع الاختلاط بين الرجال والنساء على الجمع الكثير فحسب، بل تناول ذلك المرأة الواحدة إذا صلت مع الرجال، فعن أنس رضي الله عنه أنه قال: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سليم، فقمتُ ويتيم خلفه، وأم سليم خلفنا"46.
وقد خصص صلى الله عليه وسلم في مسجده باباً للنساء يدخلن ويخرجن منه لا يخالطهن فيه الرجال، فقد ترجم أبو داود في سننه باباً بقوله (باب اعتزال النساء في المساجد عن الرجال)، ثم روى حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو تركنا هذا الباب للنساء"47، قال نافع تلميذ عبد الله بن عمر: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات".
وكان الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم يؤمرون بالتريث في الانصراف حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئلا يختلط بهن الرجال في الطريق من المسجد إلى البيت مع ما هم عليه جميعاً رجالاً ونساءً من الإيمان والتقوى. فعن هند بنت الحارث أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سَلَّم قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث هو في مقامه يسيراً قبل أن يقوم. قال الإمام الزهري رحمه الله: نَرَى -والله أعلم- أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال"48. وفي رواية أخرى: "كان صلى الله عليه وسلم يُسَلِّم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم"49.
يقول الحافظ ابن حجر: "وفي الحديث الاحتياط في اجتناب ما قد يُفضي إلى المحذور، وفيه اجتناب مواضع التهم، وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلاً عن البيوت"50.(1/17)
ويقول ابن قدامة: "إذا كان مع الإمام رجال ونساء، فالمستحب أن يثبت هو والرجال بقدر ما يَرَى أنهن قد انصرفن، ويقمن هن عقب تسليمه"، ثم يتابع قائلاً -عقب الاستشهاد بالحديث المذكور آنفاً-: "لأن الإخلال بذلك من أحد الفريقين يُفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء"51.
وكان يُؤْذَن للنساء في الخروج إلى المساجد في الليل لكونه أستر وأخفى وأبعد عن الفتنة. يقول صلى الله عليه وسلم: "ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد"52، ويُروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس"53.
كما كان يُطلب منهن اجتناب الطيب والزينة لكونهما من دواعي الفتنة، يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تَمسَّ طيباً"54، ويقول: "أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة"55. ولقد تنبهت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى خطر تساهل المرأة في خروجها من بيتها فقالت: "لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما مُنعت نساء بني إسرائيل"56.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى النساء أن يتوسطن الطريق ويأمرهن بلزوم حافاته حذراً من الاختلاط بالرجال والفتنة بمماسة بعضهم بعضاً أثناء السير في الطريق، فعن أبي أُسيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال بالنساء في الطريق: "استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن57الطريق، عليكن بحافات الطريق"، فكانت المرأة تلصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به58.(1/18)
وأما مجالس العلم ، فقد كان النساء في عهده صلى الله عليه وسلم لا يختلطن فيه بالرجال الاختلاط الذي ينهى عنه المصلحون اليوم ويُرشد القرآن والسنة علماء الأمة إلى التحذير منه حذراً من فتنته، فقد كن يجلسن -في معزل عن الرجال- في مؤخرة المسجد59، فيسمعن المواعظ والخطب ويتعلمن أحكام دينهن، مع عنايتهن بالحجاب وإخفاء الزينة، فأين هذا مما ينادي به اليوم دعاة التحديث من اختلاط الجنسين في التعليم وغيره؟، فكيف يجوز لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول إن جلوس الطالبة بحذاء الطالب في كرسي الدراسة مثل جلوس الصحابيات مع أخواتهن في مؤخرة المسجد لسماع الذكر وتعلم أحكام الدين؟، هذا لو سلمنا بوجود الحجاب الشرعي المتضمن تغطية الوجه والكفين، فكيف إذا كان جلوسها مع الطالب في كرسي الدراسة مع كشف الوجه والكفين وإظهار الزينة والمحاسن، وغير ذلك مما يجر إلى الفتنة ويُوقع في المحذور؟!!.
ومعلوم أن جلوس الطالبة مع الطالب في كرسي الدراسة من أعظم أسباب الفتنة، ومن أسباب ترك الحجاب الذي شرعه الله للمؤمنات ونهاهن عن أن يبدين زينتهن لغير من بَيَّنَهم الله سبحانه في قوله: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهنَّ إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الأربة من الرجال أول الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) الآية60.(1/19)
ولهذا دعا المصلحون إلى إفراد النساء عن الرجال في دور التعليم، وأن يكُنَّ على حدة والشباب على حدة حتى يَتمكنَّ من تلقي العلم من المدرسات بكل راحة من غير حجاب ولا مشقة، لأن تلقي العلوم من المدرسات في محل خاص أصون للجميع وأبعد لهن من أسباب الفتنة وأسلم للشباب من الفتنة، ولأن انفراد الشباب في دور التعليم عن الفتيات مع كونه أسلم لهم من الفتنة فهو أقرب إلى عنايتهم بدروسهم وشغلهم بها وحسن الاستماع إلى الأساتذة وتلقي العلوم عنهم بعيدين عن ملاحظة الفتيات والانشغال بهن61.(1/20)
وأما ساحات الجهاد ، فيجيب عنها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله قائلاً: "قد يتعلق بعض دعاة الاختلاط ببعض ظواهر النصوص الشرعية التي لا يدرك مغزاها ومرماها إلا من نَوَّر الله قلبه وتفقه في دين الله وضم الأدلة الشرعية بعضها إلى بعض، وكانت في تصوره وحدة لا يتجزأ بعضها عن بعض. ومن ذلك خروج بعض النساء مع الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات. والجواب عن ذلك: أن خروجهن كان مع محارمهن لمصالح كثيرة لا يترتب عليه ما يُخشى عليهن من الفساد، لإيمانهن وتقواهن وإشراف محارمهن عليهن وعنايتهن بالحجاب بعد نزول آيته، بخلاف حال الكثير من نساء العصر، ومعلوم أن خروج المرأة من بيتها إلى العمل يختلف تماماً عن الحالة التي خرجن بها مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الغزو، فقياس هذه على تلك يُعتبر قياساً مع الفارق. وأيضاً فما الذي فهمه السلف الصالح حول هذا وهم لا شك أدرى بمعاني النصوص من غيرهم وأقرب إلى التطبيق العلمي بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فما هو الذي نُقل عنهم على مدار الزمن؟، هل وَسَّعُوا الدائرة كما يُنادي دعاة الاختلاط فنقلوا ما ورد في ذلك إلى أن تعمل المرأة في كل ميدان من ميادين الحياة مع الرجال تزاحمهم ويزاحمونها وتختلط معهم ويختلطون معها، أم أنهم فهموا أن تلك قضايا معينة لا تتعداها إلى غيرها؟. وإذا استعرضنا الفتوحات الإسلامية والغزوات على مدار التاريخ لم نجد هذه الظاهرة62"63.(1/21)
وأما مجالس التشاور في أمور المسلمين ، فلم تكن المرأة قط عضواً فيها في صدر الإسلام، فهي -مثلاً- لم تشارك الصحابة في اجتماع سقيفة بني ساعدة إثر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم للتشاور فيمن يختارونه خليفة لهم، ولم يحدث أن جمع الخلفاء الراشدون النساء لاستشارتهن في قضايا الدولة وشؤون المسلمين كما كانوا يفعلون مع الرجال، ولا نعلم في تاريخ الإسلام كله أن المرأة كانت تسير مع الرجل جنباً إلى جنب في إدارة شؤون الدولة وسياستها، وكل ما يرويه التاريخ لنا هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيعة النساء يوم فتح مكة من دون أن يصافحهن64.
ومن زعم أن هذا يدل على اختلاط النساء بالرجال في صدر الإسلام للمشاركة في سياسة الدولة والإسهام في حل قضايا المسلمين وشؤونهم فقد أخطأ وحَمَّلَ وقائع التاريخ ما لا تحتمل.
نعم وقع في بعض أدوار التاريخ الإسلامي أن شاركت المرأة في بعض قضايا الدولة وشؤونها، وكان لبعضهن مشورة في بعض أمور المسلمين، ولكن هذه تصرفات ووقائع نادرة لمناسبات خاصة تُقَدَّر بقدرها لا يُبنى عليها حكم ولا تأخذ حكم القاعدة. وأحكام الإسلام إنما تؤخذ من نص ثابت في كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو قياس صحيح عليهما، أو إجماع التقى عليه أئمة المسلمين وعلماؤهم، وعليه فلا يصح الاستدلال بالتصرفات الفردية من آحاد الناس، حتى ولو كان أصحابها من الصحابة65 رضوان الله عليهم أو التابعين من بعدهم. فمن المقطوع به أن تصرفات هؤلاء جميعاً توزن بميزان الشرع الإسلامي، وليس الشرع هو الذي يوزن بتصرفاتهم ووقائع أحوالهم، ولذا فإن من مقررات علماء السلف قولهم: (لا تعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله).(1/22)
ولو كان لتصرفات آحاد الصحابة أو التابعين مثلاً قوة الدليل الشرعي دون حاجة إلى الاعتماد على دليل آخر لبطل أن يكونوا معرضين للخطأ، ولوجب أن يكونوا معصومين مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هذا لأحد إلا للأنبياء عليهم وعلى خاتمهم الصلاة والسلام، أما ما عداهم فحق عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطَّاء"66، وإلا فما بالنا لا نقول -مثلاً- بِحل شرب الخمر، وقد وُجد فيمن سلف في القرون الخيرية من شربها؟!
فما رأيك يا مروة إذن ؟!!
تقول مروة و قد انكسرت حدة كلامها : حسناً يا أسماء اقتنعت بما ذكرتِ متفضلة .. و لكني أسمع فيما أسمع أن الاختلاط لم يُمنع إلا في المجتمعات الإسلامية الإنفصالية التي ساد فيها الانحطاط ..
سمعت أسماء قول مروة و ردت متعجبة : إنما هذا لإفتراء محض يا أختاه .. و ليس كل من قال صدق .. كيف لعاقل أن يقول هذا ؟!! .. فها نحن الآن نعيش زمن انحطاط في الاخلاق و القيم فهل سمعتي مرة عن حملة لمنع الاختلاط أم العكس حملة لتحرير المرأة من رق الإسلام - كما يزعمون - عليهم من الله ما يستحقون..
إنما هو وهم و افتراء يُستغرب صدوره من أي مسلم لديه معرفة -ولو يسيرة- بتاريخ الإسلام وشرعه، فكيف ممن يمثل اتجاهاً إسلامياً محافظاً ويترأسه في بلد عربي مسلم ؟
لقد مُنع الاختلاط في الإسلام منذ نزول آيات الحجاب، ومنعه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والتابعين لهم بإحسان، وما سقناه فيما سبق من الأدلة الشرعية والأقوال والوقائع كاف لإثبات ذلك. ولم يخل عصر ولا مصر من بلاد الإسلام والمسلمين من منع الاختلاط والتشدد في أمره؛ امتثالاً لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحرصاً من المخلصين الغيورين في مختلف الأماكن والأزمان على تطبيق شريعة الإسلام. ولن يستطيع أصحاب هذا الزعم الباطل -مهما أجهدوا أنفسهم- أن يقدموا دليلاً صحيحاً يبرهن على صحة مُدَّعاهم.(1/23)
وأما ربط منع الاختلاط بعصور الانحطاط ففيه ما لا يخفى من الاستهتار بكلام الله ورسوله، والازدراء بما يدعو إليه المصلحون من منع الاختلاط والتحذير منه، والتأثر بمقولات الغرب حول التقدم والتحضر والمدنية.
انتهت الشبهة الأولى
الشبهة الثانية : (وقرن في بيوتكن) هل هي موجهة لنساء النبي فقط ؟!
قالت مروة و هي تفتش في ذهنها عن أي شيء ينجدها فلمعت في رأسها شبهة جديدة .. فتمايلت و قالت : حسناً يا أسماء .. اقتنعت برأيك و لكن ماذا تقولين في .. أن هذه الآية ((وقرن في بيوتكن)) لم تكن موجهة إلا لنساء النبي فقط ؟؟
ابتسمت أسماء ابتسامة الواثقة بالله جل و علا و قالت : أقول و التوفيق من عند الله .. يفهم علماء الأمة ومحققوها قديماً وحديثاً من قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) 67 وجوب لزوم المرأة المسلمة بيتها وعدم خروجها منه إلا عند الضرورة وتحريم اختلاطها بالرجال الأجانب عنها.(1/24)
يقول عبد الرحمن بن الجوزي: "قال المفسرون: ومعنى الآية: الأمر لهن بالتوقر والسكون في بيوتهن وأن لا يخرجن"68. ويقول الحافظ ابن كثير: "وقوله تعالى (وقرن في بيوتكن) أي: الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة"69. ويقول القاضي أبو بكر بن العربي: "قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن) يعني: اسكنّ فيها ولا تتحركن ولا تبرحن منها"70. ويقول أحمد مصطفى المراغي: "(وقرن في بيوتكن) أي: الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة، وهو أمر لهن ولسائر النساء"71. ويقول حسنين محمد مخلوف: "(وقرن في بيوتكن): الزمنها فلا تخرجن لغير حاجة مشروعة، ومثلهن في ذلك سائر نساء المؤمنين"72. ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: "(وقرن في بيوتكن) أي: اقررن فيها، لأنه أسلم وأحفظ لكُنَّ"73. ويقول الشيخ أبو بكر الجزائري: "وقوله (وقرن في بيوتكن) أي: اقررن فيها بمعنى اثبتن فيها ولا تخرجن إلا لحاجة لابد منها"74. ويقول أبو الأعلى المودودي - بعد حديثه عن دائرة عمل المرأة - : "صفوة القول أن خروج المرأة من البيت لم يُحمد في حال من الأحوال، وخير الهدي لها في الإسلام أن تلازم بيتها كما تدل عليه آية (وقرن في بيوتكن) دلالة واضحة"75.
وأما اختلاف العلماء في معنى الآية -حيث ذهب بعضهم إلى أنها من الوقار وهو السكون، وذهب البعض الآخر إلى أنها من القرار وهو البقاء- فلا يُبطل صحة الاستدلال بالآية على منع الاختلاط، لأن كلا المعنيين يدلان على ضرورة لزوم المرأة بيتها وعدم خروجها منه إلا لحاجة شرعية، وهو ما ذهب إليه المفسرون.(1/25)
يقول - على سبيل المثال - الإمام القرطبي -بعد أن ساق القراءات الواردة في قوله تعالى: (وقرن) وأقوال العلماء واللغويين في بيان معانيها-: "معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى. هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء؛ كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة؛ على ما تقدم في غير موضع"76. ويقول الشوكاني - بعد أن ساق كذلك القراءات تلك وأقوال العلماء في بيان معانيها- : "المراد بالآية أمرهن بالسكون والاستقرار في بيوتهن""77. ويقول أبو بكر الجصاص: "وقوله تعالى: (وقرن في بيوتكن) روى هشام عن محمد بن سيرين قال: قيل لسودة بنت زمعة: ألا تخرجين كما تخرج أخواتك؟ قالت: والله لقد حججت واعتمرت ثم أمرني الله أن أقر في بيتي، فوالله لا أخرج، فما خرجت حتى أخرجوا جنازتها. وقيل: إن معنى: (وقرن في بيوتكن) كن أهل وقار وهدوء وسكينة، يقال: وَقَر فلان في منزله يَقِرُ وقُوُراً إذا هدأ فيه واطمأن به، وفيه الدلالة على أن النساء مأمورات بلزوم البيوت منهيات عن الخروج"78. ويقول أبو الثناء الألوسي -بعد أن ذكر القراءات المتعددة لقوله تعالى: (وقرن)-: "والمراد على جميع القراءات أمرهن رضي الله تعالى عنهن بملازمة البيوت، وهو أمر مطلوب من سائر النساء"79.
وأما الاحتجاج على عدم صحة الاستدلال بالآية على منع الاختلاط بإدعاء الاختلاف في تعيين المخاطب بالآية هل هن نساء النبي صلى الله عليه وسلم أم عامة النساء، فليس بشيء، وذلك لما يلي:(1/26)
1- لأن هذه الآية والتي قبلها تحفهما قرائن قوية تدل على أن الأحكام الشرعية الموجودة فيها ليست خاصة بأمهات المؤمنين، وإنما هي عامة لجميع النساء المسلمات، ذلك أن امتياز أمهات المؤمنين من غيرهن المذكور في قوله تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء) 80، إنما هو خاص بما ذُكر قبله لا بما ذُكرَ بعده، بمعنى أنه خاص بالأحكام المذكورة في قوله تعالى: (يا نساء النبي من يأت منكنَّ بفاحشة مبيّنةٍ يُضاعف لها العذاب ضعفين) 81وقوله: (ومن يقنت منكنَّ لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين) 82، دون الأوامر والنواهي المذكورة بعده وهي قوله تعالى: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرضٌ وقلن قولاً معروفاً، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرُّج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله) 83، فتلك الأوامر والنواهي موجهة للنساء عامة بدليل أنه لا يجوز لأحد أن يقول أنه يجوز للنساء المسلمات أن يخضعن بالقول ليطمع الذي في قلبه مرض وأن لا يقُلْن قولاً معروفاً وأن لا يقرن في بيوتهن ويتبرجن تبرج الجاهلية الأولى ولا يُقمن الصلاة ولا يؤتين الزكاة ولا يطعن الله ورسوله. فهذه الأحكام ليست خاصة بأمهات المؤمنين لأن عللها تجري في غيرهن أيضاً.
2- ولأنه إذا كانت أمهات المؤمنين -مع ما كُنَّ عليه من التقى والعفاف وقوة الإيمان والبصيرة بالحق- مأمورات بعدم الخضوع في القول والقرار في البيوت وعدم التبرج، فغيرهن من النساء المسلمات مأمورات بذلك من باب أولى، ولا سيما في هذا العصر الذي قَلَّ فيه الوازع الديني عند كثير من الناس وكثرت فيه المفاسد والفتن.(1/27)
3- "ولأن النصوص الواردة في الكتاب والسنة لا يجوز أن يخص بها أحد من الأمة إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص، فهي عامة لجميع الأمة في عهده صلى الله عليه وسلم وبعده إلى يوم القيامة، لأنه سبحانه بعث رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين في عصره وبعده إلى يوم القيامة كما قال عز وجل (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) 84، وقال سبحانه: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون) 85، وهكذا القرآن الكريم لم ينزل لأهل عصره النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أنزل لهم ولمن بعدهم ممن يبلغه كتاب الله، كما قال تعالى: (هذا بلاغٌ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحدٌ وليذكر أولوا الألباب) 86، وقال عز وجل: (وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) 87 الآية"88.(1/28)
يقول الشيخ أبو الأعلى المودودي -في الرد على هذا الاحتجاج-: "قد ذهب بعض الناس إلى أن هذا الأمر خاص لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لابتداء الآية بخطاب: يا نساء النبي، ولكنا نسأل: أي وصية من الوصايا الواردة في هذه الآية مخصوصة بأمهات المؤمنين دون سائر النساء؟، فقد قيل فيها: (إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)89 ، فتأمل كل هذه الوصايا والأوامر، وقل لي: أي أمر منها لا يتصل بعامة النساء المسلمات؟، وهل النساء المسلمات لا يجب عليهن أن يتقين؟ أو قد أبيح لهن أن يخضعن بالقول ويكلمن الرجال كلاماً يغريهم ويشوقهم؟ أو يجوز لهن أن يتبرجن تبرج الجاهلية؟، ثم هل ينبغي لهن أن يتركن الصلاة والزكاة ويُعرضن عن طاعة الله ورسوله؟، وهل يريد الله أن يتركهن في الرجس؟، وإذا كانت كل هذه الأوامر والإرشادات عامة لجميع المسلمات فما المبرر لتخصيص كلمة (وقرن في بيوتكن) وحدها بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم؟!!.(1/29)
إن مصدر الفهم الخاطيء في الحقيقة هو مبتدأ الآية: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء)، ولكن هذا الأسلوب لا يختلف -مثلاً- عن قولك لولد نجيب: يا بني لست كأحد من عامة الأولاد حتى تطوف في الشوارع وتأتي بما لا يليق من الحركات، فعليك بالأدب واللياقة، فقولك هذا لا يعني أن سائر الأولاد يُحمد فيهم طواف الشوارع وإتيان الحركات السيئة ولا يُطلب منهم الأدب واللياقة، بل المراد بمثل قولك هذا تحديد معيار لمحاسن الأخلاق وفضائلها لكي يصبو إليها كل ولد يريد أن يعيش كنجباء الأولاد فيسعد في بلوغه. وقد اختار القرآن الكريم هذه الطريقة لتوجيه النساء، لأن نساء العرب في الجاهلية كن على مثل الحرية التي توجد في نساء الغرب في هذا الزمان، وكان العمل جارياً على تعويدهن الحضارة الإسلامية بشيء من التدريج، وتعليمهن حدود الأخلاق والضوابط الاجتماعية على يد النبي صلى الله عليه وسلم. ففي تلك الأحوال عني الإسلام بضبط أمهات المؤمنين بضابطه على وجه خاص حتى يكن أسوة لسائر النساء وتُتبع طريقتهن وعاداتهن في بيوت عامة المسلمين.
هذا الرأي نفسه - وهو تعميم نساء المسلمين بالخطاب- أبداه العلامة أبو بكر الجصاص في كتابه (أحكام القرآن) فقال: (وهذا الحكم وإن نزل خاصاً في النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه، فالمعنى عام فيه وفي غيره، إذ كنا مأمورين باتباعه والاقتداء به إلا ما خصه الله تعالى به دون أمته)" 90.(1/30)
ويؤكد الشيخ أبو بكر الجزائري على تعميم نساء المسلمين بالخطاب في قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن)، ثم يُتابع قائلاً: "غير أن المبطلين لم يروا ذلك، فقالوا في هذه الآية والتي قبلها: (أنها نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم وهي خاصة بهن ولا تعلق لها بغيرهن من نساء المؤمنين وبناتهم)، وهو قول مضحك عجيب ...، وهاتان الآيتان مثلهما مثل إقسام الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه لو أشرك لحبط عمله وكان من الخاسرين في آية الزمر، مع العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم لا يتأتى منه الشرك ولا غيره من الذنوب، ولكن الكلام من باب (إياك أعني واسمعي يا جارة)، وعليه فإذا كان الرسول على جلالته لو أشرك لحبط عمله وخسر؛ فغيره من باب أولى. كما أن الحجاب لو فرض على نساء النبي وهن أمهات المؤمنين كان على غيرهن من باب أولى، ويبدو أنه لما كان الحجاب مخالفاً لما كان عليه العرب في جاهليتهم ولم يُشرع تدريجاً - إذ لا يمكن فيه التدريج - بدأ الله تعالى فيه بنساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يُقال - وما أكثر من يقول يومئذ، والمدينة مليئة بالنفاق والمنافقين- : (انظروا كيف ألزم نساء الناس البيوت والحجاب وترك نساءه وبناته غاديات رائحات ينعمن بالحياة...)، إلى آخر ما يقول ذوو القلوب المرضى في كل زمان ومكان، فلما فرضه على نساء رسوله صلى الله عليه وسلم لم يبق مجال لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ترغب بنفسها عن نساء الرسول صلى الله عليه وسلم فترى السفور لها ولا تراه لأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم وبناته، وهذا يُعرف عند علماء الأصول بالقياس الجلي ومن باب أولى كتحريم ضرب الأبوين قياساً على تحريم التأفيف في قوله تعالى: (فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً) 91"92.
و بعد أن انتهت أسماء قالت بنظرة حانية : ما رأيك الآن يا مروة ؟؟(1/31)
ذهلت مروة من هذا العلم الذي يتدفق من لسان أسماء و علمت أن أسماء لا تتكلم لمجرد الكلام فطأطأت رأسها و قالت : جزاكِ الله خيراً يا أسماء .. و لكن ......
انتهت الشبهة الثانية
الشبهة الثالثة : الإسلام يهدف إلى تطهير العلاقات بين الجنسين عن طريق التربية لا عن طريق سد الذرائع
قالت أسماء : و لكن ماذا يا مروة .. كلي آذان صاغية ؟
تستمر مروة قائلة : إن الإسلام يهدف إلى تطهير العلاقات بين الجنسين عبر التربية لا عن طريق سد الذرائع والحجز بين الجنسين أو حبس النساء في البيوت .. فهذا يؤدي لاكتئاب !!
ترد أسماء قائلة : القول بأن تعويل الإسلام في تحقيق أهدافه وقيمه في تطهير العلاقات بين الجنسين من التحلل والفساد إنما يقوم فقط على التوعية والتربية العقائديتين وإشاعة أجواء الطهر والعفة والتعاون على الخير...؛ قول غير سديد ولا دقيق.
تقول مروة : لماذا يا أسماء ؟!
تستمر أسماء قائلة : لا شك أن التوعية الإيمانية والتربية العقدية والتعاون على الخير هي من وسائل الإسلام الأساسية في تطهير العلاقات بين الجنسين من التحلل والفساد. غير أن شريعة الإسلام لم تَكل الناس إلى ضمائرهم فقط التي قد تهن، ولا إلى نفوسهم التي قد تضعف، ولكنها سَنَّت تدابير وإجراءات وقائية ترد هذه الضمائر إلى الاستقامة إذا نزعت إلى التمرد، وتغلق على النفوس مداخل الشيطان وتوصد مسارب الفساد إذا استشرفت هذه النفوس للفتن ولم ترتدع بوازع الإيمان والتقوى.
توقف مروة أسماء سائلة : مثل ماذا إذن ؟!
ترد أسماء على مروة بحلم : منع الاختلاط بين الجنسين، وتحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية، وتحريم التبرج وإظهار الزينة، والأمر بغض البصر، وتحريم الخضوع بالقول، وتحريم سفر المرأة بغير محرم، وتحريم الدخول إلى بيوت الآخرين بغير إذن... كل هذه الأشياء تعتبر من الوسائل التي تغلق على النفوس مداخل الشيطان و هذا هو مبدأ سد الذرائع في الإسلام .(1/32)
إن التوعية والتربية العقديتين وإشاعة أجواء الطهر والعفة والتعاون على الخير في العلاقات البشرية لا يكفي في تطهير العلاقات بين الجنسين من التحلل والفساد، ما لم ينضم إليه سد جميع أبواب الفتن وذرائع الفساد.
فنحن لا نعارض توعية الجنسين وتربيتهما تربية إسلامية عقدية، وإشاعة قيم الطهر والخلق والفضيلة...، وإنما نعارض استغناء النساء بذلك عن القرار في البيوت والبعد عن الاختلاط بالرجال الأجانب في مجالات العمل والتعليم ونحوهما. فنقصان التربية العقدية والقيم الخلقية من أحد الجنسين كاف في وقوع الفتنة عند اختلاطهما، فنحن نخاف كلاً منهما على الآخر ولا نرد الشبهات التي تساورنا وإن ردها غيرنا، وماذا يسعنا أن نقول عنا بعد ما قال نبي الله ورسوله يوسف عليه السلام (وما أُبرئُ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) 93، ولله در الشريف الرضي حينما قال:
لا العف عفٌ حينَ تمْلكُ لُبَّهُ تِلكَ اللِّحاظُ ولا الأمِينُ أمينُ
ومن جرَّاء ذلك لزم أن لا تسنح أي فرصة للجنسين وأن تسد طرقها، وفرض الحجاب ومنع الاختلاط من هذه الوسائل .
ثم قالت مروة مزمجرة في غضب : و لكن يا أسماء .. قرار النساء في البيوت هو السجن بحق أليس هذا ظلماً ؟؟
سكتت أسماء هنيهة ثم قالت في روية : يا مروة إن الله لا يظلم أحدا ..( وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )94
قالت مروة و هي تلملم شعرها إلى الوراء : أستغفر الله العظيم ..(1/33)
ردت أسماء في لطف : يا أخيتي .. اعتبار قرار النساء في البيوت أنه بمثابة تحويل هذه البيوت إلى سجون للنساء والحكم عليهن جميعاً بما حكم به اللاتي أتين الفاحشة، هذا الاعتبار ينطوي على استخفاف بحكم الله ورسوله، وفيه تضليل محض، لأنه وإن كان الأصل هو قرار المرأة في بيتها، فإن الإسلام يُجيز لها الخروج منه عند الحاجة إلى ذلك مع الالتزام بالحجاب الشرعي واجتناب مخالطة الرجال، فيجيز لها مثلاً الخروج لزيارة الوالدين، ولصلة الأرحام، وللحج مع محرم، ولطلب علم، ولمراجعة طبيب، وللإدلاء بشهادة لدى القاضي، ولأداء الصلوات في المسجد إذا أُمنت الفتنة، ولقضاء حاجة مشروعة لا تقضى إلا بوجودها ونحو ذلك.
قالت مروة و هي خجلة من نفسها : معذرةً أخيتي على تسرعي و غضبي .. اللهم اغفر لي .. اللهم اغفر لي ..
تقول أسماء و برفق : لا عليكِ أخيتي ... إن الله غفور رحيم .. استغفري الله ..
ثم نظرت أسماء إلى الساعة فوجدتها الثانية عشرة .. فاتفقت أسماء مع مروة أن تعاود الزيارة بعد غد لتكملة النقاش حتى تستطيع أسماء أن تراعي لوازم بيتها من إعداد المأكل و تحضير المسكن ..95 و لكي تستطيع مروة تقديم طلب لإجازة لمدة يوم حتى تستطيع أن تكمل النقاش مع أسماء .
انتهت الشبهة الثالثة
…
صراع داخلي
خرجت مروة من عند أسماء متجهة إلى بيتها و ما هي إلا حوالي نصف ساعة إلا و فتحت مروة باب منزلها لتدخل بعد عناء يوم طويل ...
ظلت مروة مستغرقة في التفكير شاردة الذهن طوال ذلك اليوم و لم يكن بمقدورها أن تواصل حياتها بشكل عادي بعد هذا اليوم و قد أثر هذا على شهيتها أيضاً فلم تعد ترغب في الطعام و لا محادثة أحد كما أغلقت هاتفها النقّال ( المحمول ) لئلا يطلبها أحد من أصدقائها .
و بينما هي على هذا الحال ، دق جرس الباب ..
فنادت مروة قائلة : من الطارق ؟
رد صوت من الخارج : نعم يا مروة .. أنا هاني .. افتحي ؟!(1/34)
تلعثمت مروة و لم تدرِ ما تفعل .. و لم يكن هذا حالها عندما كان يأتيها هاني قبل هذا اليوم .. فقالت مروة : لحظة من فضلك ؟
و مر ما يزيد عن الخمس دقائق و لم تفتح مروة الباب تفكر تفكيراً عميقاً فيما تفعل إن الصراع الدائر بين عقلها و نفسها لم يحسمه طرف بعد على حساب الطرف الأخر .. و ظلت هكذا إلى أن استسلم العقل للنفس و ذهبت مروة لتفتح الباب.
قال هاني : ما كل هذا يا مروة .. أين كنتِ ؟
قالت مروة متلعثمة : لا شيء .. اعتذر بشدة
دخل هاني المنزل و ما زال الصراع الدائر بداخل مروة مسيطراً على تفكيرها ، جلس هاني و ما زالت مروة أمام الباب فاستعجب هاني بشدة من حال مروة خاصة عندما نظر إليها فوجدت عينيها الحائرتين بين الباب و بين مكان جلوس هاني ..
فقطع هاني هذا الصمت : مروة .. ماذا بكِ ؟
فلم ترد مروة .. و ما زالت متوقفة عند الباب عقلها و نفسها يحاربان بعضهما البعض هل تترك الباب مفتوحاً أم تغلقه كعادتها ..
أكمل هاني قائلاً : كنت أظنك ستأتي معنا اليوم مع الـ ( شلة ) بعد الانتهاء من زيارة صديقتك ؟ فلهذا ذهبت لمنزل صديقتك لكي نذهب سوياً لنقابل الـ ( شلة ) !!
التفتت مروة فجأة لكلام هاني و قالت : ماذا ؟!! ذهبت لصديقتي ؟!!!!
فرد هاني ساخراً : نعم ... و يا ليتني ما ذهبت.
قالت مروة في تعجب : لِمَ ؟!
رد و هو يضحك : لقد طرقت الباب على صديقتك تلك و وقفت منتظراً أن يرد أحد فلم يرد أحدا إلا بعد أن طرقت مرة أخرى . فسألتني صديقتك بصوت جاد96 كأنها تعمل في الشرطة << و أطلق ضحكة عالية >>
ثم أكمل قائلاً : فقالت لي من الطارق ؟ فقلت لها صديق مروة هاني هل تسمحي لي بالدخول .. فلم أكمل يا مروة الكلمة حتى سمعت الرد بكل جد فقالت : لا .. فرب المنزل ليس موجود فسألتها و ما المانع في ذلك ؟ فلم ترد عليّ بعدها إلا بكلمة واحدة و هي : اعتذر فإن رب المنزل غير موجود.97(1/35)
ثم عقب هاني ضاحكاً : ما هذا التخلف ؟!!!! << و أخذت ضحكته تدوي في أرجاء المكان >>
عندها فقط حسمت مروة الصراع بين عقلها و نفسها لصالح عقلها و تركت الباب مفتوحاً و ذهبت تجلس بعيدة بعض الشيء عن هاني .
فلما رأى هاني منها هذا توقف عن الضحك مستعجباً لعدم مشاركتها إياه في الضحك و العبث كما كانا يفعلان دائماً و متعجباً من موقفها تجاه هذا الباب المفتوح.
و قبل أن يتحدث هاني بكلمة أخرى قالت مروة : اعتذر بشدة يا هاني فأنا مرهقة بشدة و أحتاج إلى النوم.
فرد هاني : لا عليكِ يا مروة حسناً أنصرف الآن و أعود في المساء لكي نذهب سوياً لسهرة الليلة مع الـ ( شلة )
فردت مروة مسرعة دون تفكير : لا يا هاني اعتذر لي اليوم عند الـ (شلة ) و قل لهم أني مرهقة و لن أستطيع الذهاب معهم اليوم .
تعجب هاني و قال : حسناً يا مروة و إن كانت لا تعجبني حالتكِ اليوم سأبلغهم .
خرج هاني و أغلق الباب المفتوح ورائه .. و ظلت مروة جالسة في مكانها لم تتحرك بعد شاردة الذهن إلى أن غلبها النوم فقامت لتنال قسطاً من الراحة استعداداً ليوم عمل جديد .
يوم عمل جديد
و ما زال الصراع محتدماً
استيقظت مروة كعادتها في الصباح الباكر للذهاب إلى العمل و لكنها ما زالت تعيش هذا الصراع الداخلي الذي راودها بالأمس و لم تستطع التخلص منه فقد ظنت أنه بمجرد أن تنام و تطلع عليها الشمس أنه سينتهي الأمر و لكن خاب ظنها و لكنها لم تستسلم له كثيراً و انطلقت لكي تلحق بموعد العمل .
تعمل مروة في مصلحة حكومية لخدمة المواطنين و يعمل زميلها هاني معها في نفس المصلحة بل و نفس الغرفة في المصلحة .
دخلت مروة من باب المصلحة و صعدت إلى المكتب فوجدت هاني منتظراً إياها ليطمئن عليها و لكنها عللت حالتها بالأمس بأنه مجرد إرهاق بدني و سرعان ما انتهى بالنوم و الراحة .(1/36)
لم تجلس مروة كثيراً في المكتب فهي بضع دقائق كانت تكتب فيها طلب إجازة عارضة للغد حتى تستعد لموعد أسماء المرتقب و عندما استعدت للخروج من المكتب لاحظ هاني استعداداً مروة للرحيل
فسألها : إلى أين يا مروة ؟!!
فقالت : سأذهب إلى مكتب المدير .
فرد مستعجباً : و لِمَ ؟
فقالت : سأقدم طلب إجازة غداً فلديّ موعد هام عليّ الوفاء به
فسألها : و هل لنا موعد الليلة أم ستعتذرين كالأمس
قالت : لا بأس نتقابل الليلة ، أخبر الـ ( شلة ) و لكني لن أتأخر معكم اليوم فموعدي في الصباح
فرد هاني و قد تهللت أساريره : حسناً يا مروة سأخبرهم و سآتي اليوم لنذهب سوياً إلى مكان السهرة .
و خرجت مروة من مكتبها متجهة إلى مكتب المدير و قدمت طلبها و وافق عليه المدير و قام بالتصديق عليه و خرجت مروة من المصلحة متجهة إلى المنزل و كان هذا في تمام العاشرة صباحاً .
دخلت مروة منزلها و أخدت ترتب المنزل و عندما بدأت في ترتيب غرفة الجلوس وقع عينيها على شيء كأن عينيها لم تقع عليه من قبل .. إنها مكتبة والدها98 - رحمه الله - التي جمعها في حياته .
و كأن شيئاً بداخل مروة هاتفها أن تنظر إلى هذه المكتبة لعلها تجد ما يجيب عن أسئلتها و صراعاتها الداخلية و يرخص لها فيما تفعله .
أخذت تبحث بين جنبات هذه المكتبة إلى أن وقعت يديها على كتيب من كتابات شياطين الإنس إنه لأحد دعاة تحرير المرأة و ما أن وقع الكتاب في يديها أخذت تقرأ فيه بشغف شديد و كلما وجدت ما يوافق رغبتها الدفينة تتهلل أساريرها مهما كان هذا الكلام ضد العقل و الفطرة إلا أن له صدىً رائع في نفس مروة ... ظلت مروة تقرأ فيه دون انقطاع لفترة تجاوزت الثلاث ساعات من القراءة الدقيقة المليئة بالإثارة كأنها تقرأ قصة من قصص الأطفال حتى انتهت منه عن أخره و لسان حالها يقول : إن غداً لناظره قريب(1/37)
و لما جاء موعد السهرة مع الـ ( شلة ) كانت مروة قد قضت على ما بداخلها من صراعات فكانت سهرتها كسابقيها من اختلاط و خلوة و ضحك و خضوع بالقول فما قرأته في الكتاب أوهمها أنها على الحق المبين .
الموعد المرتقب
الشبهة الرابعة : ليس على الزوجة القيام بأعمال البيت و الأسرة
حان الموعد و انتظرت أسماء مروة في نفس الموعد المحدد بينهما ..إلى أن جاءت الساعة التاسعة صباحاً .. و كانت أسماء تنتظر مروة في شرفة منزلها99 إلى أن حضرت مروة و دق جرس الباب .. فرحبت بها أسماء و انطلقا إلى حجرة النساء ليستكملا حديثهما .
قالت لها مروة : لنستكمل حديثنا يا أسماء .. فعندي أسئلة كثيرة و دلائل قوية بأن الاختلاط ليس بحرام و أن عمل المرأة ضروري من أجل بناء المجتمع .. فقد أمضيت يومي كله بالأمس أبحث و أقرأ و لم يغمض لي جفن لكي أجد الحقيقة و ما وجدت من دلائل و آراء ألهب صدري و أشعل نار الحماسة في قلبي و أحسست أني بلغت الطريق.
قالت أسماء : تفضلي أخيتي .. و دعينا نرى ..
قالت مروة : حسناً يا أسماء ... بما أن المرأة ليس عليها القيام بأعمال البيت و الأسرة فلماذا تقر في بيتها إذن ؟ إذ أنه لا يمكن أن تجلس المرأة طول اليوم هكذا بلا عمل ..
نظرت أسماء إلى مروة في ذهول .. و ظنت مروة أنها قد أوقعت أسماء في مأزق صعب الخلاص منه ..
قطعت أسماء هذا الظن و قالت : ما هذا الهراء يا مروة .. إني لا أعلم أحدا يقول بمثل هذا الكلام .. و لكنكِ قلتيه ؟؟
انقطعت فرحة مروة الزائفة لتقول في تلعثم : لِمَ إذن .. و أين الدليل على هذا من الأصل ؟!
قالت أسماء : لقد خلق الله عز وجل الرجل والمرأة وجعل بينهما فروقاً عديدة، منها فروق جسدية تكوينية، وفروق عقلية سلوكية، وفروق نفسية وجدانية، وهذه الفروق تؤكد الاختلاف والتباين بينهما، وأن كلاً منهما مؤهل بخصائص وطاقات تخدم مجاله وميدانه، فالاختلاف في التكوين والخصائص يقابله اختلاف في التكليف والوظائف.(1/38)
فمن يقول أن المرأة مؤهلة للمساواة بالرجل فقد كذب و رب الكعبة .. فما هذا بقول عاقل و لا بقول سديد إنما هو قول الشيطان يضل به أولياءه .
وطبيعة تكوين المرأة الجسدي والعقلي والنفسي يؤهلها لمهمتين أساسيتين ووظيفتين حيويتين في الحياة الإنسانية نصت عليهما النصوص الشرعية، وهما100:
1- وظيفة الزوجة:
يقول عز وجل: (هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها) 101، ويقول سبحانه: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) 102، ويقول كذلك (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) 103.
وقانون الزوجية بموجب هذه الآيات الكريمات يعتمد على أسس وأركان هامة لابد للزوجة أن تدركها وتحاول قدر استطاعتها تحقيقها والقيام بها على الوجه الأمثل بحكم طبيعتها واستعدادها ومواهبها الفطرية، وهي : تحقيق السكون الجنسي "الجسدي"، والسكون النفسي العاطفي، والمودة والمحبة والتراحم بين الزوجين وجميع أفراد الأسرة من بنين وحفدة، وأعظم من ذلك كله تحقيق ثمرة الزواج، وهي تكاثر الجنس البشري واستدامته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
2- وظيفة الأمومة:
وهي أقدس وظيفة وأشرف مهمة تقوم بها المرأة، وبسببها جعل الله الأم أحق بالبر من الأب، كما جعل إكرامها والإحسان إليها أقرب سبيل إلى الجنة.
ووظيفة الأمومة تستلزم أربع مراحل أو أربعة أدوار متلاحقة لها أثر بالغ في حياة الإنسان، وهي:
* دور الحمل.
* دور الوضع.
* دور الإرضاع.
* دور الحضانة والتربية .(1/39)
يقول عز وجل في بيان هذه الأدوار: (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) 104، ويقول: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير) 105، ويقول أيضاً: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) 106، ويقول صلى الله عليه وسلم: "المرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم"107.
فالحمل هو الثمرة الطبيعية للقاء الزوجي بين الذكر والأنثى، والرغبة في الأمومة غريزة فطرية وأمر واقعي بالنسبة للمرأة نظراً لتكوينها الجسمي والعقلي والنفسي كما تقدم. وتطول مدة الحمل إلى تسعة أشهر، والمرأة مسؤولة عنه باعتباره روحاً وحياة جديدة تخلق في بطنها، وقد أخذ الله منها الميثاق بألا تقتله عمداً أو تتسبب في قتله، حيث يقول تعالى في آية بيعة النساء: (ولا يقتلن أولادهن) 108.
وأما الوضع فهو المخاض المذكور في قوله تعالى: (فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً) 109، والوضع عملية شاقة شديدة تفقد فيها المرأة كمية كبيرة من الدم، ثم تعقبها فترة النفاس التي تستمر أربعين يوماً، تعاني فيها المرأة من الإرهاق بعد الجهد الشاق الذي بذلته أثناء عملية الوضع، وصدق الله حين قال: (حملته أمه كرهاً ووضعته كرها) 110.
وأما الإرضاع فمدته سنتين كاملتين لقوله تعالى: (والوالدات يُرضعن أولادهن حولين كاملين)، أما حكمه بالنسبة للأم فنجده في قوله تعالى: (لا تضار والدة بولدها)، حيث يروي الإمام البخاري عن يونس عن الزهري أنه قال: "نهى الله أن تضار والدة بولدها، وذلك أن تقول الوالدة: لست مرضعته، وهي أمثلُ له غذاءً وأشفق عليه وأرفق به من غيرها، فليس لها أن تأبى بعد أن يعطيها من نفسه ما جعل الله عليه"111.(1/40)
والحليب الممتص من ثدي الأم هو الغذاء الطبيعي الملائم للطفل الوليد، وهو أول وأهم ما يحتاجه عند قدومه إلى هذه الدنيا، ولذا ورد الحث عليه، حيث يقول سبحانه: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه) 112، وعليه فلا يُقبل من الأم الامتناع عن إرضاع طفلها بحجة انشغالها بالعمل خارج البيت، لأنها تكون بذلك مقاومة لسنة الفطرة وطبيعتها كأنثى مزودة بجهاز قد خلقه الله لهذا الغرض.
وأما الحضانة والتربية فهي أمر له شأن عظيم وأثر كبير في حياة الطفل، ولذا جعله الله عز وجل من أعظم حقوق الأبناء على الآباء، وهو حق واجب في ذمة الأبوين معاً، وتقوم به الأم بالدرجة الأولى، لأنها المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الأبناء، أولا دروس الحياة، وهي القدرة المثلى أمامهم، فأول ما تتفتح عليه عينا الطفل هي أمه، فتحتضنه وتحنو عليه، وتجتهد في تربيته تربية إسلامية صحيحة، فيشعر بالأمان والاطمئنان، وتكون هي بذلك قد قامت بواجب من استرعاها الله إياه وحمَّلها مسؤوليته.
فوظيفة الزوجية ووظيفة الأمومة أهم وأعظم الوظائف التي تختص بالمرأة، وقد حددتهما النصوص الشرعية، فهما من أوجب الواجبات عليها، والإخلال أو التقصير في أدائهما من غير عذر يقع فيه الوزر عليها، وينشأ عنه الأثر السيئ على الأفراد والمجتمعات. وهذا من أهم الأسباب التي من أجلها شرع الإسلام للمرأة القرار في البيت وأمر الرجل بالإنفاق عليها وتلبية حاجاتها ومطالبها.(1/41)
إلا أنه ربما تحتاج المرأة إلى العمل خارج بيتها لظروف وأحوال عديدة، كأن تضطر إلى ذلك لإعالة نفسها وأولادها إن لم يكن لها من يعولها ويعول أولادها، وكأن تقوم بأعمال تمس الحاجة فيها إلى المرأة خاصة كالتوليد والتمريض ومعالجة الأمراض النسائية، والتعليم في مدارس البنات، والعمل في دور الرعاية الاجتماعية النسائية والجمعيات النسائية الخيرية، ونحو ذلك من المرافق التي يحتاج المجتمع فيها إلى طائفة من النساء لسد حاجته منها، فإنه والحالة هذه يجيز لها الإسلام العمل خارج بيتها وفق الضوابط الشرعية التالية:
1- إذن وليها لها بالخروج للعمل، سواء كان الولي أباً أو زوجاً.
2- خلو مقر عملها من الاختلاط والخلوة بالرجال الأجانب عنها.
3- التزامها بالحجاب الشرعي والحشمة والوقار، واجتنابها الطيب والزينة.
4- ألا يستغرق العمل جهدها ووقتها، فإذا ما استنفدت طاقتها وجهدها في العمل خارج منزلها، فإن ذلك سيخل - بلا شك- بأدائها لوظيفتها الأساسية داخل المنزل.
5- أن يتناسب العمل مع طبيعة تكوينها وفطرتها، بحيث لا تُوكل إليها الأعمال الشاقة التي تتطلب الخشونة وبذل الجهد العضلي، كأعمال الحفر والبناء والنقل وشق الطرق وإقامة السدود وأعمال مصانع الآليات الثقيلة.(1/42)
وأختم هنا في هذه النطقة يا مروة بكلمة جامعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فيها رد بليغ على دعاة خروج المرأة من بيتها ومشاركتها الرجل في ميدان عمله، حيث يقول تغمده الله بواسع رحمته: "إن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجل المؤدي إلى الاختلاط سواء كان ذلك على جهة التصريح أو التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جداً له تبعاته الخطيرة وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة رغم مصادمته للنصوص الشرعية، التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه. ومن أراد أن يعرف عن كثب ما جناه الاختلاط من المفاسد التي لا تحصى فلينظر إلى تلك المجتمعات التي وقعت في هذا البلاء العظيم اختياراً أو اضطراراً بإنصاف من نفسه وتجرد للحق عما عداه، يجد التذمر على المستوى الفردي والجماعي والتحسر على انفلات المرأة من بيتها وتفكك الأسر، ونجد ذلك واضحاً على لسان الكثير من الكُتَّاب، بل في جميع وسائل الإعلام وما ذلك إلا لأن هذا هدم للمجتمع وتقويض لبنائه.
والأدلة الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرَّم الله أدلة كثيرة قاضية بتحريم الاختلاط لأنه يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
وإخراج المرأة من بيتها الذي هو مملكتها ومنطلقها الحيوي في هذه الحياة إخراج لها عما تقتضيه فطرتها وطبيعتها التي جبلها الله عليها، فالدعوة إلى نزول المرأة في الميادين التي تخص الرجال أمر خطير على المجتمع الإسلامي، ومن أعظم آثاره الاختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا الذي يفتك بالمجتمع ويهدم قيمه وأخلاقه.
ومعلوم أن الله تبارك وتعالى جعل للمرأة تركيباً خاصاً يختلف تماماً عن تركيب الرجل، هيأها بها للقيام بالأعمال التي في داخل بيتها والأعمال التي بين بنات جنسها.(1/43)
ومعنى هذا: أن إقحام المرأة لميدان الرجال الخاص بهم يعتبر إخراجاً لها عن تركيبها وطبيعتها، وفي هذا جناية كبيرة على المرأة وقضاء على معنوياتها وتحطيم، ويتعدى ذلك إلى أولاد الجيل من ذكور وإناث، إذ أنهم يفقدون التربية والحنان والعطف، فالذي يقوم بهذا الدور وهو الأم قد فصلت منه وعُزلت تماماً عن مملكتها التي لا يمكن أن تجد الراحة والاستقرار والطمأنينة إلا فيها، وواقع المجتمعات التي تورطت في هذا أصدق شاهد على ما نقول. والإسلام جعل لكل من الزوجين واجبات خاصة على كل واحد منهما أن يقوم بدوره ليكتمل بذلك بناء المجتمع في داخل البيت وخارجه، فالرجل يقوم بالنفقة والاكتساب، والمرأة تقوم بتربية الأولاد والعطف والحنان والرضاعة والحضانة والأعمال التي تناسبها لتعليم البنات وإدارة مدارسهن والتطبيب والتمريض لهن ونحو ذلك من الأعمال المختصة بالنساء، فترك واجبات البيت من قِبَلْ المرأة يعتبر ضياعاً للبيت بمن فيه، ويترتب عليه تفكك الأسرة حسياً ومعنوياً، وعند ذلك يصبح المجتمع شكلاً وصورة لا حقيقة ومعنى. قال الله جل وعلا: (الرجال قوّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم) 113، فسنة الله في خلقه أن القوامة للرجل على المرأة؛ وللرجل فضل عليها كما دلت الآية الكريمة على ذلك.
وأمر الله سبحانه المرأة بقرارها في بيتها ونهيها عن التبرج معناه: النهي عن الاختلاط وهو اجتماع الرجال بالنساء الأجنبيات في مكان واحد بحكم العمل أو البيع أو الشراء أو النزهة أو السفر أو نحو ذلك، لأن اقتحام المرأة لهذا الميدان يؤدي بها إلى الوقوع في المنهي عنه، وفي ذلك مخالفة لأمر الله وتضييع لحقوق الله المطلوب شرعاً من المسلمة أن تقوم بها".
و بعد أن انهت أسماء كلامها قالت : ها .. يا مروة ... ما رأيك ؟
سكتت مروة و لم ترد خجلاً من نفسها .. و شعرت أنها اقتحمت عرين الأسد فما جاءت بشبهة إلا و كانت حجة عليها ..(1/44)
ثم قطعت مروة هذا الصمت قائلة : حسناً يا أسماء و لكنكِ لم تعلمي بعد ما في جعبتي من أدلة و براهين ..
ابتسمت أسماء ابتسامة حانية و قالت : هاتي ما عندك أخيتي ..
انتهت الشبهة الرابعة
الشبهة الخامسة : قصة يوسف عليه السلام
بدأت مروة في الكلام فقالت : ما رأيك في قصة سيدنا يوسف عليه السلام أليست دليلاً كافياً على الاختلاط في قوله تعالى : ( فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً أن هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ )114 ؟
ردت أسماء قائلة : من تأمل هذه الآية وما جاء قبلها وبعدها جزم بأنه لايصح الاستدلال بها على جواز الاختلاط، بل الآيات حجة عند النظر والتأمل لمن منع من الدخول على النساء ومخالطتهن:
فيوسف عليه السلام اشتراه عزيز مصر، وكان في بيته وكان خروجه بأمر ربة البيت فكان الخروج في حقه لضرورة أو حاجة، خاصة وأنه لايعلم لماذا دُعي، فغاية ما في القصة الاستدلال بفعل النسوة أو امرأة العزيز، وهذا استدلال بفعل من كان على الشرك، ومع ذلك فإن الآيات في سياق القصة وما تبعها من فتنة حصلت للنساء بل ولامرأة العزيز من قبل دليل على حرمة الاختلاط، فمن حلل الاختلاط بقصة يوسف لم يفقه ما استدل به عليه من سورة يوسف، ولو فقهه لحرم الاختلاط به، فانظر إلى الفتنة التي حصلت إثر الدخول على النساء ولئن عصم الله يوسف عليه السلام فأراه برهان ربه لكونه من المخلصين، فمن الذي يضمن هداية من تقحم الفتن وعرض نفسه لها؟ فـ"إياكم والدخول على النساء"، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم115.
انتهت الشبهة الخامسة
الشبهة السادسة : نبأ موسى مع المرأتين(1/45)
ردت مروة قائلة في غيظ شديد : إذن و ما رأيك في قصة سيدنا موسى و المرأتين .. أليست دليلاً كافياً بل و قوياً جداً لمن يكابر و يقول أن الاختلاط غير جائز ..
ردت أسماء في رفق : ليس في هذه القصة أي حجة على جواز الاختلاط بل هو دليل آخر على المنع، فموسى لما رأى أُمّة من الناس يسقون، ووجد من دونهم امرأتين تذودان غنمهما عن السقيا مع القوم، منعزلتان لاتسقيان مع الناس، لم يرضه موقفهما واستغربه ولهذا سألهما بعبارة مختصرة: ما خطبكما؟ فكان الجواب بأوجز عبارة وبقدر الحاجة: (لانسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير(116.
والأسئلة التي ينبغي أن تطرح هنا لماذا هذا الاقتضاب؟ مع أنه عند أبيهما قص القصص! ولماذا لم تسقيا؟ ولماذا ذادتا غنمهما؟ وعن ماذا ذادتا الغنم؟ أليس عن الاختلاط بغنم القوم؟ ثم أليس الأولى لهما أن تعجلا؟ جواب ذلك في القول باستقرار المنع من الاختلاط عندهما ولهذا قالتا: )لا نسقي حتى يصدر الرعاء117( ، وقد ذكر بعض المشايخ المعاصرين أربعة عشر وجهاً في القصة انتزع منها الدلالة على منع الاختلاط. وآخر ذكر تسعة عشر مظهراً من مظاهر العفة في القصة.
انتهت الشبهة السادسة
الشبهة السابعة : الاستدلال بأخبار سمراء والشفاء رضي الله عنهما
اشتاطت مروة غيظاً .. كلما جاءت بشبهة لتثبت لكبرها أنها المنتصرة عادت بخفي حنين .. فقالت : إذن ما رأيك في أخبار سمراء و الشفاء رضي الله عنهما .. ؟(1/46)
قالت أسماء : مما أشكل على بعض المضللين و دعاة الاختلاط و تحرير المرأة و الفجور خبر مفاده تولية النبي صلى الله عليه وسلم سمراء بنت نهيك أمر السوق، وحديث سمراء بنت نهيك الذي أخرجه الطبراني في الكبير، صححه بعض أهل العلم118، وفيه أن يحيى بن أبي سليم قال: "رأيت سمراء بنت نهيك -وكانت قد أدركت النبي صلى الله عليه وسلم- عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر"119، وهو كما ترى ليس فيه ذكر لولاية بل ولاسوق! ثم إن الاحتمالات ترد على معناه وغاية ما فيه أنه - ابن أبي سليم - رأى سمراء تأمر وتنهى، ولم يقل أنها اتخذت ذلك عملاً أو وليته منصباً، فربما كانت خارجة لبعض حاجتها فرأت المنكرات فأنكرتها، وهذا دأب عباد الله الصالحين، ولعل مما يجعل هذا الاحتمال وجيهاً هو عدم نقل غيره له ولو كان مَنصِباً لكان معروفاً مشهوراً منقولاً عن غيره، ولاسيما لو كان منصباً في محل عام يرده ويصدر عنه الفئام، بل ندر من لاتكون له حاجة فيه. وأهل العلم لايحرمون خروج المرأة للحاجة أو الضرورة وإن تكرر الخروج، فلو خرجت امرأة لحاجة والتزمت بضوابط الشرع في خروجها، فلا حرج عليها، فإذا رأت منكراً وكان بوسعها إنكاره فعليها أن تنكره، وهذا غاية ما في أثر بنت نهيك.(1/47)
ولايُعرف من أشار إلى توليتها السوق منصباً، وإنما ذُكر عن عمر - رضي الله عنه- أنه ولَّى أم سليمان بن أبي حثمة الشفاء بنت عبدالله العدوية القرشية شيئاً من أمر السوق، وقد كانت موصوفة بفضل وعقل وهي من المهاجرات الأوائل رضي الله عنهن جميعاً، ولعل خبر توليتها السوق ليس له سندٌ يُعوّل عليه، كما أن ظاهر كلام أهل العلم يفهم منه تولية ابنها ومساعدتها له في بعض الشأن، فقد ذكرها الحافظ المزي فقال: " وكان عمر بن الخطاب يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها وربما ولاها شيئاً من أمر السوق ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر"120 ونقله نحوه ابن حزم في المحلى121 ولكن الزرقاني أشار إلى أن من وُلِّي هو ولدها سليمان بن أبي حثمة، قال: " وقال (أبو) عمر رحل مع أمه إلى المدينة وكان من فضلاء المسلمين وصالحيهم واستعمله عمر على السوق وجمع الناس عليه في قيام رمضان"122، وكلام الزرقاني هو الذي نص عليه ابن عبدالبر كما في الاستيعاب123، وقد نقله الحافظ ابن حجر في الإصابة، وقال: " قلت هذا كله كلام مصعب الزبيري وذكره عنه الزبير بن بكار"124.
فغاية ما في هذا إن ثبت - فمصعب الزبيري توفي في ستة وثلاثين ومائتين وبينه وبين عمر مفاوز- أن عمر رضي الله عنه ولاها شيئاً من أمر السوق مع ابنها، ولعل ذلك فيما يختص بما يحتاج الرجال دخول النساء فيه فكانت تساعده في ذلك والله أعلم، وهذا الصنيع له وجهه الذي لايخفى فإن شؤون النساء قد لايناسب مباشرة بعض حالات احتسابها رجال، وهذا ظاهر.
وأخيراً هناك من يذكر خبراً عن شخصية يسمونها خولة بنت الأزور ويذكرون قصة إنقاذ أخيها ضرار -وهو صحابي معروف- من الأسر، ولا أصل لهذه القصة فلا يوقف معها، بل إن في ثبوت شخصية خولة هذه نظر فضلاً عن القصة.
انتهت الشبهة السابعة
هنا توقف لسان مروة عن الحديث .. فلم يعد في جعبتها بعد أن فندت أسماء كل أدلتها الواهية شيئاً ..
فانهارت و أخذت تبكي بكاءاً له نحيب ..(1/48)
لم تفهم أسماء ماذا حدث فأخذت تربت على كتفيها و تهدئها .. إلى أن هدئت ..
فسألتها أسماء : ماذا حدث يا مروة .. هل آذيت شعوركِ في شيء ؟ صارحيني ..
فردت عليها مروة : لا يا أسماء أبداً .. أنا فقط أصابني الإرهاق فقط من كثرة النقاش و ليس لدي القدرة على المواصلة .
فهدّأت أسماء من روع مروة .. و انصرفا إلى حديث آخر لعلها تهدأ و اتفقا على موعد آخر في صباح بعد غد- وكان يوم جمعة- لاستكمال الحديث.
خرجت مروة من بيت أسماء متجهةً إلى منزلها فبدأت تنزل الدرج شاردة الذهن فيما علمته من الحق و لكنها تكابر حتى تثبت أنها على صواب .. و بينما هي كذلك تذكرت أنها على موعد خلال بضع دقائق مع صديقها هاني .. و لم تدر ما تفعل .. هل تخرج معه بعد الحق الذي علمته أم ماذا ؟!
و بعد التفكير لم تستطع مروة أن تهزم تكبرها على الحق .. و قررت الخروج مع هاني و كأن شيئاً لم يكن .. و لحظات حتى جاءت سيارة هاني في المكان المتفق عليه للقاء و كان بقرب بيت أسماء و جاءت السيارة بنفس الصخب الذي جاءت به أول مرة ، لتستقل مروة السيارة مع صديقها - كما تزعم - هاني ....
سارت السيارة بسرعة جنونية متجهة إلى هدفها و هو أحد المقاهي التي انتشرت في الآونة الأخيرة تحت عنوان ( كوفي شوب ) و في الطريق لاحظ هاني شرود مروة و استغراقها في التفكير ..
فبادر بالسؤال قائلاً : ما الذي أصابك يا مروة ؟! هل حدث شيء ؟!
انتبهت مروة لكلام هاني الذي قطع عليها حبال تفكيرها
فقالت : لا شيء .. لا عليك يا هاني .
سكت هاني و لم يسأل مرة ثانية و كأنه لم يسأل و استغرق في سماع الموسيقى الصاخبة و استغرقت مروة في التفكير من جديد ..
و عندما وصلت السيارة إلى هدفها استقرت أمام الـ ( كوفي شوب ) و نزلت مروة بصحبة هاني لمقابلة الـ ( شلة ) التي كانت تتكون من فتاتين و شابين بالإضافة إلى مروة و هاني ..(1/49)
دخل هاني بصحبة مروة إلى الـ ( كوفي شوب ) و إذا بهما أمام الـ ( شلة ) التي كانت جالسة على إحدى الطاولات الموجودة بالمكان فاتجها إليهم .. و جلسا بعد الترحيب .. و ما زالت الحقيقة تتقلب في رأس مروة مما أدى إلى استغراقها في التفكير .. و صمتها التام .. لاحظ ذلك أفراد الـ ( شلة )
فسألوا مروة مستهزئين125 : ماذا يا مروة ، هل تفكرين باختراع الذرة ؟ << و تعالت الضحكات<<
فردت مروة : بل أفكر في مصيري .. هل أبقى معكم في هذه الـ ( شلة ) الغبراء أم لا ؟!
خيم الصمت على المكان .. و حل الوجوم بأهله .. و كأن الصاعقة قد حلت عليهم ..
حوار ساخن
لم يصدق أحدا من أفراد الـ ( شلة ) هذه الكلمات التي انطلقت من لسان مروة كطلقات الرصاص و لم تدرك مروة ما قالت .. فلم تجد تفسيراً واحداً لهذا الكلام إلا أن كلام أسماء و حديثها قد أثر فيها تأثيراً بالغاً ..
فسأل هاني مستعجباً منزعجاً : مروة .. هل تمزحين ؟!
لم يكمل هاني سؤاله حتى عاد بالجواب من لسان مروة : لا بالطبع أنا أفكر قطعياً بترككم للأبد ..
فقالوا : لِمَ ؟ هل صدر منا ما يزعجك ؟
قالت مروة : لا بل على العكس تماماً .. قضيت معكم أياماً لن أنساها طيلة حياتي إلى مماتي .. و لكنها كانت أياماً مليئة بالمعاصي و الذنوب .. اشتد ظلامها من هول ما كنا نفعل .. فكيف لي أن أنسى مكوثي مع هاني طيلة النهار نطوف في الشوارع أو في المقاهي منفردين .. و لم أعي بقلبي ما قاله حبيبي لي ..
قالوا وسط ذهول الجميع : حبيبك ؟! من ؟! هل تحبين من ورائنا ؟! >>و تعالت الضحكات<<
قالت و لم تدر كيف قالت : حبيبي رسول الله .. قال : " ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان" 126 و استمرت قائلة وسط ذهول الحاضرين .. أود أن أطرح عليكم سؤالاً و بالله عليكم أجيبوني بكل صراحة ..
قالوا في عجب : تفضلي ؟!(1/50)
قالت : ما رأيكم إذا عرفتم أن أخواتكم أو بناتكم أو نساء من أهل بيتكم خرجن مع شباب غير محارم لهن متسكعات في الشوارع و المقاهي ؟!
سكت الجميع و لم يلفظ أحد منهم بكلمة واحدة .. فأعادت عليهم مروة السؤال و لكن بنبرة أشد حدة من ذي قبل و كأنها تؤنبهم ..
فلم يرد أحد .. لأن الإجابة لم تكن بمستحيلة و لكنها صعبة على القلوب ثقيلة على اللسان معروفة في الأذهان .. و تركت لهم المقهى و انصرفت ...
انصرفت مروة و دموعها لا تتوقف كالنهر الجارف .. متجهة إلى منزلها مستغرقة في أفكارها .. و تقول في نفسها : من أين أتت هذه القوة بين جانبيّ .. يا هل ترى هل بدأ الحق يسطع في قلبي .. ؟!
نامت مروة دامعة العينين .. لتستعد ليوم جديد .. و لربما علاقة جديدة مع ربها ..
وجاء اليوم التالي .. و حان وقت العمل .. و لكن مروة لم تكن تطيق لترى هذه الوجوه التي تركتها بالأمس فاتصلت برئيسها في العمل تطلب منه إجازة عارضة لهذا اليوم أيضاً فوافق بعد أن أنذرها أن هذه هي آخر إجازة يمكن أن تطلبها في هذه الفترة .
لم تعلم ماذا تفعل مروة فموعدها مازال مع أسماء غداً .. و إذا هي كذلك .. دق جرس الهاتف النقّال ( المحمول ) فإذا به هاني .. فأغلقت مروة الهاتف و لم تتلقَ أي مكالمة هاتفية على هاتف المنزل و ظلت شاردة حزينة بين بكاء و صمت إلى أن دقت الساعة الرابعة عصراً .
و دقت حينها أجراس الحقيقة في قلب مروة فقامت للوضوء و استعدت لصلاة العصر و في الصلاة أخذت تدعو الله بحرارة شديدة و بكاء مرير أن يلهمها الحق و أن يرزقها إتباعه فلم تعد تقوى على ما هي فيه ..
فبعد الصلاة أحست مروة بالراحة و الطمأنينه و شعرت مروة أن الحل في الصلاة و قد تعلمت مروة في مدرستها أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله في الثلث الأخير من الليل و يقول هل من مستغفر لأغفر له هل من تائب لأتوب عليه ؟!(1/51)
هنا عقدت مروة العزم على ألا تفوت الليلة هذه المقابلة الهامة جداً بينها و بين الله عز و جل لتطلب منه عز و جل التوفيق و السداد لما فيه الخير و الصلاح لدنياها و آخرتها .
قامت مروة و هي نشيطة سعيدة لتتناول وجبة الغداء و بعد ما انتهت منها نامت قليلاً لتستعد لموعدها الهام الليلة .
موعد هام
و انتظار بالإجابة
دق جرس المنبه لتقوم مروة إلى موعدها الهام في الثلث الأخير من الليل فقامت و توضأت و أحسنت الوضوء و استعدت للقاء خالقها و مصورها و بارئها و أمسكت المصحف و بدأت في الصلاة ..
ففي أول ركعة قرأت :
(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً × وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً)127
و في الركعة الثانية قرأت :
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ × اعْلَمُوا أن اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )128
و في كل ركعة تخر إلى الله ساجدة داعية باكية منيبة طائعة ، تدعو بحرقة شديدة بصوت يخرج من الأعماق أن يمن الله عليها بالحق و أن يتوب عليها و يجنبها الباطل و الكبر و التمادي في الضلال .(1/52)
و بعد أن انتهت من صلاتها و سلمت .. أخذت تستغفر و تدعو بإصرار و عزيمة شديدين إلى أن أذن المؤذن لأذان الفجر فقامت و صلت و دعت الله تعالى أن يكتبها من عباده التائبين
قرار مفاجئ
جاء اليوم التالي ، و دقت الساعة الثامنة صباحاً و كان هذا يوم الجمعة .. و كانت قد اتفقت مروة مع أسماء على أن يكون موعدهما من الساعة التاسعة إلى صلاة الجمعة.
عندما دقت الساعة الثامنة و النصف بدأت مروة في التحرك من بيتها حتى تدرك موعدها مع أسماء و لا تتأخر عليها و حال مروة بين الأمس و اليوم شتان الفارق شتان .. كانت صافية النفس ، تملأها العزيمة و الإرادة و لم يكن يعلم أحد بما يدور في رأس مروة إلا الله ، و يبدو على وجهها أنها إتخذت قرار ما و قريباً جداً تنفيذه.
دقت الساعة التاسعة و دق جرس الباب و إذا بمروة تقف على باب بيت أسماء فرحبت بها أسماء و أدخلتها إلى غرفة النساء ..
لاحظت أسماء التغير على وجه مروة و النور الذي يشع من وجهها فاستبشرت خيراً
و سألتها و هي متهللة الوجه : مالي أراكِ على حال غير الحال يا مروة ؟
ردت مروة و ابتسامتها تملأ شفتيها : أحمد الله على ذلك يا أسماء فوالله لقد عشت ليلة لم أعشها من قبل و أحسست بأني أملك الأرض و ما فيها .
تعجبت أسماء و قالت : كيف ؟!
فقالت مروة : عشت ليلة يا أسماء ما أحسست أني فيها خاضعة ذليلة إلا فيها .. عشت ليلة لم أشعر في حياتي بمثلها ... عشت ليلة لو ملكت الأرض كلها بدلاً من هذه الليلة ما أشبعتني كما فعلت تلك الليلة .
ردت أسماء في لهفة : و ما هي هذه الليلة و ماذا فعلتي شوقتيني يا مروة ؟
فردت مروة في سرور : لقد عشت ليلة مع الله
وقفت أسماء تنظر إلى مروة و عينيها تلمعان من تجمع الدموع فيها ..
و سألت أسماء مرة أخرى : مع من ؟
قالت مروة مرة أخرى : مع الله .. و قد هدانيَ الله إلى أمر سيغير مجرى حياتي يا أسماء أود أن أشارككِ به !!(1/53)
قالت أسماء و هي تحبس دموعها : بالطبع يا مروة ما هو ؟
ردت مروة : لقد قررت أن أقطع علاقتي بكل من حولي من الرجال و أن أستقيل من عملي يا أسماء ..
لم تتمالك أسماء نفسها فبكت بشدة فرحاً بما قالته مروة .. و لم تتمالك مروة أن ترى صديقة عمرها في هذه الحالة فبكت معها من شدة التأثر ..129
فلما هدأت أسماء قالت : و الله نعم القرار يا أخيتي نعم القرار !!
ردت مروة و هي متؤثرة بشدة : الحمد لله الذي من عليّ بهذا القرار يا أختي الحمد لله الذي أنعم عليّ بأخت مثلك تنصحني و تتحمل سخافاتي و مضايقاتي الحمد لله الحمد لله .
قالت أسماء : و متى التنفيذ يا أختي ؟
ضحكت مروة و قالت : من الغد بإذن الله سأذهب لتقديم استقالتي لأتفرغ لربي و بيتي و زوجي الذي أدعو الله أن يرزقني إياه ..
فدعت لها أسماء و بكت من شدة الفرح و انخرطا في حديث آخر إلى أن حان موعد إنصراف مروة فعانقت أسماء بشدة و هي تشكرها و اتفقا على موعد آخر بعد أن تقدم مروة استقالتها لكي تطمئن أسماء عليها .
في اليوم التالي :
ذهبت مروة إلى مقر عملها و على محياها علامات الجد و العزيمة .. و استئذنت في الدخول على رئيسها في العمل و لكن بصحبة إحدى صديقاتها130 و عندما دخلت أعطت المدير ورقة صغيرة
و قالت : سيدي المدير أنا اعتذر بشدة فأنا أقدم استقالتي إليكم و أرجو منكم قبولها.
تعجب المدير و قال : لِمَ ؟
قالت : ستجد السبب في الورقة يا سيدي .
و تركت المكتب و انصرفت من المصلحة بلا رجعة .. فلما انصرفت قام رئيسها بفتح الورقة فلم يجد بها إلا سطر واحد ..
تركت العمل طاعة لله و رسوله131(1/54)
1 سلسة ( أختاه .. متى الالتزام ؟! ) سلسلة تتكون من عدة موضوعات تواجه كل الأخوات إلا من رحم ربي و عصم سنتناولها عن طريق قصة و أحداث حتى نزيح من عليها ستار الملل و ربما توجد من بين هذه الموضوعات ما يواجه الأخوة أيضاً و سيكون لهم سلسلة منفصلة بإذن الله اسمها ( أخي .. متى الالتزام ؟! ) قريباً إن شاء الله تصدر من نور الإسلام .. و إنما كان الإهتمام بالأخوات أولاً لما في ذلك من صلاح المجتمع و إصلاحه إن إلتزمن بعون الله و توفيقه .
2 من المصادر التي اعتمدنا عليها بعض الأبحاث الموجودة التي توجد بمكتبة صيد الفوائد و هي : الاختلاط بين الواقع والتشريع و حكم الاختلاط و بعض المقالات الهامة في هذا الشأن و تم التحقق منها.
3 المقدمة مقتبسة من كتاب ( مناظرة مبهجة بين متحجبة و متبرجة ) لإبراهيم فتحي عبد المقتدر و راجعه الشيخ / وحيد عبد السلام بالي
4 سورة إبراهيم 48 : 52
5 لن نذكر أيةً أسماء حقيقة لشيخ أو لمكان إلا عند الإستدلال به
6 إذا قمنا باستخدام ألفاظ عامية أو شائعة سنقوم بوضعها بين أقواس هكذا .. ( )
7 هذه هي الزوجة التي تعين زوجها على طاعة ربه
8 هذا هو المسلم يكرم ضيفه دون أن يستأذنه في إحضار الطعام أو لا مصداقاً لحديث رسول الله - صلى الله عليه و سلم- " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
9 لا يجوز للمراة أن تخالط الرجال إلا من ذوي المحارم أو ما شرع الله .. و هذا ما تم تحديده في الآية الكريمة من سورة النور (31)
10 هذا حال كل من علم أنه على معصية ، فعند مناصحته يتعجرف و يغضب و يزمجر و هويعلم أنه على خطأ إلا من رحم ربي و عصم .(1/55)
11 عن أبي ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: <يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة: فكل تسبيحة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعةما من الضحى> رَوَاهُ مُسلِمٌ.
12 تحتوي مكتبة محمد على كثير من الكتب الحديثة و القديمة من كتب السلف والمعاصرين
13 سورة الاحزاب 33 - 34
14 سورة الأحزاب 59
15 سورة النور 30-31
16 سورة الأحزاب 32.
17 انظر: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -الرسائل والفتاوى النسائية ص 20-22، ط الأولى 1409هـ، دار طيبة - الرياض.
18 سورة الأحزاب 53.
19 رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب (الصلاة)، باب (تسوية الصفوف وإقامتها) ج4/ص 159.
20 رواه الترمذي في سننه في (أبواب الرضاع)، الباب رقم (18) برقم (1183)، وقال: "حديث حسن صحيح غريب" ج2 / ص319. وقال كل من الهيثمي والمنذري: رواه الطبراني في الأوسط من حديث عبد الله بن عمر، ورجاله رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد ج4/ ص314، والترغيب والترهيب ج1/ ص304.
21 المناوي -فيض القدير ج6/ ص266، ط دار المعرفة، بيروت - لبنان.
22 الترغيب والترهيب ج1/ ص 306.
23 رواه ابن خزيمة في صحيحه في كتاب (الإمامة في الصلاة)، الباب (177)، الحديث رقم (1689) ج3/ ص95. كما رواه ابن حبان في صحيحه برقم (2214) ج3/ ص 318، وعزاه الحافظ ابن حجر في (الفتح) إلى الإمام أحمد والطبراني، وقال: "وإسناد أحمد حسن، وله شاهد من حديث أبي مسعود عند أبي داود" ج2/ ص 350.
24 الحمو: أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه.
25 رواه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب (النكاح)، الباب (111)، الحديث رقم (5232) ج9/ ص330. ورواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب (السلام)، باب (تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها) ج 14/ ص 153.(1/56)
26 رواه البخاري في صحيحه في كتاب (النكاح)، الباب (111)، الحديث رقم (5233) ج9/ ص330-331. ورواه مسلم في صحيحه في كتاب (الحج)، باب (سفر المرأة مع محرم إلى حج أو غيره) ج9/ ص109-110.
27 رواه الإمام أحمد في المسند ج3/ ص 446، ورواه الترمذي في سننه من حديث عمر رضي الله عنه في (أبوب الفتن)، باب (ما جاء في لزوم الجماعة) برقم (2254) ج3/ ص315، وقال: "حديث حسن صحيح غريب". ورواه الحاكم في المستدرك وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين" ج1/ ص 198.
28 رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب (الآداب)، باب (نظر الفجأة) ج14/ ص138-139.
29 رواه الإمام أحمد في المسند ج5/ ص353، 357. ورواه أبو داود في سننه في كتاب (النكاح)، باب (ما يؤمر به من غض البصر) ج2/ ص246، الحديث رقم (2149). ورواه الترمذي في سننه في (أبواب الاستئذان والآداب)، باب (ما جاء في نظرة الفجاءة) ج4/ ص191، الحديث رقم (2927)، وقال: هذا حديث حسن غريب". ورواه الحاكم في المستدرك، وقال: "حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ج2/ ص212.
30 رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب (الحج)، باب (الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما) ج9/ ص97.
31 رواه الإمام أحمد في المسند ج6/ ص296. وأبو داود في سننه في كتاب (اللباس)، باب (في قوله عز وجل: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) ج4/ ص63-64، الحديث رقم (4112). والترمذي في سننه في (أبواب الاستئذان والآداب)، باب (ما جاء في احتجاب النساء من الرجال)، ج4/ ص191-192، الحديث رقم (2928)، وقال: "حديث حسن صحيح".
32 رواه الإمام الشافعي في مسنده ص 127، ط الأولى 1400هـ-1980م، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
33 رواه البخاري في صحيحه في كتاب (التفسير)، الباب (8)، الحديث رقم (4790) ج8/ ص 527.
34 عبد الوهاب الشعراني - كشف الغمة عن جميع الأمة ج1/ ص104، ط مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح بمصر.
35 فتح الباري ج3/ ص 480.(1/57)
36 حجرة: بفتح الحاء وسكون الجيم، أي ناحية، وهو مأخوذ من قولهم: نزل فلان حجرة من الناس، أي: معتزلاً. انظر: لسان العرب، مادة (حجر).
37 صحيح البخاري مع الفتح، كتاب (الحج)، الباب (64)، الحديث رقم (1618)، ج3/ ص479-480.
38 القرطبي - الجامع لأحكام القرآن ج14/ ص180-181. والشوكاني- فتح القدير ج4/ ص281.
39 العُلوج: جمع علْج، وهو الرجل من كفار العجم، أو الضخم القوي.
40 ابن الجوزي -أحكام النساء ص 34، ط الثانية 1405هـ-1985م، دار الكتب العلمية - بيروت.
41 انظر: ابن الأثير الجزري -أسد الغابة في معرفة الصحابة ج6/185، ط دار الفكر- بيروت
42 رواه الطبراني في المعجم الكبير ج9/ ص 294، الحديث رقم (9475). وروى البيهقي نحوه في السنن الكبرى عن سعد بن إياس ج3/ ص 186.
43 رواه الطبراني في (المعجم الكبير) برقم (9480) ج9/ ص294، وقال الهيثمي: "رجاله ثقات" -مجمع الزوائد ج2/ ص35، وقال المنذري: "إسناده حسن"- الترغيب والترهيب ج1/ ص 305.
44 رواه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب (العيدين)، الباب (18)، الحديث رقم (977) ج2/ ص465.
45 فتح الباري ج2/ ص 466.
46 رواه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب (الأذان)، الباب (164)، الحديث رقم (871)، ج2/ ص351.
47 سنن أبي داود، كتاب (الصلاة)، باب (في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال)، الحديث رقم (462)، ج1/ ص126. وقد صحح الشيخ الألباني الحديث مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في (صحيح الجامع الصغير) ج5/ ص61، برقم (5134).
48 صحيح البخاري، كتاب (الأذان)، الباب (164)، الحديث رقم (870) ج2/ ص350-351.
49 صحيح البخاري، كتاب (الأذان)، الباب (157)، الحديث رقم (850) ج2/ ص 334.
50 فتح الباري ج2/ ص 336.
51 المغني ج2/ ص 254.
52 رواه مسلم في صحيحه في كتاب (الصلاة)، باب (خروج النساء إلى المساجد) ج4/ ص162.(1/58)
53 رواه البخاري في صحيحه في كتاب (مواقيت الصلاة)، الباب (27)، الحديث رقم (578)، ج2/ ص54. ورواه مسلم في صحيحه في كتاب (المساجد ومواضع الصلاة)، باب (استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها) ج5/ ص143-144.
54 رواه مسلم في صحيحه في كتاب (الصلاة)، باب (خروج النساء إلى المساجد) ج4/ ص163.
55 رواه مسلم في صحيحه في الموضع السابق، ج4/ ص 163.
56 صحيح البخاري مع الفتح، كتاب (الأذان)، الباب (163)، الحديث رقم (869)، ج2/ ص349. ورواه مسلم في صحيحه -واللفظ له- في كتاب (الصلاة)، باب (خروج النساء إلى المساجد) ج4/ ص163-164.
57 تحققن الطريق: أي تتوسطنه. انظر: لسان العرب، مادة (حقق).
58 رواه أبو داود في سننه في كتاب (الأدب)، باب (في مشي النساء مع الرجال في الطريق)، الحديث رقم (5272) ج4/ ص369، وقد حسنه الألباني في (صحيح الجامع الصغير) برقم (942) ج1/ ص317.
59 إلى الحد الذي يضطر معه النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً إلى القيام إليهن لعدم قدرتهن على سماع صوته لبعدهن عنه، كما مر معنا قبل قليل .
60 سورة النور31.
61 انظر: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -الرسائل والفتاوى النسائية ص 32، 37.
62 يعني: ظاهرة الاختلاط بين الرجال والنساء .
63 الرسائل والفتاوى النسائية ص 23 - 24. وأشنع من ذلك أن يحتج البعض على جواز دخول المرأة للعسكرية بهذه الحوادث الفردية المقيدة! انظر: رسالة "القصيبي من القصص الموضوعة إلى الأحاديث الصحيحة" لسليمان الخراشي، منشورة في موقع (صيد الفوائد) على شبكة الإنترنت .
64 انظر: د. مصطفى السباعي - المرأة بين الفقه والقانون ص 151، ط السادسة 1404هـ-1984م، المكتب الإسلامي - بيروت.
65 هناك فرق بين "قول الصحابي" و"واقعة حال له" فتنبه لهذا.(1/59)
66 رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك، ج3/ ص198. ورواه الدارمي في سننه في كتاب (الرقاق)، باب (في التوبة) ج2/ ص213 برقم (2730). كما رواه الترمذي في سننه في أبواب (صفة القيامة)، الباب (15)، الحديث رقم (2616) ج4/ ص 70. وحسنه الألباني في (صحيح الجامع الصغير) برقم (4391) ج4/ ص171، وتتمة الحديث: "وخير الخطائين التوابون".
67 سورة الأحزاب 33.
68 زاد المسير في علم التفسير ج6/ ص 379، ط الأولى 1385هـ-1965م، المكتب الإسلامي، دمشق وبيروت.
69 تفسير القرآن العظيم ج3/ ص 482.
70 أحكام القرآن ج3/ ص1535، بتحقيق: علي البجاوي، ط دار الفكر .
71 تفسير المراغي ج22/ ص6، ط الثانية 1985م، دار إحياء التراث العربي - بيروت.
72 صفوة البيان لمعاين القرآن ص 531، ط الثالثة 1407هـ-1987م، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت.
73 تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ج6/ ص 219، ط عام 1404هـ- نشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء - الرياض.
74 أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير ج3/ ص561، ط الأولى 1407هـ-1987م، بدون ذكر الناشر.
75 الحجاب ص 235، دار الفكر.
76 الجامع لأحكام القرآن ج14/ ص179.
77 فتح القدير ج4/ ص 278.
78 أحكام القرآن ج3/ ص 471، ط الأولى 1415هـ-1994م، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
79 روح المعاني ج22/ ص6، ط دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.
80 سورة الأحزاب 32.
81 سورة الأحزاب 30.
82 سورة الأحزاب 31.
83 سورة الأحزاب 32-33.
84 سورة الأعراف 158.
85 سورة سبأ 28.
86 سورة إبراهيم 52.
87 سورة الأنعام 19.
88 سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -الرسائل والفتاوى النسائية ص 33-34.
89 سورة الأحزاب 32-33.
90 الحجاب، هامش ص 235-236.
91 سورة الإسراء 23.
92 فصل الخطاب في المرأة والحجاب ص 37-38، ط مطابع سحر - جدة .
93 سورة يوسف 53.
94 سورة آل عمران 117.(1/60)
95 هذه هي المرأة المسلمة لا يشغلها شاغل عن أمور بيتها و رعاية أفراد أسرتها .
96 مصداقاً لقوله تعالى : فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً [الأحزاب : 32]
97 هذه هي المرأة المسلمة تصون زوجها في نفسها فلا تدخل أحداً إلى منزلها من دون المحارم و النساء مصداقاً لقوله صلى الله عليه و سلم :" ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان" إنظر التصحيح في النقطة 126 من الحاشية و قوله صلى الله عليه و سلم : "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" إنظر التصحيح في النقطة 26 من الحاشية
98 و مروة تعد من عائلة ميسورة الحال ترك لها والدها مالاً وفيراً و هي تعيش في الأصل مع والدتها و أخ وحيد و لكنهما كانا يقضيان إجازة في أحد المدن الساحلية.
99 مرتدية الحجاب الكامل الذي يستر جميع بدنها ليس كما يفعل معظم النساء يخرجون دون حجاب و ربما بملابس النوم و أنا لله و أنا إليه راجعون.
100 للاستزادة في معرفة طبيعة هاتين الوظيفتين راجع كتاب (مشكلات المرأة المسلمة المعاصرة وحلها في ضوء الكتاب والسنة) للدكتورة مكية مرزا ص 49 وما بعدها، ط الأولى 1410هـ-1990م، دار المجتمع.
101 سورة الأعراف 189.
102 سورة الروم 21.
103 سورة النحل 72.
104 سورة الأحقاف 15.
105 سورة لقمان 14.
106 سورة البقرة 233.
107 تقدم تخريجه في ص 361.
108 سورة الممتحنة 12.
109 سورة مريم 23.
110 سورة الأحقاف 15.
111 صحيح البخاري مع الفتح، كتاب (النفقات)، الباب (4)، ج9/ ص504.
112 سورة القصص 7.
113 سورة النساء 34.
114 سورة يوسف 31
115 البخاري 5/2005، ومسلم 4/1711.
116 سورة القصص 23
117 سورة القصص 23(1/61)
118 قال العلامة الألباني في الرد المفحم: "أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ( 24 / 311) بإسناد جيد، قال الهيثمي (9/264) ورجاله ثقات"، وقد ذكر سمراء بنت نهيك الإمام ابن عبد البر في الاستيعاب (4/1863) وذكر نحو هذا الأثر، أما ابن حجر -رحمه الله- فقد ذكرها ثم قال في الإصابة (7/712) : "تأتي في القسم الثالث" فما أتت، وكأنه نسيها، وممن أشار إلى صحبتها صاحب تاريخ واسط 1/42، ولعل الأثر مختلف فيه لاختلافهم في ابن أبي سليم، ولكن ليس فيه أنها وليت السوق.
119 المعجم الكبير 24/311.
120 انظر تهذيب الكمال (25/207).
121 9/429.
122 انظر شرح الزرقاني 1/286.
123 2/649.
124 3/242
125 كعادة تلك الخروجات المذمومة و الصداقات المحرمة .
126 رواه الإمام أحمد في المسند ج3/ ص 446، ورواه الترمذي في سننه من حديث عمر رضي الله عنه في (أبوب الفتن)، باب (ما جاء في لزوم الجماعة) برقم (2254) ج3/ ص315، وقال: "حديث حسن صحيح غريب". ورواه الحاكم في المستدرك وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين" ج1/ ص 198.
127 سورة النساء 17-18
128 سورة الحديد 16 -17
129 يكون العبد في قمة التأثر و الخضوع و الذل إلى الله و رقة القلب في حال التوبة من ذنب عظيم و يكون همه كبير في تحصيل طاعات الله من أجل أن يبدل سيئاته حسنات
130 حتى لا تحدث خلوة بينها و بين رئيسها في العمل
131 و كانت هذه نهاية الجزء الأول من قصتنا : أختاه متى الالتزام .. و التي تناولنا فيها : الاختلاط و عمل المرأة داعين الله أن يوفقنا لما فيه الخير و الصلاح و إلى اللقاء في الجزء الثاني لنرى ماذا حدث عندما قابلت مروة أسماء ..
??
??
??
??
19(1/62)