بحث مقدم للملتقى الثالث
للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية
تنظيم: الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض
إعداد
يوسف بن عبد الله بن محمد العليوي
المحاضر بقسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ?
? يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ?
? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ? .
أما بعد،(1/1)
فلقد امتن الله على عباده بإنزال القرآن العظيم فقال - عز وجل -: ? الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ? [الكهف: 1]، وقال: ? تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ? [الفرقان: 1]، وامتن سبحانه عليهم بتسهيل تلاوته وحفظه وتعلمه، كما قال - عز وجل -: ? وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ? [القمر: 17]، وامتن عليهم مع ذلك أن علمهم البيان الذي به يكون النطق والقراءة والفهم والإفهام، وقد جمع الله بين هذه المنن في قوله - عز وجل -: ? الرَّحْمَنُ - عَلَّمَ الْقُرْآنَ - خَلَقَ الإِنْسَانَ - عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ? [الرحمن: 1-4].
وكان من تقدير الله عز وجل أن أنزل هذا القرآن العظيم بلغة العرب التي هي أفضل اللغات وأشرفها، وأحسنها بيانًا، وأسهلها اكتسابًا، كما قال - عز وجل -: ? وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ - نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ - عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ - بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ? [الشعراء: 192-195]، وقال: ? فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ? [مريم: 97]، وقال: ? إِنَّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ? [يوسف: 2]، قال ابن كثير: (وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات، على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنة وهو رمضان، فكمل من كل الوجوه)(1).
__________
(1) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 4/365.(1/2)
لهذه العلاقة الوثيقة بين القرآن العظيم واللغة العربية فإنه يفترض أن يكون له أثر كبير فيها، ليس في حفظها وانتشارها زمانًا ومكانًا على خلاف اللغات الأخرى التي لا تلبث أن تنقرض أو تتغير، فهذا أثر لا شك فيه(1)، وإنما الأثر المفترض أن يكون في اكتسابها وتكوين ملكتها، وهو ما تبين لي من خلال الواقع والتجارب والبحوث والدراسات التي تناولت هذا الموضوع، فأحببت أن أثبت نتائجها وأقدم خلاصتها في هذا البحث الموسوم بـ"أثر تعلم القرآن الكريم في اكتساب الملكة اللسانية"، لعله أن يكون محفزًا إلى حفظ القرآن الكريم وتلاوته وتدبره، ومحفزًا إلى اكتساب لسانه العربي المبين وتعلمه، سائلاً الله - عز وجل - أن يرزقني فيه السداد والتوفيق.
وأنا أقدمه للملتقى الثالث للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية، شاكرًا للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض رعايتها وتنظيمها للملتقى، ودعمها لكل ما يخدم كتاب الله - عز وجل -، وسائلاً الله - عز وجل - أن يرفع درجات القائمين عليها في الدنيا والآخرة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
البحث
تعريف الملكة واللسان.
الملكة هي: الصفة الراسخة في النفس، بحيث لا تقبل الزوال بسهولة(2).
والمقصود باللسان هنا: اللغة العربية، ويقال للغة لسانًا، كما في قول الله تعالى: ? بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِيْن ? [الشعراء: 195]، وقوله: ? وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ? [النحل: 103].
__________
(1) ينظر: أثر القرآن في اللغة العربية، لأحمد الباقوري: 28، وفصول في فقه العربية، لرمضان عبد التواب: 414.
(2) .ينظر: التعريفات، للجرجاني: 297، وتاج العروس، للزبيدي: 10/170 مادة "س ج ى"، ومقدمة ابن خلدون: 2/258.(1/3)
ولما كان الكلام يتدرج من الفصاحة إلى البلاغة؛ لأن المرء لا يكون بليغًا حتى يكون فصيحًا، فإن الملكة اللسانية تشملهما، وهما ملكتان.
أما الفصاحة فإنها تهدف إلى الإبانة والإيضاح والإفهام، وتُعنى بصحة استعمال اللفظة في معناها المعروف في لغة العرب، وسلامة بنائها ونطقها، وسلامتها من الغرابة والابتذال وثقل النطق، وصحة التركيب نحويًا، وسلامته من اللحن والتعقيد وثقل النطق.
وأما البلاغة فإنها تهدف بعد فصاحة الكلام إلى التأثير والإقناع، وتُعنى برعاية الكلام لمقتضى الحال.
وقد تستعمل الفصاحة في معنى البلاغة، وهذا شائع قديمًا قبل الاصطلاح على تقسيم الكلام عند البلاغيين إلى فصيح وبليغ(1).
شأن الملكة اللسانية عند العرب.
للملكة اللسانية عند العرب شأن عظيم، حتى صارت قيمة من القيم الاجتماعية، ومقومًا من مقومات الشخصية، ومعيارًا للمروءة والجمال، وكثر النقل عنهم في هذا المعنى، حتى قال الأصمعي: (العرب تقول: جمال الرجل الفصاحة)(2)، وقال ابن عبد البر: (كان يقال: الجمال في اللسان)(3)، وقال: (قالوا: العربية تزيد في المروءة)(4).
__________
(1) ينظر في الفصاحة والبلاغة: الإيضاح، للقزويني، مع شروح التلخيص: 1/65-150.
(2) إعراب القراءات، لابن خالويه: 1/31.
(3) بهجة المجالس، لابن عبد البر: 1/58.
(4) المصدر السابق: 1/66.(1/4)
ويروى عن عمر - رضي الله عنه - قوله: (تعلموا العربية؛ فإنها تثبت العقل، وتزيد في المروءة)(1)، وعن عمرو بن دينار قال: (تعلم العربية؛ فإنها المروءة الظاهرة)(2)، وعن ابن سيرين: (لا شيء أزين على الرجل من الفصاحة والبيان)(3)، وقال الزهري: (ما أحدث الناس مروءة أعجب إلي من تعلم الفصاحة)(4)، وقال ابن شبرمة: (مالبس الرجال لباسًا أحسن من العربية)(5)، وقال: (إذا سرك أن تعظم في عين من كنت في عينه صغيرًا، ويصغر في عينك من كان فيها كبيرًا، فتعلم العربية؛ فإنها تجريك وتدنيك من السلطان)(6)، وعن خالد بن صفوان: (مروءتان ظاهرتان: الفصاحة والرياش)(7)، وقال: (ما الإنسان لولا اللسان إلا صورة ممثلة، أو بهيمة مرسلة، أو ضالة مهملة)(8).
وكان من شأن اللسان العربي عندهم أنهم يُعلِّمون اللحن حذرًا من الخطأ، وقد كتب عمر - رضي الله عنه -: أن تعلموا الفرائض، والسنة، واللحن، كما تعلمون القرآن(9)، وعن أبي العالية قال: (كان ابن عباس - رضي الله عنه - يعلمنا اللحن)(10).
__________
(1) ينظر: الأحاديث والآثار الواردة في فضل اللغة العربية، للدكتور أحمد الباتلي: 89، وضعفه؛ لجهالة بعض رواته وضعف بعضهم.
(2) ينظر: المصدر السابق: 91.
(3) بهجة المجالس، لابن عبد البر: 1/56.
(4) ينظر: الأحاديث والآثار الواردة في فضل اللغة العربية، للباتلي: 210، وحسنه.
(5) إعراب القراءات، لابن خالويه: 1/31.
(6) المصدر السابق: 1/66.
(7) محاضرات الأدباء، للأصبهاني: 1/60.
(8) بهجة المجالس، لابن عبد البر: 1/55.
(9) ينظر في تخريجه: الأحاديث والآثار الواردة في فضل اللغة العربية، للباتلي: 156، وصححه.
(10) ينظر في تخريجه: المصدر السابق: 232، وصححه.(1/5)
وكانوا يعيبون اللحن، ويعظم إذا كان في القرآن والحديث، وورد عن الحسن البصري قوله: (من لحن في القرآن فقد كذب على الله، ومن لحن في حديثه - صلى الله عليه وسلم - فقد كذب عليه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يلحن)(1)، ويروى عن عمر - رضي الله عنه - أنه لا يرى الصلاة خلف اللحان(2)، وقيل للحسن: إن لنا إمامًا يلحن؟ قال: أخِّروه(3)، وورد عن بعضهم: (اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه)(4)، وقال يحيى بن خالد: (ما رأيت رجلاً قط إلا هبته، حتى يتكلم؛ فإن كان فصيحًا عظم في صدري، وإن قصر سقط من عيني)(5)، وقال المأمون لأحد أولاده -وقد سمع منه لحنًا-: (ما على أحدكم أن يتعلم العربية، فيقيم بها أوده، ويزين بها مشهده، ويفل بها حجج خصمه بمسكتات حكمه، ويملك مجلس سلطانه بظاهر بيانه. أويسر أحدكم أن يكون لسانه كلسان عبده أو أمته، فلا يزال الدهر أسير كلمته؟!)(6)، وقال علي بن محمد العلوي(7):
رأيت لسان المرء رائد عقله ... وعنوانه فانظر بماذا تعنون
ولا تعد إصلاح اللسان فإنه ... يخبر عما عنده ويبين
ويعجبني زي الفتى وجماله ... فيسقط من عيني ساعة يلحن
__________
(1) ينظر: المصدر السابق: 214.
(2) ينظر في تخريجه: المصدر السابق: 240، ولم يجد له سندًا.
(3) ينظر: المصدر السابق: 241.
(4) ينظر: المصدر السابق: 234.
(5) المستطرف في كل فن مستظرف، للإبشيهي: 1/76.
(6) بهجة المجالس، لابن عبد البر: 1/65.
(7) المصدر السابق: 1/65.(1/6)
بل ورد عن بعضهم أنهم يضربون أولادهم على اللحن، كما ورد عن علي وابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم -(1)، وقال شيخ الإسلام: (وكان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن، فنحن مأمورون أمر إيجاب أو أمر استحباب أن نحفظ القانون العربي، ونصلح الألسنة المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنة، والاقتداء بالعرب في خطابها. فلو ترك الناس على لحنهم كان نقصًا وعيبًا، فكيف إذا جاء قوم إلى الألسنة العربية المستقيمة والأوزان القويمة فأفسدوها بمثل هذه المفردات والأوزان المفسدة للسان)(2).
ويعظم شأن اللسان العربي في الإسلام، حيث يكون شعارًا له ولأهله؛ لأن الله - عز وجل - اختاره لغة لوحييه، فأنزل به خاتم كتبه، وجعله لسان خاتم رسله - صلى الله عليه وسلم -، كما قال الله تعالى: ? إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ? [يوسف: 2]. قال شيخ الإسلام: (إن الله تعالى لما أنزل كتابه باللسان العربي، وجعل رسوله مبلغًا عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي، وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به؛ لم يكن سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط اللسان، وصارت معرفته من الدين، وصار اعتبار التكلم به أسهل على أهل الدين في معرفة دين الله، وأقرب إلى إقامة شعائر الدين، وأقرب إلى مشابهتهم للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار في جميع أمورهم)(3).
__________
(1) ينظر: الأحاديث والآثار الواردة في فضل اللغة العربية، للباتلي /237-239.
(2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 32/252.
(3) اقتضاء الصراط المستقيم، لابن تيمية: 1/399، وينظر: 1/463 و469-470.(1/7)
ولا يتم فقه الوحيين والاستنباط منهما والاجتهاد فيهما إلا به، فكان معرفته فرضًا وشرطًا للاجتهاد، قال شيخ الإسلام: (إن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية، وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عيسى بن يونس، عن ثور، عن عمر بن زيد، قال: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: "أما بعد، فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن، فإنه عربي" وفي حديث آخر عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم". وهذا الذي أمر به عمر - رضي الله عنه - من فقه العربية وفقه الشريعة، يجمع ما يحتاج إليه؛ لأن الدين فيه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو فقه أعماله)(1).
ولا يدرك الإعجاز القرآني إلا بمعرفة اللسان العربي، قال الباقلاني: (إن من كان من أهل اللسان العربي، إلا أنه ليس يبلغ في الفصاحة الحد الذي يتناهى إلى معرفة أساليب الكلام، ووجوه تصرف اللغة، وما يعدونه فصيحًا بليغًا بارعًا من غيره، فهو كالأعجمي في أنه لا يمكنه أن يعرف إعجاز القرآن)(2).
وإن من شأن اللسان العربي عند أهل الإسلام عناية أهل العلم به في مصنفاتهم، حيث عقدوا أبوابًا في فضله، والحث على تعلمه، والإنكار على من رغب عنه، أو لحن فيه. تجد ذلك في كتب التفسير والحديث والأصول والآداب والأدب وغيرها(3).
__________
(1) المصدر السابق: 1/470.
(2) إعجاز القرآن، للباقلاني: 113.
(3) تتبع الدكتور أحمد الباتلي مظان الحديث عن اللغة العربية وما روي فيها في كثير من المصنفات المطبوعة، وأثبتها في كتابه "الأحاديث والآثار الواردة في فضل اللغة العربية: 15-20" فليرجع إليه.(1/8)
الحث على اكتساب اللسان العربي.
لهذا الشأن العظيم للسان العربي ورد الحث قديمًا وحديثًا على اكتسابه وتعلمه والتحدث به، حتى يكون ملكة يُقتدر بها على فهم كلام الله - عز وجل - وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإنشاء الفصيح والبليغ من القول.
فمن ذلك ماروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: (عليكم بالتفقه في الدين، والتفهم في العربية، وحسن العبارة)، وكتب إلى أبي موسى - رضي الله عنه -: (أما بعد، فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن، فإنه عربي)، ويروى عنه: (تعلموا إعراب القرآن كما تعلمون حفظه)(1)، وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: (تعلموا العربية في القرآن كما تتعلمون حفظه)(2)، وقيل للحسن البصري في قوم يتعلمون العربية؟ فقال: أحسنوا، يتعلمون لغة نبيهم - صلى الله عليه وسلم -(3)، وعن شعبة: (من طلب الحديث، ولم يبصر العربية، فمثله مثل رجل عليه برنس، وليس له رأس)(4)، وقال الشافعي: (على كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده، حتى يشهد به أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، ويتلو به كتاب الله، وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير، وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك. وما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته، وأنزل به آخر كتبه كان خيرًا له)(5)، وقال شيخ الإسلام: (إنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية، حتى يتلقنها الصغار في المكاتب وفي الدور، فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه
__________
(1) ينظر في تخريج هذه الآثار عن عمر - رضي الله عنه -: الأحاديث والآثار الواردة في فضل اللغة العربية، للباتلي: 81 و83 و132، وذكر المؤلف في جميعها الانقطاع بين عمر والراوي عنه.
(2) ينظر في تخريجه: المصدر السابق: 84، وحسنه.
(3) ينظر: المصدر السابق: 86.
(4) ينظر: المصدر السابق: 159.
(5) الرسالة، للشافعي: 48.(1/9)
معاني الكتاب والسنة وكلام السلف)(1).
وفي "صبح الأعشى": (قال صاحب "الريحان والريعان": ولم يزل الخلفاء الراشدون بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يحثون على تعلم العربية، وحفظها والرعاية لمعانيها، إذ هي من الدين بالمكان المعلوم، والمحل المخصوص)(2).
القدرة على اكتساب الملكة اللسانية.
الملكة اللسانية بشقيها -الفصاحة والبلاغة- كسائر الملكات، يمكن اكتسابها وتكوينها، وقد ورد في الحديث: «يَا أَيّهَا النَّاس تَعَلَّمُوا, إِنَّمَا الْعِلْم بِالتَّعَلُّمِ, وَالْفِقْه بِالتَّفَقُّهِ, وَمَنْ يُرِد الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّههُ فِي الدِّين»(3)، وعقد ابن خلدون في مقدمته فصلاً (في أن اللغة ملكة صناعية) وقال: (اعلم أن اللغات كلها شبيهة بالصناعة، إذ هي ملكات في اللسان؛ للعبارة عن المعاني. وجودتها وقصورها بحسب تمام الملكة أو نقصانها...، والملكات لا تحصل إلا بتكرار الأفعال؛ لأن الفعل يقع أولاً وتعود منه للذات صفة، ثم تكرر فتكون حالاً -ومعنى الحال أنها صفة غير راسخة- ثم يزيد التكرار فتكون ملكة، أي صفة راسخة.
فالمتكلم من العرب حين كانت ملكة اللغة العربية موجودة فيهم، يسمع كلام أهل جيله، وأساليبهم في مخاطباتهم وكيفية تعبيرهم عن مقاصدهم، كما يسمع الصبي استعمال المفردات في معانيها، فيلقنها أولاً، ثم يسمع التراكيب بعدها فيلقنها كذلك، ثم لا يزال سماعهم لذلك يتجدد في كل لحظة ومن كل متكلم، واستعماله يتكرر إلى أن يصير ذلك ملكة وصفة راسخة ويكون كأحدهم)(4).
__________
(1) اقتضاء الصراط المستقيم، لابن تيمية: 1/470.
(2) صبح الأعشى، للقلقشندي: 1/168.
(3) ذكره البخاري معلقًا في باب: العلم قبل القول والعمل، وقال ابن حجر في فتح الباري بشرح صحيح البخاري 1/161: (إسناده حسن).
(4) مقدمة ابن خلدون: 2/258، وينظر: إكساب وتنمية اللغة، للزواوي: 27، وأثر القرآن الكريم في اللغة العربية، للباقوري:50.(1/10)
وينبغي في هذا المقام التنبيه إلى ما نبه إليه ابن خلدون من أن تحصيل علم اللسان صناعة غير تحصيل الملكة، قال: (والسبب في ذلك أن صناعة العربية إنما هي معرفة قوانين هذه الملكة ومقاييسها خاصة. فهوعلم بكيفية، لا نفس كيفية. فليست نفس الملكة، إنما هي بمثابة من يعرف صناعة من الصنائع علمًا، ولا يحكمها عملاً. مثل أن يقول بصير بالخياطة، غير محكم لملكتها، في التعبير عن بعض أنواعها: الخياطة هي أن يدخل الخيط في خرت الإبرة، ثم يغرزها في لفقي الثوب مجتمعين، ويخرجها من الجانب الآخر بمقدار كذا، ثم يردها إلى حيث ابتدأت، ويخرجها قدام منفذها الأول بمطرح ما بين الثقبين الأولين، ثم يتمادى على ذلك إلى آخر العمل، ويعطي صورة الحبك والتنبيت والتفتيح وسائر أنواع الخياطة وأعمالها، وهو إذا طولب أن يعمل ذلك بيده لا يحكم منه شيئًا)(1).
وسائل اكتساب الملكة اللسانية.
ذكروا مصادر ووسائل عديدة لاكتساب الملكة اللسانية، منها: البيئة الاجتماعية الفصيحة التي ينشأ فيها الطفل على استماع الكلام الفصيح، والاستماع إلى وسائل الإعلام الفصيحة، وقراءة النصوص البليغة وحفظها والاستماع إليها، وتعلم علوم اللسان من صرف ونحو وبلاغة، والقراءة في معاجم العربية، ومزاولة الفصاحة والبلاغة تحدثًا وكتابة، وغير ذلك(2).
__________
(1) مقدمة ابن خلدون: 2/263، وينظر: كيف تغدو فصيحًا عف اللسان؟، للطيان: 95.
(2) ينظر: مقدمة ابن خلدون: 2/258 و265، وكيف تغدو فصيحًا عف اللسان؟، للطيان: 86-107، وإكساب وتنمية اللغة، للزواوي: 61-132.(1/11)
ولئن كانت البيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها الطفل على الفصاحة أهم هذه الوسائل، وكانت هذه البيئة غير متحققة في عصرنا الحاضر، فإن حفظ الكلام البليغ وقراءته والاستماع إليه يعد أهم الوسائل في عصرنا، ويعد الحفظ في حصول الملكة أهم من القراءة والاستماع، وأكد ذلك أهل العلم، كما قال ابن خلدون: (حصول ملكة اللسان العربي إنما هو بكثرة الحفظ من كلام العرب؛ حتى يرتسم في خياله المنوال الذي نسجوا عليه تراكيبهم، فينسج هو عليه، ويتنزل بذلك منزلة من نشأ معهم، وخالط عباراتهم في كلامهم، حتى حصلت له الملكة المستقرة في العبارة عن المقاصد على نحو كلامهم)(1)، ثم قال: (لا بد من كثرة الحفظ، لمن يروم تعلم اللسان العربي، وعلى قدر جودة المحفوظ وطبقته في جنسه، وكثرته من قلته، تكون جودة الملكة الحاصلة عنه للحافظ...، وعلى مقدار جودة المحفوظ أو المسموع، تكون جودة الاستعمال من بعده، ثم إجادة الملكة من بعدهما. فبارتقاء المحفوظ فى طبقته من الكلام، ترتقي الملكة الحاصلة؛ لأن الطبع إنما ينسج على منوالها، وتنمو قوى الملكة بتغذيتها. وذلك أن النفس، وإن كانت في جبلتها واحدة بالنوع، فهي تختلف في البشر بالقوة والضعف في الإدراكات)(2).
أثر القرآن في اكتساب الملكة اللسانية.
يأتي في قمة الكلام الفصيح البليغ: القرآن الكريم، الذي أنزله الله - عز وجل - بلسان عربي مبين، وبلغ من الفصاحة والبلاغة ما يعجز عن الإتيان بمثله البلغاء، وتقصر عنه همة الفصحاء، وقد قال الله - عز وجل -: ? قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ? [الإسراء: 88].
__________
(1) مقدمة ابن خلدون: 2/265.
(2) مقدمة ابن خلدون: 2/281-282.(1/12)
وقد قرر أهل العلم أهمية حفظ القرآن الكريم وتلاوته في اكتساب الملكة اللسانية، وتنمية مهاراتها، وممن ذكر ذلك ضياء الدين ابن الأثير، والطوفي، وشهاب الدين الحلبي، وابن الأثير الحلبي، والقلقشندي(1).
ويذكر ابن خلدون شواهد على ذلك، فيقول بعد أن قرر أن حصول الملكة اللسانية بكثرة المحفوظ، وجودته بجودته: (ويظهر لك من هذا الفصل وما تقرر فيه سر آخر، وهو إعطاء السبب في أن كلام الإسلاميين من العرب أعلى طبقة في البلاغة وأذواقها من كلام الجاهلية، في منثورهم ومنظومهم. فإنا نجد شعر حسان بن ثابت وعمر بن أبي ربيعة والحطيئة وجرير والفرزدق ونصيب وغيلان ذي الرمة والأحوص وبشار، ثم كلام السلف من العرب في الدولة الأموية وصدرًا من الدولة العباسية، في خطبهم وترسيلهم ومحاوراتهم للملوك أرفع طبقة في البلاغة بكثير من شعر النابغة وعنترة وابن كلثوم وزهير وعلقمة بن عبدة وطرفة بن العبد، ومن كلام الجاهلية في منثورهم ومحاوراتهم. والطبع السليم والذوق الصحيح شاهدان بذلك للناقد البصير بالبلاغة.
والسبب في ذلك أن هؤلاء الذين أدركوا الإسلام سمعوا الطبقة العالية من الكلام في القرآن والحديث، اللذين عجز البشر عن الإتيان بمثليهما، لكونها ولجت في قلوبهم ونشأت على أساليبها نفوسهم، فنهضت طباعهم وارتقت ملكاتهم في البلاغة على ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية، ممن لم يسمع هذه الطبقة ولا نشأ عليها، فكان كلامهم في نظمهم ونثرهم أحسن ديباجة وأصفى رونقًا من أولئك، وأرصف مبنى وأعدل تثقيفًا بما استفادوه من الكلام العالي الطبقة. وتأمل ذلك يشهد لك به ذوقك إن كنت من أهل الذوق والتبصر بالبلاغة.
__________
(1) ينظر مؤلفاتهم على ترتيب ذكرهم: المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، لابن الأثير: 1/84، والإكسير في قواعد التفسير، للطوفي: 56، وحسن التوسل إلى صناعة الترسل، للحلبي: 72، وجوهر الكنز، لنجم الدين ابن الأثير: 30، وصبح الأعشى، للقلقشندي: 1/189.(1/13)
ولقد سألت يوماً شيخنا الشريف أبا القاسم قاضي غرناطة لعهدنا، وكان شيخ هذه الصناعة، أخذ بسبتة عن جماعة من مشيختها من تلاميذ الشلوبين، واستبحر في علم اللسان وجاء من وراء الغاية فيه، فسألته يومًا: ما بال العرب الإسلاميين أعلى طبقة في البلاغة من الجاهليين، ولم يكن ليستنكر ذلك بذوقه، فسكت طويلاً ثم قال لي: والله ما أدري! فقلت له: أعرض عليك شيئًا ظهر لي في ذلك، ولعله السبب فيه. وذكرت له هذا الذي كتبت، فسكت معجبًا، ثم قال لي: يا فقيه هذا الكلام من حقه أن يكتب بالذهب)(1).
ويؤكد أهمية حفظ القرآن وتلاوته في اكتساب الملكة اللسانية المتخصصون في التربية وطرق تدريس العلوم الشرعية واللغة العربية وغيرهم(2).
كما تؤكده الدراسات الميدانية والبحوث والأوراق المتخصصة في الموضوع، التي أظهرت نتائج مهمة(3)
__________
(1) مقدمة ابن خلدون: 2/283-284.
(2) ينظر على سبيل المثال: القرآن الكريم: رؤية تربوية، لسعيد علي: 460، وأهداف التربية الإسلامية وغاياتها، لمقداد يالجن: 69، وطرق تدريس القرآن الكريم، للزعبلاوي: 17، والاتجاهات الحديثة في طرائق تدريس التربية الدينية، لمصطفى موسى: 357، والمهارات اللغوية، لأحمد عليان: 95، وإكساب وتنمية اللغة، للزواوي: 97، وسيكولوجية اللغة والتنمية اللغوية لطفل الرياض، لمحمد رفقي: 163، وكيف تحفظ القرآن الكريم؟، لعبد الرب نواب الدين: 36.
(3) منها:
دراسة الدكتور سعيد بن فالح المغامسي، بعنوان: دور القرآن الكريم في تنمية مهارات القراءة والكتابة لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية بالمدينة المنورة. وأجريت الدراسة على (120) طالبًا في الصف السادس؛ ستون طالبًا من طلبة مدارس تحفيظ القرآن الكريم، ومثلهم من طلبة المدارس العادية.
دراسة الدكتورة هانم بنت حامد ياركندي، بعنوان: الفروق في مهارات القراءة والإملاء والحساب بين طالبات تحفيظ القرآن الكريم والمدارس العادية في الصف الرابع الابتدائي بمكة المكرمة. وأجريت الدراسة على (118) طالبة؛ ثمان وأربعون من طالبات مدارس تحفيظ القرآن الكريم، وسبعون طالبة من طالبات المدارس العادية.
دراسة الدكتور محمد موسى عقيلان، بعنوان: دراسة استطلاعية للعلاقة بين مدى حفظ القرآن الكريم وتلاوته ومستوى الأداء لمهارات القراءة لدى تلاميذ الصف السادس الابتدائي. وأجريت الدراسة على (100) طالب من طلبة مدرستين من مدارس شرق الرياض.
دراسة وضحى بنت علي السويدي، بعنوان: العلاقة بين حفظ القرآن الكريم وتلاوته ومستوى الأداء لمهارات القراءة الجهرية والكتابة لدى عينة من تلاميذ وتلميذات الصف الرابع الابتدائي بدولة قطر. وأجريت الدراسة على مئتين من طلبة مدينة الدوحة ؛ (100) طالب و(100) طالبة.
دراسة عادل أحمد عجيز، عن: أثر مستوى حفظ القرآن الكريم على التحصيل في بعض مهارات اللغة العربية بالمرحلة الابتدائية. وينظر في هذه الدراسة: الاتجاهات الحديثة في طرائق تدريس التربية الدينية، لمصطفى موسى: 357.
دراسة الدكتور يحيى الببلاوي، بعنوان : أثر تحفيظ جزء "عم" في تقويم لسان طفل العام السادس. وينظر في هذه الدراسة: القرآن هدى وطمأنينة وليس مصدر تشويش ولا ارتباك، مقال لخالد بن عبد الرحمن الشايع - موقع صيد الفوائد: www.saaid.net.
ورقة الدكتور محمد رواس قلعه جي، بعنوان: دور القرآن الكريم في تنمية المهارات الأساسية لتلاميذ المرحلة الابتدائية.
ورقة الدكتور حمد بن إبراهيم الصليفيخ، بعنوان: دور القرآن الكريم في تنمية المهارات الأساسية لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية.
دراسة الدكتور سعيد بن فالح المغامسي، بعنوان: العلاقة بين حفظ القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها. وأجريت الدراسة على (46) دارسًا بشعبة تعليم اللغة العربية بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة؛ نصفهم من حفظة القرآن الكريم كاملاً، والباقون غير حافظين.(1/14)
.
وسأعرض لأهم المهارات اللغوية التي أكدت البحوث والدراسات أثر القرآن الكريم في اكتسابها وتنميتها، في المباحث التالية.
المبحث الأول: زيادة الثروة اللغوية
الثروة اللغوية ذات أهمية كبرى في اكتساب الملكة اللسانية بل في غيرها، فهي تساعد المرء على فهم كثير مما يقرأ أو يسمع، مما يحفزه إلى سرعة القراءة، وإلى الحديث بطلاقة، كما تساعده على الحديث عن المعنى الواحد بطرق مختلفة، والتنويع بين المترادفات ليعبر عن الموقف باللفظ المناسب له، كما تمنحه الثروة اللغوية قدرة فائقة على التفكير، وعلى التعبير عما في النفس من مشاعر وأحاسيس ورؤى وأفكار، وتمده بقدرة على التأثير والإقناع، فضلاً عما في الثروة اللغوية من تنشيط للإبداع، وتحفيز على التواصل والتفاعل مع الآخرين واستنطاق آرائهم وأفكارهم واكتساب خبراتهم.
إذا أدركنا هذه الأهمية للثروة اللغوية في التنمية اللغوية، والتواصل الاجتماعي، واكتساب الخبرات، وتنشيط الإبداع والإنتاج الفكري، ندرك ما ينتج عن فقدان هذه الثروة أو ضعفها من آثار سلبية، من عزلة اجتماعية، واضطراب في الشخصية، وضيق في الأفق الثقافي والفكري، وضحالة في الإنتاج الفكري والإبداعي، وهجران للغة(1).
وإذا كان الأمر بهذه الأهمية فإنه ينبغي السعي لتنمية الحصيلة اللغوية وإثرائها. ولعل من أهم الوسائل لذلك القراءة، والحفظ، وقد سبق بيان أهمية الحفظ في اكتساب الملكة اللسانية، وأعظم ما يحفظ كتاب الله - عز وجل -، الذي يمد المرء بثروة لغوية كبيرة، وقد عد قوم ألفاظه فبلغت أكثر من سبع وسبعين ألف لفظة(2).
__________
(1) ينظر: إكساب وتنمية اللغة، للزواوي: 92.
(2) ينظر: الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي: 1/197.(1/15)
وإذا كان (لسانُ العرب أوسعُ الألسنة مذهبًا، وأكثرُها ألفاظًا) كما قال الشافعي(1) فإن القرآن الكريم حوى أفصحها، وأعذبها، وأشرفها، كما قال الراغب الأصفهاني: (ألفاظ القرآن هي لُبّ كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحِكَمهم، وإليها مفزع حذّاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم، وما عداها وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها، هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحُثالة والتِّبن بالإضافة إلى لبوب الحنطة)(2)، وقال الخطابي: (إنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حامل، ومعنى به قائم، ورباط لهما ناظم. وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة، حتى لا ترى شيئًا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه…) إلى أن قال: (واعلم أن القرآن إنما صار معجزًا لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف مضمناً أصح المعاني)(3)، ثم قال: (واعلم أن عمود هذه البلاغة التي تجمع لها هذه الصفات هو وضع كل نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به، الذي إذا أُبدل مكانه غيره جاء منه إما تبدل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام، وإما ذهاب الرونق الذي يكون معه سقوط البلاغة)(4).
__________
(1) الرسالة، للشافعي: 42.
(2) مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني: 55.
(3) بيان إعجاز القرآن، للخطابي: 27.
(4) المصدر السابق/29.(1/16)
إن ألفاظ القرآن الكريم التي يحصلها المرء بحفظه له، ليست كسائر الألفاظ؛ بل هي ألفاظ قد بلغت الغاية في الحسن والفصاحة والبلاغة، سلاسةً في النطق، وعذوبةً على السمع، ودقةً في الاختيار، للدلالة على المعنى المراد دلالة فائقة الوضوح، يُلحظ فيها مراعاة الفروق بين معاني الألفاظ المتقاربة، وملاءمة الألفاظ للسياق، ومناسبة الفواصل للآي، وتصوير المعنى أكمل تصوير، يسهم في ذلك جرس الحروف الذي يوحي بالمعنى وحيًا، فيعطي للمعنى في النفس بعدًا وشعورًا عميقًا(1).
وقد أكدت البحوث والدراسات الميدانية أثر حفظ القرآن الكريم وتلاوته في زيادة الثروة اللغوية من الألفاظ والتراكيب(2).
ومما يدل على أثر القرآن الكريم في التزود من الثروة اللغوية تضمين البلغاء والأدباء في كلامهم معاني وألفاظًا من القرآن الكريم، أو جملاً توافق لفظ القرآن الكريم(3)؛ مما يعد اقتباسًا في البلاغة العربية.
__________
(1) للوقوف على بلاغة الألفاظ القرآنية ينظر كتاب:”جماليات المفردة القرآنية“ لأحمد ياسوف.
(2) ينظر: القرآن الكريم: رؤية تربوية، لسعيد علي: 460، والاتجاهات الحديثة في طرائق تدريس التربية الدينية، لمصطفى موسى: 319 و357، والمهارات اللغوية، لأحمد عليان: 102، وإكساب وتنمية اللغة، للزواوي: 97، ودراسات وضحى السويدي، وعادل عجيز، والدكتور يحيى الببلاوي، والدكتور محمد رواس قلعه جي، والدكتور حمد الصليفيخ، المذكورة في هامش الصفحة: 12من هذا البحث.
(3) ينظر لأمثلة ذلك كتب البلاغة، عند فن الاقتباس من علم البديع، وينظر: الاقتباس: أنواعه وأحكامه، لعبد المحسن العسكر: 23-30 و34-43، وأثر القرآن في اللغة العربية، لأحمد الباقوري: 89.(1/17)
ومن أمثلة ذلك: ما جاء في البخاري (1243) من حديث أم العلاء رضي الله عنها في وفاة عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ. وَاللهِ، إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ. وَاللهِ، مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللهِ مَا يُفْعَلُ بِي». وفي قوله: «جَاءَهُ الْيَقِينُ» موافقة لقوله تعالى: ? حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين ? [الحجر: 99]، وفي قوله: «وَاللهِ، مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللهِ مَا يُفْعَلُ بِي» موافقة لقوله تعالى: ?قُلْ مَا كُنْت بِدْعًا مِن الرُّسُل وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ? [الأحقاف: 9].
وفي البخاري (3353 و3374) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: من أكرم الناس؟ قال: «أَكْرَمُهُمْ أَتْقَاهُمْ». قال ابن حجر: قوله : «أَكْرَمُهُمْ أَتْقَاهُمْ» هو موافق لقوله تعالى: ? إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ? [الحجرات: 13](1).
ومن ذلك ما في البخاري (1127) ومسلم (775) من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرقه وفاطمة بنت النبي - عليه السلام - ليلة، فقال: «أَلا تُصَلِّيَان؟» فقلت: يا رسول الله، أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا. فانصرف حين قلنا ذلك، ولم يرجع إلي شيئًا، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول: ? وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ? . قال ابن حجر: (قوله: أنفسنا بيد الله، اقتبس علي ذلك من قوله تعالى: ? الله يَتَوَفَّى الأَنْفُس حِينَ مَوْتِهَا ? الآية [الزمر: 42])(2)، وقراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - الآية لها مدخل فيما نقول.
__________
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر: 6/414، شرح الحديث ذي الرقم (3374).
(2) المصدر السابق: 3/11 شرح الحديث ذي الرقم (1127).(1/18)
ومما يذكر هنا ما يروى عن المعتصم أن ملك الروم كتب إليه يتوعده ويتهدده، فأمر الكتاب أن يكتبوا جوابه، فلم يعجبه مما كتبوا شيئًا، فقال لبعضهم: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت خطابك، والجواب ما ترى لا ما تسمع، وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار. قال القلقشندي: (هذا مع ما ينسب إلى المعتصم من ضعف البصر بالعربية...، ولا يستكثر مثل ذلك على الطبع السليم، والرجوع إلى سلامة العنصر وطيب المحتد)(1).
ومن العجيب أن تكون ألفاظ القرآن جارية على ألسنة الكتاب من الكفار، ومن أمثلة ذلك ما يذكر عن أبي إسحاق إبراهيم بن هلال، الصابي لقبًا وديانة، الذي (لم يهده الله تعالى للإسلام، كما هداه لمحاسن الكلام) أنه كان (يحفظ القرآن حفظاً يدور على طرف لسانه، وسن قلمه) كما قال الثعالبي، وقال: (برهان ذلك ما أوردته في كتاب الاقتباس من فصوله التي أحسن فيه كل الإحسان، وحلاها بآي من القرآن)(2).
__________
(1) صبح الأعشى، للقلقشندي: 1/192.
(2) يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، للثعالبي: 2/241-242.(1/19)
ومن ذلك أن الأدفونش ملك الفرنج بالأندلس، كتب إلى يعقوب بن عبد المؤمن أمير المسلمين بالأندلس، بخط وزير له يقال له ابن الفخار: باسمك اللهم فاطر السموات والأرض، والصلاة على السيد المسيح بن مريم الفصيح، أما بعد، فلا يخفى على ذي ذهن ثاقب، وعقل لازب، أني أمير الملة النصرانية، كما أنك أمير الملة الحنيفية، وقد علمتم ما هم عليه رؤساء جزيرة الأندلس من التخاذل والتواكل والإخلاد إلى الراحة، وأنا أسومهم الخسف، وأخلي منهم الديار، وأجوس البلاد، وأسبي الذراري، وأقتل الكهول، والشبان لا يستطيعون دفاعًا، ولا يطيقون امتناعًا، فلا عذر لك في التخلف عن نصرهم، وقد أمكنتك يد القدرة، وأنتم تعتقدون أن الله - عز وجل - فرض عليكم قتال عشرة منا بواحد منكم، والآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا، فلتقاتل عشرة منكم الواحد منا. ثم بلغني أنك أخذت في الاحتفال، وأشرفت على ربوة الإقبال، وتماطل نفسك عامًا بعد عام؛ وأراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى؛ ولست أدري إن كان الجبن أبطأك، أو التكذيب بما أنزل عليك ربك. ثم حكي لي أنك لا تجد إلى الجواز سبيلاً لعلة لا يجوز لك التقحم به معها؛ فأنا أقول ما فيه الراحة لك، وأعتذر لك وعنك، على أن تفي لي بالعهود والمواثيق والاستكثار من الرهن، وترسل إلي بجملة من عبيدك بالمراكب والشواني، وأجوز بحملتي إليك، وأبارزك في أعز الأماكن عليك؛ فإن كانت لك فغنيمة وجهت إليك، وهدية عظيمة مثلت بين يديك، وإن كانت لي كانت يدي العليا عليك وأستوجب سيادة الملتين، والحكم على الدينين، والله تعالى يسهل ما فيه الإرادة، ويوفق للسعادة، لا رب غيره، ولا خير إلا خيره. فكتب رحمه الله جوابًا على أعلى كتابه: ارجع إليهم، فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها، ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون(1).
__________
(1) صبح الأعشى، للقلقشندي: 1/192.(1/20)
ومما يدل على أثر القرآن الكريم في زيادة الثروة اللغوية ما نسمعه من الأئمة وغيرهم في دعاء القنوت وغيره من الأدعية الكثيرة التي يدعون بها مما وردت في القرآن الكريم.
ومما يدل أيضًا على أثر القرآن في زيادة الثروة اللغوية ما يلحظ من استعمال عوام الناس لألفاظ القرآن الكريم وتعبيراته في كلامهم، من ذلك مثلاً قولهم: صم بكم، في مقام عدم الاستجابة وقصور الفهم. وقولهم: والصلح خير، في مقام الدعوة إلى الصلح. وقولهم: ما على الرسول إلا البلاغ، حين يبلغون ما يستثقله المخاطب ويعترض عليه. وقولهم: ذهب هباء منثورًا، وطامة كبرى، ولا يسمن ولا يغني من جوع، وقاب قوسين، وما على المحسنين من سبيل، وأن تعفوا أقرب للتقوى، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم، والذكرى تنفع المؤمنين، وإن بعض الظن إثم، والإنسان على نفسه بصيرة، ويخلق ما لا تعلمون، وغيرها كثير(1).
ويُذكر في هذا المقام القصة المشهورة عن المتكلمة بالقرآن، التي تُروى عن عبد الله بن المبارك مع عجوز لا تجيب عن أسئلته إلا بجمل أو آيات من القرآن، فلما سأل أبناءها عن شأنها قالوا: هذه أمنا لها منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا بالقرآن؛ مخافة أن تزل فيسخط عليها الرحمن. قال ابن المبارك: فقلت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم(2).
وبغض النظر عن جواز الفعل -إن صحت القصة- فإن هذه العجوز لم تكن لتنطق بالقرآن وتستحضره في كل أجوبتها إلا لملازمتها له تلاوةً وحفظًا. وفي رد ابن المبارك اقتباس من القرآن.
__________
(1) ينظر في بعض هذه وغيرها: أثر القرآن في لغة العوام، لأحمد باكو المحامي: 126.
(2) ينظر: المستطرف في كل فن مستظرف، للإبشيهي: 1/99.(1/21)
ويحسن التنبيه هنا إلى أن الدراسات التي توصلت إلى هذه النتيجة قامت على عينة من الأطفال، مما يدل على العناية بمرحلة الطفولة في حفظ القرآن وتلاوته؛ لأن هذه المرحلة من أهم المراحل للتزود بالثروة اللغوية، واكتساب اللغة، ويبقى أثرها عليه لاحقاً في التنمية الفكرية والاجتماعية.
المبحث الثاني: النطق السليم
من الصفات المهمة في القارئ والمتحدث: سلامة النطق، وهي تعني أكثر من سلامة:
سلامة النطق صوتيًا، وصرفيًا، ونحويًا.
ويتحقق بها جميعًا القدرة على التعبير الفصيح، وهي ملكة الفصاحة، التي بها يتضح القول، ويحسن فهمه.
أما السلامة الأولى -السلامة الصوتية- فالمقصود منها إخراج الحروف من مخارجها الصحيحة.
وهذه من صفات الفصاحة المؤثرة في المتلقي؛ لما لها من الأثر في إيصال اللفظ واضحًا مفهومًا، خاصة إذا كان نطق الحرف أو الكلمة مراعى فيهما مناسبة المعنى، كما قال الماوردي في آداب الكلام: (ومن آدابه : أن يراعي مخارج كلامه بحسب مقاصده وأغراضه فإن كان ترغيبًا قرنه باللين واللطف، وإن كان ترهيبًا خلطه بالخشونة والعنف، فإن لين اللفظ في الترهيب وخشونته في الترغيب خروج عن موضعهما، وتعطيل للمقصود بهما، فيصير الكلام لغوًا، والغرض المقصود لهوًا)(1).
__________
(1) أدب الدنيا والدين، للماوردي: 209.(1/22)
وقد قال موسى - عليه السلام - لما أمره الله - عز وجل - بدعوة فرعون وملئه: ? وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ? [القصص: 34]، قال ابن كثير: (وذلك أن موسى - عليه السلام - كان في لسانه لثغة، بسبب ما كان تناول تلك الجمرة، حين خُيّر بينها وبين التمرة أو الدرّة، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه، فحصل فيه شدة في التعبير؛ ولهذا قال: ? وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي - يَفْقَهُوا قَوْلِي - وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي - هَارُونَ أَخِي - اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي - وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ? [طه: 27 -32] أي: يؤنسني فيما أمرتني به من هذا المقام العظيم، وهو القيام بأعباء النبوة والرسالة إلى هذا الملك المتكبر الجبار العنيد، ولهذا قال: ? وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ? أي: وزيرًا ومعينًا ومقويًّا لأمري، يصدقني فيما أقوله وأخبر به عن الله عز وجل؛ لأن خبر اثنين أنجع في النفوس من خبر واحد؛ ولهذا قال: ? إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ?. وقال محمد بن إسحاق: ? رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ? أي: يبين لهم عني ما أكلمهم به، فإنه يفهم عني)(1).
وقد يختلف المعنى إذا لم يخرج الحرف من مخرجه الصحيح، كإبدال الذال زايًا في كلمة "ذَهاب"، والثاء سينًا في كلمة "ثمر"، والحاء هاءً في "رحَّب"، والخاء كافًا في "خبير"، والقاف غينًا في "صِدْق"، والجيم قافًا في "جاب"، وكمد الهمز في "أذان".
وتتحقق السلامة الصوتية بوسائل عديدة، أهمها: الاستماع إلى الكلام العربي الفصيح من متكلم فصيح، وأعظم ذلك القرآن الكريم حين يتلقاه المرء عن مجوِّد متقن محسن للقراءة؛ لأن التجويد هو: إعطاء الحرف حقه ومستحقه، وأهم مسألة في التجويد هي: إخراج الحرف من مخرجه الصحيح.
__________
(1) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 6/236.(1/23)
وأما الثانية -السلامة الصرفية- فالمقصود بها ما يهدف إليه علم التصريف، من العناية بهيئة الكلمة المفردة، وكيفية بنائها ونطقها كما نطق بها العرب في معانيها الملائمة لها، ككيفية نطق عين المضارع من الفعل الماضي المفتوح العين أو مضمومها أو مكسورها، وكيفية بناء المصدر من الفعل الثلاثي أو الرباعي أو غيرهما، وكيفية التثنية، أو الجمع، أو التصغير، أو النسبة، وغير ذلك.
وهذه شرط تتحقق بها مع غيرها من الشروط فصاحة الكلمة؛ لأن مقصود الفصاحة الإبانة والإفهام، وإذا لم تتحقق السلامة الصرفية فإن سوء الفهم وارد على المتلقي، لسوء الإفهام الحاصل من سوء النطق، وخذ مثلاً في ذلك اشتقاق الماضي والمضارع من المادة "ك ب ر"؛ فإنهما ينطقان لمن أسن: "كَبِرَ" بكسر الباء في الماضي، وفتحها في المضارع "يَكْبَر". أما لما عظم فينطقان بضم الباء في الماضي وفي المضارع: " كَبُرَ يَكْبُر"، والمصدران مختلفان؛ فمصدر الأول "كِبَر" بفتح الباء، ومصدر الثاني "كِبْر" بسكونها. ولو نطق أحدهما في موضع الثاني اختلف المعنى. ومن ذلك: مادة "و ج د" فإنها متحدة الماضي والمضارع "وَجَدَ يَجِد" لكنها مختلفة المصادر بحسب اختلاف المعاني؛ فيقال في الغضب: "مَوْجِدَة"، وفي المطلوب: "وُجُودًا"، وفي الضالة: "وِجْدَانًا"، وفي الحب: "وَجْدًا" بفتح الواو، وفي المال: "وُجْدًا" بضمها، وفي الغنى: "جِدَة" بكسر الجيم وتخفيف الدال المفتوحة، على الأشهر في جميع ذلك(1).
وتتحقق السلامة الصرفية بوسائل عديدة، منها: التلقي، وتعلم فن الصرف، والرجوع إلى المعاجم اللغوية، وإدامة النظر والقراءة في الكلام العربي الفصيح وحفظه، ومن أهم ذلك حفظ كلام الله عز وجل وتلاوته، الذي نزل بلسان عربي مبين.
__________
(1) ينظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر: 1/151، شرح الحديث ذي الرقم (63).(1/24)
وأما الثالثة-السلامة النحوية- فالمقصود بها ما يهدف إليه علم النحو، من البعد عن اللحن في نطق أواخر الكلمات معربةً أو مبنيةً على ما تقتضيه القواعد النحوية المستقرأة من كلام العرب.
وهذه شرط تتحقق بها مع غيرها من الشروط فصاحة الكلام؛ لأنه قد يكون في تخلف هذا الشرط سوء في الإبانة والفهم، ومن ذلك مثلاً أن تقول: حفظتُ القرآن؛ ببناء تاء الفاعل على الضم وأنت تقصد المخاطَب، أو تعكس فتقول: حفظتَ؛ بالبناء على الفتح، وأنت تريد نفسك. وفي "صبح الأعشى": (قال - أي: صاحب الريحان والريعان-: وإذا لم يتجه الإعراب فسد المعنى؛ فإن اللحن يغير المعنى واللفظ، ويقلبه عن المراد به إلى ضده، حتى يفهم السامع خلاف المقصود منه. وقد روي أن أعرابيًا سمع قارئًا يقرأ: ? أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِن الْمُشْرِكِينَ وَرَسُوْله ? [التوبة: 3] بجر "رسوله"، فتوهم عطفه على "المشركين"، فقال: أو بريء الله من رسوله؟...، وقرأ آخر: ? إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ? [فاطر: 28] برفع الأول ونصب الثاني، فوقع في الكفر بنقل فتحة إلى ضمة، وضمة إلى فتحة، فقيل له: يا هذا إن الله تعالى لا يخشى أحدًا! فتنبه لذلك وتفطن له. وسمع أعرابي رجلاً يقول: أشهد أن محمدًا رسولَ الله، بفتح "رسول الله"، فتوهم أنه نصبه على النعت، فقال: يفعل ماذا؟. وقال رجل لآخر: ما شانَك؟ بالنصب، فظن أنه يسأله عن شين به، فقال: عظم في وجهي. وقال رجل لأعرابي: كيف أهلِك؟ بكسر اللام، وهو يريد السؤال عن أهله، فتوهم أنه يسأله عن كيفية هلاك نفسه، فقال: صلبًا)(1).
وتتحقق السلامة النحوية بوسائل عديدة، منها: التلقي، وتعلم النحو، والاستماع إلى الكلام العربي الفصيح وحفظه معربًا، ومن أهم ذلك حفظ كلام الله - عز وجل - وتلاوته.
__________
(1) صبح الأعشى، للقلقشندي: 1/169، وينظر في بعض هذه ومثلها: محاضرات الأدباء، للأصبهاني: 1/66 و76.(1/25)
وقد أثبتت الدراسات السابقة وجود علاقة إيجابية قوية بين حفظ القرآن الكريم وتلاوته وبين إجادة القراءة وحسن النطق(1).
وقد ذكر الدكتور عبد الرب نواب الدين أن من أهم فوائد حفظ القرآن: (الفصاحة، والنطق السليم، وإخراج الحروف العربية من مخارجها الطبيعية)(2)، وذكر مثله الدكتور مصطفى إسماعيل موسى، ورأى (أن تدريب التلميذ منذ الصف الثاني على تلاوة السور القصيرة ذات الإيقاع المتميز، والآيات السهلة، إنما يدرب الطفل على النطق السليم للأصوات اللغوية)(3).
ويظهر أثر القرآن جليًا في الأطفال الذين لم يتلقوا تعليمًا مدرسيًا، كما في دراسة الدكتور يحيى الببلاوي، حيث كشفت الدراسة عن إجادة أطفال العام السادس نطق المقاطع الصوتية، ووضوحها لديهم، وإن لوحظ صعوبة في بعض الأنماط لديهم، إلا أنها -كما يؤكد الباحث- سرعان ما تزول حيث يتخلص الأطفال من القلق والخوف والخجل. كما يظهر الأثر أيضًا بوضوح لدى طالبي اللغة العربية من غير الناطقين بها، كما بينته دراسة الدكتور سعيد المغامسي(4).
المبحث الثالث: التعبير البليغ
__________
(1) ينظر: ص 11-12 من هذا البحث.
(2) كيف تحفظ القرآن الكريم؟، لعبد الرب نواب الدين: 36.
(3) الاتجاهات الحديثة في طرائق تدريس التربية الدينية، لمصطفى موسى: 319، وينظر: 357.
(4) ينظر: ص 12 من هذا البحث.(1/26)
لئن كانت الفصاحة تهدف إلى الوضوح والإفهام، فإن البلاغة تهدف إلى عرض القول الفصيح بأسلوب يكون به حسن الإفادة وقوة التأثير، وحينما تتكون لدى المرء القدرة على التعبير البليغ فإنه بذلك قد أمسك بزمام الملكة اللسانية، وبلغ غايتها. وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِن الْبَيَانِ لَسِحْرًا»، ولهذا الحديث قصة تبين أثر الكلام البليغ في النفوس، رواها البخاري (5767) عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قدم رجلان من المشرق، فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:«إِنَّ مِن الْبَيَانِ لَسِحْرًا، أو: إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ لَسِحْرٌ». قال ابن حجر: (قال الخطابي: البيان اثنان: أحدهما: ما تقع به الإبانة عن المراد بأي وجه كان. والآخر: ما دخلته الصنعة، بحيث يروق للسامعين، ويستميل قلوبهم، وهو الذي يشبه بالسحر، إذا خلب القلب، وغلب على النفس، حتى يحول الشيء عن حقيقته، ويصرفه عن جهته، فيلوح للناظر في معرض غيره. وهذا إذا صرف إلى الحق يمدح، وإذا صرف إلى الباطل يذم)(1).
__________
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر: 10/237، شرح الحديث ذي الرقم (5767).(1/27)
والتعبير البليغ هو الذي يراعي مقتضى الحال؛ لأن المقصود من الكلام إفادة المخاطب والتأثير فيه، وإذا لم يراع المتكلم المقام الذي هو فيه لم يبلغ ما يصبو إليه من الإفادة والتأثير، قال ابن خلدون: (اعلم أن الكلام الذي هو العبارة والخطاب، إنما سره وروحه في إفادة المعنى، وأما إذا كان مهملاً فهو كالموات الذي لا عبرة به. وكمال الإفادة هو البلاغة على ما عرفت من حدها عند أهل البيان، لأنهم يقولون: هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال...، ثم اعلم أنهم إذا قالوا: الكلام المطبوع؛ فإنهم يعنون به الكلام الذي كملت طبيعته وسجيته، من إفادة مدلوله المقصود منه، لأنه عبارة وخطاب ليس المقصود منه النطق فقط؛ بل المتكلم يقصد به أن يفيد سامعه ما في ضميره إفادة تامة، ويدل به عليه دلالة وثيقة)(1).
وقديماً وحديثاً جعل العلماء رعاية مقتضى الحال من المقاييس المهمة التي يقاس بها الكلام ليتبين حسنه من قبحه، على قدر ما فيه من الرعاية أو عدمها، لأن جوهر البلاغة هو في مطابقة الحال، كما استقر تعريف البلاغيين لها، حيث عرفوا بلاغة الكلام بأنها مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته(2)، قال الخطيب القزويني: (ومقتضى الحال مختلف، فإن مقامات الكلام متفاوتة، فمقام التنكير يباين مقام التعريف، ومقام الإطلاق يباين مقام التقييد، ومقام التقديم يباين مقام التأخير، ومقام الذكر يباين مقام الحذف، ومقام القصر يباين مقام خلافه، ومقام الفصل يباين مقام الوصل، ومقام الإيجاز يباين مقام الإطناب والمساواة، وكذا خطاب الذكي يباين خطاب الغبي، وكذا لكل كلمة مع صاحبتها مقام، إلى غير ذلك...، وارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول بمطابقته للاعتبار المناسب، وانحطاطه بعدم مطابقته له)(3).
__________
(1) مقدمة ابن خلدون: 1/285.
(2) ينظر: الإيضاح، للقزويني، مع شروح التلخيص: 1/122.
(3) المصدر السابق: 1/124.(1/28)
فالحال -أياً كانت- لها أثر كبير في التعبير، وفي التصوير، وفي اختيار الألفاظ والأساليب.
والله - عز وجل - قد حث أصحاب رسوله - صلى الله عليه وسلم - على أن يخاطبوه بغير ما يخاطبون به غيره من الناس، فقال سبحانه: ? لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ? الآية [النور: 63]. وفرق بين أن يقولوا: يا محمد، وأن يقولوا: يا رسول الله، يا نبي الله، مراعاة لمقامه - صلى الله عليه وسلم -.
وقد عيب على بعض الأدباء تقصيره في رعاية المقام، كما عابوا على أبي تمام قوله:
يا أبا جعفرٍ جُعِلتُ فِداكَ…بَزَّ حُسنَ الوجوهِ حُسنُ قَفَاكَا
قال حازم القرطاجني: (القفا ليس يليق إلا بطريقة الذم، وكذلك الأخدع والقذال، فاستعمال هذه الألفاظ في المدح مكروه)(1).
وعابوا على المتنبي قوله في أم سيف الدولة:
رِواقُ العِزِّ فَوقَكِ مُسْبَطِرٌّ…ومُلكُ عليٍّ ابنِكِ في كَمالِ
قال حازم: (فلفظة ”مسبطر“ بعد قوله للمرأة: ”فوقك“ قبيحة)(2).
وعيب على البحتري قوله في مطلع قصيدة له:
فُؤَادٌ مَلاهُ الحزنُ حتى تَصَدَّعا
فإن الذي يقرع سمعه هذا المعنى الحزين في بدء القصيدة لن يشك لحظة في أن الشاعر يرثي، ولكن الحقيقة أنه في مقام مدح، ولكنه لم يحسن الابتداء المناسب للمقام(3).
ومدح ذو الرمة عبد الملك بن مروان، فقال في مفتتح قصيدته يخاطب نفسه:
ما بالُ عَينِكَ مِنها الماءُ يَنسَكِبُ
ويقال: إن عبد الملك كانت عينه دائمة الدمع، فقال له: وما سؤالك عن هذا؟ فكرهه، وأمر بإخراجه(4).
__________
(1) منهاج البلغاء، للقرطاجني: 152.
(2) المصدر السابق: 151، ومعنى مسبطر: ممتد.
(3) ينظر: المثل السائر، لابن الأثير: 3/122.
(4) ينظر: العمدة، لابن رشيق: 1/222، والمثل السائر، لابن الأثير: 3/121.(1/29)
وإذا كان من أهداف تعلم القرآن الكريم: (التعرف على خصائص الأسلوب القرآني، ووجوه الإعجاز البياني)(1) فإن لهذا أثره في اقتفاء أثر القرآن والاقتباس من طريقته وتكوين القدرة البلاغية للتعبير(2). وإن من أهم خصائص الأسلوب القرآني: رعاية مقتضى الحال. ولم يكن القرآن الكريم قد بلغ الغاية في التأثير في النفوس إلا لكونه قد بلغ الغاية في رعاية مقتضى الحال.
ولينظر مثلاً إلى القصة القرآنية كيف يوجز عرضها في موضع ويطنب في موضع آخر، ويعبر عنها بلفظ في موضع، وبلفظ آخر في غيره، مراعاة لما يقتضيه المقام. ولم يقدم لفظ على آخر في موضع، ويؤخر عنه في موضع آخر، إلا لما يقتضيه المقام في هذا وذاك. وقل مثل ذلك في الحذف والذكر، والإظهار والإضمار، والتصريح والكناية، والحقيقة والمجاز، وغير ذلك من أساليب البلاغة.
__________
(1) طرق تدريس القرآن الكريم، للزعبلاوي: 17.
(2) ينظر: أهداف التربية الإسلامية وغاياتها، لمقداد يالجن: 68، والاتجاهات الحديثة في طرائق تدريس التربية الدينية، لمصطفى موسى: 357.(1/30)
ولنتأمل في قول الله - عز وجل - عن إبراهيم - عليه السلام -: ? قَالَ أَفَرَءَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ - أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ - فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ - الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ - وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ - وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ - وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ - وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين ? [الشعراء: 75-82]، ففي هذه الآيات ترد التساؤلات التالية: لم اختير لفظ "رب" ولم يختر لفظ "إله" مع أنه هو المتبادر إلى الذهن، لكون إبراهيم يتحدث عن العبودية؟ ولم أضيف الرب إلى العالمين، ثم قصر أفعاله عليه وحده؟ ولم اختير تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي؟ ولم أسند المرض إلى نفسه وهو من تقدير الله - عز وجل -، مع أنه أسند بقية الأفعال إلى الرب؟ ولم عطف بين الأفعال مرة بالفاء ومرة بالواو ومرة بثم؟ وما سر الترتيب بين هذه الأفعال؟ ولم جاء الضمير "هو" مع الأفعال إلا في الإماتة والإحياء؟، ولم كرر اسم الموصول إلا مع المرض والشفاء، مع أن الظاهر يقتضي العطف من غير تكرار؟ ولم جاء فعل الخلق بصيغة الماضي والأفعال الأخرى بالمضارع؟ ولم أطلق على رجاء المغفرة لفظ الطمع؟. كل ذلك ولا شك جاء مراعاة للمقام، وللإجابة على هذه التساؤلات يراجع كتب التفسير التي تعنى بالبلاغة(1).
__________
(1) ينظر على سبيل المثال في بلاغة هذه الآيات: "الكشاف" للزمخشري، و"روح المعاني" للآلوسي، و"التحرير والتنوير" لابن عاشور.(1/31)
ويرد هنا قصة الأصمعي قال: كنت أقرأ: السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم، وبجنبي أعرابي، فقال: كلام من هذا؟ فقلت: كلام الله، قال: أعد، فأعدت، فقال: ليس هذا كلام الله، فتنبهت، فقرأت: ? واللهُ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ ? [المائدة: 38]، فقال: أصبت، هذا كلام الله. فقلت: أتقرأ القرآن؟ قال: لا، فقلت: فمن أين علمت أني أخطأت ؟ فقال: يا هذا، عز فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع(1). ويحكى عن الفرزدق أنه سمع رجلاً يقرأ: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم، فقال: لا ينبغي أن يكون هذا هكذا، قال: فقيل له: إنما هو ? عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ ? قال: هكذا ينبغي أن يكون(2).
المبحث الرابع: التعبير المهذب
من السمات البارزة في الأسلوب القرآني التنزه عن الفحش والبذاء واللفظ القبيح والتصريح بما يستحيا من ذكره، وإذا احتاج أن يعبر عن المعنى الفاحش والموقف الهابط فإنما يصورهما ويعبر عنهما بلفظ شريف؛ يصيب الغرض، ولا يثير الفحش، ولذا (جاء الخطاب الإلهي ساميًا، يدعو إلى التهذيب، ويتسم بالاحتشام والرفعة)(3)، (وهذا يدل على النهوض بالنفس البشرية، وإبعادها عن الابتذال؛ لأن الحياة السوية مطلب القرآن الكريم)(4).
وقد اتخذ القرآن أساليب عديدة لمثل هذا التعبير، كالمجاز والتشبيه والكناية والتعريض والتلويح والإشارة والإيماء وغير ذلك(5).
__________
(1) ينظر: زاد المسير، لابن الجوزي: 382.
(2) ينظر: الأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني: 7/730.
(3) جماليات المفردة القرآنية، لأحمد ياسوف: 268.
(4) المصدر السابق: 255.
(5) ينظر: المصدر السابق: 255-268، وصناعة الكلام، لمحمد كشاش: 81-97.(1/32)
قال ابن حجة الحموي في باب الكناية: (والأبلغ في هذا الباب والأبدع أن يكني المتكلم عن اللفظ القبيح باللفظ الحسن) وذكر كنايتين في القرآن عن الحدث والجماع، ثم قال: (وعلى الجملة لا تجد معنى من هذه المعاني في الكتاب العزيز إلا بلفظ الكناية؛ لأن المعنى الفاحش متى عبر المتكلم عنه بلفظه الموضوع له كان الكلام معيبًا)(1).
وقال الماوردي في آداب الكلام: (ومن آدابه: أن يتجافى هُجر القول ومستقبح الكلام، وليعدل إلى الكناية عما يُستقبح صريحه ويُستهجن فصيحه؛ ليبلغ الغرض ولسانه نزه وأدبه مصون)(2).
وقد قال الله عز وجل: ? لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ? [النساء: 148].
إن المتكلم البليغ سيجد في كتاب الله - عز وجل - مثلاً يحتذى في سمو الخلق وشرف التعبير.
ولينظر مثلاً في التعبير عن قضاء الحاجة التي هي من طبيعة الإنسان، حيث يقول الله - عز وجل -: ?أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِن الغَائِطِ? [المائدة: 6]، فعبر عن الحدث بالمكان الذي يقضى عادة فيه؛ لأن الغائط هو المكان المنخفض من الأرض، ويقصد عادة لقضاء الحاجة.
__________
(1) خزانة الأدب، لابن حجة: 2/263-264.
(2) أدب الدنيا والدين، للماوردي: 210.(1/33)
وحتى في العلاقة بين الجنسين؛ فإن المتكلم البليغ يجد في القرآن تعبيرًا شريفًا، فهو يعبر عنها بالمودة والرحمة والسكن والعفة، وإذا تحدث عن العلاقة الجنسية الطبعية بينهما فنجد سموًا في التعبير مع تنوع صوره، فيعبر عنها باللباس، والمس، واللمس، والمباشرة، والإفضاء، والرفث، والتَّغشِّي، وغيرها، واقرأ هذه الآيات: ? أحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ? [البقرة: 187]، ? وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ - نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ? [البقرة: 222- 223]، ? وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ(1/34)
بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ? [البقرة: 237]، ? وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ? [النساء: 21]، ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ? [النساء: 43]، ? هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ? [الأعراف: 189].
إن القرآن يصور هذه العلاقة الجنسية الطبعية بجلاء ووضوح؛ ولكن بألفاظ شريفة مهذبة لا تجد فيها بعد قراءة هذه الآيات ما يشعل الغريزة ويثير النفس نحو التلذذ بالجنس.
إن المتكلم البليغ يستطيع أن يصور المشاعر والعواطف النظيفة بتعبير نظيف، كما عبر عنها القرآن في قصة ابنة شيخ مدين مع موسى - عليه السلام - [سورة القصص: 23-27]، كما أنه يستطيع أن يصور لحظات الضعف والهبوط القذرة بكل أمانة؛ إلا إنه يصورها أيضًا تصويرًا نظيفًا، بحيث لا يثير التلذذ بمشاعر الجنس المنحرفة، والتمتع بلحظة الهبوط، بل يثير في النفس النفور من تلك الفطرة المنحرفة، والتقزز من ذلك الهبوط، وله خير مثال في طريقة القرآن في قص موقف امرأة العزيز مع يوسف - عليه السلام - [سورة يوسف 22-34](1).
__________
(1) ينظر: منهج الفن الإسلامي، لمحمد قطب: 70-78.(1/35)
ولقد كان لهذا الخلق القرآني في التعبير أثره في تعبير النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكيف لا يكون والقرآن خلقه، كما روى مسلم (746) عن سعد بن هشام أنه سأل عائشة رضي الله عنها فقال: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قالت: «فإن خلق نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان القرآن». وفي البخاري (3559) ومسلم (2321) عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: «لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحشًا ولا متفحِّشًا» ، وفي البخاري (6031) عن أنس - رضي الله عنه - قال: «لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - سبَّابًا ولا فحَّاشًا ولا لعَّانًا، كان يقول لأحدنا عند المعتبة: ما له، ترب جبينه» ، وحتى مع سوء أدب اليهود نجد الخلق الرفيع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما روى البخاري (6030 و6256) ومسلم (2165) عن عائشة رضي الله عنها أن يهود أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: السام عليكم(1). قالت عائشة: ففهمتها، فقلت: عليكم السام، ولعنكم الله، وغضب الله عليكم. فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «مَهْلاً يا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، فإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ في الأَمْرِ كُلِّه، وإِيَّاكِ والعُنْفَ والفُحْشَ» قالت: أولم تسمع ما قالوا ؟ قال: «أَوَلَمْ تَسْمَعِي ما قُلْتُ ؟ قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُم، رَدَدْتُ عَلَيْهِم، فيُسْتَجَابُ لي فِيْهِم، ولا يُسْتَجَابُ لهم فِيَّ».
الخاتمة
وبعد، فهذا جهد المقل، بذلت فيه جهدًا، وأردت به خيرًا؛ أن أخدم أشرف كلام نزل بأشرف لغة، لعلي أن أكون من أهل القرآن، فإن تحقق المراد فهو من توفيق الله وهدايته وإعانته وتسديده، وهو ولي التوفيق والهادي إلى سواء السبيل.
__________
(1) السام: الموت، وقيل: الموت العاجل. ينظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر: 11/42، شرح الحديث ذي الرقم ( 6256).(1/36)
وقد خلص البحث إلى أن القرآن الكريم له أثر كبير في اكتساب اللغة العربية وتعلمها وتنمية مهاراتها، خاصة لدى الأطفال.
وقد تناول أثر القرآن الكريم في تحصيل الثروة اللغوية وزيادتها، وفي اكتساب الفصاحة، والبلاغة، وفي التهذيب الخلقي في التعبير.
وإن كان من توصيات في خاتمة هذا البحث فإني أوصي بما يلي، وكثير منها مما أوصت به الدراسات والبحوث التي تناولت الموضوع:
الحث على حفظ القرآن الكريم، وتشجيع أهله.
التوسع في إنشاء مدارس تحفيظ القرآن الكريم الحكومية والأهلية.
دعم الجمعيات والمدارس الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم.
زيادة العناية بحفظ القرآن الكريم وتحفيظه في مدارس التعليم العام.
ربط المنهج المقرر في القراءة والكتابة في المرحلة الابتدائية بعلوم القرآن الكريم.
العناية بإعداد معلمي القرآن الكريم؛ لكي يؤدوا رسالتهم على أكمل وجه.
تعليم أطفال الروضة تلاوة القرآن الكريم، وتحفيظهم بعض سوره.
التركيز على مرحلة الطفولة في تعليم القرآن واللغة، لما لدى الطفل في هذه المرحلة من قدرة على الحفظ، وقدرة على اكتساب اللغة. وتقويم لسان الطفل أسهل من تقويم الكبير الذي اعتاد لسانه الخطأ.
والحمد أولاً وآخرًا لله الذي أنزل: ? إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ? [الإسراء: 9].
*****…*****…*****
تم الفراغ من البحث ضحى يوم الاثنين، غرة شهر جمادى الثانية من العام السابع والعشرين بعد المئتين والألف من هجرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.
ثبت المراجع
الاتجاهات الحديثة في طرائق تدريس التربية الدينية الإسلامية، للدكتور مصطفى إسماعيل موسى - دار الكتاب الجامعي - الإمارات - الطبعة الأولى 1423هـ.
الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي - تحقيق: أبو الفضل إبراهيم - المكتبة العصرية - بيروت - 1408هـ.
أثر القرآن في اللغة العربية، لأحمد حسن الباقوري - دار المعارف - القاهرة - الطبعة الثالثة.(1/37)
أثر القرآن في لغة العوام، مقال للأستاذ أحمد باكو المحامي - مجلة الإحياء، تصدر عن رابطة علماء المغرب: المجلد السادس - الجزء الأول - 1406هـ.
الأحاديث والآثار الواردة في فضل اللغة العربية وذم اللحن، للدكتور أحمد بن عبد الله الباتلي - كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع - الرياض - الطبعة الأولى 1427هـ.
أدب الدنيا والدين، لأبي الحسن الماوردي – تحقيق مصطفى عبد القادر عطا – مؤسسة الكتب الثقافية – بيروت – الطبعة الأولى 1415هـ.
إعجاز القرآن، للباقلاني – تحقيق السيد أحمد صقر – دار المعارف بمصر – الطبعة الثالثة.
إعراب القراءات السبع وعللها، لابن خالويه - تحقيق د.عبد الرحمن العثيمين - مكتبة الخانجي - القاهرة - الطبعة الأولى 1413هـ.
الأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني - تحقيق د.قصي الحسين - دار ومكتبة الهلال - بيروت - الطبعة الأولى 1422هـ.
الاقتباس: أنواعه وأحكامه، للدكتور عبد المحسن العسكر - مكتبة دار المنهاج - الرياض - الطبعة الأولى 1425هـ.
اقتضاء الصراط المستقيم، لابن تيمية – تحقيق ناصر العقل – مكتبة الرشد – الرياض – الطبعة الأولى 1404هـ.
إكساب وتنمية اللغة، للدكتور خالد الزواوي - مؤسسة حورس الدولية للنشر - الإسكندرية - الطبعة الأولى 2005م.
الإكسير في قواعد التفسير- لنجم الدين الطوفي- تحقيق عبد القادر حسين– مكتبة الآداب– القاهرة.
أهداف التربية الإسلامية وغاياتها، للدكتور مقداد يالجن - دار الهدى - الرياض - الطبعة الثانية 1409هـ.
الإيضاح، للقزويني، ضمن شروح التلخيص - دار السرور - بيروت.
بهجة المجالس وأنس المجالس، لابن عبد البر القرطبي - تحقيق محمد مرسي الخولي - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الثانية 1402هـ.
بيان إعجاز القرآن- للخطابي- ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن - تحقيق محمد خلف الله ومحمد سلام- دار المعارف- القاهرة- الطبعة الرابعة.(1/38)
تاج العروس من جواهر القاموس، للزبيدي – المطبعة الخيرية – مصر – الطبعة الأولى 1306هـ.
التعريفات، للجرجاني – تحقيق إبراهيم الأبياري – دار الكتاب العربي – بيروت – الطبعة الأولى 1405هـ.
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير- تحقيق سامي السلامة- دار طيبة- الرياض- الطبعة الأولى 1418هـ.
جماليات المفردة القرآنية في كتب الإعجاز والتفسير، لأحمد ياسوف- دار المكتبي- دمشق- الطبعة الأولى 1415هـ.
جوهر الكنز- لنجم الدين ابن الأثير- تحقيق محمد زغلول سلام– منشأة المعارف– الاسكندرية.
حسن التوسل إلى صناعة الترسل- لشهاب الدين الحلبي- تحقيق أكرم عثمان يوسف– دار الرشيد للنشر– بغداد.
خزانة الأدب وغاية الأرب، لابن حجة الحموي – شرح عصام شعيتو – دار ومكتبة الهلال – بيروت – الطبعة الأولى 1987م.
دراسة استطلاعية للعلاقة بين مدى حفظ القرآن الكريم وتلاوته ومستوى الأداء لمهارات القراءة لدى تلاميذ الصف السادس الابتدائي، دراسة للدكتور محمد موسى عقيلان - الكتاب السنوي الثالث، للجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية - الرياض - 1411هـ.
دور القرآن الكريم في تنمية المهارات الأساسية لتلاميذ المرحلة الابتدائية، ورقة للدكتور محمد رواس قلعه جي - الكتاب السنوي الثالث، للجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية - الرياض - 1411هـ.
دور القرآن الكريم في تنمية المهارات الأساسية لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية، ورقة للدكتور حمد بن إبراهيم الصليفيخ - الكتاب السنوي الثالث، للجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية - الرياض - 1411هـ.
دور القرآن الكريم في تنمية مهارات القراءة والكتابة لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية بالمدينة المنورة، دراسة للدكتور سعيد بن فالح المغامسي - الكتاب السنوي الثالث، للجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية - الرياض - 1411هـ.(1/39)
الرسالة، للشافعي – تحقيق أحمد شاكر – مكتبة دار التراث – القاهرة – الطبعة الثانية 1399هـ.
زاد المسير- لابن الجوزي- المكتب الإسلامي ودار ابن حزم – بيروت – الطبعة الأولى 1423هـ.
سيكولوجية اللغة والتنمية اللغوية لطفل الرياض، للدكتور محمد رفقي محمد - دار القلم - الكويت - الطبعة الأولى 1407هـ.
شروح التلخيص – دار السرور – بيروت.
صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، لأبي العباس القلقشندي - الهيئة المصرية العامة للكتاب - 1405هـ.
صحيح البخاري، مع فتح الباري لابن حجر - ترقيم عبد الباقي- دار المعرفة- بيروت.
صحيح مسلم- تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي- المكتبة الإسلامية- تركيا- الطبعة الأولى 1374هـ.
صناعة الكلام، للدكتور محمد كشاش - المكتبة العصرية - بيروت - الطبعة الأولى 1420.
طرق تدريس القرآن الكريم، للدكتور محمد السيد الزعبلاوي - مكتبة التوبة - الرياض - الطبعة الأولى 1417هـ.
العلاقة بين حفظ القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، دراسة للدكتور سعيد بن فالح المغامسي - مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - العدد الحادي عشر - محرم 1415هـ.
العلاقة بين حفظ القرآن الكريم وتلاوته ومستوى الأداء لمهارات القراءة الجهرية والكتابة لدى عينة من تلاميذ وتلميذات الصف الرابع الابتدائي بدولة قطر، لوضحى بنت علي السويدي - مجلة التربية - قطر - العدد الحادي عشر بعد المئة - ديسمبر 1994م.
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني- تحقيق ابن باز، وترقيم عبد الباقي- دار المعرفة- بيروت.
الفروق في مهارات القراءة والإملاء والحساب بين طالبات تحفيظ القرآن الكريم والمدارس العادية في الصف الرابع الابتدائي بمكة المكرمة، دراسة للدكتورة هانم بنت حامد ياركندي - الكتاب السنوي الثالث، للجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية - الرياض - 1411هـ.(1/40)
فصول في فقه العربية، للدكتور رمضان عبد التواب – مكتبة الخانجي بالقاهرة ودار الرفاعي بالرياض – الطبعة الثانية 1404هـ.
القرآن الكريم: رؤية تربوية، للدكتور سعيد إسماعيل علي - دار الفكر العربي - القاهرة - الطبعة الأولى 1421هـ.
القرآن هدى وطمأنينة وليس مصدر تشويش ولا ارتباك، مقال لخالد بن عبد الرحمن الشايع - موقع صيد الفوائد: www.saaid.net - حرر في 20/10/1426هـ.
كيف تحفظ القرآن الكريم؟، للدكتور عبد الرب نواب الدين - مكتبة ابن القيم - المدينة المنورة - الطبعة الثانية 1409هـ.
كيف تغدو فصيحًا عف اللسان؟، للدكتور محمد حسن الطيان - دار البشائر الإسلامية - بيروت - الطبعة الأولى 1423هـ.
المثل السائر، لضياء الدين ابن الأثير- تحقيق أحمد الحوفي وبدوي طبانة– دار الرفاعي– الرياض– الطبعة الثانية/1403هـ.
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية – جمع عبد الرحمن بن قاسم – مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف – المدينة المنورة – 1416هـ.
محاضرات الأدباء، لأبي القاسم الأصبهاني - دار ومكتبة الحياة - بيروت - 1961م.
المستطرف في كل فن مستظرف، لشهاب الدين الإبشيهي - دار الجيل - بيروت - الطبعة الأولى 1413هـ.
مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني- تحقيق صفوان داوودي- دار القلم- دمشق- الطبعة الأولى/1412هـ.
مقدمة ابن خلدون، للعلامة عبد الرحمن بن خلدون - تصحيح وفهرسة: أبو عبد الله السعيد المندوه - المكتبة التجارية - مكة المكرمة - الطبعة الأولى 1414هـ.
منهاج البلغاء وسراج الأدباء، لحازم القرطاجني - تحقيق: محمد الحبيب ابن خوجة - دار الكتب الشرقية.
منهج الفن الإسلامي، لمحمد قطب - دار الشروق -القاهرة - الطبعة الثامنة 1413هـ.
المهارات اللغوية، للدكتور أحمد فؤاد عليان - دار المسلم - الرياض - الطبعة الأولى 1413هـ.
يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، لأبي منصور الثعالبي – تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد – دار الفكر – بيروت.(1/41)
فهرس المحتويات
المقدمة ................................................................................. ... 2
تعريف الملكة واللسان .................................................................. ... 4
شأن الملكة اللسانية عند العرب ......................................................... ... 4
الحث على اكتساب اللسان العربي ...................................................... ... 7
وسائل اكتساب الملكة اللسانية ......................................................... ... 9
أثر القرآن في اكتساب الملكة اللسانية ................................................... ... 10
الدراسات والبحوث في أثر القرآن في اكتساب الملكة اللسانية ........................... ... 12
المبحث الأول: زيادة الثروة اللغوية ..................................................... ... 13
المبحث الثاني: النطق السليم ............................................................ ... 18
المبحث الثالث: التعبير البليغ ........................................................... ... 22
المبحث الرابع: التعبير المهذب .......................................................... ... 26
الخاتمة والتوصيات ..................................................................... ... 29
ثبت المراجع ........................................................................... ... 30
فهرس المحتويات ........................................................................ ... 34
*******************(1/42)