2- أحمد ، مطهر سيف، عقد السلم وعقد الاستصناع ومجالات تطبيقهما في الاقتصاد الإسلامي، رسالة ماجستير، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، 1414هـ - 1993م.
3- البهوتي، منصور بن يونس، كشاف القناع على متن الإقناع، مصر، دار الفكر، بدون.
4- الجابري، عبد الله حاسن معبد، مشاريع تكوين البنية الأساسية في الاقتصاد الإسلامي وآثارها.
5- حجازي، السيد إمام محمود، المعايير المستحدثة في تقييم دراسات الجدوى للمشاريع الاقتصادية بصفة عامة ومشاريع البنية الأساسية بصفة خاصة، القاهرة، البنك الأهلي المصري، مايو 1997م.
6- الخطيب، محمد الشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، بدون.
7- الخياط، عبد العزيز عزت، الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1403هـ - 1983م.
8- الدردير، أحمد، الشرح الكبير، مصر، دار إحياء الكتب العربية، بدون.
9- الدغيثر، خالد بن عبد الله، أساليب البناء -التشغيل -الإعادة ''BOT'' سلاح المنافسة الجديد في صناعة البناء والتشييد، المؤتمر الهندسي السعودي الخامس، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، 13- 16 ذي القعدة 1419هـ.
10- الزقرد، أحمد السعيد، التأثيرات القانونية والاقتصادية والسياسية للعولمة على مصر والعالم العربي ( عقود BOT وآليات الدول العالمية)، القاهرة، المؤتمر السادس، كلية الحقوق جامعة المنصورة، 26-27 مارس 2002م.
11- الساعاتي، عبد الرحيم عبد الحميد، خصخصة إدارة وبناء وتشغيل البنية التحتية في المملكة العربية السعودية، ندوة التعاون بين الحكومة والقطاع الأهلي في تمويل المشاريع الاقتصادية، جدة، جامعة الملك عبد العزيز، 2 -4/7/1420هـ.
12- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الجامع الصغير، بيروت، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1981م.(31/32)
13- شابرا، محمد عمر، النظام الاقتصادي في الإسلام" دور الدولة"، بيروت- لبنان، مجلة المسلم المعاصر العدد 16 ، 1398هـ - 1978م.
14- عطية، عبد القادر محمد عبد القادر، دراسات الجدوى التجارية والاقتصادية والاجتماعية مع مشاريع BOT، الإسكندرية، الدار الجامعية، الطبعة الثانية، 2000- 2001م.
15- علي، إبراهيم فؤاد أحمد، الإنفاق العام في الإسلام، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1393هـ -1973م.
16- اللخمي، أبو إسحاق إبراهيم، الموافقات في أصول الأحكام، القاهرة، مطبعة المدني 1969م.
17- محي الدين، التخلف والتنمية، بيروت، دار النهضة العربية، 1975م.
18- المرطان، سعيد بن سعد، تجربة البنك الأهلي التجاري في تعبئة المدخرات لتمويل مشاريع البنية التحتية بصيغ إسلامية، ندوة التعاون بين الحكومة والقطاع الأهلي في تمويل المشاريع الاقتصادية، جدة، جامعة الملك عبد العزيز، 2-4/7/1420هـ.
19- المقدسي، موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر، بيروت- لبنان، درا الندوة الجديدة، بدون.
- المغني، القاهرة، هجر للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1412هـ -1992م، تحقيق
د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي والدكتور عبد الفتاح الحلو.
20- النيسابوري، مسلم بن الحجاج القشيري، صحيح مسلم، القاهرة، دار الحديث 1412هـ - 1991م.
21- MONZER KAHF " SERVICE BONDS FOR FINANCING PUBLIC UTILITIES " to presented at the Seminar on Financing Government Enterprises from the Private Sector, King Abdulaziz University, Jeddah 2- 4 rajab 1420 h.
??
??
10 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
دراسة شرعية اقتصادية لخصخصة مشاريع البنية التحتية 11(31/33)
دول العالم الإسلامي
والعولمة الاقتصادية
أ. د. جاب الله عبد الفضيل بخيت
الأستاذ في قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية
كلية الشريعة بالرياض- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
د. عبد الله بن سليمان الباحوث
الأستاذ المساعد في قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية
كلية الشريعة بالرياض- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
بحث مقدم إلى المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة أم القرى - مكة المكرمة
( محرم 1424 هـ)
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
يستحوذ موضوع العولمة الاقتصادية على جانب وافر من اهتمام الاقتصاديين ومتخذي القرارات في كل دول العالم حيث أن تحرير التجارة العالمية وأسواق النقد ورأس المال تعتبر من أبرز المحددات الرئيسية لنمو وتنمية الدول والتأثير على رفاهية مواطنيها الاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا البحث نسلط الأضواء على أثر العولمة الاقتصادية على اقتصاديات دول العالم الإسلامي، وذلك من خلال المحاور الآتية :
أولاً : المكاسب التي يمكن أن تحققها دول العالم الإسلامي من الاندماج في العولمة الاقتصادية متمثلة في : سهولة دخول منتجاتها إلى أسواق الدول المتقدمة - الاستفادة من تحرير التجارة في تقنية المعلومات -التأثر ببعض المفاهيم الإيجابية في مجال حقوق الإنسان, حق تقرير المصير - حماية البيئة، تحجيم الفساد الإداري والسياسي .
ثانياً : الآثار السلبية المتوقعة لتحرير الاقتصاد العالمي متمثلة في : تكريس عدم العدالة في توزيع المكاسب المتأتية من تحرير التجارة الدولية- زيادة حدة الأزمات المالية بسبب تزايد تحرير الأسواق المالية والنقدية- تقليص دور ومفهوم الدولة القومية - التخوف من هيمنة الثقافة الغربية، زيادة معدلات البطالة.(32/1)
ثالثاً : سبل مواجهة الآثار السلبية للعولمة الاقتصادية : وتتمثل في جهود البلاد الإسلامية على المستوى القطري والأممي لتحقيق اندماج فعال وإيجابي في الاقتصاد العالمي، وتتمثل أهم هذه السبل في :
1. زيادة القدرة التنافسية الاقتصادية للدول الإسلامية من خلال الاهتمام بإفساح المجال أمام القطاع الخاص ، والبحث العلمي، والتنمية الصناعية كماً و كيفاً.
2. التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية
3. التدرج في تحرير الأسواق المالية.
4. المحافظة على دور أساس للدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
Abstract:
One of the world's most important economic change during the past three decades of the 20th century has been the emergence and the development of Globalization which is considered as the latest development of capitalism. During the last decade, Globalization emerged as a new academic discipline in many universities and research institutions of Western countries; it received wider attention and got higher priority in international, interregional and regional meetings.
The aim of this study is to outline and summarize the impacts of globalization on Islamic countries. The research is introduced by a short definition of globalization and short characterization of the international economy. After this brief introduction, the study is divided into three parts.
The first part gives the explanation of the merits of globalization. Globalization will greatly benefit the Islamic countries through many ways :
1- Liberalization of trade and factor movements.
2- Promotion and facilitation of exports from Islamic countries to other countries.(32/2)
3- Facilitation of transfer of information and high technology to Islamic world.
4- Internationalization of many problems such as : human rights, self- determination and environment.
The second part gives short comprehensive but not exclusive list of adverse effects of globalization on Islamic world. We can summarize these discontents as the following:
1- Unequal distribution of globalization benefits between developing countries and developed nations.
2- Reducing the sovereignty of nation-state.
3- Promotion of western cultures against local cultures.
4- Liberalization of financial and monetary markets leads to more financial crisis.
5- Acceleration of political and military intervention of the U.S.A. in local affairs of Islamic countries.
The third part makes proposals for how Islamic countries can adhere actively and positively to the agreement of W.T.O. Economic cooperation and integration among Islamic countries must take place. Also, some efforts must be done in the fields of education, training, technology, industry, privatization, food, telecommunication in order to strengthen the competitiveness of Islamic countries.
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد :(32/3)
إن المتتبع للتطورات التي اعترت عالمنا المعاصر يلحظ تعمق التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدولة القومية. وهذا يعني أن البشرية دخلت في غمار عملية تغيير كبرى على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية والسلوكية ونحن على مشارف القرن الحادي والعشرين. وقد تمخض عن عملية التغير هذه، تشكيل نسق من القيم الكونية التي تغطي مختلف جوانب النشاط الإنتاجي والتي من المنتظر أن تعم مختلف أقطار العالم وهو ما أطلق عليه العولمة أو الكوكبة أو الكونية ترجمة للمصطلح الإنجليزي (GLOBALISATION) .
إن التوجه نحو العولمة يجعل عالم اليوم أشبه بقرية صغيرة بلا حدود أو حواجز يسودها نظام اقتصادي واحد وشامل ومتداخل قوامه الحرية الاقتصادية وحرية انتقال الأفراد والمنتجات ورؤوس الأموال بلا قيود أو عوائق. ومن الواضح أن للدول المالكة للتقنية الحديثة وللشركات متعددة الجنسيات والمنظمات الاقتصادية الدولية دورا متميزا وحاسما في تقسيم العمل على الصعيد الدولي في إطار ظاهرة العولمة. وليس هناك من شك في أن كل هذه التحولات الجارية في هيكل الاقتصاد العالمي تطرح تحديات جديدة على الدول النامية ومنها الدول الإسلامية وبالتالي تحتاج إلى دراسات وتحليلات جادة للوقوف على آثار عملية العولمة بالنسبة لمستقبل التنمية في هذه الدول وكذلك إمكانيات المواجهة للخسائر التي قد تلحق بالاقتصاديات الإسلامية.(32/4)
وبالتالي فإن هذه الدراسة تهدف إلى تحليل الآثار الايجابية والسلبية للعولمة الاقتصادية على دول العالم الإسلامي ، لأن هذه العولمة تتيح بلا شك فرصاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يجب اغتنامها ، إلا أنها في نفس الوقت تولد تحديات وسلبيات يجب تفاديها بقدر الإمكان. علاوة على ذلك تهدف الدراسة إلى بلورة مجموعة من الاقتراحات التي تمكن الدول الإسلامية من الاندماج الفعال والايجابي مع الاقتصاد العالمي بطريقة تمكنها من اغتنام الفرص والمكاسب ومواجهة التحديات وتفادي الخسائر.
مما سبق يمكن صياغة فرضيات البحث على النحو الآتي :
- تتيح العولمة مجموعة من المنافع التجارية والاقتصادية والسياسية كما أنها تفرز مجموعة من السلبيات والتحديات ، لكن واقع هذه الإيجابيات والسلبيات غير متساو بين الدول.
- زيادة التنافسية الدولية للعالم الإسلامي تتطلب تدعيم التوجه نحو التعاون والتكتل بين دوله.
أما عن المنهج البحثي المستخدم فهو يجمع بين الاستقرائي والاستنباطي في شكل متداخل بينهما، وبخاصة في تحليل ايجابيات وسلبيات العولمة الاقتصادية على دول العالم الإسلامي أما صياغة الرؤية الاستراتيجية لمواجهة تحديات العولمة فقد اعتمدت أساساً على المنهج الاستنباطي.
وفى إطار هذه الورقة لا نهدف إلى الإبحار في محيط أدبيات العولمة، وبالتالي نحدد اهتمامنا في تغطية النقاط الآتية:
أولاً : ما المقصود بالعولمة الاقتصادية؟
ثانياً : ما إيجابيات وسلبيات العولمة؟
ثالثاً : ضرورة تحديد رؤية استراتيجية شاملة لمواجهة تهديدات العولمة الاقتصادية.
وتمثل هذه النقاط الأجزاء الثلاثة المكونة للدراسة ، ونتناول بالشرح والتحليل هذه الأجزاء على النحو الآتي .
أولا: مفهوم العولمة الاقتصادية:(32/5)
قبل الولوج في عرض إيجابيات وسلبيات توجه الاقتصاديات الوطنية نحو العولمة، يجدر بنا اقتراح تعريف لظاهرة العولمة الاقتصادية وذلك من خلال التطورات المتسارعة التي طرأت على النظام الاقتصادي العالمي في السنوات الأخيرة. فقد كانت العلاقات الاقتصادية الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية سنوات الثمانينات من القرن العشرين تتسم بالتوجه نحو التدويل المتمثل في الانفتاح التدريجي للاقتصاديات الوطنية على المبادلات التجارية ورؤوس الأموال الأجنبية. إلا أنه منذ بداية التسعينات حدثت تطورات سريعة ومكثفة أعادت تشكيل النظام الاقتصادي الدولي، ومن ثم أصبح هذا النظام في ثوبه الجديد يتسم بالخصائص الهامة الآتية:-
1-عولمة نمط الإنتاج الرأسمالي القائم على: التنافسية - التوجه نحو التوسعية واقتصاديات الحجم - التركيز الذي يفضي إلى الاحتكار - تسريع التحديث والتطور1.
2-عولمة النشاط المالي واندماج أسواق المال عن طريق إزالة القيود على تحركات رؤوس الأموال خاصة القصيرة الأجل والتي يطلق عليها الأموال الساخنة.
3-تعاظم دور العلم والتقنية وتأثيرهما في التحكم في السيطرة على الاقتصاد العالمي باعتبارهما المفاتيح الأساسية لبناء القوة الاقتصادية والتنافسية الدولية في الوقت الراهن وتوجهات المستقبل. ونتيجة لذلك تمارس القوى المالكة للتقنية الحديثة سواء كانت دولاً أم شركات متعددة الجنسية دورًا متميزا في توجيه العالم نحو العولمة والتحرر الاقتصادي. ومن المتوقع أن تحصل هذه القوى على نصيب الأسد من مغانم العولمة. وفى هذا الصدد يشير أحد الباحثين إلى أن الشركات المتعددة الجنسيات التي لا تدين بالولاء إلا للأرباح تقوم بتوظيف المنجزات العلمية البارعة لمزيد من أحكام قبضة العالم على رقبة العالم الثالث2.(32/6)
4- تعاظم الدور الاقتصادي والسياسي والعسكري للولايات المتحدة الأمريكية: فقد أدى تغير مراكز القوى العالمية على أثر انهيار الشيوعية نظرية وتطبيقا إلى تفكيك الاتحاد السوفيتي السابق وارتماء دول أوربا الشرقية والكثير من دول العالم الثالث في أحضان الدول الصناعية الرأسمالية والمنظمات الدولية بهدف مساعدتها على التحول من الاقتصاديات المدارة مركزيا إلى اقتصاديات السوق الحر؛ هذا بالإضافة إلى فقدان أوربا للقيادة العالمية نتيجة للأخطاء الكثيرة التي ارتكبتها في القرن العشرين3. وكانت النتيجة الطبيعة انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بلا منازع بالهيمنة على مصائر العالم وتصرفها لا كقوة عظمى بل كالقوة العظمى الوحيدة في العالم من دون تنسيق مع أي شريك آخر ولا في إطار أية هيئة دولية جماعية4.
5- تعاظم دور المنظمات الاقتصادية الدولية في إدارة الاقتصاد العالمي الجديد وإطلاق حرية المنافسة الاقتصادية حيث تشكل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي نظامًا اقتصاديا حاكما وحازما للعلاقات الدولية في المجالات التجارية والمالية. فبالنسبة للمؤسسات المالية الدولية تنامي دورهما في تصميم برامج التكيف الهيكلي والإصلاح الاقتصادي في دول العالم الثالث ودول أوربا الشرقية. ويكمن أحد أهداف هذه البرامج في إدماج هذه الدول في دورة الاقتصاد العالمي. أما منظمة التجارة العالمية التي دخلت اتفاقية إنشائها حيز التنفيذ في أول يناير 1995م وتضم الآن 145 دولة فتختص بالإشراف على التجارة الدولية والعمل على تحريرها من كافة القيود الكمية والنوعية.(32/7)
6- الاتجاه نحو التكتل الاقتصادي الإقليمي بهدف الاستفادة من الفرص التي تتيحها العولمة الاقتصادية وتدعيم القدرة على مواجهة التحديات التي تفرضها، ومن أمثلة ذلك: تكتل الاتحاد الأوربي، وتكتل دول النافتا، وتكتل دول الآسيان، وتكتل دول الإبيك. وينظر البعض إلى هذه التكتلات الاقتصادية الإقليمية على أنها خطوة نحو العالمية المطلوبة للتجارة الحرة بين دول العالم5.
7- تدويل بعض المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؛ مثل حقوق الإنسان وحق تقرير المصير للشعوب وقضايا السكان والفقر والتلوث البيئي وغسيل الأموال التي تم اكتسابها بطرق غير مشروعة6.(32/8)
من واقع الخصائص التي تميز الاقتصاد العالمي المعاصر والتي سبق إيضاحها عاليا، يمكن القول أن مفهوم العولمة الاقتصادية يتمثل من كونها النتاج الواقعي لتطور الرأسمالية الغربية في مرحلتها الأخيرة التي تتحكم فيها قوى دولية وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، هذه القوى تقود تيارا عالميا يستهدف سيادة اقتصاديات السوق وتحرير المعاملات الاقتصادية الدولية من كافة القيود المباشرة وغير المباشرة. وترتيبا على ذلك يمكن القول أن تيار العولمة الاقتصادية ينصرف إلى نشر نظم وعلاقات وقوى الإنتاج والتبادل والتوزيع الرأسمالية في دول الأطراف، على أن يتم ذلك بقيادة وسيطرة دول المركز الأصلي للرأسمالية والمنظمات الاقتصادية الدولية. وفي هذا الصدد يرى البعض أن العولمة هي رسملة العالم على مستوى العمق بعد أن كانت في السنوات الماضية رسملة العالم على مستوى سطح النمط ومظاهره 7؛ ويجمع هذا التيار الفكري بين العولمة الاقتصادية والليبرالية المتطرفة. ويرى البعض الآخر أن هناك اختلافاً بين هذين المفهومين ؛ فالعولمة عبارة عن ظاهرة تاريخية موضوعية لها إيجابياتها وسلبياتها، أما الليبرالية المتطرفة فعبارة عن ظاهرة أيديولوجية ذاتية تعطي لنفسها حق تسيير وإدارة العولمة وتسعى إلى فرض نفسها كمرادف للعولمة8.
ويمكن تقسيم مضمون العولمة الاقتصادية إلى أربعة مكونات أساسية هي:
1- انتشار المعلومات والبيانات الاقتصادية وغير الاقتصادية بحيث تكون متاحة لجميع الشعوب. وقد ساعد على تدفق وذيوع هذه المعلومات التقدم الهائل في وسائل الموصلات والنقل والاتصالات والفضائيات وتقنية المعلومات.
2- سهولة حركة السلع والخدمات والأموال والأشخاص الطبيعيين بين الدول مما يعني تلاشي أو على الأقل إضعاف الحدود السياسة للدول؛ وبالتالي تحل النظرة العالمية للأسواق محل النظرة المحلية أو القطرية.(32/9)
3- زيادة معدلات التشابه بين سلوك الجماعات وتنظيم وإدارة المجتمعات وأشكال المؤسسات الاقتصادية والسياسة والتنميط في أساليب الإنتاج وفى المنتجات من السلع والخدمات. ويرجع ذلك إلى أن حركة العولمة تتضمن تبني فلسفة السوق الحر داخل الدولة وفي معاملاتها الاقتصادية مع الدول الأخرى ومن ثم سيادة النظام الرأسمالي الديمقراطي الغربي.
4- التوابع والتجليات للعولمة الاقتصادية في الميادين السياسية والثقافية، فالعولمة الاقتصادية تعطي وزنا هاما للمتغيرات السياسية والاجتماعية9. فقد ارتبطت عملية العولمة الاقتصادية باتساع نطاق الثقافة الغربية وتعميق النمط الاستهلاكي الأوربي والأمريكي في شعوب العالم الثالث ومنها الدول الإسلامية، مثل نوعية الملابس التي يرتدونها وأنواع الطعام والشراب التي يفضلونها بل ومفردات الكلام التي ينطقون بها، فالتقدم في وسائل الاتصال كانت له بصمات على اتجاهات وميول الأفراد الثقافية والاستهلاكية في الكثير من دول العالم الإسلامي. علاوة على ذلك فإن العولمة الاقتصادية على الطريقة الأمريكية تبشر بنشر مجموعة من القيم التي تحكم الحياة السياسية في الغرب؛ مثل الديمقراطية والتعددية الحزبية واحترام حقوق الإنسان وحق تقرير المصير للشعوب ومكافحة الفساد وجرائم غسيل الأموال وحماية البيئة.
ثانيا : ايجابيات وسلبيات التحول نحو العالمية:
…إن العولمة الاقتصادية باعتبارها مرحلة متقدمة في تاريخ الرأسمالية يتكامل فيها النشاط الاقتصادي وظيفيا عبر الحدود الوطنية سوف يكون وقعها الايجابي والسلبي غير متساو بين الدول. لذلك يجب التأكيد على أن التحذير من سلبيات العولمة الاقتصادية لا يعنى الدعوة إلى الانفصال عن الاقتصاد العالمي ومجرياته، فالهدف إذن من التحذير هو وضع الدول الإسلامية أمام مسئولياتها حتى لا يكون نصيبها من الاندماج في هذا الاقتصاد العالمي الأعباء دون المغانم.
1- إيجابيات العولمة:(32/10)
…تتيح العولمة مجموعة من الفرص التجارية والاقتصادية والسياسية التي يمكن للدول الصناعية والنامية الاستفادة منها على السواء , وأهم هذه الفرص :
أ- انتشار المعلومات والبيانات بحيث تصبح متاحة لدى جميع الدول والشعوب، فمن المتوقع في السنوات القادمة توقيع اتفاقية تستهدف تحرير التجارة في تقنية المعلومات مما سوف يساهم في تضييق الخلافات بين الدول النامية والدول الصناعية بخصوص نقل التقنية وبخاصة تقنية المعلومات.
ب_ تعزيز المنافسة بين الدول والشركات في إطار تفعيل آليات السوق الحر على المستوى الدولي وبالتالي تسهيل حركة الناس والسلع والخدمات بين الدول على المستوى الكونى. ولكن من الواجب الإشارة إلى أن توافر سوق كبير أمام الدول الإسلامية لا يكفي وحده لزيادة صادرات هذه الدول، إذ لابد من العمل على زيادة وتحسين الإنتاج وتخفيض تكاليفه وبخاصة في مجال الإنتاج الصناعي والخدمي.
ج - محاربة الفساد: يترتب على التحرير الاقتصادي وفتح الأسواق زيادة درجة المنافسة وتقليل البيروقراطية الإدارية الأمر الذي يؤدي إلى تحجيم دور ذوي النفوذ السياسي والإداري ، ومن ثم القضاء على جزء كبير من الفساد الإداري المستشري في كثير من دول العالم الثالث10.(32/11)
د - انتشار وتعميق المفاهيم المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير واستنهاض روح المسئولية في المجتمع الدولي لحماية البيئة. ولا شك أن تعزيز هذه القيم يمثل مطالب أساسية للدول الإسلامية. فعلى سبيل المثال قد يساعدنا تطبيق هذه المبادئ بموضوعية في حل الكثير من المشكلات السياسية المعلقة منذ سنوات عديدة؛ مثل حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وحصول الأقليات الإسلامية في العديد من الدول على حقوقها مثل مسلمي كوسوفو والشيشان وكاراباخ والفلبين وكشمير. إلا أنه يجب التحذير من بعض المخاطر التي من الممكن أن ترافق تطبيق هذه المبادئ نتيجة للممارسات الخاطئة والمتحيزة للدول التي تقود النظام الاقتصادي والسياسي العالمي، لذلك ينبغي على الدول الإسلامية الوقوف ضد ازدواجية المعايير التي تمارسها الدول الصناعية في تطبيق حقوق الإنسان وعدم السماح لهذه الدول الأخيرة بفرض نموذج الديمقراطية والتنمية الغربي كنموذج أوحد للديمقراطية والتقدم، والعمل على تقنين حق التدخل التي يمارسه الآن حلف الأطلنطي حتى لا يشهر كسلاح ضد الأمة الإسلامية في يوم من الأيام.
ويرى الاقتصادي الأمريكي ( (J. STIGLITZ أن العولمة تمتلك قدرات كامنة لإثراء العالم خصوصا الشعوب الفقيرة إلا أن المعضلة تكمن في طريقة ونظام إدارة العولمة11.
2- سلبيات العولمة:
إن التقويم المتوازن لما يجرى الآن اقتصاديا وسياسيا على الساحة الدولية يؤكد وجود نتائج سلبية للعولمة بالنسبة لبعض الدول. إلا أن تحليل هذه السلبيات لا يعني الدعوة إلى الانعزال عن الاقتصاد العالمي ومجرياته، بل الهدف من إظهار هذه السلبيات هو وضع الدول الإسلامية أمام مسئولياتها حتى لا يكون نصيبها من الاندماج في الاقتصاد العالمي الأعباء دون المغانم. هذا ويمكن إجمال هذه السلبيات في الآتي:(32/12)
أ- اتهام العولمة الاقتصادية المعاصرة بتكريس عدم العدالة في توزيع مكاسب تحرير التجارة الدولية من استيراد وتصدير، نظرا لاحتكار الأقلية من الدول المتقدمة والشركات متعددة الجنسية التي صدرت عنها الدعوة للعولمة للمزايا الاقتصادية والسياسية على المستوى الدولي. وترتيبا على ذلك تصبح العولمة المعاصرة مجرد إعادة إنتاج لنظام التبادل القديم غير المتكافئ؛ فالشركات متعددة الجنسية تتسم بضخامة إستثمارتها وحجم أعمالها، وتنوع أنشطتها الاقتصادية والانتشار الجغرافي والاعتماد على توظيف المدخرات العالمية والقدرة على تعبئة الكفاءات البشرية العالية من مختلف الجنسيات، واحتكارها للمنتجات ذات المحتوى التقني المرتفع ولمنجزات البحث العلمي. ونتيجة لهذه الإمكانيات أصبحت هذه الشركات تهيمن على توجيه الاستثمارات على المستوى الدولي مما أدى إلى تضخم أرباحها. وقد أدى تحكم هذه الشركات في مصير الاقتصاد والتجارة العالميين أن أصبحت حكومات الدول الإسلامية مضطرة لمناقشة مستقبل اقتصادياتها مع هذه الشركات. ويلاحظ أن التخوف من سطوة الشركات متعددة الجنسية لا يقتصر على شعوب وحكومات الدول النامية والإسلامية بل يتعداها إلى سكان البلاد الصناعية. وقد حملت هذه المخاوف أحزاب يسار الوسط إلى الحكم في التسعينيات من القرن العشرين في دول الاتحاد الأوربي الرئيسة مثل وصول حزب العمال بقيادة ( توني بلير) إلى الحكم في المملكة المتحدة، ووصول الحزب الاشتراكي بقيادة ( ليونيل جوسبان) إلى الحكم في فرنسا، ووصول الحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة ( جيرهارد شرودر)، وحزب الخضر بقيادة ( يورك فيشر ) إلى الحكم في ألمانيا. وفى مقال في صحيفة " الاندبندت " البريطانية12 أشار رئيس الوزراء البريطاني ( توني بلير) إلى أنه بدون إعلاء قيم العدالة الاجتماعية والتكافل والحقوق المتساوية في العمل لن يكون تيار العولمة محتملا من جانب المواطن العادي وسينتهي الحال(32/13)
بهذا التيار إلى الانهيار، وذلك في إشارة واضحة إلى الدور المتنامي للشركات متعددة الجنسية في الاقتصاد العالمي.
ويمكن تحليل التوزيع غير العادل لمكاسب العولمة الاقتصادية من خلال نصيب التجمعات الدولية في المجالات الآتية :
أولا : التوزيع اللامتكافئ للثروة العالمية : ففي بعض التقديرات أن 20% من الأكثر غنى من سكان العالم تحصل على 82% من إجمالي الدخل العالمي 13. كما أن 358 مليارديراً في العالم يمتلكون معا ثروة تضاهي ما يملكه 2.5 مليار من سكان العالم14.
ثانيا : الأضرار بالتوظف على المستوى العالمي : تشير بعض المراجع إلى أن نسبة 20% من السكان العاملين ستكفي في القرن الحادي والعشرين للحفاظ على النشاط الاقتصادي في العالم وبالتالي فإن نسبة البطالة ستصل إلى 80% من قوة البشر القادرين على العمل في العالم وسيتركز معظم هؤلاء العاطلين في دول العالم الثالث15.
ثالثا : تعميق ظاهرة التبادل الدولي غير المتكافئ : حيث تتهم العولمة الاقتصادية بتكريس عدم العدالة في توزيع مكاسب تحرير التجارة الدولية نظرا لاحتكار الأقلية من الدول الكبرى للتجارة الدولية استيراداً وتصديراً علاوة على احتكارها للمزايا الاقتصادية والسياسية على المستوى الدولي16. ويوضح الجدول التالي التوزيع الجغرافي للتجارة الدولية:
التجارة الدولية : استيراد وتصدير
النسبة المئوية من التبادل التجاري (2000)
المنطقة الجغرافية
الوردات
الصادرات
1- أمريكا الشمالية
2- أوربا الغربية
3- أسيا
4- أوربا الشرقية
5- أمريكا اللاتينية
6- أفريقيا
7- الشرق الأوسط
22.5
38.6
24.9
3.6
5.8
2.0
2.6
16.6
38.4
28.7
4.3
5.6
2.3
4.1
Source : World Trade Organization (WTO) ; International Trade Statistics " Geneva , 2001.(32/14)
…يتضح من الجدول السابق أن أمريكا الشمالية وأوربا الغربية تحصل على نصيب الأسد من التجارة الدولية إذ أن نصيبها من الصادرات يصل إلى 55% ونصيبها من الواردات يرتفع إلى 61%. كما يلاحظ أن معظم صادرات هذه الدول تتمثل في منتجات صناعية وخدمية أما واردتها فتتمثل في المواد الخام والطاقة المحركة، أما عن الشرق الأوسط ، كمثال للدول لإسلامية، فإن نصيب دوله من الصادرات العالمية يصل إلى 2.6% ونصيبها من الصادرات عبارة عن 4.1% فقط. ويلاحظ أيضا أن معظم صادرات دول الشرق الأوسط تتمثل في المواد الخام والنفط. وترتيبا على ذلك تصبح العولمة المعاصرة مجرد إعادة إنتاج لنظام التبادل القديم غير المتكافئ، أما الأمر الجديد فهو إقناع دول العالم الثالث بفتح أسواقها أمام المنتجات الصناعية والخدمية التي تصدرها البلاد الصناعية المتقدمة.
ب- …الانفصال المتنامي بين حركة الاقتصاد المالي المتمثل في تجارة العملات والتوظيفات المالية وحركة الاقتصاد العيني المتمثلة في تدفقات السلع والخدمات الحقيقية، فقد ترتب على إتباع أسعار الصرف العائمة للعملات الصعبة والعولمة السريعة والمتزايدة للأسواق المالية والنقدية وجود كمية كبيرة من النقود الدولية تتحرك في أسواق المال الدولية باستقلالية كاملة عن عمليات تمويل التبادل التجاري17. فعلى سبيل المثال تضاعف حجم النقد الأجنبي المتداول في الأسواق العالمية ثلاث مرات خلال الفترة من عام 1986 - 1993 ليصل إلى ما يقرب من 900 بليون دولار في اليوم الواحد18. وقد ترتب على هذا الوضع العديد من النتائج نجملها فيما يأتي :
1- اتساع نطاق الاتجار في العملات من قبل المضاربين على الصعيد العالمي. وقد ساعد تقدم وسائل الاتصال في حرية انتقال المضاربين بسرعة من عملة إلى أخرى.
2- زيادة حجم القروض قصيرة الأجل التي تخرج من اقتصاديات البلاد الرأسمالية الصناعية بحثا عن العائد المرتفع في الاقتصاديات النامية والإسلامية.(32/15)
3- زيادة حدة الصدمات الخارجية وهيمنة سلوك المضاربين على استقرار الأسواق الناشئة في البلاد النامية والإسلامية.
4- فشل صندوق النقد الدولي في تحقيق الاستقرار النقدي والمالي على المستوى العالمي.
…وتجدر الإشارة إلى أن أزمة الأسواق المالية الآسيوية التي حدثت في عام 1997 ومازالت أثارها مستمرة حتى الآن ترجع أساسا إلى تسرع دول جنوب شرق أسيا في إزالة القيود وفتح أسواقها المالية بلا ضوابط أمام تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية قصيرة الأجل غير المستقرة وذلك في ظل غياب القواعد السلوكية والتنظيمية التي تحكم حركة الأموال وتجارة العملات وتصرفات الجهاز المصرفي.(32/16)
ج- …الصراع بين العولمة ومفهوم الدولة القومية ؛ فالعولمة تقلل من أهمية الحدود السياسية بينما تؤكد القومية على الخطوط الفاصلة بين الحدود . وفي المجال الثقافي والاجتماعي تعني العولمة انتقالا للأفكار والمبادئ والقيم والعادات الاجتماعية بينما تميل القومية في بعض الأحيان إلى المحافظة على الخصوصية الثقافية والعقدية ونمط الحياة الاجتماعية19. وفى هذا الصدد تلعب وسائل الإعلام وأجهزته في العالم العربي دور خطيرا في الترويج للأيدلوجيا الليبرالية ونمط التفكير الغربي حتى يتم إعادة تكوين رؤية جديدة للعالم توافق إلى حد بعيد المصالح الاقتصادية لأمريكا وأوربا. أو بمعنى آخر السعي إلى توحيد المفاهيم الثقافية والقيم الأخلاقية في العالم طبقاً للمعايير الأمريكية ، وهو ما يشكل أحد أسباب الصدام مع العالم الإسلامي20 . وبالتالي هناك تخوف من هيمنة الثقافة الغربية بصفة عامة والأمريكية بصفة خاصة على كل أنحاء العالم مما يساهم في إضعاف الهويات الثقافية والعقدية للجماعات البشرية. وتجدر الإشارة إلى أن من يخطط لمحو التعدد الثقافي العالمي وبخاصة إضعاف الثقافة الإسلامية لن يحالفه التوفيق حتما. فالثقافة الإسلامية التي استمرت طيلة أربع عشر قرنا من الزمان قادرة على التفاعل الايجابي الخلاق مع الثقافات الأخرى ومع تطورات الزمن، بل وأكثر من ذلك ؛ فإن العولمة سوف تؤدى إلى اتساع نطاق الثقافة الإسلامية لأنها أقدر وأقوى من غيرها على النفاذ إلى قلوب وعقول الناس. إلا أن المطلوب هو ترشيد وتنسيق العمل الإسلامي في مواجهة الثقافات الأخرى الوافدة واستلهام القيم الذاتية ذات الجذور الإسلامية في عملية بناء الشخصية الإسلامية.(32/17)
د - …تباطؤ الدول المتقدمة في الوفاء بالتزاماتها التي تعهدت بها في ختام دورة أورجواي حتى تدفع الدول النامية على توقيع اتفاقيات إنشاء منظمة التجارة العالمية، ومن أهم هذه الالتزامات تعويض الدول النامية المتضررة من ارتفاع تكاليف الوردات الغذائية بسبب إلغاء دعم المنتجات الزراعية والإجراءات الحمائية وتيسير نقل المعارف الفنية للدول النامية. ومن المعلوم أن تراجع الدول الصناعية عن الوفاء بتعهداتها سوف يزيد من أعباء العولمة على البلاد النامية ومواطنيها، وقد أدان البنك الدولي على لسان( نيكولاس شيترن) رئيس القسم الاقتصادي في البنك. النفاق التي تمارسه الدول الغنية التي تطالب الدول النامية بفتح أسواقها أمام منتجات الدول الصناعية المتقدمة في حين تعمل هذه الدول الغنية على حماية نفسها عبر فرض سياسات دعم وحواجز جمركية21.(32/18)
هـ - الإضرار بالتوظف في دول العالم الثالث : ينظر مناهضو العولمة على أنها تمثل خطراً دائماً على الصناعات الصغيرة والمتوسطة لأن هذه الصناعات لا تقوى على منافسة المنتجات الصناعية المستوردة من الدول الصناعية ، سواء من حيث الجودة أو تكاليف الإنتاج . كما أن منشآت تجارة التجزئة صغيرة الحجم تصبح في وضع تنافسي غير متكافىء أمام زحف منشآت التوزيع العالمية داخل السوق الوطنية؛ مثل سلسلة محلات كارفور ، وسنسبيري وغيرها ، وترتب على ذلك إفلاس الكثير من هذه المنشآت والصناعات وفقد الكثير من المواطنين لوظائفهم ، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة . علاوة على ذلك فإن السعي المحموم لتحقيق الربح سيدفع الشركات متعددة الجنسية التي توطن إنتاجها في دول العالم الثالث إلى استغلال مواطني هذه الدول العاملين في هذه الشركات، ويأخذ هذا الاستغلال صوراً عديدة أهمها تخفيض الأجور و إجبار العمال على العمل ساعات طويلة ، وتقدم هذه الشركات على ذلك نظرا لما تتمتع به من نفوذ قوي ونافذ لدى صناع القرار السياسي في الكثير من الدول النامية22.(32/19)
علاوة على ذلك هناك اتهام لعدد من المنظمات الدولية بالتواطؤ مع بعض الدول الصناعية والشركات المتعددة الجنسية ضد فقراء العالم. فالتقرير السنوي للهيئة العالمية عن أبحاث الصحة،( وهى إحدى الهيئات التي تديرها منظمة الصحة العالمية) يتهم هذه المنظمة بالتحول من الاهتمام بالمحتاجين إلى تقديم الرعاية إلى مالكي رؤوس الأموال ومالكي شركات الأدوية. ويشير التقرير إلى أن الموازنات الضخمة للأبحاث الطبية في منظمة الصحة العالمية والتي تقدر بنحو 73.5 بليون دولار في السنة تأتى معظم أموالها من الدول الغنية وتنفق على اهتمامات الصحة في تلك الدول بعينها ولا يذهب سوى 10% من هذه الأموال إلى بقية سكان العالم23. ونتيجة لذلك اصطدمت جهود العلم لصنع لقاح للملاريا بغياب التمويل المناسب على الرغم من أن الملاريا تحصد أرواح الملايين سنويا.
ثالثاً : رؤية إستراتيجية لمواجهة تهديدات العولمة الاقتصادية :
لكن تتمكن الدول الإسلامية من مواجهة أخطار العولمة الاقتصادية والاستفادة والتمتع بأكبر قدر من مزاياها وتفادي أو التقليل من آثارها السلبية، فإنها - كمجموعة- ملزمة بتطوير عناصر القوة الاقتصادية والسياسية والتقنية لديها، وذلك يتطلب عدم المصادمة معها، أو التقوقع والانكماش، بل السعي للتعامل الايجابي مع هذه العولمة. ومن أهم الآليات والوسائل المساعدة لذلك ما يأتي:
1 - التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية :
حيث يؤدى التكامل الاقتصادي إلى توزيع المنافع الاقتصادية بين الدول التي دخلت في برنامج التكامل، كما أن ذلك سبيل إلى تحقيق الاستفادة من المزايا النسبية المتوافرة في كل دولة، مما ينتج عنه زيادة الإنتاجية واتساع نطاق التبادل التجاري بين هذه الدول. ويمكن إيجاز أبرز منافع التكامل الاقتصادي في النقاط الآتية :(32/20)
أ- …اتساع نطاق السوق مما ينتج عنه : زيادة القوة التفاوضية مع الكتل الاقتصادية الأخرى ، بالإضافة إلى وفورات الإنتاج الداخلية والخارجية، أو ما يسمى اقتصاديات الحجم الكبير وذلك لأن من أعقد المشكلات التي تواجه التوسع في الإنتاج وزيادة الكفاءة الإنتاجية هي ضيق السوق. ولذا فإن اتساع السوق واندماج الأسواق الوطنية يؤدى إلى مزيد من التخصص وتقسيم العمل بين الدول المتكاملة وفق المزايا النسبية الحقيقية، وهذا يترتب عليه أو ينتج عنه رفع الكفاءة الإنتاجية وزيادة المقدرة على المنافسة الدولية24.
ب - ارتفاع معدل النمو الاقتصادي وزيادة مستوى التشغيل والإنتاج، ذلك أن التكامل الاقتصادي سينعكس ايجابياً على التوقعات المستقبلية لمتخذي القرارات الاستثمارية، فاتساع الأسواق يؤدي إلى زيادة ثقة المستثمرين في تصريف الإنتاج، مما يؤدي إلى زيادة الاستثمارات، فزيادة الدخول، ومن ثم زيادة الطلب الفعال، وزيادة التوظف، مما ينعكس في النهاية على معدل النمو الاقتصادي بالارتفاع، وهذا بخلاف الأثر غير المباشر أو الارتدادي على انسياب رؤوس الأموال الأجنبية إلى داخل الدول الإسلامية، مما يترتب عليه ارتفاع إضافي في مستوي الاستثمار والتشغيل، وكذا نقل الأساليب الفنية الحديثة.
ج - تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة في الدول المتكاملة، ذلك أن التكامل الاقتصادي يستهدف إزالة كافة القيود المعوقة لحرية انتقال عناصر الإنتاج بين الدول المشتركة في التكامل، وينتج عن ذلك الاستفادة الجماعية المثلى من تنوع الموارد الطبيعية والمالية والبشرية، مما يمكنها من تحقيق التنمية الاقتصادية25.
د - تنويع سلة الإنتاج والصادرات السلعية والخدمية في إطار من التنسيق بين الدول المشتركة في برنامج التكامل.(32/21)
هـ - زيادة التجارة البينية بفعل الترتيبات التكاملية بين الدول المشتركة في التكتل أو التكامل الاقتصادي، مما يؤدى إلى تحسين معدلات التبادل الدولي لصالح هذه الدول، وهذا يؤدي إلى :
* …انخفاض الاعتماد على الدول الأخرى ( خارج التكتل ) في التجارة الخارجية، مما يعنى انخفاض درجة التبعية الاقتصادية للعالم الخارجي، ومن ثم انخفاض مخاطر التقلبات والتذبذبات في أسعار الصادرات والواردات.
* التعامل مع الشركات متعددة الجنسية كجبهة إسلامية واحدة، أو كقوة أو كتلة اقتصادية واحدة، وليس كدول هامشية ضعيفة.
* المشاركة في صنع القرارات داخل المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية، بدلاً من وضعها الحالي والذي لا يعدو كونها متلقياً ومنفذاً للسياسات التي تفرضها هذه المؤسسات، وذلك على الرغم من عدم مراعاة هذه السياسات في كثير من الأحيان للأوضاع والظروف الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بالدول الإسلامية.
* التعامل الانتقائي مع العولمة الاقتصادية بما يخدم أهداف وتوجهات ومصالح الدول الإسلامية المشتركة في برنامج التكامل الاقتصادي، ومقاومة حالات الاندماج اللاإرادي في الاقتصاد العالمي.
* الاستفادة من الاستثناءات الممنوحة للكتل الاقتصادية والمنصوص عليها في اتفاقية منظمة التجارة العالمية، بما يساعد على مواجهة العولمة الاقتصادية وعدم استقطاب الدول الإسلامية داخلها26.
ومع كل هذه المزايا المتوقعة للتكامل الاقتصادي إلا أن هناك بعض العقبات أو العوائق التي تقف في وجه الدول الإسلامية أثناء سعيها لتحقيق هذا التكامل، لعل من أبرزها :
أ - التفاوت في المستوى الاقتصادي واختلاف أساليب ووسائل وأولويات التخطيط بين دولة وأخرى.
ب - ضعف واختلال الهياكل الإنتاجية، والتشابه في الاعتماد على القطاع الأولي، مما يجعل هذه الدول أقرب إلى التنافس منها إلى التكامل.(32/22)
ج - اختلاف النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذا يؤدي إلى اختلاف دور الدولة ومدى تدخلها في النشاط الاقتصادي من دولة لأخرى.
د - سيادة فكرة القومية بحسب مفهومها الغربي وطغيان مسألة السيادة الوطنية والإقليمية على فكرة الدولة الإسلامية، وتعد هذه المسألة من أكبر العقبات؛ ذلك أن مثل هذا الشعور يؤدي إلى أن تكون إجراءات التكامل الاقتصادي انتقاصا من السيادة الوطنية التي تسعى هذه الدول للحفاظ عليها.
هـ - تدخل الاعتبارات السياسية في القرارات التكاملية.
و- عدم وجود معايير موضوعية مقبولة لتنويع التخصصات وتقسيم العمل بين الدول، وكذا عدم وجود معايير واضحة ومقبولة لتوزيع أعباء وعوائد التكامل.
ز - الجهود الكبيرة للشركات متعددة الجنسية في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية، وبالتالي السعي لعرقلة أية جهود إقليمية في هذا الشأن27.
وعلى الرغم من وجود هذه العقبات وغيرها، إلا أن مقومات تكامل الدول الإسلامية كبيرة، بل وتتغلب مع الإرادة الصادقة على تلك العقبات، حيث أن لدى الدول الإسلامية من العوامل المساعدة لقيام التكامل الاقتصادي ما يفوق غيرها من الدول، ولعل من أبرز هذه العوامل ما يأتي :
أ- وحدة العقيدة بين المسلمين والتي تعد أقوى رباط يمكن أن يجمع بين أي تكتل، ذلك أن رباط الدين أقوى من كل الروابط العرقية والقومية والجغرافية والسياسية... ، يقول تعالى: ( وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون )28، فالمسلمون يشعرون في قرارة أنفسهم أنهم أمة واحدة على الرغم مما حل بهم من مآسي وتفرق بسبب بعدهم عن عقيدتهم.
ب - توافر الموارد الاقتصادية وتنوعها وتوزعها بين الدول الإسلامية.
ج- اتساع السوق وكبر حجم السكان، والانتشار الجغرافي29.
2- التدرج في تحرير الأسواق المالية :(32/23)
تتصف أسواق الأوراق المالية في الدول الإسلامية بعامة - كغالبية الدول النامية- بعدد من السلبيات التي تؤثر على دورها الاقتصادي، ولعل من أهم هذه السلبيات :
أ- أن نشأتها كانت معتمدة على المنهج الرأسمالي الربوي الذي لا يتوافق مع الطبيعة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة للدول الإسلامية.
ب- ارتباط هذه الأسواق بالأسواق المالية الغربية، مما نتج عنه عدة آثار سلبية، منها :
1) التبعية شبه المطلقة في الفكر المالي من حيث الهياكل ونمط الإدارة ونوعية الأدوات المالية المتداولة.... الخ.
2) الاهتمام بتطوير أدوات مالية تقليدية ( كالسندات ) تغذي السوق ولكنها لا تتوافق مع حاجات الدول الإسلامية التنموية، ولا مع معتقداتها.
3) اعتماد معظم الدول الإسلامية على الأسواق المالية الدولية، سواء في تمويل العجز في موازين المدفوعات، أو في تمويل برامجها التنموية. وكذا في الجانب الآخر، عند وجود فائض فإن الأسواق المالية الدولية هي المكان الملائم لتوظيف تلك الفوائض، وأصبحت الأسواق المالية الإسلامية المحلية مجرد وسيط بالعمولة.
ج - اتصاف الأسواق المالية في الدول الإسلامية بالضيق وعدم العمق، وذلك ناتج عن محدودية أنواع الأدوات المالية المتداولة، ومحدودية انتشار هذه الأدوات بين المستثمرين.
د - أن معظم التشريعات المنظمة للأسواق المالية في الدول الإسلامية تعد من الأسباب المعوقة لفاعلية ودور هذه الأسواق، ويمكن إرجاع ذلك لأسباب عدة لعل من أبرزها البيروقراطية الإدارية الموجودة في غالبية الدول النامية30.
ولذا، فإن على الدول الإسلامية في ظل واقعها الحالي، ولكي تتمكن من مواجهة تيار العولمة الاقتصادية في مجال الأسواق المالية العمل على :(32/24)
1. …التدرج في تحرير أسواق الأوراق المالية، وعدم التسرع أو الاندفاع نحو تحقيق الاندماج المالي قبل تقوية بنية وهيكل الاقتصاديات السلعية الوطنية، وكذا إصلاح أوضاع الأسواق المالية؛ سواء من حيث الضوابط التنظيمية أو الأدوات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية وحاجات التنمية الاقتصادية في هذه الدول. وذلك من أجل أن تكون هذه الدول قادرة علي الاستفادة الايجابية من هذا الاندماج، وكذا قادرة على مقاومة الصدمات الخارجية المتوقعة بعد تحرير هذه الأسواق.
2. …وضع ضوابط وقيود تنظيمية فيما يتعلق بتداول وتملك الأجانب للأدوات المالية المحلية.
3. …تنظيم عمليات الاقتراض الخارجي قصير الأجل بالعملات الأجنبية؛ فمن المعلوم أن هذا النوع من رؤوس الأموال يتميز بخصائص عدة؛ من أهمها :
ـ …ارتفاع تكلفة التمويل، مما يستلزم استخدامه في مشروعات استثمارية تتمتع بارتفاع عائدها بالقدر الذي يمكن من سداد تكلفة الاقتراض وتحقيق فائض يستفيد منه الاقتصاد الوطني.
ـ …قصر فترة السداد بالإضافة إلى عدم وجود فترة سماح، وبالتالي فإنه يلقي بأعبائه على الاقتصاد الوطني في وقت مبكر من الحصول عليه، الأمر الذي يقتضي قصر استخدام الاقتراض قصير الأجل على تمويل مشروعات تتمتع بتحقيق عائد سريع، مثل تمويل عمليات الاستيراد والتصدير أو المشروعات الصناعية الخفيفة.
4. …العمل على إنشاء أو تأسيس سوق مالية إسلامية دولية تكون مسئولة عن تنظيم وتطوير الأدوات المالية الإسلامية، وتتيح في نفس الوقت تداول تلك الأدوات في الدول الإسلامية.(32/25)
5. …العمل على استغلال الميزة النسبية المتوافرة لدى المصارف الإسلامية (عدم التعامل بالربا)، كي تتمكن من مواجهة تيار العولمة والمنافسة غير المتكافئة بين البنوك الدولية الكبرى، وبين البنوك المحلية ومنها البنوك الإسلامية، والتي لا تزال غير مهيأة لمواجهة هذه المنافسة نظراً لمحدودية أحجامها، وتواضع إمكانياتها الاقتصادية وضعف خدماتها مقارنة بالبنوك الدولية، ولا يمكن للبنوك الإسلامية المواجهة إلا من خلال:
ـ …استغلال الميزة النسبية الخاصة بالبنوك الإسلامية.
ـ …العمل على تكامل أو اندماج البنوك الإسلامية.
ـ …تطوير الأساليب والممارسات المصرفية باستخدام أحدث التقنيات المتاحة في العالم والعمل على ابتكار أدوات تمويلية واستثمارية جديدة.
ـ …تعزيز الدور الاجتماعي للبنوك الإسلامية، والذي تغافلت عنه كثير من البنوك الإسلامية تحت دافع الربح31.
3- عدم الاندفاع نحو التخصيص :(32/26)
يعتبر الإسلام الدولة مؤسسة عليا لا غنى عنها لانتظام نمط الحياة ، وهو في هذا يختلف جذرياً مع كل من الرأسمالية والاشتراكية فالدولة في النظام الرأسمالي الحر يجب أن تظل محايدة من الناحية الاقتصادية، ولكن الأزمات الاقتصادية الحادة التي مرت بها الرأسمالية أدت إلى إحداث تعديلات على هذه النظرة، وأصبحت الدولة تقوم بدور أكبر في المجال الاقتصادي. كما يختلف الإسلام في النظر للدولة عن الفكر الاشتراكي الذي يعد الدولة نتاجاً برجوازياً ووجودها دليل على الاستغلال والتحكم. أما دور الدولة وتدخلها في النشاط الاقتصادي في الإسلام فهو منوط بالمصلحة، بحيث لا يؤدي إلى إلغاء المبادرة الفردية التي هي أساس النشاط الاقتصادي في المجتمع الإسلامي ومن ثم فإن الدور الرئيس للدولة يتمثل في حماية حقوق الأفراد، وحفظ المصالح العامة، والدفاع عن حدود الدولة الإسلامية32 ، أما بقية المجالات في متروكة للقطاع الخاص أو لعدد من المؤسسات الاجتماعية الأخرى للقيام بها( كالزكاة والأوقاف... )، ولذا فإن التخصيص كما ينادي به في العصر الحاضر هو منهج إسلامي أصيل، قبل أن يكون هدفاً للسياسات الإصلاحية لصندوق النقد الدولي أو غيره من المؤسسات والهيئات الدولية. ولكن في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للدول الإسلامية في العصر الحاضر، ونظراً لمفهوم الدولة المعاصر ودورها في الحياة الاقتصادية، وفي ظل تهديد تيار العولمة الاقتصادية، فإن من الواجب على الدول الإسلامية المحافظة على دور رئيس للدولة في النشاط الاقتصادي بحسب درجة النمو الاقتصادي التي وصل إليها البلد، وقد يكتفي بالدور التوجيهي أو التخطيط التأشيري، حتى لا ينحرف النشاط الاقتصادي تحت تأثير تحرير الأسواق والسلع إلى ما قد يعود بالضرر على الاقتصاد الوطني.
4 - الأخذ بالأساليب العلمية والتقنية الملائمة :(32/27)
من المستلزمات الضرورية لمواجهة تيار العولمة الاقتصادية السعي الحثيث للأخذ بالأساليب العملية والتقنية الملائمة لحاجات التنمية الاقتصادية في هذه الدول، وهذا يعنى أنه ليس بالضرورة أن تكون أحدث المخترعات والصيحات في العالم هي الهدف، بل ما يتوافق وأوضاع وظروف هذه الدول ويلبي احتياجاتها الفعلية33.
5 - الاهتمام برأس المال البشري:
تعاني الدول الإسلامية بعامة من تخلف مستوي التقنية وأساليب الإنتاج فيها، مما يرجع في جانب كبير منه إلى ضعف برامج التعليم والتدريب وارتفاع نسبة الأمية وضآلة جهود البحث العلمي وانعدام روح المبادرة والابتكار...الخ، وتشير بعض البيانات المتاحة إلى أن :
- …نسبة الإنفاق على البحوث والتطوير العلمي في الدول النامية إجمالاً ( بما فيها الدول الإسلامية ) تبلغ ( 1.6 % ) من مجموع إنفاق دول العالم على هذا المجال.
- …نسبة الإنفاق العام على التعليم في الدول النامية بلغت ( 3.8 % ) من إجمالي الناتج القومي عام 1997 م، بينما بلغت هذه النسبة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ( 5 % ) خلال نفس الفترة34.
- …نسبة الإنفاق على البحث العلمي في الدول المتقدمة تتراوح بين (2-4 % ) من إجمالي ناتجها القومي، بينما لا تنفق الدول النامية في المتوسط إلا( 0.3%) من ناتجها القومي فقط35.
ولذا، فإن إعداد سياسات فاعلة لتنمية راس المال البشري، وبخاصة في مجالات التعليم والتدريب والبحث العلمي، تعد من العناصر الرئيسة التي يجب الاهتمام بها من قبل الدول الإسلامية.
6 - تفعيل الدور السياسي والاقتصادي لدول العالم الإسلامي:(32/28)
حيث يشكل العالم الإسلامي أكثر من خمس سكان العالم ، ومع ذلك فإن مشاركتهم في صنع القرارات الاقتصادية والسياسية شبه معدومة ، ومن هنا يجب على الدول الإسلامية السعي بشكل جدي ومنسق ( عن طريق منظمة المؤتمر الإسلامي مثلاً ) لتوحيد مواقفها تجاه الكثير من القضايا المعاصرة ؛ ومن ذلك تمكينها من القيام بدور أكبر في المحادثات متعددة الأطراف في منظمة التجارة العالمية ، وتعد مبادرة الاتحاد الأوربي تجاه الدول النامية بعامة " كل شيء فيما عدا السلاح " ، خطوة مهمة في هذا الاتجاه يجب استثمارها وتفعيلها .
خاتمة وتوصيات:
في ظل التطورات السريعة التي تطرأ على الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة يجب أن يكون أبناء الأمة وعلماؤها على يقظة تامة للكشف عن التحديات والمشكلات التي تواجه دولهم.
وفي هذا الإطار وقع اختيارنا لدراسة موضوع العولمة الاقتصادية وآثارها على اقتصاديات العالم الإسلامي. وفي نهاية هذا البحث يمكننا استخلاص النتائج وتقديم التوصيات الآتية :
1- إذا كانت هناك ثمة مخاطر أو سلبيات للعولمة الاقتصادية يمكن أن تهدد مسارات التنمية الاقتصادية في الدول النامية ومنها الدول الإسلامية، فإنها بالمقابل تتيح فرصا مواتية يمكن الاستفادة منها في مجالات متعددة أهمها زيادة الصادرات و وتسهيل نقل التكنولوجيا وإثارة الهمم لزيادة درجة التنافسية الدولية. فسلبيات العولمة لا يمكن أن تحجب الضوء عن حفنة من مزاياها وفوائدها.
2- إن التصدي للعولمة الاقتصادية لا يكون من خلال رفضها, وإلا سيكون ثمن ذلك فقدان الدور والقوة بل وربما المستقبل بأكمله مما يعني حتمية الاستجابة المبدعة لمواجهة العولمة أو بمعنى آخر التفاعل الإيجابي معها.
3- إن فرص استفادة الدول الإسلامية من العولمة تتوقف على عدة اعتبارات هامة:(32/29)
أ - إنجاز مهمة التحديث الاقتصادي ورفع مستوى الكفاءة الاقتصادية, وذلك عن طريق رسم السياسات التعليمية والعلمية التقنية الفعالة - إفساح المجال أمام القطاع الخاص دون تخلي الدولة عن دورها الفعال في الاقتصاد في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي - التدرج في تحرير الأسواق المالية - الاهتمام بالنشاط التصديري ورفع مستوى جودة الإنتاج.
ب - تفعيل التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية، وذلك بهدف إيجاد كيانات اقتصادية كبرى قادرة على المنافسة الدولية، كما أن التكتل الاقتصادي سيعضد موقف الدول الإسلامية في التفاوض مع الدول الصناعية والمنظمات الدولية لتحقيق مصالحها الاقتصادية.
الهوامش والمراجع
1 - د. محمود أمين العالم، " العولمة وخيارات المستقبل "، قضايا فكرية العددين : 19، 20، أكتوبر 1999 م القاهرة، ص : 10.
2- د. محمد العربي بوقرة،" العلم ضد العالم الثالث : الشركات المتعددة الجنسيات وأوهام التطور "، دار الفارابي، بيروت، 2001، ص106.
3- Jean- Francois REVEL ," Lobsession anti - americaine , " ED. Plon , Paris, 2002,p.87-179.
4 - C. SERGE & B. DIDIOT , " L , Etat du Monde" , La Decouverte , Paris , 2002 , p.574.
5 - د. علي علي حبيش، " العولمة والبحث العلمي "، مطابع الأهرام التجارية القاهرة، 1997، ص 5.
6 - د. محسن أحمد الخضيري، " العولمة : مقدمة في فكر واقتصاد وإدارة عصر ألا دولة "، مجموعة النيل الدولية، القاهرة، 2000، ص16- 28.
7 - د. صادق العظم ،" ماهي العولمة "، ندوة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 17 - 21 نوفمبر 1997 ، تونس. وانظر أيضا:
- عبد الخالق عبد الله، " العولمة : جذورها وفروعها وكيفية التعامل معها : عالم الفكر العدد، السنة 28 ـ أكتوبر - ديسمبر 1999.(32/30)
- " العرب والعولمة : بحوث ومناقشات الندوة الفكرية لمركز دراسات الوحدة العربية "، تحرير أسامة أمين الخولى، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1998.
8-- Viviane FORRESTER , " La dictature du profit ", Ed. Fayard , Paris , 2001, P 13.
9 - راجع في ذلك :
- د. محسن احمد الخضيرى، " العولمة : مقدمة في فكر واقتصاد وإدارة عصر ألا دولة "، مرجع سبق ذكره، ص 135 - 147.
10- بيتر د. ساذرلاند ، " لماذا يجب علينا أن نتقبل العولمة " ، التمويل والتنمية ، سبتمبر 2003 ، المجلد رقم 39 ، العدد 3 ، ص20-21.
11 - J. STIGLITZ, " Globalization and its discontents ",نقلا عن :
- د. مهدى الحافظ، " جدلية العولمة بين أصولية السوق والبرنامج البديل "، جريدة الحياة، 4 سبتمبر 2002، العدد 14412، ص 10.
12 - صحيفة " الاندبندت " البريطانية ، أول ابريل 1998.
13- F. HAUTART & F. POLET ," L,autre Davos " , Ed. L,Harmation , 2001 , Paris , P107.
14- -J. ZIEGLER , " Les nouveaux maitres du monde ', Ed. Fayared ,Paris , 2002, p.203.
15-هانس - بيتر مارتين، هارالد شومان، " فخ العولمة"، دار المعرفة، العدد 338، الكويت، 2000م.
16 - بيتر د. سانرلاند ، " لماذا يجب علينا أن نتقبل العولمة " ، مرجع سبق ذكره ، ص20.
17 - روبرت ي. غروس، " إستراتيجية العولمة "، تعريب د. ابرهيم يحيى الشهابي، " مكتبة العبيكان، الرياض، 2001، ص 314- 315.
18 - د. محود عبدالفضيل ، " أزمة النظام المالي العالمي " ،جريدة الأهرام ، ( 15/6/ 1998 ) ، ص10 .
19- د. محمد رؤوف حامد ،" الوطنية في مواجهة العولمة "، سلسلة إقرأ، دار المعارف، القاهرة، 1999 .
-د. جلال أمين " العولمة "، سلسلة إقرأ، دار المعارف، القاهرة، 1998.
- د. أسعد السحمرانى، " صراع الأمم : بين العولمة والديمقراطية"، دار(32/31)
20 - فعاليات مؤتمر الإسلام والعولمة ، جامعة الأزهر بالقاهرة ، مداخلة د. صوفي أبو طالب ، جريدة الشرق الأوسط ( 9/4/2002 ) ، ص9 .
21- المؤتمر الصحفي للاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، السبت 28 / 9 / 2002م
22 - بنيامين باربر ، " عالم ماك: المواجهة بين التأقلم والعولمة " ، ترجمة أحمد محمود، إصدارات المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة ، 1998، ص259.
23-Global Forum for Health Research , "Monitoring financial flows for health research ", WHO ,Geneva , 2000.
24- د. رفعت السيد العوضي ،" التكامل الاقتصادي الإسلامي مقومات ونتائج أعماله في الدعوة الإسلامية"، دار المنار القاهرة، ط 1 / 1409 هـ - 1989، ص 48 - 50.
25- د. محمد الأمين الشنقيطى ، التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، د. ت، ص 316.
26 - للاستزادة انظر :
- إبراهيم زيد الخثلان ، "التكامل الصناعي بين الدول الإسلامية إمكانياته وأساليبه"، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم الاقتصاد الإسلامي، جامعة الإمام محمد بن مسعود الإسلامية،الرياض ، 1415 هـ، ص 16 - .17
- د. إسماعيل عبد الرحيم شلبي ،" التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية"، مطبوعات الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، 1980، ص 69 - 79.
- د. محمد الأمين الشنقيطى ، التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية، مرجع سبق ذكره، ص314-320.
- د. رفعت العوضى ، التكامل الاقتصادي، مرجع سبق ذكره، ص 31 - 85 .
27- وهناك شواهد تاريخية تدعم هذا الافتراض، منها جهود هذه الشركات في معارضة التكامل الصناعي في دول أمريكا اللاتينية , وللاستزادة حول ذلك انظر:
- إبراهيم الخثلان ، التكامل الصناعي، مرجع سبق ذكره، ص 45، ص 252 - 264 .
- د. محمد إبراهيم عبد الرحمن ، " الشركات دولية النشاط وتصنيع الدول النامية"، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة 1989، ص 188 - 190.(32/32)
- د. وجدي محمود حسين ،" اقتصاديات العالم الإسلامي الواقع والمرتجى"، منشأة المعارف، الإسكندرية 14146 هـ - 1994، ص185 -190 .
28 - سورة الأنبياء آية رقم 92.
29 - محمود شاكر ، " العالم الإسلامي اليوم" ، دار الصحوة، القاهرة، ط1 / 1985، ص 12 - 13 وانظر أيضاً :
- د. إسماعيل شلبي ،" التكامل الاقتصادي"، مرجع سبق ذكره، ص 205 - 240.
- إبراهيم الخثلان، "التكامل الصناعي " ، }، ص 65 2 - 273.
30 - د. احمد محي الدين أحمد، " أسواق الأوراق المالية وآثارها الإنمائية في الاقتصاد الإسلامي"، سلسلة صالح كامل للرسائل الجامعية في الاقتصاد الإسلامي رقم 2،
ط1 / 1415 هـ - 1995،/ 2 719 - 724.
31- د. علاء الدين زعتري ، "العولمة وتأثيرها على العمل المصرفي الإسلامي"، بحث غير منشور مقدم إلى ندوة البركة الثانية والعشرون، البحرين 1423 هـ، ص 9 - 8،
ص 18 - 24.
32 - انظر :- د. محمد أحمد صقر، "الاقتصاد الإسلامي مفاهيم ومرتكزات" ،دار النهضة العربية، القاهرة، ط 1 / 1398 هـ - 1978، ص67 - 84 .
- د. محمد علي القري ، " مقدمة في أصول الاقتصاد الإسلامي"، دار حافظ،، جدة، ط2 / 1414 هـ - 1993، ص 62 - 71 .
33 - عبد الحق الشكيري - التنمية الاقتصادية في المنهج الإسلامي، كتاب الأمة رقم
(17 )، ط1 / 1408 هـ الدوحة، قطر، ص 140.
34 - تقرير التنمية البشرية لعام 2000 الأمم المتحدة، ص 197، جدول رقم 11.
35 - د. زغلول راغب النجار ، "قضية التخلف العلمي والتقني في العالم الإسلامي المعاصر"، كتاب الأمة رقم (20 )، ط 1 / 1409 هـ الدوحة، قطر ص 84.
??
??
16 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي /جامعة أم القرى
دول العالم الإسلامي والعولمة الاقتصادية 17(32/33)
ضوابط المصارف الإسلامية والمعاملات فيها
وفقاً للقانون الاتحادي رقم (6) لسنة 1985م
في شأن المصارف والمؤسسات المالية
والشركات الاستثمارية الإسلامية
د. جاسم بن سالم الشامسي
قسم الاقتصاد - جامعة الشارقة
الإمارات العربية المتحدة
(طبعة تمهيدية)
شهدت العقود الأخيرة نشأة عدد من المصارف الإسلامية، وإنشاء البنوك التقليدية لعدد من الفروع تقصر نشاطها على التعامل وفق الأحكام الشرعية، وذلك تحقيقاً للأهداف الآتية:
1) السعي إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في مجال يؤثر على حياة الناس وسلوكهم ونشاطهم، ويشيع فيه الخروج على أحكامها، نظراً لأن أكثر أعمال البنوك الحديثة تدور حول الإقراض والاقتراض بفائدة ربوية محرمة1.
2) العمل على تيسير أسباب الربح الحلال في مجال زعم أن الفوائد الربوية هي عصب وجودها، بل هي علة نشأتها متمثلاً في البنوك وذلك من منطلق الإيمان المطلق بحرمة فوائد البنوك لكونها من الربا الذي حرّمته الشريعة الإسلامية ونهت عنه، فقد قال سبحانه وتعالى ( يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ وذروا ما بقيَ من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رؤوسُ أموالكم لا تَظلمونَ ولا تُظلمون(.
3) لا يُنكر في هذا الصدد مدى تأثير الدعاة المسلمين لإقامة نظام اقتصادي واجتماعي يلتزم بقواعد الشريعة الإسلامية وباجتهادات الفقهاء المسلمين، مستلهماً ماضي الأمة الإسلامية لبناء حاضرها.
4) التدليل من خلال التطبيق العملي على إمكانية النهوض الاقتصادي للأمة من خلال التقيد المطلق بأحكام الشريعة الإسلامية ونظمها الاقتصادية، مع الاستفادة بما لا يُناقض تلك الأحكام من التجارب الاقتصادية للغير.
وتقوم المصارف الإسلامية بكثير من الوظائف التي تقوم بها البنوك التجارية فيما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية:(33/1)
1- كتيسير تبادل النقود بالتعامل في الأوراق المتداولة مقابل عمولة أو أجرة يتقاضاها، وبالنسبة لاستبدال العملات الذي يقوم على أساس القبض في مجلس العقد وبسعر يوم العقد.
2- تسهيل الإنتاج بتجميع رؤوس الأموال اللازمة لإنشاء المشروعات الإنتاجية والتجارية.
3- تقوم المصارف المركزية بالرقابة على البنوك التجارية، والتقيد بالقرارات الصادرة عنها فيما يتعلق بأعمال المصارف سواء كانت إسلامية أو تجارية.
4- كذلك تقوم البنوك المتخصصة بتمويل النشاط الاقتصادي في مجال من المجالات، وذلك كالبنوك والمؤسسات المالية المختصة بالتنمية والائتمان الصناعي والعقاري والزراعي والاستثمار.
وتلتزم المصارف الإسلامية مع ذلك على وجه العموم بالأمور التالية:
1) عدم التعامل بالربا قرضاً أو إقراضاً لقطعية حرمته، ولأن القرض في الشريعة عقد تبرع بمنفعة المال مع الالتزام برد مثله وضمانة لمقرضه2.
2) استثمار الأموال بالمشاركات والمضاربات وإنشاء المشروعات التي يملك المصرف حصة فيها أو غير ذلك من وسائل التمويل التي أباحتها الشريعة.
3) تحريم الاحتكار أو التعامل في الأنشطة المحرمة شرعاً على المسلم أو ضارّة به.
4) دفع الزكاة طُهرة للمال ورعاية لحقوق الفقراء فيه، وتشجيع التطوع والتصدق في أوجه البر.
5) دعم روح التعاون بين الأفراد في المجتمعات الإسلامية،تحريك المدخرات وتجميعها واستثمارها في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة، مما يعين على قيام المجتمع المسلم بفروض الكفايات الواجبة عليه شرعاً.(33/2)
وفي ضوء ذلك يترتب التزاماً على المصارف الإسلامية بأن تطبق على أعمالها أحكام الشريعة الإسلامية، وفي هذه السبيل فإنه في دولة الإمارات العربية المتحدة صدر قانون اتحادي رقم (6) لسنة 1985م في شأن المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية. وبالتالي سوف نتكلم في مطلب أول عن هذه الضوابط التي ضمنها المقنن لهذا القانون، ثم نتكلم في مطلبٍ ثان عن المزايا التي منحها القانون للمصارف الإسلامية، وفي مطلبٍ ثالث نستعرض بعض التطبيقات للأعمال المصرفية الإسلامية.
المطلب الأول
ضوابط إنشاء المصارف والمؤسسات المالية
والشركات الاستثمارية الإسلامية
أولاً: الالتزام بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية:
نصت المادة الأولى من القانون الاتحادي رقم (6) لسنة 1985م في شأن المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية على الآتي:" يُقصد بالمصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية تلك التي تتضمن عقودها التأسيسية ونظمها الأساسية التزاماً بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وتباشر نشاطها وفقاً لهذه الحكام".
إذا كانت المؤسسات المالية التجارية سواء كانت بنوكاً أو شركات لا يتطلب أن تنص في عقود إنشائها على ممارساتها للأعمال التجارية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية إلا أن المؤسسات المالية المنشأة وفقاً لهذا القانون لا بد أن تطّبق أحكام الشريعة عليها، وأن تعلن ذلك صراحة في نظامها. ولهذا فنرى أن هذا النص يتضمن عنصرين: أحدهما شكلي والآخر موضوعي، بحيث إنه لا بد لقيام المؤسسات ذات الطابع الإسلامي أن يتوافر فيها هذين العنصرين كالآتي:(33/3)
ا) أن ينص كتابة في نظامها التأسيسي (الأساسي) على أن هذا البنك ملتزم بأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها مثل أن يُقال في عقد التأسيس "تلتزم الشركة (أو البنك) في كافة أعمالها تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وتمارس نشاطاتها وفقاً لهذه الأحكام، وللشركة أن تقوم بكافة الأعمال وتباشر كافة النشاطات المصرفية والاستثمارية والتجارية والخدمية التي تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية".
والواضح أن عدم النص على ذلك في النظام الأساسي أو عقد التأسيس سيؤدي إلى عدم صدور الإذن من الجهات المختصة بالإنشاء، فهذا الشكل إذن من ضروريات إقامة الشركة والسماح لها بممارسة أعمال ممنوعة على المؤسسات والبنوك التجارية العادية ممارستها وفقاً للقانون رقم (10) لسنة 1980م بإنشاء المصرف المركزي.
وتوجب الشكلية هذه أن يعنون المصرف بأنه مصرف إسلامي كما هو الشأن في مصرف فيصل الإسلامي وبنك دبي الإسلامي، ومصرف أبو ظبي الإسلامي، والشركة الاستثمارية الإسلامية...الخ. فمعنى ذلك أن التسمية مطلوبة ضرورة كإجراء للإنشاء، وهو ما تراه للسلطات المختصة أن هذا أمراً مهماً وفقاً لأن الوصف يدل على الموصوف، بل هو يُعدّ مظهرية للبنك تميزه عن غيره من البنوك التجارية.
ب) تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، إن الشريعة الإسلامية بما تحويه من أحكام فيها ما هو قطعي في ثبوته ودلالته، ومنها ما هو ظني في ثبوته أو دلالته.
وما هو قطعي في ثبوته ككتاب الله سبحانه وتعالى جميعه، ومنها ما هو ظني الثبوت كبعض أحكام السنة، وكذلك منها ما هو قطعي في دلالته كالقرآن والسنة، ومنها ما هو ظني في دلالته.
وبالتالي يثور السؤال التالي: هل الالتزام المطلوب من البنوك الإسلامية هو الالتزام في حدود الأحكام الشرعي القطعية فقط؟.(33/4)
الواضح أن الأمر يتعدى ذلك، فلا بد من تطبيق جميع الأحكام الشرعية وتنزيل هذه الأحكام على وجوه المعاملات المالية وأسس التنمية وسياستها، بحيث يخرج العمل المصرفي في هذه البنوك بتنظيم يميّزه عن غيره من البنوك التجارية محققاً لغايات إقامته.
فكيف يتم ذلك؟.. إن المعاملات البنكية الإسلامية تتم جميعها في صورة اتفاقات وعقود كمشاركات أو مضاربات أو استثمارات مختلفة، وهذه جميعها لا بد أن يتحرى في إجرائها أحكام الشريعة الإسلامية بجميع شرائطها وهي:
1- وجود التراضي على العقد:
فلا بد من وجود شرائط للانعقاد والصحة، كما نص عليها الفقهاء بجميع الاتفاقات. فشرط الانعقاد يتطلب وجود التراضي في التعامل بين المتعاقدين سواء من حيث صيغة الإيجاب والقبول كما نصوا عليها وأن يتطابق هذا الإيجاب والقبول3.
ويجب أن يتوافر التراضي في جميع المسائل المعترض لها عند الاتفاق سواء كانت جوهرية أو تفصيلية ثانوية، ما دام قد تعرضنا لها فلا بد أن يتحقق التراضي4، وكذلك لا بد من اتحاد مجلس عقد البيع بحيث ينشغل المتعاقدان بالعقد وأن تتوفر للمتعاقدين أهلية التصرف.
ويجب أن يكو ن المعقود عليه أي ما يرد عليه اتفاق المتعاقدين مقدور الاستيفاء، فلا يصح بيع المعدوم إذ لا يمكن أن يتعلق حكم العقد وآثاره بشيء معدوم5، مع جواز ما ذهب إليه جانب من الفقهاء ببيع الأشياء المستقبلة إذا انتفى الغرر6، وهو ما أخذ به قانون المعاملات المدنية (المادة202).وكذلك أُجيز بيع السلم وهو بيع مال مؤجل التسليم بثمن معجل7، ولقد أُجيز بشروط تطلبه الشرع بشكل منضبط إلى جانب الشروط العامة لكل تعاقد8، وكذلك أجاز الفقهاء بيوع الآجال كبيع المشتري ما اشتراه أو لوكيل البائع لأجل9.
2- تعيين محل العقد (أي المعقود عليه):(33/5)
يُعد تعيين المحل في العقد ركناً من أركانه التي يجب توافره- إلى جانب الأركان الأخرى- لقيام العقد دون بطلان يمكن أن يتمسك به كل ذي مصلحة، والتعيين بمفهومه العام المطلق في الشريعة الإسلامية للمحل المتعاقد عليه معياره التعيين الذي يزيل الجهالة الفاحشة أو اليسيرة عن المحل، وإن كان قد رتب على كل من نوعي الجهالة حكماً يختلف عن الآخر باعتبار أن الجهالة الفاحشة تفضي إلى العدم، بحيث تجعل المتعاقد الطالب للمحل المتعاقد عليه معدوم والمعرفة به، ومن ثم كان البطلان هو جزاء توافر الجهالة الفاحشة، أما الجهالة اليسيرة فإنها تتوافر حيث يكون لدى المتعاقد الطالب للمحل معلومات ومعرفة به تزيل الجهالة الفاحشة عنه وتنفي الخلاف حوله وهو ما يستتبع وجود العقد وقيامه.
ومع ذلك فإن الجهالة اليسيرة تجعل العقد يُوصف بأنه معتل مما سيتأهل ضرورة علاجه قبل استفحال دائه وذلك هو ما جعل الشارع يُعطي الحق للمتعاقد في الخيار بين إمضائه أو فسخه.
3- صلاحية المعقود عليه للتعامل فيه:
ولكي يكون المعقود عليه قابلاً لحكم العقد لا بد أن يكون صالحاً للتعامل فيه، وذلك يقودنا إلى الشروط الآتية:
ا- أن يكون مالاً متقوماً، أي يباح الانتفاع به شرعاً من غير ضرورة، ولقد نصت المادة 200 من قانون المعاملات المدنية على أنه" في التصرفات المالية بشرط أن يكون المحل متقوماً"، كما نصت المادة96 من ذات القانون على أن" المال قد يكون متقوماً أو غير متقوم، والمال المتقوم هو ما يباح للمسلم الانتفاع به شرعاً، وغير المتقوم هو ما لا يباح الانتفاع به شرعاً". فوفقاً لهذه النصوص لا بد أن يكون محل العقد مالاً متقوماً، أما غير المتقوم وتأبى طبيعته التعامل فيه فإن العقد الذي يرد عليه يكون باطلاً10.(33/6)
ب- يجب ألا يخالف التصرف نص القانون والنظام العام والآداب، فقد يرجع عدم صلاحية الأموال للتعامل فيها بحكم القانون مع كونها في ذاتها تعد مالاً متقوماً، فالقانون والشرع يحظر التعامل في بعض الأموال لأسباب ارتآها رعاية لمصلحة المجتمع وهو ما ذكرته المادة 126 معاملات مدنية "أي شيء آخر ليس ممنوعاً بنص القانون أو مخالفاً للنظام العام والآداب"، ومثال ذلك ما نصت عليه المادة السابعة من القانون الاتحادي رقم (15) لسنة1993م في حظرها لبيع الأعضاء البشرية، وقياساً على ذلك فلا يجوز التعامل فيها معاوضة ويدخل ذلك تحت المخالفة الشرعية والنظام العام كتحريم بيع بويضات المرأة أو الاستثمار في التلقيح الصناعي أو الاستنساخ البشري أو الهندسة الوراثية أو الاستثمار في الأدوية أو المستحضرات المستمدة من مصدر أو مصادر طبيعية أو تصنيعها أو تسويقها قبل الحصول على إذن من الوزارة المختصة (القانون الاتحادي رقم20 لسنة1995 في شأن الأدوية).
عموماً فلا يجوز الاتفاق على المعصية، فكل ما يكون معصية فإن الاتفاق عليه باطلاً، وقد نصت المادة127 من قانون المعاملات المدنية الإماراتي على أن "التعاقد على معصية لا يجوز" وذلك ينطبق على الأثمان بحيث يكون الثمن معيناً لا جهالة فيه، فلا يجوز ترك تحديده لمحض إرادة أحد المتعاقدين أولطرف ثالث، وإن خالف في ذلك قانون المعاملات التجارية حيث نصت المادة99 منه على الآتي " يجوز أن يتفق المتعاقدان على تفويض الغير في تحديد ثمن المبيع....".
4- شروط الصحة:
يجب توافر شروط الصحة والتي يؤدي تخلفها إلى فساد العقد عند بعض الفقهاء وبطلانه عند البعض الآخر. وقد نصت المادة212 من قانون المعاملات على أن :
- العقد الفاسد هو ما كان مشروعاً بأصله لا بوصفه، فإذا زال سبب فساده صح.
- ولا يفيد الملك في المعقود عليه إلا بقبضه.
- ولا يترتب عليه أثر إلا في نطاق ما تقرره أحكام القانون.(33/7)
- ولكل من عاقديه أو ورثتهما حق فسخه بعد إعذار العاقد الآخر.
وسواء أكانت أسباب الفساد متصلة بمحل العقد إذ يفترض أن الغرر في عقود المعاوضات المالية- ومنها عقد البيع- إذا ما دخل على الطبيعة العقدية يؤدي إلى بطلان العقد، بمعنى أن الغرر يتعلق بنفس العقد لا بمحله11.أو أسباب الفساد متصلة بالعقد ذاته ومنها الشرط الفاسد المقترن بالعقد، فقد وردت في الشريعة الإسلامية نصوص شرعية تقرر للعقود آثارها، ووردت فيها نصوص أخرى بعضها عام وبعضها خاص فيما يتصل بمدى حق المتعاقدين في تعديل آثار النقود بالإضافة عليها أو النقص منها ، وذلك بشروط معينة يشترطانها في عقودهما. ففي القرآن الكريم ورد قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود(، وقوله تعالى ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم(. وفي السنة النبوية ورد حديث (( ... المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرّم حلالاً))، وحديث (( مقاطع الحقوق عند الشروط)).
والشروط في الفقه الإسلامي إما أن تكون شروطاً تلائم العقد أو تقتضيه فتكون صحيحة وإما أن تكون شروطاً لا يقتضيها العقد أو لا تلائمه وفيها نفع لأحد المتعاقدين أو لأجنبي12.وقد نصت المادة 206 من قانون المعاملات المدنية على أن "يجوز أن يقترن العقد بشرط يؤكد مقتضاه أو يلائمه أو جرى به العرف والعادة نفع لأحد المتعاقدين أو لغيرهما كل ذلك ما لم يمنعه الشارع أو يخالف النظام العام أو الآداب و إلا بطل الشرط وصح العقد ما لم يكن الشرط هو الدافع إلى التعاقد فيبطل العقد أيضاً.
وكذلك يذهب الفقه إلى أنه يشترط لصحة البيع أن يكون المبيع وثمنه معلومين علماً يمنع من المنازعة، فإن كان أحدهما أو كلاهما مجهولاً جهالة مفضية إلى المنازعة فسد العقد13، إلا أن قانون المعاملات المدنية الإماراتي قد رتب البطلان على ذلك14.(33/8)
والأمر الآخر بالنسبة للبيع الذي دخله ربا سواء ربا الفضل أو ربا النسيئة فإن قانون المعاملات المدنية أبطل الربا وصح العقد بنص المادة714 على أن "إذا اشترط في عقد القرض منفعة زائدة على مقتضى العقد سوى ضمان حق المقرض بطل الشرط وصح العقد".
وإلى جانب ذلك فإن القانون تطلب خلو كل عقد من عيوب الرضا، فإذا كان قد شاب العقد غلط- الذي هو وهم يقوم في ذهن المتعاقد يصور له أمراً على غير حقيقته- فإنه يستطيع أن يفسخ العقد. فقد نصت المادة195 معاملات مدنية على أنه "للمتعاقد فسخ العقد إذا وقع منه غلط في أمر مرغوب كصفقة في المحل أو ذات المتعاقد أو صفة فيه".
والحال كذلك فلو شاب العقد تغرير بالمتعاقد وصاحبه غبن فاحش جاز له الفسخ. والتغرير هو إيقاع المتعاقد عمداً في غرر وهو حمل المتعاقد على الرضا بما لم يكن ليرضى به15. أما الغبن الفاحش في العقار وغيره هو ما لا يدخل تحت تقويم المقومين (المادة188 معاملات مدنية).
وكذلك الإكراه وهو حمل الغير بغير حق على ما لا يرضاه، وقد نصت المادة 182 معاملات مدنية على أن " من أكره أحداً بأحد نوعي الإكراه على إبرام عقد ينفذ عقده، ولكن لو أجازه المكره أو ورثته بعد زوال الإكراه صراحة أو دلالة يصح العقد".
ثانياً: قيام المصارف والشركات الإسلامية في شكل مساهمة:(33/9)
نصت المادة الثانية من القانون الاتحادي رقم (6) في شأن المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية في فقرتيها الثالثة والرابعة على الآتي: "وتتخذ تلك المصارف والمؤسسات والشركات شكل شركة المساهم العامة، ويتم تأسيسها وفقاً للأحكام المنصوص عليها في القانون الاتحادي رقم (8) لسنة1984م المشار إليه، وتخضع لترخيص المصرف المركزي ورقابته وتفتيشه طبقاً للقانون الاتحادي رقم (10) لسنة1980م المشار إليه وبما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون.وتسري أحكام الفقرات السابقة- فيما عدا ما يتعلق بالتأسيس والشكل- على الفروع والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية الأجنبية.
ويمكن تقسيم هذا الشرط إلى قسمين: أن ينشأ المصرف أو الشركة في شكل شركة مساهمة، والقسم الآخر أن يحصل على موافقة المصرف المركزي.
(ا) اتخاذ المصرف شكل شركة مساهمة:
شركة المساهمة عبارة عن شركة تقوم على الاعتبار المالي لا الشخصي، بمعنى أن الأهمية فيها لرأس مال الشريك لا لشخصه، وعليه فإن هذه الشركات لا تنقضي بوفاة أحد الشركاء أو بإشهار إفلاسه أو الحجر عليه، كما أنه لا يجوز لأي من الشركاء التنازل عن حصته لأجنبي عن الشركة دون موافقة باقي الشركاء، كما يجوز لأي شريك الانسحاب من الشركة دون الرجوع لباقي الشركاء، وعلاوةً على ذلك فإن مسؤولية الشريك عن ديون الشركة محصورة في حدود رأس ماله ولا تتجاوز ذلك إلى أمواله الخاصة.
النصوص القانونية:
نصت المادة64 من قانون الشركات في دولة الإمارات العربية المتحدة بأنه "تعتبر شركة مساهمة عامة كل شركة يكون رأسمالها مقسّماً إلى أسهم متساوية القيمة قابلة للتداول ولا يسأل الشريك فيها إلا بقدر حصته في رأس المال".(33/10)
ونصت المادة79 من القانون الاتحادي رقم (10) لسنة1980م في شأن المصرف المركزي والنظام النقدي وتنظيم المهنة المصرفية على أنه "يجب أن تتخذ المنشآت التي تمارس أعمال المصارف التجارية شكل شركات مساهمة عامة يأذن لها القانون أو المرسوم الصادر بتأسيسها، وتستثنى من أحكام الفقرة السابقة فروع المصارف الأجنبية العاملة في دولة الإمارات العربية المتحدة".
وطبقاً للمادتين فإن شركة المساهمة العامة هي الشركة التي يكون رأس مالها مقسّماً إلى أسهم متساوية القيمة قابلة للتداول، ولا يسأل الشريك فيها إلا بقدر حصته في رأس المال.
وإذا كان قانون المصارف الإسلامية قد نص على أن تكون في شكل شركة مساهمة عامة فإنه يكون قد أخرج شكل شركة المساهمة الخاصة من الجواز والتي تتم في صورة اتفاق بين أشخاص معدودة كما نصت عليه المادة215 من قانون الشركات التجارية الإماراتي بأنه "يجوز لعدد من المؤسسين لا يقل عن ثلاثة أشخاص أن يؤسسوا فيما بينهم شركة مساهمة خاصة لا تطرح أسهمها للاكتتاب العام، وأن يكتتبوا بكامل رأس المال الذي يجب ألا يقل عن مليون درهم".
ويجب أن يتوافر في البنك الإسلامي باعتباره شركة مساهمة عامة خصائصها بإيجاز كالآتي:
1) شركة المساهمة شركة أموال: بمعنى أنها تقوم على الاعتبار المالي لا الشخصي، ويقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية القيمة ويكتتب فيها عدد من الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين قد لا يعرف بعضهم بعضاً.وأن أسهمها قابلة للتنازل بمقابل أو بدون مقابل دون الرجوع لباقي المساهمين (المادة155 من قانون الشركات التجارية).
2) أن مسؤولية الشريك المساهم محددة في رأس ماله المساهم به: تطبيقاً للمادة64 من قانون الشركات بأن المساهم في شركة المساهمة لا يسأل عن ديون الشركة والتزاماتها إلا بمقدار حصته في رأس المال، فهو لا يسأل مسؤولية تضامنية وشخصية مطلقة عن ديون الشركة16.(33/11)
3) وليس للشركة عنوان مستمد من أسماء الشركة: إن شركة المساهمة في واقع الأمر تحمل اسماً وعنواناً تُعرف به في الوسط التجاري، وعادةً ما يستمد هذا الاسم من موضوع نشاطها (المادة65 من قانون الشركات الإماراتي) كتسمية بنك دبي الإسلامي أو مصرف أبو ظبي الإسلامي استمداداً من العمل المصرفي المميز لها، ومنعاً لتشابه الأسماء واختلاط الأمر على الناس بأنه لا يجوز لأي شركة مساهمة أن تحمل اسم أية شركة مساهمة أخرى أو اسماً مشابهاً له ( المادة6 من قانون الشركات).
4) كون تأسيس الشركات أقرب إلى النظام القانوني منه إلى حرية التعاقد: إن شركة المساهمة في النظر القانوني ليست شركة، وإنما هي منظمة مالية وما ذلك إلا لأن أهميتها وضخامة المشروعات التي تتصدى لها ومن كونها تتعلق بمصالح قطاع كبير من المواطنين وخاصةً صغار المُدَّخرين17، وبالتالي فقد يتدخل المشرع كثيراً في وضع القواعد القانونية الخاصة بهذه الشركة كإجراءات التأسيس وحقوق المشاركين وأسلوب الإدارة.
متطلبات التأسيس لشركة المساهمة العامة:
وتتطلب شركة المساهمة العامة لقيامها, أن يوضع عقد التأسيس والنظام الأساسي للشركة، وهي بالتالي تكون- وبحق- أقرب إلى النظام القانوني، ولقد استلزمت المادة68 من قانون الشركات الإماراتي أن يقوم وزير الاقتصاد والتجارة بوضع نموذج عقد التأسيس والنظام الأساسي للشركات المساهمة، وعلى الشركات التقيد بهذين النموذجين وعدم مخالفتها إلا لأسباب ضرورية يقرها الوزير.(33/12)
ويجب أن تقوم لجنة التأسيس بتقديم طلب تأسيس الشركة على النموذج المُعد لذلك إلى وزارة الاقتصاد والتجارة مصحوبا بتصريح السلطة المختصة في الإمارة المعنية بإنشاء الشركة، وبعقد تأسيسها وبنظامها الأساسي والجدوى الاقتصادية للمشروع، مع بيان الجدول الزمني المقترح لتنفيذه، ويقيّد الطلب في السجل المُعد لذلك في الوزارة (المادة 74 من قانون الشركات الإماراتي)، وللوزارة أن تطلب إدخال تعديلات على عقد الشركة ونظامها الأساسي بما يجعله متفقاً مع أحكام القانون. ويتخذ الوزير قراره المتعلق بطلب التأسيس خلال مدة أقصاها ستون يوماً من تاريخ تقديم الطلب.
وإذا تمت الموافقة على مشروع عقد تأسيس الشركة ونظامها الأساسي، قام وزير الاقتصاد والتجارة بإصدار قرار تأسيسها الذي يُنشر في الجريدة الرسمية للاتحاد على نفقة المؤسسين، وعندها يتعين على هؤلاء المؤسسين أن يكتتبوا بأسهم لا تقل عن 20% ولا تزيد عن 45% من رأس مال الشركة. وأن يدفعوا قبل نشر بيان الاكتتاب المبلغ الذي يعادل لنسبة المطلوبة دفعها من قبل المكتتبين عن كل سهم عند الاكتتاب. وضماناً لجدية ذلك فإن المؤسسين يلتزمون قبل دعوة الجمهور للاكتتاب بتقديم شهادة لوزارة الاقتصاد والتجارة صادرة من أحد المصارف المعتمدة تثبت قيامه بدفع النسبة المشار إليها (المادة87 من قانون الشركات الإماراتي).
ويتعين على المؤسسين البدء في إجراءات الاكتتاب خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ نشر قرار التأسيس في الجريدة الرسمية للاتحاد، ويتم ذلك عن طريق قيامهم بالإعلان عن الاكتتاب في صحيفتين محليتين تصدران باللغة العربية قبل بدئه بخمسة أيام على الأقل.
(ب) إلى جانب خضوع المصارف الإسلامية لقانون الشركات التجارية فإنه يخضع للقانون الاتحادي رقم (10) لسنة1980م في شأن المصرف المركزي والنظام النقدي وتنظيم المهنة المصرفية المعدل بالقانون الاتحادي رقم (1) لسنة1988م.(33/13)
فقد نصت المادة 83 من القانون رقم (10) لسنة1980م على الآتي:
1- مع مراعاة الأحكام المعمول بها بشأن تأسيس شركات المساهمة والتي لا تتعارض مع أحكام هذا القانون، لا يجوز للمصارف التجارية أن تباشر أعمالها إلا بعد الترخيص لها بذلك بقرار من رئيس المجلس أو من يفوضه بناءً على موافقة مجلس الإدارة. وتسجل المصارف التجارية المرخص لها في السجل المُعد لذلك بالمصرف كما ينشر القرار الصادر بالترخيص لها في الجريدة الرسمية.
2- يقرر مجلس الإدارة الشروط والإجراءات الواجب اتباعها في تقديم طلبات الترخيص والوثائق والمعلومات المطلوبة، كما يقرر الأحكام الخاصة بإنشاء الفروع وكل ما يتعلق بها.
3- في حالة رفض طلب الترخيص يقوم المصرف بتبليغ القرار إلى المنشأة ذات العلاقة خلال مدة لا تجاوز خمسة عشر يوماً اعتباراً من تاريخ الرفض.
ونصت المادة84 من ذات القانون على أنه "لا يجوز لأي مصرف تجاري أن يقيم فرعاً جديداً له داخل دولة الإمارات العربية المتحدة أو خارجها ولا أن يغيّر مكان الفرع أو يغلق فرعاً إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة بذلك من مجلس الإدارة".
وأوضحت المادة83 بأن المصرف قد اتخذ سجلاً خاصاً لتسجيل المصارف بعد ترخيصها منه، والواضح أن الإجراءات الواجب اتباعها في تقديم طلبات الترخيص والوثائق والمعلومات لا بد أن يصدر بها قرار يبيّن جميع هذه الإجراءات والمستندات المطلوب تقديمها له.
ومن الطبيعي أن أي مصرف بعد أن تثبت أركانه في مركزه الرئيسي من أن يطلب فتح فروع له كامتداد للمركز الرئيسي، ففي هذه الحالة لا بد كذلك من الحصول على إذن من مجلس إدارة المصرف المركزي، ولا يقتصر الشأن على الفروع التي بالداخل بل يمتد كذلك إلى الفروع التي يريد البنك إنشاءها خارج دولة الإمارات العربية المتحدة. وذلك الإجراء مطلوب في حالة إغلاق فرع من الفروع التي سبق أن أذن لها بالترخيص.(33/14)
ولا يقتصر الأمر على ذلك بل إنه ليس لأي مصرف أن يدخل تعديلات على عقد تأسيسه أو نظامه الأساسي دون موافقة المصرف المركزي، إلى جانب أن المصارف تخضع لرقابة وتفتيش المصرف المركزي.
ثالثاً: الهيئة العليا الشرعية:
نصت المادة الخامسة من القانون الاتحادي رقم (6) لسنة1985م في شأن المصارف الإسلامية على الآتي: "تُشكّل بقرار مجلس الوزراء هيئة عليا شرعية تضم عناصر شرعية وقانونية ومصرفية تتولى الرقابة العليا على المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية للتحقق من مشروعية معاملاتها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية كذلك إبداء الرأي فيما يعرض على هذه الجهات من مسائل أثناء ممارستها لنشاطها، ويكون رأي الهيئة العليا ملزماً للجهات المذكورة، وتلحق هذه الهيئة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف".
ووفقاً لهذا القانون فإنه أُنيط بمجلس الوزراء إصدار قرار بإنشاء هيئة عليا شرعية تتكون من عناصر مختلفة لا بد أن يتوافر فيها ممثلين قانونيين وشرعيين ومصرفيين. وإذا كان لا بد من توافر هذه العناصر فإن القانون ترك تحديد العدد اللازم الذي تتكون منه هذه الهيئة لقرار مجلس الوزراء وإن كان هناك مأخذ على هذا النص هو انه ألحق هذه الهيئة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والأصح أن تلحق بقطاع العدل باعتبار أنها تُشرف على أمر عملي ولها ضبطية قضائية ورقابية وليست مجرد هيئة إفتاء.
ولهذه الهيئة الحق في الرقابة على جميع أعمال المصرف للتحقق من تطبيقه لأحكام الشريعة الإسلامية في المعاملات التي يجريها المصرف وإبداء الرأي فيما يعرض على هذه الجهات من مسائل سواء من المؤسسات الحكومية التي لها صلة أو المصارف الإسلامية حتى تستقيم معاملاتها، وأخذ الرأي قبل إجراء التصرف ضمانة لعدم إبطاله بعد أن يبدأ في تنفيذه.
رابعاً:هيئة الرقابة الشرعية للمصرف:(33/15)
نصت المادة السادسة من قانون المصارف الإسلامية على الآتي: "يتعين النص في عقد تأسيس المصرف أو المؤسسة المالية أو الشركة الاستثمارية الإسلامية وفي النظام الأساسي لكل منها على تشكيل هيئة للرقابة الشرعية لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة تتولى مطابقة معاملاتها وتصرفاتها لأحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها، ويحدد النظام الأساسي لكل منها كيفية تشكيل هذه الهيئة وأسلوب ممارستها لعملها واختصاصاتها الأخرى. وتعرض أسماء هيئة الرقابة الشرعية على الهيئة العليا المنصوص عليها في المادة السابقة لإجازتها قبل صدور قرار التشكيل".
وتعنى هذه المادة بأمرين:
- أحدهما أنه لا بد أن ينص النظام الأساسي للمصرف الإسلامي على اتخاذه هيئة رقابية شرعية للنظر في معاملاتها المصرفية، وهذا أمر إجرائي لا بد أن يتم حتى يحصل على الترخيص والموافقة.
- والثاني أن يتم فعلاً اتخاذ هذه الهيئة باختيار أعضائها من بين العارفين والمطّلعين أصحاب الخبرة في المعاملات الإسلامية. ولم يحدد القانون عددها إلا أنه وضع قيداً بحيث لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة بأي حال من الأحوال، وقيداً آخر هو أن تُعرض أسماؤهم على الهيئة الرقابية العليا التي نصت عليها المادة الخامسة من ذات القانون لإجازتها قبل صدور قرار تشكيلها.
وتتولى هذه الهيئة الرقابة والنظر في مطابقة معاملات المصرف وتصرفاته لأحكام الشريعة الإسلامية. وترك القانون تحديد أسلوب ممارستها لعملها واختصاصاتها وفقاً لنظام البنك الأساسي.
المطلب الثاني
ما انفردت به المصارف الإسلامية
دون غيرها تطبيقاً لهذا القانون
من المفترض أن البنوك التجارية تقوم في أساسها على عمليات الإقراض، إذ تقوم فكرة البنك التجاري على أنه تاجر نقود، ومن هذه الفكرة تتفرع عمليات البنوك إلى عمليات الائتمان المختلفة.(33/16)
يقول أحد شرَّاح قانون البنوك "البنك- أي التجاري- لا يحتفظ بكل الأموال المودعة معطلة في خزائنه، وإنما يكتفي بنسبة معينة من هذه الأموال يحددها بتجربته وخبرته لمواجهة طلبات المودعين ثم يقرض الباقي"18.
وذلك بخلاف المصارف الإسلامية التي كما ذكرها- بحق- كثير من الفقهاء ومنهم د. محمد عثمان شبير في بيان الاختلاف19:
1- إذ تقوم المصارف الإسلامية في معاملاتها على أساس نظام المشاركة في الربح والخسارة الذي أقرته الشريعة الإسلامية، بالودائع الاستثمارية والادخارية تقوم على أساس المضاربة المشتركة، كما تقوم بإجراء المشاركة المنتهية بالتملك وغير ذلك مما يقوم على أساس المشاركة، مما يؤدي إلى تحقيق النتيجة الاقتصادية. بينما تقوم البنوك التجارية في معاملاتها على أساس النظام المصرفي العالمي وهو نظام الفائدة (الربا) أخذ وعطاء.
2- يحتل الاستثمار في المصارف الإسلامية حيزاً كبيراً من معاملاتها، فهي تقوم بالمرابحة للآمر بالشراء والإجارة المنتهية بالتمليك مما يؤدي إلى تعاون رأس المال والعمل. بينما نجد البنوك التجارية تولي الإقراض أهمية كبيرة ولا تقبل على الاستثمار إلا في نطاق ضيق من أعمالها.
3- تخضع المصارف الإسلامية بالإضافة إلى الرقابة المالية إلى رقابة شرعية لمراقبة أعمال المصرف، بحيث تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية20.
وبالتالي فإذا كان قانون المصرف المركزي قد بيّن المحظورات على البنوك في المادة90 منه ويبين فيها الآتي "يُحظر على المصارف التجارية أن تزاول أعمالاً غير مصرفية وبوجه خاص الأعمال التالية:
ا) ممارسة التجارة أو الصناعة أو امتلاك البضائع والمتاجرة بها لحسابها الخاص، ما لم يكن امتلاكها وفاءً لدين لها على الغير، وعليها أن تقوم بتصفيتها خلال المدة التي يحددها المحافظ.
ب) شراء العقارات لحسابها الخاص.... الخ.(33/17)
وباعتبار أن البنوك الإسلامية التي تقوم على العمل بتطبيق أحكام الشريعة في معاملاتها لا يمكن أن تؤدي هدفها الإنمائي والاقتصادي للمتعاملين معها إلا عن طريق استثمار أموالهم وهي في أساسها لا تقوم على الإقراض بفائدة وإنما إذا كانت تؤدي قرضاً فهي تقدمه كقرض حسن بدون فائدة.
فنصت المادة الرابعة من قانون المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية على الآتي:
1- تستثنى المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية التي تُؤسس في الدولة وفروع ومكاتب المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية التي تؤسس في الدولة, وفروع ومكاتب المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الأجنبية التي يُرخّص لها بالعمل داخل الدولة من أحكام البند (أ) من المادة90 والبند (هـ) من المادة96 من القانون الاتحادي رقم (10) لسنة1980 المشار إليه.
2- وتستثنى تلك الجهات من أحكام البند (ب) من المادة90 من القانون الاتحادي رقم (10) لسنة1980 المشار إليه وذلك بما لا يتعارض مع أحكام التشريعات المعمول بها في الإمارة المعينة.
وإضافةً إلى ما ذكرنا سابقاً فيما نصت عليه المادة السابعة فإن القانون قد استثنى المصارف والشركات المالية الإسلامية من تطبيق الفقرة (هـ) من المادة96 من قانون المصرف المركزي في تحديد أسعار الفائدة على الودائع، حيث أن العمليات المصرفية في البنوك الإسلامية تقوم على الاستثمار وبالتالي تخضع للربح والخسارة، فيجوز فيها الربح كما يكون وكذلك الخسارة تطبيقاً لأحكام المضاربة والنص الذي استثنى منه البنوك الإسلامية هو كالآتي: "لمجلس الإدارة أن يُعيِّن بالنسبة إلى المصارف التجارية مايأتي :
هـ - أسعار الفائدة التي تضعها المصارف من الودائع وأسعار الفائدة والعمولات التي تتقاضها من عملائها".
المطلب الثالث
تطبيقات للمصارف الإسلامية
أولاً: عقد المضاربة:(33/18)
وفيه يتم المزاوجة بين عنصري النشاط الاستثماري وهما الخبرة ورأس المال في صعيد واحد لمصلحة أطراف المضاربة ولتحقيق المصلحة العامة.
وأهم الخصائص الذاتية التي هيأت نظام المضاربة التي تصدر في المعاملات البنكية الإسلامية الآتي:
1- تحديد مسئولية رب المال في حدود نصيبه في المضاربة، بحيث لا يكون مسئولاً عن الخسارة التي تزيد عن ذلك.
2- يتسع هذا النظام لتعدد رؤوس الأموال المشاركة في نشاط استثماري معين، ولا بأس أن يبلغ أصحاب الأموال المشاركين في مشروع واحد عدداً ضخماً، سواء أكان كل منهم معروفاً للآخر أم مجهولاً.
3- قدرة المضاربة لتمويل صفقة واحدة أو عدد من الصفقات أو مشروع استثماري مستمر ومحقق,
4- الفصل بين رأس المال والعمل واعتبار المضاربة جهة متميزة عن الأطراف المشاركة بها، وبفضل هذا الأساس تمكن المضارب من اتخاذ القرارات التنفيذية المناسبة دون حاجة للرجوع إلى أصحاب المال، وقد كان هذا سبباً قوياً لملائمة المضاربة في تمويل التجارة الخارجية وتنظيمها21.
5- النفقات الإدارية والاستثمارية ترجع إلى المضاربة وتضاف إلى تكلفتها.
والصورة الأكثر وضوحاً في المضاربة الآن للبنوك الإسلامية هي تكونها من ثلاثة أطراف:
ا) المستثمرون الذين يقدمون المال بصورة فردية.
ب) المضاربون الذين يأخذون المال منفردين، كي يعمل كل منهم في جزء من أموال المستثمرين.
جـ) المصرف الذي يقوم بالتوسط بين الفريقين لتحقيق التوافق والانتظام في توارد الأموال وإعطائها للراغبين من المضاربين.
وتظهر الأهمية هنا- بالنسبة للبنك- في صفته المزدوجة التي يبدو فيها مضارباً بالنسبة للمستثمرين وهم أصحاب الأموال من ناحية، كما أنه يبدو كمالك المال بالنسبة للمضاربين من ناحية ثانية، ولذلك يمكن وصفه بالمضارب المشترك.(33/19)
ويرجع التكييف للمصرف بهذا الشكل إلى أن علاقة أرباب أموال المصارف بأصحاب الأعمال أساسها المضاربة الخاصة التي تحكم هذه العلاقة وتتمحور في أن المصرف الإسلامي لا يتيسر له استثمار الأموال في إطار المضاربة المقيدة على نحو ما ينبغي أو بالحد المطلوب باعتبار أنه لا يتعامل مع أصحاب الودائع فرداً فرداً، ولا يتحقق له العمل إلا في إطار المضاربة المطلقة.
وبالنسبة للضمان فإن المصرف الإسلامي هو الطرف الذي سيتحمل مخاطر الاستثمار باعتباره مضارباً مشتركاً قياساً على حكم ضمان الأجير المشترك.
وفي العموم فإن الهدف الأساسي للمضاربة كما قلنا هي المزاوجة بين المال والعمل، ويصدق ذلك على التعامل بها في المصارف الإسلامية، وعلى هذه المصارف أن تراعي في عملها بهذا النظام الشروط الفقهية الخاصة برأس المال وأهلية المتعاقد، وعلى صاحب المال أن لا يتدخل في العمل التنفيذي للمضارب، وهو المصرف , كما يجب على المصرف هو الآخر ألا يتدخل في عمل مضاربه الذي يستحق به المشاركة في الربح إلا إذا كان على سبيل الإعانة لهذا المضارب22.
ومن اليسير أن يتفق المصرف مع أرباب الأموال على إطلاق يده في استثمار أموالهم والمضاربة بها وحقه في دفعها مضاربة إلى الغير، كما هو الشأن في اعتماد حسابات الودائع التوفيرية على سبيل المثال.
واتفاق المصرف مع مضارب المضارب يجب أن يُحدَّد فيه نوع المضاربة وخصائصها وطبيعة العمل، وحق مضارب المضارب في الاستدانة على المشروع وما إلى ذلك من التفصيلات المؤثرة على مستقبل المشروع والعائد المتوقع من نشاطه والمسئوليات المنوطة به.ويلتزم المصرف في تعاملاته المتعلقة بتوزيع الربح والخسارة بالشروط الفقهية23.(33/20)
وتجيز الأحكام الفقهية للمضاربة أن يعمل عاملها في رأس المال الذي أمده به المصرف، أو يخلط ذلك بماله الخاص ويعمل بهما معاً شريطة الاتفاق على ذلك مع المصرف. ومن الصور المحتملة أن يخلط عامل المضاربة رأس المال المقدم إليه من المصرف بمال طرف آخر، أي يستدين على المضاربة من طرف آخر مع اشتراط مشاركة المصرف في ضمان الدين. ويجوز التعامل بهاتين الصورتين بموافقة المصرف ويحتمل كذلك أن يوافق المصرف على إشراك عامل آخر ليعملا معاً.
الاستثمار المباشر:
يقوم المصرف الإسلامي في أكثر الأحوال باستثمار أموال المودعين على نحو غير مباشر، وذلك بإعطائها لأصحاب الأعمال حتى يستثمر أمواله وأموال مودعيه في الإطار الإداري والتنظيمي الذي أقامه هؤلاء. غير أن المسئولين في المصارف الإسلامية قد يجدون أنفسهم في وضع يُوجب عليهم إنشاء هيئة إدارية وتنظيمية لمشروعات تتبع هذه المصارف مباشرةً ويستثمرون أموالهم وأموال مودعيهم فيها. ومن الأسباب لذلك ما تشير إليه الموسوعة العلمية والعملية لاتحاد البنوك الإسلامية من إحجام أصحاب الأعمال عن إقامة مشروعات بعينها على الرغم من أهميتها ونفعها للصالح العام وصالح المستثمرين24.
ثانياً: بيع المرابحة:
المرابحة في الفقه: هي نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح25، وعرفّها الكاساني بأنها "بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح"26.
وقد أُجيزت هذه المعاملة لاجتماع شروط البيع فيها ولتعامل الناس بها وحاجتهما إليها، إذ من الناس من لا يقدر على المساومة والمكايسة ويود الاعتماد على نقل المتمرس في التجارة وتطيب نفسه بالزيادة على ما اشتراه، ولهذا كان مبناها على الأمانة وتوقي الخيانة وشبهتها27.
وأجمل الكاساني شروط بيع المرابحة في الأمور التالية:(33/21)
1- أن يكون الثمن الأول معلوماً للمشتري الثاني في مجلس العقد حتى يقبل البيع أو يتركه، فإذا افترقا وهو لا يعلم العقد بطل العقد؛ لتقرر الفساد بجهالة الثمن.
2- أن يكون الربح معلوماً لأنه بعض الثمن، والعلم بالثمن شرط صحة البيوعات.
3- أن يكون رأس المال من ذوات الأمثال، لأن المرابحة بيع بمثل الثمن الأول وزيادة، فيقتضي ذلك أن يكون الثمن الأول مما له مثل.
4- أن يكون العقد الأول صحيحاً، فإذا كان فاسداً لم يجز بيع المرابحة، لأن البيع الفاسد يفيد الملك إن أفاد بقيمة المبيع أو بمثله.
وتقتضي المرابحة في التعريف الفقهي أن يكون المبيع موجوداً في ملك البائع وأن يكون الثمن الأول معروفاً للطرفين، وأن يحدد مقدار الربح المضاف إلى هذا الثمن إما بتعيينه كألف درهم أو بتعيين نسبته للثمن الأول كالربع أو الثلث أو العشر، وهي بهذا التحديد لا تخرج عن كونها أسلوباً لتحديد الثمن يلجأ إليه أصحاب الخبرة المحدودة بالسوق كي يضمنوا حقوقهم، فإن التاجر إذا رضي بالبيع على أساس المرابحة التزم بذكر الثمن الأصلي وكل ما يؤثر في اعتباره مما لحق بالمبيع مبناه على الأمانة28.
بيع المرابحة في الاصطلاح المصرفي:
يختلف مفهوم المرابحة الفقهي عن ما شاع في معاملات المصارف الإسلامية، والمقصود ببيع المرابحة للآمر بالشراء على النحو التالي:
إذا أراد أحد مثلاً شراء أجهزة معينة لا يستطيع نقد ثمنها فإنه يتقدم إلى المصرف طالباً منه شراء الأجهزة المطلوبة بالوصف على أساس الوعد منه بشراء تلك الأجهزة اللازمة له فعلاً مرابحة بالنسبة التي يتفق عليها (2% أو 5% مثلاً) فيشتريها المصرف ويأخذها العميل، حيث يدفع الثمن مقّسطاً حسب إمكانياته التي يساعده عليها دخله.(33/22)
فهذه العملية عملية مركبة من وعد بالشراء وبيع بالمرابحة. وهي ليست من قبيل بيع الإنسان ما ليس عنده، لأن المصرف لا يعرض أن يبيع شيئاً ولكنه يتلقى أمراً بالشراء، وهو لا يبيع حتى يملك ما هو مطلوب ويعرضه على المشتري الآمر ليرى ما إذا كان مطابقاً لما وصف.كما أن هذه العملية لا تنطوي على ربح ما لم يضمن، لأن المصرف وقد اشترى فأصبح مالكاً يتحمل تبعة الهلاك، فلو عطبت الأجهزة المشتراة أو تكسرت قبل تسليمها للشخص الذي أمر بشرائها فإنها تهلك على حساب المصرف وليس على حسابه29.
وتختلف المرابحة المصرفية عن المرابحة الفقهية وذلك في الأمور التالية:
1- المبيع في المرابحة المصرفية موصوف غير معين بالذات، بخلافه في المرابحة الفقهية فإنه معين بذاته لا بوصفه.
2- المبيع في المرابحة المصرفية غير مملوك للبائع وهو المصرف، في حين أن المبيع في المرابحة الفقهية يجب أن يكون في ملك البائع عند الاتفاق على البيع.
3- الثمن في المرابحة الفقهية معلوم قبل التفرق من مجلس العقد، على حين أن الثمن في المرابحة المصرفية ليس معلوماً عند الاتفاق على البيع، لأن الثمن الذي يلتزم به العميل هو الثمن الذي يشتري به المصرف في المستقبل.
4- القصد في المرابحة المصرفية هو تمويل الشراء، حيث لا يستطيعه العميل، في حين أن القصد في المرابحة الفقهية هو البعد عن المساومة، فالأول من بيوع الآجال والثاني من بيوع الأمانات.
وتنفي هذه الفروق المؤثرة الصلة بين هذين التعاملين، ويتضح التأثير ببيان ما يلي:
ا- المبيع المعين بالوصف هو المسلم فيه، ولا يجوز بيعه في الفقه إلا باستجماع شروط السلم، وأهمها إيفاء الثمن في مجلس العقد أو في أقرب وقت ممكن بناءً على الفقه المالكي وتطبيقاً لقاعدة ما قارب الشيء يعطي حكمه.
ب- الثمن المجهول للمتبايعين في مجلس العقد يبطله.(33/23)
جـ- المبيع غير المملوك للبائع لا يجوز بيعه حتى ولو دخل ملكه بعد ذلك، ولا تنهض أحكام الفضالة بتجويزه.
ولا تتفق المرابحة الفقهية والمصرفية بتحديدها على هذا النحو إلا في أمر واحد هو أسلوب تعيين الربح بنسبة من ثمن الشراء أو بمقدار معلوم. ولا يكفي ذلك لاشتراكهما في تسمية واحدة.
وقضية التسمية هي السبب فيما يبدو في الاضطراب الشائع في الحكم على هذا التعامل، كما أن تسمية هذه المعاملة المصرفية ببيع المرابحة كان هو السبب في هذا القول العام الذي حظي به في محيط المصارف الإسلامية. وينبغي الالتزام في تسمية المعاملات الحديثة بوضوح وعدم التعارض مع المسميات الفقهية.
والرأي الذي ذكره البعض أن متقدمي الفقهاء قد صاغوا لهذه المعاملة مصطلحاً يخصها ويتسم بالدقة في الدلالة عليها وهو "المواصفة" للتفريق بين هذه المعاملة وبين غيرها30.
والمواصفة تعني تحديد أوصاف السلعة التي يرغب الآمر في شرائها مع الاتفاق على صفة الثمن بتحديد نسبة الربح أو مقداره. وتفضل هذه التسمية تلك التسمية الحديثة: المرابحة لاختلاطها بمفهوم مصطلح آخر في الفقه الإسلامي مما يؤدي إلى الاضطراب في الحكم والفهم.
ولقد أُطلق جواز بيع المرابحة المصرفية ، وهذا الاتجاه قد تزعمه نفر من المخلصين لنشاط المصارف الإسلامية والعاملين في هيئات الرقابة الشرعية التابعة لهذه المصارف.
وقد وُجّه إلى المستشار الشرعي ببيت التمويل الكويتي سؤال عن حكم قيام هذا المصرف بشراء السلع والبضائع نقداً بناءً على رغبة أحد العملاء ووعده بأنه مستعد لشرائها بالأجل بسعر أعلى من سعر الشراء.
مثال ذلك أن يرغب أحد الأشخاص في شراء سلعة أو بضاعة معينة، لكنه لا يستطيع دفع ثمنها نقداً. فنعتقد بأنه إذا اشتريناها وقبضناها سوف يشتريها منا بالآجل مقابل ربح معين مشار إليه في وعده السابق.(33/24)
وكانت إجابته عن هذا السؤال: "ما صدر من طلب الشراء يعتبر وعداً. ونظراً لأن الأئمة اختلفوا في هذا الوعد هل هو ملزم أم لا، فإني أميل إلى الأخذ برأي ابن شبرمة رضي الله عنه الذي يقول بأن كل وعد بالتزام لا يحل حراماً ولا يُحرّم حلالاً يكون وعداً ملزماً قضاءً وديانة. وهذا ما تشهد له ظواهر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية. والأخذ بهذا المذهب أيسر على الناس والعمل به يضبط المعاملات لهذا ليس هناك مانع من تنفيذ هذا الشرط31.
وفي سؤال آخر عن حكم الاتفاق بين شخصين على شراء سلعة مشتركة بينهما ومواعدة أحدهما أن يشتري نصيب الآخر في السلعة بالأجل بسعر أعلى من سعر الشراء، أجاب المستشار بقوله: "الإجابة على هذا السؤال تتضمن ناحيتين: الأولى جواز التصرف شرعاً، والثانية كون هذا الوعد ملزماً أو غير ملزم".
أما عن الناحية الأولى فإن هذا الوعد لا غبار عليه من الناحية الشرعية، فالمسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً.
وأما من الناحية الثانية فإننا قد اخترنا فيما مضى الإفتاء بما روي عن الإمام مالك رضي الله عنه إذا ترتب على الوعد التزام لولا الوعد ما نشأ هذا الالتزام، فإن قبل هذا الوعد يكون ملزماً على أنه يجب أن يراعى كل الأمور التي تجعل هذه النصوص مفهومة ومحددة الأهداف من حيث بيان المدة والثمن إلى غير ذلك مما يمنع النزاع بين الطرفين32.
ولقد أجابت هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي المصري عن حكم بيع المرابحة بما لا يخرج عن ذلك33.
وهذا هو الرأي الذي انتهى إليه مؤتمر المصرف الإسلامي الأول في دبي المنعقد في شهر مايو 1979م، حيث أوصى بأن هذا التعامل "يتضمن وعداً من عميل المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوه عنها، ووعداً آخر من المصرف بإتمام هذا البيع بعد الشراء طبقاً للشروط.(33/25)
إن مثل هذا الوعد ملزم للطرفين قضاءً طبقاً لأحكام المذهب المالكي، وهو ملزم للطرفين وبأنه طبقاً لأحكام المذاهب الأخرى وملزم ديانة يمكن الإلزام به قضاءً إذا اقتضت المصلحة ذلك وأمكن للقضاء التدخل فيه".
وقد أوصى مؤتمر المصرف الإسلامي المنعقد بالكويت في مارس 1983م كذلك بأن "المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء بعد تملك السلعة المشتراة حيازتها، ثم يبيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور وهو أمرجائز شرعاً طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسئولية الهلاك قبل التسليم وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي.وأما فإن الأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة التعامل واستقرار المعاملات وفيه مراعاة لمصلحة المصرف والعميل34.
تم بحمد الله وعونه وتوفيقه.
الهوامش
1- د. محمد سراج، النظام المصرفي الإسلامي، دار الثقافة، ص19.
2- د. محمد سراج، المرجع السابق، ص72.
3- المادة 140 من قانون المعاملات المدنية الإمارتي.
4- د. جاسم علي سالم الشامسي، عقد البيع ،1997- 1998، ص70 وما بعدها.
5- الدسوقي على الشرح الكبير، ج3،ص157- 158- المغني عليه الشرح الكبير، ج4 ص276- قليوبي وعميرة، ج2، ص175- 176.
6- الفروق للقرافي، ج3، ص165، الفرق الثالث والتسعون بعد المائة- المقدمات الممهدات لابن رشد الجد، ج2، ص71- 72- ابن تيمية، نظرية العقد، ص229- 231- الفتاوى الكبرى لابن تيمية، مجلد3، ص432- إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية، ج1، ص357- 358.
7- المادة 568 معاملات مدنية.
8- انظر د. جاسم الشامسي، عقد البيع، المرجع السابق، ص144- 169.
9- الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، ج3، ص116.
10- مصادر الحق في الفقه الإسلامي للدكتور عبد الرزاق السنهوري، ج3، ص93.
11- د. جاسم الشامسي، المرجع السابق، ص255.
12- رد المحتار، ج4، ص121- بدائع الصنائع، ج5، ص169- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج3، ص65.(33/26)
13- بدائع الصنائع، ج5، ص164- 168- تبيين الحقائق للزيلعي، ج4، ص504.
14- المادة 203.
15- د. عبد الناصر العطار، مصادر الالتزام الإ دارية في قانون المعاملات المدنية الإماراتي1996، ص131.
16- د. حسين غنايم، المرجع السابق، ص138.
17- د. حسين غنايم، المرجع السابق، ص139- د. محمد سراج، المرجع السابق،
ص173.
18- د. علي البارودي، العقود وعمليات البنوك التجارية، منشأة المعارف، ص245- 246.
19- انظر كتابه: المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، دار النفائس، الأردن، ص317.
20- المرجع السابق، ص317.
21- د. محمد سراج، المرجع السابق، ص241.
22- بدائع الصنائع، ج6، ص100.
23- د. محمد سراج، المرجع السابق، ص259.
24- الموسوعة العلمية والعملية لاتحاد البنوك الإسلامية، ص27.
25- تبيين الحقائق، ج4، ص73.
26- البدائع، ج5، ص220.
27- د. جاسم الشامسي، المرجع السابق، ص242 وما بعدها.
28- د. محمد سراج، المرجع السابق، ص330- 331.
29- ندوة الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية للدكتور سامي محمود،
ص479 ط1979، نقلاً عند. محمد سراج، المرجع السابق، ص332.
30- ذكرها د. محمد سراج، المرجع السابق، ص338.
31- الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية، ج15، ص16.
32- المرجع السابق، ج1، ص17.
33- محضر اجتماع الهيئة المنعقد بتاريخ 29/3/1988م.
34- تفصيله الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي، بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تراه المصارف الإسلامية، مكتبة وهبة 1987، ص10 وما بعدها.
??
??
22 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي /جامعة أم القرى
ضوابط المصارف الإسلامية والمعاملات فيها 23(33/27)
عقد المرابحة
ضوابطه الشريعة- صياغته المصرفية
وانحرافاته التطبيقية
د الواثق عطا المنان محمد أحمد
أستاذ القانون التجاري المساعد- كلية الشريعة والقانون
جامعة أم درمان الإسلامية
المنتدب بالمعهد العالي للدراسات المصرفية والمالية
)طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
المرابحة صورة من صور البيع تباع فيها السلعة برأس مالها وزيادة ربح معلوم، وقد اتفق المسلمون على جوازها في الجملة استناداً إلي عموم الأدلة التى تتيح البيع بصفة عامة. وذكروا لها من الضوابط ما يكفل لها أن تبقي في إطار الصدق والأمانة الذي يجب أن يتسم به هذا البيع، شأنه شأن التولية والمواضفة وكذلك سميت هذه البيوع بيوع الأمانة.
وذلك لأن للبيع تقسيمات عديدة منه بيع الصرف وبيع المقايضة وبيع السلم، والبيع المطلق وهو نوعين بيع المساومة، وبيع الأمانة. الذي ينقسم إلي ثلاثة أقسام: بيع المرابحة، وبيع التولية، وبيع الوضيعة.
وقد اتجه العلماء في هذا العصر إلى محاولة الإفادة من هذا البيع في ترتيب الأعمال المصرفية، بحيث تحل هذه الصورة المشروعة محل كثير من النظم الربوية المحرمة، وليكون في البدائل الإسلامية ما يغنى عن هذه النظم الخبيثة، التى زحفت على الأمة في عينية وعيها وضعف قيادتها، وسكرة ابنائها، وانحلال أمرها كله.
ومن هنا مست الحاجة إلى تفصيل أحكام هذا البيع وضوابطه الشرعية وصياغته المصرفية.
وقد قسمت الدراسة إلي المباحث التالية:
المبحث الأول : تعريف المرابحة وصورها ومشروعيتها.
المبحث الثاني : شروط المرابحة.
المبحث الثالث : حكم الخيانة والغلط في المرابحة.
المبحث الرابع: الضمانات الفقهية في بيع المرابحة.
المبحث الخامس : الصياغة المصرفية لعقد المرابحة.
المبحث السادس الانحرافات التطبيقية للمرابحة المصرفية.
* نماذج لعقد المرابحة المصرفية
* الهوامش والمراجع
Abstract(34/1)
Murabaha is an aspect of sale in which a commodity is sold at its cost price with specification of gain. Thus, it has been approved by the consensus of muslims on its valditiy and legitimacy by virtue of legitimizing, in general, the sale acts. Murabaha, however, has been approved under the following conditions and regulations:
1- Its capital must be identified from a lawful sources.
2- The capital must be of the same kind of the commodity.
3- The first contract must be endorsed without any form of usury.
4- A statement (declaration) showing defect.
5- The first contract must be right.
6- Deferred statement.
The study has tackled the verdict of irregularities and mistakes in the practice of Murabaha which affects the validity of its contract. Most importantly, the research has also considered the guarantees in the contract of Murabaha which represents the key factor of trust in the banking transactions of which risk is anticipated. Moreover, there is a consideration to the banking discourse of the contract of Murabaha in order to get use of it in the banking and foreign trade transactions via the bonds' allocations.
The study has also tauched the deviations and malpractice in the implemintation of the banking Murabaha, because the actual practice of Murabaha has witnessed many irregularities in the arrangement of this contract.
To sum up, the study has divided the topic into the following chapters:
Chapter One : The definition of Murabaha its forms and legitimacy.
Chapter Two : The conditions and regulations of Murabaha.(34/2)
Chapter Three: The verdict of irregularity and fault in Murabaha.
Chapter Four : High guarantees in the contract of Murabaha.
Chapter Five : The banking discourse of the ocntract of Murabaha.
Chapter Six : The deviations in the implementation of the banking Murabha.
- Patterns for the contract of the banking Murabaha.
- Appendices and Bibliography.
المبحث الأول
تعريف المرابحة وصورها ومشروعيتها
المرابحة لغة :
المرابحة في اللغة مصدر من الربح وهو الزيادة(1)، وأيضاً المرابحة في اللغة مفاعلة من الربح : وهو النما(2) في التجر يقال : نقد السلعة مرابحة على كل عشرة دراهم، وكذلك اشتريته مرابحة، ولابد من تسمية الربح، والمفاعلة هنا(3) ليست على بابها لأن الذي يربح إنما هو البائع فهذا من المفاعلة. أو أن مرابحة بمعنى إرباح لأن أحد المتابعين أربح الآخر.
المرابحة اصطلاحاً:
أما المرابحة في اصطلاح الفقهاء : فهي بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح معلوم.
فهذا هو المعنى التى اتفقت عليه عبارات الفقهاء وإن اختلفت ألفاظهم في التعبير عنه.
ففي الهداية(4) نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن مع زيادة ربح. وفي بدائع الصنائع(5) بيع يمثل الثمن الأول مع زيادة ربح وفي المغنى معنى المرابحة(6) هو البيع برأس المال وربح معلوم وفي روضة الطالبين جاء معنى المرابحة "أنه عقد يبين الثمن فيه على ثمن البيع الأول مع زيادة"(7).
وعرفها ابن عرفة "بيع مرتب على ثمن مبيع تقدمه غير لازم مساواته له"(8).
حكم المرابحة:
كما نعلم أن الأصل في العقود الإباحة، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، إذ يري أن الأصل في العقود الإباحة والجواز، فحرية التعاقد مكفولة للجميع ما لم تشتمل على محظور شرعي، والوفاء بالعقود واجب لقوله تعالي : (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود((9).(34/3)
والنص القرآني أوجب الوفاء بالعقود من غير تعيين، وتصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان:
عبادات وعادات يحتاجون إليها في دنياهم، والأصل في العادات عدم الحظر إلا ما حظره الله ورسوله(10).
وإذا كان ذلك فالناس يتبايعون ويتاجرون كيف شاءوا ما لم تحرمه الشريعة الإسلامية وما لم تحد له في ذلك حداً ومن القواعد الفقهية "الثابت بالعرف كالثابت بالنص".
وهذه القاعدة كافية لفتح باب التعاقد وإطلاق حركة الإبداع العقلي في تقديم صيغ عقود جديدة تواجه متطلبات الممارسات العملية، وهنا تقوم القواعد العرفية والعادات الموحدة دوراً هاماً في تحديد الالتزامات التعاقدية قطعاً للنزاعات بين المتعاقدين يقول تعالي: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين([CMC1]((11).
والمرابحة صورة من صور البيع، والبيع جائز في الجملة وكذلك المرابحة، وقد نقل عن ابن حزم القول بحرمتها وبطلان العقد بها.
وقد استدل الجمهور على جوازها بما يلي:
عموم الأدلة التي تقتضي بإباحة البيع مثل قوله تعالي : (وأحل الله البيع وحرم الربا)(12) وقوله صلى الله عليه وسلم "أفضل الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور"(13).
الإجماع: حيث أجمع وتعامل الناس بها في جميع الأعصار والأمصار بغير نكير، مثل ذلك حجة.
المعقول : فالحاجة ماسة إلي هذا النوع من البيع، لأن الغبي الذي لا يهتدي في التجارة يحتاج إلي أن يعتمد على فعل الزكي المهتدي، وتطيب نفسه بمثل ما اشتري وبزيادة ربح فوجب القول بجوازها.
فالقول في المرابحة هو القول في البيع لأنها لا تعدو أن تكون صورة من صوره، فضلاً عن استجماعها لشرائط الجواز، وجريانها على قواعد صحة البيع مع العلم بالثمن وغير ذلك.
وقد جاء في مغني المحتاج(14) وصح بيع المرابحة من غير كراهة لعموم قوله تعالي : (وأحل الله البيع( (البقرة : 275).(34/4)
وفي بدائع الصنائع(15) والأصل في هذه العقود عموماً البيع من غير فصل بين بيع وبيع، وقال المولي عز وجل (وابتغوا من فضل الله( وقال عز وجل (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم(، والمرابحة ابتغاء للفضل مع البيع نصاً.
وفي المدونة(16) قلت لابن القاسم للعشرة أحد عشر وللعشرين اثنان وعشرون، وما سمي من هذا وللعشرة خمسة عشر وللدرهم درهم، وأكثر من ذلك أو أقل جائز في قول مالك؟
قال : نعم
أما الحنابلة فقد فرقوا في حكم المرابحة بين صورتين:
الأولي : إذا كان الربح شيئاً معلوماً مفرداً عن رأس المال كمال لو قال له: رأس مالي فيه مائة بعتكة بها وربح عشرة فهذه الصورة جائزة عندهم بلا خلاف.
الثانية : إذا كان الربح جزء من رأس المال - كما لو قال له : على أن أربح في كل عشرة درهماً، أو قال ده بازدة - فقد ذهب كثير منهم إلى كراهة هذه الصورة، ووجه الكراهة عندهم ما روى عن ابن عمر وابن عباس وبعض السلف من القول بكراهة ذلك(17). لأن فيه نوعاً من الجهالة. وهذه الكراهة لا أثر لها في عقد البيع وصحته.
جاء في المغني(18). "والمرابحة أن يبيعه بربح فيقول : (ورأس مالي فيه مائة بعتكة بها وربح عشرة) فهذا جائز بلا خلاف في صحته.
ولم نعلم أحد كرهه، وإن قال على أن أربح في كل عشرة درهماً أو قال ده بارزة أو ده داوازدة. (19) فقد كرهه أحمد والكراهة بسبب أن فيها نوعاً من الجهالة، وهذه كراهة تنزيهية والبيع صحيح كما أوضحنا في هذا البحث.
المرابحة والبيع بالتقسيط:(34/5)
تعتبر طريقة دفع الثمن في عقد البيع من حقوق العقد التى يجري تنفيذها حسبما يتم اتفاق الطرفين عليه ولا علاقة لطريقة دفع الثمن وتنفيذ أدائه بجوهر العملية التعاقدية في بيع المرابحة التى تقوم على أركان وشروط محددة، ومن ثم فطريقة دفع الثمن في المرابحة ليست ركناً ولا شرطاً لصحة البيع ولم يعتبرها أحد من الأئمة كذلك، إذ لا يعتبر دفع الثمن شرطاً في انتقال ملكية المبيع التى تتم بمجرد العقد.
الزيادة في الثمن مقابل الأجل:
من المسلم به أننا بصدد عقد بيع سلعة تتوافر أركانه ومنها المبيع والمحل، وأن هذا المبيع يتم مبادلته لقاء ثمن نقدي، فليست المسألة مبادلة ثمن نقدي بثمن نقدي من جنسه وإنما بيع ثمن بثمن من غير جنسه (أي أن البديلين مختلفان) وهذا الثمن قد يدفع نقداً أو حالاً، وقد يدفع مؤجلاً أو مقسطاً حسبما يتم الاتفاق عليه بين أطراف العقد وتقتضيه مصلحتهما وهنا قد يعرض بائع السلعة بثمنين لنفس السلعة بالأقل في حالة النقد أو المعجل وبالزيادة في حالة الدفع الآجل أو القسط، والمشتري لنفس السلعة بالخيار بين هذين الثمنين(20). حسبما تمليه مصلحته وظروفه - (أي أن عملية البيع واحدة) فهي واحدة بين نفس الأطراف ونفس المحل والمشتري بالخيار عند التعاقد.
وإذا كان ذلك كذلك فلا بأس أن يكون إيجاب البائع على نحو ما ذكر، وأن يكون الخيار للمشتري في قبوله، ومن ثم يعتبر ملتزماً بما ألزم نفسه به، ومن هنا فلا بأس أن يكون الثمن المؤجل أزيد من الثمن المعجل فللأجل قسط من الثمن(21). بشرط هام، وهو ألا تتكرر الزيادة بتكرار الأجل وإلا وقع المحظور الربوي.
صور المرابحة:
لبيع المرابحة عبارات(22) أكثرها دوراناً على الألسنة ثلاث:
الأولي : أن يقول : بعت بما اشتريت أو بما بذلت من الثمن وربح كذا.
الثانية : أن يقول : بعت بما قام علي، وربح كذا،
الثالثة : أن يقول : بعتك برأس المال وربح كذا.(34/6)
وقد اختلف الفقه في حكم هذه العبارة الثالثة هل تلحق بالأولي أم الثانية؟
والذي يتبين أن الأمر مرده إلى العرف، فإن كان العرف التجاري يقضى أن تعبير رأس المال لا يقصد به إلا الدلالة على ثمن الشراء مجرداً من أي نفقات أو مصروفات ألحقت بالصورة الأولي، أما إذا كان يقضى بأنه ثمن الشراء بالإضافة إلي سائر النفقات والمصروفات التي يقصد بها الاسترباح ألحقت حينئذ بالصورة الثانية.
المبحث الثاني
شروط المرابحة
تمهيد:
لا يكفي في عقد المرابحة أن يتم الاتفاق بين طرفيه (العميل والبنك) وإنما يجب فوق ذلك توافر شروط معينة ليكون عقد المرابحة منتجاً لإثارة، ومسوغ هذا الوجوب أن العقود في الفقه الإسلامي لا تخضع لإرادة الطرفين وحدها وإنما لابد من هيمنة الرقابة الشرعية لأن بعض التصرفات محظورة لكونها من قبيل الاتفاق على مخالفة مقتضي النصوص القرآنية أو الأحاديث النبوية، أو لأنها تخالف قواعد النظام العام والآداب (كالسياسة الاستثمارية والتمويلية والإئتمانية التي يصدرها البنك المركزي) وهي غالباً ما تهدف إلي تحقيق المصالح ودرء المفاسد.
والمرابحة كالبيوع تحل بما تحل به البيوع، فحيث كان البيع حلال فهي حلال، وحيث كان البيع حراماً فهي حرام.
ولهذا فإنه يشترط لها ما يشترط في البيع بصفة عامة من كون المبيع مالاً - وهو ما فيه منفعة مباحة شرعاً - ومن كونه مملوكاً للبائع أو مأذوناً له في بيعه، ومن كونه معلوماً برؤية أو صفة تحصل بها معرفته، ومن كونه مقدوراً على تسليمه، ومن كون الثمن معلوماً، هذا بالإضافة إلي الرضا وأهليه التعاقد. ولسنا بصدد هذه الدراسة المفصلة لهذه الشروط العامة، وإنما المقصود أن نتناول بشيء من التفصيل الشروط الخاصة بالمرابحة فهي الغرض الأصلي من الدراسة في هذا المبحث.
الشروط الخاصة بالمرابحة:
يمكن أن نتناول شروط صحة المرابحة في البنود التالية:(34/7)
الأول : أن يكون رأس المال أو ما قامت به السلعة معلوماً للمتعاقدين ذلك أن المرابحة بيع بالثمن الأول أو بما قامت به السلعة مع زيادة ربح مسمي، وقد نص على معنى هذا الشرط عامة الفقهاء(23).
ويتحقق شرط معلومية رأس المال السلعة بالآتي:
1- معرفة رأس المال : وهو ثمن السلعة على البائع الأول بناء على العقد الأول بين البنك ومالك السلعة وما تلا ذلك من مصروفات.
2- ثم معرفة الثمن في البيع الجديد (بين البنك والآمر بالشراء).
3- أما بالنسبة لأرباح البنك تأخذ على إجمالي التمويل وهو القيمة الكلية للسلعة بغض النظر عما دفعه العميل من قسط، ويبرر أصحاب هذا الرأي(24) أن البنك يتعامل في سلع أي أنه يقوم بالتمويل الكامل للسلعة حتى تسليمها للعميل ويعتبرون أن الدفع المقدم هو قسط أول فضلاً عن كونه الأحوط لتجنب كل شبه تؤدي إلي المحظور(25) وهذا الرأي يبدو راجحاً وأولي بالقبول في نظرنا.
الثاني : أن يكون رأس المال من ذوات الأمثال(26)، فإذا كان مما لا مثل له من العروض، فقد ذهب الأحناف إلي عدم جواز بيعه مرابحة ممن ليس ذلك العرض في ملكه، لأن المرابحة بيع بمثل الثمن الأول. فإما أن يقع البيع على عين ذلك العرض وإما أن يقع على قيمته، وعينه ليس في ملكه، وقيمته مجهولة تعرف بالحرز والظن لاختلاف أهل التقويم فيها، أما المالكية(27) فقد فرقوا بين العرض المعين والعرض المضمون؛ فاتفقوا في حالة العرض المعين على جواز المرابحة إذا كان ذلك العرض عند المشتري، وعلى المنع منها إذا لم يكن عنده، وفي هذا يلتقي رأيهم مع رأي الأحناف السابق، أما إذا كان رأس المال عرضاً مضموناً - كما لو اشتري ثوباً بحيوان مضمون- فقد اختلفوا في جواز المرابحة حينئذ، فأجازها ابن القاسم ومنها أشهب على عبد موصوف ليس عند المشتري لما فيه من السلم الحال.(34/8)
ولكن ظاهر كلام ابن القاسم في المدونة أن يجيز المرابحة إذا كان راس المال عرضاً أو طعاماً ويكون على المشتري مثل ذلك بصفته بالإضافة إلي ما سميا من الربح.
جاء في المدونة(28) (قلت : أرأيت من اشتري سلعة بعرض من العروض أيبيع تلك السلعة مرابحة في قول (مالك؟)).
قال : قال : مالك : لا يبيعها مرابحة إلا أن يبين.
قلت : فإن بين أيجوز؟
قال نعم : ويكون على المشتري مثل تلك السلعة في صفتها، ويكون عليه ما سميا من الربح.
أما الشافعية فقد أجازوا المرابحة حتى ولو لم يكن راس المال مثليا. ولكن عليه أن يبين إن اشتراه بعرض قيمته كذا(29) ولا يقتصر على ذكر القيمة، وأوجبوا أن يقول في عبد هو أجره أو عوض خلع أو نكاح أو صالح به عن دم قام علىَّ بكذا أو يذكر أجرة المثل في الإجارة، ومهرة في الخلع والنكاح والدية في الصلح، ولا يقول اشتريت ولا رأس المال كذا لأنه كذب.
والذي يفهم من كلام الحنابلة أنهم يجيزون المرابحة إذا كان رأس المال عرضاً متقوماً، فقد نصوا على(30) أن من اشتري شيئين صفة واحدة وأراد أن يبيع أحدهما لم يجز حتى يبين الحال على وجهه.
وعللوا ذلك بأن قسمة الثمن على المبيع طريقة الظن، واحتمال الخطأ فيه كبير، وبيع المرابحة أمانة فلم يجز فيه هذا، وصار هكذا كالحرص بالظن لا يجوز أن يباع به ما يجب التماثل فيه.
والذي يتبين هو رجحان ما ذهب إليه الأحناف والحنابلة وذلك لأن مبنى المرابحة على الأمانة واجتناب الريبة، فإذا تركنا للبائع أمر تقويم العرض لتحديد الثمن الأول فهذا يفتح باباً إلى التفريط والخيانة أو الخطأ على أحسن الأحوال، وذلك يتنافي مع الفكرة الأساسية في هذه البيوع وهي الصدق والأمانة.(34/9)
الثالث : أن يكون العقد الأول خالياً من الربا. وهو شرط بديهي وينبغي أن يراعي في كل العقود ولكن خص في بيع المرابحة لأنه من بيوع الأمانة وينبنى على العقد الأول الذي سبقه وعلى وجه الخصوص على الثمن في البيع الذي سبق المرابحة مباشرة.
وقد يكون الثمن الأول مقابلاً بجنسه من الأموال الربوية - كما في حال صرف النقود وبيع المثليات الأخرى من المكيلات والموزونات- فإنه يشترط في هذه الحالة أن يكون مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد، ولكن بيع المرابحة كما عرفنا هو بيع مرتب على الثمن الأول مع زيادة والزيادة مع اتحاد الجنس ربا ليس ربحاً ولذلك لا تجوز.
أما إذا اختلفت الأجناس فقد قال صلى الله عليه وسلم : "فبيعوا كيف شئتم إذا كان يد بيد" فتجوز المفاضلة حينئذ ويحرم النساء (التأجيل) ومثال ذلك:
لو اشتري ديناراً ذهباً بعشرة دراهم فضة فباعه بربح درهم ولكن لا تجوز المرابحة لو اشتري ديناراً بدينارين ذهب، فباعه بثلاثة دنانير ذهب، فالبيع غير جائز بنص الحديث حتى ولو اختلف معيار الجودة (عيار 18 وعيار 24) لأن العبرة باتحاد الجنس لا باختلاف الجودة.
وعموماً فإن اشتري المكيل أو الموزون بجنسه مثلاً بمثل لم يجز له أن يبيعه مرابحة، لأن المرابحة كما أسلفنا بيع بالثمن الأول وزيادة، والزيادة في أموال الربا تكون ربا لا زيادة.
وأما عند اختلاف الجنس فلا بأس بالمرابحة.
وقد نص الكاساني(31) في البدائع هذا الشرط، ولا شك أن هذا الشرط معتبر عند جميع الفقهاء لأن القول به ينبثق من القول بحرمة الربا، وهو متفق عليه عند الجميع.
الرابع : بيان العيب. إذا حدث بالسلعة عيب في يد البائع وأراد أن يبيعها مرابحة فإنه ينظر:
فإن كان العيب قد حدث بفعله أو بفعل أجنبي لم يكن له أن يبيعها مرابحة حتى يبين بالإجماع(32).
جاء في المدونة(33) قلت أرأيت إن إشتريت جارية فذهب ضرسها فأردت أن أبيعها مرابحة؟
قال : لا حتى تبين.(34/10)
قلت : وكذلك إذا أصابها عيب بعد ما اشتري لم يبع حتى يبين؟
قال : نعم قال : وقال مالك "ولا يبيعها على غير مرابحة حتى يبين ما أصابها عنده".
إما إذا حدث العيب بآفة سماوية فقد ذهب الأحناف(34) إلى جواز المرابحة حينئذ بغير بيان.
ونجد أن جمهور الفقهاء(35) ذهب إلي ضرورة البيان وعدم جواز المرابحة إلا بذلك، وذلك لأن البيع من غير بيان لا يخلو من شبهة الخيانة، لأن المشتري لو علم أن العيب قد حدث في يد البائع ربما لا يربحه فيه، بل ربما كان لا يشتريه بالمرة، ولأنه لو باعه بعد حدوث البيع في يده فكأنه احتبس عنده جزءاً منه فلا يملك بيع الباقي بغير بيان كما لو احتبس بفعله أو بفعل أجنبي.
لذلك يشترط في بيع المرابحة بيان العيب الذي حدث بالمبيع بعد شرائه كذلك كل ما هو في معنى العيب، وهذا الشرط أوجب وألزم في بيع المرابحة لأن المشتري قد ائتمن البائع في إخباره عن الثمن الأول من غير بينة فيجب صيانة هذه الثقة عن الخيانة، ولأن السكوت عن العيب الحادث سواء بآفة سماوية أو بفعل البائع لا يخلو من :
1- من شبهة الخيانة.
2- ولأن البائع بكتمانه العيب كأنما احتبس جزءاً من المبيع مما يقابله الثمن ولا يجوز له ذلك من غير بيان العيب.
3- ولأن المشتري لو علم بحدوث العيب عنده لما أعطاه كل الثمن الأول وربما زائداً عليه.
والذي يتبين لنا رجحان ما ذهب إليه الجُمهور، وهو ما ذهب عليه العمل في المصارف الإسلامية بالسودان وبعض الدول الإسلامية، من ضرورة البيان وعدم جواز المرابحة إلا بتلك تحزراً من الخيانة وشبهتها ما أمكن. ولأنه لابد من البيان لأنه ما قد يغتفر من العيوب عند شخص قد لا يغتفر عند آخر، وما يكون ثانوياً عند هذا قد يكون أساسياً عند ذلك. ومن هنا وجب الإخبار بالحال لأنه أبلغ في الصدق وأقرب إلي الأمانة.(34/11)
الخامس: أن يكون العقد الأول صحيحاً. لأن العقد الأول إذا كان باطلاً لا يفيد ملكاً وبالتالي لا يتم بيع المرابحة على سلعة لم تتحقق ملكية البائع الأول لها - والعقد الباطل هو ما كان مختلاً - والخلل فيه راجعاً إلي ركنه كما لو كان المحل غير قابل لحكم العقد، كما في بيع ما ليس بمال أو بيع غير المقدور على تسليمه كالمثال المشهور عند الفقهاء: بيع الطير في الهواء والسمك في الماء.
جاء في بدائع الصنائع(36) (فإن كان فاسداً لم يجز بيع المرابحة وذلك لأن البيوع(37) الفاسدة إذا وقعت ولم تفت بإحداث عقد فيها أو نماء أو نقصان أو حوالة سوق فقد اتفق الفقهاء على أن حكمها الرد، أي يرد البائع الثمن والمثمن.
السادس : بيان الأجل. ويشترط في بيع المرابحة كذلك أن يبيع البائع الذي اشتري السلعة بثمن مؤجل أن الثمن الأول الذي سماه يتصف بهذه الصفة، وذلك لأن الثمن المؤجل يكون غالباً أعلي من الثمن الحالي وبهذا يكون المشتري على بينة من أمره. فيحتاط لنفسه بما يكون فيه الكفاية بعد أن توفرت له المعلومات من تحديد دقيق لمواصفات السلعة وزناً أو عداً أو وكيلاً تحديداً نافياً للجهالة يتمشى منع الأمانة المفروضة في هذا البيع.
ومما يجب بيانه أن من اشتري نسيئة لم يبعه مرابحة حتى يبين، لأن الثمن قد يزاد لمكان الأجل، فكان له شبهة أن يقابله شيء من الثمن فيصير كأنه اشتري شيئين ثم باع أحدهما مرابحة على ثمن الكل، لأن الشبهة ملحقة بالحقيقة في هذا الباب فيجب التحرز عنها بالبيان وهذا الشرط محل اتفاق بين العلماء(38) إلا أن الزركشي(39) قد قيد الوجوب يكون الأجل خارجاً عن العادة.(34/12)
والذي يترجح لنا هو ما ذهب إليه الجمهور من القول بصحة البيع وعدم فساده، استقراراً للمعاملات وتصحيحاً للعقود ما أمكن. فالبيع صحيحاً لكن لابد للبائع الذي اشتري السلعة بثمن مؤجل أن الثمن الذي سماه يتصف بهذه الصفة، وذلك لأن الثمن المؤجل يكون غالباً أعلي من الثمن الحالي، وبهذا يكون المشتري على بينة من أمره.
المبحث الثالث
حكم الخيانة والغلط في المرابحة
سوف يتناول هذا المبحث مطلبين:
المطلب الأول : أحكام الغلط.
المطلب الثاني : أحكام الخيانة.
المطلب الأول - أحكام الغلط :
الغلط المقصود في هذه الحالة هو الغلط الذي يعيب الإرادة، فالإرادة المعيبة هي إرادة موجودة فعلاً ولكنها لم تصدر عن بينة واختيار، وهي تختلف عن الإرادة غير الموجودة، فالأخيرة لا يترتب عليها أي أثر، ويتحقق ذلك إذا كان من باشر التصرف عديم الأهلية (كالصبي غير المميز والمجنون)، فما يصدر لا يعتبر إرادة لأنه لا يميز ما يقول.
وعيوب الإرادة التى نظمها الفقه الإسلامي والقانون السوداني هي أربعة الغلط والتدليس والإكراه والاستغلال (الغرر).
وفيما نحن نتحدث بصدده فإن الغلط هو وهم يقوم في ذهن الشخص ويصور له الأمر على غير الحقيقة، ويشترط في هذا الغلط أن يكون جوهرياً، وأن يتصل المتعاقد الآخر بهذا الغلط. والغلط أنواع كثيرة فقد يكون غلطاً في صفة جوهرية في الشيء، أو في ذات المتعاقد أو صفة من صفات المتعاقد. وقد يكون غلطاً في القيمة أو في الباعث أو في القانون.
فإذا غلط البائع في بيع المرابحة بأن أنقص مما اشتراه كما لو قال رأس مالي فيه مائة، ثم رجع يقول : غلطت رأس مالي فيه مائة وعشرين، ففي هذا وقع خلاف بين الفقهاء:(34/13)
ذهب الحنابلة(40) إلى أنه لا يقبل قوله في الغلط إلا ببينة تشهد أن رأس ماله عليه ما قاله ثانيا. وروى عن أحمد القول بأنه إذا كان البائع صدوقاً قبل قوله، وإن لم يكن صدوقاً جاز البيع، كما روى عنه أيضاً القول بعدم قبول البائع وإن قام به بينه حتى يصدقه المشتري، لأنه أقر بالثمن وتعلق به حق الغير فلا يقبل رجوعه ولا بينته لإقراره بكذبها.
فإن لم تكن له بينة، فادعي أن المشتري يعلم غلطه فأنكر المشتري فالقول قوله، وإن طلب يمينه لزمت المشتري اليمين.
ونجد أن الشافعية فرقوا بين ما إذا صدق البائع المشتري في دعواهح حيث اختلفوا في صحة البيع في هذه الحالة، والأصح عندهم صحته، وبينما إذا كذبه المشتري حيث يردون قوله وبينته إذا لم يبين لغلطته وجهاً محتملاً، أما إذا بين لغلطه وجهاً محتملاً فإنهم يسمعون بينته على خلاف عندهم في ذلك ويقررون حقه في تحليف المشتري دون نزاع.
أما المالكية(41) فقد قرروا أنه إذا صدقه المشتري، أو أتي هو بما يثبت قوله فإن المشتري يخير في حال قيام المبيع بين رده إلي بائعه أو دفع الصحيح مع ربحه، وفي حال فواته بين دفع الصحيح مع ربحه أو قيمته يوم بيعه ما لم تنقص عن الغلط وربحه.
والذي نرجحه أنه لا تقبل دعوى الغلط إلا ببينة لأن الأصل هو استقرار العقد ولزومه على وضعه الأول، فلا يعدل عن هذا الأصل إلا ببينة، ولو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء أقوام وأموالهم ولكن البينة على من ادعي.(34/14)
وإذا أقيمت البينة فلا وجه للقول بعدم سماعها أو بعدم قبولها، فهي بينة عادلة شهدت بما يحتمل الصدق فتقبل كسائر البنيات، وأمر الغلط هذا وارد على بنى آدم لأنه- وكما ذكرنا- وهم يقوم في ذهن الشخص فيصور له الأمر على غير الحقيقة، هذا ولا يرتبط سماع البينة أو قبولها بما اشترطه الشافعية من أن يكون للغلط وجه محتمل، بل يكفي أن يقول: لقد سبق لساني إلي هذا لأقول من غير قصد له. فإذا أقام البينة على ذلك قبل قوله، وإني لأعجب ممن يوجبون التمسك بخطأ شهدت البينة العادلة بضده.
هذا وإذا أقيمت البينة العادلة خير المشتري بين قبول المبيع بثمنه الجديد وفسخ العقد وفي هذا تحقيق للعدل الكامل بين طرفي العقد، فلم نلزم المشتري بالثمن الجديد لأنه ربما كان عليه ضرر في التزامه، فقد دخل في البيع وارتضاه من قبل على أساس الثمن الأول، وقد لا يناسبه الثمن الجديد. فإذا اختار دفع الزيادة فله ذلك وإن اختار الفسخ فذلك حقه.
هذا وقد اختلف الفقهاء فيمن اشتري السلعة ممن لا تقبل شهادتهم له : كابنه وأبيه وأمه، ثم أراد أن يبيعها مرابحة، هل يجب عليه بيان ذلك أم لا؟، لأن ذلك من باب الغلط أيضاً في صفة من صفات المتعاقد.
فذهب الحنفية(42) والحنابلة(43) إلي وجود البيان لأنه تهمة المسامحة في شرائه من هؤلاء، فكانت التهمة وهي الشراء بزيادة الثمن قائمة فلابد من البيان.
وقال الشافعي(44)، يجوز وإن لم يبين؛ لأنه اشتراه بعقد صحيح وأخبره بثمنه فأشبه ما لو اشتراه من أجنبي، وقد أوجب بعض الشافعية وجوب البيان مع الشراء من ابنه الطفل دفعاً للتهمة.
وفرق الإمام مالك بين ما كان فيه محاباة (فلم يجز بيعه مرابحة إلا ببيان) وما كان بيعاً صحيحاً، فقد جعله بمنزلة الشراء من أجنبي فلم يوجب البيان(45).(34/15)
والذي يتبين بعد هذا هو رجحان ما ذهب إليه أبوحنيفة والحنابلة من القول بوجوب البيان في حالة الشراء من هؤلاء لتهمة المحاباة القائمة ولصون هذه البيوع من كل أسباب الريبة، أما إذا لم يبين العيب والأجل ففي هذه الحالة فالبيع صحيح ولكن يثبت للمشتري الخيار، وهذا ما جري عليه العمل المصرفي في السودان(46).
المطلب الثاني- أحكام الخيانة في المرابحة:
إذا ظهرت الخيانة في المرابحة فلا يخلو الحال من أحد أمرين:
إما أن تكون قد ظهرت في صفة الثمن، (كما لو اشتري شيئاً نسيئة ثم باعه مرابحة بغير بيان، وما شابه ذلك)، فقد ثبت للمشتري الخيار بين الإمساك والرد إجماعاً(47) لأن المرابحة عقد بنى على الأمانة فكانت صيانته عن الخيانة مشروطة دلالة ففواتها يؤكد الخيانة كفوات السلامة عن العيب.
أما إذا ظهر في قدر الثمن (كما لو قال إنه بمائة ثم بان أنه بتسعين) فهنا وقع خلاف بين الفقهاء في مسألتين:
1- ثبوت الخيار.
2- إنصاف المشتري.
ثبوت الخيار:
ذهب أبوحنيفة(48)، والشافعية(49) إلي القول بثبوت الخيار للمشتري بين الإمساك والرد في حالة الخيانة، وهو ما ذهب إليه الحنابلة(50) ووجه ما ذهب إليه هؤلاء أن المشتري لا يأمن الخيانة.
هذا وقد ذهب المالكية إلي عدم الخيار إذا حط البائع عن المشتري ما كذب به عليه وربحه فإن لم يفعل كان المشتري بالخيار بين الإمساك والرد(51).
والذي نرجحه هو لزوم البيع بالنسبة له إذا ما رفع عنه العذر والخيانة وحط عن قدرها وربحه، وذلك استقرار للمعاملات وإمضاء للعقود. إما إذا لم تظهر له الخيانة ففي هذه الحالة البيع صحيح، ولكن يثبت للمشتري الخيار. وهذا ما جري عليه العمل المصرفي في السودان(52).
إنصاف المشتري:(34/16)
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية(53) والشافعية(54) والحنابلة(55) وأبو يوسف(56) من الأحناف إلي أنه يجب على البائع أن يحط عن المشتري قدر الخيانة وربحها حتى يعود الأمر إلي الإنفاق الأول، تنفيذاً منه لما رضيه والتزم به من البداية.
وذهب أبو حنيفة(57) إلي أن للمشتري الخيار إن شاء أخذ المبيع بجميع الثمن وإن شاء ترك ولا يلزم البائع أن يحط الثمن عن المشتري لأنهما باشرا عقداً باختيارهما.
والذي نراه- ومن باب المنطق والعدل - أن على البائع أن يحط من الثمن قدر الخيانة وربحها، ويجب أن يجبر البائع على ذلك تنفيذاً للعقد.
تسلسل التعامل بالمرابحة:
إذا عاد المبيع إلي صاحبه بشراد فهل له أن يعيد بيعه مرابحة بغير بيان؟ في هذه لابد أن نفرق بين حالتين:
الأولي : أن يشتريه في المرة الثانية بأكثر مما باعه به، ولم يكن في الأمر احتيال، فيجوز بيعه بغير بيان.
وقد نص على ذلك ابن قدامة(58) وغيره، إلا إذا كان شراؤه الثاني من غلام دكانه الحر ونحوه ممن يتهم في حقه، فقد ذهب بعض الحنابلة(59) إلي وجوب البيان لوجوب التهمة.
الثانية: أن يشتريه في المرة الثانية بأقل مما باع به، كما لو اشتراه بعشرة ثم باعه بخمسة عشر، ثم اشتراه بعشرة. ففي هذه الصورة اختلف الفقهاء:
أبو حنيفة قال لا يجوز بيعه مرابحة إلا أن يبين أمره أو أن يخبر أن راس ماله عليه خمسة، لأن المرابحة تضمن فيها العقود فيخبر بما تقوم عليه(60).
أما الجمهور من الحنابلة والشافعية ومحمد وأبو يوسف من الحنفية(61)، فقد أجازوا البيع بغير بيان؛ لأن البائع صادق بما أخبره به، وليس فيه تهمة، لأن العقود المتقدمة لا عبر بها؛ لأنها ذهبت وتلاشت بنفسها وحكمها.
ونري في هذه الحالة أن يخبر بالحال على وجهه لأن فيه خروجاً من الخلاف وهو أبعد من التغرير بالمشتري وخيانته، وكذلك أنفي للريبة وأقرب للتقوى، ولأنه -كما بينا- أن عقد المرابحة يقوم على الأمانة.
المبحث الرابع
الضمانانات الشرعية(34/17)
تمثل الضمانات أهم عوامل الأمانة من الخوف في الممارسات والمعاملات المصرفية التي يكتنفها الخطر، وتقوم على جانب من المخاطرة، ومن هنا كانت المعالجة الإسلامية للخطر والمخاطر في المعاملات وبصفة خاصة المصرفية.
ولما كانت عمليات المرابحة تشكل جانباً واسعاً من نشاطات واستثمارات المصارف الإسلامية في العالم الإسلامي والسودان خاصة، فإنه يكون حرياً بنا أن نؤمن عمليات المرابحة من خلال ما أسميناه بالضمانات الشرعية، وذلك على النحو التالي:
أولاً: الرشد في انتقاء عميل البنك:
لاشك أن ذلك يشكل أقوي الضمانات في عمليات البنك الإسلامي، وعمليات المرابحة التجارية بصفة خاصة وذلك من خلال قواعد أساسية واعتبارات أو شروط موضوعية، تصدر بها لائحة التعامل بالمرابحات وتضمن الحد الأدني الواجب توافره في العميل مثل:
- مركزه المالي ومركزه في تاريخ التعامل المصرفي والتجاري.
- سمعته في الوفاء بالالتزامات وحسن القضاء والأداء.
- ما يتجه الاستعلام من معلومات وبيانات تتعلق بنشاطه في السلع محل المرابحات.
ومبدأ الثقة في العميل أو الأمن يدل عليه قوله تعالي : (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلي أجل مسمي فاكتبوه( إلي قوله تعالي : (فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه((62).
ومن ثم فحسن اختيار العميل على أسس وقواعد موضوعية لائحية وتنظيمية هو الضمان الأمثل بحسب الأصل.
ثانياً: العربون ودفعه ضماناً للجدية:
يجتمع المعنيان في مرحلة غير باته في التعاقد النهائي، وينفرد العربون في حالة تأكيد العقد والبدء في تنفيذه بذلك العربون، وهنا يعتبر جزءاً من الثمن ولا يثير إشكالاً.
أما إذا كان العربون عند إبرام العقد حفظ حق العدول عن العقد طبقاً لإرادة المتعاقدين فالجمهور لا يجيزه لما يعتبرونه فيه من الغرر والمخاطرة وأكل المال بغير حق، هذا وقد أجازه الإمام أحمد(63).
ثالثاً: درجة الضمان :(34/18)
ليس المهم استحواذ البنك على ضمانات بقدر ما يجب أن تكون عليه درجة ذلك الضمان من حيث سهولة وسرعة "تسييله" (أي تحويله إلي نقود) لمواجهة خطر عدم السداد أو الاسترداد من العميل، ويجب أن يصدر البنك تعليمات كتابية بأنواع الضمانات ودرجاتها، والتزام البنك في معاملاته بتلك التعليمات، لما يترتب على مخالفتها من جزاءات إدارية وتأديبية.
رابعاً: مبدأ التيقن :
هو قوام الدراسة الميدانية لعمليات المرابحة، فالربح وإن كان راجحاً مظنوناً إلا أنه يجب أن تؤدى الدراسة إلي تبصر حصوله حسبما عليه الأصول والقواعد الفنية في الدراسة وكذلك الخبرة العملية الميدانية للسوق ومتطلباته واحتمالاته.
وهذا الضمان يشير إليه قوله تعالي : (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلي أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله( إلي قوله تعالي : (ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلي أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا( إلى قوله تعالي : (وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله علي كل شيء عليم((64).
فالآية ترشد إلي كتابة الدين، والدين قد يسبقه تبايع أو قد يكون سببه تبايع، وحذرت الآية من إباء الكاتب أن يكتب كما علمه الله بصرف النظر عن مقدار الدين صغيراً أو كبيراً فذلك حكم شرعي قائم على إعتبارات موضوعية منعاً من الريبة والشك وأدعي إلي القسط والعدل في المعاملات.
كما تدل الآية على الإشهاد على التبايع بإطلاق، منعاً من مغبة المخالفة وتحذير من الآثار الوخيمة المتمثلة في قوله تعالي : (وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم(.
وإذا كانت المكاتبات داعية إلي التوثيق والكتابة والإشهاد فإن سببها(34/19)
أو الباعث الدافع إليها أدعي وأشد؛ فالمسبب يدور مع سببه، وهو ما يشتمل على الدراسة العملية والعلمية التى قد تترتب عليها مداينات إلي أجل أو أن تكون ناجزة.
خامساً: مبدأ الحيطة والحذر:
يستنند مبدأ الحيطة والحذر القائم إلى قول "إن ضمان استرداد الأموال يبدأ منذ منحها"
وما يستوجبه ذلك المبدأ من متابعة المتعامل مع البنك بصفة دورية ومنتظمة، هي أن يكون لدى البنك باستمرار تصور فوري واضح لإمكانيات عملية ومركزه المالي، وحتى يكون لديه القدرة باستمرار على سرعة الحصول على حقوقه كاملة دون مزاحمة من الغير، ودون أن تتسرب ضماناته نتيجة لما يصيب العميل من تعثر مالي يعجزه عن السداد.
سادساً : رهن البضاعة أو السلعة التى قام البنك ببيعها مرابحة لصالح البنك لحين قيام العميل بسداد جميع الأقساط المستحقة عليه؛ إذا يجوز رهن المبيع بعد البيع - على ثمنه وغيره- فمقتضي البيع ثبوت الملك في المبيع والتمكين من التصرف فيه وذلك عند بائعه وغيره، إذا الرهن بعد لزوم البيع صحته أولي لأنه يصح رهنه عند غير بائعه، فصح عنده كغيره؛ ولأنه يصح رهنه على غير ثمنه فصح رهنه على ثمنه.
فالرهن في الشرع : المال الذي يجعل وثيقة بالدين أو توثقه الدين ليستوفي من ثمنه إن تعذر استيفاء الدين مما هو عليه.
وهي جائزة بالكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب : فيقول تعالي : (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة((65).
وأما السنة: فروت عائشة رضى الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتري من يهودي طعاماً ورهنه درعه" (متفق عليه)، وعن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يغلق الرهن(66)، لا يغلق الرهن لا يغلق الرهن، وهو لصاحبه الذي رهنه، له ثمنه وعليه غرمه"(67).
وأما الإجماع : فأجمع المسلمون على جواز الرهن في الجملة.(34/20)
هذا ويصح الرهن بعد الحق بالإجماع؛ لأنه دين ثابت تدعو الحاجة إلى أخذ وثيقة به، فجاز أخذها به كالضمان.
والثمن بعد البيع يصير ديناً في ذمة المشتري، والدين يجوز الرهن به بأي سبب وجب الدين كالبيع ونحوه، لأن الديون كلها واجبة على اختلاف أسباب وجوبها، فكان الرهن بها رهناً بمضمون فيصبح، هذا وإذا أخرج المرتهن (الدائن) المرهون عن يده باختياره إلي الرهن (المدين) ولو كان نيابة عنه زال لزوم الرهن لزوال استدامة القبض، وبقي العقد لم يوجد فيه قبض. وفي استدامة القبض كشرط للزوم الرهن خلاف بين الفقهاء.
هذا ونجد أن المرتهن أحق بثمن الرهن من جميع الغرماء حتى يستوفي حقه.
سابعاً: ضمانات خاصة وشخصية:
ونقصد بالضمانات الخاصة، تلك التي تمليها عمليات المرابحة وخاصة للآمر بالشراء، فهي ضمانات قد تفرضها خصوصيات طبيعة عمليات المرابحة.
ونقصد بشخصية - أي التى تتعلق بالذمة المالية للضامن كالكفيل، وقد تجمع عمليات المرابحة بين هذين النوعين فمثلاً:
لو كان للعميل أو للمشتري مرابحة من البنك يتعامل مع شخص (آخر كأن يكون تاجر جملة) فيكون من المفيد للبنك- وما يمليه واجب الحيطة والحذر اللازمين- أن يطلب كفالة هذا التاجر، وأن تكون كفالة تضامنية مع المدين المشتري مرابحة، وأن تكون مصحوبة بحوالة - أن يقوم الكفيل التاجر بدفع ما هو مستحق قبله للمشتري مرابحة إلي الدائن (أي البنك مباشرة) بناء على حوالة الحق التى يجريها المشتري مرابحة لصالح البنك.
وكل من الكفالة والحوالة عقود جائزة شرعاً.
ثامناً: عوض التأخير في السداد عن موعد الاستحقاق(68):
تنبيه: تثير هذه المسألة الربا والمتمثلة في أن البنك يأخذ مبلغاً زائداً على الدين مقابل النظرة أو التأخير عن الوفاء في ميعاد الاستحقاق لذلك لزم التنبيه.(34/21)
وتلافياً لهذه الشبهة الماثلة يلزم توجيه المسألة توجيهاً شرعياً صحيحاً على أساس ما قد يصيب البنك من ضرر بسبب تأخر عملية السداد لمبالغ لو ردت أو سددت للبنك لاستثمرها أو أعاد استثمارها مرة أخري مما يفوت عليه فرصة محققة أو أكيدة في الربح يستحق عنها التعويض شرعاً باعتبارها نوع من أنواع الضرر الذي أصاب البنك بحسب طبيعة عمله ونشاطه وهو استثمار الأموال والاتجار بها لا فيها، فقاعدة التعامل في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية أن النقود رؤوس أموال يتجر بها لا فيها - يتجر بها حلالاً طيباً.
والمشكلة التى تثور بعد تحديد أساس التعويض هي الضرر الحاصل بسبب التأخير لا مجرد التأخير في ذاته في هذه الصورة من التعامل هي كيفية تقدير التعويض المرتبطة بكيفية تقدير مقدار الضرر الذي لحق بالبنك ونطرح هنا ثلاثة بدائل(69) يتخير البنك منها أو القاضي ما يتناسب مع الحالة المعروضة.
1- تحديد التعويض على أساس نسبة الربح التى حققها البنك في نفس السلعة عن نفس الفترة التى حصل فيها الضرر، أي التأخير عن السداد في موعد استحقاقه وهو الأعدل والأقرب لعدم أكل أموال الناس بالباطل.
2- أو على أساس نسبة الربح التى حققها البنك بصفة عامة ويكون الممول عليه هو الربح الموزع لا الإجمالي الفعلي فذاك أيضاً أدعي للعدل فقد لا يكون للبنك استثمارات أخري في سلع مثيلة نفس الفترة.
3- أو على أساس نسبة الربح التى حققها المشتري مرابحة بسبب السلعة محل التعامل وحتى لا تكون مماطلة سبباً لاثرائه على حساب الغير، فيعامل بعكس مقصوده أو يرد مقصوده عليه كما هي القاعدة الشرعية القائلة "من سعي في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه".
تاسعاً: العميل المتعسر وذاك الذي يمر بضائقة مالية:
نجد أن أسس تقدير التعويض السابق، تفترض أن العميل ملئ غير مماطل ولكنه تأخر في السداد وسبب ذلك ضرراً للبنك.(34/22)
أما إذا كان العميل مليئاً ولكنه مماطل ويظهر بمظهر المتعسر وأمارات ذلك:
1- أن يتكرر عدم وفائه بالتزاماته للبنك أو الغير في تواريخ استحقاقها.
2- أو أن يدأب على جدولة ديونه أو تأجيل سدادها.
3- أو أن يتكرر رجوع شيكاته.
4- أو يستمرئ أن يعامل على أساس (نسبة الغرامة) فهي الأفضل من وجهة نظره.
فيكون من حق البنك ويحل له في هذه الحالة (أي حالة المماطلة بدون عذر) أن يعاقب العميل، والعقوبة المتصورة هنا هي العقوبة المالية، والتى قد يشترطها البنك على العميل إبتداء إذا ثبت أو تأكدت مماطلته وذلك مما يشهد به العرف المصرفي والتجاري ويسهل إثباته بقرائن الأموال(70).
وسندنا فيما تقدم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "لي الواجد ظلم يحل عقوبته وعرضه" رواه البخاري.
وعبارته في سبل السلام "لى الواجد يحل عرضه وعقوبته" وقال رواه أبوداود والنسائي وأخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقي. وكذلك حديثه صلى الله عليه وسلم "مطل الغنى ظلم" وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار". ومما يجدر الإشارة إليه إن حالة العسر المالي تختلف عن الضائقة المالية والتى قد يمر بها العميل وتتمثل في عدم توافر مؤقت "للسيولة" لديه وفي هذه الحالة الأخيرة يتعين ما يأتي :
1- إعطاء العميل مهلة سداد أخري أي نظرته إلي ميسرة.
2- منح العميل بعض التسهيلات في السداد كإعادة جدولة المديونية.
3- التنازل أو إسقاط جزء من الربح أو العمولات وإبراء المدين منها، وكل ذلك من قبيل نظرة الميسرة المقررة شرعاً.
المبحث الخامس
الصياغة المصرفية لعقد المرابحة(34/23)
كان الشائع في هذا العقد فيما مضى أن تكون السلعة في ملك البائع حاضرة أو غائبة فيبيعها برأس المال وزيادة معلومة، إلا أن الأمر في مجال المصارف لا يكدس السلع في مخازنه - كما يفعل التجار - ليقوم ببيعها بعد ذلك مرابحة أو مساومة، وإنما هو مجرد وسيط في التبادل ومن ثم فإن الفكرة المطروحة في هذا المجال أن يتلقي المصرف أمر من العميل بشراء سلعة معينة بمواصفاتها، واعداً بشراء هذه السلعة ثم ببيعها لهذا العميل برأس مالها وزيادة الربح المتفق عليه.
هذه هي الصورة العملية والمقترحة والمطبقة لهذه المعاملة والتى يمكن أن تكون بديلاً شرعياً لعملية خصم الأوراق التجارية، كما أنها تؤدى دوراً هاماً في عملية الاعتماد المستندي في التجارة الخارجية.
إلا أن هذه المعاملة قد تعرضت لبعض الانتقادات العملية والتطبيقية، والتى سوف نوضحها في هذا المبحث والذي قسمناه إلي المطالب الآتية:
المطلب الأول : أهم الخطوات العملية لتنفيذ المرابحة المصرفية.
المطلب الثاني : تطبيق المرابحة في التجارة الخارجية والاعتمادات المستندية.
المطلب الأول: أهم الخطوات العملية لتنفيذ المرابحة المصرفية
"الضوابط الشرعية والمحاسبية لصيغة المرابحة"
تتكون هذه المعاملة من وعد بالشراء، وبيع بالمرابحة(71) فالمصرف يتلقى أمراً من عميله أمراً بشراء صفقة معينة مشفوعاً بوعد منه بشراء هذه الصفقة.
فإذا استجاب المصرف لعميله، واشتري له ما يريد، تم ابرام عقد المرابحة بينهما، فيبيع له المصرف هذه السلعة بالربح المتفق عليه، بعد أن يتأكد العميل من مطابقتها وملائمتها له والمواصفات التى حددها للمصرف.
المصرف في هذه المعاملة لم يبع ما ليس عنده لأن عقد البيع لا يتم إلا بعد شرائه لسلعة ودخولها في ملكه، وما كان بينه وبين العميل قبل ذلك فهو وعد بالشراء لا غير، وفرق بين الوعد بالعقد وبين العقد. وهذا كالفرق بين الخطبة وعقد النكاح.(34/24)
والمصرف كذلك لم يربح ما لم يضمن لأن المصرف وقد اشتري السلعة فأصبح مالكاً يتحمل تبعة الهلاك، فما يتلف من هذه السلعة قبل تسليمها للمشتري فإنه يتلف على المصرف.
أما مدى التزام الآمر بالشراء في أن يبقي على وعده للمصرف بأن يشتري منه هذه الصفقة وهو مدى لزوم الوفاء بالوعد ومدى إمكانية المطالبة القضائية به. وإن الأصل هو وجوب الوفاء ديانة ولكن لا يقضى به إلا إذا أدخل المستفيد في ورطة أو التزام، بناء على هذا الوعد، حيث يقضي به في هذه الحالة دفعاً للضرر المترتب، أما فيما عدا ذلك فلا يقضى به، لإجماع أهل العلم على أن الموعود لا يضارب بوعده مع الغرماء.
تلك هي الملامح العامة والعملية كما يقترح أن تطبق في المصارف الإسلامية لتكون بديلاً شرعياً لكثير من الأعمال الربوية.
هذا ومن أهم الخطوات العملية لتنفيذ المرابحة المصرفية:
1- يتقدم العميل بطلب كتابي للبنك يوضح فيه نوع البضاعة المطلوبة وكميتها وأسعارها ومواصفاتها اللازمة والميعاد المطلوب للحصول عليها، ويكون الطلب مشفوعاً بالمستندات اللازمة والفواتير المبدئية وكل ما يلزم من توضيح يتعلق بالسلعة المطلوب من البنك شراؤها على أن تكون فاتورة الشراء باسم البنك ولصالح العميل ويفضل أن تكون الفاتورة المبدئية أكثر من واحدة؛ ومن جهات عديدة لاختيار الأحسن جودة والأنسب سعراً.
2- يقوم الموظف المختص بدراسة الطلب دراسة دقيقة متأنية من جميع النواحي لتفادي بعض المخاطر التى تتمثل في :
أ ) صعوبة تسويق السلعة موضوع المرابحة في حالة نكول العميل عن وعده، مما يؤدى إلي تجميد أموال البنك في سلع قد يصعب تسويقها في وقت وجيز، أو قد تتعرض للتلف.
ب ) عدم الدراسة الدقيقة لجدوى تسويق البضاعة ربما يعرض الآمر بالشراء (العميل) لبعض المخاطر مما يتسبب في عجزه عن سداد استحقاق البنك في ميعاده، أو ربما العجز التام عن سداد هذا الاستحقاق.(34/25)
* تنبيه : لتحقيق ما يرمي إليه البند (2) يمكن الاستعانة بدراسة جدوى هذه المرابحة.
3- بعد إعداد الدراسة المشار إليها آنفاً يقوم قسم الاستثمار بالإجراءات اللازمة للحصول على البضاعة ودفع قيمتها ودفع كافة المصروفات الأخرى حتى وصول البضاعة للمكان المتفق عليه لإتمام عملية البيع، على الموظف المختص دفع قيمة البضاعة أو السلعة بشيك باسم مالك البضاعة ويوقع مع مالك البضاعة عقد بيع بموجبه تنتقل ملكية السلعة للبنك ولا يحق لأي طرف التصرف فيها دون إذنه.
* تنبيه(72):-
- يمكن إضافة المبلغ قيمة البضاعة بأمر من مصادرها في حسابه طرف البنك مع إثبات صورة من إيصال التوريد في ملف المرابحة.
- ولا يدفع المبلغ (قيمة البضاعة) بأية حال إلي الآمر بالشراء (العميل) بل يتعامل البنك مع البائع مباشرة.
4- يخطر البنك عميله بأنه قد حصل على البضاعة، ويحثه على الحضور لإتمام عملية البيع وما يستلزم من إجراءات أخري.
5- توقيع عقد بيع المرابحة وإتمام عملية التسليم والتسلم وما يستلزمه من إجراءات.
6- بعد التوقيع على عقد المرابحة يدفع العميل قسط أول من القيمة الكلية للسلعة وفق ما يحدده البنك المركزي مع مراعاة المدونة المطلوبة في القطاعات والأنشطة ذات الأولوية، ومن هذه الخطوات نخلص إلي أن أهم البيانات والمستندات التى يجب أن يشتمل عليه ملف المرابحة للآمر بالشراء(73):
1) رقم العملية، تاريخ بدئها وتاريخ سدادها.
2) اسم العميل ورقم حسابه الجاري طرف الفرع.
3) نوع القطاع الممول.
4) طلب العميل ورقم حسابه الجاري طرف الفرع بالفواتير المبدئية وكافة المستندات اللازمة (رخصة تجارية - سجل تجاري ... الخ).
5) عقد بيع بين البنك ومالك السلعة.
6) عقد المرابحة.
7) مذكرة فتح حساب مرابحة إلي قسم الحسابات والتحاويل.
8) إشعار استلام الشيك
9) الفاتورة البيعية (النهائية) محررة باسم البنك.
10) إشعار باستلام بضاعة موقعاً عليه من العميل.(34/26)
11) نوع الضمان ومستنداته اللازمة.
12) الحساب الختامي للعملية.
13) تقرير موجز عن أداء العميل في كل مرابحة تمنح له.
1- لابد من بيان كاف للسلع أو البضاعة موضوع المرابحة على نحو ينفي الجهالة المفضية إلي النزاع والغرر، ويتم ذلك ببيان نوعها ووصفها ومقدارها - مع التوقيع على عقد البيع بين البنك ومصدر هذه البضاعة يحفظ للبنك حقه وألا يتم التصرف في هذه السلعة بدون إذن البنك.
2- ثمن البيع من البنك للعميل، مع بيان أنه يشمل الربح، وذلك بذكره عددا وكتابة بالحروف ونوع العملة.
3- لابد من بيان ثمن شراء السلعة من مصدرها بواسطة البنك وذلك عددا وكتابة بالحروف ونوع العملة.
4- ذكر كيفية سداد العميل للثمن : هل يدفع جزء منه في الحال والباقي مؤجل؟ وكم عدد الأقساط ومقاديرها؟ ومقدار الأجل المحدد للسداد، هل بالثمن أو في خلال مدة معينة؟ ... الخ. وتقييد الشيكات في الدفتر الخاص بذلك لمتابعة سدادها.
5- الضمان: ما نوعه ؟ رهن عقاري ؟ أو تخزين البضاعة؟ مع ضرورة مراعاة التأمين عليها، على أن يتحمل العميل مصاريف التأمين .. أو ضمانة شخصية. وفي حالة اعتماد ضمان التخزين:
أ ) لابد من مراعاة الجوانب الفنية العملية في تخزين السلعة موضوع المعاملة.
ب ) لابد من التأمين على البضاعة ويتحمل العميل نفقات التأمين وفي حالة الضمانة الشخصية:
1- أن يكون كفءاً
2- أن يكون من عملاء البنك، ويقوم بتحرير شيك بقيمة المبلغ الذي ضمنه لأمر البنك.
3- ألا يتجاوز التمويل الممنوح للعميل حدود صلاحية مدير الفرع.
وفي حالة الضمان برهن عقاري لابد من التأكد من أن العقار خالي من الموانع المسجلة، وأن يكون رهنا أولا، وأن تكون القيمة السوقية للعين المرهونة تغطي - في ظل الحيطة والحذر - التمويل الممنوح.
* تنبيه(74): فيما يتعلق بكيفية احتساب الربح في المرابحة المصرفية:(34/27)
وجهت هيئة الرقابة الشرعية العليا للجهاز المصرفي والمؤسسات المالية، المصارف أن تحسب ربحها على إجمالي التمويل بغض النظر عما دفع العميل من قسط أول مع ضرورة مراعاة المدونة اللازمة والمناسبة في القطاعات والأنشطة ذات الأولوية والالتزام بتوجيهات السياسة الاستثمارية والتمويلية (الائتمانية).
ملاحظات وتتمات(75):-
1- بعد إتمام الإجراءات اللازمة ببيع المرابحة المصرفية بتوقيع العقد من الطرفين (البنك والعميل) يكون المبلغ الواجب السداد دينا في ذمة العميل وبناءا على ذلك إذا تعثر عن سداد هذا المبلغ في ميعاده لا تخرج حالته عن إحدى اثنتين:-
أ ) أما أن يكون تعثره نتيجة أسباب قاهرة لا يد له فيها، كنشوب حريق في البضاعة موضع التمويل (بذرة القطن مثلاً) ففي هذه الحالة يعتبر ذو عسرة وقد وجه القرآن الكريم بمنهجه القويم في سداد الدين بأن ينظر هذا العميل إلي ميسرة تنصلح فيها حالته المالية، يوفي بعدها العميل باستحقاق البنك ولا يجوز بأي حال أن يطالب تاريخ الوفاء بهذا المبلغ؛ لأنه إن فعل ذلك يكون قد أربي، أي هو بمعنى العبارة الربوية "إما أن تقضي وإما أن تربي".
ب ) وقد يكون العميل مماطلا فإذا ثبت للبنك عند حلول أجل الوفاء بالاستحقاق أن عميله مماطل أي يتهرب من دفع استحقاق البنك مع مقدرته على الدفع، ففي هذه الحالة إما أن ينفذ على الضمان مباشرة بأخذ الاستحقاق (المبلغ الواجب السداد) من حساب الضامن طرف البنك أو إفادته بفشل العميل الذي ضمنه ليقوم باجراء اللازم.
وإذا تعذر رد المبلغ الواجب السداد بعد استنفاذ كافة السبل ففي هذه الحالة يرفع الأمر إلى المستشار القانوني، والذي يرفع الأمر إلي القضاء الذي ينصف المظلوم ببيع ما يفي بديون البنك من أموال العميل الأخري جبرا عليه لأن العميل المماطل ظالم بنص الحديث الشريف "مطل الغنى ظلم" وقوله صلى الله عليه وسلم : "لى الواحد ظلم يحل عرضه ويجب عقوبته".(34/28)
2- من الأحوط والأفضل أن يكون بكل قسم استثمار (بأي فرع من فروع البنوك) موظف أو أكثر يوكل إليه أو إليهم مهمة تنفيذ ومتابعة وجمع المعلومات الكافية اللازمة من الناحية العملية والفنية، وهذا يحتم أن يكون مندوب البنك ذا دراية ومعرفة لما يوكل إليه من مهام.
3- لا يعطى العميل قيمة السلعة البتة، ولا تحول إلي حسابه نقداً، أو عبر أي ورقة مالية؛ بل يتعامل البنك مع البائع أو الصانع أو كليهما مباشرة، وتحفظ الشيكات الخاصة بالمبلغ الواجب السداد وكافة المستندات الهامة بالخزينة.
4- إذا كانت المرابحة صورية (أي لم تطبق وفق الخطوات الأساسية التى أشرنا إليها آنفاً) فإن البنك في هذه الحالة يدفع للعميل نقوداً إلي أجل بمقابل وهو في حقيقته سعر الفائدة في النظام الربوي، ومن ثم تكون العملية في حقيقتها قرضا جر نفعاً وهو ربا بلا أدني شك.
المطلب الثاني
تطبيق المرابحة في التجارة الخارجية والاعتمادات المستندية:
المرابحة كأحد أنواع البيوع التجارية في الاقتصاد الاسلامي قد تتم بصورة بسيطة بين بائع ومشتر والمبيع حاضر وموجود، كما تتم المرابحة أيضاً بأسلوب المرابحة المصرفية أو المرابحة للآمر بالشراء.
ونظراً للتطور الهائل في التجارة الخارجية وما صاحبه من صعوبات كبيرة في تسوية المدفوعات وتوفير الضمانات الكفيلة بتحقيق مصلحة كل من البائع والمشتري والأطراف الأخرى، فقد ظهر نظام الاعتمادات المستندية وأصبح دورها في التجارة الخارجية أكثر أهمية كوسيلة دفع أساساً قد يقترن بها ويصاحبها "ائتمان" وهو الاستعمال الغالب الآن في نظام الاعتمادات المستندية.
أولاً: البنوك الإسلامية ومعضلة الاعتمادات المستندية النظيفة:(34/29)
لما كان قيام المصارف في الاعتمادات المستندية بدور المتعهد بالدفع في إطار السداد المقدم من طالب الاعتماد يمثل نسبة ضئيلة جداً في التجارة الخارجية التي تعتمد جميعاً تقريباً على التمويل بفائدة ربوية، فإن دخول البنوك الإسلامية في هذا المضمار يشكل تحدياً خطيراً لنظامها القائم على عدم التعامل بالفائدة ولكن كيف يتم ذلك؟
التطبيق العملي السليم لذلك يتمثل في ضرورة قلب العلاقة بين العميل والبنك فيصبح البنك مالكاً للسلعة كلياً أو جزئياً والمتعامل معه الأمر أو الطالب شريكاً أو وكيلاً أو أجيراً.
وهذا الدور الجديد الذي يفرضه نظام عمل البنوك الإسلامية يضيف ضماناً وأماناً مفتقدين في نظام التجارة الدولية، والدليل على ذلك ما أسفر عنه نص المادة السابعة عشر من مجموعة القواعد والعادات الدولية المستندية، إذ يتعرض هذا النص لنفي المسئولية عن البنوك في حالة عدم صحة أو تزوير المستندات، وهي مشكلة قائمة بحدة على المستوي الدولي، فقد حكم مجلس اللوردات حديثاً بأن البنك ليس له أن يمتنع عن الوفاء إلي المستفيد إذا كان هذا المستفيد يجهل واقعة تزوير المستندات(76).
ومن أشهر حوادث تزوير المستندات التى تعتبر عملية نصب على البنوك(77):
استعمال أسماء بنوك غير موجودة أو مستندات مزورة لبنوك موجودة فعلاً.
تقديم مستندات تفيد شحن البضاعة على سفينة معينة ويتضح فيما بعد أنه لا توجد بضاعة وتشاهد السفينة في رحلات جديدة تحت اسم جديد.
ثانياً: المرابحة للآمر بالشراء في التجارة الخارجية أحد الحلول الرئيسية والعملية للاعتمادات المستندية النظيفة في البنوك الإسلامية:
وإن كنا نري أن عملية بيع المرابحة للآمر بالشراء نوعاً من العلاقات العقدية أو اتفاق بتعهد فهي علاقة عقدية معلقة على شرط، والالزام فيها مرتبط بتحقق الشرط الذي يشترطه كل طرف على الآخر(78).(34/30)
وإذا كان كذلك فالبنك مشتر للسلعة ومالك لها وبائع بالمرابحة لطالبها الآمر بالشراء وفي هذه الحالة تجتمع في البنك ثلاث صفات من خلال نظام الاعتمادات المستندية في التجارة الدولية والتعامل بأسلوب البيع بالمرابحة للآمر بالشراء وهذه الصفات هي:
1- فاتح الاعتماد المستندي.
2- المشتري للبضاعة والمالك لها.
3- البائع للبضاعة للآمر بالشراء أو طالب الشراء مرابحة. وعلى أساس هذه الصفات الثلاثة تطبق القواعد العادات الموحدة للاعتمادات المستندية على التفضيل الآتي:
شروط التسليم في الاعتمادات المستندية وموقف الفقه الاسلامي منها:
لا شك أن شروط العقد تحدد التزامات كل طرف فيه أو أطرافه؛ ومنها شروط تسليم البضاعة محل العقد، وتقتصر هنا على أهم الالتزامات التى تحدد أهم شروط التسليم في عمليات التجارة الخارجية وشروط التسليم تختلف باختلاف مكان التسليم.
ومما يجدر ذكره أن ما تم الاتفاق عليه بين أطرافه على أساس التراضي يصير التزاماً تعاقدياً واجب التنفيذ، كما أن ما لم يتم الاتفاق، عليه وعليه جري العرف والتعامل صار حكما فالعادة محكمة والعرف مصدر للأحكام ما لم يخالف الشرع الاسلامي الحنيف، ومن هذا المنطلق تكون مجموعة القواعد والعادات والأعراف الموجدة للاعتمادات المستندية محل اعتبار بشرط عدم مخالفة أحكام الشرع الإسلامي، كذلك نصوص نشرة غرفة التجارة الدولية رقم 350 لسنة 1980م.
ومكان التسليم تتعلق به بعض الأحكام التى تتضمنها نشرة غرفة التجارة الدولية رقم (350) لسنة 1980م ومن ثم تكون واجبة لمن يلتزم بها وذلك على النحو التالي(79):-
1- تسليم البضاعة في مكان منشئها (إنتاجها) وعلى هذا الأساس تحدد التزامات كل من البائع والمشتري والتى نصت عليها نشرة غرفة التجارة الدولية رقم (350) لسنة 1980م، وعلى وجه الدقة والتفصيل قطعا للنزاع وحسماً لأي خلاف قد يثور.
……ومن أهم التزامات البائع :-(34/31)
- وضع البضاعة تحت تصرف المشتري في الموعد والمكان المحددين بشروط العقد، وإخطار المشتري بذلك في وقت مناسب، ومقابل هذا الالتزام يكون من أهم التزامات المشتري:
- تحمل كافة المصاريف والمسئوليات والمخاطر منذ وضع البضاعة تحت تصرفه.
2- التسليم على رصيف ميناء البائع:
Free along side (C.A.F.) وعلى هذا الأساس تحدد التزامات كل من البائع والمشتري.
……ومن أهم التزامات البائع:
- توريد البضاعة مطابقة لشروط العقد، وتسليمها في المكان والزمان المحددين على رصيف التحميل بميناء الشحن وإخطار المشتري بدون إبطاء بذلك.
ومن أهم التزامات المشتري:
تحمل كافة المسئوليات والأخطار والمصاريف من تاريخ وضع البضاعة تحت تصرفه بجوار الباخرة.
3- التسليم على ظهر الباخرة Free On Board.
4- التسليم في ميناء المشتري Coast and Freigt (C.I.F)وتحت هذا الشرط تتحد التزامات كل من البائع والمشتري أيضاً.
المبحث السادس
الانحرافات التطبيقية للمرابحة المصرفية
الواقع التطبيقي لهذه المعاملة قد شهد كثيراً من التجاوزات في ترتيب هذا العقد.
فالبنك لا يقوم بنفسه بالشراء(80)، وإنما يكتفي بأن يقدم له العميل فاتورة السلع المراد بيعها مرابحة، ويكون العميل قد قام بشراء هذه السلع باسمه من قبل، ووقعت الفواتير باسمه كذلك، فيقتصر دور البنك على تسديد قيمة الفاتورة مقابل الربح المتفق عليه، فيكون ممولا فعلياً في صورة مشتر وبائع في الظاهر، لا سيما إذا علمنا أن ارتباط العميل بالمصرف من البداية ارتباط ملزم لا يملك منه فكاكا فهو إلى العقد أقرب منه إلي الوعد.
ولا شك أن هذا الترتيب يحتوى على كثير من المخالفات الخطيرة التى يمكن أن تنسف شرعية هذه المعاملة من الأساس وتنقلها إلي دائرة العقود الربوية المحرمة.(34/32)
وأن الذي يراجع محضر هيئة الرقابة الشرعية ببنك فيصل الإسلامي السوداني(81) وهيئة الرقابة الشرعية على الجهاز المصرفي والمؤسسات المالية في السودان، يلمح هذه المخالفات التى طالما نبهت عليها الرقابة، وأوصت بضرورة اتباع الخطوات الشرعية اللازمة لتصحيح هذه المعاملة، ولكن استمرار التنبيه وتكراره يوحي باستمرار هذه المخالفات.
وأن معنى ألا يقوم البنك بنفسه بعملية الشراء أن تتحول المعاملة قطعاً إلي دائرة أخرى، حيث يئول الأمر إلي أن المصرف الذي يشتري السلعة من العميل نقداً ثم يبيعها مؤجلة بأكثر مما اشتراها به، وهذه هي صورة العينة التى ذهب القول بحرمتها الجمع الغفير من العلماء، أو أن المصرف يقرض عميله قيمة السلعة الحاضرة على أن يتقاضاها في المستقبل بزيادة وهو عين الربا المجمع على حرمته، فإذا ما أضفت إلي ذلك صورية هذا البيع الذي لا يعدو أن يكون مجرد إجراء شكلي لتصحيح الوضع، (لا سيما مع ما يروج له الاقتصاديون من أن عملية الاستثمار المباشر لا تناسب المصارف التى يجب أن يقتصر دورها على دور الوساطة في التبادل) فنجد أن الصورة ازدادت ظلاماً وأصبحت للظنون والريب فيها مجال وأي مجال!!.
ولا أدري ما هو السر وراء هذه المخالفات؟ أهو التعجل والاندفاع، والرغبة في إنجاح المصرف الإسلامي من خلال تنفيذ أكبر قدر من العمليات الاستثمارية.
أم هي العقلية الربوية التى ألفت المعاملات الربوية زماناً طويلاً ثم عهد إليها فجأة بتنفيذ الأساليب الشرعية، بدون تمهيد ولا إعداد فلم تدرك عمق الفارق بين المسارين فراحت تنظر إلي بعض الخطوات الشرعية اللازمة على أنها نوع من التعقيد والجهود.
أم ضغوط المنافسة من جانب البنوك الربوية، وشدة وطأتها هي التى أدت ببعض العاملين في المصارف الإسلامية إلي شيء من الترخيص، والتجاوز عن بعض الخطوات رغبة في تقوية المركز التنافسي للمصرف الإسلامي، وظناً أن نبل الهدف يشفع لأخطاء الوسيلة.(34/33)
وسواء كان هذا السبب أم ذلك، فإن شيئاً من ذلك لا يبرر اقتحام الحرمات وتعدى حدود الله. فالنجاح الحقيقي للمصرف الإسلامي إنما يكون بمدى انضباطه بأحكام الإسلام أولاً وقبل كل شيء فهذه هي رسالته المقدسة، وتلك هي الأمانة التى أنيط به حملها، وأمام هذا الهدف الأكبر تتصاغر جميع الأهداف وتتضائل سائر الغايات ثم تأتي بعد ذلك الأرباح والعوائد وغير ذلك مما يعتبره الناس مقياساً للنجاح.
أما ترخيص بعض القائمين على الأمر في المصارف الإسلامية في بعض الخطوات الشرعية اللازمة لتصحيح معاملة ما، فينبغي أن يواجه المواجهة التى تتناسب مع قداسة الأحكام الشرعية، وكيف أن لفظاً واحداً يتغير أو يتبدل ربما يقلب الأمر رأساً على عقب.
لقد حرم الله جل وعلا أن يدفع الرجل مالاً ربوياً إلي آخر بمثله على وجه البيع إلا أن يتقايضا وإلا فالربا لا محالة، والتحريم الذي هو أشد عند الله من ست وثلاثين زنية، ولكن جوز دفعه بمثله على وجه القرض، ومعلوم أنه لا قرض بدون إنساء.
فانظر كيف أن هذا القرض - الذي يمكن أن يترجم في كلمة واحدة - قد نقل الأمر من دائرة المحرمات والفواحش إلي دائرة القربات والنوافل.
ولم لا؟ ألم يبدل بنو إسرائيل حرفا واحدا من الكلمة التى أمرهم الله بها فانزل عليهم رجزاً من السماء.
قال تعالي : ( وإذا قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يظلمون(.(الأعراف: 61).
فقد أمرهم الله أن يدخلوا الباب سجدا وأن يقولا حطة أي حط عنا خطايانا، فدخلوا من قبل إستائهم وقالوا خطة فكان ما ذكره الله في القرآن من الرجز والعذاب الأليم.(34/34)
أما الرغبة في النجاح والمنافسة ومنازلة الربويين، فإن هذا يحتاج إلي قول بليغ، لأن هذا المعنى يسيطر على كثير من العاملين في هذا المجال، وفي زحمة سيطرة هذا الهدف على تفكيرهم ينسون أو يتناسون الرسالة الأولي التى من أجلها قامت المصارف الإسلامية من البداية، وهي العودة بالأمة إلي الكسب الحلال.
هذا وإذا كانت المنافسة في دائرة الأحكام الشرعية وضوابطها، فهنا يجب أن يبذل القائمون على المصارف الإسلامية جهدهم في حشد كل عوامل النجاح من دراسات مكثفة، واختيار الأمناء والأكفاء، سواء كانوا موظفين أو عملاء، بحيث يحس الجميع أنهم في أحد مواقع الجهاد التى تتطلب مصابرة ومرابطة، فيحسبون ما يبذلونه من جهد وعرق.
أما إذا خرجت المنافسة عن دائرة الأحكام الشرعية أو كانت تحيلاً إلي ما حرم الله، فهنا يجب أن يكون موقف المصرف الإسلامي واضحاً كالشمس، رافضاً كل التجاوزات الشرعية ولو أدي هذا إلي إغلاق المصرف الإسلامي.
وأن المصرف الإسلامي عندما ينطلق بهذا الوضوح والتجديد الذي يوجبه عليه إيمانه بالله ورسوله إنما يصبح أهلاً لفضل الله عز وجل، والمزيد من رزقه وتوفيقه، وليفعل ذلك ولينتظر بركات تتنزل عليه من السموات والأرض.
قال تعالي: ( ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض( (الأعراف: 96).
وقال تعالي : ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزلنا إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم( (المائدة: 66).
نماذج لعقد المرابحة المصرفية
بنك الخرطوم
طلب شراء بالمرابحة
الموافق: .......................
التاريخ: .......................
اطلب/ نطلب منكم شراء البضائع الموضحة أدناه بالمواصفات وشروط التسليم المذكورة.
هذه البضائع موضوع شراء الموقع بواسطتنا بتاريخ:
يوم ............... شهر ............... سنة ............... هـ.
الموافق: يوم ............... شهر ............... سنة ............... م.(34/35)
بيان ومواصفات البضاعة: ..................................................................................................................................................................
.....................................................................................................................................
.....................................................................................................................................
التكلفة الكلية للبضاعة:
.....................................................................................................................................
.....................................................................................................................................
.....................................................................................................................................
ربح البنك: ..................................................................................................................
سعر بيع البضاعة بواسطة البنك: ...........................................................................................................................
المستندات المقدمة:......................................................................................................................................... ......................
شروط ومكان التسليم:........................................................................................................... ........................................(34/36)
اسم طالب الشراء والعنوان بالكامل:...................................................................................................................
مكان العمل:........................................................................................................... ..................................................................
التاريخ: ........................................................................................................... ...............................................................................
توقيع طالب الشراء:.............................................................................................................................................................
عقد بيع
تم ابرام عقد البيع هذا بين كل من:
اولاً: ............................................... ويشار اليه فيما بعد لأغراض هذا العقد بالطرف الأول (بائع)
ثانياً: بنك الخرطوم فرع ............................... .ويشار اليه فيما بعد لأغراض هذا العقد بالطرف الثاني (مشتري)
طلب الطرف الثاني من الطرف الأول ان يبيعه وقبل الطرف الأول هذا الطلب.
اتفق الطرفان على عقد البيع هذا بالشروط التالي:-
1/ باع الطرف الأول ............................................... للطرف الثاني في مقابل مبلغ.......................................................... (فقط مبلغ ............................................... .....................................................)
2/ تسلم البضاعة كاملة للطرف الثاني وتنتقل الى ملكيته بعد التوقيع على هذا العقد مباشرة.
3/ يدفع الطرف الثاني المبلغ المذكور في البند (1) اعلاه للطرف الأول عند التوقيع على هذا العقد ويعتبر توقيع الطرف الأول ايصالاً منه بالإستلام.(34/37)
4/ سلم المبلغ بموجب شيك مصرفي رقم .............................................. بتاريخ .............................
وقع عليه في هذا اليوم ........................................................... الموافق ..............................................
(الطرف الثاني)
......................................................
الطرف الأول (البائع)
ع/ بنك الخرطوم ............................................
الشهود:
2/ الأسم: ................................................
التوقيع: ......................................................
1/ الأسم: ........................................................
التوقيع: ....................................
بسم الله الرحمن الرحيم
بنك الخرطوم
عقد بيع بالمرابحة
تم هذا الاتفاق في يوم ........................ شهر .................. سنة ............................ هـ.
الموافق: يوم ................ شهر......................... سنة ................................ م.
فيما بين:-
بنك الخرطوم (ويشار اليه بالطرف الأول)
وبين :..................................................................................................... (ويشار اليه بالطرف الثاني).
بما ان الطرف الثاني طلب من الطرف الأول شراء: ................................................................................................
(يشار اليها فيما بعد بالبضاعة) بموجب طلب الشراء الموقع بواسطته بتاريخ بيعها له فقد اتفق الطرفان على الآتي:
(1) وافق الطرف الأول على بيع البضاعة للطرف الثاني مقابل مبلغ ........................................................
والذي يمثل قيمة شراء البضاعة زائداً المصروفات وقدرها .............................................................................(34/38)
زائداً ربح الطرف الأول والبالغ ...............................................................................................................................................
(2) وافق الطرف الثاني على شراء البضاعة التي حددها للطرف الأول.
(3) يتعهد الطرف الثاني بدفع ثمن البضاعة على النحو المتفق عليه.
(4) يقر الطرف الثاني بانه قد عاين البضاعة وانها خالية من كل العيوب.
(5) يكون هذا العقد نافذاً من تاريخ التوقيع عليه وتصبح البضاعة فور التوقيع ملكاً للطرف الثاني، وتعتبر البضاعة ومستنداتها مرهونة رهناً تأمينياً لصالح الطرف الأول حتى استيفائه لكامل الثمن المتفق عليه وله حق امتياز البائع.
(6) تخزن البضاعة لدى الطرف الأول لضمان سداد كل قيمتها بواسطة الطرف الثاني ولا يتم الافراج عن أي جزء منها الا بموافقة الطرف الأول الكتابية وبعد سداد قيمتها النسبية من القيمة الكلية التي وافق عليها الطرف الثاني في الفترة التي حددها الطرف الأول.
(7) تؤمن البضاعة تأميناً شاملاً ضد كل الأخطار بواسطة الطرف الثاني لدى شركة تأمين مقبولة للطرف الأول لصالحه.
(8) على الطرف الثاني تقديم ضمان مصرفي (رهن عقاري او ضمان شخصي مقبول) للطرف الأول يضمن قيام الطرف الثاني بسداد كل المبالغ المستحقة عليه في مواعيدها المحدودة بالإضافة لرهن البضاعة وتخزينها لدى الطرفا لأول.
(9) اذا فشل او امتنع الطرف الثاني عن استلام البضاعة او أي جزء منها او المستندات، يحق للطرف الأول بيعها بالسعر الذي يحصل عليه والصورة التي يراها مناسبة لإستيفاء حقوقه بموجب هذا العقد واي مصروفات اخرى وان يرجع الى الطرف الثاني ما بقي له في ذمته.
الطرف الثاني
......................................................
الطرف الأول
......................................................
ع/ بنك الخرطوم
بحضور:(34/39)
1/ الأسم: ...................................................... ...................................................... .....................
التوقيع: ...................................................... ...................................................... ..............................
2/ الأسم: ...................................................... ...................................................... ............................
التوقيع: ...................................................... ...................................................... ................................
الهوامش والمراجع
1- القاموس المحيط باب الحاء فصل الراء محي الدين محمد الفيروزآبادي الشيرازي الطبعة الرابعة (1938).
2- لسان العرب لابن منظور 2/442 أبو الفضل جمال الدين بن منضور الأفريقي المصري (711هـ) دار صادر بيروت.
3- الخرشي علي خليل 5/171. شرح الخرشي على مختصر خليل (أبو عبدالله محمد بن عبدالله 1101هـ)
4- البناية في شرح الهداية 6/486 محمد العينى - دار الفكر.
5- بدائع الصنائع للكاساني، 7/3163. أبو بكر بن مسعود بن أحمد علاء الدين الكاساني الحنفي (587هـ).
6- المغني 4/259. موفق الدين عبدالله بن محمد بن قدامه المقدسي (620هـ)، الطبعة الثالثة.
7- روضة الطالبين للنووي 3/526 أبي زكريا يحي النووي (676هـ) المكتب الإسلامي للطباعة.
8- بلغة السالك لأقرب المسالك لأحمد الصاوي 2/77.
9- المائدة : الآية 1.
10- الموافقات للشاطبي 2/21 أبو إسحاق إبراهيم اللخمي الغرناطي (790هـ) طبعة محمد علي صبيح وأولاده.
11- الأعراف: الآية 199.
12- البقرة : الآية 275.
13- قيل يا رسول الله أي الكسب أطيب قال : عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور، إحياء علوم الدين 2/61، رواه البزار والحاكم وقال: صحيح الإسناد.(34/40)
14- مغنى المحتاج للخطيب 2/77. محمد بن أحمد الشربينى الخطيب (977هـ).
15- بدائع الصنائع 2/3192.
16- المدونة للإمام مالك 4/227 للإمام مالك بن أنس طبعة دار صادر بيروت.
17- مشكلة الاستثمار في (المصارف الإسلامية) الصاوي ص 202. د. محمد صلاح محمد الصاوي، الطبعة الأولي 1990م.
18- المغني لابن قدامة 4/102.
19- تعبير فارسي معناه كل عشرة ربحها درهمان.
20- الاستثمار والرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية (دراسة مقارنة) للبعلي ص 134.
21- انظر - شيخ الإسلام ابن تيمية الغناوى ج29 ص 499 والمبسوط للسرخسي 12/111 وبدائع الصنائع 7/3204. وتبين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي 4/78. والقوانين الفقهية لابن جزئ ص 174.
22- روضة الطالبين 3/527. أبو زكريا يحي بن شرف النووي (676هـ).
23- حاشية ابن عابدين 4/29 بداية المجتهد 2/148. المهذب 1/266 كشاف القناع على متن الإقناع 3/139.
24- تعميق أسلمة المصارف الإسلامية ج3 ص 9.
25- بهذا أخذ بنك التضامن الإسلامي السوداني. المدونة الكبري للإمام مالك رواية سحنون، بيروت.
26- بدائع الصنائع 7/3193.
27- الخرشي علي خليل 5/172.
28- المدونة 4/240.
29- روضة الطالبين 3/531.
30- مغني المحتاج 2/80.
31- بدائع الصنائع 2/80 - روضة الطالبين 3/536.
32- راجع بدائع الصنائع 7/3200 ومغنى المحتاج 2/79 والمدونة 4/277 - الشرح الكبير لأبي الفرج بن قدامة 4/107.
33- المدونة 4/277.
34- بدائع الصنائع 7/3200.
35- الشرح الكبير 4/107 - المدونة 4/228.
36- بدائع الصنائع 7/2197.
37- بداية المجتهد لابن رشدى 2/193 محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (595هـ) طبعة مصطفي الحلبي.
38- مغني المحتاج 2/79 بدائع الصنائع 2/2202 المدونة 4/104 الشرح الكبير 4/229 البناية في شرح الهداية 6/503.
39- مغني المحتاج 2/79.
40- المغني لابن قدامة 4/264.
41- راجع المغني المحتاج 2/79.(34/41)
42- المبسوط للسرخسي 13/88 شمس الدين محمد بن أحمد أبي بكر السرخسي
(490هـ) دار المعارف بيروت الطبعة الثانية.
43- الشرح الكبير 4/104 شمس الدين أبو الفرج بن قدامة (682هـ) - دار الكتاب العربي - بيروت.
44- الشرح الكبير 4/104.
45- المدونة 4/240.
46- سلسلة تعميق أسلمة المصارف ج3 ص 11.
47- بدائع الصنائع 7/3206 والمغني لابن قدامة 4/263.
48- بدائع الصنائع 7/3206.
49- المغني لابن قدامة 4/265.
50- المغني لابن قدامة 4/265.
51- علي خليل 5/179.
52- مغني المحتاج 2/79.
53- المغني 4/265.
54- بدائع الصنائع 7/3206.
55- المبسوط للسرخسي 13/86.
56- الشرح الكبير 1/105 ابن قدامة.
57- الشرح الكبير 1/105 ابن قدامة.
58- بدائع الصنائع 7/3207. الكاساني.
59- الشرح الكبير 1/105 الكاساني.
60- البقرة: الآيات 282، 283.
61- البقرة : الآيات 282 - 283.
62- البقرة : الآية 283.
63- ومعنى "لا يغلق الرهن" أي لا يجوز للمرتهن تمليكه عند العجز عن السداد وإنما يظل على ملك الراهن.
64- أخرجه الحاكم والدارقطنى/ سبل السلام 3/52 محمد بن اسماعيل الصنعاني
(1182هـ) إحياء التراث العربي بيروت.
65- وذلك من باب لا ضرر ولا ضرار، وكذلك الضرر يزال.
66- الاستثمار والرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية ص 141 - 142 د. عبدالحميد محمود البعلي دار النهضة العربية الطبعة الأولي 1988م.
67- الاستثمار والرقابة في المصارف الإسلامية د. البعلي ص 143.
68- الموسوعة العملية والعلمية للبنوك الإسلامية ص 29. الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، الطبعة الاولي.
69- سلسلة تعميق أسلمة النظام المصرفي ج2 ص 12.
70- المرجع السابق ص 13.
71- سلسلة أسلمة المصارف الإسلامية ج2 ص 15. د. سراج الدين محمد، الدار السودانية للكتب 1999م.
72- سلسلة أسلمة المصارف الإسلامية ج2 ص 15.
73- أضواء على القواعد والعادات الموحدة للاعتمادات المستندية، ص 39 د. محى الدين اسماعيل.(34/42)
74- المرجع السابق ص 39.
75- فقه المرابحة د. عبدالحميد البعلي ص 89 وما بعدها - دار النهضة العربية الطبعة الأولي 1977م.
76- تنص المادة (446) من مرشد الحيران على أنه إذا اشترط في العقد على البائع تسليم المبيع في محل معين لزمه تسليمه في المحل المذكور.
77- النقد والمصارف الإسلامية : جزء المصارف : يوسف كمال ص 147.
78- محاضر اجتماع هيئة الرقابة الشرعية - بنك فيصل الإسلامي السوداني رقم 37، 38، 39، 40، 41.
[CMC1]) نمبيسبمنت سيب منتيبيسبتيب
??
??
??
??
16 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
عقد المرابحة- ضوابطه الشرعية- صياغته المصرفية وانحرافاته التطبيقية 17
)(34/43)
علاقة المصارف الإسلامية في الأردن
بالبنك المركزي الأردني
الدكتور إسماعيل إبراهيم الطراد
مساعد مدير البنك المركزي الأردني - فرع اربد
بحث مقدم إلى
المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي
الذي تنظمه كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
بجامعة أم القرى - مكة المكرمة
خلال شهر محرم 1424 هـ
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
يهدف هذه البحث إلى بيان علاقة البنك المركزي الأردني بالبنوك الإسلامية العاملة في الأردن , حيث استعرض الباحث أدوات رقابة البنك المركزي الأردني على البنوك المرخصة العاملة في الأردن والتشريعات التي تنظم عمل المصارف الإسلامية في الأردن , ثم بين أهم المشكلات التي تواجهها البنوك الإسلامية مع البنوك المركزية وآراء بعض الباحثين والمصرفيين الإسلاميين حولها 0
وقد توصل الباحث إلى بيان أدوات الرقابة التي يطبقها البنك المركزي على البنوك الإسلامية ومدى استفادة البنوك الإسلامية منها , وقد اختتم البحث بعدد من التوصيات التي قد تساهم في قيام البنك المركزي الأردني بإجراء تعديل على بعض أدوات الرقابة وإدخال عناصر جديده فيها لصالح البنوك الإسلامية والتي قد تؤدي إلى استثمار البنوك الإسلامية السيولة الزائدة لديها مما ينعكس على زيادة ربحيتها وزيادة نسبة العوائد التي توزعها على حسابات العملاء لديها0
Abstract
The aim of the study is to illustrate the relationship between the Central Bank of Jordan (CBJ) and the Islamic Banks operating in Jordan . Whereas , the researcher reviewed the CBJ Control Instruments, Legislations and its Regulations on the working of the Islamic banks in Jordan. The researcher also presents the main problems that are facing the Islamic Banks by the action of the CBJ , and offers some related views by both researchers and bankers.(35/1)
The researcher also reported the Control Instruments Methods that are applied by the CBJ on the Islamic Banks and indicated the extent which the Islamic Banks could be benefited by applying such Instruments.
The researcher concluded the study by offering some recommendations , which could contribute in undertaking an Adjustment Procedure for some Control Instruments, and to allow new elements for the benefits of the Islamic Banks . Therefore, this will lead to an investment of excess liquidity that available with Islamic Banks. Subsequently , it will be reflected in the increase of its profits and also increased its rate of returns which could then be distributed on their customers accounts .
المبحث الأول
خلفية الدراسة والإطار العام للبحث
أولاً : المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وآله وصحبه الكرام أجمعين ومن سار على نهجهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين وبعد :-
لقد برزت فكرة البنوك الإسلامية وتطورت تطورا ملحوظا من اجل المساعدة على استيعاب الفائض النقدي المتوفر في الدول الإسلامية وصاحب ظهورها تطور في الفكر الاقتصادي الإسلامي والذي اعتمد تحريم الإسلام للربا أساسا له وأعاد النظر في الهياكل النقدية والمالية في الدول الإسلامية بشكل يلغى فيه نظام الفوائد ويحل محله مبدأ المشاركة في الربح أو الخسارة , هذا المبدأ الذي جاءت البنوك الإسلامية لكي تكرسه عن طريق ممارستها لمختلف العمليات والخدمات البنكية 0
ويعود تاريخ العمل المصرفي الإسلامي إلى عام 1940 عندما أنشأت في ماليزيا صناديق للادخار تعمل بدون فائدة , وفي عام 1950 بدأ التفكير المنهجي المنظم يظهر في الباكستان بوضع تقنيات تمويلية تراعي التعاليم الإسلامية (1) 0(35/2)
وفي عام 1963 أنشئ في مصر بقرية ميت غمر بنك الادخار وقام بفتح حسابات توفير تحت الطلب وحسابات استثمار سنوية وحسابات الخدمة الاجتماعية مثل الزكاة والهدايا الخيرية ولم يكتب لهذه التجربة النجاح مما حدا بالبنك المركزي المصري والبنك الأهلي المصري أن يضعا أيديهما عليه في عام 1986م (2)0
وفي عام1971م أسس بنك ناصر الاجتماعي وهو هيئه عامه (مصرف حكومي) من اجل تشجيع الادخار وتوسيع قادة التكافل الاجتماعي بين المواطنين وتوفير العمل ومنح القروض بدون فوائد والاستثمار وفقا لنظام المشاركة وتقديم المعونات0
وفي عام 1974 أسس البنك الإسلامي للتنمية في جده بالمملكة العربية السعودية وهو مؤسسه دوليه مستقلة تهدف لدعم التنمية الاقتصادية لشعوب الدول والمجتمعات الإسلامية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية وتقديم القروض الحسنه وتمويل المشروعات على أساس المشاركة في الأرباح 0
وفي عام 1975 أسس بنك دبي الإسلامي وكان البداية الحقيقية للعمل المصرفي الإسلامي المتكامل الخدمات ثم توالى إنشاء البنوك الإسلامية وبيوت التمويل في البلاد الإسلامية مثل بيت التمويل الكويتي, وبنوك فيصل الإسلامية(3)
ولقد عرف النشاط البنكي الذي لا يأخذ بنظام الفائدة انتشارا كبيرا في العديد من الدول الإسلامية الأخرى وبعض الدول الأوروبية وبدأت بعض البنوك التقليدية تنشئ فروعا لها للمعاملات الإسلامية (4) 0
وقد أدى هذا التطور إلى زيادة اهتمام البنوك المركزية بالمصارف الإسلامية وتقسم هذه المصارف إلى أربعة مجموعات من حيث علاقتها بالبنوك المركزية:-
المجموعة الأولى :-
…وتمثلها الدول التي حولت مصارفها بالكامل إلى مصارف إسلامية بما فيها البنوك المركزية ذاتها وهي باكستان والسودان وإران وهذه المصارف مندمجة مع النظام المصرفي وليست لديها مشكلات كبيره مع البنوك المركزية(5)
المجموعة الثانية :-(35/3)
…وتمثله الدول التي منحت المصارف الإسلامية عناية خاصة فأصدرت لها قوانين خاصة تحدد علاقتها بالبنك المركزي مع بقاء النظام المصرفي التقليدي على حاله مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة , وماليزيا (6) 0
المجموعة الثالثة :-
…وهي مجموعة البنوك الإسلامية التي أصدرت لها قوانين استثنائية أو مؤقتة وحصلت على إعفاءات صريحة أو ضمنيه, كاملة أو جزئيه, ومثالها المصارف الإسلامية التي نشأت في مصر والأردن والبحرين والفلبين والكويت(7) 0
المجموعة الرابعة :-
وهي مجموعة البنوك التي قامت دون تنظيم خاص يحكمها , ودون إعفائها من النظم المصرفية التقليدية مثل الدنمارك وبريطانيا (8) 0
إن العلاقة بين البنوك المركزية والمصارف الإسلامية تنبع من أهمية إشراف المصارف المركزية على المصارف الإسلامية لضمان حسن سير أعمالها والاطمئنان على أوضاعها المالية وضمان حقوق أصحاب الحسابات لديها إلا أن المصارف الإسلامية تعاني من خضوعها لنفس أدوات السياسة النقدية التي تطبق على المصارف التقليدية وأن بعض هذه الأدوات ما هو قائم على الربا كسعر إعادة الخصم والمقرض الأخير والنسب الائتمانية التي تفرضها البنوك المركزية 0 …
ثانيا : مشكلة الدراسة:
يطبق البنك المركزي الأردني طريقة واحدة للرقابة على المصارف الإسلامية والبنوك التقليدية العاملة في المملكة الأردنية الهاشمية مثل الاحتياطي النقدي الإلزامي , السيولة القانونية , السقوف الائتمانية , إعادة الخصم والمقرض الأخير وغيرها من السياسات النقدية التي يطبقها البنك المركزي الأردني والتي تؤثر سلبا على بقية المصارف الإسلامية وتنعكس بالتالي على نسب توزيع الأرباح على حسابات الاستثمار لديها 0
ثالثا : أهداف الدراسة
تهدف هذه الدراسة إلى بيان العلاقة ما بين البنوك الإسلامية العاملة في الأردن والبنك المركزي الأردني والتي تتلخص بما يلي :-(35/4)
1- توضيح مفهوم رقابة البنك المركزي الأردني على البنوك الإسلامية في الأردن وأدواتها الرئيسة ودوافع تطبيقها 0
2- معرفة رأي الإدارة العليا للبنك الإسلامي الأردني والبنك العربي الإسلامي بأدوات الرقابة التي يطبقها البنك المركزي الأردني على هذين البنكين الإسلاميين 0
3- معرفة رأي العاملين في دائرة الرقابة على الجهاز المصرفي الأردني المطبقين لأدوات الرقابة على المصارف الإسلامية بهذه الأدوات 0
4- تقديم التوصيات المناسبة التي تهدف إلى تطبيق أدوات رقابه تناسب عمل المصارف الإسلامية في الأردن حيث إن طبيعة عملها تختلف عن طبيعة عمل البنوك التقليدية0
رابعا: فرضيات البحث
تكمن دراسة المشكلة موضوع البحث من خلال الإجابة على الأسئلة التالية :-
1- هل يطبق البنك المركزي الأردني نفس السياسات النقدية التي تطبق على البنوك التقليدية في رقابته على البنوك الإسلامية في الأردن 0
2- هل تلائم السياسات النقدية التي يطبقها البنك المركزي الأردني على البنوك الإسلامية طبيعة عملها 0
3- هل تؤثر السياسات النقدية التي يطبقها البنك المركزي على ربحية البنوك الإسلامية وما مدى تأثير ذلك على العوائد التي يتم توزيعها على أصحاب الحسابات الاستثمارية لدى تلك البنوك 0
خامسا: طرق جمع البيانات :
اعتمد الباحث في جمعه للبيانات الخاصة بالبحث عدة طرق كما يلي :-
1- دراسة القوانين والأنظمة التي تنظم عمل المصارف الإسلامية في الأردن0
2- المقابلات الشخصية مع العاملين في الإدارات العليا للبنك الإسلامي الأردني والبنك العربي الإسلامي الدولي والعاملين في الرقابة على المصارف الإسلامية بدائرة الرقابة على الجهاز المصرفي الأردني في البنك المركزي الأردني 0(35/5)
3- استخدام استبانه لكل من مسؤولي الإدارات العليا للبنك الإسلامي الأردني والبنك العربي الإسلامي الدولي الذين يتعاملون بشكل مباشر بتطبيق السياسات النقدية التي يستخدمها البنك المركزي في الرقابة على البنوك ومسؤول وحدة الرقابة على المصارف الإسلامية بدائرة الرقابة على الجهاز المصرفي الأردني بالبنك المركزي الأردني وقد تم التأكد من صدق الأسئلة التي تحويها الاستبانة وذلك بتجريبها على عدد من الموظفين العاملين في الإدارات العليا للبنكين الإسلاميين ووحدة الرقابة على الجهاز المصرفي في البنك المركزي الأردني ثم وزعت (3) استبانات منها على مسؤولي الإدارات العليا في البنكين الإسلاميين ومسؤول وحدة الرقابة على المصارف الإسلامية في البنك المركزي الأردني وأعيدت الثلاث استبانات معبئه من قبلهم 0
سادسا : عينة البحث وحدوده
بما أن البحث تطبيقي في المصارف الإسلامية العاملة في الأردن فان مجتمعه سيقتصر على أدوات رقابة البنك المركزي الأردني على المصرفين الإسلاميين العاملين في الأردن وهما البنك الإسلامي الأردني والبنك العربي الإسلامي الدولي0
سابعا: مكونات البحث
من اجل تحقيق عرض جيد للبحث فقد تم تقسيمه إلى أربعة مباحث وكما يلي :-
المبحث الأول : خلفية الدراسة والإطار العام للبحث0
المبحث الثاني: الإطار النظري للبحث
المبحث الثالث: تحليل البيانات ومناقشة النتائج
المبحث الرابع: النتائج والتوصيات
المبحث الثاني
الإطار النظري للبحث
المطلب الأول : التعريف بالجهاز المصرفي الأردني:(35/6)
يقع البنك المركزي الأردني على راس الجهاز المصرفي الأردني وهو السلطة النقدية في المملكة ويهدف إلى المحافظة على الاستقرار النقدي وضمان قابلية تحويل الدينار الأردني وتشجيع النمو الاقتصادي المضطرد , ثم البنوك المرخصة والتي بلغ عددها في نهاية عام 2001 (21) بنكا منها تسعة بنوك تجاريه وخمسة بنوك استثمارية وبنكان إسلاميان بالإضافة إلى خمسة فروع لبنوك أجنبية بلغ عدد فروعها داخل المملكة 471 فرعا وبلغ عدد فروع البنوك الأردنية العاملة في الخارج 139 فرعا منها 52 فرعا في فلسطين , بلغ إجمالي موجودات = مطلوبات تلك البنوك في نهاية عام 2001 مبلغ 6ر14153 مليون دينار أردني أي
ما يعادل 6ر19934 مليون دولار أمريكي وإجمالي ودائع العملاء لديها 3ر8721 مليون دينار أردني أي ما يعادل 5ر12283مليون دولار أمريكي في حين بلغت التسهيلات الائتمانية الممنوحة من قبل تلك البنوك لكافة القطاعات الاقتصادية
9ر4948 مليون دينار أردني أي ما يعادل3ر6970 مليون دولار أمريكي في نهاية عام 2001(9)0
أما البنكان الإسلاميان فالأول هو البنك الإسلامي الأردني الذي تأسس في عام 1978 بقانون خاص مؤقت والذي حل محله فصل خاص بالبنوك الإسلامية في قانون البنوك رقم 28 لسنة 2000الذي بدأ العمل به اعتبارا من 1/8/2000, أما الثاني فهو البنك العربي الإسلامي الدولي والذي تأسس عام 1997 وباشر أعماله في 9/2/1998 0(35/7)
لقد بلغ إجمالي موجودات = مطلوبات البنكان الإسلاميان العاملان في الأردن في نهاية عام 2001 مبلغ 1160 مليون دينار أردني أي ما يعادل 8ر1633 مليون دولار أمريكي شكلت ما نسبته 2ر8% من إجمالي موجودات = مطلوبات البنوك العاملة في الأردن في نهاية ذلك العام وبلغ رصيد حسابات العملاء لديهما في نهاية عام 2001 مبلغ 727 مليون دينار أردني أي ما يعادل 9ر1023 مليون دولار أمريكي شكلت ما نسبته 3ر8% من ودائع العملاء لدى البنوك العاملة في الأردن بينما بلغ رصيد حساب التمويل والاستثمار لديهما في نهاية عام 2001 مبلغ 672 مليون دينار أردني أي ما يعادل 5ر946 مليون دولار أمريكي شكل ما نسبته
6ر13% من التسهيلات الائتمانية الممنوحة من قبل البنوك العاملة في الأردن في نهاية عام 2001 0
بلغ عدد فروع البنكين الإسلاميين داخل المملكة (77) فرعا شكلت ما نسبته 2ر13% من عدد فروع البنوك العاملة في المملكة في نهاية عام 2001 0
وقد بلغت نسبة توزيع الأرباح على أصحاب الحسابات بالدينار الأردني لدى البنكين الإسلاميين في نهاية عام 2001 ما نسبته 87ر3% , 01ر3% , 15ر2% على حسابات لاجل , خاضعة لإشعار , التوفير على التوالي لدى البنك الإسلامي الأردني وبلغت في المتوسط 9ر4% لدى البنك العربي الإسلامي الدولي بينما بلغ الوسط المرجح لأسعار الفائدة على الودائع لدى البنوك التقليدية28ر5% , 97ر2% على حسابات لاجل والتوفير على التوالي 0
وقد بلغت قيمة الموجودات السائلة ( النقد في الصندوق وارصده لدى البنوك) لدى البنكين الإسلاميين العاملين في الأردن 26% في نهاية عام 2001 بينما بلغت تلك النسبة لدى البنوك المرخصة العاملة في الأردن في نهاية تلك الفترة
8ر16% وهذا يعكس ارتفاع قيمة الموجودات السائلة لدى البنوك الإسلامية في الأردن لعدم توفر مجالات استثمار لها كما هو الحال في البنوك التقليدية(35/8)
وتركز البنوك الإسلامية في الأردن على تمويل عمليات المرابحة للآمر بالشراء حيث بلغت عمليات تمويل المرابحة لدى البنكين الإسلاميين في الأردن مبلغ 4ر212 مليون دينار في نهاية عام 2001م شكلت ما نسبته 4ر65% من إجمالي ذمم البيوع المؤجلة والتمويلات لدى البنكين (10) 0
المطلب الثاني
أدوات رقابة البنك المركزي على البنوك المرخصة في الأردن:-
يستخدم البنك المركزي الأردني الوسائل التالية لتحقيق أهدافه والمتعلقة بالبنوك المرخصة :-
1- تنظيم كمية الائتمان ونوعيته وكلفته ليتجاوب مع متطلبات النمو الاقتصادي والاستقرار النقدي 0
2- العمل كبنك للبنوك المرخصة 0
3- مراقبة البنوك بما يكفل سلامة مركزها المالي وضمان حقوق المودعين والمساهمين 0
وهو يقوم باستخدام هذه الوسائل من خلال الأدوات التالية:-
أولا: الاحتياطي النقدي الإلزامي :-
تنظم المادة (42) من قانون البنك المركزي الأردني رقم 23 لسنة 1971 وتعديلاته طرق تعامل البنك المركزي الأردني بالاحتياطي النقدي الإلزامي المفروض على البنوك المرخصة حيث تنص الفقرة (أ) من هذه المادة أنه "على البنك المركزي الأردني ان يطلب من البنوك المرخصة إيداع احتياطي نقدي إلزامي لديه بنسبة أو نسب معينه من ودائعها المختلفة على أن لا تقل هذه النسبة أو النسب عن 5% ولا تزيد عن 35% منها وللبنك المركزي أن يودع الاحتياطي النقدي الإلزامي في حساب جار أو على شكل وديعة إشعار أو لاجل ولا يجوز السحب من هذه الحساب إلى ما دون النسبة المقررة إلى بموافقة البنك المركزي الأردني (11) , وقد طلب البنك المركزي من البنوك المرخصة الاحتفاظ بالاحتياطي النقدي الإلزامي بما نسبته 60% على شكل وديعة خاضعة لاشعار يومين و40% على شكل حساب جاري (12) كما حدد البنك المركزي النسبة المطبقة على البنوك بـ 8% اعتبارا من 1/1/2002(13) 0(35/9)
وفي ضوء تطبيق البنك المركزي لنظام التسويات الإجمالية الفوري فقد قرر البنك المركزي الأردني دمج متطلبات الاحتياطي النقدي الإلزامي في الحساب الجاري بحيث يظهر رصيد البنك متضمنا الحد الأدنى الواجب عدم التصرف به
(80%) وعدم السماح بانخفاض رصيد البنك الفعلي عن هذا الحد (14) ويحتسب البنك المركزي الأردني غرامه نقدية لا تزيد عن
1 من قيمة النقص عن كل يوم يستمر فيه النقص (15) 0
3650
ثانيا : السيولة القانونية :
من الأسلحة النقدية التي يستخدمها البنك المركزي الأردني هو التحكم بنسبة السيولة وتتناسب السيولة والائتمان تناسبا عكسيا 0
ان مشكلة السيولة هي من أهم المشاكل التي تواجه عمليات الائتمان المصرفي وذلك للتعارض القائم بين هدفي الربحية والسيولة فإذا كان البنك المركزي يهدف إلى التقليل من حجم الائتمان الذي تمنحه البنوك يعمد إلى رفع نسبة السيولة القانونية الذي يتوجب على البنوك الاحتفاظ بها أما إذا كان يهدف إلى زيادة حجم الائتمان الذي تمنحه البنوك فيخفض هذه النسبة فيصبح بإمكان البنوك التوسع في الاقراض0
وقد حدد البنك المركزي الأردني الحد الأدنى لنسبة السيولة القانونية الواجب على البنوك الالتزام بها بـ 30% , أما طريقة احتساب النسبة فهي كما يلي:-
مكونات بسط النسبة :
01 المسكوكات وأوراق النقد الأردنية 0
02 أرصدة البنوك لدى البنك المركزي 0
03 أرصدة البنوك لدى البنوك الأخرى داخل المملكة مطروحا منها ودائع البنوك داخل المملكة بما فيها ودائع البنك المركزي لدى تلك البنوك مع ملاحظة نقل نتيجة التقاص إلى مقام النسبة إذا كانت بالسالب 0
04 أرصدة البنوك لدى البنوك خارج المملكة مطروحا منها ودائع تلك البنوك لدى البنوك خارج المملكة ( بما فيها ارصده وودائع المركز والفروع خارج المملكة ) مع ملاحظة نقل نتيجة التقاص إلى مقام النسبة إذا كانت بالسالب 0(35/10)
05 السندات الحكومية أو بكفالة الحكومة وتستحق الدفع في مده أقصاها ثلاثة اشهر0
06 سندات حكومية أو بكفالة الحكومة وتستحق الدفع في مده تزيد عن ثلاثة اشهر 0
اما مكونات مقام النسبة فهي :-
01 ودائع العملاء لدى البنك بكافة أنواعها
02 المبالغ المقترضة من قبل البنك أيا كان مصدرها 0
03 الشيكات والحوالات والسحوبات برسم الدفع (16) 0
ثالثا : نسبة الائتمان /الودائع :
يهدف البنك المركزي من فرض هذه النسبة إلى تحديد نسبة الائتمان الممنوح من قبل البنوك المرخصة إلى حجم الودائع لديها بحيث لا يتجاوز ذلك الائتمان نسبه معينه وقد تراوحت هذه النسبة بين 70% - 90% خلال الفترة من عام 1974 إلى عام 1995 حسب الأوضاع الاقتصادية السائدة وقد ألغى البنك المركزي هذه النسبة عام 1995 ضمن توجهه إلى تبني الأسلوب غير المباشر في إدارة السياسة النقدية (17) 0
رابعا: السقوف والتركزات الائتمانية :
احتلت سياسة أو أداة السقوف الائتمانية مكانه مرموقة بين ألا سلحة النقدية التي تبناها البنك المركزي عام 1992 عندما تحتم على البنك المركزي ضبط حجم التسهيلات الائتمانية ضمن الحدود والخطوط التي قررها برنامج التصحيح الاقتصادي وقد قام بتحديد حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة بالدينار والعملات الأجنبية من قبل البنوك المرخصة بما لا يزيد عن عشرة أضعاف رأس المال والاحتياطيات لديها ويقصد بالتسهيلات هنا القروض والسلف وحسابات الجاري مدين بمختلف أشكالها والكمبيالات المخصومة وأية تسهيلات مباشرة أخرى واستثمارات البنوك في إسناد القرض والأسهم , بينما تشير عبارة رأس المال والاحتياطيات إلى راس المال المدفوع والاحتياطيات الإجبارية والاختيارية والأرباح المدورة (18) 0
وفي خلال عام 1995 ألغى البنك المركزي سقف الائتمان المشار إليه أعلاه (19) 0
خامسا: سعر الفائدة:(35/11)
يمثل سعر الفائدة المبالغ التي تتقاضاها المصارف مقابل تقديم القروض والتسهيلات لعملائها , فإذا كانت السياسة النقدية تهدف إلى خفض حجم الائتمان يعمد البنك المركزي إلى رفع الفائدة فتصبح تكلفة الاقتراض مرتفعه فيقل إقبال العملاء على طلب القروض وبالتالي تنكمش العمليات الائتمانية والعكس إذا ما رغب البنك المركزي في زيادة حجم الائتمان فيعمل على خفض سعر الفائدة فتصبح تكلفة الحصول على الأموال منخفضة نسبيا مما يشجع العملاء على طلب القروض فتعمل البنوك على التوسع في منح التسهيلات الائتمانية
ولا يتدخل البنك المركزي الأردني في تحديد سعر الفائدة الذي تدفعه البنوك المرخصة على ودائع العملاء ولا تلك التي تتقاضاها على التسهيلات الائتمانية بل تركت الحرية للبنوك لتحديد أسعار الفائدة وذلك اعتبارا من عام1990 (20) 0
سادسا : سعر إعادة الخصم : …
يستطيع البنك المركزي التأثير على حجم الائتمان عن طريق تغيير سعر إعادة الخصم , فرفع سعر الخصم معناه الإيعاز للبنوك بتقيد الائتمان وتخفيض سعر الخصم معناه الإيعاز للبنوك بالتوسع في الائتمان 0
وسعر الخصم هو سعر الفائدة الذي تتعامل بمقتضاه البنوك التجارية مع البنك المركزي , فإذا أراد بنك تجاري زيادة أرصدته السائلة ( النقدية ) فانه يلجأ إلى البنك المركزي طالبا إعادة الخصم لبعض الأوراق التجارية والسندات التي في حوزته وفق الشروط المحددة لعمليات الخصم من قبل البنك المركزي الأردني ويقوم البنك المركزي بخصمها على أساس سعر الفائدة المحدد من قبله وهو ما يطلق عليه سعر الخصم 0
وإذا ما قام البنك المركزي برفع سعر الخصم فان البنوك التجارية تقوم بنقل هذا العبء على عملائها عن طريق رفع سعر الفائدة على القروض مما يترتب عليه الحد من رغبة الأفراد في الحصول على الائتمان وبالتالي ينكمش حجم الائتمان والعكس تماما في حالة قيام البنك المركزي بتخفيض سعر الخصم 0(35/12)
وقد بلغ سعر إعادة الخصم لدى البنك المركزي الأردني في شهر ايلول/2002 ما نسبته 5% (21) 0
سابعا : عمليات السوق المفتوحة :-
يستطيع البنك المركزي أن يلجأ إلى عمليات السوق المفتوحة للرقابة على الائتمان في الاقتصاد القومي ويقصد بالسوق المفتوحة دخول البنك المركزي بائعا أو مشتريا للأوراق المالية الحكومية بهدف التأثير في عرض النقد بما يتلائم والأحوال الاقتصادية , ففي أوقات انخفاض مستوى النشاط الاقتصادي ومعاناة الدولة من حالة الركود والكساد يدخل البنك المركزي السوق المالية مشتريا للأوراق المالية الحكومية ويترتب على ذلك زيادة في عرض النقد وزيادة الأرصدة النقدية لدى المصارف التجارية فتزيد مقدرتها على منح الائتمان يضاف إلى ذلك أن زيادة كمية النقود المتاحة لدى الأفراد تؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات وهو ما يؤدي إلى زيادة التشغيل والإنتاج, وعلى العكس من ذلك إذا ما سادت البلاد حاله من التضخم وارتفاع الأسعار في الاقتصاد القومي فان البنك المركزي يدخل سوق الأوراق المالية بائعا للأوراق المالية الحكومية مما يترتب عليه تقليل عرض النقد وسحب النقود من المصارف التجارية كثمن لهذه الأوراق مما يقلل من مقدرتها على منح الائتمان 0
ثامنا : تسليف البنوك:
يقوم البنك المركزي الأردني بمنح البنوك المرخصة تسهيلات ائتمانية بعد التأكد من حاجة البنك المرخص إلى موجودات سائله تمكنه من تنفيذ التزاماته حيث يعمل البنك المركزي الأردني كملجأ أخير للقروض , كما يقوم البنك المركزي الأردني بمنح البنك المرخص الذي يعاني من مشاكل مالية ومصرفيه تؤثر على سيولته تسهيلات ائتمانية وذلك إذا تبين ان نتائج أعمال ذلك البنك قد أظهرت خسائر لسنتين متتاليتين وبعد التيقن والوقوف على أسباب هذه الخسائر 0(35/13)
لا تعطى هذه التسهيلات إلا ضمن حزمه من الإجراءات التصحيحية التي يضعها البنك المركزي ويلتزم بها البنك المرخص وتمنح لمده زمنية محدده تتناسب مع الإجراءات التصحيحية الموضوعة ويتفق البنك المركزي مع البنك المرخص على كيفية تسديدها 0
تاسعا : تفتيش البنوك :-
يكلف البنك المركزي موظفا أو اكثر من موظفيه لفحص دفاتر أي بنك مرخص وتدقيق حساباته ووثائقه الأخرى للتأكد من سلامة مركزه المالي وللمحافظة على أموال المودعين 0
كما أن على البنوك إعداد بيانات مالية نصف سنوية وسنوية تعكس من خلالها عملياتها وأوضاعها المالية وفق الإجراءات المحاسبية السليمة , وكذلك على كل بنك تعيين مدقق حسابات خارجي مستقل من بين القائمة التي يحددها البنك المركزي من بين مدققي الحسابات المصنفين بأعلى درجه وذلك لإبداء رأيه بالحسابات الختامية المعدة من قبل البنك وعدالة هذه البيانات وإبلاغ البنك المركزي خطيا إذا اكتشفت أية أمور جوهرية تؤثر على وضع ذلك البنك 0
عاشرا: الرقابة المكتبية:-
…يطلب البنك المركزي من البنوك المرخصة تزويده بالبيانات الدورية مثل البيان الشهري بالموجودات والمطلوبات على نموذج خاص تعده دائرة الرقابة على الجهاز المصرفي في البنك المركزي ويقوم البنك المركزي بتحليل البيانات الأساسية في البيان الشهري مثل الودائع وتصنيفاتها والتسهيلات وتصنيفاتها للتأكد من التزام البنك المرخص بالنسب والتعليمات التي يصدرها البنك المركزي 0
كما يطلب من البنوك المرخصة تزويده بميزانية البنك المرخص بعد إقرارها من الهيئة العامة للبنك مدققة من مدقق حسابات قانوني ويقوم البنك المركزي بدراسة هذه الميزانية وتحليلها للوقوف على الوضع المالي لذلك البنك 0(35/14)
كما يطلب البنك المركزي من كل بنك التصريح عن الأخطار المصرفية وذلك بتزويد البنك المركزي بأسماء العملاء الذين تزيد قيمة تسهيلاتهم الممنوحة عن مبلغ 30000 دينار ليتم تجميع هذه البيانات وتزويد البنوك بها عند استعلامهم عن ذلك العميل في حالة طلب الحصول على تسهيلات ائتمانية من البنوك الأخرى للوقوف على قيمة التسهيلات التي حصل عليها العميل من كافة البنوك في المملكة ليتمكن البنك من تقييم وضعه ودراسة ضماناته المقدمة دراسة جيده والتأكد من كفايتها مقابل الائتمان المطلوب 0
المطلب الثالث
التشريعات التي تنظم عمل المصارف الإسلامية في الأردن
تضمنت المواد من 50-59 من قانون البنوك رقم 28 لسنة 2000 المعمول به حاليا والذي بدأ العمل به اعتبارا من 1/8/2000 نصوص المواد التي تنظم عمل المصارف الإسلامية في الأردن حيث حدد القانون الجديد اهداف وغايات البنك الإسلامي وهي تقديم الخدمات المصرفية وأعمال التمويل والاستثمار غير القائمة على أساس الفائدة وكذلك تقديم الخدمات الهادفة لإحياء صور التكافل الاجتماعي المنظم على أسس المنفعة المشتركة 0
وقد تطرق القانون المذكور إلى الأمور التي يجب مراعاتها عند ممارسة البنك الإسلامي للأعمال المصرفية مراعيا أن تكون تلك الأعمال والنشاطات متفقه مع الآراء الفقهية المعتمدة وان تكون تلك الأعمال والنشاطات غير قائمه على أساس الفائدة0
كما حددت تلك المواد أعمال البنك الإسلامي والخدمات التي يقدمها كما يلي:-
1- قبول الودائع والحسابات : وذلك بالدينار الأردني وبالعملات الأجنبية المختلفة على شكل حسابات جاريه وتحت الطلب وحسابات الاستثمار المشترك 0
2- المحافظ الاستثمارية : وهي عبارة عن أوعيه ادخارية يقبل فيها البنك المبالغ من العملاء لإدارتها واستثمارها نيابة عنهم وغالبا ما تكون المحافظ مرتبطة بمشروع معين أو صفقه معينه 0(35/15)
3- الاستثمارات: ويستثمر البنك الإسلامي أمواله في قنوات استثمارية متعددة منها المضاربة , المشاركة , الاستثمار المباشر مثل شراء عقارات أو سيارات أو آليات أو غيرها , التأجير المنتهي بالتمليك 0
4- ممارسة الأعمال المصرفية الأخرى القائمة على أساس غير الفائدة بجميع أوجهها المعروفة أو المستخدمة سواء لحسابه أو لحساب غيره في داخل المملكة أو خارجها 0
5- القيام بدور الوصي المختار لإدارة الشركات وتنفيذ الوصايا وفقا لأحكام الشر يعه الإسلامية والقوانين المرعية 0
6- القيام بدور الوكيل الأمين في مجال الخدمات الاجتماعية الهادفة إلى توثيق أواصر الترابط والتراحم بين الجماعات والأفراد بما في ذلك تقديم القروض الحسنه أو إنشاء وإدارة الصناديق المخصصة للغايات الاجتماعية 0
7- تأسيس الشركات وتملك الأموال المنقولة وغير المنقولة وبيعها واستثمارها وتأجيرها واستئجارها بما في ذلك استصلاح الأراضي وإعدادها للزراعة والصناعة والسياحة والإسكان 0
8- إنشاء صناديق التأمين الذاتي والتأمين التبادلي لصالح البنك الإسلامي أو المتعاملين معه في مختلف المجالات 0
9- إدارة الممتلكات وغيرها من الموجودات القابلة للإدارة المصرفية على أساس الوكالة باجر 0
وقد أوجبت المادة (58) من قانون البنوك الجديد بوجوب تقيد البنك الإسلامي بأحكام الشريعة الإسلامية وذلك بتعيين هيئه تسمى ( هيئة الرقابة تشرعيه ) بقرار من الهيئة العامة للمساهمين لا يقل عدد أفرادها عن ثلاثة أشخاص يكون رأيها ملزما للبنك الإسلامي وتتولى هذه الهيئة المهام التالية :-
1- مراقبة أعمال البنك الإسلامي وأنشطته من حيث التزامها بالأحكام الشرعية 0
2- إبداء الرأي في صيغ العقود اللازمة لأعماله وأنشطته 0
3- النظر في أي أمور تكلف بها وفقا لأوامر البنك المركزي الصادرة لهذه الغاية (22) 0
المطلب الرابع(35/16)
أهم مشكلات البنوك الإسلامية مع البنوك المركزية وآراء بعض الباحثين والمصرفيين الإسلاميين حولها:-
إن من ابرز المشكلات التي تواجهها معظم البنوك الإسلامية مع البنوك المركزية ما يلي:-
1- تطبق البنوك المركزية على المصارف الإسلامية نفس نسبة السيولة بالرغم من اختلاف مكونات بسط النسبة :- يرى بعض الباحثين ان البنوك الإسلامية لا تتعامل بالسندات الحكومية وهي إحدى مكونات بسط النسبة ويقترحون اعتبار الأسهم ضمن مكونات بسط النسبة بدلا من السندات الحكومية (23) ويتفق كثير من الباحثين في الاقتصاد الإسلامي على استمرار سريان هذه النسبة لأنه ليس فيها ما يعتمد على التعامل التربوي كما إنها تحقق مطلب الأمان واليسر المالي في إدارة الأموال في البنوك الإسلامية (24) 0
2- تطبيق البنوك المركزية على المصارف الإسلامية نفس نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي :- ويرى الباحثين والمصرفيين الإسلاميين ما يلي بخصوص ذلك:
أ - الاحتفاظ باحتياطي كامل 100% 0
ب - تطبيق نسبة الاحتياطي النقدي على الحسابات الجارية فقط 0
ج - تطبيق نسبة الاحتياطي النقدي كما تطبق على المصارف التقليدية(25)0
3- صعوبة الحصول على تمويل من البنوك المركزية عند الحاجة :- ويرى بعض الباحثين في الاقتصاد الإسلامي بقيام البنك المركزي بوضع أمواله بصيغة المضاربة مع البنك الإسلامي على أن يأخذ هامش ربح يختلف عن هامش بقية العملاء حتى يبقى هامشا للبنك الإسلامي وقد أخذت بعض البنوك المركزية في بنغلادش وموريتانيا بالإيداع لدى البنوك الإسلامية ودائع استثمارية لحل مثل هذه المشكلة وحصلت على عوائد وأرباح عن إبداعاتها(26) 0(35/17)
4- عدم استفادة البنوك الإسلامية من إعادة الخصم :- حيث إن هذه الاداه تتعارض مع طبيعة عمل المصارف الإسلامية وذلك لأنها من الربا المحرم شرعا وقد اقترح بعض الباحثين في الاقتصاد الإسلامي إلغاء سعر الحسم حيث إن المقصود به التحكم بعرض النقود , فان المتغير الذي يمكن من خلاله تنفيذ السياسة النقدية في اقتصاد إسلامي هو الكتلة النقدية (27) 0
5- تعارض قيام البنوك المركزية بعمليات السوق المفتوحة مع طبيعة عمل المصارف الإسلامية وذلك لان السندات الحكومية تصدر بسعر فائدة ويرى بعض الباحثين في الاقتصاد الإسلامي قيام البنك المركزي باستخدام سندات المقارضة أو المرابحة الجائزة شرعا بدلا من السندات الحكومية(28)0
6- تطبق نسبة راس المال إلى الودائع على البنوك الإسلامية كما هي مطبقه على البنوك التقليدية: وبما أن حقوق الملكية/إجمالي الأصول مرتفع نسبيا في المصارف الإسلامية عنها في المصارف التقليدية بسبب زيادة المشاركات والاحتياطات فيرى بعض الباحثين الإسلاميين ان نسبة راس المال إلى الودائع في البنوك الإسلامية يجب أن تكون مختلفة عن البنوك التقليدية(29)0
7- تعتمد البنوك المركزية في تطبيق العقوبات والغرامات المالية كالنقص في الاحتياطي النقدي الإلزامي على استخدام سعر الفائدة وهذا يصطدم بشكل صريح مع مبدأ تحريم التعامل بالفائدة في المصارف الإسلامية ويرى بعض الباحثين في الاقتصاد الإسلامي أن تكون هذه العقوبات مقطوعة (أي بمبلغ محدد من المال ) (30) 0
المبحث الثالث
تحليل البيانات ومناقشة النتائج(35/18)
يتناول هذا المبحث عرضا وتحليلا للبيانات والنتائج التي تم الحصول عليها من الإجابات على الأسئلة التي تضمنتها الاستبانة التي وجهت إلى أحد المسؤولين في الإدارة العليا في كل من البنك الإسلامي الأردني والبنك العربي الإسلامي الدولي والى مسؤول وحدة الرقابة على أعمال البنوك الإسلامية بدائرة الرقابة على الجهاز المصرفي في البنك المركزي الأردني ( الاستبانة مرفقه مع هذه الدراسة ) 0
أولا : تحليل البيانات :-
م
السؤال
الاجابه
نعم
لا
العدد
النسبة%
العدد
النسبة%
1
هل يطلب من البنوك الإسلامية في الأردن الاحتفاظ باحتياطي نقدي إلزامي بنفس النسبة التي تحتفظ بها البنوك التقليدية لدى البنك المركزي الأردني ؟
3
100%
-
-
2
هل يطلب من البنوك الإسلامية في الأردن الاحتفاظ بسيوله قانونيه بنفس النسبة التي تحتفظ بها البنوك التقليدية؟
3
100%
-
-
3
هل مكونات بسط ومقام نسبة السيولة القانونية المطلوبة من البنوك الإسلامية هي نفسها المطلوبة من البنوك التقليدية؟
3
100%
-
-
4
لقد توقف البنك المركزي الأردني عن تحديد نسبة الائتمان/الودائع المفروضة على البنوك منذ عام 1995 هل توقف أيضا عن تحديد هذه النسبة للبنوك الإسلامية في الأردن ؟
3
100%
-
-
5
هل هنالك تحديد لحجم القروض الممنوحة من قبل البنوك الإسلامية إلى راس المال؟
-
-
3
100%
6
هل يحدد البنك المركزي الأردني نسبة العوائد التي تتقاضاها البنوك الإسلامية على القروض الممنوحة من قبلها ؟
-
-
3
100%
7
هل يحدد البنك المركزي الأردني نسبة العوائد التي تدفعها البنوك الإسلامية على حسابات العملاء لديها ؟
-
-
3
100%
8
هل تتعامل البنوك الإسلامية في الأردن بإعادة الخصم مع البنك المركزي الأردني لتوفير السيولة المطلوبة إذا احتاجت إلى ذلك ؟
-
-
3
100%
9(35/19)
هل تتعامل البنوك الإسلامية بشراء وبيع الأوراق الحكومية التي يصدرها البنك المركزي الأردني نيابة عن خزينة الدولة كأذونات الخزينة , شهادات الإيداع , سندات الخزينة ؟
-
-
3
100%
10
هل تتعامل البنوك الإسلامية لتوفير السيولة المطلوبة أو استثمار السيولة الفائضة عن حاجتها مع البنك المركزي من خلال نافذة الإيداع ؟
-
-
3
100%
م
السؤال
الإجابة
نعم
لا
العدد
النسبة %
العدد
النسبة %
11.
هل تلجأ البنوك الإسلامية في الأردن إلى الحصول على سلف من البنك المركزي الأردني إذا لزم الأمر ؟
-
-
3
100%
12.
هل إجراءات تفتيش البنوك الإسلامية هي نفس إجراءات تفتيش البنوك التجارية في الأردن ؟
3
100%
-
-
13.
هل يطلب من البنوك الإسلامية تزويد البنك المركزي الأردني بالبيانات الدورية المطلوبة من البنوك التقليدية كبيان الموجودات والمطلوبات ؟
3
100%
-
-
14.
هل يطلب من البنوك الإسلامية التصريح عن الأخطار المصرفية كما هو الحال في البنوك التقليدية؟
3
100%
-
-
15.
هل يوجد بند منفصل لميزانيات البنوك الإسلامية في النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزي والتقرير السنوي للبنك المركزي أم تدمج ضمن ميزانيات البنوك المرخصة العاملة في الأردن؟
-
-
3
100%
16.
هل تقتطع البنوك الإسلامية من أرباحها السنوية مبالغ كمخصصات لمواجهة الديون المتعثرة ؟
3
100%
-
-
17.
هل يلتزم البنك الإسلامي بالحد الأدنى لرأس المال وبالنسب المقررة لرأس المال مقابل الأصول الخطرة ؟
3
100%
-
-
18.
هل تواجه البنوك الإسلامية منافسه من قبل البنوك التجارية خصوصا أن بعض هذه البنوك قد بدأ أخيرا بفتح نوافذ استثمار على الطريقة الإسلامية ؟
3
100%
-
-
19.
هل تعتقد أن الفصل الخاص بالبنوك الإسلامية في قانون البنوك رقم 28 لسنة 2000 كاف كإطار قانوني لتنظيم عمل المصارف الإسلامية في الأردن ؟
1
3ر33%
2
6ر66%
المصدر : الاستبانة
ثانيا : مناقشة النتائج(35/20)
الاحتياطي النقدي الإلزامي :
من تحليل بيانات الاستبانة تبين أن المسؤولين في البنكين الإسلاميين في الأردن وفي وحدة الرقابة على أعمال البنوك الإسلامية في البنك المركزي الأردني أفادوا وبنسبة 100% انه يطلب من البنوك الإسلامية في الأردن الاحتفاظ باحتياطي نقدي إلزامي بنفس النسبة التي تحتفظ بها البنوك التقليدية لدى البنك المركزي الأردني ولا يوجد تمييز للبنوك الإسلامية فيما يتعلق بتلك النسبة 0
1- نسبة السيولة القانونية :-
من تحليل بيانات الاستبانة تبين أن المسؤولين في البنكين الإسلاميين في الأردن وفي وحدة الرقابة على أعمال البنوك الإسلامية في البنك المركزي الأردني أفادوا وبنسبة 100% انه يطلب من البنوك الإسلامية في الأردن الاحتفاظ بسيوله قانونيه بنفس النسبة التي تحتفظ بها البنوك التقليدية لدى البنك المركزي الأردني وان مكونات بسط ومقام نسبة السيولة المطلوبة من البنوك الإسلامية هي نفسها المطلوبة من البنوك التقليدية دون مراعاة لاختلاف طبيعة الحسابات التي تحتفظ بها البنوك الإسلامية للعملاء حيث ان غالبيتها هي حسابات استثمارية مشتركة ودون مراعاة لطبيعة القروض التي تمنحها البنوك الإسلامية لعملائها 0
2- نسبة الائتمان /الودائع :
لا يحدد البنك المركزي الأردني نسبة الائتمان إلى الودائع للبنوك الإسلامية وكما هو الحال بالنسبة للبنوك التقليدية حيث أجاب 100% من الذين تم سؤالهم في البنكين الإسلاميين والبنك المركزي ان البنك المركزي الأردني قد توقف عن فرض هذه النسبة اعتبارا من عام 1995 لكل من البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية0
3- نسبة الائتمان/رأس المال:(35/21)
أجاب 100% من الذين تم سؤالهم في البنكين الإسلاميين والبنك المركزي الأردني ان البنك المركزي الأردني لا يحدد حجم الائتمان/رأس المال للبنوك الإسلامية كما هو الحال للبنوك التقليدية حيث ألغى البنك المركزي الأردني تطبيق هذه النسبة اعتبارا من عام 1995 ضمن توجهه إلى تبني الأسلوب غير المباشر في السياسة النقدية 0
4- العوائد المدفوعة على حسابات العملاء والمقبوضة على القروض الممنوحة:
إن المسؤولين في البنكين الإسلاميين وفي وحدة الرقابة على الجهاز المصرفي في البنك المركزي الأردني أفادوا وبنسبة 100% بأن البنك المركزي الأردني لا يحدد نسبة العوائد التي تتقاضاها البنوك الإسلامية على القروض الممنوحة من قبلها وكذلك العوائد التي تدفعها البنوك الإسلامية على حسابات العملاء لديها , حيث توقف البنك المركزي الأردني عن تحديد اسعار الفائدة الذي تدفعه البنوك التقليديةعلى ودائع العملاء والتي تتقاضاها على التسهيلات الائتمانية وكذلك الحال العوائد التي تدفعها وتتقاضاها البنوك الإسلامية اعتبارا من عام 1990 0
5- سعر إعادة الخصم :
افاد وبنسبة 100% ممن تم سؤالهم في البنكين الإسلاميين وفي البنك المركزي الأردني أن البنوك الإسلامية في الأردن لا تتعامل بإعادة الخصم مع البنك المركزي الأردني لتوفير السيولة المطلوبة إذا احتاجت إلى ذلك ولدى سؤالهم ما هو البديل الذي يمنحه البنك المركزي للبنوك الإسلامية بدلا من ذلك أفادوا بأنه لا يوفر البنك المركزي الأردني أية بدائل للبنوك الإسلامية بدلا من الاستفادة من سياسة إعادة الخصم وبذلك تضطر البنوك الإسلامية إلى الاحتفاظ بنسبة سيوله عالية لديها لمواجهة طلب العملاء على النقد 0
6- عمليات السوق المفتوحة :(35/22)
لا تتعامل البنوك الإسلامية في الأردن بشراء وبيع الأوراق الحكومية التي يصدرها البنك المركزي الأردني بالنيابة عن خزينة الدولة كأذونات الخزينة وشهادات الإيداع حيث أفاد 100% من الذين تم سؤالهم بان البنوك الإسلامية لا تتعامل بهذه الأوراق وعند سؤالهم عن البديل الذي يوفره البنك المركزي الأردني للبنوك الإسلامية لاستثمار الفائض النقدي لديها في الأوراق الحكومية أفادوا بأن البنك المركزي الأردني لا يوفر أي بديل لذلك واقترح العاملون في المصارف الإسلامية أن يقوم البنك المركزي الأردني بإصدار سندات مقارضة إسلامية لمشاريع تنموية تمولها الحكومة تشترك في الربح والخسارة ولا تحمل أسعار فائدة محدده وتكتتب البنوك الإسلامية بها لاستثمار الفائض النقدي لديها بدلا من السندات الحكومية 0
7- تسليف البنوك الإسلامية :
أفاد الذين تم سؤالهم في البنوك الإسلامية وفي البنك المركزي الأردني وبنسبة 100% أن البنوك الإسلامية في الأردن لا تلجأ إلى البنك المركزي الأردني للحصول على سلف إذا لزم الأمر حيث لا تستفيد من اللجوء إلى البنك المركزي ا لأردني كملجأ أخير للحصول على حاجتها من السيولة وكذلك لا تتعامل مع نافذة الإيداع في البنك المركزي الأردني للحصول على قرض لليله واحدة أو استثمار السيولة النقدية الفائضة عن حاجتها لمدة 24 ساعة لاحتساب البنك المركزي الأردني فائدة على القروض والسلف الممنوحة من قبله وهذا يتعارض مع عمل البنوك الإسلامية 0
8- تفتيش البنوك الإسلامية :(35/23)
أفاد من تم سؤالهم من البنوك الإسلامية والبنك المركزي الأردني وبنسبة 100% بأن إجراءات تفتيش البنوك الإسلامية من قبل البنك المركزي الأردني هي نفس إجراءات تفتيش البنوك التقليدية بالرغم من اختلاف طبيعة عمل البنوك الإسلامية 0 كما أن البنوك الإسلامية تلتزم بتزويد البنك المركزي الأردني بالبيانات الدورية التي يطلبها مثلها مثل البنوك التقليدية وان البنوك الإسلامية تلتزم بالتصريح عن الأخطار المصرفية وذلك بتزويد البنك المركزي الأردني بأسماء العملاء الذين تزيد قيمة قروضهم الممنوحة عن 30000 دينار أردني أي ما يعادل 42250 دولار أمريكي 0
ولا يوجد بند منفصل لميزانيات البنوك الإسلامية في النشرة الإحصائية الشهرية وكذلك التقرير السنوي للبنك المركزي الأردني حيث تدمج ميزانيات البنوك الإسلامية مع ميزانيات البنوك التقليدية في بند واحد على الرغم من اختلاف طبيعة حسابات العملاء وكذلك القروض التي تمنحها البنوك الإسلامية عنها في البنوك التقليدية0
كما تقتطع البنوك الإسلامية ما نسبته 10% من صافي أرباح الاستثمار المتحقق على مختلف العمليات الجارية ويحتفظ بها في صندوق خاص يسمى صندوق مواجهة مخاطر الاستثمار وتلتزم البنوك الإسلامية بالحد الأدنى لرأس المال وبالنسب المقررة لرأس المال مقابل الأصول الخطرة كما هو الحال في البنوك التقليديه0
9- المنافسة :
أفاد من تم سؤالهم من البنوك الإسلامية والبنك المركزي الأردني وبنسبة 100% بان البنوك الإسلامية تواجه منافسه من قبل البنوك التقليدية خصوصا ان هذه البنوك التقليدية قد بدأت أخيرا بفتح نوافذ استثمار على الطريقة الإسلامية 0
10- الإطار القانوني لتنظيم عمل المصارف الإسلامية :(35/24)
أفاد المسؤولين في البنكين الإسلاميين وفي البنك المركزي الأردني وبما نسبته 6ر66% بأن الفصل الخاص بالبنوك الإسلامية في قانون البنوك في الأردن رقم 28 لعام 2000 والمعمول به اعتبارا من 1/8/2000 غير كاف كإطار قانوني لتنظيم عمل المصارف الإسلامية في الأردن وان هذا القانون يحتاج إلى توضيح كافة إجراءات السياسة النقدية التي يطبقها البنك المركزي الأردني وكيفية التعامل بها مع البنوك الإسلامية 0
المبحث الرابع
النتائج والتوصيات
أولا : النتائج:-
1-…ارتفاع قيمة الموجودات السائلة (النقد في الصندوق وارصده لدى البنوك) لدى البنكين الإسلاميين العاملين في الأردن في نهاية عام 2001م بما نسبته 2ر9% عما هي عليه لدى البنوك التقليدية حيث بلغت تلك النسبة 26% لدى البنكين الإسلاميين مقابل 8ر16% لدى البنوك التقليدية ويعود ذلك إلى عدم استفادة البنوك الإسلامية من استثمار السيولة الفائضة عن حاجتها في الأوراق الحكومية التي يصدرها البنك المركزي الأردني نيابة عن خزينة الدولة كاذونات الخزينة وشهادات الإيداع 0
كما يعود ذلك أيضا إلى ارتفاع عمليات التمويل بالمرابحة للآمر بالشراء إلى إجمالي الذمم والبيوع المؤجلة لدى البنكين الإسلاميين اذ بلغت نسبتها 4ر65% في نهاية عام 2001 وهذا يعكس عدم توسع البنوك الإسلامية بتمويل عمليات المضاربة والمشاركة 0(35/25)
2- توزع البنوك الإسلامية العاملة في الأردن نسبه اقل على أصحاب حسابات الاستثمار بالدينار الأردني قياسا بنسبة الفائدة التي تدفعها البنوك التقليدية على حسابات التوفير والودائع لأجل للعملاء حيث بلغت نسبة توزيع الأرباح في نهاية عام 2001 على حسابات لاجل , خاضعة لإشعار , التوفير لدى البنك الإسلامي الأردني 87ر3% , 01ر3% , 15ر2% على التوالي بينما بلغت 9ر4% في المتوسط على تلك الحسابات لدى البنك العربي الإسلامي الدولي مقابل 28ر5% , 97ر2% في المتوسط على حسابات لاجل والتوفير لدى البنوك التقليدية ويعود ذلك إلى ارتفاع قيمة الموجودات السائلة لدى البنكين الإسلاميين في الأردن والى نسب مشاركة هذه الحسابات في الأرباح حيث بلغت لدى البنكين الإسلاميين 90% , 70% , 50% لحسابات لاجل , خاضعة لإشعار , توفير على التوالي 0
3- تحتفظ البنوك الإسلامية في الأردن باحتياطي نقدي إلزامي وبما نسبته 8% من حسابات العملاء لديها بالعملة المحلية والعملة الأجنبية لدى البنك المركزي الأردني وهي نفس النسبة المطبقة على حسابات العملاء لدى البنوك التقليدية0
4- يطلب من البنوك الإسلامية في الأردن الاحتفاظ بموجودات سائله حدها الأدنى 30% وهي نفس النسبة المطلوبة من البنوك التقليدية كما أن مكونات بسط ومقام النسبة المطلوبة من البنوك الإسلامية هي نفس مكونات النسبة المطلوبة من البنوك التقليدية بغض النظر عن اختلاف طبيعة الحسابات التي تحتفظ بها البنوك الإسلامية للعملاء حيث إن غالبيتها هي حسابات استثمار مشترك تشارك بالربح والخسارة 0
5- لا يحدد البنك المركزي الأردني نسبة الائتمان/الودائع , نسبة الائتمان/راس المال وكذلك العوائد التي تتقاضاها البنوك الإسلامية على القروض الممنوحة من قبلها وكذلك العوائد التي تدفعها البنوك الإسلامية على حسابات العملاء لديها وكما هو الحال في البنوك التقليدية العاملة في الأردن0(35/26)
6- لا تتعامل البنوك الإسلامية في الأردن بإعادة الخصم مع البنك المركزي الأردني لتوفير السيولة المطلوبة إذا احتاجت إلى ذلك ولا يوفر البنك المركزي الأردني أي بديل للبنوك الإسلامية بدلا من الاستفادة من سياسة إعادة الخصم 0
7- لا تتعامل البنوك الإسلامية في الأردن بشراء وبيع الأوراق الحكومية التي يصدرها البنك المركزي الأردني بالنيابة عن خزينة الدولة كاذونات الخزينة وشهادات الإيداع وان البنك المركزي الأردني لا يوفر للبنوك الإسلامية أدوات أخرى لاستثمار السيولة الفائضة لديها 0
8- لا تلجا البنوك الإسلامية في الأردن إلى البنك المركزي الأردني للحصول على سلف إذا لزم الأمر حيث لا تستفيد من اللجوء إلى البنك المركزي الأردني كملجأ أخير للحصول على حاجتها من السيولة كذلك لا تتعامل مع نافذة الإيداع في البنك المركزي الأردني للحصول على قروض لليله واحدة إذا احتاجت إلى ذلك 0
9- إن إجراءات تفتيش البنوك الإسلامية من قبل البنك المركزي الأردني هي نفس إجراءات تفتيش البنوك التقليدية العاملة في الأردن 0
10- تلتزم البنوك الإسلامية العاملة في الأردن بتزويد البنك المركزي الأردني بالبيانات الدورية التي يطلبها وكما هو الحال في البنوك التقليدية, تلتزم بالتصريح عن الأخطار المصرفية للعملاء الذين تزيد قيمة قروضهم الممنوحة عن 30000 دينار أردني أي ما يعادل 42250 دولار أمريكي وهو نفس الإجراء المطبق على البنوك التقليديه0
11- لا يوجد بند منفصل لميزانيات البنوك الإسلامية في النشرة الإحصائية الشهرية والتقرير السنوي التي يصدرها البنك المركزي وإنما تدمج ميزانيات البنوك الإسلامية مع ميزانيات البنوك التقليدية بالرغم من اختلاف طبيعة حسابات العملاء لدى البنوك الإسلامية والقروض التي تمنحها البنوك الإسلامية عنها في البنوك التقليدية0(35/27)
12- تقتطع البنوك الإسلامية العاملة في الأردن ما نسبته 10% من صافي أرباح الاستثمار المتحقق على مختلف العمليات الجارية ويحتفظ به في صندوق خاص يسمى صندوق مواجهة مخاطر الاستثمار ولا تلجأ البنوك التقليدية العاملة في الأردن إلى مثل هذه الإجراء مما يخفض نسبة الأرباح الموزعة على حسابات الاستثمار لدى البنوك الإسلامية العاملة في الأردن 0
13- تلتزم البنوك الإسلامية في الأردن بالحد الأدنى لراس المال وبالنسب المقررة لراس المال مقابل الأصول الخطرة كما هو الحال في البنوك التقليدية العاملة في الأردن 0
14- تواجه البنوك الإسلامية في الأردن منافسة من قبل البنوك التقليدية خصوصا أن هذه البنوك قد بدأت أخيراً تفكر بفتح نوافذ استثمار على الطريقة الإسلامية0
15- إن الفصل الخاص بالبنوك الإسلامية في قانون البنوك في الأردن رقم 28 لسنة 2000 والمعمول به اعتبارا من 1/8/2000 غير كاف كإطار قانوني لتنظيم عمل المصارف الإسلامية العاملة في الأردن وان بنود هذا القانون يحتاج إلى توضيح من حيث إجراءات السياسة النقدية التي يطبقها البنك المركزي الأردني وكيفية التعامل بها مع البنوك الإسلامية العاملة في الأردن0
ثانياً : التوصيات:
1-…إن تتوسع البنوك الإسلامية في توظيف السيولة الزائدة لديها في المشاريع الاستثمارية القائمة على مبدأ المشاركة أو المضاربة أو اقتناء اسهم الشركات التابعة لتلك البنوك أو التوظيف في الودائع الاستثمارية لدى البنوك الإسلامية الأخرى في الدول الأخرى التي تحتاج فيها تلك المصارف إلى مزيد من السيولة 0(35/28)
2- إخضاع ودائع الحسابات الجارية لدى البنوك الإسلامية لنفس نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي المطبقة على البنوك التقليدية وعدم إخضاع ودائع حسابات الاستثمار المشترك لدى تلك البنوك لنفس النسبة بل المطالبة بتخفيضها للبنوك الإسلامية لان حساب مخصص مواجهة مخاطر الاستثمار المفروض على البنوك الإسلامية وبنسبة 10% من صافي أرباح الاستثمار المتحقق لديها على كافة أنواع الحسابات الاستثمارية يعتبر بحد ذاته تحوطا لمواجهة الخسائر وبديلا عن الاحتياطي النقدي الإلزامي على هذه الحسابات0
3- الاستمرار بإلزام البنوك الإسلامية بالاحتفاظ بنفس الحد الأدنى للسيولة المقررة من البنك المركزي الأردني لمواجهة طلبات السحب في أي وقت وإلى التخوف من جريها وراء الربح وإهمالها للسيولة ولكونها لا تستفيد من البنك المركزي كمنقذ أخير ومطالبة البنك المركزي الأردني بإجراء تعديلات على كيفية احتساب نسبة السيولة وذلك بإجراء تعديلات على مكونات النسبة وذلك بإضافة الأدوات الاستثمارية التي تتعامل المصارف الإسلامية بها مثل سندات المضاربة أو المرابحة الجائزة شرعا بدلا من السندات الحكومية ذات الفائدة المحددة 0
4- قيام البنوك الإسلامية في الأردن بإجراء حوار واتصالات هادفة مع البنك المركزي الأردني من اجل أن يطور البنك المركزي الأردني وسائله في الرقابة على البنوك الإسلامية بحيث يأخذ طبيعة أدوات عملها التي تقوم على مبدأ المشاركة والمضاربة بعين الاعتبار من اجل خلق وسائل أو بدائل تساعد في التخفيض من المشاكل التي تواجهها تلك البنوك وبالذات مشكلة السيولة والمنقذ الأخير 0
5- معاملة البنوك الإسلامية في الأردن كالبنوك المتخصصة وذلك بإصدار استثناءات لصالحها حتى تتمكن من أداء دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأردن بشكل افضل مما هو عليه الآن 0(35/29)
6- قيام البنك المركزي الأردني بإصدار سندات مقارضة إسلامية لتمويل مشاريع تنموية تمولها الحكومة تشترك في الربح أو الخسارة ولا تحمل أسعار فائدة محدده وتكتتب بها البنوك الإسلامية لاستثمار الفائض النقدي لديها بدلا من السندات الحكومية 0
7- إنشاء صندوق احتياطي مشترك من البنوك الإسلامية في الأردن يرصد فيه مخصص بنسبه معينه سنويا لإمداد البنوك الإسلامية بالسيولة عند الحاجة ويستثمر رصيده حسب الطريقة الإسلامية ويوزع ريعه على البنوك المشتركة فيه كل حسب نسبة مساهمته في ذلك الصندوق 0
8- تدريب فريق التفتيش في البنك المركزي الأردني على أعمال البنوك الإسلامية وتثقيفهم بمبادئ الشريعة الإسلامية وأن يكون من بينهم من هو متخصص في الشريعة الإسلامية للتأكد من أن كافة عمليات البنوك الإسلامية تنسجم مع مبادئ الشريعة الإسلامية السمحاء 0
9- قيام دائرة الرقابة على الجهاز المصرفي الأردني في البنك المركزي الأردني بتصميم نماذج خاصة بالرقابة على المصارف الإسلامية تتلاءم وطبيعة عملها لتلافي العقبات التي يواجهها البنك المركزي في دمج بنود ميزانيات البنوك الإسلامية مع ميزانيات البنوك التقليدية عند إعداد الميزانية المجمعة للبنوك العاملة في الأردن نظرا لاختلاف مسميات الحسابات والقروض التي تتعامل بها البنوك الإسلامية عن تلك التي تتعامل بها البنوك التقليدية0
10- عمل بند مستقل لبيانات ميزانيات وأعمال البنوك الإسلامية في النشرة الإحصائية الشهرية والتقرير السنوي وأية تقارير دوريه يعدها البنك المركزي الأردني لتكون مصدرا للمعلومات للباحثين وكافة الراغبين في الاطلاع على أعمال البنوك الإسلامية وبيان حجم عملها 0
11- قيام البنوك الإسلامية العاملة في الأردن بزيادة نسبة مشاركة حسابات العملاء في نتائج الربحية 0(35/30)
12- إعادة النظر في الفصل الخاص بالبنوك الإسلامية في قانون البنوك في الأردن رقم 28 لسنة 2000 لإضافة بنود تتعلق بإجراءات السياسة النقدية التي يطبقها البنك المركزي الأردني وتوضيح كيفية التعامل بها مع البنوك الإسلامية العاملة في الأردن 0
الملحق
استبانه موجه إلى :-
01 أحد المسؤولين في الإدارة العليا في البنك الإسلامي الأردني0
02 أحد المسؤولين في الإدارة العليا في البنك العربي الإسلامي الدولي0
03 مسؤول وحدة الرقابة على أعمال البنوك الإسلامية بدائرة الرقابة على الجهاز المصرفي في البنك المركزي الأردني 0
استبانه
موجه إلى السادة :
1- أحد المسؤولين في الإدارة العليا في البنك الإسلامي الأردني 0
2- أحد المسؤولين في الإدارة العليا في البنك العربي الإسلامي الدولي0
3- مسؤول وحدة الرقابة على أعمال البنوك الإسلامية بدائرة الرقابة على الجهاز المصرفي في البنك المركزي الأردني 0
أرجو التكرم بالإجابة على الأسئلة المبينة أدناه وان المعلومات التي سيتم الحصول عليها ستعامل بسريه تامة وهي لأغراض البحث العلمي فقط 0
1- هل يطلب من البنوك الإسلامية في الأردن الاحتفاظ باحتياطي نقدي إلزامي بنفس النسبة التي تحتفظ بها البنوك التقليدية لدى البنك المركزي الأردني؟
نعم لا
إذا كانت الإجابة لا ما هي النسبة المفروضة على البنوك الإسلامية ؟
2- هل يطلب من البنوك الإسلامية في الأردن الاحتفاظ بسيوله قانونيه بنفس النسبة التي تحتفظ بها البنوك التقليدية؟
نعم لا
إذا كانت الإجابة لا ما هي النسبة المطلوبة من البنوك الإسلامية ؟
3-
4- هل مكونات بسط ومقام نسبة السيولة القانونية المطلوبة من البنوك الإسلامية هي نفسها المطلوبة من البنوك التقليدية؟
نعم لا
إذا كانت الإجابة لا ما هي أوجه الاختلاف في هذه المكونات ؟(35/31)
5- لقد توقف البنك المركزي الأردني عن تحديد نسبة الائتمان/الودائع المفروضة على البنوك منذ عام 1995 هل توقف أيضاً عن تحديد هذه النسبة للبنوك الإسلامية في الأردن ؟
نعم لا
إذا كانت الإجابة لا ما هي النسبة المفروضة على البنوك الإسلامية ؟
6- هل هنالك تحديد لحجم القروض الممنوحة من قبل البنوك الإسلامية إلى رأس المال؟
نعم لا
إذا كانت الإجابة نعم ما هي هذه النسبة ؟
7- هل يحدد البنك المركزي الأردني نسبة العوائد التي تتقاضاها البنوك الإسلامية على القروض الممنوحة من قبلها ؟
نعم لا
إذا كانت الإجابة نعم ما هي هذه النسبة ؟
8- هل يحدد البنك المركزي الأردني نسبة العوائد التي تدفعها البنوك الإسلامية على حسابات العملاء لديها ؟
نعم لا
إذا كانت الإجابة نعم ما هي هذه النسبة ؟
9- هل تتعامل البنوك الإسلامية في الأردن بإعادة الخصم مع البنك المركزي الأردني لتوفير السيولة المطلوبة إذا احتاجت إلى ذلك ؟
نعم لا
إذا كانت الإجابة لا ما هو البديل الذي يمنحه البنك المركزي للبنوك الإسلامية بدلا من ذلك ؟
10- هل تتعامل البنوك الإسلامية بشراء وبيع الأوراق الحكومية التي يصدرها البنك المركزي الأردني نيابة عن خزينة الدولة كأذونات الخزينة , شهادات الإيداع , سندات الخزينة ؟
نعم لا
إذا كان الجواب لا ما هو البديل الذي يوفره البنك المركزي للبنوك الإسلامية لاستثمار السيولة الفائضة لديها ؟
11- هل تتعامل البنوك الإسلامية لتوفير السيولة المطلوبة أو استثمار السيولة الفائضة عن حاجتها مع البنك المركزي من خلال نافذة الإيداع ؟
نعم لا
إذا كان الجواب لا ما هو البديل الذي يوفره البنك المركزي للبنوك الإسلامية لاستثمار السيولة الفائضه المؤقته أو تزويد البنوك الإسلامية بالسيولة المؤقته ؟
12- هل تلجأ البنوك الإسلامية في الأردن إلى الحصول على سلف من البنك المركزي الأردني إذا لزم الأمر ؟
نعم لا(35/32)
إذا كان الجواب لا ما هو البديل أمام البنوك الإسلامية للحصول على الاموال اللازمه إذا كانت تلك البنوك تعاني من مشاكل مالية؟
13- هل إجراءات تفتيش البنوك الإسلامية هي نفس إجراءات تفتيش البنوك التجارية في الأردن ؟
نعم لا
إذا كانت الإجابة لا ما هي الاختلافات في ذلك؟
14- هل يطلب من البنوك الإسلامية تزويد البنك المركزي الأردني بالبيانات الدورية المطلوبة من البنوك التقليدية كبيان الموجودات والمطلوبات ؟
نعم لا
إذا كانت الإجابة لا ما هي البيانات التي تطلب من البنوك الإسلامية غير تلك التي تطلب من البنوك التقليدية ؟
15- هل يطلب من البنوك الإسلامية التصريح عن الأخطار المصرفية كما هو الحال في البنوك التقليدية؟
نعم لا
16- هل يوجد بند منفصل لميزانيات البنوك الإسلامية في النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزي والتقرير السنوي للبنك المركزي ام تدمج ضمن ميزانيات البنوك المرخصة العاملة في الأردن؟
نعم لا
17- هل تقتطع البنوك الإسلامية من أرباحها السنوية مبالغ كمخصصات لمواجهة الديون المتعثرة ؟
نعم لا
إذا كان الجواب نعم أرجو بيان كيفية معالجة هذه المخصصات ؟
18- هل يلتزم البنك الإسلامي بالحد الأدنى لرأس المال وبالنسب المقررة لرأس المال مقابل الأصول الخطرة ؟
نعم لا
إذا كان الجواب لا أرجو بيان ذلك؟
19- هل تواجه البنوك الإسلامية منافسه من قبل البنوك التجارية خصوصا أن بعض هذه البنوك قد بدأ أخيرا بفتح نوافذ استثمار على الطريقة الإسلامية ؟
نعم لا
19-…هل تعتقد أن الفصل الخاص بالبنوك الإسلامية في قانون البنوك رقم 28 لعام 2000 كاف كإطار قانوني لتنظيم عمل المصارف الإسلامية في الأردن ؟
نعم لا
شاكرا لكم حسن تعاونكم ,,,
الباحث
د0 اسماعيل ابراهيم الطراد
مساعد مدير البنك المركزي الأردني /فرع اربد
الهوامش(35/33)
1- د0 عائشه الشرقأوي المالقي , البنوك الإسلامية , التجربه بين الفقه والقانون والتطبيق , المركز الثقافي العربي , الدار البيضاء , الطبعه الأولى 2000 , ص22 0
2- د0 عبد السميع المصري , نظرية الإسلام الاقتصادية , مكتبة الانجلو المصريه, القاهره , 1972, ص209 0
3- د0 عدنان الهندي , العلاقةبين البنوك المركزية والبنوك الإسلامية , النسب المصرفية , اتحاد المصارف العربية , بيروت , 1989 , ص27 0
4- د0 عائشه الشرقأوي المالقي , م0س0ص24 0
5- د0 محمد عبد علي حيدر , علاقة المصارف اللاربويه بالبنوك المركزية , المؤتمر الأول للمستجدات الفقهيه , الجامعه الأردنية , عمان , 1994 , ص13 0
6- د0 كمال توفيق حطاب , علاقة البنوك الإسلامية بالبنوك المركزية , المشكلات والعقبات وكيفية التغلب عليها , بحث مقدم للمؤتمر الذي عقدته كلية الشريعه بجامعة الشارقه خلال الفترة من 7-9/5/2002م , ص10 0
7- د0 عبدالله عبد المجيد المالكي , الموسوعه في الجهاز المصرفي الأردني (البنك الإسلامي الأردني) , المجلد السابع , 1996 , ص257 0
8- د0 كمال توفيق حطاب , م0س,ص10 0
9- البنك المركزي الأردني , دائرة الابحاث والدراسات , التقرير السنوي الثامن والثلاثون , 2001م , ص99-101 0
10- البنك الإسلامي الأردني , التقرير السنوي الثالث والعشرون , 2001م , ص7 , 45 0 والبنك العربي الإسلامي الدولي , التقرير السنوي , 2001م , ص5 ,98-99 0
11- البنك المركزي الأردني , دائرة الابحاث والدراسات , مجموعة التشريعات المصرفية , بدون تاريخ ص18 0
12- مذكرة البنك المركزي الأردني إلى البنوك المرخصة رقم 49/93 تاريخ 17/11/1993م 0
13- مذكرة البنك المركزي الأردني إلى البنوك المرخصة رقم 309/2000 تاريخ 28/11/2000م 0
14- مذكرة البنك المركزي الأردني إلى البنوك المرخصة رقم 265/2002 تاريخ 5/11/2002م 0(35/34)
15- البنك المركزي الأردني , مجموعة التشريعات المصرفية م0س المادة (42د) من قانون البنوك ص19 0
16- مذكرة البنك المركزي الأردني إلى البنوك المرخصة رقم 122/85 تاريخ 6/8/1985م 0
17- مذكرة البنك المركزي الأردني إلى البنوك المرخصة رقم 47/95 تاريخ 16/2/1995م 0
18- مذكرة البنك المركزي الأردني إلى البنوك المرخصة رقم 99/92 تاريخ 6/5/1992م0
19- مذكرة البنك المركزي الأردني إلى البنوك المرخصة رقم 47/95 تاريخ 16/2/1995م (م0س) 0
20- مذكرة البنك المركزي الأردني إلى البنوك المرخصة رقم 11/90 تاريخ 16/1/1990م 0
21- البنك المركزي الأردني , دائرة الابحاث , النشره الاحصائيه الشهريه , المجلد 38 , العدد 9 , ايلول 2002 , ص38 0
22- قانون البنوك رقم 28 لسنة 2000 , الجريده الرسميه , العدد 4448 تاريخ 10/8/2000 ص18-22 0
23- موسى شحاده , علاقة البنوك الإسلامية مع البنوك المركزية , المؤتمر الأول للمستجدات الفقهيه , الجامعه الأردنية , 1994 , ص17 0
24- الغريب ناصر , الرقابة المصرفية على المصارف الإسلامية , المعهد العالمي للفكر الإسلامي , القاهره , 1996 , ص101 0
25- صالح كامل , النشاط المصرفي الإسلامي والدور الرقابي للبنوك المركزية , مجلة الاقتصاد الإسلامي , بنك دبي الإسلامي , العدد 132 , 1992 , ص27 0
26- موسى شحاده , علاقة البنوك الإسلامية مع البنوك المركزية , م0س0 ص19 0
27- وليد مصطفى شأويش , علاقة المصرف المركزي بالمصارف الإسلامية , المؤتمر الذي عقد في كلية الشريعه , جامعة الشارقه خلال الفترة 7-9/5/2002م , ص5 0
28- محمد العمايده , علاقة البنك المركزي بالبنوك الإسلامية , رسالة ماجستير في الاقتصاد الإسلامي ,كلية الشريعه والدراسات الإسلامية ,جامعة اليرموك , 1991م , ص116 0(35/35)
29- محمد عبد المنعم ابوزيد , الدور الاقتصادي للمصارف الإسلامية بين النظريه والتطبيق, المعهد العالمي للفكر الإسلامي , القاهره , 1996 , ص30 0
30- د0 محمود علي السرطأوي , علاقة البنوك المركزية بالمصارف الإسلامية , بحث مقدم للمؤتمر الذي عقدته كلية الشريعه في جامعة الشارقه خلال الفترة م7-9/5/2000م , ص20 0
??
??
??
??
16 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي /جامعة أم القرى
علاقة المصارف الإسلامية في الأردن بالبنك المركزي الأردني 17(35/36)
غسل الأموال في النظم الوضعية
رؤية إسلامية
أ.د محمد بن أحمد صالح الصالح
أستاذ الدراسات العليا
وعضو المجلس العلمي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
(طبعة تمهيدية)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعاءٍِ بدعوته واهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
…فإن الثقافة القوية تفرض نفسها على الثقافة الضعيفة وتستمد الثقافة قوتها من قوة الدولة التي تتبعها والحضارة التي تلتصق بها وقد سادت الثقافة الإسلامية في عصر ازدهار الإسلام، وعمت المفاهيم والأفكار والمصطلحات الإسلامية مشارق الأرض ومغاربها حيث أنه لم تخل لغة من اللغات من بعض المصطلحات والكلمات العربية، وفي العصر الحاضر غلبت الثقافة الغربية على الفكر الإسلامي وكثرت المصطلحات الأجنبية في بلاد الإسلام، سواء مما تعلق منها بالمحسوسات
أو المعقولات.
ففي مجال المحسات كثرت مسميات الآلات الحديثة في ميادين شتى وجرت على الألسنة، وفي مجال المعقولات وفدت إلينا أسماء واصطلاحات كثيرة وأصبحت لغة التداول في وسائل الإعلام مثل مصطلح "غسل الأموال" وتبيض الأموال، "تطهير الأموال" وغيرها من المصطلحات بدلاً من المال الحرام ولست أدري : هل القائمون على أمر هذه الأشياء هم الذين أطلقوا عليها هذه التسميات لتبقى معماة أو طلقها غيرها لاعتبارات رأوها، وإن وردت بعض التعليلات لبعض الأسماء لكن تبقى أسماء أخرى لم يرد لها سبب للتسمية.
وهذا ما جعلني أكتب هذا البحث ردّاً المصطلحات الحديثة إلى أصول إسلامية ثم استبدال الألفاظ فيها بغيرها، حتى تتسم بسمة الفكر الغربي لكرههم لكل ما هو إسلامي، وإقامة الدليل على أن الإسلام سبق جميع النظم في علاج هذه الظاهرة، وقد عالجت هذا الأمور في إطار الموضوعات التالية:
1. مفهوم مصطلح غسل الأموال وسبب التسمية.
2. مجالات غسل الأموال ومصادر التحصيل.
3. مراحل غسل الأموال.(36/1)
4. أسباب تفشي ظاهرة غسل الأموال.
5. آثار غسل الأموال.
6. الجهود والقوانين الدولية لمكافحة غسل الأموال.
7. دول مجلس التعاون ومكافحة غسل الأموال.
8. موقف الشريعة الإسلامية من غسل الأموال.
ويقتضينا واجب الدراسة في الختام أن ننتهي إلى الخلاصة المناسبة.
أولاً: مفهوم مصطلح "غسل الأموال" وسبب التسمية:
تقديم : تعتبر كل عملية من العمليات المتعددة والمتداخلة لغسل الأموال "القذرة" واحدة من الصور الإجرامية المستحدثة ذات البعد الاقتصادي الذي لا يقف عن حدود دولة بعينها بل يتخطاها إلى دول عديدة، ومن ثم فإنه لاغرابة والحالة هذه في اعتبار جريمة غسل الأموال بجميع عملياتها من الجرائم الاقتصادية الدولية المنظمة بل هي أخطر هذه الجرائم مجتمعة وذلك لما لها من اتصال وثيق بالأنشطة الاقتصادية غير المشروعة والتي تقع تحت ما يعرف بالاقتصاد الخفي ومن اتصال وثيق بحركة التجارة الدولية والاستثمار الدولي ومن اتصال وثيق بالدور الثقافي للمؤسسات المالية (البنوك) في انتشارها ومكافحتها ويوجد في أدبيات الفكر الاقتصادي والقانوني العالمي مجموعة من التعريفات لغسل الأموال من أبرزها:
- أنها "مجموعة من العمليات والتحويلات المالية والعينية على الأموال القذرة، لتغيير ضفتها غير المشروعة في النظام الشرعي وإكسابها صفة المشروعية، بهدف إخفاء مصادر أموال المجرمين. وتحويلها بعد ذلك لتبدو وكأنها استثمارات قانونية".
وعلى ذلك فإن الأنشطة الخفية الإجرامية والاتجار في المخدرات وتجارة الرقيق الأعضاء البشرية ، و الدعارة ،و القوادة ،وأعمال المافيا ، هي مصادر للأموال القذرة التي يحاول أصحابها تغيير صفتها غير المشروعة وإكسابها صفة جدية مشروعة من خلال عمليات غسيل الأموال". (1)(36/2)
- إنها "مجموعة العمليات المالية المتداخلة لإخفاء المصدر غير المشروع للأموال (القدرة) وإظهارها في صورة أموال متحصلة من مصدر مشروع، أو الإسهام في توظيف أو إخفاء أو تحويل العائد المباشر أو غير المباشر لجناية أو جنحة ومن ثم فإن جريمة غسيل الأموال هي جريمة تابعة تفترض ابتداء سبق ارتكاب جريمة أولية (أصلية) ينتج عنها أموال غير مشروعة، ثم تأتي في مرحلة تالية، عمليات غسيل هذه الأموال لتطهيرها في إحدى صور الغسيل".(2)
-غسيل الأموال عبارة عن "مجموعة من العمليات المالية تستهدف إضفاء الشرعية على أموال متحصلة من مصدر غير شرعي، بحيث تنطوي هذه العلميات على إخفاء مصدر المال المتحصل عليه من أنشطة إجرامية، وجعله يبدو في صورة مشروعة، مما يمكن الجناة من الاستفادة من حصيلة جرائمهم علانية.
والجاني في غسيل الأموال يقوم بإجراء عمليات مالية متداخلة هدفها إدخال هذه الأموال غير المشروعة إلى حركة التداول المشروع لرأس المال، وهو ما يؤدي إلى إدماج هذه الأموال في النظام (الهيكل ) المالي للدولة التي تتجه إليها هذه الأموال ويصبح من الصعب اقتفاء أثرها أو الوقوف على مصدرها غير المشروع".(3)
- غسيل الأموال هو "تحويل الأموال الناتجة من أنشطة إجرامية إلى أموال تتمتع بمظهر قانوني سليم خصوصاً من حيث مصادرها".(4)
- غسيل الأموال هو "إضفاء المشروعية على الأرباح المستمدة من أي نشاط غير مشروع".(5)
- وعرفه الدكتور محي الدين عوض بأنه "يطلق على إخفاء حقيقة الأموال المستمدة من طريق غير مشروع عن طريق القيام بتصديرها أو إيداعها في مصارف دول أخرى أو نقل إيداعها أو توظيفها أو استثمارها في أنشطة مشروعة للإفلات بها من الضبط والمصادرة وإظهارها كما لو كانت مستمدة من مصادر مشروعة وسواء أكان الإيداع أو التمويه أو النقل أو التحويل أو التوظيف أو الاستثمار في دول متقدمة أم في دول نامية".(6)(36/3)
- اعتمد المجلس الأوربي تعريفا لغسيل الأموال فحواه غسيل الأموال هو:"تغيير شكل المال من حالة إلى أخرى وتوظيفه أو تحويله ونقله مع العلم بأنه مستمد من نشاط إجرامي أو من فعل يعد مساهمة في مثل هذا النشاط وذلك بغرض إخفاء, أو تمويه حقيقة أصله غير المشروع أو مساومة أي شخص متورط في ارتكاب النشاط الإجرامي لتجنب النتائج القانونية لعمله".(7)
- وقد عرفه د.صلاح جودة قائلاً:"عبارة غسيل الأموال يقصد بها سلسلة من التصرفات أو الإجراءات التي يقوم بها صاحب الدخل غير المشروع أو الناتج عن الجريمة بحيث تبدو الأموال أو الدخل كما لو كان مشروعاً تماما مع صعوبة إثبات عدم مشروعيته بواسطة السلطات الأمنية أو القضائية، ويحقق ذلك عندما ينجح صاحب الدخل غير المشروع في قطع الصلة بين أصل المال غير المشروع وماله
النهائي"(8)
وفي قانون مكافحة غسيل الأموال المصري ورد التعريف لغسيل الأموال بأنه "كل سلوك ينطوي على اكتساب مال أو حيازته أو التصرف فيه أو إدارته
أو حفظه أو استبداله أو إيداعه أو ضمانه أو استثماره أو نقله أو تحويله إذا كان متحصلاً من جريمة من الجرائم المنصوص عليها ... متى كان القصد من هذا السلوك إخفاء أو تمويه مصدر المال أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون اكتشاف ذلك أو عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل منها المال".(9)
ويمكن القول: إن قاسما مشتركا يجمع سائر التعاريف مفاده "محاولة إضفاء الشرعية على المال الحرام يهدف إظهاره في صورة مال حلال".
وقد تفاوتت التعاريف بين قبض وبسط وبين اقتصار على المضمون وخروج للوسائل وجمع للصور وضم المصادر .. الخ بما لا يتسع المقام لنقده.
سبب التسمية بغسل الأموال:(36/4)
للباحثين أراء مختلفة في علة التسمية بـ"غسل الأموال" إلا أن جمهور الباحثين على أن مرد التسمية يرجع للآتي "حينما لاحظ رجال مكافحة المخدرات أن تجار المخدرات الذين يبيعون للمدمنين بالتجزئة يتجمع لديهم في نهاية كل يوم فئات صغيرة من النقود الورقية والمعدنية وعادة ما يتجهون إلى المغاسل الموجودة بالقرب من كل مجمع سكني لاستبدال النقود الصغيرة الفئات بنقود من فئات كبيرة ليقوموا بعد ذلك بإيداعها في البنك القريب من أماكن تواجدهم.
ونظرا لأن فئات النقد الصغيرة عادة ما تكون ملوثة بآثار المخدرات التي ربما تكون عالقة في أيدي تجار التجزئة فقد حرصت المغاسل على غسيل النقود الملوثة بالبخار أو الكيماويات قبل إيداعها في البنوك التي توجد بها حساباتهم ومن هنا جاء الربط بين تجار المخدرات وغسيل الأموال باعتبار أن نشاط الاتجار غير المشروع في المخدرات يمثل حوالي 70% من الأموال غير المشروعة الناتجة عن الجريمة المنظمة على مستوى العالم".(10)
ويرى آخرون أن التسمية ترجع لأسباب أخرى وأن أول مرة عرف فيها مصطلح غسيل الأموال كان في عام 1350هـ 1931م، عند محاكمة (الفونس كابوني) الشهير بآل كابوني.
ويصفُ هذا المصطلحُ واحداً من أهم الأطوار التي تمر بها الأموال التي تحصلها عصابات المافيا لجعلها تبدو مشروعة والتي تأتي أساساً من أعمال الابتزاز والسرعة والدعارة والقمار علاوة على تهريب المخدرات.... ويعتبر القيام بأعمال مشروعة ثم خلط عائدها من الأموال بالعائد من الأعمال غير المشروعة إحدى الطرق التي كانت المافيا قادرة على اتباعها لفترة طويلة من الزمن....(11)(36/5)
أما مفهوم :"غسيل الأموال" كمصطلح فيعتبر مفهوماً جديداً وترجع أصول اقتباسه كما يقول (ستيل) إلى جريدة خلال تقرير عن فضيحة (واترجيت) في الولايات المتحدة عام 1393هـ،1973م، وأول مرة ظهر فيها المصطلح في الإطار القضائي والنظامي كان في عام 1402هـ 1982م، ومنذ ذلك الوقت أصبح هذا المفهوم مقبولا وانتشر استخدامه في العالم كله.(12)
ويقول البعض: أن كلمة غسيل الأموال ظهرت في ولاية شيكاغو حيث اشترى رجال الأعمال التابعون لعصابات (المافيا) مؤسسات الغسيل والتي تتم معاملاتها بفئات مالية بسيطة وكان المشرفون عليها يضيفون إلى أرباح مؤسسات الغسل بعض أرباح تجارة المخدرات ليتم تنظيمها دون أن يرتاب أحد في مجموع المبالغ المتحصلة. (13)
وقد استعمل التعبير غسيل الأموال في إطار قانوني في إحدى القضايا في الولايات المتحدة 1982م.
ويلاحظ أن معنى عبارة غسيل الأموال التي تستخدم كمصطلح قانوني في التشريع الآن تكاد تتعارض لغوياً وعملياً مع الفهم العربي والإسلامي لهذه العبارة ـ فالغسل في اللغة إزالة الوسخ عن الشيء وتنظيفه بالماء كما تقول المعاجم ـ ويعني المفهوم الشرعي التطهير حسياً ومعنوياً أيضا ـ وغسيل الأموال إذا أخذنا العبارة بمفهومها اللغوي والشرعي يعني تنظيفها حسياً ومعنوياً وهو تنظيف حقيقي لا خداع فيه سواء كان حسياً أو معنوياً.
أما مفهوم غسيل الأموال كمصطلح حديث فهو من الناحية العملية إضافة جريمة أو عمل غير شرعي إلى جريمة سابقة وهي حصول الشخص على مال حرام يريد إخفاءه وفصله عن مصدره غير المشروع أو إخفاء هذا المصدر عن الناس وهذا المعنى وهو ما يجري واقعياً يتعارض مع غسل الأموال أو تطهيرها بالمفهوم الشرعي الصحيح سواء كان غسلاً حسياً ومادياً أو غسلاً وتطهيراً معنوياً كما هو الحال في أداء الزكاة والتصدق بجانب منه.(36/6)
وبذلك يمكن قبول المصطلح القانوني على أنه من قبيل المجاز فحسب أمَّا حقيقته فهي ليست في غسيل المال وإنما إضافة تلويث إليه بالخداع في مصدره وإخفائه بطرق احتياليه.
أما غسيل الأموال في الرؤية الإسلامية فهو أمر مطلوب إذا قصدنا به تطهير المال وتزكيته بحيث يصبح نعمة كبرى على الإنسان يستخدمه ويستثمره فيما أحل الله ليزداد نماء وطهراً .
ولا يرد غسيل الأموال في الشريعة الإسلامية إلا على المال الحلال والذي اكتسب بطريقة مشروعة وباستقراء أحكام الشرع التي تهدف إلى تطهير المال وجعله نعمة خالية من شبهة الحرام نجد أن الشرع يطهر المال ويزكيه ويزيد في بركته حين تؤدى زكاته بحسب شروط إخراج الزكاة (زكاة المال وزكاة الفطر) كما يتطهر المال بالصدقة وتزيد بركته لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ما نقص مال من صدقة " كما يجب أن يوفى الإنسان ما نذره من مال لوجه الله تعالى وما عليه من حقوق مالية (مثل الكفارات والديات) وفضلاً عن ذلك أمر الشرع بالوفاء بحقوق العباد التي تنشأ عن المعاملات المالية أو الديون حتى ديون النفقات التي يفرضها الشرع على من يلتزم بها نحو الأقارب وهكذا يزكى المال الحلال وينمو وتزداد بركته ويصح أن نطلق على ذلك غسيل الأموال فتكون العبارة أصدق ما تكون حساً أو معنى.(36/7)
ومع ذلك لم يترك الشرع من يقع في يده مال لم يكتسبه من الوجه المشروع بل نظم الشارع له وسيلة تنجيه هو من الإثم وتطهر المال إذا بقي في يده، فالمال الذي يقع في يد المسلم ولا يكون الحصول عليه بوجه شرعي ينبغي رده إلى صاحبه إذا علم وعرف وكذلك بأداء الأمانة لا سيما في البيوع إذا شابها غش أو غبن فاحش فعلى من استفاد من هذا الغش أو الغبن الفاحش أن ينبه من ظلم في ماله ويرد إليه ما يغسل الكسب ويجعله حلالاً لمن يحصل عليه وذلك عن طريق تصحيح البيوع الفاسدة أو المعاملات التي وقع فيها غش أو غرر أو احتكار يجعل الكسب من ورائها مشوباً بالحرمة أو يجعل العقد الخاص بها حراماً أو مكروهاً ـ هنا يكون غسيل المال بتصحيح تلك العقود والمعاملات وجعلها في نطاق الشرع ورد ما تحصل عليه الشخص من مال حرام إلى صاحب الحق فيه.
ولا نغفل هنا وجوب توبة الشخص الذي تحصل على مال حرام إلى جانب رد المظالم كما ذكرنا فلا تصلح التوبة إلى الله باللسان وأن رد المظالم إلى أصحابها، ولا يصلح رد المظالم وحده مع انصراف النية عن التوبة النصوح إلى الله تعالى .
كذلك فإن ولي الأمر حين يضع الأنظمة التي يتعامل الناس على أساسها في المجتمع يجب عليه أن يجعلها في نطاق الشرع حتى تكون مكاسب الناس فيها طاهرة فلا تباح معاملة فيها الظلم أو الربا المحرم ولا يباح القمار والغرر في المعاملات ولا يسمح بالاحتكار واستغلال حاجة الناس إلى سلعه معينة فالشرع يلزم ولي الأمر بأن يشرف على التعامل المالي أو الاقتصادي في المجتمع ويحمي أصحاب الحقوق حماية عامة فلا يسمح بأن يشوب الظلم أو الجشع معاملات الناس وقد عاقب عمر رضي الله عنه من يغش اللبن ويبيعه للناس مخلوطاً بالماء بإحراق ما يبيعه وكذلك أفتى العلماء بإتلاف ما يضر الناس من سلع أو كتب أو مطبوعات وفي كتب الفقهاء أمثلة عديدة في كيفية تصدي الولاة لمنع الظلم في معاملات الناس.(36/8)
ويعتبر ذلك من أوليات الشرع وهو في ذاته إغلاق لباب الحصول على مال حرام ويجعل صاحبه إذا لم يكن من المسلمين الصالحين يجاهد في إخفائه بعد ذلك وخلطه بالمال الحلال أمامهم ـ فإذا راعى ولاة الأمور إغلاق أبواب الحرام وسد طرق الحصول عليه بوسائل غير مشروعة لم تعد هناك حاجة إلى محاولة غسلها كما ظهر في العصر الحديث فراراً من رد المظالم إلى أصحابها أو فراراً من العقوبة التي تنتظر من يحصل على المال الحرام عن طريق ارتكاب الجرائم.
وهكذا فإن الرؤية الإسلامية في غسيل الأموال تصحح الوضع القائم فلا يعقل أن تباح الدعارة في بلد ثم نتكلم عن مقاومة غسيل الأموال الناتجة عنها فالأمر جريمة من قبل ومن بعد ولا يعقل أن تباح تجارة الخمور أو أنواع من المخدرات ونحاول بعد ذلك أن نكبح جماح من يغسلون الأموال المتحصلة من هذه الجرائم ولكن الأبقى والأتقى والأصلح للمجتمع أن نغلق باب الحرام فلا تكون هناك حاجة إلى ممارسة غسيل الأموال بالمعنى الوضعي وهذا ما تهدف إليه الشريعة وهو من قبيل الوقاية للفرد والمجتمع في الجانب الاقتصادي والمالي.
ثانياً: مجالات غسل الأموال ومصادر التحصيل:
بدأت عملية غسل الأموال بتجارة المخدرات على الراجح نظرا لما تدره التجارة فيها من كسب فائق الوصف والتوقع، إلا أن مجالات الكسب ومصادر التحصيل قد نمت بنمو الزمن وتناسبت تنانسباً طردياً مع الزمن، وقد حصر أحد الباحثين هذه المجالات وشرحها مفصلا نكتفي بذكر رؤوس هذه المجالات ومن أراد الوقوف على كيفية التطبيق العلمي فعليه بالمرجع المذكور، من هذه المجالات
ما يلي:
1. مجال المضاربات على الأسهم في البورصات الوليدة الناشئة.
2. مجال المضاربة على أسعار الأراضي والعقارات والشقق الفاخرة.
3. مجال العقود والتوريدات الحكومية وغير الحكومية الهائلة.
4. مجال المزادات والمناقصات الحكومية وغير الحكومية.(36/9)
5. مجال الهدايا وبيع التحف النادرة وتجارة الأشياء الثمينة ذات القيمة المعنوية .
6. صناعة السينما ومكاتب الإنتاج السينمائي.
7. مجال تذاكر آليا نصيب واللوتارية.
8. مجال المطاعم والوجبات السريعة (العالمية).
9. دور السينما واستخدام حفلاتها لغسل الأموال.
10. الملاهي على اختلاف أشكالها وألوانها.(14)
وهناك مجالات أخرى ذكرها لم نشر إليها لعدم طمأنينة النفس إليها ومما ذكره صلاح جودة مضافا إلى ما سبق ما يلي:
11. أنشطة التهريب عبر الحدود للسلع والمنتجات المستوردة دون دفع الرسوم والضرائب الجمركية المقررة مثل تهريب السلع من المناطق الحرة وتهريب السجائر والسلع المعمرة وتجارة السلاح وغيرها.
12. أنشطة السوق السوداء والتي تحقق منها دخول طائلة للمتعاملين فيها بالمخالفة للقوانين الدولية مثال ذلك: المتاجرة في العملات الأجنبية في الدول التي تفرض رقابة على معاملات النقد الأجنبي ومثل السلع التي تعاني البلاد نقص المعروض منها بالنسبة للطلب عليها مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها بما يتجاوز ضوابط تسعيرة الدولة.
13. أنشطة الرشوة والفساد الإداري والتربح من الوظائف العامة وذلك من خلال الحصول على دخول غير مشروعة مقابلة التراخيص أو الموافقات الحكومية أو ترسية العطاءات أو العقود المخالفة لنصوص اللوائح والقوانين.
14. العمولات التي يحصل عليها بعض الأفراد والمشروعات مقابل عقد صفقات الأسلحة والسلع الرأسمالية أو الحصول على التكنولوجية المتقدمة....
15. الاقتراض من البنوك المحلية بدون ضمانات كافية أو بضمانات صورية
أو مبالغ في قيمتها وتحويل الأموال إلى الخارج دون سداد مستحقات هذه البنوك وهروب الأشخاص المقترضين مع أموالهم إلى الخارج لفترات معينة حتى تسقط الجرائم والأحكام بالتقادم.
16. جمع أموال من المودعين وتهريبها إلى الخارج دون وجود ضمانات كافية لأصحابها بزعم توظيفها في مجالات تحقق أرباحاً مغرية.(36/10)
17. الدخول الناتجة عن الغش التجاري أو الاتجار في السلع الفاسدة أو تقليد الماركات العالمية أو المحلية ذات الجودة والشهرة.
18. الدخول الناتجة عن تزييف النقود المحلية والأجنبية ذات الفئات الكبيرة القيمة.
19. الدخول الناتجة عن تزوير الشيكات المصرفية وسحب المبالغ من البنوك المحلية بشيكات أو حوالات مزورة أو من خلال تزوير الاعتمادات المستندية المعززة بموافقة البنوك.
20. الدخول الناتجة عن الفساد السياسي مثل فساد أعضاء البرلمان واستخدام الحصانة في التربح من العمل السياسي أو التهرب للسلع المستوردة.
21. الدخول الناتجة عن أنشطة الجاسوسية الدولية... وتودع الأموال من الجهة التي يعمل لحسابها في حساب مصرفي باسم الجاسوس خارج دولته.
22. الدخول الناتجة عن التستر والتي تجرمها بعض الدول العربية التي تمنع قوانينها الأجانب من المتاجرة أو مزاولة الأنشطة الاقتصادية ..دون وجود كفيل وطني حيث يلجأ الأجانب إلى بعض رجال الأعمال من أبناء تلك الدول العربية ويقدمون له رواتب شهرية أو سنوية أو نسبة من الأرباح مقابل التنازل عن حقه في استخدام ترخيص مزاولة النشاط الاقتصادي وبذلك يحصل الأجنبي على أرباح طائلة من استغلال التراخيص الممنوحة للمواطنين...(15)
وأضيف إلى كل ما سبق ساحة جديدة من فرص غسل الأموال في العراق المحتل. فتحت ذريعة إعمار العراق، واستثمار رأس المال الأجنبي، سوف تجد المافيات الدولية ميداناً كثير الفرص لغسل الأموال وتطهيرها، ومن ثم إخراجها، ولعلّ عصابات المال الصهيوني التي لا تعفّ عن رذيلة في دنيا المال، إلا وتأخذ بها، لعلها بدأت التسلل إلى العراق بحجة الاستثمار، بعدما أعطيت ذات الدرجة التفضيلية لأي مال خارجي، وإنه لأمر يستحق الملاحظة والتتبع والانتباه.(36/11)
ومن الناحية الشرعية نلاحظ أن مفردات الأنشطة التي ذكرت آنفاً والتي توردها التشريعات المهتمة بظاهرة غسيل الأموال تقع جميعاً في المفهوم الإسلامي تحت عبارة المال الحرام ـ وهو معنى محدد في الإسلام بأنه المال الذي يكتسب عن طريق غير مشروع وتنتج عدم المشروعية عن أصلين كلاهماورد النهي عنه في القرآن الكريم وهما أكل أموال الناس بالباطل وتعدي حدود الله في التصرفات المالية ـ ويدخل في ذلك ما يؤخذ غصباً دون رضا صاحبه والقمار والخداع والغش وكل ما نتج عن معصية حرمها الشارع أو وضع لإرتكابها عقوبة كالسرقة والاحتيال وإنكار الحقوق وأخذ الربا وثمن المحرمات كالخنزير ونحوه من المحرمات فكل ذلك مال حرام نهى الله عن كسبه والانتفاع به ويلاحظ أن نشأة ظاهرة غسيل الأموال ونشاط المجتمع الدولي في محاربتها لها أسباب اقتصادية وبواعث اقتصادية لا تكاد تتصل بالتوجيه الخلقي في المجتمع، فالدول الأوروبية والأمريكية تجيز ألواناً من الكسب محرمة شرعاً وتضر بالمجتمع أبلغ الضرر مثل الأموال الناتجة عن القمار والدعارة المصرح بها والرهان المحرم شرعاً ولكنها أموال تسلم لصاحبها رغم عدم شرعيتها ويرجع ذلك إلى انفصال القواعد القانونية عن القواعد الخلقية في التشريع الغربي بالذات وهو مبدأ مستقر على خلاف
ما نراه في التشريع الإسلامي.
ثالثاً: مراحل غسل الأموال:
"تمر عملية غسل الأموال بمراحل ثلاث مترابطة وهي مرحلة الإيداع ومرحلة التمويه ومرحلة الإدماج وتهدف هذه المراحل في مجملها إلى إخفاء المصدر الجرمي للعائدات غير المشروعة ودفعها للامتزاج والاندماج في هياكل وآليات الاقتصاد المشروع ، بما يحقق للمجرمين وللمنظمات الإجرامية فرصة أوسع للتصرف بحرية تامة في هذه العائدات بعيدا عن متناول أجهزة القانون".(16)
ويرى د.جودة أن مراحل غسيل الأموال ثلاثة هي:
1 - التوظيف أو الإيداع.
2 - التعتيم أو التمويه.
3 - التكامل أو الاندماج.(17)(36/12)
بينما كتب محي الدين علم الدين أن المراحل (*) هي:
1) اكتساب الأموال بالعملة المحلية أو الأجنبية نقداً أوعيناً.
2) التخلص من حيازة الأموال بعد قبضها حتى إذا تم ضبطه لم يكن المال في حيازته فلا يصادر عند توقيع العقوبة عليه فيعهد إلى أحد معاونيه في الجريمة بحيازة
المال وقد يلجأ إلى إيداع المبالغ المتحصلة في خزانة حديدية في بنك من البنوك حتى لا يتبين ضخامتها وأهميتها.
3) إدارة الأموال والتصرف فيها، فقد يعهد المجرم بنقل سلطة إدارة أمواله المكتسبة من عمل غير مشروع منصوص عليه إلى آخر، وقد يمعن في التخفي فيخرج جزءً من هذه الأموال على سبيل الصدقة أو المساهمات الاجتماعية الخيرية أو رصد جوائز للمتفوقين في مجلات علمية أو رياضية أو دينية درءاً للشبهات عن نفسه، وقد يعهد بهذه الأموال إدارة وتصرف إلى أجهزة أمناء الاستثمار في البنوك أو الشركات.
4) حفظ الأموال المكتسبة وهذا يتم عادة بواسطة أشخاص يثق فيهم المجرم وكثيراً ما يكونون من شركائه.
5) استثمار الأموال المكتسبة من جريمة من جرائم غسل الأموال، بصورة ويرى آخرون أن عمليات غسل الأموال تمر بثلاث مراحل متعاقبة هي: (19)
1 . الإحلال .
2 . التغطية.
3 . الدمج.
أولاً : الإحلال:
وهي أولى مراحل الدورة لتقليدية لغسل الأموال وفي هذه المرحلة يتم إدخال الأموال القذرة التي تم تحصيلها من جرائم الاتجار بالمخدرات أو بالسلاح أو بالرقيق الأبيض أو بالأعضاء البشرية أو من أي صورة من صور الجريمة الدولية المنظمة، إلى الجهاز المصرفي دون لفت الأنظار، ثم بعد فترة يتم نقل هذه الأموال إلى الخارج بأية صورة من صور التحويل المصرفي .
…وقد تتعدى عملية الإحلال من مجرد الإيداع في البنوك إلى شراء مؤسسات مالية أو تجارية أو شراء أسهم أو سندات لحاملها أو سبائك ذهبية، المهم في هذه المرحلة أن يتم تغيير شكل المال الحرام بأية صورة من صور التغيير.(36/13)
…وهذا الإحلال قد يتم في نطاق المدينة أو المنطقة التي تم اكتساب المال الحرام منها، ويمكن أن يتم ذلك من جانب موزعي المخدرات بالجملة أو التجزئة
أو المرتشين أو تجار السوق السوداء وأمثالهم حين يقومون بغسل الأموال الشخصية التي يتحصلون عليها، أما الحيتان الكبار من منظمات المافيا العالمية، فإنهم يفضلون غسل أموالهم القذرة خارج حدود دولهم.
أساليب غسل الأموال القذرة في مرحلة الإحلال:
هناك في الوقت الحاضر أساليب لغسل المال الحرام في مرحلة الإحلال نوجزها، فيما يلي:
1 . أسلوب التركيب: وهو أسلوب يتم عن طريقه تقسيم المال المراد غسله إلى مبالغ أقل من الحد الذي يجب على البنك إبلاغ البنك المركزي عنده (خمسين ألف يورو أو مائة ألف يورو مثلاً)، ثم يقوم فرد أو عدة أفراد بإيداع هذه المبالغ لدى البنوك أو تحويلها أو شراء شيكات سياحية
أو شيكات بنكية بها.
2 . أسلوب التواطؤ الداخلي (الفردي أو الجماعي): وفي هذا الأسلوب يقوم موظفو البنك بتسهيل قبول الإيداعات الكبيرة مقابل انتفاع شخصي لهم، مع عدم إبلاغ السلطات الأمنية عن ذلك.
3 . أسلوب التمثيل المخالف للحقيقة، وهو المظلة التي تهدف إلى إظهار الأموال المغسولة أو مصدرها أو غاسلها بغير المظهر الحقيقي، ويتم هذا الأسلوب بطرق متعددة منها:
أ- الاتفاق بين الغاسل وبعض الشركات القائمة على خلط المال القذر غير القانوني بأموال الشركة، وبعد فترة تظهر الأموال الإجمالية لعوائد لنشاط الشركة. …
ب- تكوين ما يعرف بشركات الواجهة، وهي في الغالب شركات وهمية، قد تكون مجرد دمية أنشئت فقط لغرض استخدامها في عملية الغسل، وهي تمارس نشاطاً هامشياً، ويتركز معظم دخلها من مصادر المال الحرام، ويتعاظم دور هذا النوع من الشركات في غسل الأموال عندما يتصل نشاطها بتجارة الذهب والمجوهرات والأحجار الكريمة.(36/14)
4 . أسلوب التحويل من بنك إلى آخر: وهو أسلوب يحتاج إلى تواطؤ داخلي بين البنوك، حيث يتم من خلاله تحويل الأموال غير القانونية من بنك إلى آخر بوصفها أموالاً قانونية.
5 . الاستثناء من الإبلاغ عن الإيداعات الكبيرة : حيث تودع الأموال في البنوك وفقاً لهذا الأسلوب من خلال شركات كبيرة معفاة من الإبلاغ عن إيداعاتها.
6 . شراء الموجودات والأدوات ذات القيم : حيث يقوم الغاسل من خلال هذا الأسلوب بشراء السيارات ـ الطائرات ـ السفن ـ العقارات ـ المعادن النفيسة ـ الشيكات السياحية ـ الأوراق المالية ـ وغيرها بما لديه من أموال قذرة، وهو يستطيع بعد ذلك بيعها والكشف عن أثمانها كمصادر قانونية مشروعة لأمواله.
7 . تهريب العملة من الدولة التي اكتسب منها المال الحرام إلى أية دولة أخرى مع المسافرين أو في شحنات البضائع، ثم إعادتها عن طريق الحوالات البنكية التلكسية.
ثانياً: مرحلة التغطية (التمويه):(20)
…وهي تعتمد على إخفاء علاقة الأموال القذرة بعد دخولها في النظام المصرفي عن مصادرها غير المشروعة عن طريق القيام بالعديد من العمليات المالية المتتالية، الكبيرة الحجم، مخلوطة أو ممزوجة بعمليات مالية قانونية ومشروعة مماثلة.
…ومن الأساليب المستخدمة في هذه المرحلة، التحويلات المالية الإلكترونية بين البنوك أو المؤسسات المالية غير التقليدية، وتعتبر التحويلات التلكسية أهم أسلوب في مرحلة التغطية، من حيث الدقة والسرعة وحجم الأموال المحولة، ومن بين الأساليب المستخدمة في هذه المرحلة كذلك، بيع أو تصدير الموجودات السابق شراؤها في مرحلة الإحلال السابقة.
…ومرحلة التمويه أو التعتيم أو التغطية أو التشطير كما يطلق عليها يقصد بها تضليل الجهات الأمنية والرقابية والقضائية عن المصدر غير المشروع للأموال القذرة .(21)
ثالثاً: مرحلة الدمج :(36/15)
وهي المرحلة الأخيرة من مراحل غسل المال الحرام، تهدف إلى دمج المال الحرام في الاقتصاد الوطني لدولة صاحبه، وجعله يبدو كالمال الحلال المشروع، حيث يظهر على أنه أرباح مشروعة من أعمال تجارية، يهنأ به صاحبه دون ملاحقة أو مساءلة من أحد عن مصدره وفقاً لمبدأ إسلامي وتشريع كريم يطرحه السؤال من أين لك هذا؟
ولا شك أن هذه المراحل جميعاً تقع ضمن ما يطلق عليه الجريمة المنظمة والتي من خصائصها الهامة التخطيط والاحتراف وأنها معقدة في إجراءاتها ولها القدرة على التوظيف والابتزاز. (22)
وتشير الدلائل إلى أن الجريمة المنظمة تزداد انتشاراً وتتراكم مواردها مما يستدعي بالضرورة ابتكار وسائل لغسيل الأموال حتى تفلت الأموال الهائلة التي تنتج من الجريمة المنظمة من ملاحقة السلطات عبر البلاد المختلفة وقد حدد المؤتمر الوزاري العالمي الجريمة المنظمة بأنها تشمل التنظيم الخاص الجماعي بقصد ارتكاب جريمة والروابط المتدرجة التي تسمح لزعماء المنظمة بالتحكم في الجماعة واستخدام السيطرة والعنف والإرهاب والإفساد بهدف جني الأرباح وغسل العائدات المرتبطة بهذه الأنشطة. (23)
ومن صور الجريمة المنظمة التي لها صلة وثيقة بغسيل الأموال ما يرتكب عن طريق أصحاب المهن غير المالية كالمحامين والمحاسبين ومسجلي العقود والعاملين في السوق العقارية وصالات المزادات وكذلك تجارة الذهب حيث أنه مقبول كعملة عالمية لا تردد إزاءها وهي أشبه مادة خام بالنقود ـ كما في التحليل الاقتصادي للجريمة الدولية المنظمة.
رابعاً : أسباب تفشي ظاهرة غسل الأموال:
…يجب أن يكون معلوماً من البداية أننا وفي نطاق هذا المحور لن نبحث في أسباب أو مصادر كسب المال الحرام، الذي هو المحل للجرائم التابعة والمتعلقة بغسل الأموال غير المشروعة، وإنما سوف نركز جل اهتمامنا على أسباب تفشي ظاهرة غسل المال الحرام، وبداية نقول:(36/16)
…إن الجريمة المنظّمة قد أصبحت وبصفة عامة ـ والجرائم المرتبطة بالمخدرات بصفة خاصة ـ تشكل تحدياً خطيراً للدولة، بل والمجتمع الدولي كله، وتركز منظمات الجريمة المنظمة أنشطتها على مجالات الجرائم التي تتوقع الحصول من ورائها على مكاسب طائلة بصرف النظر عن مدى مشروعيتها، إذن فالقوة الحافزة وراء الجريمة المنظمة هي تحقيق أقصى المكاسب.(24)
وإذا كانت القوانين الوطنية لكل الدول تسعى جاهدة إلى معرفة هذه المكاسب وتمييزها ومصادرتها لحرمان المجرمين من عائدات جرائمهم، وتعجيزهم عن تمويل ارتكاب المزيد من هذه الجرائم، فإنه وتحسباً لذلك يلجأ مجرمو الجريمة المنظمة إلى غسل العائدات التي يحققونها من أنشطتهم الإجرامية غير المشروعة، لطمس المصدر الحقيقي لهذه العائدات وإدخالها من خلال قنوات أخرى إلى الدورة الاقتصادية والمالية المشروعة. (25)، وهم بما يملكون من أموال طائلة قادرون على شراء كل شئ بما في ذلك الذمم والضمائر الإنسانية، فضلاً عن الأموال العينية الأخرى.
وهم يسلكون إلى ذلك مسالك شتى ويستخدمون أدوات متنوعة منها على سبيل المثال: خدمات الأنشطة التجارية والمالية المشروعة التي تنهض بها المؤسسات المالية بكافة قطاعاتها (سوق الأوراق المالية ـ قطاع البنوك ـ قطاع التأمين) .
وقبيل خمس عشرة سنة تقريباً لم تكن الجرائم المرتبطة بغسل الأموال قد عرفت على المستوى العالمي، حيث لم يكن الهيروين والكوكايين والعقاقير الأخرى المخدرة قد أنتجت على المستوى التجاري، وحيث لم تكن منظمات الجريمة المنظمة قد أكملت هياكلها الإدارية والتنظيمية بعد، غير أن الأمر يختلف الآن، وحتماً سيختلف في الغد القريب عما هو عليه الآن، وهو ما يدعو إلى التعاون الدولي لمكافحة الجريمة المنظمة وما يرتبط بها من جرائم غسل الأموال الناتجة بغسل الأموال و نجد أن في طليعة هذه الأسباب ما يلي:
1- الفساد الإداري بوجهيه القبيحين وهما:(36/17)
أ- الفساد المتمثل في تقاضي المسؤولين أو الموظفين لمبالغ مالية غير قانونية (رشاوى وإتاوات) وعمولات مقابل منح عملاء منظمات الغسيل الدولية تراخيص معينة في مجالات الاستثمار أو المباني أو الاستيراد أو التصدير
أو تملك العقارات أو إقامة المعارض.(26)
ب- الفساد المتمثل في تمكين المسؤولين في الدولة بعضهم لبعض أو لأفراد ذي صلة من الحصول على قروض بنكية كبيرة بغير ضمانات وتهريبها إلى الخارج بعد غسلها داخلياً.
2- وجود سلبيات وتشوهات في القيم الدينية والخلقية لدى بعض رجال الأعمال في الدول الجاذبة لغسل المال الحرام، بما يسمح لهم بالقيام بعمليات الغسيل مقابل نصيب وافر منه.
3- قصور النصوص العقابية القائمة عن ردع مرتكبي جرائم غسل الأموال، إما لأنها كانت موضوعة قبل تفشي هذه الظاهرة أو لأن أساليب ارتكاب جرائم غسل الأموال في تطور دائم ومستمر، بما يقتضي ملاحقتها عقابياً بتطوير أدوات مواجهتها.
4- قصور التنظيم الاقتصادي والإداري لعمليات الاستثمار والمضاربة في أسواق الأوراق المالية الناشئة، والاكتتاب في السندات لحاملها، والعمليات البنكية (المصرفية) عن مواجهة أو ملاحقة أساليب منظمات غسل الأموال، وذلك يقتضي سرعة التحرك لسد هذه الثغرات.
ويمكن إضافة إلى ما سبق أن نقول :
…إن عوامل عدة في بداية القرن الخامس عشر الهجري ونهاية القرن العشرين الميلادي، قد أدت دورها في تفشي ظاهرة غسل الأموال نذكر منها:(36/18)
1) سيطرة النظام الرأسمالي على الفكر الإنساني، فقد غابت أو غُيّبت القيم والأخلاق، وأصبح المعيار هو المادة وقيمة الإنسان دولياً بما يملك، بل أن الدول تقاس بمستواها الاقتصادي الآن وهو ما دفع الدول أحياناً والأفراد أحياناً أخرى إلى الكسب غير المشروع حتى تكون في النهاية ذات ثقل سياسي واقتصادي، إن الرأسمالية لا تعرف الأخلاق ولا القيم وإنما تعرف الدرهم والدينار فقط، وهو ما جرف كثيرين إلى احتراف هذه الظاهرة في الواقع المعاصر.
2) تقدم حركة الاتصال المصرفي بما ييسر تحويل الأموال إلى أي بلد في العالم، ففي الماضي لم يكن النظام المصرفي معروفاً أو متعارفاً عليه، وكل نقل للأموال كان يتطلب قيام شخص بالسفر بهذا المال حتى يضعه حيث أمر به، وفي عصرنا الحاضر يمكن فتح حساب في أي بنك في العالم وإيداع أي مبلغ وفي ثوان محدودة يصل المبلغ إلى الحساب، وقد أكد المشتغلون بالاقتصاد أن أعلى نسبة غسل أموال هي في الدول الأجنبية لإدراكها لقيمة الأموال المودعة بها على اقتصادها المحلي وبخاصة أمريكا، سويسرا، هونج كونج، المملكة المتحدة.
3) مبدأ سرية الحسابات في البنوك، وله دور رئيسي، فالأصل في المعاملات البنكية عدم سؤال العميل عن مصدر كسبه، بل وسعادة البنك بارتفاع أسهمه، وهو ما دفع كثيرين إلى اعتمادهم على هذا المبدأ لإيداع مبالغ تتجاوز الحد في أقل زمن وبأقصى سرعة.
4) النشاط الصهيوني الخفي في الاقتصاد العالمي، حيث يقوم خبراء الاقتصاد من اليهود بدور رئيسي في عملية غسل الأموال، وتوحي وسائل الإعلام في زماننا أن كثيراً من البنوك في البلاد العربية والإسلامية تهتم بالدرجة الأولى بعملية غسل الأموال، ويكون تعاملها مع الجمهور صورة مزيفة للاستتار عن أعين الرقباء.(36/19)
5) الحرب الاقتصادية غير المعلنة بين الدول وبعضها البعض، فهناك عصابات فردية وعصابات دولية، وهناك مؤسسات تحرسها حكومات إن تعرضت للخطر وبنوك أخرى تتدخل دول أجنبية لإنقاذها إن استشعرت الإفلاس، وهدفها من وراء ذلك أن تبقى هذه البنوك تعمل في ديار الإسلام على وجه الخصوص لتكون مصدراً لتحقيق الأمل المرجو منها في الحرب الاقتصادية غير المعلنة، وما ضرب العملات المحلية في أغلب الدول الإسلامية بخاف عن أحد.
ولا شك أن التقدم في تقنيات الاتصال والانتقال لا سيما انتقال المعلومات له أثره البالغ في نمو ظاهرة غسيل الأموال وسرعة انتقالها عبر الدول بحيث أصبحت ظاهرة دولية لا يمكن إهمال عواقبها السلبية الخطيرة فضلاً عن إمكان إفلات القائمين بها من العقاب بسبب وجود ثغرات عديدة في أنظمة بعض الدول بحيث يقتضي الأمر وجوب تبادل المعلومات بين الدول إذا أريد ضبط مشروعية الكسب وانتقال الأموال بين دول العالم العامر.
وفضلاً عن ذلك فهناك مشكلة التكييف القانوني لظاهرة غسيل الأموال فقد تكون عملية غسيل الأموال مهماً تعددت مراحلها فعلاً من أفعال المساهمة الجنائية ، وقد تكون قانوناً صورة من صور إخفاء الأشياء المسروقة أو المتصلة من جريمة ولابد لتوفير الوقاية من عواقب هذه الجريمة وآثارها السلبية في المجتمع من ضبط التكييف القانوني لها وتحديد أركان الجريمة وصلتها بالجريمة السابقة والتي تحصل منها المال الذي يجري غسله عبر بلاد وأجهزة مختلفة. (27)
خامساً: أثار غسل الأموال:
…يتخلف عن جريمة غسل الأموال مجموعة من الآثار غير المرغوبة يمكن تصنيفها إلى:
1 ـ آثار سياسية.
2 ـ آثار اجتماعية.
3 ـ آثار اقتصادية.
4 ـ آثار مالية ومصرفية.
أولاً: الآثار السياسية :(36/20)
قدمنا في المبحث الرابع أن منظمات الجريمة المنظمة تركز نشاطها الإجرامي على مجالات الجرائم التي تتوقع الحصول من ورائها على مكاسب طائلة، وقدمنا أن من أبرز أنواع هذه الجرائم الاتجار في المخدرات والعقاقير المؤثرة على العقل والاتجار في الرقيق وفي الأعضاء البشرية، فضلاً عن الرشوة والابتزاز وفرض الإتاوات وعمولات بيع السلاح، إضافة إلى عمولات الفساد الإداري في مختلف صوره وأشكاله، وكل هذه الجرائم تعطي عائدات خيالية، وكل هذه الجرائم في الوقت ذاته ترتبط بالفساد الإداري والخروج على النظام والقانون.
هذه العائدات الخيالية تمكن منظمات غسل الأموال من شراء كل شئ حتى ذمم الضعفاء (وما أكثرهم) ومقاعد البرلمانات ومن ثم فإنهم يسعون جاهدين إلى اختراق أجهزة الدولة السياسية والإدارية والمصرفية والوصول إلى مراكز اتخاذ القرار والنتيجة حينئذ معلومة، إذ ماذا ننتظر من مجرم غاسل للمال الحرام يتربع على مقعد البرلمان أو يتبوأ مركزاً قيادياً في الحزب الحاكم، يراقب الحكومة، ويطلع على كل أسرار الدولة، ويضع قوانينها ويتخذ مختلف القرارات فيها، وماذا ننتظر من ورائه وهو يمتلك دور النشر الصحفية والقنوات الفضائية ويوجّه الرأي العام ويملك مفاتيح إضعاف الحكومة بل وإسقاطها إن أراد، لا شك أنها آثار سياسية خطيرة.
ثانياً: الآثار الاجتماعية:
…هناك سلسلة متوالية من الآثار الاجتماعية لجرائم غسل الأموال، تبدأ بإحداث خلل في البنيان الاجتماعي، حيث تتيح عمليات الغسيل للقائمين بها الحصول على مكاسب خيالية بما يمكن أن يعيد الترتيب الطبقي في المجتمع لغير صالح الشرفاء ثم تنتهي هذه السلسلة بانحطاط القيم والمثل والثوابت الاجتماعية وما بين حلقة البداية وحلقة النهاية تتآكل الطبقة الوسطى في المجتمع.(36/21)
…إن " نجاح أصحاب الدخل غير المشروع في الانتفاع بحصيلة الجريمة يمكن أن يؤدي إلى صعود هؤلاء المجرمين إلى قمة الهرم الاجتماعي في الوقت الذي يتراجع فيه مركز العلماء والمكافحين إلى أسفل قاعدة الهرم، إن المال سيصبح هو معيار القيمة للأفراد في المجتمع بصرف النظر عن مصدره مما يؤدي إلى شعور الشباب بالإحباط والركون إلى السلبية وهو ما يعني اهتزاز القيم الاجتماعية المستقرة في المجتمع وتهديد السلام الاجتماعي، كما يؤدي غسل الأموال إلى تشويه المناخ الديمقراطي في المجتمع، حيث يصعد أصحاب الدخول غير المشروعة على مقاعد البرلمان ومجالس الشورى ومجلس الشعب واتحادات التجارة والصناعة وتعلو نجومهم إعلامياً في وسائل الإعلام ".(28)
ثالثاً: الآثار الاقتصادية:
…هناك على وجه التحديد ثلاثة آثار اقتصادية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بجرائم غسل الأموال وهي:
…1ـ التضخم.…2ـ المضاربة على العقارات والمجوهرات.…3ـ الكساد.
…وذلك إن المال الحرام المراد غسله عندما يحل في أسواق دولة ما، فإنه يحدث زيادة بمقدار حجمه في العرض النقدي لهذه الدولة بما يفوق كثيراً مقدار ناتجها القومي من السلع والخدمات، ومن شأن ذلك أن يؤدي حتماً إلى التضخم، وعندما يحين موعد رحيله وتصديره إلى الخارج حيث موطنه الأصلي، فإن ذلك يتسبب في نقص السيولة في الدولة المضيفة له، وهو ما يعني الانكماش ثم الكساد وما بين هاتين الدورتين الاقتصاديتين تتقلب بشدة أسعار صرف عملة الدولة المضيفة للمال المغسول، ولما كان الجهاز الإنتاجي بل والبنيان الاقتصادي للدولة المضيفة غير قادرين على استيعاب المال المغسول عند قدومه، فإن منظمات غسل الأموال تفضل غالباً المضاربة على العقارات والمجوهرات بما يرفع قيمتها السوقية بغير مبرر وبما قد يضر بالغالبية من أبناء هذه الدولة، لقد أظهرت بعض الدراسات الآثار السلبية الاقتصادية بصورة واضحة نذكر هنا فيما يلي:(36/22)
1. تؤثر عمليات غسل الأموال على الاقتصاد القومي من خلال دعم الجرائم مثل المخدرات والفساد الإداري والفساد السياسي وغيرها، حيث تؤدي إلى جانب من الدخل القومي المشروع إلى خارج البلاد وهي حصيلة النقود التي يحصل عليها تجار المخدرات مثلاً من المتعاطين أو المدمنين أو الأموال الحكومية
أو العاملة يستولي عليها نتيجة الفساد وهو ما يعني أضعاف الدخل القومي المحلي وما يرتبط به من آثار انكماشية تؤدي إلى تراجع معدل زيادة الدخل القومي سنوياً.
2. تؤدي عمليات خروج الأموال إلى الخارج في سلسلة حلقات غسل الأموال إلى زيادة العجز في ميزان المدفوعات، وحدوث سيولة في النقد الأجنبي تهدد الاحتياطيات لدى البنك المركزي من العملات الحرة.
3. يترتب على الاستفادة بحصيلة الدخول غير المشروعة نتيجة نجاح أصحابها في غسيلها حدوث تشوه في نمط الإنفاق والاستهلاك، مما يؤدي إلى نقص المدخرات اللازمة للاستثمار وحرمان مجالات النشاط الاقتصادي المهمة من الاستثمار النافع للمجتمع.
4. أثبتت إحدى الدراسات أن غسل الأموال يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية بنسبة 27% في المتوسط.
5. يرتبط غسل الأموال بزيادة الإنفاق البذخي وغير الرشيد مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار المحلية وحدوث ضغوط تضخمية في الاقتصاد القومي.
6. يؤدي غسل الأموال إلى حدوث خلل في توزيع الدخل القومي وزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء أو محدودي الدخل في المجتمع، مما يؤدي بدوره إلى عدم وجود استقرار اجتماعي مع إمكانية حدوث صراع طبقي وأعمال عنف.
7. يمكن أن يؤدي غسل الأموال إلى اضطرار الحكومة إلى فرض ضرائب جديدة أو زيادة معدلات الضرائب الحالية من أجل تغطية الفجوة بين الموارد المتاحة واحتياجات الاستثمار القومي بعد هروب أو تهريب الأموال إلى الخارج، وهو ما يعني زيادة الأعباء على أصحاب الدخول المشروعة في المجتمع.(36/23)
8. إذا لم تلجأ الحكومات إلى زيادة الضرائب فإنها يمكن أن تضطر إلى اللجوء للمديونية الداخلية وإلى المديونية الخارجية الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الأعباء على ميزان المدفوعات وعلى الموازنة العامة للدولة وحدوث عجز مزمن فيهما معاً.
9. يمكن أن يؤدي غسل الأموال إلى انهيار البنوك المتورطة في عمليات الغسيل مثلما حدث في حالة بنك الاعتماد والتجارة الدولي، الذي كان متورطاً في غسل الأموال لتجار المخدرات بواسطة الفرع التابع له الذي كان موجوداً في فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية، مما جعل المملكة المتحدة بالتنسيق مع الولايات المتحدة تخططان للانقضاض على هذا البنك وتصفيته من الوجود تماماً وهو ما حدث بالفعل.(28)
10. يمكن أن يؤدي غسل الأموال إلى انهيار البورصات التي تستقبل الأموال الناتجة عن الجرائم الاقتصادية، حيث يكون اللجوء إلى شراء الأوراق المالية من البورصة ليس بهدف الاستثمار، ولكن من أجل إتمام مرحلة معينة من مراحل غسل الأموال ثم يتم بيع الأوراق المالية بشكل مفاجئ، مما يؤدي إلى حدوث انخفاض حاد في أسعار الأوراق المالية بشكل عام في البورصة، ومن ثم انهيارها بشكل مأساوي.( 29)
إن الحظر الاقتصادي لعملية غسل الأموال ليس قاصراً على دولة بعينها بل على مستوى الاقتصاد العالمي:
" ويتفق هذا التوجه مع قاعدة اقتصادية مهمة مفادها أن كل مال هارب ملطخ بشيء من الشبهة، وأن رؤوس الأموال القلقة الباحثة عن الشرعية لا تبنى اقتصاداً ولا تحقق تنمية اقتصادية حقيقية، حيث لا يهتم غاسلو الأموال بالجدوى الاقتصادية للاستثمار قدر اهتمامهم بالتوظيف الذي يسمح بإعادة تدوير تلك الأموال، وهو
ما يتناقض مع كل القواعد الاقتصادية القائمة على نظرية تعظيم الربح ويشكل بالتالي خطراً كبيراً على مناخ الاستثمار محلياً ودولياً.(36/24)
…فعلى المستوى الدولي: يمكن أن يؤدي غسل الأموال إلى انتقال رؤوس الأموال من الدول ذات السياسات الاقتصادية الجيدة ومعدلات العائد المرتفع إلى الدول ذات السياسات الاقتصادية الفقيرة ومعدلات العائد المنخفضة بما يضر بمصداقية الأسس الاقتصادية المتعارف عليها، والتي يمكن لصانعي السياسة الاقتصادية الاستناد إليها، كما تؤثر عمليات غسل الأموال بالسلب على استقرار أسواق المال الدولية وتهدد بانهيار الأسواق الرسمية التي تعد حجر الزاوية في بناء اقتصاديات الدول.
…وعلى المستوى المحلي: تؤدي حركة الأموال المطلوب غسلها دون مراعاة الاعتبارات الرسمية إلى المنافسة غير المتكافئة مع المستثمر الجاد المحلي والأجنبي باعتبار أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من التعامل، لا سيما أن عمليات غسل الأموال يمكن أن تؤثر بالسلب في أغلب المتغيرات الاقتصادية بما قد يعقد من مهمة الدولة في وضع خطط برامج فعالة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ".(30)
…وتؤكد نادية يوسف على خطورة هذه العملية اقتصادياً قائلة: " إن سن تشريع لمكافحة غسل الأموال في مختلف الدول بما فيها الدول النامية هو في المقام الأول يأتي لمصلحة الاقتصاد الوطني، ذلك لأن الاعتماد على هذه الأموال غير المشروعة في الاستثمار يهدد الاقتصاد في أي دولة لا سيما الدول النامية بالانهيار لأن من يحصل على هذه الأموال غير المشروعة ويتخذ من غسل الأموال وسيلة لإخفاء مصدرها وإضفاء الشرعية عليها، ومن هذه الوسائل استثمارها في أنشطة غير مشروعة ومن ثم يكون منافساً خطيراً غير شرعي للأفراد والكيانات الشريفة بما يؤدي إلى استبعادهم من هذه المجالات وانهيار منشآتهم وتهديد التنمية الوطنية ". (31)
رابعاً: الآثار المالية والمصرفية:(36/25)
…لا شك أن التحويلات المالية المفاجئة سواء تلك التي ترد إلى الدولة أو تخرج منها تحدث تشوهات غير متوقعة على سوق النقد والجهاز المصرفي، وعلى سوق رأس المال (سوق الإقراض المباشر وسوق الأوراق المالية)، وهو ما يؤدي إلى انهيار هذه الأسواق، كما حدث في دول جنوب شرق آسيا منذ سنوات، وذلك بما يهدد استقرار النظام المالي والمصرفي في الدولة المضيفة، بل إن عملية غسل الأموال قد تصيب السياسة المالية والإئتمانية للدولة المضيفة بالتخبط والارتباك.
…فقد تدفع وفرة السيولة عند ورود المال إليها واضعي السياسات إلى وضع سياسات مالية وائتمانية معينة، ثم عندما يحدث التحول العكسي المفاجئ في حركة هذه الأموال تفشل هذه السياسات وتتخبط الحكومة في إجراءات وقرارات عشوائية تكون لها انعكاسات اقتصادية واجتماعية سيئة، وباختصار شديد فإن عمليات غسل الأموال تضع المؤسسات المالية للدولة المضيفة في قبضة عصابات غسل الأموال والمنظمات التي تحترف هذا المجال. (32)
…ويذكر د. محسن الخضيري، كثيراً من الآثار لعملية غسل الأموال على البنوك والمصارف والبورصات واقتصاديات الدول ومما أشار إليه من سلبيات ما يلي:
1) " تعرض البنوك لخطر الإفلاس والانهيار واشتداد حدة الأزمات نتيجة عدم قدرة العملاء على السداد وضياع أموالهم في مشروعات لا تربح أو تعرضهم لخسائر فادحة نتيجة هروب المقترضين بأموال المودعين وعدم قدرة البنوك على إعادة الأموال الهاربة.
2) فقد سيولة الاقتصاد سواء من العملات المحلية أو العملات الأجنبية التي تلتهم الاحتياطي الأجنبي الخاص بها مع كل عملية غسيل دولي أو محلي يترتب عليها إجراء تحويلات إلى الخارج عبر البنوك والمصارف... بل إنه كثيراً
ما تلجأ عصابات الجريمة المنظمة إلى الضغط بشدة على موارد البلاد
ما النقد الأجنبي لتحقيق تأثير مزدوج التدمير ".(33)
سادساً: الجهود والقوانين الدولية لمكافحة غسل الأموال:(36/26)
…إن ظاهرة غسل الأموال ظاهرة عالمية وليست محلية، وأن العصابات التي تمارس هذا النشاط تعمل في سرية تامة، وأن الكشف عن الرؤوس المدبرة غاية في الصعوبة، وإذا كانت بعض المنظمات مجهولة فإن الآثار السلبية لأنشطتها واضحة للعيان.
…إن الإحصاءات المتعلقة بعمليات الغسل والمبالغ التي يتم الغسل فيها تتجاوز المتوقع وأن التقارير الدولية لتؤكد أن نسبة ليست قليلة من الاقتصاد العالمي تجرى فيها عملية الغسل " وتشير تقديرات البنك الدولي عن حجم الفساد أنه بلغ نحو
80 بليون يورو في العالم عام 1416هـ 1996م، وهذا الحجم للفساد العالمي يوازي 13.3% ثمن قيمة الأموال الناشئة عن الجريمة والفساد، والتي يجرى تبيضها سنوياً والتي بلغت 600 بليون يورو عام 1416هـ 1996م، وقد أشارت مجموعة التحرك المالي التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن هناك عدداً من الدول تشارك بفاعلية في غسل الأموال الناشئة عن الفساد والجريمة وعلى رأسها دولة اليهود في فلسطين وروسيا والفلبين وفي إحصاءات أخرى بالنسبة لعمليات غسل الأموال على مستوى العالم فإن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أنها تتراوح بين 350 ـ 500 بليون يورو سنوياً من حجم الدخول غير المشروعة عالمياً الذي يتراوح بين 500 ـ 715 بليون يورو سنوياً، وتمثل تجارة المخدرات النشاط الأساسي لأصحاب الدخول التي يجرى عليها عمليات غسل الأموال، حيث تقدر قيمة المدخرات المتداولة عالمياً بنحو
500 بليون يورو منها 350 بليون يورو تخضع لعملية غسل الأموال، وذكرت دراسة الدكتور عادل الكردوسي المقدمة في جامعة الأزهر لمؤتمر "المخدرات مشكلة اقتصادية" أن قيمة ما ضبط من المخدرات في مصر عام 1423هـ ـ 2002م يتجاوز
(12.4) مليار جنيه، وهو ما يساوي (10%) من مجمل هذه التجارة القذرة في مصر وحدها.(36/27)
…كما تشير التقارير الدولية إلى أن المبيعات الأوروبية من الهيروين للدول الصناعية السبع تبلغ 16 بليون يورو سنوياً يتم غسل 12 بليون يورو منها عبر البنوك والمؤسسات المالية العالمية الأخرى.(33)
…يقول د. محسن الخضيري: " لا يستطيع أحد أن يعرف على وجه الدقة مقدار ما يتم غسله من أموال قذرة في جميع أنحاء العالم، وبالتالي فإن حجم ما يعرف منها ضئيل للغاية، مثلها مثل جبل الثلج أعلى ما فيه قمته وهي ومهما كان حجمهما الظاهر، فهي قمة صغيرة الحجم، فإنها لا تقاس بالحجم الضخم الخفي لجسم جبل الثلج، وهو ما يماثل جريمة غسل الأموال الحجم الأصغر هو المكتشف أما الأكبر فهو خفي دفين.
…ويقدر حجم جريمة غسل الأموال التي تمر عبر بنوك العالم وأجهزته المصرفية بنحو 3 تريليون يورو سنوياً أي ما يقدر بنحو 5% من إجمالي الناتج العالمي، وأن عمليات غسل الأموال في روسيا تقدر بنحو 100 مليار يورو ... في حين تقدر عمليات غسل الأموال التي تتم في الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 100 مليار يورو سنوياً...".(34)
…إن جريمة بهذا الحجم قد أقلقت مضجع النظام العالمي الجديد وهو ما دفع بعض الدول إلى الاتحاد لمواجهة هذه الجريمة، كما تم إنشاء مؤسسات تتبنى هذا الأمر وهو ما نبينه فيما يأتي حسب الترتيب الزمني للأحداث.
…في عام 1408هـ 1988م عولجت هذه الظاهرة بمقتضى اتفاقية فيينا(34) بشأن مكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات، حيث عنيت هذه الاتفاقية بأمور منها:
أ - تحديد صورة غسل الأموال.
ب - دعوة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى وضع نصوص قانونية لمكافحة ظاهرة غسل الأموال ومصادرة الأموال الناتجة عنها.
جـ - دعوة المجتمع الدولي لمواجهة هذه الظاهرة.
ثم توالى الاهتمام العالمي لمكافحة هذه الظاهرة سواء على مستوى الدول أو على مستوى المنظمات والهيئات الدولية وكان من أبرز ذلك: (35)(36/28)
- إعلان لجنة بازل الذي تم توقيعه من جانب ممثلي البنوك المركزية لإحدى عشرة دولة في 3/5/1409هـ، ديسمبر سنة 1988م، والذي دعا إلى منع استخدام الجهاز المصرفي لأغراض عمليات غسل الأموال.
…ومما تجدر الإشارة إليه أن كل الدول العربية قد شاركت ووقعت على الاتفاقيات الدولية لمكافحة غسل الأموال، وفي مقدمتها اتفاقية فيينا لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية المعقودة في جمادى الأولى 1409هـ ديسمبر 1988م.
ـ …في عام 1410هـ 1989م، صدرت توصيات عن لجنة العمل المالي لغسل الأموال (F.A.T.F) المنبثقة عن قمة الدول الصناعية السبع الكبرى، والتي وسعت ولأول مرة من نطاق جريمة غسل الأموال، حيث لم تقف بها عند حدود عمليات ترويج وبيع المخدرات، وإنما شملت الجرائم ذات الصلة بالعقاقير وطوائف الجرائم الخطيرة أياً كان نوعها مثل جرائم الدعارة والاتجار بالأطفال وبالأعضاء البشرية.
…ومما يذكر أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الأوروبي عضوان بارزان في هذه اللجنة في الوقت الراهن.(36)
- ـ في عام 1410هـ 1990م، أبرم مجلس دول الاتحاد الأوروبي اتفاقية بشأن تجريم عمليات غسل الأموال ومصادرة الأموال الناتجة عن هذه العمليات ومنع استخدام النطاق المصرفي لأغراض الغسيل.
…وفي العام نفسه عقد الاجتماع الثامن للأمم المتحدة من أجل منع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في هافانا في 20 جمادى الأولى 1411هـ 7 ديسمبر 1990م.
-في يونيو 1411هـ 1991م، أصدر البنك المركزي العماني تعميماً إلى كافة المؤسسات المالية المرخصة في سلطنة عمان يحذر فيه من خطورة المتاجرة في المخدرات وما يتبع ذلك من عمليات غسل الأموال في جميع أنحاء العالم، ويطلب فيه من المؤسسات المعنية تطبيق أحكام توصيات لجنة (F.A.T.F) كل في نطاق اختصاصه.(36/29)
-في جمادى الأولى 1414هـ أكتوبر 1993م، عقدت ندوة الرياض حول الجرائم الاقتصادية بإشراف مؤسسة النقد العربي السعودي بصفتها ممثلاً لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وعضواً في مجموعة العمل المالي الدولي (F.A.T.F) والتي خصصت محورها الأول لجريمة غسل الأموال، من حيث طبيعة الموضوع وأخطاره وسياسات وبرامج مكافحته مع تناول هذه السياسات من جوانبها التنظيمية والقانونية والمعلوماتية.
…ويبلور د. عبدالله علي الملا (37)، في ورقته التي قدمها إلى هذه الندوة باسم الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والجهود التي قامت بها الدول الست في مجال محاربة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية وعمليات غسل الأموال في :
1) منع تهريب المخدرات وترويجها ورفع العقوبة على ذلك إلى حد الإعدام.
2) المبادرة إلى المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة المعقودة في فيينا عام 1408هـ 1988م، بشأن مكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية.
3) تفعيلاً لتوصيات اللجنة المالية لمكافحة غسل الأموال (F.A.T.F.) والتي شاركت فيها الأمانة العامة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بوصفها أحد المراكز المالية من خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التابعة للدول السبع الصناعية الكبرى.
ـ في عام 1414هـ 1994م، عقدت مؤتمرات عدة منها:
* في تونس صدرت الاتفاقيات العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية.
* صدر القانون المالطي في العام نفسه، وقد عني عناية خاصة بتحديد الصور الإجرامية لعمليات غسل الأموال وعقوباتها.
* مؤتمر مكافحة الجريمة المنظمة المنعقد في نابولي.(36/30)
- في عام 1415هـ 1995م، صدر القانون النموذجي للأمم المتحدة بشأن مكافحة غسل الأموال، محدداً القواعد التي يمكن أن تهتدي بها الدول الأعضاء في نطاق تشريعاتها الوطنية لمكافحة غسيل الأموال وقد عنى هذا القانون بتحديد مدلول الأموال (القذرة) ونطاق الجرائم المتصلة بعمليات الغسل والعقوبات الأصلية والتكميلية لكل جريمة.
وفي القاهرة من العام نفسه، عقد المؤتمر الدولي التاسع لمنع الجريمة والذي أوصى بالتعاون الدولي لمكافحة غسل الأموال وتسهيل الكشف عن الحسابات السرية.
- في عام 1416هـ 1996م، صدر القانون الأمريكي بشأن مكافحة عملية غسل الأموال والذي عني بتحديد طبيعة النشاط الإجرامي في كل عملية وصوره.
وفي العام نفسه صدر القانون الفرنسي رقم 392 بشأن غسل الأموال، وهو يقسم الجرائم المتعلقة بعمليات الغسيل إلى نوعين:
1ـ بسيطة.
2ـ مشددة.
ويحدد العقوبة المناسبة لكل نوع.(38)
ـ في عام 1422هـ 2002م، صدر القانون المصري الخاص بعمليات غسل الأموال والذي حدد الصور الإجرامية لعمليات غسل الأموال وعقوباتها مع مراعاة سرية الحسابات البنكية الصادر بها قانون رقم 205 لسنة 1990م، وقانون الكسب غير المشروع رقم 62 لسنة 1975م، وقد صدر القانون بعد جدل فقهي واسع حول مدى الحاجة إلى أفراد عمليات غسل الأموال بتجريم مستقل، وقد نوقش المشروع في مجلس الشورى ومجلس الشعب وصدر به قرار جمهوري برقم (568). (39)
إدراج تمويل الإرهاب ضمن غسل الأموال:
…بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر(23جمادى الآخر/1422هـ)، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإدراج النشاط الاقتصادي لما تسميه بالجماعات الإرهابية ضمن عمليات غسل الأموال، وقد أصدرت أوامرها إلى دول العالم عامة والدول العربية والإسلامية بخاصة بمراقبة مصادر تمويل هذه الجماعات من طريق التبرع أو الزكاة أو رؤوس الأموال المودعة في مصارف بديارها أو ما سوى ذلك.(36/31)
…ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل اجتمعت لجنة (F.A.T.F) وأصدرت توصيات خاصة بشأن تمويل الإرهاب تناولوا فيها:
1. إقرار وتنفيذ وثائق الأمم المتحدة.
2. إعطاء تمويل الإرهاب وغسل الأموال صفة الجريمة.
3. تجميد ومصادرة الأصول الإرهابية.
4. الإبلاغ عن الصفقات المشبوهة بشأن الإرهاب.
5. التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب.
6. مراقبة الأساليب البديلة لتمويل الإرهاب.
7. تحويل الأموال لاسلكياً وسبل الوقاية.
8. مراقبة المؤسسات والمنظمات غير الساعية للربح، حيث يسهل اختراقها من قبل هذه المنظمات وبخاصة من:
أولاً: المنظمات الإرهابية التي تعرض نفسها كمؤسسات شرعية.
ثانياً: استغلال المؤسسات الشرعية كقنوات لتمويل الإرهاب وبغرض التهرب من تجميد أموالها.
ثالثاً: استخدام هذه المؤسسات لكي تحجب أو تبعد النظر عن سرية تمويل الإرهاب لمنظمات إرهابية تحت ستار أغراض شرعية.
…وإذا كنت قد نقلت ذلك عن لجنة (الفاتيف)، فإن التحفظ على كلمة إرهاب، جماعات إرهابية ومنظمات إرهابية عندي لا يزال قائماً، حيث إنه لم يصدر حتى الآن تعريف دولي للإرهاب، ولم توافق أمريكا على عقد مؤتمر دولي لتحديد مفهوم الإرهاب، وإنما عرفته في ضوء مصالحها الخاصة، وتصورها الذاتي ولو عرف الإرهاب كما ينبغي لكانت القيادة والريادة والإعداد والتخطيط والتنفيذ والأولوية بالإطلاق فيه لأمريكا أولاً واليهود في فلسطين ثانياً، وهذا الذي دفعها إلى رفض عقد مؤتمر دولي لذلك.
حملة الإجراءات المالية ضد عملية غسل الأموال وتوصياتها : (40)
…رأت اللجنة (41) أن بعض الدول لا زالت تغض الطرف عن جريمة الأموال القذرة ولا تؤاخذ فاعليها ولا تعتبر غسل الأموال جريمة، وقد دعت هذه اللجنة إلى وجوب اعتماد اتفاقية فيينا بشكل كامل وأن تشرع في التصديق عليها.
…وقد صدرت هذه الحملة أربعين توصية ليس بالإمكان بيانها في هذه العجالة، ولكني أوجز تلك التوصيات في الآتي:(36/32)
1) مسؤولية الدول عن النشاط الإجرامي لغسيل الأموال فيها، حيث حملت الدول مسئوليتها بالتعقب والمراقبة والتسليم وأخطار الأنتربول وتبادل المجرمين الدوليين في هذه الظاهرة.
2) البنوك وهي مسئولة عن الإبلاغ عن كل عملية حسابية فيها ريبة من العميل، وذلك بأخطار جهات الاختصاص من ناحية وتشكيل لجان سرية لمتابعة ذلك من ناحية ثانية، كما طالبت وجرمت كل من يدلي ببيانات إلى غاسلي الأموال عن الأخطار التي تتهددهم من الجهات المختصة أو تحذرهم من دوام التعامل مع البنوك حتى يسهل إيقاعهم في يد العدالة، وتجرم التوصيات كل من يساعد بأي صورة من الصور غاسلي الأموال في استمرار نشاطهم، من حيث تسهيل فتح الحساب أو النقل أو الدلالة أو التحذير أو ما شاكل ذلك.
3) تقترح عقوبات تفاوتت بحسب حال المجرم، من حيث الابتداء والأصالة والتكرار والثانوية في العصابة وتنص على السجن أحياناً ومصادرة الأموال ثانياً وتتفاوت عقوبة السجن من خمس سنوات إلى سبع إلى عشرين سنة,
4) طالبت اللجنة بإعادة النظر في العقوبات المقدرة على جريمة غسل الأموال، نظراً لأن غاسلي الأموال يطورون أنفسهم بصفة مستمرة مما يتعذر معه الوقوف عن حد الماضي في وقت تتطور فيه جريمة غسل الأموال، وتطور عصاباتها نشاطها بما يتأتى معه التحايل على القانون القديم.
5) دعت اللجنة إلى تيسير التقاضي وإجراءات محاكمة مجرمي غسل الأموال، وتيسير نقلهم من دولة إلى أخرى في إطار اتفاقيات عامة لمحاكمة مجرمي غسل الأموال.
سابعاً: دول مجلس التعاون ومكافحة غسل الأموال:
…كتب مصطفى عبدالسلام يقول: يجرى العمل حالياً في دول مجلس التعاون الخليجي لإصدار قانون لمكافحة ظاهرة غسيل الأموال على مستوى المجلس وذلك تطبيقاً لاستراتيجية أمنية اتفق عليها وزراء داخلية دول المجلس الست في وقت سابق.(36/33)
…ويأتي هذه التحرك الخليجي النشط بعد أن تم إدراج بعض الدول الخليجية ضمن الدول الجاذبة لغسل الأموال، بعد أن وصل حجم الأموال التي تم غسلها في العام الماضي عالمياً من بين 400 ـ 500 مليار يورو كان نصيب الدول العربية منها 100مليار يورو.
…كما يأتي هذا التحرك بعد مخاوف خليجية من أن تصبح دول المجلس هدفاً لعصابات غسل الأموال لاعتبارات عديدة منها: الموقع الجغرافي، وامتلاك هذه الدول سواحل بحرية ممتدة لمسافات طويل تغري بالتسلل والتهريب بالإضافة إلى وجود أعداد هائلة من العمالة الوافدة التي يمكن استغلالها في تنفيذ عمليات غسيل الأموال في ظل حرية تحويل وصرف العملة التي تطبق بدول الخليج.
وقد اتخذت دول المجلس خطوات فعالة مؤخراً لمكافحة عملية غسل الأموال منها: التصديق على الاتفاقيات الدولية التي تجرم غسيل الأموال مثل :
- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات.
- المصادقة على الاتفاقية العربية لمكافحة الاتجار بالمخدرات.
- التوقيع على القانون الصادر عام 1408هـ 1988م، عن لجنة (بازل) الخاص بالإشراف على البنوك وحظر استخدام البنوك في النشاط المتعلق بالجرائم المختلفة، كانت دراسة خليجية قد أكدت أن بعض دول الخليج العربية بدأت تدرج ضمن الدول الجاذبة لغسيل الأموال وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو الأمر الذي نفاه مصرف الإمارات المركزي.(42)
لقد صدر مؤخراً عن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (الأمانة العامة) النظام (القانون) الاسترشادي الموحد لمكافحة غسل الأموال، والذي احتوى ثماني وعشرين مادة تتعلق بغسل الأموال، وتضمنت هذه المواد ما يلي:
المادة الأولى: تناولت المفاهيم وتحديد المصطلحات الواردة بالقانون.
الفصل الأول : وبه مادتان تضمنتا تعريف غسل الأموال بكل احتمالاته والمراد من غاسل الأموال بكل أبعاد المصطلح مادة
(2 ، 3 ) .(36/34)
الفصل الثاني : وبه ثمان مواد تناولت واجبات المصارف والمؤسسات المالية وغير المالية والمصرفية والجهات الرسمية تجاه ظاهرة غسل الأموال وبه المواد رقم (4، 5، 6، 7، 8، 9، 10، 11).
الفصل الثالث: وبه مادتان تضمنتا الإجراءات القانونية واجبة الاتباع في محاكمة ومحاسبة غاسل الأموال والطرق المعتمدة لذلك، مادة (12، 13).
الفصل الرابع: وبه تسع مواد تضمنت عقوبة مرتكب جريمة غاسل الأموال ومن ساعده من مسئولي البنك والشركات والمؤسسات، وقد نصت على مدة السجن ومصادرة الأموال، والحل إذا تعذرت المصادرة ومن يعفى عنه من هؤلاء وذلك في المواد رقم (14، 15، 16، 17، 18، 19، 20، 21، 22).
الفصل الخامس: وبه ثلاث مواد وقد نص على وجوب التعاون الدولي من أجل المكافحة وإقامة اتفاقيات للتعاون بين الدول بعضها البعض من أجل القدرة على المواجهة وذلك في المواد رقم
(23، 24، 25).
الفصل السادس: وبه ثلاث مواد نصت الأولى منها على إعفاء المسئولين في الأجهزة المصرفية من الإدانة ما لم يثبت تورطهم في العملية، ونصت الثانية على تحمل الوزير المختص إصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون ونصت الثالثة على وجوب نشر ذلك في اللائحة الرسمة، وذلك في المواد (26، 27، 28).
السعودية ومكافحة غسل الأموال:…
شكلت المملكة العربية السعودية وحدة لمكافحة غسل الأموال تابعة لوزارة الداخلية في إطار حملة مكافحة الإرهاب، كما اتخذت المصادر السعودية تدابير لتفادي تمويل الإرهاب، وستعمل هذه الوحدة الجديدة بالتعاون الوثيق مع السلطات المالية والنقدية السعودية، كما أمرت وزارة التجارة بفرض رقابة مشددة على الصفقات الضخمة، وطلبت من المؤسسات المالية إبلاغ السلطات عن أي حالات مريبة، وأكد مسئولون سعوديون أن تلك اللوائح التنظيمية تستكمل إجراءات سابقة اتخذها مجلس الوزراء لمكافحة غسل الأموال وغيرها من الأنشطة غير القانونية في مجال الأعمال.(36/35)
من جهته قرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة خاصة لمعالجة قضية غسل الأموال، على أن تكون تحت مظلة مؤسسة النقد العربي (ساما)، وتم تكليف اللجنة بإعداد مشروع نظام لمكافحة غسل الأموال، تراعى فيه الأحكام الواردة في أنظمة مجلس التعاون الخليجي، وكانت مؤسسة (ساما) قد اتخذت خلال الشهور الماضية عدة إجراءات لمواجهة عمليات غسل الأموال (43)، كما أن مجلس الشورى ناقش في الشهر الرابع من هذا العام 1424هـ مشروع نظام جديد لمكافحة غسل الأموال، ولعله يصدر قريباً بعد استكمال إجراءاته النظامية.
هيئة كبار العلماء وموقفهم من غسل الأموال:
…صدر قرار هيئة كبار العلماء رقم 91 بتاريخ 22/5/1402هـ، بتجريم التستر واعتبار أن المبلغ الذي يحصل عليه المواطن أو الأجنبي للتستر يعتبر مالاً حراماً، لأنه بلا عوض مباح، قال تعالى:( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل( ـ البقرة 188 ـ النساء 29 الآية.
…وتوضح الدراسات التي أجريت على ظاهرة التستر في المملكة العربية السعودية أن عدد القضايا التي يتم التحقيق فيها في هذا الخصوص تتراوح بين 40 ـ 60 قضية يومياً تشمل 19 مدينة تقوم لجان مكافحة التستر بالتحري والتحقيق فيها، وفي حالة ثبوت واقعة التستر يمنع الأجنبي من مغادرة البلاد حتى يقوم برد جميع الأموال المستحقة إلى الحكومة ثم يتم ترحيله إلى خارج البلاد.(44)
…وقد أشار مصطفى عبدالسلام إلى موقف اليمن وقطر والإمارات والكويت من عملية غسل الأموال والتدابير والقوانين التي أصدرتها هذه الدول لمواجهة هذه الجريمة.(45 )
ثامناً: موقف الشريعة الإسلامية من غسل الأموال:
…إذا كان مصطلح "غسل الأموال" لم يرد في الشريعة الإسلامية، فإن الإسلام قد استخدم مصطلحات أوسع دلالة من مصطلح غسل الأموال، وهو مصطلح "المال الحرام" أو "الكسب الحرام" أو "الكسب غير المشروع".(36/36)
…وإذا كان العالم قد أستيقظ على عملية غسل الأموال كناتج سلوكي لمحترفي هذا السلوك مع محاولتهم إكساب المال الحرام صفة الشرعية أو القانونية في القرن العشرين، فإن الإسلام قد أبان عن موقفه من المال عامة والمال الحرام بخاصة، فأحل الحلال ودعا إليه وبين سبله، وحرم الحرام وجرمه وأتخذ لذلك سبلاً عدة للوقاية منه على مستوى الأفراد وعلى مستوى الدولة، ويمكن بيان ذلك موجزاً في الآتي:
أولاً: نظرة الإسلام إلى المال:
…تقر الشريعة الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها من حب للمال إلى حد الفتنة، وقد صرح الإسلام بذلك، قال تعالى:(زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب( آية 14 آل عمران.
وقال تعالى:(المال والبنون زينة الحياة الدنيا( آية 46 الكهف، وقد يصل الأمر إلى حد الافتنان بالمال والولد، قال تعالى:(إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم( آية 15 التغابن.
…ولذلك أقر الإسلام تحصيل المال من حلال، وذكر العلماء طرق الحلال وهي:
1) العمل المشروع وهو الأساس في الكسب وبه يستقيم أمر الفرد والمجتمع
2) …الإرث بشرط أن لا يتعجل الوارث تحصيله بإزهاق روح مورثه.
3) الهبات والصدقات والزكاة وما يلحق بها، وقد حث الإسلام على الزهد فيها قدر الاستطاعة، لأنها تؤدي إلى استمراء الدونية وتقتل روح العزة وتحد من عوامل نهوض الأمة ورقي المجتمع.
ومن سمات الإسلام أنه لم يضع حداً للقلة أو الكثرة في التملك من طريق الحلال، ولكنه اشترط ـ كما يرى الفقهاء ـ ثلاثة شروط للتملك وهي:
1. جمع المال من حلال، وأما الجمع من حرام وإن أكسب الملكية الظاهرة إلا أنه وزر على مالكه.(36/37)
2. إنفاق المال في الحلال، فالملكية لا تكسب التصرف المطلق للإنسان، أن قيوداً شتى قد وضعت على التصرف، كالتقييد بعدم السرف (وكلوا وأشربوا ولا تسرفوا(آية 31 الأعراف، وفرض وصاية وحجر على السفهاء (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما( آية 5 النساء، وتحريم التجاوز في التصرف حال الولاية والوصاية،( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف}آية 6 النساء.
3. أداء حق الله فيما بين الكسب والإنفاق، قال تعالى:( والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم( آية24، 25 المعارج.
وبهذا أتاح الإسلام الفرصة لكل شريف عفيف أن يتكسب من الحلال كما يحلو له وإن ملك الكثير والكثير من الأموال ما دامت شروط الكسب من الحلال قد توفرت.
الإسلام والمال الحرام:
…نهى الإسلام الناس عامة والمسلمين بخاصة عن جمع المال من حرام وسلك في الحد من ذلك رغبة في المنع منه سبيلين.
ـ السبيل الأول: نصوص عامة تحرم المال الحرام.
ـ السبيل الثاني: خاص حيث النص على مصادر بعينها للكسب الحرام مع تحريمها(36/38)
والسبيل الأول، أوضح ما يكون في خطاب القرآن الكريم بالتحريم العام لأكل أموال الناس بالباطل، ومن وجوه إعجاز القرآن كشفه النقاب عن المستجدات التي لم تكن موجودة في عصر النبوة أو كانت موجودة ولكنها نادرة وكثرت في عصرنا، قال تعالى:( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون( آية 188 البقرة، فقد نصت الآية على تحريم أكل مال الغير بالباطل، وصرحت بأن بعض الناس يدفعون للمسؤولين رشوة لتيسير سبيل أكل أموال الغير بالباطل، وقد عبر عنهم بالحكام لا على أنهم ولاة الأمر وحدهم بل يندرج في الوصف كل مسئول في موقعه ( مدير مؤسسة، مدير بنك ، مدير شركة، مدير مصرف) وغيرهم من أجل تيسير السبل لهؤلاء ، مع النص على أن من يفعلون ذلك يعلمون حرمته ( وأنتم تعلمون(.
كما ورد قول الله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما، ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصلية ناراً وكان ذلك على الله يسيرا ( آية 29، 30 النساء، ويفهم من النص أن الإسلام قد أغلق باباً وفتح أبواباً شتى، فالباب الذي أغلقه هو أكل أموال الغير بالباطل والأبواب التي فتحها تتعدد بتعدد الأشياء المتاجر فيها والتي لا حصر لها.
وحذر الإسلام من استغلال الدين كسبيل لجمع المال وكنزه أو إدعاء تملكه ولو كان ذلك من رجال العلم الشرعي أنفسهم، وحذر من أناس فعلوا ذلك فيما سبق، قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون( آية34 التوبة.(36/39)
كما لعن الله اليهود بسبب تصرفاتهم المالية غير المشروعة ( وأخذهم الربا وقد نهو وأكلهم أموال الناس بالباطل واعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليما(
آية 161 النساء.
والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبين لنا أن المال الحرام يبطل عمل صاحبه، ولو كان العمل نوع قربة من حيث الظاهر، وفي الحديث (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وأن الله أمر عباده المؤمنين بما أمر به عباده المرسلين، فقال: (ياأيها الرسل كلوا من الطيبات( المؤمنون 51, وقال:(يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم( البقرة 172, ثم ذكر الرجل أشعث أغبر يطيل السفر يقول يا رب. ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له) الحديث .صحيح مسلم 2/703 رقم1015.
وحين سأل سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يدعو الله له باستجابة الدعوة، قال عليه السلام له: يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة. المعجم الأوسط 6/311 .
كما وصى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بترك كل ما فيه شبهة اتقاء للوقوع في الشبهة، وفي الحديث (إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس. فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه) البخاري 1/28 ومسلم3/1219 رقم1599 واللفظ له .
وفي الحديث (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) المستدرك 1/116 صحيح
ابن حبان 2/498.(36/40)
إن موقف الإسلام صريح في ردّ كل فعل ظاهره خير ينتج عن المال الحرام، ولو كان عبادة مالية أو بدنية أو هما معاً، فقال رسول الله (لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول) صحيح مسلم 1/204، وفي السنة كذلك بشأن الحج (إذا خرج الرجل حاجاً بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك، زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور. وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك غير مبرور) الطبراني في الأوسط 5/251 رقم 5228.
كما ورد قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب وإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربى أحدكم فلوه ...) البخاري 2/511 رقم 1344، وبنحوه أخرجه مسلم
(2/702) ح 1014
ويكفى أن الإسلام قد توعد كل من جمع مالا من حرام وكل من يحيى على المال الحرام بأن مآله إلى جهنم وبئس المهاد، وفي الحديث الشريف( أي لحم نبت من سحت فالنار أولى به) المستدرك 4/141 رقم 7163، صحيح بن حيان12/378 سنن الترمذي 2/512 هذا عن السبيل الأول وهو التحريم بصيغة العموم للكسب الحرام.(36/41)
السبيل الثاني (الخاص) : حيث النص على مصادر بعينها للكسب الحرام مع تحريمها ومن يقف على مصادر الكسب الحرام (غسل الأموال) يدرك أن كثيراً من مصادره مما نص الإسلام على تحريمه صراحة، وليس بالإمكان حصر ذلك، ولكني أشير إلى بعض هذه المصادر مع التركيز على صيغ العموم السابقة في التحريم، والقاعدة العامة في الشريعة الإسلامية أن الأصل في الأشياء الإباحة وأن كسب المال من الطرق الشرعية مباح مهما تنوعت وسائل هذا الكسب من أعمال الزراعة (عدا النباتات المحرم زراعتها أو استخدامها كالأفيون والقات) وكذلك التجارة وهي في جملتها النشاط الاقتصادي القائم على تبادل السلع والمنتجات بالبيع والشراء والشركة وغيرها من التصرفات والعقود والصناعة وهي إعداد وصنع ما يحتاج إليه الإنسان في جميع شؤون حياته، وقد يشمل النشاط الصناعي الزراعة والتجارة معاً وهناك مصادر أخرى لكسب المال غير ما ذكرنا وهي مباحة في الشرع كالمواريث والوصايا والهبات والصدقات.
وكل هذه الأموال حلال كسبها ونقلها والاستفادة منها وجني ربح من ورائها فالشريعة الإسلامية لا تضيق في طرق كسب المال والانتفاع به ولذلك فلا عذر لأحد في ابتغاء المال الحرام وهذا ما عُني به الشارع فحرمه وعاتب على العديد من صوره وهو ما نشير إليه في تحريم الشارع لبعض أنواع المال ولبعض الأنشطة التي تؤدي إلى الكسب الحرام، ومن ذلك:
أ ـ المسكرات والمخدرات، بكل صورها وأنواعها وألوانها وقليلها وكثيرها، وفي الحديث الشريف: لعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الخمر عشرة
( عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وأكل ثمنها والمشترى لها والمشتراة له) الترمذي 3/589 رقم 1295 وقال حديث غريب، ابن ماجه2/1122 رقم 3381 .
وبين ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن كل مسكر خمر وكل مسكر حرام. مسلم 3/1587 رقم 2002.
وصرح بأن ما أسكر كثيره فقليله حرام. المستدرك على الصحيحين(36/42)
3/466 رقم 5748، أبو دواد 3/327 رقم 3681 ، صحيح ابن حيان 12/202 سنن ابن ماجه 2/1124 ح 3192 والترمذي 4/292 .
كما حرم الإسلام بيع كل ما تخمر ولو لم يكن بالصنعة وحرم بيعها
أو الاتجار فيها ولو لغير المسلمين، وفي الحديث الشريف (أن الذي حرم شربها حرم ثمنها) صحيح مسلم 3/1206 .
بل إن الصحابي الجليل أبا طلحة رضى الله عنه قال: يا رسول الله إني اشتريت خمراً لأيتام في حجري فقال: أهرق الخمر وكسّر الدنان. سنن الترمذي
3/588 ح 1293 ، سنن الدار قطني 4/265 المعجم الكبير 5/99 .
وقد كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يؤدب بنفسه كل من يتاجر في الخمر، وذلك بإضاعة رؤوس أموالهم عليهم، عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: (أمرني النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن آتيه بمدية ـ وهي الشفرة ـ فأتيته بها فأرسل بها فأهرق بها ثم أعطانيها وقال اغد علىّ بها ففعلت فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام، فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته ثم أعطانيها وأمر أصحابه الذين كانوا معه أن يمضوا معي ويعاونوني، وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته ففعلت فلم أترك في أسواقها زقا إلا شققته) مسند أحمد 2/132 رقم 6165 .
ب ـ مهر البغي ـ والتعبير بمهر فيه تجاوز والبغي هي الزانية, والمراد ما يدفع من مال مقابل الزنا وهو ما يسرى على بيوت الدعارة والتجارة في الأعراض الآن، وفي الحديث( نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن مهر البغي وحلوان الكاهن) صحيح البخاري 5/2045 ح 5031 في صحيح مسلم 3/1199
ح 1568.
ج ـ السرقة، وقد حرمها الإسلام وقدر عليها عقوبة ردعاً وزجراً ويكفي أن السارق يمكن أن يفقد أطرافه وتصل العقوبة إلى حد الإعدام تعزيراً، إذا استمر في السرقة، قال تعالى: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالا من الله( آية 38 المائدة .(36/43)
د ـ قطع الطريق، وهو ما يعرف بالحرابة في الإسلام، ويمكن إدراج عصابات المافيا تحت هذا المعنى لأن المحاربين مفسدون في الأرض، وعصابات المافيا كذلك قال تعال: ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف
أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم( آية 33 المائدة.
هـ ـ الغلول، وهو السرقة من المال العام قبل تقسيمه في الغنائم، ويلحق به الآن السرقة من المال العام اعتماداً على المنصب أو الموقع أو المعارف، وعقوبة ذلك واضحة في الدنيا برد المال والتعزير، وفي الآخرة إن لم يتب فله الخزي يوم الحساب ( وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون( آية 161 آل عمران.
و ـ …الربا، وهو من مصادر الكسب الحرام، ونصوص التحريم فيه واضحة في القرآن والسنة والخروج من ذنبه واضح كذلك، قال تعالى:( وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون( آية 275 البقرة.
…ولعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. مسلم 3/1218 رقم 1597، 1598.
ز ـ …الاختلاس، والرسول ـ صلى الله عليه سلم ـ قد نفى الإيمان عن فاعله، وفي الحديث ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربه وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) مسلم 1/76 رقم 57. والنهبة هي الاختلاس لكثير المال الذي إن سمع الناس به انبهروا .(36/44)
ح ـ …الاحتكار، وهو ما يعرف بالسوق السوداء الآن، وهو أمر تعارف عليه التجار عبر التاريخ ولا يزال حتى يومنا هذا مصدراً للكسب، حيث الاعتماد على شراء السلع وتخزينها حتى تندر أو تنقطع من السوق فتباع بأسعار مضاعفة، ويلحق بذلك تجارة الدواء والسلاح وعصابات تهريب الممنوعات، وقد نهى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك في أحاديث شتى منها، قوله عليه السلام (المحتكر ملعون) المستدرك 2/14 رقم 216 .
…( لا يحتكر إلا خاطئ) مسلم 3/1228 رقم 1605 .
…( من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغلبه عليهم فإن حقاً على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة) مسند أحمد ح 20413
ط ـ …الرشوة، وهي من أهم مصادر غسل الأموال الذائعة والشائعة، وقد نهى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك، وفي الحديث (لعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الراشي والمرتشي) صحيح ابن حيان 11/467 سنن أبي دواد 3/300 سنن ابن ماجه 2/775 .
الخلاصة :
…إن عمليات غسل الأموال بلغة العصر والكسب الحرام بلغة الشرع فيه خروج عن قيم الإسلام ومبادئه، بل فيه مصادمة للشرع من حيث انتهاك حرمة الضرورات الست (46) وبيان ذلك ـ مختصراً ـ كما يلي:
1) تعد عمليات غسل الأموال مخالفة للدين في حلاله وحرامه، حيث تحليل الحرام وتحريم الحلال لاعتبارات يرونها دون سند دين أو قانون، فضلاً عن كون هذا التصرف ضاراً بدين المتصرف نفسه، حيث أنه لا يراقب ربه ولا يخشى غده.
2) كثيراً ما تؤدي عمليات غسل الأموال من حيث المصدر إلى قتل النفس التي أمر الله بحفظها، وليس أدل على هذا من أن ظاهرة الاتجار في الأعضاء البشرية قد نمت في الغرب وقطع الغيار الإنساني متوفرة في مستشفيات الغرب عن طريق العصابات وتجار قطع الغيار البشري.(36/45)
3) ظهرت في الآونة الأخيرة التجارة في الرقيق الأبيض مع التركيز على الأطفال بالدرجة الأولى، وقد ذكرت التقارير أن الأطفال المختطفين من يوغسلافيا السابقة بلغوا حداً في الكثرة يبعث الشعور بالمرارة والحزن ، ومثل ذلك أطفال أفريقيا ولبنان وغيرهما وهو ما يعد إضراراً برجال المستقبل، وهناك ظواهر بيع الأبناء في بعض الدول الفقيرة لهذه العصابات، مثل كمبوديا ولأوس.
4) تضر عمليات غسل الأموال بالعقل لأن منشأها كان الاتجار بالمخدرات، ولا يخفى ما للمخدرات من آثار على العقل.
5) كما أن ضررها على المال العام والخاص لا يخفى على أحد، إن عمليات غسل الأموال قد هزت اقتصاد بعض الدول، كما حدث في جنوب شرق آسيا كما أغلقت البنوك بسبب هذه العمليات، وأعلنت إفلاسها ـ بنك الاعتماد والتجارة الدولي ـ وكم أعلنت شركات إفلاسها بعد المضاربة في البورصات التي اخترقتها عصابات غسل الأموال.
إن تحريم وتجريم هذا السلوك لم يعد يفتقر إلى دليل بعد ما ورد إثباته من آيات قرآنية وأحاديث نبوية.
الخروج من المال الحرام:
…جمهور الفقهاء على أن التكاليف الشرعية لا تقع ولا تقبل من مالكي الحرام إذا كان له دخل في العبادة كالزكاة والصدقة والحج ويبقى السؤال:
لو أراد غاسل الأموال أن ينجي نفسه ويطهر ماله فماذا يفعل؟ إنه لا سبيل للنجاة إلا برد الأموال إلى أصحابها إذا كانت مسروقة أو مغصوبة أو مختلسة من أشخاص، وأما المال الحرام مجهول المصدر أو من التجارة الحرام أو السرقة من المال العام
أو الرشوة، فكل ذلك يرد إلى المال العام بالتبرع للمستشفيات والمدارس والمعاهد والجامعات لا على أنه زكاة أو صدقة أو هبة بل مال يرغب صاحبه في التخلص منه، ولا يجوز إتلافه حتى لا يأثم به فاعله، ولا يجوز تركه للورثة لأنه حرام وملكيته فيها شبهة فوجب التخلص منه، وسنورد بعض التوصيات التي قد تفيد في هذا المجال على المستوى الفردي والاجتماعي .
توصيات مقترحة :(36/46)
لقد دلت جميع الأبحاث التي تقدم في المؤتمرات التي تعقد لمواجهة ظاهرة غسيل الأموال على أنه كلما انفتحت أبواب الكسب الحرام زادت حركة غسيل الأموال انتشارا وأصبحت الآن تتخطى الحدود من بلد إلى أخر تبعاً لانتشار المعاملات الدولية وسهولة انتقال الأموال ولذلك فإن مواجهة أي ظاهرة إجرامية تضر بأمن المجتمع أو اقتصاده يبدأ من الوقاية وسد الطريق أمامها فإذا أفلتت حالات معينة لم تصبح المشكلة ظاهرة ومنتشرة كما هي الآن تستدعي تدخل الدول بالتشريع أو الاتفاقات الدولية.
ويقتضي الأمر في مواجهة هذه الظاهرة التي تحاول إخفاء جريمة بجريمة أخرى هي غسيل المال الذي نتج عن الأولى ـ أن تتخذ الدول المعنية إجراءات معينة بعضها يدخل في باب الوقاية والآخر من قبيل العلاج.
أولاً: على الدول أن تبذل جهداً أكبر في إصلاح أجهزتها الإدارية والمالية والمصرفية ذلك أن المال الحرام يكتسب كثيراً عن طريق الفساد الإداري والمالي فغسيل الأموال يتصل اتصالا وثيقاً بجرائم معروفة وتمارس منذ القدم مثل الرشوة والاختلاس والتزوير والاستيلاء على المال العام وجرائم الاتجار في المخدرات والمسكرات وغيرها مما هو محرم شرعاً وقانوناً ويساعد فساد الجهاز الأمني والإداري في الحصول على أموال طائلة من جراء هذه الأنشطة الإجرامية ولذلك فإن إغلاق هذه الأبواب وسد الطرق أمام التكسب منها يقي من انتشار ظاهرة غسيل الأموال.
كما ينبغي أن تكون مراقبة المؤسسات المالية (المصارف والبيوت المالية ومؤسسات نقل وتحويل الأموال) بطريقة فعالة ولا يصح أن نتمسك بمبدأ سرية الحسابات تمسكاً شديداً إزاء مبالغ طائلة لا يعرف لها مصدر أو يكون مصدرها مشكوكاً فيه وقد بدأت البلاد الغربية وحتى في أمريكا بعد أحداث 23جمادى الآخرة 1422هـ 11سبتمبر2001م، في مراقبة حسابات بعض من يشتبه فيهم في جرائم الإرهاب ولا شك أن حماية المجتمع أولى من التمسك بسرية حسابات أفراد قلائل يعيشون فيه.(36/47)
ثانياً: لا ريب أن النظم السياسية تتخذ مواقف معينة ومحددة إزاء النشاط الاقتصادي الخاص تبعاً لما يسود هذه الدول من أفكار ونظريات سياسية واقتصادية ومع أننا لا ننادي بأن تحتكر الدول أو تسيطر على النشاط الاقتصادي إلا أننا مع إشراف الدولة على مجمل النشاط الخاص التجاري والصناعي والزراعي بحيث تحفظ مصالح المجموع فلا يواجه المجتمع الاستغلال في التجارة أو الاحتكار
أو الزيادة في نشاط لا يفيد مجموع الناس ويكون وسيلة لكسب المال الحرام (مثل كل وسائل وأنشطة الترفيه غير المشروعة أو غير الأخلاقية فهذه الأنشطة أقرب إلى تحصيل الحرام أصلاً وهي من بين الجهات التي تضطر لإخفاء مكاسبها الفاحشة أو غير المشروعة عن طريق غسيل الأموال ولا يعد ذلك تدخلاً سافراً أو غير مبرر في النشاط الاقتصادي الخاص ولكنه في الحقيقة حماية للناس والمجتمع من تضخم أنشطة غير مفيدة وفتح لأبواب الكسب المبالغ فيه لأفراد قلائل.
ثالثاً: أن تضع الدول باتفاقات فيما بينها ضوابط وشروط لتحويل الأموال
أو تغيير النشاط إذا كان الأمر يتعلق بمبالغ طائلة تنتقل بين المؤسسات المالية.
رابعاً: أن تكون المصادرة هي العقوبة الأولى لكل المبالغ التي يشتبه في أنها مبالغ هاربة من مصدرها غير المشروع حتى في غير البلد الذي تدخله هذه الأموال ودونت بعد سماع صاحب المال الحقيقي وراء عمليات غسيل الأموال.
خامساً: أن تهتم الأجهزة الأمنية في كل دولة بأنواع من الجرائم عرف الآن على وجه التأكيد أنها مصدر لكسب أموال طائلة من ورائها ومن هذه الجرائم كما دلت الأبحاث ـ جرائم لاتجار المخدرات والاتجار في الرقيق الأبيض وكل الأعمال المشينة وبذلك يمكن الحد من جرائم غسيل الأموال التي تأتي بعدها كوسيلة للهروب بهذه المكاسب من دولة المنشأ إلى دولة أخرى.(36/48)
…وبعد فإن الضرورة قد فرضت الاكتفاء بهذه العجالة، وإن كان في فكر وفقه المسلمين الشيء الكثير، ولكني أكتفي بهذا القدر سائلاً الله أن ينفع به كل من قرأه وسمعه والله ولي التوفيق والحمد الله رب العالمين.
الهوامش
1) صلاح الدين السيسي: قضايا اقتصادية معاصرة، توزيع مؤسسة الاتحاد الوطني 1998م.
2) د. هدى قشقوش: جريمة غسيل الأموال في نطاق التعاون الدولي، دار النهضة،
ص9ـ 17 .
3) د. أشرف شمس الدين : تجريم غسيل الأموال في التشريعات المقارنة،
دار النهضة، ط 2001م.
4) دراسة عن عمليات غسل الأموال، مقدمة من شبكة مكافحة الجرائم المالية بوزارة الخزانة الأمريكية إلى ندوة الرياض عن الجرائم الاقتصادية (غسيل الأموال تزييف العملات ، الاحتيال المصرفي) تنظيم مؤسسة النقد ومؤسسة التعاون ومجموعة العمل المالي الدول، الناشر: المعهد المصرفي بالرياض، أكتوبر 1993م.
5) جون كاسار: عمليات غسيل الأموال الدولية، بحث مقدم إلى ندوة الرياض.
6) د.يحيى الدين عوض: تحديد الأموال القذرة ومدلول غسيلها وصور عملياته، ص7 .
7) المرجع السابق ص8 .
8) غسيل الأموال.
9) المرجع السابق ص140 .
10) د.صلاح جودة: غسيل الأموال، ص25 .
11) د.عبدالرزاق الزهراني، مجلة البحوث الأمنية، العدد23 مجلد11، ص21 .
12) المرجع السابق ص22 بتصرف.
13) أوراق لم تنشر عن غسل الأموال / لواء عصام الترساوي ، مكتبة الإدارة العامة.
14) د. محسن الخضيري: غسيل الأموال، مجموعة النيل العربية، ط 1، ص5.
15) د. صلاح جودة: غسيل الأموال، ص31 ـ 36 بتصرف.
16) مصطفى طاهر: مراحل غسيل الأموال، من كتاب المواجهة التشريعية لظاهرة غسل الأموال، ط 1 سنة2002م.
(*) لعل الأنسب استخدام كلمة "الطرق" بدلاً عن كلمة "المراحل.
17) غسيل الأموال، ص27.
18) محيى الدين علم الدين: مجلة الأهرام الاقتصادية، العدد 1753 بتصرف .(36/49)
19) دراسة عن عمليات غسيل الأموال، مقدمة من شبكة مكافحة الجرائم المالية بوزارة الخزانة الأمريكية، ندوة الرياض1993م.
20) جون كاسارا ـ عمليات غسل الأموال الدولية، ندوة الرياض.
21) د.هدى قشقوش، مرجع سابق، ص54.
22) بحث للدكتور نائل عبدالرحمن صالح ، ندوة الجريمة المنظمة عبر الحدود العربية القاهرة نوفمبر 1998م.
23) الإجرام المنظم وغسيل الأموال ، لواء عمر حسن عدس ، مجلة بحوث الشرطة، العدد التاسع يناير 1996م.
24) سيدريك وود هول ـ وحدة الاستخبارات المالية بالمملكة المتحدة ـ من بحثه "أساليب التعامل مع أنشطة غسل الأموال في المملكة المتحدة، ندوة الرياض 1993م.
25) كرستيان أيدلمان ـ الرئيس المساعد لإدارة البنوك بوزارة المالية الألمانية، من ورقة عمل بعنوان: إجراءات مكافحة غسيل الأموال في ألمانيا، ندوة الرياض.
26) د.حمدي عبدالعظيم ـ عميد أكاديمية العلوم الإدارية بطنطا ـ جريمة غسيل الأموال في مصر والعالم، القاهرة 1997م.
27) من تقرير عن المشروع المصري لقانون غسيل الأموال.
28) عبدالحليم المحجوب: إشكالية التعريف للإرهاب والجريمة المنظمة والأمن القومي ـ القاهرة ، في كراسات استراتيجية جليجية " الإرهاب وعلاقته بالجريمة المنظمة والمخدرات وانعكاساتها على الأمن القومي" مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية ـ 8/4/1997م، ص 5 ـ نقلاً عن د. عادل عبدالجواد الكردوس، دراسة غير منشورة بعنوان: حجم غسل أموال المخدرات في المجتمع المصري، مؤتمر المخدرات مشكلة اقتصادية، جامعة الأزهر ـ 6 ، 7مايو2003م.
29) صلاح جودة، مرجع سابق، ص165ـ 166 .
30) المرجع السابق، ص163 ـ 165 .
31) الأهرام الاقتصادي ، العدد 42166 بتاريخ 18/5/2002م، الجريدة.
32) نادية يوسف ـ الأهرام، العدد 42345 بتاريخ 13/11/2002م.
33) دراسة من عمليات غسيل الأموال: شبكة مكافحة الجرائم المالية بوزارة الخزانة الأمريكية، ندوة الرياض.(36/50)
وانظر: ريتشارد سول: حملة مكافحة غسل الأموال والجرائم الاقتصادية، ندوة الرياض.
وراجع:د.أشرف شمس الدين: تجريم غسيل الأموال في التشريعات المقارنة،
ط دارة النهضة العربية، مصر 2001م.
34) د.محسن الخضيري ـ غسيل الأموال، ص69 ـ 71 .
35) أحمد بن صالح العثيم: مقال في السياسة الكويتية، عدد 11913 بتاريخ
25/1/2002م.
36) غسيل الأموال، ص76 بتصرف.
37) د.هدى قشقوش ـ جريمة غسيل الأموال في نطاق التعاون الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة 2002م.
38) أقرأ تفاصيل بنود اتفاقية فيينا في غسيل الأموال. محسن خضير،
ص181 ـ 189 .
39) يمكن قراءته كاملاً في البحث القيم للدكتور محسن أحمد خضير بعنوان: غسيل الأموال، (الظاهرة ـ الأسباب ـ العلاج)، من صفحة 194
إلى 202(37) ، ومجلة العالم اليوم، مقال كتبه مصطفى عبدالسلام عدد رقم 91 بتاريخ 10/3/2002م غسيل الأموال، ونشير أيضاً في هذا الصدد إلى القانون رقم (80) لعام 2002م، في الموضوع ذاته.
40) جون إيليس ـ مدير قسم السياسة البنكية، بنك أوف أنجلاند، نظام تقييم التقدم في تنفيذ توصيات مجموعة العمل المالي الدوليةFATF، ندوة الرياض 1993م.
41) د. عبدالله الملا ـ ورقة عمل مقدمة باسم الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي إلى ندوة الرياض عن الجرائم الاقتصادية 1993م.
42) مشيل كوبر.مدير التحقيقات بجهاز (تراكفين) بوزارة المالية الفرنسية ـ سياسة فرنسا وتطبيقاتها إزاء عملية غسيل الأموال، ندوة الرياض 1993م .
43) مجلة الحوادث، عدد 2364 بتاريخ 22/2/2002م، ومجلة الأهرام الاقتصادي، العدد 1741 بتاريخ20/5/2002م مقال كتبه.عبدالعزيز محمود.
44) هي لجنة الفيتاف انعقدت في أبريل عام 1990م، وأصدرت تقريرها الأول الذي ضم أربعين توصية، يمكن على ضوئها اتخاذ الإجراءات المضادة لعملية غسل الأموال ، مجلة البحوث الأمنية، ص45 .
45) حفظ الدين ، حفظ النفس ، حفظ العرض ، حفظ النسل ، حفظ العقل ، حفظ المال.(36/51)
46) راجع: التوصيات الأربعون لحملة غسل الأموال.
47) مصطفى عبدالسلام. العالم اليوم، مقال بالعدد 91 بتاريخ 10/3/2002م، مكتبة الأهرام للبحث العلمي.
48) المرجع السابق.
49) د.صلاح جودة، ص113 ـ 114 .
50) مصطفى عبدالسلام. العالم اليوم، مقال بالعدد 91 بتاريخ 10/3/2002م. مكتبة الأهرام للبحث العلمي من 77 ـ 81 .
……
??
??
??
??
20 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
غسل الأموال في النظم الوضعية - رؤية إسلامية 19(36/52)
غسل الأموال
دكتور / محمد نبيل غنايم
أستاذ ورئيس قسم الشريعة الاسلامية
بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة - مصر
)طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
هذا البحث عن "غسل الأموال" وهو أحد موضوعات المحور الثانى من محاور المؤتمر العالمى الثالث للاقتصاد الإسلامي الذى تنظمه كلية الشريعة والدراسات الاسلامية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة خلال شهر المحرم 1424هـ .
ويقع البحث في خمسة مباحث، تناول المبحث الأول بيان معانى الألفاظ : غسل- أموال - غسل الأموال . وانتهى الى أن المصطلح الحديث الشائع اليوم في مجال الاقتصاد لا يمت إلى المعنى الحقيقى للغسل، بل إنه جريمة مركبة ذات أبعاد وآثار اقتصادية واجتماعية خطيرة جعلت العالم كله يسعى الى مكافحتها والقضاء عليها .
أما المبحث الثانى فيتحدث عن الأموال الحلال وطرق الكسب المشروعة ويتحدث المبحث الثالث عن الأموال الحرام وطرق الكسب غير المشروعة ويتحدث المبحث الرابع عن الغسل الشرعى للاموال بنوعيها وذلك ببيان كيفية التطهير المطلوب في المال الحلال عن طريق إخراج الزكاة والنفقة الواجبة والكفارة وغير ذلك، وكيفية التطهير المطلوب في المال الحرام إما بالتخلص منه كلية او من الجزء المحرم فيه، أو برد الحقوق الى أصحابها ... وهكذا، أما المبحث الخامس فعن الغسل غير الشرعى للأموال الحرام وهو بيت القصيد وجوهر هذا البحث لأنه تصدى لهذه الظاهرة وبين خطورتها وحجم انتشارها وما نشأ عنها من فساد، ثم تحدث عن الجهود المحلية والعالمية لمكافحتها والقضاء عليها وأخذ من جهود مصر وما سنته من قانون لذلك نموذجا ومثالا، ولم يغفل الجهود الدولية الأخرى في هذا الصدد.(37/1)
وانتهى البحث الى ان مصطلح " غسل الأموال " حق يراد به باطل وأنه لا يعنى الغسل الشرعى الصحيح والواجب بل يعنى جريمة مركبة من عدة جرائم لا تمت الى الغسل بصلة بل تقوم على قذارة واضحة، وناشد البحث أولياء الامر أن يصادروا تلك الأموال ويعزروا أصحابها بما يستحقون من العقاب.
مقدمة :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد،،،
فيسعدنى أن أتقدم بهذا البحث في موضوع "غسل الأموال" للمشاركة في أعمال المؤتمر العالمى الثالث للاقتصاد الإسلامي الذى تنظمه كلية الشريعة والدراسات الاسلامية بجامعة أم القرى خلال شهر المحرم 1424هـ- مارس 2003م.
ويتكون هذا البحث من خمسة مباحث :
المبحث الأول : في تحديد المصطلحات : غسل، أموال، غسل الأموال.
المبحث الثانى : الأموال الحلال وأنواعها.
المبحث الثالث : الأموال الحرام وأنواعها.
المبحث الرابع : غسل الأموال الشرعى.
المبحث الخامس : غسل الأموال غير الشرعى.
ثم الهوامش، وفهرس المراجع.
ونظرا لحداثة الموضوع وقلة مصادره كان لا بد من إلقاء الضوء على جميع الجوانب من خلال المراجع العامة والدوريات اليومية.(37/2)
تناولت في المبحث الأول تعريف الغسل وتعريف الأموال، وتعريف المركب "غسل الأموال" من خلال المعاجم وكتب التفسير والفقه، وغسل الأموال كمصطلح حديث له معنى مجازى . وفى المبحث الثانى بينت الأموال المشروعة وأسباب التملك والعمل المشروع من خلال كتب التفسير والفقه، أما المبحث الثالث فتناولت فيه الأموال الحرام وأنواعها وأسباب تحريمها وما يتفرع عنها وأفدنا في ذلك من بعض المراجع الحديثة مع المراجع القديمة، وفى المبحث الرابع تحدثنا عن الغسل الشرعى للاموال بنوعيها الحلال والحرام وكيف يكون ذلك في كل منهما، أما المبحث الأخير الخامس فتناولت فيه الغسل غير الشرعى للاموال الحرام وهو المراد هذه الأيام وهو الجريمة الاقتصادية التي نحن بصددها وقد بينت في هذا المبحث مدى خطورة وحجم هذه الجريمة والجهود الدولية والمحلية لتجريمها ومكافحتها وفيه اعتمدت على الدوريات .
أرجو أن أكون قد وفقت والله من وراء القصد.
( ( (
المبحث الأول
تحديد المصطلحات : الغسل - الأموال - غسل الأموال
يعتبر مصطلح " غسل الأموال " من المصطلحات الاقتصادية حيث لم يعرف ولم يتداول ولم يتنبه له الا منذ سنوات معدودة حيث بدأت إجراءات المراقبة والتجريم والمصادرة وتكوين إدارات خاصة بتتبع ذلك وهكذا .(37/3)
يقول الدكتور محمد عبد الحليم عمر : وفى هذه الأيام زادت ظاهرة الكسب والصرف غير المشروعين سواء من حيث عدم المشروعية الدينية او عدم المشروعية القانونية، وظهر ما يعرف في المجال الاقتصادى بالاقتصاد الخفى او الاقتصاديات السوداء او اقتصاديات الظل والتي تنطوى في جزء كبير منها على كسب الأموال من مصادر غير مشروعة تضر بالاقتصاد القومى وبحقوق الآخرين، ونظرا لخوف هذه الفئة التي تكسب أموالا غير مشروعة من المساءلة القانونية، وخشيتهم من الناس ارتبط بظاهرة الاقتصاد غير المشروع عملية "غسل الأموال " والتي يعنى بها اجمالا العمل على محاولة الاخفاء والتعتيم على المصادر غير المشروعة للاموال باساليب عديدة ومتنوعة لتضليل الجهات الأمنية والرقابية وادخال هذه الأموال في دورة عمليات مشروعة ويظل يستفيد بها . (1)
ولما كان الامر بهذه الحداثة رأيت أن أبدأ بتأصيل المصطلحات لننطلق منها الى ما نحن بصدد بحثه وحتى يكون التحديد واضحا نعرف كل لفظ على حدة ثم نأخذ من ذلك المصطلح المركب ومعناه.(37/4)
وكلمة "غسل" وردت في القرآن الكريم ثلاث مرات هى قوله تعالى في الوضوء ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ...( (2) وقوله في الطهارة من الجنابة ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا ( (3) وقوله تعالى لأيوب عليه السلام ( اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب( (4) فهي تعنى الطهارة بالماء من الحدث الأصغر والأكبر كما تعنى إزالة النجاسة وتطهير الموضع الذى أصابته بالماء، ولذلك يعبر عن الغسل بالتطهير كقوله تعالى ( وإن كنتم جنبا فاطهروا( (5) أي اغتسلوا، وقوله ( وثيابك فطهر ( (6) أي اغسله ونظفه من النجاسة، وقوله ( فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فآتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ((7) إلى غير ذلك من الآيات وهى كثيرة فكلمة "غسل" مصدر يدل على النظافة والطهارة .
تقول المعاجم : غسل الشيء يغسل غسلا : أزال عنه الوسخ ونظفه بالماء، ويقال : غسل الله حوبته : طهره من إثمه .. وغسل الأعضاء : بالغ في غسلها والميت: طهره ونقاه، واغتسل بالماء : غسل بدنه به، والغسل : تمام غسل الجسد كله، والمغتسل : مكان الاغتسال والماء الذى يغتسل به.."(8)
والأموال جمع مال، وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم ستا وثمانين مرة مفردة وجمعا ومضافة فمن ذلك قوله تعالى ( وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين ( (9) وقوله ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال ( (10) وقوله ( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا ( (1) وقوله ( شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا ( (12) وقوله ( والذين في أموالهم حق للسائل والمحروم ( (13) إلى غير ذلك من الآيات وهى في جميع المواضع تعنى ما يمتلكه الإنسان ويتموله ويتبادله مع غيره عينا أو نقدا او منفعة .(37/5)
قالت المعاجم : مال يمول مولا ومؤولا : كثر ماله فهو مال، وهى ماله وفلانا اعطاه المال، موله : اتخذه قنية، والمال : كل ما يملكه الفرد او تملكه الجماعة من متاع او عروض تجارة او عقار او نقود او حيوان والجمع أموال، وقد أطلق في الجاهلية على الإبل، ويقال : رجل مال : ذو مال (14)، وليست المعانى الشرعية للغسل والمال بعيدة عن هذه المعانى اللغوية بل تكاد تتفق معها فالغسل في الشرع هو تعميم البدن والشعر بالماء مع النية كما جاء في قول ابن قدامة في الكافى والمغنى (15) وقول القرطبى على المغسول ولذلك فرقت العرب بين قولهم : غسلت الثوب وبين قولهم أفضت عليه الماء وغمسته في الماء، اذا تقرر هذا فاعلم أن العلماء اختلفوا في الجنب يصب على جسده الماء او ينغمس فيه ولا يتدلك فالمشهور من مذهب مالك أنه لا يجزئه حتى يتدلك وقال الجمهور من العلماء وجماعة الفقهاء : يجزئ الجنب صب الماء والانغماس فيه اذا اسبغ وعم وان لم يتدلك (16) والاختلاف في الجنب لا يعنينا في هذا المقام إنما أردنا بيان حقيقة الغسل عند جمهور العلماء وهى الصحيحة المتفقة مع اللغة والنصوص الشرعية.
وكذلك المال قال القرطبى : ذهب بعض العرب وهم دوس الى ان المال الثياب والمتاع والعروض، ولا تسمى العين مالا، وقد جاء هذا المعنى في السنة الثابتة، من رواية مالك عن ثور بن زيد الديلى عن أبى الغيث سالم مولى ابن مطيع عن أبى هريرة قال : خرجنا مع رسول الله ( عام خيبر فلم نغنم ذهبا ولا ورقا الا الأموال الثياب والمتاع ..، وذهب غيرهم الى ان المال الصامت من الذهب والفضة وقيل : الإبل خاصة، ومنه قولهم : المال الإبل، وقيل جميع الماشية، وذكر ابن الانبارى عن احمد بن يحيى ثعلب النحوى قال : ما قصر عن بلوغ ما تجب فيه الزكاة من الذهب والورق فليس بمال وأنشد :
والله ما بلغت لى قط ماشية … حد الزكاة ولا إبل ولا مال(37/6)
قال أبو عمر : والمعروف من كلام العرب ان كل ما تمول وتملك هو مال لقوله ( " يقول ابن آدم مالى مالى، وإنما له من ماله ما أكل فأفنى او لبس فأبلى أو تصدق فأمضى" وقال أبو قتادة : فأعطانى الدرع فابتعت به مخرفا - بضع نخلات - في بنى سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام، فمن حلف بصدقة ماله كله فذلك على كل نوع من ماله سواء كان مما تجب فيه الزكاة أو لم يكن الا ان ينوى شيئا بعينه فيكون على ما نواه، وقد قيل : إن ذلك على أموال الزكاة، والعلم محيط واللسان شاهد بأن ما تملك يسمى مالا والله أعلم (17) وهذا الذى قاله القرطبى في النهاية هو الصحيح فالمال هو كل ما يتملكه الإنسان من ذهب أو فضه او زروع او حيوان او منافع او عروض تجارة الى غير ذلك من الأنواع.(37/7)
نأتي بعد هذين التعريفين لكل من : الغسل، والأموال للتعريف باللفظ المركب منهما فيكون غسل الأموال هو تطهيرها من كل قذارة ونجاسة، وتلك هى الطهارة الحسية، وتكون بإزالة النجاسات كالروث والدم ونحوها من الممتلكات كالثياب والمكان ونحوها، كما يتم تطهيرها حسيا باستبعاد ما هو محرم منها كفوائد البنوك والرشوة والغصب والسرقة ونحو ذلك من الميتة والخنزير ويتم تطهيرها معنويا وحسيا باخراج نصيب الفقراء والمساكين منها بأداء الزكاة المفروضة وما سواها من حقوق، فان كان المراد بغسل الأموال تلك الطهارات الحسية والمعنوية فهي إرادة صحيحة لأنها مطلوبة شرعا أما إن كان المراد بها تحويل الأموال القذرة من الكسب غير المشروع بأي وسيلة محرمة تبدو في ظاهرها مشروعة كالمصانع والعقارات والاراضى الزراعية لايهام الناس والمسئولين أنها مصادر شرعية وكسب مشروع واخفاء حقيقتها القذرة ومصادرها الخبيثة من مخدرات وغيرها فذلك كذب وبهتان وزور ونفاق يبقى على حقيقته كسبا خبيثا ويضيف الى ذلك تلك الإجراءات الكاذبة والتمويهات الباطلة من عمليات التحويل والبيع والشراء فتضيف الى القذارة قذارة والى الأموال النجسة عمليات وإجراءات لا تقل عنها نجاسة، فأين يكون الغسل والتطهير حينئذ ؟! إنه أبعد ما يكون عن ذلك وهذا المعنى الثانى وللأسف الشديد هو المعنى المراد في هذه الأيام في نظر الاقتصاديين فمصطلح "غسل الأموال" يطلق الان على ما يسمى بالاقتصاد الخفى والاقتصاديات السوداء او اقتصاديات الظل التي تنطوى في جزء كبير منها على كسب الأموال من مصادر غير مشروعة، ولخوف أصحابها من المساءلة القانونية وخشيتهم من الناس فانهم يلجأون بعد كسبها في غفلة من القانون او تواطؤ من القائمين عليه او في بلد اخر الى تحويل هذه الثروة غير المشروعة الى ثروة تبدو في ظاهرها مشروعة كشراء أراض زراعية او بناء عقارات او إنشاء مصانع او ايداعات في البنوك او مشاركة الآخرين، وفى(37/8)
ذلك قال الدكتور محمد عبد الحليم عمر " ارتبط بظاهرة الاقتصاد غير المشروع عملية غسل الأموال والتي يعنى بها اجمالا العمل على محاولة إخفاء والتعتيم على المصادر غير المشروعة للأموال بأساليب عديدة ومتنوعة لتضليل الجهات الأمنية والرقابية ' وإدخال هذه الأموال في دورة عمليات مشروعة ويظل يستفيد بها " (18) ومن هذا يتبين ان مصطلح غسل الأموال " مصطلح مجازى" تم فيه تشبيه الأموال القذرة بالجنب او الشئ النجس ثم حذف المشبه به وأتى بشيء من لوازمه وهو الغسل بالماء بقصد الطهارة والتطهير، وهذا المجاز في غير محله لأنه اذا صح في حال رد الحقوق الى أصحابها وأداء الزكاة وإزالة النجاسات فانه لا يصح في عمليات النصب والكذب والخداع التي ظاهرها الغسل والتطهير وحقيقتها المزيد من القذارة والنجاسة بالكذب والخداع وإجراء العمليات المشروعة ظاهرا.
بهذا يكون قد تبين لنا حقيقة مصطلح " غسل الأموال " والمراد منه في الاقتصاد وهذا يقتضى أن نقوم ببيان الأموال المشروعة بإيجاز والأموال غير المشروعة وكيفية تطهير كل منهما بالصورة الشرعية لنحكم بعد ذلك على عملية غسل الأموال الحديثة الحكم الشرعى الصحيح . وهذا ما يتبين في المباحث التالية.
( ( (
المبحث الثاني
الأموال المشروعة (الحلال) وأنواعها(37/9)
فطر الله تعالى الإنسان على حب المال وجعله سبحانه وتعالى زينة الحياة الدنيا وأمر الله تعالى بالمحافظة عليه وجعل ذلك من الكليات والضروريات الخمسة قال تعالى ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ( (19) وقال ( وتحبون المال حبا جما ( (20) وقال (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا ( (21) وجعل المال أساسا وقياما للحياة لا يجوز العبث به او إتلافه أو اعطاؤه للسفهاء فقال ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها وأكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا ((22) وأمر سبحانه من يعتدى على مال الغير بالاتلاف أن يضمن ما أتلفه وبالقطع على من يسرق قال تعالى ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزءا بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم ( (23) والنصوص كثيرة في بيان قيمة المال وأهميته وحرمته والاعتدال في انفاقه بلا إسراف ولا تقتير كما قال تعالى(37/10)
( ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ... ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ( (24) إلى غير ذلك . ولما كان الإنسان مفطورا على حب المال فقد يسر الله تعالى له أسباب كسبه ونبهه إليها، وحثه على السعى فيها وعدم تجاوزها وحذره من غيرها وحرمها عليه وتوعده على تحصيلها بالعقاب في الدنيا والاخرة قال تعالى ( هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ( (25) فالاسلام يأمر الإنسان بكسب المال عن طريق السعى في الأرض والعمل الجالب للكسب، ويبيح له بالتالى تملك المال والاستمتاع به، على أن يكون ذلك كله بالطرق المشروعة التي ترضى الله، وتكسب الإنسان ثواب الدنيا والاخرة (26). وحتى يتحقق ذلك ربط الله تعالى بين عبادته وكسب المال فقال سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ( (27) وقد يسر الله تعالى للإنسان أسباب الكسب الحلال والتملك المشروع وبسطها بين يديه وهى تحقق للإنسان الاكتفاء والغنى فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر :(37/11)
1- جميع الاعمال الزراعية ما عدا النباتات المحرمة كالأفيون أو البانجو أو القات أو الدخان، وقد حث الإسلام على ذلك النشاط ورغب فيه وامتن الله على عباده بتيسيره فقال سبحانه ( وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا ( (28) وقال ( فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم ( (29) وقال ( وهو الذى أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شئ فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه، انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( (30) وقال ( وهو الذى أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ( (31) وقال ( وهو الذى مد الأرض وجعل فيها رواسى وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشى الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون وفى الارض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( (32) ويقول سبحانه ( أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون ( (33) إلى غير ذلك من الآيات وهى كثيرة ومن الأحاديث قول النبى ( " إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها " (34) وقوله " ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو حيوان أو طير أو بهيمة إلا كان له به أجر" (34) إلى غير ذلك من الأحاديث التي ترغب في هذا العمل وتحث عليه لما فيه من تحقيق الاكتفاء والتعرف على آيات الله وقدرته ثم شكره وعبادته، وقد عرفت الزراعة منذ نشأة(37/12)
الخليقة فكان النبات أولا ثم كان الحيوان كما استنبط ذلك بعض العلماء من قوله تعالى ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجرى في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة ( (35) وتعتبر الزراعة أساسا لجميع الموارد الاقتصادية الأخرى من تجارة وصناعة وحرف ولذلك قال الله تعالى ( ولقد مكانكم في الأرض وجعلناكم فيها معايش قليلا ما تشكرون ( (36) قال القرطبى : أى جعلناها لكم قرارا ومهادا، وهيأنا لكم فيها أسباب المعيشة، والمعايش جمع معيشة أي ما يتعيش به من المطعم والمشرب وما تكون به الحياة، يقال عاش يعيش عيشا ومعاشا ومعيشا ومعيشة وعيشة، وقال الزجاج : المعيشة ما يتوصل به إلى العيش" (37) .(37/13)
2- التجارة وهى النشاط الاقتصادى القائم على تبادل السلع والمنتجات والاثمان بالبيع والشراء والشركة والاجارة والحوالة والرهن وغير ذلك من المناشط، ويجب ان تقوم على التراضى بين الأطراف المتبادلة وألا يدخلها غش او غبن او اكراه قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ( (38) وقال ( إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها ( (39) وقال ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها، وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين ( (40) قال القرطبى : والتجارة هى البيع والشراء، ... والتجارة في اللغة عبارة عن المعاوضة ومنه الأجر الذى يعطيه البارئ سبحانه العبد عوضا عن الاعمال الصالحة التي هى بعض من فعله، قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ( (41) وقال تعالى ( يرجون تجارة لن تبور( (42) وقال ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ( (43) فسمى ذلك كله بيعا وشراء على وجه المجاز تشبيها بعقود الاشرية والبياعات التي تحصل بها الأغراض، وهى نوعان: تقلب في الحضر من غير نقلة ولا سفر، وهذا تربص واحتكار قد رغب عنه اولو الأقدار، وزهد فيه ذوو الأخطار والثانى : تقلب المال بالاسفار ونقله الى الأمصار، فهذا اليق بأهل المروءة وأعم جدوى ومنفعة غير أنه أكثر خطرا وأعم غررا، وقد روى عن النبى ( أنه قال : إن المسافر وماله لعلى قلت - هلاك - إلا ما وقى الله يعنى على خطر، قال القرطبى قال الطبرى : ففى هذه الآية إبانة من الله تعالى ذكره عن تكذيب قول المتصوفة المنكرين طلب الاقوات بالتجارات والصناعات .. وقيل في التوراة : يا ابن آدم أحدث سفرا أحدث لك رزقا " ثم قال : اعلم أن كل معاوضة تجارة على(37/14)
أى وجه كان العوض إلا أن قوله " بالباطل " أخرج منها كل عوض لا يجوز شرعا من ربا أو جهالة أو تقدير عوض فاسد كالخمر والخنزير وغير ذلك، وخرج منها أيضا كل عقد جائز لا عوض فيه كالقرض والصدقة والهبة لا للثواب، وجازت عقود التبرعات بأدلة أخرى مذكورة في مواضعها، فهذان طرفان متفق عليهما .. (44) وفى فضل التجارة والحث عليها روى الدار قطنى عن ابن عمر قال قال رسول الله ( " التاجر الصدوق الأمين المسلم مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة " وقال الرازى : التجارة عبارة عن التصرف في المال سواء كان حاضرا او في الذمة لطلب الربح يقال : تجر الرجل يتجر تجارة فهو تاجر، واعلم أنه سواء كانت المبايعة بدين أو بعين فالتجارة تجارة حاضرة فقوله تعالى ( إلا أن تكون تجارة حاضرة ( لا يمكن حمله على ظاهرة بل المراد من التجارة ما يتجر فيه من الأبدال، ومعنى إدارتها بينهم معاملتهم فيها يدا يبد"(45).(37/15)
3- الصناعة وهى وسيلة من وسائل الاقتصاد وكسب المال وتقوم على الزراعة والتجارة، فهي من جهة تحول المحاصيل الزراعية الى صناعات كثيرة وبخاصة القطن والكتان والذرة والمعلبات الغذائية والعصائر وغير ذلك كما تقوم على المعادن صناعات كثيرة، ثم يتم بيع هذه المنتجات تصديرا او استيرادا وتبادلا مما يحقق دخلا كبيرا وثروة عظيمة بل إن كثيرا من البلاد الفقيرة زراعيا استطاعت بالصناعة والتجارة ان تسبق كثيرا من البلاد الزراعية، كما أن كثيرا من البلاد غير الزراعية وغير الصناعية استطاعت بالوساطة التجارية أن تحقق عوائد كثيرة، والصناعة نشاط شرعى ذكره الله تعالى عن بعض الأمم السابقة والأنبياء فقد كان سيدنا نوح نجارا وقام بصناعة السفينة قال تعالى ( واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبنى في الذين ظلموا إنهم مغرقون. ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ( (46) وقال عن قوم هود ( أتبنون بكل ريع آية تعبثون. وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ( (47) وقال عن داود عليه السلام ( وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ( (48) وقال عنه أيضا ( وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إنى بما تعملون بصير ( (49) وقال عن سليمان ( ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهرا وأسلنا عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه عذاب السعير. يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدروا راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادى الشكور ( (50)(37/16)
4- وهناك مصادر أخرى للمال غير تلك المصادر العامة كالهبات والوصايا والميراث والدية وأروش الجنايات والصدقات والمهر والفئ والغنيمة يقول الرازى : واعلم أنه كما يحل المال المستفاد من التجارة، فقد يحل أيضا المال المستفاد من الهبة والوصية والإرث وأخذ الصدقات والمهر وأروش الجنايات فإن أسباب الملك كثيرة سوى التجارة " (51)، وما دام المال حلالا حيث تم اكتسابه بالأساليب الشرعية فإنه يحقق الملكية لصاحبه تلك الملكية التي تعنى الاختصاص به والقدرة او حق التصرف فيه وعن هذا المعنى يقول الدكتور محمد بلتاجى : " شرع الإسلام الملكية الفردية - بشروطها - فأباح لكل فرد أن يتملك - بالأسباب المشروعة - ما يشاء من المنقولات والعقارات وأباح له استثمارها والانتفاع بها في نطاق الحدود التي رسمها وخوله حق الدفاع عنها كالدفاع عن النفس والعرض ولو بقتل الصائل عليها، وقد اعتبر الشارع المال من الكليات الخمس التي تقوم بها حياة الناس وشرع الحدود والعقوبات والزواجر للحفاظ عليها، ومن ثم جاء حد السرقة وحد الحرابة وجاءت النصوص المتعددة التي تنهى عن تعدى حدود الله، ومشروعية الملكية الفردية " بدهية لا تحتاج الى استدلال "(52) ثم قال عن أسباب هذه الملكية : يرى المرحوم الشيخ أحمد ابراهيم ان الإنسان يستفيد الملك وتثبت له حقوقه بالأسباب الآتية :
1- وضع اليد على الشئ المباح الذى لا مالك له.
2- العقود الناقلة للملك من مالك إلى آخر كالبيع والهبة والوصية.
3- الميراث …
4- الشفعة وهى حلول الشريك أو الجار محل المشترى في ملكية العقار المبيع اذا طلب أحدهما ذلك، لكننا في هذا نلاحظ أن حصر أسباب الملكية الفردية في الأسباب السابقة يغفل أسبابا اخرى من أسباب الملك في الإسلام وهى العمل، والقتال، والجناية " (53) .(37/17)
وهو بهذا يشير الى ما سبق أن بيناه من النشاط الزراعى والتجارى والصناعى ثم ما ذكره الرازى من الهبة والوصية والميراث والدية وأرش الجناية والصدقة والمهر وما أضفناه من الفئ والغنيمة والسلب ووضع اليد على الشئ المباح كإحياء الموات والصيد . وهذا يقودنا إلى معرفة المقابل وهو المال الحرام وذلك في المبحث التالى.
المبحث الثالث
الأموال الحرام وأنواعها
وهى الأموال التي تكتسب او تحاز بطرق غير مشروعة وهى التي ورد النهى عنها، او ورد الحد على ارتكابها، او ورد وعيد شديد على حيازتها او سماها الله تعالى باطلا ويشمل جميع ما سبق فمما ورد النهى عنه دون الحد الربا، ومما ورد فيه الحد السرقة والحرابة، ومما ورد فيه الوعيد الشديد أكل أموال اليتامى ظلما وبيع الحر وأكل ثمنه وهكذا، ويمكن حصر هذه الأموال المحرمة في أصلين هما " أكل أموال الناس بالباطل " و " تعدى حدود الله في التصرفات المالية " أما الأول فقد أشار الرازى إليه اجمالا بقوله : " ذكروا في تفسير الباطل في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( وجهتين : الزور وأخذ المال باليمين الكاذبة وجحد الحق ... الثانى : ما روى عن ابن عباس والحسن رضى اله عنهم أن الباطل هو كل ما يؤخذ من الإنسان بغير عوض ... ويدخل تحته أكل مال الغير بالباطل، وأكل مال نفسه بالباطل .. أما أكل مال نفسه بالباطل فهو انفاقه في معاصى الله، وأما أكل مال غيره بالباطل فقد عددناه .. " (54)(37/18)
وقال القرطبى في تفسير قوله تعالى ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ( (55) الخطاب بهذه الآية يتضمن جميع أمة محمد ( والمعنى لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق، فيدخل في هذا القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق، وما لا تطيب به نفس مالكه، أو حرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه كمهر البغى وحلوان الكاهن وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلك ... وقال قوم : المراد بالآية ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( أي في الملاهى والقيان والشرب والبطالة، ومن أخذ مال غيره لا على وجه إذن الشرع فقد أكله بالباطل، ومن الأكل بالباطل أن يقضى القاضى لك وأنت تعلم أنك مبطل فالحرام لا يصير حلا لا بقضاء القاضى لأنه إنما يقضى بالظاهر، وهذا إجماع في الأموال .. ثم قال: المعنى لا تصانعوا بأموالكم الحكام وترشوهم ليقضوا لكم على أكثر منها .. قال ابن عطية : وهذا القول يترجح لأن الحكام فطنة الرشاء الا من عصم وهو الأقل .... وقد اتفق أهل السنة على أن من أخذ ما وقع عليه اسم مال قل أو كثر أنه يفسق بذلك، وأنه محرم عليه أخذه " (56) وقد علق الدكتور محمد بلتاجى على ذلك بقوله : فالباطل إذن هو ما جاء بخلاف قواعد الشرع، وقد نبهت آية البقرة إلى حرمة الاستعانة على ذلك برشوة الحكام ( وتدلوا بها إلى الحكام ( أما آية النساء فقد استثنت من أكل المال بالباطل ما كان ( تجارة عن تراض منكم ( لكن التراضى على ما حرمته الشريعة لا يغير وصف الباطل عن المعاملة لمجموع ما سبق، وإذن فالتراضى المعتبر المقصود في هذه الآية إنما هو التراضى في نطاق ما أذن فيه الشرع كما يقول ابن رشد : تجارة لا غرر فيها ولا مخاطرة ولا قمار ولا حرمة، إذ إن التراضى بما فيه ذلك " لا يحل ولا يجوز " (57) ولا يعطيه المشروعية إذ لا مشروعية إلا من قبل المشرع، ويستدل الإمام الشافعى لذلك بقوله : قلما نهى رسول الله ((37/19)
عن بيوع تراضى بها المتبايعان استدللنا على أن الله عز وجل أراد بما أحل من البيوع ما لم يدل على تحريمه على لسان نبيه ( دون ما حرم على لسانه، فأصل البيوع كلها مباح اذا كانت برضا المتبايعين الجائزى الامرى فيما تبايعا الا ما نهى عنه رسول الله ( منها وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله ( محرم بأنه داخل في المعنى المنهى عنه، وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى " (58) ثم قال (59) : لقد نهت الشريعة عن ثمانية أمور رئيسية استتبع النهى عنها النهى عن أمور كثيرة تفصيلية تتصل بها وتؤدى إليها، أما الأمور الثمانية فهي : الربا، والغرر، والمقامرة، والغش، والغصب، والاحتكار، والرشوة، والتجارة في المواد المحرمة والضارة كالخمور والخنزير والميتة والأغذية الفاسدة، وثمن الكلب، ومهر البغى، ثمن الحر.. الخ، وأما الأمور التفصيلية المتصلة بها والمؤدية إليها فهي مثل : النهى عن التصرية (60)، وتلقى الركبان، والتناجش (61)، وبيع حاضر لباد، والبيع على بيع من سبقه، والمزابنة (62)، وبيع الثمر قبل بدو صلاحه، وبيع التمر بالثمر - مع الترخيص في العرايا (63)- والمنابذة (64)، والملامسة (65) وبيع الحصاة (66)، وبيع كالئ بكالئ (67) فجميع هذه المعاملات محرمة ومنهى عنها أصولا وفروعا أو إجمالا وتفصيلا وليس هذا محل عرضها بالتفصيل وبيان أسباب تحريمها وأدلته لذا نكتفى بالقاء الضوء عليها جملة . ولما كان الربا معروفا ننتقل إلى غيره . .(37/20)
فالغرر : …ما فيه جهالة أو خديعة أو مخاطرة ويتدرج فيه بيع الملامسة، وبيع حبل الحبلة (68)، وبيع الحصاة، وعسب الفحل (69)، والمعاومة (70)، وبيع السنين، وبيع العربون (71) ونحو ذلك مما فيه غرر كبيعتين في بيعة، وبيع وشرط وبيع وسلف وعن بيع السنبل حتى يبيض، والعنب حتى يسود، وعن المضامين والملاقيح، وكل ذلك ورد النص بالنهى عنه فهو حرام، والمسائل المسكوت عنها مختلف فيها بين الفقهاء، قال النووى : النهى عن بيوع الغرر يشمل مسائل كثيرة غير منحصرة كبيع المعدوم، والمجهول وما لا يقدر على تسليمه، وما لم يتم ملك البائع عليه، وبيع السمك في الماء الكثير واللبن في الضرع والحمل في البطن، وثوب من أثواب، وشاه مبهمة من شياه " (72) .
والمقامرة : هى الميسر المنهى عنه بنص القرآن، وقد كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل أي يقامره على أهله وماله، فأيهما قمر صاحبه - أى غلبه ذهب بماله وأهله فنزلت أية النهى (73)، فكل معاملة يتحقق فيها معنى المقامرة أو المراهنة فهي حرام.
والغش : في كل صور المعاملات والتصرفات حرام فيدخل فيه كل محاولات إخفاء العيوب في المصنوعات والبضائع، كما يدخل فيه كل صور تزيينها واظهارها في وضع افضل من حقيقتها بالتدليس والخداع، وكل ما ينتج عن ذلك من أموال فهي حرام.
والغصب : استيلاء على مال الغير بغير حق، ففيه ظلم وقهر وتعد، وهو محرم بالكتاب والسنة والاجماع لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل.
والاحتكار : حبس ما يحتاجه الناس لإغلائه عليهم اضرارا بهم واستغلالا لحاجتهم واضطرارهم ففيه ظلم وسوء معاملة وشح وكل ذلك حرام وما ينتج عنه من مال ومكاسب فهو حرام وعلى ولى الأمر مقاومة ذلك ومصادرة هذه الأموال.
والرشوة : قصد لأكل أموال الناس بالإثم كما جاء في الآية الكريمة، ولكنها تشمل أيضا الحصول على ما ليس بحق مالا أو غيره لعموم أحاديث النهى عنها دفعا وأخذا وتوسطا بينهما، فكل ما يتم بذلك أو ينتج عنه فهو حرام.(37/21)
والتجارة في المواد المحرمة والضارة كالخمر والميتة والخنزير والاصنام، ومن ذلك سائر المخدرات الحديثة، وتجارة السلاح وتهريبه، وتجارة الأطفال والنساء والبغاء والسهرات الحمراء والرقص والتمثيل والغناء والموسيقى غالبا، والاشرطة المخلة بالاداب، ومحال عرضها، وبيع الأشياء المباحة لمن يعلم أنه يستخدمها في الحرام، ومما يلحق بالمخدرات الأدخنة والقات، فكل هذه المعاملات وما يشبهها يدخل في الأموال المحرمة التي لا يجوز اكتسابها . أما الأصل الثانى الذى يرجع إليه تحريم بعض الأموال فهو تعدى حدود الله في الإنفاق بالإسراف والتبذير أو البخل والتقتير، وتمييز بعض الأبناء بعطية دون الآخرين بلا سبب شرعى، والتحايل على أحكام الله في الميراث بالوصية أو المواضعة على إظهار بيع أو دين صورى لأجنبى، او التهرب من إخراج الزكاة ببيعها قبل الحول ثم شرائها وهكذا .
( ( (
المبحث الرابع
غسل الأموال الشرعى
عرفنا في المبحث الأول معنى الغسل وتبين لنا أنه في الأصل والحقيقة يعنى التطهير فاذا أضيف الى الأموال كان معناه تطهيرها من النجاسة الحقيقية كالميتة والخنزير والدم والخمر أو النجاسة المعنوية كحقوق الفقراء ونحوها في أموال الأغنياء، وهذا المعنى الأصيل أو الحقيقى هو ما نبين كيفيته في هذا المبحث في كل ما سبق بيانه من الأموال الحلال والحرام في المبحثين السابقين وهذا هو الغسل الشرعى المطلوب، أما غسل الأموال بالمعنى الخبيث والمصطلح الحديث الذى ظهر أخيرا بقصد تزييف الحقائق وإخفائها وإضفاء الشرعية على الأموال المحرمة بعدة إجراءات هروبا من القانون وخشية للناس فهذا سنتناوله في المبحث القادم إن شاء الله فلنبين الان الغسل الشرعى على النحو الآتي :
أولا : غسل الأموال الحلال:
… ويتم ذلك باخراج الحقوق الشرعية الواجبة فيها في مواعيدها الشرعية ومقاديرها الشرعية كما فرضها الله تعالى وبينها رسوله (، وهذا الحقوق تتمثل فيما يلى :(37/22)
أ- …زكاة المال حسب أنواع المال ونصاب كل نوع والمقدار الواجب كل عام او عند الحصاد او الحصول على الركاز كما هو مقرر في السنة النبوية ، واخراج ذلك المقدار الواجب الى المصارف الشرعية المعروفة.
ب- …زكاة الفطر المفروضة كل عام بمناسبة الانتهاء من صيام رمضان وبدء هلال شوال وعيد الفطر طهرة للصائمين وطعمة للمساكين.
ج- …المقادير والوظائف التي يفرضها ولى الامر فوق الزكاة التي لم تتسع لحاجة الفقراء فيفرض على الأغنياء ما يسع الفقراء.
د- …الكفارات الواجبة ككفارة اليمين والظهار والجماع في نهار رمضان، والفدية (74) .
هـ- الديات وأروش الجنايات كدية المقتول خطأ أو المقتول عمدا مع العفو عن القصاص أو ديات الأعضاء أو أروش الجروح.
و- النذور التي يفرضها المسلم على نفسه لله تعالى فإنها واجبة الوفاء.
ز- صدقة التطوع وأمثالها من الأوقاف والهبات والوصايا في وجوه الخير، وحقوق الجار، وحقوق الضيف.
ح- النفقات الواجبة شرعا للزوجة والأبناء والوالدين والخدم والبهائم والرقيق وأجور العمال ونحو ذلك من نفقة العدة والمتعة والحضانة والرضاعة، والمهر .
ط- الضرائب العامة التي يفرضها ولى الامر لمصلحة المجتمع : فهذه الأبواب كلها غسيل لا بد منه للأموال الحلال حتى تبقى على طهارتها ونقائها وحتى يبارك الله تعالى فيها وينميها، وإهمال هذه الحقوق او بعضها او التقصير في آدائها يشكل ذنبا عظيما عند الله، ويجب على ولى الامر مقاومته ومقاتلته، وينجس المال ويتلفه وينزع البركة منه، والآيات والأحاديث في وجوب تلك الأبواب والحث عليها وبيان فضلها، والتحذير من التقصير فيها والوعيد على إهمالها كثيرة ومجال تفصيلها في أبواب الفقه وكتبه وكتب التفسير والحديث .
ثانيا : غسل الأموال الحرام :(37/23)
… ويكون ذلك بالتخلص منها بالكلية، او بالجزء المحرم منها، وذلك عن طريق اعادة الأموال إلى أصحابها، او تعويضهم عما دخل في أموالهم من الغش والخداع والنقص، واصلاح البيوع الفاسدة وتصحيح المعاملات السيئة، وأساس ذلك كله التوبة النصوح، وهى كما نعلم لا تتحقق ولا تكون نصوحا حتى يقلع العاصى عن معصيته، ويندم على ارتكابها، ويعزم ويعاهد الله على ألا يعود إليها، ويرد الحقوق الى أصحابها، وتطبيق ذلك على الأموال الحرام التي سبق بيانها يكون بغسلها وتطهيرها إن كان خالطها حرام كالربا مثلا فقد قال تعالى ( وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ( أما ما زاد عن رأس المال بالمعاملة الربوية فهو حرام يجب التخلص منه وغسل رأس المال منه وذلك التصدق به على إحدى الجهات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية، ومن أكل أموال الناس بالباطل غصبا أو رشوة أو غشا أو غررا عليه اعادة ذلك لاصحابه، ومن تاجر في المحرمات من مخدرات ورقيق وأغذية فاسدة ونحو ذلك لا بد ان يتجرد من كل ما دخله منها هذا فيما بينه وبين الله اذا أراد غسل ماله والتوبة النصوح ولا سبيل غير ذلك، وإن علم ولى الامر بسلوكه وعدم توبته قام بمصادرة أمواله وتعزيره التعزير المناسب على أكل الحرام وكسب الحرام . وفى ذلك يقول الدكتور محمد بلتاجى : لولى الامر ان يتلف بعض الملكيات الخاصة حماية للناس مما يمكن ان تسببه لهم من ضرر، ومن أمثلة ذلك ما ذكره ابن القيم من تحريق الكتب المضللة وإتلافها (74) ويقاس على ذلك المطبوعات الضارة من صور وكتابة وغيرهما مما يمكن ان يتداول بين الناس فيؤدى الى الإضرار بهم، ومثل ذلك المواد الضارة كالأطعمة الفاسدة او المسممة ونحوها، وبداهة فان هذا لا يمنع من ايقاع عقاب تعزيرى آخر بمالك هذا او مقتنيه فقد عاقب عمر - رضى الله عنه - بإراقة اللبن الذى شابته صاحبته بالماء (75)، وذلك ان من أصول النظام الاقتصادى الإسلامي التزام الدولة الاسلامية(37/24)
بالإشراف على تطبيق المقررات الاسلامية في المال وحمل الناس على ان تكون معاملاتهم في نطاق ما هو مشروع (76) " وقال القرطبى في تفسير قوله تعالى( وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ( فردهم تعالى مع التوبة إلى رءوس أموالهم وقال لهم لا تظلمون في أخذ الربا ولا تظلمون في أن يتمسك بشيء من رءوس أموالكم فتذهب أموالكم، .. وفى الآية تأكيد لابطال ما لم يقبض منه - الربا - وأخذ رأس المال الذى لا ربا فيه، فاستدل بعض العلماء بذلك على أن كل ما طرأ على البيع قبل القبض مما يوجب تحريم العقد أبطل العقد ... وذهب بعض الغلاة من أرباب الورع إلى أن المال الحلال اذا خالطه حرام حتى لم يتميز، ثم خرج منه مقدار الحرام المختلط به لم يحل ولم يطب لأنه يمكن ان يكون الذى أخرج هو الحلال والذى بقى هو الحرام، قال ابن العربى : وهذا غلو في الدين فإن كل ما لم يتميز فالمقصود منه ماليته لا عينه، ولو تلف لقام المثل مقامه، والاختلاط إتلاف لتمييزه، كما أن الإهلاك اتلاف لعينه، والمثل قائم مقام الذاهب وهذا بين حسابين معنى، والله أعلم، قلت : قال علماؤنا إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام إن كانت من ربا فليردها على من أربى عليه، ويطلبه إن لم يكن حاضرا، فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك عنه، وإن أخذه بظلم فليفعل كذلك في أمر من ظلمه، فإن التبس عليه الامر ولم يدر كم الحرام من الحلال مما بيده فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب عليه رده، حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من ذلك الذى أزال عن يده إلى من عرف ممن ظلمه أو أربى عليه فإن أيس من وجوده تصدق به عنه، فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه ذلك ما لا يطيق أداءه أبدا لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيده أجمع إما الى المساكين، وإما الى ما فيه صلاح المسلمين حتى لا يبقى في يده الا اقل ما يجزئه في الصلاة من اللباس وهو ما يستر العورة وهو من سرته الى ركبته، وقوت يومه،(37/25)
لأنه الذى يجب له أن يأخذه من مال غيره اذا اضطر إليه، وإن كره ذلك من يأخذه منه، وفارق ها هنا المفلس في قول أكثر العلماء لأن المفلس لم يصر إليه أموال الناس باعتداء، بل هم الذين صيروها إليه فيترك له ما يواريه، وما هو هيئة لباسه (77) .
وهكذا يبين لنا القرطبى كيفية التوبة من الربا وأمثاله من كل مال حرام، وذلك بإعادة المال الحرام إلى أصحابه فإن لم يتيسر فليتصدق به، فإن كان مضطرا لم يستبق من ذلك الا ما هو ضرورى لحفظ النفس وستر العورة . وبمثل ذلك قال في توبة المحارب في تفسير قوله تعالى ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ( (78) حيث قال : استثنى جل وعز التائبين قبل ان يقدر عليهم، وأخبر بسقوط حقه عنهم بقوله ( فاعلموا أن الله غفور رحيم ( أما القصاص وحقوق الآدميين - الأموال - فلا تسقط، ومن تاب بعد القدرة فظاهر الآية ان التوبة لا تنفع، وتقام الحدود عليه كما تقدم، وللشافعى قول أنه يسقط كل حد بالتوبة والصحيح من مذهبه أن ما تعلق به حق الآدمى قصاصا كان أو غيره فإنه لا يسقط بالتوبة قبل القدرة عليه (76) ويفرق الدكتور محمد عبد الحليم عمر بين الغسل بمعنى تطهير المال الحرام والتوبة منه برد المظالم الى أصحابها، وبين الغسل كمصطلح حديث يقوم على الخداع واخفاء الجريمة وإظهار المشروعية فيقول : إن مصطلح غسيل الأموال الذى ظهر على الساحة الاقتصادية الان يعنى القيام بتصرفات مالية مشروعة لمال اكتسب بطرق غير مشروعة عن طريق استخدامه ولمرات عديدة وفى جهات مختلفة وبأساليب عدة وفى وقت قصير في الاستثمار في أعمال مشروعة مثل الإيداع في بنوك خارجية، وإدخاله بطريقة مشروعة الى البلاد، أو محاولة إخراجه من البلاد بطريقة مشروعة عن طريق التحويلات الخارجية او تدويره في شراء عقارات ثم رهنها والاقتراض بضمانها، أو تداول المال في البورصات المحلية والعالمية أو إنشاء شركات وهمية وإُثبات معاملات(37/26)
مزورة باسمها بهذا المال، وذلك كله من أجل محاولة إخفاء المصدر غير المشروع للأموال وتضليل الاجهزة الرقابية والأمنية للإفلات من العقوبات المقررة عن الجرائم الاقتصادية التي ارتكبها، أما مصطلح التوبة من المال الحرام فإنها تعنى بداية التوقف عن الكسب الحرام، ثم حصر وتحديد ما سبق ان كسبه، والتصرف فيه برد المظالم إلى أصحابها، فاستخدام مصطلح غسيل الأموال استخدام مضلل يضيف جريمة اخرى الى جرائم كسب المال بينما التوبة مصطلح شرعى يهدى الى الطهارة الحقيقية من الكسب الخبيث، وعملية غسل الأموال تزيد الجرائم الاقتصادية وتتوسع فيها بينما التوبة من المال الحرام تؤدى إلى تقليل ذلك وتحد منه، وغاسل الأموال المحرمة يخشى الناس أما التائب فيخشى الله، وغسل الأموال سلوك سيئ مجرم قانونا بينما التوبة سلوك حميد مطلوب شرعا (80) ثم قام الدكتور عمر بتقديم جداول للمال الحرام ومصادره وأنواعه (81) لا تخرج عما سبق بيانه، وجداول لكيفية التخلص من المال الحرام (82) تتفق مع ما سبق ذكره عن القرطبى وغيره.
المبحث الخامس
غسل الأموال غير الشرعى(37/27)
عرفنا مما سبق أن الغسل الحقيقى يعنى النظافة والتطهير، وأن ذلك ينطبق على الأموال الحلال بإخراج الحقوق الواجبة منها في مواقيتها الشرعية ومقاديرها الشرعية، كما ينطبق على الأموال الحرام بالتخلص منها إن كانت كلها حراما أو بالبعض المحرم منها إن اختلط الحلال بالحرام، وبإعادتها لأصحابها إن كان أصحابها معروفين فإن لم يكونوا معروفين فبالتصدق منها في جهات الخير، ومع ذلك يكون الاستغفار والتوبة والندم على تحصيل المال الحرام ومعاهدة الله تعالى على عدم العودة الى ذلك أبدا كما أن على ولى الأمر إذا عرف بهذا المال الحرام أن يصادره وأن يعزر من يكتسبه بما يناسب أما إن تاب وأناب وأعاد الحقوق إلى أصحابها وتخلص من الحرام قبل أن يكتشفه الإمام فيعفو عنه ولا يعزره لقوله تعالى ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم( (83) .
أما غسل الأموال بالمصطلح الحديث الشائع الآن الذى يعنى تزييف الحقائق وتحويل الأموال المحرمة إلى أموال مشروعة في الظاهر وإخفاء حقيقة كسبها والتهرب من القوانين والخشية من الناس فهذا غسل غير مشروع لأنه ليس نظافة ولا تطهيرا بل إنه كذب وخداع ونفاق وتضليل وأكل لأموال الناس بالباطل وكسب خبيث حرام وتهرب من القانون، فهو جريمة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وهو يضيف إلى وزر الكسب الخبيث الحرام وزر الكذب والغش والنفاق وكل الجرائم المترتبة على عملية الغسل أو كما يسمونها تبييض الأموال، ومن هنا تضافرت الجهود المحلية والإقليمية والدولية لمكافحة هذه الجريمة وإظهار خطورتها ومضارها على الجميع، وفى هذا المبحث نحاول بيان ذلك حتى نقف على هول هذه الجريمة وأساليب مكافحتها.
أ- خطورتها وحجمها :(37/28)
تعتبر عملية غسل الأموال المحرمة وتبييضها بالصورة غير المشروعة التي بيناها عدة جرائم مركبة لا جريمة واحدة فهي أولا أموال محرمة لا يصح تملكها او اكتسابها وهى ثانيا تتحول بإجراءات معينة في الظاهر الى أموال مشروعة ظاهرا والحقيقة أنها غير مشروعة، وهى ثالثا محاولة للتهرب من القانون والمسئولية عن كسب هذه الأموال وحيازتها، وهى رابعا كذب وغش وخداع للناس، وتنعكس هذه الجرائم المركبة آثارا ضارة على المجتمع والاقتصاد، مما حدا بالمسئولين والخبراء الى بيان هذه الخطورة وحجمها وسن القوانين والعقوبات المناسبة لمكافحتها فمن ذلك دعوة الأستاذ إبراهيم نافع رئيس تحرير جريدة الأهرام المصرية حيث يقول : "الرشوة والفساد وتهريب الأموال والتهرب الضريبى والتلاعب في المال العام، وغسل الأموال والتجسس الاقتصادى، كل تلك المفردات هى التي تشكل اليوم تهديدا حقيقيا للأمن القومى في مصر، فتحديات الأمن القومى لم تعد مقصورة في عالم اليوم على الصراعات العسكرية أو على مواجهة الجرائم السياسية والارهابية، بل اتسعت لتشمل قضايا الأمن الاقتصادى، خاصة بعد أن اصبح الاقتصاد ميدان المنافسة الأول بين بلدان العالم (84).
ويقول الدكتور سعيد اللاوندى تحت عنوان : الإرهاب وغسل الأموال : رؤية أوربية " اكتشفت أوربا يا للهول أن عواصمها الكبرى مثل لندن وباريس وجنيف وبروكسل ومدريد تتم فيها عمليات غسل الأموال عيانا جهارا، وكأنها عمليات بيع وشراء عادية لا يكاد يكترث بها أحد الا المعنيون بحركة التجارة ربحا وخسارة، كما اكتشفت أيضا أنها تحولت الى قاعدة خلفية للارهاب بعد ان استضافت طوال السنوات العشر الماضية كل المعارضين والمتطرفين، ولم تستيقظ لذلك الا بعد أحداث 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن ..." (85).(37/29)
وتحت عنوان " رؤية تحليلية لظاهرة غسل الأموال " يقول الدكتور محمود شريف أستاذ القانون الجنائى الدولى بجامعة دى بول بشيكاغو : شهدت الاونة الأخيرة اهتماما عالميا بظاهرة غسل الأموال نظرا لما تمثله من خطورة بالغة على صعيد المجتمع الدولى، خاصة فيما يتعلق بالناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، وهو الامر الذى حدا بالعديد من الدول الى سن التشريعات الوطنية وابرام الاتفاقيات الدولية فيما بينها لمجابهة تلك الظاهرة، وتشير التقديرات العالمية الى ان الدخل العام لتجارة المخدرات دوليا يبلغ حوالى خمسمائة مليار دولار سنويا، ويضاف إليها مبالغ اخرى لا يمكن تقديرها من ناتج جرائم اخرى بما في ذلك الأموال غير الشرعية الناتجة من صور الفساد والكسب غير المشروع، ومن ثم فإن هناك مليارات الدولارات يتم غسلها سنويا في دول مختلفة بهدف إضفاء صفة الشرعية عليها لاعادة استخدام جزء منها في تجارة المخدرات وأعمال إجرامية اخرى، أما عن الطريقة التي تتم بها فيستخدم غسل الأموال بعض البنوك والشركات المصرفية والاستثمارية في الدول التي يسمح المناخ الاقتصادى والسياسى فيها بهذا النوع من المعاملات المالية، وقد تتم أغلب هذه المعاملات في ظل سرية الحسابات البنكية والحسابات المرقمة والشركات ذات الأسهم المحمولة .(37/30)
إن إضفاء صفة الشرعية على الأموال الناجمة عن جرائم وأعمال غير شرعية لا يعنى بالطبع ان القائمين على تلك العملية سوف يستخدمونها في أعمال شرعية عقب غسلها، بل إن الجزء الأكبر منها قد يعاد استخدامه في أعمال غير شرعية بالإضافة الى استخدامها في أعمال فساد مثل رشوة السياسيين والموظفين العموميين في الدول التي يرغب أصحاب تلك الأموال في زيادة أنشطتهم وكسبهم غير المشروع بها ثم يقول: أما بالنسبة للوضع في مصر فهناك نوعان من الأموال تستهدف السوق المصرية بقصد غسلها، أولهما رءوس أموال مصرية مصدرها داخلى ناتجة عن أعمال فساد وعمليات إجرامية يتم غسلها في الداخل، والثانى هو رءوس أموال تأتى من الخارج متخذة من الشكل التقليدى لتمويل اجنبى لمشروعات خاصة ستارا لها " (86) .
وفى ندوة عقدها الأهرام الاقتصادى حول غسل الأموال قال الدكتور نبيل حشاد الخبير المصرفى : إن ظاهرة غسيل الأموال أخذت في الانتشار عالميا خلال السنوات الأخيرة خاصة عبر المصارف من دولة الى اخرى حيث يتم تبييضها وتأخذ صفة الشرعية كأنها آتية من مصدر مشروع، وقدرت المنظمة الدولية لمكافحة غسيل الأموال "الكومنست" الأموال القذرة المغسولة بنحو ما بين 500 مليار إلى 1.5 تريليون دولار طبقا لإحصائيات عام 2000 وهو ما يتراوح بين 5% إلى 1.5% من الناتج العالمى، ويلاحظ تفاوت بين الحدين الأعلى والادنى نظرا لصعوبة التقدير الواقعى لغسيل الأموال .." (87)
وفى الندوة نفسها يشير الدكتور حسن أبو زيد عميد كلية التجارة بجامعة القاهرة إلى أن عمليات غسيل الأموال تتم الان باستخدام احدث سبل التكنولوجيا والاتصالات الحديثة في نقل الأموال من بنك لآخر والإنترنت خير شاهد على هذا " (88)(37/31)
وفى الندوة نفسها يقول الدكتور حمدى عبد العظيم مدير مركز الدراسات والبحوث بأكاديمية السادات ان المخدرات وحالات الفساد الإداري والرشاوى والاختلاسات والمناقصات والمزايدات مع شركات عالمية هى أساس عمليات غسيل الأموال، وطبقا للتقديرات التي ساقها البنك الدولى فقد ارتفع حجم غسيل الأموال الى 283 مليار دولار في الولايات المتحدة و 55 مليار دولار في إيطاليا و 24.6 مليار في ألمانيا و 24.2 مليار في اليابان و 23.3 مليار دولار في كندا و22 مليار دولار في فرنسا، وحذر من خطورة مواقع الإنترنت التي تعلن أرقاما غير دقيقة عن الظاهرة(88) ومن هذه الأقوال وأمثالها كثير يتبين أننا امام جريمة كبرى تتألف من عدة جرائم لا تهدد الأمن المحلى لأى بلد فقط بل تهدد الأمن الإقليمي والعالمى في عنصريه الحيويين الاقتصاد والاجتماع . وقد قدم الدكتور محمد عبد الحليم عمر (89) جدولا إحصائيا بعدد الجرائم الاقتصادية في بعض المجالات في عام واحد سنة 1996م في مصر يكشف عن مدى خطورة هذه الجرائم وتزايدها كما يلى :
نوع الجرائم
عدد القضايا
المبلغ
الرشوة والاستغلال
جرائم النقد
جرائم الاختلاس
جرائم التزييف والتزوير
جرائم التموين والتجارة
جرائم البيئة والمسطحات المائية
جرائم السياحة والآثار
جرائم التهرب من الضرائب
التهرب الجمركى
التهرب من ضريبة المبيعات
جرائم الاعتداء على ممتلكات الدولة
جرائم سرقة الكهرباء
453
298
780
3272
84274
46237
5401
10107
942
413
605
256975
52229520
ــ
2505544636
ــ
13939745 طنا من السلع
ــ
ــ
10281562597
95533835
5153499632
96844390
43324666
الإجمالي
300680
1822853929
وهذا الجدول على قدمه وعدم شموله لكل أنشطة الأموال القذرة ومصادرها فإنه مؤشر خطير في جملته على كثرة أنواع الأموال القذرة وحجم خطورتها فكيف لو تم حصر هذه المصادر بدقة هذا العام او العام السابق ؟(37/32)
من هنا كان لا بد للمسئولين أن يقوموا بمكافحة هذه الجرائم وسن القوانين الصارمة لمكافحتها والتعاون مع سائر الدول في كشفها وتعقب أصحابها وقد تم ذلك وما زال بين سائر الدول كما يتبين من التقارير التالية .
ب- مكافحتها : بدأت مكافحة هذا النشاط القذر في أمريكا وأوربا ثم انتقل الى مصر والوطن العربى كما يتبين في هذا العرض :
1- تحت عنوان " قراءة في مشروع قانون غسل الأموال " ذكر الأهرام هذه الفقرة " تزايد أخيرا الاتجاه الدولى نحو مكافحة عمليات غسيل الأموال من خلال جهود دولية ووطنية متكاملة استهدفت الحد من تلك الظاهرة والحيلولة دون نموها لما لذلك من اثار بالغة على الاستقرار الاقتصادى على مستوى العالم، فعلى المستوى الدولى يمكن ان يؤدى غسل الأموال الى انتقال رءوس الأموال من الدول ذات السياسات الاقتصادية الجيدة ومعدلات العائد المرتفعة الى الاقتصاديات الفقيرة وذات العائد المنخفض بما يضر بمصداقية الأسس الاقتصادية المتعارف عليها كما تؤثر عمليات غسل الأموال بالسلب على استقرار أسواق المال الدولية وتهدد بانهيار الأسواق الرسمية التي تعد حجر الزاوية في بناء اقتصادات الدول، وفى ظل تدويل الاقتصاد العالمى، ونمو فعالية أسواق المال الدولية اصبح من اليسير انتقال رءوس الأموال عبر الحدود، وقد أدى ذلك الى تزايد الجريمة الاقتصادية المنظمة وتزايد حركة تداول أموال المنظمات الإجرامية على المستويين المحلى والدولى بهدف تغيير صفة الأموال التي تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة واعادة تدويرها في مجالات وقنوات استثمار شرعية تبدو كما لو كانت قد تولدت من مصدر مشروع (90)(37/33)
2- وتحت عنوان : الإرهاب وغسل الأموال : رؤية أوربية ذكر الدكتور اللاوندى : بعد أحداث 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن لم تتوقف الاجتماعات الاستثنائية لقادة اجتماعات اتحاد أوربا ووزراء العدل والداخلية والمالية فيها وكأنها في حالة انعقاد مستمر فالحدث جلل والوقت اصبح أقصر من أن يتحمل تسويفا أو تأجيلا، وكان لا بد من فتح جميع الملفات والخوض في كل المحاذير دون استثناء لأن الرهان هو مستقبل أوربا ولا شئ اخر غير ذلك كما أكد رئيس وزراء بلجيكا .. أما المطلب الملح الذى تحقق حوله إجماع الدول الـ 15 ومجموعة الدول الثمانى الكبرى أيضا فهو القضاء على شبكات تمويل الإرهاب في أسرع وقت ممكن، وهو ما يفرض بالضرورة سن جملة من القوانين الجديدة لوقف جميع أشكال غسل الأموال القذرة الخاصة بتجارة المخدرات والجريمة المنظمة والأعمال الإرهابية، وفى هذا الاطار تقرر تحطيم السرية المفروضة على الحسابات كما بات لزاما على أصحاب الكازينوهات وشركات المقاولات الكبرى وخبراء المحاسبة والمحامين أن يقوموا بالتبليغ عن أي شخص يتعامل معهم ويشكون في أن منابع أرصدته تتصل بشيكات المافيا أو دوائر غسل الأموال داخل أوربا أو خارجها باعتبار ان عمليات غسل الأموال تجرى على هامش الحياة الاجتماعية وتدور في الخفاء وتضر بقاعدة التضامن التي تفخر الديمقراطية الغربية بأنها أسستها. (91)(37/34)
3- وقد انتقلت هذه الجهود الدولية وذلك النشاط المكثف إلى الوطن العربى لمواجهة مخاطر غسل الأموال القذرة فعقدت مؤتمرات وندوات أسفرت عن الضرورة الماسة لسن القوانين والعقوبات لمكافحة هذه الجرائم فمن ذلك ما نشره الأهرام الاقتصادى تحت عنوان " المصارف والمؤسسات المالية العربية تواجه مخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب حيث قال : تواجه المصارف والمؤسسات المالية العربية تحديات صعبة في المرحلة الحالية ومن أهمها عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وهى التحديات التي تحوز اهتمام المجتمع الدولى، وقد اتخذت المؤسسات المالية والمصارف العربية جميع التدابير الممكنة والفعالة في مواجهة هذه الظاهرة، وهذا ما أكده جوزيف طربية رئيس اتحاد المصارف العربية والدكتور فؤاد شاكر الأمين العام للاتحاد خلال مداخلتين لهما في مؤتمر مكافحة تبييض الأموال الذى عقده الاتحاد في بيروت حيث أكدا أن أحداث 11 سبتمبر تبعها إجماع دولى على مكافحة الإرهاب من خلال منعه من استخدام تقنيات النظام المالى في تنفيذ أهدافه، وشدد شاكر وطربية على أهمية اعتماد المصارف والسلطات النقدية لمعايير تحقيق في أنظمة الدفع والتحويلات الإلكترونية، وشددا على أن المصلحة العربية العامة تقتضى حفظ القطاع المصرفى العربى من العمليات غير المشروعة لأن اقتصاد الجريمة لا يمكن الاعتماد عليه كبديل للاقتصاد الشرعى، فالجميع داخل الاقتصادات والقطاعات المصرفية العربية متفقون على أهمية السعى لجذب الأموال المحلية والأجنبية للاستثمار وداخل الدول العربية، ولكن مع الحذر والتنبيه لمنع تسرب الأموال القذرة لما يلحقه هذا الامر من أضرار كبيرة بسمعة المنطقة العربية وتنميتها المالية وخططها التنموية، وطالب رئيس اتحاد المصارف العربية بإنشاء آلية عربية للتنسيق في المكافحة الجماعية لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب " (92)(37/35)
4- وكان لمصر جهود كبيرة في مضمار مكافحة هذه الجرائم حيث قامت بسن قانون ينص في مواده على تجريم وعقاب من يقوم بالمشاركة في هذه الجرائم وقامت وزارة العدل والمالية بالتعاون في صياغة هذا القانون ومواده وعرضه ومناقشته أمام مجلس الشورى والشعب لاقراره يقول الأهرام تحت عنوان وزير العدل أمام مجلس الشورى : مشروع قانون مكافحة غسيل الأموال يحصن الاقتصاد المصرى من الهزات المالية " جاء فيه : أكد المستشار فاروق سيف النصر وزير العدل أن الشواهد والدراسات تثبت أن حجم الأموال التي يتم غسلها داخل الاقتصاد المصرى تمثل حوالى 30% من الحجم الكلى للاموال، وقال إن عمليات غسل الأموال تؤثر بالسلب على استقرار أسواق المال الدولية، وتهدد بانهيار الأسواق الرسمية التي تعد حجر الزاوية في بناء اقتصاديات الدول، جاء ذلك أمام لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس الشورى في اجتماعها أمس 8 مايو 2002 برئاسة المستشار عبد الرحمن فرج محسن لمناقشة مشروع قانون مكافحة غسيل الأموال .. وقال : إن قانون غسيل الأموال يحصن الاقتصاد المصرى من عدة أضرار بعدما أصبحت تلك العمليات تمثل ظاهرة عالمية تساعد المنظمات الإجرامية الدولية على اختراق وافساد الهياكل الاقتصادية والمؤسسات التجارية والمالية المشروعة والمجتمع بمختلف مستوياته مما يؤثر الى اهتزاز بنيانه المالى .. وقال : إن التشريع الجديد حريص على تجريم استقبال وارسال الأموال الناشئة عن جرائم تعاقب عليها القوانين ... وأوضح ان مشروع القانون يتضمن عشرين مادة جاءت محددة للإطار العام بجريمة غسيل الأموال ووسائل مكافحتها وتطبيق تلك الوسائل على المؤسسات المالية الخاضعة لاحكام مشروع القانون بالإضافة الى وضع العقوبات المناسبة لمجابهة هذا السلوك . وأشار وزير العدل الى ان حجم الأموال التي يتم غسيلها سنويا تمثل 20% من حجم الناتج القومى الإجمالي في الولايات المتحدة أي ما يعادل 1.5 تريليون(37/36)
دولار مما يتطلب إجراءات فعالة لمكافحة غسيل الأموال، وأشار الى ان هناك تشريعا بهذا الخصوص (غسيل الأموال) سوف يناقشه وزراء العدل العرب والداخلية العرب داخل الجامعة العربية حيث إن هذا الموضوع أصبح ظاهرة عالمية تقف أمامه جميع دول العالم، وقد وأفقت اللجنة التشريعية على القانون حيث ستتم مناقشته أمام المجلس خلال جلساته المقبلة (93) . وحول مشروع هذا القانون المصرى صدرت عدة تعليقات وتحليلات منها ما يمدحه ويشجعه ومنها ما ينتقده لعدم قوته وصراحته في مقاومة هذه الجريمة خوفا على تأثر جذب الأموال للاستثمار في مصر فمن ذلك قول محمود عبد السلام عمر رئيس اتحاد بنوك مصر إنه على الرغم من ان التشريع المصرى لم يتضمن النص صراحة في قانون على تجريم عمليات غسيل الأموال فإن المشرع قد أدرك مبكرا الدور الخطير الذى يمكن ان يلعبه راس المال في تسهيل واستمرار تصاعد جرائم الكسب غير المشروع سواء من خلال الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو تلك المرتبطة بالفساد الإداري ومن ثم فقد حرص المشرع على توفير أطر تشريعية لمواجهة مثل هذه العمليات سواء من خلال تضمين القوانين الموجودة عددا من المواد التي تجرم مثل هذه الأفعال او بإدخال تعديلات تالية على تلك المواد بعدما أظهرت التجربة ان العقوبات المقررة بها لم تعد كافية للحد من تلك الأنشطة" (94) ويقول الدكتور محمود شريف : أما عن الجهود المصرية لمكافحة هذه الظاهرة والحد من مخاطرها - اذا ما استثنينا دور الاجهزة الرقابية في مكافحة الجرائم الاقتصادية بوجه عام - فلم تتجاوز مبادرة وزارة العدل بإعداد مشروع قانون لمكافحة غسل الأموال بيد أنه ما زال في طور الإعداد دون اتخاذ خطوات أكثر إيجابية سبق وأن اتخذتها بالفعل العديد من الدول، ومن بينها النامية، الامر الذى يتعين معه على الحكومة تقديم المشروع وبصفة عاجلة الى مجلس الشعب لكى يصبح لدينا قانون وطنى خاص لمكافحة تلك الظاهرة أسوة بما هو(37/37)
قائم بمختلف دول العالم حتى يتسنى لنا مواكبة المجتمع الدولى في هذا الشأن وإلا فان مصر ستتعرض لحرج بالغ في المحافل الدولية " (95) ويرى الدكتور نبيل حشاد أن قرار محافظ البنك المركزى - بوضع الضوابط- إجراء سليم وليس بدعة، بل مطبق في قوانين عدة دول، وليس هناك تعارض بين سرية الحسابات وهذه الإجراءات في ظل تأثير غسيل الأموال سلبا على الاقتصاد المصرى دوليا ... وفيما يتعلق بالأثر البعيد على البنوك من إصدار قانون لمكافحة غسيل الأموال يرى ان سمعة الدولة ومكانتها في مجال المكافحة يؤثر سلبا او إيجابا على النظرة العالمية في الأوساط المصرفية على مصارفها، ويمكن وضع مصارفها ضمن المصارف التي تقوم بغسيل الأموال حتى وإن لم تقم بذلك .. ومع وضع واقرار قانون مكافحة غسيل الأموال في مصر تزداد صورة البنوك المصرية قوة، وسيكفل لها الحماية ويبعدها عن التصنيف السئ " (96)
ويرجع الدكتور حسين عمران رئيس قطاع البحوث بوزارة الاقتصاد جهود مصر لمكافحة غسيل الأموال الى عام 1988 حين وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة في فيينا، واشتراكها في المؤتمر العربى الثامن في تونس 1994 لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات ومنع غسيل الأموال، والمؤتمر الدولى التاسع لمنع الجريمة بالقاهرة 1995 والقانون رقم 4 لسنة 1971 بتنظيم فرص الحراسة وتأمين سلامة الشعب وقانون الكسب غير المشروع رقم 62 لسنة 1975، وقانون سرية الحسابات والمادة 44 مكرر من قانون العقوبات المصرى، ويؤكد ان مصر لم تقف مكتوفة الأيدي في مواجهته او التعاون في مكافحة الظاهرة العالمية مشيرا الى ان وجود مناطق معينة ومحددة معروفة بغسيل الأموال هى قارة أوربا وتحديدا في سويسرا او لوكسمبورج وموناكو وجبل طارق، ومناطق البحر الكاريبى في أمريكا اللاتينية خاصة في جزر البهاما والبرامودا وجاميكا وبنما، وفى آسيا تتركز في هونج كونج وسنغافورة وتايوان وتايلاند (97) .(37/38)
وتؤكد الدكتورة فوزية عبد الستار أستاذ القانون التشريعى والدستورى وعضو لجنة وزارة العدل لاعداد مشروع قانون مكافحة غسيل الأموال وجود اكثر من اتجاه يتبنى تجريم غسيل الأموال في صور معينة ومحددة، ويتم بناء عليه تحديد العقوبة سجنا او غرامة او مصادرة الأموال، وترى أنه ليس من المصلحة العامة تجريم الأموال في الوقت الحاضر حتى لا تهرب وتفقد مصر استثمارات هامة، وتقترح الاكتفاء بالرقابة المصرفية على رءوس الأموال المتدفقة للبنوك بشكل سرى لا يستشعر معه صاحب المال أي رقابة .. ولا بد من التجريم للاموال الملوثة ومواجهتها سواء في المصارف او أي مكان آخر فاذا ثبت أنها غير مشروعة تجرم ولا يتم الاكتفاء بالمصادرة " (98) وكما قام البنك المركزى بوضع ضوابط مكافحة غسل الأموال فقد قامت الهيئة العامة لسوق المال بعدة إجراءات صارمة لمنع غسيل الأموال بالبورصة وفى مقال في الأهرام الاقتصادى بيان لذلك جاء فيه " أصدرت الهيئة العامة لسوق المال تعليمات لشركات السمسرة يتم من خلالها تطبيق قانون مكافحة غسل الأموال والذى ألقى على الجهات العاملة في مجال الأوراق المالية بعدة التزامات لا بد من مراعاتها بكل دقة لأنها ستمنع بكل قوة غسل الأموال في البورصة المصرية وتمنع دخول أموال مشبوهة داخل السوق المصرى، وهو مطلب هام جدا تؤيده كل الأطراف الحكومية وغير الحكومية. (99) .(37/39)
وأخيرا صدر القانون المصرى رقم 80 في 22/5/2002 لمكافحة غسل الأموال وأنشئت لذلك إدارات خاصة تقوم بمتابعة تطبيق القانون وتنفيذه، وقد جاء في تعليق لجنة الشئون الاقتصادية والمالية والخطة في الحزب الوطنى بعد دراسته ما يلى : يعد مشروع قانون مكافحة غسل الأموال من اهم القوانين والتشريعات الاقتصادية التي اعدتها الحكومة في الفترة الأخيرة خاصة بعد إدراج مصر على قائمة البلدان غير المتعاونة في مجال مكافحة غسل الأموال على المستوى الدولى، وما أن انتهت الحكومة من إعداد مشروع القانون حتى بادر العديد من المؤسسات الحكومية وغيرها الى مناقشة مواده وفلسفته وأهميته بالنسبة لمصر، وعلى الرغم من الجدل الذى اثارته بعض مواد القانون، فان هناك ارتياحا لدى الأوساط المصرفية والاقتصادية لاصدار هذا القانون وبخاصة أنه راعى في مواده قوانين الأمم المتحدة والمنظمات العالمية كما يراعى القوانين المصرية السابقة في الأموال غير المشروعة . كما ترى اللجنة ان القانون جاء محققا للتوازن في المعادلة الاقتصادية ومن مواد هذا القانون ما يلى :
المادة الأولى : …كل فعل ينطوى على اكتساب مال او حيازته او التصرف فيه أو إدارته أو حفظه أو استبداله أو إيداعه أو ضمانه أو استثماره أو نقله أو تحويله إذا كان متحصلا من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة (2) متى كان القصد من هذا الفعل إخفاء مصدر المال أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون اكتشاف ذلك أو عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل عليها من المال يعد جريمة .(37/40)
المادة الثانية : يحظر غسل الأموال المتحصلة من جرائم زراعة وتصنيع المخدرات والمؤثرات العقلية وجلبها وتصديرها والاتجار فيها، وجرائم اختطاف وسائل النقل وخطف واحتجاز الأشخاص والإرهاب وتهريب الأسلحة والذخائر والمفرقعات أو الاتجار فيها دون ترخيص والجرائم المنصوص عليها في البابين الثالث والرابع من قانون العقوبات - كالسرقة وخيانة الأمانة والنصب والدعارة - والجرائم الواقعة على الآثار وكذلك الجرائم المنظمة - التي ينص عليها في الاتفاقيات الدولية التي تكون مصر طرفا فيها وذلك سواء وقعت هذه الجرائم في الداخل او الخارج متى كانت معاقبا عليها في القانون المصرى "
ومن مواد هذا القانون المادة التالية " تنشأ وحدة في وزارة العدل لمكافحة غسل الأموال ويرأسها أحد رجال القضاء أو النيابة العامة من درجة رئيس محكمة استئناف او ما يعادلها وتضم في تشكيلها ممثلين عن وزارات العدل والداخلية والمالية وغيرها من الوزارات والبنك المركزى المصرى والجهات المعنية. (100) الى غير ذلك من المواد العشرين.(37/41)
5- وعلى الصعيد العالمى أقر صندوق النقد الدولى رسميا مشروعا جديدا لمحاربة عمليات غسيل الأموال في إطار المساعى الدولية لتجفيف منابع تمويل الإرهاب وتجريد القوى المتطرفة من مصادر قوتها وأوضح بيان الصندوق الذى صدر أمس الأول 22/11/2002 أن العمل بموجب هذا المشروع قد بدأ بالفعل الأسبوع الماضى 15/11/2002 وسوف يستمر العمل به على مدى عام كامل، وسيقوم كل من صندوق النقد والبنك الدوليين بمراقبة السياسات المالية والأنظمة داخل البنوك المركزية في الدول الأعضاء بالمؤسستين وسوف تستمر عمليات المراقبة هذه بشكل يومى ومنتظم بما يسمح بالتدخل السريع في حالة اكتشاف عمليات لغسل الأموال او مؤامرات لتمويل مخططات إرهابية ونقلت الجزيرة عن خبراء في براغ انهم أكدوا في مؤتمر لغسيل الأموال ان الدول الاوربية تناضل من أجل سد الثغرات التي تتيح لمجرمين منهم جماعات إرهابية فرصة نقل كميات طائلة من الأموال القذرة، وذلك عبر بلادهم او في أنحاء العالم، وأوضح مايكل أوليم وهو محقق بريطانى سابق يعمل لحساب شركة حسابات في بولندا مخاطبا حوالى مائة خبير مالى يحضرون مؤتمر براج في جلسته مساء الخميس أنها معركة ربما لا نكسبها أبدا "(102)
ونقلت الأهرام عن شبكة بى بى .سى أن رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكونى قد مثل أمام القضاء الإيطالي أمس الأول في محاكمة لأحد المقربين منه متهم بغسل أموال لصالح المافيا الا انه رفض الإجابة عن أية أسئلة مستخدما حقه بمقتضى القانون الإيطالي.(37/42)
وتعتبر الولايات المتحدة أكثر الدول خبرة في التشريع على المستوى القومى للحد من عمليات غسل الأموال نظرا لخبرتها الطويلة في مجال ممارسة هذه الجريمة إذ تقدر الإحصائيات أن ثلث عمليات غسل الأموال يحدث في الولايات المتحدة، ولذلك قامت بوضع أشمل وأكمل مجموعة من القوانين واللوائح للقضاء على هذه الجريمة وترجع أولى التشريعات الى عام 1986م، ثم توالت القوانين بعد ذلك . وعلى المستوى الدولى كانت أولى خطوات التعاون لمواجهة هذه الظاهرة اتفاقية بازل سنة 1993م وقد وقع عليها 147 دولة، كما تبنى الاتحاد الأوربي سنة 1991 توجهات تستهدف القضاء على هذه الجريمة وقد تكونت مجموعة عمل للرقابة المالية وأصبحت تضم 24 عضوا من منظمة التنمية والتعاون الأوربي بالإضافة الى هونج كونج وسنغافورة ولجنة الجماعة الاوربية ومجلس التعاون الخليجى ثم زيدت الى ثمانية وعشرين عضوا سنة 1991 (103) .
ومما سبق نعلم أننا أمام جريمة كبرى مركبة من عدة جرائم، وأن العالم كله قد تعاون، وما زال يتعاون في مكافحتها، والقضاء عليها لما لها من آثار مدمرة على الاقتصاد العالمى، والاقتصاد القومى لكل دولة، وجريمة كجريمة غسل الأموال المركبة التي جرمتها جميع القوانين غير الاسلامية، جديرة أن تكون غير موجودة في العالم الإسلامي، ولا يقوم بها مسلمون، لأنها كما ظهر من كبائر الإثم والفواحش لما تشمله من جرائم كثيرة ثم بيانها في المباحث السابقة، نسأل الله العفو والعافية والمعاناة في الدنيا والآخرة .
والله ولى التوفيق وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
( ( (
الهوامش
1- التوبة من المال الحرام، ورقة عمل مقدمة الى الحلقة النقاشية الثانية عشرة بمركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر د. محمد عبد الحليم عمر ص1.
2- المائدة [6]
3- النساء [43]
4- ص42
5- المائدة 6
6- المدثر [4]
7- البقرة [222](37/43)
8- المعجم الوسيط جـ2 مادة غسيل ص652
9- البقرة 1
10- البقرة [155]
11- النساء
12- الفتح [11]
13- المعارج 24/25
14- المعجم الوسيط جـ2 ص892 مادة مال
15- انظر : المغنى لابن قدامة جـ1 ص218 والكافى لابن قدامة جـ1 ص60
16- تفسير القرطبى جـ5 ص209/210 باختصار
17- السابق جـ8 ص245/146
18- التوبة من المال الحرام مرجع سابق
19- الكهف [46]
20- الفجر [20]
21- آل عمران [14]
22- النساء [5]
23- المائدة [38]
24- الإسراء [26-29]
25- الملك [15]
26- الإنسان والمال في الإسلام - د. عبد النعيم حسنين ص106
27- الجمعة [9/10]
28- النبأ [14-16]
29- عبس [25-32]
30- الأنعام [99]
31- الأنعام [141]
32- الرعد [3-4]
33- الواقعة [63-65]
34-
35- البقرة [164]
36- الأعراف [10]
37- تفسير القرطبى جـ7 ص167 .
38- النساء [29]
39- البقرة [282]
40- التوبة [24]
41- الصف [11]
42- فاطر [29]
43- التوبة [111]
44- تفسير القرطبى جـ5 ص151/152 باختصار
45- التفسير الكبير - الرازى جـ7 ص21.
46- هود [37-38]
47- الشعراء [128-129]
48- الأنبياء [80]
49- سبأ [10-11]
50- سبأ [12-13]
51- التفسير الكبير - الرازى جـ9 ص174
52- الملكية الفردية د. محمد بلتاجى ص76 .
53- السابق ص149-150
54- التفسير الكبير - الرازى جـ9 ص173-174
55- البقرة [188]
56- تفسير القرطبى جـ2 ص338-340 باختصار
57- المقدمات الممهدات جـ2 ص222
58- الإمام الشافعى جـ3 ص312
59- الملكية الفردية ص190
60- حبس اللبن في ضرع البهيمة لايهام المشترى أنها كثيرة اللبن.
61- المزايدة في سعر المبيع دون رغبة في الشراء
62- المزاينة : بيع التمر بالتمر - الرطب - أو بيع الزبيب بالعنب وكذلك كل بيع مجهول طرفاه او أحدهما جزافا.
63- العرايا : بيع الرطب على النخل جزافا بالتمر.
64- المنابذة : أن يقول أحد المتبايعين : إذا نبذت إلى هذا الثوب فقد وجب البيع أو أن يقول : إرم ما معك في مقابل ما معى(37/44)
65- الملامسة : أن يمس الثوب المبيع بيده دون أن ينشره.
66- بيع الحصاه : هو أن يقول : إرم هذه الحصاة على أى ثوب فما وقعت عليه فهو لك بكذا، أو بعتك من هذه الأرض بقدر ما تبلغ الحصاة إنا رميتها.
67- بيع الدين بالدين
68- حبل الحبلة بيع حمل حمل الناقة
69- عسب الفحل : ماؤه الذى تحمل منه أنثاه .
70- المعاومة بيع ثمار الشجر عاما أو أكثر قبل أن يظهر وينضج
71- بيع العربون : أن يدفع جزءا من ثمن المبيع على أنه اذا رده كان المدفوع للبائع.
72- شرح صحيح مسلم للنووى جـ4 ص5،6 وانظر أيضا في جميع البيوع المذكورة الكافى في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل جـ2 ص4-42 .
73- تفسير القرطبى جـ2 ص358 .
74- الطرق الحكمية ص399
75- تبصرة الحكام جـ2 ص213.
76- الملكية الفردية ص323-324.
77- تفسير القرطبى جـ3 ص365-367 باختصار
78- المائدة [345]
79- تفسير القرطبى جـ6 ص158.
80- التوبة من المال الحرام مرجع سابق ص4 .
81- السابق ص6.
82- السابق ص11 .
83- المائدة [34]
84- الأهرام عدد 41912 في 6/9/2001 تحت عنوان مواقف
85- الأهرام عدد 41960 في 24/10/2001 .
86- الأهرام عدد 41904 في 29/8/2001 .
87- الأهرام الاقتصادى عدد 1705 في 10/9/2001 .
88- السابق
89- التوبة من المال الحرام ص8 .
90- الأهرام عدد 42013 في 16/12/2001 .
91- السابق عدد 41960 في 24/10/2001 .
92- الأهرام الاقتصادى عدد 1730 في 4/3/2002 .
93- الأهرام عدد 42157 في 9/5/2002 .
94- الأهرام عدد 42013 في 16/12/2001 .
95- الأهرام عدد 41904 في 29/8/2001.
96- الأهرام الاقتصادى عدد 1705 في 10/9/2001
97- السابق.
98- السابق
99- السابق عدد1751 في 29/7/2002 .
100- الأهرام عدد 42013 في 16/12/2001 .
101- الأهرام عدد 42356 في 24/11/2002 .
102- الجزيرة عدد 10999 في 9/1/2002.
103- الأهرام عدد 41551 في 10/9/2002 .
قائمة المراجع *
1- الأم - الشافعى، مطبعة الشعب بالقاهرة.(37/45)
2- الأهرام جريدة مصرية يومية - القاهرة - عدة أعداد.
3- الأهرام الاقتصادى - جريدة مصرية أسبوعية - القاهرة - عدة أعداد.
4- الإنسان والمال في الإسلام د. عبد النعيم حسنين . دار الوفاء - المنصورة- مصر.
5- تبصرة الحكام في أصول الاقضية ومناهج الأحكام لابن فرحون - المطبعة البهيئة بالقاهرة.
6- التفسير الكبير - الرازى - دار الغد العربى - مصر.
7- التوبة من المال الحرام د. محمد عبد الحليم عمر . مركز صالح كامل - جامعة الأزهر - مصر.
8- جامع البيان عن تأويل آى القرآن للطبرى - مكتبة الحلبى بمصر.
9- الجامع لأحكام القرآن - القرطبى - دار الكتب المصرية - مصر.
10- الجزيرة جريدة يومية سعودية.
11- شرح صحيح مسلم للنووى - مطبعة الشعب - مصر.
12- الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم - مطبعة المدنى بالقاهرة.
13- الكافى في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل لابن قدامة - المكتب الإسلامي - بيروت.
14- المعجم الوسيط - مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
15- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم - محمد فؤاد عبد الباقى - مطبعة الشعب- مصر.
16- المغنى لابن قدامة.
17- المقدمات الممهدات لابن رشد - مطبعة السعادة - مصر.
18- الملكية الفردية د. محمد بلتاجى - مكتبة الشباب - مصر.
* نظرا لحداثة الموضوع واعتماده على الدوريات بصورة كبرى جعلتها في ترتيب المراجع الأساسية.
??
??
??
??
14 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي /جامعة أم القرى
غسل الأموال 13(37/46)
بحوث في
غسيل الأموال وبيان حكمه
في الفقه الإسلامي والنظم المعاصرة
مقدم للمؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي
الذي سيعقد خلال شهر محرم 1424هـ- مارس2003م
بجامعة أم القرى- مكة المكرمة
الدكتور عبد الله محمد عبد الله
مستشار سابق بمحكمتي التمييز والدستورية بدولة الكويت
(طبعة تمهيدية)
مقدمة ومدخل:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
تلقيت دعوة كريمة من عمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية ورئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الثالث للاقتصاد الإسلامي الذي سيعقد بإذن الله تعالى بجامعة أم القرى بمكة المكرمة خلال شهر محرم 1424هـ- مارس2003م للمشاركة في هذا المؤتمر، وقد رأيت الاستجابة لهذه الدعوة والمشاركة عن طريق الكتابة في إحدى الموضوعات التي بينتها المحاول، ورأيت موضوع "غسيل الأموال" من الموضوعات التي تستحق أن يُعنى بها عناية خاصة لأنها من الموضوعات التي تتصل بالاقتصاد الإسلامي وبالتالي تهم البنوك الإسلامية أيضاً.
ويهتم العالم اليوم به عناية كبيرة إدراكاً من المجتمع الدولي لآثارها السلبية على الاستقرار الاقتصادي وبخاصة على مناخ الاستثمار المحلي والدولي، ولذلك زاد الاهتمام بطرق مواجهتها من قبل العديد من الدول والمنظمات الدولية والمراكز الدولية الكبرى، حيث تهدد هذه الظاهرة الاقتصاد العالمي بل اقتصاديات العالم النامي ومن بينها البلاد العربية والإسلامية، ومن ثم تشكلت مجموعة الدول السبعi بل الثمان بعد انضمام روسيا إليها لبحثه، وقد أصدرت تقريرها وملاحقها في إبريل 1990 بعد دراسة استمرت سبعة أشهر وتضمن التقرير 40 نقطة في برنامج يتعامل مع موضوع غسيل الأموال على مستوى عالمي، وسيأتي بيانها خلال البحث.(38/1)
وإذا ما بحثنا عناصر هذا الموضوع على عجل يظهر لنا أن مفهوم غسيل الأموال أو الجريمة البيضاء أو الاقتصاد الخفي كما يُطلق عليه فريق من الباحثين ويقصد منه إضفاء صفة المشروعية على أموال متحصلة من طرق غير مشروعة، ويحدد البعض الأعمال غير المشروعة في صور منها:
1- التجارة في المخدرات، وأنشطة البغاء والدعارة.
2- الأموال المتحصلة بسبب الرشوة أو الفساد الإداري والاختلاس.
3- الأموال المتحصلة عن التهرب من الضرائب.
4- الأموال المتحصلة مقابل صفقات الأسلحة.
5- الأموال المتحصلة مقابل أعمال التجسس الدولي.
6- الأموال المتحصلة عن تزييف النقد والشيكات المصرفية، وتزوير الاعتمادات السندية، وغيرها كما سيأتي خلال البحث.
كل هذه الدخول التي تتحقق من الأنشطة السابقة غير مسجلة في الحسابات القومية للدول، وتتدرج تحت مسمى الاقتصاد الخفي التي لا تسجل ضمن حسابات الناتج القومي إما بسبب التهرب من التزامات قانونية أو بسبب أن هذه الأنشطة تعد مخالفة للقانون.
وإذا دققنا النظر في هذه الأموال ومصادرها ثم في طرق الالتواء التي يسلكها أصحابها لإخفائها أو إظهارها بمظهر الكسب المشروع نجد أن الفقه الإسلامي قد عنى عناية كبيرة في دراستها أو التحذير من مغبتها ديناً ودنيا على مات سنذكره في الفصول التالية.
وسنتناول فيما يأتي المكاسب وبيان الحلال والحرام منها، ثم بيان الدور الرقابي الذي قرره الفقه الإسلامي عن طريق تفعيل دور المحتسب في المجتمع، ثم الطرق التي سنها الإسلام في التخلص من المال الحرام في المباحث التالية:
المبحث الأول: في بيان طرق الكسب المشروعة في الإسلام.
المبحث الثاني: في الكسب غير المشروع (الحرام والشبهة).
المبحث الثالث: في إجراء مقارنة بين الأموال المعدنية لدى القائلين بغسل الأموال وفي الفقه الإسلامي.
المبحث الرابع: في طرق مواجهة الكسب غير المشروع في الشريعة الإسلامية والنظم المعاصرة.
( ( (
المبحث الأول(38/2)
في بيان طرق الكسب المشروعة
في هذا المبحث نتناول مسألة الكسب المشروع من خلال ثلاثة مؤلفات لثلاثة من كبار الأئمة هم: الإمام محمد حسن الشيباني، والإمام أبي الحسن الماوردي، والإمام أبي حامد الغزالي.
كتب الإمام محمد بن الحسن من أئمة الحنفية في المكاسب وشرحه الإمام
أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي في المبسوط، وقد عُرّف الاكتساب بأنه تحصيل المال بما حلَّ من الأسباب، وقال: إن الكسب يُستعمل في كل باب، وقد قال تعالى (أنفقوا من طيبات ما كسبتم(ii وقال تعالى (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم(iii، أي بجنايتكم على أنفسكم وقد سمَّى جناية المرء على نفسه كسبا.
وقال جل وعلا في آية السرقة "جزاءً بما كسبا"iv، أي باشر بارتكاب المحظور، فعرفنا أن اللفظ مستعمل في كل باب ولكن عند الإطلاق منه اكتساب المال، واستفتح الإمام محمد بن الحسن كتابه ببعض الآثار، ومن ذلك قول الإمام عمر بن الخطاب وكان يُقدم درجة من الكسب على درجة الجهاد فيقول (لأن أموت بين شعبتي جبل أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله أحب إليّ من أن أُقتل مجاهداً في سبيل الله، لأن الله تعالى قدَّم الذين يضربون في الأرض ليبتغوا من فضله على المجاهدين بقوله تعالى ( وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله( الآيةv.
ثم ذكر الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صافح سعد بن معاذ رضي الله عنه فإذا يداه قد اكتبتا، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: أضرب بالمر والمسحاة لأنفق على عيالي، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وقال: " كفان يحبهما الله تعالى"vi.
وفي هذا بين أن المرء باكتساب ما لا بد منه ينال من الدرجات أعلاها، وإنما ينال ذلك بإقامة الفريضة ولأنه لا يتوصل إلى إقامة الفرض إلا به فحينئذ كان فرضاً بمنزلة الطهارة لأداء الصلاة.
ثم قال وبيان ذلك من وجوه:(38/3)
أحدها- أنه لا يمكنه من أداء الفرائض إلا بقوة بدنه وإنما يحصل له ذلك بالقوت عادة، ولتحصيل القوت طرق الاكتساب أو التغالب بالانتهاب، والانتهاب يستوجب العقاب، وفي التغالب فساد، والله لا يحب الفساد، فعين جهة الاكتساب لتحصيل القوت.
وكذلك لا يتوصل إلى أداء الصلاة إلا بستر العورة، وإنما يكون ذلك بثوب ولا يحصل له ذلك إلا بالاكتساب عادة، ومالا يتأتى إقامة الفرض إلا به يكون فرضاًvii.
وللإمام الماوردي فلسفة متكاملة عن نظرية الكسب ويربطها بصلاح أمر الدنيا التي صلاحها من وجهين:
أحدهما ما ينتظم به أمور الناس جميعاً، والآخر ما يصلح به حال كل واحد من أهلها، ويقول: هما شيئان لا صلاح لأحدهما إلا بصاحبه، وبيَّن أن صلاح الدنيا
لا يتحقق إلا بستة قواعد، هي: دين متبع، وسلطان قاهر، وعدل شامل، وأمن عام، وخصب دائم، وأمل فسيح، ويسترسل في بيان وتوضيح هذه الأمور الستة ومدى ارتباطها وشدة علاقتها بصلاح أمر الدنيا وأهلها لو تتبعناها لخرج بنا عنا المقصود، ولكن نكتفي بذكر شيء مما له صلة بموضوعنا وهي القاعدة الثالثة وهي المادة الكافية، ويقول في توضيح هذه القاعدة لأن حاجة الإنسان لازمة لا يعرى منها بشر، قال الله تعالى (وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين(viii فإذا عدم المادة التي هي قوام نفسه لم تدم له حياة ولم يستقم دين، وإذا تعذر شيء منها عليه لحقه من الوهن في نفسه والاختلال في دنياه بقدر ما تعذر من المادة عليه لأن الشيء القائم بغيره يكمل بكماله ويختل باختلاله.
ويتناول سد حاجات الناس من وجهين: بمادة وكسب، فأما المادة فهي حادثة عن اقتناء أصول نامية بذواتها، وهي شيئان: نبت نام، وحيوان متناسل، قال تعالى (وأنه هو أغنى وأقنى)ix أي: أغنى بالمال وأقنى: جعل لهم قِنية وهي أصول الأموال.
وأما الكسب فيكون بالأفعال الموصلة إلى المادة والتصرف المؤدي إلى الحاجة وذلك من وجهين:(38/4)
أحدهما: تقلبٌ في تجارة، والثاني: تصرفٌ في صناعة.
وهذان هما فرع لوجهي المادة فصارت أسباب المواد المألوفة وجهات المكاسب المعروفة من أربعة أوجه: نماء زراعة، ونتاج حيوان، وربح تجارة، وكسب صناعة.
وحُكي عن المأمون أنه قال: معايش الناس على أربعة أقسام: زراعة، وصناعة، وتجارة، وإمارة، فمن خرج عنها كان كلاًّ عليهاx.
ولا يسمح المقام بتتبع ما جادت به قريحة الإمام وكلامه الممتع وقلمه السيّال في توضيح جوانب هذه المواد الأربع، ولكن انظر دقة كلامه وحصافة رأيه وهو يتكلم عن الصناعة أنها تنقسم إلى صناعة فكر وصناعة عمل وصناعة مشتركة بين فكر وعمل، وأن أشرف الصناعات صناعة الفكر، وهذه تنقسم إلى قسمين:
أحدهم ما وقف على التدبيرات الصادرة عن نتائج الآراء الصحيحة كسياسة الناس وتدبير البلاد.
والثاني ما أدت إلى المعلومات الحادثة عن الأفكار النظرية.
ويُقّسم صناعة العمل إلى مرتبتين أيضاً: أعلاه رتبة العمل الصناعي وهو الذي يحتاج إلى معاطاة في تعلمه ومعاناة في تصوره وإلى عمل يدوي وكد كنقل الأحجار وحمل الأثقال وهو دون الأول في الرتبةxi.
وإذا تأمل العاقل فيما كتبه هذا الحبر وما وضع من منهج في كتابه "أدب الدنيا والدين" لو وضعه السامعون موضع التنفيذ لكانوا رواداً في عالم الصناعة.
ولا يفوتنا ونحن نتحدث عن العمل المشروع والكسب الحلال أن نُعرج على ما كتبه الإمام الغزالي في كتاب "الإحياء " في مباحث آداب الكسب والمعاش، فقد قسَّم الناس إلى ثلاثة أقسام: رجل شغله معاشه عن معاده فهو من الهالكين، ورجل شغله معاده عن معاشه فهو من الفائزين، والأقرب إلى الاعتدال هو الثالث الذي شغله معاشه لمعاده فهو من المقتصدين، ولن ينال رتبة الاقتصاد من لم يلازم في طلب المعيشة منهج السراء ولن ينتهض من طلب الدنيا وسيلة إلى الآخرة وذريعة ما لم يتأدب في طلبها بآداب الشريعة.(38/5)
ويذكر آداب التجارة والصناعات وضروب الاكتساب وسننها ويشرحها في خمسة أبواب كالآتي:
الباب الأول: في فضل الكسب والحث عليه.
الباب الثاني: في علم صحيح البيع والشراء والمعاملات.
الباب الثالث: في بيان العدل في المعاملة.
الباب الرابع: في بيان الإحسان فيها.
الباب الخامس: في شفقة التاجر على نفسه ودينهxii.
وتناول في الباب الثاني الكلام على جملة من الأبواب المعاملات، فقال: الباب الثاني في علم الكسب بطريق البيع والربا والسلم والإجارة والقراض والشركة وبيان شروط الشرع في صحة هذه التصرفات التي هي مدار الكسب في الشرع.
ويحث على تحصيل علم هذا الباب وانه واجب على كل مسلم مكتسب، لأن طلب العلم فريضة على كل مكتسب والمكتسب يحتاج إلى علم الكسب وأنه بتحصيله علم هذا الباب يقف على مفسدات المعاملة فيتقيها وما شدَّ عنه من فروع المشكلة فيقع على سبب إشكالها فيتوقف فيها إلى أن يسأل فإنه إذا لم يعلم أسباب الفساد بعلم إجمالي فلا يدري متى يجب عليه التوقف والسؤال، فلا بد من هذا القدر من علم التجارة ليتميز له المباح من المحظور وموضع الإشكال عن موضع الوضوح.
وخصَّ هذه العقود الستة لأن المكاسب لا تنفك عنها وهي: البيع والربا والسلم والإجارة والشركة والقراض.
وأحكامها مفصلة في كتب الفقه على المذاهب وكذلك في مكتب التفسير والأحاديث المتعلقة بالأحكام، ولهذا نتجاوزها ونخص بعض ما جاء في كتاب الإحياء لأنه غالباً لا يبحثها الفقهاء.(38/6)
فمثلاً عندما يتكلم على عقد الربا يؤكد أن الله تعالى حرَّمه وشدد الأمر فيه وينبه على وجوب الاحتراز فيه على الصيارفة المتعاملين على النقدين وعلى المتعاملين على الأطعمة، إذ لا ربا إلا في نقد أوفي طعام، وعلى الصيرفي أن يحترز من النسيئة والفضل، أما النسيئة بأن لا يبيع شيئاً من جواهر النقدين إلا يداً بيد وهو أن يجري التقابض في المجلس وهذا احتراز من النسيئة، وتسليم الصيارفة الذهب إلى دار الضرب وشراء الدنانير المضروبة حرام من حيث النساء ومن حيث إن الغالب أن يجري فيه تفاضل إذ لا يرد المضروب بمثل وزنه.
وأما الفضائل فيحترز في ثلاثة أمور: في بيع المسكر بالصحيح فلا تجوز المعاملة فيهما إلا مع المماثلة، وفي بيع الجيد بالردئ فلا ينبغي أن يشتري رديئاً بجيد دونه في الوزن، أو يبيع رديئاً بجيد فوقه في الوزن أعني إذا باع الذهب بالذهب والفضة بالفضة فإن اختلف الجنسان فلا حرج في الفضل، والثالث في المركبات من الذهب والفضة كالدنانير المخلوطة من الذهب والفضة إن كان مقدار الذهب مجهولاً لم تصح المعاملة عليها أصلاً إلا إذا كان ذلك نقداً جارياً في البلد فإنا نرخص في المعاملة عليه إذا لم يقابل بالنقد وكذا الدراهم المغشوشة بالنحاس إن لم تكن رائجة في البلد لم تصح المعاملة عليها لأن المقصود منها النقرة وهي مجهولة، وإن كان نقداً رائجاً في البلد رخصنا المعاملة لأجل الحاجةxiii.
وتحدث في الباب الثالث عن العدل واجتناب الظلم في المعاملة، وينّبه في هذا الباب على أمر جد خطير فيذكر أن المعاملة قد تجري على وجه يحكم المفتي بصحتها وانعقادها ولكن تشتمل على ظلم يتعرض به المعامل لسخط الله تعالى إذ ليس كل نهي يقتضي فساد العقد، وهذا الظلم يعني به ما استضرَّ به الغير وهو منقسم إلى ما يعمّ ضرره وإلى ما يخص المعامل.
ويذكر فيما يعمّ ضرره أنواعاً منها:(38/7)
1- الاحتكار، فبائع الطعام ينتظر به غلاء الأسعار وهو ظلم عام وصاحبه مذموم في الشرع، وذُكر عن بعض أهل العلم في قوله تعالى "ومن يرد فيه بإلحادٍ بظلم نذقه منع عذاب أليم"xiv.إن الاحتكار من الظلم وداخل تحته في الوعيد.
2- ترويج الزيف من الدراهم في أثناء النقد، فهو ظلم إذ يستضرّ به المعامل إن لم يعرف وإن عرف فسيروجه على غيره فكذلك الثالث والرابع ولا يزال يتردد في الأيدي ويعم الضرر ويتسع الفساد ويكون وزر الكل وباله راجعاً إليه فإنه هو الذي فتح هذا الباب.
وذكر أن في الزيف خمسة أمور:
الأول: أنه إذا رُدّ عليه شيء منه فينبغي أن يطرحه في بئر بحيث لا تمتد إليه اليد وإياه أن يروجه في بيع آخر، وإن أفسده بحيث لا يمكن التعامل به جاز.
الثاني: أنه يجب على التاجر تعلم النقد لا ليستقصي لنفسه ولكن لئلا يسلم إلى مسلم زيفاً وهو لا يدري فيكون آثماً بتقصيره في تعلم ذلك العلم.
الثالث: إنه إن سلم وعرف العامل أنه زيف لم يخرج عن الإثم لأنه ليس يأخذه إلا ليروجه على غيره ولا ليخبره ولو لم يعزم على ذلك لكان لا يرغب في أخذه أصلاً، فإنما يتخلص من إثم الضرر الذي يخص معاملة فقط.
الرابع: أن يأخذ الزيف ليعمل بقوله صلى الله عليه وسلم" رحم الله امرءا سهل البيع سهل الشراء سهل القضاء سهل الاقتضاء"xv، فهو داخل في بركة هذا الدعاء إن عزم على طرحه في بئر، وإن كان عازماً على روجه فهذا شر روّجه الشيطان عليه.
الخامس: وهو خاص بالنقود المزيفة.
أما ما يخص ضرره العامل فهو كل ما يستضرّ به العامل وإنما العدل أن لا يضر بأخيه المسلم، والضابط الكلي أن لا يحب لأخيه إلا ما يحب لنفسه فكل ما لو عومل به شقّ عليه وثقل على قلبه فينبغي أن لا يُعامل غيره بهxvi.
هذا وليس مقصودنا في هذا المبحث استقصاء أبواب المعاملات فإن ذلك يخرج بنا عن المقصود وقد تكفلت كتبه الفقه بيان ذلك.
المبحث الثاني
في الكسب غير المشروع
]الحرام والشبهة[(38/8)
فصَّل الإمام الغزالي الكلام على الحلال والحرام في الكتاب الرابع من ريع العائدات من كتاب "إحياء علوم الدين"، ونحن نجتزئ منه ما يتصل ببحثنا وقد أحلنا على كتب الفقه ما يتصل بطلب الحلال، أما المال الحرام فقد قال: إن المال الحرام إنما يحرم إما لمعنى في عينه أو خلل في جهة اكتسابه.
أما الحرام لصفة في عينه كالخمر والخنزير وغيرهما وتفصيله أن الأعيان المأكولة على وجه الأرض لا تعدو على ثلاثة أقسام: فإنها إما أن تكون من المعادن كالملح والطين وغيرهما أو من النبات أو من الحيوانات.
أما المعادن فهي أجزاء الأرض وجميع ما يخرج منها فلا يحرم أكله إلا من حيث أنه يضر بالآكل وفي بعضها ما يجري مجرى السم، والخبز لو كان مضرّاً لحرم أكله، وأما النبات فلا يحرم منه إلا ما يزيل العقل أو يزيل الحياة فمزيل العقل البنج والخمر وسائر المسكرات ومزيل الحياة السموم ومزيل الصحة الأدوية في غير وقتها.
وأما الحيوانات فتنقسم إلة ما يؤكل وإلى ما يؤكل وتفصيله في كتاب الأطعمة.
والقسم الثاني ما يحرم لخلل في جهة إثبات اليد عليه.
ويقول: وفيه يتسع النظر، لأن أخذ المال إما أن يكون باختيار المال أو بغير اختياره كالذي يكون بغير اختياره كالإرث، والذي يكون باختياره إما أن لا يكون من مال كالمعادن أو يكون مالك، والذي أخذ من مالك فإما أن يؤخذ قهراً أو يؤخذ تراضياً، والمأخوذ قهراً إما أن يكون لسقوط عصمة المالك كالغنائم أو لاستحقاق الأخذ كزكاة الممتنعين والنفقات الواجبة عليهم، والمأخوذ تراضياً إما أن يؤخذ كالبيع والصداق والأجرة وإما أن يؤخذ بغير عوض كالهبة والوصية فيحصل ستة أقسام.
ثم يتكلم عن درجات الحلال والحرام فيقول: الحرام كله خبيث لكن بعضه أخبث من بعض، والحلال كله طيب لكن بعضه أطيب من بعض.
إلى أن يقول: الورع عن الحرام على أربع درجات:(38/9)
الأول: ورع العدول وهو الذي يجب الفسق باقتحامه وتسقط العدالة به ويثبت اسم العصيان والتعرض للنار بسببه، وهو الورع عن كل ما تحرمه فتاوى الفقهاء.
الثاني: ورع الصالحين وهو الامتناع عما يتطرق إليه احتمال التحريم، ولكن المفتي يرخص في التناول بناء على الظاهر، فهو من مواقع الشبهة على الجملة والتحرج منه من ورع الصالحين.
الثالث: ما لا تحرمه الفتوى ولا شبهة في حله ولكن يخاف من أداؤه إلى محرم وهو ترك ما لا بأس به مخافة مما به بأس وهذا ورع المتقين.
الرابع: ما لا بأس به أصلاً ولا يخاف منه أن يؤدي إلى ما به بأس، ولكنه يتناول لغير الله وعلى غير نية التقوى به على عبادة التقوى به على عبادة الله والامتناع منه وهذا ورع الصديقين فهذه درجات الحلال جملة.
وأما الحرام الذي ذكرناه في الدرجة الأولى وهو الذي يشترط التورع عنه في العدالة وإطراح سمة الفسق فهو أيضاً على درجات في الخبث، فالمأخوذ بعقد فاسد كالمعاطاة مثلاً فيما يجوز فيه المعاطاة حرام ولكنه ليس في درجة المغصوب على سبيل القهر بل المغصوب أغلظ إذ فيه ترك طريق الشرع في الاكتساب وإيذاء الغير، وليس في المعاطاة إيذاء وإنما فيه ترك طريق التعبد فقط، ثم ترك طريق التعبد بالمعاطاة أهون من تركه الربا، وهذا التفاوت يدرك بتشديد الشرع وعيده، والمأخوذ ظلماً من فقير أو صالح أو من يتيم أخبث وأعظم من المأخوذ من قوي أو غني أو فاسق لأن درجات الإيذاء تختلف باختلاف درجات المؤذى، فهذه دقائق في تفاصيل الخبائث لا ينبغي أن يذهل عنها فلولا اختلاف درجات العصا لما اختلفت دركات النارxvii.(38/10)
ثم يضرب الأمثال للدرجات الأربع في الورع وشواهدها، فيقول: أما الدرجة الأولى وهي ورع العدول فكل ما اقتضى الفتوى تحريمه مما يدخل في المداخل الستة التي ذكرناها من مداخل الحرام لفقد شرط من الشروط فهو الحرام المطلق الذي ينسب مقتحمه إلى الفسق والمعصية وهو الذي نريده بالحرام المطلق ولا يحتاج إلى أمثلة وشواهد.
وأما الدرجة الثانية فأمثلتها كل شبهة لا توجب اجتنابها ولكن يستحب اجتنابها كما سيأتي في باب الشبهات، أما ما يجب اجتنابها فتلحق بالحرام ومنها ما يكره اجتنابها كمن يمتنع من الاصطياد خوفاً من أن يكون الصيد قد أفلت، ومنها ما يستحب اجتنابها ولا يجب وهو الذي ينزل عليه قوله صلى الله عليه وسلم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) xviiiونحمله على نهي التنزيه.
ثم يتناول مراتب الشبهات ومثاراتها وتمييزها عنا الحلال والحرام، ويستشهد بحديث النعمان ابن بشير المتفق عليه "الحلال بيِِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه"xix.
قال هذا الحديث نص في إثبات الأقسام الثلاثة والمشكل منها المتوسط الذي لا يعرفه كثير من الناس وهو الشبهة، ثم يتكلم عن الحلال المطلق ويُعرفه بأنه الذي خلا عن ذاته الصفات الموجبة للتحريم في عينه وانحل عن أسبابه ما تطرق إليه تحريم أو كراهية ويضرب له كماء المطر الذي يجمعه الإنسان مباشرة.
والحرام المحض هو ما فيه محرمة لا شك فيها كالشدّة المطربة في الخمر، والنجاسة في البول، أو حصل بسبب منهي عنه قطعاً كالمحصل من الظلم والربا ونظائره، فهذان طرفان ظاهران ويلتحق بالطرفين ما تحقق أمره ولكنه احتمل تغيره ولم يكن كذلك الاحتمال سبب يدل عليه.
ثم تكلم عن الشبهة ويُعنى بها ما اشتبه أمره بأن تعارض فيه اعتقادان صدرا عن سببين مقتضيين للاعتقادين.(38/11)
ويذكر مثارات الشبهة وهي خمسة، ونذكرها باختصار:
المثار الأول: الشك في السبب المحل والمحرم.
وذلك لا يخلو إما أن يكون متعادلاً أو غلب أحد الاحتمالين، فأن تعادل الاحتمالين كان الحكم لما عرف قبله فيستصحب ولا يترك بالشك، وإن غلب أحد الاحتمالين بأن صدر عن دلالة معتبرة كان الحكم للغالب وهو على أربعة أقسام:
الأول: أن يكون التحريم معلوماً من قبل ثم يقع الشك في المحلل، فهذه الشبهة يجب اجتنابها ويحرم الإقدام عليها.
الثاني: أن يعرف الحل ويشك في المحرم فالأصل الحل وله الحكم.
الثالث: أن يكون الأصل والتحريم ولكن طرأ ما أوجب تحليله بطن غالب فهو مشكوك فيه والغالب حله.
الرابع: أن يكون الحل معلوماً ولكن يغلب على الظن طريان محرم بسبب معتبر في غلبة الظن شرعاً فيرفع الاستصحاب ويقضي بالتحريم إذ إن الاستصحاب ضعيف ولا يبقى له حكم مع غالب الظن.
وانتهى إلى القول بأن كل ما حكمنا في هذه الأقسام الأربعة بحله فهو حلال في الدرجة الأولى والاحتياط تركه، فالمقدم عليه لا يكون من زمرة المتقين الصالحين بل من زمرة العدول الذين لا يقضى في فتوى الشرع بفسقهم وعصيانهم واستحقاقهم للعقوبة.
المثار الثاني: للشبهة شك منشئه الاختلاط.
وذلك بان يختلط الحرام بالحلال ويشتبه الأمر ولا يتميز، وتحته ثلاثة أقسام لأن الخلط لا يخلو إما أن يقع بعدد لا يحصر من الجانبين أو من أحدهما أو بعدد محصور، فإن اختلط بمحصور فلا يخلو إما أن يكون اختلاط امتزاج بحيث لا يتميز كاختلاط المائعات أو يكون اختلاط استبهام مع التميز للأعيان كاختلاط الدور والأفراس، والذي يختلط بالاستبهام فلا يخلو إما أن يكون مما يقصد عينه كالعروض أو لا يقصد كالنقود، ويأتي لكل نوع من هذه الأنواع بالأمثلة ومزيد بيان.(38/12)
المثار الثالث: للشبهة أن يتصل السبب المحلل معصية كالبيع قفي وقت النداء يوم الجمعة والبيع على بيع الغير والسوم على سومه، فكل نهي ورد في العقود ولم يدل على فساد العقد فإن الامتناع من جميع ذلك ورع وإن لم يكن المستفاد بهذه الأسباب محكوماً بتحريمه، وتسمية هذا النمط شبهة فيه تسامح لأن الشبهة في غالب الأمر تطلق لإرادة الاشتباه والجهل ولا اشتباه هاهنا بل العصيان، وتناول الحاصل من هذه الأمور مكروه والكراهة تشبه التحريم فإن أُريد بالشبهة هذا فتسمية هذا شبهة له وجود و إلا فينبغي أن يُسمى هذا كراهة لا شبهة.
وقسم الكراهة إلى ثلاث درجات:
الأولى: منها تقرب من الحرام والورع عنه مهم، والأخيرة تنتهي إلى نوع من المبالغة وبينهما أوساط نازعة إلى الطرفين.
المثار الرابع: للشبهة: الاختلاف في الأدلة، فإن ذلك كالاختلاف في السبب لأن السبب سبب لحكم الحل والحرمة والدليل سبب لمعرفة الحل والحرمة فهو سبب في حق المعرفة،وما لم يثبت في معرفة الغير فلا فائدة لثبوته في نفسه وإن جرى سببه في علم الله وهو إما أن يكون لتعارض أدلة الشرع أو لتعارض العلامات الدالة أو لتعارض التشابه.
القسم الأول: أن تتعارض أدلة الشرع، مثل تعارض عمومين من القرآن أو السنة، أو تعارض قياسين، أو تعارض قياس وعموم، وكل ذلك يورث الشك ويرجع فيه إلى الاستصحاب أو الأصل المعلوم قبله إن لم يكن ترجيح، فإن ظهر ترجيح جانب الحظر وجب الأخذ به، وإن ظهر في جانب الحل جاز الأخذ به ولكن الورع تركه واتقاء مواضع الخلاف مهم في الورع في حق المفتي والمقلد وإن كان المقلد يجوز له أن يأخذ بما أفتى له المفتي الذي يظن أنه أفضل العلماء.
القسم الثاني: تعارض العلامات الدالة على الحل والحرمة، كأن يرى عند رجل صالح مالاً منهوباً فيدل صلاحه على أنه حلال ويدل نوع المال المنهوب على أنه حرام، فيتعارض الأمران وكذلك يخبر عدل على أنه حرام وآخر على أنه حلال.(38/13)
القسم الثالث: تعارض الأشياء في الصفات التي تُناط بها الأحكامxx.
المبحث الثالث
مقارنة بين الأموال المعنية عند القائلين
بغسل الأموال وبين الأموال عند الفقهاء
هذه المقارنة ضرورية سيما على المستوى الاقتصادي والدولي والبنوك الإسلامية التي تعنيها الأمر، فقد يفرض عليها بتشريعات وقوانين بضرورة اتخاذ موقف قبل الأموال المودعة لديها في ظل الخطوات التي تمارسها الدول الآن على المستوى العالمي، وقد تفرض على متلف الدول الخضوع لها والتقيد بأحكامها.
كما حدث لنيجيريا حيث اضطرت لإصدار قانون لمكافحة غسيل الأموال وذلك قبل يوم واحد لانتهاء المهلة التي حددتها لها الدول الصناعية الكبرى لتفادي العقوبات الدولية وقد هددتها أمريكا بفرض عقوبات ما لم تُصدر نيجيريا قوانينها بحلول 15 من ديسمبر الجاري (الأنباء الكويتية عدد 9561 بتاريخ 17/12/2002م).
وهذا عرض موجز للأموال التي يطالها مفهوم غسيل الأموال والإجراءات التي تتجه الدول إلى اتخاذها أو اتخذتها بالفعل.(38/14)
أما الأموال في عرف المهتمين بقضية غسيل الأموال فهي إضافة إلى ما ذكرنا في مقدمة البحث تعني كما بحثها الدكتور حمدي عبد العظيم أستاذ الاقتصاد وعميد أكاديمية السادات للعلوم الإدارية في كتابه غسيل الأموال في مصر والعالم (الجريمة البيضاء أبعادها وآثارها كيفية مكافحتها) وتضمن الكتاب خمسة فصول، بحث في الفصل الأول العلاقة بين غسيل الأموال والاقتصاد الخفي، وفي الفصل الثاني غسيل الأموال على مستوى العالم، وفي الفصل الثالث غسيل الأموال في مصر، وفي الفصل الرابع الآثار الاقتصادية لعملية غسيل الأموال، وفي الفصل الخامس تحدث عن الجهود الدولية لمواجهة غسيل الأموال، وهو كما يظهر دراسة شاملة لغسيل الأموال مصدرها وآثارها وكيفية مكافحتها، وبينَّ في مقدمة كتابه أن تعبير غسيل الأموال أو الجريمة البيضاء يعتبر من التعبيرات التي تداولت مؤخراً في كافة المحافل المحلية والدولية المهتمة بالجرائم الاقتصادية والأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي باعتبار أن عمليات غسيل الأموال ترتبط إلى حد كبير بأنشطة غير مشروعة عادة ما تكون هاربة خارج حدود سريان القوانين المناهضة للفساد المالي ثم تحاول العودة مرة أخرى بصفة شرعية معترف بها من قبل نفس القوانين التي كانت تُجرمها داخل الحدود الإقليمية التي تسري عليها هذه القوانين.
عادة الأموال أو الدخول الناتجة عن أحد أو كل الأنشطة التالية:
أنشطة الاتجار في السلع أو الخدمات غير المشروعة وفقاً لقوانين أو تشريعات الدولة، مثل المتاجرة في المخدرات بأنواعها المختلفة وأنشطة البغاء والدعارة أو شبكات الرقيق الأبيض.
أنشطة التهريب عبر الحدود للسلع والمنتجات المستوردة دون دفع الرسوم أو الضرائب الجمركية المقررة، مثل تهريب السلع من المناطق الحرة وتهريب السجائر والسلع المعمرة والسلاح وغيرها.(38/15)
أنشطة السوق السوداء والتي يتحقق منها دخولاً طائلة للمتعاملين فيها بالمخالفة لقوانين الدولة، مثل الاتجار في العملات الأجنبية في الدول التي تفرض رقابة صارمة على التعامل في النقد الأجنبي.
وكذلك الاتجار في السلع التي تعاني البلاد من نقص المعروض منها، حيث يتجه التجار إلى رفع أسعار بيعها بشكل كبير وبالمخالفة لضوابط التسعير التي تحددها السلطات المحلية.
أنشطة الرشوة والفساد الإداري والتربح من الوظائف العامة، وذلك من خلال الحصول على دخول غير مشروعة مقابل التراخيص أو الموافقات الحكومية أو ترسي العطاءات في المعاملات المحلية والخارجية بالمخالفة لأهم نصوص اللوائح والقوانين.
الدخول الناتجة عن التهرب الضريبي من خلال التلاعب في الحسابات أو إخفاء مصدر الدخل وعدم سداد الضرائب المستحقة على النشاط إلى خزانة الدولة أو تحويل الأموال إلى خارج البلاد بإيداعها هناك في البنوك الأجنبية.
العمولات التي يحصل عليها بعض الأفراد مقابل عقد صفقات الأسلحة والسلع الرأسمالية أو الاستثمارية أو الحصول على التكنولوجيا المتقدمة أو أية صفقات تجارية كبيرة القيمة.
الدخول الناتجة عن الأنشطة السياسية غير المشروعة مثل أنشطة الجاسوسية الدولي، الدخول الناتجة عن السرقات أو الاختلاسات من الأموال العامة.
الاقتراض من البنوك المحلية بدون ضمانات كافية وتحويلها إلى الخارج وعدم سداد المستحقات للبنوك المحلية، وهروب الأشخاص المقترضين مع أموالهم خارج البلاد لفترات إلى أن تسقط عنهم الجرائم والأحكام بالتقادم.
جمع أموال المودعين وتهريبها إلى الخارج وإيداعها في البنوك الأجنبية دون وجود ضمانات كافية لأصحاب الأموال، مع قيام الأشخاص الذين يجمعون هذه الأموال إلى عقارات أو محلات تجارية أو غيرها ثم بيعها إلى ذويهم تمهيداً لعودتها إلى البلاد مرة أخرى في صورة غير مشروعة.(38/16)
الدخول الناتجة عن النصب والاحتيال المهربة إلى الخارج مثل الاحتيال على الراغبين في العمل في الخارج لقاء مبالغ مقابل الحصول على شهادات أو جوازات مزورة.
الدخول الناتجة عن الغش التجاري أو الاتجار في السلع الفاسدة أو تقليد الماركات العالمية أو المحلية ذات الجودة والشهرة الفائقة، أو تزوير الكتب والمصنفات الفنية الخ.... الدخول الناتجة عن تزييف النقد.
الدخول الناتجة عن تزوير الشيكات المصرفية وسحب المبالغ من البنوك المحلية بشيكات أو حوالات مزورة، أو من خلال تزوير الاعتمادات المستندية المعززة بموافقة البنوك.
الدخول الناتجة عن المضاربة غير المشروعة في الأوراق المالية والتي تعتمد على خداع المتعاملين في البورصات العالمية.
ثم قال: إن كافة الدخول التي تتحقق من الأنشطة السابق ذكرها تعتبر غير مسجلة في الحسابات القومية، ومن ثم يصعب الوصول إلى أرقام حقيقية عن حجمها أو مقاديرها باعتبارها أنشطة تدرج ضمن أنشطة الاقتصاد الخفي أو الاقتصاد السفلي وتمثل الجانب غير المشروعxxi.
وبينَّ المستشار عبد الفتاح مراد المقصود بعبارة غسيل الأموال في القانون رقم
80/2002 بشأن مكافحة غسل الأموال في مصر طبقاً لما نصت عليها المادة الأولى فقرة (ب) بأنها كل سلوك ينطوي على اكتساب أموال أو حيازتها أو التصرف فيها(38/17)
أو إدارتها أوحفظها أو استبدالها أو إيداعها أو ضمانها أو استثمارها أو نقلها أو تحويلها أو التلاعب في قيمتها إذا كانت متحصلة من جريمة من جرائم زراعة وتصنيع النباتات والجواهر والمواد المخدرة وجلبها وتصديرها والتجار فيها وجرائم اختطاف وسائل النقل واحتجاز الأشخاص والجرائم التي يكون الإرهاب بالتعريف الوارد في المادة (86) من قانون العقوبات، وجرائم استيراد الأسلحة والذخائر والمفرقعات والاتجار فيها وصنعها بغير ترخيص، والجرائم المنصوص عليها في الأبواب الأول والثاني والثالث والرابع والخمس عشر والسادس عشر من الكتاب الثاني من العقوبات، وجرائم سرقة الأموال أو اغتصابها، وجرائم الفجور والدعارة، والجرائم الواقعة على الآثار، والجرائم البيئية المتعلقة بالمواد والنفايات الخطيرة، والجرائم المنظمة التي يُشار إليها في الاتفاقات الدولية التي تكون مصر طرفاً فيها- سواء وقعت جريمة غسل الأموال في الداخل أو الخارج بشرط أن يكون معاقباً عليها في كلا القانونين المصري والأجنبي- متى كان القصد من هذا السلوك إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره أو مكانه أو صاحبه أ, صاحب الحق فيه أو تغيير حقيقته أ, الحيلولة دون اكتشاف ذلك أو عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل منها المالxxii.
وقد عقدت كلية الحقوق- جامعة الكويت- حلقة نقاشية يوم الأحد الموافق
10/5/1998م حول ظاهرة غسيل الأموال وأثرها على الاقتصاد الوطني، شارك فيها عدد من الأساتذة من بينهم عدد حضروا عن البنوك، كما حضر مندوب عن البنك المركزي وتناولوا كل ما يتصل بعملية غسل الأموال وكيفية تحويل الكميات الضخمة من النقد إلى إيداعات أو تحويلها إلى أدوات مالية عاملة أو إلى رؤوس أموال أخرى تدور في الاقتصاد أو أنها تمر بمراحل ثلاث هي الإحلال والتعتيم والتغطية والدمج.(38/18)
أولاً- الإحلال: ويقصد بالإحلال تقديم المال في صورة تجارة مشروعة عن طريق خلق نسيج جديد للصفقات النقدية بإيداعات نقدية بنكية أو شراء أوراق مالية.
وهناك إحلال عن طريق استخدام مؤسسات غير تقليدية مثل بيوت الصيرفة سماسرة الائتمان وتجار المعادن النفيسة والكازينوهات وأماكن اللهو بصفة عامة، كذلك من وسائل الإحلال شراء السيارات والمركب والطائرات والعقارات وهي وسيلة تقليدية لغسيل الأموال، ومفضلة لأنها تحول النقد إلى رأس مال ذي قيمة عالية يستخدم مستقبلاً من خلال عمليات إعادة البيع في عمليات أخرى.
كذلك عمليات تهريب العملة من بلد الأصل من خلال شركات البرق والبريد الجوي السريع والشركات الجوية الخاصة وعمليات شحن البضائع.
ومن أبرز إجراءات هذه المرحلة اختيار موقع التنفيذ، وهناك أسواق معروفة تقدم تسهيلات وتأمينات لهذا العملية مثل هونج كونج وبنما وجزر الكاريبي.
ثانيا- التعتيم والتغطية: وهي مرحلة تالية للمرحلة السابقة فإذا نجح التاجر في أن يضع أمواله في إطار النظام المالي الدائر ينتقل بعد ذلك إلى الخطوة الثانية وهي المعروفة بالتعتيم وهي مرحلة يتم فيها فصل الدخل عن أصله بخلق طبقات معقدة من صفقات مالية تهدف إلى إخفاء معالم مصدر المال أو إبعاده قدر الإمكان عن إمكانية تتبع الحركة الحسابية له.
ومن أمثلة التعتيم استخدام أوراق مالية من خلال مؤسسات مالية من السهل تحويلها مثل الشيكات السياحية وخطاب الضمان وأوامر الدفع وشيكات الصرف والأسهم والسندات، وهذه الوسائل تسمح للدخل أن يتحول مرة أخرى أو يودع في مؤسسة وطنية أخرى دون أن يُكشف، وإن رأس المال الذي تم الحصول عليه في المرحلة الأولى يمكن أن يُعاد بيعه أو يصدر والمقابل يأخذ صورة دفع نقدي وهو ما يجعل شخص المشتري أقل وضوحاً ورأس المال أكثر مرونة في الحركة.(38/19)
ثالثاً- الدمج: وهذه المرحلة تكفل الغطاء النهائي للمظهر الشرعي للثروة ذات المصدر غير المشروع، وبهذه العملية توضع الأموال المغسولة مرة أخرى في الاقتصاد بطريقة يبدو معها أنه تشغيل عادي لما من مصدر نظيف، ومن أمثلة إجراءات الدمج:
ا) بيع وشراء العقارات بواسطة شركة غطاء تشتري ثم تبيع.
ب) القروض الصورية أو الوهمية، وعادة يلجأ التجار إلى شراء بضائع بأسعار تضخمية والغاسل لا يهمه أن يدفع السعر التضخمي طالما أنه يحصل على بضائع أصلية مطهرة يمكن بصورة مباشرة أن يبيعها.
ج) مشاركات البنوك الأجنبية في عمليات الغسيل.
د) يعرقل مهمة الكشف نظام السرية عمل البنوك مما يحقق تسهيلات لحركة التداول.
ه) تشهد هذه المرحلة صدور أذونات أو تراخيص الاستيراد والتصدير المزيفة
أو الوهمية، وهي تتمم وثائق إيداع الدخول في النهاية في البنوكxxiii.
مقارنة وتنظير:
وإذا ما أجريت مقارنة سريعة بشأن الأموال غير النظيفة أو غير المشروعة سالفة البيان وبين الأموال التي بحثها وبينّها الإمام الغزالي في الإحياء يتبين أن كثيراً من هذه الأموال ينطبق عليها الأحكام الشرعية وأنها تدخل في مفهوم المال الحرام، وبخاصة ما كان مصدره الاتجار في المواد المحرمة كالخمر والمخدرات أو البغاء أو الرشوة أو الاختلاس وتزييف النقد والتزوير والتدليس والغش بكافة أنواعه، وأنها لا شبهة في حرمتها وأنها مال خبيث تركها من ورع العدول وأنه لو أخذه كان فاسقاً باقتحامه وتسقط عدالته ويثبت له اسم العصيان والتعرض للنار.
ويُدخل ابن حجر الهيثمي أكل المال بالبيوعات الفاسدة وسائر وجوه الأكساب المحرمة في عداد الكبائر، ويستشهد بقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل(xxiv.
قال: اختلفوا في المراد به، فقيل الربا والقمار والغصب والسرقة والخيانة وشهادة الزور وأخذ المال بالثيمين الكاذبة.(38/20)
ونقل عن ابن عباس: هو ما يُؤخذ عن الإنسان بغير عوض، وعليه قيل: لما نزلت الآية تحرجوا من أن يأكلوا عند أحد شيئاً حتى نزلت آية النور (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم(xxv إلى آخرها، وقيل: هو العقود الفاسدة.
قال: والجه قول ابن مسعود أنها محكمة ما نسخت ولا تنسخ إلى يوم القيامة، وذلك لأن الأكل بالباطل يشمل كل مأخوذ بغير حق سواءً كان على جهة الظلم كالغصب والخيانة والسرقة أو الهزؤ واللعب كالمأخوذ بالقمار والملاهي أو على وجه المكر والخديعة كالمأخوذة بعقد فاسد.
قال: وقوله تعالى (إلا أن تكون تجارة( استثناء منقطع لأن التجارة ليس من جنس الباطل بأي معنى أُريد به. والتجارة وإن اختصت بعقود المعاوضات إلا أن نحو القرض والهبة ملحق بها بأدلة أخرى، وقوله تعالى (عن تراضٍ منكم( أي طيب نفس على الوجه المشروع، وتخصيص الأكل فيها بالذكر ليس للتقييد به بل لكونه أغلب وجوه الانتفاعات.
قال: عدّ هذا كبيرة هو صريح ما في الأحاديث وهو ظاهر لأنه من أكل أموال الناس بالباطل.
ونقل عن علماء قولهم: ويدخل في هذا الباب المكاس والخائن والسارق وآكل الربا وموله وآكل مال اليتيم وشاهد الزور ومن استعار شيئاً فجحده وآكل الرشوة ومنتقص الكيل والوزن ومن باع شيئاً فيه عيب فغطَّاه والمقامر والساحر والمنجم والمصور والزانية والنائحة والدلال إذا أخذ أجرته بغير إذن البائع ومخبر المشتري بالزائد ومن باع حراً فأكل ثمنه.
قال: وهذه يؤيد ما قدمته في تفسير الآية من أن الباطل فيها يعم هذه الأشياء كلها وما في معناها من كل شيء أُخذ بغير وجهه الشرعيxxvi.(38/21)
وأدخل في الكبائر الاحتكار وبيع العنب والزبيب ونحوهما ممن علم أنه يعصره خمرا، ولأمة ممن يحملها على البغاء، والخشب ونحوه ممن يتخذه آلة لهو، والسلاح للحربيين ليستعينوا به على قتالنا، والخمر ممن يعلم أنه يشربها، ونحو الحشيشة ممن يعلم أنه يستعملها، قال: وعدّ هذه السبع من الكبائر، لم أره ولكنه غير بعيد لعظم ضررها مع قاعدة أن للوسائل حكم المقاصد، والمقاصد في هذه كلها كبائر فلتكن وسائلها كذلك.
قال: والظن في ذلك كالعلم ولكن بالنسبة للتحريم، وأما الكبيرة فيتردد النظر فيه، وكذلك يتردد النظر فيما لو باع السلاح لبغاة ليستعينوا به على قتالنا، وفي ذلك بيع الديك لمن يُهارش به والثور لمن يناطح به، فهذه كلها يتردد النظر في كونها كبائر وبعضها أقرب إلى الكبيرة من بعض.
وعدّ من الكبائر أيضاً النجش والبيع والشراء على شرائه والغش في البيع وغيره كالتصرية.
وأجاب وقد سُئل عن اعتياد بعض التجار يشتري الفلفل في ظرف خفيف جداً كالخصف ثم يجعله في ظرف ثقيل نحو خمسة أضعاف الخصف ثم يباع ذلك الظرف وما فيه ويوزن جملة الكل ويكون الثمن مقابلاً للظرف والمظروف، فهل هذا الفعل جائز أو غش محرم يعزز فاعله بما يراه الإمام من ضرب وصفع وطواف به في الأسواق وحبس وأخذ مال إن كان ذلك مذهب الحاكم ذلك؟ وهل البيع صحيح أو باطل، وإن كان باطلاً فهل هو من أكل أموال الناس بالباطل أو لا؟ وهل يجب على ولي الأمر أن يزجر التجار ويمنعهم من ذلك ويعزز من فعل ذلك منهم؟(38/22)
وقد تضمن السؤال كثيراً من وجوه الغش والتدليس الذي اعتاده التجار إلى أن قال: ولو فتشت الصناعات والحرف والتجارات والبيوعات والعطارات والصياغات والمصارف وغيرها لوجدت عندهم من صور الغش والتدليس والخيانة والمكر والتحايل بالحيل الكاذبة ما تنفر عنه الطباع وتمجه الأسماع، لأننا نجدهم في معاملاتهم كرجلين معهما سيفان متقابلان فمتى قدر أحدهما على الآخر قتله لوقته، كذلك التجار والمتبايعون الآن.
قال: هذا حاصل السؤال وحاصل الجواب أن مسألة بيع الظرف مع ما فيه فاتفق الشافعية على أنه من جهل وزن الظرف على انفراده، فبيع مع مفروقه كل رطل من الجملة بكذا كان البيع باطلاً أنه حينئذ من حيز الغرر، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، وكذا لو جهل وزن المظروف وحده أو لم يكن للظرف قيمة لاشتراط العقد على بذل مال في مقابلة ما ليس بمال، إلى أن قال: هذا حاصل ما يتعلق بالمسألة الأولى أعني بيع الظرف والمظروف بثمن واحد، وأما ما ذكره السائل في صور الغش الكثيرة من تلك الأمور العجيبة التي لا يُحكى نظيرها عن الكفار فضلاً عن المؤمنين فذلك أعني ما حكى من صور ذلك الغش التي يفعلها التجار والعطارون والبزازون والصواغون والصيارفة والحياكون وسائر أرباب البضائع والمتاجر والحرف والصنائع كلها حرام شديد التحريم موجب لصاحبه أنه فاسق غشاش خائن يأكل أموال الناس بالباطل ويُخادع الله ورسوله وما يخدع إلا نفسه لأن عقاب ذلك ليس إلا عليه.
والجواب طويل استغرق ثلاث صفحات وفيه من الوعيد وإحباط العمل واستحقاق العذاب ما فيه إلى أن قال في آخر الجواب: وإنما بسطنا الكلام عليه رجاء أن يسمعه من في قلبه إيمان ومن يخشى عقاب الله وسطوته ومن له دين ومروءة ومن يخشى على ذريته بعد موته فيتقي الله ويرجع عن سائر صور الغش المذكور في هذا السؤال وغيرهاxxvii.(38/23)
وقال القرطبي في قوله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون(xxviii.
الخطاب بهذه الآية يتضمن جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى:
لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق فيدخل في هذا القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق وما لا تطيب به نفس مالكه أو حرّمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه كمهر البغي وحُلوان الكاهن وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلكxxix.
قال: من أخذ مال غيره لا على وجه أذن الشرع فقد أكله بالباطل، ومن الأكل بالباطل أن يقضي القاضي لك وأنت تعلم أنك مبطل فالحرام لا يصير حلالاً بقضاء القاضي أنه إنما يقضي بالظاهر وهذا إجماع في الأموالxxx.
هذا عرض سريع لوجوه التشابه في الأموال غير المشروعة في الشريعة الإسلامية، وما تضمنته التشريعات الحديثة في ما يُطلق عليه غسيل الأموال أو الاقتصاد الخفي، وسيأتي في المبحث التالي ما ينبغي اتخاذه في شأن هذه الأموال في الشريعة والنظم المعاصرة.
( ( (
المبحث الرابع
في طرق مواجهة الكسب غير المشروع (غسيل الموال)
في شريعة الإسلام والنظم المعاصرة
اتخذ أسلوب مواجهة طرق الكسب غير المشروع (أو غسيل الموال) في الفقه الإسلامي عدّة مظاهر أساسية كفيلة للقضاء عليها، وهي:(38/24)
المظهر الأول: المظهر التربوي والأخلاقي، فالإسلام ربّى في نفوس معتنقيه أدب الالتزام بتعاليمه والرقابة التي يشعر المسلم من خلالها أن الله مُطّلع عليه لا تخفى عليه خافية ولا يغفل عنه طرفة عين مما يستلزم الخشية منه تعالى والخوف من عقابه، فيعصمه ذلك عن مخالفة شرعه والتزام أوامره، ولكن ليس كل المكلفين على حال واحدة من فعل الطاعة وترك لمعصية بل الناس في ذلك أصناف، فمنهم من يستجيب إلى فعل الطاعة ويكف عن ارتكاب المعاصي وهذا أكمل أحوال الدين وأفضل صفات المتدينين، ومنهم من يمتنع عن فعل الطاعات ويقدم على ارتكاب المعاصي والمخالفات، و منهم من يمتنع عن فعل الطاعات ويكف عن ارتكاب المعاصي.
فإلى مثل هؤلاء شرع الإسلام الرقابة الثانية وهي الرقابة الخارجية وهي المظهر الثاني من مظاهر المواجهة، وتشمل جميع المخالفات سواء ما كان منها متعلقاً بالكسب أو غيره ولكن مواجهة الكسب غير المشروع اتخذ في الإسلام مظهراً أكر وضوحاً وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد شاع استعمال السبة في هذا الجانب، والحسبة هي الأمر بالمعروف إذا طهر تركه والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله، قال الإمام الماوردي "ثم أكدَّ الله زواجره بإنكار المنكرين بها فأوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليكون الأمر بالمعروف تأكيداً لأوامره والنهي عن المنكر تأييداً لزواجره، لأن النفوس الأشرة قد ألهتها عن إتباع الأوامر وأذهلتها الشهوات عن تذكار الزواجر فكان إنكار المجالس أزجر لها وتوبيخ المخالطين أبلغ فيهاxxxi.(38/25)
واتخذت الحسبة مظهر الولاية والجهاز الإداري الفعَّال في الدولة نيطت بها مراقبة الأسواق والأخذ على أيدي المتلاعبين فيه بعقوبات صارمة، وقد تكفلت الكتب التي وضعت في الحسبة قديماً وحديثاً ببيان هذه العقوبات، ويلخص ابن تيمية وظائف المحتسب بقوله: ويأمر المحتسب بالجمعة والجماعات ويصدق الحديث وأداء الأمانات وينهى عن المنكرات من الكذب والخيانة وما يدخل في ذلك من تطفيف المكيال والميزان والغش في الصناعات والبيعات ونحو ذلك.
ثم يأخذ في تعداد بعض الأمور مثل قوله: والغش يدخل في البيوع بكتمان العيوب وتدليس السلع، ويدخل في الصناعات مثل الذين يصنعون المطعومات أو يصنعون الملبوسات أو يصنعون غير ذلك من الصناعات فيجب نهيهم عن الغش والخيانة والكتمان، ومن هؤلاء الكيماوية الذين يغشون النقود والجواهر والطر وغير ذلكxxxii.
وعل كلً فإن كتب الحسبة مثل معالم القربة لابن الأخوة، ونهاية الرتبة
في طلب الحسبة للشيزري وابن بسام وغيرهم بينّت اختصاصات المحتسب، ولنا رسالة في ولاية الحسبة استوعبنا فيها جميع مسائلها.
ومتن العقوبات التي لولي الحسبة إيقاعها العقوبات المالية، وقد وردت آثار بذلك في بعض الجرائم التعزيرية، فمنها:
ما رواه ابن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"في كل أربعين من الإبل السائمة لبون من أعطاها مؤتجر أقله أجرها ومن منعها فانا آخذها وشطرها ماله عزمة من عزمات ربنا ليس لآل محمد فيها شيء"xxxiii.
ورُوي أن عمر رضي الله عنه أراق لبناً مغشوشاً.
وأن علياً رضي الله عنه أحرق طعاماً محتكراً بالنار،.وبهذا أخذ أبو يوسف والإمام مالك والإمام أحمد.
وقال الغزالي: إن للوالي أن يفعل ذلك إذا رأى المصلحة فيهxxxiv، وقال: إذا رأى الوالي باجتهاده مثل تلك الحاجة جاز له مثل ذلك، فإن كان هذا منوطاً بنوع اجتهاد دقيق لم يكن ذلك لآحاد الرعية.(38/26)
وقد أخذ به الإمام الشافعي في القديم وأوجب على من وطئ زوجته الحائض إقبال الدم دينارًا وفي إدباره نصف دينارxxxv.
وذهب فريق آخر إلى القول بعدم الجواز وادّعى نسخ العقوبة المالية.
وقد ردَّ ابن القيم قول هؤلاء، وقال: من قال إن العقوبات المالية منسوخة وأطلق ذلك فقد غلط على مذاهب الأئمة نقلاً واستدلالاً، فأكثر هذه المسائل شائع في مذهب أحمد وغيره وكثير منها سائغ عند مالك، إلى أن قال: والمدعون للنسخ ليس معهم كتاب ولا سنة ولا إجماع يصحح دعواهمxxxvi.
وذكر أبو عبد الله التلمساني في كتابه" تحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغيير المناكر" صوراً من العقوبات المالية بعد أن سرد أقوال العلماء، قال: قلت فتحصل من جميع ما تقدم من الخلاف في حكم من اطّلع على غشه فيما عرضه للبيع في أسواق المسلمين إن في إخراج الغاش من السوق غير المعتاد فيه قولان، وإذا أخرج فهل يُضاف إلى ذلك عقوبة في البدن قولان، وهل يتصدق بما غش به وإن كثر أو يباع ما لا يتصدق بعينه ويتصدق بثمنه أو يبقى ذلك كله له أو يتصدق بالقليل دون الكثير
أو يتحرى ما يكون أخذ عوض الغش فيه ممن جهلت عينه فيتصدق بذلك القدر أربعة أقوالxxxvii.
المظهر الثالث: مقاطعة من يكون كسبه مالاً حراماً وعدم التعامل معه، ولهذا يتفق الفقهاء على أن مستغرق الذمة الذي كل ماله حرام فهذا تُمنع معاملته ومداينته بل يُمنع من التصرف المالي.
يقول الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير: إن من أكثر ماله حلال وأقله حرام المعتمد جواز معاملته والأكل من ماله كما قال ابن القاسم خلافاً لأصبغ القائل بحرمة ذلك، وأما من أكثر ماله حرام والقليل منه حلال فمذهب ابن القاسم كراهة معاملته ومداينته والأكل من ماله خلافاً فالأصبغ المحرم لذلكxxxviii.(38/27)
وقال العز بن عبد السلام معاملة من أقرّ بأن أكثر ما في يده حرام، قلنا: إن غلب عليه بحيث يقدر الخلاص منه لم تجز معاملته مثل أن يقرّ إنسان أن في يده ألف دينار كلها حرام إلا ديناراً واحداً فهذا لا يجوز معاملته لندرة الوقوع في الحلال، وإن غلب الحلال بأن اختلط درهم حرام بألف درهم حلال جازت المعاملة لندرة الوقوع في الحرام، وبين هاتين الرتبتين من قلة الحرام وكثرته مراتب محرمة ومكروهة ومباحة، وضابطها أن الكراهة تشتهر بكثرة الحرام وتخف بكثرة الحلالxxxix.
المظهر الرابع: التوبة، وهي مظهر من مظاهر التخلص من التبعات سيما عن المال الحرام، قال القرطبي في قوله تعال "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة"(الآية)xl، السوء في هذه الآية والأنعام (أنه من عمل منكم سوءا بجهالة(xli يعم الكفر والمعاصي، فكل من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته.
قال قتادة: أجمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أن كل معصية فهي بجهالة عمداً كانت أو جهلاً. وقاله ابن عباس وقتادة والضحاك ومجاهد والسدى.
وقال عكرمة: أمور الدنيا كلها جهالة يريد بها الخارجة عن طاعة الله.
وقال الزجاج: يعني قوله "بجهالة" اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقيةxlii.
وقال: إن التوبة من مظالم العباد لا تصح إلا برده إلى صاحبه والخروج عنه عيناً أو غيره إن كان قادراً عليه، وإن لم يكن قادراً فالعزم أن يؤديه إذا قدر في أعجل وقت وأسرعه، وإن كان أضر بواحد من المسلمين وذلك الواحد لا يشعر به أو لا يدري من أين أتى فإنه يزيل ذلك الضرر عنه ثم يسأله أن يعفو عنه ويستغفر له فإذا عفا عنه فقد سقط الذنب عنهxliii.(38/28)
وذكر عن أهل العلم أن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام إن كانت من ربا فليردها على من أربى عليه، فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك، وإن أخذه بظلم فليفعل كذلك في أمر من ظلمه، فإن التبس عليه الأمر ولم يدرك كم من الحلال مما بيده فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب عليه ردّه حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص فيرده من ذلك الذي أزال عن يده إلى من عرف من ظلمه أو أربى عليه، فإن أيس من وجوده تصدّق به عنه، فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه واجب عليه من ذلك ما لا يطيق أداءه لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيده أجمع إلى المساكين، وإما إلى ما فيه صلاح المسلمين حتى لا يبقى في يده إلا أقل ما يجزئه في الصلاة من اللباس وهو ما يستر العورة وهو من سرته إلى ركبته وقوت يومه لأنه الذي يجب له أن يأخذه من مال غيره إذا اضطر إليهxliv.
ويقول الإمام الغزالي في كيفية خروج التائب عن المظالم المالية أن من تاب وفي يده مختلط فعليه وظيفة في تمييز الحرام أو إخراجه ووظيفة أخرى في مصرف المخرج فلينظر فيهما.
وان كل من تاب وفي يده ما هو حرام معلوم العين من غصب أو وديعة أو غيره فأمر سهل فعليه تمييز الحرام، وإن كان ملتبساً مختلطاً فلا يخلو إما أن يكون في مال هو من ذوات المثال كالحبوب والنقود والأدهان، وإما أن يكون في أعيان متمايزة كالدور والثياب، فإن كان من المتماثلات أو كان شائعاً في كله كمن اكتسب المال بتجارة يعلم أنه قد كذب في بعضها في المرابحة وصدق في بعضها أو من غصب دهناً وخلطه بدهن نفسه أو فعل ذلك في الحبوب أو الدراهم أو الدنانير، فلا يخلو ذلك إما أن يكون معلوم القدر أو مجهولاً، فإن كان معلوم القدر مثل أن يعلم أن قدر النصف من جملة ماله حرام فعليه تمييز النصف، وإن أشكل فله طريقان أحدهما الأخذ باليقين والآخر الأخذ بغالب الظن، وكلاهما قد قال به العلماءxlv.(38/29)
أما عن المصرف فقال: إذا أخرج الحرام فله ثلاثة أحوال: إما أن يكون له مالك معين، فيجب الصدق إليه أو إلى وارثه، وإن كان غائباً فلينتظر حضوره أو الإيصال إليه، وإن كانت له زيادة ومنفعة فلتجمع فوائده إلى وقت حضوره.وغما أن يكون المالك غير معين وقع اليأس من الوقوف على عينه ولا يدري أنه مات عن وارث أم لا، فهذا لا يمكن الرد فيه للمالك ويوقف حتى يتضح الأمر فيه وربما لا يمكن الرد لكثرة الملاك، كغلول الغنيمة فإنها بعد تفرق الغزاة لا يقدر على جمعهم، وإما من مال الفئ والأموال المرصدة لمصالح المسلمين كافة فيصرف ذلك إلى القناطر والمساجد والرباطات ومصانع طريق مكة وأمثال هذه الأمور التي يشترك في الانتفاع بها كل من يمر بها من المسلمين ليكون عاماً للمسلمين.
وحكم القسم الأول لا شبهة فيه، أما التصدق وبناء القناطير فينبغي أن يتولاه القاضي فيسلم إليه المال إن وجد قاضياً متديناًxlvi.
هذه أربعة طرق لمواجهة الكسب غير المشروع أو غسيل المال كما هو التعبير المصطلح عليه أو الاقتصاد الخفي في الشريعة الإسلامية.
ومعلوم أن الطريق الأول والثالث هما وازع ديني يرجع إلى الشخص ذاته، وأما الطريق الرابع فهو رقابة أساسه المجتمع كله، وأما الطريق الثاني فهو الذي يرجع إلى ولي الأمر والسلطات المعنية بوضع تشريعات ملائمة لمواجهة هذه الظاهرة والتغلب عليها، ولهذا نصّ الفقهاء على أن للإمام أن يأمر محتسباً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لأن كلمته أنفذ حتى أنه إذا أمر بسنة صار واجباً كما إذا أمر بصلاة العيد، وإن قلنا أنها سنة فتكون واجبة إذا أمرxlvii بإقامتهاxlviii، وهكذا في كل أمر جائز إذا أمر به ولي الأمر صار واجباً.(38/30)
وقد اهتمت الدول والمنظمات العالمية في قضية غسيل الأموال اهتماماً بالغاً، وجاء في الندوة التي نظمها مركز الخليج للدارسات الاستراتيجية في موسمه الثقافي والفكري في 30 أكتوبر 2000م "احتل قضية غسيل الأموال أهمية كبيرة على الساحة الاقتصادية العالمية خلال الفترة الأخيرة إدراكاً من المجتمع الدولي لآثارها السلبية على الاستقرار الاقتصادي وخاصة على مناخ الاستثمار المحلي والدولي، ولذلك تزايد الاهتمام بها وبسبل مواجهتها من قبل العديد من الدول والمنظمات الدولية والمراكز العالمية الكبرى، حيث تهدد هذه الظاهرة الاقتصاد العالمي وخاصة العالم النامي ومن بينها الاقتصاديات العربية، وقد تناول عدد من المدعوين قضية غسيل الأموال من حيث انعكاساتها المنية والاقتصادية وطرق التصدي لها وأرجع بعضهم استفحال مشكلة غسيل الأموال في السنوات الأخيرة على عدد من العوامل هي:
1- بروز ظاهرة العولمة والتي تمثل مناخاً خصباً لعمليات غسيل الأموال.
2- غياب الشفافية في معظم التعاملات التجارية الدولية.
3- اتساع نطاق الدول التي يتم فيها غسيل الأموال أو المرشحة لتكون سوقاً رائجة لذلك في المستقبل.
4- زيادة حجم الاقتصاد الحقي والموازي في هذه البلدان عن نصف الناتج القومي.
5- السياسات التي تتخذها بعض الدول في سبيل تشجيع الاستثمار أو الحصول على الضرائب.
6- استخدام الوسائل التكنولوجية في عمليات غسيل الأموال.
أما المظاهر الناجمة عن عمليات غسيل الأموال فأرجعوها إلى:
ا) تغلغل الجريمة المنظمة بشكل واسع وسريع في الأعمال التجارية.
ب) صعوبة كشف وتتبع الأموال المغسولة نتيجة التطور التكنولوجي وانتشار المعلوماتية.
أما عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية الضارة فقالوا أهمها:
1- الإضرار بسعر صرف العملة الوطنية وإضعاف قوتها الشرائية.
2- السيطرة على السوق المحلي في يد فئة قليلة من أصحاب المشروعات الوهمية.(38/31)
3- التأثير سلباً على ميزان المدفوعات والميزان التجاري في الدولة.
4- التأثير سلباً على الدخل القومي.
5- انتشار البطالة.
6- التفاوت الاجتماعي بين الطبقات ومن ثم الصراع الطبقي في المجتمع.
وخلص الباحثون على ضرورة اتخاذ الدول العربية الإجراءات الكفيلة بالوقوف في وجه هذا التخل من جانب المنظمات الغربية من خلال العمل على سدّ الثغرات الموجودة في التشريعات القائمة والمنظمة لحركة الاستثمار، بالإضافة إلى أخذ تقارير المنظمات الدولية مأخذ الجد واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالرد عليها ومحاولة الوجود الفعلي في هذا المنظمات لعرض وجهات النظر العربية وإظهار خصوصية الاقتصاديات العربية وطبيعة الحوافز الاستثمارية الممنوحة وحدودها.
ويقول الباحث الدكتور حمدي عبد العظيم فيما انتهى إليه في دراسته بالتوصية باتخاذ مجموعة من الإجراءات الضرورية لمكافحة غسيل الأموال في الدول العربية بصفة عامة ودول الخليج بصفة خاصة وهي:
1- أن يحذو مجلس التعاون الخليجي حذو منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في دراسة بعض المعايير التي يمكن تطبيقها للتعرف على أنشطة غسيل الأموال من خلال المؤسسات المالية أو المصرفية الخليجية.
2- تطبيق التوصيات التي وضعتها المنظمة فيما يختص بالتعامل مع الدول التي تعتبر ضمن أماكن التهرب الضريبي.
3- تطبيق التوصيات الواردة في اتفاقيات الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات خاصة فيما يتعلق بمكافحة غسيل الموال تمهيداً لإصدار قوانين وطنية تحرم هذه العملية.
4- تعاون الانتربول في الدول العربية مع الانتربول الدولي في مجال تسليم المجرمين ومصادرة الأموال غير المشروعة.
هذا ما تيسر لنا جمعه في هذا الموضوع الجديد القديم من ثمرة جهود علمائنا الأقدمين والمعاصرين جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
الهوامش(38/32)
(1) هي الولايات المتحدة الأمريكية- بريطانيا- اليابان- ألمانيا- إيطاليا- فرنسا- كندا ثم انضمت إليها روسيا فصارت تعرف بمجموعة الثمان.
(2) سورة البقرة آية (267).
(3) سورة الشورى آية (30).
(4) سورة المائدة آية (38).
(5) سورة المزمل آية (20) وجاء في كنز العمال ج4/123 هذا الأثر بصيغة أخرى قال: عن عمر قال: ما جاءني أجلي في مكان ما عدا الجهاد في سبيل الله أحب إلي من أن يأتيني وأن بين شعبتي رحلي أطلب من فضل الله وتلا (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله(
] كتاب البيوع باب في الكسب[.
(6) انظر الإصابة في تمييز الصحابة ج3/86 (رقم 3207ز) قال: روى الخطيب في المتفق بإسناد واه وأبو موسى في الذيل بإسناد مجهول عن الحسن عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من تبوك استقبله سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: ما هذا الذي أراك بيدك؟ قال: من أثر المر والمسحاة أضرب وأنفق على عيالي، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال: هذه يد لا تمسها النار.
(7) المبسوط ج30/244 وما بعدها لإلى آخر الكتاب.
(8) سورة الأنبياء آية (8).
(9) سورة النجم آية (48).
(10) كتاب أدب الدنيا والدين، ينظر الباب الرابع في أدب الدنيا.
(11) المصدر السابق.
(12) إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، كتاب آداب الكسب والمعاش.
(13) إحياء علوم الدين ج2/70.
(14) سورة الحج آية (25).
(15) رواه البخاري من حديث جابر كتاب البيوع، باب السهولة والسماحة في الشراء والبع، النظر الفتح ج5/210.
(16)الإحياء ج2/74- 76.
(17) الإحياء ج2/94، 95.
(18) قال: قال زين الدين العراقي في تخريج أحاديث الإحياء رواه النسائي والترمذي والحاكم وصححاه من حديث الحسن بن علي. وانظر كشف الخفاء ومزيل الألباس، قال: رواه أبو داود والطيالس وأحمد وأبو يعلى في مسانيدهم والدارمي والترمذي وآخرون عن الحسن بن علي رقم عنده (1307) حرف الدال ج1/489.(38/33)
(19) الحديث: قال في تيسي الوصول ج4/166- أخرجه الخمسة من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(20) الإحياء ج2/99- 117.
(21) كتاب غسيل الأموال في مصر والعالم ص 5،7.
(22) الأهرام عدد رقم 42375، الجمعة 9 شوال 1423هـ- 13 ديسمبر 2002م.
(23) مجلة الحقوق، السنة الثانية والعشرون، العدد الثالث، جمادى الآخرة 1419هـ- سبتمبر 1998م.
(24) سورة النساء آية (29).
(25) سورة النور آية (61).
(26) الزواجر عن اقتراف الكبائر ج1/230- 232.
(27) الزواجر عن اقتراف الكبائر ج1/238- 243.
(28) سورة البقرة آية (181).
(29) تفسير القرطبي ج2/ 338.
(30) المصدر السابق.
(31) أدب الدنيا والدين، ص110، طبعة الحلبي الرابعة، وانظر كتابه الأحكام السلطانية الباب الذي عقده في الحسبة.
(32) كتاب الحسبة، ص11- 12.
…رواه الإمام أحمد في المسند ج5/2، وأبو داود في كتاب الزكاة ج1/ 363، والنسائي في كتاب الزكاة، باب عقوبة (33) الزكاة ج5/ 15-17.
(34) إحياء علوم الدين ج2/424.
(35) إحياء علوم الدين ج2/423
(36) الطرق الحكمية ص 67- أعلا الموقعين ج2/220- المغني ج2/78،80- تبصرة الحكام ج2/261- نهاية المحتاج ج8/20- معين الأحكام ص190.
(37) تحفة الناظر ص 121، وانظر لنا ولاية الحسبة ص 552.
(38) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج3/ 277.
(39) قواعد الأحكام في مصالح الأنام ج1/ 84، 85.
(40) سورة النساء آية (17).
(41) سورة الأنعام آية (54).
(42) تفسير القرطبي ج5/92.
(43) تفسير القرطبي ج18/200.
(44) تفسير القرطبي ج3/366، 367.
(45) إحياء علوم الدين ج2/ 162، 163.
(46)إحياء علوم الدين ج2/ 161، ويراجع أيضاً الموسوعة الفقهية ج38/ 144 مصطلح مظالم.
(47) يراجع كتابنا أضواء على القضاء في الفقه الإسلامي ص121.
(48) الزواجر ج2/ 168.
المراجع:
1- أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية (أبو العباس)- الحسبة، تحقيق عبد العزيز رباح- مكتبة دار البيان 1387هـ- 1967م.(38/34)
2- أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (أبو الفضل) شهاب الدين، فتح الباري شرح صحيح البخاري ط الحلبي 1378هـ- 1955م.
3- إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي، كشف الخفاء ومزيل الألباس عما اشتهر في الأحاديث على ألسنة الناس، تصحيح وتعليق أحمد القلاس، نشر مكتبة التراث الإسلامي- حلب.
4- برهان الدين بن علي بن فرحون، تبصرة الحكام بهامش فتح العلي المالك العليش، الطبعة الأخيرة 1378هـ- 1958م- مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.
5- حمدي عبد العظيم، غسيل الأموال في مصر والعالم، الطبعة الأولى 1417هـ- 1997م.
6- عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الديبع الشيباني، تيسير الوصول إلى جامع الأصول من حديث الرسول، دار الثقافة- لبنان.
7- عبد الرحمن بن نصر الشيزري، نهاية الرتبة في طلب الحسبة، تحقيق الدكتور السيد الباز العريني، دار الثقافة- لبنان.
8- عبد العزيز عبد السلام السلمي (أبي محمد عز الدين)، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، تحقيق طه عبد الرؤف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية.
9- عبد الله محمد عبد الله:
- أضواء على القضاء في الفقه الإسلامي.
- ولاية الحسبة في الإسلام، الطبعة الأولى- مكتبة الزهراء 1417هـ- 1996م- مصر.
10- عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، المغني، مطبعة نشر الثقافة الإسلامية- تصحيح الدكتور محمد خليل هراس.
11- علي بن محمد بن حبيب الماوردي:
- الحكام السلطانية، طبعة دار الكتب العلمية 1398هـ- 1987م.
- أدب الدنيا والدين، الطبعة الرابعة 1393هـ- 1973م، طبعة الحلبي- تحقيق مصطفى السقا.
12- علاء الدين أبي الحسن بن علي بن خليل الطرابلسي، معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام، الطبعة الأولى، المطبعة الميرية ببولاق 1300هـ- مصر.
13- علاء الدين بن حسام الدين الهندي، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، طبعة بيروت 1399هـ- 1979م.(38/35)
14- محمد بن أبي بكر (أبو عبد الله) شمس الدين المعروف بابن القيم الجوزية، أعلام الموقعين عن رب العالمين، الطبعة الأولى 1374هـ- 1955م- مطبعة السعادة بمصر.
15- محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (أبو عبد الله ) تفسير القرطبي المسمى الجامع لأحكام القرآن، طبعة دار الكتب المكصرية 1372هـ- 1952م.
16- محمد بن لأحمد بن بسام المصري، نهاية الرتبة في طلب الحسبة، تحقيق حسام الدين السامرائي، مطبعة المعارف 1968م- بغداد.
17- محمد بن أحمد بن قاسم بن سعيد (أبو عبد الله العقباني)، تحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغيير المناكر.
18- محمد بن أحمد القرشي المعروف بابن الأخوة، معالم القربة في أحكام الحسبة، مطبعة دار الفنون بكيمبردج 1973هـ- تصحيح ونقل روبن ليوي.
19- محمد بن عثمان الذهبي (شمس الدين)، الكبائر، طبعة دار الكتاب- جمهورية مصر العربية.
20- محمد عرفة الدسوقي (شمس الدين)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، طبعة عيسى الحلبي- دار إجلاء الكتب المصرية.
21- محمد المبارك، الدولة ونظام الحسبة عند لابن تيمية، طبعة أولى 1387هـ- 1967م.
22- محمد بن محمد الغزالي (أبو حامد)، إحياء علوم الدين، طبعة الحلبي 1387هـ- 1937م.
23- محمد بن مفلح الحنبلي ( أبو عبد الله) شمس الدين، الآداب الشرعية والمنح المرعية.
24- الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- الكويت.
الدوريات:
1- الأنباء الكويتية، عدد رقم 9561بتاريخ17/12/2002م.
2- الأهرام، عدد رقم 573249 من شوال 1423هـ الموافق 13 من ديسمبر 2002م.
3- السياسة الدولية، السنة السابعة والثلاثون، العدد (143) يناير 2001م.
4- مجلة الحقوق، السنة الثانية والعشرون، العدد الثالث،جمادى الآخرة 1419هـ- سبتمبر 1998م.
??
??
18 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
غسيل الأموال وبيان حكمه في الفقه الإسلامي 19(38/36)
قياس أثر المستوى العام للأسعار والأرصدة الحقيقية على
سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي :
في ضوء المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي
د. أحمد أبوالفتوح علي الناقة
أستاذ الاقتصاد- كلية الشريعة
جامعة أم القرى
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
أنصب التحليل في هذه الدراسة علي تحليل أثر المستوي العام للأسعار والأرصدة النقدية الحقيقية على سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي، في إطار المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي ، وذلك باستخدام نموذج التعديل الجزئي ونموذج الفجوات الموزعة ذات الحدود. ولقد اقتصرت الدراسة من حيث المتغيرات أو التحليل علي ما يعتبر مقبولا من وجهة نظر الاقتصاد الإسلامي، وفيما يلي أهم نتائج التحليل التي انتهت إليها الدراسة:
أولا: نتائج خاصة بأثر المستوي العام للأسعار علي سعر الصرف:
أن المستوي العام للأسعار هو المتغير الأساسي الذي يفسر ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري. ويتغير سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري في نفس اتجاه تغير المستوي العام للأسعار في مصر. كما أن مرونة سعر الصرف بالنسبة للمستوي العام للأسعار في الأجل الطويل أكبر من نفس المرونة في الأجل القصير، حيث يصبح سعر الصرف مرنا في الأجل الطويل. ولقد ترتب علي ارتفاع المستوي العام للأسعار أثر كمي علي سعر الصرف في نفس الاتجاه، وأن الآثار المضاعفة للمستوي العام للأسعار علي سعر الصرف تتزايد من عقد لأخر فمثلا ترتب علي ارتفاع المستوي العام للأسعار بنقطة طبقا للمضاعف متوسط الأجل ارتفاع في سعر الصرف بحوالي((1.89 قرشا في عام ((1971قرشا، وبمقدار(4.53)قرشا في عام (1980)، وبمقدار21.58)) قرشا في عام(1990)، وبمقدار(50.94))قرشا في عام2000)) .
ثانيا:-نتائج خاصة بأثر الأرصدة النقدية الحقيقية علي سعر الصرف:(39/1)
تفسر التغيرات في الأرصدة الحقيقية معظم الحجم الكمي في سعر الصرف، ولكن أثرها قصير الأجل، ولقد ترتب علي زيادة الأرصدة النقدية الحقيقية بحوالي واحد مليون جنية حقيقي ارتفاع سعر الصرف بحوالي(58) قرشا كنتيجة للأثر الفوري عام ((1971، وبحوالي(194)قرشا عام 1980))، وبحوالي157)) قرشا عام((1990، وبحوالي ((158قرشا عام ((2000،وبالنسبة للأثر المضاعف متوسط الأجل فهو أقل حيث ترتب علي زيادة الأرصدة النقدية الحقيقية بمقدار واحد مليون جنيه حقيقي ارتفاع سعر الصرف بحوالي(56)قرشا عام(1971) وبحولي((188 قرشا عام((1980وبحولي153)) قرشا عام (1990) وبحوالي(154) قرشا عام 2000)).
وتلعب التغيرات في الأرصدة النقدية الحقيقية دورا في تفسير التقلبات في سعر الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي في الأجل القصير ، وأن التغيرات طويلة الأجل في سعر الصرف يمكن تفسيرها بالأثر التراكمي لتغير المستوي العام للأسعار.
ويعد تحقيق الاستقرار النقدي أحد أهم الشروط لتحقيق استقرار القيمة الخارجية للعملة المحلية في مواجهة العملات الأجنبية من خلال استقرار المستوي العام للأسعار، ونمو العرض النقدي الإسمى بمعدل يقترب من معدل نمو الإنتاج السلعي. كما يعد إصدار أصول مالية - وفق مسلمات الاقتصاد الإسلامي- مقيمة بالعملة المحلية ( الجنيه) وتعطي معدل عائد تنافسي ،مقارن بالعائد علي الأصول البديلة(المقومة بالعملات الأجنبية، مثل الودائع بالدولار) من أهم عوامل حفز الأفراد علي حيازة العملة المحلية، وإحلالها محل العملة الأجنبية في محافظ أصولهم، ومن ثم تدعيم القيمة الخارجية للعملة المحلية في مواجهة العملات الأجنبية.
( ( (
1- مقدمة:(39/2)
تستهدف هذه الدراسة اختبار فرض أساسي مضمونه أنه "في ضوء المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي، يمكن تفسير التغيرات في سعر الصرف الإسمى للجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي بمتغيرات نقدية تتمثل في المستوي العام للأسعار والأرصدة النقدية الحقيقية" والمستوى العام للأسعار يقاس بالرقم القياسي لأسعار المستهلك، والأرصدة النقدية الحقيقية تقاس بقسمة الأرصدة النقدية الاسمية على المستوي العام للأسعار. ولقد استخدمت الدراسة مفهوما للعرض النقدي الإسمى أكثر قبولا في مجال الاقتصاد الإسلامي، حيث يشتمل هذا المفهوم علي العملة المتداولة خارج الجهاز المصرفي ، بالإضافة إلي الودائع القابلة للتداول(والمملوكة لوحدات قطاع الأعمال والقطاع العائلي) والتي لاتعطي فائدة نقدية، طالما هناك إجماع من علماء المسلمين علي أن الفائدة هي الربا المحرم.
وقد اقتصرت الدراسة-من حيث المتغيرات أو التحليل-علي ما يعتبر مقبولا من وجهة نظر الاقتصاد الإسلامي، واستبعدت من إطار تحليل سعر الصرف كل المتغيرات والفروض غير المقبولة إسلاميا، علي نحو ما سيرد في الجزء الخاص بمسلمات الاقتصاد الإسلامي بالتفصيل.
وتستخدم الدراسة في قياس أثر المتغيرات النقدية علي سعر الصرف نموذج التعديل الجزئي، ونموذج الفجوات الموزعة ذات الحدود. ومحتويات هذا البحث يتم عرضها كما يلي:
أولا: عرض بعض المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي التي سيتم صياغة فروض ونموذج الدراسة علي أساسها، حتى تكون الدراسة متناسقة مع منهج الاقتصاد الإسلامي.
ثانيا: عرض الدراسات السابقة التي تعرضت لتحليل أثر المتغيرات النقدية علي سعر الصرف،ثم يعقب ذلك تقييم لتلك الدراسات في ضوء المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي.
ثالثا: صياغة الأساس النظري لفروض الدراسة في ضوء المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي.(39/3)
رابعا:صياغة النموذج القياسي للدراسة، وفقا للمسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي، وتشتمل تلك الصياغة :تعريف المتغيرات ومصادر البيانات وتقدير النموذج وتفسيره. خامسا:الآثار الاقتصادية لتدهور سعر صرف الجنيه،وسادسا:الخاتمة والتوصيات.
أولا: بعض المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي:
لكي تكون هذه الدراسة متناسقة مع إطار الاقتصاد الإسلامي ، تم استبعاد بعض المتغيرات من نموذج تفسير سعر الصرف، لأنها تتعارض مع المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي، وأول تلك المسلمات هي تحريم الربا وبالتالي تحريم سعر الفائدة، ويترتب علي تلك المسلمة استبعاد سعر الفائدة علي الأصول المقومة بالجنية المصري ، وسعر الفائدة علي الأصول المقومة بالدولار، ومن ثم أصبح علي أي باحث مسلم أن يقتنع - إيمانا واعتقادا- بالفرض الأساسي الذي يقرر أنه في اقتصاد إسلامي " يعد سعر الصرف غير حساس للتغير في سعر الفائدة، سواء أكان سعر الفائدة علي الأصول المقومة بعملة البلد الإسلامي فقط أو كان سعر الفائدة النسبي والذي يعرف علي أنه سعر الفائدة علي الأصول المقومة بعملة البلد الإسلامي منسوبا إلي سعر الفائدة علي الأصول المقومة بعملة أجنبية". وفي دراسة سابقة للباحث (د. أحمد الناقة،1994 ،ص ص:27-28)، وجد دليلا تجريبيا علي صحة هذا الفرض.
ويترتب علي عدم قبول سعر الفائدة ، كمتغير إسلامي أن يصبح شرط تكافؤ الفائدة interest-rate parity condition كنظرية لتحديد سعر الصرف غير مقبول إسلاميا، لأن هذا الشرط يقرر أن سعر الصرف التوازني للجنيه مقابل الدولار -مثلا- يتحدد عندما يتحقق الشرط التالي:
سعرا لفائدة علي الجنيه = سعر الفائدة علي الدولار + المعدل المتوقع لانخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار
وبالطبع فإن عدم قبول شرط تكافؤ الفائدة هو امتداد لعدم قبول سعر الفائدة كمتغير إسلامي.(39/4)
ويترتب علي تحريم الفائدة أن يصبح المفهوم المقبول إسلاميا للعرض النقدي ، هو المفهوم الضيق، حيث يشتمل العرض النقدي علي العملة والودائع القابلة للتداول transaction deposits (وأحيانا تسمي الودائع الشيكية) واللتان تكونان في حيازة أفراد القطاع العائلي ووحدات قطاع الأعمال، حيث أن كلا العنصرين لا يعطي حائزه أية فائدة نقدية، وبالتالي تستبعد أنواع الأصول المالية الأخري المرتبطة بالفائدة مثل الودائع الادخارية والودائع الزمنية time-deposits لأن كلاهما يعطي حائزه فائدة نقدية من وراء تلك الحيازة. وهذه الودائع موجودة في مجتمعاتنا الإسلامية، ولكن هذا لا يضفي عليها طابع الشرعية الإسلامية، ولهذا فالواجب أنها يجب ألا تدخل في محفظة أصول الفرد المسلم، ومن ثم فإنها تستبعد من نموذج الدراسة ولا تلعب دورا في التأثير علي سعر الصرف.(39/5)
وترتب علي اعتبار، سعر الفائدة متغير غير شرعي إسلاميا،عدم قبول آلية تأثير العرض علي سعر الفائدة، لأن تلك الآلية مبنية علي افتراض أن محفظة الأصول المالية للأفراد تحتوي علي نقود وسندات،فإذا زاد العرض النقدي، سيجد الأفراد لديهم كمية من النقود تفوق ما يرغبون في حيازته من أرصدة نقدية،بمعني سيوجد لديهم عرض نقدي زائد، وللتخلص من تلك الأرصدة الزائدة، فإن الأفراد سيقومون بشراء سندات بالأرصدة النقدية الزائدة، فيزيد الطلب علي السندات، ومع ثبات عرض السندات ، سيوجد طلب زائد علي السندات ، وهذا الطلب الزائد يؤدي إلي ارتفاع السعر السوقي للسندات، وحيث أن العلاقة بين سعرا لفائدة السوقي وأسعار السندات علاقة عكسية، فإن سعر الفائدة السوقي سينخفض نتيجة زيادة العرض ا لنقدي ، ومع انخفاض سعر الفائدة السوقي، ينخفض سعر الفائدة علي الأصول المقومة بالعملة المحلية، ومع ثبات أسعار الفائدة الأجنبية، يزيد الطلب علي الأصول المقومة بالعملات الأجنبية،ولاسيما في ظل افتراض أن السندات الأجنبية هي بديل كامل للسندات المحلية، ومن ثم يزيد الطلب علي العملة الأجنبية ، وينخفض الطلب علي العملة المحلية، وهذا يعني انخفاض قيمة العملة المحلية في مواجهة العملة الأجنبية(أي يرتفع سعر الصرف)، وهذه الآلية بكاملها غير مقبولة إسلاميا، لأسباب هي:1- أنة لا يجوز للفرد المسلم أن تحتوي محفظة أصوله المالية علي سندات تعطي فائدة، ومن ثم تتحطم آلية تأثير العرض النقدي علي سعر الفائدة. 2- أن صكوك التمويل الإسلامية ستحل محل السندات بفائدة ،سواء السندات المحلية أو السندات الأجنبية ،وتلك السندات والصكوك ليست بدائل طالما أنهما يختلفان علي الأقل في درجة المخاطر ومعدل العائد،مما يولد آلية تأثير تختلف عن الآلية التقليدية .
وعلي هذا فعلي الباحث المسلم أن يقبل الفرض التالي:(39/6)
"في ظل اقتصاد إسلامي لا يؤثر التغير في العرض النقدي بالمفهوم الضيق علي سعر الصرف من خلال أثر العرض النقدي علي سعر الفائدة، ولكن من خلال آليات أخرى خاصة بالاقتصاد الإسلامي" ،سنوضح تلك الآليات عند عرض فروض الدراسة في ضوء مسلمات الاقتصاد الإسلامي .
وإذا كان الباحث المسلم لا يقبل إدخال سعر الفائدة كمتغير من متغيرات نموذجه ، فإن المستوي العام للأسعار يعتبر من المتغيرات المقبولة إسلاميا، ويترتب علي ذلك أنة لا يوجد اعتراض من حيث المبدأ علي استخدام النظريات والفروض المبنية علي استخدام المستوى العام للأسعار،مثل نظرية تكافؤ القوة الشرائية، التي تستخدم لتحديد سعر الصرف وتفسيرا لتغير فيه، لأن هذه النظرية تركز علي تفسيرا لتغير في سعر الصرف بالمقارنة بين معدلات تغير الأسعار المحلية والأجنبية. ولا يعني هذا التسليم بصحتها وسلامتها من حيث المنطق الاقتصادي ، ولكن المقصود عدم وجود مانع شرعي يحول دون استخدامها كأداة للتحليل.
ومن المسلمات الأساسية في الاقتصاد الإسلامي ،أن المال والثروة التي في حيازة الإنسان ، هي أصلا ملك لله سبحانه وتعالى ، والإنسان خليفة لله في استخدم هذا المال ، ويقتضي هذا الاستخلاف تخصيص الثروة والمال بين استخداماتها البديلة تخصيصا أمثل، بحيث يحقق أكبر عائد ممكن علي حائز المال ومجتمعه الإسلامي، فإذا تمثلت الثروة التي في حيازة الفرد في العملات الأجنبية النادرة نسبيا، فيمتنع عليه وفقا لمنطق الاستخلاف أن يتاجر بتلك العملات في السوق السوداء، التي تنشأ خارج الضوابط التي يقررها ولي الأمر، بغرض تحقيق أكبر ربح ممكن من وراء تلك المتاجرة، فالإسلام دين يقر أنه لاضرر ولا ضرار، لأن الأسعار في السوق السوداء يصاحبها تدهور القيمة الخارجية للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية ، وهذا التدهور يسبب أضرارا كبيرة للمجتمع ككل،
ومن ثم يخل بمبدأ الاستخلاف الذي يجب أن يؤمن به المسلم إيمانا كاملا.(39/7)
ومن المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي أن تحقيق عائد علي رأس المال النقدي يتحقق بصفة
أساسية عن طريق المضاربة وعن طريق المشاركة في الربح والخسارة، وهذا المبدأ يتيح لحائزي العملات الأجنبية فرصة استثمار ما لديهم من عملات أجنبية في مشروعات إنتاجية تحقق لهم معدل عائد حلال، وتقضى علي الإختناقات الناجمة عن ندرة العملات الأجنبية والتي يواجهها أصحاب المشروعات الاستثمارية ، وهي اختناقات موجودة في معظم المجتمعات الإسلامية، ويقرر د.عبد الستار أبو غدة(1992،ص56) أن المشاركة في الربح والخسارة تقضي علي التناقض بين مصالح المنتجين وحائزي رؤوس الأموال في شكل عملات أجنبية. كما أن هذا الاستخدام للعملات الأجنبية يحرم السوق السوداء من مصدر عرض العملات الأجنبية، ومن ثم يساهم في تخفيض حجم الاقتصاد الخفي، ومن ثم يحد من تدهور القيمة الخارجية للعملة المحلية في مواجهة العملات الأجنبية.(39/8)
وهناك مسلمات أخرى تشكل إطار عقيدة الفرد المسلم، مثل الاستغفار الذي يدر رحمة الله ، بإرسال الأمطار ويمدنا بأموال وبنين وجنات وأنهار، كما ورد في سورة نوح عليه السلام، وهذا يعطينا مفتاحا عظيما لحل كثير من المشكلات الاقتصادية، حيث يترتب علي تلك الأنهار والجنات زيادة عرض المنتجات الزراعية والغذائية ، ومن ثم انخفاض أسعارها السوقية، ومن ثم تزيد قدرتها التنافسية في السوق الدولي إذا كانت سلع للتصدير، فتزيد الصادرات، وبالتالي ترتفع القيمة الخارجية للعملة المحلية في مواجهة العملات الأجنبية، حتى إذ لم تكن تلك السلع تصدر، فإن انخفاض أسعارها المحلية ، يساهم في انخفاض الرقم القياسي لأسعار المستهلك،ومن ثم الحد من معدل التضخم، مما يدعم القيمة الخارجية للعملة المحلية في مواجهة العملات الخارجية. وعلي هذا فإن الاستغفار وسيلة إلي الله، سبحانه وتعالي ، يمكننا من حل مشاكل اقتصادية مستعصية علي صانع السياسة الاقتصادية، فلماذا لا نجرب تلك الوسيلة إلي الله؟
ومن المسلمات التي يجب أن يعيها المسلم "الإتقان" ، فكما ورد في الحديث الشريف ، أن الله يحب إذا عمل أحدنا عملا أن يتقنه، والإتقان يرفع الكفاءة في تخصيص الموارد بين استخداماتها البديلة،ومن ثم تدنية تكاليف الإنتاج،وارتفاع مستوي جودته، ومنها السلع القابلة للتصدير،فترفع قدرتها التنافسية في السوق الدولي، و هذا يدعم القيمة الخارجية للعملة المحلية في مواجهة العملات الخارجية.
وخلاصة ما تقدم، أن المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي تقدم للمجتمع الإسلامي الآليات اللازمة لتدعيم القيمة الخارجية لعملته في مواجهة العملات الأجنبية، وما علي المجتمع المسلم إلا أن يتمسك بقيمة الإسلامية ويعمل بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ويعض عليها بالنواجز، حتى يتمكن من تدعيم القيمة الخارجية لعملته، وحل المشكلات الاقتصادية الأخرى المستعصية.(39/9)
ثانيا: الدراسات السابقة في إطار الاقتصاد الوضعي:
نعرض في هذا الجزء لأهم الدراسات التي حللت أثر المتغيرات النقدية علي سعر الصرف، ومن أهم تلك الدراسات دراسة R. Dornbusch (1976, pp.1161-1176) وفي تلك الدراسة يقدم ما يسمي نموذج الاندفاع السريع لسعر الصرف overshooting الذي يقدم تفسيرا للتغيرات الكبيرة والملاحظة في سعر الصرف نتيجة التغير في العرض النقدي في ظل مجموعة من الافتراضات هي حرية انتقال رأس المال، وبطء التعديل في أسواق السلع بالمقارنة بسرعة التعديل في أسواق الأصول المالية، وتناسق التوقعات،واندفاع سعر الصرف ينتج من التفاوت في سرعة التعديل بين أسواق السلع وأسواق الأصول المالية وسوق الصرف الأجنبي. فالزيادة في العرض النقدي -مع ثبات العوامل الأخرى علي حالها- تؤثر علي سعر الصرف في ظل نظام أسعار الصرف المرنة، وهذا الأثر الكلي ينتج عن ثلاثة آثار جزئية هي:
ا- يترتب علي التوسع النقدي تخفيضا مباشر في سعر الصرف.
ب- يترتب علي التوسع النقدي ، ارتفاع في المستوي العام للأسعار، نتيجة التعديلات التي تحدث في سوقي الإنتاج والنقد، وقد يكون هذا الارتفاع في الأسعار مصحوبا بارتفاع في سعر الصرف، وهذا يشير إلي أن سلوك كل من المستوي العام للأسعار وسعر الصرف قد يكونا متناسقين، ولكن هذا الارتفاع في سعر الصرف لا يلغي الأثر الأول المباشر.
ج- الأثر المباشر لسعر الصرف علي التضخم المحلي، حيث أن سعر الصرف هو القناة التي ينتقل من خلالها أثر التوسع النقدي إلي الطلب الكلي.(39/10)
ويفترض نموذج Dornbusch أن الأصول المالية المقيمة بالعملة المحلية بديل كامل للأصول المقيمة بالعملة الأجنبية، وبالتالي يزيد سعر الفائدة علي الأصول المالية المحلية عن سعر الفائدة في الخارج بمقدار المعدل المتوقع لانخفاض قيمة العملة . وسعر الصرف قصير الأجل دالة في مستوي الأسعار قصير الأجل ، في ظل مستوى معين للأسعار طويل الأجل ومستوي معين لسعر الصرف طويل الأجل، ، فارتفاع المستوي العام للأسعار يفضي إلي زيادة الطلب علي الأرصدة النقدية الاسمية، فيرتفع سعر الفائدة المحلي، وبالتالي تتدفق رؤوس الأموال إلي الداخل،ويرتفع سعر الصرف قصير الأجل للعملة المحلية.
ويقترب الاقتصاد من التوازن طويل الأجل عند سعر الصرف طويل الأجل ومستوي الأسعار طويل الأجل، بدرجة أسرع كلما:
أ - انخفضت درجة حساسية الطلب النقدي بالنسبة لسعر الفائدة.
ب - ارتفعت حساسية الطلب الكلي لسعر الفائدة وارتفعت مرونة الطلب السعرية للإنتاج الكلي المحلي.
ويصيغ Dornbusch الفرض الأساسي التالي:
"يترتب علي السياسة النقدية التوسعية في الأجل الطويل زيادة تناسبية في كل من سعر الصرف والمستوي العام للأسعار، وأن تلك الزيادة تتوقف علي حساسية الطلب النقدي بالنسبة لسعر الفائدة، وحساسية الطلب الكلي بالنسبة لسعر الفائدة والمرونة السعرية للطلب الكلى"
ومن أهم النماذج التي ركزت علي تفسير التغيرات في سعر الصرف بمتغيرات نقدية هو النموذج النقدي The monetary Approach لسعر الصرف. T. Dernburg,(1988,pp.260-293)، ويبدأ النموذج النقدي من ميزانية البنك المركزي( أو السلطة النقدية) ، فالتزامات البنك المركزي تتمثل في القاعدة النقدية بصفة أساسية، وفي جانب الأصول توجد الأصول الأجنبية التي تشتمل علي احتياطيات الصرف الأجنبي والذهب ، وكذلك تشتمل علي الأصول المحلية وبالتحديد الائتمان المحلي.(39/11)
فإذا كانت(X) هي الصادرات، (V)هي الواردات، :سعر الفائدة علي الأصول المالية الأجنبية، ((F: الأصول المالية الأجنبية التي تمتلكها الوحدات الاقتصادية الوطنية، الزيادة في الاحتياطات الخارجية، ?D)): الزيادة في الائتمان المحلي،( K ): فائض حساب رأس المال، فإن معادلة ميزان المدفوعات تصبح:
ومن متطابقة ميزانية البنك المركزي التالية:
فإن الزيادة في القاعدة النقدية ، تتحقق من التوسع في الائتمان المحليأو تحقيق زيادة في الاحتياطيات( التي تنتج عن تحقيق فائض في ميزان المدفوعات. فالفائض في ميزان المدفوعات يتطلب قيام السلطات بشراء صرف أجنبي بالعملة المحلية لتثبيت سعر العملة المحلية مقومة بالعملات الأجنبية،فتزيد كمية العملة المحلية المتداولة، ومع ثبات العوامل الأخرى علي حالها، يزبد المكون المحلي للقاعدة النقدية، ومع ثبات المضاعف النقدي، يزيد العرض النقدي.
وطبقا للنموذج النقدي، فإن الخطوة الأولي لممارسة السياسة النقدية التقييدية، في ظل ثبات أسعار الصرف هي تحديد مستوي هدفي للتغير في ميزان المدفوعات، ثم تصميم السياسة النقدية التي تجعل العجز لا يتعدى المستوي الهدفي ، حتى لا يتقلب سعر صرف العملة المحلية.
والخطوة الثانية :هي تحديد المقدار الذي سيزيد به الطلب الكلي في هذا البلد ثم تصمم السياسة النقدية في ظل ثبات سعر الصرف كما يلي:يتم تخطيط التغيرات في رصيد النقود عالية القوة(القاعدة النقدية)أيبحيث تكفي- في ظل قيمة معينة للتوسع النقدي المضاعف- لتحقيق الرصيد النقدي الذي يكفي بالضبط لمقابلة الزيادة المتوقعة في الطلب علي النقود.(39/12)
وبذلك فإن المقادير المخططة للتغير في الاحتياطات والتغير في القاعدة النقدية( يحددان للسلطات النقدية مقدار الائتمان المحلى الذي يتوافق مع هدف ميزان المدفوعات، والنمو المتوقع في الطلب علي النقود، ومن ثم فإن السياسة النقدية التي يقترحها النموذج النقدي هي:"قيد مقترح علي توسع الائتمان المحلي" وهذا القيد يتمثل في فرض سقف علي الائتمان ، وتبني هذا القيد يساعد البنك المركزي علي تجنب إغراء توسيع الائتمان المقدم إلي الحكومة والقطاع الخاص في مواجهة سعر الفائدة أو عجز الميزانية الحكومية.
ففي ظل محاولة البنك المركزي تثبيت سعر الصرف، فإن البنك المركزي يركز علي تحسين ميزان المدفوعات من خلال تخفيض الائتمان المحلي، أي اتباع سياسة نقدية تقييدية ، ففي ظل اقتصاد ينمو وبه بعض التضخم، فإن الطلب على الأرصدة النقدية الاسمية يزيد، فإذا تم إبطاء توسع الائتمان -عن طريق سياسة نقدية تقييدية- سيظهر فائض طلب علي النقود، فيرتفع سعر الفائدة، وينخفض الإنفاق المحلي وبالتالي ينخفض الطلب علي السلع القابلة للتصدير والسلع المستوردة، ويحدث التحسن في ميزان المدفوعات.
وتعاني كثير من الدول النامية حاليا من تقلب أسعار صرف عملاتها واحتياطاتها الدولية، تلك التقلبات تحدث إما في ظل نظام التعويم المدار الذي يتميز بتدخل البنك المركزي في سوق الصرف الأجنبي ، أو في ظل نظام الربط الزاحف Crawling peg system حيث يقوم البنك المركزي بتحديد سعر الصرف لعملة البلد ثم يتم تغييره من آن إلي آخر، وهذا النظام يعتبر نوعا من الربط القياسي مع القطاع الخارجي.(39/13)
وتوضح دراسة Blejer and Leiderman (1981, pp.132-151) أن الزيادة في معدل توسع الائتمان المحلي تفضي عموما إلي ارتفاع التضخم وتخفيض الاحتياطات الدولية وتدهور سعر صرف العملة المحلية، والمتغيرات النقدية المحلية لها أثر مباشر أكبر علي التضخم المحلي وأثر مباشر أصغر علي ميزان المدفوعات، كلما ارتفع نصيب السلع غير الداخلة في التجارة في الإنفاق الكلي.
وتقدم دراسة Faust and Rogors(2000) دليلا تجريبيا علي دور صدمات السياسة النقدية في تفسير سلوك سعر الصرف، ونتائج الدراسة تشير إلي أنه ربما يكون هناك تأخير في اندفاع سعر الصرف فتقرر الدراسة أن تغيرات أسعار الصرف متقلبة وصعبة التفسير، ويتشكك الاقتصاديون منذ زمن في أن صدمات السياسة النقدية قد تلعب دورا في تفسير هذا السلوك.
ولقد تمكنت دراسة Faust and Rogors من الإجابة علي أسئلة بحثية هامة هي:
1- هل سعر الصرف يندفع سريعا بعد الصدمة النقدية؟
2- هل يمكن أن تفسر السياسة النقدية الجزء الأكبر من تباين سعر الصرف ؟(39/14)
و توصلت الدراسة إلي أن سعر الصرف يندفع سريعا علي مسار قيمته طويلة الأجل استجابة للصدمة النقدية(الزيادة في العرض النقدي بصفة أساسية) ، ولكن القمة تحدث بعد حوالي سنتين ، فالزيادة المتوقعة في الرصيد النقدي تسبب تغيرا في سعر الصرف أولا بحيث يندفع بعيدا عن مركزه التوازني طويل الأجل ، والتركيز في هذه الدراسة علي أثر السياسة النقدية علي مستوي الأسعار الأجنبي.وتوضح الدراسة أن التغير في سعر الصرف يفشل في عزل الأسعار الخارجية المتوقعة وغير المتوقعة عن الرصيد النقدي للبلد المحلي مما قد يسبب انخفاضا في مستوي الأسعار المحلية ، و يثير مشكلة للبلد الأجنبي الذي يهتم بالسياسة الاستقرارية التي تستهدف إيجاد مسار لسعر الصرف أثناء الأزمات المالية بعد أن هجرت الدول الأسيوية نظام أسعار الصرف المربوطة واتبعت نظام تعويم مستقل(حسب تصنيف IMF لنظم صرف هذه الدول عام 2000 ،راجع IMF, Annual Report 2000) فبمجرد اتباع التعويم وفي بداية الأزمة، انخفضت أسعار عملات هذه البلدان سريعا، مما أدي إلي حدوث تضخم مرتفع وأزمة للقطاع المصرفي وآثار ميزانية سالبة، ولذلك أوصى خبراء صندوق النقد الدولي بأن الاستجابة الملائمة للسياسة النقدية هي اتباع سياسة نقدية توسعية،حيث كانوا يرون أن السياسة النقدية التقييدية تفشل في تدعيم العملة لأن رفع سعر الفائدة يخفض ثقة المستثمرين ، ويخفض قدرتهم علي سداد القروض إلي البنوك مما يضعف النظام المصرفي . فالإفلاس المصرفي الدولي الذي أنتشر بعد الأزمة أدي خروج المستثمرين الأجانب من المنطقة ، كما أن الدائنين منهم أجبروا علي مد أجل القروض حتى لو كانوا غير راغبين في ذلك.
ففي ظل الأزمة المالية تتشابك الأسباب بحيث تجعل من الصعب عزل أثر السياسة النقدية علي سعر الصرف وتحديد ما إذا كان هناك اندفاع أم لا.(39/15)
وتحلل دراسة F. Mishkin( 1999,p.6) أثر عدم الاستقرار المالي علي أداء السياسة النقدية في ظل نظم الصرف المختلفة ، حيث تقرر الدراسة أن السياسة النقدية لا تستطيع أن تؤدي دورها بكفاءة في التأثير علي الإنتاج والنمو ، مهما كان نظام سعر الصرف السائد، إلا إذا ساد الاستقرار المالي. ولقد ساد عدم الاستقرار المالي معظم دول العالم في العقد الأخير من القرن العشرين بدرجة كبيرة. ويحدث عدم الاستقرار المالي عندما تتداخل الصدمات التي تحدث للنظام المالي مع تدفق المعلومات بحيث لا يصبح النظام المالي قادرا علي أداء وظائفه في تحويل الأرصدة من وحدات الفائض إلي وحدات العجز المالي والذين لديهم فرص استثمار مربحة اقتصاديا.
وإذا كان عدم الاستقرار المالي حادا بدرجة كبيرة ، فيمكن أن يؤدي انهيار وظيفة البنك المركزي والسلطات النقدية عموما في المحافظة علي الحد الأدنى من فعالية السياسة النقدية، وهو ما يؤدي إلي انهيار نظام الصرف والأسواق المالية ، وهي الحالة التي توصف بالكارثة المالية .
ويقرر Corsetti, Poati, and Noriel (1998) أن عدم الاستقرار المالي يؤثر علي فاعلية السياسة النقدية في ظل أي نظام لأسعار الصرف، نتيجة العوامل التالية:
1- تدهور ميزانيات البنوك والوسطاء الماليين الآخرين الذين يقدمون القروض، مما يفضي إلي انكماش رؤوس الأموال المعروضة، ويجبرهم علي تخفيض القروض المقدمة واستدعاء ما قدموه من قروض، وصعوبة تجميع موارد تمويلية بتكلفة معقولة.
2- زيادة درجة عدم التأكد في الأسواق المالية مما يجعل من الصعب علي المقرضين مراقبة المخاطر الائتمانية الجيدة من السيئة.
3- ارتفاع سعر الفائدة مما يؤدي إلي ترشيد الائتمان.
4- تدهور ميزانيات المؤسسات غير المالية.(39/16)
ولقد تناول Prof. Mundell (1962, pp.70-79) تحليل مبدأ الاستخدام الفعال للسياسة النقدية في ظل أسعار الصرف الثابتة ، حيث تناول مشكلة تحقيق التوازن الداخلي وتوازن ميزان المدفوعات في بلد يتبع سياسة أسعار الصرف الثابتة،ويرتكز الحل علي حقيقة أن السياسات المالية التوسعية تميل إلي رفع سعر الفائدة ، بينما أن السياسات النقدية التوسعية تميل إلي خفض أسعار الفائدة، وكنتيجة لذلك فإن السياسة النقدية والسياسة المالية ذات فعاليات مستقلة independently-effective بالنسبة لتأثيرها علي العمالة وميزان المدفوعات. ولهذا يقدم Prof. Mundell مبدأ تقسيم السوق الفعالthe principal of effective market classification ومضمون هذا المبدأ :
" أن السياسات يجب أن تتزاوج مع الأهداف التي يكون لها أكبر الأثر في تحقيقها"
وبناء علي ذلك فإنه في البلاد التي تقتصر فيها سياسات علاج العمالة وميزان المدفوعات علي الأدوات النقدية والمالية، فإن السياسة النقدية تستبقي لبلوغ المستوي المرغوب لميزان المدفوعات، والسياسة المالية للمحافظة علي الاستقرار الداخلي، والاستخدام غير الصحيح للسياسة المالية لأغراض الاستقرار الخارجي والسياسة النقدية لأغراض الاستقرار الداخلي ، يخل بمبدأ تقسيم
السوق الفعال، لأن هذا المبدأ يقوم علي شرط ،ومضمون هذا الشرط هو أنه في ظل أسعار الصرف الثابتة فإن: "أثر السياسة النقدية علي ميزان المدفوعات بالنسبة لأثرها علي الدخل القومي أكبر من أثر السياسة المالية علي ميزان المدفوعات بالنسبة لأثرها علي الدخل القومي".
ولهذا فمبدأ مزاوجة السياسة يعني أن تستهدف أداة السياسة حيث يكون لها أعظم أثر نسبى مباشر.(39/17)
ولقد تعرض مبدأ مزاوجة السياسة الذي قدمه Mundell إلي انتقادات Chacholiades, M.(1978,P.397)، ومن هذه الانتقادات، إن السياسة النقدية والمالية قد تكون معرضة لقيود ولاسيما القيود السياسية، فالحكومة قد لا ترغب في اتباع سياسة مالية توسعية تتطلب موارد يصعب تدبيرها، كما أن تدفقات رأس المال قد لا تكون حساسة لفوارق أسعار الفائدة، وبالإضافة إلي ذلك فإن المضاربة علي العملة الوطنية تخل بالاستقرار، كما أن وجود فجوات للإبطاء يعقد المشكلة ،لأنة يجعل من الصعب التنبؤ بآثار السياسة النقدية والمالية، و إن مدخل Mundell ليس آلية تعديل حقيقية، فمزيج السياسات النقدية والمالية الذي يقترحه، لا يعدو أن يكون طريقة لتمويل العجز في ميزان المدفوعات،عن طريق التدفقات الرأسمالية قصيرة الأجل المحفورة بارتفاع سعر الفائدة الناجم عن السياسة النقدية الانكماشية ،وهذه التدفقات ليست عنصرا تلقائيا، ولكنها عنصر مصاحب، لأنها ببساطة تملأ فجوة تركت فارغة ولم تملأ بواسطة المعاملات الأخرى. ولهذا فإن السلطات قد تلجأ إلي تعديلات متكررة ومستمرة في سعر الصرف، حتى لو كانت السياسة النقدية والمالية وحدهما يمكن أن تحافظا علي التوازن الداخلي والخارجي.
ولقد أورد Corsetti, Poati, and Noriel(1988) بعض الحقائق التي ضاعفت تأثير الآثار السلبية للمتغيرات النقدية علي سعر الصرف في الدول التي عانت من عدم الاستقرار المالي ولاسيما المكسيك ودول جنوب شرق آسيا، وتتمثل فيما يلي:
1. العجز المالي الذي عانت منه الدول في بداية الأزمة.
2. ارتفاع سعر الصرف الحقيقي قبل الأزمة في الدول التي عانت من الأزمة كان مختلفا، فبعض الدول كان لديها ارتفاع كبير مثل كوريا، واندونيسيا وماليزيا (أقل من 5%) وتايلاند والفلبين والمكسيك (بين(5%-10% وقد لعب ارتفاع سعر الصرف دورا جوهريا في تعميق الأزمة في تايلاند والفلبين والمكسيك.(39/18)
3. العجز الكبير في الحساب الجاري،في المكسيك (حوالي 7%) من GDP وفي تايلاند(8%).
4. ارتفاع التدفقات الرأسمالية الداخلة قبل الأزمة وارتدادها السريع عند بداية الأزمة.
5. الرواج الإقراضي الذي نمى في ظله الإقراض المصرفي بمعدلات سريعة جدا، وهذا حدث في كل البلاد التي تعرضت للأزمة.
6. تدهور الميزانيات الختامية للوحدات المصرفية قبل الأزمة مباشرة في كل بلاد الأزمة .
7. تعرضت كل بلاد الأزمة إلي أزمة سيولة قبل الأزمة مباشرة.
وتقرر دراسة Burnside, Marton, and Seige(1998) انه ترتب علي تلك الظروف ضعف قدرة البنوك المركزية علي اتخاذ خطوات للدفاع عن العملة، نتيجة ضعف النظام المصرفي، وهو ما يعني أن الأرباح المتوقعة من بيع العملة كانت مرتفعة، ولذلك خشي البنك المركزي في الدول ذات النظام المالي الضعيف من اتخاذ سياسة نقدية انكماشية هدفها رفع سعر الفائدة ، لأن رفع سعر الفائدة يحد من انخفاض العملة المحلية ، وهو ما يضيف عامل آخر لضعف النظام المصرفي، ولهذا عندما حدث الاتجاه المضاربي علي العملة في أحد الأسواق الناشئة، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بدرجة تكفي للدفاع عن العملة،عندما قام المضاربون ببيع كميات ضخمة من العملة مقابل العملات الأجنبية.
ولقد تحولت أزمة العملة إلي أزمة مالية عمقت صعوبة ممارسة السياسة النقدية من خلال عدة آليات:
الأولي:أثر انخفاض قيمة العملة علي ميزانيات الشركات: فانخفاض قيمة العملة في المكسيك ودول جنوب شرق آسيا، زاد من عبء الدين علي الشركات المحلية التي كان يغلب عليها ارتفاع نسبة الرفع المالي عن طريق الدين بالعملة الأجنبية، وهذه الآلية كانت قوية في إندونيسيا، وهي أسوأ الدول التي أصيبت في الأزمة.(39/19)
الثانية: أثر انخفاض قيمة العملة على ميزانيات وحدات القطاع المصرفي: فالمصارف في المكسيك ودول جنوب شرق آسيا، كان يغلب على التزاماتها التزامات بالعملة الأجنبية ، وضاعف أزمة المصارف أن ديون الشركات المتعثرة أثرت علي قيمة أصول المصارف بشكل عنيف.
الثالثة: أن تخفيض قيمة العملة أدي إلي التضخم.
فالآليات الثلاث الناجمة عن أزمة العملة أدت إلي تدهور حاد وخطير في ميزانيات القطاع المالي وغير المالي، كما أن هذه العوامل مجتمعة شلت قدرة السياسة النقدية عن العمل بفاعلية علي المساعدة علي انتشال الاقتصاد من الأزمة.
ولقد دفع عجز البنوك المركزية المحلية لكل دولة عن القيام بدور فعال في إدارة السياسة النقدية التي تستطيع إنقاذ العملة ، والحد من عدم الاستقرار المالي، إلي المناداة بإيجاد مؤسسة مالية دولية لتخفيض عدم الاستقرار المالي العالمي، ويمكنها أن تلعب دور الملجأ الأخير للإقراض علي المستوى الدولي، أو إنشاء محكمة إفلاس دولية، أو منظم مالي عالمي Global-Financial Regulator أو هيئة تأمين علي الودائع اتحادية دولية أو سلطة نقدية عالمية ، وتلك الاقتراحات استعرضهاRogoff,K.(1999, PP.21-42).
تقييم الدراسات السابقة في ضوء مسلمات الاقتصاد الإسلامي:
1- رغم أن نموذج الاندفاع السريع الذي قدمه Dornbusch من الأعمال الكلاسيكية في نظرية(39/20)
سعر الصرف، إلا أنه غير مقبول في ضوء مسلمات الاقتصاد الإسلامي ، لأن هذا النموذج مبني علي أساس أن محفظة أصول الفرد تنطوي علي نقود وسندات تعطي فائدة، وعلي افتراض أن السندات المحلية بديل كامل للسندات الأجنبية، مع التسليم بصحة شرط تكافؤ الفائدة، كنظرية لتحديد سعر الصرف. وقد سبق أن أشرنا إلي أن هذه الافتراضات غير مقبولة إسلاميا. فمحفظة أصول الفرد المسلم ستخلو من السندات ، ويحل محلها إما أسهم مشاركة أو أصول طبيعية، بالإضافة إلي النقود، ومع اختفاء السندات ، يختفي أثر التغير في العرض النقدي علي سعر الفائدة، وبالتالي يختفي أثر التغير في العرض النقدي علي سعر الصرف من خلال قناة سعر الفائدة ، ومعه تختفي نظرية تكافؤ القوة الشرائية ،كنظرية لتحديد سعر الصرف في اقتصاد إسلامي. ومع اختفاء سعر الفائدة من المتغيرات الاقتصادية الإسلامية يختفي الاندفاع السريع لسعر الصرف الذي يترتب علي تغير العرض النقدي. ومع اختفاء الافتراضات التي يقوم عليها نموذج الاندفاع السريع لسعر الصرف، لا تصبح العلاقة بين التغير في العرض النقدي والتغير في سعر الصرف علاقة تناسبية في اقتصاد إسلامي.
2- بالنسبة للنموذج النقدي لسعر الصرف والذي يبني علي متطابقة المسح النقدي:
والتي تقرر أن التغير في القاعدة النقدية(، ينتج من التغير في الائتمان المحلي، أو التغير في الاحتياطيات الخارجية، أو كلاهما، وحيث أن أساليب التمويل الإسلامية الأخري مثل المشاركة والمضاربة، ستحل محل الائتمان ، فإن متطابقة المسح النقدي تتغير في اقتصاد إسلامي ليحل حجم التمويل الإسلامي المقدم محل الائتمان الممنوح ، وبالتالي فإن التوسع في القاعدة النقدية في اقتصاد إسلامي سينتج من التوسع في حجم التمويل المقدم لتمويل المشروعات الاستثمارية (إسلاميا)، أو من الزيادة في الاحتياطيات الخارجية.(39/21)
وحيث أن التوصية الأساسية للنموذج النقدي لسعر الصرف هي "وضع قيد علي توسع الائتمان المحلي" ، فإن هذه التوصية ستتغير في ظل اقتصاد إسلامي ، حيث ستتجه السياسة النقدية إلي تشجيع ، وليس الحد من ، التوسع في تقديم التمويل بالمشاركة والمضاربة إلي المشروعات الاستثمارية التي تساهم في الإنتاج السلعي، والحد من التمويل المقدم إلي قطاعات التجارة والخدمات، حيث تساهم زيادة الإنتاج السلعي في زيادة الصادرات، وربما الحد من الواردات، ومن ثم تخفيض الأسعار وتخفيض سعر الصرف (أي ارتفاع القيمة الخارجية للعملة المحلية).(39/22)
1- بالنسبة لعدم الاستقرار المالي الذي أشار إليه (1999)F.Mishkin والذي ساد دول جنوب شرق آسيا بسبب انخفاض درجة الشفافية المالية وارتفاع نسبة الرفع المالي الناجم عن ارتفاع نسبة التمويل بالدين والرواج الإقراضي، وعجز الميزانيات المصرفية والميزانيات العامة للدولة، فإن كل هذه المظاهر تميل إلي الاختفاء تلقائيا في اقتصاد إسلامي، حيث سيحل التمويل بالمشاركة محل التمويل بالدين ، مما يخفض نسبة الرفع المالي ، وترتفع نسبة التمويل عن طريق حقوق الملكية، مما يخفض حالات الإفلاس بين شركات القطاع الحقيقي، ومن ثم يلغي الأثر السالب علي الميزانيات المصرفية(ميزانيات البنوك) ، وبالتالي يحد من أزمات السيولة المصرفية ، لأن البنوك ستشارك في أرباح المشروعات، ومع زيادة تلك الأرباح ، ستزيد حصة البنوك فيها، مما يجبر البنوك، في ظل الاقتصاد الإسلامي علي تجهيز نفسها بكوادر بشرية مؤهلة في دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات التي تطلب التمويل مما يساعد علي نجاح مشروعات الإنتاج السلعي ،ويرفع معدل أرباحها، ونصيب البنوك فيها، وبالتالي تقل مشاكل السيولة لدي البنوك ويختفي عدم الاستقرار ، مما يفضي إلي استقرار سعر صرف العملة المحلية. وهذا الاستقرار بدوره يحد من أثر تخفيض قيمة العملة علي ميزانيات شركات الإنتاج السلعي ، وسيحل رواج تمويلي أساسه حقوق الملكية محل الرواج الإقراضي ، كما أن اختفاء الإسراف الحكومي يحد من عجز الميزانية العامة للدولة.
2- إن مبدأ مزاوجة السياسة مع الأهداف التي تسعي السياسات إلي تحقيقها والذي قدمه Mundell(39/23)
غير مقبول بالصيغة التي قدم بها، لأن هذا المبدأ يقوم علي أساس أثر السياسة النقدية علي سعر الفائدة كهدف وسيط، يؤثر علي تدفقات رؤوس الأموال التي تسد العجز قصير الأجل في ميزان المدفوعات، ومع اختفاء تلك الآلية ، يصبح الاقتصاد الإسلامي اقتصادا معزولا ماليا عن سوق الدين الدولي، ولكن اقتصاد مفتوح ماليا للتدفقات المالية الدولية التي تأتي للاستثمار في المشروعات المحلية عن طريق حقوق الملكية، في ضوء الضوابط الإسلامية التي تحافظ علي أمن الدول الإسلامية وسلامة اقتصادياتها من السيطرة الأجنبية عليه. وعلي هذا ففي ظل اقتصاد إسلامي، يمكن استخدام كل من السياستين النقدية والمالية لتحقيق التوازن الداخلي والخارجي علي السواء، للمحافظة علي القيمة الخارجية للعملة المحلية، وبالتالي بسعي صانع السياسة الاقتصادية في اقتصاد إسلامي إلي استخدام السياستين معا للتأثير علي العمالة وميزان المدفوعات، ليدعم أثر كلا منهما الأخر.
ثالثا: صياغة الأساس النظري لفروض الدراسة في ضوء المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي:
3- ا الفرض الأساسي للعلاقة بين العرض النقدي وسعر صرف العملة الأجنبية:
يقع الإطار النظري لنموذج الدراسة في نطاق النموذج النقدي لسعر الصرف وميزان المدفوعات، حيث يتم صياغة مشكلة ميزان المدفوعات وسعر الصرف في ظل اقتصاد إسلامي كظاهرة نقدية، أي يتم تحليلها بأدوات النظرية النقدية، فميزان المدفوعات ككل هو مركز اهتمام النموذج النقدي ، مع تعريف اختلال توازن ميزان المدفوعات علي أنه تغير في مستوي احتياطات الصرف الأجنبي. وهذا التغير في ظل اقتصاد إسلامي هو انعكاس للفارق بين الأرصدة النقدية التي يحوزها الأفراد فعلا وتلك التي يرغبون في حيازتها، ويمكن تقديم آلية لكيفية إعادة التوازن لكل من ميزان المدفوعات والسوق النقدي ، والأثر الناتج من وراء تلك الآلية علي سعر الصرف.(39/24)
وهناك عنصران رئيسيان في آلية التعديل التلقائية بين ميزان المدفوعات والسوق النقدي في اقتصاد إسلامي مفتوح . العنصر الأول هو العلاقة المباشرة بين العرض النقدي وميزان المدفوعات، ففي هذا الاقتصاد يترتب علي فائض أو عجز ميزان المدفوعات أثر علي العرض النقدي، فحيث أن الاحتياطيات المقومة بالعملة الأجنبية ويمتلكها الجهاز المصرفي هي أحد عناصر القاعدة النقدية، فإن حدوث فائض في ميزان المدفوعات، سيزيد تلك الاحتياطيات ، ومن ثم سيزيد القاعدة النقدية، ومع ثبات المضاعف النقدي، سيزيد العرض النقدي .وبنفس المنطق فإن حدوث عجز في ميزان المدفوعات يصاحبه نقص العرض النقدي ، من خلال انكماش القاعدة النقدية. والعنصر الثاني في ميكانيكية التعديل هو الطلب علي النقود. ففي ظل اقتصاد إسلامي فإن دالة الطلب علي النقود هي دالة مستقرة لعدد محدود من المتغيرات، حيث يكون الطلب علي النقود غير حساس لسعر الفائدة.(39/25)
ويمكن الآن مزج العنصرين لنري كيف تعمل آلية التعديل التلقائي للنموذج النقدي في اقتصاد إسلامي. لنفترض أن السوق النقدي في هذا الاقتصاد كان في حالة توازن ، وأن ميزان المدفوعات أيضا كان في حالة توازن ، بمعنى أن التغير في الاحتياطيات = صفر.ولنفترض أن السلطات النقدية المحلية قررت زيادة المكون المحلي للقاعدة النقدية، ومع ثبات المضاعف النقدي ، يزيد العرض النقدي، وهذا يعني أن عرض النقود أصبح اكبر من الطلب علي النقود، ولهذا سيوجد عرض نقدي زائد، بمعنى أن الأفراد لديهم كمية من النقود تفوق ما يرغبون في حيازته، مما يحفز المقيمين المحليين في البلد الإسلامي إلي تعديل مكونات محافظهم، من خلال تخفيض حيازتهم النقدية إلي المستوي الذي يرغبون في حيازته، وهذا التعديل طبقا للنموذج النقدي يأخذ شكل مبادلة النقود بالسلع أو بأصول أجنبية (مقيمة بعملات أجنبية) مدرة لعائد حلال، فيزيد الإنفاق علي عناصر الحساب الجاري وحساب رأس المال، فيتولد عجز في ميزان المدفوعات ، مما يعني نقص الاحتياطيات الخارجية، ومن ثم ينخفض سعر صرف العملة المحلية(أي سعرها مقوما بالعملات الأجنبية). ولكن نقص الاحتياطيات الخارجية يعني نقص المكون الخارجي للقاعدة النقدية، ومع ثبات المضاعف النقدي ، ينخفض العرض النقدي، حتى يتساوى مع الطلب علي النقود، ومن ثم يعود السوق النقدي إلي وضع التوازن . ومن ناحية أخرى فان نقص العرض النقدي ، يخفض الإنفاق علي كل من السلع المستوردة والأصول الأجنبية ويستمر هذا الانخفاض حتى يعود ميزان المدفوعات إلي وضع التوازن، فكأن كل من السوق النقدي وميزان المدفوعات في اقتصاد إسلامي يعود إلي وضع التوازن ولكن بعد أن أدت الزيادة في العرض النقدي إلي تخفيض القيمة الخارجية للعملة المحلية(أي ارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية مقيمة بوحدات من العملة المحلية، وبالاختصار ارتفاع سعر الصرف)، فالعلاقة بين العرض النقدي وسعر الصرف للعملة(39/26)
الأجنبية في ظل اقتصاد إسلامي يمكن صياغتها في الفرض الأساسي التالي:
"يترتب علي تغيرات العرض النقدي المحلي-مع ثبات العوامل الأخرى علي حالها- تغيرات في الاتجاه العكسي في قيمة العملة المحلية مقيمة بالعملات الأجنبية".
3-ب الفرض الأساسي لأثر المستوى العام للأسعار على سعر الصرف في اقتصاد إسلامي:
يمكن تصور أكثر من قناة لنقل أثر المستوي العام للأسعار على سعر الصرف في اقتصاد إسلامي، وتلك القنوات تتمثل في:
القناة الأولى: أثر الأرصدة الحقيقية: فارتفاع المستوي العام للأسعار ،مع ثبات الحيازات النقدية للأفراد مقومة بالجنية المصري، يخفض القيمة الحقيقية لتلك الأرصدة ، فتحل بالأفراد خسائر رأسمالية، من وراء حيازات الأفراد لتلك للأرصدة النقدية بالجنيه ، ولتدنيه تلك الخسائر ، يقوم الأفراد بإحلال بعض من العملات الأجنبية محل الأرصدة بالجنيهات، فيقل الطلب علي الجنيه ويزيد الطلب على العملة الأجنبية، فينخفض سعر العملة المحلية(الجنية) مقومة بالعملة الأجنبية،بمعنى يرتفع سعر صرف العملة الأجنبية في سوق الصرف المحلي.
القناة الثانية: أثر معدل العائد النقدي علي الأصول المالية المقومة بالجنية: فارتفاع المستوي العام للأسعار، مع تغير العائد النقدي علي تلك الأصول بنسبة أقل من نسبة ارتفاع مستوي الأسعار ، يخفض العائد الحقيقي الذي تغله تلك الأصول ، وقد يصبح العائد الحقيقي سالبا،وقد يصبح معدل العائد الحقيقي (المكون من التغير في قيمتها الحقيقية+العائد النقدي) سالبا، مما قد يدفع الأفراد إلى التخلص من بعض الأصول المالية المقومة بالجنيه، والتحول إلى حيازة العملات الأجنبية (كالودائع بالدولار) وهذا يزيد الطلب علي العملة الأجنبية ويخفض الطلب علي العملة الوطنية(الجنية) ، وبالتالي يرتفع سعر العملة الأجنبية مقومة بالعملة الوطنية، أي يرتفع سعر صرف العملة الأجنبية في سوق الصرف المحلي.(39/27)
القناة الثالثة: نظرية تكافؤ القوة الشرائية:
وهي نظرية تصلح لتفسير تغير سعر الصرف في اقتصاد إسلامي، كما سبق وأشرنا عند عرض المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي، ولإيضاح نظرية تكافؤ القوة الشرائية كقناة لنقل اثر تغير المستوي العام للأسعار علي سعر الصرف، دعنا نبدأ بتعريف سعر الصرف الحقيقي بأنه:
حيث: RER: سعر الصرف الحقيقي، المستوي العام للأسعار الأجنبي،( p ) المستوي العام للأسعار المحلي،((e: سعر الصرف النقدي، والذي يعرف علي أنه عدد الجنيهات اللازمة لشراء دولار واحد في سوق الصرف الأجنبي المحلي في مصر. وفي ظل افتراض توازن التجارة في الأجل الطويل ، فإن قيمة الصادرات ستساوي قيمة الواردات، فإذا كانت (q):كمية الصادرات،: كمية ا لوا ردا ت ، فإن شرط توا زن ا التجارة يصبح :(T. D e r n b u r g,(1989,pp.29-31
ومن هذه المعادلة فإن :
وتسمي النسبةشروط التجارة، وبتحويل تلك المعادلة إلي صيغة تغيرات نسبية، نحصل علي:
وطبقا لنظرية تكافؤ القوة الشرائية ، كنظرية لتحديد سعر الصرف، والتي تتمسك بأن القوة التنافسية ستمنع سعر الصرف الحقيقي من التغير في الأجل الطويل، وبالتالي فلن يوجد تغير في الطرف الأيسر من المقدار السابق، بمعنى أن الطرف الأيسر= صفر، أي أن:
ومنها نستنتج أن التغير النسبي في سعر الصرف يصبح :
ففي اقتصاد إسلامي إذا كانت نسبة الأسعار الأجنبية أقل من نسبة الأسعار المحلية ، فإن التغير في سعر الصرف يصبح موجبا، أي أن : .
ففي ظل اقتصاد إسلامي فالفرض الأساسي لنظرية تكافؤ القوة الشرائية هو أن:
"سعر الصرف الاسمي يعكس المعدلات النسبية لمعدلات التضخم الداخلية والخارجية، فإذا كان معدل التضخم المحلي أعلي من معدل التضخم الخارجي، يرتفع سعر الصرف الاسمي، أي يرتفع سعر العملة الأجنبية مقومة بالعملة الوطنية"
القناة الرابعة: التوقعات التضخمية:(39/28)
يترتب علي استمرار ارتفاع المستوي العام للأسعار في الداخل ، استمرار معدل التضخم المتغير والمرتفع، وهذا يصاحبه قيام الأفراد بمراجعة توقعاتهم التضخمية إلي أعلي' ويؤدي أيضا إلي قيامهم بمراجعة توقعاتهم حول سعر صرف الدولار بالجنيه في المستقبل، ومن ثم زيادة الطلب علي الدولار علي حساب الجنيه Kraugman and Obstfeld(1994,pp.392-393)، ومع ثبات عرض الدولار ، يرتفع سعر الدولار مقابل الجنيه، وعلى هذا ففي اقتصاد إسلامي فإن:
"التوقعات التضخمية ، الناجمة عن ارتفاع مستوي الأسعار المحلي، يصاحبها ارتفاع سعر الصرف، مع ثبات العوامل الأخرى على حالها"
رابعا: صياغة نموذج الدراسة في ضوء المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي:
كما سبق الإشارة في المقدمة، تستهدف هذه الدراسة تقدير أثر المتغيرات النقدية في ظل اقتصاد إسلامي، متمثلة في المستوي العام للأسعار والأرصدة النقدية الحقيقية، والسياسة النقدية الخاصة بسعر الصرف علي سعر الصرف الاسمي للجنية المصري مقابل الدولار الأمريكي، وينوب عن السياسة النقدية الخاصة بسعر الصرف(سياسة سعر الصرف) متغير صوري يعكس التغيرات الفجائية التي طرأت علي سعر الصرف، ويقاس المستوي العام للأسعار بالرقم القياسي لأسعار المستهلك ، أما الأرصدة النقدية الحقيقية فتقاس بقسمة الأرصدة الاسمية علي الرقم القياسي للأسعار ( كمكش ). وبذلك فإن هدف الدراسة هو تفسير تقلبات سعر الصرف الأسمى بمتغيرات نقدية.
ونموذج الدراسة ذات طابع حركي dynamic يدخل عنصر الزمن صراحة في تقدير العلاقات، ويتم ذلك من خلال استخدام نموذج التعديل الجزئي لسعر الصرف ، ونموذج الفجوات الموزعة ذات الحدود لتقدير الأثر الكمي للمتغيرات النقدية علي تقلب سعر الصرف.
4-أ نموذج التعديل الجزئي لسعر الصرف:
يستهدف نموذج التعديل الجزئي partial adjustment model تقدير مرونة سعر الصرف(39/29)
(ER ) في الأجلين القصير والطويل بالنسبة للمتغيرات النقدية ،وبالتحديد المستوي العام للأسعار
(CPI) والأرصدة النقدية الحقيقية (RM) ثم تقدير المرونة الذاتية لسعر الصرف في الفترة (t ) بالنسبة لسعر الصرف في الفترة السابقة (t-1 )، تمهيدا لبيان مدي استقرار المسار الزمني لسعر الصرف في ضوء المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي.
4-أ:1 الافتراضات الأساسية لنموذج التعديل الجزئي:
يفترض نموذج التعديل الجزئي وجود قيمة توازنية لسعر الصرف ، هي القيمة طويلة الأجل أو المستوي المرغوب لسعر الصرف(ER*) (Greene ,2003,P.568)، وتضيف الدراسة افتراض أساسي آخر، وهو أن القيمة التوازنية طويلة الأجل لسعر الصرف هي مزيج خطي لكل من المستوى العام للأسعار والأرصدة النقدية الحقيقية، وهذا المزيج علي الصورة:
(1)
حيث () هي معلمات ثابتة، وحيث أ ن سعر الصرف الفعلي للجنية مقابل الدولار، لن يتعادل بالضرورة مع المستوى المرغوب لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار ،ومن ثم ستكون هناك محاولات مستمرة لتعديل المستوى الفعلي لسعر صرف الجنيه اتجاه المستوى المرغوب في كل فترة زمنية ، وطبقا لنظام الربط الزاحف Crawling-pegالذي يقع تحته نظام سعر الصرف الذي اتبعته مصر، فإن هذا التعديل يتم بطريقة تدريجية، ففي كل فترة زمنية، تحاول السلطات أن تقترب أكثر فأكثر من المستوى المرغوب لسعر الصرف ، بمعنى أن التعديل الذي يتم في أي فترة لن يسد الفجوة القائمة بين المستوي الفعلي وبين المستوى المرغوب لسعر الصرف، ولكن هذا التعديل سيكون جزئيا ولهذا ،اكتسب النموذج تسمية نموذج التعديل الجزئي
(Kmenta, 1986,P.329) .
4-أ:2المنطق الاقتصادي لنموذج التعديل الجزئي:
يستند المنطق الاقتصادي لنموذج التعديل الجزئي إلي مبدأ اقتصادي مضمونه "تدنية التكاليف التي يتحملها المجتمع، نتيجة انحراف سعر الصرف الفعلي عن سعر الصرف المرغوب".(39/30)
فإذا كان سعر الصرف الفعلي ( ER ) ينحرف عن المستوي المرغوب لسعر الصرف ( )، فإنه ينجم عن هذا الانحراف نوعان من التكاليف :( Kmenta,1986, P.530 )
النوع الأول: تكاليف تعديل اختلال التوازن The cost of disequilibruim :وهي تنجم عن انحراف سعر الصرف الفعلي عن مستواه التوارني ،وهذا الانحراف يأخذ الصورة التالية:
)
النوع الثاني: تكاليف التعديل الفعلي: ( The actual cost of adjustment ) وهي تنجم عن انحراف سعر صرف الفترة(t )عن سعر صرف الفترة ( t-1) ويأخذ هذا الانحراف الصورة التالية:
)
وبناءا علي هذين النوعين من التكاليف ،تصاغ دالة التكاليف الكلية لكلا النوعين من التكاليف علي الصورة التالية:
(2)
وبذلك يكون الهدف الاقتصادي هو البحث عن مستوى سعر الصرف الذي يدني تكاليف الانحراف في سعر الصرف الفعلي عن سعر الصرف المرغوب، وبتدنية التكاليف الكلية بالنسبة لسعر الصرف ،ومساواة المشتقة الجزئية بالصفر نحصل على:
ومن الشرط الضروري للتدنية في(3) يمكن اشتقاق فرض التعديل الجزئيpartial-adjustment hypothesis ، فبإعادة الترتيب نحصل علي1 :
(4)
والشرط الكافي لتدنية تكاليف تعديل سعر الصرف الفعلي اتجاه سعر الصرف المرغوب هو:
والمعادلة (4) تعطي الفرض الأساسي لنموذج التعديل الجزئي ، وهو الفرض الذي يحدد العلاقة بين المستوي الفعلي لسعر الصرف وبين مستواه المرغوب في الأجل الطويل ،ومن (4) يمكن اشتقاق الصيغة المحددة Deterministic-form للفرض الأساسي للتعديل الجزئي لسعر الصرف في الصيغة التقليدية:
(5)
وبإضافة حد الخطأ العشوائي نحصل علي الصيغة الاحتمالية للفرض الأساسي للتعديل الجزئي:
(6)(39/31)
والمقدار أقل من الواحد،لأنة في أي فترة زمنية لا يتعدل سعر الصرف الفعلي تعديلا كاملا بحيث يتعادل مع المستوي المرغوب لسعر الصرف، لأسباب متعددة سواء أكانت قيودا مؤسسية Institutional ، أو البطء في سلوك المتغيرات الاقتصادية أو وجود فجوات إبطاء زمني أو غيرها. وبوضع المقدار حيث أن المقدار ( 1-?) موجب وأقل من الواحد، فإن الفرض الأساسي في(6) يصبح:
(7)
4- أ:3 نموذج التعديل الجزئي لسعر الصرف القابل للتقدير:
المعادلة الأساسية لنموذج التعديل الجزئي لسعر الصرف في (1 )غير قابلة للتقدير لأنها تنطوي علي سعر الصرف التوازني طويل الأجل (أو المستوى المرغوب لسعر الصرف) وهو متغير غير مشاهد un-observable، ولهذا يأتي دور الفرض الأساسي لنموذج التعديل الجزئي لسعر الصرف في (7) ليستخدم في تحويل المعادلة (1) من معادلة غير قابلة للتقدير إلي معادلة قابلة للتقدير تحتوي علي متغيرات مشاهدة observable ،فمن (7) فإن:
ومن (8) فإن القيمة المتوقعة لسعر الصرف الفعلي في الفترة(t) هي المتوسط المرجح لمستوي سعر الصرف المرغوب والمستوي الفعلي لسعر الصرف في الفترة السابقة، وأوزان الترجيح هي وذلك بافتراض أن القيمة المتوقعة لحد الخطأ العشوائي= صفر.
وبالتعويض من (1) في(8) نحصل علي المعادلة القابلة للتقدير وهي:
…
والمعادلة(9) تعطي معادلة التعديل الجزئي لسعر صرف الجنيه قابلة للتقدير، لأنها تنطوي علي متغيرات مشاهدة، للفترة (t) والفترة ، وتسمي المعادلة(9) المعادلة قصيرة الأجل للتعديل الجزئي لسعر الصرف.(39/32)
وبتقدير هذه المعادلة نحصل علي القيم المقدرة للمعلمات المختزلة وهي: ثم نحصل علي المعلمات الهيكلية(السلوكية) وهي: . والمتغير العشوائيله قيم يفترض أنها تتوزع توزيعا طبيعيا،وقيمته المتوقعة= صفر، وتباينه ثابت. ولا يفرض نموذج التعديل الجزئي قيودا علي المتغير العشوائي،ولهذا فإن تقدير المعادلة (9)، يتميز بالبساطة ، فطالما أن قيم (لا ترتبط ارتباطا ذاتيا، فإن تطبيق طريقة(OLS) سيعطي مقدرات للمعلمات تتميز بالكفاءة، مع كبر حجم العينة. ويستخدم اختبار ((Durbin-h لاختبار فرض العدم الخاص بوجود ارتباط ذاتي بين قيم الخطأ العشوائي، لأن وجود سعر الصرف المبطئ ضمن المتغيرات التفسيرية يجعل إحصائية (DW) متحيزة تجاه قيمتها المثلي وهي(2).
4-أ: 4 التفسير الاقتصادي لمعامل التعديل والمعلمات الهيكلية:
1- معامل التعديل هو ، ويسمي معامل التعديل The coefficient of adjustment لأنه يشير إلي معامل تعديل سعر الصرف الفعلي (ER) اتجاه سعر الصرف المرغوب (ER*) ، وكلما اقترب معامل التعديل من الواحد، فإنه من(6)،(7) ،يعني هذا أن تكون صغيرة جدا بالمقارنة بقيمة ، وبالتالي تكون تكاليف اختلال توازن سعر الصرف أعلي بكثير من تكاليف التعديل الفعلي لسعر الصرف (أي تكاليف تعديل تجاه .
وإذا اقترب معامل التعديل من الصفر، فإن معني هذا أن تكون صغيرة جدا وتقترب من الصفر، أي أن تكون صغيرة جدا بالمقارنة بقيمة ،وبالتالي تكون تكاليف تعديل سعر الصرف الفعلي أعلى بكثير من تكاليف اختلال توازن سعر صرف الجنية مقابل الدولار.(39/33)
2-يمكننا معامل التعديل من تحديد عدد الفترات الزمنية اللازمة لسد نسبة من الفجوة القائمة بين سعر الصرف المرغوب وسعر الصرف الفعلي، ولتكن هذه النسبة هي. فبعد فترة زمنية واحدة سيتم تغطية نسبة من الفجوة هي ، وستظل من الفجوة بدون تغطية نسبة هي، وبعد نهاية الفترة الثانية سيتم تغطية مقدار يعادل وهو ما يعادل ومن ثم يتبقى من الفجوة نسبة هي،وبعد عدد من الفترات مقدارها سيتم تغطية من الفجوة ولهذا فإن النسبة التي ستغطى من الفجوة بعد عدد من الفترات هي:
ومنها
وبأخذ لوغاريتم الطرفين:
ومن هذه المعادلة يمكن حساب عدد الفترات اللازمة لتغطية نسبة من الفجوة بين سعر الصرف الفعلي و سعر الصرف المرغوب كما يلي:
(10)
4-ا: 5 تقدير المعلمات الهيكلية لمعادلة التعديل الجزئي :
بعد تقدير معلمات المعادلة قصيرة الأجل للتعديل الجزئي لسعر الصرف رقم(9)، سنحصل علي تقدير لقيمة المعلمةوهى معلمة سعر الصرف المبطئ، ومنها نستطيع الحصول على المعلمات السلوكية طويلة الأجل لسعر الصرف كما يلي:
حيث في حالة معامل المستوى العام للأسعار، في حالة معامل الأرصدة النقدية الحقيقة،في المعادلة رقم(1).
وإذا كانت المتغيرات في المعادلة(9) مقاسة في صورة لوغاريتمية، فإن ستكون هي المرونة طويلة الأجل لسعر الصرف بالنسبة لمتغير تفسيري معين، حيث انه في هذه الحالة مثلا بالنسبة للمعلمة :
وهذه المرونة تفترض إتمام عملية التعديل الجزئي لسعر الصرف الفعلي اتجاه سعر الصرف المرغوب ،بحيث يقترب سعر الصرف الفعلي من سعر الصرف المرغوب، فبعد فترة طويلة جدا، تصبح (n) كبيرة جدا، وحيث أن فإن تقترب من الصفر مع اقتراب من ما لانهاية، وبالتالي تصبح المرونة طويلة الأجل لسعر الصرف وآلتي تأخذ في الحسبان إتمام عملية التعديل الجزئي هي:(39/34)
ومن ثم فإن مثلا تعني أن تغير المستوى العام للأسعار بنسبة(1%) يغير سعر الصرف طويل الأجل بنسبة ،ولكن بعد أن يتم تعديل سعر الصرف الفعلي بحيث يقترب جدا من سعر الصرف المرغوب يصبح:
أما بالنسبة للمرونة قصيرة الأجل: فبعد فترة قصيرة ولتكن فترة زمنية واحدة, كما في الدراسة الحالية،فإن تعديل سعر الصرف الفعلي اتجاه سعر الصرف المرغوب سيتم بنسبةومن ثم يتبقى بدون تعديل، وبالتالي يجب استبعاد المقدار الذي بقي بدون تعديل من المرونة طويلة الأجل لنحصل علي المرونة قصيرة الأجل، وتحسب كما يلي:
وهذا المقدار بالتحديد هو معاملات المعادلة (9).
وبنفس المنطق فإن المرونة طويلة الأجل لسعر الصرف بالنسبة للأرصدة النقدية الحقيقية هي،أما المرونة قصيرة الأجل فهي .والمرونة طويلة الأجل لسعر الصرف تعني أن التغير في المستوي العام للأسعار بنسبة (وبمقدار نقطة واحدة) يفضي إلي تغير سعر الصرف بنسبة في الأجل القصير وإلي تغير (بنسبة في الأجل الطويل، وبعد الأخذ في الاعتبار تعديل سعر الصرف الفعلي اتجاه سعر الصرف المرغوب بنسبة ، وحيث أن التعديل غير كامل فإن سعر الصرف الفعلي سيختلف عن سعر الصرف المرغوب ومن ثم تصبح المرونة طويلة الأجل أكبر باستمرار من المرونة قصيرة الأجل،لأن الأجل الطويل يسمح بإمكانية التغلب علي كثير من القيود المؤسسية والسوقية،بما يمكن من تعديل أكبر جزء من الفجوة بين سعر الصرف الفعلي وسعر الصرف المرغوب، فالمرونة طويلة الأجل تساوي المرونة قصيرة لأجل مضاف إليها التعديلات طويلة الأجل في سعر الصرف.
4-أ:6 تقدير نموذج التعديل الجزئي لسعر الصرف:
(1) فترة الدراسة:هي (1971-2000).
(2) مصدر البيانات:هي الإحصاءات المالية الدولية (IFS)،العدد السنوي (2001) في الصفحات (434-437)عن المتغيرات التالية:
(ا) سعر الصرف السوقي الاسمي،ورمزهER)) ومعرفا علي أنه عدد الجنيهات لكل دولار، وبياناته سنوية في السطر (WE).(39/35)
(ب) الأرصدة النقدية الحقيقية: ورمزها (RM) ، وتعرف على أنها العرض النقدي الاسمي بالمفهوم الضيق ،والذي يشتمل علي العملة المتداولة خارج الجهاز المصرفي ،بالإضافة إلى الودائع القابلة للتداول وهذه هي المكونات الأكثر توافقا مع مسلمات الاقتصاد الإسلامي. وبيانات العرض النقدي الاسمي في سطر(34) من (IFS) ،ومقسومة على المستوى العام للأسعار ورمزه(CPI) في سطر (64)من (IFS) أيضا، لنحصل من خارج القسمة علي الأرصدة النقدية الحقيقية .
(ج)الرقم القياسي للمستوي العام للأسعار: ورمزهCPI))، وهو الرقم القياسي لأسعار المستهلك ، في سطر(64) من (IFS).
(د) المتغير الذي ينوب عن سياسة سعر الصرف: ورمزه (Dumy) وهو متغير صوري، يأخذ
قيما=1في السنوات التي حدثت فيها قفزات في سعر الصرف الاسمي وهي(1979-1980)،
(1989-1990)، (1999-2000) ويأخذ قيما= صفر في السنوات الباقية من فترة الدراسة، حيث ساد ثبات سعر الصرف الاسمي، وفقا لنظام سعر الصرف الذي أتبع في مصر، والشكل رقم( 1) يوضح القفزات آلتي حدثت في سعر الصرف الاسمي.
نظام سعر الصرف: نظام سعر الصرف الذي أتبعته مصر وفقا لتصنيف صندوق النقد الدولي (IFS,2001 14-15) وهو أسعار الصرف المربوطة داخل نطاقات أفقيةpegged exchange within horizontal bands وبمقتضى هذا النظام فإن قيمة الجنيه يتم المحافظة عليها داخل هوامش للتقلب حول ربط ثابت Fixed peg يكون أوسع من حول سعر صرف مركزي.
شكل رقم(1):سعر الصرف الاسمي للدولار مقابل الجنيه المصري
الصيغة التى على أساسها تم تقدير النموذج: هي صياغة خطية لوغاريتمية مزدوجة double-log linear لكل من سعر الصرف الاسمي(LER) والمستوى العام للأسعار(CPI) والأرصدة النقدية الحقيقية(LRM)، وسعر الصرف المبطئ فترة زمنية واحدة(LGER) لسعر الصرف ومن ثم فصورة النموذج المقدر للتعديل الجزئي لسعر الصرف في الأجل القصير هي:
نتائج التقدير وتفسيرها:(39/36)
النموذج المقدر: في مخرجات الكمبيوتر التالية نتائج التقدير، ونتناولها كما يلي:
1. اختبار الارتباط الذاتي بين قيم الأخطاء العشوائية للانحدار.
2. التفسير الاقتصادي لمعامل التعديل.
3. مرونات سعر الصرف في الأجل القصير.
4. مرونة سعر الصرف بالنسبة للمستوى العام للأسعار في الأجل القصير.
5. المرونة الذاتية والمرونة الحركية الذاتية لسعر الصرف.
6. مرونات سعر الصرف في الأجل الطويل.
7. استنتاج الفروض الأساسية آلتي تحكم العلاقة بين سعر الصرف والمتغيرات النقدية.
جدول رقم (1)النموذج المقدر
REGRESS;LHS=LER;RHS=ONE,DUMY,LCPI,LGER;AR1$
Ordinary Least Squares regression ; Weighting variable=none
Dep. Var.=LER Mean=.1076807674, SD=.891396457
Model size: Observations=29; Parameters=5, Deg. Fr.=24
Model fit…=.968…=.96277
Model test F[4,24]=182 P-VALUE=.000
Autocorrel: D.W =1.23127 …
Variable
Coefficient
Standard error
T-statistc
P-value
Mean of X
Constant
1.601010919
1.1733992
1.364
.1851
DUMY
-.234965255
.14431771
-1.628
.1166
.5862069
LCPI
.213727065
.10085379
2.119
.0446
3.2793429
LGER
.865717379
.15268952
5.670
.000
.03393954
LRM
-34032365
.17618800
-1.932
.0653
6.129043
النموذج بعد تصحيح الارتباط الذاتي:
AR(1) MODEL
Initial value of
Iter=44 ,
SS=.603
Log-L=14.905094
Final value of Rho
Durbin-Watson:
Std. Deviation:
Std. Deviation:
Durbin-Watson
Autocorrelation
Variable
Coefficient
Std. Error
T-Statistic
p-value
Mean of X
Constant
1.12994893
1.2475938
.906
.3651
Dumy
-.20287846
.14656827
-1.384
.1663
.5862069
LCPI
.2775016714
.12716802
2.182
.0291
3.2793429
LRM
-.299505734
.19328099
-1.550
.1212
6.1290443
LGER
.7630691343
.17908538
4.261
.00000
.033939554
.4274016835
.17085163
2.502
.0124(39/37)
(1) اختبار الارتباط الذاتي: نظرا لوجود القيمة المبطئة لسعر الصرف ضمن المتغيرات التفسيرية لسعر الصرف(LGER) ،فإن إحصائية (DW) المقدرة لا تصلح لاختبار فرض العدم (بعدم وجود ارتباط ذاتي بين قيم الخطأ العشوائي للانحدار ) لأنها تكون متحيزة اتجاه قيمتها المثلى وهى (2) ، مما يفضي إلي قبول فرض العدم غالبا، بالرغم من وجود ارتباط ذاتي في الحقيقة ولذلك تستخدم إحصائية(durbin-h) ، ولكي نحسب إحصائية (h) ، نحتاج إلي البيانات التالية:
(ا) عدد المشاهدات(N)
(ب) إحصائية (DW) المقدرة ولنرمز لها بالرمز(d).
(ج) تباين المتغير التفسيري المبطئ ولنرمز له بالرمز( Var(LGER.
ولهذا فإن إحصائية الاختبار هي:
وعند تقدير النموذج بطريقة (OLS) كانت قيمة(h) هي:
=3.637
ونظرا لأن (h) لها قيم موزعة توزيعا طبيعيا معياريا فقيمتها تقارن بقيم توزيع (Z)،وهو المتغير الطبيعي المعياري ، وحيث أن وهي أكبر من قيمة
(z=1.96) ، فهناك مؤشر علي وجود ارتباط ذاتي.
ولهذا تم إعادة تقدير النموذج باستخدام المربعات الصغرى العامة المنظورة
(FGLS) ولتقدير معلماتها استخدمت طريقة Praise-Winston two step method لعلاج الارتباط الذاتي، وكانت قيمة إحصائية (Durbin-h) في ظل هذه التقديرات الجديدة هي:
وهذه القيمة أقل من قيمة(z=1.96) ، ومن ثم فإننا لا نستطيع رفض فرض العدم بأن معامل الارتباط الذاتي المقدر لا يختلف معنويا عن الصفر، ومن ثم فإن قيم المتغير العشوائي المحول في النموذج المحول بطريقة(P-W two step method) غير مرتبطة ذاتيا.
(2) التفسير الاقتصادي لمعامل التعديل:
عرفنا أن معامل سعر الصرف المبطئ (في صورة لوغاريتمية) آي LGER هو ، ومعامل التعديل ، ومن النموذج المقدر فإن :
?=.763
وبالتالي فإن معامل التعديل يصبح:
(1-?)=1-.763=.237(39/38)
وهذه القيمة لمعامل التعديل تشير إلي أن((23.7% من الفجوة بين سعر الصرف الفعلي وسعر الصرف المرغوب سيتم تغطيتها في السنة الأولي. وإذا كان معامل التعديل منخفضا، فإن هذا إشارة إلي وجود عقبات هيكلية عديدة ومشاكل اقتصادية تحول دون جعل سعر الصرف الفعلي على مسار سعر الصرف المرغوب. وانخفاض معامل التعديل ، يشير إلى أن صغيرة بالمقارنة مع ، بمعنى أن تكاليف تعديل اختلال توازن سعر صرف الجنية مقابل الدولار (وهى تكاليف تنجم عن انحراف سعر الصرف الفعلي عن مستواه التوازني) أقل بكثير من تكاليف التعديل الفعلي لسعر الصرف(وهى تكاليف تنجم عن انحراف سعر صرف الجنيه مقابل الدولار في الفترة(t) عن مستوى سعر الصرف في الفترة (t-1).
وفى ضوء هذه القيمة لمعامل التعديل، فإن عدد السنوات آلتي يستغرقها تغطية ( (90%من الفجوة بين سعر الصرف الفعلي وسعر الصرف المرغوب(المخطط) هو:
= 8.5 years
إذا عدد السنوات التي يستغرقها تغطية(90%) من الفجوة بين سعر الصرف المرغوب سعر الصرف الفعلي هو8.5)) سنوات، ومن ثم فإن الفجوة تصبح في حدود(( 10% بعد (8.5) سنوات.
(3) مرونة سعر الصرف في الأجل القصير:
تعطى المعاملات المقدرة للمتغيرات التفسيرية المرونات قصيرة الأجل لسعر الصرف بالنسبة للمتغيرات. وتلك المعاملات هي الصيغ المختصرة reduced form ، وصيغتها العامة:
ويلاحظ من مخرجات الكمبيوتر أن معامل لوغاريتم المستوى العام للأسعار ومعامل لوغاريتم سعر الصرف المبطئمعنويان، فالأول معنوي عند مستوى معنوية(3%) والثاني معنوي جدا عند مستوى1%)).(39/39)
أما المعامل المقدر للمتغير الصوري(Dumy) ومعامل لوغاريتم الأرصدة النقدية الحقيقية (LRM) غير معنويين حتى عند مستوى (10%) ، بمعنى أن كلاهما لا يختلف معنويا عن الصفر عند10%)) ، وعلاوة على أن إشارة كلاهما سالبة مخالفة للتوقعات المسبقة، والتي تقرر أن تكون الإشارتان موجبتين. كما أن ثابت الانحدار غير معنوي أيضا عند مستوى معنوية(10%).
(4) مرونة سعر الصرف بالنسبة للمستوى العام للأسعار:
سبق الإشارة إلي أن مرونة سعر الصرف بالنسبة للمستوى العام للأسعار تختلف معنويا عن الصفر عند مستوي (3%) والقيمة المقدرة لهذا المعامل هي (.2775) ، وهذه هي المرونة قصيرة الأجل ، وهى تعنى أن كل تغير في المستوى العام للأسعار بنسبة (10%) يترتب علية تغير في سعر الصرف بنسبة (2.775%) ، ويكون بذلك سعر الصرف غير مرن بالنسبة للمستوى العام للأسعار في الأجل القصير ، ففي الأجل القصير يكون سعر الصرف أقل قدرة على التكيف مع التغيرات آلتي تطرأ على المستوى العام للأسعار، وكما سنرى حالا فإن مرونة سعر الصرف بالنسبة للمستوى العام للأسعار في الأجل الطويل =1.7124 وهى مرونة أكبر من الواحد، مما يعنى أن سعر الصرف حساس للتغيرات في المستوى العام للأسعار في الأجل الطويل حيث يتكيف سعر الصرف في الأجل الطويل للتغيرات التي تطرأ علي سعر الصرف في فترات سابقة.
(5) المرونة الذاتية والمرونة الحركية لسعر الصرف:(39/40)
يمكن أن نطلق على مرونة سعر الصرف في الفترة(t) بالنسبة لسعر الصرف في الفترة السابقة على (t) بالمرونة الذاتية لسعر الصرف، وهى نسبة التغير في سعر الصرف الفترة(t) الناجم عن تغير سعر صرف فترة سابقة (t-1)بنسبة(1%) وتلعب المرونة الذاتية لسعر الصرف دورا جوهريا في تحديد مدى ونطاق التقلب في سعر الصرف. وهذه المرونة تعكس أثر السلوك الماضي لسعر الصرف على سلوك سعر الصرف السائد في الفترة الحالية، وهو أثر سوف يكون مستمرا، وقد يكون متناقص أو متزايد ، مما يزيد أو يخفض تقلبات سعر الصرف، وهذا يتوقف على قيمة المرونة الذاتية الحركية لسعر الصرف، وهى النقطة التي سنلقى عليها الضوء فيما بعد.
ومن النموذج المقدر، عرفنا أن معامل لوغاريتم الأرصدة النقدية الحقيقية (LRM ) ومعامل المتغير الصوري (Dumy) ، وثابت الانحدار لا يختلفون معنويا عن الصفر، فإذا وضعنا قيم هذه المعلمات تساوى صفرا، واقتصرنا على المعلمات المعنوية إحصائيا، أصبح النموذج المقدر على الصورة:
(11)
وإذا افترضنا أن المستوى العام للأسعار يأخذ القيمة التالية:CPI=220
ومن ثم فإن اللوغاريتم الطبيعي لتلك القيمة هو:
LCPI=5.3936754635
وبإعادة كتابة هذه المعادلة على الصورة:
وهذه معادلة فروق غير متجانسة من الدرجة الأولى لسعر الصرف، وصورتها الرمزية وفقا لنموذج التعديل الجزئي هى:
(12)
حيث: هي المرونة الذاتية لسعر الصرف (أي مرونة سعر الصرف في فترة ما (t) بالنسبة لمستوى سعر الصرف في فترة سابقة، على الفترة (t))، هي المرونة السعرية لسعر الصرف( مرونة سعر الصرف بالنسبة للمستوى العام للأسعار) في الأجل القصير.
وبوضع ، وحل المعادلة رقم((12 بالنسبة لسعر الصرف يمكن تحديد:
(أ) المسار الزمني لسعر الصرف، وما إذا كان سعر الصرف يقترب من أو يبتعد-مع الزمن- عن المستوى التوازني لسعر الصرف.
(ب) دور المرونة الذاتية في تحديد الاقتراب أو الابتعاد عن المستوى لتوازني لسعر الصرف.(39/41)
وحل معادلة الفروق السابقة يتكون من جزأين (Chiang,1986,PP.554-555):
الأول:يمثل المستوى التوازني لسعر الصرف المتداخل زمنياintertemporal equilibrium level .
الثاني يمثل الانحراف في المسار الزمني لسعر الصرف عن المستوى لتوازني.
وحل هذه المعادلة سيأخذ الصورة التالية:
ونهاية هذا الحل عندماهي:
وحيث أن القيم المقدرة هي: c=1.48594438902, ?=.763 ، فإن القيمة التوازنية طويلة الأجل للوغاريتم سعر الصرف تصبح:
أي أن سعر الصرف التوازني طويل الأجل هو:
فسعر الصرف التوازني الذي يجب أن يسود في الأجل الطويل هو (5.28)جنيهات لكل دولار، في ظل افتراض قيمة للمستوى العام للأسعار= 220.
وعلينا أن نحدد ما إذا كان نموذج التعديل الجزئي يفضي إلى نموذج مستقر حركيا أم غير مستقر لسعر الصرف، وما هي شروط هذا الاستقرار ؟
لمعرفة مدى استقرار سعر الصرف حركيا في ظل نموذج التعديل الجزئي في ظل ثبات المستوى العام للأسعار فإننا نقف عند الحد في الدالة لأنه يمثل الانحرافات deviations عن مستوى التوازن المتداخل زمنيا intertemporal-equilibrium level ، ومن الواضح أنه سيعتمد على وهى المرونة الذاتية لسعر الصرف، ولكن المقدار يسمى المرونة الذاتية الحركية لسعر الصرف auto-dynamic elasticity ، فإذا كانت :
(أ) : بمعنى أن سعر الصرف مرن ذاتيا ، فإن المرونة الحركية الذاتية تكون متزايدة مع الزمن ، ومن ثم سيبتعد المسار الزمني لسعر الصرف عن المسار التوازني ، ولن يكون التوازن مستقرا.
(ب) : فإن سعر الصرف يكون غير مرن ذاتيا ، ومن ثم فإن المرونة الحركية الذاتية تكون متناقصة مع الزمن، وبالتالي تتناقص الدالة المكملة مع الزمن ويؤول سعر الصرف في النهاية إلى المستوى التوازني.
وحيث أن نموذج التعديل الجزئي أعطى قيمة مقدرة فإن نموذج التعديل الجزئي يستوفى شرط استقرار التوازن، بافتراض ثبات العوامل الأخرى المؤثرة على سعر الصرف.(39/42)
ويوضح الجدول رقم( 2 ) العلاقة بين قيم مختلفة للمستوي العام للأسعار وسعر الصرف التوازني طويل الأجل مقدرة طبقا لنموذج التعديل الجزئي.
جدول رقم(2 ) القيم المقدرة لسعر الصرف طويل الأجل(ER)
مشروطة بقيم معينة للمستوي العام للأسعار(CPI)
CPI
LER
ER
150
5.8246
338.525
160
5.8992
364.899
170
5.97009
391.543
180
6.03654
418.442
190
6.09939
445.585
200
6.15901
472.962
210
6.21573
500.562
220
6.26981
528.376
230
6.32148
556.396
240
6.37095
584.615
250
6.41841
613.02
ومن الواضح أن هناك علاقة طردية ومباشرة بين سعر الصرف التوازني طويل الأجل والمستوي العام للأسعار،وعلي هذا يمكن اعتبار ارتفاع المستوي العام للأسعار المتغير الأساسي في ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في مصر .
(6) مرونات سعر الصرف في الأجل الطويل:
سبقت الإشارة إلى أن قيم الصيغ المختصرة للنموذج قصير الأجل، تعطي المرونات قصيرة الأجل لسعر الصرف بالنسبة للمتغيرات التفسيرية ، ومن تلك الصيغ يمكن تقدير المرونات طويلة الأجل. ومرونة سعر الصرف قصير الأجل هي ، ولقد تم تقدير تلك المرونات، وتم تقدير(?) ،وبناء على تلك التقديرات فإن المرونة طويلة الأجل هي:
وبناء على ذلك ، فإن المرونة طويلة الأجل لسعر الصرف بالنسبة لمتغيرات النموذج وهي: ، لها القيم المقدرة التالية:
1- ثابت الانحدار
2- معاملDumy
3- معاملLCPI
4- معاملLRM
وهذه هي القيم المقدرة للمعلمات الهيكلية (أو المعلمات السلوكية) لنموذج التعديل لسعر الصرف طويل الأجل،والذي يفترض إتمام تعديل سعر الصرف الفعلي اتجاه سعر الصرف المرغوب، ويصبح النموذج طويل الجل على الصورة:
(18)
ومن الواضح أن المرونات طويلة الأجل أكبر من المرونات قصيرة الأجل، كما هو متوقع، ولكن المرونات التي كانت غير معنوية في الأجل القصير، تظل أيضا غير معنوية في الأجل الطويل.(39/43)
وعلى هذا تصبح مرونة سعر الصرف بالنسبة للمستوى العام لأسعار هي المرونة المعنوية الوحيدة أيضا في الأجل الطويل، ومن الواضح أن تلك المرونة (=1.7124) أكبر من الواحد مما يدل على أن سعر الصرف مرن بالنسبة للمستوى العام للأسعار في الأجل الطويل ، فإذا تغير المستوى العام للأسعار بنسبة (10%) فإن سعر الصرف يتغير في نفس الاتجاه بنسبة 2.775%)) في الأجل القصير، ولكن بعد إتمام عملية التعديل وتكيف سعر الصرف في الفترة الحالية لسعر الصرف في الفترات السابقة، يتغير سعر الصرف-في الأجل الطويل- في نفس اتجاه المستوى العام للأسعار وبنسبة (17.124%) مما يدل على أن تغيرات المستوى العام للأسعار تلعب دورا جوهريا في التأثير علي سعر الصرف.
(7) نتائج النموذج المقدر للتعديل الجزئي: وفي ختام التحليل السابق ، وفي ضوء المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي ، نخلص إلي الفروض الأساسية التالية:
1. "يتغير سعر صرف الجنية المصري مقابل الدولار الأمريكي في فترة معينة ،في نفس اتجاه تغير المستوي العام للأسعار ، وبدرجة تتوقف على درجة تكيف سعر الصرف في الفترات السابقة لها، فمع زيادة درجة التكيف، تزداد درجة استجابة تغيرات سعر الصرف مع تغيرات المستوى العام للأسعار"
2. "إن نموذج التعديل الجزئي هو نموذج للتوازن المتداخل زمنيا لسعر الصرف وأن هذا التوازن يميل إلي الاستقرار في الأجل الطويل ، وذلك لأن المرونة الذاتية لسعر الصرف في الأجل القصير موجبة وأقل من الواحد، وأن المرونة الحركية الذاتية تتناقص مع الزمن مما يؤدى إلي اقتراب المسار الزمني لسعر الصرف من المستوى التوازني المتداخل زمنيا."
3. "إن ارتفاع المستوي العام للأسعار هو المتغير الأساسي الذي يسبب ارتفاع سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري".(39/44)
4. "إن مرونة سعر الصرف بالنسبة للمستوى العام للأسعار في الأجل الطويل أكبر من نفس المرونة في الأجل القصير، فسعر الصرف غير مرن بالنسبة للمستوى العام للأسعار في الأجل القصير، ولكنه يصبح مرنا في الأجل الطويل بعد إتمام عملية التكيف".
4-ب نموذج الفجوات الزمنية وقياس الأثر المضاعف:
يستهدف النموذج في هذا الجزء قياس الآثار المضاعفة قصيرة وطويلة الأجل على سعر صرف الجنية مقابل الدولار الأمريكي والناتجة عن المستوى العام للأسعار والأرصدة النقدية الحقيقية. وهذه الآثار المضاعفة تعرف باسم المضاعف (Greene,2003,P.561) والنموذج المستخدم في التقدير هو نموذج الفجوات الزمنية الموزعة ذات الحدود polynomial-distributed-lag model والذي قدمته
(S. Almon).
وهذا النموذج يبدأ بصيغة فجوات زمنية موزعة تبدأ من الفترة حتى على الصورة:
(19)
وبالتجميع:
(20)
ويعرف المضاعف قصير الأجل impact-multiplier لأثر المستوى العام للأسعار على سعر الصرف بأنه ولأثر الأرصدة الحقيقية بأنه ، .وهذا المضاعف يقيس التغير في سعر صرف الفترة الحالية الناجم عن التغير في المتغير التفسيري بوحدة واحدة .
أما المضاعف طويل الأجل آو الأثر التراكمي cumulated-effect فهو يقيس التغير الدائم في المتغير التفسيري في الفترات من(t) حتى (t-m) على سعر الصرف في الفترة الحالية. فالأثر التراكمي إذا يقيس التغير في سعر صرف الفترة الحالية والناجم عن(1) المتغير التفسيري الخاص بالفترة الحالية ، (2) التغير الذي يطرأ على المتغير التفسيري في الفترات السابقة، وبناءا علي ذلك فإن:
المضاعف طويل الأجل لأثر مستوى الأسعار على سعر الصرف=
والمضاعف طويل الأجل لأثر الأرصدة الحقيقية على سعر الصرف=(39/45)
وحيث أن تقدير هيكل إبطاء طويل مثل الهيكل الذي توضحه المعادلة((19 ، يستنفد عددا كبيرا من درجات الحرية، وعددها غالبا محدود في نموذج مثل نموذجنا، كما أن تقدير نموذج به متغيرات تفسيرية مبطئة زمنيا ، يفضي إلي ارتباط خطى متعدد multicollinearity بين قيم المتغيرات التفسيرية وقيمها المبطئة، مما يؤثر علي دقة تقدير المعلمات ودرجة تحيزها وإشاراتها. وللتخلص من بعض تلك المشاكل، يتطلب الأمر بعض الشروط المسبقة عن شكل هيكل الفجوات الموزعة، وهذه الشروط تتمثل في ظل هيكل إبطاء متعدد الحدود polynomial lag في افتراض إعطاء أوزان موجبة للمتغيرات التفسيرية، بحيث يمكن تقريب هذه الأوزان بدالة مستمرة، وبحيث تكون درجة متعددة الحدود أقل من عدد حدود الإبطاء مطروحا منها واحد، وحتى يكون هناك تخفيض في عدد معلمات الإبطاء المطلوب تقديرها، وهو ما يسمح بزيادة درجات الحرية. (Pindyck and Rubinfeld,
1991,P.210) .
وسنفترض في نموذج سعر الصرف الحالي ، هيكل إبطاء لمدة ثلاث سنوات، وهذا يعنى أن سعر الصرف في الفترة (t) يتأثر بالمستوى العام للأسعار والأرصدة النقدية الحقيقية ليس فقط في الفترة (t) ولكن في الفترات (t-1)، (t-2) ،(t-3) ، وعلي هذا يصبح هيكل الإبطاء الموزع لمدة ثلاث سنوات، ومن ثم تكون درجة متعددة الحدود هي الدرجة الثانية، وستوضع بالنسبة للمتغيرين التفسيرين على النحو التالي:
(21)
(22)
وبالتعويض من (21)، (22) في ((19 وتجميع المقادير المتماثلة نحصل علي:
(23)
والمعادلة(23) هي التي سيتم تقدير معلماتها، والعلاقة بين معلمات(23 ) ومعلمات ((19 هى
كما يلى:
CPI معلمات
معلماتRM
ثابت الانحدار(39/46)
وقد تضاف قيود إضافية،تعرف بقيد نقطة النهاية end-point restriction متمثلة في أن قيمة المعلمة السابقة علي البداية=صفر، وقيمة المعلمة اللاحقة على نقطة النهاية=صفر، وفي النموذج الحالي تتمثل تلك القيود في: ) ولكن بروفيسور Kmenta يوصى بعدم فرض تلك القيود ، لأن النموذج ينطوي علي الأوزان ، فقط ولا يعطى أية معلومات عن سلوك متعددة الحدود خارج هذا المدى (قبل أو بعد ) .
تقدير النموذج: تم استخدام طريقة المربعات العامة الصغرى المنظورة(FGLS) لتقدير النموذج، ومن خلال طريقة(praise-Winston two stage procedure)، وتم الحصول علي النتائج يوضحها الجدول التالي رقم3)):
جدول رقم(3)
| AR(1) Model:e(t) = rho * e(t-1) + u(t) |
| Durbin-Watson: u(t) = 1.60787 |
| Autocorrelation: u(t) = .19607 |
Variable | Coefficient | Standard Error |b/St.Er.|P[|Z|>z]
Constant -.3057507409 .47963698 -.637 .5238
DUMY .3732281541 .19504389 1.914 .0557
CPI000 .2633307384E-01 .11619033E-01 2.266 .0234
CPI001 -.9774815782E-02 .25773487E-01 -.379 .7045
CPI002 -.1699743528E-02 .87724149E-02 -.194 .8464
RM000 .3149010955E-02 .10865529E-02 2.898 .0038
RM001 -.4174837396E-02 .20984391E-02 -1.989 .0466
RM002 .9336257147E-03 .66383866E-03 1.406 .1596
RHO .8296490670 .10367097 8.003 .0000
Polynomial Distributed Lag for CPI
Lag Weights Std. Err. t-ratio Prob.
-------------------------------------------
0 .2633E-01 .1162E-01 2.27 .0234|
1 .1486E-01 .9837E-02 1.51 .1309|
2 -.1553E-04 .8753E-02 .00 .9986|
3 -.1829E-01 .1465E-01 -1.25 .2120|
+--------------------+
Polynomial Distributed Lag for CPI
Lag Sum Wts Std. Err. t-ratio Prob..
-----------------------------------------
0 .2633E-01 .1162E-01 2.27 .0234|(39/47)
1 .4119E-01 .1268E-01 3.25 .0012|
2 .4118E-01 .1411E-01 2.92 .0035|
3 .2289E-01 .5123E-02 4.47 .0000|
+----------------+----------------+
Polynomial Distributed Lag for RM
Lag Weights Std. Err. t-ratio Prob.
0 .3149E-02 .1087E-02 2.90 .0038|
1 -.9220E-04 .6735E-03 -.14 .8911|
2 -.1466E-02 .7143E-03 -2.05 .0401|
3-.9729E-03 .9566E-03 -1.02 .3091
polynomial Distributed Lag for RM
Lag Sum Wts Std. Err. t-ratio Prob.
-----------------------------------------+--
0 .3149E-02 .1087E-02 2.90 .0038
1 .3057E-02 .1068E-02 2.86 .0042|
2 .1591E-02 .1075E-02 1.48 | .1389|
3 3.6178E-03 .8931E-03 .69 .4891
----------------+----------------+
من المخرجات ، يلاحظ أن معامل الارتباط الذاتي للبواقي المحولة هو:وهى تشير إلى ارتباط ذاتي ضعيف ، وقريب من الصفر، وأما قيمة إحصائية اختبار الارتباط الذاتى المقدرة للبواقى هي () ، فتقع في منطقة عدم الحسم ، وهذا يرجع إلي كبر عدد المعلمات المقدرة (7معلمات خلاف ثابت الانحدار) وصغر حجم العينة(، ولكن عموما معامل الارتباط الذاتي ضعيف، ويمكن التجاوز عنه.
4-ب:1 تقدير أثر السياسة الاقتصادية لسعر الصرف:
ينوب عن السياسة الاقتصادية متغير صوري (Dumy) والمعامل المقدر له (0.373228154) وهو موجب ويختلف معنويا عن الصفر عند مستوى (6%) . وهذا يشير إلى أن السياسة الاقتصادية التي اتبعتها السلطات النقدية بخصوص سعر الصرف ساهمت مساهمة مؤثرة في رفع قيمة الدولار مقابل الجنية.
وكما أشرنا من قبل تصنف السياسة الاقتصادية الخاصة بسعر الصرف التي اتبعتها مصر حتى أواخر يناير(2003 ) "بسياسة ربط أسعار الصرف داخل نطاقات أفقية pegged exchange rates with horizontal bands)) ، وهي سياسة يتم بمقتضاها المحافظة على قيمة الجنية داخل هوامش تتقلب أوسع من( حول سعر مركزي IFS,2001,PP.14-15)).(39/48)
ولقد كانت سياسة سعر الصرف التي اتبعتها السلطات النقدية فعالة إلى حد ما، بحيث ظل سعر صرف الجنيه مقابل الدولار مستقرا لفترات طويلة، خلال عقد التسعينات من القرن العشرين، ثم ظهرت الضغوط المضاربية على سعر الجنيه مقابل الدولار بشكل مكثف ، منذ عام (1999) فقفز سعر الدولار مقابل الجنيه من (3.5)إلي (4.5) جنيه لكل دولار ، وظل السعر الذي حددته السلطات منذ حوالي عام((2000 في حدود(4.5إلى 4.6 ) جنيهات للدولار، وفى محاولة للتكيف مع فجوة فائض الطلب علي الدولار في مصر تم الإعلان عن إتباع نمط من أنماط تحرير سعر صرف الجنية مقابل الدولار ، قفز السعر الرسمي بمقتضاه إلي أكثر من ستة جنيهات للدولار.
ولقد ساهمت عوامل عديدة في تدهور قيمة الجنيه مقابل الدولار وغيره من العملات، وأهمها زيادة الطلب علي الواردات، مع زيادة بطيئة في الصادرات، ولكن فجوة الطلب الزائد على الدولار، بالإضافة إلي ارتفاع المستوى العام للأسعار وزيادة عرض الأرصدة النقدية الحقيقة ، ساهمت في فقدان الجنيه جزء كبير من قوته الشرائية ، مع التحول إلي اقتناء الدولار كمستودع للقيمة ، وحدوث إحلال نقدي للدولار محل الجنيه، وهو الأمر الذي يصعب السيطرة عليه، دون إجراءات تفضي إلي هروب رؤوس الأموال إلي الخارج.
ويظل الحل الوحيد-في نظر الباحث- في ظل الظروف الاقتصادية السائدة هي تثبيت سعر الدولار، مع المقاومة لأي شكل من أشكال المضاربة على قيمة الجنيه ، وإحداث تخفيض في الواردات ، وتخفيض في الإنفاق الحكومي بالدولار في الخارج ، بما يقلص فجوة الطلب الزائد علي الدولار ، مع الاستمرار في سياسة دفع الصادرات وعمليات الإصلاح الهيكلي الاقتصادية.
4-ب :2المضاعفات النقدية لسعر الصرف:(39/49)
من النموذج المقدر ، تم تقدير الأثر المضاعف لكل من المستوي العام للأسعار ((CPIواثر الأرصدة الحقيقية(RM) علي سعر الصرف، وفيما يلى نتناول الجوانب القياسية والاقتصادية لهذه المضاعفات ببعض التفصيل كما يلى:
(ا) تقدير متعددة الحدود:
لقد تم تقدير متعددة الحدود لنموذج الفجوات الموزعة للمستوى العام للأسعار ورمزها،حيث:
والقيم المقدرة لمعلماتها وإحصائية وقيمة (p-value) بين القوسين:
وعلي هذا تصبح متعددة حدود المستوي العام للأسعار هي:
أما متعددة الحدود للفجوات الموزعة للأرصدة النقدية الحقيقية ورمزها( حيث:
والقيم المقدرة لمعلماتها وإحصائية(t) لها وقيمة(p-value) بين القوسين:
)
وعلي هذا تصبح متعددة الحدود للأرصدة النقدية الحقيقية هي:
ويلاحظ علي متعددة الحدود المقدرة مايلى:
أ- أن الحدود الأولي من متعددة الحدود ذوات معنوية عالية ثم تنخفض معنوية الحدود التالية، وهذا طبيعي نظرا لانخفاض تأثير المتغيرات التفسيرية مع زيادة الفجوات الزمنية، والتي بدورها تحدد درجة متعددة الحدود.
كما أن القيم المقدرة لمعلمات متعددة الحدود تنخفض من الحد الأول لمتعددة الحدود إلي الحد الثاني إلي الحد الثالث وهذا طبيعي من الناحية الرياضية وللسبب السابق ذكره في تبرير معنوية متعددة الحدود.
ب- توجد بعض المعلمات سالبة، ضمن قيم متعددة الحدود وهذا، كما يقول بروفيسور W.Greene,(1990,p.547) ليس له تبرير واضح، ويقرر بروفيسور Greene أيضا أن كل من Schmidt and Waud وجدا أوزانا سالبة في الفجوات ربع السنوية لانحدار (GNP) علي النقود.
ومن تقدير متعددة الحدود، يمكن أن نشتق معلمات الإبطاء الموزع لنموذج الفجوات الموزعة للمعادلة(20).
(ب) اشتقاق معلمات هيكل الإبطاء الموزع:
من متعددة الحدود للمستوي العام للأسعار يمكن اشتقاق معلمات الفجوات الزمنية الموزعة للمستوى العام للأسعار، وذلك بأن نعوض بقيم ( فنحصل علي معلمات الفجوات الزمنية التالية:(39/50)
ومن متعددة الحدود للأرصدة النقدية الحقيقية، يمكن اشتقاق معلمات الفجوات الزمنية الموزعة للأرصدة النقدية الحقيقية، بالتعويض بقيم (، فنحصل علي معلمات الفجوات الزمنية التالية:
وبناءا علي هذا تصبح المعادلة المقدرة لنموذج الفجوات الموزعة رقم(20) علي النحو الذي يوضحه جدول رقم( 4) التالي.
جدول رقم ( 4 ) نموذج الفجوات الموزعة المقدرة لسعر الصرف
Variable
Coefficient
t-statistic
p-value
Constant
-.30575
-.637
.5238
Dumy
.373223
1.914
.0557
معلمات الفجوات الموزعة للمستوي العام للأسعار(CPI)
.02633
2.266
.0234
.01486
1.511
.1309
-.00001553
0000
.9986
-.01829
-1.25
.2120
معلمات الفجوات الموزعة للأرصدة النقدية الحقيقية(RM)
Variable
COEFFICIENT
t-statistic
p-value
.003149
2.90
.0038
-.0000922
-.14
.8911
-.001466
-.205
.0401
-.0009729
-1.02
.3091
وبذلك يكون قد تم تقدير معلمات المعادلة رقم(20)، بعد أن نكون قد تخلصنا من مشكلة الارتباط الخطي المتعدد.
وطبقا للتقديرات الواردة في جدول رقم( 4) فإن أثر السياسة الاقتصادية (dumy) أكبر من المضاعف قصيرة الأجل للمستوي العام للأسعار
وأكبر من المضاعف قصير الأجل للأرصدة النقدية الحقيقية( .(39/51)
وطبقا لتلك التقديرات فإن كل تدخل من السلطات النقدية في سوق الصرف الأجنبي يفضي إلي رفع سعر الدولار مقابل الجنيه بمقدار(37.32 ) قرشا، في المتوسط عقب التدخل مباشرة، بينما أن ارتفاع المستوي العام للأسعار بمقدار نقطة واحدة في الفترة(t) ،يفضي إلي ارتفاع سعر الصرف بمقدار (2.63) قرشا في نفس الفترة مباشرة (بدون إبطاء) ، وزيادة العرض النقدي بمقدار ((1000 وحدة حقيقية، يرفع سعر الصرف بحوالي (3.14) قرشا في نفس الفترة مباشرة(بدون إبطاء)، وهذه هي الآثار الحدية أو ما يسمي المضاعفات المباشرة (impact-multiplier). وعلي هذا فإن سياسة إدارة سعر الصرف تعتبر في مرتبة العوامل النقدية التي تؤثر علي سعر الصرف قصير الأجل ، مما يتطلب وجود خبراء علي مستوي عال في الإدارة النقدية للصرف الأجنبي داخل وزارة الاقتصاد والبنك المركزي المصري.
نتجه بعد ذلك إلي تقدير الآثار المضاعفة لكل من المستوي العام للأسعار والأرصدة النقدية الحقيقية في الأجل القصير والطويل ، مع إهمال ثابت الانحدار والمتغير الصوري الذي يدل علي السياسة الاقتصادية(dumy) عند اشتقاق تلك المضاعفات وآثارها طالما عرضناها فيما سبق.
4-ب:3 الأثر المضاعف للمستوي العام للأسعار علي تقلب سعر الصرف:
فيما يلي نتعرض للأثر الذي يترتب علي تغير المستوي العام للأسعار بنقطة واحدة علي سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في مصر ، سواء أكان الأثر عاجلا impact أو أثرا قصير الأجل short-run أو متوسط الأجل mid-term أو أثرا طويل الأجل long-run effect . ونبدأ أولا بعرض القيم المقدرة لمضاعفات المستوى العام للأسعار في الآجال السابقة الذكر في جدول( 5 ).
جدول( 5 )القيم المقدرة لمضاعفات المستوي العام للأسعار
The multiplier
Coefficient
t-statistic
p-value
1- impact-multiplier (m0)
.02633
2.27
.0234
2-short-run multiplier (m1)
.02633+.01486=.04119
3.25
.0012
3-mid-tem multiplier (m2)(39/52)
.02633+.014833+.00001558=.04117
2.92.
.0035
4-long-run multiplier (m3)
.02633+.01483+.00001553-.01829= .02289
4.47
.0000
دعنا نبدأ بتعريف المضاعف الفوري impact-multiplier والذي يعرف بأنة التغير في سعر صرف الفترة(t) والناجم عن تغير المستوي العام للأسعار في نفس الفترة الزمنية، وبمقدار نقطة واحدة . والمضاعف المباشر أو مضاعف الأثر الفوري، هو مضاعف ساكن static بطبيعته، من حيث أنه يفترض أن تغير سعر الصرف يحدث بعد حدوث المحفز (وهو هنا المستوي العام للأسعار).
ومن الجدول رقم(5) يتضح أن المعامل المقدر للمضاعف المباشر يختلف اختلافا معنويا عن الصفر، عند مستوي معنوية((3%. وطبقا لهذه القيمة المقدرة للمضاعف المباشر، فإن كل ارتفاع في المستوى العام للأسعار ، بمقدار نقطة واحدة، يصاحبه فورا(وبدون إبطاء زمني) ارتفاع في سعر الصرف بمقدار(2.63) قرشا خلال أي سنة من سنوات الدراسة ((1971-2000.
بالنسبة للمضاعف قصير الأجل short-run multiplier والذي يعرف بأنه التغير في سعر الصرف بعد سنة من تغير المستوي العام للأسعار، بمقدار نقطة واحدة . والمضاعف قصير الأجل بهذا المفهوم مضاعف حركي dynamic-multiplier ، لأنه يدخل عنصر الزمن ، وفترة الإبطاء في الاعتبار عند تغير سعر الصرف بعد تغير المستوي العام للأسعار. ومن جدول رقم( 5) ، يتضح أن المعامل المقدر لهذا المضاعف، يختلف اختلافا معنويا عن الصفر، عند مستوي معنوية(1%). وطبقا للقيمة المقدرة لهذا المضاعف، فإن ارتفاع المستوي العام للأسعار بنقطة واحدة، يصاحبه ارتفاع سعر الصرف بمقدار (4.119)-قرشا بعد سنة من تغير المستوي العام للأسعار.(39/53)
أما المضاعف متوسط الأجل : فيعرف بأنه التغير في سعر الصرف الناجم عن تغير المستوي العام للأسعار بمقدار نقطة واحدة، بعد مرور سنتين علي تغير المستوي العام للأسعار. وهذا المضاعف أيضا مضاعف حركي لأنه يفترض أن تغير سعر الصرف سينتشر علي مدار سنتين بعد التغير المبدئي في المستوي العام للأسعار.
ومن جدول رقم( 5 )، فإن القيمة المقدرة لهذا المضاعف تختلف اختلافا معنويا عن الصفر عند مستوي((1%. وطبقا للقيمة المقدرة لهذا المعامل ، فإن التغير في المستوي العام للأسعار بنقطة يفضي إلي حدوث تغير في سعر الصرف بمقدار(4.118) قرشا بعد مرور حوالي سنتين علي تغير المستوي العام للأسعار.
والملاحظ أن المضاعف متوسط وقصير الأجل متساويان تقريبا، مما يدل علي ثبات التأثير المضاعف قصير ومتوسط الأجل علي سعر الصرف.
أما المضاعف طويل الأجل فيعرف بأنه التغير في سعر الصرف الناجم عن تغير المستوي العام للأسعار، بمقدار نقطة واحدة علي مدار ثلاث سنوات. ومن جدول رقم ( 5 ) ، نلاحظ أن المعامل المقدر للمضاعف طويل الأجل يختلف معنويا عن الصفر، عند مستوي (1%) . ولكن المعامل المقدر للمضاعف طويل الأجل حوالي (.02289) يقل عن المضاعف قصير الأجل.04119)) والمضاعف متوسط الأجل (.04117 ) ، مما يدل علي ضعف تأثير التغيرات التي تحدث في المستوي العام للأسعار في السنوات الأخيرة ( بعد مرور السنة الثانية علي التغير المبدئي في مستوي الأسعار) ، مما يخفض الأثر طويل الأجل للمستوي العام للأسعار علي سعر الصرف.
والشكل البياني التالي يرصد القيم المقدرة للمضاعفات الأربعة، المضاعف المباشر(m0)، المضاعف قصير الأجل(m1)، والمضاعف متوسط الأجل
(m2)، والمضاعف طويل الأجل m3))،والمحور الأفقي يوضح الرقم الذي يشير إلي المضاعف.
4-ب:4 تقدير الآثار المضاعفة للمستوي العام للأسعار علي سعر الصرف:(39/54)
لقد تم تقدير الأثر المضاعف للمستوي العام للأسعار علي سعر الصرف سنويا خلال الفترة (1971-2000) في جدول رقم (6).
ولتوضيح هذه الآثار المضاعفة ، نركز علي بعض الأرقام الخاصة بتقدير الأثر المضاعف الناجم عن تغير المستوي العام للأسعار بمقدار (10) نقاط سنويا، ونختار السنوات التالية1971,1980,1990,2000))، وذلك في الجدول رقم( 6 ).
جدول رقم( 6 ) الآثار المضاعفة للمستوي العام للأسعار علي سعر الصرف
1971
1980
1990
2000
.0121
.029
.1380
.3257
.0189
.0453
.2158
.5094
.0189
..0453
.2158
.5094
.0105
.0252
.1199
.2831
ومن الجدول رقم ( 6 ) يتضح أن : الآثار المضاعفة للمستوي العام للأسعار علي سعر الصرف تتزايد من عقد إلي آخر، فمثلا ،في عام ((1971 ، بالنسبة للأثر الفوري المضاعف (m0) كان يترتب علي ارتفاع المستوي العام للأسعار بنقطة واحدة، ارتفاع في سعر الصرف بمقدار1.21)) قرشا لكل دولار، وفي عام (1980) أصبح الارتفاع بمقدار (2.9) قرشا، وفي عام1990)) أصبح الارتفاع بمقدار(13.80) قرشا، وفي عام(2000) أصبح الارتفاع في سعر الصرف هو ((32.57قرشا. ونفس الظاهرة تنطبق علي الأثر المضاعف قصير الأجل (m1) ومتوسط الأجل( m2) وطويل الأجل( m3).
ويمكن تفسير ذلك بأن تراكم ارتفاع المستوي العام للأسعار من عقد لآخر، ترتب عليه زيادة تدهور القوة الشرائية للجنيه، مما أدي إلي زيادة التأثير الناجم عن تغير المستوي العام للأسعار بنقطة واحدة علي سعر الصرف.
فمثلا طبقا للأثر المضاعف قصير الأجل (m1 ) ومتوسط الأجل (m2 ) فإن ارتفاع المستوي العام للأسعار بنقطة واحدة صاحبة ارتفاع سعر الصرف خلال عقد السبعينات بحوالي (1.89) قرشا سنويا، وفي عقد الثمانينات بحوالي(4.53) قرشا سنويا، وفي عقد التسعينات بمقدار21.58)) سنويا، وفي سنة (2000) بحوالي (50.94) قرشا.(39/55)
وعلي هذا فالأثر المضاعف للمستوي العام للأسعار علي سعر الصرف يتزايد من عقد لآخر ، مع استمرار ارتفاع المستوي العام للأسعار، حيث أن استمرار ارتفاع المستوي العام للأسعار يعني مزيدا من تدهور القوة الشرائية للجنيه مقابل الدولار، مما يرفع الأثر الكمي الموجب لارتفاع المستوي العام للأسعار علي سعر الصرف.
وبناءا علي ما سبق، وفي ضوء المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي، يمكن صياغة الفروض الأساسية التالية:
(أ) مع ثبات العوامل الأخرى علي حالها، يترتب علي تغير المستوى العام للأسعار أثر موجب علي سعر الصرف، أي ارتفاع سعر الدولار الأمريكي مقوما بالجنية المصري.
(ب) لأثر الكمي الموجب المباشر impact-effect (أو الأثر الكمي الموجب الفوري) للمستوي العام للأسعار علي سعر الصرف أقل من الأثر الكمي الموجب (قصير ومتوسط الأجل) للمستوي العام للأسعار علي سعر الصرف.
(ج) مع استمرار ارتفاع المستوي العام للأسعار (تتدهور القوة الشرائية للجنيه) ومن ثم يتزايد الأثر الكمي الموجب للمستوي العام للأسعار علي سعر الصرف.
4-ب:5اثر الأرصدة النقدية الحقيقية : real balance effect
نتجه الآن لتقدير الأثر المضاعف للأرصدة النقدية الحقيقية علي سعر الصرف في الأجل القصير والمتوسط والطويل. ويحتوي جدول( 7 ) علي القيم المقدرة لهذا الأثر.
جدول( 7 ) الأثر المضاعف للأرصدة النقدية الحقيقية علي سعر الصرف
Multiplier
Coefficient
t- statistic
p-value
1.impact multiplier
.003149
2.9
.0038
2. short-run multiplier
.003149-.0000922=.003057
2.86
.0042
3.mid-term multiplier
.003149-.0000922-.001466=.001591
1.48
.1389
4-LONG-RUN MULTI
.0039-.000092-.001466-.0009729=.0036178
.69(39/56)
يعرف المضاعف المباشر impact-multiplier للأرصدة النقدية الحقيقية بأنه التغير الفوري في سعر الصرف الناجم عن تغير الأرصدة النقدية الحقيقية بحوالي واحد مليون جنيه. وطبقا للمعامل المقدر لهذا المضاعف ، نجد انه معنوي عند مستوي (1%) ، وطبقا للقيمة المقدرة لهذا المضاعف وهي (.003149) فإن كل تغير في الأرصدة النقدية الحقيقية بحوالي واحد مليون جنيه يصاحبه ارتفاع سعر الصرف بحوالي
(3.149) قرشا مباشرة.
أما المضاعف قصير الأجل short-run multiplier فهو التغير في سعر الصرف خلال سنة بعد تغير الأرصدة النقدية الحقيقية بحوالي واحد مليون جنيه. والقيمة المقدرة لهذا المضاعف تختلف معنويا عن الصفر عند مستوي معنوية(1%) ، وهو معامل موجب ، مما يدل علي أن ارتفاع الأرصدة النقدية الحقيقية، يترتب عليه ارتفاع عدد الجنيهات اللازمة للحصول علي دولار واحد. وطبقا للقيمة المقدرة لهذا المضاعف، فإن كل ارتفاع في الأرصدة النقدية الحقيقية بمليون جنية يؤدي إلي ارتفاع سعر الصرف بحوالي
(3.057) قرشا بعد مرور سنة من زيادة الأرصدة النقدية الحقيقية.
والملاحظ أن المضاعف متوسط وطويل الأجل لا يختلفان معنويا عن الصفر حتى عند مستوي 10%))، كما أن القيمة الرقمية لتلك المضاعفات صغيرة جدا. ولهذا بناءا علي فترة الدراسة وبياناتها من ( 1971-2000)، وفي ضوء المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي فإنه يمكن صياغة الفرض الأساسي التالي:
"الأرصدة النقدية الحقيقية في مصر ليس لها إلا أثر فوري وأثر مضاعف قصير الأجل علي سعر الصرف".
أما بالنسبة للآثار المضاعفة المقدرة للأرصدة النقدية الحقيقية علي سعر الصرف، في سنوات مختارة ( 1971, 1980, 1990, 2000) ، فيعرضها الجدول رقم
(8 ).
جدول( 8 ) أثر الأرصدة النقدية الحقيقية علي سعر الصرف في سنوات مختارة
1971
1980
1990
2000
.5791
1.9395
1.5748
1.5833
.5622
1.8828
1.5288
1.537(39/57)
والخصائص الوصفية لهذه المضاعفات يوضحها الجدول التالي:
1.478
1.4735149
Standard deviation
.4402
.427
N
30
30
ويتضح من جدول( 8 ) أن زيادة الأرصدة النقدية الحقيقية بمقدار واحد مليون أدي إلي ارتفاع سعر الصرف عام (1971) بمقدار ( 57.91) قرشا، وبمقدار ( 193.95) قرشا عام ((1980 ثم أصبح الارتفاع بمقدار(157.48) قرشا عام(1990) ثم أصبح الارتفاع (158.33) عام2000)) وهذا يعنى أن أثر الأرصدة الحقيقية علي سعر الصرف بلغ أقصاه في فترة الثمانينات، ثم انخفض الأثر قليلا في التسعينات ثم في عام (2000).
ومن الجزء الأسفل لجدول رقم( 8) ، والذي يوضح متوسط أثر الأرصدة النقدية الحقيقية علي سعر الصرف، أي متوسط الأثر المباشر( ومتوسط الأثر قصير الأجل ( وانحرافاتها المعيارية، وعدد المشاهدات(n ) ، يتضح من الجدول أن زيادة الأرصدة النقدية الحقيقية بحوالي واحد مليون جنيه يصاحبه في المتوسط ارتفاع سعر الصرف بحوالي147.8)) قرشا كنتيجة للأثر الفوري(mm0 ) ، وارتفاع في المتوسط بحوالي(147.35) قرشا كنتيجة للأثر قصير الأجل خلال فترة الدراسة
(1971-2000).
ومن التحليل السابق، وفي ظل المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي ، يمكن صياغة الفروض الأساسية التالية:
(أ ) "الحجم الكمي لتغير سعر الصرف الناجم عن الأرصدة النقدية الحقيقية أكبر من الحجم الكمي لتغير سعر الصرف الناجم عن تغير المستوي العام للأسعار"
(ب)"الأثر الكمي المضاعف للأرصدة النقدية الحقيقية علي سعر الصرف هو أثر مباشر وأيضا أثر قصير الأجل، أما الأثر الكمي المضاعف للمستوي العام للأسعار علي سعر الصرف فهو اثر فوري وأثر قصير وأثر متوسط وأثر طويل الأجل، أي أنه أثر تراكمي(cumulative) يمتد إلي الأجل الطويل".
ومن الفرضين(أ)،(ب) نصيغ الفرض الأساسي التالي:(39/58)
(ج)" تلعب التغيرات في الأرصدة النقدية الحقيقية دورا في تفسير التقلبات في سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي في الأجل القصير، وأن التغيرات طويلة الأجل في سعر الصرف يمكن تفسيرها بالأثر التراكمي لتغير المستوي العام للأسعار."
خامسا: الآثار الاقتصادية لتدهور سعر صرف الجنية:
من أهم الآثار الاقتصادية التي ترتبت على تدهور سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي هو ظهور ظاهرة الإحلال النقدي ، ويقصد بالإحلال النقدي تفضيل المقيمين حيازة العملات الأجنبية، بدلا من العملة المحلية في محافظ أصولهم ، وهذا التفضيل يتم بدرجات تختلف من وحدة اقتصادية إلي أخرى ، ولقد اتخذ الإحلال النقدي بصفة أساسية إحلال الدولار الأمريكي محل الجنيه المصري، ولاسيما من قبل الفئات التي تتوافر لها إمكانية الحصول علي الدولار، مثل الأفراد العاملين في الخارج، والعاملين في الأنشطة المالية والمصرفية وقطاع التجارة الخارجية بالإضافة إلي فئات المضاربين ، توقعا لمزيد من انخفاض قيمة الجنيه، بالإضافة إلي إعراض تلك الفئات عن عرض ما لديها من دولارات في سوق الصرف المحلي المنظم ، وبالتالي يتميز سوق الصرف المنظم بندرة كمية الدولار المعروضة فيه وارتفاع فائض الطلب، وبجانب هذا السوق المنظم يوجد سوق خفي للتعامل في النقد الأجنبي، بسعر اعلي من الأسعار السائدة في سوق الصرف المنظم، بالإضافة إلي تعدد الأسعار في السوق غير الرسمية،حيث تتحدد الأسعار بقوى السوق Lizondo(1991,p.560)، وعلى هذا فإن وجود هذه السوق غير الرسمية وكبر حجم هذه السوق يضعف فاعلية سياسة الصرف الأجنبي التي يعلنها البنك المركزي، ويقلل درجة المصداقية التي تتمتع بها تلك السياسة من قبل الوكلاء الاقتصاديين ،ويتعارض مع المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي التي تتطلب الوضوح والشفافية والمصداقية، كما تتطلب من أبناء المجتمع الإسلامي أن يتصفوا بروح الإيثار والتخلي عن(39/59)
السعي إلي الربح بطريقة تتعارض مع مصلحة المجتمع ككل ، ولاسيما وأن جزءا من حصيلة النقد الأجنبي الذي يتدفق إلي السوق غير الرسمية قد يمول تجارة التهريب والمخدرات .
ويكاد الإجماع ينعقد في أدبيات الإحلال النقدي علي أن معدل التضخم المتزايد والمتقلب هو أحد الأسباب الرئيسية لعملية الإحلال النقدي ، مع إتباع سياسات تجعل معدل العائد المتوقع على حيازات العملة المحلية أو الأصول المقومة بها، غير تنافسي مقارن بمعدل العائد المتوقع علي حيازات العملة الأجنبية، فالنتيجة هي أن الجمهور غير المصرفي قد يقبل علي حيازات العملة الأجنبية علي نطاق كبير مما قد يسبب انخفاض سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، ويسبب عجزا في ميزان المدفوعات. Ramirez-Rojas(1985,p.662)
ويقترح Ramirez-Rojas(1985,p663) ، استخدام الودائع بالعملة المحلية المربوطة indexed بسعر الصرف، بحيث أن العائد الكلي علي الودائع المربوطة يجب أن يعادل علي الأقل سعر الفائدة علي النقود الأجنبية بالإضافة إلي نسبة مئوية مرتبطة بتغييرات سعر الصرف، ولكن هذا قد يضفي علي النقود المربوطة درجة من عدم التأكد الناتج عن تغيرات سعر الصرف، بالإضافة إلي التكاليف الناجمة عن تقدير معدل العائد مع كل تغير في سعر الصرف، مما يجعل هذا الاقتراح مكلفا في تنفيذه ، ويوقع صانع السياسة في مشاكل كثيرة ،( د. أحمد الناقة، (1999)ص: 343).(39/60)
وقد ورد في جريدة الأهرام المصرية(3 مارس2003 ص17) علي لسان أحد رجال الأعمال المصريين، أن الصناعة المصرية تتعرض لخطر شديد نتيجة التقلبات الشديدة في أسعار الصرف ، فالبنوك تشتري كميات من الدولار أكبر بكثير مما تبيع مما يؤدي إلي وجود فجوة طلب كبيرة علي الدولار، يستغلها المتلاعبون، في ظل شعور عام متنام بادخار الدولار بدلا من الجنيه، وهو ما يولد إحساسا عاما لدي الغالبية من المتعاملين في النقد الأجنبي باتجاه سعر الدولار إلي الارتفاع، وحيث أن غالبية الصناعة المصرية تعتمد إلي حد كبير علي تسهيلات الموردين، عند استيراد المواد الخام ، فإن تكلفة الإنتاج ترتفع بشكل عشوائي ، ومن المنظور الإسلامي فإن هذا ينتج من السلوك غير السوي للأفراد الذين يسعون إلي تحقيق مصالحهم الخاصة علي حساب مصالح مجتمعهم.
ومن الواضح أن علاج مشكلة سعر الصرف ليس في تحرير سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية، ولكن الحل من منظور الاقتصاد الإسلامي يكمن في تنمية القطاع الحقيقي للاقتصاد، ودفع الصادرات ، ووضع جدول لأولويات الواردات للحد من الطلب علي الدولار، والسيطرة علي عجز ميزان المدفوعات، والسيطرة الكاملة علي عقد قروض وتسهيلات خارجية للحد من حجم الدين العام الخارجي، مع ضبط عملية الإصدار النقدي ، والحد من الإنفاق الحكومي بالدولار في الخارج، لتخفيض عجز الميزانية ، وكل هذه الحلول تكلم عنها الاقتصاديون كثيرا ، وهي تحتاج فقط إرادة التنفيذ.
سادسا:-الخاتمة والتوصيات:
ا- الخاتمة:
أنصب التحليل في هذه الدراسة علي تحليل أثر المستوي العام للأسعار والأرصدة النقدية الحقيقية على سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي ، في إطار المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي ، وذلك باستخدام نموذج التعديل الجزئي ونموذج الفجوات الموزعة ذات الحدود.(39/61)
ولقد اقتصرت الدراسة من حيث المتغيرات أو التحليل علي ما يعتبر مقبولا من وجهة نظر الاقتصاد الإسلامي، ومن ثم فقد تم استبعاد سعر الفائدة والمتغيرات أو النظريات المبنية عليه، مثل سعر الفائدة نفسه والعرض النقدي بالمفهوم الواسع(M2 ) ونظرية تكافؤ الفائدة، وبالتالي فقد تم استبعاد آلية تأثير العرض النقدي علي سعر الصرف من خلال سعرا لفائدة.
ومن ناحية أخري فإن العرض النقدي بالمفهوم الضيق والذي يشتمل علي العملة المتداولة خارج الجهاز المصرفي والودائع تحت الطلب ،والمستوي العام للأسعار من المتغيرات المقبولة في الاقتصاد الإسلامي، ومن ثم تعتبر من أهم التغيرات المتغيرات المفسرة لسلوك سعر الصرف في الاقتصاد الإسلامي ، وهذا ما أخذت به تلك الدراسة.
وفيما يلي أهم نتائج التحليل التي انتهت إليها الدراسة:
أولا: نتائج خاصة بأثر المستوي العام للأسعار علي سعر الصرف:
يعتبر المستوي العام للأسعار متغير مقبول إسلاميا كمتغير مفسر لسعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي، وأهم النتائج التي توصل إليها النموذج القياسي هي:
1. أن المستوي العام للأسعار هو المتغير الأساسي الذي يفسر ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري.
2. يتغير سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري في نفس اتجاه تغير المستوي العام للأسعار في مصر، وبدرجة تتوقف علي درجة تكيف سعر الصرف السائد في الفترة الحالية لسعر الصرف السائد في الفترة السابقة لها، فمع زيادة درجة التكيف، تزداد درجة استجابة تغيرات سعر الصرف مع تغيرات المستوي العام للأسعار.
3. أن مرونة سعر الصرف بالنسبة للمستوي العام للأسعار في الأجل الطويل أكبر من نفس المرونة في الأجل القصير، فسعر الصرف غير مرن بالنسبة للمستوي العام للأسعار في الأجل القصير، ولكنه يصبح مرنا في الأجل الطويل، بعد إتمام عملية التكيف.(39/62)
4. مع ثبات العوامل الأحرى على حالها، يترتب علي ارتفاع المستوي العام للأسعار أثر كمي علي سعر الصرف في نفس الاتجاه، وأن الآثار المضاعفة للمستوي العام للأسعار علي سعر الصرف تتزايد من عقد لأخر فمثلا ارتفاع المستوي العام للأسعار بمقدار نقطة صاحبه ارتفاع في سعر الصرف بمقدار(1.21 )قرشا في عام (1971) ، وبمقدار(2.9) قرشا في عام (1980)، وبمقدار 13.80)) قرشا عام(1990)، وبمقدار((32.57قرشا عام(2000)، طبقا للمضاعف المباشر(الفوري).
5. إن الأثر الكمي الموجب المباشر(الفوري) للمستوي العام للأسعار علي سعر الصرف أقل من الأثر الكمي الموجب(قصير ومتوسط الأجل)، فمثلا بالنسبة للمضاعف متوسط الأجل فإن ارتفاع المستوي العام للأسعار بنقطة صاحبه طبقا للمضاعف متوسط الأجل ارتفاع في سعر الصرف بحوالي((1.89 قرشا في عام(1971) قرشا، وبمقدار(4.53)قرشا في عام (1980)، وبمقدار21.58)) قرشا في عام(1990)، وبمقدار(50.94)قرشا في عام2000)) .
6. هذه النتائج تؤيد الفرض الأساسي الذي يقرر أنه مع استمرار ارتفاع المستوي العام للأسعار ، يزداد تدهور القوة الشرائية للجنيه، وبالتالي يتزايد الأثر الكمي الموجب لارتفاع المستوي العام للأسعار علي سعر صرف الدولار مقابل الجنيه, لأن أثر المستوي العام للأسعار علي سعر الصرف هو أثر تراكمي يبدأ من الأثر الفوري إلي الأثر القصير ثم المتوسط ثم طويل الأجل.
ثانيا:-نتائج خاصة بأثر الأرصدة النقدية الحقيقية علي سعر الصرف:
يعتبر عرض الأرصدة النقدية الحقيقية بالمفهوم الضيق أيضا من المتغيرات المقبولة إسلاميا لتفسير سعر صرف الجنية مقابل الدولار الأمريكي، ولقد تم تقدير أثر الأرصدة النقدية الحقيقية علي سعر صرف الجنية مقابل الدولار، وكانت أهم نتائج النموذج القياسي على النحو التالي:(39/63)
1. أن الحجم الكمي لتغير سعر الصرف الناجم عن تغير الأرصدة النقدية الحقيقية أكبر من الحجم الكمي لتغير سعر الصرف الناجم عن تغير المستوي العام للأسعار.
2. الأثر الكمي المضاعف للأرصدة النقدية الحقيقية علي سعر الصرف هو أثر مباشر وهو أيضا أثر قصير الأجل، أما الأثر الكمي المضاعف للمستوي العام للأسعار علي سعر الصرف فهو أثر فوري وأثر قصير وأثر متوسط وأثر طويل الأجل، وكميا ترتب علي زيادة الأرصدة النقدية الحقيقية بحوالي واحد مليون جنية حقيقي ارتفاع سعر الصرف بحوالي(58) قرشا كنتيجة للأثر الفوري عام ((1971، وبحوالي(194)قرشا عام 1980))، وبحوالي(157)قرشا عام((1990، وبحوالي((158قرشا عام ((2000،وبالنسبة للأثر المضاعف متوسط الأجل فهو أقل حيث ترتب علي زيادة الأرصدة النقدية الحقيقية بمقدار واحد مليون جنيه حقيقي ارتفاع سعر الصرف بحوالي(56)قرشا عام(1971) وبحولي((188 قرشا عام((1980وبحولي153)) قرشا عام (1990) وبحوالي(154) قرشا عام2000)).
3. تلعب التغيرات في الأرصدة النقدية الحقيقية دورا في تفسير التقلبات في سعر الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي في الأجل القصير ، وأن التغيرات طويلة الأجل في سعر الصرف يمكن تفسيرها بالأثر التراكمي لتغير المستوي العام للأسعار.
ب- أهم التوصيات:
هناك عوامل عديدة ساهمت في تدهور قيمة الجنيه مقابل الدولار وغيره من العملات، وأهمها زيادة الطلب علي الواردات، مع زيادة بطيئة في الصادرات، ولكن فجوة الطلب الزائد على الدولار، بالإضافة إلي ارتفاع المستوى العام للأسعار وزيادة عرض الأرصدة النقدية الحقيقة ، ساهمت في فقدان الجنيه جزء كبير من قوته الشرائية ، مع التحول إلي اقتناء الدولار كمستودع للقيمة ، وحدوث إحلال نقدي للدولار محل الجنيه، وهو الأمر الذي يصعب السيطرة عليه، دون إجراءات تفضي إلي هروب رؤوس الأموال إلي الخارج.(39/64)
ولذلك فإنه وفي ظل الظروف الاقتصادية السائدة يجب إتباع استراتيجية تركز علي الأجلين القصير والطويل ،ففي الأجل القصير، يجب العمل بكل الطرق علي تثبيت سعر الدولار، مع المقاومة لأي شكل من أشكال المضاربة على قيمة الجنيه، وإحداث تخفيض في الواردات ، وتخفيض في الإنفاق الحكومي بالدولار في الخارج ، سواء كان هذا الإنفاق علي تمثيل دبلوماسي أو قنصلي غير ضروري ، وكذلك العمل علي تخفيض الإنفاق الخاص في الخارج ولاسيما الإنفاق السياحي، بما يقلص فجوة الطلب الزائد علي الدولار. أما في الأجل الطويل ،فيجب بذل جهد حقيقي لتنشيط سياسة دفع الصادرات وعمليات الإصلاح الهيكلي الاقتصادية.
كما يتطلب تدخل السلطات النقدية في سوق الصرف الأجنبي وجود خبراء علي مستوى عال في الإدارة النقدية للصرف الأجنبي داخل وزارة الاقتصاد والبنك المركزي.
ويعد تحقيق الاستقرار النقدي أحد أهم الشروط لتحقيق استقرار القيمة الخارجية للعملة المحلية في مواجهة العملات الأجنبية ومنها الدولار الأمريكي. والاستقرار النقدي يتحقق بصفة أساسية من خلال استقرار المستوي العام للأسعار، ونمو العرض النقدي الإسمى بمعدل يقترب من معدل نمو الإنتاج السلعي ، وقد تسترشد السلطات الاقتصادية بوضع معدلات هدفيه لكل من العرض النقدي الاسمي والمستوي العام للأسعار لا يجب تجاوزها.
كما يعد إصدار أصول مالية - وفق مسلمات الاقتصاد الإسلامي- مقيمة بالعملة المحلية ( الجنيه)
وتعطي معدل عائد تنافسي ،مقارن بالعائد علي الأصول البديلة(المقومة بالعملات الأجنبية، مثل الودائع بالدولار) من أهم عوامل حفز الأفراد علي حيازة العملة المحلية، وإحلالها محل العملة الأجنبية في محافظ أصولهم، ومن ثم تدعيم القيمة الخارجية للعملة المحلية في مواجهة العملات الأجنبية.(39/65)
ويجب علي أفراد المجتمع في اقتصاد إسلامي طاعة ولي الأمر فيما يقرره من سياسات سعر الصرف، وبحيث يتم القضاء علي سوق الصرف غير الرسمي، لأن وجود هذه السوق غير الرسمية وكبر حجم هذه السوق يضعف فاعلية سياسة الصرف الأجنبي التي يعلنها البنك المركزي، ويقلل درجة المصداقية التي تتمتع بها تلك السياسة من قبل الوكلاء الاقتصاديين ،ويتعارض مع المسلمات الأساسية للاقتصاد الإسلامي التي تتطلب الوضوح والشفافية والمصداقية ، كما تتطلب من أبناء المجتمع الإسلامي أن يتصفوا بروح الإيثار والتخلي عن السعي إلي الربح بطريقة تتعارض مع مصلحة المجتمع ككل ، ولاسيما وأن جزءا من حصيلة النقد الأجنبي الذي يتدفق إلي السوق غير الرسمية قد يمول تجارة التهريب والمخدرات .
المراجع
1- مراجع عربية:
1 - د.أحمد أبوالفتوح الناقة"استخدام نموذج تصحيح الخطأ في تقدير محددات الإحلال النقدي في مصر" مجلة كلية التجارة للبحوث العلمية، كلية التجارة،جامعة الإسكندرية،العدد الثاني،المجلد الثاني والثلاثون ،الجزء الأول ،سبتمبر 1999.
2- ------------------------"اختبار النموذج النقدي كمفسر لسعر الصرف الحقيقي للجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي"" مجلة كلية التجارة للبحوث العلمية، كلية التجارة،جامعة الإسكندرية ، العدد الأول، المجلد الواحد والثلاثون، مارس:1994
3- د. عبد الستار أبو غدة"تطبيق القواعد الشرعية في الاقتصاد"مقالة في "التطبيقات الاقتصادية الإسلامية المعاصرة"، تحرير أبو بكر عثمان الجزء الأول،البنك الإسلامي للتنمية: المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب،1420 هـ
2- مراجع أجنبية :
1. Blejer, M., and Leiderman L., "A Monetary Approach to the Crawling -Peg System: Theory and Evidence", Journal of Political Economy, Vol.89, No. 1,1981.(39/66)
2. Burnside, M., Marton, E., and Seige, R., "Prospective Deficits and the Asian Currency Crises", Center for Economic Policy Research Discussion Papers 2015,1998.
3. Chacholiades, M. "International Monetary Theory and Policy" McGraw-Hill International Book Company, London: 1978.
4. Chiang; A.; " Fundamental Methods of Mathematical Economics'; 3rd., edit McGraw-Hill Book Company. ,.New York;1984.
5. Crosetti, G. Poati P. and Noriel, R. "What Caused the Asian Currency and Financial Crises", National Bureau of Economic Research Working Papers, No.6833 and 6844.
6. Dernburg, T. "Global Macroeconomics" Harper &Row Publisher, New york;1989.
7. Dornbusch, R. and Fischer, S. "Macroeconomics", 3rd. edit. McGraw-hill International Book Company, New Delhi, 1984.
8. Dornbusch; R., "Expectations and Exchange Rate Dynamics" , Journal of Political Economy; Vol. 84; No. 6, 1976.
9. Faust J. and Rogers, J. " Monetary Policy Role in Exchange Rate Behavior" International Finance Division, Federal Reserve Board, February: 2000.
10. Gold, d. and Kamin, S. "The Impact of Monetary Policy on Exchange Rates During Financial Crises" International Financial Discussion Papers, Board Of Governors of Federal Reserve, No.669, January 2000.
11. Greene, W., " Econometric Analysis "Macmillan Publishing Company, New York: 1990.
12. Greene; W.," Econometric Analysis";5th edit.; Prentice Hall; New Jersey; (2003).
13. International Financial Statistics; Statistical Yearbook; IMF;2001.
14. Kmenta.; J., "Elements of Econometrics"; 2nd. Edit., Macmillan Publishing CO.;(1986).(39/67)
15. Kraugman, P., and Obstfeld," International Economics: Theory and Policy" , Scott, Foresman and Company, London: 1994.
16. Lizondo, J. "Alternative Dual Exchange Market Regimes :Some Steady-State Comparisons" IMF Staff Papers, Vol. 38, No. 3 (September:1991).
17. Mishkin, F., "Global Financial Stability Framework, Events, Issues" Journal of Economic Perspective, Vol.13, No.4, fall; 1999.
18. Mundell, R. " The Appropriate Use of Monetary and Fiscal Policies under Fixed Exchange Rates" IMF Staff Papers, March: 1962.
19. Pindyck R.; and Rubinfeld.; "Econometric Models and Econometric Forecasts"; 3rd. edit., McGraw-Hill Book Company ; New York: 1991.
20. Ramirez-Regas, C., "Currency Substitution in Argentina, Mexico, and Uruguay" IMF Staff Papers, Vol. 32, No. ,1985.
21. Rogoff, K. "International Institutions for Reducing Global Financial Stability" Journal of Economic Perspective, Vol. 13, No. 4, and fall: 1999.
ملحق ((1
from (1)
بطرح ( من الطرفين:
بإعادة الترتيب:
وهذا هو الفرض الأساسي لنموذج التعديل الجزئي.
1 راجع ملحق(1) بعد خاتمة الدراسة.
??
??
??
??
20 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
قياس أثر المستوى العام للأسعار والأرصدة الحقيقية 19(39/68)
قياس ملاءة البنوك الإسلامية في إطار المعيار
الجديد لكفاية رأس المال
ورقة عمل مقدمة للمؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي
جامعة أم القرى، مكة المكرمة
د. ماهر الشيخ حسن
البنك المركزي الأردني
ملخص الدراسة
يعتبر موضوع الملاءة من المواضيع المهمة لكل من السلطات الرقابية
والبنوك على حد سواء كونها تمثل أهم عنصر من عناصر متانة وضع البنوك.
في هذا الإطار فقد عملت السلطات الرقابية على تقديم مقاييس مختلفة للملاءة كان أبرزها معيار كفاية راس المال الذي أقرته لجنة بازل عام
1988 والذي طبقه ما يزيد على 100 دولة . أن التطبيق العملي لذلك المعيار خلال السنوات الماضية أفرز العديد من نقاط الضعف فيه دفعت لجنة بازل إلى إجراء تعديلات عليه و أخيرا اقتراح معيار جديد لقياس الملاءة اصطلح على تسمية Basel 2 .
لقد واجهت كل من السلطات الرقابية و البنوك الإسلامية مشاكل تتعلق بقياس الملاءة للبنوك الإسلامية ترجع بصورة رئيسية إلى الطبيعة الخاصة لمصادر أموال تلك البنوك وتوظيفاتها.
لقد بذلت محاولات لتقديم مقياس لملاءة البنوك الإسلامية يأخذ بعين الاعتبار الاعتبارات السابقة و يعد أبرز هذه المحاولات ما قامت به هيئة المراجعة
والمحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية عام 1999 إلا أن تلك المحاولة تميزت بعدم الانسجام بين بنود كل من مقام وبسط نسبة كفاية رأس المال المقترحة.
تجيء هذه الورقة لتقدم إطارا جديدا لقياس كفاية رأس المال يأخذ بعين الاعتبار مفهوم الملاءة " احتمالية الإعسار" وطبيعة مصادر أموال البنوك الإسلامية التي يمكن أن تستخدم لمواجهة الخسائر غير المتوقعة وتقدم في نفس الوقت آلية لتحقيق الانسجام بين تلك المصادر ليتم استخدامها لمواجهة مختلف أنواع الخسائر التي يمكن أن تواجه البنوك الإسلامية وذلك في إطار منسجم مع Basel 2.
Abstract(40/1)
…Bank solvency is one of the important issues for regulatory authorities and banks since it represent the most important aspect of banks' soundness. Because of this importance, regulatory authorities introduced different measures for solvency. The Basel 1 accord introduced by Basel committee on banking supervision in 1988 and implemented by more than 100 country was the most important measure for solvency.
After ten years of implementation, many weaknesses appeared in the Basel 1 accord which led to different amendments to the accord and finally the suggestion of new capital accord "Basel 2".
The regulatory authorities and Islamic banks face problems in measuring the solvency of Islamic banks because of the inappropriateness of Basel framework to the special nature of Islamic banks sources and uses of funds. Different suggestions introduced to overcome this issue. One of the most important attempt was the capital adequacy accord for Islamic banks introduced by the Accounting and Auditing Organization for Islamic Financial Institutions. The major problem of that accord is the inconstancy among the numerator and denominator components used in the definition of the capital adequacy ratio.
This paper presents a new framework for measuring Islamic banks solvency take into consideration the nature of the sources of funds in Islamic banks that can be used to face any unexpected losses and the framework for solvency introduced in Basel 2.
أولا: المقدمة
يعتبر موضوع الملاءة من المواضيع المهمة لكل من السلطات الرقابية و البنوك على حد سواء كونها تمثل أهم عنصر من عناصر متانة وضع البنوك.(40/2)
في هذا الإطار فقد عملت السلطات الرقابية على تقديم مقاييس مختلفة للملاءة كان أبرزها معيار كفاية راس المال الذي أقرته لجنة بازل عام 1988 و الذي طبقه ما يزيد على 100 دولة . أن التطبيق العملي لذلك المعيار خلال السنوات الماضية أفرز العديد من نقاط الضعف فيه دفعت لجنة بازل إلى إجراء تعديلات عليه و أخيرا اقتراح معيار جديد لقياس الملاءة اصطلح على تسمية Basel 2 .
لقد واجهت كل من السلطات الرقابية و البنوك الإسلامية مشاكل تتعلق بقياس الملاءة للبنوك الإسلامية ترجع بصورة رئيسية إلى الطبيعة الخاصة لمصادر أموال تلك البنوك حيث أنها لا تتطلب عائدا ثابتا كما أنها يمكن من الناحية النظرية أن تتحمل الخسارة إضافة إلى اختلاف طبيعة الأدوات المالية الإسلامية عن الأدوات المالية التقليدية.
لقد بذلت محاولات لتقديم مقياس لملاءة البنوك الإسلامية يأخذ بعين الاعتبار الاعتبارات السابقة و يعد أبرز هذه المحاولات ما قامت به هيئة المراجعة و المحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية إلا أن تلك المحاولة تميزت بعدم الانسجام بين بنود كل من مقام وبسط نسبة كفاية رأس المال المقترحة وعدم تضمين مقام النسبة بعض المخاطر التي يمكن أن تؤثر على ملاءة البنك.(40/3)
سنستعرض في الجزء الثاني من هذه الدراسة تعريف الملاءة وكيفية قياسها ثم نتناول في الجزء الثالث من الدراسة معيار كفاية رأس المال للبنوك الإسلامية الذي اقترحته هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية. في الجزء الرابع سنستعرض أبرز ملامح المعيار الجديد للملاءة Basel 2 ثم نقدم في الجزء الخامس إطارا جديدا لقياس كفاية رأس المال يأخذ بعين الاعتبار مفهوم الملاءة " احتمالية الإعسار" وطبيعة مصادر أموال البنوك الإسلامية التي يمكن أن تستخدم لمواجهة الخسائر غير المتوقعة ويقدم في نفس الوقت آلية لتحقيق انسجام بين مصادر الأموال تلك ليتم استخدامها لمواجهة مختلف أنواع الخسائر التي يمكن أن تواجه البنوك الإسلامية وذلك وفقا لإطار منسجم مع Basel 2.
ثانياً: ملاءة البنوك تعريفها وقياسها
…يلعب رأسمال البنوك دوراً هاماً في المحافظة على سلامة ومتانة وضع البنوك وسلامة الأنظمة المصرفية بشكل عام حيث أنه يمثل الجدار أو الحاجز الذي يمنع أي خسارة غير متوقعة يمكن أن يتعرض لها البنك من أن تطال أموال المودعين، فكما هو معلوم فإن البنوك بشكل عام تعمل في بيئة تكتنفها درجة عالية من عدم التأكد الأمر الذي ينشأ عنه تعرضها لمخاطر عديدة تشمل بشكل رئيسي المخاطر الائتمانية ومخاطر السوق والمخاطر التشغيلية والمخاطر الاستراتيجية.
…يمكن أن تقسم الخسائر التي تنشأ عن المخاطر التي تتعرض لها البنوك إلى نوعين رئيسيين - أخذاً بعين الاعتبار القدرة على التنبؤ بوقوع الخسارة وحجم الخسارة- هما:
الخسائر المتوقعة: وهي الخسائر التي تحدث بشكل متكرر لأي بنك ويكون حجم هذه الخسائر عادة صغيراً.
الخسائر غير المتوقعة: وهي الخسائر التي قليلاً ما تحدث إلا أن أثرها على البنك عادة ما يكون كبيرا.
…هذا ويلخص الشكل التالي توزيع الخسائر التي يمكن أن تواجه البنوك وكيف يمكن تغطيتها:
الرسم رقم (1): توزيع الخسائر(40/4)
إن الشكل السابق لتوزيع المخاطر التي تواجهه البنوك لا يعتمد على طبيعة نشاط البنك - تقليدي أو إسلامي- على الرغم من بعض التباين في أهمية بعض أنواع المخاطر بين النوعين من البنوك- ولكنه يمثل الشكل العام لتوزيع المخاطر.
يرتبط رأس المال ارتباطا وثيقا بملاءة البنوك والتي تعتبر من المواضيع المهمة لكل من السلطات الرقابية والبنوك نفسها وفي هذا الإطار فإن الأسئلة التي تواجه السلطات الرقابية والبنوك عادة هي ما يلي:-
- كيف يمكن تعريف الملاءة ؟
- كيف يمكن قياسها ؟
- ما هو الحد الأدنى المناسب لهذه الملاءة ؟
…يمكن تعريف درجة الملاءة لدى البنك باحتمالية إعسار البنك
(The likelihood of insolvency)، بمعنى أن انخفاض هذه الاحتمالية يعني ارتفاع درجة ملاءة البنك (Greenspan 1998).
…بالنظر إلى الرسم السابق فإنه وكلما قلت مساحة الجزء تحت المنحنى
(خسائر كبيرة غير متوقعة ) من الرسم فإن ذلك يعني ارتفاع درجة ملاءة البنك حيث أن تلك المساحة تمثل احتمالية وقوع خسارة بحجم لا يكفي رأس المال لتحمله، وعليه فكلما زاد رأس المال كلما قلت هذه الاحتمالية (المساحة تحت المنحنى).
…فيما يتعلق بقياس الملاءة، فقد اعتمدت السلطات الرقابية ولسنوات عديدة نسبة الرافعة المالية (Leverage Ratio)
الرافعة المالية = …………1
…مقياسا للملاءة إلى أن جاءت مقررات لجنة بازل (Basel I) عام 1988م والتي رأت في تلك النسبة حداً أدنى لرأس المال ولكنها لا تمثل مقياساً للملاءة (احتمالية الإعسار) كونها لا تميز بين موجودات البنك تبعاً لدرجة المخاطرة.(40/5)
مقررات لجنة بازل جاءت لتقدم تعريفاً للملاءة يأخذ بعين الاعتبار طبيعة الدور الذي يلعبه رأس المال في تحمل الخسارة وحماية أموال المودعين وميزت بناءً على ذلك رأس المال إلى شريحتين رئيسيتين هما رأس المال الأساسي ورأس المال المساند، كما أنها أخذت بعين الاعتبار التباين في مخاطر موجودات البنوك، وعليه فقد قسمت تلك الموجودات إلى أربعة فئات رئيسية بناء على درجة المخاطر لكل فئة منها حيث أنها أعطت أوزانا ترجيحية (0%، 20%، 50%، 100%) بناء على درجة مخاطرة الموجودات.
…بناء على ما سبق فان معيار كفاية رأس المال وفقا للجنة بازل:
نسبة كفاية رأس المال (Basel 1)=…… 2
بالنظر إلى أسلوب القياس الذي اقترحته لجنة بازل عام 1988 يمكن القول أن اللجنة حاولت تقديم أسلوب قياس ينسجم مع تعريف الملاءة وهي احتمالية إعسار البنك إلا أن أسلوب القياس هذا واجه عدة مشاكل دفعت إلى إجراء تعديلات مهمة عليه كان أبرزها إضافة مخاطر السوق في عام 1996 لمقام النسبة وإلى العمل أخيراً على تعديله بشكل جوهري من خلال المعيار الجديد للملاءة (كفاية رأس المال) أو ما يسمى Basel 2 والذي سنتحدث عن أبرز ملامحه في الجزء الرابع.
ثالثاً: معيار كفاية رأس المال للبنوك الإسلامية.
إن طبيعة موجودات ومطلوبات البنوك الإسلامية تختلف بشكل كبير عن طبيعة موجودات ومطلوبات البنوك التقليدية الأمر الذي ينشأ عنه عدم ملاءمة منهجية حساب نسبة كفاية رأس المال كما تم اقتراحها من قبل لجنة بازل للبنوك الإسلامية.(40/6)
لعل أهم الأسئلة التي تم طرحها في هذا المجال هو طبيعة حسابات الاستثمار المشاركة في الربح (حسابات الاستثمار المشترك) حيث أنها ليست ودائع كما أن تعريف لجنة بازل لرأس المال التنظيمي لا يشمل مثل هذا النوع من الحسابات. هذا ونلخص فيما يلي أهم ما توصلت إليه لجنة كفاية رأس المال المنبثقة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (اللجنة) في البيان الصادر عنها في مارس 1999 بهذا الخصوص.
وضحت اللجنة أن نسبة كفاية رأس المال للبنوك الإسلامية يمكن احتسابها كما يلي :-
نسبة كفاية رأس المال للبنوك الإسلامية =
…
هذا، ويتم إعطاء أوزان مخاطر للموجودات تنسجم مع أوزان المخاطر التي حددتها لجنة بازل.
لقد قامت اللجنة بإعداد مذكرة نقاش واستطلاع آراء المختصين في هذا المجال وقد خلصت اللجنة بناء على ذلك إلى ما يلي:-
أ-…هنالك مخاطر أخرى غير المخاطر الائتمانية العادية تنشأ عن إدارة حسابات الاستثمار المشترك.
ب-…هنالك مخاطر "استئمانية" تنشأ عن مخالفة إدارة البنك قيود عقود الاستثمار أو حصول تعدي أو إهمال في إدارة أموال المستثمرين حيث يكون البنك مسؤولاً من ناحية قانونية في هذه الحالة.
ج-…هنالك نوع آخر من المخاطر يمكن أن يتعرض له البنك الإسلامي يتمثل في الضغوط التي يمكن أن يتعرض لها لتعديل العائد على حسابات الاستثمار المشترك وذلك بالتخلي عن جزء من العائد على حقوق المساهمين وذلك للتمكن من المنافسة في السوق، وسمّت اللجنة هذا النوع من المخاطر "المخاطر التجارية المنقولة".
د-…بسبب المخاطر الواردة في ب و ج (الاستئمانية، التجارية المنقولة) يتم ضم
(50%) من حسابات الاستثمار المشترك لمقام النسبة.(40/7)
هذا، ويعود السبب في المعاملة الخاصة لحسابات الاستثمار المشترك إلى أن هذه الحسابات وفي حالة خسارة الاستثمارات التي يتم تمويلها من خلالها تتحمل هي هذه الخسارة و لا تتحمل حقوق مساهمي البنك أي جزء منها إلا بمقدار الخسائر التي قد تنشأ من المخاطر الاستئمانية والمخاطر التجارية المنقولة الواردة في (ب، ج).
لعل من المناسب هنا توضيح المقصود بالمخاطر التجارية المنقولة. يمكن القول أن حسابات الاستثمار المشترك تشبه إلى حد كبير في طبيعتها الأموال المستثمرة ضمن صناديق الاستثمار المشترك ( Mutual Funds) إلا أنها تعطي المستثمر ميزة إمكانية سحب أموالهم بموجب إشعارات قصيرة الأجل. الإشكالية التي تواجه البنوك الإسلامية هي أن هذه الأموال مستثمرة في موجودات لا تتمتع جميعها بدرجة عالية من السيولة الأمر الذي يجعل من الصعب عليها مواجهة سحوبات مفاجئة بمبالغ كبيرة، وعليه فإن البنوك الإسلامية قد تستخدم العائد على حقوق مساهمي البنك لدعم العائد على حسابات الاستثمار المشترك لتجنب الإعسار المالي الذي قد ينشأ عن سحب ودائع الاستثمار المشترك.
هذا، ويلاحظ أن اللجنة لم تدرج حسابات الاستثمار المشترك ضمن بسط النسبة كونها لا تتحمل أي من المخاطر التي عرفتها اللجنة في مقام النسبة وبالتالي فإنه لا يمكن اعتبارها جزءا من رأس المال التنظيمي الذي يمكن أن يتحمل خسائر التي يمكن أن تتعرض لها البنوك الإسلامية.
رابعاً: المعيار الجديد لكفاية رأس المال Basel 2.
أفرز التطبيق العملي لمعيار كفاية رأس المال Basel 1 عدة عيوب ونقاط ضعف في المعيار دفعت إلى قيام لجنة بازل بالتقدم بمعيار جديد للملاءة Basel 2.(40/8)
أعطى Basel 1 وزناً ترجيحياً لالتزامات القطاع الخاص تجاه البنوك (100%) باستثناء القروض السكنية أو بمعنى آخر طالب المعيار البنوك بالاحتفاظ برأسمال نسبته (8%) من هذه الالتزامات وقد نشأ عن ذلك أمرين مهمين، أولهما عدم التمييز بين البنوك وفقاً لدرجة مخاطرتها "عدم الحساسية الكافية للمخاطر" حيث أن التزامات القطاع الخاص تختلف بشكل كبير ضمن البنك الواحد وبين البنوك. فمثلاً التزامات القطاع الخاص تختلف درجة مخاطرها بين البنوك حسب السياسة الائتمانية وطبيعة مكوناتها وضمن البنك الواحد حسب القطاع والظروف الاقتصادية، طبيعة الضمان ... الخ.
وثانيهما قيام العديد من البنوك بنقل الموجودات ذات درجة المخاطر المنخفضة إلى خارج الميزانية من خلال التوريق (Securitization) الأمر الذي نشأ عنه ارتفاع درجة مخاطرة الجزء المتبقي من محفظة موجودات البنك.(40/9)
…إضافة إلى ما سبق فإن المعيار الحالي لكفاية رأس المال Basel 1 لم يأخذ بعين الاعتبار أحد أهم المخاطر التي تواجه البنوك وهي المخاطر التشغيلية التي عرفتها لجنة بازل بأنها "احتمالية الخسارة التي قد تنشأ عن فشل أو عدم كفاية عمليات داخلية، أشخاص، أنظمة، أو بسبب أحداث خارجية". هذا، وقد زادت أهمية هذا النوع من المخاطر بسبب التطور التكنولوجي الكبير والتعقيد في طبيعة وحجم الخدمات التي تقدمها البنوك لعملائها، ومن الأمثلة على الخسائر التي تنشأ عن المخاطر التشغيلية الخسائر المتعلقة بفشل أنظمة الحاسب، الاحتيال والسرقة، تلف أو إضاعة أو عدم الاحتفاظ بالوثائق وتجاوز الصلاحيات، وتشمل المخاطر التشغيلية المخاطر القانونية وفقاً لتعريف لجنة بازل. هذا، وبالنظر إلى المخاطر الاستثنائية التي عرفتها اللجنة المنبثقة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والإسلامية يمكن القول أن هذه المخاطر تندرج ضمن المخاطر التشغيلية وأن ما جاءت به اللجنة بخصوص هذه المخاطر يمثل خطوة متقدمة في تحديد المخاطر التي تواجه البنوك الإسلامية والتقليدية .
بسبب ما تقدم فقد تقدمت لجنة بازل في منتصف عام 1999 بمعيار جديد لكفاية رأس المال يهدف إلى:-
- تعزيز سلامة ومتانة النظام المالي والمصرفي.
- تعزيز التنافسية بين مؤسسات الجهاز المصرفي.
- تغطية أشمل للمخاطر التي تواجه البنوك.
- تطوير أساليب لقياس والمخاطر تتميز بدرجة عالية من الحساسية للمخاطر التي تواجه البنوك.
- التركيز على البنوك الكبيرة التي تمارس الأنشطة المصرفية على أساس دولي وفي نفس الوقت يتضمن مبادئ ووسائل تجعل من المناسب تطبيقه من قبل البنوك الصغيرة ومتوسطة الحجم.
هذا، وقد تضمن المعيار الجديد لكفاية رأس المال Basel 2 ثلاثة أركان هي قياس الحد الأدنى لدرجة الملاءة - وهو المبدأ الوحيد الذي تضمنته Basel1- ومراجعة السلطات الرقابية ومراقبة السوق.(40/10)
الرسم رقم (2): أركان المعيار الجديد لكفاية رأس المال2 Basel
المبدأ الأول: الحد الأدنى لرأس المال.
يمكن تلخيص هذا المبدأ من خلال المعادلة التالية:-
نسبة كفاية رأس المال (Basel 2) = 4
…
فيما يتعلق بقياس مكونات النسبة في المعيار الجديد فيمكن تلخيص ذلك بما يلي:-
أ-…لا تغيير في تعريف بسط النسبة.
ب-…مخاطر الائتمان تقاس بمجموعة من الطرق هي:-
1)…طريقة معيارية تستند إلى الطريقة المستخدمة حالياً مع بعض التعديلات خصوصا فيمل يتعلق بالاعتماد على مؤسسات التصنيف الائتماني.
2)…طريقة مبسطة تستند إلى التقييم الداخلي من قبل البنك لمخاطر الائتمان
…Foundation Internal Rating Based Approach
3)…طريقة متقدمة تستند إلى التقييم الداخلي من قبل البنك لمخاطر الائتمان
…Advanced Internal Rating Based Approach
ج-…مخاطر السوق وتقاس بالآتي:-
1)…طريقة معيارية.
Standardized approach
2) …نماذج تقييم مطورة من قبل البنوك لقياس المخاطر.
Internal- rating approach
د-…المخاطر التشغيلية وهنالك ثلاث طرق لقياسها هي:
1)…طريقة المؤشر الرئيسي (Basic Indicator Approach).
…وهي تستند إلى مؤشر معين يستخدم لقياس مخاطر التشغيل.
2)…طريقة معيارية (Standardized Approach) وهي تستند إلى تقسيم أنشطة البنك إلى مجموعات مختلفة وتحديد المخاطر التشغيلية لكل منها.
3) …طريقة القياس الداخلي (من قبل البنك) للمخاطر التشغيلية
(Internal Measurement Approach).
إن أساليب القياس السابقة لا تمثل فقط طرقا ذات حساسية أعلى لقياس المخاطر بل إنها تمثل أفضل الممارسات المصرفية لقاس المخاطر (Best Practice) وعليه فان لجنة بازل توصي بان يتم النظر إلى المعيار الجديد كوسيلة أفضل لقياس وإدارة المخاطر وليس كمتطلب للسلطات الرقابية فقط.
المبدأ الثاني: مراجعة السلطات الرقابية.(40/11)
في Basel 1 تحديد الوزن الترجيحي للمخاطر يتم بصورة آلية بسيطة حيث يعطى كل نوع من أنواع الأصول وزنا ترجيحيا معينا بناءا على طبيعة الأصل. في Basel 2 الأمر مختلف بدرجة كبيرة حيث أن تحديد الوزن الترجيحي للمخاطر يعتمد على مدخلات يقوم بإعدادها البنك كما في طرق القياس الداخلي لمخاطر الائتمان أو السوق أو المخاطر التشغيلية، أو مؤسسات تصنيف ائتماني خارجي كما في الطريقة المعيارية لقياس مخاطر الائتمان. إن ما سبق يتطلب مراجعة السلطات الرقابية للتأكد من توفر متطلبات القياس على مستوى البنك أو مؤسسة التصنيف الائتماني (البيانات، الخبرات...الخ)، ومراجعة دقة القياس وإمكانية الاعتماد عليه إضافة إلى الإجراءات الواجب اتخاذها في حالة تراجع الملاءة.
المبدأ الثالث: مراقبة السوق.
يولي المعيار الجديد لقياس الملاءة أهمية كبيرة لمراقبة السوق كجهة رقابية إضافية على البنوك وفي إطار ذلك فان المعيار الجديد يطلب من البنوك الإفصاح عن المزيد من المعلومات لتمكين المشاركين بالسوق من القيام بهذا الدور. إن ما سبق يتطلب قيام البنوك بالإفصاح عن مستوى الملاءة والأساليب المستخدمة لإدارة وقياس المخاطر على مستوى البنك.
في ضوء ما تقدم يمكن تلخيص أبرز ملامح المعيار الجديد لكفاية رأس المال بما يلي:-
- لا تغيير جوهري في بسط النسبة (رأس المال).
- الأخذ بعين الاعتبار مخاطر السوق (Market Risk) ومخاطر التشغيل
(Operational Risk)، إضافة إلى مخاطر الائتمان (Credit Risk) .
- الاعتماد بشكل كبير على نماذج لقياس المخاطر مطورة من قبل البنوك، على أن يكون دور السلطات الرقابية مراجعة دقة هذه النماذج والتأكد من فاعليتها.
- توفر مجموعة من البدائل لقياس كل نوع من أنواع المخاطر يمكن للبنك اعتمادها بناءً على موافقة السلطات الرقابية وتوفر الإمكانيات اللازمة لاستخدامها.
- وسائل القياس الجديدة أكثر حساسية للمخاطر مقارنة بالوسائل القديمة.(40/12)
- هنالك حوافز للبنوك بناءً على درجة الدقة في أساليب قياسها للمخاطر تتمثل بتخفيض متطلبات رأس المال.
- الاهتمام بإفصاح البنوك عن بياناتها المالية وطرق قياسها للمخاطر كوسيلة لتمكين المودعين والمقترضين من تقييم مخاطر تلك البنوك.
خامساً: ملاءة البنوك الإسلامية في إطار المعيار الجديد للملاءةBasel 2 .
1- مخاطر الموجودات الممولة من حسابات الاستثمار المشترك
من المعلوم أن حسابات الاستثمار المشترك تمثل أهم مصادر أموال البنوك الإسلامية إلى جانب الحسابات الجارية وحقوق المساهمين، وتختلف طبيعة هذه الحسابات عن الودائع العادية في البنوك التقليدية في كون طبيعة العلاقة بين البنك والمودع في البنك الإسلامي هي علاقة مضاربة في حين أن الوديعة في البنك التقليدي هي عبارة عن قرض يلتزم البنك بسداده بغض النظر عن نتائج أعماله.
إن طبيعة العلاقة بين البنك الإسلامي وبين صاحب حساب الاستثمار المشترك والمبنية على أساس المضاربة تجعل من الممكن -حسب طبيعة العقد- أن يكون العائد لأصحاب حسابات الاستثمار المشترك متغيراً ويعتمد على نتائج الاستثمار ولا يوجد ما يمنع من الناحية النظرية من أن يكون هذا العائد سالباً في حالة خسارة استثمارات البنك .
إن هذه العلاقة بين حسابات الاستثمار المشترك والبنك الإسلامي تشبه إلى حد كبير العلاقة بين حسابات الاستثمار و صناديق الاستثمار المشترك Mutual)
(Funds مع اختلاف جوهري بسيط هو أن موجودات صناديق الاستثمار المشترك تتمتع عادة بدرجة عالية من السيولة كونها في العادة أوراق مالية يمكن بيعها وشراؤها في الأسواق المالية في حين أن موجودات البنوك الإسلامية هي في الغالب عبارة عن أدوات دين لا يمكن بيعها بسهولة حيث لا تزال تحتل المرابحة الجزء الأكبر من نشاط البنوك الإسلامية .(40/13)
إن طبيعة موجودات البنوك الإسلامية وتركز نشاطها في نشاط المرابحة يجعل من الصعب عليها مواجهة سحوبات مفاجئة كبيرة لحسابات الاستثمار المشترك أو الودائع بشكل عام والتي من الممكن أن تحصل في حالة حدوث انخفاض ملموس في العائد أو في حالة حدوث خسارة كبيرة تجعل العائد سالبا بمعنى أن أصحاب حسابات الاستثمار المشترك سيخسرون في هذه الحالة جزءاً من رؤوس أموالهم المستثمرة مع البنك الإسلامي.
إن البنك الإسلامي لا يملك الميزة التي تملكها صناديق الاستثمار المشترك من حيث سيولة الموجودات وعدم السهولة النسبية في سحب أرصدة الاستثمار، الأمر الذي يجعل من الممكن أن يكون إعطاء عائد منخفض على حسابات الاستثمار المشترك أو عائد سالب سبباً وراء إعسار البنك بسبب أن المودعين الذين خسروا جزءاً من ودائعهم" أصحاب حسابات الاستثمار المشترك وغيرهم من المودعين" من الممكن أن ينتقلوا لبنك آخر .
إذا ما رجعنا إلى تعريف الملاءة وكونها احتمالية إعسار البنك، فمما لا شك فيه أن الخسائر التي تتعرض لها حسابات الاستثمار المشترك "المخاطر التجارية" يمكن أن تؤدي إلى إعسار البنك وبالتالي يجب أن تكون الأصول الممولة من خلالها بالكامل جزءاً من موجودات البنك الخطرة المرجحة ضمن مقام النسبة .
صحيح أن البنك الإسلامي غير ملزم تعاقدياً بتغطية هذه الخسائر إلا أنه ملزم بذلك تجارياً في ضوء المنافسة في السوق وهو ما يبرر وجود احتياطي معدل الأرباح واحتياطي مخاطر الاستثمار.(40/14)
قد يثار بهذا الصدد التساؤل التالي : أليس من الممكن أن يحتفظ عدد كبير من المودعين بودائعهم مع البنك الإسلامي حتى في حالة الخسارة، ويمكن القول بهذا الصدد أن هذا الأمر ممكن في حالة عدم وجود مؤسسة مصرفية إسلامية أخرى يمكن نقل الحسابات لها وهي حالة أصبحت في الوقت الراهن قليلة الحدوث أو في حالة أن متوسط العائد المتوقع على حسابات الاستثمار المشترك في الفترة القادمة -على الرغم من انخفاض العائد الحالي- أعلى من العائد المتوقع لدى مؤسسة مصرفية إسلامية أخرى، وبمعنى آخر فإن المودع سيحتفظ بوديعته في بنك
(B1) إذا كانت العائد المتوقع خلال الفترة القادمة (n) على استثماراته أعلى من العائد المتوقع إذا ما وضع هذه الاستثمارات مع بنك (B2) ويمكن تمثيل ذلك من خلال المعادلة التالية :-
(4)
حيث أن تمثل العائد المتوقع لدى بنك( j )في الفترة (i) .
إن المتابع لأداء البنوك الإسلامية والعائد على حسابات الاستثمار المشترك يجد أنه مقارب إلى حد كبير للعائد على الودائع لدى البنوك التقليدية ولعل ذلك يعود بشكل رئيسي إلى أن معظم التمويل الذي تقدمه البنوك الإسلامية هو تمويل المرابحة وأن كلفة هذا التمويل مقاربة لكلفة التمويل الذي تقدمه البنوك التقليدية بالفائدة.
في ضوء ما سبق وفي ضوء أن توقعات العائد على حسابات الاستثمار المشترك تستند بشكل رئيسي إلى العائد في السنة الحالية فانه ومن الناحية العملية لا يوجد ما يدفع إلى الاعتقاد بأن العائد المتوقع خلال الفترة (n) على الاستثمارات مع بنك (B1) سيكون أعلى من العائد المتوقع إذا ما وضعت هذه الاستثمارات مع بنك (B2) خاصة عند عدم تحقق ذلك بالفترة الحالية.(40/15)
إن ما سبق يعني أن المخاطر التي تتعرض لها توظيفات البنك الإسلامي الممولة من خلال حسابات الاستثمار المشترك يجب أن تأخذ بعين الاعتبار وان تكون جزءاً من مقام النسبة كون الخسائر التي قد تنشأ عن هذه المخاطر قد تتسبب في المساس بأموال المودعين والتالي إعسار البنك من الناحية العملية.
2- مكونات بسط نسبة كفاية رأس المال وطبيعة الخسائر
بالنظر إلى مكونات بسط نسبة كفاية رأس المال كما في المعادلة (3) يمكن القول أنها تتكون من مجموعتين أو شريحتين الأولى وهي رأس المال والاحتياطيات، وهي شريحة تخص المساهمين بشكل كامل في حين أن الشريحة الثانية هي أموال مشتركة بين المساهمين والمودعين. وبالنظر إلى مقام النسبة، نلاحظ أن هذا المقام يعكس المخاطر التي يجب أن يتحمل خسائرها مساهمو البنك غير أنه في نفس الوقت يتضمن نوعا من المخاطر "المخاطر التجارية المنقولة" والتي يتحملها المساهمون والمودعون.
وعليه يمكن القول أن هنالك نوعين من المخاطر يمكن أن تؤثر على أموال المودعين مع البنك الإسلامي وتؤدي إلى خسارة جزء منها، الأول وهي المخاطر التي يجب أن يتحملها مساهمو البنك وهي المخاطر التشغيلية (المخاطر الاستئمانية) بالدرجة الأولى والتي إذا كان حجمها كبيراً بحيث لا تكفي حقوق المساهمين لتغطيتها فإن ذلك سيؤدي إلى إعسار البنك بشكل أكيد. الثاني وهي المخاطر التجارية الاعتيادية التي يُعد أبرزها المخاطر الائتمانية ومخاطر السوق وهذا النوع من المخاطر يتحمله المودع والبنك بقدر مساهمة كل منهما في تمويل الموجودات، وهذه المخاطر أيضا يمكن أن تؤدي إلى إعسار البنك "تؤثر على الملاءة" لأنها تؤثر على حقوق المساهمين بقدر حصتهم في تمويل الموجودات ولأنها قد تعرض البنك إلى إعسار بسبب السيولة في حالة الانخفاض الحاد في العائد على حسابات الاستثمار المشترك أو خسارة جزء منها، ويلاحظ أن هذا النوع من المخاطر لم يتم تضمينه بالكامل لمقام النسبة .(40/16)
بالنظر إلى بسط النسبة مرة أخرى نجد أن الجزء الأول من البسط هو بالدرجة الأولى مخصص لمواجهة الخسائر التشغيلية في حين أن الجزء الثاني والمتمثل بالاحتياطيات مخصص لمواجهة مخاطر السوق والمخاطر الائتمانية، بتعبير آخر فانه لا يمكن أن يتم استخدام احتياطيات معدل الأرباح أو احتياطيات مخاطر الاستثمار لمواجهة المخاطر التشغيلية أو مخاطر الموجودات المرجحة الخطرة الممولة من مصادر أموال البنك الذاتية والمطلوبات باستثناء حسابات الاستثمار المشترك، من ناحية أخرى فان حقوق المساهمين "رأس المال المدفوع + الاحتياطيات" لا يمكن أن يتم استخدامها لمواجهة المخاطر التجارية كما عرفتها اللجنة، وعليه فإن بسط النسبة يمثل حاجزين مختلفين كل منهما مخصص لمواجهة مجموعة مختلفة من المخاطر إلا انه لا يمكن جمعها كما هو مقترح في المعيار الذي اقترحته اللجنة .
إن ما سبق يعني أن هنالك نوعين من المخاطر يقابلهما حاجزين مختلفين لتقليل أثرهما على البنك (على المودعين) غير أنه لا يمكن دمج هذين الحاجزين معا في حالة دمج المخاطر المختلفة، ويلخص الشكلين التاليين ذلك.
الرسم رقم (3): توزيع الخسائر التي يتم مواجهتها من خلال حقوق المساهمين
الرسم رقم (4): توزيع الخسائر التي يتم مواجهتها من خلال احتياطي معدل الأرباح + احتياطي مخاطر الاستثمار
3. إزالة الفصل بين مصادر الأموال المستخدمة لمواجهة الخسائر(40/17)
إذا ما نظرنا إلى مصادر الأموال المستخدمة لمواجهة الخسائر غير المتوقعة أو ما يمكن تسميته في هذه الحالة رأس المال التنظيمي للبنك الإسلامي فنرى أن جزءاً منها عبارة عن أموال تخص مساهمي البنك تنازل عنها المساهمون طواعية لتجنب خسارة أكبر قد تنشأ عن خسارة حسابات الاستثمار المشترك في حالة انخفاض عائد أصحاب هذه الحسابات . إذا كان هذا المبدأ مقبولاً من الناحية النظرية ومعمولاً به من الناحية التطبيقيةa كما يعكس ذلك احتياطي معدل العائد فإنه يمكن تعميم هذا المبدأ ليشمل حقوق المساهمين الأخرى، بمعنى أنه يمكن (ليس لزاما عليهم) لمساهمي البنك وفي حالة تعرض توظيفات البنك الممولة من حسابات الاستثمار المشترك إلى خسائر كبيرة يمكن أن تؤثر على ملاءة البنك أو أدائه المستقبلي أن يقوموا باستخدام حصتهم من مصادر أموال البنك (حقوق المساهمين) لتغطية هذه الخسائر لتجنب خسارة أكبر يمكن أن يتعرضوا لها في حالة إعسار البنك .
…إن ما سبق يعني أن ذلك يفتح قناة بين مصادر الأموال المخصصة لمواجهة الخسائر لتصبح على النحو التالي :-
إن ما سبق يجعل من الممكن إدراج النوعين المختلفين من مصادر أموال البنك ضمن بسط النسبة على الرغم من عدم وجود ما يدفع إلى الاعتقاد بأنه سيكون هنالك تدفق في الأموال باتجاه حقوق المساهمين لأسباب شرعية وعملية إلا أن ذلك لا يعتبر مشكلة حقيقية من الناحية العملية كون هذا الجزء من مصادر الأموال يعتبر صغيرا نسبياً مقارنة بحقوق المساهمين وكونه لا يمكن أن يستمر بنك في العمل من الناحية العملية بعد خسارة حقوق المساهمين كون السلطات الرقابية في هذه الحالة ستقوم ببيعه أو إدماجه أو تصفيته .
4. نسبة كفاية رأس المال المقترحة للبنوك الإسلامية في إطار Basel 2(40/18)
بالنظر إلي نوعية المخاطر التي تواجه البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية وفي ضوء ما تم نقاشه في الجزء (1) سابقاً يمكن القول أن مقام نسبة كفاية رأس المال للبنوك الإسلامية سيتكون من نفس أنواع المخاطر التي حددتها لجنة بازل للبنوك التقليدية وهي المخاطر الائتمانية، المخاطر السوقية، والمخاطر التشغيلية إلا أن الأهمية النسبية لها ستختلف عن البنوك التقليدية تبعاً لطبيعة نشاط البنك الإسلامي والأدوات المالية الإسلامية التي يستثمر بها.
في ضوء ما تقدم فإن نسبة كفاية راس المال المقترحة للبنوك الإسلامية وفقا لـBasel 2 يمكن تمثيلها كما يلي :-
فيما يتعلق بأساليب قياس مختلف أنواع المخاطر فان المنهجية المعتمدة من قبل لجنة بازل بهذا الخصوص تمثل إطارا عاما يصلح للبنوك السلامية والتقليدية على حد سواء.
نشير هنا إلى أنه ومن الناحية العملية فان البنوك الإسلامية لا تحتاج إلى نفس نسبة البنوك التقليدية كون البنك الإسلامي يستطيع دوما تحميل جزء من أي خسارة للمودعين (أصحاب حسابات الاستثمار المشترك) من خلال تحميل جزء من ذلك لأرباح العام دون أن يؤدي ذلك إلى حدوث سحوبات تؤدي إلى إعسار البنك b في حين أن البنك التقليدي ملزم دائما بدفع الفائدة المتعاقد عليها مع المودع.
5. الفصل بين أنواع المخاطر التي تواجه البنوك الإسلامية(40/19)
على الرغم من وجود تعريف محدد لكل نوع من أنواع المخاطر التي تواجه البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية فانه ومن الناحية العملية فانه يصعب التمييز بين الخسائر التي تنشأ عنها أو حتى قياسها كمياً خاصة عند الحديث عن مخاطر التشغيل والتي يُعد قياسها كمياً من الأمور الصعبة للغاية حتى مع التقدم الكبير الذي حصل في هذا المجال وهو الأمر الذي دفع إلى التردد الكبير الذي سبق إقرار ضم هذا النوع من المخاطر إلى مقام نسبة كفاية رأس المال ضمن المعيار الجديد للملاءة Basel 2، وعليه فانه ورغم أنه يمكن من الناحية النظرية تقسيم المخاطر التي تواجه البنوك الإسلامية إلى مجموعات وبالتالي تحديد الجزء من بسط النسبة الذي سيتحمل هذا الجزء من المخاطر فان ذلك ومن الناحية العملية أمر صعب جداً تحقيقه كما أنه لا يمكن أيضا من الناحية العملية أن تقوم السلطات الرقابية به أو يتمكن أصحاب حسابات الاستثمار المشترك من القيام به في ظل الصعوبة الكامنة في ذلك وعدم توفر المعلومات وكلفة ذلك .
إضافة إلى صعوبة الفصل بين أنواع المخاطر وخاصة مخاطر التشغيل فإن القول بأن الخسائر التي قد تنشأ عنها يجب أن يتحملها المصرف كونها نتيجة الإهمال أو التقصير أو التعدي أمر يصعب القبول به كون هذه الخسائر المختلفة هي جزء لا يتجزأ من أي نشاط مصرفي كما أن المخاطر الائتمانية جزء لا يتجزأ من أي نشاط مصرفي، بمعنى أنه ومن الناحية العملية لا يمكن وصف هذه الخسائر بأنها خسائر ناشئة عن التعدي أو الإهمال من قبل مساهمي البنك وبالتالي فإنه لا يتوجب أن يقوموا بتحملها.(40/20)
علاوة على صعوبة الفصل بين المخاطر وتحديد المسؤولية عنها فإن هنالك أنواعاً أخرى من المخاطر التي تواجه البنوك والتي لا يمكن قياسها كمياً بصورة سهلة مثل المخاطر الاستراتيجية ومخاطر السمعة وهي مخاطر قد تعرض البنك لخسائر إلا أنه لا يمكن قياس هذه الخسائر وعليه فإنه سيتم تحملها من قبل المودعين ومساهمي البنك على حد سواء وإن كان من الممكن القول هنا أن هذا النوع من المخاطر من الأجدى أن يتحمله مساهمو البنك كونهم مسؤولين عنه بالدرجة الأولى (خاصة المخاطر الاستراتيجية كونها مسؤولية مجلس الإدارة).
إن ما سبق يدفع إلى الاستنتاج إلى أنه يصعب من الناحية العملية الفصل بين المخاطر بناء على المسؤولية التي تترتب على كل من المودعين والمساهمين.
السؤال الذي يمكن إثارته بهذا الصدد هو هل يمثل عدم إمكانية تحديد المسؤولية عن الخسائر عائقا أمام تحديد مستوى الملاءة للبنوك الإسلامية ؟
نعتقد بهذا الصدد أن عدم إمكانية تحديد المسؤولية عن الخسائر لا يمثل عائقا أمام تحديد مستوى الملاءة للبنوك الإسلامية في حالة إيجاد قناة تمكن من استخدام أموال المساهمين لمواجهة أية خسائر غير متوقعة وكما تم تبيينه في القسم (3)، إلا أن عدم إمكانية تحديد المسؤولية عن الخسائر يمثل عائقا حقيقيا في حالة التمييز بين مصادر الأموال التي يمكن أن تستخدم لمواجهة الخسائر (عدم وجود قناة) وكما هو الحال الآن ضمن المعيار الحالي.
سادسا: استنتاجات
إن موضوع الملاءة يعد من المواضيع الهامة لكل من البنوك الإسلامية والتقليدية وبسبب أهمية هذا الموضوع فقد حرصت كل من البنوك والسلطات الرقابية على تطوير أساليب لقياس الملاءة تطورت من نسبة الرافعة المالية إلى نسبة كفاية رأس المال كما تم اقتراحها في Basel 1 إلى المعيار الجديد للملاءة Basel 2.(40/21)
إن أساليب القياس لمختلف أنواع المخاطر التي تواجه البنوك تمثل فرصة للبنوك الإسلامية والتقليدية لتطوير قياسها وإدارتها للمخاطر التي تواجهها.
على الرغم من الجهد المبذول من قبل اللجنة المنبثقة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية لتقديم معيار لكفاية رأس المال يقيس بشكل ملائم ملاءة البنوك الإسلامية إلا أن هذا المعيار يواجه مشكلة عدم الانسجام بين مكونات كل من البسط والمقام الأمر الذي لا يمكن معه اعتباره مقياساً ملائماً للملاءة. علاوة على ما سبق فإنه يتميز أيضاً بعدم القدرة من الناحية العملية على تحديد المسؤولية عن الخسائر الناشئة عن المخاطر التي تواجه البنوك الإسلامية وبالتالي تحديد الجزء من بسط النسبة الذي سيستخدم لمواجهة هذه الخسائر.
أيضاً فإن توظيفات البنك الممولة من حسابات الاستثمار المشترك تمثل جزءاً من موجودات البنك الخطرة والتي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في مقام نسبة كفاية رأس المال حيث أنه ومن الناحية العملية فإن الخسائر الناشئة عنها قد تؤدي إلى إعسار البنك.
إن ما سبق يعني أنه وضمن الوضع القائم (الفصل بين المسؤولية عن الخسائر وعدم إمكانية استخدام حقوق المساهمين لمواجهة مختلف المخاطر) فإنه ومن الناحية الفعلية فإن هنالك مقياسين مختلفين للملاءة للبنوك الإسلامية أحدها يتعلق بالدرجة الرئيسية بحقوق المساهمين والمخاطر التشغيلية والآخر يتعلق باحتياطيات معدل الأرباح ومخاطر الاستثمار والمخاطر الائتمانية والسوقية.(40/22)
إن فتح المجال أمام إمكانية قيام المساهمين باستخدام حقوق المساهمين لتغطية الخسائر غير المتوقعة التي يمكن أن تؤثر بشكل جوهري على العائد على حسابات الاستثمار المشترك وبالتالي على ملاءة البنك يجعل من الممكن من الناحية العملية دمج جميع مصادر أموال البنك التي يمكن استخدامها لمواجهة الخسائر ضمن وحدة واحدة. عملية الدمج هذه في بسط نسبة كفاية رأس المال تجعل من الممكن أيضاً ولأغراض قياس الملاءة وإدارة المخاطر إضافة جميع المخاطر إلى مقام النسبة وتقلل بدرجة كبيرة من أهمية تحديد المسؤولية عن الخسائر غير المتوقعة التي يمكن أن تواجه البنك.
إن ما سبق يعني أن نسبة كفاية رأس المال للبنوك الإسلامية يمكن أن تقاس بنفس أسلوب قياس نسبة كفاية رأس المال للبنوك التقليدية وإن كانت الأهمية النسبية لأنواع المخاطر قد تختلف بسبب اختلاف طبيعة نشاط البنوك الإسلامية.
من الجدير الإشارة هنا إلى فائدة أخرى لإمكانية استخدام أموال المساهمين لمواجهة أي خسارة غير متوقعة لحسابات الاستثمار المشترك تتمثل في فتح المجال أمام البنك الإسلامي لتوظيف مصادر أموال حسابات الاستثمار المشترك بتوظيفات ذات درجة مخاطرة أعلى نسبياً وبالتالي تحقيق عائد أعلى لكل من البنك ولأصحاب هذه الحسابات كونه سيكون بإمكان البنك تغطية أي خسارة غير متوقعة من خلال حسابات رأس المال.
المراجع العربية:
1-…بيان عن القرض من نسبة كفاية رأس المال للمصارف الإسلامية وكيفية حسابها، هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية،، البحرين، مارس 1999.
2-…معايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية الإسلامية، هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، البحرين، 2001.(40/23)
3-…مسودة مشروع المعيار الشرعي رقم (16): تنظيم العلاقة بين المؤسسات المالية الإسلامية والجهات الرقابية والإشرافية، هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، البحرين، 2002.
المراجع الأجنبية:
1. Alan Greenspan, The Role of Capital in Optimal Banking Supervision and Regulations, FRBNY Economic Review (10/1998).
2. Basel Committee on Banking Supervision, The New Capital Accord, Consultative Document, 31/5/2001 (BIS).
3. Basel Committee on Banking Supervision, The New Capital Accord an explanatory note, January 2001 (BIS).
4. Basel Committee on Banking Supervision, Potential Modification to the Committee's Proposals, Consultative Document, 5/11/2001 (BIS).
5. Basel Committee on Banking Supervision, The Internal-Rating Based Approach, Consultative Document, 31/5/2001 (BIS).
6. Basel Committee on Banking Supervision, Update draft of a "Simplest Standardized Approach, 4/10/2001 (BIS).
7. Basel Committee on Banking Supervision, Results of the Second Quantitative Impact Study, 5/11/2001 (BIS).
8. Darryll Hendricks and Beverly Hirtle, Bank Capital Requirements for Market Risk: The Internal models Approach, FRBNY Economic Review (12/1997).
9. David Johns and John Mingo, Industry Practices in Credit Risk Modeling and Internal Capital Allocations for Model-Based Regulatory Capital Standards, Summary of presentation, FRBNY Economic Review (10/1998).
الهوامش
a من الممارسات المعتمدة في هذا المجال تنازل مساهمي البنك عن جزء من حصتهم من الأرباح لصالح المودعين في السنوات التي ينخفض فيها العائد.(40/24)
b يمكن تمثيل ذلك في شكل ( 4،3) من خلال زيادة طول المستطيل (أرباح السنة) ليغطي جزءا إضافيا من الخسائر
??
??
??
??
20 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
قياس ملاءة البنوك الإسلامية في إطار المعيار الجديد لكفاية رأس المال 19(40/25)
مخاطر التمويل الإسلامي
أ . د. علي بن أحمد السواس
أستاذ الفقه والأصول- جامعة قطر
النائب الأول لرئيس مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا
خبير في الفقه والاقتصاد بمجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي
خبير بمجمع الفقه برابطة العالم الاسلامي
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
يتناول هذا البحث خمس صيغ من صيغ الاستثمار الإسلامية، وهي: البيع الآجل، والسلم، والمضاربة، وصكوك المقارضة، والاستصناع ويذكر المشكلات التي صادفت المؤسسات الإسلامية في التمويل عن طريق كل صيغة، والحلول لمواجهة هذه المشكلات، مع بيان الجائز منها شرعاً وغير الجائز. ومن أهم المشكلات في البيع عدم التزام طالب الشراء، ومخاطر السلع المستوردة، وعجز المدين، أو مماطلة الدين المليء. ويبين البحث الحلول المشروعة في البيع مرابحة، وفي المساومة، وعدم جواز البيع قبل القبض الفعلي أو الحكمي، وكذلك تحميل العميل المخاطر قبل البيع وغرامات التأخير بالنسبة للمدين المماطل، ولكن يجوز حلول الأقساط قبل مواعيدها. ووجدت مشكلات أخرى تتصل بالضرائب غير المشروعة، ومشاركة البنوك الربوية، ووفاة المدين، وذكر المخرج من كل مشكلة.
وفي السلم يوجد مخاطر عدم تسليم المبيع، وعدم رد الثمن عند الفسخ أو المماطلة في رده. والمخرج التوثيق برهن أو كفالة، وأخذ شيكات من البائع لضمان الثمن. وعند حاجة المؤسسة إلى السيولة لا يجوز بيع دين السلم قبل قبضه، ولكن يجوز السلم الموازي، كما يجوز الاعتياض عن دين السلم بغير ربح.
وفي المضاربة بيان تجنب المخاطر في المضاربات المألوفة، وذكر نماذج لمضاربات مستحدثة أقل مخاطرة، كمشاركة الشركات القائمة التي تملك أصولاً ثابتة وأصولاً متداولة، والشركات التي تملك أصولاً ثابتة ولا تشترك في رأس المال.
أما صكوك المقارضة فمخاطرها في طبيعة المشروع الذي تصدر له الصكوك، وفي خبرة وأمانة الذين يصدرون الصكوك ويقومون بدور المضارب.(41/1)
وفي الاستصناع معظم المؤسسات لا تملك مصانع ولا شركات مقاولة، والمخرج في الاستصناع الموازي، وباقي المشكلات تحل عن طريق حوالة الضمان، والشروط الجزائية.
وفي البحث الحديث عن مخاطر الصرف، حيث لا يجوز الصرف الآجل، والمخرج عن طريق البيع الآجل، أو الشراء الآجل.
وختم البحث بالحديث عن التأمين، وعدم جواز دفع المخاطر بالتأمين التجاري إلا عند الضرورة، وإنما يكون بالتأمين التعاوني.
Abstract
This Paper treats five forms of Islamic Investment, namely:
Term-sale, "Salam Sale", Mudaraba, Speculation/ Muqaradha Deeds ["Soukuk-ul-Muqaradah"]. And Istissna'e.
It mentions the problems Islamic Institutions are facing upon using each of the above forms for financing purposes, and shows which of such forms is/, and which is not, compatible with Islamic Shari'a.
Among the principal problems faced in Sale:
(a) uncommitment of "the party ordering the purchase" a and,
(b) risks of imported goods and,
(c) debtor's incapacity or,
(d) deferment/delaying by a solvent party.
The Paper elaborates the permissible solutions in Murabaha and Mussawama sales, the fact the selling (goods) before actual or derivative receipt (of such goods) is not compatible with Islamic Shari'a. It exposes the questions of charging pre-sale risks on the customer and the fines/ penalties eventually imposed on delaying debtor(s). However, it is permissible, that payments may be declared due and payable before their effective Maturity Dates.
The research paper spots other problems related to the following and proposes the way-out in each case:
- taxes not admissible in Islamic Shari'a,
- the participation of Usury-taking banks and,(41/2)
- cease of debtor.
Risks inherent in "Al Salam Sale" are mainly: the non-delivery of sold goods and, the non-refunding of the price upon termination (of the contract) or delaying in refunding such price. The issue lies in securing the price through mortgage or caution in addition to checks to be handed over, by Seller, as a guarantee for the settlement of the price. However, if the corporation is in need to liquidity, then selling the "Salam Debt" before the actual receipt of same, will be prohibited in Islamic Shari'a, unless if we have recourse to "Al Salam-ul-Muwazi" [Parallel Salam] which is permissible. It is also permissible to accept other alternative to the "Salam" debt, provided such counterpart/goods be within the same value of said debt.
The Paper further exposes the ways to avoid risks in conventional Mudaraba transactions. It gives examples of new forms of Mudaraba with lesser risks, such as shring with already existing companies having fixed and negotiable assets or with companies having fixed assets but do not have any capital.
In "Muqardha Deeds", risks lie in the nature of the project for which such deeds are issued. Risks lie as well in the expertise and trustworthiness of the deeds issuing party who acts also as Mudarib.(41/3)
In Istissna'e transactions, considering that most of the establishments do not possess factories and/or contracting companies, then the issue will be in the "parallel Istissna'e". The other problems faced in this form of transactions will be solved through Security assignment and the penalties in case of defaults. Is treated also in this Paper, the issue of Exchange Risks. With regard to the fact that exchange transactions of deferred payment basis are not permissible, the solution will be Term-Sale or Term-Purchase.
The Paper deals in conclusion with the issue of Insurance. It states that seeking to avoid Insurance Risks through conventional Commercial Insurance is prohibited. It is admissible only in case of necessity.
Alternatively, having recourse to "Co-operative Insurance" waives such risks.
مقدمة
الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. والحمد لله الذي لا يؤدي شكر ونعمة من نعمه إلا بنعمة منه، توجب على مؤدي ماضي نعمة بأدائها. نعمة حادثة يجب عليه شكره بها.
ولا يبلغ الواصفون كنه عظمته. الذي هو كما وصف نفسه، وفوق ما يصفه به خلقه.
أحمده حمداً كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله وأستعينه استعانة من(41/4)
لا حول له ولا قوة إلا به. وأستهديه بهداه الذي لا يضل من أنعم به عليه. وأستغفره لما أزلفت وأخرت، استغفار من يقر بعبوديته، ويعلم أنه لا يغفر ذنبه ولا ينجيه منه إلا هو. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وبعد: كان للصحوة الإسلامية أثرها الطيب الواضح، ومن أثرها قيام المؤسسات المالية الإسلامية، وقيام هذه المؤسسات في عالم تقوم فيه صيغ الاستثمار على الربا والميسر والغرر الفاحش وما حرمه الإسلام كان لابد أن تواجه هذه المؤسسات الإسلامية مشكلات متعددة. حاولت هذه المؤسسات علاج المشكلات التي تصادفها في مجال تطبيق صيغ الاستثمار الشرعية، فوفقت في بعض الحالات، وجانبها التوفيق في حالات الأخرى وعلى الأخص في مجال التمويل الإسلامي، ومواجهة مخاطره.
وفي هذا البحث أتحدث عن خمس صيغ من صيغ التمويل الإسلامي وأبين المشكلات التي واجهت المؤسسات الإسلامية في التطبيق، والحلول التي وضعت، مع بيان الجائز منها وغير الجائز، وهذه الصيغ هي: البيع الآجل، والسلم، والقراض أي المضاربة، وصكوك المقارضة، والاستصناع. ثم أتحدث عن مخاطر الصرف وأبين البديل الشرعي للصرف الآجل، وأختم البحث بالحديث عن التأمين.
ولله تعالى الحمد في الأولى والآخرة. "سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين".
الصيغة الأولى
من أهم الصيغ التي تقوم بها المؤسسات الإسلامية، وأكثرها انتشاراً، البيع الآجل، فهو يعتبر بالنسبة لها وسيلة التمويل الإسلامي الأولى، ولذلك اتخذت هذه المؤسسات شعاراً لها قول الحق تبارك وتعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا"(1)(41/5)
والمؤسسات التي تعرض للبيع ما لديها من سلع، وعندها مخازنها ومعارضها لا تصادفها مشكلات بالنسبة للمبيع أكبر مما يصادفها غيرها من المؤسسات غير الإسلامية. ولكن معظم المؤسسات الإسلامية، وعلى الأخص المصارف، لا تملك مثل هذه المخازن والمعارض، ولذلك تشتري لتبيع دون أن تقوم بالتخزين، سواء أكان الشراء من الأسواق المحلية، أو عن طريق الاستيراد، أو، من الأسواق المالية العالمية (البرص) والمخاطر هنا نراها فيما يأتي:
بعد أن تشتري المؤسسة السلعة قد لا يشتريها منها طالب الشراء، وللحماية من هذه المخاطر تلجأ المؤسسات إلى بيع المرابحة، مع الوعد بالشراء، وأخذ عربون من الآمر بالشراء، فإن اشتريت السلعة، ولم يلتزم بوعده تقوم المؤسسة ببيعها لغيره، فإن وقعت خسارة وأخذت من العربون بقدرها.
واستفادت هنا من قرار لمجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، في الوفاء بالوعد، والمرابحة للآمر بالشراء، ومما جاء فيه: "الوعد - وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد- يكون ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقاً على سبب، ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد.
ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلاً بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر". (2)
وقد وقع الخلط بين بيع المرابحة والربا، وذلك يرجع إلى عدد من الأسباب منها: عدم الإدراك الفقهي للفرق بين الاثنين.
ومنها: أخطاء التطبيق.
ومنها: ما يراه بعض الباحثين من أن هذا البيع من باب الحيل غير المقبولة.
ولهذا سعيت لإلغاء البيع بنظام المرابحة في أحد المصارف، واللجوء إلى البيع مساومة، فكانت المخاطرة في أن الراغب في الشراء قد يعدل، أو لا يوافق على الثمن الذي يحدده المصرف، فماذا يفعل المصرف حينئذ؟(41/6)
وأمكن إيجاد وسيلة للتغلب على مخاطر المساومة وذلك بأن يشتري المصرف مع خيار الشرط للمشتري فقط دون البائع، وتحدد مدة كافية للخيار، وأثناء المدة يبيع المصرف ما اشتراه، فإن لم يتمكن من البيع أبلغ البائع بفسخ العقد ورد المبيع، وقد نجح هذا الأسلوب نجاحاً غير متوقع، وعلى الأخص بعد أن أصبح مألوفاً.
والواقع أن الفضل يرجع لله عز وجل أولاً، ثم للإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب الإمام أبي حنيفة، ثم لشيخ الإسلام ابن تيمية، حيث سئل الإمام الشيباني عن مخرج للحالة التالية:
إذا قال شخص لآخر: اشتر هذا العقار -مثلاً- وأنا أشتريته منك وأربحك فيه، وخشي إن اشتراه ألا يشتريه منه من طلب الشراء. فقال الإمام: المخرج أن يشتري العقار مع خيار الشرط له، ثم يعرضه على صاحبه، فإن لم يشتره فسخ العقد ورد المبيع.
فقيل للإمام الشيباني: أرأيت إن رغب صاحبه -طلب الشراء- في أن يكون له الخيار مدة معلومة؟
فأجاب: المخرج أن يشتري مع خيار الشرط لمدة أكبر من مدة خيار صاحبه، فإن فسخ صاحبه العقد في مدة خياره استطاع هو الآخر أن يفسخ العقد فيما بقي من المدة الزائدة على خيار صاحبه.
وذكر شيخ الإسلام هذا المخرج وبينه.
وقد تم هذا في البيوع المحلية فقط، وبقي بيع المرابحة في عمليات الاستيراد.
عند الاستيراد في بيوع المرابحة يقوم المصرف بفتح الاعتماد المستندي باسمه هو لا باسم الآمر بالشراء، ويرسل إلى البنك المراسل في بلد المصدر ليتصل به ويتفق معه على تصدير السلعة الملطوبة، وترسل المستندات باسم المصرف الإسلامي، ويتحمل جميع التكاليف ويظل الاعتماد المستندي صالحاً طوال مدة معلومة يتم خلالها التصدير.(41/7)
وقبل أن يتم التصدير قد يأتي العميل ويطلب إلغاء الاعتماد، ويقوم المصرف بدوره بإخطار البنك المراسل، وقل أن يوجد مخاطر هنا حيث إن المصرف يلزم العميل بتحمل تكاليف الاعتماد لأنه هو الذي طلب الإلغاء، ولكن قد لا يكون الإلغاء من قبل العميل، وإنما من قبل المورد الذي لا يقوم بتصدير السلعة المتفق عليها، وبعض المصارف تحمل العميل أيضاً بهذه التكاليف، بحجة أنه هو الذي أرشد المصرف إلى المورد، وأظن أن هذا غير جائز فعلاقة العميل بالمصرف في بيع المرابحة والتزاماته إنما تكون بعد وصول السلعة وشرائها من المصرف وما دام هو ليس الذي طلب الإلغاء، ولم يتسبب في الضرر، فلا يجوز أن يتحمل تبعة غيره ولذلك فإن المصرف هو الذي يتحمل هذه التكاليف وإن استطاع أن يضع شرطاً يلزم المورد بتحمل التكاليف عند عدم التزامه بالتصدير فإن هذا الشرط جائز لإزالة الضرر.
وتوجد مخاطر تتصل بالسلعة المستوردة فقد تأتي مخالفة للمواصفات أو ناقصة أو تالفة وقد لا تصل كأن تحرق أو تغرق أو تسرق مثلاً.
وهناك أشياء تشملها وثيقة التأمين كالحريق والغرق والسرقة وما أشبه هذا. أما مخالفة شروط الاعتماد، أو النقصان مثلاً فيرجع المصرف على المورد فهو المسؤول، عن هذا، ومن الموردين من لا يؤدي ما هو ملتزم به، وهناك يجب البحث عن الضوابط القانونية التي تجعله يجبر على الأداء للتخفيف من المخاطر.
وبعض المصارف الإسلامية رأت أن تتجنب هذه المخاطر. وتحملها لطالب الشراء نفسه، فاشترطت ضمانه للمورد حتى وصول السلعة، ثم بعد ذلك تبيعها له، وأعتقد أن هذا غير جائز على الإطلاق، فدور المصرف حينئذ لا يختلف عن دور البنك الربوي، حيث يقوم بالتمويل ولا شأن له بالسلعة، والحيلة التي يلجأ إليها بأن يبيع للآمر سلعة هي أصلاً في ضمانه حيلة واضحة البطلان.
وأحب هنا أن أذكر بقرارين مهمين:(41/8)
أحدهما صدر سنة 1403هـ (1983م) وهو من قرارات المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي، ونص القرار هو ما يأتي:
"يقرر المؤتمر أن المواعدة على المرابحة للآمر بالشراء، بعد تملك السلعة المشتراة للآمر وحيازتها، ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الوعد السابق، هو أمر جائز شرعاً طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسؤولية الهلاك قبل التسليم وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي".(3)
والقرار الثاني صدر سنة 1409هـ، في المؤتمر الخامس لمجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي، حيث قرر:
"أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعاً، هو بيع جائز، طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم، وتوافرت شروط البيع، وانتفت موانعه".(4)
هذان هما القراران، وفي ضوئهما يتضح بطلان ضمان الآمر بالشراء للمورد وتحمله هو مسؤولية الهلاك والتلف قبل التسليم، وكذلك تحمله العيب الخفي ونحوه مما يستوجب الرد بعد التسليم.
ورأت بعض المصارف، تجنباً لهذه المخاطر، أن تقوم ببيع السلعة قبل وصولها، وقبل القبض الفعلي أو الحكمي، وذلك عن طريق تظهير المستندات لصالح الآمر، وكتابة عقد البيع.
ومن الواضح أن هذا التصرف يتنافى مع حديث "لا تبع ما ليس عندك"(5)، ومع القرارين السابقين، غير أن الموضوع يحتاج إلى بحث مفصل لبيان موقف العلماء مع بيع المبيع قبل القبض مع المناقشة والترجيح في ضوء الأدلة. الحنفية يرون ثبوت الملك بمجرد التعاقد متى كان العقد صحيحاً بلا خيار، أما في العقد الفاسد فلا ينتقل الملك إلا بالقبض.
ومتى تم التعاقد وجب على البائع تسليم المبيع، ويتحمل مؤنة التسليم، ويجب على المشتري تسليم الثمن الحال، ويتحمل أيضاً مؤنة تسليمه.(41/9)
والتسليم والقبض عندهم هو التخلية، ولا خلاف بينهم أن أصل القبض يحصل بالتخلية في سائر الأموال، واختلفوا في أنها هل هي قبض تام أم لا؟ ويترتب على هذا الاختلاف في التصرف لا في انتقال الضمان، فانتقال الضمان يتم بأصل القبض لا بتمامه، أي قبل القبض الفعلي، أما التصرف فاتفقوا على أن المنقول لا يصح بيعه قبل القبض، واختلفوا في العقار، فأجاز بيعه قبل القبض أبو حنيفة وأبو يوسف استحساناً، ومنعه محمد وزفر قياساً.
جاء في بدائع الصنائع:
بيع المشتري المنقول لا يصح قبل القبض؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما لم يقبض، والنهي يوجب فساد المنهي، ولأنه بيع فيه غرر الانفساخ بهلاك المعقود عليه، لأنه إذا هلك المعقود عليه قبل القبض يبطل البيع الأول فينفسخ الثاني لأنه بناه على الأول، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فيه غرر.
ثم أضاف المؤلف قوله: وأما بيع المشتري العقار قبل القبض فجائز عند أبي حنيفة وأبي يوسف استحساناً، وعند محمد وزفر والشافعي رحمهم الله لا يجوز قياساً، واحتجوا بعموم النهي الذي روينا. (6)
وقال السمرقندي:
وأما حكم البيع فهو ثبوت الملك في المبيع للمشتري، وثبوت الملك في الثمن للبائع، إذا كان البيع باتاً من غير خيار. (7)
وقال الكاساني:
ثبوت الملك في البدلين للحال، لأنه تمليك بتمليك، وهو إيجاب الملك من الجانبين للحال فيقتضي ثبوت الملك في البدلين في الحال، بخلاف البيع بشرط الخيار، لأن الخيار يمنع انعقاد العقد في الحكم فيمنع وقوعه تمليكاً للحال، وبخلاف البيع الفاسد فإن ثبوت الملك فيه موقوف على القبض، فيصير تمليكاً عنده والله عز وجل أعلم.(8)
وقال: تسليم البدلين واجب على العاقدين، وذكر أن مؤنة تسليم المبيع على البائع كأجرة الكيال والوزن، أما أجرة وازن الثمن فعلى المشتري، لأنه مؤنة تسليم الثمن عليه. (9)
ومن تفسير التسليم والقبض قال:(41/10)
التسليم والقبض عندنا هو التخلية والتخلي، وهو أن يخلي البائع بين المبيع وبين المشتري برفع الحائل بينهما على وجه يتمكن المشتري من التصرف فيه، فيجعل البائع مسلماً للمبيع، والمشتري قابضاً له، وكذا تسليم الثمن من المشتري إلى البائع ثم قال:
لا خلاف بين أصحابنا في أن أصل القبض يحصل بالتخلية في سائر الأموال، واختلفوا في أنها هل هي قبض تام فيها أم لا؟ وجملة الكلام فيه أن المبيع لا يخلو إما أن يكون مما له مثل، وإما أن يكون مما لا مثل له، فإن كان مما لا مثل له من المذروعات والمعدودات المتفاوتة فالتخلية فيها قبض تام بلا خلاف، حتى لو اشترى مذروعاً مذارعة أو معدوداً معاددة، ووجدت التخلية يخرج عن ضمان البائع، ويجوز له بيعه والانتفاع به قبل الذرع والعد بلا خلاف، وإن كان مما له مثل فإن باعه مجازفة فكذلك لأنه لا يعتبر معرفة القدر في بيع المجازفة، وإن باع مكايلة أو موازنة في المكيل والموزون وخلي فلا خلاف في أن المبيع يخرج عن ضمان البائع ويدخل في ضمان المشتري، حتى لو هلك بعد التخلية قبل الكيل والوزن يملك على المشتري، وكذا لا خلاف في أنه لا يجوز للمشتري بيعه والانتفاع به قبل الكيل والوزن، وكذا لا خلاف في أنه لا يجوز للمشتري بيعه والانتفاع به قبل الكيل والوزن، وكذا لو اكتاله المشتري أو اتزنه من بائعه ثم باعه مكايلة أو موازنة من غيره لم يحل للمشتري منه أن يبيعه أو ينتفع به حتى يكيله أو يزنه، ولا يكتفي باكتيال البائع أو اتزانه من بائعه وإن كان ذلك يحضره هذا المشتري لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه صاعان، صاع البائع وصاع المشتري، وروي أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الطعام حتى يكال، لكن اختلفوا في أن حرمة التصرف قبل الكيل أو الوزن لانعدام القبض بانعدام الكيل أو الوزن، أو شرعاً غير معقول المعنى مع حصول القبض بتمامه بالخلية؟(10)
وجاء في حاشية ابن عابدين:(41/11)
لو هلك المبيع بفعل البائع، أو بفعل المبيع، أو بأمر سماوي، بطل البيع ويرجع بالثمن لو مقبوضاً، وإن هلك بفعل المشتري فعليه ثمنه إن كان البيع مطلقاً أو بشرط الخيار له، وإن كان الخيار للبائع فاسداً لزمه ضمان مثله إن كان مثلياً وقيمته إن كان قيمياً، وإن هلك بفعل أجنبي فالمشتري بالخيار: إن شاء فسخ البيع فيضمن الجاني للبائع ذلك، وإن شاء أمضاه ودفع الثمن واتبع الجاني، ويطيب له الفضل إن كان الضمان من خلال الثمن، وإلا فلا. (11)
وفي مجلة الأحكام العدلية نجد المواد الآتية:
(م262) القبض ليس بشرط في البيع إلا أن العقد متى تم كان على المشتري أن يسلم الثمن أولاً، ثم يسلم البائع المبيع إليه.
وقال سليم في شرحه: وحيث لم يكن القبض شرطاً في البيع فليس للبائع أن يفسخه لعدم قبض المبيع.
(م263) تسليم المبيع يحصل بالتخلية سواء كان البيع صحيحاً أو فاسداً على الأصح، وهي أن يأذن البائع للمشتري بقبض المبيع، ولا مانع بمنعه من تسلمه.
(م264) متى حصل تسليم المبيع صار المشتري قابضاً له.
(م265) تختلف كيفية التسليم باختلاف المبيع.
(م269) إذا بيعت ثمار على أشجارها يكون إذن البائع للمشتري بجزها تسليماً.
(م271) إعطاء مفتاح العقار الذي قفل للمشتري يكون تسليماً.
(م272) الحيوان يمسك برأسه أو أذنه أو رسنه الذي في رأسه فيسلم، وكذا لو كان الحيوان في محل بحيث يقدر المشتري على تسلمه بدون مؤونة فأراه البائع إياه وأذنه بقبضه كان ذلك تسليماً أيضاً.
(م273) كيل المكيلات ووزن الموزونات بأمر المشتري ووضعها في الظرف الذي هيأه لها يعد تسليماً.
(م274) تسلم العروض بإعطائها ليد المشتري، أو بوضعها عنده أو بإراءتها له مع الإذن بقبضها.
(م285) مطلق العقد يقتضي تسليم المبيع حيث يوجد وقت العقد.
(م286) إذا كان المشتري لا يعمل وقت العقد أين هو المبيع وعلم به بعد ذلك كان مخيراً: إن شاء فسخ البيع، وإن شاء أمضاه وقبض المبيع حيث يوجد.(41/12)
(م287) إذا بيع مال على أن يسلم في محل كذا لزم تسليمه في ذلك المحل.
(م288) المؤنة المتعلقة بالثمن تلزم المشتري فيلزمه وحده أجرة عد النقود ووزنها وما أشبه ذلك.
(م 289) المؤنة المتعلقة بتسليم المبيع تلزم البائع وحده، فأجرة الكيال للمكيلات والوزان للموزونات المبيعة تلزم البائع وحده.
(م 290) الأشياء المبيعة جزافاً مؤنتها ومصاريفها على المشتري.
(م293) إذا هلك المبيع في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري يهلك من مال البائع ولا شيء على المشتري.
(م 294) إذا هلك المبيع بعد القبض هلك من مال المشتري ولا شيء على البائع.
هذه هي آراء الحنفية، وننتقل بعد ذلك لبيان ما ذهب إليه المالكية.
قال ابن رشد الحفيد في وقت ضمان المبيعات:
المبيعات عند مالك في هذا الباب ثلاثة أقسام: بيع يجب على البائع فيه حق توفية من وزن أو كيل أو عدد، وبيع ليس في حق توفية، وهو الجزاف أو ما لا يوزن ولا يكال ولا يعد، فأما ما كان في حق توفية فلا يضمن المشتري إلا بعد القبض، وأما ما ليس فيه حق توفية وهو حاضر فلا خلاف في المذهب أن ضمانه من المشتري وإن لم يقبضه، وأما المبيع الغائب فعن مالك في ذلك ثلاث روايات، أشهرها أن الضمان من البائع إلا أن يشترطه على المبتاع. (12)
وفي حاشية العدوي:
في العقد الفاسد، ضمان المشتري من يوم القبض لا من يوم العقد، خلافاً للصحيح مما لم يكن فيه حق توفية، ووقع بتاً، فينتقل ضمانه للمشتري بمجرد العقد. (13)
ومثل هذا في الشرح الصغير، وفيه أيضاً: المبيع الغائب على الصفة أو رؤية متقدمة بالقبض يدخل في ضمان المشتري، وقبله ضمانهما على البائع. (14)
وقال ابن شاس في وقت التصرف في المبيع:
الأعيان المبيعة ضربان: طعام وغير طعام، فغير الطعام والشراب من سائر المبيعات من العروض والعبيد والحيوان والعقار، وما ينقل ويحول أو لا ينقل ولا يحول، فبيعه جائز قبل قبضه في الجملة ما لم يعرض فيه ما يمنع منه.(41/13)
وأما الطعام فقد ورد النهي عن بيعه قبل قبضه، فلا يجوز فيما تعلق منه حق توفية من كيل أو وزن أو عدد أن يباع قبل قبضه أو يعاوض عليه، إلا أن يكون على غير وجه المعوضة.
ثم قال: ما ابتيع جزافاً أو مصيراً فبيعه جائز قبل نقله إذا خلى البائع بينه وبينه.
والمشهور من المذهب: أن المنع من بيع الطعام قبل قبضه خاص بجنس الطعام وعام فيه، فلا يعدوه إلى غيره، ولا يقتصر على بعضه، ورأي ابن حبيب أنه يتعدى إلى كل ما فيه حق توفية.
وأشار ابن وهب في روايته إلى تخصيصه بما فيه الربا من الأطعمة خاصة (15)
وقال الدردير:
وجاز لمن ملك شيئاً بشراء أو غيره البيع له قبل القبض له من مالكه الأول إلا طعام المعاوضة: فلا يجوز بيعه قبل قبضه، وسواء كان الطعام ربوياً أو غير ربوي.
ثم قال: ومحل منع بيع طعام المعاوضة قبل قبضه: إن أخذ بكيل أو وزن أو عدّ لا إن أخذ جزافاً: فيجوز بيعه قبل قبضه، من اشترى صبرة جزافاً بشرطه جاز بيعها قبل القبض لدخولها في ضمان المشتري بالعقد، فهي مقبوضة حكماً، فليس في الجزاف توالي عقدتي بيع لم يتخللها قبض.
وحرمة بيع طعام المعاوضة قبل قبضه، قيل تعبد، وقيل معقولة المعنى من حيث أنه ربما أدى لفساد فنهى الشارع عنه سداً للذريعة، وقيل غير ذلك. (16)
وقال الصاوي في حاشيته:
قوله "إلا طعام المعاوضة" أي الطعام الذي حصل بمعاوضة، لما ورد في الموطأ والبخاري ومسلم عن أبي هريرة من النهي عن ذلك، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله" (17)
وهنا ملحظ مهم وهو أن المالكية جعلوا ما فيه حق توفية من كيل أو وزن أو عد لا يضمنه المشتري إلا بعد القبض، سواء أكان طعاماً أم غير طعام، وأجازوا بيع غير الطعام قبل الضمان وقبل القبض.
وإذا كان هو المشهور من المذهب ولكن يبقى عندنا رأي ابن حبيب الذي يتفق مع جمهور الأئمة.
وفي المناقشة والترجيح نتناول هذا الموضوع.
وعن القبض قال ابن شاس:(41/14)
وأما صورة القبض فتحكم فيه العادة، وهو فيها متنوع بتنوع المبيعات. فإما المكيل والموزون فيعتبر فيهما الكيل الوزن.
وقال: والمعتبر في المعدود العد.
وأما في العقار فتكفي التخلية، وكذلك فيما على الجزاف، وما سوى ذلك فعلى حسب العادة فيه. (18)
وننتقل إلى رأي الشافعية:
وهم يرون أن من ابتاع شيئاً كائناً ما كان فليس له أن يبيعه حتى يقبضه، فبالقبض ينتقل الضمان للمشتري، ويكون له حق التصرف.
والقبض عندهم في العقار ونحوه بالتخلية وفي المنقول بالنقل، وفي المتناول باليد التناول وإليك بعض ما جاء في كتب الشافعية.
في كتاب الأم جاء حديث النهي عن بيع الطعام حتى يقبض، وقول ابن عباس برأيه: ولا أحسب كل شيء إلا مثله، ثم قول الشافعي: وبهذا نأخذ، فمن ابتاع شيئاً كائناً ما كان فليس له أن يبيعه حتى يقبضه، وذلك أن من باع ما لم يقبض فقد دخل في المعنى الذي يروي بعض الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعتاب ابن أسيد حية وجهه إلى أهل مكة: "انههم عن بيع ما لم يقبضوا، وربح ما لم يضمنوا" (قال الشافعي): هذا بيع ما لم يقبض، وربح ما لم يضمن، وهذا القياس على حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام حتى يقبض، ومن ابتاع طعاماً كيلاً فقبضه أن يكتاله، ومن ابتاعه جزافاً فقبضه أن ينقله من موضعه إذا كان مثله ينقل (19)
وقال الغزالي:
للقبض حكمان: الحكم الأول نقل الضمان، إذ المبيع في ضمان البائع قبل القبض، على معنى أنه ينفسخ العقد بتلفه، ويسترد الثمن، هذا إذا تلف باقة سماوية، فإن أتلفه المشتري فهو قبض من جهته مقرر للعقد.
وذكر أنهم اختلفوا في إتلاف الأجنبي، وكذلك إتلاف البائع.
والحكم الثاني للقبض تسليط المشتري على التصرف، فليس للمشتري بيع ما اشتراه قبل القبض، لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض. (20)
ثم تحدث الغزالي عن صورة القبض وكيفيته فقال:(41/15)
المقبوض إن كان عقاراً فمجرد التخلية كاف، إلا إذا كان غائباً، ففيه نظر يذكر في الرهن.
وأما المنقول، هل تكفي فيه التخلية المجردة؟ فيه ثلاثة أوجه:
الأصح: أنه لا بد من النقل، لأن الاعتماد فيما نيط باسم القبض على العرف، والعرف يفرق بين المنقول والعقار، ونقل حرملة قولاً للشافعي رحمه الله أنه يكتفي بالتخلية، وهو مذهب مالك رحمه الله، لأن المقصود استيلاء المشتري، وقد حصل.
والثالث: أن التخلية تكفي لنقل الضمان، لأنه حق البائع وقد أدى ما عليه ولا يكفي التسليط على التصرف فإنه حق المشتري، وقد قصر، إذ لم يقبض لم ينقل. (21)
وقال الشيرازي:
لا يجوز بيع ما لم يستقر ملكه عليه، كبيع الأعيان المملوكة بالبيع والإجازة والصداق، وما أشبهها من المعاوضات قبل القبض، لما روى أن حكيم بن حزام قال: يا رسول الله إني أبيع بيوعاً كثيرة فما يحل لي منها وما يحرم؟ قال صلى الله عليه وسلم: "لا تبع ما لم تقبضه" ولأن ملكه عليه غير مستقر، لأنه ربما هلك فانفسخ العقد وذلك غرر من غير حاجة لم يجز. (22)
وقال النووي في شرحه:
حديث حكيم رواه البيهقي بلفظه هذا، وقال إسناده حسن متصل، وفي الصحيحين أحاديث بمعناه سنذكرها إن شاء الله تعالى في فرع في مذاهب العلماء (23)
وفي الموضع الذي أشار إليه قال النووي:(41/16)
فرع في مذاهب العلماء في بيع قبل القبض، قد ذكرنا أن مذهبنا بطلانه مطلقاً، سواء كان طعاماً أو غيره، وبه قال ابن عباس ثبت ذلك عنه ومحمد بن الحسن. قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن من اشترى طعاماً فليس له بيعه حتى يقبضه، قال: واختلفوا في غير الطعام على أربعة مذاهب (أحدها) لا يجوز بيع شيء قبل قبضه سواء جميع المبيعات كما في الطعام، قاله الشافعي ومحمد بن عفان وسعيد بن المسيب والحسن والحكم وحماد والأوزاعي وأحمد وإسحق (والثالث) لا يجوز بيع مبيع قبل قبضه إلا الدور والأرض، قاله أبو حنيفة وأبو يوسف (والرابع) يجوز بيع كل مبيع قبل قبضه إلا المأكول والمشروب، قاله مالك وابو ثور، قال ابن المنذر: وهو أصح المذاهب لحديث النهي عن بيع الطعام قبل أن يستوفي.(41/17)
واحتج لمالك وموافقيه بحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه" رواه البخاري ومسلم، وعنه قال: "لقد رأيت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايعون جزافاً يعني الطعام فضربوا أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤوه إلى رحالهم" رواه البخاري ومسلم، وعن ابن عباس قال: "أما الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فهو الطعام أن يباع حتى يقبض قال ابن عباس وأحسب كل شيء مثله" رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم عن ابن عباس قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه قال ابن عباس: وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام" وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يكيله" رواه مسلم، وفي رواية قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يستوفي" وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ابتعت طعاماً فلا تبعه حتى تستوفيه" رواه مسلم، قالوا: فالتنصيص في هذه الأحاديث يدل على أن غيره بخلافه، قالوا: وقياساً على ما ملكه بإرث أو وصية، وعلى إعتاقه وإجارته قبل قبضه، وعلى بيع الثمر قبل قبضه.
واحتج أصحابنا بحديث حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبع ما لم تقبضه، وهو حديث حسن كما سبق بيانه في أول هذا الفصل، وبحديث زيد بن ثابت "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تباع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم" رواه أبو داود بإسناد صحيح، إلا أنه من رواية محمد بن إسحق بن يسار عن أبي الزناد وابن إسحق مختلف في الاحتجاج به وهو مدلس، وقد قال: عن أبي الزناد، والمدلس إذا قال: عن لا يحتج به، لكن لم يضعف أبو داود هذا الحديث، وقد سبق أن ما لم يضعفه فهو حجة عنده، فلعله اعتضد عنده أو ثبت عنده بسماع ابن اسحق له من أبي الزناد، وبالقياس على الطعام.(41/18)
والجواب عن احتجاجهم بأحاديث النهي عن بيع الطعام من وجهين: أحدهما أن هذا استدلال بداخل الخطاب والتنبيه مقدم عليه، فإنه إذا نهى عن بيع الطعام مع كثرة الحاجة إليه فغيره بأولى. والثاني أن النطق الخاص مقدم عليه وهو حديث حكيم وحديث زيد. وأما قياسهم على العتق ففيه خلاف سبق، فإن سلمناه فالفرق أن العتق له قوة وسراية، ولأن العتق إتلاف للمالية والإتلاف قبض، والجواب عن قياسهم على الثمن أن فيه قولين فإن سلمناه فالفرق أنه في الذمة مستقر لا يتصور تلفه ونظير المبيع إنما هو الثمن المعين، ولا يجوز بيعه قبل القبض، وأما بيع الميراث والموصى به فجوابه أن الملك فيهما مستقر بخلاف المبيع، والله أعلم.
واحتج لأبي حنيفة بإطلاق النصوص، ولأنه لا يتصور تلف العقار بخلاف غيره، واحتج أصحابنا بما سبق في الاحتجاج على مالك، وأجابوا عن النصوص بأنها مخصوصة بما ذكرناه، وأما قولهم: لا يتصور تلفه، فينتقض بالجديد الكثير، والله سبحانه وتعالى أعلم. (24)
وقال الشيرازي: القبض ورد به الشرع، وأطلقه فحمل على العرف، والعرف فيما ينقل النقل، وفيما لا ينقل التخلية. (25)
وقال النووي: قال أصحابنا: الرجوع في القبض إلى العرف: وهو ثلاثة أقسام: العقار والثمر على الشجرة: فقبضه بالتخلية.
والثاني: ما ينقل في العادة كالأخشاب والحبوب والحيتان ونحوها فقبضه بالنقل.. وفيه قول حكاه الخراسانيون أنه يكفي فيه التخلية، وهو مذهب أبي حنيفة.
والثالث: ما يتناول باليد كالدراهم والدنانير، فقبضه بالتناول بلا خلاف. (26)
وقال النووي أيضاً:
مؤنة الكيل الذي يفتقر إليه القبض تكون على البائع، كمؤنة إحضار المبيع الغائب فإنها على البائع، وأما مؤنة وزن الثمن فعلى المشتري.. وأما مؤنة نقل المبيع بعد القبض إلى دار المشتري فعلى المشتري. (27)
ويبقى أخيراً رأي الحنابلة:
قال الخرقي:
وإذا وقع البيع على مكيل، أو موزون، أو معدود فتلف قبل قبضه فهو من مال البائع.(41/19)
وقال ابن قدامة:
ظاهر كلام الخرقي أن المكيل، والموزون، والمعدود، لا يدخل في ضمان المشتري وإلا يقبضه، سواء كان متعيناً، كالصبرة، أو غير متعين، كقفيز منها، وهو ظاهر كلام أحمد، ونحوه قول إسحاق، وروي عن عثمان بن عفان وسعيد بن المسيب، والحسن، والحكم، وحما بن أبي سليمان، أن كل ما بيع على الكيل والوزن لا يجوز بيعه قبل قبضه، وما ليس بمكيل ولا موزون يجوز بيعه قبل قبضه، وقال القاضي وأصحابه: المراد بالمكيل والموزون، والمعدود، ما ليس بمتعين منه، كالقفيز من صبرة، والرطل من زيرة، ومكيلة زيت من دون، فأما المتعين، فيدخل في ضمان المشتري، كالصبرة، ويبيعها من غير تسمية كيل، وقد نقل عن أحمد ما يدل على قولهم، فإنه في رواية أبي الحارث في رجل اشترى طعاماً فطلب من يحمله، فرجع وقد احترق الطعام، فهو من مال المشتري، استدل بحديث ابن عمر: ما أدركت الصفقة حياً مجموعاً، فهو من مال المشتري، وذكر الجوزجاني عنه في من اشترى ما في السفينة صبرة، ولم يسم كيلاً فلا بأس أن يشرك فيها، ويبيع ما شاء، إلا أن يكون بينهما كيل فلا يولي حتى يكال عليه، ونحو هذا قال مالك، فإنه قال: ما بيع من الطعام مكايلة، أو موازنة لم يجز بيعه قبل قبضه، وما بيع مجازفة، أو بيع من غير الطعام مكايلة، أو موازنة جاز بيعه قبل قبضه ووجه ذلك، ما روى الأوزاعي عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع عبد الله بن عمر، يقول: مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حياً مجموعاً، فهو من مال المبتاع، رواه البخاري، عن ابن عمر من قوله تعليقاً، وقول الصحابي مضت السنة يقتضي سنة النبي صلى الله عليه وسلم. ولأن المبيع المعين لا يتعلق به حق توفيته، فكان من مال المشتري، كغير المكيل والموزون ونقل عن أحمد أن المطعوم لا يجوز بيعه قبل قبضه سواء كان مكيلاً أو موزوناً، أو لم يكن، وهذا يقتضي أن الطعام خاصة لا يدخل في ضمان المشتري حتى يقبضه، فإن الترمذي روى عن أحمد، أنه أرخص(41/20)
في بيع مالاً يكال ولا يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب قبل قبضه، وقال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن قوله: نهى عن ربح ما لم يضمن قال: هذا في الطعام، وما أشبهه من مأكول أو مشروب، فلا يبيعه حتى يقبضه.
قال ابن عبد البر:
الأصح عن أحمد بن حنبل أن الذي يمنع من بيعه قبل قبضه هو الطعام، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه فمفهومه إباحة بيع ما سواه قبل قبضه. (28)
وقال ابن قدامة أيضاً:
قبض كل شيء بحسبه، فإن كان مكيلاً، أو موزوناً، بيع كيلاً، أو وزناً فقبضه بكيله أو وزنه.
وقد روى أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى، أن القبض في كل شيء بالتخلية مع التمييز لأنه خلى بينه وبين المبيع من غير حائل، فكان قبضاً له كالعقار.
وقال: القبض مطلق في الشرع، فيجب الرجوع فيه إلى العرف كالإحراز والتفرق.(29)
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية ما يأتي:
(م324) من اشترى بكيل ونحوه، أو بصفة، أو برؤية متقدمة، لا تصح تصرفاته فيه قبل قبضه.
(م333) قبض كل شيء بحسبه عرفاً، فقبض المنقول المبيع جزافاً يحصل بنقله، وقبض ما يتناول باليد بتناوله كالدرهم، وقبض الحيوان بتمشيته.
(م 334) قبض الدار ونحوها بالتخلية.
(م336) المبيع كيلاً أو وزناً أو ذرعاً عدا يعتبر في قبضة إجراء عمل الكيل أو الوزن أو الذرع أو العد.
(م341) …مقتضى العقد تسليم المبيع في مكان العقد إذا كان محل إقامة.
(م 342) لو شرط العاقد تسليم المبيع في مكان معين فمؤنة إيصاله إلى ذلك المكان على البائع.
(349) …المبيع في ضمان البائع إذا بيع بكيل ونحوه، أو بصفة أو برؤية متقدمة، أو كان ثمراً على شجر، إلى أن يقبضه المشتري، أما غير ذلك فمن ضمان المشتري من حين العقد.
المناقشة والترجيح:(41/21)
في كتاب البيوع من صحيح مسلم، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض، وردت عدة روايات في معنى الباب، منها قوله صلى الله عليه وسلم: "من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه" قال ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله.
وفي رواية: "حتى يقبضه"، وفي رواية: "من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه ويقبضه"، وفي رواية: "من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله"، فقلت لابن عباس: لم؟ فقال: ألا تراهم يتبايعون بالذهب، والطعام مرجاً؟ وفي رواية: "كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتاع الطعام فيبعث علينا من أمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه"، وفي رواية: "كنا نشتري الطعام من الركبان جزافاً فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه"، وفي رواية: "أنهم كانوا يضربون على عهد رسول الله إذا اشتروا طعاماً جزافاً أن يبيعوه في مكانه حتى يحولوه"، وفي رواية: "حتى يؤووه إلى رحالهم" وفي كتاب البيوع من صحيح البخاري نجد مثل هذه الروايات في عدد من الأبواب منها "باب ما يذكر في بيع الطعام، والحكرة"، "وباب بيع الطعام قبل أن يقبض، وبيع ما ليس عندك، "وباب من رأي إذا اشترى طعاماً ما جزافاً أن لا يبيعه حتى يؤوويه إلى رحله والأدب في ذلك".(41/22)
وذكر ابن حجر قول طاوس: "قلت لابن عباس: كيف ذلك؟ قال: ذاك دراهم بدراهم والطعام مدرجاً"، وعقب الحافظ بقوله: معناه أنه استفهم عن سبب هذا النهي، فأجابه ابن عباس بأنه إذا باعه المشتري قبل القبض وتأخر المبيع في يد البائع، فكأنه باعه دراهم بدراهم، ويبين ذلك ما وقع في رواية سفيان عن ابن طاوس عند مسلم" قال طاوس: قلت لابن عباس: لم ؟ قال: ألا تراهم يتبايعون بالذهب والطعام مرجاً؟" أي فإذا اشترى طعاماً بمائة دينار مثلاً، ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام، ثم باع الطعام لآخر بمائة وعشرين ديناراً وقبضها والطعام في يد البائع، فكأنه باع مائة دينار بمائة وعشرين ديناراً، وعلى هذا التفسير لا يختص النهي بالطعام، ولذلك قال ابن عباس: "لا أحسب كل شيء إلا مثله"، ويؤيده حديث زيد بن ثابت "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم" أخرجه أبو داود، وصححه ابن حبان.
ثم ذكر ابن حجر آراء الأئمة، وقال: احتج الشافعي بحديث عبد الله بن عمرو، قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن "أخرجه الترمذي. قلت أي ابن حجر: وفي معناه حديث حكيم بن حزام المذكور في صدر الترجمة يعني حديث (لا تبع ما ليس عندك).
وحديث زيد بن ثابت الذي ذكره الحافظ أخرجه أبو داود في كتاب البيوع والإجارات: باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى.
وبين النووي فيما قبل الاحتجاج بهذا الحديث، وذكره الألباني في صحيح أبي داود، غير أنه حسنه.(30)
وحديث عبد الله بن عمرو الذي أخرجه الترمذي نصه: "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.(41/23)
والحديث أخرجه الخمسة وغيرهم، وفي تحفة الأحوذي قال المؤلف في شرح "ولا ربح ما لم يضمن" يريد به الربح الحاصل من بيع ما اشتراه قبل أن يقبضه، وينتقل من ضمان البائع إلى ضمانه، فإن بيعه فاسد، وفي شرح السنة قيل معناه أن الربح في كل شيء إنما يحل أن لو كان الخسران عليه، فإن لم يكن الخسران عليه كالبيع قبل القبض إذا تلف فإن ضمانه على البائع، ولا يحل للمشتري أن يسترد منافعه التي انتفع بها البائع قبل القبض لأن المبيع لم يدخل بالقبض في ضمان المشتري، فلا يحل له ربح المبيع قبل القبض. (31)
وتحت عنوان "من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه" ذكر ابن عبد البر الحديث الشريف، وذكر أن لفظه عند أكثر الرواة" حتى يقبضه"، وقال والقبض والاستيفاء سواء.
ثم قال: وظاهر هذا الحديث يحظر ما وقع عليه اسم طعام إذا اشترى حتى يستوفي واستيفاؤه قبضه على حسب ما جرت العادة فيه من كيل أو وزن.
ثم قال: ففي الحديث خصوص الطعام بالذكر، فوجب أني يكون ما عداه بخلافه.(32)
وما ذكره ابن عبد البر يؤيد ما ذهب إليه الإمام مالك، غير أنه استثنى ما بيع من الطعام جزافاً كما سبق ذكره في بيان رأي المالكية، وهذا يتعارض مع الأحاديث المتفق على صحتها والتي نصت على الجزاف وورد ذكرها آنفاً في بداية هذه المناقشة، ولذلك قال ابن عبد البر: لا أعلم أحداً تابع مالكاً من جماعة فقهاء الأمصار، على تفرقته بين ما اشترى جزافاً من الطعام، وبين ما اشترى منه كيلاً إلا الأوزاعي.(41/24)
ثم ذكر عدداً من الروايات الصحيحة الثابتة التي تؤيد راي الجمهور، ثم قال: واختلف قول مالك في المسألة الأولى من هذا الباب -أي مسألة الجزاف، فالمشهور عنه ما قدمناه ذكره، وقد حكى أبو بكر بن أبي يحيى الوقار عن مالك، أنه قال: "لا يبيع ما اشترى من الطعام والإدام جزافاً قبل قبضه ونقله" واختاره الوقار وهو الصحيح عندي في هذه المسألة لثبوت الخبر بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمل أصحابه وعليه جمهور أهل العلم.(33)
إذن النهي عن بيع الطعام قبل قبضه يشمل ما يبيع جزافاً ولا يقتصر على المكيل والموزون.
ويبقى بعد ذلك الخلاف بين الأئمة الأعلام في بيع غير الطعام قبل قبضه كما يتضح من ذكر آراء المذاهب الأربعة.
وما ذكره ابن عبد البر (ما عداه بخلافه)، ما ذكره فيه نظر فهذا استدلال بمفهوم المخالفة، والطعام لقب، ولا يؤخذ بمفهوم المخالفة في اللقب عند المالكية أنفهسم وباقي المذاهب الأربعة. (34)
ومن المعلوم أن المنطوق يقدم على المفهوم عند الأخذ به في غير اللقب، والمنطوق في حديث زيد بن ثابت، وحديث عبد الله بن عمرو يؤيد الشافعية ومن ذهب مذهبهم، إلى جانب قول ابن عباس "وأحسب كل شيء مثله" وذكر ابن عبد البر أن ممن قال بهذا: الثوري، وابن عيينة، والشافعي ومحمد بن الحسن.
ثم قال: ومن حجة من ذهب هذا المذهب أن عبد الله بن عباس، وجابر بن عبدالله، رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه، أفتيا جميعاً بأن لا يباع بيع حتى يقبض، وقال ابن عباس: كل شيء عندي مثل الطعام، فدل على أنهما فهما عن النبي صلى الله عليه وسلم المراد والمعنى.(41/25)
ثم ذكر الأحاديث التي تؤدي هذا الرأي، ثم قال: وذهب مالك وأصحابه ومن تابعه في هذا الباب إلى أن نهيه عليه السلام عن ربح ما لم يضمن إنما هو في الطعام وحده، لأنه خص بالذكر في مثل هذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحاح، ولا بأس عندهم بربح ما لم يضمن ما عدا الطعام، ومن البيوع والكراء وغيره، وكذلك حملوا النهي (عن بيع ما ليس عندك) على الطعام وحده.
ثم قال: قالوا: وكل حديث ذكر فيه النهي عن بيع ما ابتعته حتى تقبضه فالمراد به الطعام، لأنه الثابت في الأحاديث الصحاح من جهة النقل، وتخصيصه الطعام بالذكر دليل على أن ما عداه وخالفه فحكمه بخلاف حكمه. (35)
قلت: لا حاجة إلى إعادة ما ذكرته عن مفهوم المخالفة، والنووي في رده قال: إذا نهى عن بيع الطعام، مع كثرة الحاجة إليه فغيره أولى، إلى جانب ما ذكره في رده عند مناقشته في بيان مذاهب العلماء الذي مر ذكره من قبل.
وسؤال حكيم بن حزام: يا رسول الله، إني أبيع بيوعاً كثيرة، فما يحل لي منها وما يحرم؟ وجواب الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تبع ما لم تقبضه". لم يأت ذكر الطعام في السؤال ولا في الجواب، ولو كان الأمر قاصراً على الطعام لوجب على حكيم أن يبين أن البيوع الكثيرة كلها في الطعام، ولكان الجواب مفرقاً بين الطعام وغيره، وحمل كلمة (السلع)، (وما لم يضمن)، (وما لم يقبض)، (وما ليس عندك)، حمل كل هذا على الطعام فقط فيه نظر، فهو تخصيص للعام بغير مخصص، وتعطيل للنصوص، ولا تعارض بين العام والخاص حتى يحتج بصحة أحاديث الطعام، فالأحاديث الأخرى فيها الصحيح وفيها الحسن، فهي حجة في الاستدلال، فلا يجوز إبطالها.
والقول بجواز ربح ما لم يضمن ما دام ليس طعاماً قول خطير يتنافى مع القواعد الثابتة كالخراج بالضمان، والغنم بالغرم، والخراج بالضمان -الذي ينقض هذا القول- حديث شريف صحيح. (36)
وذكر من قبل أن ابن حبيب من المالكية خالف أصحابه في هذا القول.(41/26)
إذن لعل الراجح عدم جواز بيع أي شيء كائناً ما كان، طعاماً أو غير طعام، إلا بعد ضمانه وقبضه، والله عز وجل هو الأعلم.
وأظن أن مساحة الخلاف تقل إذا حددنا مفهوم القبض، ونظرنا إلى بعض ما جاء في كتب المذاهب التي أجازت بيع بعض الأشياء قبل القبض.
ومن الواضح أن القبض مرده إلى العرف والعادة، وقد صرح الجمهور بهذا، فما يعتبر قبضاً في عرف الناس وعادتهم فهو القبض الشرعي - وما يستند إلى العرف يمكن أن يتغير تبعاً لتغير عادات الناس وأعرافهم، وليس لأحد أن يقف عند صورة معينة من صور القبض فيفرضها على كل عصر ومصر.
ولأهمية هذا الموضوع بحثه مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، وركز على صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها، وقرر ما يلي:
قبض الأموال كما يكون حسياً في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتباراً أو حكماً بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حساً، وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها، واختلاف الأعراف فيما يكون قبضاً لها.
وتناول القرار بعد ذلك بعض صور القبض الحكمي المعتبرة شرعاً وعرفاً كالقيد المصرفي وتسلم الشيك.
فقرار المجمع أن القبض يتحقق اعتباراً وحكماً بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حساً، هذا القرار نجعله الأساس لوجوب القبض، فليس من اللازم أن يكون القبض الحسي، بل يكفي القبض الحكمي.
وفي ضوء هذا ننظر في قول المالكية بجواز بيع صبرة الطعام جزافاً قبل القبض: قال الدردير: من اشترى صبرة جزافاً بشرطه جاز بيعها قبل القبض لدخولها في ضمان المشتري بالعقد، فهي مقبوضة حكماً.
وقال ابن شاس: ما ابتيع منه -أي من الطعام- جزافاً أو مصبراً فبيعه جائز قبل نقله، إذا خلى البائع بينه وبينه.
من هذا نرى أن القبض تحقق اعتباراً وحكماً، حيث تمت التخلية مع التمكين من التصرف.(41/27)
وفي ضوء قرار المجمع أيضاً ننظر إلى ما نقل عن الإمام أحمد في رجل اشترى طعاماً، فطلب من يحمله، فرجع وقد احترق الطعام، فقال: هو من مال المشتري.
قلت: تمت التخلية مع التمكين من التصرف، فتحقق القبض، وهكذا يمكن أن نفسر بعض ما قيل من أنه تصرف قبل القبض، أما إذا لم يتم القبض حساً ولا حكماً، ولم يدخل المبيع في ضمان المشتري، فلا يجوز له التصرف لما سبق من الأدلة.
ولننظر إلى بعض صور القبض في عصرنا:
في قرار المجمع ذكرت صورتان من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعاً وعرفاً وهما ما يأتي:
1- القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية:
أ- إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية.
ب- إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حال شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل.
ج- إذا اقتطع المصرف - بأمر العميل- مبلغاً من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى، في المصرف نفسه أو غيره لصالح العميل أو لمستفيد آخر، وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإسلامية.
ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسليم الفعلي، للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل، على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة إلا بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي.
2- تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه المصرف، والله أعلم.
هذا بالنسبة لقبض النقود، وأذكر هنا بعض صور قبض المبيع.
(1) عند استيراد السلع، من الطعام ومن غيره، وتصل إلى ميناء التسليم، مع تسلم أوراق الشحن المتصلة بها، يعتبر المشتري المستورد متسلماً أي قابضاً وإن لم يتم التسلم الفعلي.(41/28)
لذلك يستطيع المشتري أن يبيع في الميناء نفسه دون أن يقوم بنقلها إلى مخازنه الخاصة، وقد لا يكون عنده مخازن خاصة، هكذا جرى العرف، وتم القبض بالتخلية مع التمكين من التصرف.
لعل من غير الجائز البيع في عرض البحر، مادام المتبايعان ليسا في السفينة وليس لكل منهما وكيل يقوم بالتسليم أو التسلم.
والذين يفعلون هذا يقولون إن الجهة الناقلة تعتبر وكيلاً عن كلِّ منهما في القبض، وهذا غير صحيح، فالجهة الناقلة أجير للنقل وليست وكيلاً عن أحد، ولذلك تبقى السلعة في ضمان مالكها، ولا يجوز أن يتم البيع إلا بعد إمكان القبض ونقل الضمان.
والملاحظ أن الذين يستبيحون مثل هذا البيع يمكن أن يعاد بيع السلعة بينهم مرات عن طريق تبادل المستندات لحاملها أو تظهيرها دون أن يتكمن أحد من التسليم أو التسلم إلا بعد الوصول إلى الميناء، فإن كان فيها عيب أو نقص أو مخالفة للشروط والمواصفات تحمل ذلك المشتري الأخير دون إمكان الرجوع على البائع الأول، وهذا يختلف عن الحالة الأولى التي يتم فيها القبض المعتبر بالتخلية مع التمكين من التصرف، فإن المشتري يستطيع أن يرجع على البائع بعد معاينة السلعة، أو نقلها إلى مخازنه، وعندما كنت العضو التنفيذي لهيئة الرقابة الشرعية لمصرف إسلامي كنا ننص في العقد أن البيع يتم بعد وصول البضاعة، وأن المصرف مسؤول عن العيوب الظاهرة والخفية مدة ثلاثة أيام، وهذه المدة كافية للمعاين التامة، وتحمل المصرف مرات أثر وجوب العيوب.(41/29)
(2) الذي يريد أن يبيع سلعاً أو معادن عن طريق الأسواق العالمية -البرص- يرسل هذه السلع إلى أحد المخازن العامة، فيقوم المخزن بتفرغها، ثم يقوم بتقسيمها إلى كميات متساوية إلى حد كبير، وهي عادة تكون خمسة وعشرين طناً لكل كمية، ويقوم بالتعبئة، ويكتب على الغلاف الخارجي البيانات كاملة، كنوع السلعة ومواصفاتها، ومكان تخزينها، وتسجل هذه البيانات على الحاسب الآلي، ثم توضع في المكان المخصص لها، وتكتب ورقة بهذه البيانات، هذه الأوراق تعرف بإيصالات المخازن، وهي التي تتداول في البرص، فالمشتري لا يتسلم السلعة وإنما يتسلم الإيصالات، وبها يستطيع أن يتسلم السلعة، ومن وقت الشراء يتحمل تكاليف التخزين، ولذلك يأخذ تكاليف التخزين عن المدة السابقة للشراء، ثم يدفع التكاليف عن المدة كلها عند التسلم أو البيع مرة أخرى، إذن بتسلم الإيصالات تدخل السلعة في ضمانه، ويتمكن من تسلم السلع، وزرت مخازن وتردام، وهي من أكبر المخازن، فرأيت الشحن والتفريغ، والوزن عند التعبئة والبيانات التي تكتب، وكان معنا صور لبعض إيصالات المخازن فرأينا ما سجل على الحاسب، فبعضها ألغى وسلمت السلعة، والذي لا يزال موجوداً ذهبنا إلى المكان المحدد، فوجدنا المكتوب على الإيصال يطابق تماماً المكتوب على المكان الموجود به السلعة، ولذلك جرى العرف بأن تسلم الإيصال يعتبر تسلماً لمضمونه، ويتم تداول هذه الإيصالات في البيع والشراء.(41/30)
ومن المؤسف حقاً بعض ما يحدث في سوق السلع والمعادن، حيث يلجأ كثير من المصارف الإسلامية إلى استثمار جزء من أموالها في هذه السوق، فتلجأ بعض البنوك الأجنبية والشركات التي لا تجد، أو لا تريد توجد استثماراً حقيقياً لهذه الأموال، وفي الوقت نفسه تريد الاستفادة من العمولات التي تأخذها، والحصول على أموال بتكلفة أقل من سعر الفائدة، تقوم هذه البنوك والشركات بتزوير عمليات شراء وبيع وهمية، وتقديم صور من إيصالات المخازن لا صلة لها بالواقع العملي، ولا يقابلها إيصالات أصلية، وتقديم مستندات مزورة لمن يطلبها، وقد استطعت بفضل الله تعالى أن أكتشف بعض هذه العمليات المزورة، ونبهت إلى خطورتها، وعرضت الحالات المكتشفة على هيئة الرقابة الشرعية، وناقشناها من الجوانب المختلفة، واتخذنا بشأنها القرارات المناسبة، وأوصينا البنوك الإسلامية، ولازلنا نوصيها بالخروج من سوق السلع والمعادن.
وكارثة بنك الاعتماد والتجارة أوضح مثل على هذا التزوير والتلاعب.
(3) السلع المعبأة يكتب عليها الوزن أو الكيل، والأقمشة التي تباع بكميات كبيرة يكتب على كل ثوب من الأثواب عدد الأمتار أو الياردات، واعتاد الناس عند الشراء ألا يطلبوا إعادة الوزن أو الكيل أو القياس، على حين كان من قبل لابد من الكيل أو الوزن أو الذرع في غير الجزاف عند القبض.
ولعل هذا من باب تغير الفتوى بتغير الزمان والعادات والأعراف.
بعد هذا العرض والمناقشة أقول: لعل الراجح هو عدم جواز التصرف في المبيع قبل القبض، سواء أكان طعاماً أم غير طعام كما تبين من الأدلة، وفي مفهوم القبض نأخذ بقرار مجمع الفقه الإسلامي، وما دام القبض مرده إلى العرف فإن صوره يمكن أن تتغير تبعاً لتغير العادات والأعراف، وقد رأينا بعض هذه الصور المستحدثة.
وبالقبض ينتقل الضمان، ويتمكن المشتري من التصرف.
الاحتفاظ بملكية المبيع:(41/31)
من أهم الآثار المترتبة على عقد البيع انتقال ملكية المبيع إلى المشتري، ولذلك لا يجوز احتفاظ البائع بملكية المبيع كضمان لأداء المشتري لثمن الشراء الآجل، وللبائع أن يتخذ ما يرتضيه من الوسائل المشروعة لتوثيق الدين ولضمان أدائه في الأجل المحدد.
وبعض البائعين الذين أدركوا عدم جواز الاحتفاظ بملكية المبيع لجؤا إلى حيلة للاحتفاظ بالملكية وذلك عن طريق الإجازة المنتهية بالتمليك، وهذا النوع من الإجارة بضوابطها الشرعية جائز، بحيث يكون العقد إجارة فعلاً وليس عقد إجارة ساتراً للبيع، فالعين المؤجرة مثلاً تكون في ضمان المؤجر، وهو الذي يقوم بالتأمين لصالحه، وإذا لم يتمكن المستأجر من الانتفاع بالعين بسبب يرجع إلى ذات العين سقطت الأجرة، ويراعى في الإيجار أجرة المثل لا ثمن المثل، وهكذا يصبح العقد إجارة، مع وعد منفصل بهبة العين المؤجرة في وقت محدد.
أما إذا كان العقد لا يختلف عن البيع بالتقسيط من حيث التزام المستأجر بالأجرة دون النظر إلى استمرار الانتفاع بالعين، وعدم مراعاة أجرة المثل، بل تم تقسيط الثمن وسمي القسط إيجاراً، كل هذا مع ضمان المستأجر للعين وتحمله لأقساط التأمين، فإن هذا يعني أنه عقد إجارة سائر للبيع، فهو في الحقيقة عقد بيع بالتقسيط مع الاحتفاظ بملكية المبيع.
الكفالة والرهن:
ومن وسائل الاستيثاق المشروعة اشتراط كفلاء مليئين، وتشترط المصارف الإسلامية عادة أن يكون حساب الكفلاء بالمصرف نفسه حتى يمكن الاستيفاء منه مباشرة.
كما يمكن اللجوء إلى الرهن:
والرهن قد لا يكون للممتلكات للمدين غير العين المبيعة، وقد يكون للعين المبيعة نفسها، ولا ضير في هذا إذا كان الرهن قانونياً لا حيازياً، فالرهن القانوني لا يمنع الراهن من الانتفاع بالعين المرهونة، ولكن يمنعه من أي تصرف ناقل للملك، أو ضار بمصلحة المرتهن الدائن.(41/32)
ومما يعد رهناً ما تقوم به المصارف الإسلامية من تجميد بعض الودائع المصرفية، فيضع المدين أو كفيله مبلغاً من النقود في الحساب الجاري أو الاستثماري لضمان أداء الأقساط في مواعيدها، ويتم حجز المصرف على هذا المبلغ فلا يسمح لصاحبه بالسحب منه ما دام الدين قائماً.
ووضع المبلغ في حساب الاستثمار لصالح المدين يتفق مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يغلق الرهن من راهنه، له غنمه وعليه غرمه".(37)
ومن الخطأ أن يشترط المصرف وضعه في الحساب الجاري، أو في حساب خاص لا ينتفع به المدين، بل ينتفع به المصرف الدائن، حيث يضم -كله أو بعضه- إلى الأموال المستثمرة، ويأخذ المصرف ما يحققه من ربح، فهذا يتعارض مع الحديث الشريف، ومع الإجماع.
ثانياً: مخاطر الثمن
من المعلوم أن من ربا الجاهلية ربا الديون الناشئة عن بيع آجل، فكان إذا حل الموعد، وعجز المشتري المدين عن أداء الدين، تطبق القاعدة الجاهلية المعروفة: إما أن تقضي وإما أن تربى، وهذه القاعدة الجاهلية نراها في عصرنا حيث يطبقها البائعون الذي لا يلتزمون بأحكام الشريعة الإسلامية، وعادة يطبق سعر الفائدة الذي تأخذه البنوك الربوية.
وأمر هؤلاء معلوم، والتحريم واضح جلي، ولكن ماذا يفعل الذين يريدون تحكيم شرع الله عز وجل؟.
فمن المشكلات الكبرى التي تؤثر في مسيرة المؤسسات الإسلامية عدم التزام كثير من المدينين بدفع أقساط الديون في مواعيدها المتفق عليها، وقليل من هؤلاء ذو عسرة، وأكثرهم يماطلون مع القدرة على الأداء، نظراً لأن هذه المؤسسات لا تأخذ فوائد التأخير التي يلتزم بها هؤلاء مع البنوك الربوية.
وكثير من المؤسسات لم تجد علاجاً لهذه المشكلة، ووجدت حلاً جزئياً في اللجوء إلى المزيد من الضمانات، غير أن بعض المصارف لجأت إلى حلول أخرى نرجو أن يقول المؤتمر فيها رأيه ونذكر منها ما يأتي:(41/33)
(1) عند عجز المدين (المشتري) عن الدفع، وعلم المصرف بهذا، رأي -تقديراً لظروفه ورأفة به- أن يدخل مع هذا المدين في شركة بقيمة الدين.
وربما كان هذا التصرف يتعارض مع قول الحق تبارك وتعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة.
(2) ومن المصارف ما لجأ إلى إعادة الاتفاق على نسبة الربح، بحيث تزيد هذه النسبة لصالح المصرف تبعاً للزمن الذي يتأجل إليه الدفع.
ولعل هذا مثل إعادة جدولة الديون الربوية، وربما كان فيه شبه من المبدأ الجاهلي: إما أن تقضي وإما أن تربي.
وعدد غير قليل من المؤسسات الإسلامية فرضت غرامات تأخير على المدين المماطل!
ولعل هذا الموضوع يحتاج إلى وقفة، نبين فيها وجهة نظر القائلين بهذا الرأي، المدافعين عنه، وأثر هذا في التطبيق العملي.
هل للدائن مطالبة المدين المماطل بالتعويض؟
رأى المجيزون أن الغني المماطل أوقع الضرر بالدائن، فلولا مماطلته لضم هذا المال فعلاً في مدة المماطلة، ولذلك أجازوا أخذ تعويض بمقدار نسبة الربح التي كان يمكن أن يحققها دين المماطل لو استثمره الدائن، فمتى تبين أن المدين المماطل ملئ غني أضاف الدائن إلى دينه نسبة تعادل النسبة التي حققها خلال مدة بقاء الدين في ذمته.
وقد ناقشت بعض هؤلاء المجيزين، ووجدتهم يستدلون بثلاثة أحاديث شريفة، وبالمصلحة المرسلة التي يرون أنها تتفق مع مقاصد التشريع الإسلامي والأحاديث الثلاثة هي:
أ- مطل الغني ظلم.
ب- لي الواجد يحل عرضه وعقوبته.
ج- لا ضرر ولا ضرار.
والحديث الأول متفق عليه.
قال ابن حجر في الفتح (4/466، الباب الأول من كتاب الحوالة): في الحديث الزجر عن المطل، واختلف هل يعد فعله عمداً كبيرة أم لا؟ فالجمهور على أن فاعله يفسق، لكن هل يثبت فسقه بمطله مرة واحدة أم لا؟(41/34)
قال النووي: مقتضى مذهبنا اشتراط التكرار، ورده السبكي في شرح المنهاج بأن مقتضى مذهبنا عدمه، واستدل بأن منع الحق بعد طلبه، وابتغاء العذر عن أدائه، كالغصب، والغصب كبيرة، وتسميته ظلماً يشعر بكونه كبيرة، والكبيرة لا يشترط فيها التكرر، نعم لا يحكم عليه بذلك إلا بعد أن يظهر عدم عذره.
والحديث الثاني: (لي الواجد..) ذكره السيوطي، وأشار إلى رواته وهم: أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، ورمز للحديث بالصحة.
وقال المناوي في فيض القدير (5/400): عرضه بأن يقول له المدين: أنت ظالم، أنت مماطل، ونحوه مما ليس بقذف ولا فحش، وعقوبته: بأن يعزره القاضي على الأداء بنحو ضرب أو حبس حتى يؤدي.
ثم قال: "قال الحاكم: صحيح، وأقره الذهبي، ولم يضعفه أبو داود".
والحديث ذكره البخاري تعليقاً، قال في باب لصاحب الحق مقال من كتاب الاستقراض في صحيحه.
ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم: لي الواجد يحل عقوبته وعرضه قال سفيان: عرضه: يقول مطلتني، وعقوبته: الحبس.
وفي تغليق التعليق لابن حجر (3/318-320) ذكر طرقه المختلفة الموصولة، وقال كما قال في الفتح: إسناده حسن. (38)
والحديث الثالث: لا ضرر ولا ضرار: ذكر السخاوي في المقاصد الحسنة (ص: 648) أن الحديث أخرجه مالك والشافعي مرسلاً، وأحمد وعبد الرزاق وابن ماجه والطبراني - وفيه جابر الجعفي- وابن أبي شيبة من وجه آخر أقوى منه، والدارقطني من وجه ثالث.
وقال المناوي في فيض القدير (6/432): الحديث حسنه النووي وقال: له طرق يقوي بعضها بعضاً، وقال العلائي: للحديث شواهد ينتهي مجموعها إلى درجة الصحة أو الحسن المحتج به.(41/35)
والحديثان الأول والثاني ظاهران في ظلم الغني المماطل، واستحقاقه للعقاب، وهما مما يحتج به، والعقوبة هنا تعزيريّة، وذهب الجمهور إلى أن العقوبة هي الحبس، وإن جاز في التعزيز غيره كالضرب والتوبيخ، وما دام الهدف من العقوبة التعزيريّة الردع والزجر وأداء الحقوق، وليس في العقوبة هنا حد مقرر، فالأمر إذن فيه متسع أمام القاضي أو ولي الأمر، فقد يرى في التوبيخ الكفاية، وقد يرى ضرورة الضرب مع الحبس، والأمر لا يستدعي كبير خلاف ما دام الحكم يصدر من عادل غير محكم للهوى والتشهي.
والحديث الثالث ينهى عن الضرر، ومن القواعد الشرعية المعروفة أن الضرر يزال، والدائن لحقه ضرر فيجب أن يزال.
ومن المعروف أن الدائن ليس له إلا دينه، سواء أخذه وقت استحقاقه أم بعد مدة المطل، وما أجاز أحد من الفقهاء أن يدفع المدين قدراً زائداً من الدين كعقوبة تعزيرية، ولو قيل يدفع مقابل الزمن فهو عين الربا.
قال المجيزون: إن المصلحة تقتضي منع المماطل من استغلال أموال المسلمين ظلماً وعدواناً، وإذا كانت الفائدة الربوية تمنع المطل مع البنوك الربوية، فإن الإسلام لا يعجز عن أن يوجد حلاً لمشكلة المطل التي تعاني منها المؤسسات الإسلامية، وإذا كان الفقهاء السابقون رأوا أن تكون العقوبة الحبس -وهذا غير مطبق الآن- فعلى فقهاء العصر أن يجتهدوا لإيجاد الحل.
ثم أضافوا: والقدر الذي نرى أن يتحمله المماطل هو ما يقابل الربح الفعلي للدائن، فهذا ليس من باب الربا، ولكنه من باب منع الضرر الذي يلحق بالدائن.
وربما كان من الصعب التفرقة بين ما ذهب إليه هؤلاء وبين الربا:
ويبقى هنا كذلك أن نسأل: ما الهدف من العقوبة التعزيرية؟ ومن الذي يحدد هذه العقوبة؟ ومن الذي يأمر بإيقاعها؟ أو يقوم بتنفيذها؟ أفيمكن أن يكون شيء من هذا للدائن؟(41/36)
لو جاز أن يكون للدائن استحداث عقوبة تعزيرية يوقعها بالمدين وهي تشتبه بالربا، إن لم تكن هي الربا بعينه، فمن باب أولى أن يكون له الحق في العقوبة التعزيرية المقرر كالحبس أو الضرب, ونأتي إلى الجانب التطبيقي لنرى: هل تحقق الهدف من هذه العقوبة؟
بعض المؤسسات رأت أن المتعاملين معها الذين لا يؤدون الأقساط في مواعيدها بلغوا من الكثرة حداً يصعب معه النظر في كل حالة، والتفرقة بين مطل الغني وعجز الفقير -كما توجد عوامل أخرى تزيد الأمر صعوبة- ولذلك عند تأخر أي مدين عن الأداء يضاف على دينه ما يقابل الربح الذي تعلنه المؤسسة في حينه، ولا يستطيع أحد أن يفرق بين هذا وبين الربا المحرم، وقد يقال إن هذا الخطأ في التطبيق لا في الفتوى، ولكن على المفتي أن ينظر إلى ما يمكن تطبيقه.
وبعض المؤسسات الأخرى تمسكت بنص الفتوى، فكانت ترسل للمدين أولاً حتى تتأكد من المطل قبل إنزال العقوبة، ويلاحظ هنا أن الأرباح التي تحققها المؤسسات الإسلامية أقل من الفوائد الربوية، في أوقات كثيرة، فالذين يستحلون هذه الفوائد استمروا في مطلهم غير عابئين بما تضيفه المؤسسة الإسلامية، وبذلك تحولت العقوبة التعزيرية إلى زيادة ترتبط بالربح والزمن، ورضي بهذا الطرفان!
فهل تحقق الهدف من العقوبة التعزيرية؟ أم تحولت العقوبة إلى نوع جديد من الربا؟
وفي بحث عن البيع بالتقسيط قدمته للمجمع بمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته السادسة تناولت هذا الموضوع، وفي الدورة المذكورة صدر قرار المجمع رقم 51(2/6)، ومما جاء فيه:
ثالثاً: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة عن الدين، بشرط سابق أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم.
رابعاً: يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، مع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء".(41/37)
والموضوع نفسه بحثه المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة، وأصدر القرار الثامن، ومما جاء فيه:
بعد البحث والدراسة قرر مجلس المجمع الفقهي بالإجماع ما يلي:
أن الدائن إذا شرط على المدين، أو فرض عليه، أن يدفع له مبلغاً من المال، غرامة مالية جزائية محددة، أو بنسبة معينة، إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط أو فرض باطل، ولا يجب الوفاء به، بل ولا يحل، سواء كان الشارط هو المصرف أو غيره لأنّ هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل في القرآن بتحريمه.(39)
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.
حلول الأقساط قبل مواعيدها:
المؤسسات الإسلامية التي لا تأخذ بالنظام السابق -حيث لم تجزه هيئات الرقابة الشرعية لديها رأت أن اتخاذ الإجراءات ضد المدين المماطل يكلفها الكثير، فنصت في عقود البيع على أن المشتري إذا تأخر في دفع قسطين متتاليين فإن باقي الأقساط تحل فوراً، ويحق للمؤسسة المطالبة بجميع الأقساط، واتخاذ ما تراه لازماً للوصول إلى حقها.
وهذا الشرط تحدث عنه ابن عابدين فقال: "عليه ألف ثمن جعله ربه نجوماً، قائلاً: إن أخل بنجم حل الباقي، فالأمر كما شرط، وهي كثيرة الوقوع". (40)
ومجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي في قراره السابق قرر أيضاً: "يجوز شرعاً أن يشترط البائع بالآجل حلول الأقساط قبل مواعيدها، عند تأخر المدين عن أداء بعضها، ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد".
اللجوء إلى التحكيم:
ورأت هذه المؤسسات كذلك أن تلجا إلى التحكيم لرفع الضرر: فتختار حكماً، و يختار المشتري حكماً، ويختار الحكمان حكماً ثالثاً، وينظر المحكمون في الموضوع من جميع جوانبه، ويكون حكمهم ملزماً للطرفين غير قابل للنقض، سواء أصدر بالإجماع أم بالأغلبية.
مشكلات أخرى
الضرائب غير المشروعة:(41/38)
بعض المصارف الإسلامية في استثماراتها خارج البلاد الإسلامية وجدت مشكلة كبيرة في التمويل بالبيع، حيث تفرض بعض البلاد غير الرسمية ضرائب كبيرة على هذا النوع من التمويل، على حين إذا كان التمويل بالإقراض الربوي فليس عليه ضرائب.
فلجأت بعض المصارف إلى حيلة لتجنب هذه الضرائب غير المشروعة، وذلك بأن أنشأت شركات تملكها المصارف بالكامل، ثم تضع فيها الأموال اللازمة للتمويل، يقوم المصرف مثلاً بشراء عقار نقداً ليبيعه بالتقسيط، وعند الشراء يقترض من شركته المبلغ اللازم للشراء، وعندما يبيع يعفى من الضرائب باعتباره مديناً مقترضاً.
فهل هذه الحيلة مشروعة للتخلص من الضرائب التي تفرضها دول غير إسلامية؟
مشاركة البنوك الربوية:
ومشكلة أخرى واجهت هذه المصارف:
فمثلاً وجد مصرف إسلامي فرصة مناسبة للتمويل العقاري بمبلغ كبير، فوق السقف المسموح به، فلجأ إلى بنك في تلك البلاد لمشاركته، ووافق البنك الربوي على المشاركة في التمويل من حيث المبدأ، غير أنه لا يستطيع أن يشترك بالمنهج الإسلامي، وإنما بالتمويل الربوي، أي يقرض المصرف الإسلامي بالربا.
فكان المخرج أن ينشئ البنك الربوي شركة يسمح لها بالبيع والشراء، والمشاركة في العقارات، ثم يقرض البنك الربوي هذه الشركة المبلغ المطلوب للتمويل، وتقوم هي بمشاركة المصرف الإسلامي، وربما لم يكن على المصرف الإسلامي حرج في مثل هذه المشاركة. (41)
وفاة المدين:
ومن المشكلات التي واجهت المؤسسات الإسلامية تعذر حصولها على الدين عند وفاة المدين، فرأى بعضها القيام بتكافل إسلامي للتأمين على الحياة عند شركات التأمين الإسلامية، بحيث تحل هذه الشركات محل المدين عند وفاته.
الصيغة الثانية : السلم
عندما قرر السودان تطبيق الشريعة الإسلامية، وتبع ذلك أسلمة جميع البنوك العاملة هناك، فتحولت من التعامل في الديون عن طريق الاقتراض والإقراض، إلى الاستثمار بالطرق الإسلامية، وجدنا السلم يحتل مكانا(41/39)
بارزاً في نشاط تلك البنوك، حيث لجأ إليها أصحاب الأراضي الزراعية للبيع سلماً، (لحاجتهم إلى النقود، وحاجة البنوك إلى استثمار) ما لديها من الودائع، وبذلك التقت الإرادتان والمصلحتان.
وعند تسلم المسلم فيه، أي المبيع، تقوم البنوك ببيعه نقداً، أو بالآجل، والبيع الآجل ييسر على المشترين، ويحقق ربحاً جديداً للبنوك، وهكذا وجدت المصارف الإسلامية في السلم مجالاً واسعاً للاستثمار.
المخاطر في السلم تكمن في أن البائع قد لا يسلم المبيع عند الموعد المحدد، وقد لا يرد الثمن إذا فسخ العقد، أو يرده بعد المماطلة مما يؤثر على استثمار المؤسسة.
وأمر آخر هنا وهو أن المؤسسة قد تحتاج إلى الثمن لحاجتها إلى السيولة، أو لوجود فرصة استثمارية تراها لمصلحتها.
والمؤسسات تلجأ هنا إلى ما يلي:
أ- التوثيق برهن أو كفالة.
ب- أخذ شيكات من البائع.
ج- التصرف في دين السلم قبل قبضه أو السلم الموازي.
أما التوثيق فلا يجوز لضمان تسليم المبيع، لأنه قد يعجز عن تسليمه، ولذلك فدين السلم دين غير مستقر يمكن أن يفسخ عند العجز، أو ينتظر المشتري موسماً آخر إذا كان لا يرى أخذ الثمن.
ولذلك فالتوثيق يكون لضمان استرداد الثمن وليس بقيمة المبيع، وهذا أمر واضح.
وتحدثت من قبل عن التصرف في المبيع قبل القبض، وفي ضوء الأدلة انتهت المناقشة إلى ترجيح عدم جواز بيع المبيع قبل القبض وانتقال الضمان، وأن هذ لا يختص بالطعام، فلا حاجة لمناقشة عدم جواز بيع دين السلم قبل القبض حتى لا تطيل، وعلى الأخص أن مجمعي الرابطة والمنظمة قررا عدم الجواز، وقد ناقشته بتوسع في كتابي فقه البيع والاستيثاق. أما السلم الموازي فهو جائز، ففيه عقدان منفصلان، وهو ليس من مبتكرات المعاصرين كما يظن الكثيرون، فإن الإمام الشافعي ذكره حيث قال: "من سلف في طعام ثم باع ذلك الطعام بعينه قبل أن يقبضه لم يجز، وإن باع طعاماً بصفة ونوى أن يقبضه من ذلك الطعام فلا بأس".(42)(41/40)
وإذا كان السلم الموازي يعتبر مخرجاً مناسباً في بعض الحالات، وصكوك السلم غير جائزة، فهل يمكن عند حلول الأجل إن تعذر تسليم المسلم فيه (المبيع)، أن يأتي البائع بشيء آخر يقبله المشتري؟ مثلاً لو باع قمحاً ثم لم يستطع الحصول عليه، ولكن عنده ذرة، فهل يمكن تسليم الذرة عوضاً عن القمح؟ هذا هو الاعتياض، ومر قول من لم يجزه ومن أجازه، وبين ابن تيمية أن ممن أجازه، إذا كان بسعر الوقت أو أقل، ابن عباس رضي الله عنهما، وأحمد في رواية حيث قال: "هذا هو المروي عن ابن عباس، حيث جوز إذا أسلم في شيء أن يأخذ عوضاً بقيمته، ولا يربح مرتين، وهو الرواية الأخرى عن أحمد" وأيد ابن تيمية هذا الرأي.(43)
وهذا المخرج ليس فيه ما ذكر من بطلان صكوك السلم، وأجازه مجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورة مؤتمره التاسع، حيث أصدر القرار رقم 85(2/9) بشأن السلم وتطبيقاته المعاصرة، ونثبت هنا بعض ما جاء في هذا القرار:
القرار الأول:
لا مانع شرعاً من أخذ المسلم (المشتري) رهناً أو كفيلاً من المسلم إليه (البائع)، ويجوز للمسلم (المشتري) مبادلة المسلم فيه بشيء آخر -غير النقد- بعد حلول الأجل،سواء كان الاستبدال بجنسه أو بغير جنسه، حيث إنه لم يرد في منع ذلك نص ثابت ولا إجماع، وذلك بشرط أن يكون البديل صالحاً لأن يجعل مسلماً فيه برأس مال السلم.
إذا عجز المسلم إليه عن تسليم المسلم فيه عند حلول الأجل فإن المسلم (المشتري) يخير بين الانتظار إلى أن يوجد المسلم فيه وفسخ العقد وأخذ رأس ماله، وإذا كان عجزه عن إعسار فنظرة إلى ميسرة.
لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه، لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير.
لا يجوز جعل الدين رأس مال للسلم لأنه من بيع الدين بالدين.
ثانياً: بشأن (التطبيقات المعاصرة للسلم):(41/41)
انطلاقاً من أن السلم في عصرنا الحاضر أداة تمويل ذات كفاءة عالية في الاقتصاد الإسلامي وفي نشاطات المصارف الإسلامية، من حيث مرونتها واستجابتها لحاجات التمويل المختلفة، سواء أكان تمويلاً قصير الأجل أم متوسطاً أم طويلاً واستجابتها لحاجات شرائح مختلفة ومتعددة من العملاء، سواء أكانوا من المنتجين الزراعيين أم الصناعيين أم المقاولين أم من التجار، واستجابتها لتمويل نفقات التشغيل والنفقات الرأسمالية الأخرى.
ولهذا تعددت مجالات تطبيق عقد السلم ومنها ما يلي:
(1) يصلح عقد السلم لتمويل عمليات زراعية مختلفة، حيث يتعامل المصرف الإسلامي مع المزارعين الذين يتوقع أن توجد لديهم السلعة في الموسم من محاصيلهم أو محاصيل غيرهم التي يمكن أن يشتروها أو يسلموها إذا أخفقوا في التسليم من محاصيلهم، فيقدم لهم بهذا التمويل نفعاً بالغاً ويدفع عنهم مشقة العجز المالي عن تحقيق إنتاجهم.
(2) يمكن استخدام عقد السلم في تمويل النشاط الزراعي والصناعي، ولا سيما تمويل المراحل السابقة لإنتاج وتصدير السلع والمنتجات الرائجة، وذلك بشرائها سلماً وإعادة تسويقها بأسعار مجزية.
(3) يمكن تطبيق عقد السلم في تمويل الحرفيين وصغار المنتجين الزراعيين والصناعيين عن طريق إمدادهم بمستلزمات الإنتاج في صورة معدات وآلات أو مواد أولية كرأس مال سلم مقابل الحصول على بعض منتجاتهم وإعادة تسويقها.
الصيغة الثالثة: المضاربة
إذا كان المصرف الإسلامي يتلقى الأموال باعتباره عامل مضاربة لاستثمارها، ورأينا أن جزءاً من هذه الأموال يستثمر في التجارة بالبيع والشراء، فإن من العقود التي يلجأ إليها في استثماراته عقد المضاربة أي القراض، هذا يعني -في هذه الحالة- أنه يصبح صاحب رأس المال، والعميل المشارك يكون عامل المضاربة.(41/42)
وحيث إن عامل المضاربة وكيل أمين فهنا تكمن المخاطرة الأخلاقية، ولذلك كان لابد من اتخاذ الوسائل الكفيلة بتقليل مخاطرة المضاربة، وإعطاء المال لاستثماره في مضاربة مطلقة دون قيد أو شرط، ما أظن أن مصرفاً يقبل مثل هذه المخاطرة، فالمضاربة تكون مقيدة، وفي مشروعات مدروسة، توضع لها الجدوى الاقتصادية التي تبين الأرباح المتوقعة، والمخاطر المحتملة التي يقبلها المصرف.
وأذكر هنا نماذج لعمليات مضاربة تبين الوسائل التي يتخذها المصرف لحماية الأموال المستثمرة في هذه العمليات.
إذا كانت المضاربة في التجارة عن طريق الشراء والبيع، تدرس حالة السوق لمعرفة ما يمكن أن يتحقق من أرباح، فإن رضي المصرف بهذا يقوم بفتح حساب لعملية المضاربة. ويقوم المضارب بالسحب منه عند الشراء، وإيداع ثمن ما يباع، مع تقديم مستندات موثوق بها ومراجعة، ويمكن أن يكون الشراء بمشاركة من يمثل المصرف، أو عن طريقه، أما إذا كان الشراء عن طريق الاستيراد فإن المصرف هو الذي يقوم بفتح الاعتماد المستندي للاستيراد.
ورأينا فيما سبق أن المصرف الإسلامي يستورد السلع لحسابه، وبعد وصولها يبيعها مرابحة أو مساومة بالتقسيط، بدلاً من الإقراض الربوي الذي تقوم به البنوك غير الإسلامية، وذكرنا ما يتصل بهذا البديل الإسلامي.
وأضيف هنا أن بعض هذه السلع لم يكن المصرف يبيعها، ولكن كان يدخل مع بعض عملائه في شركة مضاربة، فيتسلم العميل السلع ويقوم ببيعها وتوزيع الأرباح بين الاثنين بنسبة متفق عليها، وتطبق شروط المضاربة كاملة، وتم هذا في سيارات مواد غذائية وغيرها.(41/43)
وفي بعض الحالات كانت المضاربة ضرورية فالوكيل المعتمد لسيارات معينة مثلاً، لا تسمح الشركة المصدرة له ببيع هذه السيارات إلا للشركة صاحبة هذا الحق، فيدخل صاحب هذه الشركة في مضاربة شرعية مع المصرف، ويستورد السيارات بصفته وكيلاً عن المصرف، وبعد التصفية توزع الأرباح بحسب الاتفاق، أما في غير هذه الحالات فإن المصرف الإسلامي يشتري ويبيع أو يدخل في شركة مضاربة، تبعاً لما يراه مناسباً له ولأصول وظروف العملاء.
ومع كل هذا فإن الأصل أن المصرف لا يدخل في مضاربة إلا مع من يثق به ويطمئن لأمانته، إلى جانب أنه يأخذ شيكاً من المضارب بالمبلغ المستثمر لضمان حق المصرف عند التقصير والتفريط، ومخالفة الشروط، فضلاً عن الخيانة.
وهذه النماذج للمضاربة المعتادة المألوفة، ولكن وجدنا مجالات أخرى أمكن للمصرف الإسلامي أن يستثمر فيها بعقود مضاربة غير مألوفة ولا مسبوقة، وهي مع ذلك أقل مخاطرة وأكثر أمناً من القراض المعتاد.
نماذج قراض مستحدثة
النموذج الأول:
منذ سنوات رست مناقصة على إحدى الشركات لتنفيذ أعمال صيانة طرق، وإنشاء عدد من المباني، والمشروع تبلغ تكاليفه ما يقرب من عشرة ملايين من الدولارات، وأراد صاحب الشركة تمويل المشروع بطريقة غير القرض الربوي الذي تقدمه البنوك الربوية، فلجأ للمصرف الإسلامي، فقام قسم الاستثمار بالنظر في المشروع فلم يجد عقداً من العقود التي ينفذها المصرف يمكن أن يستوعب المشروع كاملاً، ورأى أن الذي يستطيع أن يقوم به هو شراء الخامات والأجهزة التي تحتاج إليها الشركة لتنفيذ المشروع ومن ثم بيعها للشركة.
رأت الشركة أن هذا لا يحل مشكلتها، حيث إن جزءاً كبيراً من تكاليف المشروع هو أجور ومصروفات، عرض عليّ المصرف هذا الموضوع، وأخبرني بما دار من حوار، وسألني: هل تجد طريقة إسلامية مقبولة لتمويل المشروع؟(41/44)
قلت: ما دام المشروع يشمل إنشاء عدد من المباني فيمكن أن نمول المشروع بطريقتين: إحداهما: البيع بالنسبة للأجهزة والخامات لغير المباني.
والثانية: الاستصناع بالنسبة للمباني.
وعندئذ يحل جزء لا بأس به من مشكلة الأجور والمصروفات.
(سيأتي الحديث عن الاستصناع)
بعد مراجعة الشركة وجد أنها لا تملك من النقود ما يكفي باقي الأجور والمصروفات، فاقترحت على المصرف الدخول معها في شركة مضاربة.
أعطيتهم الفكرة العامة وهي: أن يتحمل الصرف جميع تكاليف المشروع، ولا يدخل في التكاليف معدات الشركة التي تستخدمها في المشروع، فهذه أدوات عامل للمضاربة، ولا يدخل فيها أيضاً أجور ونفقات الجهاز الفني والإداري للشركة، وجميع موظفيها، فهؤلاء جميعاً يقومون مقام عامل المضاربة.
وبعد دراسة فنية وقانونية وإدارية، وموافقة شرعية بعد التعديل الضروري خرج العقد للتطبيق العملي، ثم تلته عقود لمشروعات أخرى.
ونلاحظ ما يلي:
(1) عند دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع وجد أن التكاليف منها ما يمكن أن يعرفه المصرف بدقة ومنها غير ذلك:
فالأول ما يشتري من المواد من السوق المحلي، واشترط المصرف أن يكون الشراء عن طريقه، وما يشتري من السوق الخارجي، ويقوم المصرف نفسه بفتح اعتمادات مستندية لاستيراده، وهذه المواد جعل لها تكلفة متغيرة تبعاً لتغير الأسعار، وحدد لها مبلغ تقريبي تبعاً لأسعارها وقت دراسة الجدوى، فالتكلفة الفعلية هنا تحدد عند التصفية، ولا خلاف حولها، ويقبل المصرف مخاطرة تغير الأسعار.(41/45)
ولكن المخاطرة التي لم يقبل المصرف أن يتحملها لأنها غير منضبطة بالنسبة له هي تكلفة الأجور، وأمكن التغلب على هذه العقبة بأن تضع الشركة المنفذة حداً أعلى لهذه التكلفة بحيث لا تتجاوزه، ووافقت الشركة، وأجيز من الناحية الشرعية، حيث يجوز الاتفاق مع مقاول للقيام بالأعمال المطلوبة مقابل أجر محدد من البداية، والشركة حين وضعت حداً أعلى يمكنها أن تقوم بمثل هذا الاتفاق، ولاشك أن خبرتها تعينها على معرفة أقصى تكلفة تصل إليها الأجور.
(2) ذكر في العقد أن العميل عامل المضاربة هو الذي يتحمل كافة الخسائر والمسؤوليات تجاه الغير، الناتجة عن تقصيره أو إهماله أو أخطائه، أو عدم تسليم المشروع في الموعد المتفق عليه لأسباب تعود عليه أو مخالفته للشروط أو المواصفات المدونة في الشروط العامة للتعاقد، والتي يترتب عنها -أو عن جزء منها- غرامات مالية، أو مخالفته لشروط عقد المضاربة، وذلك باعتباره عامل المضاربة وباعتبار أن جميع التعاملات مع الغير تجرى باسمه وعلى مسؤوليته ودون تدخل من المصرف، كما لا يحق للعميل كمضارب أن يطالب بأي تعويض عن خسارة جهده وعمله وأية مصاريف أخرى يتحملها.
(3) بعض العملاء يرفض المضاربة سبب الربح، حيث يرى أن نصيب المصرف سيكون كبيراً، ويحدث هذا عادة من العملاء الذين تحقق استثماراتهم نسباً عالية من الأرباح، والمصرف قد يرغب في مشاركة هؤلاء ويرضى بالتنازل عن جزء من أرباحه إذا زادت على النسبة التي تحققها معظم استثماراته.
ومن أجل ترغيب هؤلاء العملاء أضيف للعقد ما يأتي:
يجوز للطرف الأول - وباختياره فقط- أن يتنازل عن جزء من أرباحه لصالح الطرف الثاني كمكافأة له على حسن الأداء وإنجازه للوعد.(41/46)
إذا حققت المضاربة ربحاً للطرف الأول يزيد عن .......................................... سنوياً فإن الطرف الأول على استعداد للتنازل عن .................................. من حقه في الأرباح الزائدة عن الـ ............... % سنوياً للطرف الثاني، وذلك كمكافأة له على حسن الأداء وإنجازه للوعد، وتشجيعاً له على الاستمرار في التعامل مع المصرف.
النموذج الثاني:
إحدى الشركات الكبرى التجارية احتاجت إلى عشرة ملايين، وطلب من المصرف الإسلامي أن يمدها بهذا المبلغ، وعرفنا أن المبلغ المطلوب ليس لاستيراد سلع فقط، بل سيخصص جزء منه لأجور ونفقات، فما الحل إذن؟
شرحت للمسؤولين بالمصرف الإطار العام الذي يصوغون العقد في ضوئه، وقلت لهم:
الشركة تملك أصولاً ثابتة -كالمباني، والأثاث، والأدوات والأجهزة التي تستخدمها في عملها .. إلخ وتملك أصولاً متداولة، وهي العروض المعدة للتجارة المعروض منها والمخزون ولها ديون، وعليها ديون، ويمكننا أن ندخل مع هذه الشركة في مضاربة شرعية، ونستبعد أولاً الديون التي لها، فلا تدخل في رأس مال المضاربة، والديون التي عليها، فتلتزم هي بأدائها من مالها الخاص بعيداً عن مال المضاربة، والأصول الثابتة أيضاً لا تحسب ضمن رأسمال الشركة، وإنما تعتبر من أدوات المضاربة- ولذلك لا تقوم- ويبقى بعد ذلك كله الأصول المتداولة، وهي التي تكون نصيب الشركة في رأس مال المضاربة.
فإذا قدرت هذه الأصول عند التعاقد بثلاثين مليوناً، واشترك المصرف بعشرة ملايين، ولا يشترك في العمل، تقسم الأرباح والخسائر عند التصفية كالآتي:
(1) تأخذ الشركة أولاً ثلاثة أرباع الربح كله مقابل نصيبها في رأس المال.(41/47)
(2) باقي الربح يقسم بالنسبة المتفق عليها في عقد المضاربة، فمثلاً إن كان لها النصف فإنها تأخذه مقابل عملها، والمصرف يأخذ الباقي مقابل نصيبه في رأس المال، فإن كان الربح ثمانية ملايين، أخذت الشركة أولاً ستة ملايين، ثم تأخذ نصف الباقي وهو مليون، ويبقى للمصرف مليون.
(3) الخسائر تقسم بحسب رأس المال، ما عدا الحالات التي يصبح فيها المضارب ضامناً.
والذي يثار هنا هو: كيف يكون رأس المال عروضاً لا نقوداً؟
أخذنا هنا برأي القائلين بجواز الشركة بالعروض، وتقوم عند التعاقد، وتجعل قيمتها عندئذ هي رأس المال:
ذكر ابن قدامة رأي غير المجيزين، ثم قال:
"وعن أحمد رواية أخرى أن الشركة والمضاربة تجوز بالعروض، وتجعل قيمتها وقت العقد رأس المال، قال أحمد: إذا اشتركا في العروض يقسم الربح على ما اشترطا، وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن المضاربة بالمتاع، قال: جائز، فظاهر هذا صحة الشركة بها، أختار هذا أبو بكر، أوبو الخطاب، وهو قول مالك، وابن أبي ليلى، وبه قال المضاربة طاوس، والأوزاعي، وحماد بن أبي سليمان، لأن مقصود الشركة جواز تصرفهما في المالين جميعاً، وكون ربح المالين بينهما، وهذا يحصل في العروض كحصول في الأثمان، فيجب أن تصبح الشركة والمضاربة بها كالأثمان، ويرجع كل واحد منهما عند المفاضلة بقيمة ماله عند العقد، كما أننا جعلنا نصاب زكاتها قيمتها. (44)
أخذنا إذن بهذا الرأي الذي ذكره ابن قدامة، وبعد أن وضحت للمصرف الإطار العام بدأ التفكير في العقد الثاني وهو اتفاقية تمويل رأس المال العامل بالمضاربة، وبعد المراحل التي أشرت إليها في العقد الأول أصبح الثاني معداً للتطبيق العملي، وطبق في المشروع المذكور آنفاً وفي غيره.(41/48)
وأحب أن أشير هنا إلى المضاربة مع الذين يملكون أصولاً ثابتة، ولا يشتركون برأس مال، فقد طلب صاحب محطة بترول التمويل اللازم لشراء البترول، ولا يريد الاقتراض من البنوك الربوية، فقلت لهم: اجعلوا المحطة- بما فيها من المعدات والأجهزة والمباني- اجعلوها أدوات المضارب، واستبعدوا ما له وما عليه من ديون وبعد الانتهاء من بيع البترول الموجود فيها يبدأ تمويل المصرف الإسلامي، حيث يقوم صاحب المحطة- باعتباره وكيلاً مضارباً بشراء ما يلزمه من البترول، ثم يبيعه، و صافي الربح يقسم بالنسبة المتفق عليها، وتم هذا بالفعل.
مما سبق نرى اتساع مجالات المضاربة، وقد نجحت بحمد الله تعالى، واطمأن إليها المصرف والمتعاملون معه، والتوسع والنجاح- إلى حد كبير- مرده إلى أمور بعد فضل الله تعالى:
الأمر الأول: مجالات المضاربة: فإلى جانب الاستثمارات المحلية المألوفة، والاستيراد، وضعت لهم منهجاً لتمويل رأس المال العامل، وللتعامل مع الشركات القائمة، والأفراد الذين يملكون أصولاً ثابتة فقط، والدخول في أعمال مقاولات للمباني والطرق والمشروعات المختلفة.
الأمر الثاني: تذليل العقبات التي تحول دون اشتراك المصرف، فمثلاً إذا كان المشروع يحتاج إلى خامات وأجهزة وأجور عمال، فإن المصرف يرى أن الأجور لا يمكن ضبطها، فرأينا أن قدم عامل المضاربة دراسة تبين الجدوى الاقتصادية، ويذكر فيها قيمة الأجهزة والمعدات والخامات، وتكون هذه القيمة قابلة للزيادة أو النقصان تبعاً لتغير الأسعار، أما الأجور فيذكر حدها الأعلى الذي لا يمكن تجاوزه، وبذلك تقل المخاطر بالنسبة للمصرف.
الأمر الثالث: بعض العملاء يرفض المضاربة بسبب الربح، حيث يرى أن نصيب المصرف سيكون كبيراً، ويحدث عادة من العملاء الذين تحقق استثماراتهم نسباً عالية من الأرباح، فأضفنا شرطاً في العقد ينص على أن الأرباح إذا زادت على كذا فإن المصرف يتنازل عن نسبة معينة من باقي نصيبه من الأرباح.(41/49)
الصيغة الرابعة: صكوك المقارضة
صكوك المقارضة هي البديل الإسلامي للسندات ذات الفوائد الربوية، وهي أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال القراض- المضاربة- بإصدار ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة، ومسجلة بأسماء أصحابها، باعتبارهم يملكون حصصاً شائعة في رأس مال المضاربة وما يتحول إليه بنسبة ملكية كل منهم فيه.
فالصك إذن يمثل حصة شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإنشائه أو تمويله، وهو قابل للتداول بالضوابط الشرعية، ومجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي ناقش هذا الموضوع في مؤتمريه الثالث والرابع، وأصدر قراره رقم (5) في المؤتمر الرابع الذي يبين حقيقة هذه الصكوك وضوابطها الشرعية. (45)
ومخاطر هذه الصكوك تبدو في طبيعة المشروع، وفي خبرة وأمانة وقوة الذين يقومون بدور المضارب.
وبنك التنمية الإسلامي له دور بارز في هذا المجال، حيث يصدر مثل هذه الصكوك، ويكون هو المضارب، ويشترك أيضاً في رأس المال.
وكثير من المؤسسات استثمر في هذه الصكوك، وبعضها قام هو بعمل المضارب دون خبرة كافية، وكفاءة في هذا المجال، ومن هنا زادت المخاطرة، فمثلاً وجدنا استثماراً في طائرة لتأجيرها ثم بيعها لصالح أصحاب الصكوك، فاشتريت الطائرة بأكثر من قيمتها بكثير لعدم الخبرة وعدم اتخاذ ما يجب اتخاذه عند الشراء في مثل هذه الحالة، ثم كانت مدة الإجارة قصيرة فبعد أن انتهت وجدت المؤسسة صعوبة في التأجير لعدم موافقة الراغبين في تأجيرها على شرط عدم تقديم الخمور، ثم بيعت بخسارة بالطبع وتحمل المؤسسة وحدها هذه الخسارة نتيجة التقصير والتفريط، ولا نستطيع أن نقول الخيانة وعدم الأمانة. هذا مثال نكتفي بذكره دن حاجة إلى المزيد.(41/50)
والأولى لمثل هذه المؤسسة ألا تصدر هي مثل هذه الصكوك، وإنما تشترك في التمويل مع غيرها ممن يصدرونها، ولهم من الخبرة والكفاءة والمقدرة ما يجعل الصكوك تدر ربحاً مناسباً، ويحول دون المخاطر، أو يقلل من خطرها.
الصيغة الخامسة: الاستصناع:
لا ترى الاستصناع عند الشافعية والحنابلة إلا في ثنايا الحديث عن السلم ولا يجيزون السلم في المصنوع من أكثر من مادتين متميزتين، ولا يجيزونه في مادتين غير متميزتين، والمالكية ألحقوا بالسلم في الصناعات، ولم يقفوا عند المادة والمادتين وإنما أجازوه في الصناعات التي يتعامل بها الناس، ولكن بشروط السلم.
أما الحنفية فالاستصناع عندهم من العقود المسماة، وله شروطه الخاصة، غير أنهم أجمعوا على أنه عقد غير لازم قبل أن يرى المستصنع ما صنع، وهذا لا يجعل الاستصناع صيغة تمويل مناسبة، غير أن مجلة الأحكام العدلية- وهي في الفقه الحنفي- جعلت الاستصناع عقداً لازماً منذ البداية. (46)
وبحث الاستصناع مجمع الفقه الإسلامي بمنظمة المؤتمر الإسلامي، في دورة مؤتمره السابع، وأصدر القرار رقم 67/3/7 وجاء في القرار ما يأتي:
قرار المجمع:
مراعاة لمقاصد الشريعة في مصالح العباد والقواعد الفقهية في العقود والتصرفات، ونظراً لأن عقد الاستصناع له دور كبير في تنشيط الصناعة، وفي فتح مجالات واسعة للتمويل والنهوض بالاقتصاد الإسلامي.
قرر:
(1) إن عقد الاستصناع - وهو عقد وارد على العمل والعين في الذمة- ملزم للطرفين إذا توافرت فيه الأركان والشروط.
(2) يشترط في عقد الاستصناع ما يلي:
أ- بيان جنس المستصنع نوعه وقدره وأوصافه المطلوبة.
ب- أن يحدد فيه الأجل.
(3) يجوز في عقد الاستصناع تأجيل الثمن كله، أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لآجال محددة.
(4) يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة.(41/51)
وهذا القرار فتح مجالات واسعة للتمويل الإسلامي بصيغة الاستصناع، وهو ما نتناوله بإيجاز، لبيان المشكلات والحلول.
في عقد الاستصناع يكون المصرف عادة هو الطرف الصانع، والعميل الذي يريد التمويل بطريقة إسلامية غير ربوية هو المستصنع، والصناعة قد تكون لمعدات وآلات وأجهزة، وطائرات، وغيرها وقد يكون عقد الاستصناع في المباني والمنشآت، وحيث إن المصارف الإسلامية عادة ليست مهيأة للقيام بهذا العمل فإنها تلجأ إلى الاستصناع الموازي، فتكون هي المستصنع لا الصانع، وتتعاقد مع الصانع لصناعة ما تعاقدت عليه مع المستصنع الآخر وهو عميلها وفي كلا العقدين بعض المخاطر.
فالمصرف عندما يكون هو الصانع فإنه يقوم بالبيع بالتقسيط عند الانتهاء من العمل وتسليم ما تم صنعه، والمخاطر هنا هي مخاطر الثمن في البيع بالتقسيط التي تحدثنا عنه من قبل.
ولكن توجد مخاطر لا يستطيع المصرف أن يتحملها، ذلك إذا كان الاستصناع في المباني، فإن من يقوم بالبناء يكون ضامناً للمبنى مدة قد تزيد عن عشر سنوات، ولذلك لم يقبل المصرف الاستثمار في هذا المجال ما دام هذا الضمان موجوداً.
وبحمد الله تعالى أمكن التغلب على هذه العقبة، حيث إن الاستصناع الموازي فيه هذا الضمان أيضاً، فأضيف في العقد أن شركة المقاولات -أي الصانع للمصرف- تضمن المبنى للمصرف أو لمن يحدده المصرف، وفي العقد الآخر يذكر أن عميل المصرف -أي المستصنع- يقبل قبولاً غير قابل للنقض أو الإلغاء ضمان المصرف للمشروع، أو أي طرف آخر يقبل هذا الضمان، وعند التعاقد بعد الانتهاء من المشروع يتم نقل هذا الضمان، بحيث يكون الإلزام والالتزام بين العميل وشركة المقاولات، وتنتهي مسؤولية المصرف عن جميع العيوب الظاهرة والخفية.
وتبقى المخاطرة عندما يكون المصرف هو المستصنع ولمواجهتها، ومنعها
أو التقليل من آثارها، وضعت الشروط التالية:(41/52)
* يلتزم المقاول بتقديم كفالة مصرفية غير مشروطة لتنفيذ العمل المطلوب بموجب بنود الشروط العامة للعقد، وتحدد مدة كافية لصلاحية الكفالة.
* ويقوم أيضاً بالتأمين على الموقع والمشروع ضد جميع الأخطار.
مع النص على غرامات التأخير: في حالة تأخر المقاول عن إتمام تنفيذ وتسليم المشروع في الموعد المحدد فإنه يتحمل جميع الأضرار التي تنتج عن هذا التأخير، ما لم تكن هناك أسباب قهرية خارجة عن الإرادة.
وجواز هذه الغرامات لأنها ليست مرتبطة بدين، ومقدرة بقدر إزالة الضرر، وقد يكون من غير الجائز تحديد الغرامة بمبلغ لا يرتبط بالضرر الفعلي.
وذكر من قبل موضوع الضمان والمسؤولية عن العيوب الظاهرة والخفية، وبهذا كله أمكن التقليل من مخاطر الاستصناع بما يبقى فرصة كبيرة للربح دون الخسارة.
مخاطر الصرف
للصرف ضوابطه الشرعية المعروفة، والبنوك الربوية لا تلتزم بها، حيث يمكن أن تضارب في البرصة، وتشتري وتبيع بالأجل.
والمشكلة التي صادفت المؤسسات الإسلامية هي مخاطر تغير أسعار الصرف، فقد تكون المؤسسة تتعامل بعملة معينة كالدولار مثلاً، وتدخل في استثمارات بعملة أخرى، كالاستثمار في دولة عملتها غير الدولار، أو الشراء أو البيع مع الأجل.
فإذا فرضنا أن المؤسسة اشترت سيارات من اليابان، والثمن يدفع بعد شهرين بالين الياباني، تريد أن تعرف الثمن بالدولار، حيث تخشى مخاطر تقلب سعر الصرف، البنوك الربوية تقوم في الحال بتثبيت السعر، وذلك بالاتفاق مع من يقبل المخاطرة، فيسلم الينّ في وقتها بسعر صرف الدولار في الحال، فإن ارتفع سعر الينّ خسر، وإن انخفض ربح، وقد تشتري الين في وقت شراء السيارات، وتودعه بفائدة ربوية مدة الآجل.(41/53)
ومعلوم أن أي تأجيل في الصرف، يعتبر من الربا المحرم، ولذلك فالمؤسسات الإسلامية لا تستطيع أن تسلك هذا المسلك،، ولا أن تودع بفائدة ربوية، ومثل الشراء كذلك البيع، فإذا باعت بالأجل بعملة غير الدولار، فهي تعرف ربحها الآن تبعاً لسعر الدولار، ولكن عندما تتسلم العملة في الأجل المحدد قد لا تربح وقد تخسر، إذا تغير سعر الصرف تغيراً كبيراً، كما أنه قد يزداد ربحها إذا كان تغير السعر لصالحها.
وقد لا يكون الأمر متصلاً بالبيع والشراء، وإنما بأي نوع آخر من أنواع الالتزام الآجل، والتزامها لغيرها أو التزام غيرها لها.
وإذا كانت المؤسسة الإسلامية لا تتعامل بالربا، سواء أكان في الصرف أم في غيره فكيف تتصرف لتجنب هذه المخاطر؟ عندما عرضت عليّ هذه المشكلة من مصرف إسلامي، وجدت أنها تحل عن طريق البيع والشراء.
فإذا كان المصرف ملتزماً بدفع مليون جنيه استرليني في تاريخ معين، فإنه يستطيع أن يشتري بثمن حال سلعة تباع بمليون جنيه استرليني إلى أجل لا يتأخر عن موعد التزامه بالمبلغ المذكور، وفي الموعد يتسلم المبلغ من المشتري ثم يسلمه للدائن. وقد يقل المبلغ قليلاً عن المليون، أو يزيد قليلاً، ولا مخاطرة في ذلك، أما إذا كان المبلغ مثل الدين الذي التزمه به المصرف، فيمكن من البداية أن يقوم بحوالة الدين.
هذا إذا كان المبلغ المذكور ديناً على المصرف، أما إذا كان المبلغ ديناً للمصرف على غيره، ويخشى عند تسلمه في الموعد مخاطرة الصرف، حيث سيقوم بصرف الاسترليني بالدولار الذي يتعامل به، وقد ينتج عنه خسارة كبيرة، فعندئذ الأمر مختلف.
والمخرج هو أن يشتري بالاسترليني شراءً آجلاً، والآجل لا يسبق موعد تسلم المصرف المليون، بل قد يتأخر عنه، حتى يتسنى للمصرف التسلم أولاً قبل موعد أدائه الثمن الآجل، وحينئذ لا يتعرض لمخاطر الصرف، حيث يتسلم الدين، ثم يسلم المبلغ نفسه للبائع الدائن.(41/54)
ومن الواضح أن السلعة التي اشتراها بالاسترليني يستطيع أن يبيعها بالدولار، بيعاً حالاً أو آجلاً، أو بعملة مرتبطة بالدولار كالريال القطري.
التأمين
التأمين التجاري بجميع أنواعه، سواء كان على النفس، أو المال، عقد محرم، قرر ذلك مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية سنة 1397هـ ومجمع الرابطة في دورته الأولى سنة 1398هـ، ومجمع الفقه الإسلامي لمنظمة المؤتمر الإسلامي سنة 1406هـ إلى جانب القرارات الجماعية الأخرى كالمؤتمر الأول للاقتصاد الإسلامي.
أما التأمين التعاوني فهو البديل الإسلامي لهذا النوع من التأمين، وجاء ذكر التأمين في مواضع كثيرة سبقت لبيان مواجهة المخاطر، والمراد بذلك التأمين التعاوني المباح وليس التأمين التجاري المحرم.
وقد يتعذر التأمين التعاوني، وعندئذ على المؤسسات الإسلامية ألا تلجأ إلى التأمين إلا عند الضرورة، كأن يكون التأمين إجبارياً، ويلاحظ أن بعض المؤسسات الإسلامية تتساهل في هذا الأمر، فلتجأ إلى شركات التأمين غير الإسلامية مع وجود الإسلامية، أو لغير ضرورة، أو على الأقل حاجة ملجئة.
وأذكر أنني طلبت من أحد المصارف أن يقوم ببيان المبالغ التي دفعت لشركات التأمين خلال سنة أو بضع سنوات، والمبالغ التي أخذت من هذه الشركات للتعويض عن المخاطر التي تعرض لها المصرف، وذلك ليتبين من الرابح ومن الخاسر، وكيف أن شركات التأمين أخذت مبالغ طائلة دون مقابل.
فالمصرف بالتأمين يقع في خسارة تقع مقابل مخاطر قد تحدث و ربما
لا تحدث، وما يحدث من المخاطر في جملته لا يساوي الخسارة التي وقعت بالفعل، ولا يقاربها، بل يقل عنها بكثير، بل قد لا يتعرض المصرف لأي مخاطر، ويخسر كل أقساط التأمين.(41/55)
إذن عند عدم التأمين على المصرف أن يضع في حسابه ما يمكن أن يحدث من مخاطر، ثم إن المصرف عادة يحسب تكلفة التأمين في بيع المرابحة ضمن تكلفة المبيع، فإذا لم يقم بالتأمين فإنه يستطيع زيادة الربح بقدر مبالغ التأمين، وإذا كانت النتيجة كما سبق أن التأمين خسارة فعلية، فإن عدم التأمين يعني زيادة الربح، وإن حدث بعض المخاطر فإنها لا تبلغ مقدار الربح!
هذا هو الواقع: وهو يؤيد قرارات تحريم التأمين التجاري غير التعاوني.
ووجدت مؤسسات تقوم بتأمين مخاطر الاستثمار، فإذا كان تأميناً تعاونياً فمرحبا به. ولعل المصارف الإسلامية تشترك في إيجاد نظام تأمين تعاوني، يستفيد منه كل من أصابته جائحة، ويكون لبنك التنمية الإسلامي الدور الأكبر، فيضع اللوائح اللازمة لهذا النظام، والخطوات الإجرائية، ثم يدعو المصارف الإسلامية إلى مناقشة النظام لإقراره أو تعديله، ومن ثم الاشتراك فيه.
( ( (
الهوامش
1- سورة البقرة 275.
2- قرار رقم 40/41 (2/5 و3/5) - انظر مجلة المجمع (العدد الخامس ج2 ص753، 965)
3- راجع القرار في كتابي: الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة ج2، ص735.
4- القرار السابق بمجلة المجمع.
5- تخريج الحديث يأتي في المناقشة والترجيح.
6- انظر الكتاب المذكور 5/180، 181، وانظر تحفة الفقهاء 2/55، وذكر الكاساني ما يستدل به لأبي حنيفة وأبي يوسف، وهو عدم تخصيص عموم الكتاب العزيز بخبر الواحد، أو حمل الخبر على المنقول، وعدم توهم هلاك العقار فلا يتقرر الغرر.. الخ.
7- تحفة الفقهاء 2/50.
8- راجع بدائع الصنائع 5/243.
9- انظر المرجع السابق 5/243: 244، وراجع حاشية ابن عابدين 7/92، وفتح الله المعين 2/53.
10- بدائع الصنائع 5/244، وذكر الكاساني بعد ذلك تفصيل الاختلاف في سبب حرمة التصرف قبل الكيل أو الوزن: انظر باقي الصفحة وص245، وراجع ابن عابدين 7/94 : 96 مطلب فيما يكون قبضاً للمبيع، ومطلب في شروط التخلية.(41/56)
11- الكتاب المذكور 7/93.
12- انظر المجتهد 2/185.
13- انظر الكتاب المذكور 2/148.
14- راجع الشرح الصغير 3/195 : 198، وراجع أيضاً عقد الجواهر 2/503.
15- انظر عقد الجواهر 2/504.
16- راجع الشرح الصغير 3/204، 205.
17- حاشية الصاوي مع المرجع السابق 3/204.
18- انظر عقد الجواهر 2/510، 511 وانظر الشرح الصغير 199، 200.
19- كتاب الأم 3/6.
20- انظر الحكمين بالتفصيل في الوسيط 3/146: 155.
21- المرجع السابق 3/156.
22- المهذب مع المجموع 9/252.
23- المجموعة 9/ 252.
24- المجموعة 9/259 : 260.
25- المهذب مع المجموع 9/264.
26- انظر المجموعة 9/264، 265.
27- انظر المرجع السابق 9/268.
28- المغني 6/181: 183.
29- المرجع السابق 6/186 : 188.
30- انظر الكتاب المذكور ص 688 حديث رقم 2988.
31- تحفة الأحوذي 2/237.
32- راجع كتابه التمهيد 12/ 148 : 150.
33- انظر المرجع السابق 12/ 63: 167.
34- قال الشوكاني: جميع مفاهيم المخالفة حجة عند الجمهور، إلا مفهوم اللقب، وأنكر أبو حنيفة الجميع، وقال في مفهوم اللقب: وهو تعليق الحكم بالاسم العلم، نحو: قام زيد، أو اسم النوع نحو: في الغنم زكاة. ولم يعمل به أحد إلا أبو بكر الدقاق، كذا قيل ثم قال: والحاصل أن القائل به كلا أو بعضاً لم يأت بحجة لغوية، ولا شرعية ولا عقلية ومعلوم من لسان العرب أن من قال: رأيت زيداً لم يقتض أنه لم ير غيره قطعاً.
35- (راجع إرشاد الفحول 2/56 : 69 حيث فصل القول عن المفهوم، وانظر أيضاً في عدم جواز القول بمفهوم المخالفة في اللقب: شرح التلويح على التوضيح 1/273).
36- انظر المرجع نفسه 12/152 : 155.
37- أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة وغيرهم، وصححه الترمذي وابن حيان وابن الجارود والحاكم والذهبي وابن القطان، ورواه أبو داود بسندين رجالهما رجال الصحيح -انظر تخريج الحديث بالتفصيل في كتابي "فقه البيع والاستيثاق"
ص356 : 357.(41/57)
38- انظر تخريجه في نصب الراية 4/319 : 321 وتلخيص الحبير 3/36 : 37 ونيل الأوطار 5/265: 266 والتمهيد لابن عبد البر 12/323: 330 وإرواء الغليل للألباني 5/243: 239 والحديث روى مرسلاً وموصولاً: انظر كتابي "فقه البيع والاستيثاق" ص 1275: 1276.
39- راجع الحديث في سنن النسائي: كتاب البيوع: باب مطل الغني وسنن أبي داود: كتاب الأقضية: باب في الحبس في الدين وغيره. وسنن ابن ماجه: كتاب الصدقات: باب الحبس في الدين والملازمة.
40- مما يحزن ويدعو للحيرة أن أحد أعضاء المجمع الذين اشتركوا في إصدار هذا القرار أجاز لمصارف إسلامية التعامل بهذا الربا المحرم، غير أنه رأى ألا يؤخذ من هذا الربا إلا بقدر ما يقابل الإجراءات، والباقي ينفق في الصالح العام.
41- حاشية ابن عابدين 7/54.
42- المخرجان للمشكلتين السابقتين أوجدتهما لمصرف إسلامي، وعرضت ذلك على باقي أعضاء هيئة الرقابة الشرعية، فأجازوهما من الناحية الشرعية.
43- كتاب الأم 3/61.
44- انظر مجموع الفتاوي 29/518.
45- المغنى 5/125، وانظر ص124/ 126.
46- راجع قرار المجمع، مع بيان بعض التطبيقات العملية، وأحد العقود، مع التعليق في كتابي: الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة جـ2 ص 722، 733، 1004: 1027.
47- راجع ما كتبته عن الاستصناع في الفصل الثالث من الباب السابع في كتابي: الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة جـ2 ص938 وما بعدها.
??
??
??
??
18 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
مخاطر التمويل الإسلامي 19(41/58)
مدى نجاح تجربة جامعة أم القرى
في الاقتصاد الإسلامي
تقويم وتطوير
شعبة الاقتصاد الإسلامي بقسم الدراسات العليا الشرعية
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية- مكة المكرمة
في الفترة من عام 1398- 1424هـ
إعداد
د/ خلف بن سليمان بن صالح النمري
1424هـ2003م
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
إن الكشف عن علم الاقتصاد الإسلامي أمر ضروري فلقد قرر المؤتمر الأول للاقتصاد الإسلامي عام 1396هـ، ضرورة إنشاء برنامج للدراسات الاقتصادية ، بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة، فأنشأت شعبة الاقتصاد الإسلامي،بقسم الدراسات العليا الشرعية عام 1398هـ0 وتهدف هذه الدراسة إلى معرفة مدى نجاح هذه التجربة،وما أحدثته من تغيرات وما أسهمت به من الباحثين والمتخصصين وتأمين متطلبات سوق العمل من الكوادر البشرية و نشر مبادئ الاقتصاد الإسلامي 0 وقد نهج الباحث في دراسته المنهج الوصفي والتاريخي و التحليلي، وقد تطلبت الدراسة الاعتماد على، إصدارات جامعة أم القرى،وكلية الشريعة والدراسات الإسلامية واللوائح والرسائل العلمية التي تمت إجازتها في الاقتصاد الإسلامي ونتائج الاستبيان 0
وقد شملت الدراسة البيئة العلمية لنشأة شعبة الاقتصاد الإسلامي،وأهميتها،و مراحل تطور برامج الدراسة فيها، وتنوع الدارسين بها،وتوزيع الأبحاث على التخصصات الاقتصادية،ومن ثم تحليل إستبانة التقويم 0(42/1)
ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة،أن تجربة جامعة أم القرى في الاقتصاد الإسلامي ناجحة ،ومتميزة وقد أحدثت تغيرات إيجابية، وأسهمت إلى حد كبير في تحقيق رغبة الأمة الإسلامية في الكشف عن علم الاقتصاد الإسلامي و نشر مبادئه، كما أسهمت في إيجاد الباحثين والمتخصصين في الاقتصاد الإسلامي بنسبة 100% 0وتأمين متطلبات سوق العمل المصرفي الإسلامية بنسبة 46% وقد ركزت الأبحاث العلمية فيها على فرعي النقود والمصارف والأسواق المالية بنسبة 27%،والتنمية الاقتصادية بنسبة 26% 0و تميزت الأبحاث بالجمع بين العلم الشرعي والاقتصادي 0 ومن أهم التوصيات التي يوصي بها الباحث ما يلي :
1- فصل شعبة الاقتصاد الإسلامي في قسم مستقل باسم (قسم الدراسات العليا الاقتصادية )0
2- إنشاء فروع متخصصة للطلاب والطالبات في مجال المؤسسات والأسواق المالية والتجارة والتسويق والمنظمات الاقتصادية الدولية ودراسة الجدوى الاقتصادية والتنمية الاقتصادية والتخطيط0
3 - توجيه الأبحاث الجديدة إلى السياسات الاقتصادية،و التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية و المعاملات المالية المعاصرة ، والحوار الاقتصادي ، و الحقوق والعلاقات الاقتصادية الدولية0
4-زيادة أعداد المقبولين في برامج الاقتصاد الإسلامي بالسماح لموظفي المؤسسات الاقتصادية الخاصة بالدراسة 5-فتح المجال للطالبات بدراسة ما يهم المرأة في حياتها العملية من أمور اقتصادية ومعاملات مالية واقتصادية.
( ( (
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وعلى صحابته الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :-
إن تحقيق رغبة الأمة الإسلامية في الكشف عن علم الاقتصاد الإسلامي،(42/2)
و نشر مبادئ وقواعد الاقتصاد الإسلامي،كان مطلبا ضروريا، حيث اجتمعت الأمة في أقدس البقاع وأطهرها،ممثلة في أصحاب الرأي والفكر والعلماء الأفاضل ، وقررت في مؤتمرها الأول للاقتصاد الإسلامي ، بضرورة إنشاء برنامج للدراسات الاقتصادية، في مكة المكرمة، وأن تتولى كلية الشريعة والدراسات الإسلامية هذه المهمة تنفيذا وإشرافا ورعاية.
ومنذ ذلك الزمن بذلت الجهود، وسخرت الإمكانيات، وجند الشباب،وشمر أصحاب الاختصاص عن سواعدهم، فنشأت شعبة الاقتصاد الإسلامي،بقسم الدراسات العليا الشرعية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، وسارت على الطريق المرسوم لها زهاء ربع قرن من الزمن أو يزيد، عناية الله تحفها،وحكومتنا الرشيدة ترعاها، ممثلة في وزارة التعليم العالي، وجامعتنا العريقة تتعهدها، وكلية الشريعة تحتظنها وتوجهها إلى ما فيه خير الأمة الإسلامية 0
إن دراسة (( مدى نجاح تجربة جامعة أم القرى في الاقتصاد الإسلامي تقويم وتطوير )) بمرحلة الدراسات العليا، بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية من عام 1398هـ إلى عام 1424هـ تهدف إلى الإجابة على الأسئلة التالية :-
*ما مدى نجاح تجربة جامعة أم القرى في إنشاء شعبة الاقتصاد الإسلامي بالدراسات العليا ؟ ما هي أهم المميزات التي تميزت بها ؟ وما هو التغيير الذي أحدثته في المؤسسات الاقتصادية في عالمنا الإسلامي المعاصر؟
* هل أسهمت هذه التجربة في تحقيق رغبة الأمة الإسلامية في الكشف عن علم الاقتصاد الإسلامي، و نشر مبادئ وقواعد الاقتصاد الإسلامي،وإلى أي مدي وصلت محليا،وعالمياً ؟
* هل أسهمت هذه التجربة في تحقيق رغبة الأمة الإسلامية في إيجاد المتخصصين في تدريس الاقتصاد الإسلامي وتأمين متطلبات سوق العمل الإسلامية من الكوادر البشرية ؟
* إلى أي اتجاه توجهت الأبحاث العلمية في هذه الشعبة، هل كانت شاملة لجميع التخصصات الاقتصادية أم انحازت لبعض منها ؟(42/3)
* هل هناك عقبات تقف حجر عثرة أمام تطوير شعبة الاقتصاد الإسلامي ؟
* ما هي أهم الخطوات العملية لتطوير شعبة الاقتصاد الإسلامي ؟
وتعتبر هذه الدراسة عن تجربة شعبة الاقتصاد الإسلامي بجامعة أم القرى أول دراسة،فقد مر على هذه التجربة ما يزيد على ربع قرن منذ إنشائها،ولم يحصل الباحث على دراسات علمية سابقة،سوى ما كتب من إشارات عابرة عن تاريخ نشأة شعبة وقسم الاقتصاد الإسلامي في الدليل السنوي للجامعة أو فيما أصدر من كتب وثائقية عن كلية الشريعة والجامعة في مناسبات مختلفة0
وقد اعتمد الباحث في دراسته على المنهج الوصفي النظري والتاريخي،في استعراض نشأة التجربة والأهمية المميزة لها ، ومراحل تطور برنامج الدراسة فيها ، والملتحقين والمتخرجين من هذه الشعبة،وما تم إنجازه من أبحاث في التخصصات الاقتصادية المختلفة،ومن ثم تحليل إستبانة تقيس مدى نجاح هذه التجربة و التعرف على المتغيرات التي أحدثتها منتجات هذه الشعبة في عالمنا المعاصر علميا وعمليا 0
وقد تطلبت الدراسة الاعتماد على عدة طرق للحصول على المعلومات 0الأول منها، إصدارات جامعة أم القرى،وكلية الشريعة والدراسات الإسلامية من كتب وأدلة ومطبوعات في مختلف المناسبات،وعلى المكاتبات الإدارية المتعلقة بهذه الشعبة،والقرارات الإدارية والأكاديمية من خلال اللوائح، و الملفات الإدارية وقرارات مجالس الكلية0
والثاني : الرسائل العلمية التي تمت إجازتها في الاقتصاد الإسلامي بقسم الدراسات العليا الشرعية،بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية0
والثالث : ملفات الطلاب الملتحقين بشعبة الاقتصاد الإسلامي خلال فترة البحث 0
والرابع :نتائج الاستبيان الموزع خلال فترة الدراسة على عينة البحث ( مجتمع الدراسة )0
أما خطة الدراسة فقد تم توزيعها على النحو التالي :-
أولا :- تمهيد عن البيئة العلمية التي نشأت فيها شعبة الاقتصاد الإسلامي بجامعة أم القرى 0(42/4)
ثانيا :- الأهمية المميزة لنشأت شعبة الاقتصاد الإسلامي 0 ثالثا:- مراحل تطور برامج الدراسة بشعبة الاقتصاد الإسلامي 0 رابعا:- تنوع الدارسين بشعبة الاقتصاد الإسلامي 0
خامسا:- التوزيع العلمي للأبحاث حسب التخصصات الاقتصادية 0 سادسا :- تحليل و تقويم 0
وأخيرا الخاتمة :وتشمل أهم النتائج والتوصيات ثم الملاحق .
( ( (
أولا :- تمهيد:
نشأة شعبة الاقتصاد الإسلامي 0
قبل الحديث عن نشأة شعبة الاقتصاد الإسلامي،فإن الباحث يرى التحدث عن الجامعة والكلية والقسم الذي احتضن هذه الشعبة وقام على رعايتها والعناية بها منذ نشأتها،فما هذه الشعبة إلا غرست لم تأتي ثمارها يانعة إلا بفضل من الله ثم بتلك الرعاية الفائقة من ولاة الأمر للتعليم العالي في بلاد الحرمين الشريفين،المملكة العربية السعودية 0
1- أنشئت كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة عام 1369هـ بناءً على توجيهات الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية طيب الله ثراه، حيث التحق بها الطلاب الذين تخرجوا من مدرسة دار التوحيد بالطائف،والمعهد العلمي السعودي في مكة المكرمة (1)0
وفي عام 1372هـ تخرجت أول دفعة من الكلية وكانت تحت إشراف مديرية المعارف،والتي تحولت في عام 1373هـ إلى وزارة للمعارف(2) واستمر إشرافها على الكلية بل حظيت بعناية هامة وتطوير في مناهجها من قبل أول وزير للمعارف رائد التعليم الملك فهد بن عبد العزيز يحفظه الله،وتم إدخال بعض المقررات التربوية على مناهجها بما يلبي حاجة الوزارة من المعلمين 0
وفي عام 1384هـ تم تطوير مناهجها على يد نخبة من العلماء المتخصصين،وأصبحت تضم ثلاثة أقسام علمية في تخصصات الشريعة واللغة العربية والتاريخ والحضارة 0(42/5)
وفي عام 1388/1389هـ سمح للطالبات بالانتساب للكلية، وفي عام 1391هـ انتقل الإشراف على الكلية إداريا إلى جامعة الملك عبد العزيز بجدة،كما بدأ انتظام الطالبات في تخصصات الكلية عام1391/1392هـ0(3)
وفي عام 1396هـ أنشئت ثلاثة أقسام جديدة بالكلية فأصبحت تشمل الكلية ستة أقسام علمية في تخصصات (الشريعة،والقضاء والتاريخ،والحضارة،واللغة العربية،والدعوة)0(4)
كما أنشأت الكلية مركزين الأول للبحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي والآخر لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها وقد استقلا فيما بعد عن الكلية(5) 0
2- في شهر شعبان من عام 1400هـ صدر الأمر الملكي الكريم بإنشاء جامعة أم القرى بمكة المكرمة (6)،وأصبحت كلية الشريعة أولى كليات الجامعة وأقدمها على مستوى المملكة وبدأت مرحلة جديدة من النمو والتطور مع بقية الكليات في أم القرى 0
3- قسم الدراسات العليا الشرعية أنشأ بعد مرور تسعة عشر عاماً على تأسيس كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،فقد صدر المرسوم الملكي الكريم رقم 38 في 22/10/1387هـ بالموافقة على افتتاحه،وبدأت الدراسة فيه عام 1388هـ وبدأ نشاطه بفرعين هما (الكتاب والسنة،والفقه وأصوله) ومدة الدراسة فيه ثلاث سنوات(7) 0
ثم أنشأ في القسم فرع لتخصص العقيدة عام 1392/1393هـ ثم نقل بعد ذلك مع فرع الكتاب والسنة إلى كلية الدعوة وأصول الدين(8)
وفي عام 1394هـ صدرت لائحة مرحلة الدكتوراه لطلاب الدراسات العليا الشرعية،كما تم افتتاح الدراسات العليا الشرعية للطالبات عام1396/1397هـ(9)
وفي عام 1398/1399هـ أنشئت شعبة الاقتصاد الإسلامي بفرع الفقه والأصول بقسم الدراسات العليا الشرعية (10) 0
وأصبح قسم الدراسات العليا الشرعية يضم ثلاث شعب هي :-
1- شعبة الفقه 0للطلاب والطالبات 0
2- شعبة أصول الفقه 0للطلاب والطالبات 0
3- شعبة الاقتصاد الإسلامي 0للطلاب فقط0(42/6)
ونظرا لأهمية التعليم العالي في بلادنا،فقد أنشأت الجامعة في عام 1413هـ عمادة مستقلة للدراسات العليا تشرف على القبول والتسجيل والخدمات العلمية والإدارية لطلاب الدراسات العليا في جميع أقسام الدراسات العليا بالجامعة(11) 0
كما أن الدراسة في قسم الدراسات العليا الشرعية في جميع الشعب كانت بالنظام السنوي(12)
ثانياً :- الأهمية المميزة لشعبة الاقتصاد الإسلامي
إن الأهمية الكبرى من إنشاء شعبة الاقتصاد الإسلامي كانت نابعة من تحقيقا رغبة الأمة الإسلامية والتي اجتمعت في المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة عام 1394هـ، وأوصت بإنشاء برنامج متخصص في الدراسات العليا بكلية الشريعة،كما أوصت بضرورة تدريس الاقتصاد الإسلامي وإنشاء مراكز للبحوث في جامعات العالم الإسلامي،وجامعة الملك عبد العزيز بشكل خاص التي قامت بتنظيم المؤتمر الأول للاقتصاد الإسلامي(13) 0
ولقد كان لعمادة كلية الشريعة إسهام كبير في إنشاء هذه الشعبة حيث تضافرت الجهود الشخصية التي بذلها عميد كلية الشريعة آن ذاك د/محمد بن سعد الرشيد مع المتخصصين بقسم الدراسات العليا و دعم مدير فرع جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة د/راشد بن راجح الشريف،وما صاحبها من توجيه وتشجيع من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فيصل آل سعود رئيس مجلس مؤسسة دار المال الإسلامي القابضة،ورئيس مجالس مصارف فيصل الإسلامية آن ذاك 0
فالساحة العلمية خالية من تخصص الاقتصاد الإسلامي في علمنا آنذاك،والمؤسسات المالية الإسلامية قليلة جدا،والنظام الاقتصادي السائد هو النظام الوضعي،لهذا كانت الأمة الإسلامية متعطشة لإنشاء مثل هذه الدراسات الاقتصادية،فمسيرة الصحوة الاقتصادية الإسلامية بدأت آن ذاك على ثلاث جبهات رئيسة :-(42/7)
الأولى :الدراسات العلمية الاقتصادية في مؤسسات التعليم العالي وكانت شعبة الاقتصاد الإسلامي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة أول صرح علمي يمنح درجتي الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد الإسلامي على مستوى جامعات العالم الإسلامي (14)
الثانية :مراكز التدريب والأبحاث الاقتصادية وكان في مقدمتها المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية (15) 0 ثم مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة 0(16) ثم معهد البنوك والاقتصاد الإسلامي بقبرص (17) 0
الثالثة : المصارف الإسلامية وشركات الاستثمار (18) 0
كما تنبع أهمي[ة هذا الشعبة من الآتي :-
1- الأهمية الكبرى للاقتصاد الإسلامي كأحد جوانب الدراسات الإسلامية التي لم تنل قدرا كبيرا من الباحثين في الإعلام عنها 0
2- تميز جامعة أم القرى بهذه الشعبة حيث إنها أول جامعة في العالم العربي والإسلامي سبقت لتنفيذ توصيات المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي،في إنشاء تخصص الاقتصاد الإسلامي العالي يمنح درجتي الدكتوراه والماجستير العالميتين 0
3- أن هذه الشعبة كانت الخطوة الأولي الضرورية للكشف عن محاور فروع الاقتصاد الإسلامي وإمكانات التطبيق في عالمنا المعاصر، بعد أن كان حلما يراود المسلمين شرقا وغربا، فأصبح حقيقة واضحة للعيان، وحجة دامغة من حيث التنظير والتطبيق معا وردا حاسما على من ينكرون فكرنا الاقتصادي ويتشبثون بالأنظمة الاقتصادية الوضعية
ثالثا:- مراحل تطور برامج الدراسة بشعبة الاقتصاد الإسلامي 0
الدراسة في شعبة الاقتصاد الإسلامي بالدراسات العليا دراسة بنظام اليوم المعتاد (النظام السنوي ) وقد مرة بعدة مراحل وذلك على النحو التالي :-
المرحلة الأولى :-(42/8)
لقد بدأ ت الدراسات العليا في شعبة الاقتصاد الإسلامي في هذه المرحلة ببرنامج الماجستير، في عام 1398/1399هـ وكانت الدراسة المنهجية فيها سنتان، ثم يتفرغ الطالب لكتابة البحث،ويشرف عليه أستاذان أحدهما متخصص في الاقتصاد والآخر في الفقه الإسلامي(19) 0
وحيث إن دراسة الاقتصاد الإسلامي تحتاج إلى متخصصين يجمعون بين الدراسات الإسلامية في تخصص الفقه والدراسات الاقتصادية وقد كان ذلك نادرا جدا مما جعل تكوين هذه الشخصية الاقتصادية أمرا ليس سهلا، فقد اتخذت الدراسات العليا نمطا مغايرا للدراسة في الشعب الأخرى بقسم الدراسات العليا 0
فقد قبلت في الدفعة الأولى طلاباً متخصصين في الدراسات الشرعية،ووضعت لهم منهجا اقتصاديا خاصا يدرسونه خلال سنتين منهجيتين اشتمل على المقررات التالية(20):-
أ- مقررات السنة الأولى:-
1- أصول الفقه
2- الشركات والتأمين
3- المالية العامة والنظام المالي
4- إحصاء و رياضيات
5- مبادئ اقتصاد ونظام اقتصادي إسلامي
6- نقود ومصارف إسلامية
7- قاعة بحث
8- موارد اقتصادية للبلاد الإسلامية 0
ب- مقررات السنة الثانية :
1- أصول فقه ومقاصد شريعة
2- السياسة المالية والاقتصادية 0
3- اقتصاد دولي ومنظمات دولية مالية ونقدية 0
4- التحليل الاقتصادي الكلي
5- التنمية الاقتصادية والتكامل بين البلدان الإسلامية .
6- التحليل الاقتصادي الجزئي
7- الفقه الاقتصادي
8- نصوص في الاقتصاد الإسلامي 0
ويقوم بتدريس المقررات الاقتصادية أساتذة متخصصون في الاقتصاد من الجامعات العربية في مصر وسوريا بعضهم متعاقدون مع الجامعة لهذا الخصوص وبعضهم زائرون أما المقررات الفقهية فيقوم بتدريسها أساتذة من شعبة الفقه والأصول،وكان عدد أعضاء هيئة التدريس في هذه المرحلة ستة أعضاء متخصصين في الاقتصاد،إضافة إلى أساتذة الفقه والأصول بقسم الدراسات العليا الشرعية(21)0(42/9)
وبهذا المنهج أوجدت الشعبة متخصصين لديهم القواعد الشرعية،وأدوات البحث الاقتصادية،لتخلق فئة جديدة متخصصة في الدراسات الاقتصادية الإسلامية 0
ثم قبلت في الدفعة الثانية طلابا متخصصين في الاقتصاد والإدارة من جامعة الملك عبد العزيز، ووضعت لهم منهجا من الدراسات الإسلامية يدرسونه كمواد مكملة في قسم الشريعة و شعبة الفقه والأصول 0 وهنا جمعت لهذه الدفعة مع العلم الاقتصادي أصول وقواعد البحث الشرعي
أما مرحلة الدكتوراه فقد اقتصرت الدراسة فيها على إعداد بحث فقط حسب لائحة الدراسات العليا في الكلية ،كما أن الإشراف على الأبحاث في الماجستير والدكتوراه في هذه المرحلة الأولى كان ثنائياً أي مشرفان لكل باحث (شرعي واقتصادي) 0
ونود الإشارة هنا إلى الأهمية الكبيرة للاقتصاد الإسلامي والتي غيرت في اتجاه بعض الباحثين بقصد مواكبة الحدث الهام في العالم الإسلامي وهو الكشف عن علم الاقتصاد الإسلامي ومبادئه والقواعد الشرعية التي يقوم عليها، مما دعى بعض الباحثين في شعبة الفقه إلى تسجيل أبحاثهم لموضوعات اقتصادية ، حيث تتم دراسة تلك الموضوعات من الناحية الشرعية بإشراف ثنائي (اقتصادي،وفقهي) واستمرت الدراسات العليا في شعبة الاقتصاد الإسلامي في هذه المرحلة بقبول دفعات مختلطة من المتخصصين في الشريعة،والاقتصاد 0
المرحلة الثانية :
بدأت هذه المرحلة بعد أن صدرت الموافقة الكريمة على إنشاء جامعة أم القرى بمكة المكرمة في 22/6/1401هـ، حيث تم إنشاء قسم الاقتصاد الإسلامي بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في عام 1401/1402هـ (22)، ثم أنشئت شعبة المحاسبة بقسم الاقتصاد الإسلامي في عام 1405هـ، ومن ثم تحولت إلى قسم مستقل بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية(23)0(42/10)
وفي عام 1406هـ بدأ قبول الحاصلين على درجة البكالريوس من قسم الاقتصاد الإسلامي في شعبة الاقتصاد الإسلامي بقسم الدراسات العليا، وأصبحت الدراسة المنهجية سنة واحدة تدرس فيها المقررات التالية(24):-
1-فقه المعاملات المالية
2- المقاصد الشرعية
3- أصول الفقه 0
4-التنمية والتمويل
5-العلاقات الاقتصادية الدولية.
6- مؤسسات مصرفية ونقدية إسلامية
7-التحليل الاقتصادي الإسلامي.
8- قاعة بحث
9- اقتصاد قياسي 0
أما برنامج درجة الدكتوراه فقد اقتصر على إعداد بحث حسب لائحة الدراسات العليا 0
كما أن الإشراف على الأبحاث في الماجستير والدكتوراه استمر على ما كان عليه الحال في المرحلة الأولى مشرفان لكل باحث (شرعي واقتصادي) 0
المرحلة الثالثة :- البرامج الحديثة للدراسات العليا في شعبة الاقتصاد الإسلامي
بدأت هذه المرحلة عندما صدرت اللائحة الجديدة الموحدة للدراسات العليا للجامعات السعودية في عام 1421هـ، فأصبح برنامج الدراسات العليا لشعبة الاقتصاد الإسلامي كما يلي:-(25)
أ-برنامج مرحلة الماجستير في الاقتصاد الإسلامي:
يعتمد هذا البرنامج على أسلوب المقررات الدراسية والرسالة وهو الأسلوب الأول الذي حددته المادة (33) من لائحة الدراسات العليا الموحدة للجامعات بالمملكة0 ويهدف البرنامج إلى الأهداف التالية :-
1- العناية بالدراسات الاقتصادية المتخصصة في الاقتصاد الإسلامي0
2- إثراء المعرفة الاقتصادية الإسلامية 0
3- تمكين الطلاب المتميزين من حملة الشهادة الجامعية من مواصلة دراستهم العليا محليا والمقررات الدراسية في هذا البرنامج تمثل (30) وحدة دراسية يتم دراستها في فصلين دراسيين 0أما الرسالة فقد خصص لها (20) وحدة دراسية ويشار إليها بالرقم (699-111)0
جدول رقم (1)
المقررات الدراسية ببرنامج مرحلة الماجستير في الاقتصاد الإسلامي
الفصل الدراسي الأول
م
اسم المقرر
رقم المقرر
الوحدات الدراسية
1
فقه المعاملات المالية
551-111
4
2(42/11)
المقاصد الشرعية في المعاملات
552-111
2
3
دراسة الجدوى الاقتصادية
553-111
2
4
تحليل اقتصادي جزئي
554-111
4
5
اقتصاد قياسي
555-111
3
الفصل الدراسي الثاني
6
تحليل اقتصادي كلي
661-111
4
7
معاملات مالية معاصرة
662-111
2
8
اقتصاد دولي
663-111
2
9
نقود ومصارف إسلامية
664-111
4
10
قاعة بحث
665-111
1
11
أصول فقه
666-111
2
12
الرسالة
699-111
20
التعديل المقترح للبرنامج من مجلس الشعبة :
نظر مجلس شعبة الاقتصاد الإسلامي في تعديل برنامج مرحلة الماجستير،بما يتناسب مع متطلبات السوق المعاصرة وذلك على النحو التالي (26):-
1- خفض عدد ساعات بعض المقررات وهي :-
أ- التحليل الاقتصادي الجزئي من أربع وحدات دراسية إلى ثلاث وحدات دراسية 0
ب- التحليل الاقتصادي الكلي من أربع وحدات دراسية إلى ثلاث وحدات دراسية 0
ج- النقود والمصارف الإسلامية من أربع وحدات دراسية إلى ثلاث وحدات دراسية 0
2- إضافة مقرر جديد وهو ( الأسواق المالية ) بثلاث وحدات دراسية 0
3- إضافة ساعة واحدة لمقرر الاقتصاد الدولي ليصبح ثلاث وحدات دراسية.
4- حذف مقرر (قاعة بحث ) من البرنامج 0
وأصبح البرنامج يحتوي في الفصل الأول على أربعة عشرة وحدة دراسية، والفصل الثاني على ستة عشر وحدة دراسية 0
ب - برنامج مرحلة الدكتوراه في الاقتصاد الإسلامي
تم اختيار أحد أساليب الدراسة المنصوص عليها في لائحة الدراسات العليا الموحدة للجامعات بالمملكة مادة رقم (34)،بحيث يكون مجموعة الوحدات الدراسية
(70) وحدة دراسية موزعة على النحو التالي :-
1- اثنان وخمسون (52)وحدة دراسية للرسالة 0
2- ثمانية عشر (18) وحدة دراسية تهتم بالدراسات الموجهة والندوات وحلقات البحث 0
ويهدف البرنامج بشكل عام إلى ما يلي :-
1- إعداد الأستاذ المتخصص في الاقتصاد الإسلامي0
2- التوسع في بحوث الدراسات الإسلامية والعمل على نشرها0
3- إثراء المعرفة الاقتصادية الإسلامية 0(42/12)
4- فتح مجال أوسع للطلاب المتميزين من حملة الماجستير لإكمال دراستهم محليا 0
ويتم في هذا البرنامج تدريس المقررات الدراسية في فصلين دراسيين على النحو التالي :-
جدول رقم (2)
المقررات الدراسية ببرنامج مرحلة الدكتوراه في الاقتصاد الإسلامي
الفصل الدراسي الأول
م
اسم المقرر
رقم المقرر
الوحدة
1
تحليل اقتصاد جزئي
703-111
4
2
سياسات اقتصادية مقابلة
702-111
3
3
اقتصاد قياسي متقدم
705-111
3
الفصل الدراسي الثاني
4
تحليل اقتصاد كلي
804-111
4
5
مشكلات اقتصادية معاصرة
801-111
4
6
الرسالة
899-111
52 وحدة
رابعا :- تنوع الدارسين بشعبة الاقتصاد الإسلامي:
لقد بلغ عدد الملتحقين بشعبة الاقتصاد الإسلامي منذ تأسيسها في عام 1398/1399هـ، حتى عام 1424هـ ما يربو على مائة وأربعون طالب، من مختلف البلدان العربية والإسلامية 0
ولقد كانت أول دفعة للدراسة بشعبة الاقتصاد الإسلامي في عام1398/1399هـ تسعة طلاب(27)0 اثنان من دولة السودان وسبعة سعوديين،تحول منهم اثنان إلى أقسام أخرى في نهاية العام(28) 0
ولقد استقبلت الشعبة الدارسين من إحدى عشر دولة، بلغت نسبة الدارسين السعوديين 56.4 % من إجمالي الدارسين في الشعبة، يليهم دولة السودان ويمثلون نسبة 17.8 %، ثم دولة الكويت ويمثلون 6.9 %، ثم دولة اليمن بنسبة 5.9 %، ومصر،والأردن بنسبة 2.9 % لكل منهما، والجزائر،وسوريا 1.9 % لكل منهما، وأخيرا الصومال،والنيجر،ولبنان 0.99 % (29) كما هو موضح في الجدول رقم [3] والشكل البياني رقم [1] 0
جدول رقم ( 3 )
توزيع الدارسين في شعبة الاقتصاد الإسلامي حسب الدولة (30)
م
الدولة
العدد
%
1
المملكة العربية السعودية
60
56.4
2
السودان
20
17.8
3
الكويت
7
6.9
4
اليمن
6
5.6
5
مصر
3
2.9
6
المملكة الأردنية الهاشمية
3
2.9
7
الجزائر
2
1.9
8
سوريا
2
1.9
9
الصومال
1
0.99
10
لبنان
1
0.99
11
النيجر
1
0.99
المجموع
106
100%(42/13)
وقد تخرج في شعبة الاقتصاد الإسلامي (101 ) دارسا، منهم (59 )دارسا حصلوا على درجة الماجستير العالمية في الاقتصاد الإسلامي، و(42 ) دارسا نالوا درجة الدكتوراه العالمية العالية في الاقتصاد الإسلامي0ويضاف إليهم الحاصلون على درجتي الماجستير،والدكتوراه من شعبة الفقه في قسم الدراسات العليا الشرعية في تخصص الاقتصاد الإسلامي (31)0
وبهذا يصبح عدد المتخرجين في تخصص الاقتصاد الإسلامي من قسم الدراسات العليا مائة وسبعة دارسا حتى نهاية عام 1424هـ كما هو موضح بالجدول رقم [4]والشكل لبياني رقم[2]0
جدول رقم (4) الملتحقون والمتخرجون في شعبة الاقتصاد الإسلامي حسب العام*
العام
الملتحقون
الإجمالي
المتخرجين
الإجمالي
ماجستير
دكتوراه
ماجستير
دكتوراه
1398
9
-
9
-
-
-
1399
5
-
5
-
-
-
1400
7
1
8
1
-
1
1401
4
-
4
-
-
-
1402
5
-
5
-
-
-
1403
2
6
8
6
2
8
1404
3
9
11
9
1
10
1405
7
2
9
2
1
3
1406
10
3
13
3
-
3
1407
3
6
9
6
-
6
1408
1
1
2
1
2
3
1409
3
4
7
4
9
13
1410
-
6
6
6
3
9
1411
-
1
1
1
-
1
1412
1
6
7
6
2
8
1413
1
2
3
2
1
3
1414
1
2
3
2
1
3
1415
1
-
1
-
6
6
1416
4
1
5
1
-
1
1417
5
-
5
-
5
5
1418
1
2
3
2
1
3
1419
-
-
-
-
1
1
1420
3
1
4
1
5
6
1421
2
2
4
2
2
4
1422
-
3
3
3
4
7
1423
4
2
6
2
-
2
1424
1
3
4
-
1
1
الإجمالي
82
63
145
60
47
*107
*يشمل هذا العدد المتخرجين في الاقتصاد الإسلامي من شعبة الفقه0 والجدول من عمل الباحث 0
ويلاحظ أن جميع الدارسين من الذكور، حيث إن الدراسة مقصورة على الطلاب، وقد ناقش مجلس الشعبة إمكانية فتح المجال أمام الطالبات،وبعد دراسة المبررات العلمية والواقعية أوصى بفتح فرع للاقتصاد الإسلامي بقسم الدراسات العليا للطالبات،وتم رفع هذه التوصية لمجلس قسم الدراسات العليا الشرعية،ومجلس كلية الشريعة(32) 0
خامسا:- توزيع الأبحاث حسب التخصصات العلمية في الاقتصاد الإسلامي(42/14)
لقد توزعت الأبحاث التي تم إنتاجها في شعبة الاقتصاد الإسلامي على التخصصات الاقتصادية بنسب مختلفة، فقد حصل تخصص المصارف والنقود والأسواق المالية على نصيب مرتفع من الأبحاث بلغت 27%، ثم التنمية الاقتصادية حصلت على 26% من إجمالي الأبحاث التي تم إنتاجها في الشعبة، بينما تساوى تخصص التحليل الاقتصادي مع الاقتصاد الدولي حيث حصل كل منهما على نسبة 13% من إجمالي الأبحاث، وحصل تخصص الفكر الاقتصادي والتاريخ الاقتصادي على نسبة 9%، والمالية العامة على نسبة 6% وأخيرا النظام الاقتصادي حصل على نسبة 4% من إجمالي الأبحاث التي تم إنتاجها في الشعبة0والجدول رقم[5]يبين توزيع الأبحاث على التخصصات الاقتصادية كما يوضحه الشكل البياني رقم[3]0
جدول رقم (5)
توزيع الأبحاث في شعبة الاقتصاد الإسلامي على التخصصات الاقتصادية
م
التخصص الرئيس
التخصص الفرعي
ماجستير
دكتوراه
المجموع
%
1
التحليل الاقتصادي
التحليل الكلي
4
1
5
5
التحليل الجزئي
5
1
6
5.5
دراسة الجدوى
1
2
3
3
2
النقود والمصارف والأسواق المالية
النقود
1
2
3
3
السياسة النقدية
1
-
1
1
المصارف
10
6
16
17
أسواق الأوراق المالية
1
2
3
3
التأمين
2
1
3
3
3
المالية العامة
المالية العامة
2
1
3
3
النظام المالي
2
-
2
2
السياسة المالية
-
1
1
1
4
النظام الاقتصادي
نظام اقتصادي
-
2
2
2
سياسة اقتصادية
1
1
2
3
5
التنمية الاقتصادية
اقتصاديات التنمية
7
8
15
17
اقتصاديات العمل
1
2
3
4
اقتصاديات الموارد الطبيعية
1
2
3
4
اقتصاديات الإسكان
2
-
2
2
اقتصاديات الإنفاق
-
2
2
1
اقتصاديات البيئة
-
1
1
1
6
الفكر والتاريخ الاقتصادي،
تاريخ الفكر الاقتصادي
2
3
5
5.5
تاريخ اقتصادي
2
1
3
3
منهج البحث الاقتصادي
-
1
1
1
7
الاقتصاد الدولي
تكامل وتعاون اقتصادي
4
1
5
5
تجارة ومنظمات دولية
5
-
5
5
تمويل واستثمار وشركات دولية
1
2
3
4
المجموع
42
100
100%
سادسا:-تحليل نتائج الإستبانة(42/15)
أ-عينة البحث :-
1- مجتمع البحث كان في منطقة مكة المكرمة (مكة -جدة)،وجميع أفراد العينة (مجتمع البحث ) قامت بتعبئة المعلومات الشخصية كاملة 0
2- مجتمع البحث متنوع من أربع جنسيات مختلفة 0
3- مجتمع البحث تتكون من مختلف الدرجات العلمية (أستاذ، أستاذ مشارك، أستاذ مساعد، باحث ) 0
4- التخصص العلمي لمجتمع البحث هو الاقتصاد الإسلامي غالبا 0أو هم ممن يمارس البحث والتدريس في تخصصات الاقتصاد الإسلامي
5- جهة العمل لمجتمع البحث متنوعة حيث شملت ما يلي :-
أ- أعضاء هيئة تدريس في الجامعات ( جامعة أم القرى، جامعة الملك عبد العزيز )0
ب-باحثين في منظمات دولية ( البنك الإسلامي للتنمية ) 0
ج- مستشارين،وباحثين في القطاع الخاص (البنك الأهلي التجاري، شركة دلة البركة )0
ب- الجوانب الإدارية والأكاديمية
1- علامات النجاح التي حققتها الشعبة في مجال البحث العلمي وخلق الكوادر البشرية المتخصصة كانت على النحو التالي كما يوضحها الجدول رقم [6] 0:-
الجدول رقم [6] علامات النجاح
م
العبارة
%
موافق جدا
%
موافق
%
غير موافق
%
لا أعلم
1
تجربة جامعة أم القرى في شعبة الاقتصاد الإسلامي تجربة مميزة بين جامعات العالم
46
38
15
0
2
إنشاء شعبة الاقتصاد الإسلامي بقسم الدراسات العليا الشرعية تجربة ناجحة
23
54
15
7
3
حققت شعبة الاقتصاد الإسلامي تغييرات إيجابية عميقة في المؤسسات الاقتصادية في العالم الإسلامي 0
15
46
23
15
4
أسهمت شعبة الاقتصاد الإسلامي في تحقيق رغبة الأمة الإسلامية في الكشف عن علم الاقتصاد الإسلامي0
38
38
15
7
5
أسهمت شعبة الاقتصاد الإسلامي في نشر مبادئ وقواعد الاقتصاد الإسلامي محليا،وعالمياً 0
15
69
0
15
6
أسهمت شعبة الاقتصاد الإسلامي في إيجاد متخصصين لتدريس الاقتصاد الإسلامي 0
61.5
38.5
0
0
7
أسهمت شعبة الاقتصاد الإسلامي في تأمين متطلبات سوق العمل في المجال المصرفي
7
38.5
38.5
15
8(42/16)
أسهمت شعبة الاقتصاد الإسلامي في إيجاد الباحثين المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي 0
46
54
0
0
9
ركزت الأبحاث في شعبة الاقتصاد الإسلامي على الجانب النظري
30.5
46
23
0
10
ركزت الأبحاث في شعبة الاقتصاد الإسلامي على الجانب التطبيقي
0
15
77
7
11
اهتمت الأبحاث في شعبة الاقتصاد الإسلامي بالجانبين النظري والتطبيقي
15
54
23
7
12
اهتمت الأبحاث في شعبة الاقتصاد الإسلامي بجانب التحليل الاقتصادي
7
69
23
0
13
اهتمت الأبحاث في شعبة الاقتصاد الإسلامي بجانب المقارنة والمقابلة
23
69
7
0
14
اهتمت الأبحاث في شعبة الاقتصاد الإسلامي بجانب الدراسة الشرعية للموضوعات الاقتصادية
61.5
38.5
0
0
15
أسهمت شعبة الاقتصاد الإسلامي في تحقيق رغبة الأمة الإسلامية في الكشف عن أساليب جديدة للتمويل والاستثمار الإسلامي0
23
46
15
15
16
أسهمت شعبة الاقتصاد الإسلامي في منع التعامل بالربا
23
15
22
38.5
17
أسهمت شعبة الاقتصاد الإسلامي في منع التعامل ببعض المعاملات المالية المنهي عنها
30.5
15
23
30.5
18
أسهمت شعبة الاقتصاد الإسلامي في إنشاء فروع للمعاملات المالية الإسلامية
7
38.5
30.5
23
19
أسهمت شعبة الاقتصاد الإسلامي في إنشاء مؤسسات مالية إسلامية
0
30.5
46
23
20
أسهمت شعبة الاقتصاد الإسلامي في إنشاء مراكز للبحوث العلمية المتخصصة في الاقتصاد الإسلامي
7
15
38.5
38.5
21
أسهمت شعبة الاقتصاد الإسلامي في حل بعض المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الأمة الإسلامية من خلال الأبحاث التي أجيزت فيها
15
38.5
23
23
22
تشارك شعبة الاقتصاد الإسلامي مع المؤسسات العلمية المتخصصة في الاقتصاد
7
46
30.5
15
3- أهم العقبات التي قد تقف حجر عثرة أمام تطوير شعبة الاقتصاد الإسلامي كما تتضح من الجدول رقم[7 ]
م
العقبات التي قد تحول دون تطوير شعبة الاقتصاد الإسلامي
%موافق جدا
%
موافق
%
غير موافق
%
لا أعلم
1(42/17)
ارتباط شعبة الاقتصاد الإسلامي بقسم الدراسات العليا الشرعية
38.5
30.5
15
15
2
عرض محاضر وتوصيات شعبة الاقتصاد الإسلامي على مجلس قسم الدراسات العليا الشرعية (جميع أعضائه متخصصين في الفقه والأصول )
30.5
23
30.5
15
3
عدم وجود أعضاء متخصصين في الاقتصاد بمجلس قسم الدراسات العليا الشرعية
69
23
0
7
4
تضاؤل فرص العمل في القطاع العام يعوق التحاق الطلاب بشعبة الاقتصاد الإسلامي
69
30.5
0
0
5
تضاؤل فرص العمل في القطاع الخاص يعوق التحاق الطلاب بشعبة الاقتصاد الإسلامي
54
46
0
0
6
شرط التفرغ الكامل للدراسة يمنع التحاق الطلاب الراغبين بشعبة الاقتصاد الإسلامي
30.5
38.5
23
7
7
شرط الحصول على تقدير عام جيد جدا يمنع التحاق الطلاب الراغبين بشعبة الاقتصاد الإسلامي في الدراسات العليا 0
15
38.5
30.5
15
8
توزع أعمال شعبة الاقتصاد الإسلامي الإدارية والأكاديمية بين قسمي ( الدراسات العليا الشرعية و الاقتصاد الإسلامي )
30.5
30.5
30.5
7.5
9
يقوم بالتدريس في شعبة الاقتصاد الإسلامي أعضاء من قسم الاقتصاد الإسلامي
7.5
7.5
85
0
10
تبعية شعبة الاقتصاد الإسلامي في الشؤون الأكاديمية لقسم الاقتصاد الإسلامي
0
23
77
0
11
تبعية شعبة الاقتصاد الإسلامي لقسم الدراسات العليا الشرعية
38.5
38.5
15.5
7.5
12
وجود شعبة الاقتصاد الإسلامي في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
38.5
38.5
15.5
7.5
13
قصر الدراسة في شعبة الاقتصاد الإسلامي على الطلاب فقط
30.5
23
30.5
15
ج- تحليل إجابة عينة البحث :-
نلاحظ من الإجابات السابقة وكما يتضح أيضا من الشكلين البيانيين رقم [4، 5]ما يلي:-
أولا :- أن شعبة الاقتصاد الإسلامي نجحت بتميز نتيجة لتحقيقها ما يلي :-
1- إيجاد متخصصين لتدريس الاقتصاد الإسلامي وباحثين حصل على أعلى نسبة 100% 0
2- تجربة متميزة حصلت على نسبة 85%0
3- نشر مبادئ الاقتصاد الإسلامي 85%0
4- الكشف عن علم الاقتصاد الإسلامي 77% 0(42/18)
5- تجربة ناجحة 77%0
6- تغيرات إيجابية عميقة في المؤسسات الاقتصادية في العالم الإسلامي 61.5% 0
و تدل هذه الفقرات السابقة على النجاح الكبير للشعبة وبشكل متميز حيث تحقق الهدف الأساسي من إنشاء هذه الشعبة،حيث تنوعت مجالات عمل الباحثين والجهات التي يعملون بها وبهذا نستطيع القول بان رغبة الأمة الإسلامية قد تحققت في إيجاد باحثين متخصصين في الاقتصاد الإسلامي، ونشر مبادئه وصيغ المعاملات المالية والكشف عن أصول هذا الجانب الهام من جوانب الشريعة الإسلامية وهو علم الاقتصاد الإسلامي، مما أحدث تغيرا ملموسا في أساليب المعاملات المالية في المؤسسات والأسواق المالية في عالمنا الإسلامي0
ثانيا :-لقد ساهمت الشعبة في دراسة بعض المشكلات ومنها، الربا، الاحتكار،التضخم، الإسكان، الأجور، التغير في قيمة النقود،التمويل الأجنبي،البطالة،توظيف العمل، التبعية، الغذاء(33) وخلصت الأبحاث إلى حلول عملية وتطبيقية، وما زالت توجه الباحثين إلى مزيد من الدراسات لتلك المشكلات المعاصرة، ومن المعلوم أن تطبيق النظم الاقتصادية غير الإسلامية المختلفة في البلدان الإسلامية يعتبر مصدراً أساسياً لجميع تلك المشكلات،التي ما زالت الأمة الإسلامية تعاني منها 0ونتيجة الاستبانة في هذه المسألة (حل بعض المشكلات التي تعاني منها الأمة )حصلت على نسبة 54% 0 أما منع التعامل ببعض المعاملات المالية المنهي عنها في العمل المصرفي فقد حصل على نسبة 46%، ولم تستطع الشعبة منع التعامل بالربا إلا بنسبة 38 % وهو مشكلة المشاكل الاقتصادية للعالم بأسره رغم تحريمه في جميع الديانات السماوية 0
ثالثا:-أن مشاركة الشعبة مع المؤسسات العلمية حصل على نسبة 54% كما أن تأمين متطلبات سوق العمل المصرفي، وإنشاء فروع للمعاملات الإسلامية حصل على 46%، وإنشاء مؤسسات اقتصادية ومالية على 30% وإنشاء مراكز أبحاث للاقتصاد الإسلامي 23%(42/19)
وهذه الإسهامات نتيجة مشاركة أعضاء هيئة التدريس بالشعبة،والمتخرجين منها، الذين أسهموا في عدد من المؤسسات العلمية والبحثية والمالية والاستشارية، في القطاعين العام والخاص،على المستوى المحلي والدولي ،بأبحاثهم وآرائهم،واستشاراتهم،وجهدهم (34)
رابعا:-أما اهتمامات الأبحاث العلمية التي أنتجتها الشعبة من الناحية الأكاديمية فقد كانت نتائج التحليل كما يوضحها الشكل البياني رقم [6]على النحو التالي :-
1-الاهتمام بجانب الدراسة الشرعية من الجانب الاقتصادي حصل على نسبة 100% 0
2-الاهتمام بجانب المقارنة والمقابلة 92% 0
3-الاهتمام بجانب التحليل الاقتصادي 77% 0
4-الاهتمام بالجانب النظري 77% 0
5-الاهتمام بالجانب النظري والتطبيقي معا 69% 0
6-الاهتمام بالجانب التطبيقي 15% 0
والشكلان رقم [7، 8]يوضحان أهم العقبات التي تواجه شعبة الاقتصاد الإسلامي :-
1- تضاؤل فرص العمل في القطاعين العام والخاص 100% 0
2- عدم وجود متخصصين في الاقتصاد بمجلس قسم الدراسات العليا الشرعية 92% 0
3- تبعية شعبة الاقتصاد الإسلامي لقسم الدراسات الشرعية العليا 77% 0
4- ارتباط شعبة الاقتصاد الإسلامي بقسم الدراسات الشرعية العليا 69% 0
5- توزع أعمال شعبة الاقتصاد على قسمي الاقتصاد والدراسات العليا الشرعية 61.5% 0
6- شرط التفرغ الكامل للدراسة بشعبة الاقتصاد 69% 0
7- شرط القبول في شعبة الاقتصاد الإسلامي بتقدير جيد جدا 54%
3- إمكانية تطوير شعبة الاقتصاد الإسلامي بالعمل على اتخاذ الخطوات العملية التالية كما هي في الجدول رقم [8] :-
م
خطوات للتطوير
%موافق جدا
%
موافق
%غير موافق
%
لا أعلم
1
عرض محاضر و توصيات مجلس شعبة الاقتصاد الإسلامي على مجلس الكلية مباشرة 0
30.5
46
0
23
2
السماح للموظفين في المؤسسات الاقتصادية بالدراسة بنظام الانتساب
61.5
23
7.5
7.5
3
السماح لموظفي المؤسسات الاقتصادية بالدراسة الفترة المسائية
61.5
30.5
0
7.5
4(42/20)
السماح لموظفي المؤسسات الاقتصادية بالدراسة في شعبة الاقتصاد الإسلامي يؤدي إلى بحث المشكلات التطبيقية المعاصرة 0
77
15
0
7.5
5
فتح المجال للطالبات بدراسة الاقتصاد الإسلامي بإنشاء فرع لشعبة الاقتصاد الإسلامي في مقر الطالبات
30.5
23
46
0
6
فصل شعبة الاقتصاد الإسلامي عن قسم الدراسات العليا الشرعية في قسم مستقل ( قسم الدراسات العليا الاقتصادية)
46
38.5
7.5
7.5
7
إنشاء فرع في تخصص المؤسسات والأسواق المالية في شعبة الاقتصاد الإسلامي
77
23
0
0
8
إنشاء فرع في تخصص دراسة الجدوى الاقتصادية في شعبة الاقتصاد الإسلامي
46
23
23
7.5
9
إنشاء فرع في تخصص التنمية والتخطيط الاقتصادي في شعبة الاقتصاد الإسلامي
54
7.5
15
23
10
إنشاء فرع في تخصص التجارة والتسويق والمنظمات الدولية في شعبة الاقتصاد الإسلامي
54
23
15
7.5
11
توجيه الباحثين الجدد في شعبة الاقتصاد الإسلامي إلى البحث في فرع التاريخ الاقتصادي
23
15
30.5
30.5
12
توجيه الباحثين الجدد في شعبة الاقتصاد الإسلامي إلى البحث في المعاملات المالية المعاصرة
69
30.5
0
0
13
توجيه الباحثين الجدد في شعبة الاقتصاد الإسلامي إلى البحث في فرع الاقتصاد الدولي
38.5
46
0
15
14
استخدام أساليب الاقتصاد الرياضي الحديثة
46
54
0
0
15
توجيه الباحثين الجدد في شعبة الاقتصاد الإسلامي إلى البحث في بيان الحقوق الاقتصادية للإنسان
15
46
15
23
16
توجيه الباحثين الجدد في شعبة الاقتصاد الإسلامي إلى البحث في الحوار الاقتصادي العالمي
46
23
0
30.5
17
توجيه الباحثين الجدد في شعبة الاقتصاد الإسلامي إلى البحث في الحقوق الاقتصادية للأقليات الإسلامية
46
30.5
7.5
15
18
توجيه الباحثين الجدد في شعبة الاقتصاد الإسلامي إلى البحث فيما يحقق التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية المعاصرة
53
46
0
0
19(42/21)
توجيه الباحثين الجدد في شعبة الاقتصاد الإسلامي إلى البحث في فرع السياسات الاقتصادية المعاصرة
61.5
38.5
0
0
والشكل البياني رقم [9] يوضح أهم خطوات التطوير المستنتجة من إجابة وتحليل الإستبانة 0
وعلى ما سبق يمكن اتخاذ العمليات التالية لتطوير شعبة الاقتصاد الإسلامي كما يتضح من التسلسل التالي في جدول التطوير رقم [9] :-
م
خطوات للتطوير
النسبة %
1
توجيه الباحثين الجدد في شعبة الاقتصاد الإسلامي إلى البحث في فرع السياسات الاقتصادية المعاصرة
100
2
توجيه الباحثين الجدد في شعبة الاقتصاد الإسلامي إلى البحث فيما يحقق التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية المعاصرة
100
3
توجيه الباحثين باستخدام أساليب الاقتصاد الرياضي الحديثة
100
4
توجيه الباحثين الجدد في شعبة الاقتصاد الإسلامي إلى البحث في المعاملات المالية المعاصرة
100
5
إنشاء فرع في تخصص المؤسسات والأسواق المالية في شعبة الاقتصاد الإسلامي
100
6
السماح لموظفي المؤسسات الاقتصادية بالدراسة في شعبة الاقتصاد الإسلامي يؤدي إلى بحث المشكلات التطبيقية المعاصرة 0
92
7
السماح لموظفي المؤسسات الاقتصادية بالدراسة الفترة المسائية
92
8
السماح لموظفي في المؤسسات الاقتصادية بالدراسة بنظام الانتساب
85
9
فصل شعبة الاقتصاد الإسلامي عن قسم الدراسات العليا الشرعية في قسم مستقل ( قسم الدراسات العليا الاقتصادية)
85
10
توجيه الباحثين الجدد في شعبة الاقتصاد الإسلامي إلى البحث في فرع الاقتصاد الدولي
85
11
إنشاء فرع في تخصص التجارة والتسويق والمنظمات الدولية في شعبة الاقتصاد الإسلامي
77
12
عرض محاضر و توصيات مجلس شعبة الاقتصاد الإسلامي على مجلس الكلية مباشرة 0
77
13
توجيه الباحثين الجدد في شعبة الاقتصاد الإسلامي إلى البحث في الحقوق الاقتصادية للأقليات الإسلامية
77
14
إنشاء فرع في تخصص دراسة الجدوى الاقتصادية في شعبة الاقتصاد الإسلامي
69
15(42/22)
توجيه الباحثين الجدد في شعبة الاقتصاد الإسلامي إلى البحث في الحوار الاقتصادي العالمي
69
16
إنشاء فرع في تخصص التنمية والتخطيط الاقتصادي في شعبة الاقتصاد الإسلامي
61.5
17
توجيه الباحثين الجدد في شعبة الاقتصاد الإسلامي إلى البحث في بيان الحقوق الاقتصادية للإنسان
61.5
18
فتح المجال للطالبات بدراسة الاقتصاد الإسلامي بإنشاء فرع لشعبة الاقتصاد الإسلامي في مقر الطالبات
54
19
توجيه الباحثين الجدد في شعبة الاقتصاد الإسلامي إلى البحث في فرع التاريخ الاقتصادي
38
الخاتمة
وفي الختام إن هذه الشعبة بما أنتجته من أبحاث علمية، أبرزت بشكل واضح المنهج الاقتصادي الإسلامي الذي يعد جزءا لا يتجزأ من الشريعة الإسلامية، القائم على محاربة الربا بكافة أشكاله وصوره،ودعت إلى تطبيق هذا المنهج الرباني،وأكدت على أهميته وما أحوج الأمة الإسلامية اليوم إلى تطبيق المنهج الذي ارتضاه الله لعباده، وهي تمثل تخصصاً علميا نادراً له أهمية بالغة، حيث أعطت ميزة فريدة لكلية الشريعة، ولجامعة أم القرى بين جامعات العالم، فقامت بتخريج مجموعة من الباحثين المؤهلين اقتصاديا وشرعيا، فهم يمتلكون تخصصا نادرا على مستوى العالم،هو الاقتصاد الإسلامي 0
ومن أهم النتائج التي توصل إليها البحث ما يلي :-
1-أن تجربة جامعة أم القرى في إنشاء شعبة الاقتصاد الإسلامي بالدراسات العليا، كانت ناجحة بنسبة 77% ، ومتميزة بنسبة 85%، وقد أحدثت تغيرات إيجابية بنسبة 61.5% 0
2- أن هذه التجربة أسهمت في تحقيق رغبة الأمة الإسلامية في الكشف عن علم الاقتصاد الإسلامي، و نشر مبادئ وقواعد الاقتصاد الإسلامي، بنسبة 77% 0
3- أسهمت هذه التجربة في تحقيق رغبة الأمة الإسلامية في إيجاد المتخصصين في تدريس الاقتصاد الإسلامي بنسبة 100% ، وتأمين متطلبات سوق العمل المصرفي الإسلامي بنسبة 46% من الكوادر البشرية 0(42/23)
4- أن الأبحاث العلمية في هذه الشعبة،كانت شاملة لجميع التخصصات الاقتصادية، وكانت متميزة بالجمع بين العلم الشرعي والاقتصادي،إلا إنها انحازت في الغالب إلى تخصصين رئيسيين هما النقود والمصارف والأسواق المالية بنسبة 27%،والتنمية الاقتصادية بنسبة26%0
5- أن هناك قصور وسلبيات يجب العمل على إصلاحها ومنها على سبيل المثال :-
# انخفاض نسبة القبول في شعبة الاقتصاد الإسلامي 0
# قصر الدراسة على الطلاب فقط0
#عدم استقلال الشعبة في أعمالها الإدارية والأكاديمية 0
# عدم وجود قاعدة معلومات عن قسم الدراسات العليا والأعمال المناطة به،وكذا إرشيف الملفات والكلية بشكل عام 0
# ضعف المتخرجين في التعامل مع الأحداث المعاصرة بسبب عدم امتلاك لغة أجنبية،وعدم استخدام الأساليب الرياضية الحديثة بشكل موسع 0واختفاء أساليب المناقشة والحوار البناء بين الدارسين منذ سنوات طويلة 0
التوصيات :-
من أهم التوصيات التي يوصي بها الباحث ما يلي :
1- فصل شعبة الاقتصاد الإسلامي عن قسم الدراسات العليا الشرعية في قسم مستقل 0
2- إنشاء فروع متخصصة في الاقتصاد الإسلامي بقسم الدراسات الجامعية والعليا للطلاب والطالبات في مجال المؤسسات والأسواق المالية، والتجارة والتسويق والمنظمات الاقتصادية الدولية ودراسة الجدوى الاقتصادية والتنمية والتخطيط الاقتصادي 0
3- السماح لموظفي المؤسسات المالية والاقتصادية بالدراسة في شعبة الاقتصاد الإسلامي 0
4- توجيه الأبحاث الجديدة إلى تخصصات السياسات الاقتصادية،و التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية و المعاملات المالية المعاصرة، و الحقوق الاقتصادية، والحوار الاقتصادي،والعلاقات الاقتصادية الدولية،والسياسات الاقتصادية 0
5- السماح للطالبات بدراسة ما يهم المرأة في حياتها العملية من أمور اقتصادية ومعاملات مالية واقتصادية 0وفق برنامج علمي متخصص 0(42/24)
ومن خلال التعامل مع موظفي قسم الدراسات العليا الشرعية وموظفي إرشيف الكلية،وواقع القاعات الدراسية والحالة العملية للطلاب في الدراسات العليا فإن الباحث ينصح بمايلي :-
أ- تدريب عدد من الموظفين وإكسابهم خبرة في الأعمال التنظيمية للعمل في قسم الدراسات العليا بالحاسب الآلي،وخاصة فيما يتعلق بنظام الأرشيف للمعاملات اليومية وملفات الطلاب، والأبحاث لكي يمكن الرجوع إليها بسهولة وفي وقت يسير 0
ب- العمل على إيجاد قاعدة معلومات آلية بقسم الدراسات العليا و نظام خزن للمعاملات،ونتائج الطلاب،ونتائج لجان المناقشات العلمية، و قوائم للطلاب الملتحقين،والمتخرجين لدى القسم،وكذا أسماء الأبحاث وملخصاتها حيث يسهل على الباحثين وطلاب الدراسات الوصول إلى بغيتهم بالشكل المطلوب0
ج- تخصيص قاعات مجهزة بوسائل تعليمية تتلاءم مع برامج الدراسات العليا الحديثة القائمة على المناقشة والحوار وإجراء الفحص الشامل لطلاب قسم الدراسات العليا 0
د- تخصيص فصل دراسي أو فصلين لدراسة لغة أجنبية كشرط لاجتياز الدراسة المنهجية في الدراسات العليا نظرا لحاجة طلاب الدراسات العليا الشرعية إلى مراجع علمية بلغات متعددة وفي مقدمتها اللغة الإنجليزية ومجارات الأحداث العالمية والقضايا المعاصرة0
هـ- التركيز على استخدام أساليب الاقتصاد الرياضي الحديثة وبرامج الحاسب الآلي المختلفة في كافة برامج الدراسات الاقتصادية 0
والله ولي التوفيق 0
الباحث
الملاحق
أولا:-أعضاء هيئة التدريس بشعبة الاقتصاد الإسلامي
قسم الدراسات العليا الشرعية في الفترة من 1398-1424هـ(42/25)
قام بالتدريس في شعبة الاقتصاد الإسلامي عدد من العلماء الأفاضل من مختلف الجامعات العربية وخاصة من مصر وسوريا،والمملكة العربية السعودية،كما أن التبعية الإدارية لرئاسة مجلس الشعبة لرئيس قسم الدراسات العليا الشرعية ورؤساء قسم الاقتصاد الإسلامي بعد إنشائه،والجدولين رقم [10، 11] يوضحان رؤساء وأعضاء هيئة التدريس الذين عملوا أو قاموا بالإشراف والمناقشة بالشعبة منذ إنشائها، في الفترة من 1398-1424هـ، على النحو التالي :-
جدول رقم (10 )
رؤساء مجلس شعبة الاقتصاد الإسلامي بقسم الدراسات العليا الشرعية *
م
الاسم
المدة
1
حسين حامد حسان
1398 --1401
2
صالح عبد الله بن حميد
1402-1403
3
عبد الحميد الغزالي
1403-1404
4
صالح بن زابن المرزوقي
1404 -1411
5
محمد بن على العقلا
1411-1415
6
عبد الله بن مصلح الثمالي
1415-1416
7
أحمد حسن الحسني
1416-1420
8
محمد سعدو الجرف
1421 - 1423
9
عصام عباس نقلي
1424 -
* الجدول من عمل الباحث،والمصدر محاضر مجالس شعبة الاقتصاد الإسلامي 0
جدول رقم [11]
أعضاء هيئة التدريس بشعبة الاقتصاد الإسلامي الذين شاركوا في التدريس أو الإشراف أو المناقشة للبحوث العلمية بشعبة الاقتصاد الإسلامي في الفترة 1398-1424هـ:
م
الاسم
الجنسية
التخصص
2
أحمد أبو الفتوح الناقة
مصري
نقود ومصارف
1
أحمد حسن الحسني
سعودي
اقتصاد إسلامي
3
أحمد فريد مصطفى
مصري
اقتصاد
4
أحمد فهمي أبو سنة
مصري
شرعي
5
أمين عبد العزيز منتصر
مصري
اقتصاد زراعي
6
حاتم القرنشاوي
مصري
اقتصاد
7
حسين حامد حسان
مصري
شرعي
8
حسين خلف الجبورى
عراقي
شرعي
9
الحسيني سليمان جاد
مصري
شرعي
10
خلف سليمان النمري
سعودي
اقتصاد إسلامي
11
ربيع الروبي
مصري
اقتصاد
12
رفعت السيد العوضي
مصري
اقتصاد
13
رمضان حافظ عبد الرحمن
مصري
شرعي
14
سلطان أبو علي
مصري
اقتصاد
15
شوقي أحمد دنيا
مصري
اقتصاد إسلامي
16
شوقي اسماعيل شحاته
مصري
مالية عامة
17(42/26)
صالح بن زابن المرزوقي
سعودي
فقه
18
عبد الحميد الغزالي
مصري
اقتصاد
19
عبد الرحمن السيد الشافعي
مصري
شرعي
20
عبد الرحمن يسري أحمد
مصري
اقتصاد إسلامي
21
عبد العزيز عامر
مصري
شرعي
22
عبد الله البار
سعودي
فقه
23
عبد الله مصلح الثمالي
سعودي
مالية عامة
24
عبد المجيد محمود
مصري
شرعي
25
عبد المحسن آل الشيخ
سعودي
اقتصاد إسلامي
26
عبد الوهاب أبو سليمان
سعودي
شرعي/فقه وأصول
27
عطية صقر
مصري
اقتصاد
28
على حافظ منصور
مصري
نقود ومصارف
29
عمر زهير حافظ
سعودي
اقتصاد إسلامي
30
غريب الجمال
مصري
اقتصاد إسلامي
31
فرج زهران
مصري
شرعي/فقه
32
محمد اللبابيدي
سوري
اقتصاد
33
محمد أنس الزرقاء
سوري
اقتصاد إسلامي
34
محمد حسني سليم
مصري
شرعي/فقه
35
محمد سعدو الجرف
سعودي
اقتصاد إسلامي
36
محمد عبد الدائم
مصري
شرعي/فقه
37
محمد عبد القادر العروسي
سعودي
شرعي/فقه وأصول
38
محمد عبد المنعم عفر
مصري
اقتصاد إسلامي
39
محمد على العقلا
سعودي
اقتصاد إسلامي
40
محمد ناحي الغامدي
سعودي
اقتصاد إسلامي
41
محمد نجاة الله صديقي
باكستاني
اقتصاد إسلامي
42
محمود العكازي
مصري
شرعي/فقه
43
محمود بلال مهران
مصري
شرعي/فقه
44
نزيه كمال حماد
سوري
شرعي/فقه مقارن
جدول رقم (12)
أسماء الحاصلين على درجة الماجستير في الاقتصاد الإسلامي من شعبة الاقتصاد الإسلامي اعتبارا من عام 1398-1424هـ حسب تاريخ المناقشة
م
الباحث
عنوان البحث
تاريخ المناقشة
التخصص
تاريخ الالتحاق
1
موسى محمد الطيب
الاحتكار وموقف الشريعة الإسلامية منه
12/3/1403
اقتصاد جزئي
1398
2
على خضر بخيت
التمويل الداخلي للتنمية الاقتصادية في الإسلام
13/3/1403
تنمية اقتصادية
1398
3
أحمد حسن الحسني
الوديعة المصرفية في ضوء الشريعة الإسلامية
15/3/1403
مصارف
1398
4
محمد سعدو الجرف
التأمين التبادلي في الشريعة الإسلامية دراسة مقارنة
14/7/1403
مؤسسات مالية تأمين
1398
5
خلف سليمان النمري(42/27)
شركة الاستثمار الإسلامية
19/8/1403
مصارف
1398
6
عبد الله فراج الشريف
مقومات التنمية الاقتصادية في ظل أحكام الشريعة الإسلامية دراسة مقارنة
27/1/1404
تنمية اقتصادية
1398
7
فهد عبد الله الوقداني
دراسة تحليلية للبنك الإسلامي للتنمية /شرعية اقتصادية
20/3/1404
مصارف
1398
8
نصر الدين فضل المولى
دراسة تحليلية لبنك فيصل الإسلامي في السودان
2/1/1404
مصارف
1399
9
أحمد مجذوب أحمد
السياسة النقدية في الاقتصاد الإسلامي
23/1/1404
سياسة نقدية
1399
10
أحمد محي الدين أحمد
عمل شركات الاستثمار الإسلامية في السوق العالمية
17/3/1404
مصارف
1399
11
محمد الأمين مصطفى
التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية
1404
دولي/تعاون
1399
12
هاشم ابراهيم الطيب
التجارة بين الدول الإسلامية والأسس الإسلامية لتنميتها
21/5/1404
تجارة دولية
1399
13
عبد العزيز محمد الحمد
الاستهلاك في الإسلام
12/8/1404
اقتصاد كلي
1400
14
مستعين على عبد الحميد
السوق وتنظيماته في الاقتصاد الإسلامي
20/8/1404
اقتصاديات السوق
1400
15
عبد المجيد الجلال
الإنتاج في الإسلام
25/8/1404
اقنصاد جزئي
1400
16
موسى آدم عيسى
آثار التغير في قيمة النقود وكيفية معالجتها في الاقتصاد الإسلامي
4/4/1405
نقود
1400
17
عبد المحسن بن عبد الله آل الشيخ
دراسة لآثار الحج على المستوى الكلي في الاقتصاد الإسلامي
24/7/1405
تحليل اقتصادي كلي
1401
18
محمد على العقلا
التعاون الاقتصادي بين الدول العربية الخليجية من منظور إسلامي
23/7/1406
دولي/تعاون
1401
19
محمد رضوان المارديني
البنك الإسلامي ومجالات عمله
25/8/1406
مصارف
1401
20
كمال توفيق حطاب
نحو تكامل نقدي إسلامي
27/8/1406
دولي /تكامل
1401
21
محمد سعيد الغامدي
سياسة التصنيع في الاقتصاد الإسلامي
14/4/1407
تنمية اقتصادية
1402
22
يحي محمد التميمي
نحو مصرف مركزي إسلامي
1407
مصارف
1402
23
خالد عبد الله الروقي(42/28)
النظام المالي الإسلامي من خلا ل كتاب الأموال لأبي عبيد
1407
مالية عامة
1402
24
فداد العياشي
مفهوم الربح وضوابطه في الاقتصاد الإسلامي
24/6/1407
اقتصاد كلي
1403
25
عبد الله حاسن الجابري
المشروع العام في الاقتصاد الإسلامي
29/8/1407
اقتصاد كلي
1403
26
عادل سباعي متولي
الزكاة وأثرها في التنمية الاقتصادية
21/10/1407
مالية عامة
1403
27
محمد محمد أحمد بابكر
شركة التأمين الإسلامية المحدودة _دراسة تحليلية-
8/8/1408
مؤسسات مالية /تأمين
1403
28
عبد المحسن يوسف ناصر الخرافي
الاستثمار العقاري في الاقتصاد الإسلامي
11/9/1409
اقتصاديات الاسكان
1404
29
عمر فيحان المرزوقي
التبادل التجاري بين الدول الإسلامية
24/10/1409
تجارة دولية
1404
30
سعود محمد الربيعة
تحويل المصرف الربوي إلى مصرف إسلامي ومقتضياته
21/11/1409
مصارف
1404
31
أحمد عثمان عبد القادر
حد الكفاية في الاقتصاد الإسلامي
2/12/1409
سياسة اقتصادية
1405
32
حمد بن صالح الطاسان
الإسكان في الاقتصاد الإسلامي مع دراسة تطبيقية لتجربة المملكة العربية السعودية
9/4/1410
اقتصاديات الإسكان
1405
33
آدم إسحاق حامد عالم
دور المشروعات المشتركة في التكامل الاقتصادي بين دول العالم الإسلامي
29/8/1410
دولي/ تكامل
1405
34
سعد حمدان اللحياني
الموازنة العامة في الاقتصاد الإسلامي دراسة مقارنة
10/11/1410
مالية عامة
1406
35
محمد حسن الزهراني
التحليل الاقتصادي لظاهرة التضخم وعلاجها في الاقتصاد الإسلامي
27/11/1410
اقتصاد كلي
1406
36
محمد بشير البنجابي
التحليل الاقتصادي الرياضي لسلوك المستهلك في الاقتصاد الإسلامي دراسة مقارنة
27/11/1410
اقتصاد جزئي
1406
37
وليد خالد يوسف الشايجي
وسائل سد عجز الموازنة العامة في الاقتصاد الإسلامي
1410
مالية عامة
1406
38
بيان محمد جميل طحان
دراسة اقتصادية للإعلان في الاقتصاد الإسلامي
1411
اقتصاد كلي
1407
39
جريبة أحمد سالم الحارثي(42/29)
الآراء الاقتصادية عند الإمام الماوردي
1412
تاريخ اقتصادي
1407
40
محمد عبد الله النفيسة
الأجور وآثارها الاقتصادية في الاقتصاد الإسلامي
1412
اقتصاديات العمل
1407
41
أحمد محمد المنصوري
اقتصاديات النفط في دول مجلس التعاون
1412
اقتصاديات الموارد الطبيعية
1407
42
عبد اللطيف عبدالله العبداللطيف
التخطيط الاقتصادي لقطاع التعليم في المملكة العربية السعودية
1412
تنمية اقتصادية
1407
43
محمد على سعيد الغامدي
دراسة اقتصادية للإقطاع في الاقتصاد الإسلامي
1412
تنمية اقتصادية
1407
44
فهد عبد الله الشريف
المشاركة في الربح والخسارة في الفقه الإسلامي وآثارها الاقتصادية مع التطبيق على بعض المصارف الإسلامية
1412
مصارف
1407
45
عصام هاشم جفري
التطور الاقتصادي في العصر الأموي دراسة تحليلية وتقويمية
1413
فكر اقتصادي
1408
46
عصام عباس نقلي
تحليل الفكر الاقتصادي في العصر العباسي الأول ومدى الإستفادة منه في الاقتصاد المعاصر
1413
الفكر الاقتصادي
1408
47
أحمد صالح الغامدي
الآراء الاقتصادية عند الإمام المقريزي
1414
تاريخ اقتصادي
1408
48
أحمد منصور غازي الشريف
سياسة التجارة الخارجية في الاقتصاد الإسلامي
1416
دولي /تجارة دولية
1412
49
عبد العزيز علوان سعيد
أثر الوقف في التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع دراسة تطبيقية في اليمن
1418
تنمية اقتصادية
1412
50
محمد عبده آدم
أثر إحياء الموات في التنمية مع دراسة تطبيقية على الصومال
1418
تنمية اقتصادية
1412
51
أيمن محمد عبد المعطي محمد
شركات التأمين التبادلي العاملة في المملكة العربية السعودية (تحليل وتقويم من وجهة نظر الاقتصاد الإسلامي )
1420
مؤسسات مالية تأمين
1416
52
على مصلح مرشد راجح
اختلال القطاع الخارجي في اقتصاديات الدول الإسلامية أسبابه ووسائل علاجه في الاقتصاد الإسلامي
1421
دولي / تجارة دولية
1416
53
عبد سعيد عبد اسماعيل
التنمية الريفية في الاقتصاد الإسلامي(42/30)
1421
تنمية اقتصادية
1416
54
محمد رمضان جالو
منظمة التجارة العالمية وآثارها المتوقعة على التجارة في الدول الإسلامية (دراسة اقتصادية شرعية )
1422
دولي / تجارة دولية
1417
55
عبد الرحمن حامد الحامد
تجربة البنوك التجارية السعودية في بيع المرابحة للأمر بالشراء (دراسة تحليلية تقويمية)
1423
مصارف
1418
56
طلال منصور الذيابي
الدوافع والضمانات والآثار الاقتصادية للإستثمار الأجنبي المباشر من منظور الاقتصاد الإسلامي
1423
دولي / استثمار
1418
57
مصعب عبد الله اليوسف
القطاع الخاص وإسهامه في التنمية الاقتصادية في الاقتصاد الإسلامي
1420
تنمية اقتصادية
1418
** من الحاصلين على درجة الماجستير في الاقتصاد الإسلامي من شعبة الفقه
جدول رقم (13 )
أسماء الحاصلين على درجة الدكتوراه في الاقتصاد الإسلامي من شعبة الاقتصاد الإسلامي اعتبارا من عام 1398-1424هـ حسب تاريخ المناقشة
م
الباحث
البحث
التخصص
تاريخ المناقشة
1
موسى محمدعلقم الطيب
توظيف العمل في الاقتصاد الاسلامي
اقتصاديات العمل
12/11/1408
2
أحمد مجذوب علي
السياسة المالية في الاقتصاد الاسلامي
سياسة مالية
29/2/1409
3
عبد الله راشد الهاجري
استثمارات المصارف الاسلامية الخليجية دراسة تطبيقية لبيت التمويل الكويتي وبنك البحرين وبنك دبي الإسلامي
مصارف
12/4/1409
4
عبدالمحسن بن عبد الله آل الشيخ
المصارف والصناديق المتخصصة في المملكة العربية السعودية ودورها في إنشاء نظام مصرفي إسلامي
مصارف
20-7-1409
5
أحمد حسن الحسني
تطورالنقودفى ضوء الشريعة الاسلامية
نقود
26-7-1409
6
محمد سعدو الجرف
اقتصاديات المشروع الخاص في الاقتصاد الاسلامي
اقتصاديات المشروع
15/8/1409
7
نصر الدين فضل المولي
معايير وضمانات الاستثمارفي الاقتصاد الاسلامي
دراسات الجدوى
20/8/1409
8
أحمد محي الدين أحمد حسن
أسواق الاوراق المالية وآثارها الانمائية في الاقتصاد الاسلامي
أسواق مالية
9-11-1409
9(42/31)
غازي سالم الحربي
اقتصاديات الحرب في الاسلام
اقتصاديات الإنفاق
11/11/1409
10
محمد علي فراج العقلا
السوق الاسلامية المشتركة
اقتصاد دولي
14-11/1409
11
خلف سليمان النمري
التنمية الزراعية في ضوء الشريعة الاسلامية مع دراسة تطبيقية عن المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية
تنمية اقتصادية
9-9-1410
12
كمال توفيق حطاب
دراسة اقتصادية مشكلة الغذاء في الدول الاسلامية وعلاجها
تنمية اقتصادية
5/11/1410
13
موسى آدم عيسى
التوازن النقدي والحقيقي في الاقتصاد الاسلامي دراسة نظرية مقارنة بالاقتصاد الرأسمالي
النظرية النقدية
4/12/1410
14
مستعين علي عبدالحميد
السياسة التمولية للمصارف الاسلامية السودانية
أسواق مالية
16/8/1412
15
فداد العياشي
مفهوم القيمة ونظريتها في الاقتصاد الاسلامي
نظام اقتصادي
21/11/1413
16
محمد سعيد ناحي الغامدي
التخطيط للتنمية الاقتصادية وموقف الاسلام منه
تنمية اقتصادية
25/11/1412
17
أحمد سعيدالخطابي
التمويل الاجنبي وموقف الاسلام منه
اقتصاد دولي
19/11/1414
18
عبد الله حاسن الجابري
مشروعات تكوين البنية الاساسية في الاقتصاد الاسلامي مع التطبيق على المملكة العربية السعودية
تنمية اقتصادية
13/1/1415
19
علي محمد الدقاق
اقتصاديات حماية البيئة في الاسلام دراسة نظرية تطبيقية
اقتصاديات البيئة
11/11/1415
20
عادل سباعي متولي
التطورالاقتصادي خلال العصرالعباسي الاول دراسة مقارنة مع الأوضاع الاقتصادية الأوروبية
تاريخ الفكر الاقتصادي
15/11/1415
21
مقبل صالح الذكير
القواعد الاقتصادية لتقدير حصيلة الزكاة من خلال نظام الحسابات القومية
مالية عامة
26/11/1415
22
عمر فيحان المرزوقي
التبعية الاقتصادية في الدول العربية وعلاجها في الاقتصاد الاسلامي
تنمية اقتصادية
29/11/1415
23
خالد سامي كتبي
سياسات الدخول في الاقتصاد الاسلامي
سياسات اقتصادية
2/12/1415
24
راشد أحمد عبد الكريم العليوي(42/32)
المعاملات الاقتصادية في شركة الراجحي المصرفية للاستثمار من منظور الاقتصاد الإسلامي (دراسة تحليلية تقويمية )
مصارف
25-1-1417
25
عبداللطيف عبدالله العبداللطيف
الآراء الاقتصادية لامام الحرمين الجويني
تاريخ الفكر الاقتصادي
26-1-1417
26
عبداللطيف عبدالله الوابل
تحليل سلوك المنتج في الاقتصاد الاسلامي
التحليل الاقتصادي
29-1-1417
27
وليد خالد الشايجي
الضوابط الشرعية للانفاق العام وأثرها على التنمية الاقتصادية مع التطبيق على دولة الكويت
مالية عامة
9-2-1417
28
سعود محمد الربيعة
التمويل الاستثماري في الاقتصاد الاسلامي
دراسة جدوى اقتصادية
23-7-1417
29
فهد عبدالله الحسيني
تنويع الهيكل الانتاجي في اقتصاديات بعض الدول الاسلامية
التنمية الاقتصادية
13/2/1418
30
محمد حسن الزهراني
مناهج البحث المعاصر في الاقتصاد الإسلامي
تحليل اقتصادي
28/2/1419
31
محمد إبراهيم بشير البنجابي
المياه وتأثيرها في تحقيق التنمية في الاقتصاد الإسلامي
موارد طبيعية
14/2/1420
32
بيان محمد الطحان
بنك ناصر الاجتماعي وهيئة ادخار الحج في ماليزيا
مصارف
23/8/1420
33
محمد عبد الله النفيسة
الشركات متعددة الجنسيات وآثارها الاقتصادية في دول العالم الإسلامي المعاصر وموقف الاقتصاد الإسلامي منها
دولي/استثمار
26/8/1420
34
فالح محمد الحقباني
الادخار العائلي وأثره على التنمية الاقتصادية
تنمية اقتصادية
30/8/1420
35
سعد حمدان اللحياني
الائتمان في الاقتصاد الإسلامي مع التركيز على الإئتمان التجاري
مصارف
10/11/1420
36
جريبه أحمد الحارثي
الفقه الاقتصادي لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب
فكر اقتصادي
14/10/1421
37
أحمد صالح جمعان الغامدي
الجمعيات التعاونية وأثرها على التنمية
تنمية اقتصادية
26/2/1421
38
عصام هاشم جفري
عمل المرأة في الاقتصاد الإسلامي
اقتصاديات العمل
10/1/1422
39
عصام عباس نقلي
معالم الفكر الاقتصادي في القرن الخامس الهجري(42/33)
فكر اقتصادي
28/2/1422
40
محمد على سعيد الغامدي
التعديات الاقتصادية وآثارها الاقتصادية والاجتماعية وكيفية مواجهتهافي الاقتصاد الإسلامي
تنمية اقتصادية
14/3/1422
41
مطهر سيف أحمد
التقلب في أسعار صرف العملات المقابلة للتحويل وسبل مواجهتها في الاقتصاد الإسلامي
نقود
28/11/1422
42
آدم إسحاق العالم
أرباح المصارف الإسلامية ووسائل تحقيقها وكيفية توزيعها
مصارف
29/4 /1424
جدول رقم ( 14 )
أسماء الحاصلين على درجة الدكتوراه من شعبة الفقه في الاقتصاد الإسلامي (1403-1408هـ)
م
الباحث
عنوان البحث
تاريخ المناقشة
التخصص
الجنسية
تاريخ الالتحاق
1
الطيب محمد حامد التكينة
الخدمات المصرفية في ظل الشريعة الإسلامية
11/3/403
مصارف
سوداني
1397
2
صالح بن زابن المرزوقي
شركة المساهمة في النظام السعودي دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي
19/8/403
شركات
سعودي
1397
3
عبدالله على عيد روس البار
ملكية الموارد الطبيعية فى الاسلام
18/8/404
موارد
سعودي
1398
4
عبدالله بن مصلح الثمالى
الحرية الاقتصادية وتدخل الدولة فى النشاط الاقتصادى
24/8/1405
سياسة اقتصادية
سعودي
1398
5
محمد الحسن الامين
الخدمات المصرفيةغير الاستثمارية وحكمها في الشريعة الإسلامية
12/11/408
مصارف
سوداني
1401
جدول رقم (15 )
أسماء الحاصلين على درجة الماجستير من شعبة الفقه في الاقتصاد الإسلامي
م
الباحث
عنوان البحث
تاريخ المناقشة
التخصص
الجنسية
تاريخ الالتحاق
1
محمد الحسن الأمين
دور العمل في توزيع مصادر الثروة
/10/1400
اقتصاديات العمل
سوداني
الهوامش والمراجع :-
(1) أنشئ المعهد السعودي عام 1345هـ بمكة المكرمة،وأنشئت مدرسة دار التوحيد عام 1364هـ بالطائف،انظر د/خلف الوذيناني،و عبدالله الحميدي:الكتاب الوثائقي بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية، ج1،ص35،الطبعة الأولى،جامعة أم القرى0
(2) تحول اسمها في هذا العام إلى وزارة التربية والتعليم،(42/34)
(3) ) كتاب كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في خمسين عاما 1369-1419هـ ص16 0
(4) م، س، ص 16 0
(5) تحول مركز البحث العلمي وإحياء التراث إلى معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي في عام 1406هـ، كما أصبح مركز اللغة العربية إلى معهد اللغة العربية لغير الناطقين بها في عام 1401هـ انظر المرجع السابق الوذيناني،والحميدي 0
(6) انظر المرجع السابق الوذيناني،والحميدي 0
(7) دليل كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،ص 15 0
(8) دليل كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،ص 15، الوذيناني،و الحميدي:الكتاب الوثائقي بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية، ج1،ص35،الطبعة الأولى،جامعة أم القرى0
(9) انظر المرجع السابق 0
(10) كتاب كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في خمسة وعشرون عاما،ص 12،14، كتاب كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في خمسين عاما ص16، ط1،1420ه، دليل جامعة أم القرى الأكاديمي لعام 1417هـ
ص46 0
(11) دليل جامعة أم القرى لعام 1416/ 1417هـ، ص33،
(12) دليل جامعة أم القرى لعام 1414/ 1415هـ، ص 25
(13) جامعة الملك عبد العزيز، المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، بحوث المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي، التوصيات رقم( 1،2، 7 ) ص 552-554، طبعة أولى عام 1400هـ 1980م
(14) بدأ تدريس الاقتصاد الإسلامي في مرحلة الدراسات الجامعية لدرجة البكالريوس في أربع جامعات هي :جامعة أم القرى عام 1400هـ، جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض،وأبها 1403 هـ، الجامعة الإسلامية بإسلام أباد، جامعة الأزهر بمصر 0
(15) أنشئ المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب في عام 1401هـ /1981م انظر التقرير السنوي1417هـ ص4
(16) أنشئ في عام 1397هـ /1977م انظر الغلاف الداخلي لمجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي العدد الثاني المجلد الأول 1404هـ /1984م 0جامعة الملك عبد العزيز بجدة 0(42/35)
(17) أنشئ الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية في عام 1399هـ /1979م معهداً للبنوك و الاقتصاد الإسلامي،بجزيرة قبرص، وقد تدرب في المعهد عدد كبير من المصرفيين والباحثين إلا أن الظروف المحيطة بالمعهد والاتحاد الدولي لم تكن مناسبة مما أدى إلى تعثر عمليات التدريب و الدراسة فيه لأسباب متعددة فتم إغلاقه بعد مرور عدة سنوات على إنشائه 0 كما أن الاتحاد الدولي تم نقله فيما بعد من القاهرة إلى جدة،ثم تغير اسمه إلى (المجلس العام للمصارف الإسلامية) ونقل إلى البحرين حاليا 0
(18) من أوائل المصارف والشركات الإسلامية للاستثمار، بنك ناصر الاجتماعي بالقاهرة 1971م، البنك الإسلامي للتنمية بجدة 1974م، بنك دبي الإسلامي الأمارات العربية 1975م، بيت التمويل الكويتي 1977م، الشركة الإسلامية للاستثمار المحدودة،جزر البهامس،والشارقة 1397هـ/1977م،بنك فيصل الإسلامي المصري
1977م، بنك فيصل الإسلامي السوداني 1977م البنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار1978م وغيرها مما لم يتسع المقام لذكره هنا ، انظر نصر الدين فضل المولى :المصارف الإسلامية ص47 ط1،1405هـ،خلف النمري،شركة الاستثمار الإسلامية ج2ص 292، رسالة علمية للحصول على درجة الماجستير،جامعة أم القرى 1403هـ، 0
(19) بينما الدراسة في الشعب الأخرى سنة واحدة منهجية حسب نص لائحة الدراسات العليا بجامعة الملك عبد العزيز التي صدرت في 17/1/1394هـ 0 انظر الوذيناني،والحميدي:الكتاب الوثائقي بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية، ج1، ص96، 97، الطبعة الأولى 1419هـ، دليل جامعة أم القرى الأكاديمي لعام 1417هـ ص160،ط1،1420هـ 0
جامعة أم القرى0
(20) د. خلف النمري، مذكرات دراسية لعام 1398/1399هـ، ملف المناهج بقسم الدراسات العليا،أرشيف كلية الشريعة والدراسات الإسلامية 0(42/36)
(21) دليل كلية الشريعة والدراسات الإسلامية لعام 1402/1403هـ ص 150 0من الأساتذة المتعاقدين في تلك الفترة د/غريب الجمال رحمه الله،د/عبد الحميد الغزالي،د/عبدالرحمن يسري،د/اسماعيل شحاته،ومن الزائرين د/سلطان أبو علي، د/حاتم القرنشاوي 0
(22) انظر م، س، ص 130،
(23) كتاب كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في خمسين عاما ص17، ط1،1420هـ، دليل جامعة أم القرى الأكاديمي لعام 1417هـ ص36-37 0
(24) انظر الوذيناني،والحميدي:الكتاب الوثائقي بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية،
ج1،ص99،الطبعة الأولى،1419هـ ، دليل جامعة أم القرى الأكاديمي لعام1417هـ ص65 0
(25) لائحة الدراسات العليا الموحدة للجامعات في المملكة العربية السعودية المواد رقم (33،34 )0
(26) محضر اجتماع مجلس شعبة الاقتصاد الإسلامي الثاني بتاريخ 17/11/1424هـ الموضوع الأول 0
(27) انظر دليل كلية الشريعة والدراسات الإسلامية لعام 1402هـ ص 144 0
(28) من الدفعة الأولى ثلاثة يعملون حاليا أعضاء هيئة تدريس بقسم الاقتصاد الإسلامي وهم :أحمد الحسني،خلف النمري،محمد الجرف،وإثنان بوزارة التربية والتعليم وهما :فهد الوقداني،و عبد الله فراج الشريف، والأخير متقاعد حاليا وكاتب صحفي متميز، أما الأخ عديس منير العصيمي فقد حول إلى فرع العقيدة،وانتقل إلى رحمة الله وقد درس السنة المنهجيةعام1399/1400هـ، والأخ عمير بن عبد الرحمن القرشي عاد إلى وزارة المعارف آن ذاك وهو يعمل موجهاً تربوياً بإدارة التربية والتعليم بالطائف حاليا، والأخوين موسى الطيب علقم،وعلى خضر بخيت عادا إلى السودان 0
(29) قسم الدراسات العليا الشرعية، ملفات الطلاب الدارسين في شعبة الاقتصاد الإسلامي 0
(30) المرجع السابق، والبحوث العلمية لدرجتي الماجستير،والدكتوراه في الاقتصاد الإسلامي مكتبة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية 0(42/37)
(31) منهم صالح بن زابن المرزوقي،أمين مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، عبد الله الثمالي،وكيل كلية الشريعة والدراسات الإسلامية حاليا، وعبد الله على البار وجميعهم أعضاء هيئة التدريس في قسم الاقتصاد الإسلامي 0
(32) محضر اجتماع مجلس شعبة الاقتصاد الإسلامي الثاني بتاريخ 17/11/1424هـ الموضوع الثاني 0
(33) انظر : جدول 3، 4، المتخرجين الحاصلين على درجتي الماجستير والدكتوراه في الملاحق 0
(34) يعمل بعض المتخرجين في التعليم الجامعي منهم 16ستة عشر عضواً هيئة تدريس بجامعة أم القرى /قسم الاقتصاد الإسلامي، وستة آخرين يعملون أعضاء هيئة تدريس بقسم الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، كما يعمل عدد من المتخرجين من هذه الشعبة في المنظمات الدولية مثل البنك الإسلامي للتنمية ، ورابطة العالم الإسلامي، كباحثين ومستشارين، وبعض منهم يعملون في القطاع المصرفي والمالي الخاص في المصارف والشركات المالية والاستثمارية 0
??
??
??
??
10 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
مدى نجاح تجربة جامعة أم القرى في الاقتصاد الإسلامي 9(42/38)
مظاهر الفساد في النشاط الاقتصادي بدول
مجموعة (سي. دي. أو) الإسلامية
[ c.e.d.e.a.o ]
commission ecoNomique des etats de l afrique de l ouest
الدكتور محمد سعيد العمور
أستاذ مادة الاقتصاد الإسلامي
بالجامعة الإسلامية بالنيجر
(طبعة تمهيدية)
ملخص للبحث
يتناول هذا البحث مظاهر الفساد في النشاط الاقتصادي، أسبابه، ومظاهره، ووسائل علاجه في مجموعة من الدول الافريقية تنضوي تحت مجموعة
(سي. دي. أو) [ c.e.d.e.a.o]commission economique des etats de l afrique de l ouest الواقعة في غرب القارة الافريقية وتتميز هذه الدول والتي يفوق تعداد سكانها 250 مليون نسمة بعدة خصائص منها :
1) …أن جُلها يصنف كدول ضمن حزام الفقر العالمي والذي ترى الدوائر الدولية أنه يدور بدوران المناطق المدارية (جغرافيا) حول العالم.ويطلقون عليه حزام الفقر الدولي.
2) …أن من بين هذه الدول دولتين وهما (الكاميرون، ونيجيريا) مصنفتان دولياً كأسوأ دولتين إدارياً، ودولتين تتناوبان على مكانة أفقر دولة في العالم حسب تصنيف برنامج التنمية العالمي، وهما النيجر وتشاد..
3) …أن هذه الدول ذات إمكانيات طبيعية هائلة، فماؤها وفير، أنهاراً وأمطاراً، وثرواتها الطبيعية هائلة بترولاً، وحديداً، ومنجنيزاً ويورانيوماً ... إلخ.
4) …أنها تعتبر من أكثر مناطق العالم نمواً سكانياً وأبطئها نموا اقتصاديا.
5) …أنها دول تتعرض باستمرار للكوارث الطبيعية كالتصحر في شمالها (مالي، تشاد، النيجر) والفيضانات في جنوبها (نيجيريا وغانا وبنين).(43/1)
في ثلاثة مباحث حاولت تقصي أسباب انتشار مظاهر الفساد في النشاط الاقتصادي في هذه الدول، وختمت البحث باستبيان أجريته على طلاب كلية الشريعة في الجامعة وهم طلاب من ستة عشرة دولة إفريقية من هذه الدول المعنية بالبحث.بلغ عدد المشاركين فيه 140 طالباً، وكانت نتائجه مؤكدة للتشخيص الذي خلصت إليه من خلال استعراض مظاهر وآثار الفساد في النشاط الاقتصادي في تلك الدول.
ملخص البحث / اللغة الانجليزي
CONCISE ABSTRAST OF THE THESIS
This project consists of the problems arising from the economical activities: such as: their types ,their obvious influences and the process of refraining from them.
Certainly ,I devide it into three (3) major categories:
Category 1: I talk about those which cause it and also about the types of economical deterioration.
Category 2: I specify it taking about their desavantage's role in the society.
Category 3: I sujjested some momentous annalysies that will help in refraing from this phenomenonism and regaining back the economics to it'palpable standard way with any of the phenomenon problems.
ملخص البحث باللغة الفرنسية
RESUME
Cette recherche regorge le probleme de la delincance dans les activites economiques: ces aspects, ces traces et la maniere d'en finir avec.
Pour cela je l'ai subdivise en trois parties:
Premiere partie: les causes et aspects de la delincance econo mique.
Deuxieme partie:les traces negatives de la delincance econo mique dans la societe.
Troisieme partie:les solutions qui peuvent aider a en finir d avec ce phenomene et faire revenir l'economie a son etat naturel depourvu de tout phenomene parmis les phenomenes de la delincance.
المقدمة :(43/2)
إن الكتابة تحت هذا العنوان، تستدعي أن نمهد لها بمقدمة، نحاول من خلالها إظهار الإمكانيات الهائلة، التي حباها الله سبحانه وتعالى لهذه الدول، فأقل ما يقال عنها من قبل علماء الثروة، أنها مستودع للثروات الطبيعية. ومن أشهر محاصيلها الزراعية، الدخن، الذرة، الفول السوداني، الموز، اليام، الكاكاو، وزيت النخيل، والأخشاب الصلبة، القطن، وغيرها من المنتجات الزراعية بالإضافة إلى ثروات حيوانية كبيرة، كالأبقار، والإبل، والأغنام، والطيور الداجنة، وغير الداجنة.
أما الثروة المعدنية فأهم عناصرها: البترول،اليورانيوم، القصدير، الحديد، النحاس، الذهب، الألماس وغيرها من المعادن.
أما ثرواتها الغابية، فتتمثل في الغابات الكثيفة، وخاصة في جنوب المنطقة حيث يمر خط الاستواء، والتي يكاد الماشي داخلها يمسك مصباحاً مضيئاً ليهتدي به من شدة ظلامها !. وتتميز هذه الغابات بأنها خضراء طول العام، وتشمل على عدة أنواع من الأشجار منها : أشجار أكاجو (lAcajou )، وأشجار بيته (le bete )، وأشجار سامبا
(le samba )، وأشجار تاك (le teck)، وأشجار أفوديري (lavodire ) ، وأشجار ماكوري (le makore )، وأشجار إيروك (liroko ) ومن هذه الأشجار ينتج أجود أنواع الأخشاب التي تستخدم في الصناعة .(43/3)
أما الأنهار (الماء العذب)، فإن في هذه الدول مجموعة من الأنهار، أهمها نهر النيجر المصنف رابع أنهار العالم من حيث الطول وكمية الماء المتدفقة، وكذلك نهر السنغال، والمصنف سادساً بين أنهار العالم، بالإضافة إلى كثير من الأنهار الأقل شأنا وفروعها. ففي ساحل العاج مثلا والتي تعتبر من الدول ذات الأنهار الكثيرة، حيث تعبرها أربعة أنهار رئيسية من شطرها الشمالي إلي شطرها الجنوبي، وهي : نهر كافالي (le cavally )، وطوله 700 كم وينتهي في مدينة (تابو tabou). ونهر بندامي (le bandama ) وطوله 1050 كم وينتهي في مدينة لاهو الكبري (Grand lahou ). و نهر كوني (le comoe ) وطوله 1160 كم وينتهي في مدينة (أبو سو aboisso ). و نهر سسندارا (le sassandar ) طوله 650 كم ويتفرع إلي فرعين فرع ينتهي في مدينة كورهوغو (korhogo) والآخر إلي مدينة بونديالي(boundiali ). وإلي جانب تلكم الأنهار، فإن هناك نهران ينبعان من الدولة نفسها وهما نهرا باؤلي (baoule )، و باغوي (bagoe )، ويتجهان إلي جمهورية مالي 1.
كما تتميز هذه المنطقة بساحل بحري طويل، يمتد من الحدود الموريتانية شمالا حتى سواحل الكونغو جنوبا، مشكلا الانبعاج الافريقي الشهير، ويتجاوز هذا الساحل الآلاف من الكيلو مترات طولا، ويعتبر من أكثر مناطق العالم صلاحية لممارسة الصيد البحري، حتى أن دولاً مرموقة في هذا المضمار كاليابان ، ودول السوق الأوربية المشتركة، تتنافس وتتسابق على إستئجار هذه السواحل لاستخراج الثروة السمكية منها. وأما التربة فلا تكاد تخلو المنطقة من أي نوع من أنواع التربة، فمن التربة الطينية السوداء الناتجة من طمي الأنهار إلى التربة الرملية الناعمة المشكلة للسوافي والكثبان الرملية والتربة البحرية، وغيرها من أنواع التربة المعروفة لذوي الاختصاص.(43/4)
ورغم هذه الثروات الهائلة، والتي يضاف إليها الثروة الأهم وهي توفر الأيدي العاملة الرخيصة، إلا أن هذه الدول تصنف على أنها من أكثر دول العالم فقراً، " إن السبع دول الأولى فقراً في العالم وهي" تشاد، غينيا، مالي، النيجر، غامبيا، فولتا العليا، غينيا بيساو " 2من دول غرب إفريقيا.
ولا يعتبر الفساد في النشاط الاقتصادي هو السبب الوحيد للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها هذه الدول. وإنما هناك أسباب أخرى يجدر بنا أن نذكرها. ونجملها في الآتي:
1- عوامل مناخية: حيث تتباين الظروف المناخية تباينا كبيراً من دولة لأخرى، وأحياناً في الدولة الواحدة. فشمال نيجيريا يصنف من ضمن المناطق المدارية قليلة الأمطار بينما جنوبها يعتبر من أكثر مناطق العالم أمطاراً، وهذا يعني أن شمالها يعاني من التصحر، وجنوبها يعاني من الفياضانات. كما أن دولا مثل دول الساحل والصحراء وهي (تشاد، النيجر، مالي، بوركينا) من أكثر الدول قسوة مناخياً، فتشتد الحرارة في النهار حتى تصل إلى منتصف الأربعينيات وربما زادت عن ذلك في بعض الأيام، بينما تنخفض في الليل إلى الصفر أو مادونه في بعض المناطق الصحراوية منها.وهي دول غير شاطئية، فلا موانيء بحرية لها، وإنما تعتمد على موانيء ما جاورها من دول.
2- تفشي ظاهرة النكبات الطبيعية : ونعني بها الفياضانات المستمرة التي تهلك الزراعة في بعض المناطق، وتهدم البيوت، وتخرب البنية التحتية كالطرق والمصارف المائية، وأعمدة الكهرباء والهاتف، وما يصاحبها من نقل للتربة.. إلخ.
3- ظاهرة الكسل لدى المواطنيين عموماً. حيث إن الثقافة الشعبية كثيرا ما تفضل النشاط التجاري على الزراعة، وهي أكثر أوجه النشاط الاقتصادي قابلية للنجاح. فقد تمر بمحاذاة نهر يجري فيه الماء طوال العام ولا تجد زراعة ذات بال على ضفتيه3.(43/5)
4- تعدد الأعراق واللغات. ويؤدي هذا إلى أن قبائل كاملة تضع أيديها على مناطق واسعة، ولا تسمح لغيرها من القبائل بمشاركتها في الاستفادة مما تنتجه هذه الأراضي وكثيرا ما تبقى هذه الأراضي بورا دون استثمار. ونوضح ذلك ببيان للوضع الديمغرافي لدولة كوت ديفوار مثلاً والتي كانت درة دول غرب إفريقيا من حيث الازدهار، وأصبحت هذا العام 2002 م منقسمة بين الحكومة المسيطرة على مساحة 30 % من جنوب البلاد وثلاث مجموعات منشقة ترجع في أصلها إلى قبائل غير جنوبية. وخاصة أن دولة كوت ديفوا تتشكل من ثلاث مجموعات رئيسية هي.
1- مجموعة القبائل الساحلية، ومنها قبيلة أدياكي (Adiake ) و أنسي
(Ainsi ) وبوركفوي (Broto mande ).
2- مجموعة القبائل الغابية وتشمل جماعات : ـ جماعة برتوماندي الجنوبية
(proto mande ) وجماعة أكان (proto akan ).
3- مجموعة قبائل سافان وتشمل جماعتين : ـ جماعة برتو سنفوو (proto senoufo ) ـ جماعة برتوكولنكو (proto koulanqo ).
* وأما الفرقة الثانية : فهي تمثل هذه المجموعات :
1- مجموعة قبائل ماندي الشمالية التى تتكون من قبيلة بمباري ومالنكي
(Malinke) وجولا (DIOLA ) ويستحسن أن نشير إلي أن جميع هذه القبائل الثلاثة في أصلها عبارة عن جماعة واحدة بيد أنها أخذت هذه المسميات بعد حروب قبلية ووقائع تاريخية.
2- مجموعة قبائل قلتائك (Les Migrations Voltaique) وهذه المجموعة تضم عدة قبائل منها : سنوفو، ودغونبا.
3- مجموعة قبائل كرو (krou ) وتشمل قبائل غيري وبتي وغودي وغيرها.
4- مجموعة أكان: وتضم قبائل أتيى وبولي و أبوري و أنيى وغيرها.
5- مجموعة قبائل البحيرات الساحلية : وتتكون من قبائل منها قبيلة إيبريي(43/6)
(EBRIE) و ألدجان (ALLDIAN ) وأخرى (AHZI ) وغيرها 4. وكل قبيلة من هذه القبائل لها لغتها الخاصة، ولها مناطق نفوذها، وحقولها ومراعيها رغم وجود قانون يمنع التقسيم الجغرافي على أساس العرق ويضمن المساواة لجميع أبناء الدولة الواحدة إلا أن الواقع يقول غير هذا.
5- النقص في رأس المال الانتاجي. والاعتماد على الطرق التقليدية في ممارسة النشاط الزراعي والصناعي، حيث يكون الاعتماد شبه كلي على القوى البشرية، وكذلك في طرائق تخزين الفائض من الانتاج الزراعي، فإنها طرق بدائية تقوم على تخزين المنتوجات الزراعية كالدخن والذرة في صوامع طينية تقليدية.
6- التخلف في تنمية الموارد الطبيعية. حيث يقتصر النشاط الاقتصادي على عملية الاستخراج والبيع دون التخطيط لاستكشاف غير المعروف من هذه الموارد أو تصنيع الموجود وتحويله إلى سلع، مما يوفر فرص العمل والمال.
7- النسبة العالية للأمية، وقلة الخبرة الفنية.
8- التخلف في مركز المرأة الاجتماعي وقلة مساهمتها في النشاط الاقتصادي 5.
وقد جعلت البحث في توطئة ومقدمة و أربعة مباحث. خصص المبحث الأول لذكر أسباب الفساد في النشاط الاقتصادي . وبينت في المبحث الثاني مظاهر الفساد في النشاط الاقتصادي. وجليت في المبحث الثالث أهم نتائج الفساد في النشاط الاقتصادي . أما المبحث الرابع فضمنته الحلول والمقترحات للتخلص من هذه المظاهر.وفي الخاتمة أوجزت ما تضمنه البحث.
وسائل البحث:(43/7)
استخدمت عدة وسائل لتحقيق الهدف المنشود وهو الوقوف على أسباب ومظاهر الفساد الاقتصادي في مجموعة [ c.e.d.e.a.o ]. وللوصول إلى الهدف استخدمت بعض المصادر والمراجع الأصلية التي تمت إلى الموضوع بصلة.وكذلك ترجمة بعض الأخبار والتحليلات الواردة في الصحافة اليومية أو الدوريات التي وقعت تحت يدي باللغة الفرنسية والانجليزية. وخبراتي المكتسبة خلال سبع سنوات من العمل والمشاركة الفعالة في كثير من مناشط الحياة العلمية في بعض هذه الدول، بالاضافة إلى استبيان أجريته على طلاب كلية الشريعة، من خلال أخذ عينة مكونة من عشرة طلاب من كل دولة من هذه الدول.
حدود البحث :
يختص البحث بدول منظمة مجموعة (سي. دي. أو) الإسلامية.[ c.e.d.e.a.o ]commission economique des etats de l afrique de l ouest مع التركيز أكثر على الدول التالية (نيجيريا، النيجر، ساحل العاج، بوركينا، تشاد، مالي).
توطئة :
التعريف بدول مجموعة (سي. دي. أو) الإسلامية.
1- (غينيا كوناكري) : من دول غرب افريقيا، مستعمرة فرنسية سابقاً، لغتها الرسمية الفرنسية، وهي إحدى الدول الإسلامية بغرب إفريقيا استقلت في 28 ـ 09 ـ 1958 م،نسبة المسلمين فيها تصل إلى 95 %.
2- (غينيا الإستوائية) : من دول غرب إفريقيا، استعمرتها أسبانيا،لغتها الرسمية الأسبانية نالت استقلالها 1960م تقع على الساحل الغربي لافريقيا، تحدها من الجنوب والشرق الجابون، ومن الشمال الكاميرون وخليج غينيا والمحيط الاطلنطي من الغرب. تتكون من شريط ساحلي ومجموعة من الجزر أكبرها جزيرة فرناندو. ومناخها استوائي وأهم قبائل سكانها البوبي (Bubi) وهم سكان جزيرة فرناردو و الفانج (البانتو) 6.(43/8)
3- (النيجر) : مستعمرة فرنسية سابقاً، وهي إحدى الدول الإسلامية بغرب إفريقيا، وتبلغ مساحتها مليون ومائتان وسبعة وستون كيلو متر. وعدد سكانها تسع ملايين وأربعمائة وخمس وستون ألف نسمة 7. أعلن بأنها جمهورية في 18/12/1958 م، واستقلت عن فرنسا عام 3 /8 / 1960 ميلادية، ولغتها الرسمية هي اللغة الفرنسية، ولغاتها المحلية كثيرة منها (الهوسا، والزرما، والفلاني، والطوارقية، والعربية، وغيرها...) 8.ونظام الحكم فيها نظام جمهوري يقوم أساسا على وجود برلمان منتخب بالاقتراع المباشر من قبل مواطني هذه الدول.
4- (نيجيريا) : مستعمرة انجليزية سابقاً، لغتها الرسمية الانجليزية، و أهم لغاتها المحلية الهوسا حيث يتكلم بها أكثر من ثلاثين مليونا من السكان، تليها لغة اليوربا، والايبو، والفلاتية، وهي أكبر دول هذه المجموعة مساحة وسكاناً، يمتد ساحلها نيف وألف كم وتقع أراضيها في حوض نهر النيجر وفرعه بنوى، يمثل المسلمون حوالي 45 % كما تزعم الدوائر الحكومية. استقلت عن بريطانيا عام 1960 9م. وأهم مدنها العاصمة أبوجا والميناء ليجوس وكانو وكادونا.
5- (ساحل العاج) : دولة كوت ديفوار هي إحدى دول غرب إفريقيا، مستعمرة فرنسية سابقة، لغتها الرسمية الفرنسية، يحدها من الشرق غانا، ومن الغرب ليبيريا وغينيا، ومن الشمال مالي و بوركينافاسو ومن الجنوب المحيط الأطلسي 10.مساحتها : (346. 333 كم) حصلت على استقلالها من دولة فرنسا بتاريخ (7 / أغسطس عام 1960 م) أول رئيس لها في عهد الاستقلال هو (هوفيت بوانيه) Felix Houphouet Boigny. تقع كوت ديفوار بين الخطي (430 و 1030 من خط العرض الشمالي 11.(43/9)
6- (الكاميرون) مستعمرة فرنسية سابقة، عاصمتها (ياوندي) تحدها تشاد في الشمال والشرق وفي الغرب نيجيريا ومن الشرق أفريقيا الوسطى ومن الجنوب الجابون وغينيا الاستوائية، ولغاتها الرسمية الفرنسية والانجليزية بالإضافة إلى العديد من اللغات المحلية التي منها اللغة العربية. وأرضها مغطاة بالغابات وبحشائش السافانا 12. ويتكون سكان الكاميرون من حوالي مائة قبيلة زنجية، وبعض القبائل البربرية والحامية والعربية. وأشهر قبائلهم الفولان والكاتوما والماندورا والماسة والكانوري، وغالبية السكان من المزارعين وأهم المنتجات الذرة والموز والكاسافا والأرز والقطن والبن والكاكاو، وأهم ثروات البلاد الحيوانات بأنواعها أبقار وأغنام وماعز. بالاضافة إلى القصدير والبوكسيت والذهب وبعض المعادن الأخرى 13.
7- (سيراليون) مستعمرة بريطانية سابقة، استقلت عام 1961 م ،لغتها الرسمية الانجليزية يحدها من الغرب المحيط الأطلسي، ومن الشرق والشمال غينيا ومن الجنوب الشرقي والشرق ليبيريا، عاصمتها و مينائها (فريتاون) وأهم مدنها (كويدو، وبو، وكينما) مناخها مداري رطب، أبرز قبائلها الماندي والتمني والماندنج والفولان والصوصو ويانونكا وفاي، وأهم مظاهر النشاط الاقتصادي بسيراليون الزراعة ومن أهم محاصيلها الأرز، والذرة، والكاكاو، والزنجبيل، والفول السوداني، والأخشاب النادرة، ويمتهن السكان كذلك صيد الأسماك، وأهم خاماتها المعدنية الماس والذهب واللؤلؤ والبوكسيت والحديد14.(43/10)
8- (ليبيريا) : مستعمرة بريطانية سابقة، استقلت عام 1846 م، لغتها الرسمية الانجليزية، وهي أقدم الدول في غرب إفريقيا، أنشأها الأوربيون كدولة تخص الرقيق المحرر، تحدها من الشمال غينيا، ومن الغرب سيراليون، ومن الشرق والشمال الشرقي كوتديفوار ومن الجنوب المحيط الأطلسي، عاصمتها منروفيا ومن أشهر مدنها (جرنغيل، وبل، وجبارنجا، أبرز قبائلها الماندنج ومندي والسوننكي والسود المحررين ومن الولايات المتحدة حيث يشكلون 5% من تعداد السكان وتتركز في أيديهم السلطة والثروة، وهي بلد زراعي، منتج للذرة والفول السوداني والأرز والكاكاو وحبوب الكولا والمطاط وجوز الهند، ومن معادنها الذهب والماس، والحديد15.
9- (بوركينا فاسو) مستعمرة فرنسية سابقة، عاصمتها (واقادوجو) دولة داخلية،
لا شواطئ لها، تحدها مالي من الشمال والغرب، وساحل العاج وغانا وتوجو من الجنوب وبنين من الجنوب الشرقي، وتقع جمهورية النيجر في شمالها الشرقي. مناخها مداري ممطر صيفا، جاف شتاء وتغطي حشائش السافانا والشجيرات مساحة كبيرة من أرضها 16.وأشهر قبائل بوركينا فاسو الموسي ويشكلون نصف السكان تقريباً ثم الماندنج ومنهم الديولا والسامو والتنجا ومن سكان بوركينا أيضا الهوسا والطوارق والفولاني 17. ويعمل البوركيني في الزراعة والرعي، وأهم محاصيلهم الزراعية الأرز والذرة والفول السوداني والقطن والسمسم والحبوب (الدخن) وثروتها الحيوانية تفيض عن حاجاتها المحلية وتصدر إلى الخارج منها. وتتميز بوركينا بتوفر الأيدي العاملة الرخيصة والمتفانية في العمل قياسا بدول الجوار.(43/11)
10- (غانا) مستعمرة انجليزية سابقاً، لغتها الرسمية الانجليزية، من أوائل الدول التي استقلت عن بريطانيا. تحدها من الشرق التوجو ومن الغرب ساحل العاج ومن الشمال بوركينا فاسو ومن الجنوب المحيط الأطلسي، عاصمتها (أكرا) وأشهر مدنها (كوماسي، وتيما) مناخها استوائي في جنوب البلاد، مداري في شمالها لأن الدولة تشكل مستطيل في الانبعاج الافريقي الذي يمر في طرفه الجنوبي خط الإستواء. أشهر قبائل غانا (الفانتي، والأشانتي والموسي والأيوى والأكان والكوماسي والمامبروسي والفولان والهوسا. وتعتبر غانا من أهم الدول الزراعية في غرب القارة الافريقية وأبرز محاصيلها الكاكاو وزيت النخيل والمطاط والبن والدخن والفول السوداني والنيام18.
11-(التوجو) مستعمرة تداول عليها الاحتلال الألماني، ثم الفرنسي والانجليزي،انتهى الأمر بضم الجزء الذي تحت الاستعمار البريطاني إلى غانا عام 1957م، وبقي الجزء المستعمر فرنسيا تحت وصاية فرنسا حتى استقلت عام 1960 م لغة الدولة الرسمية الفرنسية، وهي دولة صغيرة المساحة قليلة السكان، وجل سكانها من الوافدين من الدول المجاورة. يحدها من الشمال بوركينا فاسو، ومن الجنوب المحيط الاطلانطي ومن الشرق بنين ومن الغرب غانا. عاصمتها ( لومي). مناخها متنوع بين المداري الجاف في الشمال، والمداري الممطر في الوسط والاستوائي غزير المطر في الجنوب، أمطارها صيفا وفصل الشتاء جاف. وأهم قبائل سكانها اليوربا والايوي والوتاشي والمينا والهوسا والزرما. وتعتمد توجو على تجارة النقل بعد أن أصبحت لومي من أهم الموانئ في غرب افريقيا وبها زراعة جيدة كزراعة الدخن والنيام والفول السوداني 19.(43/12)
12- (بنين) مستعمرة فرنسية سابقاً، لغتها الرسمية الفرنسية، استقلت عام 1960م تحدها من الشرق نيجيريا ومن الغرب التوجو ومن الجنوب المحيط الاطلنطي ومن الشمال بوركينا فاسو و النيجر. عاصمتها (بورتونوفو) وأهم مدنها مينائها (كوتونو) وأشهر قبائل سكانها الفون، والأدجا، واليوربا و الهوسا والباؤول والدندي والفولان. مناخها يشبه مناخ التوجو وغانا فهو متنوع بين المداري الجاف في الشمال، والمداري الممطر في الوسط والاستوائي غزير المطر في الجنوب، أمطارها صيفا وفصل الشتاء فيها جاف . أهم غلاتها الزراعية الذرة وزيت النخيل والكاسافا وفيها غابات كثيفة وثروة خشبية تصدر إلى الخارج. وفي شمالها يمارس السكان مهنة الرعي وتربية الماشية، وفي جنوبها وخصوصا (كوتونو) يمتهن السكان مهنة الخدمات حيث إن ميناء (كوتونو) رئة الاستيراد والتصدير لعديد من الدول الداخلية التي لا شواطي لها كالنيجر ومالي وتشاد وبوركينا.
13- (السنغال) مستعمرة فرنسية سابقا،استقلت عام 1960م،إحدى أكبر الدول الافريقية في غرب افريقيا، عاصمتها داكار، تحدها من الشمال موريتانيا ومن الجنوب ليبيريا وغينيا ومن الشرق مالي و الغرب المحيط الاطلنطي وجامبيا. أهم قبائلها الولف والموسى والبولار والفلان، وبها نهر السنغال وهو أحد أهم الأنهار دائمة الجريان في غرب افريقيا، وتشتهر السنغال بثرواتها الطبيعية المتعددة منها الفول السوداني والدخن والقطن والذرة، بها بعض مناجم الحديد. مناخها مداري ممطر صيفا جاف شتاء، وبها ثروة حيوانية تصدر منها إلى الخارج، وتتميز شواطئها بغزارة محصولها من صيد الأسماك.(43/13)
14- (تشاد) مستعمرة فرنسية سابقة، استقلت عام 1960م، تحدها من الشمال ليبيا والجزائر، ومن الجنوب افريقيا الوسطى ولها حدود مشركة حول بحيرة تشاد مع كل من النيجر ونيجيريا وتحدها من الغرب مالي،ومن الشرق السودان، لغتها الرسمية الفرنسية، وأشهر محاصيلها الزراعية، الدخن والذرة وأشهر ثرواتها الطبيعية البترول. وهي دولة داخلية لا شواطئ لها، تعتمد في صادراتها على الكاميرون جنوبا وليبيا شمالا. مساحتها كبيرة، ومناخها مداري في الجنوب، صحراوي متطرف في الشمال. أمطارها في الصيف في جنوب البلاد، وتتعرض صحرائها الشمالية لبعض الأمطار في الشتاء أحيانا.
15- (مالي) مستعمرة فرنسية سابقة، استقلت عام 1960م ، تعتبر من أهم دول غرب افريقيا، ومن أكبرها مساحة، تحدها من الشمال الجزائر، ومن الغرب موريتانيا، ومن الشرق تشاد وافريقيا الوسطى، ومن الجنوب بوركينا فاسو والنيجر. لغتها الرسمية الفرنسية، وأهم محاصيلها الزراعية القطن، والدخن، والذرة، وأكبر ثرواتها تكمن الحديد والذهب، والصيد النهري، مناخها مداري، جاف شتاء ممطر صيفاً، تشكل الصحراء مساحة واسعة من أراضيها، وهي دولة داخلية لا شواطئ لها وهذا من أكبر عوائق التنمية الاقتصادية في تلك الدولة، أشهر قبائلها السنغاي، والطوارق، الموسي، والولف والعرب.
16- (جامبيا) مستعمرة انجليزية سابقة، تحدها السنغال من الشمال والجنوب والشرق، ويحدها المحيط الاطلنطي من الغرب. لغتها الرسمية الانجليزية، وهي جيب صغير أنشأته بريطانيا في خاصرة السنغال، كما هو الحال بين لبنان وسوريا، فهي ـ أي جامبيا ـ امتداد طبيعي واجتماعي للسنغال، وأشهر قبائلها الولف والموسى والبولار والفلان، من أشهر محاصيلها الزراعية الفول السوداني، ومن أهم ثرواتها الصيد البحري.
( ( (
المبحث الأول
أسباب الفساد في النشاط الاقتصادي
1) انتشار مظاهر التخلف :
ويمكن أن نقسم هذه المظاهر إلى ثلاثة أقسام رئيسية :(43/14)
أ) التخلف في التعليم.
إن معظم هذه الدول تصنف ضمن قائمة أكثر دول العالم انتشاراً للأمية، حيث تزيد نسبة الأمية الحقيقية في بعض بلدانها عن 80 % من تعداد السكان. ففي ساحل العاج يبلغ نسبة متعلميها 42 , 4 % من مجموع السكان 20.
وعلى الرغم من أن هناك بعض الدول بذلت جهودا لابأس بها في سبيل معالجة ظاهرة الأمية (مثل نيجيريا) إلا أن نسبة الزيادة السكانية المرتفعة جداً لم تساعد الحكومة على تصحيح الوضع القائم. وتعود أسباب التخلف في مجال التعليم إلى عدة أسباب هي :
1- تأخر استقلال هذه الدول حيث إن جلها استقلت في أوائل الستينات، لكن الذين تولوا الحكم في تلك الفترة هم ممن كونهم المستعمر، وجلهم تلميذ نجيب لمستعمر فاشي. فعلى سبيل المثال (الجزائر) رغم أنها استقلت في نفس الفترة التي استقلت فيها مالي والنيجر والتشاد وبوركينا. وكل هذه الدول كانت مستعمرات فرنسية، إلا أن الفرق بين استقلال الجزائر، واستقلال هذه الدول أن الجزائر هي التي اختارت قادة ثورتها، وهي التي أرغمت فرنسا على الخروج، وهي التي وضعت النظام السياسي والاقتصادي التي تريد. بينما هذه الدول التي ذكرتها سابقا فإن فرنسا هي التي قررت الخروج منها بعد أن تحولت عالة على ميزانية الجمهورية الفرنسية المنهكة والخارجة من الحرب العالمية الثانية مثخنة الجراح، حتى أن بعض هذه الدول طلبت من فرنسا أن تأخر خروجها عاما آخر كي تتمكن من تكوين طاقم إداري يدير الدولة بعد خروج الادارة الفرنسية !.(43/15)
2- بطىْ البرامج الانمائية في مجال التعليم، حيث إن كثيراً من هذه الدول افتتحت التعليم في السلك الجامعي فيها في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي. وجلها مازالت ذات جامعة وطنية واحدة (النيجر، بوركينا، تشاد، مالي، جامبيا، غينيا، وغيرها عدا نيجيريا وغانا وساحل العاج). وهذا يعني أن دولة مثل النيجر تعداد سكانها يفوق الأحد عشر مليونا بها جامعة واحدة هي جامعة (البروفسير عبد المؤمن) تستوعب سنويا أقل من ألفي طالب. ومجموع طلابها هذا العام 2002 / 2003 م مايقارب سبعة آلاف طالب فقط.
3- الثقافة الشعبية والتي تفضل مشاركة الأولاد وخاصة البنات في الانتاج الزراعي والحيواني على انفاق عشرين سنة في التعليم، وبعد ذلك يواجه مشكلة التوظيف، فإن حلت مشكلة التوظيف لم يسلم من مشكلة المرتب الحكومي المتدني 21.
ب) التخلف في التنظيم الاداري.
وهذا نتيجة طبيعية للتخلف في التعليم وانتشار مظاهر الأمية، والذي يدعمه التنوع اللغوي والقبلي، الذي يؤدي إلى ولاء للقبيلة أكثر من الولاء للدولة. حتى عبرَّ أحد الزملاء عن التنوع في بلده فقال " نحن لا نتفق إلا في أمرين الاسلام واللغة الفرنسية " وهذا يؤدي إلى تعقيد الجوانب الادارية، حيث إن كل مسئول إداري يسارع لمساعدة من هو من بني جلدته (قبيلته ولغته) ولكي تتضح هذه الفكرة فإن دولة مثل نيجيريا فيها حوالي ثلاثين مليونا من قبيلة الهوسا، وخمسة وعشرون مليونا من قبيلة اليوربا، وعشرون مليونا من قبيلة الايبو، و عشرة ملايين من قبيل الفلاتة. ولكل قبيلة لغتها الخاصة بها.
ج) التخلف في التنظيم السياسي.
أولاً: النظام السياسي المتبع في معظم هذه الدول هو النظام الليبرالي،(43/16)
ولا توجد جمهورية فدرالية شبيهة بالنظام الجمهوري الأمريكي سوى جمهورية نيجيريا الفيدرالية، وأما بقية الدول فهي ذات نظام جمهوري على الطريقة الفرنسية. والذي يقوم على أساس الدولة ذات الرأسيين (رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء) وعلىالرغم من إجراء كثير من الانتخابات إلا أنه وبعد أربعين سنة من الاستقلال تفتقر الانتخابات إلى النزاهة حتى منتصف التسيعنات. وقد حدث تغيير كبير ومثير في نهاية التسيعينات ومطلع القرن الحادي والعشرين، حيث وقع تغيير ديمقراطي شهد له الجميع بالنزاهة في كل من السنغال، والنيجر ومالي، وبنين، بينما مازالت الأنظمة الشمولية تشمل دولا أخرى (كبوركينا فاسو و غينيا، والتوجو،) وسببت نتائج الانتخابات مشاكل كبيرة في دول مثل ساحل العاج. ويعتبر العامل السياسي من أهم العوامل التي تؤدي إلى ظاهرة الفساد الاقتصادي فعلى سبيل المثال لا الحصر أنشأ الرئيس الافواري ـ نسبة إلى كوت ديفوار ـ الراحل (هوفيت بوانيه). (كنيسة سيدة السلام) التي بناها من ميزانية الدولة، و افتتحها البابا بولس الثاني 1990 م. وكانت تكلفة بنائها حوالي ثلاثمائة مليون دولار ، واشترك في بنائها ما يربو على 2000 عامل وحرفي. وتكلفة صيانتها السنوية تتجاوز المليون ونصف المليون دولار 22. في بلد يعاني كثير من مواطنيه من البطالة والفقر والعوز، وخاصة في الشمال ذو الأغلبية المسلمة. وإن أمثلة الفساد المتسببة عن العامل السياسي أكثر من أن تحصى، وخاصة في بلدان افريقيا الغربية حيث تكاد تكون الدولة ومواطنيها في خدمة الرئيس وحاشيته على عكس ما ينبغي ويفترض ـ أي الرئيس وحاشيته في خدمة الشعب.
ثانياً : تقاعس الحكومات عن التدخل من أجل مراقبة سير العمل في مؤسسات وسلطات الدولة.(43/17)
إن عدم مراقبة تطبيق النظم واللوائح، يؤدي إلى الترهل الاداري، والبيروقراطية المعرقلة لكافة أوجه النشاط الاقتصادي، كما يساعد على تفشي كافة المظاهر المسيئة والمخالفة أصلا للقانون كالرشوة والمحسوبية.
ثالثاً : عدم تمكين ذوي الخبرة من تقلد مناصب صنع القرار، وإقصاء كل من يقف في وجه التيار الانتهازي والمستفيد من الوضع الاقتصادي القائم.
وخير مثال على ما سبق ما وقع في جمهورية غينيا " عام 1998 م حيث استدعى الرئيس الغيني (لانسانا كونتي) وزير الاقتصاد السابق في دولة ساحل العاج (السيد سيديا توري) وهو مواطن غيني في الأصل اكتسب الجنسية العاجية وارتقي في سلم الدولة حتى عين وزيرا للاقتصاد نظرا لجده ومثابرته وقدراته الاقتصادية، وطلب منه أن يوجد حلول جذرية للمشكل الاقتصادي في بلده الأصلي غينيا ، وبدأ الوزير في العمل فاكتشف أن هناك موظفين متوفين مازالت تصرف رواتبهم، بل ومنهم من جأته ترقيات بالتقادم، وهناك آخرون ثبت مغادرتهم الدولة منذ أمد غير قريب ومازالت مرتباتهم تصرف. واكتشف كثير من مظاهر الغش والتزوير التي أثقلت كاهل ميزانية الدولة لسنوات خلت دون مبرر قانوني أو أخلاقي 23. وقد تكالبت مراكز القوة في الدولة على الوزير المستقدم لانقاذ البلاد والعباد من الأوضاع الاقتصادية المزرية، فعزل من منصبه تحت ذريعة أن اجراءاته التي اتخذها ستثير القلاقل في البلاد ! 24.
رابعاً : وجود الطبقية في المجتمع.(43/18)
من الملاحظ في غرب افريقيا عموماً احتفاظ المجتمع بتقسيمات اجتماعية عائدة إلى الثقافة الشعبية حيث تعزز، وتجل بعض المهن، وتحقر، وتسخر من بعض المهن فمن المهن التي ينظر إليها بإزدراء مهن (الحدادين والدباغين والسقائين (باعة الماء) والرعاة). بينما ينظر باحترام إلى مهن التجارة والوظائف المهنية المكتسبة من التعليم الجامعي كالطب والهندسة والتعليم. وتأخذ مهن كالزراعة منزلة متوسطة.وقد يتطرف المجتمع فيصل الأمر إلى حد عدم التزاوج بين أرباب هذه المهن.
خامساً : فرض ضرائب باهظة على ممارسي التجارة (وانتشار التعصب القبلي):
من الملاحظات التي تسجل في كثير من دول غرب افريقيا أن مصلحة الضرائب لا يحكمها قانون يمكن أن يساهم في التنمية ففي بعض الدول كبوركينا فاسوا تعتبر مصلحة الضرائب الحكومية أكبر ممول لميزانية الدولة، بينما في دولة كالنيجر تعتبر هذه الجهة من أكبر الأماكن التي تقع فيها المحاباة ونهب أموال الدولة. وخاصة في الأشياء التي تترك للأشخاص العاملين في هذه الجهة تقويم نسبة الضريبة الجمركية كالسيارات والألبسة والآلات باختلاف أنواعها، فإن نسبة الضريبة تكون عكسية مع نسبة الرشوة !.وكذلك الحال مع أبناء القبيلة الواحدة فهناك عوامل مهمة لتقليل أو تكثير مايفرض من ضرائب منها الأصول الإجتماعية والرشوة.
سادساً : تخلف وسائل الانتاج الزراعي في كثير من الدول المعنية و عدم توفر الخبرات الكافية والمناسبة.(43/19)
مازال الفلاح الافريقي في هذه الدول يستعمل الأدوات الزراعية التي استعملها أجداه، ولا زالت الحيوانات (الأبقار والجواميس، والابل) هي أهم وسائل الزراعة في إفريقيا الغربية، وقلما تجد الميكنة الزراعية التي تعمل في الحقول، ولعل أكثر ما يستعمل من آلات هو آلات ضخ المياه في نيجيريا لرخص سعر الوقود في هذه الدولة. بينما في كثير من الدول يقوم المزارع باستخدام عائلته وأبناءه في غرس وجني والعناية بمحصوله الزراعي، وهناك ملاحظة جد مهمة وهي أن الزراعة عموما هي فترة واحدة في السنة، حوالي أربعة أشهر وتترك الأراضي الصالحة للزراعة فترة ثمانية أشهر بورا ومرعى لقطعان الماشية .
سابعاً : انتشار البطالة و الجريمة المنظمة (العصابات) ـ بيع المخدرات.
نظراً للزيادة السكانية الهائلة التي تتميز بها منطقة غرب افريقيا عموماً والتي تعتبر من أكبر مناطق العالم نموا في عدد السكان، فإن نتيجة ذلك زيادة مطردة في عدد الباحثين عن فرص للعمل، زيادة في المنضمين لصفوف العاطلين عن العمل، وهذا الأمر يؤدي إلى إنتشار الجريمة البسيطة أو المركبة (العصابات) وتعاطي المخدرات سواء بتناولها أو ببيعها، وخاصة في بعض الدول التي تحولت فيها البطالة إلى ظاهرة (كنيجيريا، وغانا، والسنغال) ويقابل ذلك فشل حكومي ورسمي في إحتواء مشكلة البطالة، أو ايجاد حلولا مؤقتة أو دائمة، تخفف من حدة هذه الأزمة.
ثامناً : ارتفاع قيمة الدين الخارجي للدولة و اتجاه كثير من الدول إلى الاقتراض الخارجي.
قد يكون هذا السبب عاما لمجمل دول العالم الثالث، وعلى وجه الخصوص في القارة الإفريقية حيث يولد الانسان الافريقي وهو مديون (بـ 4000 دولار) 25.
ويؤدي ذلك إلى صرف ميزانية الدولة عن مسارها الصحيح إلى خدمة فوائد هذه الديون، مما يؤدي إلى تباطؤ أو توقف عجلة التنمية الاقتصادية في الدولة.
( ( (
المبحث الثاني
مظاهر الفساد في النشاط الاقتصادي.
1- الرشوة.(43/20)
فما يحوزه رجال الجمارك من جيوب المواطنين هو أكثر بكثير مما يدخل في خزينة الدولة. وما يتقاضاه رجال الشرطة على نواصي الطرق من أيدي سائقي السيارات هو أكثر بكثير مما يدخل خزينة الدولة من رسوم وغرامات المخالفات المرورية. بل إن دولة مثل نيجيريا أكثر بيوتها لايوجد فيه عداد كهرباء حيث يقع تقدير استهلاك الكهرباء بالعين المجردة من قبل جابي رسوم استهلاك الكهرباء، وفي الكثير والغالب ما تكون قيمة الفاتورة متناسبة عكسياً مع قيمة الرشوة. فإن زادت الرشوة قلت قيمة الفاتورة، وإن قلت الرشوة زادت الفاتورة 26. ومثال آخر أن معظم هذه الدول يوجد فيها نظام الطرق مدفوعة الأجر ـ أي عند المرور من مدينة لأخرى لابد من دفع رسوم الطريق ـ وفي الكثير والغالب لا يقدم للشخص الصك الذي يفيد أنه دفع هذه الرسوم. وهذا يعني ببساطة أن ما تم تحصيله سيتقاسمه رجال (الجندرم) الحرس الوطني.
في مجال الاستيراد يحتكر عدد قليل من التجار استيراد أهم السلع التموينية كالأرز والسكر والزيت وغيرها من السلع الأساسية ويبدأون في توزيعها على صغار التجار، وهم وحدهم الذي يقرر قيمة مثل هذه السلع والتي يتحكم بها قانون العرض والطلب فيقع المستهلك ضحية جشع التجار وغياب رقابة الدولة.
وكذلك الحال في مجال الخدمات التي تقدمها الدولة، كإصدار التراخيص المختلفة والبطاقات، والجوازات، فإن الرشوة ضرورية، و إلا سيكون مصير المعاملة التسويف والعرقلة المؤدية إلىاليأس، والاضطرار إلى اللجوء إلى الرشوة من جديد لسرعة انجاز المطلوب. بل إن الأمر وصل إلى حد المساعدات التي تقدمها الدول الأجنبية، حتى أن كثيراً من هذه الدول تشترط لتقديم المساعدات إلى بعض الدول في هذه المجموعة بضرورة إشراف الدولة المقدمة للمساعدة على أوجه صرف وإنفاق هذه المساعدات.
2- اتساع التعامل بالربا.(43/21)
تكاد أن تكون معظم المعاملات المالية والمصرفية في دول غرب افريقيا قائمة على أساس الفوائد الربوية، فمعظم البنوك العاملة هي بنوك دولية أو إقليمية وقلما تجد بنك وطني فعلى سبيل المثال جمهورية النيجر فيها ثمانية بنوك عاملة وهي بنك (SONIBANK سوني) وهو بنك تونسي، وبنك التجارة الخارجية (وهو بنك ليبي) (BCN) والبنك الاسلامي للتجارة (وهو ماليزي) (BINCI) وبنك (BANK OF AFRICA أف أفريكا) وهوبنك أمريكي، وبنك (ب، إي، آ) (BIA) وهو بنك فرنسي، و(إي، كو، بنك) (ECOBANK) وهو بنك اقليمي. ولا يوجد أي بنك وطني. وتقصر المناشط المصرفية الوطنية على البنوك الشعبية وهي عبارة عن صناديق للتوفير، تقرض أصحاب المشاريع الصغيرة (ما دون 2000 $)، بنسبة ربوية تصل إلى 18 %.
3- الغش.
ويتخذ الغش عدة مظاهر أهمها :
أولاً ـ الغش في البضائع. بتغيير تواريخ الاستهلاك.
ويقع الغش في هذا المجال من خلال تبديل تواريخ الصلاحية، حتى أن أحد المتابعين لمثل هذه القضايا اعتبرافريقيا عموما أهم مكان للتخلص من السلع التي على وشك انتهاء صلاحيتها وخاصة الأطعمة المحفوظة. وأهم أماكن تصديرها هي بريطانيا واستراليا وفرنسا وأسبانيا. وأهم الدول التي ترسل إليها هذه الأطعمة هي النيجر وتشاد ومالي والسنغال ونيجيريا وبوركينا فاسو.
ثانياً : الغش في الصناعة وذلك بتقليد المصنوعات الأصلية، وتغيير أماكن المنشأ.
وتعتبرجمهورية نيجيريا الفيدرالية الزائدة في هذا المجال، حتى أن صناعاتها المقلدة والمحاكية لماركات عالمية مشهورة في الأدوات الكهربائية وقطع غيار السيارات، والعطور والأقراص المرنة تجاوزت حدود القارة الافريقية. وقلما تجد في أسواق غرب إفريقيا مصداقية لما تحمله الأغلفة من ماركات وعناوين منشأ.
4- الاحتكار.(43/22)
وهى ظاهرة مرتبطة بنشاط السوق ومدى الحرية الاقتصادية المتوفرة وغياب الرقابة الفعالة، وتكاد تنحصر مظاهر الاحتكار في دول غرب افريقيا على المواد الغذائية بشكل خاص كالأرز والدخن والذرة والفول السوداني واللوبياء وهي المحاصيل التي تستخدم كقوت للسكان في تلك المنطقة. ويعود السبب في ذلك لغياب الجهات الرسمية ممثلة في الدولة لشراء محاصيل المواطنين والمزارعين وقت حصادها لعدم توفرهم على أماكن وإمكانيات لتخزينها فتتدهور أسعار الغلات إلى أبخس الأثمان فمثلا (كيس الدخن وهوالقوت الرئيس للسكان يصل سعره إلى أربع دولارات وقت الحصاد، ويرتفع بعد ذلك ليصل إلى خمس وعشرين دولار وقت شحه في السوق) وأدى هذا إلى ظهور مجموعة من التجار الذين لديهم إمكانيات جيدة لشراء وتخزين هذه المحاصيل، ثم يتحكمون في ضخ كميات محددة إلىالسوق طوال العام ويحافظون بذلك على الأسعار التي يريدونها، وخاصة أن القانون السائد في تلك الدول لا يمنع ذلك. بل يعتبر ذلك جزءا من اللعبة الاقتصادية في ظل نظام السوق المفتوح.
والمظهر الثاني لأشكال الاحتكار هو إحتكار الاستيراد أو ما يسمى (ترخيص حصرية الاستيراد) ويلاحظ انتشار ذلك في عموم دول غرب افريقيا حيث تخصص تاجر واحد في استيراد احتاجات دولة كاملة من الأرز من تايلند أو الصين أو الباكستان، وتاجر آخر يحتكر استيراد الزيوت، وثالث يحتكر استيراد الذرة وهلم جرا. ومن الملاحظ هنا أن القانون لايمنع أي تاجر من المشاركة في استيراد مثل هذه الأشياء من مصدر المنشأ، ولكن كون الأمور ترسخت لدى الشعب وأجهزة الدولة على هذا الأساس فإن أي من التجار الصغار أو الجدد لا يستطيع مزاحمة هذا الصنف من التجار، لأنه في الكثير والغالب ما يكون وزير سابق أو من حاشية رأس الدولة.
5- اختلاس الأموال العامة من قبل الموظفين في الحكومة.(43/23)
إن نسبة لا بأس بها من الموظفين في دوائر الدولة، وفي غياب يكاد يكون كامل وشامل للرقابة الفعالة " يصبح همهم الأول ملئ جيوبهم بالمال العام، دون اعتبار للحالة الاقتصادية للدولة أو الوضع المالي العام للميزانية ".ومن صور هذا الاختلاس أن بعض المشاريع المفترض لها أن تنتهي في زمن معين لاتنتهي أبداً. وأن مشاريع أخرى قيمتها محدودة ومعروفة توضع لها ميزانية هائلة 27.
6- انتشار الميسر. (B) 9P.M.U LONA
نظرا لتأثير الثقافة الاستعمارية الشديد في مجال القانون والاقتصاد والسياسة وهي من أهم مجالات الحياة اليومية تنتشر كثير من مظاهر المناشط التي يزعم أنها جزء من حملات التنشيط الاقتصادي كألعاب الميسر بأنواعها وأشكالها منها المحلية ومنها عابرة الحدود ومنها الدولية فمن الألعاب المحلية أوراق اليناصيب، واللوتو الوطني، وصالات القمار، ومن الألعاب الدولية تلك الألعاب التي تعقد في فرنسا وتبث مباشرة عبر تلفيزيونات الدول الفرانكفونية، كسباق الخيول الفرنسي اليومي، واليناصيب الفرانكفوني.
7- استغلال الدول الكبرى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها هذه الدول من أجل الاستمرار في نهب ثرواتها. فالنيجر لا تستفيد من اليورانيوم المصدر من أراضيها إلا نسبة 34 % بينما نسبة 66 % تعود للشركات الفرنسية المحتكرة لاستخراج وتسويق خام اليورانيوم.
المبحث الثالث
نتائج الفساد في النشاط الاقتصادي .
1- هجرة العقول والشباب إلى خارج بلدانها.
إن من أهم النتائج التي أسفر عنها الفساد في النشاط الاقتصادي هذا النزيف المستمر والمتواصل لخيرة أدباء وعلماء هذه البلدان حتى غدت الهجرة إلى الشمال (أوربا وأمريكا) هو أعظم ما يتمناه المتعلم وغير المتعلم في هذه البلدان، وليس عجيبا أن نلاحظ طوابير من الأطباء والمهندسين يقفون أما القنصليات الفرنسية والأمريكية والبريطانية والكندية للحصول على فيزا للعمل أو الاقامة الدائمة.(43/24)
2- انعدام الثقة بالمصنوعات المحلية.
وهذه نتيجة طبيعية للثقافة السائدة في هذه البلدان حيث يقدم المصنوع فرنسيا مثلاً على أنه السلعة الأجود والأفضل والأكثر مناسبة للإنسان المتحضر، وخير مثال على ما أقول الملابس، فعلى الرغم من أن هذه المناطق تصنف من أكثر مناطق العالم حرارة طوال العام، وهذا يعني أن المناسب لها ولمناخها هو الملابس الفضفاضة إلا أن الملاحظ تهافت سكان هذه المناطق على إرتداء الملابس ـ البُدل ـ (الكوستيم) الفرنسي أو الانجليزي وجعل رباط العنق وكأن المعني في مناطق باردة تقتضي هذه الملابس الضيقة والثقيلة غالباً.
3- زيادة غنى الأغنياء، وزيادة فقر الفقراء.
ويرجع ذلك لمنظومة القوانين والأعراف التي تسود في هذه المناطق والتي تعمل بنظام السوق المفتوح، والذي لا يضبطه ضابط، ولايحده حد، لذلك فإن من وجد نفسه غنياً سيحافظ على هذه الصفة بكافة الوسائل.
4- وجود طبقة للمنبوذين.
والسبب في وجود هذه الطبقة متعدد الأوجه منها مظاهر الفقر المدقع المنتشرة في بعض هذه الدول، وعدم قدرة بعض الأسر على إعالة أفرادها مما يدفع الوالدين لإرسال أبنائهم للتسول، وانتشار اللقطاء، وغياب المؤسسات الوطنية التي تهتم بمثل هذه الحالات الانسانية، وتدهور القيم الأخلاقية والدينية.
5- انتشار السرقات المقترنة بأعمال العنف.
وهذه ظاهرة تخص بعض الدول وبالتحديد نيجيريا وغانا، ولعل السبب في ذلك الأعداد الهائلة للعمال الذين يعانون من البطالة، ومظاهر الفقر المتفشية، وغياب هيبة الدولة، وتفكك وضعف وسائلها الأمنية والتي تضمن سيادة القانون، وسلامة المواطنين، فعلى سبيل المثال هناك مناطق في نيجيريا لا يمكن بحال من الأحوال السفر فيها نهاراً إلا على هيئة قوافل من السيارات فما بالك بالسفر فيها ليلا.
6- تفكك الأسر و انهيار القيم والأخلاق في المجتمع.(43/25)
ويعود هذا الأمر إلى عدة عوامل مجتمعة من أهمها المشكل الاقتصادي، وانتشار تعاطي الخمور فمنطقة غرب إفريقيا عموماً من أكثر مناطق العالم تناولا للخمور، وخاصة الدول الفرانكفونية.
7- نتائج ذلك في الخارج :
على المستوى الخارجي أصبحت معظم هذه الدول لا تحظى باحترام الدول والمؤسسات الدولية، بل معظمها لدية مكتب للبنك الدولى يراقب الوضع الاقتصادي
* الكاميرون، مصنفة تحت أكبر دولة منتشر فيها الفساد الاداري.
* النيجر، وتشاد، ومالي، وغينيا بيساو، وجامبيا مصنفات كأفقر دول في العالم.
* نيجيريا، مصنفة كأكبر دولة تزور فيها بطاقات المنشأ. (للصناعات المقلدة).
المبحث الرابع
الحلول والمقترحات
* الاصلاح السياسي.(43/26)
إن الاصلاح السياسي القائم على أسس من التنمية الاجتماعية والثقافية والسلمية المراعية لخصوصية المنطقة وأعرافها وتقاليدها سيؤي حتماً إلى القضاء على كثير من مظاهر الفساد المستشرية في دول هذه المنطقة، وقد خطت المنطقة عموماً خطوات ذات شأن في هذا الاطار وخير مثال على ذلك التداول السلمي على السلطة بين حزب الرئيس المالي السابق (السيد ألفا عمر كوناكري ) وحزب المعارضة الذي شكل الحكومة الحالية في هذه الدولة ، ومثال آخر يؤكد هذا البعد المتنامي في غرب القارة ما وقع العام الفارط في جمهورية السنغال حيث فاز المعارض وهو الرئيس الحالي (السيد عبد الله واد) على الرئيس السنغالي في حينة والذي كان متقلدا للأمور منذ أكثر من عشرين عاماً وهو السيد (عبدو ضيوف الرئيس الحالي لمنظمة الفرانكفونية) ومثال ثالث لهذا التيار الاصلاحي في المجال السياسي هو تنازل العسكر ـ بقيادة الكولونيل (ممن ونكي) ـ عن الحكم لحكومة مدنية وطنية منتخبة بإشراف المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية في جمهورية النيجر وهي الحكومة الحالية برئاسة (السيد ممن طنجة). ومما لا شك فيه أن مثل هذا التطور الدراماتيكي في دول ذات عرقيات مختلفة وبهذه المواصفات التي أقل ما يقال عنها أنها مرضية لتداول أعلى السلطات فيها أدى إلى زيادة كبيرة في ثقة المستثمرين كما رفع الحذر المفروض على هذه الدول من قبل المنظمات الدولية التي تقوم ببرامج التنمية والإقراض طويلة الأجل كالبنك الدولي والمنظمات الانسانية والتنموية التابعة للأمم المتحدة 28.(43/27)
وإن المتتبع لما أنجز في بعض هذه الدول خلال الأعوام الثلاثة الماضية والتي شهدت هبوب قوي لرياح الديمقراطية وتنحي عدد من قادة هذه الدول سواء من خلال صناديق الانتخابات أو بالوفاة أو بأي أسباب أخرى، ليحدوه الأمل في أن تأخذ هذه الدول طريقها الصحيح والسليم نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهذا يحتاج إلى جملة من الاجراءات التي ستتدعم هذا التوجه وخاصة أن أهم ماتملكه هذه الدول من ثروات هو الانسان. ويمكن أن نجمل هذه الاجراءات فيما يلي:
* بناء مؤسسات اجتماعية تهتم بشؤون أصحاب الاحتياجات، وذو الحالات الاجتماعية الخاصة كدور الايتام والمنبوذين، والمعاقين. وتدريبهم على مهن تناسب وضعهم الصحي والاجتماعي.
* منع محلات بيع الخمور ونوادي القمار والميسر التي تؤدي إلي تفكيك الأسر، واستمرار معاناة العائلات، وتوجد المكان المناسب والأرضية الجيدة لتكاثر العصابات ومدمني المخدرات.
* المراقبة الدقيقة من قبل هيئات دولية لأوجه الصرف العام. وذلك من خلال تدريب عدد من أبناء البلاد للقيام بأعمال الادارة الجيدة وتشكيل لجان من الدول المقرضة تقوم بالتدقيق في الحسابات الحكومية، وملاحظة ومتابعة أوجه الانفاق العام، ومحاسبة المسؤولين عن إهدار ثروات الشعوب، حتى يتم تشكيل رقابة وطنية يمكن أن تقوم بهذا الواجب الوطني.
* تفعيل القضاء الوطني من خلال سن مجموعة من القوانين والنظم التي تضمن حرية القضاء ونزاهته كما تضمن للقاضي الأمن الشخصى والعائلي، وعدم التأثير على الأحكام الصادرة في المحاكم، ومحاربة مظاهر الرشوة والمحسوبية داخل القضاء وخارجه.(43/28)
* مراقبة مظاهر النشاط الاقتصادي (الأسواق والمصانع) وايجاد حلول سريعة وجذرية لمعوقات هذا النشاط.وتسهيل دخول المستثمرين، وإيجاد منظومة معلوماتية تسهل على المستثمرين الوطنيين والأجانب الوقت والمال في معرفة أوجه النشاط الاقتصادي الممكن أن يمارس في كل بلد، وهذا يتطلب تحسين وسائل الدعاية الاقتصادية والاستثمارية لكل دولة وإيصال هذه المعلومات بصورة صحيحة وموثقة لمراكز الاستثمار الدولية.
* محاربة أوجه الفساد المنتشرة في الدوائر الحكومية، وخاصة المؤسسات الحكومية التي تساهم في تفعيل أو تثبيط العمل الاقتصادي كمصلحة الضرائب والجمارك، إدارات الموانئ البحرية والبرية والجوية، وتفعيل هذه الادارات من خلال إدخال وسائل الادارة الحديثة وترقية وتدريب موظفيها على مسايرة الانجازات في مجال اختصاصها في الدول المتقدمة.
* اصلاح البنى التحتية (طرق، كهرباء، مياه) واصلاح وسائل الري وتنظيمها، وبناء السدود على الأنهار وشق القنوات الفرعية لايصال الماء إلى أكبر مساحة من الأراضي الزراعية، وإقامة الجسور والطرق المعبدة لتسهيل عملية التواصل بين أقاليم القطر الواحد وبين الدول المتجاورة.
* مراقبة الأسعار (Price Control)، وذلك من خلال إنشاء لجان وطنية متخصصة تراقب أسعار السلع الأساسية المتداولة في الأسواق، وعدم ترك الأمر لقوانين السوق، وجشع التجار. بالإضافة إلى تأسيس لجنة وطنية للمقاييس ومراقبة الجودة والصلاحية ومحاربة كافة مظاهر التزوير في بطاقات المنشأ والصناعات المقلدة.
* تحسين رواتب الموظفين من خلال ربط الأجور بسلم التضخم المالي وهبوط القيمة الشرائية للعملة الوطنية، ودفع هذه الأجور في موعدها المحدد، وليس كما هو واقع في بعض هذه الدول والتي ربما تأخرت رواتب موظفيها أحياناً خمسة إلى ثمانية شهور. مما سيبطل حجة هؤلاء في قبولهم للرشاوي أو تقاعسهم عن العمل أو إعتدائهم على المال العام بالاختلاس والسرقة.
استبيان(43/29)
أجب بنعم أو لا :
* تعتبر الرشوة والمحسوبية وعدم وجود الرجل المناسب في المكان المناسب من أسباب عرقلة التنمية الاقتصادية وانتشار مظاهر الفساد في بلدك (نعم ـ 83 % )، (لا ـ 14 %) لا إجابة (3 %).
* السرقة من المال العام ممارسة و مبررة ومستساغة في بلدك (نعم ـ 52 % )، (لا ـ 27 %) لا إجابة (21 %).
* ينظر للمستفيد من المال العام في بلدك (باحترام ـ 41 % )، (بإزدراء ـ 29 %) (بلا مبالاة 23 %) (لا رأي لي 7 %).
* تقوم الحكومة (وإداراتها المتخصصة) بواجباتها على خير وجه في النواحي الاقتصادية. (نعم ـ 11 % )، (لا ـ 71 %) لا إجابة (18 %).
* تعتبر الأزمة الاقتصادية وضعف المرتبات هي أكبر مشكلة تعاني منها في بلدك. (نعم ـ 94 % )، (لا ـ 1 %) لا إجابة (5 %).
* الحلول المناسبة في رأيك لمشاكل الفساد الاقتصادي في بلدك تتطلب تغييرا سياسيا (نعم ـ 87 % )، (لا ـ 6 %) لا إجابة (7 %).
* أسباب الفقر في بلدك ترجع لعوامل :
* سياسية : (نعم ـ 65 % )، (لا ـ 27 %) لا إجابة (8 %).
* اقتصادية : (نعم ـ 92 % )، (لا ـ 5 %) لا إجابة (3 %).
* إدارية : (نعم ـ 73 % )، (لا ـ 11 %) لا إجابة (16 %).
* خارجية : (نعم ـ 3 % )، (لا ـ 76 %) لا إجابة (21 %).
* أسباب الهجرة إلى الخارج في بلدك :
* البحث عن الحياة الكريمة (فرص العمل) (69 % ).
* الظلم السياسي والاجتماعي. (14 % )
* أسباب أخرى. (17 %)
الهوامش
1. كوني صوالو ـ وضعية اللغة العربية في كوت ديفوار. بحث تخرج عام 96 / 1997 م ص 13 نقلاً عن : KASSE Simon Qeographi cours 3 eme edition.
2. موسوعة المثقف المسلم. العالم الإسلامي اليوم. محمود شاكر. دار الصحوة بالقاهرة،
ص 64، ط1. 1405هـ. 1985 م
3. ـ تبلغ المسافة بين ( نيامي ) عاصمة جمهورية النيجر، مقر الجامعة الإسلامية بالنيجر خمسة وأربعين كيلو متر، يمر الطريق بينهما محاذياً لنهر النيجر تماماً، ورغم ذلك(43/30)
لا تكاد تجد حقولا زراعية ذات شأن، ولا تشاهد إلا قطعان الأبقار تجتاح المنطقة طلباً للماء.
4. memorial De LA Cote. Divoire. Henriette Diabate 2 edition Tome jmi Abidjan 1987.
5. مقدمة في التنمية الاقتصادية. والتر ايلكان، ترجمة د. محمد عزيز، ص 6. منشورات جامعة قاريونس.1983 م
6. The New Encyclopedia. p. 264.
8- النيجر اليوم. سلسلة كتب تصدر عن دار ( جون أفريك ) ص5.ط3. 1988 م
9- LE LAROUSSE DE POCHE 2000.bag 919.
10 ـ جغرافية العالم الإسلامي. ص 201
11 ـ Histoire Geographie C. M. M inistere de l Education Nationnale et de La Formation de ABaSE ( R. C 1 ) P.112.
12 ـ كوناتي ساليف. ( القاديانية ـ الأحمدية ـ وحركتها في ساحل العاج، بحث تخرج ) 1998 ـ 1999. ص 1.
13 ـ الأقليات المسلمة في إفريقيا. سيد عبد المجيد بكر، سلسلة دعوة الحق، السنة الرابعة. ج2، رمضان 1405هـ يونيو 1985م، ص 258 وما بعدها.
13 ـ المرجع السابق. ص 261.
14 ـ The New Encyclopedia. p.256 .
16- المصدر السابق. ص 258.
16 ـ المصدر السابق. ص258
17 ـ الأقليات المسلمة في إفريقيا. سيد عبد المجيد بكر، سلسلة دعوة الحق، السنة الرابعة.
ج2، رمضان 1405هـ يونيو 1985م، ص 306 وما بعدها.
18 ـ المصدر السابق بتصرف يسير. ص 321.
19 ـ The New Encyclopedia. p.261 .
21 ـ راجع. ص 215 بتصرف من كتاب. ( FLASHES SUR LE MONDE ) P. JONTNOTOE
22 ـ يتاقضى الأستاذ في المدارس الابتدائية والذي يحمل الليسانس ما يقارب مائة دولار شهرياً.
23 ـ مجلة رسالة الجهاد. العدد 97 لعام 1991 م ص " 8 " بتصرف.
24 ـ ينظر : أثر الرقابة الفعالة في تحسين ظروف العمل بغينيا. محمد سيكو كروما. بحث مرقون، المعهد العالي لتكوين الأساتذة. الجامعة الاسلامية بالنيجر. ص 15.
25 ـ المصدر السابق.
25 ـ الرئيس نلسون مانديلا في خطابة أمام الدورة العادية لجمعية الأمم المتحدة 1997 م(43/31)
27 ـ ملاحظتي الشخصية من خلال اقامتي عدة شهور في مدينة سوكوتو بشمال نيجيريا. حيث استأجرت في هذه المدة ثلاثة بيوت ولم يكن في أيهن عداد كهربائي. ولما سألت عن السبب أخبرت أن الناس قد أجمعوا على رفض تركيب هذه العدادات.
28 ـ ينظر : ظاهرة الاختلاس في المشاريع الوطنية بالكاميرون. سعيد بيا ،كلية الشريعة والدراسات الاسلامية . الجامعة الاسلامية بالنيجر. ص 3.
29 ـ البنك الدولي، التقرير السنوي. ص38. 1999 م. مطابع الأهرام التجارية. قليوب، مصر.
قائمة المراجع والمصادر
1) البنك الدولي، التقرير السنوي. 1999 م. مطابع الأهرام التجارية. قليوب، مصر.
2) أثر الرقابة الفعالة في تحسين ظروف العمل بغينيا. محمد سيكو كروما. بحث مرقون، المعهد العالي لتكوين الأساتذة. الجامعة الاسلامية بالنيجر. ص 15.
3) الأحمدية ـ وحركتها في ساحل العاج كوناتي ساليف. القاديانية ـ، بحث تخرج) 1998 ـ 1999 بحث مرقون.
4) الأقليات المسلمة في إفريقيا. سيد عبد المجيد بكر، سلسلة دعوة الحق، السنة الرابعة. ج2، رمضان 1405هـ يونيو 1985م، ص 258 وما بعدها.
5) ظاهرة الاختلاس في المشاريع الوطنية بالكاميرون. سعيد بيا ،كلية الشريعة والدراسات الاسلامية . الجامعة الاسلامية بالنيجر.بحث مرقون.
6) موسوعة المثقف المسلم. العالم الإسلامي اليوم. محمود شاكر. دار الصحوة بالقاهرة، ص 64، ط1. 1405هـ. 1985 م
7) مقدمة في التنمية الاقتصادية. والتر ايلكان، ترجمة د. محمد عزيز، ص 6. منشورات جامعة قاريونس.1983 م
8) مجلة رسالة الجهاد. العدد 97 لعام 1991.
9) النيجر اليوم. سلسلة كتب تصدر عن دار (جون أفريك) ص5.ط3. 1988 م
10) وضعية اللغة العربية في كوت ديفوار. كوني صوالو ـ بحث تخرج عام
96 / 1997 م ص 13.
المصادر باللغة الأجنبية :
1- The New Encyclopedia.
2- Histoire Geographie C. 2- M. M inistere de l Education Nationnale et de La Formation de ABaSE ( R. C 1) P.112(43/32)
3- memorial De LA Cote. Divoire. 3- Henriette Diabate 2 edition Tome (1) jmi Abidjan 1987.
??
??
16 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
مظاهر الفساد في النشاط الاقتصادي 17(43/33)
مكانة مؤسسة الحسبة في الاقتصاد الإسلامي
ودورها في القضاء على الفساد الاقتصادي
الأستاذ الدكتور صالح صالحي
عميد كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير
جامعة سطيف، الجزائر
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
تعد مؤسسة الحسبة من أهم مؤسسات الاقتصاد الإسلامي التي تتميز بخصوصيتها الحضارية. وتؤدي دورا أساسيا في مجال الرقابة الإحتسابية التوجيهية للنشاط المجتمعي بصورة تضمن الأسلمة المتوالية للحياة الاقتصادية ، والأخلقة المتنامية للسلوك الاقتصادي الاجتماعي، فينعكس ذلك في الحد من نمو آليات الفساد الاقتصادي الذي تعاني منه معظم الاقتصاديات الإسلامية، فتساهم في الترقية المضطردة لادائها، والرفع من قدراتها التنافسية في عالم يقوم فيه الصراع الاقتصادي على أسس عقائدية وأيديولوجية.
ولقد أضحت الضرورة ملحة لمأسسة النشاط الإحتسابي، وتوسيع مجالاته ليشمل المستجدات المتعلقة بالحياة المجتمعية الاقتصادية والاجتماعية ..ليتكامل دورها و تنظيمها مع باقي عناصر المنظومة المؤسسية للاقتصاد الإسلامي في إعادة بناء القدرات الاقتصادية للامة الإسلامية لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين.
Abstract
Hisbah' is one of the main islamic institutions.It is meant to play an important role in the control and orientation of social activities so as to lead to a gradual islamization of all aspects of economic life. The ultimate goal is to discourage the informal growth of corruptive mechanisms existing in most Islamic countries.(44/1)
It has become necessary to institutionalize "hisbah" activities and enlarge its scope to touch all aspects of social and economic life. "Hisbah" should be regarded as one of the main institutions which will have a vital role in preparing the "Ummah" to face the challenges for the forthcoming events of the 21st century.
مقدمة:
مؤسسة الحسبة من بين أهم مؤسسات الاقتصاد الإسلامي التي تنبثق عن تطبيق المذهبية الاقتصادية للمنهج التنموي الإسلامي وتجسيد منظومته المؤسسية في واقع الحياة الإنسانية، و تنبع أهميتها من كونها الوسيلة الفعالة لرفع مستويات الأداء التي تتطلبها عمليات التغيير الجذري و الإصلاح الشامل لتحقيق أهداف التنمية و تجسيد أولوياتها وربط حركية النشاط الاقتصادي والاجتماعي بالضوابط الشرعية و الأخلاقية والعقائدية الإسلامية بصورة تساعد على أسلمة الحياة الاقتصادية وأخلقتها والارتقاء بمستويات الأداء الاقتصادي لتجاوز أوضاع التخلف الحالية وأشكال الفساد المرتبطة بها.
و سوف نتناول هذا الموضوع ضمن المحاور التالية :
* مدخل للتعريف بالحسبة ومكانتها في الاقتصاد الإسلامي ودورها في محاربة الفساد الاقتصادي.
* المكانة الوظائفية للحسبة ودورها في تقليص آليات على الفساد الاقتصادي.
* المكانة الإدارية لمؤسسة الحسبة ودورها في الفضاء على الفساد الاقتصادي.
( ( (
المحور الأول
مدخل للتعريف بالحسبة ومكانتها في الاقتصاد الإسلامي ودورها في محاربة الفساد الاقتصادي
أولا : تعريف الحسبة
التعريفات الشائعة في الكتب الفقهية جلها تركز على المفهوم اللغوي و الشرعي للحسبة الامر الذي يستدعي ضرورة بلورة مفهوم شامل يبرز التفعيل النظري التحليلي للمفهوم الفقهي الشرعي في واقع الحياة المعاصرة، و لذلك سنتعرض للتعريف الشرعي الفقهي، ثم نحاول صياغة تعريف ملائم ينسجم مع التنظير الحالي في الفكر الاقتصادي الإسلامي.(44/2)
1- التعريف الشرعي الفقهي للحسبة
الحسبة عند القاضي أبي يعلي هي : " أمر بالمعروف اذا ظهر تركه ونهي عن المنكر اذا ظهر فعله " (1) وعرفها أبن خلدون بأنها:" وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين يعين لذلك من يراه أهلا له، فيتعين فرضه عليه، ويتخذ الاعوان على ذلك، ويبحث عن المنكرات، ويعزر ويؤدب على قدرها، ويحمل الناس على المصالح العامة ... " (2)
و عرف جمهور الفقهاء الحسبة بأنها :" الأمر بالمعروف الذي ظهر تركة و النهي عن المنكر إذا ظهر فعله (3)
و المعروف هو ما تعارف عليه العقلاء من أفعال نافعة و أعمال صالحة بالمعايير العلمية و النقلية، و المنكر هو عكس ذلك من الانشطة والممارسات الضارة بالحياة الفردية والجماعية.
إن التعريف السابق للحسبة واسع و غير محدد ذلك أن هناك مؤسسات أخرى تشترك في صفة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فضلا عن ضرورة تفصيل هذا العموم بمفهوم يترجم تلك المصطلحات إلى لغة العصر في الميدان الرقابي، كما هو مبين في تعريف د. محمد المبارك للحسبة بأنها " مؤسسة رقابة إدارية تقوم بها الدولة عن طريق موظفين خاصين على نشاط الأفراد في مجال الأخلاق و الدين و الاقتصاد أي في المجال الاجتماعي بوجه عام تحقيقا للعدل و الفضيلة وفقا للمبادئ المقررة في الشرع الإسلامي و الأعراف المألوفة في كل بيئة و زمان"(4)
ولقد وردت آيات كثيرة تؤكد على هذه الوظيفة الدينية في المجتمع قال تعالي:" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " سورة آل عمران الآية 110 وقال تعإلى:( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر( سورة التوبة الآية 72.
2- نحو تعريف أشمل للحسبة:(44/3)
يمكن تعريف الحسبة بأنها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين يتجسدان في العمل الرقابي التوجيهي الترشيدي للنشاط المجتمعي العام و الخاص في المجتمع الإسلامي لينسجم مع الأصول المذهبية و القيم الأخلاقية و المعايير الموضوعية من أجل رفع كفاءة الأداء الذي في إطاره يتحقق السلوك الرشيد الذي يعظم المصلحة المجتمعة الفردية و الجماعية، الحالية والمستقبلية، الدنيوية والآخروية. و هي مكملة للأعمال الأمنية و القضائية و حلقة من الحلقات الرسمية للتنظيم المجتمعي .
و مؤسسة الحسبة إذن هي ذلك الجهاز المؤسسي الرقابي الحديث الذي يشرف على إنسجام الأنشطة المجتمعية مع المبادئ المذهبية و الضوابط الشرعية و الموضوعية للمنهج الإسلامي و هي بهذه الصفة من المؤسسات الخاصة بهذا المنهج و المنبثقة عن تطبيقه في الواقع .
فهي أشمل من المؤسسات الرقابية الجزئية في الاقتصاديات الحديثة، لأنها تجسد النظرة المتكاملة لأهمية التأثيرات المتبادلة بين مختلف ميادين الحياة و نواحيها المادية و المعنوية، و إنعكاساتها على العملية التنموية .
و كما هو ملاحظ أن التحليل الاقتصادي أضحى عاجزا عن الإلمام بجوانب متعددة من الواقع الاقتصادي الذي توسعت فيه الأنشطة الخفية المرتبطة بتطور آليات الفساد الاقتصادي التي ساهمت في زيادة الريوع الاستغلالية غير المنتجة، و لهذا من الضروري التأكيد على أهمية الدراسة العلمية الموضوعية لاقتصاديات الفساد التي لا تتوقف عند التفسير الأخلاقي للسلوك الإنساني المنحرف.
و إذا كان الدكتور جورج قرم يرى بأنه من أجل استبيان " آليات الفساد الاقتصادية لا بد من إجراء تحليل موضوعي، بلا رجوع للمفاهيم الأخلاقية" 5.(44/4)
فنحن نرى بأن الكثير من القيم الأخلاقية الإيجابية المتجددة في الحياة المجتمعية لا يمكن تفعيلها في الواقع الاقتصادي بدون الاعتماد على جهاز مؤسسة رقابي يبحث عن الانحرفات (6) السلبية سواء كان مصدرها أخلاقيا أم كان خلاف ذلك، و يقوم بالتوجيه المتواصل، والتقويم الدائم الذي يحد من تطور آليات الفساد الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي و الثقافي، و ذلك لأن آليات الفساد الاقتصادي تتفاعل و تنمو بشكل مضطرد في ظل انتشار الفساد في نواحي الحياة السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الاعلامية الخ .. .
و نرى أهمية السبق التطبيقي في المذهبية الاقتصادية الإسلامية في إدراك ذلك الارتباط بين مختلف نواحي الحياة، و في عدم ترك سير الحياة الاقتصادية للقوانين الطبيعية و الآليات الخفية للسوق التي تنظمها المذهبية الرأسمالية، أو للقوانين و الآليات الإجبارية التي تفرضها النخب المهيمنة على الدولة في المذهبية الاشتراكية، فكان طبيعيا الاعتماد على مؤسسة الحسبة التي قامت بدور ريادي كبير في توجيه الأنشطة المجتمعية بصورة قللت بشكل دائم من نمو الفساد وتطور الانحرافات .
و المتفحص في الواقع الحالي للاقتصاديات الإسلامية يلاحظ إلى أي مدى إستشري الفساد بمختلف مظاهرة و أضحى آلية تعيق تطبيق السياسات الاقتصادية، وتعرقل جهود التغيير التصحيحية التي تتطلبها عملية التنمية الشاملة التي لا يمكن أن تنطلق بدون إعادة الاعتبار للدور التنموي لمؤسسة الحسبة الرقابية الحديثة باعتبارها إحدى أهم مؤسسات الاقتصاد الإسلامي .
ثانيا: نشأة الحسبة و تطورها و تعطيلها
1- نشأة الحسبة :(44/5)
لقد كانت نشأة الحسبة مرتبطة بانتشار المبادئ المذهبية و التعاليم الأخلاقية و التوجيهات العقائدية التي تجسد الخصائص الحضارية للمجتمع الإسلامي، و كان تنظيمها في بداية الأمر، محدودا و بسيطا بساطة النشاط المجتمعي السائد، و طبيعة الإنسان الذي كان شديد التمسك بالتشريعات التي تحكمه.
ونظرا لأهميتها فقد كانت قيادة المجتمع ممثلة في الرسول ( وخلفائه من بعده تقوم بالإشراف المباشر على النشاط الإحتسابي يقول أبو الحسن الماوردي:" والحسبة من قواعد الامور الدينية وقد كان أئمة الصدر الاول يباشرونها بانفسهم لعموم صلاحها وجزيل ثوابها" (7) و لهذا نرى بعض المؤرخين و الفقهاء و المهتمين بالبحث في موضوع الحسبة يرجعون نشأة خطتها إلى عهد الرسول ( و عهد خلفائه الراشدين "(8) و يصر بعض المستشرقين و من تأثير بهم من المؤرخين إلى التأكيد على الأصل اليوناني الروماني للحسبة، فالمستشرق ديمومبين " Demombynes " يرى بأنه: " ليس ثمة شك في أن الحسبة اقتبست من البيزنطيين ثم صبغها المسلمون بالصبغة الإسلامية "(9) . على أساس أن المسلمين : " لم يكن لهم ما يمكن أن يقدموه بديلا عنها يضاف إلى ذلك أنهم شغلوا بالحروب والفتح مدة طويلة،واستمرت هذه الوظيفة- اليونانية -التي أصبح المشرف عليها يسمى المحتسب أيام الأمويين والعباسيين في المشرق،كما عرفت في الأندلس حيث كان المحتسب يسمى صاحب السوق "(10).(44/6)
و الحقيقة أن هذا الزعم غير صحيح إذ لو كان المسلمون قد اقتبسوا وظيفة الحسبة من اليونان والرومان، " لأبقوها في الشام و مصر حين الفتح كما أبقوا سائر الوظائف الإدارية التي لا تتعارض و الإسلام" (11)، بل فلا يعقل و لن : " يخطر بالبال أنهم بموجب التأثير و التفاعل انتحلوا ترتيبها و أنظمتها"(12) اليونانية . و بالتالي فإن أصلها من صميم المجتمع و تجسيد لتميزه و خوصصيته. بل لعل الأمر المؤكد هو انتقال مؤسسة " الحسبة من الدولة الإسلامية التي إلى المملكة الصليبية ببيت المقدس، و أن الصليبيين استخدموها كما استخدمها المسلمون بذاتها وصفتها " (13)
2- تطور مؤسسة الحسبة و تعطيلها
بتطور المجتمع و اتساع أنشطته و تنوع معاملاته بدت الضرورة ملحة لإنشاء جهاز مستقل يتولى الوظيفة الرقابية الاحتسابية التي بموجبها ترتفع كفاءة الأداء الفردي و الجماعي عند القيام بالأعمال الأساسية و المهام الضرورية التي يتطلبها تطور المجتمع بصورة مضطردة، و أصبح ذلك الجهاز ولاية مستقلة أضحت من بين الولايات المهمة في الدولة الإسلامية يقول ابن خلدون " ثم لما انفردت وظيفة السلطان عن الخلافة وصار نظره عاما في أمور السياسة اندرجت في وظائف الملك و أفردت بالولاية " (14)
و منذ أواخر العهد الأموي بدأت الحسبة تأخذ شكل تنظيم وظيفي مستقل
وكان العصر العباسي في عهد الخليفة المهدي الذي استقرت فيه الدولة العباسية العهد الذي ظهرت فيه مؤسسة الحسبة بسلطاتها الواسعة، و امتدت إلى مدن المشرق و مدن المغرب العربي فالأندلس، و أصبح دورها بارزا و حيويا في ضبط و توجيه و ترشيد السلوك الإنساني التعاملي في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية، كما سنرى .
و لما تزايدت الانحرافات السياسية و انعكست على سائر الولايات و الوظائف(44/7)
ومن بينها مؤسسة الحسبة بدأت أهميتها تضعف في معظم المدن الشرقية اعتبارا من القرن السابع الهجري ( 13 م) ، إلى أن تلاشت في معظمها، و جاءت حركة الإستعمار الغربي الواسع النطاق فعطلت المشروع الحضاري المجتمعي و قضت على ما تبقى من التنظيمات الاحتسابية الرسمية .
و استمر تغيب هذه المؤسسة بعد حصول معظم البلدان الإسلامية على إستقلالها، في إطار استراتيجيات التحديث التغريبي لمجالات الحياة و ما رافقها من نقل مكثف للقوانين و الأنظمة و المؤسسات .
ثالثا: مكانة مؤسسة الحسبة في ظل تطور الفساد الاقتصادي في الاقتصاديات الإسلامية
يقوم الاقتصاد الإسلامي على مذهب يشتمل على مجموعة متكاملة من المبادئ العامة والاصول الكلية التي تضبط حركية الحياة الاقتصادية، وهي مستمدة من المقاصد الكبرى للاسلام وعلى ضوئها يتحدد دور الدولة ووظيفة الملكية والنظرة إلى المال، وطبيعة الحرية الاقتصادية وأشكال توزيع الثروة، ومكانة القطاعات الاقتصادية ( العام والخاص والتكافلي...) ... الخ
ويتجسد الاقتصاد الإسلامي عن طريق نظام اقتصادي يتم في إطاره إعمال المبادئ والأصول المذهبية والضوابط الشرعية في الواقع الاقتصادي المتجدد من خلال منظومة مؤسسية وإجرائية، تشتمل على العديد من المؤسسات من بينها مؤسسات تبرز خصوصية الاقتصاد الإسلامي وتميزه مثل مؤسسة الزكاة، ومؤسسة الاوقاف، ومؤسسات المشاركة المصرفية، ومؤسسات التأمين التعاونية، ومؤسسة الحسبة الرقابية، وتعد هذه الاخيرة من أهم المؤسسات التي تجسد الطابع المميز للاقتصاد الإسلامي من خلال أخلقة الحياة الاقتصادية وتوجيهها توجيها يساهم في رفع كفاءة أداء الاقتصادات الإسلامية التي تعاني اليوم من تطور أشكال الفساد الاقتصادي وتنامي آلياته بصورة أضحت تؤثر سلبا في حاضرها وتهدد مستقبلها.(44/8)
ومن هنا تبرز مكانة مؤسسة الحسبة في المساهمة في ترشيد حركية النشاط الاقتصادي والتقليص التدريجي من تنامي آليات الفساد من خلال الوظائف العديدة التي يمكن ان تضطلع بها وتنعكس ايجابيا في زيادة القدرات التنافسية للاقتصاديات الإسلامية نتيجة لارتفاع مستويات الانتاجية الشاملة في مناخ حيوي ترتبط فيه الحركية الاقتصادية بالمعايير الاخلاقية والقيم العقائدية، وتنضبط بالسس الموضوعية من خلال ترقية النشاط المؤسسي الاحتسابي.
لقد أكدت تجربة التطور في ظل المنهج الوضعي الغربي بأن فصل الاقتصاد عن القيم والأخلاقيات ( العلمنة الاقتصادية ) أدى إلى تنامي أشكال الفساد الاقتصادي وتطور الأزمات الاقتصادية ?، وهذا ما جعل البعض يؤكد على أهمية الأخلاق في القضاء على الفساد " إلا أن ثمة آخرين ينازعون في تصنيف السلوك ذاته ويعتبرون ان صحة المجتمع الأخلاقية بصفة عامة هي القضية الأساسية فيما يتعلق بتعريف الفساد" (15) وبالتالي فالفساد يتناسب طردا مع الانحرافات والمنكرات الناتجة عن الأمراض المجتمعية الأخلاقية وهناك من حصر تعريفه في مجال محدود يشكل مصدر الفساد مثل التعريف الوارد في تقرير البنك الدولي بأنه :" إساءة استعمال السلطة العامة لتحقيق مكسب خاص " (16)، ولقد تزايد الاهتمام بظاهرة الفساد على المستوي العالمي بسبب تنامي خسائره لانه : " يفسد الحوافز ويقوض المؤسسات ويعيد توزيع الثروة والسلطة لصالح غير المستحقين، وعندما يقوض الفساد حقوق الملكية وحكم القانون وحوافز الاستثمار فان يشل التنمية الاقتصادية والسياسية " (17).
وأعيد الاعتبار لدور الفضائل والأخلاقيات في الحد من الفساد، وأهميتها في تحقيق الازدهار الاقتصادي وترسيخ عوامل الثقة وأسس القوة في المجتمع (18) ولاشك في ان الفساد الاقتصادي ليس ظاهرة جديدة،ولكن الاهتمام به في ظل تطور أشكال العولمة تزايد لتذليل الصعوبات أمام دوائر الأعمال خاصة في الاقتصاديات النامية ??.(44/9)
والحقيقة أن الفساد لا يرتبط بالسلطة العامة فحسب بل نعتقد بأنه أشمل من ذلك وأعقد وأعمق، فالانحراف والمنكرات المتعلقة باستخدام الثروات المتاحة في هذا الكون وطرق استغلالها والانتفاع بها، وأشكال وآليات توزيع الثروات والدخول وتكاليف التحولات المجتمعية والممارسات التي تنمي الاضطرابات الاجتماعية والثقافية وتهز الاستقرار الاجتماعي أمور كلها تعود في معظم الأحيان إلى سلوك الإفساد المرتبط بفصل الاقتصاد عن القيم والأخلاق وفصل الدين عن الدولة وعلمنة الحياة الإنسانية... الخ وكل ذلك ناتج عن ممارسات الإنسان السلبية، وفي ذلك يقول المولى عز وجل:
(ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ( سورة الروم الآية 40. وبالتالي كانت مؤسسية الحسبة الأداة الأساسية لمحاربة السلوك الفاسد وما يرتبط به من منكرات.
وتم في الاقتصاد الإسلامي إنشاء مؤسسة مستقلة مهمتها القضاء على الانحرافات ومحاربة التصرفات السلبية التي تتناقص مع القيم والمبادئ والأخلاقيات والقوانين والتشريعات، والعمل على ترقية الممارسات والسلوكات الإيجابية في سائر الأنشطة المجتمعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخ ...
كل ذلك يعد إدراك لمخاطر الانحراف وآثار الفساد على حركية المجتمع وتطوره وبالتالي كان فضل السبق الأولي في التجربة الحضارية الإسلامية إلى مأسسة وسائل الاحتساب للقضاء على الفساد، إلا ان استراتيجيات التنمية المرتكزة على فلسفة التحديث التغربي قد عطلت معظم مؤسسات الاقتصاد الإسلامي دون ان تجد بديلا يؤدي كافة وظائفها.
المحور الثاني
المكانة الوظائفية للحسبة ودورها في تقليص آليات الفساد الاقتصادي(44/10)
تنبع أهمية مؤسسة الحسبة من حجم مهامها وطبيعة إختصاصاتها ومكانتها الوظيفية في الاقتصاديات الإسلامية للتقليل من تطور أشكال وآليات الفساد الاقتصادي، و نمو الانحرافات السلبية المرتبطة به بصورة تؤدي إلى ترقية الأداء الاقتصادي ورفع مستويات التنافسية من خلال مدخل مؤسسي موضوعي يرتكز على دور الجوانب الشرعية و الأخلاقية و العقائدية في تحسين مستويات الإنتاجية الفردية والجماعية بمختلف الأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية والثقافية في المجتمع الإسلامي .
وسوف نبرز المكانة الوظائفية الرقابية لمؤسسة الحسبة في الميادين التالية:
* مراقبة مدى الالتزام بمقاييس الجودة و الإتقان و مواصفات السلامة العامة.
* مراقبة كفاءة القيام بالمهن، و ضوابط أداء الحرف المجتمعية المتنوعة .
* مراقبة و تنظيم الأسواق و توجيه المعاملات المرتبطة بها .
* مراقبة عمليات جباية و تحصيل و إنفاق الموارد المالية العامة و المحلية .
* مراقبة عمليات إقامة القاعدة الهيكلية وتنمية البنية الأساسية المؤسسية والقانونية.
* توجيه السلوك الإنساني و ضبط الآداب العامة و رعاية الحقوق الأساسية بالمجتمع .
أولا : مراقبة مدي الالتزام بمقاييس الجودة و الإتقان و مواصفات السلامة العامة
1- مراقبة مدى الالتزام بمقاييس الجودة و الإتقان(44/11)
تلعب مؤسسة الحسبة دورا معتبرا في توجيه السلوك الإنتاجي التنافسي توجيها يجسد الالتزام بمقاييس الجودة و ضوابط الإتقان و ذلك عن طريق منع كافة الممارسات السلبية بالمؤسسات الإنتاجية و التي تؤدي إلى الإخلال بالمقاييس و الضوابط المعروفة ضمن كل سلعة أو خدمه فتقل بصورة معتبرة ظاهرة الغش و التزييف و التقتير التي أضحت السمة المميزة للبيئة المحيطة بالعملية الإنتاجية سواء في القطاع الصناعي أو الزراعي أ و غيره، يقول أحد الباحثين مؤكدا على هذا الاختصاص قائلا :" و نفس هذه الرقابة تطبق في الصناعة فيتوجه نظره إلى حصر المهنيين في أهل مهنتهم و إلى متابعة غشهم، وإلى فرض إتباع المناهج المعينة في كل صناعية، دفعا لما يخشى من إرتحال يؤدي إلى التزييف فالضياع سواء بالنسبة لمستوى الصناعة نفسها أو بالنسبة للمتجرين أو العاملين فيها، أو لمن يستهلكون منتجاتها " (19).
و الذي يتتبع الميراث التطبيقي والتجربة الميدانية لمؤسسة الحسبة الرقابية في المشرق و المغرب يلاحظ التنظيم الرقابي الدقيق على جميع الأنشطة الإنتاجية(44/12)
والضوابط الإلزامية التي كانت تخضع لها أثناء أداء وظيفة الإنتاج بالمؤسسات الاقتصادية و طبيعة الزواجر التي قد تصل إلى حد توقيف المؤسسة الإنتاجية أو الخدمية توقيفا دائما أو مؤقتا و معاقبة المتسببين في الانحرافات التي تخل بالسلوك الإنتاجي الرشيد و لذلك فقد كان جائزا لجهاز الحسبة كما يقول الشيرزي : " أن يجعل لأهل كل صنعة عريفا من صالح أهلها، خبيرا بصناعتهم، بصيرا بغشوشهم و تدليسا تهم، مشهورا بالثقة و الأمانة يكون مشرفا على أحوالهم و يطالعه بأخبارهم ... و غير ذلك من الأسباب التي يلزم المحتسب بمعرفتها فقد روى أن البني " صلعم" قال : " استعينوا على كل صنعة بصالح أهلها" (20) بل أن القاضي أبا علي جعل هذا الميدان من إختصاص مؤسسة الحسبة الذي تنفرد به عن غيرها من الولايات فيؤكد ذلك بقوله:"وأما من يراعي عمله في الجودة والرداءة فهو مما ينفرد بالنظر فيه ولاة الحسبة " (21)
إن تعطيل و تغييب مؤسسة الحسبة في واقعنا المعاصر جعل الانحرافات تتوسع و يتفنن بعض المنتجين في تغطية مخالفاتهم لمقاييس الجودة و ضوابط الإتقان في مواجهة الأجهزة الرقابية الموجودة التي لم تستطيع أن تملأ الفراغ الذي تركته مؤسسة الحسبة من حيث حجم صلاحياتها و شموليته و تكامل أنشطتها، و سرعة إجراءاتها التصحيحة و سلطة و مكانه جهازها ضمن الهيكل التنظيمي للدولة.(44/13)
إن رفع القدرات التنافسية للاقتصاديات الإسلامية يقتضي تفعيل دور مؤسسة الحسبة الرقابي الخارجي على المؤسسات الاقتصادية بالتوازي مع الأجهزة الوطنية للمواصفات القياسية.ذلك ان التطورات الكبرى التي تشهدها ميادين إنتاج وتبادل السلع والخدمات على المستوى الدولي و انعكاساتها على المنتجين المحليين للحفاظ على مكانتهم في السوق الوطنية ومحاولة اكتساب حصة في السوق الدولية تقتضي التزاما متواصلا بالمواصفات القياسية للجودة والإتقان حيث " يجب على الشركات التي تتوقع المنافسة في الأسواق العالمية أن تتوافق أعمالها ومنتجاتها مع المواصفات القياسية السائدة" (22) ?
كما أن الاتفاقيات التي عقدتها العديد من البلدان الإسلامية، سواء تلك المتعلقة بالمنظمة العالمية للتجارة أو الخاصة باتفاقيات الشراكة أو بتطوير العلاقة مع بعض التجمعات الإقليمية تتطلب الالتزام بالمواصفات والمقاييس الدولية لتعظيم مكاسب التعاون في إطار تلك الاتفاقيات.
ونعتقد بأن مؤسسية الحسبة ستلعب دورا معتبرا من خلال أجهزتها الرقابية المتخصصة للمساهمة في تقليص الانحرافات لضمان جودة السلع والخدمات المنتجة في الأسواق الوطنية التي تشهد تنامي الاختلالات في وظيفة الإنتاج بصورة تجلت في تدهور مستويات الجودة والإتقان والالتزام بالمواصفات القياسية.
2- مراقبة مدى التقيد بمواصفات السلامة العامة
يمتد النشاط الرقابي التوجيهي لمؤسسة الحسبة ليشمل التأكد من مدى تقيد المؤسسات الإنتاجية و الخدماتية بالمواصفات المتعلقة بالسلامة العامة الخاصة بالمستهلكين و بالعاملين، و بالمحافظة على البيئة.
2-1- مراقبة المواصفات العامة الخاصة بسلامة المستهلكين
تقوم مؤسسة الحسبة بدورها الرقابي للتأكد من توافر الشروط الضرورية لممارسة النشاط الإنتاجي بصورة تضمن التقيد بالمواصفات العامة الخاصة بسلامة المستهلكين و بصحة الناس جميعا، بدءا بمحاربة كافة أشكال الغش و الخلط(44/14)
والتدليس، إلى مراعاة القواعد الصحية، و ضوابط النظافة و السلامة، و الجوانب التطبيقية لمؤسسة الحسبة تؤكد على تجسيد دور :" المحتسب و نشاطه في المجالات الصحية، و في تصوير رقابته الشديدة، بمساعدة أعوانه، على أنواع الأطعمة التي كانت تباع بالمحلات أو في الطرقات للتأكد من نظافتها،وسلامتها و صلاحيتها حفظا على صحة الناس ، و في ترتيب السلع المختلفة في الأسواق كل في المكان الذي يليق به "(23).
هذا إضافة إلى إلزام المؤسسات الإنتاجية و الخدمية بتنفيذ التعليمات و مراعاة الشروط الخاصة بكل صناعة و نحوها لضمان السلامة العامة، و الواقع التطبيقي لهذه المؤسسة الرقابية يبرز تفصيلات كثيرة و دقيقة لضبط سلوك الوحدات الاقتصادية تمتد إلى كيفيات العمل و أشكال اللباس و شروط النظافة الخ...
2-2- مراقبة المواصفات العامة الخاصة بسلامة العاملين
يتوسع دور مؤسسة الحسبة لمراقبة شروط العمل و ظروفه للتأكد من سلامة العاملين و ضمان توافر أساليب الحماية المطلوبة، وإنتفاء أشكال الإستغلال المؤدية إلى هضم حقوقهم من جهة، و مدى التزام العمال بتطبيق قواعد الصحة و السلامة و قيامهم بواجبهم في أفضل الظروف من جهة أخرى .
2-3- مراقبة المواصفات العامة المتعلقة بسلامة البيئة و حماية المحيط
إن تطور المجتمع و تنامي نشاطه الإنتاجي بشكل كبير أضحى يشكل مصدرا من المصادر المؤثرة على سلامة و حماية المحيط، و بالتالي بات دور مؤسسة الحسبة مهما في مراقبة مدى الإلتزام بالمواصفات والشروط المتعلقة بسلامة البيئة
وحماية المحيط حفظا للحياة الإنسانية من كافة الانعكاسات الضارة الناتجة عن التلوث و التهاون في معالجة المخلفات و العوادم و النفايات، و التي لم تعد في بعض البلدان الإسلامية مقتصرة على حركية مؤسساتها الإنتاجية بل أصبحت بفعل غياب هذه المؤسسة الرقابية موطنا للنفايات السامة للدول المتقدمة.(44/15)
إن الوضعية الحالية لمجتمعاتنا تظهر حجم الفراغ الرقابي الحالي و طبيعة الدور الفعال الذي يمكن أن تلعبه مؤسسة الحسبة بالتوازي و التكامل مع أشكال الرقابة الجزئية التابعة لبعض الهيئات الرسمية أو الجمعيات الخيرية و النقابات المهينة و التي لم تعد لوحدها قادرة على تحقيق الانضباط المجتمعي الحضاري، و بالتالي تزايدت تكاليف الانحرافات التي يتحملها الاقتصاد الوطني، الأمر الذي يتطلب ضرورة إعادة بعث هذه المؤسسة الرقابية الهامة و التي نعتقد بأن تكاليف إقامتها ستكون أقل بالمقارنة مع تكاليف الانحرافات الحالية، و مع حجم المنافع المتوقعة منها .
ثانيا : مراقبة كفاءة القيام بالمهن و ضوابط أداء الحرف و الوظائف المجتمعة المتنوعة
1- مراقبة كفاءة القيام بالمهن ، وضوابط تأدية الوظائف المجتمعة المتنوعة
تتوسع الرقابة الإحتسابية لتشمل كافة المهن و الوظائف، حيث تقوم مؤسسة الحسبة بالتأكد من سلامة النشاط المجتمعي المهني و الوظائفي من المخالفات الشرعية و القانونية، و تسهر على صحة الممارسات و التصرفات و خلوها من الانحرافات، و مطابقتها لمبادئ الكفاية و ضوابط الفعالية بصورة تضمن التحقيق المضطرد لأهداف العملية التنموية و التجسيد الفعلي لأولوياتها .(44/16)
ولا يخفي على أحد مدى الاضطراب الذي تشهده الوظائف و المهن و حجم التدهور في مستويات الأداء ، بصورة أضحت تهدد الاستمرار الحضاري الإيجابي الفعال للمجتمع بصفة عامة،و الاقتصاد الوطني على الخصوص، و من هنا تنبع أهمية إعادة بعث مؤسسة الحسبة الرقابية لتغطي هذا الفراغ الكبير بما يساعد على إحداث حيوية مهنية و ديناميكية وظائفية تعظمان مصلحة المجتمع في ميادين و قطاعات كثيرة، كقطاع التربية و التعليم و قطاع الثقافة و الإعلام و الاتصال، و قطاع الصحة و الشؤون الاجتماعية ، وقطاع العدالة و القضاء، و قطاع النقل و الموصلات، و قطاع السياحة، إضافة إلى الوظائف الرسمية في بقية الإدارات. فالمهن و الوظائف المجتمعية بهذه المجالات تستدعي مزيدا من التوجيه و الترشيد اللذين يمكنان من رفع كفاءة الأداء المهني و زيادة الفعالية الوظائفية المرتبطة بالالتزام بالضوابط الموضوعية
والأخلاقية .
ولقد أثبتت التجربة التاريخية في البلاد الإسلامية مكانة مؤسسة الحسبة وأهمية مهامها الرقابية في مجال الوظائف والمهن المتعددة في المجتمع فيقول القاضي
أبو يعلي محمد الفراد في تحديد نوعية الرقابة ومداها مايلي :
" ومما يؤخذ ولاة الحسبة لمراعاته من أهل الصنائع في الأسواق ثلاثة أصناف:
- منهم من يراعي عمله في الوفاء والتقصير
- ونمهم من يراعي حاله في الأمانة والخيانة
- ومنهم من يراعي عمله في الجودة والرداءة " (24)
وذلك حساب لطبيعة كل مهنة ووظيفة فيقول عن الذين يراعي عملهم في الوفاء والتقصير كلاما شيقا جميلا ليته يراعي من في وقتا الحاضر، مايلي:
"فكالطبيب والمعلمين لأن الطب إقدم على النفوس يقتضي التقصير فيه إلى تلف
أو سقم، وللمعلمين الطرائق التي ينشأ عليها الصغار فيقر منهم من توفر عمله وحسنت طريقته ويمنع من قصر أو أساء في التدريس لما يفسد به النفوس وتخبث به الآداب"(25)(44/17)
أما الذين يراعي عملهم في الأمانة والخيانة فيقول عنهم:" فمثل الصاغة والحاكة والقصارين والصباعين لأنهم ربما هربوا بأموال الناس فيراعي فيهم الثقة والأمانة فيقرهم، ويبعد من ظهرت خيانته" اما عن الذين يراعي عملهم من حيث الجودة والرداءة فيقول: " فهو مما ينفرد بالنظر فيه ولاة الحسبة ولهم أن ينكروا في العموم فساد العمل ورداءته" (26)
2- مراقبة كفاءة القيام بالحرف و مدى الالتزام بضوابط أدائها
إن تنظيم الحرف و توجيهها و تطهيرها من الممارسات السلبية، و حمايتها من الزوال، يعد من بين أهم الأهداف التي تضمن التطور التراكمي الحرفي الذي يجسد حركية التواصل بين القديم منها و الحديث بصورة تساهم بشكل دائم في إبرار ملامح الخصوصيات المادية لبعض جوانب الحياة الاقتصادية.
فتقوم مؤسسة الحسبة بمراقبة كفاءة القيام بالحرف المجتمعية المتنوعة و مدى التزامها بضوابط الأداء من أجل ضمان استمرارها و تطورها و إنتفاع الاقتصاد الوطني من مخرجاتها، و هي بهذا تقوم بدور ريادي مهم في البلدان الإسلامية، التي نجد الكثير من أنشطتها الحرفية انقرضت، و يعاني بعضها المتبقي من التدهور
والاضطراب، في الوقت الذي نجد في أكبر عواصم الدول المتقدمة المخرجات الحرفية الاستهلاكية و الاستعمالية و الفنية التي تدل على عراقة المجتمع و خصوصيته و توا صليته ، بينما تشهد اقتصادياتنا إكتساح تدميري للكثير من الحرف و المهن و خاصة في ظل موجه العولمة الاقتصادية للتجربة الحضارية الغربية.
ثالثا: مراقبة و تنظيم الأسواق و توجيه المعاملات المرتبطة بها
1- طبيعة السوق و خصائصها في الاقتصاد الإسلامي(44/18)
أثبتت التجربة بأن محاولة إلغاء السوق أو تحييد دورها في الحياة الاقتصادية عن طريق أجهزة التخطيط و التدخل الحكومي الشامل في تنظيمها ، محاولة لها إنعكاساتها السلبية على الاقتصاد الوطني سواء على قوى العرض بما فيها من وحدات اقتصادية إنتاجية و خدمية ، أو على قوى الطلب بما فيها من وحدات استهلاكية وسيطة أو نهائية، و تحملت الاقتصاديات الاشتراكية، و الموجهة تكاليف كبيرة بفعل سياستها الاقتصادية المتعلقة بتنظيم السوق . كما دلت التجربة بأن الاعتقاد بوجود آليات خفية تضبط بشكل تلقائي حركية السوق فتحقق مصالح جميع أطرافها ، إعتقاد مبالغ فيه إذ سرعان ما يؤدي ذلك إلى أزمات كبيرة تلغي المكاسب المزعومة
وتتحمل الاقتصاديات الرأسمالية أو اقتصاداتها المحيطية التابعة تكاليف تفاعلاتها مثل تنامي التفاوت في توزيع الثروات و الدخول ، و تجدد الأزمات الدورية ، و تطور التكتلات الاحتكارية التي تهدد المنافسة الاقتصادية ، و تزايد التبديد للموارد المتاحة إلخ ...
انطلاقا مما سبق فإن طبيعة السوق و خصائصها و آليات تنظيمها و مراقبتها في الاقتصاد الإسلامي تختلف عن تلك المستمدة من المذهبية الاشتراكية أو الرأسمالية.
فتنظيم قوى السوق و توجيهها يهدف إلى الاستفادة من مزاياها للمساهمة في التخصيص الأمثل للموارد ، و التوزيع الأكفأ للدخول ، والتخفيف من سلبياتها
وعيوبها في مجالي التخصيص و التوزيع بآليات تكميلية ، تجعل للسوق خصائص مميزة أهمها :
أ- التفاعل الحر بين قوى العرض و الطلب يخضع للضوابط المذهبية
و الموضوعية التي تحكم الحرية الاقتصادية ، و تضبط الملكية و توجه تدخل الدولة ، الأمر الذي يقلل من الممارسات السلبية الإستئثارية و التصرفات التحايلية ، فتتحقق مصالح جميع الأطراف .
ب- المنافسة التعاونية الإيجابية التي هي نقيض المنافسة السلبية التدميرية التي تقوم على الوسائل غير المشروعة و غير النزيهة، و على الاحتكار ، و الاستغلال(44/19)
والإغراق إلخ . . .
فهي منافسة تعاونية تقوم على تعبئة الجهود الفردية و الجماعية، العامة
والخاصة ، الداخلية و الخارجية.
و هي إيجابية تقوم على الكفاءة و الجودة و السعر المناسب و ليس على أساس التغطية و التحايل والتمويه الإعلامي والغش و التغرير بالمستهلكين وغيرها من الوسائل.
2- مراقبة و تنظيم سوق السلع و الخدمات و توجيه معاملاتها
لقد تطورت الحياة البشرية و تطورت معها الحاجات الإنسانية ، فتطورت الأسواق كمجال حيوي لتلك الحاجات و انتقل التعامل فيها من عمليات محدودة حدودا زمانية و مكانية و حالية إلى تعاملات واسعة تتفاعل قوى العرض و الطلب فيها
وتتشابك علاقاتها المتبادلة، و أضحت الضرورة ملحة لتنظيمها و مراقبتها و توجيهها لتنشيط الحركية الاقتصادية و تنميتها، و تسريع حلقات تصريف السلع و تسويق الخدمات .
و تنوعت الأسواق و تعددت تقسيماتها حسب لطبيعة المعيار المستخدم في التفرقة بينها.فمن حيث ديمومتها و إستمرارها هناك الأسواق الدائمة كالمراكز التجارية الكبيرة في المدن الكبرى و العواصم التجارية المحلية و العالمية ، و هناك الأسواق المؤقتة والموسمية كأسواق القرى و المعارض إلخ...، و من حيث اتساعها و مداها فهناك الأسواق المحلية و الإقليمية و الأسواق العالمية ، و من حيث نوع و طبيعة السلع المتداولة إلى سوق المحاصيل الزراعية و سوق المنتجات الصناعية و سوق العقارات، و سوق السلع الاستهلاكية ، و من حيث حجم التداول و شكله فهناك أسواق الجملة و أسواق التجزئة ، و من حيث الغرض الإستعمالي للسلعة فهناك سوق السلع الإنتاجية و سوق السلع الإستهلاكية، و من حيث طبيعة التعامل التجاري فنهاك سوق المنافسة التامة
وسوق المنافسة الاحتكارية و السوق الاحتكارية إلخ . . .(44/20)
و لقد تطورت بعض الأسواق و انفصلت عن مواطن إنتاجها مثل أسواق النفط و المحاصيل الزراعية الرئيسية بمعنى أن النظرة إليها لم تعد مرتبطة بمجال جغرافي محدود في ظل التطور الهائل في وسائل النقل و الاتصال و الإعلام ، و لم يعد التفاعل بين قوى العرض و الطلب في بعض الأسواق مباشرا .و لا خلاف بين المتخصصين في متابعة التطورات الاقتصادية في بلداننا بأن معظم أسواقنا تعاني من تطور أشكال الفساد و الانحرافات السلبية و الفوضوية التي تجعلها بعيدة عن المساهمة في التخصيص الأمثل للموارد ، و المشاركة في التوزيع الملائم للدخول ، الأمر الذي يدل على وجود فراغ حقيقي تنظيمي و رقابي و توجيهي يستدعي ضرورة بعث مؤسسة الحسبة الحديثة لتقوم بدورها الاقتصادي الريادي في هذا المجال عن طريق :
2-1- الإشراف المباشر على تنظيم الأسواق حسبا لطبيعتها و نوع سلعتها
وظروف تسويقها بغية التقليل من الفوضى الحالية و ضمان الأمن و السلامة و إزالة الحرج و دفع العسر و المشقة لضمان المناخ الأفضل للحركية التجارية التي تعتبر من أهم مقاييس كفاءة وفعالية الاقتصاديات الحديثة.
ويمكن أن يتوسع النشاط الاحتسابي الرقابي على الأسواق ليشمل مكافحة الأشكال الجديدة من الغش والتحايل في مجال العلاقات التجارية فقد أغرقت معظم أسواق البلدان الإسلامية بالسلع والمنتجات المزيفة العلامات، والتي تتميز بانخفاظ مستويات جودتها، وما يصاحب ذلك من خسائر للمستهلكين وللشركات المالكة للعلامات (27). إن استفحال هذه الظاهرة يتطلب ضرورة تطهير هذه الأسواق منها خاصة بعد أن أصبحت العلامات والماركات التجارية مشمولة ضمن اتفاقية حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة والتي تتضمن العلامات التجارية والتأشيرات الجغرافية، والتصميمات الصناعية وبراءات الاختراع (28).(44/21)
2-2- معاينة حركة الأسعار و التأكد من مدى ارتباطها بالتفاعلات الحرة بين قوى العرض و الطلب ، منعا للتصرفات الاحتكارية ، و الممارسات الإحتيالية التحكمية في الأسعار التي تؤدي إلى استغلال المنتجين و المستهلكين من قبل الوسطاء
والمضاربين ، و التي تتيح لمؤسسة الحسبة تحديد الأسعار أو هوامش الأرباح في مثل هذه الحالات الاستثنائية .
2-3- متابعة مدى التقيد بالضوابط الشرعية و الموضوعية في التعاملات التجارية بما يفضي إلى تخفيض السلوك التجاري الاستغلالي الذي يقوم على الغش
والاحتكار والخلط السلعي و التعامل الربوي، و التطفيف في الموازين و المقاييس
والمكاييل حتى تنضبط سوق السلع و تنكشف تعاملاتها الإيجابية السليمة .
2-4- مراقبة مدى سلامة التعاملات من كافة الأشكال التي تؤثر في عناصر الثقة التجارية في الأسواق، و ذلك بالتأكد من مستوى الالتزام بالعقود و الوفاء بالديون، و إتمام الصفقات، و انتفاء التجاوزات و التعديات، و هي من الأمور التي تستدعي تدخلا فوريا و دائما من قبل مؤسسة الحسبة لفض منازعاتها و التقليل من انعكاساتها على التعاملات التجارية .
2-5- مراقبة مدى الالتزام بشروط الأمن و الصحة العامة و قيود نظافة المحيط و سلامة البيئة حيث تمتد سلطة مؤسسة الحسبة لمراقبة مستويات التقيد بالشروط التي تحقق الأمن و تضمن الصحة العامة و ما تتطلبه من مواصفات لحفظ السلع و ظروف تقديم الخدمات، إضافة إلى مراعاتها لمدى المحافظة على نظافة المحيط و سلامة البيئة فلا بد لجهاز الحسبة الرقابي أن : " يطمئن على النظافة العامة . . . و يتأكد من دقة
ونظافة الأدوات الصحية لدى الأطباء و غير ذلك من الجهات التي لا حصر لها " .(29)
3- مراقبة و تنظيم سوق العمل و السوق النقدية و توجيه المعاملات المرتبطة بهما
3-1- مراقبة و تنظيم سوق العمل و توجيه المعاملات المرتبطة بها(44/22)
إن سوق العمل في معظم البلدان العربية و الإسلامية تشهد أبشع أنواع الاستغلال، و أشد ألوان انتهاكات حقوق الإنسان ، سواء على مستوى السوق العامة أو الخاصة، و تزداد هيمنة أرباب الأعمال و ممارستهم الاستغلالية و الاحتكارية للعمال
والأجراء، و للقصر و الأطفال، و ضعف دور الدولة و المؤسسات التكافلية في الوصول إلى تحقيق التوازن المطلوب في سوق العمل من جهة و ضمان الحد المناسب من الأجر للفئات العاملة البسيطة، و بدأ يحدث نوع من الحراك الوظائفي نحو المهن و الحرف
والأعمال التي تتطلبها اقتصادات الانفتاح الليبرالي المتسرع ، الأمر الذي أضحى يهدد التركيب الوظائفي الأساسي بالمجتمع .
و لهذا فإن دور مؤسسة الحسبة سيكون هاما و حيويا في مراقبة هذه السوق
وإزالة أشكال الإجحاف و ألوان الاستغلال التي أصبحت تميزها و هذا سيؤدي حتما إلى إعادة الاعتبار لعنصر العمل في مقابل عنصر رأس المال الذي هيمنت طبقته على الحياة الاقتصادية و السياسية ، بإعادة النظر في ظروف العمل و شروطه و أوضاعه
وإعادة تقييم سلم الأجور و المكافئات ، و منع استغلال الأطفال و إلزام المعنيين من أسر قادرة و هيئات رسمية بضرورة التكفل بهم و رعايتهم و ضمان حقوقهم الأساسية (30).
ومن المعلوم بأن الجوانب الاجتماعية للعمل والظروف المحيطة به أصبحت من العوائق الخارجية لدخول أسواق الدول المتقدمة حيث أصبحت تشترط احترام الدولة لحقوق الإنسان في مجال التشغيل والعمالة كمقدمة لتمكين منتجاتها من الدخول إلى الأسواق.
فقد عانت بعض الدول النامية من القيود على صادراتها النسيجية بسبب قيام صناعاتها على تشغيل الأطفال وإنعدام الظروف المناسبة للعمل وتزايد الاستغلال... ونعتقد بأن مؤسسة الحسبة يمكن أن تلعب دورا متكاملا مع مؤسسات الدولة الأخرى في تحرير الاقتصاد من المنكرات وأشكال الفساد المرتبطة بهذه الجوانب.(44/23)
3-2- مراقبة و تنظيم السوق النقدية و المالية و توجيه المعاملات المرتبطة بها
تمتد سلطة مؤسسة الحسبة الرقابية الحديثة إلى السوق النقدية و المالية لتطهيرها من المعاملات غير المشروعة، و الممارسات التي تخالف الضوابط المرشدة لحركة الاستثمار و التمويل و نحن نرى بضرورة الاحتساب على السلطات النقدية منعا لوسائل النقدنة التي تخالف الضوابط المذهبية من جهة، و كذا الحد من سياستها التي تؤثر بشكل مباشر على القوة الشرائية للإنسان و تساهم في توسيع دائرة الفقر، و نحن هنا نستغرب كيف تعامل الحكومات في بعض البلدان الإسلامية بشكل إزدواجي الآثار التي أحدثتها سياستها النقدية المتعلقة بتخفيض قيمة عملاتها فهي من جهة تسعى لتخفيف آثار ذلك الانخفاض على عنصر رأس المال بمحاولة تعويض الشركات عن خسائر الصرف و التقويم التي أصابتها، بينما في تعاملها مع عنصر العمل تتجاهل انعكاسات الخسائر التي أصابت الأُجراء بتخفيض قيمة عملهم و تدهور قوتهم الشرائية و زيادة مستوى فقرهم بسبب إنعكاسات سياسات التخفيض في قيمة العملة و ما يرافقه من إرتفاع متوال في الأسعار مع ثبات مستويات الأجور في معظم الأحيان أو زيادتها بنسب لا تغطي الارتفاعات في مستويات الأسعار.
فلمؤسسة الحسبة دور حيوي في حماية الأطراف المتضررة في السوق النقدية
والمالية بصورة تقلل من الانحرافات و تفضي عبر الزمن إلى مزيد من الاستقرار الإيجابي.
و إذا كانت معظم كتب الحسبة قد أكدت على دور عمال الحسبة في مراقبة أنشطة الصرافة و أنشطة إصدار النقد و غيرها ، فإن الأمور قد تطورت في هذا العصر إلى أسواق حديثة و متطورة مثل السوق النقدية و ما تضمنته من مؤسسات كالبنك المركزي و البنوك التجارية و بيوت الصرافة للعملات الأجنبية.. الخ، و هناك سوق رأس المال و ما تتضمنه من مؤسسات مثل مصارف العقارات و بنوك الأعمال و شركات(44/24)
وهيئات التأمين و صناديق الإدخار و غيرها، و ما تشمله سوق رأس المال من سوق أولية تتولى الإصدارات الجديدة ، و سوق ثانوية يجري التعامل فيها على الأوراق المالية التي سبق إصدارها (31) فهناك مجالات جديدة لمؤسسة الحسبة لمراقبة مدى الالتزام بالضوابط الموضوعية والشرعية التي ترشد حركية القوى المتفاعلة داخل هذه السوق بما يساعد على تعظيم المصلحة المجتمعية للاقتصاد الوطني، و هذه الأسواق الآن تعاني من حالة فراغ رقابي و توجيهي خارجي مستقل عن هياكلها .
فإذا أخذنا سوق العملات الأجنبية كمثال فإننا نلاحظ بأن الاقتصاد الإسلامي تضمن العديد من الضوابط المرشدة التي تجعل : " المعاملات تتصف بالمشروعية ، و ينأى بها عن شبهة الربا و الحرام، و يحول دون استخدامها كأداة للاستغلال ، أو المقامرة غير المشروعة أو الكسب غير المشروع . . . و عدم استعمال أية صيغة للتعامل مع العملات الأجنبية كوسيلة للكسب المرتبط بالزمن أو التأخير الزمني (32)
رابعا : مراقبة المالية العامة و المحلية
يمتد النشاط الرقابي لمؤسسة الحسبة ليشمل المالية العامة للدولة و المالية المحلية، و يمكن أن نطلق على هذا النوع من الرقابة الإحتسابية إسم الحسبة المالية
والتي تتضمن : " مجموعة الإجراءات و الأجهزة و القواعد و السياسات التي تحكم التصرفات المالية الإنفاقية و الإيرادية و غيرها للإدارة المالية العامة . . . حيث يتخصص ديوان الحسبة و غيره من الدواوين المالية بمراقبة الأوضاع و الإجراءات و التصرفات المالية للإدارة العامة. ." (33)(44/25)
و لما كانت الأوضاع المالية العامة و المحلية تعاني من الفساد و الانحرافات التي عجزت الأجهزة الرقابية الحالية عن التخفيف منها و التقليل من انعكاساتها السلبية على المناخ الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي، فإن الضرورة ملحة لإعادة بعث فروع الحسبة المالية لتقوم بدورها الفعال في محاربة الفساد المالي الذي استشرى في الإدارة المالية العامة و المحلية .
1- مراقبة عمليات الجباية و التحصيل
لا تخلو عمليات الجباية و التحصيل للموارد العامة و الإيرادات المحلية من التجاوزات في حق الممولين سواء كانوا ضمن الأنشطة الاقتصادية الفردية أو المؤسسية، الأمر الذي يؤثر سلبا في مدى إستمراريتهم في الميدان الاقتصادي ، و تكون مهمة الحسبة المالية التأكد من عدم تعسف الإدارة، و الحد من تجاوزاتها في حق أرباب الأعمال و أصحاب الأنشطة الاقتصادية بالسرعة المناسبة التي تحمي حركية النشاط الاقتصادي من التأثر السلبي بتلك الممارسات .
و لا غرابة فإننا نلاحظ اليوم ضغطا ضرائبيا و جمركيا كبيرا بصورة مضطردة بسبب الفساد الكبير الذي تعاني منه الإدارات القائمة بهذه المهمة و تدهور كفاءتها التحصيلية من جهة، و بسبب تنامي السلوك التبذيري للإيرادات العامة من جهة ثانية .
كما أن التجاوزات قد تكون في حق المجتمع بسبب تنامي أشكال التهرب
والتفلت من تأدية الفرائض المالية الواجبة بتورط بعض أعوان الإدارة الجبائية و تغطيتها، الأمر الذي يعمق التفاوت و الظلم و إنعدام العدالة أثناء عمليات التحصيل والجباية، ويكون دور الحسبة المالية حاسما في منع هذه الانحرافات بأقل التكاليف لما يترتب عن التدخل الرقابي السريع من تحقيق التوازن و العدالة ، و زيادة في الموارد ووفرة في الحصيلة بسبب تقليص حجم الاقتصاد الموازي وانكشاف حجم الثروات الفعلية في الاقتصاد الرسمي نتيجة لانتشار مناخ العدالة الاقتصادية.
2- مراقبة عمليات الصرف و الإنفاق(44/26)
لقد أصبح السلوك التبذيري للموارد العامة السمة المميزة للإنفاق العام بمعظم الإدارات على كافة المستويات، و أضحت الوظيفة العامة وسيلة أساسية لبروز نخبة جديدة من الملاك و أصحاب الامتيازات في معظم البلدان العربية و الإسلامية، فتدني الأجور و المرتبات من جهة و الضعف المؤسساتي و القانوني و الرقابي من جهة أخرى، جعلا الإمكانية متاحة لتحويل الموارد العامة، و استغلال الوظيفة العامة للحصول على ريوع إضافية مكملة للأجور، و يتم كل هذا في ظل الفراغ الرقابي .
و بالتالي فإن الضرورة ملحة للحد من هذا الهدر المالي بإعادة الاعتبار للحسبة المالية التي تقوم بالمتابعة المباشرة و الرقابة الدائمة لعمليات الصرف و الإنفاق للموارد المالية العامة و المحلية.
رقابة تنبه إلى الاختلالات في السلوك الإنفاقي وما يصاحبها من هدرو تبذير أو تقتير و محاباة وتؤكد على أهمية تامين مستويات مناسبة من الأجور والرواتب في الوظائف الرسمية للتقليل من الانحرافات والفساد الاقتصادي الذي يرتبط بتحسين مستوى الحياة بطرق غير شرعية لدى بعض النخب في الإدارات العامة هذا من جهة وكذا الحفاظ على الكفاءات في الوظائف العامة في مؤسسات الدولة من الانتقال والنزوح الوظيفي للقطاعات الأخرى من جهة ثانية وهذا ما أكده تقرير البنك الدولي: "ومن ثم فان الفساد يرتبط غالبا ارتباطا إيجابيا بالفرق بين مرتبات القطاعين العام والخاص أو مما يمكن أن يسمى "معدل الإغراء" غير أن مجرد زيادة رواتب موظفي الخدمة المدنية قد لا يؤدي إلى الحد من الفساد، ذلك أن إصلاح الأجور ينبغي أن يقترن بالرقابة الفعالة وتنفيذ القوانين" (34) الخ ... الأمر الذي يؤدي عبر الزمن التي ترشيد الإنفاق العام و المحلي، فترتفع كفاءة استخدام الموارد العامة و المحلية .(44/27)
و نحن إذ نؤكد على ضرورة الرقابة العامة المستقلة للحسبة المالية لأننا نلاحظ في الواقع كيف أضحت الموارد العامة تحصيلا و إنفاقا، مجالا واسعا للتبذير
والاستئثار والاستحواذ في ظل عدم قدرة الهيئات الرقابية الأخرى على الحد من تطور الفساد المالي، بحكم ضعف سلطاتها و طول عمليات إجراءاتها الرقابية، و تزايد ارتباطها بالفساد الإداري المؤسساتي القائم . في حين نجد بأن استقلالية مؤسسة الحسبة و انكشاف إجراءاتها و شفافية رقابتها و سرعة متابعتها للتطورات الواقعية، و ارتباط حركيتها الميدانية بالجوانب المعنوية و العقائدية و الأخلاقية، أمور تجعل كفاءة هذه المؤسسة ترتفع في حفظ الموارد العامة و المحلية، فتكمل بذلك الجهود الرقابية القائمة و تسد هذا الفراغ الرقابي الحاصل حاليا .
و نعقد بأن تكاليف إقامة هذا الفرع الإحتسابي ستكون أقل من تكاليف التبذير الحالية مقارنة مع المكاسب المتوقعة الناتجة عن قدرتها على التخفيض المضطرد من الإنحرافات الكبيرة الحالية في استخدام المواد المالية العامة، المحلية.
خامسا : مراقبة عمليات إقامة القاعدة الهيكلية وتنمية البنية الأساسية المؤسسية والقانونية
1- مراقبة عمليات تنمية القاعدة الهيكلية وصيانتها وترشيدا استخدامها والانتفاع بها
إن تنمية القاعدة الهيكلية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية جزء لا يتجزأ من عملية التنمية الشاملة، و نجاح الدولة مرتبط بمدى كفاية قاعدتها الهيكلية
و بنيتها الأساسية، فالبنية " الأساسية الجيدة تزيد الإنتاجية، و تقلل تكاليف الإنتاج "(35) و تحسن ظروف الإنتاج و تسهل شروط الحياة .
1-1- دور مؤسسة الحسبة المتعلق بالقاعدة الهيكلية الاقتصادية(44/28)
إن مؤسسة الحسبة ليست مسؤولة مسؤولية مباشرة على تنمية وصيانة القاعدة الهيكلية الاقتصادية لكن الدولة و الهيئات الوصية التابعة لها معنية بتطوير الفروع المتعلقة بها من طرق و جسور و موانئ و سدود و ترع و شبكات كهربائية و غاز
وهاتف ومياه. فالدولة مكلفة بالإشراف على عملية إقامتها وتنظيم عمليات الانتفاع بخدماتها ولقد بينت التجربة السابقة في العديد من البلدان الإسلامية خلال مسيرتها الحديثة بأن التدخل في اطار الاستراتيجيات الوضعية ترافق مع تدهور كفاءة الاداء التي تجلت في سلبيات عديدة منها:" عدم كفاءة التشغيل والصيانة غير الكافية والاعتماد المفرد على الموارد المالية، والافتقار إلى الاستجابة لاحتياجات المستخدمين والمنافع المحدودة التي تعود على الفقراء والمسؤولية البيئية غير الكافية " (36) وانتشار منكرات عديدة متعلقة بتطور الفساد الاقتصادي في مجال التعاقدات الانجازية لمرافق البنية الأساسية، وإبرام صفقات المشتريات الحكومية اللازمة للإدارات والمرافق العامة.
ولهذا فان الأمر يتطلب إشراك القطاع التكافلي الوقفي والقطاع الخاص في عمليات الإنجاز وتأدية الخدمات العامة عن طريق صيغ التعاقد التي تخفظ التكاليف وهذا يحتاج إلى تفكيك الحزمة الاحتكارية لمكونات البنية الأساسية من قبل الدولة وتطبيق المعايير التجارية التنافسية بين الذين يقدمون الخدمات ويقومون بأعمال الإنجاز أو التشغيل والصيانة إضافة إلى تمكين المنتفعين والمستفيدين من المشاركة ضمن الأطر المؤسسية التي تمكنهم من الإشراف على الانجاز والرقابة المتعلقة بالمرافق والخدمات التي سيستفيدون منها وتلعب الرقابة الاحتسابية دورا هاما في هذه المجالات.(44/29)
ويتأكد دور مؤسسة الحسبة عند تقصير تلك الهيئات عن القيام بمهامها التنموية للقاعدة الهيكلية، و جهودها الصيانية، فينتقل دورها من الرقابة التنبيهية التوجيهية إلى المشاركة في إلزام الجهات المسؤولة للقيام بالعمليات الاستثمارية المطلوبة للتطوير و الإنجاز أو للصيانة و الترميم ، و ذلك حسبا لدرجات التقصير أو مستويات القصور من جهة أخرى، و في هذا المجال يؤكد القاضي أبو يعلي دور المحتسب فيما يتعلق بالحقوق العامة و المصالح المرتبطة بها قائلا: " فكالبلد إذا تعطل شربه،
أو استهدم سوره ... فإن كان في بيت المال ... أمر بإصلاح شربهم و بناء سورهم ... فإذا ما أعوزت بيت المال ... كان الأمر ... متوجها إلى كافة ذوي المكنة منهم فإن شرع ذو و المكنة في عمله ... سقط عن المحتسب حق الأمر به "(37) ويقول ابن جماعة : " ومنه النظر في الشوارع والمجاري والمنافع " (38).
و الملاحظ في واقعنا الحالي يرى حالة الفراغ الرقابي الرهيب فيما يتعلق بالقاعدة الهيكلية الاقتصادية خاصة في مجال الرقابة على أنشطة الصيانة و الترميم و الإصلاح، الشيء الذي يؤدي إلى تحمل المجتمع تكاليف الإهمال و التهاون بإنفاق أكبر على التجديد و الإحلال بسبب انعدام العناية الملائمة بالبنية الأساسية لعدم وجود رقابة خارجية للجهات المعنية، و من المعلوم بأن " إنقاص الإنفاق على الصيانة هو توفير زائف لأن الصيانة غير الكافية تقصر عمر المرافق"، فتلعب مؤسسة الحسبة دورا حيويا في هذا المجال في إطار التكامل و التنسيق و التعاون مع سائر الأطر المؤسسية للدولة في الاقتصاد الإسلامي.
1- 2- دور مؤسسة الحسبة المتعلق بالقاعدة الهيكلية الاجتماعية و الثقافية والتعليمية(44/30)
يمتد دور مؤسسة الحسبة إلى مراقبة مدى كفاية القاعدة الهيكلية الاجتماعية و الثقافية و مستوى صيانتها و حمايتها و تطويرها لتناسب مع محتوى المصالح العامة التي تهدف إلى تحقيقها، فيزداد دور الرقابة التوجيهية التنبيهية فيما يتعلق بمرافق البنية الأساسية من مؤسسات وقفية تكافلية و مستشفيات و مدارس و مساجد و جامعاتومراكز ثقافية . . . الخ .
فتتولى مؤسسة الحسبة الاجتماعية الرقابة على المؤسسات الوقفية الخيرية التكافلية و متابعة عمليات تنميتها و صيانتها و تتأكد من مدخليها و مصاريفها
ونفقاتها لضبطها و ترشيدها، و تعمل على تيسير و تمكين الفئات المستحقة من الانتفاع بخدماتها و قد أشار معظم كتاب الحسبة إلى هذه الجوانب، فنص أحدهم على أن مؤسسة الحسبة تنمي : " أموال الأوقاف بملاحظة أصولها، والمحافظة على ريعهاومحصولها، و إمضاء مصارفها على شروط واقفيها" (39)، و رغم قيام مؤسسة الأوقاف بدورها في إدارة شؤونها إلا أن مؤسسة الحسبة تقوم بالرقابة التوجيهية التحرزية منعا من حدوث الهدر في الموارد التكافلية أو وقوع الإجحاف في توزيع منافعها
و لما كانت التربية السليمة و التكوين العلمي والمعرفي من أوجب الأولويات المجتمعية التي تساعد على الانطلاق الجدي للجهود التنموية، و كان الجهل و الأمية
والتأخر العلمي هلاكا للمجتمع و إخلالا بمكانته الحضارية، فإن مؤسسة الحسبة تتأكد من مدى كفاية مرافق البينة الأساسية الثقافية والتعليمية في تحقيق الأهداف المطلوبة، و تتدخل لضمان سلامة رأس المال الثقافي و حسن إستغلاله، و إستكمال النقص بتنبيه الهيئات إذا كانت إمكانياتها تسمح بذلك، أو بأمر القادرين بذلك أن عجزت موارد الدولة التي تتحرك في إطار الأولويات عن إرتياد هذه الميادين .
2- مراقبة عمليات توفير البنية الأساسية المؤسسية والقانونية(44/31)
ان هذه الوظيفة من أهم الوظائف التي تقوم بها الدولة لأنها تمثل الإطار القبلي لتثمين الجهود التغييرية وتفعيل الانطلاقة الصحيحة لعملية التنمية في الاقتصاديات الإسلامية، فكم من الجهود تبددت بسبب ضعف المؤسسات وإستشراد الفساد في أجهزتها وكم من المشاريع التي عطلت أو ألغيت ؟ وتحمل المجتمع من جراء ذلك تكاليف كبيرة نتيجة لتغيب القوانين وتجاوز الهيئات.
إن هذا الوضع يتطلب معالجة جدرية من خلال إيجاد المنظومة المؤسسية الكفؤة فينبغي:" للمصلحين في أنحاء العالم تطبيق هذا الدرس بإعادة تركيز الانتباه على القدرة المؤسسية والمهمة عاجلة... وان قدرة الدولة لها أهمية محورية في توفير إطار مؤسسي سليم للتنمية" (40)
كما أن الأمر المكمل للإطار المؤسسي هو توفير القوانين الملائمة التي تتميز بشفافيتها بحيث لا تفتح المجال للتفسير البيروقراطي، وإيجاد القواعد واللوائح المرنة والشفافة التي تصان في ظلها الملكيات الخاصة والعامة وتكفل في إطارها حرية النشاط الاقتصادي.
ونعتقد بأن من بين أهم المجالات الاحتسابية الجديدة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتعلق بالمنظومة المؤسسية والقانونية وإجراءاتها الميدانية للتقليص من مظاهر الفساد الكبير الذي يرتبط بادارة المؤسسات والتطبيق الانتقائي للقوانين.
سادسا : توجيه السلوك و ضبط الآداب و رعاية الحقوق الأساسية بالمجتمع
يمتد النشاط الاحتسابي الرقابي إلى الميادين التي تحسن حركية السلوك الإنساني الفردي و الجماعي وتضبط الآداب العامة بالمناطق الحضرية، و تحمي الحقوق الأساسية الفردية و الجماعية . الأمر الذي يجعلها تحافظ على الخصائص الحضارية و الثقافية المميزة للمجتمع حتى لا يفقد هويته، و يحافظ على نمطه الحياتي الخاص، ليكون بذلك عامل جذب و إستقطاب و تأثير في ميدان التعارف و التعاون
والمشاركة مع غيره من المجتمعات المختلفة الخصائص الثقافية و الاجتماعية .(44/32)
1- توجيه السلوك الإنساني و ضبط الآداب العامة
إننا نلاحظ مدى استشراء الفساد الاجتماعي في معظم التجمعات الحضرية في المدن و الأرياف في أغلب البلدان العربية و الإسلامية، و أضحت تكاليف إستمرار هذه الأوضاع كبيرة، سواء من الناحية الاقتصادية، أو من الناحية الحضارية، لما يترتب عن ذلك من فقدان الهوية و زعزعة للاستقرار الاجتماعي، وضعضعة لأسس التماسك،
وضياع للقيم الإيجابية المجتمعية. و قد عجزت المؤسسات القائمة على التحكم الإيجابي في الحركية التعاملية المجتمعية و ذلك لأن الفراغ الناتج عن تغييب مؤسسة الحسبة
وإلغائها لم تشلغه المؤسسات الحديثة، الأمر الذي يتطلب ضرورة بعث فرع الحسبة الاجتماعية لتقوم بدورها الحيوي في توجيه السلوك الإنساني الفردي و الجماعي
وتطويعه و أقلمته و ضبط الآداب الاجتماعية للارتقاء بمجتمعاتنا إلى أفضل مستويات الأناقة الاجتماعية، التي تحقق من خلال الرقابة التحسينية للسلوك وهذا ما عبر عنه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور بقوله: " وهي عندي ماكان بها كمال الأمة في نظامها حتى تعيش آمنة مطمئة ولها بهجة منظر المجتمع في مرأى بقية الأمم حتى تكون الأمة الإسلامية مرغوبا في الاندماج فيها أو التقرب منها " (41) فتكون بذلك نموذجا للتقدم الاجتماعي الذي يجسد خصوصية المجتمع و قيمته، خلافا للوضع الحالي الذي أضحت فيه مجتمعاتنا ميدانا لنمو الإنحرفات المتوطنة و ساحة لتمثل الآفات الاجتماعية الوافدة
فمهمة الحسبة الاجتماعية هو مراقبة الحياة الاجتماعية اليومية لتنمية السلوكات الإيجابية و منع المنكرات و الانحرافات السلبية، و بينت التجربة الحضارية لتطبيق هذه المؤسسة في الميدان الاجتماعي بأن المحتسب كان يشرف على : " أخلاق أفراد المجتمع، كما يحرص على توافر الأمانة و الأدب بينهم، و المخالفات المفروض أن يمنعها هي على وجه العموم ... خرق السلوك المستقيم ... " (42).(44/33)
فكثير من الأمور تستدعي سرعة الفصل وعدم إنتظار إجراءات القضاء أو تحقيقات الأمن حتى لا يعم الفساد و تنتشر الانحرافات، عن طريق جهاز رقابي فاعل
ومستقل يمارس الاحتساب في الميدان الاجتماعي .
2- رعاية الحقوق الأساسية بالمجتمع
يمتد النشاط الرقابي الإحتسابي في المجال الاجتماعي إلى رعاية الحقوق الأساسية ومن أهمها:
أ - الحقوق المدنية والشخصية والحريات المتصلة بها وتشمل الحق في الحياة والحريات المتعلقة به والحق في الامن وحرمة المسكن وخصوصياته...
ب - لحقوق والحريات الفكرية والمعنوية وتشمل حق التعبد وممارسة الشعائر وحرية الاعتقاد والحق في الاختلاف وحق التعلم وحق الدعوة وحرية التبليغ...
جـ- الحقوق والحريات الثقافية ومنها حق المجتمع في الحفاظ على خصوصية الثقافية الفردية والجماعية، وحقه في
تواصله الثقافي، وحق الفرد في المشاركة الثقافية وممارسة حرياته الثقافية في إطار مجاله الحضاري.
د- الحقوق والحريات الاقتصادية ومنها كفالة حق الفرد وحريته في مزاولة النشاط الاقتصادي في ظل الضوابط الشرعية عن طريق ضمان حقوق الملكية الخاصة والحريات المرتبطة بها مثل الحقوق المتعلقة بالاستغلال والاستعمال و التصرف، وكذا حقوق الاستثمار والإنتاج والاستهلاك والحريات المتعلقة بذلك، والحق في العمل والأجر المناسب والحماية من الأخطار...
هـ- الحقوق والحريات الاجتماعية ومنها الحقوق والحريات التي تقع في دائرة الأسرة وتشمل الحق في الزواج وتكوين أسرة، وحقوق الأطراف الأسرية والقرابية كحقوق الأبوة و الطفولة والأمومة والتنشئة الأسرية، وكذلك الحقوق والحريات التي تقع في دائرة المجتمع الواسعة ومنها حق الضمان الاجتماعي وحق التكافل الاجتماعي، اللذين في إطارهما تتأكد الحماية الجماعية لأعضاء المجتمع من العجز، والشيخوخة والترمل والأمراض والآفات الاجتماعية، وكذا الحقوق الجوارية والقرابية الخ...(44/34)
و - الحقوق والحريات القضائية والقانونية والسياسية وهي تلك التي تمكن كل فرد في المجتمع من العيش في مأمن من مخاطر الظلم والاعتداء والتهميش، ولعل من أهمها الحق في العدل، والحق في دفع الظلم والتعسف والحق في المساواة أمام القانون وأمام القضاء، وفي تولي الوظائف العامة، والحق في الانتفاع بالخدمات والمرافق العامة، والحق في التقويم والانتقاد الصحيح البناء ورفض الظلم والاضطهاد...
إن رعاية هذه الحقوق والحريات المرتبطة بها مسؤولية العديد من المؤسسات في المجتمع الإسلامي، إلا أن لمؤسسة الحسبة تؤدي دورا أساسيا في مراقبة وتوجيه النشاط المجتمعي، بما يضمن إتاحة هذه الحقوق بصورة تساهم في تدعيم عنصر الثقة والاطمئنان، والاستقرار والتماسك داخل المجتمع، مما يؤدي إلى تماسك جبهته الداخلية وتنامي قدراتها في مواجهة التحديات الخارجية، وهناك أمثلة كثيرة للدور الذي كان يلعبه المحتسب في هذه الميادين من واقع تجربتنا الحضارية.
( ( (
المحور الثالث
المكانة التنظيمية الإدارية لمؤسسة الحسبة
ودورها في القضاء على الفساد الاقتصادي
أولا : الخصائص المميزة للمكانة التنظيمية الإدارية لمؤسسة الحسبة
تتميز مؤسسة الحسبة، بمجموعة من الخصائص التي تبرز مكانتها المؤسسية التنظيمية والإدارية نذكر منها :
1- طابع الخصوصية الحضارية لمؤسسة للحسبة ، فهي من المؤسسات التي نشأت في ظل مسيرة التقدم الحضاري للمجتمعات الإسلامية و هي تجسيد لملامح التميز و الاستقلال و الخصوصية للأمة الإسلامية.
2- الطابع الرسمي العام للحسبة، فهي إحدى مؤسسات الدولة التي تقوم بتأدية مهام ووظائف متكاملة في رقابة وتوجيه الأنشطة المجتمعية.(44/35)
3- الطابع الإلزامي لوجود مؤسسة الحسبة في المجتمع لأهمية الوظائف التي تقوم بها في تصويب مسيرة التنمية و التقدم، فتأسيسها من قبل الدولة فريضة شرعية لتأدية مهمة إبراز طبيعة المجتمع الإسلامي و هي كذلك ضرورة موضوعية للتقليل من مظاهر الفساد الاقتصادي و التفكك الاجتماعي، و الاغتراب الثقافي، و الانحراف المرتبط بالعلمنة السياسية في الواقع الحياتي المعاصر في البلدان الإسلامية.
4- خاصية إستقلالية مؤسسة الحسبة في تأدية الوظائف الاحتسابية الرقابية بعيدا عن الهيمنة السياسية أو الضغوط و التجاوزات البيروقراطية التي تعد كذلك من مجالات الحسبة الرقابية المعاصرة، الأمر الذي يتيح لها مزيدا من الحرية في ترشيد حركية المجتمع التطورية .
5- خاصية التنوع و التكامل و الشمول لمؤسسة الحسبة، فتتنوع مهامها
وخصائصها و وظائفها، و تتكامل مع مؤسسات المجتمع الأخرى، و تتميز بالشمول في تغطية الأنشطة المجتمعية و مستجداتها.
6- خاصية وحدة العمل الرقابي عن طريق جهاز فعال يتولى توجيه و مراقبة حركية الأنشطة المجتمعية المتنوعة، خلافا للوضع القائم حاليا في الاقتصاديات الحديثة المتقدمة والنامية والإسلامية منها على الخصوص، حيث نلاحظ تفكك العمل الرقابي و عدم تكامله الأمر الذي كرس الأزدا وجيه الرقابية في تغطية بعض الأنشطة، والتعددية لبعضها الآخر و الإغفال أحيانا لبعض الميادين، فكان التضارب و عدم الفعالية و الفراغ الرقابي مظاهر بائنة في تنامي الأنشطة الانحرافية لاقتصاديات الفساد و السلوكات السلبية المرتبطة بها و التي أصبحت تكاليفها عبئا متزايدا يتحمله المجتمع. و وحدة العمل الرقابي في إطار مؤسسة الحسبة تتجسد في الواقع عن طريق تنظيم الأعمال الرقابية و التنسيق بينها و توحيد عملية الإشراف عليها من خلال المدخل الأخلاقي القيمي والعقائدي المعنوي في المنظور الإسلامي.(44/36)
7- خاصية السرعة في إتخاذ الإجراءات المتعلقة بالقضاء على المنكرات وأشكال الفساد و الاختلالات بخلاف الهيئات الأخرى التي تتميز بطول مدة تدخلها وتعقد إجراءاتها، وهناك أمور تستدعي سرعة
8- الفصل حتى لا يعم الفساد وتزاد إنعكاساته السلبية ولهذا تعد مؤسسة الحسبة الاداة الفعالة للمتابعة الآنية السريعة في مجال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في كافة ميادين الحياة الانسانية الفردية والجماعية فيما لا يتعارض مع غيرها من مؤسسات.
ثانيا : الجدوى الحالية لمؤسسة الحسبة الرقابية في القضاء على الفساد الاقتصادي
إن إستشراء الفساد و إنتشار الانحرافات و المنكرات المرتبطة به أضحى من أخطر المظاهر التي تهدد الاستقرار الاجتماعي و السياسي، و تعيق مسيرة التحولات الاقتصادية، الأمر الذي يستدعي ضرورة بعث مؤسسة الحسبة لتتكفل بالقضاء التدريجي على أشكال الفساد، و تعيد الوجه الحضاري اللائق الذي يميز مجتمعاتنا ويبرز الحركية الإيجابية لقيمها الاجتماعية و مبادئها الاقتصادية.
فقد باتت الضرورة ملحة لاستكمال بعث مؤسسة الحسبة كإحدى المؤسسات التي تشكل المنظومة المؤسساتية التي يتميز بها الاقتصادي الإسلامي، هذه المؤسسة التي عطلت أثناء فترة الاستعمار الغربي الذي اجتاح معظم دول العالم الإسلامي، فحرمت و استمر تغييبها بعد الاستقلال في ظل المحاولات الفاشلة لتطبيق مناهج التحديث التغريبي، هذه الإقتصادات من جدواها الاقتصادية و الحضارية
والاجتماعية، دون أن يسد الفراغ التوجيهي و الرقابي الذي ترتب عن تعطيلها أو يقلل من التكاليف الكبيرة الناتجة عن تطور آليات الفساد الاقتصادي.
1- الجدوى الاقتصادية الحالية لمؤسسة الحسبة الرقابية
إن قيام مؤسسة الحسبة بدورها التوجيهي و الرقابي سيؤدي حتما إلى تخفيض التكاليف الحالية التي تتحملها معظم الاقتصادات العربية و الإسلامية، و منها :(44/37)
1-1- تخفيض التكاليف المرتبطة بانتشار الفساد الاقتصادي و الانحرافات المترتبة عنه و ما يرافقها من انعكاسات سلبية لها آثارها التكاليفية مثل تكاليف إضعاف الحافز نحو الاستثمار، و تكاليف تأخير إنجاز المشاريع،و تكاليف حرمان رؤوس الأموال المحلية و الأجنبية من الانسياب نحو منافذ الاستثمار دون الدخول في حلقة المعوقات البيروقراطية، و تكاليف إضعاف المنافسة و خلق الفرص الاحتكارية للاقتصاد الموازي المرتبط بالأطراف المتنفذة المنمية لاقتصاديات الفساد ، و تكاليف الهدر المتعلقة بالإيرادات العامة و المحلية و تكاليف الإسراف و التبذير المرتبطة بالنفقات العامة و المحلية، و تكاليف تدهور كفاءة الحرف و المهن و الوظائف و تدهور مستويات الجودة و الإتقان، و تكاليف تطبيع الرشوة التي تحولت إلى عنصر من عناصر التكاليف يتحملها المتعامل وينقل عبؤها للمستهلك... الخ.
1-2- ان وجود مؤسسة الحسبة يساهم في زيادة عوائد الاقتصاد الوطني الناتجة عن رفع كفاءة الأداء، و زيادة إنتاجية عناصر الإنتاج، و سيادة المناخ الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي الايجابي المحفز الذي يساعد على إحداث حركية اقتصادية إيجابية .
و لذا نرى بأن العوائد التي ستنتج عن إقامة مؤسسة الحسبة الرقابية ستفوق التكاليف المتعلقة بتوطين جهازها المؤسسي، و لا غرابة إذا وجدنا بأن إنشاء أجهزة الرقابة المستقلة، و دواوين المظالم و غيرها من الهيئات الخاصة للحد من الفساد، أصبحت من المطالب التي تؤكد عليها بعض المؤسسات الدولية الكبرى كالبنك الدولية والمنظمات الحديثة على المستوى الدولي التي انشئت بغرض مناهضة الفساد
و آلياته.، فإذا افترضنا بأن ع : تمثل إجمالي العوائد الناتجة عن إعادة بعث مؤسسة الحسبة
و أن ع1 : تمثل العوائد الناتجة عن تخفيض تكاليف الفساد و الوفورات المرتبطة بقليل الانحرافات و الممارسات السلبية .(44/38)
ع2 : تمثل المنافع الناتجة عن تحسين الأداء و العوائد المتعلقة بزيادة الإنتاجية
و أن ك : تمثل إجمالي تكاليف إعادة بعث و تنشيط مؤسسة الحسبة.
فستكون : ع = ع 1 + ع 2 + ع3
بحيث أن : ع < ك
و نتوقع بأن تكون ع = (ع 1 + ع2 + ع3 )-ك <0 وهذا يؤكد الجدوى الاقتصادية الحالية لإقامة هذه المؤسسة الحيوية.
2- الجدوى الحضارية و الاجتماعية لمؤسسة الحسبة الرقابية
إن المنهج الغربي يقوم على أساس عولمة خصوصيته الحضارية و يسعى بموجب ذلك إلى تهميش النماذج الحضارية الأخرى بتحطيم قاعدتها الاقتصادية المادية في ظل منافسة احتكارية تكتلاتية غير متكافئة مع دول ضعيفة و مؤسسات اقتصادية أضعف، و لهذا فإن من مصلحة الإنسانية اليوم أن تشهد ظهور نماذج تنموية حضارية أخرى يكون فيها التعاون و التكامل بديلان للصراع و الهيمنة الذين يكرسان الأحادية الحضارية.
فهناك ضرورة موضوعية لتنمية الجوانب المادية و المعنوية التي تبرز ملامح خصائص المنهج الإسلامي وصولا إلى عالم تتطور فيه النماذج المجتمعية بعاداتها
وتقاليدها و أنواعها و أذواقها و أنماط حياتها فتتجسد روعة الحياة البشرية و تنوعها
وتتجلى أناقتها الحضارية، وقوفا في وجه محاولات التنميط الأحادي الحالي الذي يهدف إلى عولمة القيم الغربية و علمنه أيديولوجيتها و تديين نظرياتها و تعويم أنماط حياتها لخدمه حفنة من المضاربين و المرابين الذين يتحكمون في أسواق العالم
ويستحوذون على ثرواته.(44/39)
فمهمة مؤسسة الحسبة الرقابية هامة و ضرورية في مجال ضبط السلوك الإنساني و توجيهه بشكل يقلل من الانحرافات الاجتماعية و يبني نمطا حياتيا يدعم الجوانب التي تظهر خصوصية المجتمع و تساعد على نموه المضطر في إطار المحيط الإقليمي و العالمي السائد، الأمر الذي يؤدي إلى تنامي الآثار الإيجابية الاجتماعية على الحياة الاقتصادية بصورة تعظم المنافع و تقلل من التكاليف الحالية التي يتحملها المجتمع في ظل الفراغ الرقابي الناتج عن تغييب مؤسسة الحسبة .
ثالثا : نحو هيكل تنظيمي لمؤسسة الحسبة لترقية دورها ورفع كفاءتها الاحتسابية
إن حجم الانحرافات المجتمعية و طبيعة التحديات التي تواجه عملية التغيير و الإصلاح أمور تستدعي أن تأخذ مؤسسة الحسبة وزنا تنظيميا و إداريا بحجم وزارة دائمة تسمى وزارة الحسبة و الرقابة تساعدها مؤسستان هما :
أ- المجلس الأعلى للحسبة و الرقابة
الذي يقترح الخطط الرقابية و مشاريع التوجيه الإحتسابي و يعد برامج تطوير مناهج الرقابة وصيغ الاحتساب ، و يقيم الأداء المؤسساتي لمختلف أجهزة وزارة الحسبة، ويقترح على ضوء ذلك البرامج التعليمية، و دورات الارتقاء التكويني بالموظفين... الخ.
و يتكون المجلس الأعلى للحسبة من مختصين وخبراء من مختلف القطاعات بما يضمن وجود تشكيلة متكاملة من الكفاءات التي تغطي ميادين العملية الاحتسابية الرقابية التوجيهية.
ب- المعهد الأعلى للحسبة
وهو مؤسسة علمية تهتم بتكوين الإطارات القادرة على القيام بوظيفة الاحتساب و مهمة الرقابة بمختلف التخصصات و بمستويات متنوعة حسبا لمتطلبات كل وظيفة و حاجات كل تخصص، كما تقوم هذه المؤسسة بمهمة علمية أكاديمية فتساهم في تطوير الأبحاث و الدراسات و الاجتهادات المتعلقة بالعملية الرقابية الاحتسابية .
و تتفرع وزارة الحسبة و الرقابة إلى ثلاث مديريات مركزية هي :
1- المديرية الوطنية للحسبة و الرقابة على النشاط المؤسساتي(44/40)
و تقوم هذه المديرية بالعملية الاحتسابية على المؤسسات الوطنية و تتكون لهذا الغرض من الإدارات الفرعية المركزية التالية :
1-1- مديرية الحسبة الاقتصادية و المالية و النقدية
و تختص بالاحتساب و الرقابة على المؤسسات الاقتصادية، و المؤسسات المالية، و المؤسسات النقدية على المستوى الوطني، لتتأكد من سلامة أنشطتها من المخالفات الشرعية والموضوعية، و الانحرافات التي تخل بمستويات الأداء، و نلاحظ في الوضع الحالي فراغا رقابيا و إحتسابيا بجعل الكثير من هذه المؤسسات بمعزل عن الرقابة الخارجية المستقلة التي لها صلاحيات ترشيدية و توجيهية.
فهذه المديرية تساهم في رفع فعالية الأداء التنظيمي و الإنتاجي و الخدماتي لهذه المؤسسات العامة و الخاصة، المحلية و الأجنبية.
1-2- مديرية الحسبة التعليمية و التربوية
و تخص بمتابعة العملية التربوية و التكوينية في المؤسسات التعليمية الوطنية، للتأكد من سلامة طرائقها و حداثه برامجها، و قدرة إطاراتها على تنشئة الأجيال القادرة على القيام بوظيفتها التغييريه التنموية و تأدية رسالتها الحضارية بكفاءة و لا يمكن لقطاع حيوي أن يبق بعيدا عن التوجيه و الترشيد الدائمين، في بداية هذا القرن الجديد الذي يتطلب موارد بشرية مدربة و محصنة و قادرة على مواجهة التحديات الحالية و المستقبلية .
1-3- مديرية الحسبة الاجتماعية
وتختص بالاحتساب و الرقابة على المؤسسات الاجتماعية الوطنية والمؤسسات الصحية الوطنية، و المؤسسات العمرانية الوطنية لتقوم بدورها بأقصى درجات المهارة و الإتقان و بأقل ما يمكن من التكاليف المالية و المادية و البيئية، و في الآجال المحددة لمختلف الشرائح و المصالح.
1-4- مديرية الحسبة الإعلامية الثقافية(44/41)
و تختص بمراقبة النشاط الإعلامي الوطني بمختلف وسائله لتمكينه من تأدية دوره في أجواء الحرية، و المسؤولية، و الصدق، كما تتابع النشاط الثقافي لتخليصه من مظاهر التمييع و التسييس، و تحفيز الثقافة الجادة التي تبني الشخصية الفردية و الجماعية التي تتطلبها عملية التنمية الشاملة.
2- المديرية الوطنية للحسبة و الرقابة على السلطات العامة
يتوسع الجهاز المؤسسي للحسبة ليشمل الرقابة و الاحتساب على السلطات العامة الوطنية التي أصبحت معظم مؤسساتها محضنا للفساد الرسمي المموه تحت ستار الممارسات البيروقراطية و الإجراءات الإدارية التحكمية، و يمكن تقسيم أنشطة مديرية الحسبة و الرقابة على السلطات العامة إلى :
2-1- مديرية الحسبة السياسية
و تختص بمراقبة الهيئة المنظمة التي تتولى ممارسة الحكم و إدارة شؤون الدولة، و تقوم بمتابعة أنشطتها بغية تحقيق كفاءة الأداء السياسي في ظل مناخ العدل وتكافؤ الفرص منعا للإستبداد، و التعسف في إستعمال السلطة أو الاستقواء بها على الخصوم و تحقيقا للتداول السلمي على السلطة و تصريفا للتدافع المتعلق بها بطريقة سلمية .
فتخضع للاحتساب السلطة السياسية و المؤسسات التي تشكل الخارطة السياسية لضمان الاصطفاء المناسب للبرامج و الكفاءات بما يجسد إرادة الأغلبية
ويصون حقوق الأقليات.
كما تعمل الحسبة السياسية على تنبيه الحكام الى الانحرافات وإرشادهم الى المخالفات التي تؤدي الى اضعاف الثقة في السلطة السياسية كل ذلك من أجل بناء قوة الدولة على تماسك جبهتها الداخلية والاقليمة.
2-2- مديرية الحسبة التشريعية
و تقوم بالرقابة و الاحتساب على السلطة التشريعية حتى تنسجم تشريعاتها مع خصوصية المجتمع و أهدافه العامة و مبادئه المذهبية منعا للمخالفات و التجاوزات التشريعية، و ضبطا للممارسات الرقابية للسلطة التشريعية.
2-3- مديرية الحسبة القضائية(44/42)
و تهتم بمتابعة نشاطات السلطة القضائية الوطنية : و مراقبة رجال القضاء وكذلك حمايتهم من الضغوط الفوقية لتأدية وظيفتهم بنزاهة و أمانة و إنصاف،
وحماية المجتمع و أفراده من انحرافاتهم و ممارساتهم السلبية تحقيقا للعدالة و المساواة أمام القانون، من أجل إيجاد المناخ الملائم للارتقاء المجتمعي الذي لا يمكن أن يتحقق في ظل انتشار الظلم الذي يعد من أكبر معوقات عملية التغيير التنموي.
2-4- مديرية الحسبة الأمنية
تعاني بعض البلدان الإسلامية من هيمنة الأجهزة الخاصة على الحياة السياسية و الاقتصادية، و تزايد تسلطها و تجاوزها لصلاحياتها و وظائفها، الأمر الذي أخل بأولويات و أهداف العملية التنموية، و أضحى يشكل مظهرا من مظاهر الانحطاط والتخلف، و لهذا تتوسع المهام الاحتسابية الرقابية لمؤسسة الحسبة الحديثة لتشمل إدارة تتكلف بمتابعة الانحرافات و الحد من الفساد الذي استشرى داخل المؤسسة الأمنية التي تفلتت من الرقابة المجتمعية في ظل الأنظمة الوضعية الحالية و أصبحت تشارك في توليد و إعادة إنتاج الفساد الاقتصادي، و من شأن هذا النشاط الاحتسابي أن يعظم الدور الحقيقي للمؤسسة الأمنية و العسكرية في توفير الأمن الوطني والإقليمي و الدفاع عن وحدة الوطن و سلامة المجتمع خاصة ونحن في وضع خطير تزايدت فيه التحديات الأمنية الاستراتيجية الخارجية الأمر الذي يضمن تحقق المناخ الضروري لعمليات التنمية الشاملة .
3- المديرية الوطنية للتسيير و الإدارة وتشتمل على
3-1- مديرية الموظفين
وتختص بتسيير الموظفين و إدارة كافة شؤونهم، و تطوير آليات التعاون بينهم، و تنمية طرق التكامل في القيام بالمهام الاحتسابية و تقييم دور المنظومة المؤسسية للحسبة الرقابية في القيام بدورها، من أجل رفع كفاءة الأداء الاحتسابي،
وتعمل باستمرار على تحديد الاحتياجات اللازمة من الموارد البشرية المطلوب تشغيلها،(44/43)
وتقوم بعملية الاختيار و الانتقاء بالتنسيق مع المديريات المعنية .
3-2- مديرية المالية والميزانية
وتختص بتقدر الاحتياجات المالية وتحديد الميزانية التي تتطلبها عمليات تسيير وادارة مؤسسة الحسبة وتسهيل عمليات تدخلها، وكيفية تدبير مواردها المالية.
3-3- الاتصال والعلاقات
وتهتم بتنظيم الاتصالات والعلاقات مع الأجهزة والدواوين المختصة وربط شبكة من العلاقات مع مؤسسات الدولة بصورة تؤدي إلى تفعيل عمليات الرقابة والتنسيق مع مختلف المصالح والجهات تلافيا للتعارض والتقارب والازدواجية.
3-4-مديرية التكوين والتوجيه
وتختص بتنظيم عمليات التكوين المستمر للوظائف الاحتسابية بما يتماشى مع تطور الأنشطة المجتمعية و مستجداتها .
و ينحدر الهرم التنظيمي التمثيلي لتلك المديريات الوطنية إلى المستوى الجهوي
والمحلي في تنسيق و تكامل لتأدية العملية الاحتسابية الرقابية عن طريق المديريات
والمفتشيات المختلفة بصورة تضمن كفاءة الأداء الذي يقلل من حدة الاضطراب
والفوضى في تأدية المهام و إنجاز الأعمال و تقديم الخدمات المجتمعية بما يساعد على رفع الإنتاجية القومية لمواجهة التحديات الحالية و المستقبلية ، و الشكل اللاحق يبين الهيكل التنظيمي الإداري لمؤسسة الحسبة الرقابية خاصة ونحن نعلم محدودية التجارب الحديثة لمأسسة الأنشطة الاحتسابية ضمن هيكل تنظيمي يشمل مختلف الوظائف التقليدية والحديثة التي تستوعب مستجدات الحياة المجتمعية .
( ( (
الخاتمة :
لعبت مؤسسة الحسبة دورا حضاريا هاما في توجيه الأنشطة المجتمعية المتعددة لتنسجم مع منظومة الضوابط الشرعية والقيم الأخلاقية والعقائدية الإسلامية، وتعد من أهم مؤسسات الاقتصاد الإسلامي، وتتأكد مكانتها في الواقع الحالي للاقتصاديات الإسلامية التي إستشري فيها الفساد وتطورت آلياته وأضحت تقلل من مقدرتها التنافسية في عالم يزداد فيه الانفتاح والتحرير والعولمة الانتقائية.(44/44)
ولقد تبينت لنا المكانة الوظائفية للحسبة التي من خلالها يتم تفعيل وظائفها التقليدية وترقيه مجالاتها الحديثة المتعلقة بمستجدات الحياة الإنسانية في مختلف الميادين لتساهم في الأسلمة المتوالية للحياة الاقتصادية والاجتماعية وأخلقة السلوك الاقتصادي للارتقاء بمستويات الأداء الاقتصادي و تجاوز أوضاع التخلف وحالات التأزم التي تعاني منها الاقتصاديات الإسلامية.
وأن المكانة الوظائفية للحسبة لا يمكن إعمالها في الواقع الاقتصادي إلا من خلال إعادة بعث مؤسستها في إطار هيكل إداري متكامل له صلاحياته واستقلاليته ومكانته ضمن الأجهزة الهامة للدولة في البلدان الإسلامية.
الحواشي والتعليقات
(1) القاضي أبو يعلي، الاحكام السلطانية، دار الكتب العلمية، بيروت 1983، ص 284.
(2) أبن خلدون، المقدمة، دار الكتاب اللبناني، مجلد1، 1979، ص 398.
(3) د. نزية حماد، معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء،المعهد العالمي للفكر الإسلامي فرجينيا،الولايات المتحدة، ط1، 1993، ص= 120
(4) د. محمد المبارك، أراء ابن تيمية في الدولة و مدى تدخلها في المجال الاقتصادي، دار الفكر، دمشق،1970، ص=73.
(5) د. جورج قرم، الفوضي الاقتصادي العالمية الجديدة، دار الطليعة، بيروت، ط1، 1994، ص= 72 .
(6) راجع ابن خلدون، المقدمة ، مرجع سابق ، ص= 398 .
(7) أبو الحسن الماوردي، الاحكام السلطانية والولايات الدينية، ديوان المطبوعات الجزائرية، 1983، ص 223.
(8) سهام مصطفى أبو زيد ، الحسبة في مصر الإسلامية من الفتح الإسلامي إلى نهاية العصر المملوكي، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1986 ن ص 48
(9) نفس المصدر ، ص 49.
(10) د. نقولا زيادة ، الحسبة و المحتسب في الإسلام، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1962 ص 31 .
(11) سهام مصطفى أوزبد ، مرجع سابق، ص 51 .(44/45)
(12) عبد الرحمان الفاسي، خطة الحسبة في النظر و التطبيق و التدوين، دار الثقافة ، ط1، الدار البيضاء، المغرب ، ص 12 .
(13) المرجع السابق ، ص 14
(14) عبد الرحمان بن خلدون، المقدمة ، مرجع سابق ، ص 399 .
* اتهم الرئيس الأمريكي الأسبق المضاربين بسوء الأخلاق لتسببهم في أزمات مالية في شرق آسيا وفي روسيا وأمريكا اللاتينية، ومع ذلك فان القانون لا يجرم ذلك السلوك رغم مضاعفاته الإقليمية والدولية، وذلك لان الفصل التعسفي للاقتصاد عن الأخلاق يؤدي إلى إهمال جوانب الفساد المرتبطة بتجاوز القيم والأخلاقيات الإنسانية.
(15) مايكل جونستون،المسؤولون العموميون والمصالح الخاصة والديمقراطية المستدامة،في الفساد والاقتصاد العالمي،ترجمه محمد جمال امام،ط1 2000، ص 92
(16) تقرير عن التنمية في العالم 1997، ص 112.
(17) روبرت كليتجارد، استئصال شأفة الفساد، مجلة التمويل والتنمية، المجلد23 العدد 2/2000، ص2.
(18) FRANCIS FUKUYAMA, La confiance et la puissance : Vertus sociales et prospérité économique, plon, 1997.
?? فحتى العقد الاخير من القرن العشرين كانت بعض الممارسات اللاخلاقية معترفا بها في المجال الاقتصادي وخاصة في العلاقات الاقتصادية الدولية،
فدفع الرشوة للمسؤولين الاجانب للحصول على الصفقات والاعمال يعتبر معاملة معترف بها تخصم تكاليفها من الدخل الخاضع للضريبة في معظم دول
الاتحاد الاوربي فحتى سنة 1999 لم يكن القانون يجرم دافع الرشوة .
(19) عبد الرحمان القاسي، مرجع سابق، ص 30.
(20) د. نقولا زيادة ، مرجع سابق ، ص = 95 .
- للمزيد من الإطلاع على فقه الحسبة في هذا المجال، يمكن مراجعة : كتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة للشيرزي، و معالم القربة لأبن الأخوة، و كتاب في آداب الحسبة للسقطي، وكذلك ابن عبدون، وابن عبد الرؤوف، والجرسيفي والغزالي وابن بسام و غيرهم من فقهاء وكتاب الحسبة.(44/46)
(21) القاضي أبو يعلي، مرجع سابق، ص303.
(22) أديدجي باديرو، الدليل الصناعي إلى ايزو 9000، ترجمة فؤاد هلال، دار الفجر للنشر والتوزيع، 1999،ص 12.
- لقد أسست العديد من المؤسسات القومية للمواصفات تقوم بالتنسيق مع المنظمة العالمية للمواصفات القياسية
THE INTERNATIONAL ORGANIZATION FOR STANDARDIZATION IOS ) )
(23) سهام مصطفى أبوزيد، مرجع سابق، ص = 202.
-يمكن مراجعة بعض الأحكام المتعلقة بتهذيب السلوك الإنتاجي أو التجاري في بلدان المغرب العربي و الأندلس في كتاب التسيير في أحكام التسعير
لأحمد سعيد المجيلدي الذي حققه موسى لقبال و نشر بالجزائر، و كذلك كتاب أحكام السوق ليحي بن عمر الذي حققه حسن حسني عبد
الوهاب و نشر بتونس. و غيرها من الكتب الأخرى.
(24) القاضي أبو يعلي، الأحكام السلطانية، مرجع سابق، ص302.
(25) نفس المصدر، ص 302.
(26) نفس المصدر، ص303.
(27) مهما كانت جنسية هذه الشركات فلا يجوز سرقة علاقتها ورموزها.
(28) راجع د. جمعه سعيد سرير، النظام القانوني لمنظمة التجارة العالمية، الدار الجماهيرية، ط1، 2002.
(29) د ، رمضان علي السيد الشرنباصي ، حماية المستهلك في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة مطبعة الأمانة ، ط1 ، 1404 ، ص 81 .
(30) للمزيد من التفصيلات يراجع كتاب : د . شرف بن علي الشريف ، الإجارة الواردة على عمل الإنسان دراسة مقارنة، دار الشرق، ط1، 1980
(31) راجع سمير عبد الحميد رضوان ، أسواق الأوراق المالية و دورها في تمويل التنمية الاقتصادية : دراسة مقارنة بين النظم الوضعية و أحكام
الشريعة الإسلامية ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، القاهرة ، 1996 .
(32) حمدي عبد العظيم ، التعامل في أسواق العملات الدولية ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، القاهرة ، 1996 ، ص 45 .(44/47)
(33) نائل عبد الحافظ العوالمة، الرقابة المالية العامة :مدخل نظامي مقارن، مجلة الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز، حدة ،1990، ص 57.
(34) البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1997: الدولة في عالم متغير، مركز الاهرام ط 1، 1997، ص 114.
(35) تقرير عن التنمية في العالم 1994 ، البنية الأساسية من أجل التنمية، البنك الدولي، 1994، ص 12، 13 .
(36) محمد عمر شابرا، الاسلام والتحدي الاقتصادي، ترجمة محمد زهير السمهوري، المعهد العالمي للفكر الاسلامي، 1996، ص400.
(37) القاضي أبو يعلي الفراء، ص 289 .
(38) راجع كذلك رأي ابن جماعة في كتاب د. نقولا زيادة، مرجع سابق ، ص93.
(39) عبد الرحمان الفاسي، المرجع سابق ، ص 34 .
(40) تقرير عن التنمية في العالم، 1997 ص41.
(41) محمد الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الاسلامية، الشركة التونسية للنشر والتوزيع،1985، ص82.
(42) سهام مصطفى أبو زيد، مرجع سابق ص= 187 .
??
??
20 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
مكانة مؤسسة الحسبة في الاقتصاد الإسلامي 19(44/48)
منهج مقترح لتفعيل
الرقابة الشرعية والمالية
على صناديق الاستثمار الإسلامية
د. حسين حسين شحاتة
خبير استشاري - جامعة الأزهر
(طبعة تمهيدية)
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تبارك وتعالى:
( يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم (
………( البقرة:276 )
( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما (
……… ( النساء: 5 )
قال رسول الله ( :
(( إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته، فإن كان خيراً فأمضه، وإن كان غيّاً فانته عنه ))
( رواه أحمد )
(( لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه ))
…… (رواه الترمذي )
قال العماد الأصفهاني :
إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده : لو غير هذا لكان أحسن ولو زيد كذا لكان يستحسن ، ولو قدم هذا لكان أفضل ، ولو تركت هذا لكان أجمل ، وهذا أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر .
المقدمة:
فكرة الدراسة:
تتسم صناديق الاستثمار الإسلامية بذاتية تميزها عن غيرها من الصناديق التقليدية من حيث طبيعة العلاقة بينها وبين أصحاب الوحدات ( الصكوك ) الاستثمارية، وكذلك من حيث طبيعة أدوات تجميع المدخرات، ومن حيث صيغ توظيف الأموال، وأيضا من حيث طبيعة العلاقة التي تنشأ بين أصحاب الوحدات الاستثمارية وبين إدارة تلك الصناديق وبين المؤسسات المالية التي تتبعها أحيانا، وكذلك من حيث التزامها بأحكام و مبادئ الشريعة الإسلامية في معاملاتها، واتساع مسؤولية القائمين على أمرها لتشمل المسئولية أمام المجتمع وأمام الأمة الإسلامية وأمام الله (.(45/1)
كل ما سبق يجب أن يكون له أثرٌ فعالٌ على منهج وأسس ومعايير وأساليب الرقابة على أنشطتها ومعاملاتها المختلفة حيث تخضع لعدة أنواع من الأجهزة الرقابية منها: الرقابة الشرعية،والرقابة المالية، والرقابة الإدارية، والرقابة المصرفية، والرقابة الشعبية، والرقابة الذاتية من ذات العاملين بها، ولكل منها مقاصد ومناهج وأساليب تحتاج إلى الدراسة والتحليل بهدف تقويمها وتفعيلها لتحقيق مقاصدها المرجوّة.
لذلك كانت هناك ضرورة شرعية وحاجة استثمارية لإعداد دراسة علمية وعملية تساعد المعنيين بأمور الرقابة السابقة لتمدهم ببعض الأسس والمعايير والإرشادات العملية عن الجوانب التنفيذية لعمليات الرقابة من حيث تخطيطها وبرمجتها وتنفيذها والتقرير عنها وذلك في ضوء وأحكام الشريعة الإسلامية، وفي ضوء ما صدر عن الهيئات والمجالس الفقهية والمالية والمحاسبية من فتاوى وقرارات وتوصيات وإرشادات ومعايير، وأيضا في ضوء القوانين والقرارات والتعليمات والنظم واللوائح المختلفة، وهذا كله في إطار منهج متكامل يتسم بالمشروعية والموضوعية والمعاصرة والقابلية للتطبيق.
المقاصد العامة للدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق مجموعة من المقاصد من أهمها ما يلي:
1- إيضاح الإطار العام لمنهج وأسس وضوابط ومعايير ونظم وأساليب وأجهزة الرقابة على معاملات صناديق الاستثمار الإسلامية، وهذا يفيد في تفعيل دور الرقابة الشرعية والمالية ...وغيرها كما يساعد في تحقيق التنسيق والتكامل وتجنب الازدواجية والتعارض بينهما.
2- بيان كيفية التخطيط ووضع برامج الرقابة الشرعية و المالية و تحديد وسائل تنفيذها طبقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وفي ضوء قرارات وتعليمات البنوك المركزية، وطبقا للوائح والنظم الداخلية لهذه الصناديق.(45/2)
3- بيان الإجراءات التنفيذية للرقابة الشرعية والمالية على معاملات تلك الصناديق منذ وضع الخطط والبرامج التنفيذية وحتى إعداد التقارير الرقابية الدورية والسنوية، ومتابعة تسوية الملاحظات والأخذ بالتوصيات.
4- كيفية الاستعانة بأساليب التقنية الحديثة مثل: أساليب الحاسبات الإلكترونية ونظم المعلومات وشبكات الاتصالات في تطوير الإجراءات التنفيذية للرقابة الشرعية والمالية على معاملات صناديق الاستثمار الإسلامية.
5- تطوير العلاقات بين أجهزة الرقابة الشرعية والمالية وتحقيق التنسيق والتكامل بينهما، وكذلك مع إدارة الصناديق ومع العاملين التنفيذيين بما يحقق المصالح ويساهم في تفعيل الرقابة.
6- تقديم نماذج إرشادات معاصرة للرقابة الشرعية والمالية معدة وفقا للمنهج والفكر والنظم الإسلامية ليحتذى بها أو يستفاد منها في الصناديق التقليدية.
منهجية إعداد الدراسة:
ليس القصد من هذه الدراسة هو التعرض بإسهاب للجوانب الفقهية والمالية والمحاسبية والرقابية لمعاملات صناديق الاستثمار الإسلامية لأن لذلك بحوثاً ودراسات متخصصة، ولكن سيكون التركيز على الإطار الفكري والتطبيق العملي لممارسة عمليات الرقابة على تلك الصناديق، وكذلك لاستقراء المشكلات العملية التي تواجه أجهزة الرقابة عند التنفيذ وتقديم الاقتراحات لعلاجها وتطوير الأداء إلى الأفضل.
وتأسيساً على ذلك فإن هذه الدراسة تقوم على منهجين أساسيين هما:
1- المنهج الفكري التنظيري: ويتمثل في بيان المفاهيم والأسس والضوابط والمعايير التي تحكم عمليات الرقابة الشرعية والمالية على معاملات صناديق الاستثمار الإسلامية والتي تمثل المرجعية عند التنفيذ وهذا يمثل الإطار الفكري لمنهج الرقابة الشرعية والمالية على صناديق الاستثمار الإسلامية.(45/3)
2- المنهج العملي التنفيذي: ويتمثل في بيان الإجراءات التنفيذية لعمليات الرقابة الشرعية والمالية على أنشطة صناديق الاستثمار الإسلامية طبقا لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية والقوانين والتعليمات واللوائح والنظم وكذلك في ضوء أسس ومعايير المحاسبة والمراجعة الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وكذلك الصادرة عن المنظمات العالمية متى كانت لا تتعارض مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وهذا يمثل الجوانب التطبيقية للرقابة الشرعية والمالية على صناديق الاستثمار الإسلامية.
عناصر الدراسة:
تتمثل الغاية الأساسية من هذه الدراسة في وضع منهج متكامل فكري وتنفيذي للرقابة الشرعية والمالية على معاملات صناديق الاستثمار الإسلامية، وضبط علاقة تلك الصناديق بكل من أصحاب الوحدات( الصكوك) الاستثمارية وبين الإدارة المسئولة عنها بما يحقق المحافظة على الأموال وتنميتها طبقا لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وكذلك طبقاً للقوانين والقرارات والتعليمات واللوائح المنظمة لأدائها.
ولتحقيق تلك الغاية فسوف يتم التركيز على المسائل (العناصر) الآتية:
(1)- دواعي الحاجة إلى تفعيل وتطوير الرقابة الشرعية والمالية على معاملات صناديق الاستثمار الإسلامية في ضوء التحديات الداخلية والخارجية.
(2)- بيان الأسس والمعايير التي تحكم آلية الرقابة الشرعية والمالية على معاملات صناديق الاستثمار الإسلامية والمستنبطة من أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، ومن النظم السائدة متى كانت متفقة على أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، ومع الضوابط الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية .
(3)- كيفية تخطيط عمليات الرقابة الشرعية والمالية على صناديق الاستثمار الإسلامية، وكيف تصمم لها برامج تدقيق شرعي ومالي لتكون دليلاً عند التطبيق العملي.(45/4)
(4)- طبيعة آلية تنفيذ عمليات الرقابة الشرعية والمالية في ضوء الأهداف والأسس والمعايير والخطط والبرامج باستخدام الأساليب المعاصرة، وذلك من خلال برامج الرقابة.
(5)- بيان التكييف الفقهي للتقارير الرقابية الشرعية والمالية باعتباره أساساً لتحديد مسئولية كل من المراقب الشرعي والمراقب المالي عن تقاريرهما من المنظور الشرعي والقانوني والمهني والاجتماعي.
(6)- وضع إطار مقترح لدليل الإجراءات التنفيذية للرقابة الشرعية والمالية يسترشد به في الواقع العملي.
ولقد تبين من الدراسة الميدانية على عينة من صناديق الاستثمار الإسلامية أنه لا يوجد في معظمها رقابة شرعية دائمة ومستمرة طوال السنة، كما تباشر الرقابة المالية الداخلية والخارجية بنفس المنهجية التقليدية، وهذا يوجب التطوير لتحقيق الفعالية(1).
خطة الدراسة:
لقد خططت الدراسة بحيث تقع في ثلاثة مباحث نظمت على النحو التالي:
المبحث الأول: طبيعة أنشطة صناديق الاستثمار الإسلامية وحاجتها إلى منهج متكامل للرقابة الشرعية والمالية.
المبحث الثاني: منهج مقترح للرقابة الشرعية على معاملات صناديق الاستثمار الإسلامية.
المبحث الثالث: منهج مقترح للرقابة المالية الداخلية والخارجية والمصرفية على معاملات صناديق الاستثمار الإسلامية.
هذا وسوف نُورد في نهاية هذه الدراسة النتائج العامة، وبعض التوصيات لتطوير فعالية الرقابة الشرعية والمالية، وقائمة بأهم المراجع لمن يريد الحصول على مزيد من المعرفة.
* * *
المبحث الأول
طبيعة أنشطة صناديق الاستثمار الإسلامية
وحاجتها إلى منهج للرقابة الشرعية والمالية
(1/1)- تمهيد:(45/5)
يختص هذا المبحث بعرض طبيعة أنشطة صناديق الاستثمار الإسلامية والسمات الخاصة بها والتي تقضي بضرورة وجود نظم رقابية شرعية مالية ومصرفية في إطار متكامل ومترابط ومنسق بهدف المحافظة على أموال أصحاب الوحدات (الصكوك) الاستثمارية وتنميتها، والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك كيفية حمايتها من التحديات المحلية والعالمية، وهذا ما سوف نتناوله بشيء من الإيجاز في هذا المبحث وذلك كمدخل للدراسة.
(1/2)- الخصائص المميزة لصناديق الاستثمار الإسلامية:
تعتبر صناديق الاستثمار الإسلامية أحد المؤسسات المالية الإسلامية التي تتولى تجميع أموال المستثمرين في صورة وحدات أو صكوك استثمارية، ويعهد بإدارتها إلى جهة من أهل الخبرة والاختصاص، لتوظيفها وفقاً لصيغ الاستثمار الإسلامية المناسبة، على أن يتم توزيع صافي العائد فيما بينهم حسب الاتفاق، ويحكم كافة معاملاتها أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية والقوانين والقرارات والتعليمات الحكومية واللوائح والنظم الداخلية.
يشتمل هذا المفهوم على أهم الخصائص المميزة لصناديق الاستثمار الإسلامية، ومن أهمها ما يلي:
1- لها شخصية معنوية مستقلة عن أصحاب الوحدات الاستثمارية وعن الجهة المنوطة بإدارتها، وتأسيساً على ذلك فهي مؤسسة لها صفة قانونية وشكل تنظيمي وإطار مالي ومحاسبي مستقل، وهذه السمة جائزة شرعاً.
2- تقوم على فكرة المضاربة الجماعية من قبل أصحاب الأموال (حملة الوحدات الاستثمارية)، حيث تقوم الصناديق بتجميع الأموال من أكثر من فرد أو جهة، والجميع يمثلون من منظور عقد المضاربة (رب المال)، ويمثل الصندوق كشخصية معنوية رب العمل، وهذه السمة تخضع لفقه عقد المضاربة.(45/6)
3- يلتزم الصندوق في معاملاته وتصرفاته المختلفة بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وكذلك بالفتاوى والمقررات والتوصيات الصادرة عن مجامع الفقه وهيئات الفتوى والمسائل المعاصرة المتعلقة بمعاملات الصندوق، وهذا يوجب الرقابة الشرعية الفعالة.
4- يلتزم الصندوق بالقوانين والقرارات والتعليمات الصادرة عن الجهات الحكومية المشرفة على الصناديق ما دامت لا تخالف أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وإن وجد تعارض يجب إزالته في إطار مبدأ التوفيقية، وهذا يوجب الرقابة المصرفية من قبل البنوك المركزية (مؤسسات النقد).
5- يتولى إدارة الصندوق جهة متخصصة يحكم علاقتها بالصندوق عقد الوكالة أو عقد العمل أو أي عقود مستحدثة والتي تعمل في إطار الأهداف والسياسات والخطط الاستراتيجية والمرجعية الشرعية والقانونية والاستثمارية، وهذا يوجب الرقابة على القرارات الإدارية من مجلس الإدارة ومدير الصندوق.
6- توظف الأموال طبقاً لمجموعة من الضوابط والمعايير الإسلامية في مجال الاستثمار المباشر وغير المباشر، وذلك طبقاً لصيغ الاستثمار الإسلامية ومنها المساهمات في أوراق مالية، والمضاربة والمشاركة والمرابحة والسلم والاستصناع والإجارة، وأي صيغة مستحدثة لا تتعارض مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وهذا يوجب الالتزام بالمعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
7- يحق للمشتركين في الصندوق استرداد قيمة مساهمتهم وفق ضوابط وشروط معينة بما يتناسب مع الاستمرار لمدد مختلفة ويناسب صغار المستثمرين، ويستلزم ذلك إعادة تقويم الوحدات الاستثمارية على فترات دورية حتى يسهل تخارج من يرغب من المشاركين، وهذا يوجب الالتزام بمعايير المحاسبة الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.(45/7)
8- تعدد الأطراف المرتبطة بالصندوق وتتمثل في معظم الأحيان من: المؤسسين والمشاركين والمسوقين،وأمناء الاستثمار والإدارة، ويحكم هؤلاء مجموعة من العقود الشرعية والقانونية، وهذا يوجب الرقابة الخارجة على حسابات الصندوق من قبل المدقق الخارجي الذي يقدم لهم تقريرا عن نتائج الأعمال والمركز المالي.
9- توزع العوائد بين الأطراف السابقة وفقا لضوابط عقود المضاربة والوكالة والسمسرة وذلك طبقا للمعايير الشرعية والمحاسبية الصادرة في هذا الشأن من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
وهذه الخصائص توجب أن يكون على عمليات الصندوق رقابة فعالة متعددة المقاصد والجوانب للاطمئنان من المحافظة على الأموال وتنميتها وتحديد الحقوق بالعدل، ودليل ذلك من الكتاب قول الله تبارك وتعالى:( وليكتب بينكم كاتب بالعدل ( ( البقرة:282 )
( 1/3 )- طبيعة العقود التي تحكم علاقات أطراف صناديق الاستثمار الإسلامية:
تعتبر صناديق الاستثمار الإسلامية من الوحدات الاستثمارية المتعددة الأطراف، ويحكم العلاقات السببية بينها مجموعة من العقود يجب بيان طبيعتها لدورها المباشر على أنواع ونظم وآليات الرقابة الشرعية والمالية.
وتتمثل هذه الأطراف في الآتي:
* الجهة المنشأة للصندوق: قد تكون أحد المصارف الإسلامية أو مجموعة من رجال المال والأعمال، ويطلق عليهم المؤسسون أو المساهمون، وتربطهم بالصندوق عقد الملكية وهم يمثلون الصندوق قانونا أمام غيرهم.
* المشتركون في الصندوق: وهم الذين يشترون الوحدات( الصكوك أو ما في حكمها ) الاستثمارية، ويربطهم بالصندوق عقد المضاربة.
* إدارة الصندوق: وهي الجهة الفنية المنوطة بإدارة معاملات وعمليات الصندوق وبصفة خاصة إدارة محافظ الاستثمارات والأوراق المالية، ويربطها بالصندوق عقد الوكالة.(45/8)
* جهات تسويق الوحدات( الصكوك ) الاستثمارية: قد تعهد الجهة المنشأة للصندوق إلى بعض المؤسسات المالية في إصدار وتسويق الوحدات الاستثمارية مقابل الحصول على عمولة أو أجر وفقا لعقد الوكالة بأجر ، كما قد تعهد إدارة الصندوق إلى بعض المؤسسات المالية أو غيرها لتساعدها في استثمار أموال الصندوق في عمليات استثمارية وفقا لعقد الجعالة.
يتضح من العرض السابق تعدد أنواع العقود التي تربط الصندوق كشخصية معنوية مستقلة بالعديد من الأطراف المعنية به ومن أهم هذه العقود: عقد التملك، وعقد المضاربة، وعقد الوكالة، وعقد الجعالة، ولمزيد من التفاصيل عن طبيعة هذه العقود يرجع إلى المراجع المذكورة بالهامش.
ويوجد بالصفحة التالية خريطة بيانية توضح العلاقات السببية بين أطراف الصندوق ونوع العقود بينهم.
(1/4)- طبيعة أنشطة صناديق الاستثمار الإسلامية وحاجتها إلى الرقابة:
بعد استيفاء الجوانب الشرعية والقانونية لإنشاء الصندوق سواء قام بذلك أحد المصارف الإسلامية أو شركة استثمار إسلامية أو مجموعة من الأفراد، وذلك طبقاً للقوانين والقرارات المنظمة لعملية التأسيس، حيث يتم تقسيم رأس مال الصندوق إلى وحدات (صكوك)، يمثل كل منها حصة شائعة في رأس المال، وتطرح هذه الوحدات للاكتتاب العام للراغبين في المشاركة، وذلك طبقاً لعقد المضاربة أو الوكالة بالاستثمار، وليس هناك م حرج شرعي أو مخالفة قانونية من مساهمة الجهة المنشأة للصندوق في الوحدات الاستثمارية، وفي كل الأحوال يجب أن تكون المساهمة نقداً حسب ما رآه جمهور الفقهاء(2)، ومن حق المشارك تداول حصصه بالطرق الشرعية وحسب القوانين المنظمة لذلك، كما يجوز للجهة المنشأة للصندوق أن تستعين بالجهات المتخصصة لتساعدها في تسويق الصكوك.
وتقوم إدارة الصندوق بمباشرة الأنشطة المخططة ومن أهمها ما يلي:
(1)- استثمار (توظيف) الأموال طبقاً للمعايير الشرعية والصيغ الاستثمارية ومنها:(45/9)
- تكوين محفظة الأوراق المالية (استثمار غير مباشر).
- المساهمة في مشروعات استثمارية مختلفة (استثمار مباشر)(3).
(2)- تقوم إدارة الصندوق بأعمال المتابعة والمراقبة وتقويم الأداء الاستثماري للاطمئنان من المحافظة على الأموال وتنميتها، وذلك طبقاً للوائح الداخلية للصندوق، وكذلك طبقاً لقرارات وتعليمات الجهة المنشأة والبنوك المركزية.
(3)- اتخاذ الإجراءات اللازمة للاستجابة لرغبات المتخارجين من الصندوق وتحديد حقوقهم حسب الضوابط والأسس والنظم المعتمدة، وتتولى الجهة المنشأة أو جهة أخرى بالشراء بالسعر الذي تم التقويم به، وذلك في مواعيد دورية معينة حسب أسس القيام الشرعي والمحاسبي الواردة في نشرة الاكتتاب.
(4)- تحديد النقدية الواجب الاحتفاظ بها سائلة لمواجهة طلبات الاسترداد، وذلك وفقاً للضوابط والأسس الواردة في لائحة الصندوق وفي ضوء الموازنة النقدية التقديرية.
(5) متابعة ودراسة وتحليل الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية والاستثمارية ذات العلاقة المؤثرة على نشاط الصندوق بصفة عامة وعلى مكونات محفظته الاستثمارية بصفة خاصة، وذلك باستخدام الأساليب واتخاذ القرارات اللازمة سواء بالاحتفاظ أو البيع أو الشراء أو نحو ذلك.
(6)- تحديد وقياس عوائد الاستثمار وتوزيعها حسب الضوابط والأسس الشرعية والمالية والمحاسبية، وفي ضوء النماذج الواردة في لائحة الصندوق والإعلان عنها.
(7)- التقويم الدوري لموجودات والتزامات الصندوق، وتحديد صافي قيمة الوحدة (الصك) الاستثمارية ليساعدها في عمليات الاسترداد وذلك طبقاً لمعايير المحاسبة الصادرة عن الهيئة.(45/10)
(8)- باعتبار أن الصندوق شخصية معنوية واعتبارية مستقلة عن الجهة المنشأة له وعن مديره وعن المشاركين فيه لذلك يجب أن يتوافر مقومات هذه الشخصية ومنها: السجلات والوثائق، والعقود والنماذج، والدفاتر المحاسبية والقوائم والتقارير المالية.... ونحو ذلك، كما يجب أن يكون له مراقب حسابات خارجي ورقابة شرعية وذلك على النحو الذي سوف نفصله فيما بعد، وهذه الأمور الإدارية والمالية من مسئولية مديره.
(1/5)- أهمية ومقاصد الرقابة الشرعية والمالية على معاملات صناديق الاستثمار الإسلامية:
في ضوء العرض والتحليل السابق يتضح جلياً أن معاملات صناديق الاستثمار الإسلامية يجب أن تخضع للرقابة الشرعية والمالية بسبب تعدد مصالح الجهات المرتبطة بها، وأن كل جهة في أشد الحاجة إلى الاطمئنان من سلامة تلك المعاملات وعدم المساس بحقوقها، وكذلك التأكد من السلامة الشرعية والقانونية والاستثمارية... ونحو ذلك.
ويؤكد هذه الأهمية ما يلي:
1- ضرورة الاطمئنان من التزام الصندوق بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وهذا يوجب الرقابة الشرعية والشعبية والمجتمعية....
2- ضرورة الاطمئنان من السلامة القانونية لمعاملات وعقود الصناديق وأنها تتم وفقاً للقوانين والقرارات والتعليمات الواردة من الجهات الحكومية مثل: هيئة سوق المال، ومؤسسة النقد (البنك المركزي)، ومصلحة الشركات ونحو ذلك، والتي تختلف من دولة إلى أخرى، وهذا يوجب الرقابة القانونية والمصرفية.
3- ضرورة الاطمئنان من أن أموال المشتركين قد جمعت بالحق ووظفت بالحق طبقا لأسس ومعايير وصيغ الاستثمار والتمويل الإسلامية والفنية والمصرفية وهذا يوجب: الرقابة الاستثمارية.
4- ضرورة الاطمئنان من أن عمليات القبض والصرف والإيداع والسحب ونحو ذلك قد روجعت قبل وبعد تنفيذها مستندياً وحسابياً ومحاسبياً ولائحياً ... وهذا يوجب الرقابة المالية الداخلية.(45/11)
5- ضرورة الاطمئنان من صحة القياس والإفصاح المحاسبي عن الحقوق المالية لأطراف الصندوق، وكذلك الاطمئنان إلى سلامة المركز المالي ونتائج الأعمال وتوزيعها بالحق.... وهذا يوجب: الرقابة الخارجية على حسابات الصندوق من قبل المدقق الخارجي.
6- ضرورة تقويم الأداء على فترات دورات قصيرة، وكذلك تحديد صافي قيمة الوحدات الاستثمارية لمساعدة المشتركين لاتخاذ القرارات الاستثمارية الإبقاء أو التخارج، وهذا يوجب الرقابة الإدارية.
وتأسيساً على هذه الأهمية يجب أن يكون هناك منهج وإطار متكامل لنظم الرقابة الشرعية والمالية على صناديق الاستثمار الإسلامية يحكمه التنسيق والتكامل والتعاون.
(1/6)- الإطار العام لأجهزة ونظم الرقابة على معاملات صناديق الاستثمار الإسلامي:
تتعدد أجهزة ونظم الرقابة على معاملات صناديق الاستثمار الإسلامية من منظور مقاصدها الموضحة في البند السابق والتي تتكامل وتتعاون معا في إطار متناسق لتحقيق الغاية الكبرى وهي المحافظة على الأموال وتنميتها لتؤدى دورها المشروع في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويتمثل هذا الإطار في الآتي:
(الرقابة الشرعية : ويقوم بها هيئة الرقابة الشرعية.
(الرقابة القانونية : ويقوم بها مفتشو الجهات الحكومية.
(الرقابة اللائحية والتنظيمية (الإدارية) : ويقوم بها المراقب الإداري.
(الرقابة المصرفية …: وتقوم بها مؤسسة النقد ( البنك المركزي ).
(الرقابة الاستثمارية…: ويقوم بها المراقب ( الخبير الاستثماري ).
(الرقابة المالية الداخلية …: وتقوم بها إدارة الرقابة الداخلية.
(الرقابة المالية الخارجية …: ويقوم بها مراقب ( مدقق ) الحسابات الخارجي.
(الرقابة المجتمعية …: وتقوم بها المؤسسات الشعبية.(45/12)
ويجب أن توضع خطط وبرامج لتنفيذ أنواع الرقابة السابقة بحيث لا تؤدي إلى تعطيل أعمال الصندوق بدون مبرر موضوعي، كما يحكم كل نوع من تلك الأنواع مجموعة من الضوابط والأسس والمعايير، كما تستخدم مجموعة من الوسائل والأدوات بما يحققها من تحقيق مقاصدها على الوجه الحسن، ويوجد بالصفحة التالية خريطة بيانية توضح هذا الإطار.
الخلاصة:
نخلص من هذا البحث أن هناك ضرورة لخضوع معاملات وأعمال صناديق الاستثمار الإسلامية للرقابة الشرعية والمالية والمصرفية ..... ونحو ذلك، ونظرا لضيق المقام، وطبقا لحدود الدراسة، سوف نركز على الرقابة الشرعية والمالية الداخلية والخارجية مع التركيز على جوانبها التنفيذية من خلال دليل إرشادات مقترح يتضمن الإجراءات التنفيذية التي تساعد أجهزة الرقابة في أداء عملها ، وهذا ما سوف نتناوله في المباحث التالية.
المبحث الثاني
منهج مقترح للرقابة الشرعية
على معاملات صناديق الاستثمار الإسلامية
(2/1)-تمهيد:
يختص هذا المبحث بتناول المعايير الشرعية والإجراءات التنفيذية للرقابة الشرعية على معاملات وعمليات صناديق الاستثمار الإسلامية للاطمئنان من أنها تتم وفقا لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وإظهار المخالفات والملاحظات إن وجدت، وسبل تصويبها، وتقديم التوصيات اللازمة لعلاج أسبابها لتطوير الأداء إلى الأحسن.
(2/2)- مقاصد الرقابة الشرعية على صناديق الاستثمار الإسلامية:
تتمثل الرقابة الشرعية على صناديق الاستثمار الإسلامية في متابعة ومراجعة وفحص وتقويم كافة المعاملات والتصرفات والأعمال التي تقوم بها تلك الصناديق للاطمئنان من أنها تتم وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية ،وكذلك وفقاً للفتاوى والقرارات والتوصيات المعاصرة الصادرة عن مجامع الفقه وهيئات ومجالس الفتاوى ، وبيان المخالفات، وتحليل أسبابها، ثم تقديم المعالجات الشرعية لها مقرونة بالتوصيات والإرشادات اللازمة لتطوير الضبط الشرعي إلى الأفضل.(45/13)
كما تشمل الرقابة الشرعية تقديم تقارير دورية خلال الفترة المالية، وكذلك تقريراً سنوياً في نهايتها يرفق بالقوائم المالية يعتبر شهادة وحكماً ورأياً من طبيعة خاصة يُقرّ فيه المراقب الشرعي، أو هيئة الرقابة الشرعية عن ما إذا كانت إدارة الصندوق قد التزمت في معاملاتها بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وبيان الملاحظات إن وجدت.
ويتولى الرقابة الشرعية في صناديق الاستثمار الإسلامية (باعتبارها شخصية معنوية مستقلة) هيئة الرقابة والتي تعين بمعرفة الجمعية العامة للمساهمين في الصندوق وفقاً لضوابط شرعية وقانونية ولائحية معينة لا تختلف عن المطبقة في المصارف الإسلامية.
(3/3)- مجالات الرقابة الشرعية على صناديق الاستثمار الإسلامية:
تخضع كافة معاملات وعمليات صناديق الاستثمار الإسلامية للرقابة الشرعية والتي تتمثل في الآتي:
(1)- الرقابة الشرعية على عمليات إصدار الوحدات (الصكوك) الاستثمارية للتأكد من استيفاء شروط عقد المضاربة من الناحية الشرعية وأنه لا يتضمن أي بنود غير جائزة شرعاً، ويجب على هيئة الرقابة الشرعية القيام بعملية التدقيق قبل الإصدار لمراجعة شروطه.
(2)- التدقيق الشرعي على عمليات شراء الأوراق المالية وتكوين محفظتها، والتأكد من أنها لا تتضمن أي أوراق محرمة شرعاً، وكذلك التدقيق الشرعي على عمليات الاستثمار في مشروعات استثمارية مباشرة والتأكد من أنها تتم وفقاً لصيغ ومعايير الاستثمار الإسلامي.
(3)- التدقيق الشرعي على عمليات التقويم الدوري لقيمة الوحدات الاستثمارية، والاطمئنان من أنه قد اتبعت الأسس والمعايير الشرعية والمحاسبية الإسلامية ولاسيما الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
(4)- التدقيق الشرعي على عمليات استبدال الوحدات الاستثمارية والاطمئنان من أنها قد تمت وفقاً للمعايير الشرعية والأسس المحاسبية الصادرة عن الهيئة.(45/14)
(5)- التدقيق الشرعي على عمليات تحديد وقياس أرباح وخسائر نشاط الصندوق والتأكد من أن التوزيع قد تم وفقاً لشروط عقود المضاربة والوكالة.
(6)- التأكد من شرعية الإيرادات والتأكد من أنها لا تتضمن أي كسب حرام أو خبيث، وإن وجد فقد جُنّب في حساب مستقل تمهيداً للتخلص منه في وجوه الخير حسب الفتاوى الشرعية الصادرة في هذا الشأن.
(7)- التأكد من شرعية النفقات، وأنها لا تتضمن بنود إسراف أو تبذير أو ترف أو بنود لا تخص نشاط الصندوق.
(8)- التأكد من شرعية القرارات الإدارية والسياسات الاستراتيجية المختلفة للتأكد من أنها تتفق مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وأنها لا تتضمن أي أمر يخالف شرع الله.
(9)- الاطمئنان من التزام العاملين بالصندوق بالقيم والأخلاق والسلوكيات الإسلامية.
(2/4)- مرجعية الرقابة الشرعية على صناديق الاستثمار الإسلامية:
يعتمد المراقب الشرعي لصناديق الاستثمار الإسلامي على فقه المعاملات بصفة عامة وفقه المضاربة والوكالة والجعالة بصفة خاصة، وكذلك على الفتاوى والقرارات والتوصيات الصادرة عن مجامع وهيئات مجالس الفقه الإسلامي بشأن التمويل والاستثمار الإسلامي، وبصفة خاصة المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية(4).
ومن أهم الضوابط الشرعية التي يجب أن يدققها المراقب الشرعي في هذا الشأن ما يلي( 5):
1- شرعية الوحدات (الصكوك) الاستثمارية المشاركة في الربح والخسارة وفقاً لمبدأ الغنم بالغرم والكسب بالخسارة والتي تصدرها صناديق الاستثمار الإسلامية.
2- شرعية التعامل في الأسهم العادية إذا كانت لشركات تتعامل فيما أحله الله وفي مجال الطيبات.
3- شرعية التعامل في الصكوك الاستثمارية إذا كانت لشركات أو مؤسسات أو هيئات تتعامل فيما أحله الله وفي مجال الطيبات ووفقاً لمبدأ الغنم بالغرم والكسب بالخسارة.(45/15)
4- شرعية تداول الوحدات (الصكوك) الاستثمارية التي تصدرها صناديق الاستثمار الإسلامية بيعاً وشراء، حيث أجاز الفقهاء بيع المشاع بضوابط شرعية منها: إذا كانت نسبة المباع إلى الإجمال معلومة، وكذلك الثمن معلوماً.
5- شرعية صكوك الاستثمار المشاركة في الربح والخسارة.
6- عدم شرعية السندات وأذون (صكوك) الخزانة ذات الفائدة المحددة مقدماً زمناً ومقداراً.
7- عدم شرعية صكوك التمويل المضمونة حتى ولو كان العائد متغيراً.
8- عدم شرعية أسهم الشركات التي تتعامل في الحرام، وكذلك أسهم التمتع وأسهم الامتياز في الأولوية في الحصول على الأرباح أو استرداد القيمة.
9- عدم مشروعية بعض صيغ التداول ومنها على سبيل المثال ما يلي:
- البيوع الصورية.
- البيوع التي تتضمن غرراً وجهالة وتدليساً.
- البيع على المكشوف.
- بيوع الاختيارات.
- اتفاقيات التلاعب في الأسعار.
- الشراء بغرض الاحتكار.
- ضمان رأس المال أو نسبة معينة من الربح.
ويجب أن يوجد في كل صندوق استثمار إسلامي دليل شرعي يتضمن المعايير الشرعية حيث يعتبر بمثابة المرجعية التي يرجع إليها كافة العاملين بها، كما يجب أن يوجد مراقب شرعي دائم يمارس المراقبة الشرعية في مراحلها المختلفة وهي (6):
(1)- الرقابة الشرعية السابقة قبل اتخاذ القرار.
(2)- الرقابة الشرعية المتزامنة مع الأداء التنفيذي.
(3)- الرقابة الشرعية اللاحقة بعد الأداء التنفيذي.
ومن الضروري أن يكون المراقب الشرعي على علم دائم ومستمر بالفتاوى الشرعية الجديدة التي تصدر بشأن المعاملات المعاصرة للصناديق.
(2/5)- الإجراءات التنفيذية للرقابة الشرعية على صناديق الاستثمار الإسلامية:(45/16)
ليست مهمة هيئة الرقابة الشرعية والمراقب الشرعي هو الإجابة عن الاستفسارات التي توجه إليه عن الحكم الشرعي للمعاملات فقط، بل يجب أن يمارس عملية التدقيق الشرعي في مواقع عمل الصناديق، حتى ولو اضطر إلى السفر بعيدا ليتحقق من بعض المعاملات الدولية.
ويجب أن يكون عمل المراقب الشرعي هادفاً ومخططاً ومنظماً، ويتم وفق سلسلة من الإجراءات التنفيذية على النحو التالي:
أولاً: تحديد الأهداف المختلفة من عمليات الرقابة الشرعية حسب موضوع أو مجال العمل، وذلك في إطار الهدف العام.
ثانياً: وضع خطة للرقابة الشرعية تتضمن النطاق و الموضوعات والفترة الزمنية التي تغطيها عمليات الرقابة، ونسبة العينة ونوع الرقابة....ونحو ذلك مما يجب أن تتضمنه تلك الخطة.
ثالثاً: وضع برامج الرقابة الشرعية في ضوء الخطة السابقة التي تتضمن: مراحل التدقيق، وأدلة الإثبات، وحجم العينة، والملاحظات التي تظهر خلال التدقيق.
رابعاً: تنفيذ عمليات الرقابة الشرعية وفق الأهداف والخطط والبرامج وإثبات المخالفات، وبيان الملاحظات وتحليل أسبابها.
خامساً: مناقشة الملاحظات مع الجهات المعنية وتسوية ما يمكن تسويته منها.
سادساً: إعداد التقارير اللازمة التي تتضمن الملاحظات التي مازالت قائمة، كما تتضمن التوصيات الواجب الأخذ بها لتطوير الالتزام الشرعي إلى الأفضل.
سابعاً: متابعة التقارير للاطمئنان من تسوية الملاحظات والأخذ بالتوصيات.
وهكذا تدور دورة إجراءات الرقابة الشرعية على عمليات ومعاملات صناديق الاستثمار الإسلامية، والتي تنتهي في نهاية السنة المالية بالتقرير الختامي الذي ينشر مع القوائم المالية ويقدم إلى الجمعية العامة للمساهمين.
ويوجد بالصفحة التالية رسم بياني يوضح تسلسل هذه الإجراءات.
نقطة البداية
(2/6)- خطة الرقابة الشرعية على صناديق الاستثمار الإسلامية:(45/17)
تقوم هيئة الرقابة الشرعية المعينة بمعرفة الجمعية العامة للمساهمين بوضع خطة لها خلال الفترة المالية موضوع عقد الارتباط، ويتطلب لإعدادها دراسة ميدانية وافية للحصول على البيانات والمعلومات والإيضاحات اللازمة لأداء العمل.
وتتضمن هذه الخطة البيانات والمعلومات الآتية:
- الأنشطة والإدارة والأقسام ومحل الرقابة الشرعية.
- الفترة الزمنية التي تغطيها الرقابة الشرعية( شهرية/ ربع سنوية/...)
- تاريخ البدء...وتاريخ الانتهاء...من عمليات الرقابة الشرعية.
- نوع الرقابة الشرعية( شاملة /بالعينة )
- موضوع الرقابة الشرعية.
- أساليب الرقابة الشرعية.
- أي بيانات أومعلومات أخرى لازمة للرقابة الشرعية.
وفي الصفحة التالية نموذج مبسط مقترح لخطة الرقابة الشرعية لصندوق استثمار إسلامي يسترشد به في التطبيق العملي.
(2/7)- برنامج الرقابة الشرعية على صناديق الاستثمار الإسلامية:
تترجم خطة الرقابة الشرعية السابقة إلى برامج تفصيلية توضح الإجراءات
( الخطوات ) وأدلة الإثبات وأسلوب الرقابة بالإضافة إلى بعض البيانات والمعلومات الموضحة بالخطة.
وتعتبر هذه البرامج بمثابة المرشد لتنفيذ عملية الرقابة الشرعية، ووسيلة من وسائل متابعة الرقابة الشرعية وتقويم أدائها، كما أنها الوثيقة التي يحتج بها في حال اتهام المراقب الشرعي بالتقصير، كما أنها أحد أساليب التنسيق والتكامل مع أجهزة الرقابة الأخرى.
وفي الصفحة التالية نموذج مبسط مقترح لبرنامج الرقابة الشرعية لنشاط ما من أنشطة صندوق الاستثمار الإسلامي.
صندوق .......... الاستثمارية الإسلامية
إدارة الرقابة الشرعية
نموذج لخطة الرقابة الشرعية من المنظور الزمني
خطة الرقابة الشرعية الأسبوع / الشهر/ ربع السنة
عن الفترة من ....... إلى .........
اسم الصندوق:
اسم البنك المنشأ للصندوق:
العنوان:
نوع الرقابة الشرعية (بالعينة/ شاملة):
تاريخ البدء في الرقابة:
تاريخ الانتهاء من الرقابة:(45/18)
موضوع الرقابة الشرعية
حجم
العينة
أسلوب الرقابة
الشرعية
الفترة الزمنية (أسبوع)
إيضاحات
1
2
3
4
* تدفق عمليات إصدار الوحدات الاستثمارية.
-
-
-
-
* تدقيق عمليات الاستثمار غير المباشر في أوراق مالية.
-
-
-
-
* تدقيق عمليات الاستثمار المباشر في مشروعات وعمليات.
-
-
-
-
-
* تدقيق بنود الإيرادات.
-
-
-
* تدقيق بنود النفقات.
-
-
-
-
* تدقيق عمليات قياس وتوزيع الأرباح.
-
-
-
-
* تدقيق عمليات تقويم الوحدات الاستثمارية.
-
-
-
-
* تدقيق عمليات القرارات الاستراتيجية.
-
-
-
-
إيضاح: يستخدم هذا النموذج في حالة الخطة الأسبوعية/الشهرية/ربع سنوية/حسب الأحوال.
صندوق ........ الاستثمار الإسلامي
إدارة الرقابة الشرعية
نموذج برنامج الرقابة الشرعية
هدف الرقابة الشرعية::
موضوع الرقابة الشرعية:
نوع الرقابة الشرعية:
أوراق العمل المطلوبة:
اسم المراقب الشرعي:
تاريخ البدء:
تاريخ الانتهاء:
معلومات أخرى:
التاريخ
إجراءات الرقابة الشرعية التفصيلية
الفترة الزمنية (أسبوع)
إيضاحات
10% حجم العينة
أسلوب الرقابة
أدلة الإثبات
* تدقيق العقود:
-
-
-
* تدقيق ملفات الاستثمارات المباشرة.
-
-
-
* تدقيق شراء/بيع الأوراق المالية:
-
-
-
* تدقيق بنود الإيرادات.
-
-
-
* تدقيق بنود النفقات.
-
-
-
* تدقيق نتائج الأعمال.
-
-
-
وهكذا
المدقق الشرعي…… يعتمد
المراقب الشرعي
(2/8)- تقارير الرقابة الشرعية على صناديق الاستثمار الإسلامية:
هناك نوعان من تقارير الرقابة الشرعية: تقارير دورية وتقرير سنوي، وفيما يلي نبذة مختصرة عن طبيعة كل منهما مع التركيز على أهمية البيانات والمعلومات الواجب إظهارها بهما.
أولاً: تقارير الرقابة الشرعية الدورية على صناديق الاستثمار الإسلامية:(45/19)
يجب أن تكون الرقابة الشرعية دائمة ومستمرة طوال الفترة الزمنية موضوع عقد الارتباط المبرم بين الصندوق وبين هيئة الرقابة الشرعية، ويتولى عمليات التدقيق الشرعي خلال الفترة مراقب شرعي وبعض معاونيه طبقا لخطة وبرنامج الرقابة السابق الإشارة إليهما، والتي تنتهي بإعداد مجموعة من التقارير اليدوية التي تتضمن أهم المخالفات والملاحظات الواجب تسويتها، كما قد تتضمن بعض التوصيات والإرشادات التي تهدف إلى زيادة فعالية الضبط الشرعي وتطويره إلى الأفضل.
ومن أهم المعلومات الواجب أن تظهر في هذه التقارير ما يلي:
-مجال الرقابة الشرعية.
- حجم العينة موضوع الرقابة الشرعية.
- موضوع الرقابة الشرعية.
- مدى كفاية البيانات والمعلومات التي تم الحصول عليها.
- طبيعة المخالفات التي ظهرت خلال التدقيق الشرعي وسبل تسويتها.
- التوصيات المقترحة لزيادة فعالية الضبط الشرعي.
- المسائل التي تحتاج إلى فتوى شرعية.
- أي معلومات أخرى ضرورية لمستخدمي التقارير الشرعية.
وفي الصفحة التالية نموذج مبسط لتقرير دوري يمكن أن يستأنس به في التطبيق العملي.
ثانياً: تقرير هيئة الرقابة الشرعية السنوي على صناديق الاستثمار الإسلامية:
تقوم هيئة الرقابة الشرعية في نهاية السنة المالية بإعداد تقرير عام شامل عن رأيها عن مدى التزام الصندوق بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وينشر هذا التقرير مع القوائم المالية، ويتلى في الجمعية العامة، ويعتبر هذا التقرير بمثابة شهادة وحكم ورأي من نوع خاص وأساسا لمحاسبة مسئولية الهيئة أمام المشاركين في الصندوق والمساهمين وغيرهم.
وفي الصفحة بعد التالية نموذج مبسط لهذا التقرير يمكن الاسترشاد به في التطبيق العملي.
نموذج مقترح لتقرير التدقيق الشرعي الدوري
لصندوق استثمار إسلامي
صندوق......... الاستثمار الإسلامي تقرير رقم ....................................................
إدارة الرقابة الشرعية بتاريخ / /(45/20)
- إدارة ................................ - الفترة الخاضعة للتدقيق: شهر...................
- قسم ................................. - تاريخ بداية التدقيق....................................
- موضوع التدقيق ............... - تاريخ نهاية التدقيق...................................
- هدف التدقيق .................. - حجم العينة................................................
- نوع التدقيق ...................... - معلومات أخرى.........................................
السيد الأستاذ / ..................................................................................................... حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وتحية من عند الله مباركة طيبة وبعد،،،
في إطار خطة وبرنامج التدقيق الشرعي لصندوقكم الموقر، يطيب أن نحيطكم علماً بأننا قمنا بتدقيق الأعمال التي تمت في إدارة ........ قسم ......... عن الفترة من ......... إلى ..............
ولقد اطلعنا على العقود والوثائق والنظم واللوائح والمستندات التي تتعلق بهذه الأعمال، ولقد حصلنا على الإيضاحات اللازمة، وناقشنا بعض المسائل مع الموظف المسئول.
ولقد أسفرت عمليات التدقيق الشرعي عن الملاحظات الآتية:
- .....................................................................................................................................................
- ......................................................................................................................................................
- ......................................................................................................................................................
.ونوصي بتسوية هذه الملاحظات على النحو التالي:(45/21)
- .......................................................................................................................................................
- .......................................................................................................................................................
- .......................................................................................................................................................
كما ظهرت مجموعة من العوامل المستحدثة سوف تعرض على هيئة الرقابة الشرعية تتمثل في الآتي:
- ........................................................................................................................................................
- ........................................................................................................................................................
- ........................................................................................................................................................
برجاء التفضل بالنظر واتخاذ ما ترونه مناسباً نحو تسوية الملاحظات والأخذ بالتوصيات، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يعتمد
المدقق الشرعي المراقب الشرعي
............................. ............................
نموذج مقترح لتقرير هيئة الرقابة الشرعية السنوي لصندوق استثمار إسلامي
بسم الله الرحمة الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه...
إلى مساهمي صندوق .................. الاستثمار الإسلامي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وفقاً لخطاب التكليف المرفق صورة منه، يجب علينا تقديم التقرير التالي:(45/22)
لقد راقبنا المبادئ المستخدمة والعقود المتعلقة بالمعاملات التي طرحها الصندوق خلال الفترة، لقد قمنا بالمراقبة الواجبة لإبداء رأي عما إذا كان الصندوق التزم بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وكذلك بالفتاوى والقرارات والإرشادات المحددة التي تم إصدارها من قبلنا.
لقد قمنا بمراقبتنا التي اشتملت على فحص العقود والإجراءات المتبعة من الصندوق على أساس اختبار كل نوع من أنواع العمليات.
كما قمنا بتخطيط وتنفيذ مراقبتنا من أجل الحصول على جميع المعلومات والتفسيرات التي اعتبرناها ضرورية تزويدنا بأدلة تكفي لإعطاء تأكيد معقول بأن معاملات الصندوق لم تخالف أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
وفي رأينا:
أ- أن العقود والعمليات والمعاملات التي أبرمها الصندوق خلال السنة المنتهية... والتي اطلعنا عليها تمت وفقاً لحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
ب- أن توزيع الأرباح وتحميل الخسارة على حسابات أصحاب الوحدات الاستثمارية والمساهمين في إدارة الاستثمار يتفق مع الأساس التي تم اعتماده من قبلنا وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية والعقود المبرمة في هذا الشأن.
جـ- أن جميع المكاسب التي تحققت من مصادر أو بطرق تحرمها أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية قد تم صرفها في وجوه الخير حسب الفتاوى الصادرة في هذا الشأن.
د- تم احتساب الزكاة وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية والأسس والمعايير المحاسبية والزكوية.
نسأل الله العلي القدير أن يحقق لنا الرشاد والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
( أسماء وتوقيعات أعضاء هيئة الرقابة الشرعية)
المكان والتاريخ
المبحث الثالث
منهج مقترح للرقابة المالية الداخلية والخارجية والمصرفية
على معاملات صناديق الاستثمار الإسلامية
(3/1)- تمهيد:(45/23)
يختص هذا المبحث ببيان المنهج العام المقترح للرقابة المالية كما تقوم بها الأجهزة المختلفة على معاملات صناديق الاستثمارية، مع التركيز على الرقابة الداخلية، والرقابة الخارجية على الحسابات، والرقابة المصرفية كما يقوم بها البنك المركزي( مؤسسة النقد )، وسوف نقدم لذلك بعرض الأهداف العامة للرقابة المالية ومرجعتها.
(3/2 )- مفهوم وأهداف الرقابة المالية على صناديق الاستثمار الإسلامية:
(مفهوم الرقابة المالية على صناديق الاستثمار الإسلامية:
يقصد بها عمليات متابعة وملاحظة وتدقيق الأعمال والتصرفات والمعاملات المالية وما في حكمها التي تقوم بها صناديق الاستثمار الإسلامية للتأكد من أنها تتم طبقا للقوانين والقرارات والتعليمات والنظم واللوائح الضابطة لذلك، وبيان المخالفات والانحرافات عنها وتحليلها وتقديم الإرشادات اللازمة لتصويبها وكذلك التوصيات لتطوير نظم الرقابة إلى الأفضل.
(مقاصد الرقابة المالية على صناديق الاستثمار الإسلامية:
من أهم هذه المقاصد ما يلي:
(1)- المحافظة على أموال المشاركين والمساهمين في الصندوق من الهلاك والضياع وما في حكم ذلك باعتبار أن حفظ المال من مقاصد الشريعة الإسلامية.
(2)- الاطمئنان إلى سلامة توظيف الأموال بالصيغ الاستثمارية السليمة بما يحقق تنميتها في ضوء الضوابط والأسس والمعايير المعتمدة.
(3)- الاطمئنان إلى تحديد وقياس الحقوق المالية للأطراف ذات العلاقة بالصندوق وهم: أصحاب الوحدات الاستثمارية، والمساهمين، ومدير الاستثمار ( الجهة المناطة بالإدارة )، وأمناء التسويق والاستثمار والعاملين والوحدات الحكومية.
(4)- التأكد من التزام الصندوق بالسياسات والخطط والبرامج والنظم الموضوعة وبيان التجاوزات عنها، وكذلك الإفصاح عن أوجه القصور وتحليل أسبابه، وتقديم الإرشادات والتوصيات لمعالجتها أولا بأول، وكذلك للتطوير إلى الأحسن.(45/24)
(5)- التحقق من سلامة البيانات والمعلومات الواردة في المستندات والسجلات والدفاتر والحسابات والقوائم والتقارير، ومدى تعبيرها بصدق وأمانة عن معاملات الصندوق ومركزه المالي ونتائج أعماله.
(6)- التحقق من قيام الصندوق بدوره الاجتماعي والبيئي حسب ما تقضي به القوانين والقرارات الحكومية والإفصاح عن ذلك باعتبار أن على الصندوق حق للمجتمع الذي يعمل فيه بخلاف الضرائب والرسوم الحكومية.
(7)- تقويم الأداء العام للصندوق على فترات دورية لبيان الايجابيات لتنميتها، والسلبيات لمعالجتها وذلك باستخدام المعايير والمؤشرات المناسبة.
(8)- الاطمئنان من التزام العاملين بالصندوق بالقيم والمثل والأخلاق الإسلامية وأن سلوكهم مع بعضهم البعض ومع المتعاملين وغيرهم منضبط بآداب الإسلام.
(9)- الاطمئنان إلى السلامة الاستثمارية والمصرفية للقرارات الإدارية والاستراتيجية والتأكد من أنها تتم في إطار الأهداف والسياسات الاستراتيجية للصندوق.
ولكي تتحقق هذه المقاصد يجب أن يتوافر في العاملين بأجهزة الرقابة بصفة عامة مجموعة من القيم من أهمها:(8)
- القيم الإيمانية والأخلاقية والسلوكية السوية.
- المعرفة الجيدة بفقه عمل صناديق الاستثمار الإسلامية.
- التمرس والمهارة في تنفيذ عمليات الرقابة.
- المعاصرة في استخدام وسائل تقنية صناعة المعلومات والاتصالات.
- التجديد المستمر للمعرفة والتطوير الدائم للممارسة العملية.
(3/3)- مرجعية الرقابة المالية على صناديق الاستثمار الإسلامية:
يعتمد المراقب المالي لصناديق الاستثمار الإسلامية- بالإضافة إلى المرجعية الشرعية - على مجموعة من القوانين والقرارات والتعليمات واللوائح والنظم التي تعتبر المرجع لعمله التي يجب أن تكون حاضرة في ذهنه أو ضمن أوراق التدقيق الدائمة الخاصة به. ويطلق عليها في مهنة المراجعة والرقابة بالأوراق (الوثائق) الدائمة، من أهمها ما يلي:(45/25)
(1)-نماذج العقود المختلفة سواء كانت شرعية أو قانونية.
(2)- القوانين الصادرة من الجهات الحكومية ذات الصلة بالصناديق مثل: البنك المركزي (مؤسسة النقد)، مصلحة الشركات، هيئة سوق المال، مصلحة الزكاة والضرائب......
(3)- القانون النظامي الداخلي للصندوق ولائحته التنفيذية.
(4)- اللوائح الداخلية الاستثمارية والمالية الإدارية وهكذا.
(5)- نظم العمل الداخلية ودليل إجراءات تنفيذها.
(6)- نظم المحاسبة ودليل المعالجات المحاسبية ودليل الحسابات.
(7)- قرارات الجمعية العاملة للمساهمين وقرارات مجلس الإدارة.
(8)- الدفاتر والسجلات والمستندات.
(9)- القوائم والتقارير المالية.
(10)- نظم الضبط الداخلي للأعمال والمعاملات .
(11)- نظم وبرامج الحاسبات الإلكترونية ونظم المعلومات وشبكات الاتصالات.
(12)- ملاحظات المراقب الشرعي.
ما ذكر على سبيل المثال، حيث إن الممارسة العملية تفرز العديد من الوثائق والعقود والأوراق الأخرى.
(3/4)- مجالات الرقابة المالية على صناديق الاستثمار الإسلامية:
هناك مجالات أساسية يجب على المراقب المالي في صناديق الاستثمار الإسلامية التركيز عليها وهي:
(1)- صحة إجراءات تأسيس الصندوق، وهل هو وحدة معنوية وقانونية مستقلة، أو أحد روافد بنك أو مصرف إسلامي أو نحوه.
(2)- عمليات إصدار الوحدات( الصكوك ) الاستثمارية، وأدوات تجميع تلك الأموال، والاطمئنان إلى قبضها نقدا.
(3)- عمليات إنشاء محفظة أو محافظ الأوراق المالية وفقا للضوابط والأسس والمعايير المعتمدة في هذا الشأن.
(4)- عمليات الاستثمار المباشر لبعض أموال الصندوق في مشروعات استثمارية وفقا للضوابط والأسس والمعايير المعتمدة في هذا الشأن.
(5)- مخصصات الجهة التي تتولى إدارة الصندوق من الناحية الفنية من حيث العمولة أو الأجر أو المكافأة أو نحو ذلك.(45/26)
(6)- نفقات (مصروفات) الصندوق الجارية والتأكد من عدم وجود إسراف أو تبذير أو ضياع وأنها ترتبط بأنشطة الصندوق.
(7)- المخصصات المالية للجهات المكلفة بالتسويق لإصدار الصندوق وضمان التغطية.
(8)- إيرادات محافظ الأوراق المالية وإيرادات المشروعات والاستثمارية المباشرة، وأنها لا تتضمن إيرادات غير مشروعة أ وخبيثة.
(9)- تحديد وقياس نتائج أنشطة الصندوق في نهاية السنة المالية والاطمئنان إلى أنها قد تمت وفقا لأسس والمعايير الإسلامية أو التي لا تتعارض مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
(10)- توزيع نتائج أعمال الصندوق في نهاية الفترة المالية بين: إدارة الصندوق والمشاركين والمساهمين وأنها قد تمت وفقا للعقود المبرمة في هذا الشأن.
(11)-التقويم الدوري لقيمة الوحدات( الصكوك ) الاستثمارية لتسهيل عمليات التخارج والانضمام.
(12)- أي مجالات أخرى مرتبطة بأنشطة الصندوق.
(3/5)- أنواع وأجهزة الرقابة المالية على صناديق الاستثمار الإسلامية:
كما سبق الإيضاح من قبل يخضع الصندوق لعدة أجهزة رقابية مالية، لكل جهاز منها أهداف خاصة، كما أنه يركز على مجالات معينة، ومن أهم أنواع وأجهزة الرقابة المالية، حسب المطبق في الواقع العملي ما يلي :
أولاً: الرقابة الداخلية: وتشمل ما يلي :
- المراجعة المحاسبية.
- الضبط الداخلي.
- المراجعة الإدارية.
ثانياً: الرقابة الخارجية على الحسابات : وتشمل ما يلي :
- المراجعة المحاسبية.
- تحقيق القوائم المالية.
- إعداد التقارير المالية.
ثالثاً: الرقابة المصرفية و الاستثمارية : وتشمل ما يلي:
- الرقابة على الالتزام بقوانين وقرارات البنك المركزي.
- الرقابة على الالتزام بقوانين وقرارات هيئة سوق المال.
- التحليل المالي والاستثماري.
- تقويم أداء الصندوق.(45/27)
وتباشر هذه الأجهزة مهامها طبقا لمجموعة من الأسس والمعايير الرقابية المتعارف عليها في مجال المصارف الإسلامية والاستثمار الإسلامي ومن أهمها الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
كما تستخدم هذه الأجهزة مجموعة من أساليب المراجعة والتدقيق والفحص والتحليل والتقويم المتعارف عليها في هذا المجال، ويجب أن تستعين بالأساليب المعاصرة الحديثة مثل: الحاسبات الإلكترونية وبرامجها المتقدمة، وبنظم المعلومات الآلية المتكاملة ، وكذلك بشبكات الاتصالات المحلية والإقليمية والدولية.
(3/6)- دليل إرشادات الرقابة المالية على صناديق الاستثمار الإسلامية:
يقصد بهذا الدليل بيان الإجراءات التنفيذية التي يسير عليها المراقب المالي الداخلي في صناديق الاستثمار الإسلامي، وهي لا تختلف عن المتعارف عليها في مهنة المراجعة والرقابة بصفة عامة وتتلخص في الآتي:
(1)- تقويم نظم الضبط الداخلي، مع التركيز على:
- التوصيف الوظيفي والسلطات والمسئوليات.
- إجراءات تسلسل العمل.
- مسار الدورات المستندية.
- سلطات التوقيع والاعتماد.
- أي مراجعات أخرى لازمة.
(2)- المراجعة (التدقيق) الداخلية، مع التركيز على:
- المراجعة المستندية.
- المراجعة الحسابية.
- المراجعة الموضوعية الفنية.
- المراجعة المحاسبية وصحة المعلومات المحاسبية.
- المصادقات ولمطابقات.
- أي مراجعات أخرى لازمة.
(3)- المراجعة الإدارية، ومع التركيز على:
- التحقق من تطبيق الأسس والمعايير والنظم والإجراءات.
- التحقق من الالتزام بالخطط والبرامج.
- التحقق من عدم وجود تجاوزات للسلطة.
- مطابقة الأداء الفعلي بالمخطط وبيان الانحرافات.
- التحليل المالي والاستثماري.
- تقويم الأداء باستخدام المعايير والمؤشرات المناسبة.
- دراسة وتحليل المشكلات الإدارية وتجهيز البيانات والمعلومات التي تساعدها في معالجتها.
- أي مراجعات أخرى لازمة.(45/28)
وتوضح هذه الإرشادات في صورة برنامج مراجعة على النحو المبين بالصفحة التالية.
صندوق ........ الاستثمار الإسلامي برنامج الرقابة الداخلية
إدارة الرقابة الداخلية لعملية ..............
- اسم الإدارة: - اسم مدير الإدارة:
- اسم القسم: - اسم رئيس القسم:
- نوع الرقابة: - تاريخ بداية الرقابة:
- حجم العينة: - تاريخ نهاية الرقابة:
م
الإجراءات التنفيذية
أدلة الإثبات
المطلوبة
أسلوب
الرقابة
ملاحظات
(1)
(2)
(3)
(تقويم نظام الضبط الداخلي، ويشمل ما يلي:
- الهيكل التنظيمي والتوصيف الوظيفي.
- نظام العمل.
- مسار المستندات.
- سلطات التوقيع.
- وهكذا.
(المراجعة الداخلية، وتشمل ما يلي:
- المراجعة المستندية.
- المراجعة الحسابية.
- المراجعة الموضوعية والفنية.
- المراجعة المحاسبية.
- تحقيق الموازين والمطابقات.
- المصادقات على الأرصدة.
- مراجعة بنود القوائم المالية.
- وهكذا.
(المراجعة الإدارية، وتشمل ما يلي:
- مراجعة الخطط والسياسات والنظم.
- مراجعة مدى الالتزام بالأسس وبالمعايير.
- مطابقة الأداء الفعلي بالمخطط.
- تحليل الانحرافات وأسبابها.
- التحليل المالي والاستثماري.
- تقويم الأداء بالمعايير المختلفة.
- دراسة وتحليل المشكلات المختلفة.
إيضاح: يصلح هذا البرنامج لكل نشاط أو عملية حسب الأحوال مع بعض التعديلات البسيطة.
(3/7)- دليل إرشادات الرقابة الخارجية على صناديق الاستثمار الإسلامية:
يعين لكل صندوق استثماري إسلامي مراقب حسابات خارجي حسب القوانين المنظمة لذلك، والذي يتولى عمليات التدقيق والفحص لمستندات وسجلات ودفاتر...... الصندوق، كما يحقق القوائم المالية، ثم يعد تقريراً يقدم إلى الجمعية العامة للمساهمين في اجتماعها السنوي عن رأيه في المركز المالي ونتائج الأعمال.(45/29)
ولا تختلف الإجراءات العملية التي يقوم بها مراقب حسابات الصندوق عن المطبقة في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية إلا من حيث موضوع التدقيق، وتتمثل أهم هذه الإجراءات في الآتي:
(1)- التحقق من بنود عقد الارتباط بينه وبين الصندوق، ولاسيما نوع ومدى للمراجعة.
(2)- الدراسة الميدانية للصندوق وتجميع البيانات والمعلومات اللازمة للتخطيط لعمليات المراجعة والفحص.
(3)- وضع خطة المراجعة والفحص في ضوء نتائج الدراسة الميدانية، ولاسيما تقويم نظام الضبط الداخلي ونظام الرقابة الشرعية.
(4)- وضع برامج المراجعة التفصيلية الزمنية والموضوعية والتي يسير عليها المراجعون في عملهم حسب نطاق المراجعة.
(5)- تنفيذ عمليات المراجعة والفحص الدورية حسب المبين بالبرامج وباستخدام الأساليب المناسبة، وتشمل هذه العمليات بصفة خاصة ما يلي:
- جمع أدلة الإثبات المختلفة.
- المراجعة المستندية والحسابية والمحاسبية.
- حصر الملاحظات ومناقشتها مع الجهة المسئولة وتسويتها إن أمكن.
- إعداد التقارير اللازمة وإرسالها إلى الجهات المعنية لمتابعتها.
- تقديم التوصيات والإرشادات لتطوير الضبط المالي والمحاسبي إلى الأحسن.
(6)- تحقيق عناصر القوائم المالية المختلفة وفقاً لأسس ومعايير المحاسبة المعتمدة للصناديق، ولاسيما الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية معيار صناديق الاستثمار رقم (14) (9).
(7)- إعداد التقرير الذي ينشر مع القوائم المالية حسب الأسس والمعايير المهنية.
(8)- حضور الجمعية العامة وعرض القوائم المالية، وتلاوة تقريره والرد على التساؤلات.
وفي الصفحة التالية نموذج مبسط لشكل ومحتويات تقرير مراقب الحسابات على القوائم المالية لصندوق استثماري إسلامي.
نموذج مقترح لتقرير مراقب الحسابات لصندوق استثمار إسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم(45/30)
تقرير مراقب الحسابات على القوائم المالية لصندوق .....................................................................
السادة الأخوة المساهمون في صندوق ..............................................................................................
لقد راجعنا قائمة المركز المالي للصندوق عن السنة المالية المنتهية في ..../ ..../ ...... وكذلك قائمة الدخل عن الفترة من ..../ ..../ ...... إلى ..../ .... /........ ومرفقاتهم وذلك على المستندات والدفاتر والسجلات، وحصلنا على المعلومات والإيضاحات التي رأيناها ضرورية لعملية المراجعة والفحص في ضوء الأسس والمعايير الملائمة بهذا النشاط.
ولقد تبين لنا من المراجعة والفحص بأسلوب الجشنى ما يلي:
- يوجد الصندوق هيئة رقابية شرعية، ولقد اطلعنا على نماذج من تقاريرها، وتقع مسئولية الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية على الإدارة.
- لقد تم تقويم نظم الضبط الداخلية لعمليات الصندوق ونرى أنها سليمة.
- لقد حصلنا على المصادقات والإيضاحات المطلوبة.
- لقد تم جرد محفظة الأوراق المالية بمعرفة إدارة الصندوق، وتم التقويم على أساس القيمة السوقية، كما تم تقويم الاستثمارات المباشرة على أساس القيمة الدفترية.
- المخصصات المكونة كافية لمقابلة مخاطر الاستثمار.
وفي رأينا أن القوائم المالية للصندوق تعطي صورة صادقة وعادلة للمركز المالي كما هو عليه في ..../..../.......، ولنتائج الأعمال لتلك الفترة وذلك طبقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية ووفقاً لأسس ومعايير المحاسبة الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وتتفق مع القوانين والقرارات والتعليمات الصادرة عن المؤسسات النقدية والمالية والحكومية.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
توقيع مراقب الحسابات)
التاريخ ..../..../.........
(3/8)- دليل إرشادات الرقابة المصرفية على صناديق الاستثمار الإسلامية:(45/31)
تعتبر صناديق الاستثمار الإسلامية من المؤسسات المالية التي تخضع لرقابة البنك المركزي (مؤسسة النقد )حيث تتعامل بالنقد والأموال ويسري عليها ما يسري على البنوك والمصارف الإسلامية والمؤسسات المالية الأخرى، ويتولى الرقابة عليها إدارة الرقابة المصرفية، ومن أهدافها ما يلي :
(1)- سلامة الجوانب القانونية لإنشائها وأعمالها.
(2)- حماية أموال حملة الوحدات (الصكوك) الاستثمارية.
(3)- حماية أموال المساهمين.
(4)- حماية أصحاب الالتزامات الأخرى على الصناديق.
(5)- سلامة الأداء الاستثماري.
(6)- سلامة إدارة محافظ الأوراق المالية.
(7)- سلامة البيانات والمعلومات المنشورة.
(8)- الاطمئنان إلى التزام الصندوق بالقوانين والقرارات والتعليمات المصرفية.
(9)- إنشاء قاعدة بيانات ونظم معلومات تساعد في اتخاذ القرارات الاستثمارية.
(10)- توجيه أعمال الصناديق بما يخدم التنمية الاقتصادية.
وتتحقق هذه الأهداف بتدخل البنك المركزي في المسائل الآتية:
- إصدار الصكوك الاستثمارية.
- ضبط تسييل المحافظ الاستثمارية.
- ضبط تسييل الصكوك.
- ضبط استحقاقات الصكوك.
- ضبط عملات الإصدارات.
ومن أهم أساليب الرقابة المصرفية على صناديق الاستثمار الإسلامية ما يلي:
(1)- أسلوب قوائم الاستبانة لجمع بيانات ومعلومات عن حركة المعاملات وعن الإصدارات وتسييلها والمحافظ الاستثمارية وتسييلها.
(2)- أسلوب تحليل المراكز المالية الشهرية، وكذلك تحقيق وتحليل القوائم المالية الربع السنوية والسنوية للاطمئنان إلى سلامة المركز المالي ونتائج الأعمال.
(3)- أسلوب التفتيش الميداني بهدف تقويم نظم الضبط الداخلي والقيام بأعمال المراجعة والفحص على العمليات المختلفة مثل الإصدارات وتسييلها والإيرادات والنفقات والأرباح وتوزيعها.
(4)- أسلوب حضور اجتماعات الجمعية العامة للمساهمين للاطمئنان إلى الالتزام بالقوانين والقرارات والتعليمات الصادرة من البنك المركزي.(45/32)
(5)- أي أساليب أخرى لازمة لأداء الرقابة على وجه أفضل 7.
ويتم تنفيذ الرقابة المصرفية وفق خطة سنوية ثم تترجم إلى مجموعة من البرامج التنفيذية محللة على المستوى الزمني والموضوعي.
وفي الصفحات التالية نموذج لبرنامج مراقبة مصرفية على صندوق استثمار إسلامي.
البنك المركزي برنامج الرقابة المصرفية
إدارة الرقابة المصرفية لعمليات صندوق استثماري
عن الفترة من....... إلى......
- اسم الصندوق: - عنوان البنك المؤسس:
- اسم البنك المؤسس للصندوق: - عنوان البنك:
- نوع الصندوق: - عنوان الصندوق:
- نوع الرقابة: - تاريخ بداية الرقابة:
- حجم العينة: - تاريخ نهاية الرقابة:
م
الإجراءات التنفيذية
أدلة الإثبات
المطلوبة
أسلوب
الرقابة
ملاحظات
أولاً
ثانياً
ثالثاً
رابعاً
(تقويم نظم الضبط والراقبة الداخلية، مثل:
- تقويم نظام الضبط الداخلي.
- تقويم نظام المراجعة الداخلية.
- تقويم نظام الرقابة الشرعية.
- تقويم نظام الرقابة الخارجية.
- .................. وهكذا.
(المراجعة على المستندات والدفاتر، مثل:
- المراجعة الحسابية.
- المراجعة المحاسبية.
- مراجعة الحسابات.
- مراجعة لبعض الكشوف التحليلية.
- إجراء المطابقات.
(التحليل المصرفي، مثل:
- نسبة الإصدارات.
- نسبة السيولة المحتفظ بها.
- نسبة المستثمر من الأموال في محافظ مالية.
- نسبة المستثمر من الأموال في مشروعات.
( الرقابة الإدارية المصرفية، مثل:
- الالتزام بالتشريعات المصرفية ونحوها.
- الالتزام بالسياسات المصرفية ونحوها.
المراقب المصرفي يعتمد
مدير إدارة الرقابة المصرفية
البنك المركزي تابع/ برنامج الرقابة المصرفية
إدارة الرقابة المصرفية لعمليات صندوق استثماري
عن الفترة من....... إلى......
- اسم الصندوق: - عنوان البنك المؤسس:
- اسم البنك المؤسس للصندوق: - عنوان البنك:
- نوع الصندوق: - عنوان الصندوق:
- نوع الرقابة: - تاريخ بداية الرقابة:(45/33)
- حجم العينة: - تاريخ نهاية الرقابة:
م
الإجراءات التنفيذية
أدلة الإثبات
المطلوبة
أسلوب
الرقابة
ملاحظات
خامساً
سادساً
سابعاً
ثامناً
تاسعاً
تابع/ برنامج الرقابة المصرفية
تحليل المراكز والقوائم المالية الفترية، مثل:
- تحليل المراكز المالية الشهرية.
- تحليل القوائم المالية الشهرية والربع سنوية.
- تحليل الكشوف المرفقة.
مناقشة الملاحظات التي ظهرت عند التقويم والمراجعة والتحليل مع الموظفين المختصين كل حسب مسئولياته، وتسوية ما يمكن تسويته، وعمل المحاضر اللازمة لذلك.
إعداد التقارير بالملاحظات التي لم تسوى بعد متضمنة التوصيات لتصويب، والإرشاد لتطوير الأداء إلى الأفضل.
المتابعة المستمرة للتقارير المرسلة إلى الجهات المعنية للاطمئنان من تسوية الملاحظات والأخذ بالتوصيات المقترحة للتصويب وللتطوير إلى الأفضل.
في حالة عدم الاستجابة للتوصيات يرفع الأمر إلى المستويات العليا في البنك المركزي لفرض العقوبات حسب اللوائح المصرفية.
(3/9)- معايير تقويم أداء صناديق الاستثمار الإسلامية:
يجب تقويم أداء صناديق الاستثمار الإسلامية للاطمئنان إلى تحقيقها للخطط المستهدفة، ومعرفة مدى التزامها بالمسئوليات الملقاة عليها تجاه المشاركين والمجتمع والبيئة، ويتم ذلك بواسطة البنك المركزي أو مؤسسات أو منظمات معنية بذلك.
ويتطلب ذلك تحديد معايير ومؤشرات تساعد في هذا المجال، ولقد بذلت العديد من الجهود الفردية في هذا المجال يضيق المقام والوقت لتناولها، ولكن ما يجب الإشارة إليه هو أن يغطي التقويم المجالات الآتية:
1- التقويم الشرعي لنشاط الصندوق، ومدى وجود هيئة رقابة شرعية ومراقب شرعي طوال العام، وأن ملاحظاته تؤخذ في عين الاعتبار لعلاج المخلفات، ومدى التعاون بينه وبين المراقب الداخلي والمراقب الخارجي.
2- تقويم قدرة الصندوق على تجميع الأموال للاستثمار من منظور الإصدارات المالية المطروحة وحجم الطلب عليها ومعدل الاسترداد.(45/34)
3- تقويم الأداء الاستثماري للصندوق وحسن إدارة محفظة الأوراق المالية، وكذلك الاستثمارات المباشرة.
4- تقويم العائد على محفظة الأوراق المالية والاستثمارية من منظور النمو، ومقارنته بتكلفة الفرصة البديلة.
5- تقويم الكفاءة الفنية لإدارة الصندوق من منظور أداء العمل حسب الخطط والسياسات والنظم... وانخفاض نسبة المشكلات الإدارية.
6- تقويم دور الصندوق في تطبيق أحكام ومبادئ الاقتصاد الإسلامي والاستثمار الإسلامي ودوره الإعلامي في هذا المجال.
7- تقويم دور الصندوق في التنمية الاجتماعية حسب المخطط.
8- تقويم دور الصندوق في المحافظة على البيئة والمشاركة في مشروعاتها.
9- تقويم مدى التزام العاملين بالصندوق بالقيم والأخلاق والسلوك السوي.
10- تقويم مدى استخدام الصندوق لأساليب التقنية المعاصرة.
11- تقويم معدلات التطور والنمو في أنشطة الصندوق بصفة عامة.
وإن شاء الله في مناسبة أخرى سوف نتناول المؤشرات التي تستخدم في عمليات القياس والتحليل والتقويم بشيء من التفصيل نظراً لضيق المقام والمكان.
النتائج العامة للدراسة:
لقد تناولنا في هذه الدراسة الجوانب العلمية والعملية للرقابة لشرعية والمالية على معاملات صناديق الاستثمار الإسلامية في إطار أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية والقوانين والقرارات والتعليمات المختلفة الضابطة لتلك الصناديق، وطبقاً لأسس ومعايير المراجعة والرقابة الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وخلصنا إلى بعض الثوابت التي تمثل الإطار الفكري والعملي لنظم الرقابة الشرعية والمالية لتلك الصناديق.
ومن أهم ما خلصت إليه هذه الدراسة من نتائج ما يلي:
أولاً: تعتبر صناديق الاستثمار من زمرة المؤسسات المالية الإسلامية، ويسري عليها ما يسري على تلك المؤسسات من ضوابط شرعية ومالية واستثمارية، وأسس ومعايير محاسبية ونظم رقابية ونحو ذلك.(45/35)
ثانياً: تعتبر الرقابة الشرعية والمالية على أعمال صناديق الاستثمار من الضروريات الشرعية لأن حفظ المال وتنميته يعتبر من مقاصد الشريعة الإسلامية.
ثالثاً: هناك تعدد لنظم الرقابة وأجهزتها على أعمال صناديق الاستثمار الإسلامية من أهمها: الرقابة الشرعية، والرقابة المالية الداخلية، والرقابة المالية الخارجية، والرقابة النقدية والاستثمارية، من قبل البنك المركزي، والرقابة الشعبية، والرقابة الذاتية.... ولكل منهم شرعة ومنهاج ومقصد.
رابعاً: من أهم مجالات أنشطة صناديق الاستثمار الإسلامية التي يجب أن تخضع للرقابة ما يلي:
- إنشاء الصناديق من المنظور القانوني والشرعي.
- عمليات إصدار الوحدات (الصكوك) الاستثمارية.
- عمليات تكوين محافظ الأوراق المالية من الأسهم والسندات والصكوك.
- عمليات الاستثمار المباشر في بعض المشروعات الاستثمارية.
- عمليات التقويم الدوري للوحدات (الصكوك) الاستثمارية.
- عمليات قياس نتائج الأعمال من ربح أو خسارة.
- عمليات توزيع الأرباح بين الأطراف المستحقة.
- عمليات تحقيق عناصر المركز المالي والموقف الاستثماري والنقدي.
خامساً: يجب وضع خطط متكاملة للرقابة على هذه الأنشطة، ثم تترجم هذه الخطط إلى برامج مراجعة ورقابة يوضح فيها: النطاق وحجم العينة وأدلة الإثبات وأساليب التدقيق ونحو ذلك لتكون الدليل للتنفيذ العملي.
سادساً: من ثمرة الرقابة الشرعية والمالية مجموعة التقارير التي تتضمن الملاحظات وسبل معالجتها، والتوصيات اللازمة لتطوير الضبط الشرعي والمالي إلى الأفضل وهي نوعان: تقارير دورية خلال العام، وأخرى سنوية في نهاية العام.
سابعاً: يجب تقويم الأداء الدوري والسنوي للصناديق باستخدام مجموعة من المعايير والمؤشرات للاطمئنان إلى سلامة العمل ومعدل التطور والنمو، وتقديم معلومات تساعد في اتخاذ القرارات الاستثمارية.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
المراجع(45/36)
(1) أميمة شطا:" تقويم أداء صناديق الاستثمار الإسلامية "، بحث دكتوراه، كلية التجارة- جامعة الأزهر، بنات، الدراسة الميدانية.
(2) د. عبد الستار أبو غدة:" التكييف الشرعي لصناديق الاستثمار ومشروعيتها "، بحث مقدم إلى ندوة: (صناديق الاستثمار في مصر: الواقع والمستقبل)، جامعة الأزهر- مركز صالح عبد الله كامل، 1417هـ/1997م، صفحة 16.
(3) تجيز بعض القوانين أن تستثمر الصناديق أموالها في عمليات استثمارية بعد موافقة الجهات المعنية كما هو الحال في مصر.
(4) هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية:" المعايير الشرعية "، 1423هـ/2002م.
(5) لمزيد من التفصيل يرجع إلى:
- د. عبد الستار أبو غدة:" التكييف الشرعي لصناديق الاستثمار ومشروعيتها "، مرجع سابق.
- د. عطية فياض:" التكييف الشرعي لصناديق الاستثمار ومشروعيتها "، بحث مقدم إلى ندوة: (صناديق الاستثمار في مصر: الواقع والمستقبل)، جامعة الأزهر- مركز صالح عبد الله كامل، 1417هـ/1997م.
- د. عز الدين خوجة، مجموعة بحوث عن:" صناديق الاستثمار الإسلامية "، من مطبوعات دلة البركة.
(6) د. يوسف القرضاوي:" تفعيل آليات الرقابة على العمل المصرفي "، مجلة الاقتصاد الإسلامي، العدد238، 1422هـ/ إبريل 2002م.
- بيت التمويل الكويتي- الضوابط الشرعية كمسيرة المصارف الإسلامية - بحث مقدم إلى المؤتمر الثالث للمصرف الإسلامي، دبي 1406هـ / 1985م.
- الشيخ محمد عبد الحكيم زعير "دور القابة الشرعية في ترشيد وتطوير الأعمال المصرفية "رسالة دكتوراه- جامعة أذريبجان 1990م"".
(7) هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية:" المعايير رقم (14) الخاص بصناديق الاستثمار الإسلامي.
(8) د. حسين حسين شحاته "وصابا إلى العاملين في البنوك الإسلامية" مجلة الاقتصاد الإسلامي - العدد 245 ذو الحجة 1422هـ / مارس 2002م.
(9) … د. عبد الستار أبو غدة، مرجع سابق، صفحة 118.
قائمة المراجع المختارة(45/37)
(1)- د. أحمد محي الدين أحمد:" أسواق الأوراق المالية وآثارها الإنمائية في الاقتصاد الإسلامي"، سلسلة صالح عبد الله كامل للرسائل الجامعية في الاقتصاد الإسلامي، 1415هـ/1995م.
(2)- د. أحمد علي عبد الله:" تفعيل الرقابة الشرعية على العمل المصرفي"، حولية البركة، رمضان 1422هـ/2002م.
(3)- بنك دبي الإسلامي:" صندوق الاستثمار والأوراق المالية"، 1407هـ/1986م.
(4)- آمال أحمد عبد السلام:" الإطار القانوني لصناديق الاستثمار"، بحث مقدم إلى ندوة: (صناديق الاستثمار في مصر: الواقع والمستقبل)، مركز صالح عبد الله كامل، جامعة الأزهر، 1417هـ/1997م.
(5)- د. حسين حسين شحاتة:" زكاة الاستثمارات في الأوراق المالية وصناديق الاستثمار "، بحث مقدم إلى ندوة: (صناديق الاستثمار في مصر: الواقع والمستقبل)، جامعة الأزهر- مركز صالح عبد الله كامل، 1417هـ/1997م.
(6)- د. حسين حسين شحاتة، د. عطية فياض:" الضوابط الشرعية التعامل في سوق الأوراق المالية"، مكتبة التقوى بمدينة نصر، 1422هـ/2001م.
(7)- د. عبد الستار أبو غدة:" الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية"، من بحوث الدورة التاسعة، مجمع الفقه الإسلامي، أبو ظبي، 1416هـ.
(8)- د. عبد الستار أبو غدة:" التكييف الشرعي لصناديق الاستثمار ومشروعيتها "، بحث مقدم إلى ندوة: (صناديق الاستثمار في مصر: الواقع والمستقبل)، جامعة الأزهر- مركز صالح عبد اله كامل، 1417هـ/1997م.
(9)- " الأجوبة الشرعية في التطبيقات المصرفية"، نشر مجموعة دلة البركة، 1993/ 1995م.
(10)- عز الدين الخوجة:" دليل زكاة المشاركات في الصناديق والإصدارات"، نشر مجموعة دلة البركة، 1995م.
(11)- عز الدين خوجة:" صناديق الاستثمار الإسلامية"، من مطبوعات مجموعة دلة البركة، 1993م.(45/38)
(12)- د. عطية فياض:" التكييف الشرعي لصناديق الاستثمار الإسلامية "، بحث مقدم إلى ندوة:(صناديق الاستثمار في مصر: الواقع والمستقبل)، جامعة الأزهر- مركز صالح عبد الله كامل، 1417هـ/1997م.
(13)- د. عصام أبو النصر:" نموذج محاسبي مقترح لقياس وتوزيع عوائد صناديق الاستثمار"، بحث مقدم إلى ندوة:(صناديق الاستثمار في مصر: الواقع والمستقبل)، جامعة الأزهر- مركز صالح عبد الله كامل، 1417هـ/1997م.
(14)- د. محمد عبد الحليم عمر:" المعالجة المحاسبية لأرباح صناديق الاستثمار من منظور إسلامي"، بحث مقدم إلى ندوة:(صناديق الاستثمار الإسلامية: الواقع والمأمول)، جامعة الأزهر- مركز صالح عبد الله كامل، 1417هـ/1997م.
(15)- د. محمد محمد البلتاجي:" معايير تقويم أداء المصارف الإسلامية"، رسالة دكتوراة مقدمة إلى كلية التجارة- جامعة الأزهر، 1996م.
(16)- قرارات مجلس مجمع الفقه الإسلامي بجدة، الندوة الأولى والثانية، 1410/1412هـ.
(17)- هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية: " معايير المحاسبة والمراجعة "، 2000م ، معيار رقم (14) عن صناديق الاستثمار الإسلامية.
??
??
20 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
منهج مقترح لتفعيل الرقابة الشرعية والمالية على صناديق الاستثمار الإسلامية 21(45/39)
نحو سوق مالية إسلامية
د. كمال توفيق حطاب
أستاذ مشارك- قسم الاقتصاد والمصارف الإسلامية
جامعة اليرموك / إربد
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
تهدف هذه الدراسة إلى بحث إمكانية إيجاد سوق مالية إسلامية للخيارات والمستقبليات والعقود الآجلة على مستوى المجتمع الإسلامي المحلي والدولي، وللوصول إلى هذا الهدف تبدأ الدراسة بتوضيح الأدب الاقتصادي والمالي المتعلق بالموضوع، ومن ثم تعرض الدراسة آليات العمل بالخيارات والمستقبليات والعقود المؤجلة في السوق المالية في الاقتصادات المعاصرة، بغية تقييمها وتطويرها بما يتفق والشريعة الإسلامية.
وقد توصلت الدراسة إلى أنه من الممكن قيام سوق مالية إسلامية للعقود الآجلة في ظل العمل بضوابط شرعية خاصة, كما أن وجود هذه السوق, سوف يزيد في كفاءة استخدام الموارد وعدالة توزيعها.
مقدمة:
حث الإسلام على حفظ المال وتنميته واستثماره بأفضل وأكفأ الوسائل والأساليب المشروعة, ومن أجل ذلك فقد وضع العديد من الضوابط الشرعية التي تكفل حسن إدارة المال واستثماره, ومن ذلك مشروعية البيع والتجارة وحرمة الربا والاكتناز والاحتكار وكافة أشكال المقامرات والمراهنات التي تتضمن أكل أموال الناس بالباطل.
وانطلاقا مما تقدم, تعتبر السوق المالية الإسلامية فرصة هامة جداً لكل مستثمر مسلم, حيث يتمكن من تقليل خسائره ومخاطره وزيادة عائداته, وذلك من خلال تنويع محفظته المالية, واختيار الأدوات الأقوى والأكثر نجاحاً ومشروعية. كما تمثل السوق المالية الإسلامية محطة هامة لإعادة تنقية وضخ الأموال الحلال وتمويل المشروعات البناءة والناجحة مما يؤدي إلى زيادة معدل النمو الاقتصادي من خلال زيادة إنتاج الطيبات في المجتمع.(46/1)
إن سوق المال الإسلامي بما يمكن أن تتضمنه من أدوات إسلامية متقدمة مثل عقود الخيارات والمستقبليات والعقود الآجلة بعد تطويرها بما ينفق والشريعة الإسلامية, سوف تسهم في تطوير نوعية العمل المصرفي الإسلامي, بما يؤدي إلى زيادة الكفاءة والعدالة, وبالتالي زيادة معدلات النمو والرفاهية.
وبناء على ما سبق سوف تشتمل هذه الدراسة على المباحث التالية:
المبحث الأول: التعريف بالسوق المالية ووظائفها.
المبحث الثاني: عقود الخيارات والمستقبليات في الأسواق المالية.
المبحث الثالث: عقود الخيارات من منظور إسلامي.
المبحث الرابع: العقود الآجلة والمستقبليات من منظور إسلامي.
المبحث الخامس: مقترح إنشاء سوق مالية إسلامية.
المبحث الأول: التعريف بالسوق المالية ووظائفها:
ويشتمل على المطالب التالية:
المطلب الأول: التعريف بالسوق المالية.
المطلب الثاني: وظائف السوق المالية.
المطلب الأول: التعريف بالسوق المالية:
يطلق مصطلح السوق المالية بمعناه الضيق على سوق أو بورصة الأوراق المالية, كما يطلق بمعناه الواسع على مجموع التدفقات المالية في المجتمع سواء كانت لآجال قصيرة أو متوسطة أو طويلة بين أفراده ومؤسساته وقطاعاته, وفي ضوء هذا المعنى الواسع فإن السوق المالية لا تنحصر في مكان محدد, وإنما في معاملات محددة, ومن هنا فإن مصطلح السوق المالية الإسلامية, يمكن أن يتضمن المعاملات المالية المنضبطة بالضوابط الشرعية . (إسماعيل حسن, 1987, 43)(46/2)
ومن المعلوم أن تحقق المعنى الضيق يرتبط بتحقق المعنى الواسع, فلن توجد أسواق أوراق مالية إسلامية ما لم توجد أوراق مالية إسلامية, ولن توجد هذه الأوراق ما لم توجد مؤسسات مالية إسلامية تصدرها, وبنك مركزي إسلامي أو جهاز مركزي إسلامي يمنح ترخيصاً بإصدارها.. وهكذا يمكن القول أن السوق المالية تشتمل على البنك المركزي والبنوك التجارية وشركات التأمين وشركات الاستثمار المالي والمؤسسات المالية وبورصات الأوراق المالية وكافة المؤسسات التي تتعامل مع التدفقات المالية, ولكي تكون السوق المالية إسلامية فينبغي أن تخضع هذه المؤسسات والبنوك للضوابط الشرعية.
وتتكون السوق المالية من عدة أسواق متداخلة مع بعضها البعض وهي:
1- سوق النقد: وهي السوق التي تتعامل بأدوات الائتمان قصيرة الأجل (لا تزيد عن سنة) مثل النقود المتداولة والشيكات الكمبيالات وغيرها من الأوراق التجارية المقبولة الدفع.
2- سوق المال: وهي السوق التي تتعامل بأدوات الائتمان متوسطة أو طويلة الأجل وتتداول فيها الأسهم والسندات, وغيرها من القروض التي تتراوح آجالها من (5-3 سنة).
3- سوق الصرف: ويتم التعامل فيها بطريقتين عاجلة وآجلة, أما سوق الصرف العاجلة فيتم التعامل فيها عن طريق التحويلات البرقية والبريدية والحوالات العاجلة إضافة إلى الشراء النقدي. بينما يتم التعامل في سوق الصرف الآجل بالحوالات الآجلة والعقود المؤجلة.(46/3)
ولا توجد حدود فاصلة بين أسواق النقد وأسواق رأس المال وأسواق الصرف, ويستدل على هذه الأسواق بنوعية الأوراق والنقود المتداولة. فالاقتراض أو الإيداع لدى مصرف لمدة أشهر معدودة يعتبر تعاملاً مع سوق النقد لأنه تعامل قصير الأجل, وإذا باع المصرف أسهماً لشركة ما كان بمثابة سوق لرأس المال لأنه تعامل طويل الأجل, وإذا كانت الأسهم لشركة أجنبية في الخارج, وقام المصرف بتحويل عملات المساهمين إلى العملة الأجنبية التي تقبلها الشركة في الخارج كان بمثابة سوق الصرف. (عيسى,1984, 12-14).
المطلب الثاني: وظائف الأسواق المالية:
من خلال التعريف السابق للسوق المالية, يظهر لنا أنها تمثل البيئة أو الأوعية التي يتم من خلالها انسياب التدفقات المالية في المجتمع, فهي بمثابة الشرايين التي تغذي عروق الاقتصاد الوطني بالأموال اللازمة لاستمرارية عمله بشكل سليم, وكلما كانت هذه الشرايين واسعة سليمة, كان الاقتصاد الوطني بعيداً عن الجلطات أو الأزمات الاقتصادية التي يمكن أن تلحق به, وتعيقه عن التقدم, بل إن السوق المالية المنتظمة والمنضبطة تزيد من ثقة الأفراد والمؤسسات في سلامة الوضع الاقتصادي, مما يزيد من جذب المدخرات, واستقطاب الاستثمارات الأجنبية, وبالتالي زيادة معدلات الأداء والنمو الاقتصادي, بما يزيد من تقدم البلد ورفاهية مواطنيه.
وتؤدي سوق الأوراق المالية (البورصة) بشكل خاص وظائف هامة على مستوى الاقتصاد القومي والمؤسسات والأفراد, فبالنسبة للاقتصاد القومي تحقق سوق الأوراق المالية المزايا التالية (محيي الدين,1986, 147, قحف, 1990, 1670):
1- تعبئة المدخرات وتوجيهها نحو الاستثمار في المشاريع المنتجة.
2- توزيع رأس المال على مختلف الأنشطة الاستثمارية.
3- تمثل سوق الأوراق المالية حلقة اتصال بين جميع الفعاليات الاقتصادية.
4- تمهد الطريق أمام السلطات النقدية للمزج بين السياستين المالية والنقدية.(46/4)
5- تعمل على جذب رؤوس الأموال الأجنبية.
6- تعتبر مؤشراً هاماً على حقيقة الوضع الاقتصادي واتجاهات الأسعار ومعدلات الادخار والاستثمار
أما أهمية سوق الأوراق المالية بالنسبة للأفراد والمؤسسات فهي كما يأتي (محيي الدين, 1986, 150, القري, 1990, 1582)
1- تسهيل عمليات الاستثمار للآجال القصيرة.
2- تساعد على سرعة تداول الأوراق المالية ومعرفة أسعارها وتحويلها إلى نقد سائل.
3- التعرف على المراكز المالية للشركات من خلال إدراج الأوراق المالية في سوق الأوراق المالية.
إن عدد مؤسسات الأسهم المتخصصة, والمؤسسات التي تقوم تقديم أسهم رأسمالية من خلال البورصة قليل جداً في الدول الإسلامية, وتوجه كثير من المؤسسات المالية في الدول الإسلامية جزءاً كبيراً من مواردها إلى الأسواق المالية في البلدان الصناعية... ونظراً لأهمية رأس المال في المدى الطويل لتحقيق النمو الاقتصادي فإن إنشاء مؤسسات توفر أسهما - رأسمالية- يعتبر شرطاً أساسياً لنجاح التمويل الإسلامية.. إن على المؤسسات المالية الإسلامية أن تضع في اعتبارها التطورات التي حدثت في الأسواق المالية الدولية. ففي جميع أرجاء العالم يهجر آلاف المدخرين حسابات البنوك التقليدية والسندات الحكومية ذات العائد المنخفض, ونتيجة لذلك تشهد أسواق الأسهم معدلات مرتفعة من النمو.. إن التحدي الذي تمثله هذه التطورات للبنوك الإسلامية يقتضيها إعداد نفسها بسرعة للدخول في أسواق الأسهم التي يتزايد نشاطها وينمو بسرعة (إقبال, 2001, 44- 47).
ومما يؤكد أهمية الأسواق المالية ما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في الفقرتين الأولى والثالثة:
"إن الاهتمام بالأسواق المالية هو من تمام الواجب في حفظ المال وتنميته, باعتبار ما يستتبعه من التعاون لسد الحاجات العامة, وأداء ما في المال من حقوق دينية, أو دنيوية"(46/5)
وفي الفقرة 3 "إن فكرة الأسواق المالية تقوم على أنظمة إدارية وإجرائية, ولذا يستند الالتزام بها إلى تطبيق قاعدة المصالح المرسلة" (أبو سليمان / فقه الضرورة, 155).
المبحث الثاني
عقود الخيارات والمستقبليات في الأسواق المالية
سبقت الإشارة إلى أن أدوات السوق المالية كثيرة ومتنوعة وربما يصعب حصرها, غير أن من أهم هذه الأدوات والتي لم تتطرق إليها البحوث الاقتصادية الإسلامية, عقود الخيارات والمستقبليات والعقود الآجلة, وفيما يلي عرض تفصيلي لهذه الأدوات, وذلك من أجل محاولة تقييمها فقهياً ومن ثم محاولة تطويرها بما يتفق والشريعة الإسلامية, وذلك في المطالب التالية:
المطلب الأول: عقود الخياراتOption contracts :
تعامل الناس بعقود الخيارات منذ قرون عديدة, وذلك من خلال مكاتب التجار وبيوت السماسرة, ومن خلال أسواق غير منظمة.
ويذكر هوانج ورندال كما منير هندي (1999, 629) أنه قبل إنشاء السوق المنظمة كانت السوق تشتمل على عدد محدود من التجار والسماسرة يتبعون اتحاد تجار خيار البيع والشراء Put and call dealers association , وكان التجار أو السماسرة يعلنون عبر الصحف المتخصصة عن استعدادهم لإبرام الصفقات ومساعدة الأطراف المختلفة على التفاوض والوصول إلى اتفاقات بشأن تاريخ التنفيذ وسعر التنفيذ ومقدار العمولة, وقد استمر هذا الوضع على حاله إلى أن ظهرت أول سوق منظمة لعقود الخيارات عام 1973 في مدينة شيكاغو, أطلق عليها سوق بورصة شيكاغو Chicago Board Options Exchange (CBOE) حيث عملت هذه السوق على إدخال تعديلات جوهرية على أسس التعامل في السوق غير المنظمة, بحيث أصبح التعامل بالخيارات أكثر سهولة وسرعة, مما يعني تحسين سيولة الخيار (هندي, 1999, 631).(46/6)
وقد ازداد التعامل بعقود الخيارات في الولايات المتحدة حتى أصبحت تزيد على مليون عقد يومياً تتضمن مئات البلايين من الدولارات, ولم ينتشر التعامل بها خارج الولايات المتحدة إلا في عقد الثمانينات حيث أصبحت متداولة في أكثر من أربعين سوقاً على مستوى العالم (القري, 1993, 21)
وكانت بورصة شيكاغو قد بدأت بخيارات الأسهم لخمس وعشرين شركة فقط, ثم ما لبثت أن ازدادت إلى أكثر من خمسمائة شركة, ولتشتمل على أسواق الأسهم والأوراق المالية والعملات والمعادن الثمينة وبقية السلع الرئيسية.
وفي الوقت الذي ينظر فيه كثير من الباحثين في قضايا المال والاستثمار إلى الخيارات كأفضل ما استطاع الفكر الاستثماري إنجازه حتى الآن, يرى بعض المستثمرين أن الخيارات هي من أكثر الأدوات أو الأفكار الاستثمارية غموضاً, وبالتالي ينأون بأنفسهم عن التعامل بها. (أسعد, 2001, 71-73)
أنواع الخيارات:
تتعد الخيارات باعتبارات عديدة وأنواع وأشكال عديدة, فهناك خيارات التعهدات والمؤشرات وخيارات خاصة ببعض الشركات أو المؤسسات أو العملات (القري, 1990, 1605- 1615) غير أنه يكاد يتفق الباحثون في هذا المجال على أن هناك نوعين من الخيارات يعتبران الأهم والأكثر انتشاراً في التعامل في الأسواق المالية وهما:
1- خيار الطلب أو الشراء Call option) )(46/7)
وهو اتفاق يعطي حامله الحق (وليس الإجبار) the right but the obligation في شراء سهم معين أو أية أوراق مالية أخرى بسعر محدد خلال فترة محددة غالباً ما تكون تسعين يوماً. ويسمى السعر المتفق عليه بين الطرفين بالسعر الضارب ( strike price ) ويفهم من هذا التعريف أن هذا الخيار يعطي المشتري الحق في تنفيذ الشراء أو إلغائه خلال فترة محددة أما البائع فلا يجوز له التراجع عن الصفقة مادام قد قبض ثمن الخيار وهو ما يعرف بالعمولة أو premium. فالمشتري حصل على الأمان ضد انخفاض قيمة الصفقة, والبائع حصل على العمولة الإضافية لقيمة الصفقة وقت العقد إذا ما أتم المشتري الشراء.
2- خيار العرض أو الدفع (put option )
وهو اتفاق يعطي مشتري هذا الخيار- وهو مالك الأوراق المالية- الحق في بيع عدد معين من الأسهم أو الأوراق المالية الأخرى بسعر معين خلال فترة محددة, وليس عليه إجبار بالبيع فهو بالخيار, أما قابض ثمن الخيار فهو مجبر على الشراء إذا ما قرر مشتري هذا الحق البيع بالسعر المتفق عليه خلال الفترة المحددة.
ويفهم من التعريف السابق أن مشتري هذا الحق هو صاحب الأسهم أو الأوراق المالية الأخرى وأنه يرغب ببيعها, ولكنه يخشى هبوط أسعارها, فيقوم بشراء حق خيار البيع إذا ما كان السعر مربحاً له, ويكون بالخيار وليس عليه إجبار, أما قابض ثمن الخيار, وهو الذي سيقوم بشراء الأسهم أو الأوراق المالية الأخرى إذا ما قرر الطرف الأول ذلك, فهو مجبر على الشراء خلال الفترة المتفق عليها لأنه قبض ثمن الخيار. (القري, 1993, 22)
ويتم تنفيذ الخيارات بثلاثة طرق هي (الطراد وعباد, 1999, 165-166):
1- الخيار الأمريكي: هو الذي يعطي لحامله الحق في شراء أو بيع عدد من الأسهم أو الأوراق المالية خلال فترة محددة, وبسعر محدد مسبقاً, ويمتاز هذا الأسلوب بالمرونة الكبيرة لصاحب الخيار فهو ليس محصوراً بتاريخ محدد وإنما خلال فترة محددة.(46/8)
2- الخيار الأوروبي: وفيه يكون حامل حق الخيار محصوراً في تاريخ محدد هو آخر مدة الخيار, ولا يستطيع تنفيذ الخيار إلا في هذا التاريخ.
3- طريقة برمودا: ومن خلال هذه الطريقة يتم وضع عدة محطات محددة يمكن فيها تنفيذ الخيار, ومن الملاحظ أن هذه الطريقة تجمع بين الطريقتين السابقتين.
المطلب الثاني : العقود الآجلة:
والعقد الآجل عبارة عن اتفاقية بين شخصين لتسليم أصل معين في وقت لاحق مستقبلاً وبسعر محدد يسمى سعر التنفيذ, ويتحدد في العقود عادة مواصفات الأصل كدرجة الجودة أو التصنيف والكمية وطريقة التسليم ومكان التسليم والسعر وطريقة السداد حيث يتم التفاوض على جميع هذه الأمور بين البائع والمشتري.
وقد تستخدم العقود الآجلة للوقاية من تقلب الأسعار السوقية للسلع أو لأذونات الخزانة أو السندات أو القروض أو حتى أسعار الفائدة, وعندها تسمى العقود الآجلة لأسعار الفائدة (FRA) forward rate agreement فبإمكان المستثمر الذي يريد الحصول على قرض معين مثلاً أن يقوم بشراء عقد آجل لأسعار فائدة بمعدل فائدة ثابت محدد مسبقاً, وأن يلزم الطرف الآخر بالتنفيذ خلال فترة محددة في العقد, وبذلك يضمن حماية نفسه من مخاطر ارتفاع سعر الفائدة. (خريوش, 1999, 225 -226).(46/9)
كما تستخدم العقود الآجلة لتقليل خطر تذبذب أسعار صرف العملات, وذلك بإبرام العقود الآجلة لأسعار الصرف في الأسواق العالمية. فإذا قام (أ) ببيع بضاعة على الحساب إلى (ب) في دولة أخرى على أن يقبض ثمنها بعد ستة شهور مثلا بالعملة الأجنبية, وتوقع (أ) أن تنخفض قيمة العملة الأجنبية مستقبلاً فإن بإمكانه أن يبيع العملات الأجنبية هذه من خلال السوق بسعر صرف يتم الاتفاق عليه آنيا على أن يتم التسليم بعد ستة شهور, وبذلك فإن أي انخفاض بالعملة الأجنبية لن يؤثر على صافي المبلغ الذي سوف يقبضه بعملته المحلية. وفي العادة فإن الصحف والمجلات العالمية تنشر معلومات تفصيلية عن أسعار العقود الآجلة والمستقبلية للعملات بتواريخ متعددة قد تمتد من شهر إلى 12شهر. (خريوش,1999,213).
المطلب الثالث: عقود المستقبليات Future contracts
وهي عبارة عن اتفاقات بين مستثمرين ومؤسسات مقاصة clearing cooperation لاستلام أو تسليم أصل معين في وقت لاحق مستقبلا وبسعر محدد سلفاً. وتكون العقود المستقبلية نمطية موحدة من حيث تواريخ الاستحقاق, ويتم تداولها بوحدات نقدية موحدة أو بمضاعفاتها, فمثلا يتم تداول العقود المستقبلية في الولايات المتحدة بوحدات نقدية 100,000 دولار أو مضاعفاتها. وتكون العقود بين مؤسسة المقاصة والبائع وبين مؤسسة المقاصة والمشتري, ويحتفظ عادة بسجلات تبين أوضاع المتعاملين في نهاية كل يوم, لأن أسعار العقود المستقبلية تتغير بشكل دائم, فإذا كانت تحركات الأسعار قد أدت إلى زيادة حقوق الملكية في العقد فإن هذه الزيادة تسجل لصالح المتعامل ويستلمها نقداً, وبذلك يتحقق الربح والخسارة يومياً عند ارتفاع أو انخفاض الأسعار.(46/10)
وتغطي الأرباح والخسائر اليومية من الهوامش التي يكون المشتري قد دفعها منذ البداية, وهي نوعان: هامش ابتدائي لضمان تنفيذ الشروط, وهامش تغطية الخسائر لتغطية أية خسائر مبدئية تنتج عن تحركات أسعار البورصة, فإذا وصل الانخفاض في تحركات الأسعار إلى أقل من هامش تغطية الخسائر المدفوع فإن مؤسسة التقاص تطلب من المشتري دفع هامش إضافي لكي يتم تعويض هذا الانخفاض في الأسعار (خريوش وآخرون, 1999, 226-227)
وتتكون بورصة المستقبليات من عدة أعضاء وهؤلاء الأعضاء هم ممثلون عن شركات سمسرة رئيسية Major Brokerage Firms بنوك ومؤسسات استثمارية وبعض المتعاملين المستقلين, ولابد من ترخيص كل من تجار المستقبليات بالعمولة, ووسطاء أو سماسرة القاعة من قبل هيئة التعامل بمستقبليات البضائع.
ويوجد لكل بورصة مستقبليات مؤسسة تسوية أو تقاص, تقوم بضمان كل عقد يتم تداوله داخل البورصة, بما يحافظ على المصداقية المالية للبورصة, ويقوم مشتري وبائع العقد المستقبلي بالاتفاق على سعر العقد المعني من خلال مزاد تنافسي يتم في البورصة, ويكون سعر المزاد أكثر شفافية بحيث يستطيع كل المشترين رؤية كل البائعين على كل سعر, إن الهامش بين أفضل سعر للشراء وأفضل سعر للبيع عادة ما يكون ضيقاً لمعظم المستقبليات المالية, يستثنى من ذلك مستقبليات العملة.
وتتغير الأسعار عادة وفقا لعوامل العرض والطلب, ويستطيع أي شخص التعامل بالمستقبليات, وذلك من خلال أحد السماسرة (تجار المستقبليات بالعمولة) والذي يكون في العادة أحد أعضاء بورصة المستقبليات, ومع ذلك فإن معظم التعامل بالمستقبليات المالية يتم بواسطة البنوك أو المؤسسات المالية المتخصصة. (مخامرة, 2000, 69-71).
أوجه الشبه والاختلاف بين العقود الآجلة والمستقبليات:(46/11)
تتفق العقود الآجلة والعقود المستقبلية من حيث أنها تتعلق بتسليم أصل معين في وقت لاحق مستقبلا وبسعر محدد سلفا, إلا أنها تختلف فيما بينها في عدة أمور:
1- العقود الآجلة تحدد شروطها باتفاق وتراضي الطرفين أما المستقبليات فإنها عقود نمطية موحدة من حيث قيمتها وتواريخ التسليم.
2- العقود الآجلة تتم بين طرفين البائع والمشتري أما المستقبلية فإنها تكون بين ثلاثة أطراف بين مؤسسة التقاص والبائع ومؤسسة التقاص والمشتري.
3- في العقود الآجلة يحدد الهامش مرة واحدة يوم توقيع العقد, أما المستقبليات فيتم الاحتفاظ بهوامش متحركة لتعكس تحركات الأسعار.
4- في العقود الآجلة تتم تسوية العقد في تاريخ التسليم أو الاستحقاق أما المستقبليات فيمكن تسوية العقد في أي وقت قبل تاريخ الاستحقاق.
5- في العقود الآجلة يتحقق الربح والخسارة في تاريخ التسليم أما المستقبليات فيتحقق الربح أو الخسارة يومياً عند ارتفاع أو انخفاض الأسعار.
المبحث الثالث
عقود الخيارات من منظور إسلامي:
المطلب الأول: آراء العلماء المعاصرين في عقود الخيارات:
من الواضح أن هناك فروقاً جوهرية بين الخيار الشرعي المعروف في الفقه الإسلامي وعقود الخيارات المتداولة في الأسواق المالية, من أبرز هذه الفروق أن الخيار الشرعي ليس له وجود مستقل دون عقد البيع, فهو جزء من عقد البيع, وأحكامه الشرعية مرتبطة بعقد البيع.
أما الخيار المالي فهو عقد مستقل ناجز فيه عاقدان وصيغة ومحل العقد, وهو حق معنوي والتزام وليس محله أسهم أو سندات أو أعيان.
ومع ذلك فإن للعلماء في عقود الخيارات رأيان: الأول: التحريم, الثاني: الجواز.
الرأي الأول: المحرِّمون:(46/12)
يرى معظم العلماء المعاصرين تحريم هذه العقود, فقد ذهب مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة في مدينة جدة عام 1992 إلى عدم جواز عقود الخيارات, حيث جاء في القرار رقم (65/6/7) "بعد الاطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الخيارات وبعد الاستماع إلى المناقشات التي دارت حوله, تقرر: أن المقصود بعقود الاختيارات الالتزام ببيع شيء محدد موصوف أو شرائه بسعر محدد خلال فترة زمنية معينة أو في وقت معين إما مباشرة أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين وحكمه الشرعي أن عقود الاختيارات- كما تجري اليوم في الأسواق المالية- هي عقود مستحدثة لا تنطوي تحت أي عقد من العقود الشرعية المسماة وبما أن المعقود عليه ليس مالاً ولا منفعة ولا حقاً مالياً يجوز الاعتياض عنه فإنه غير جائز شرعاً وبما أن هذه العقود لا تجوز ابتداء فلا يجوز تداولها"
(www.fatawa .al-islam.com)
وفي سؤال موجه للجنة الفتوى لبيت التمويل الكويتي حول عقود الخيارات أجابت اللجنة:
" لا يجوز بيع العملات بالخيار لأنه بيع غير بات ويجوز اشتراط الخيار فيما عدا ذلك من الأسهم أو السلع مع مراعاة شروط بيع الخيار في كتاب الفتاوى الشرعية في بيت التمويل ونصها: إجراء عقد بيع مقترن بخيار شرط لبيت التمويل, وهو بيع تنتقل فيه الملكية ويكون المبيع على ضمان المشتري (الطرف الثاني) ومن حق الطرف الأول البت في العقد أو فسخه خلال مدة الخيار المحددة ويمكن أن يؤجل دفع الثمن المتفق عليه لما بعد البت بمدة يتفق عليها ولابد من التثبت من حقيقة ورود البضاعة وقابليتها للتسليم في أي لحظة عقب الشراء"
وقد بحث د/ أحمد محيي الدين في رسالته للماجستير بعنوان "عمل شركات الاستثمار الإسلامية في السوق العالمية" وهذا الموضوع تحت عنوان "رأي الفقه في البيوع الشرطية الآجلة" وقسمها إلى أربعة أشكال اعتبرها جميعا محرمة وهي:(46/13)
1- البيع بشرط التعويض: وذلك بأن يعطى الخيار للبائع أو المشتري بأن ينفذ العقد أو يفسخه مقابل دفع تعويض متفق عليه مسبقاً.
2- البيع بشرط الزيادة: ويعطى فيها الخيار للمشتري بأن يستزيد من الشراء في موعد التصفية.
3- البيع بشرط الانتقاء: ويعطى فيها الخيار للمتعاقد بأن يختار في موعد التصفية وضع البائع أو وضع المشتري بكمية محدودة من السلع وبسعر محدد مسبقاً.
4- العمليات المركبة من العمليات السابقة. (محيي الدين, 1986, 266).
ومن أبرز الأدلة التي يستشهدون بها على التحريم ما يلي (محيي الدين, 1986, 268-278, رضوان, 1996, 470-489, كمال, 1996, 219-222, هارون, 271, 1999- 277, مجلة مجمع الفقه الإسلامي, 1273, 1990- 1721)
1- تعارض عقود الخيار الشرطية مع قصد الشارع لتحقيق العدل:
فالخيار لم يشرع لكي يرى المستفيد منه هل تطور الأسعار يكون لصالحه فينفذ الصفقة أم لا يكون كذلك فيختار فسخ العقد... إن خيار الشرط لم يبح من أجل أن يقرر المستفيد منه هل هو بائع أم مشتر, أو أن يطلب المشتري المزيد من السلعة المشتراة أو البائع المزيد من السلعة المباعة (في حالة البيوع المضاعفة).
فعدم العدل في هذه العقود يكمن في إعطاء أحد العاقدين فرصة واسعة لأن يحقق أرباحاً على حساب المتعاقد الآخر...
2- اعتبار الشروط المرافقة لعقود الخيارات من الشروط الفاسدة:
فالشروط الفاسدة تضم كل شرط لا يقتضيه العقد أو يكون فيه منفعة لأحد العاقدين لا يوجبها العقد ... فيه شروط ليست من مقتضى العقد, أو تنافي مقتضى العقد, أو تشتمل على غرض يورث التنازع.
3- انطواء البيوع الآجلة الشرطية على بيع الإنسان ما ليس عنده:
فالذي يشتري حق خيار شراء الأسهم لن يكون بحاجة إلى امتلاك الأسهم, وكل ما يحتاجه هو أن يكون له رصيد معين في حسابه لدى السمسار. بنقل رضوان (1996, 477) عن أحد علماء التمويل والاستثمار:(46/14)
you do need to own the stock, you just need to maintain balance in your brokerage account.
4- صورية أغلب البيوع الخيارية الشرطية:
أغلب البيوع الشرطية صورية ولا يجري تنفيذها ولا يترتب عليها بالتالي تمليك ولا تملك فلا المشتري يتملك المبيع, ولا البائع يتملك الثمن, ولما كانت عقود البيع إنما وضعت شرعاً لإفادة التمليك, ولما كانت عقود الخيار غير مؤدية لهذا الغرض كانت غير محققة لهذا المقتضى, وما خالف مقتضى العقد فهو باطل.
5- الغرر في عقود الخيارات:
فهذه العقود تترافق مع غرر كبير يتمثل في الجهالة والترقب وانتظار تقلبات الأسواق وما تأتي به من ارتفاع أو انخفاض في أسعار السلع أو الأوراق المالية, وما ينجم عن كل ذلك من خسائر للبعض ومكاسب لآخرين.
الرأي الثاني: المجيزون
ذهبت الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية (1982, 5/224) إلى جواز عقود الخيارات الشرطية, وإلى أن المال الذي يأخذه البائع من المشتري هو حق له فلا يرد إلى دافعه... ولما كان للطرف الآخر نفس الحق في الخيار فإنه يجوز أن يبيعه حقه هذا, يدفعه من يشتري حق الخيار إلى من باع له هذا الحق من مال مقابل تخويله حق فسخ العقد خلال مدة الخيار هو حق للبائع لا يرد إلى دافعه, وتضيف الموسوعة " وكما جوزنا العمليات الشرطية البسيطة, فإننا نرى جواز العمليات الشرطية المركبة لنفس الأسباب" وكذلك أجازها د/ وهبة الزحيلي في بحثه المقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة (الزحيلي, 1990, 1331-1332).
وقد استدلوا بعدد من الحجج والأدلة منها:
- قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود( (المائدة:1)
- قوله (: "والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالا أو أحل حراماً" (سنن أبي داود, 830 , وقال الألباني في إرواء الغليل "صحيح" 5/142)
- تحقق مصلحة أكبر من المفسدة.
- ضرورة وجود سوق مالية إسلامية.
الترجيح:(46/15)
ومن خلال تأمل أدلة الفريقين, يظهر بوضوح ضعف الأدلة التي استدلت بها الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية, وذلك لأنها أدلة عامة لا تفيد وجه الاستدلال الذي ذهبت إليه الموسوعة, ولا شك أن عقود الخيارات كما يجري التعامل بها في أسواق الأوراق المالية تنطوي على الكثير من المخالفات الشرعية, وهذا يتطلب البحث في محاولة إزالة هذه المخالفات الشرعية بتطوير هذه العقود لكي تتفق مع الشريعة الإسلامية, ومع ذلك فقد وجدت محاولات لإدراج عقود الخيارات ضمن العقود الشرعية, فهل تتسع العقود الإسلامية المسماة لمثل هذه العقود؟ هذا هو موضوع المطلب التالي.
المطلب الثاني: التكييف الفقهي لعقود الخيارات:
من خلال الاستقراء والتأمل يمكن أن يندرج عقد الخيار الذي تتعامل به الأسواق المالية في الوقت الحاضر- بعد إضافة الضوابط الشرعية وتغيير العقود المنظمة لهذه العقود- تحت عدد من العقود والتكييفات الفقهية التالية:
أولا: عقد الخيار هو حق معنوي.
ثانيا: عقد الخيار هو بيع عربون.
ثالثا: محل عقد الخيار هو ضمان أو كفالة.
رابعا: عقد الخيار هو أشبه ما يكون بنظام التأمين التجاري.
وسوف نبحث هذه التكييفات الفقهية تفصيلا فيما يلي:
أولا: عقد الخيار والحقوق المعنوية:
سبقت الإشارة إلى أن عقد الخيار هو حق معنوي, فما هو حكم الشريعة الإسلامية في الحقوق المعنوية, وهل كافة الحقوق المعنوية معتبرة شرعا ويمكن الاعتياض عنها أو مبادلتها بمال؟
يقسم الفقهاء الحقوق إلى قسمين (العثماني, 1988, 2358):
الحقوق الشرعية: وهي التي ثبتت من قبل الشارع, ولا مدخل في ثبوتها للقياس, مثل حق الشفعة, وحق الولاء, وحق الوراثة, وحق النسب, وحق القصاص, وحق التمتع بالزوجة, وحق الطلاق, وحق الحضانة والولاية... إلخ.
الحقوق العرفية: وهي التي ثبتت لأصحابها بحكم العرف والعادة, مثل حق المرور في الطريق, وحق الشرب, وحق التعلي, وحق التسييل, وحق وضع الخشب على الجدار.(46/16)
وما يهمنا في هذا البحث هو النوع الثاني من الحقوق, فهل يجوز الاعتياض عن هذه الحقوق, وبمعنى آخر هل يجوز بيعها؟
اختلف الفقهاء في ذلك, وأصل الخلاف بين الفقهاء في هذه المسألة هو اختلافهم في معنى المال, فمن قال بأن هذه الحقوق أموالا أجاز بيعها, ومن قال بأن المال يشمل الأعيان فقط منع بيع هذه الحقوق لأنها ليست أعيانا, وهذا هو رأي معظم فقهاء الحنفية, أما جمهور الفقهاء فهم مع الرأي الأول الذي يعتبر هذه الحقوق أموالا, وبالتالي يجوز بيعها.
ويمكن ملاحظة أن معظم الأدلة التي يستدل بها لجواز بيع الحقوق العرفية هي أدلة عقلية, تستند إلى قاعدة المصالح المرسلة وتنسجم مع المقاصد الشرعية العامة التي تدعو إلى جلب المصالح ودرء المفاسد بشكل عام.
ومن أبرز هذه الأدلة (شبير, 1996, 65):
1- إن هذه الحقوق تمثل منافع دائمة لأصحابها, وبالتالي يمنكهم بيع بعض هذه المنافع.
2- إن هذه الحقوق يمكن أن تكون ثمرة جهود ذهنية وعمل متواصل وبالتالي فإن أصحابها هم أحق بهذه الثمرة أو الغلة, ويمكن لهم بيع بعضها متى شاءوا ذلك.
3- إن هذه الحقوق ثابتة لأصحابها, ويتحملون وحدهم تكاليفها ومسئولياتها في حالة الضرر, وفي المقابل فإن غلتها وثمرتها يجب أن تعود إليهم.
ويمكن ملاحظة إن من أهم الأسباب التي يستند إليها الفقهاء في تحريم بيع الحقوق المعنوية الغرر أو الربا, وفي حالة عقد الخيار محل بحثنا هنا فليس هناك أدنى شك أنه متى ترافق عقد الخيار مع الربا أو الغرر الفاحش أو القمار فإنه يصبح عقدا باطلا لا يصح التعامل به, ولذلك لابد من إزالة الربا أو الغرر أو القمار في حالة وجوده حتى يكون هذا العقد مشروعا.
ثانيا: عقد الخيار وبيع العربون:(46/17)
يرى د/ محمد القري (1993, 22) أن خيار الشراء هو أشبه ما يكون ببيع العربون, وبيع العربون جائز عند الحنابلة على خلاف الجمهور. ومثاله أن يشتري الرجل السلعة بألف دينار, فيدفع من ثمنها جزءا (عشرة دنانير مثلا), ويقول للبائع إذا لم أشتر منك غدا فالدنانير العشرة لك, ويعد هذا العقد ملزما في حق البائع أي أنه لا يستطيع أن يمتنع عن تنفيذه, أما المشتري فهو بالخيار خلال المدة المتفق عليها.
آراء الفقهاء في بيع العربون والرأي الراجح (الصنعاني, 1960, 17, أبو رخية, 1986, 11-26):
ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز بيع العربون, بينما ذهب الحنابلة في المشهور عندهم إلى جوازه (ابن قدامة, 1972, 4/257) ومن أبرز ما استدل به الحنابلة ما يلي:
1- ما رواه سفيان بن عيينة عن... نافع بن الحارث عامل عمر على مكة أنه اشترى من صفوان ابن أمية دارا لعمر بن الخطاب بأربعة آلاف درهم واشترط عليه نافع إن رضي عمر, فالبيع له, وإن لم يرض فلصفوان أربعمائة درهم (ابن القيم, 1973, 3/389).
2- ما روي عن ابن سيرين أنه قال عن بيع العربون لا بأس به, وقال سعيد بن المسيب وابن سيرين لا بأس إذا كره السلعة أن يردها ويرد معها شيئا, وقال أحمد هذا في معناه- أي في معنى بيع العربون-.
3- ما أخرجه البخاري في باب ما يجوز من الاشتراط "قال الرجل لكريه أدخل ركابك (جهز الدابة) فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج فقال شريح: من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه" (ابن حجر, 1379هـ, 5/354).
واستدل الجمهور بالأدلة التالية:
1- قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل( (النساء:92).
2- نهى النبي ( عن بيع الغرر. (مسلم بشرح النووي, 1349هـ, 3/156) وبيع العربون من بيوع الغرر.
3- عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ( نهى عن بيع العربان. قال الألباني في إرواء الغليل: ضعيف (1979, 5/63).
مناقشة أدلة المحرمين:(46/18)
1- استدلالهم بالآية استدلال عام.
2- موضوع الغرر في بيع العربون ليس مؤكدا.
3- حديث عمرو بن شعيب ضعيف لا يصلح للاحتجاج به.
مناقشة أدلة المجيزين:
1- واقعة شراء دار صفوان بن أمية لعمر رضي الله عنه تشبه بيع العربون, والاستدلال بهذه الحادثة استدلال سليم.
2- ما أجازه ابن القيم وابن سيرين وسعيد بن المسيب يتشابه مع بيع العربون.
الرأي الراجح:
من خلال استعراض الأدلة السابقة ومناقشتها نتبين أن أدلة المجيزين هي الأقوى خاصة أن هذا الرأي هو الذي ينسجم مع تحقيق المقاصد الشرعية المتمثلة في دفع الضرر والحرج والمشقة, ففي تحريم العربون تضييق على الناس ومصالحهم, وسماح بإيقاع الضرر, والمتمثل في تفويت الفرص على البائع أو المؤجر, أو تعريض الأعيان والخدمات لتقلبات الأسعار وتدهورها.
وبناء على ذلك نص القانون المدني الأردني على دفع العربون ومثله في حالة النكول, جاء في المادة 107 "فإذا عدل من دفع العربون فقده, وإذا عدل من قبضه رده ومثله"
إلا أن مضاعفة مقدار العربون ضرر وحرج ومشقة, ولذلك ينبغي أن يلتزم العاقدان بما اتفقا عليه وهو مقدار العربون فقط. (أبو رخية, 27-28)
وقياسا على حكم بيع العربون, يمكن القول بجواز عقود خيار الشراء, إذا سلمت من المخالفات الشرعية الأخرى, أما عقود خيار البيع, فيمكن الحكم عليها من خلال معرفة حكمك الالتزام أو الضمان أو الكفالة, أو حكم التأمين التجاري, وهو ما سيبحث في الفقرتين التاليتين.
ثالثا: عقد الخيار هو التزام أو ضمان أو كفالة:
هل الالتزام أو الضمان يصلح لأن يكون مادة لعقود المعاوضات؟
للفقهاء في ذلك عدة آراء أشهرها قولان:
القول الأول:(46/19)
إن محض الالتزام فيه منفعة مقصودة ومصلحة مشروعة مشابهة للمنافع التي تبذل في الوديعة والعارية والوكالة, ولذلك يصح أن يكون محلا للعقد في الضمان والوديعة, كما جاز مبادلته بالمال في كثير من الفروع والمسائل والتطبيقات عند الفقهاء (حماد, 1997,103) ومن هذه التطبيقات:
جواز أخذ الأجر على محض الالتزام بالحفظ في الوديعة, ولو لم يكن إلى جانبه عمل.
جواز أخذ العوض المالي على بعض الالتزامات الجائزة شرعا, مثل أن تدفع المرأة لزوجها مقابل التزامه بعدم الزواج عليها, أو يدفع الرجل لزوجته مبلغا مقابل التزامها بعدم الزواج بعد وفاته.
جواز دفع مبلغ من المال من الدائن للمدين إذا أحضر المدين ضامنا أو كفيلا يكلفه في سداد دينه, فالالتزام في عقد الكفالة مما يصح بذل المال في مقابلته. (حماد, 1997, 105).
…ومن الأدلة أيضا:
جواز اشتراط الأجر على الرقية بالقرآن, وجواز أخذ الأجر على الطاعات كتعليم القرآن والأذان والإمامة وغيرها (حماد, 109) فهذه قرب وطاعات, فإذا كان الضمان أو الكفالة قربة وطاعة, فلا يمنع أخذ الأجرة عليها.
……لقول الثاني:
يرى بعض الفقهاء أن الحقوق أو الالتزامات أو الضمان أو الكفالة وكل ما ليس له صفة مادية محسوسة لا يجوز بيعه أو شراؤه لأنه ليس بمال فهو شبيه بحق الشفعة وحق الحضانة والولاية, فتلك حقوق معنوية لم يجز الشارع بيعها أو التنازل عنها بعوض.
ومن أقوالهم في ذلك:
قال الحموي في حاشيته على الأشباه والنظائر: "أقول: لعل وجه عدم الصحة أن الكفالة ليس عملا يصح أن يجعل لها أجرا". (حماد, 113)
وقال السرخسي: "لو كفل رجل عن رجل بمال على أن يجعل له جعلا, فالجعل باطل (1406, 20/32) …… …… … … =
وأدلتهم على هذا المنع:(46/20)
أن أخذ مقابل بعض هذه الحقوق مثل الكفالة, معناه أخذ الرشوة (السرخسي, (20/32), والدخول في القمار والغرر, لأن المكفول قد يدفع وقد لا يدفع, فإذا دفع لكافله أصل المبلغ مع الجعل يكون رابحا, وإلا سوف يكون خاسرا.
والأرجح فيما تقدم من آراء الفقهاء جواز أخذ الأجرة على الالتزام أو الضمان أو الكفالة, لقوة الأدلة خاصة مع وجود معاملات مالية تبتعد بالكفالة عن عقود التبرعات, ويتحقق من خلالها مصالح ومكاسب لطرفي المعاملة, وبما لا يخالف المقاصد الشرعية. وقياسا على هذا الحكم يمكن القول بجواز خيار العرض أو الدفع إذا خلا من المخالفات الشرعية الأخرى فمالك الأوراق المالية الذي يدفع العمولة مقابل أن يكون له حق البيع في الفترة المتفق عليها يقوم بحماية ممتلكاته (من ا لأوراق المالية) بشراء التزام من الطرف الآخر بضمان هذه الأوراق بشرائها إذا رغب الطرف الأول.
رابعا: عقد الخيار هو شكل من أشكال التأمين التجاري:
وذلك أن مشتري الخيار في (خيار العرض أو الدفع) يؤمن نفسه ضد التقلبات التي قد تحصل في أسعار الأسهم التي يمتلكها مقابل عمولة أو ثمن الخيار الذي يدفعه, وهذه العمولة تكون مبلغا منخفضا مقارنة بالقيمة الكاملة للأسهم أو الأوراق المالية التي يمتلكها.
فكأنه عقد حراسة لممتلكاته, أو ما يدفعه لأمان خطر الطريق, أو هو نوع من التضامن لدفع الضرر الذي قد يصيبه, وهذه الحجج هي نفس الحجج التي يوردها المجيزون لعقد التأمين التجاري.(46/21)
أما القمار في هذا العقد والذي يتحقق بخسارة العمولة إذا لم تنخفض قيمة الأسهم, فيمكن الرد عليه بأن ما يدفعه مشتري الخيار هو ثمن الأمان أو أجرة الحراسة وليس خسارة, ولو أنه لم يدفع هذا المبلغ فربما فقدت أسهمه قيمتها بالكامل, أما الطرف الآخر الملزم بالشراء إذا ما قرر الطرف الأول البيع, فينبغي أن يكون على شكل مؤسسة تأمين, تعمل وفقا لأسس علمية اقتصادية, من أجل تلافي أشكال الضرر التي يمكن أن تلحق حملة الأسهم والأوراق المالية الأخرى.
أما الغرر في هذا العقد والذي يحدث نتيجة الجهالة في مقدار التقلبات في قيمة الأسهم, فقد ترتفع قيمتها وقد تنخفض, فيرد عليه كما في الرد الأول, وذلك أن ما يدفعه مشتري الخيار هو أشبه بأجرة الحراسة أو ثمن الأمان من التقلبات, فعندما يدفع مشتري الخيار مبلغا محددا يحفظ ممتلكاته من الأوراق المالية من التدهور فإنه في هذه الحالة يجنب نفسه الغرر الكبير الذي كان سيحدث لو أن قيمة ما يمتلكه من أوراق مالية قد فقدت قيمتها.
وهذا الكلام يتطلب وجود أوراق مالية فعلا بيد مشتري الخيار, وإلا فإن العملية يدخلها الغرر والجهالة, وتتحول إلى مقامرة.
المبحث الرابع
العقود الآجلة والمستقبليات من منظور إسلامي:
سبقت الإشارة إلى أن للعقود الآجلة والمستقبليات أشكال عديدة, فهناك عقود آجلة للسلع أو لأذونات الخزانة أو السندات أو القروض أو حتى أسعار الفائدة كما أن هناك مستقبليات للسلع والأوراق المالية والعملات والمؤشرات وأسعار الفائدة.. إلخ وبالرغم من وجود اختلافات بين العقود الآجلة والمستقبليات, فإنه يجمع بينها الاتفاق على تسليم أصول معينة في تواريخ محددة مستقبلا.
ومن المؤكد أن بعض هذه العقود واضح الحرمة كمستقبليات أسعار الفائدة والمؤشرات, وبعضها يمكن أن يكون مشروعا إذا ما ترافق مع بعض الضوابط الشرعية, وهذا ما سوف يتضح في النقاط التالية:
المطلب الأول: العقود الآجلة في إطار عقد السلم(46/22)
إذا ما كانت السلع طيبة مباحة, وكانت العقود التي تمثلها أو الأسهم المتداولة تمثل شركات مشروعة, فإن العقود الآجلة والمستقبليات في هذه الحالة هي أشبه ما تكون بعقود السلم الجائزة شرعا, فما مدى صحة هذا التكييف؟ وما هو عقد السلم وضوابطه الشرعية؟
عقد السلم:
يعرف بأن بيع موصوف في الذمة محصور في الصفة بوزن معلوم وكيل معلوم إلى أجل معلوم, وقد أجيز هذا البيع استثناء, لشدة الحاجة إليه كما أشار جمهور الفقهاء, حيث يصعب على المزارعين قضاء حوائجهم وتسيير أمورهم, إذا كانوا سينتظرون جني محاصيلهم أو قطف ثمارهم ثم بيعها والحصول على ثمنها, وقد لا يجدوا من يشتري هذه المحاصيل بالسعر المناسب لها.. ولذلك رخص النبي ( لهم بالبحث عمن يشتري محاصيلهم قبل نضجها أو حتى قبل غرسها وجعل ذلك من خلال اتفاقات وعقود واضحة محددة لا مجال للجهالة فيها أو المقامرة أو الخداع, فحدد الكمية والنوع والصنف وكافة المواصفات وكذلك تاريخ التسليم بشكل دقيق لا مجال للتلاعب فيه, واشترط تسليم النقد في الحال, لينتفع به المزارعون, ويحضروا أنفسهم للوفاء بما تعهدوا به, وكذلك خروجاً من مسألة بيع الدين بالدين المنهي عنها شرعا.
كما اشترط الفقهاء أن يكون المسلم فيه من السلع أو البضائع المنضبطة الأوصاف, وذهب بعضهم إلى عدم جواز السلم في الحيوان أو بعض أصناف الفواكه لصعوبة ضبط صفاتها. غير أن الكثير من السلع التي لم يكن من الممكن تقديرها أو ضبط صفاتها قديماً, أصبح من الممكن تقديرها وضبط صفاتها في الوقت الحاضر, مع تقدم المقاييس الكمية والنوعية ومقاييس الجودة, حيث أصبح لكل سلعة خبراؤها وكلهم يقوم بعمله على أسس علمية متفق عليها, بما يمكن من ضبط هذه المنتجات وأوصافها بدقة لا تتفاوت كثيرا.. وبناء على ما تقدم فإنه يمكن القول بجواز السلم في كافة المنتجات الزراعية والحيوانية والصناعية والخدمية مادام من الممكن تقديرها وضبط صفاتها. (عمر, 1998, 54).(46/23)
وقد اقترح عدد من الباحثين أن تقوم البنوك الإسلامية بما يسمى بالسلم الموازي, وذلك بأن تشتري سلعا من المزارعين أو التجار على أن يقوم التجار بتسليم السلع المتفق عليها للبنك الإسلامي في تاريخ محدد, ويقوم البنك الإسلامي في نفس الوقت ببيع هذه السلع لتجار آخرين على أن يقوم البنك الإسلامي بتسليم هذه السلع.
وقد رأى مؤتمر المستجدات الفقهية الأول جواز استعمال السلم والاستصناع الموازي مع مراعاة عدم الربط التعاقدي بين العقدين المتوازيين في السلم والاستصناع, وعدم إساءة استعمال الصيغتين باتخاذهما ذريعة للمحظور. (ارشيد, 2001, 116).
أوجه التشابه بين عقد السلم والعقود الآجلة:
هناك تشابه كبير بين عقد السلم والعقود الآجلة, حيث يوجد عقد بيع يتفق فيه الطرفان على التعاقد على بيع بثمن معلوم يتأجل فيه تسليم السلعة الموصوفة بالذمة وصفا مضبوطا إلى أجل معلوم, ومع ذلك فإنها تختلف عن عقد السلم في عدة أمور (القري, 1990, 1621):
الأول: أن المسلم فيه (السلعة) يباع قبل قبضه.
الثاني: أن رأس مال في العقود الآجلة والمستقبليات, لا يدفع معجلا بل يقتصر على دفع نسبة منه فكأن البدلين فيه مؤجلان.
الثالث: أنه لا غرض للبائع والمشتري بالسلعة وإنما غرضهما تحقيق الربح.
إن هذه الأمور تستلزم المناقشة الفقهية لعدد من المسائل الفقهية الهامة مثل:
المسألة الأولى: حكم بيع العقود قبل قبضها.
المسألة الثانية: مسألة المواعدة على الصرف.
المسألة الثالثة: حكم تأجيل تسليم رأس المال النقدي في السلم؟
المسألة الأولى: حكم بيع العقود قبل قبضها:
للفقهاء في هذه المسألة رأيان:
الأول: قول جمهور الفقهاء, خاصة الشافعية بعدم جواز بيع السلع وغيرها قبل قبضها.
وأصل الخلاف في هذه المسألة أن النبي ( نهى عن بيع ما لم يقبض, وفي حديث حكيم بن حزام "لا تبع ما ليس عندك" وبه أخذ جمهور الفقهاء.(46/24)
قال الشافعي في الأم: " وبهذا نأخذ, فمن ابتاع شيئا كائنا ما كان منقولا أو غير منقول, فليس له أن يبيعه حتى يقبضه, حتى لو قبض البائع الثمن وأذن في قبض المبيع.. (1973م, ص3/69-70). ومن الواضح أن كلام الشافعي يشمل السلع والعقود وغيرها.
وقد اختار البخاري "أن استيفاء المبيع المنقول من البائع وتبقيته في منزل البائع لا يكون قبضا شرعيا, حتى ينقله المشتري إلى مكان لا اختصاص للبائع به كما تقدم نقله عن الشافعي" (ابن حجر, 1379هـ, 4/350). أما الأحناف فقد اعتبروا بيع المنقول قبل قبضه بيعا فاسدا (ابن الهمام, 6/135-138).
وقد استدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1- تعقيب ابن عباس في الحديث الذي يرويه عن رسول الله ( وهو "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه" قال ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله. (البخاري, 1987, 2/751) وفي رواية "حتى يقبضه" وفي أخرى "حتى يكتاله" (مسلم, د. ت, 5/7)
2- حديث حكيم بن حزام والذي قال يا رسول الله: إني اشتريت بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم؟ قال: "إذا اشتريت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه", وفي رواية أخرى "لا تبع ما ليس عندك". (الصنعاني, 1960, 3/15) وقال الألباني في ارواء الغليل (صحيح) (5, 1979/132)
3- حديث الرسول ( "الخراج بالضمان" (ابن ماجه,د,ت, حديث رقم2242) وقال الألباني في ارواء الغليل (حسن) (1979, 5/158) فضمان المبيع قبل رده من قبل المشتري بسبب العيب هو السبب في استحقاق المشتري غلة المبيع إذا كان له غلة أو خراج, فإذا لم يكن المشتري قد قبض المبيع فإنه لا يستحق خراجه, لأنه لم يضمنه, ويقاس على خراج المبيع ما يحدث من ارتفاع قيمة المبيع, أو تحقق ربح من ورائه.. إلخ(46/25)
4- إن البيع قبل القبض باطل لضعف الملك قبل القبض, فلو هلك المبيع فهو في ضمان البائع, والقبض شرط في دخول المبيع في ضمان المشتري, ومن المعلوم أن الضمان لا يكون إلا بعد التملك التام, فإذا لم يقبض المشتري المبيع فإنه لا يتحمل خطر هلاكه, وبالتالي لا يضمنه. (الشافعي, 3/70-74).
يقول الصنعاني بعد ذكره لأقوال الفقهاء في الموضوع "والجواب أن ذكر حكم الخاص لا يخص به العام, وحديث حكيم عام فالعمل عليه وإليه ذهب الجمهور, وأنه لا يجوز البيع للمشتري قبل القبض مطلقا, وهو الذي دل عليه حديث حكيم واستنبطه ابن عباس" (الصنعاني, 1960, 3/16).
ويقول د/الصديق الضرير (مجلة المجتمع, العدد السادس, 1990, ص473) في إجابته على سؤال: هل النهي خاص بالطعام؟ " علة النهي عن بيع الطعام قبل قبضه, سواء كانت الربا أو الغرر, موجودة في بيع غير الطعام قبل قبضه فيجب أن يسوى بينهما في الحكم" وقد أشار الفقهاء إلى علة الربا في بيع الطعام قبل قبضه كما قال ابن عباس "ذلك دراهم بدراهم والطعام مرجأ" وكذلك قول أبي هريرة لمروان بن الحكم عندما سمح ببيع الصكوك التي تمثل الطعام قبل القبض "أحللت بيع الربا" فلما اقتنع مروان بوجود الربا منع ذلك (مسلم بشرح النووي, 100/171) كما أشاروا إلى الغرر الناجم عن عدم القدرة على التسليم أو احتمال هلاك المبيع قبل القبض أو موت أحد الطرفين أو وجود العيب في المبيع وما يترتب على ذلك من نزاع حول من يضمن المبيع.
فالربا ظاهر من قول ابن عباس "ذاك دراهم بدراهم والطعام مرجأ" فكأن الشخص إذا دفع مئة درهم في طعام أو غيره ثم باعه قبل أن يقبضه بمئتي درهم فكأنما باع مئة درهم بمئتين. وهو عين ربا الفضل إذا كان النقد في الحال, ويضاف إليه ربا النساء إذا كان مؤجلا.(46/26)
ويعلق د/الضرير على إضافة ابن عباس "وأحسب كل شيء مثله" "يعني أن غير الطعام ينبغي أن يقاس على الطعام الثابت النهي عن بيعه قبل قبضه بالسنة, وهذا من تفقهه ابن عباس كما يقول ابن حجر, وابن عباس هو راوي الحديث وهو أعرف بمرماه". (1990, 473).
فالأحاديث الواردة في النهي عن بيع الطعام قبل قبضه لا تمنع دخول غير الطعام في النهي, خاصة مع وجود حديث "لا تبع ما ليس عندك" فإنه عام في الطعام وغيره كما قال الصنعاني.
القول الثاني: قول المالكية أن بيع ما سوى الطعام من العروض كالحيوان والعقار والثياب قبل القبض جائز, أما بيع الطعام فلا يجوز.
ومن الأدلة التي يعتمدون عليها:
1- قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود( فالقبض للمبيع - غير الطعام- شرط في كمال عقد البيع وليس شرطا في صحته, والمنصوص عليه في الآية هو وجوب الوفاء بالعقود.
2- قوله (: "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه"
ووجه الاستدلال أن الرسول ( خص الطعام بالقبض دون غيره, وذلك لغلبة تغير الطعام, فالطعام يفسد بالانتقال من يد إلى أخرى خاصة وأنه لم يوجد في الماضي مبردات أو مجمدات أو مواد حافظة.
أما قوله ( لحكيم بن حزام: "لا تبع ما ليس عندك" وذلك لوجود احتمالية تغير الأسعار أو عدم القدرة على التسليم وبالتالي الوقوع في الغرر وحدوث النزاع.
الرأي الراجح في البيع قبل القبض:
إن استعراض الأدلة المتقدمة يظهر بوضوح أن الرأي الثاني القائل بعدم جواز بيع كافة السلع والعقود قبل القبض يربط علة النهي بالربا والغرر, وهما أمران يكفي أحدهما للتحريم, فكيف باجتماعهما, ولما يترتب على هذا النهي من استقرار للمعاملات وسد لمنافذ النزاع.(46/27)
أما مسألة العقود المتمثلة للسلع فمن باب أولى أنه يحرم بيعها قبل قبض ما تمثله من سلع أو أوراق مالية أو غير ذلك من الأموال المتقومة شرعا.. إلا في حالة السلم الذي رخص به النبي صلى الله عليه وسلم أو في الأحوال والظروف الاقتصادية التي ينتفي فيها الغرر والربا واحتمالية تغير الأسعار..
المسألة الثانية: مسألة المواعدة على الصرف:
عندما يرغب بعض التجار بمحاولة تجنب الارتفاع الذي يمكن أن يحدث في قيمة صفقات تجارية مستقبلية بسبب انخفاض سعر صرف العملة المحلية, وما يترتب عليه من خسائر باهظة, يتكبدها التجار إذا لم يكونوا قد دخلوا في عقود آجلة على قيم هذه الصفقات التجارية من العملات الأجنبية الصعبة.
فما هو الحكم الشرعي لهذه العقود المبنية على هذا المبرر؟
يرى د/سامي حمود أن عملية المواعدة على الصرف في نطاق عمليات الاستيراد والتصدير جائزة شرعا, وتسمى بعمليات التغطية, فعندما يفتح مثلا مستورد أردني اعتمادا لصالح مصدر انجليزي لاستيراد أقمشة صوفية, فإن سعر التعادل بين الجنية الإسترليني والدينار قد يختلف من يوم فتح الاعتماد إلى يوم ورود المستندات وتسديد القيمة, فإذا أراد المستورد تجنب ارتفاع كلفة شراء الاسترليني أو هبوطها, فإنه يمكن أن يقوم بإبرام اتفاق وعد بالصرف بسعر يوم الافتتاح.
فالعملية عبارة عن عقد أو اتفاق على تنفيذ الصرف في الموعد المعين, وينقل سامي حمود عن ابن حزم "والتواعد في بيع الذهب بالذهب أو بالفضة, وفي بيع الفضة بالفضة, وفي سائر الأصناف الأربعة بعضها ببعض جائز ـ تبايعا بعد ذلك أو لم يتبايعا" ويضيف د/ سامي حمود " وإذا نظرنا إلى واقع الحال بالنسبة لما تؤديه العملية من خدمة للمستورد في حال المواعدة على الشراء, وللمصدر في حال المواعدة على البيع, نجد اطمئنان كل من المستورد لما سيدفعه من ثمن والمصدر لما سيقبضه أمر له اعتباره. (حمود, 1976, 353).(46/28)
المسألة الثالثة: حكم تأجيل تسليم رأس المال النقدي في السلم؟
للفقهاء في المسألة رأيان:
الرأي الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى وجوب تسليم رأس المال في مجلس العقد, قال الزيلعي: "لأن المسلم فيه دين والافتراق لاعن قبض رأس المال يكون افتراقا عن دين بدين, وأنه منهي عنه لما روي عن رسول الله ( "نهى عن بيع الكالىء بالكالىء" وورد في المهذب " ولا يجوز تأخير قبض رأس المال عن المجلس" وفي المغني "أن شروط صحة السلم أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد, فإن تفرقا قبل ذلك بطل العقد".
الرأي الثاني: ذهب فقهاء المالكية إلى أنه لا يشترط قبض رأس مال السلم في المجلس وإنما يمكن تأخيره إلى ثلاثة أيام.
المطلب الثاني: عقود المستقبليات في إطار عقد الاستصناع:
يعرف الشيخ مصطفى الزرقا عقد الاستصناع بأنه: "عقد يشتري به في الحال شيء مما يصنع صنعا يلتزم البائع بتقديمه مصنوعا بمواد من عنده, بأوصاف مخصوصة, وبثمن محدد" (الزرقا, 21, 1995)
وهذا العقد يسد حاجة من حاجات المجتمع لم يكن مسموحا بها من خلال عقد السلم وهي السماح بتأخر تسلم الثمن نقدا, خاصة عندما تكون العين المطلوب صنعها باهظة القيمة, يقول الشيخ مصطفى الزرقا: " ستبقى دوما في كل عصر بعض سلع لا يتيسر أبدا أن تصنع أو تنتج قبل وجود مشتر معين ملتزم بشرائها, ففي مثل هذه السلع يمكن للمشتري شرعا أن يتولى هو تمويل البائع" وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة عام 1412هـ عدم اشتراط تعجيل الثمن في الاستصناع (1995, 19).
وقد اختلف الفقهاء حول عقد الاستصناع وهو هو وعد أم عقد, ثم هل هو من قبيل الإجارة أم البيع والراجح أنه عقد بيع, فطالب الصنع يأتي وليس لديه شيء, ويطلب صنع ثوب أو بيت أو سيارة أو باخرة, وقد يقدم جزء من الثمن..(46/29)
وقد تطور عقد الاستصناع في الوقت الحاضر إلى عقد المقاولة والذي أصبحت له مواصفات وشروط ربما لم يكن يسمح بها في عقد الاستصناع سابقا, كاشتراط البراءة من العيوب بعد ثلاث أو عشرة سنوات في حالة العقارات, ومثل إضافة الشرط الجزائي لهذه العقود.
وربما يكون عقد الاستصناع من أقرب العقود الجائزة في الففة الإسلامي, والتي تسمح بتأخير تسلم الثمن والمبيع (المستصنع) في مجلس العقد, جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (67/3/7) " يجوز في الاستصناع تأجيل الثمن كله أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لآجال محددة" (حمود, 1996, 95) ويعني ذلك أنه يمكن إصدار سندات استصناع من قبل الشركات أو البنوك, وتكون هذه السندات أشبه بالعقود المستقبلية, حيث يتم شراء هذه السندا ت من قبل الأفراد أو المؤسسات فمثلا إذا كان استصناع عقاري يشتري المكتتبون ما يرغبون به من هذه السندات وتتعهد الشركات المصدرة بشراء المصنوع بالربح الذي تعرضه, كما يمكن لشركات الملاحة والطيران استصناع حاجاتها اللازمة من طائرات وسفن وفق احتياجات معينة وذلك بإصدار سندات استصناع مخصصة لتمويل البناء ضمن المواصفات ومن تسليمها للمستصنع.. وتكون هذه السندات من جملة فئات الأدوات التمويلية الحلال كما يقول د/سامي حمود (ارشيد, 2001, 131, حمود, 1996, 97-98).
المطلب الثالث: البدائل الشرعية للعقود الآجلة والمستقبليات:
اقترح العديد من الباحثين أدوات عديدة, يمكن أن تمثل البدائل الشرعية للعقود المؤجلة والمستقبليات, ومن أشهر هذه الأدوات:
……أولا: سندات المقاوضة بأشكالها المختلفة:(46/30)
وهي تشمل السندات التي تعرض للاكتتاب على أساس قيام الشركة المساهمة التي تصدرها بإدارة العمل باعتبارها المضارب أو العامل تجاه رب المال الذي تمثله هيئة مالكي السندات. وقد أصبح ممكنا في ظل التجهيزات الحديثة للحاسوب إجراء الجرد والإحصاء في كل لحظة من لحظات الليل والنهار (حمود, 1996, 72).. وقد صدر قانون خاص لسندات المقارضة في الأردن عام 1981, بشأن سندات المقارضة, وضع الضوابط التي يجب أن تتوافر فيها, ومنها:
ـ … أن يمثل الصك أو السند ملكية شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك من أجله, وتستمر الملكية من بداية المشروع إلى نهايته, ولمالك الصك جميع حقوق المالك في ملكه.
ـ…لابد أن تشتمل نشرة الإصدار على جميع البيانات المطلوبة شرعا في عقد القراض, من حيث معلومية رأس المال وتوزيع الربح.
ـ …أن يتم التداول بعد انتهاء الاكتتاب, بشرط التقيد بالأحكام الشرعية, إذا كانت أموال القراض نقوداً أو ديوناً أو أعياناً. (بشير, 1996, 195-196).
ومن مزايا هذه السندات أنها لا تدر أية فوائد, ولكن مالك السند له الحق في الحصول على نسبة محددة من الأرباح الصافية للمشروع في نهاية كل سنة مالية, وذلك بعد فترة السماح اللازمة لتنفيذ المشروع, كما جاء في المادة 18 من القانون (يتم تداول سندات المقارضة في سوق عمان المالي حسب أحكام قانونه وأنظمته وتعليماته) (هارون, 1999, 303).
……ثانيا: شهادات ودائع استثمارية:(46/31)
اقترح د/ معبد الجارحي شهادات الودائع المركزية بحيث يقوم البنك المركزي بإيداع ودائع لدى المصارف الإسلامية تعمل على استثمارها في القطاع الإنتاجي بطريق المضاربة, ولتغذية هذه الودائع يقوم المصرف المركزي بإصدار شهادات الودائع المركزية, ويطرحها في السوق ليشتريها الأفراد, بحيث تعتبر هذه الأدوات من أدوات السياسة النقدية والتنموية, وكذلك يمكن استخدامها كأداة من أدوات الوساطة المالية وذلك بطرحها للتداول بين الأفراد. (الجارحي, 1983, 19-20).
وقد أخذ بيت التمويل الكويتي في الكويت بنفس التسمية وأصدر ثلاثة أنواع من شهادات الودائع الاستثمارية, على أساس عقد المضاربة المطلقة أو المقيدة أو المخصص لنشاط معين, وكذلك تصدر البنوك الإسلامية في السودان شهادات ودائع استثمارية, وكذلك البنك الإسلامي للتنمية حيث يقوم بإصدار شهادات الاستثمار ضمن محفظة البنوك الإسلامية. (هارون, 1999, 305).
……ثالثا: شهادات التأجير أو سندات الإجارة:
اقترح د/منذر قحف سندات الإجارة (1995, 110) ووضح مزاياها وإمكانية تطبيقها, كما طبقها بيت التمويل التونسي السعودي بالاتفاق مع الشركة التونسية للتأجير, حيث تقوم الشركة بتأجير معدات. (هارون, 1999, 306).
وهناك عدد من الأدوات المالية الإسلامية الأخرى مثل سندات التوريد (الاستجلاب), سندات المرابحة, سندات المتناقصة, سندات المشاركة المستمرة.. إلخ ويمكن لهذه الأدوات أن تقوم بدور هام في السوق المالية الإسلامية ولكن في ضوء الالتزام بالضوابط الشرعية لهذه الأدوات.
المبحث الخامس
مقترح سوق مالية إسلامية:(46/32)
حرصا على سلامة عقود الخيارات والعقود الآجلة والمستقبلية من الناحية الشرعية, وبعدها عن المخالفات أو الشبهات, فإن اقتراح سوق مؤسسة مالية إسلامية خاصة بهذه العقود في المرحلة الأولى له ما يبرره, ويمكن أن تقوم هذه السوق في البداية بدور تأمين وضمان للمتعاملين, فالبنسبة لمالك الأسهم الذي يشتري خيار البيع ويدفع العمولة فإنه يؤمن أسهمه من انخفاض أسعارها, أما طالب خيار شراء للأسهم فإنه أشبه ببيع العربون ـ كما تقدم ـ وهذه أغراض مشروعة يمكن لهذه السوق أن تقوم بها وتؤمن للطرفين, وولكن ضمن ضوابط أخرى كما سيأتي بيانه.
كما يمكن لهذه السوق ضمان سلامة تنفيذ العقود الآجلة والمستقبليات من خلال قيامها بدور الوسيط بين البائعين والمشترين لعقود السلم وعقود الاستصناع التي هي أقرب ما تكون للعقود الآجلة والمستقبليات. وهي بذلك تخدم فئة التجار والمستثمرين الذين يطلبون شراء السلع المؤجلة بالاسترخاص (من خلال عقد السلم) أو يطلبون سلعا مصنعة من خلال عقد الاستصناع, كما تخدم فئة المزارعين والتجار أو الصناع وذلك بضمان تأمين محاصيلهم أو مصنوعاتهم أو بضائعهم بأسعار معقولة.
…وظائف السوق المالية الإسلامية المقترحة:
1- تقوم هذه السوق بإصدار عقود الخيارات وتنظيمها, على شكل عقود نمطية, كأن يمثل كل عقد مائة سهم مثلا بسعر محدد يسلم خلال فترة محددة (90 يوم مثلا).
2- تقوم بدور بيوت التسوية أو المقاصة في بورصات العقود المعاصرة.
3- تقوم بإصدار عقود آجلة نمطية تمثل عددا من السلع الهامة والأساسية.
4- تقوم بإصدار عقود مستقبلية صناعية تمثل أغلب السلع التي يتم الاتفاق على تصنيعها في الاقتصادات المعاصرة.. وقد تبدأ من الأثاث والمفروشات وتصل إلى عقود تصنيع الطائرات..
5- تقوم بتلقي طلبات الشراء وبيع عقود الخيارات والعقود الآجلة بأنواعها المختلفة, كما تقوم بمقابلة هذه الطلبات مع بعضها, أو تقوم بنفسها بتنفيذ الشراء أو البيع.(46/33)
6- تقوم بتقديم استشارات فنية للمستثمرين.
7- تمثل ملتقى للبائعين والمشترين للعقود المؤجلة والمستقبليات والخيارات بحيث يسهل الاتصال والتفاوض بما يؤدي إلى تحديد أسعار أكثر عدالة.
8- آلية عمل السوق:
تعتبر هذه السوق أشبه بشركة تأمين إسلامية للأسهم والأوراق المالية والخيارات والعقود الآجلة والمستقبليات, ويتم تداول العقود الآجلة والمستقبليات في إطار الضوابط الشرعية التي تحكم عقود السلم والاستصناع, وذلك كما يلي:
عقود خيار الشراء:
تتلقى طلبات شراء عقود آجلة ومستقبلية وعقود خيار شراء أسهم بتواريخ معينة وأسعار محددة, فتحصل على عمولات من طالبي الشراء أو الراغبين في شراء عقود خيار شراء الأسهم, ويكون الأمر كالتالي:
بالنسبة لطالب الشراء: فإنه يحجز عددا من الأسهم لدى المؤسسة خلال فترة معينة, بحيث يتمكن من شراء هذه الأسهم في الوقت الذي يختاره من هذه الفترة بالسعر المحدد في بداية العقد, مقابل العمولة التي يدفعها, فتكون المؤسسة ملزمة بالبيع بالسعر المتفق عليه مهما بلغ السعر وقت التنفيذ, ويكون طالب الشراء بالخيار, فإذا ارتفع سعر الأسهم فمن مصلحته أن يقوم بالشراء, لأنه سيدفع السعر المتفق عليه منذ البداية والذي هو أقل من السعر الحالي, أما إذا انحفض سعر الأسهم فليس من مصلحة طالب الشراء تنفيذ طلبه, وفي هذه الحالة تنحصر خسارته في العمولة فقط.
أما بالنسبة للمؤسسة فإنها سوف تلتزم بالبيع في حالة ارتفاع سعر الأسهم مهما بلغ الارتفاع, أو أنها ستلزم عميلا كان قد التزم بنفسه بالشراء, وفي هذه الحالة فإن هذا العميل سوف تلحق به الخسارة, لأنه سوف يبيع بأقل من السعر الحقيقي, ولكن لا ينبغي أن ننسى أن هذا العميل كان قد اشترى هذه الأسهم بسعر أقل من السعر الحالي غالبا, وبالتالي فليس هناك خسارة.(46/34)
أما إذا كانت المؤسسة هي التي التزمت بالبيع, فإنها ستقوم بتعويض الخسارة من العمولات التي تتقاضها خيارات الشراء والدفع وغيرها.
ويمكن أن يأخذ هذا البيع صفة بيع العربون ـ كما بينا سابقا ـ فإذا رأى المستثمر أن من مصلحته أن يشتري الأسهم في وقت محدد أمضى العقد بالشراء, وإذا رأى العكس تنازل عما دفعه ثمنا لعقد الخيار (العربون).
أما في حالة خيار البيع (الدفع):
فيكون لمالك الأسهم الحق بالبيع إذا شاء, مقابل عمولة يدفعها للمؤسسة, وتكون المؤسسة ملزمة بالشراء إذا رغب البائع خلال الفترة المتفق عليها مهما بلغ سعر الأسهم. وتكون المؤسسة ملتزمة بالشراء بنفسها أن بإيجاد مشترين مقابل أجر أو عمولة, فهي تتلقى طلبات الشراء وتقوم بمقابلتها بطلبات البيع, فإذا تقابلت في الأنواع والأسعار فلا مشكلة, وإذا لم تتقابل فلابد أن تقوم المؤسسة بنفسها بالشراء أو البيع, وهي إما أن تكسب أو تخسر, فإذا كسبت فلا مشكلة, أما إذا خسرت فإتها تعوض خسائرها من عدة طرق:
العمليات الرابحة.
……العمولات.
يمكن أن تتقاضى رسوم إصدار لعقود خيار الشراء ذات النمط المحدد.
يمكن أن تتقاضى نسبة للتأمين التكافلي, للصفقات الكبيرة, من المشترين والبائعين
غير أن عدد الطالبين لشراء العقود يمكن أن يزيد عن عدد الطالبين للبيع, أو العكس وفي هذه الحالات فإن المؤسسة يمكن أن تحقق أرباحا كبيرة, أو خسائر كبيرة, وبالتالي فهي بحاجة دائما إلى مصادر تعويضية إضافية, مثل رسوم إصدار أو رسوم تأمين تكافلي, ولتلافي الخسائر الكبيرة يمكن للمؤسسة أن تضع بندا في العقود, يعفيها من تحمل الخسارة إذا زادت عن حد معين.
ضوابط احترازية:
اقترح د/ القري (1993, 24) بعض الضوابط الاحترازية لتفادي عنصر المقامرة في عقود الخيارات بشكل خاص مثل:
أن تتعامل هذه المؤسسة مع مالكي الأسهم الحقيقيين, وأن تودع الأسهم لدى المؤسسة عند بداية العقد أو ما يثبت وجودها وملكيتها.(46/35)
أن يمارس أسلوب الخيار الأوروبي فقط, أي ينفذ الخيار في آخر يوم من مدته, وذلك لتقليل فرص الاستفادة من التقلبات اليومية.
أن تنتهي مدة الخيار مع بداية أول ساعة في آخر يوم من أيام العقد, وذلك لتلافي الارتفاع بسبب تزايد الطلبات.
ويمكن إضافة ضوابط أخرى احترازية خاصة بالعقود الآجلة والمستقبليات مثل:
- أن يتم التأكد من تسليم السلع أو الأوراق المالية التي تمثلها العقود الآجلة.
- أن يتم تسلم رأس المال النقدي في مجلس العقد, كما هي شروط السلم.
- أن يتم التأكد من هوية المتعاملين بهذه العقود, وأنهم يقومون بالتجارة حقيقة وليس بشكل وهمي.
الخلاصة:
لقد اقترح كثير من الباحثين أدوات مالية إسلامية عديدة, يمكن تداولها في السوق المالي, أما العقود الآجلة وعقود الخيار والمستقبليات, فلا زالت بعيدة عن مجال البحث, رغم ما تمثله هذه العقود من أهمية كبيرة في الاقتصاديات المعاصرة.. حيث يعتبرها البعض من أفضل ما أبدعه وابتكره العقل البشري..
وقد حاولت هذه الدراسة إضافة هذه العقود إلى الأدوات التي يمكن تداولها في السوق المالية الإسلامية, وذلك بعد تطويرها في ظل العقود والضوابط الشرعية.
فعقود الخيارات يمكن تطويرها إسلاميا في ظل الأحكام الشرعية لبيع العربون والتأمين والالتزام والكفالة والحقوق المعنوية.. أما العقود الآجلة فهي أشبه ما تكون بعقد السلم.. بينما يمكن الاستفادة من عقد الاستصناع لتطوير عقود المستقبليات وذلك لاتحاد هذه العقود في عدم اشتراط تسليم الثمن النقدي في مجلس العقد وإمكانية إصدارات سندات استصناع..
إن السوق المالية الإسلامية بما تشتمل عليه من أدوات مالية إسلامية لا زالت بحاجة إلى الابتكار والإبداع من أجل أن تقوم بالدر الاقتصادي المؤمل منها.. والذي يمكن أن يسهم في تخفيف التبعية الاقتصادية للأسواق المالية في الدول الغربية.
( ( (
المراجع
1- (www.fatawa. al-islam. com …(46/36)
2- أبو رخية, ماجد: حكم العربون في الإسلام, مكتبة الأقصى, عمان 1986.
3- أبو سليمان, عبد الوهاب إبراهيم: فقه الضرورة وتطبيقاته المعاصرة آفاق وأبعاد, المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب, جدة, 1993.
4- أسعد, رياض: الهندسة المالية: الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية, عمان, 2001.
5- إقبال, منور وآخرون: التحديات التي تواجه العمل المصرفي الإسلامي, المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب, جدة, 2001ط2.
6- ابن القيم: محمد بن أبي بكر: إعلام الموقعين, دار الجيل, بيروت, 1973.
7- ابن الهمام, كمال الدين محمد بن عبد الواحد: شرح فتح القدير للعاجز الفقير, دار إحياء التراث, بيروت, د.ت.
8- ابن حجر, أحمد بن علي:فتح الباري شرح صحيح البخاري, دار المعرفة, بيروت, 1379هـ
9- ابن قدامة: المغني ويليه الشرح الكبير, دار الكتاب العربي, بيروت, 1972.
10- ارشيد, محمود عبد الكريم: الشامل في معاملات وعمليات المصارف الإسلامية, دار النفائس, عمان 2001, 131.
11- الألباني, ناصر الدين: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل, المكتب الإسلامي, دمشق, 1979.
12- الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية: الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية, جدة, 1982.
13- الزحيلي, وهبة: الفقه الإسلامي وأدلته, دار الفكر, دمشق, د ت.
14- السجستاني, أبو داود: سنن أبي داود, دار الأرقم بن أبي الأرقم, بيروت, 1999.
15- السرخسي, شمس الدين: المبسوط, دار المعرفة, بيروت, 1406.
16- الشافعي, محمد بن إدريس: موسوعة الإمام الشافعي/ الأم, تحقيق أحمد حسون, دار قتيبة, 1996.
17- الصديق الضرير (مجلة المجتمع, العدد السادس, 1990, ص473).
18- الصنعاني, محمد بن إسماعيل: سبل السلام, دار إحياء التراث, بيروت, 1960.
19- الطراد , إسماعيل, وعباد, جمعة: التشريعات المالية والمصرفية في الأردن: دار وائل, عمان, 1999.(46/37)
20- العثماني, تقي الدين: بيع الحقوق المجردة, مجلة مجمع الفقه الإسلامي, جدة, 1988, العدد الخامس, الجزء الثالث.
21- القري, محمد علي: الأسواق المالية, مجلة مجمع الفقه الإسلامي, مجمع الفقه الإسلامي, العدد السادس, الجزء الثاني, جدة, 1990.
22- القري, محمد علي: نحو سوق إسلامية, مجلة دراسات اقتصادية إسلامية, البنك الإسلامي للتنمية, مجلد 1, عدد 1, 1993.
23- الندوي, علي: جمهرة القواعد الفقهية في المعاملات المالية, شركة الراجحي المصرفية للاستثمار, الرياض, 2000.
24- النووي, يحيى بن شرف: صحيح مسلم بشرح النووي, القاهرة, مكتبة الأزهر, 1349هـ.
25- حماد, نزية: مدى جواز أخذ الأجر على الكفالة في الفقه الإسلامي, مجلة جامعة الملك عبد العزيز (الاقتصاد الإسلامي) جامعة الملك عبد العزيز, جدة, 1997.
26- خريوش, حسني وآخرون: الاستثمار والتمويل بين النظرية والتطبيق, دار زهران, عمان,1999.
27- رضوان, سمير: أسواق الأوراق المالية ودورها في تمويل التنمية الاقتصادية, المعهد العالمي للفكر الإسلامي, القاهرة, 1996.
28- حمود, سامي: تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية, مكتبة الأقصى, عمان, 1976.
29- حمود, سامي: الأدوات التمويلية الإسلامية للشركات المساهمة, المعهد الإسلامي للتدريب والبحوث, جدة, 1996.
30- سنن أبي داود, 830.
31- شبير, محمد: المعاملاتالمالية المعاصرة في الفقه الإسلامي, دار النفائس, عمان, 1996.
32- عمر, محمد عبد الحليم: الإطار الشرعي والاقتصادي والمحاسبي لبيع السلم, المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب, جدة, 1998, ط2.
33- عيسى, سيد: أسواق وأسعار صرف النقد الأجنبي, انتراكو للطباعة, القاهرة, 1984.
34- قحف, منذر: تعقيب على بحوث الأسواق المالية, مجلة المجمع الفقه الإسلامي, العدد السادس, الجزء الثاني, جدة, 1990.
35- كمال, يوسف: المصرفية الإسلامية الأزمة والمخرج, دار النشر للجامعات المصرية, 1996.(46/38)
36- مجلة مجمع الفقه الإسلامي, 1273, 1900- 1721.
37- مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة عام 1412, 1995, 19.
38- محيي الدين, أحمد: عمل شركات الاستثمار الإسلامية في السوق العالمية, بنك البركة الإسلامي, البحرين, 1986.
39- مخامرة, وجدي: الكيفية التي تعمل بها أسواق المستقبليات, مجلة البنوك في الأردن, العدد الثالث, المجلد 19, نيسان, 2000.
40- مسلم بشرح النووي, 1349هـ, 3/156.
41- هندي, منير: أساسيات الاستثمار في الأوراق المالية, المكتب العربي الحديث, الإسكندرية, 1999.
42- البخاري, 1987, 2/751.
43- الزحيلي, وهبة: السوق المالية, مجلة مجمع الفقه الإسلامي, جدة, العدد السادس, 1990.
44- الزرقا, مصطفى: عقد الاستصناع في الفقه الإسلامي, المعهد الإسلامي للتدريب والبحوث, جدة, 1995.
45- مسلم, أبو الحسين مسلم بن الحجاج: صحيح مسلم بشرح النووي, المطبعة المصرية بالأزهر, القاهرة, 1349هـ.
46- المصري, رفيق: المصارف الإسلامية, دراسة شرعية لعدد منها, مركز النشر العلمي, جامعة الملك عبد العزيز, جدة, 1995.
47- منظمة المؤتمر الإسلامي: مجلة مجمع الفقه الإسلامي, جدة, 1409, العدد الخامس, الجزء الثاني,
48- النووي, أبو زكريا يحيى بن شرف: روضة الطالبين, تحقيق عادل أحمد علي معوض, دار الكتب العلمية, بيروت.
??
??
??
??
20 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
نحو سوق مالية إسلامية 19(46/39)
هجرة رؤوس الأموال الإسلامية
إلى الخارج في ظل العولمة
( الحالة العربية )
بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي الثالث للاقتصاد الإسلامي
كلية الشريعة ـ جامعة أم القرى
دكتور / عادل حميد يعقوب عبد العال
أستاذ الاقتصاد المشارك ـ قسم العلوم الإدارية
كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية والإدارية - جامعة الملك خالد
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
تناول هذا البحث موضوع " هجرة رؤوس الأموال الإسلامية بالخارج في ظل العولمة الحالة العربية " وذلك بدراسة مشكلة الفجوة التمويلية في العالم العربي وهي عدم قدرة الموارد المالية بهذه الدول على تمويل الاستثمار التنموي الضروري لها حيث وصلت هذه الفجوة إلى حوالي 70% يتم تغطيتها من خلال التمويل الاقتراضي والاعانات وقد ترتب على هذه الفجوة زيادة حدة بعض المشكلات الاقتصادية في العالم العربي كالبطالة وارتفاع الأسعار وضعف الإنتاج كما لم تستطع الاستثمارات البينية العربية وكذلك الأجنبية من سد هذه الفجوة التمويلية نتيجة لضعف حجم هذه الاستثمارات في الوقت الذي تصل فيه حجم الأموال والاستثمارات العربية بالخارج من 800 ـ 2400 مليار دولار طبقاً للدراسات المختلفة 0 ثم تم دراسة الجوانب النظرية لهجرة رؤوس الأموال العربية بالخارج حيث أنه اتضح أن التطبيق العملي للنظرية الاقتصادية كان في الاتجاه المضاد ثم كيف أن الفرصة البديلة للاستثمار بالعالم الخارجي لم تكن افضل من الاستثمار في العالم العربي من جميع الوجوه، وبالإضافة إلى دراسة النظرية الاقتصادية لهجرة الأموال العربية للخارج يرى المتخصصين في مجال الاقتصاد الإسلامي أن الاستثمار العربي بالخارج يعتبر نوعاً من التعديات الاقتصادية ( في الظروف الحالية ) التي تلحق الضرر بالمصالح الاقتصادية بالمسلمين بالإضافة إلى ما تحققه هذه الاستثمارات من منافع اقتصادية واجتماعية للدول الأجنبية وبعضها تمارس سياسات منحازة ضد المصالح الإسلامية والعربية وفي(47/1)
مقدمتها القضية الفلسطينية كما أن هناك فتاوي بتحريم إيداع الأموال في بنوك هذه الدول 0
ثم تناولت الدراسة أسباب ودوافع هجرة رؤوس الأموال العربية للخارج والتي شملت العوامل الجاذبة من البلدان الأجنبية وهي المحافظة على الأموال وضمانها وكذلك الربحية ثم القدرة على استرجاع هذه الأموال والأرباح بدون قيود وكذلك دراسة العوامل الطاردة من داخل البلدان العربية مع التحليل الاقتصادي لهذه العوامل وبيان أوزانها الترجيحية مع توضيح كامل لأهم المخاطر التي واجهت هذه الأموال في الخارج وكذلك ما يمكن أن تواجهه مستقبلاً ثم دراسة الأولويات لعودة رؤوس الأموال بالخارج والتي شملت توفير المناخ الاقتصادي العام وتفعيل دور السياسة المالية والنقدية وكذلك الإصلاح السياسي والتشريعي 0
وأخيراً دراسة بعض الآليات المقترحة للحد من هجرة رؤوس الأموال العربية وإعادة توطينها والتي شملت التخصيصية بالاستفادة بالتجربة الألمانية، وكذلك إنشاء صناديق استثمارية كبيرة كمشروعات مدروسة الجدوى ومحددة من أهمها مشروعات الصناعات الذكية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ـ تحلية المياه البتروكيماويات بالإضافة إلى تفعيل بعض الآليات الموجودة فعلاً والمقترحة من قبل دراسات سابقة في هذا المجال 0
Islamic Capital Flight In The Context Of Globalization
With Special Reference To Arab Countries
Abstract
This study comprises the following: the theoretical approach of Arab capital flight in the setting situation of globalization A discussion of the most the internal and the external factors encountering the capital flight .
Further more , the study gives an economic analysis to explain the different motivations which led to the flight of capital and the different risks facing these capitals.(47/2)
The study ends up by giving some suggestions, recommendations and special mechanisms which can help Restricting capital flight .
المقدمة
1ـ أهمية البحث :
تمثل قضية توطين الأموال العربية للخارج، والحد من هجرتها في الظروف الراهنة إحدى الأولويات الإستراتيجية للعالم العربي وذلك لإحداث نوع من التوازن بين الموارد الاقتصادية العربية بما فيها رأس المال وبين المردود الاقتصادي والاجتماعي لهذه الموارد في ظل فجوة مالية كبيرة تعاني منها معظم البلدان العربية، هناك فجوة كبيرة في تمويل الاستثمارات تصل في بعض الدول العربية إلى 70% يتم تغطيتها من خلال التمويل الاقتراضي والإعانات الخارجية " وكذلك في ظل عولمة اقتصادية ومالية متمثلة في التقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، اتفاقية الجات، برامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي المدعومة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ظاهرة اندماج المؤسسات العالمية والشركات الكبرى، عالمية أسواق المال، وفي ظل مشاكل اقتصادية ومالية متعددة تعاني منها معظم البلدان العربية 0(47/3)
ففي الوقت الذي تعمل فيه الدول العربية جاهدةً على جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية بالداخل بالرغم من منافسة جميع دول العالم لها، وضآلة حجم المتوقع قدومه منها، والتحفظات الكثيرة عليها من قبل بعض الأكاديميين والسياسيين ورجال الأعمال على هذه النوعية من الاستثمارات تبرز قضية في غاية الأهمية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية وهي قضية الحد من هجرة الأموال العربية للخارج، وإعادة توطينها في البلدان العربية خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تواجهها هذه الأموال بالخارج بعد أحداث 11 سبتمبر والمتمثلة في التجميد والمصادرة في أحيان كثيرة، بحجج، يغلب عليها الطابع السياسي في معظم الأحوال، هذا ويلاحظ أن السياسات العدائية من جانب الدول الأجنبية للأموال العربية بالخارج لم تفرق في معظم الحالات بين الأموال الحكومية والأموال الخاصة
إن الدراسة العلمية الجادة والتحليلية المتعمقة لهذه المشكلة من مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية والشرعية والاجتماعية، وكذلك دراسة توفير المناخ المناسب للحد من هجرة هذه الأموال وعودتها ووضع آليات جديدة لتفعيل ذلك لتتناسب مع ظروف العولمة الاقتصادية والمالية بخصوصية إسلامية وعربية جدير بالاهتمام 0
2ـ أهداف البحث :
يهدف هذا البحث إلى مناقشة ظاهرة هجرة رؤوس الأموال العربية بالخارج في ظل متغيرات دولية فرضتها الظروف الاقتصادية والسياسية التي يمر بها العالم العربي، كما تهدف هذه الدراسة إلى التحليل الاقتصادي لأسباب ودوافع هجرة هذه الأموال للخارج وكذلك اقتراح أهم السياسات والآليات الاقتصادية للحد من هجرة هذه الأموال بل والعمل على إعادة توطينها في العالم العربي 0
3ـ حدود البحث :(47/4)
حُدد نطاق البحث بدراسة " هجرة رؤوس الأموال الإسلامية للخارج في ظل العولمه " الحالة العربية " وذلك بدراسة هجرة الأموال العربية المشروعة ولا ينظر البحث إلى هجرة الأموال غير المشروعة كالأموال الناتجة عن غسيل الأموال أو تجارة المخدرات أو الرشاوي أوالعمولات والتربح وما شابه ذلك 0 كما يركز البحث على هجرة الأموال العربية إلى الولايات المتحدة الأمريكية على اعتبار أنها تمثل أكبر تجمع لهجرة رؤوس الأموال العربية (الحكومية والخاصة)0
4ـ خطة البحث ومنهجه :
في ضوء ما تقدم ستتم دراسة هذا الموضوع باتباع الأسلوب التحليلي المقارن وكذلك الأسلوب التاريخي من خلال المباحث الثلاث التالية :ـ
المبحث الأول : الجوانب النظرية لهجرة رؤوس الأموال العربية للخارج 0
المبحث الثاني : هجرة رؤوس الأموال العربية للخارج (الأسباب ـ المخاطر ) رؤية اقتصادية 0
المبحث الثالث : الآليات المقترضة لتوطين وعودة الأموال العربية ( بالخارج ) والحد من هجرتها 0
الخاتمة ـ النتائج 0
* * *
المبحث الأول
الجوانب النظرية لهجرة رؤوس الأموال العربية للخارج
1ـ الفجوة التمويلية في العالم العربي :
اكتسبت الدعوة إلى الحد من ظاهرة هجرة رؤوس الأموال العربية للخارج وإيجاد السبل والوسائل لتهيئة الظروف المناسبة لتوطين هذه الأموال بالبلدان العربية وكذلك دراسة المردود الاقتصادي والمالي الذي يمكن أن تحققه هذه الأموال في حالة توطنها ولو جزئياً أهمية متزايدة في الفترة القليلة الماضية وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية التي فرضتها المتغيرات الدولية الحديثة في المنطقة ولا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر والحرب المحتملة على العراق والتهديد بتجميد بعض الأرصدة والاستثمارات لمستثمرين وحكومات عربية وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية 0(47/5)
ففي الوقت الذي(1) حققت فيه العديد من الدول العربية نتائج إيجابية في إطار برامجها الإصلاحية تمثلت في إزالة التشوهات السعرية وانخفاض ملحوظ للعجز الكلي في الموازنات وإجراء تغيرات نوعية في حجم وهيكل الصادرات وارتفاع الاحتياطات الخارجية فإنها لم تستطع الحد من تنامي ظاهرة هجرة الأموال العربية للخارج في الوقت الذي بدأت فيه بعض المشاكل الاقتصادية تهدد الاستقرار الاقتصادي العربي وخاصة مشكلة البطالة (2) حيث بلغ معدل البطالة في العالم العربي عام 1999 حوالي 14% وقد بلغ عدد العاطلين حوالي 12.5 مليون عاطل يزيدون كل عام 2.5 مليون عاطل عن العمل 0
وكذلك(3) ارتفاع معدل التضخم في بعض البلدان العربية(*) (من هذه الدول مصر والسودان وسوريه ولبنان والعراق) وانخفاض قيمة العملة المحلية بنسبة كبيرة مما أثر بالسلب على مستويات الدخول بهذه الدول
وغير ذلك من المشاكل وقد ارتبط التصدي لهذه المشكلات بضرورة تحقيق معدلات متزايدة من النمو الاقتصادي وزيادة حجم الاستثمارات ( والغير متوافرة لدى الكثير من الحكومات العربية ) مما عزز الدعوة بإيجاد بيئة أكثر استقراراً على مستوى الاقتصاد الكلي لإيجاد بيئة صالحة لتدفق الاستثمارات لهذه الدول سواءً الاستثمارات العربية أو الأجنبية 0
أما بالنسبة للاستثمارات العربية البينية فإن حجم هذه الاستثمارات لا تتناسب مطلقاً والطموحات التنموية كما يتضح من الجدول رقم (1) 0
جدول رقم (1)
الاستثمارات العربية البينية في الفترة من 1990 ـ وحتى 1997بالمليون دولار
1990
1991
1992
1993
1994
1995
1996
1997
400.8
922.6
483.8
308.1
364.8
1522.3
2092.5
1589.6
المصدر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وآخرون، التقرير العربي الاقتصادي الموحد سبتمبر 1998،
أبو ظبي ص152 0(47/6)
أما بالنسبة للاستثمارات الأجنبية في البلدان العربية(4) فلم تكن أيٍ من الدول العشر الأولى المتلقية للاستثمارات الأجنبية المباشرة دولة عربية خلال النصف الأول من التسعينات 0 كما يتضح من جدول رقم (2) 0
جدول رقم (2)
العشر دول الأولى المتلقية للاستثمارات الأجنبية المباشرة
خلال النصف الأول من التسعينات
الدولة
القيمة
الصين
19295
سنغافورة
6587
الأرجنتين
5558
المكسيك
5381
ماليزيا
4634
اندونسيا
2066
هونج كونج
1564
تايلاند
1440
البرازيل
1399
نيجيريا
1228
النسبة إلى كل الاستثمارات الأجنبية في الدول النامية
88.2%
المصدر : UNIDO, Industrial Development : Global Report 1996
وقد بلغت نسبة(5) الاستثمار الأجنبي المباشر إلى إجمالي رأس المال المحلي في عام 1995 في بعض البلدان العربية على النحو التالي :
في سوريه 0.6% وفي قطر 3.2% وفي الأردن 2% وفي الكويت 0.5% وفي لبنان 1.9% وفي دولة الإمارات العربية المتحدة 1.3% وفي اليمن 8.7% وفي السعودية 7.6% 0
أما عن تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة للبلدان العربية فقد انخفضت في التسعينات عنها في الثمانينيات، فقد بلغ(6) المتوسط السنوي لهذا التدفق على المستوى العالمي 93.710 مليار دولار كان نصيب العالم العربي نحو 3 مليار دولار بنسبة 3.3% من الإجمالي 0
وفي عام 1991 بلغ إجمالي التدفق العالمي حوالي 199.288 مليار دولار خص العالم العربي منه 1.429 مليار دولار بنسبة 9,% وفي عام 1994 بلغ إجمالي التدفق 222.254 مليار دولار خص العالم العربي منه 1722 مليون دولار بنسبة 8,% فقط 0(47/7)
وقد أدت ضعف المعدلات الاستثمارية سواء العربية البينيه أو الاستثمارات الأجنبية إلى وجود فجوة كبيرة في تمويل الاستثمارات المرتبطة بعملية التنمية الاقتصادية وصلت في بعض الدول العربية إلى حوالي 70% مما اضطر هذه الدول إلى الاقتراض الخارجي بشروطه الصعبة وكذلك قبول الإعانات والتي غالباً ما ترتبط بنواحي سياسية خاصة الإعانات غير العربية 0
الجوانب النظرية للدراسة :
من المعروف أن النظرية الاقتصادية تركز على انتقال رؤوس الأموال من بلدان الفائض إلى بلدان العجز، والواقع أن التطبيق العملي قد أثبت إلى جانب ذلك، انتقال رؤوس الأموال في الاتجاه المضاد أي من بلدان العجز إلى بلدان الفائض0 فيكفي أن نشير إلى أن حجم الأموال العربية المستثمرة في الخارج، قد بلغت حوالي(7) 800 ـ 2400 مليار دولار ويلاحظ أن نسبة كبيرة من هذه الأموال لبلدان(*) عربية تعاني من قصور في موارد التمويل وكذلك مشكلة المديونية الخارجية وارتفاع نسبة البطالة والتضخم 0
ولم تقتصر هذه الظاهرة على البلدان العربية فقد أدت ظروف الحرب والفساد في روسيا إلى هروب حوالي(8) 130ـ140 مليار دولار إلى الخارج ولا يزال هروب رأس المال في روسيا يتراوح ما بين مليار إلى مليارين من الدولارات شهرياً طبقاً لتقديرات المسئولين الروس، وخلال هذه الفترة لم تتجاوز الاستثمارات الأجنبية في روسيا الـ 10 مليار دولار وفي كولومبيا(9) بلغت الأموال الهاربة للخارج في عام 1985 حوالي 800 مليون دولار 0
وكذلك انتشرت هذه الظاهرة في كثير من دول العالم الثالث في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بالرغم من حاجتها الماسة لهذه الأموال 0(47/8)
وبتحليل ظاهرة انتقال رؤوس الأموال العربية في الاتجاه المضاد، نطرح السؤال التالي ؟ هل استطاعت هذه الأموال أن تضحي بالاستثمار في الدول العربية مقابل فرصة بديلة أفضل في بلدان الفائض والواقع العملي أيضا يشير إلى أن الفرصة البديلة أي الاستثمار في البلدان الأجنبية لم تكن هي الأفضل حيث انتفاء(10) الميزة النسبية للمستثمر العربي في هذه البلدان، حيث أن حجم الاستثمارات، وتوافر الأموال هناك والتي تبحث عن الفرص الجيدة، ووجود المؤسسات المتطورة والقادرة على اقتناص الفرص لا تدع مجالاً للمستثمر العربي في الحصول على الفرص الجيدة، لهذا نشطت المحافظ المالية على مستوى العالم والتي تقوم بتجميع المدخرات والقيام بالعمليات الاستثمارية نيابة عن المدخرين إلا أن العوائد على مثل هذه المحافظ محدودة حيث يذهب جزء كبير من الأرباح مقابل الإدارة والاستشارات والضرائب 0 ويلاحظ أن سبب الالتجاء لمثل هذا الأسلوب هو عجز المستثمر على الاستثمار المباشر في هذه البلدان 0
ومن وجهة نظر الاقتصاد(11) الإسلامي فإن هجرة رؤوس الأموال بالخارج واستثمارها هناك ( في الظروف الحالية) تعتبر نوعاً من التعديات الاقتصادية والتي هي " كل سلوك أو تصرف بالفعل أو الترك فيه تجاوز لما ألزم به الشارع أمراً أو نهياً في أيٍ من المجالات الاقتصادية وكل ما أدى إلى إلحاق الضرر بالمصالح الاقتصادية المتعلقة بالفرد أو الجماعة " 0
ولا شك أن استثمار الأموال العربية بالخارج يضر بمصلحة المسلمين فبالإضافة لما تحققه هذه الاستثمارات من منافع اقتصادية واجتماعية للدول الأجنبية فإن بعض هذه الدول تمارس سياسات منحازة ضد المصالح العربية وفي مقدمتها " القضية الفلسطينية " كما أن عدم استثمار هذه الأموال في مواطنها الأصلية يلحق الضرر بالمجتمع ويعرقل جهود التنمية ويساعد في زيادة حدة المشكلات التي تعاني منها 0(47/9)
ولذلك كانت هناك(12) بعض الفتاوى بتحريم إيداع الأموال في البنوك الأمريكية حيث أنه يعتبر نوع من الإعانة على الإثم والعدوان نتيجة للسياسات المنحازة ضد العالم الإسلامي 0 وإذا كانت هذه الجوانب النظرية للدراسة فإننا سنحاول أن نبحث في المبحث التالي التحليل الاقتصادي لأسباب ودوافع هجرة رؤوس الأموال العربية للخارج مع توضيح أهم المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها خاصة في الظروف الحالية 0
المبحث الثاني
هجرة رؤوس الأموال العربية للخارج ( الأسباب ـ المخاطر ) رؤية اقتصادية
بالرغم من عدم وجود أرقام دقيقة ومحددة لحجم الأموال العربية المهاجرة للخارج فإن معظم الدراسات التقديرية تقدر حجم هذه الأموال بما يتراوح ما بين 800 إلى 2400مليار دولار(13) وهي مملوكة لحكومات ومستثمرين وأفراد من البلدان العربية(*) يتركز معظمها في الولايات المتحدة الأمريكية والباقي يتوزع ما بين الدول الأوربية والآسيوية وتقدر إحدى الدراسات الأصول الأجنبية الممتلكة لدى القطاع العربي الخاص في الخارج بـ 850 إلى 900 مليار دولار(14) يتركز منها حوالي 43% من قطاع المصارف والبورصات الأمريكية والأوربية والآسيوية 0 وقد أصيبت هذه الأموال بخسائر كبيرة نتيجة للأزمات الاقتصادية التي عصفت بهذه البورصات خلال السنوات الماضية0
أما بالنسبة لتوزيع استثمارات الأموال العربية بالخارج قطاعياً ومكانياً فإن أغلب هذه الاستثمارات تتجه (15) نحو المحافظ الاستثمارية المدارة من قبل البنوك الأمريكية، والمشكلة في وسائل الدفع والأوراق المالية والأسهم، التي لا تعطي حاملها حق الإدارة، كما يتجه البعض منها إلى مجال الودائع المصرفية في البنوك أو شراء أوراق الشركات وحصص الملكية، في حين تتجه بعض الاستثمارات الخاصة نحو الملكية العقارية 0(47/10)
ويرى بعض المتخصصين (16) أن قوة اتجاه الأموال العربية نحو التوظف في الأسواق الأمريكية بصفة خاصة وبعض الدول الأوربية ( إنجلترا) قد جاء نتيجة للروابط التي ربطت لسنين طويلة بعض الدول المنتجة للبترول وهاتين الدولتين وكذلك علاقات التشابك الاقتصادية الكثيرة والمتمثلة في البترول والتجارة الخارجية والبنوك فضلاً عن اتساع وتنظيم أسواق نيويورك ولندن النقدية والمالية والتجارية0
أسباب هروب رؤوس الأموال العربية للخارج :
هذا وقد أسهمت العديد من العوامل الاقتصادية وغير الاقتصادية في هجرة الأموال العربية للخارج كان من بينها عوامل جاذبة من البلدان الأجنبية المستقبلة للأموال وعوامل طاردة من داخل البلدان العربية وبتحليل أهم أسباب ودوافع هروب الأموال العربية للخارج يتضح الآتي :ـ
أولاً : الأسباب الخارجية 0
يمكن إيجاز أهم الأسباب الخارجية على النحو التالي :ـ
(1) المحافظة على الأموال وكون هذه الاستثمارات مضمونه :
حيث تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أوربا الغربية من وجهة نظر الأموال العربية المهاجرة المكان والملاذ الآمن للحفاظ على قيمة هذه الأموال نتيجة لقوة الأداء الاقتصادي بهذه الدول والمتزامن مع القوة السياسية والعسكرية في ظل حرية اقتصادية تمنع الاقتراب من التعدي على هذه الأموال 0
وبتحليل أوضاع هذه الدول من الناحية الاقتصادية ( حالة الولايات المتحدة الأمريكية على اعتبار أنها أكبر متلقي لهذه الأموال وعلى اعتبار أنها القوة الاقتصادية الأولى في العالم ) 0 يلاحظ الآتي :(47/11)
ـيشير الواقع العملي إلى أن تجميد الأرصدة الإيرانية والعراقية والليبية قد زعزع من مصداقية ( الضمان والمحافظة على الأموال العربية ) بعد أزمة الرهائن وحرب الخليج الثانية وأزمة لوكيربي وقد استمر هذا التزعزع بعد أحداث 11 سبتمبر نتيجة للتهديد المستمر بتجميد بعض الأرصدة والحسابات لمستثمرين وأفراد وحكومات عربية بل أن الحكومة الأمريكية قد قامت فعلاً بتجميد بعض الحسابات لجمعيات خيرية ومستثمرين عرب بحجة أن هذه الحسابات لها صلة بأنشطة إرهابية ومن المعروف اقتصادياً أن الاستثمارات والأموال شديدة الحساسية بالنسبة لمثل هذه الأمور 0بل إن الخبراء الأمريكيين أنفسهم ونتيجة للأزمات والمشاكل المتتالية التي أصابت الاقتصاد الأمريكي بداية من عقد التسعينات في القرن الماضي وحتى الآن فقد توقع(17) هؤلاء الخبراء أن تصل معدلات العجز الفيدرالية في الفترة من عام 1980 ـ 2000 حوالي 33 مرة كما أن الديون الفيدرالية ستتضاعف حوالي 14 مرة في الفترة نفسها أما فوائد الديون فستبلغ 29 مرة وهم يتوقعون إنهيار اقتصادي كبير للولايات المتحدة الأمريكية نتيجة للأداء الاقتصادي والسياسي السيئ للسياسة الأمريكية 0
جدول رقم (3)
معدلات العجز والديون الفيدرالية ونسب الفوائد المتوقعة للفترة
ما بين عامي 1980 ـ 2000 ( ببلايين الدولارات)
السنة
معدلات العجز
الديون
فوائد الديون
1980
1983
1985
1990
1995
2000
معدل تضاعف الأرقام
في عام 2000 عما كان
عليه في عام 1980
59.60
195.4
202.8
386.7
850
1966.0
33 مرة
914.3
1381.9
1823.1
3211
6560
13020.9
14 مرة
52.5
87.8
179
252.3
619.1
1520.7
29 مرة
SOURCE :Harry E. Figgie , Gerald Swanson , BANKRUPTCY 199 ? The coming Collapse of America and How to stop It, Washington D C 1995 p13 .
- من المؤشرات الهامة التي تؤكد استمرار الأداء الاقتصادي السيء للاقتصاد الأمريكي ما يلي :ـ(47/12)
*انهيار الكثير من الشركات الأمريكية العملاقة بعد فضائح مالية بدأت بشركة (انرون للطاقة )(*) ثم (ورلدكوم) العملاقة للاتصالات وشركة (زيوركس) وشركة (الخطوط الجوية الأمريكية) والتي انخفضت قيمة أسهمها إلى النصف بالإضافة إلى فضائح شركة أرثر اندرسن للمحاسبة والخاصة بتضخيم حجم الأرباح واعتماد البيانات الكاذبة عن الشركات التي تقدم لها استشارات في المجالات المحاسبية والمالية ولا شك أن انهيار هذه الشركات سيتبعه بالتأكيد انهيار شركات أصغر تتشابك مع هذه الشركات في علاقات اقتصادية من الخلف والأمام كما سيعمق انهيار هذه الشركات من مشاكل الميزانية الفيدرالية نتيجة للضرائب الضخمة التي كانت ستحصل عليها من هذه الشركات 0
*أوضحت (18) دراسة لإحدى الشركات العاملة في مجال بيانات وأبحاث صناديق الاستثمار بالولايات المتحدة الأمريكية أن حجم المسحوبات خلال شهر يوليو 2002 قد بلغ 49 مليار دولار من صناديق الاستثمار في الأسهم الأمريكية " نتيجة توقع الخسائر " وهو رقم قياسي بعد أن تهاوت كل مؤشرات الأسهم الرئيسية وخسرت صناديق الاستثمار ما متوسطة 10% تقريباً ولا شك أن خسارة هذه الصناديق ستزيد من خسائر المستثمرين العرب بها 0
* من المتوقع أن يؤدي هبوط أداء الأسواق المالية الأمريكية إلى هروب الاستثمارات الأوربية واليابانية وغيرها من منطقة الدولار إلى مناطق أخرى بالعالم وقد تزامن هذا (19) مع انخفاض قيمة الدولار أمام اليورو بحوالي 12% من بداية العام الجاري وحتى شهر أغسطس 2002 0
كما يتوقع مراقبون اقتصاديون انخفاض(20) حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2001 لتصل إلى 124 مليار دولار بعد أن كانت 301 مليار دولار عام 2000 بل إن هناك دراسات تشير إلى احتمالات هروب رؤوس الأموال الأمريكية فضلاً عن الأجنبية من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الأسواق الآمنة في أوربا وآسيا 0(47/13)
* توقع الخبراء(21) بمؤسسة جولدمان ساكس بإنخفاض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بمقدار 3.5% في الربع الأخير من عام 2001 وبمقدار 1% سنوياً من الربع الأول من عام 2002 0
* بالرغم من (22) قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بإجراءات توسعية في السياسة النقدية تمثلت في خفض أسعار الفائدة عدة مرات عام 2001 لتبلغ أقل معدل لها منذ سنوات قليلة فقد أوضحت البيانات ارتفاع معدل البطالة الأمريكي خلال شهر أغسطس بمقدار 4,% مقارنة بشهر يوليو حيث بلغ معدل البطالة أعلى معدل له منذ أربعة أعوام كاملة كما أنه زاد بمقدار 1% على المعدل المسجل في شهر نوفمبر من عام 2000 وكانت النتيجة الفورية لهذا الارتفاع في معدل البطالة إلى ما يشبه الأنهيار في مؤشرات أداء بورصة (وول ستريت) الأمريكية حيث إن ارتفاع معدل البطالة يعني المزيد من تدهور الاقتصاد وتوقع زيادة الانخفاض في انفاق المستهلكين وخفض معدلات الإنفاق الاستثماري 0 مما يدفع نحو المزيد من التباطؤ في النشاط الاقتصادي، إذ يبلغ إنفاق المستهلكين الأمريكيين نحو 65% من حجم الناتج المحلي الأمريكي 0
(2) الربحية :(47/14)
تعتبر عنصر الربحية من العناصر المهمة والمحددة لتحركات رؤوس الأموال وهجرتها، بل انه يمثل في معظم الحالات العنصر الأهم ومن المعروف اقتصادياً أنه كلما زادت درجة نضج الاقتصاد وتطوره قلت فرص الاستثمار المربح في هذا الاقتصاد وتصبح بالتالي فرص الاستثمار في البلدان الأقل تطوراً مثل البلدان العربية أكثر ربحية منها في الدول المتقدمة وهو ما يفسر لنا أن أغلب (23) الاستثمارات الأجنبية المباشرة تتم في بلدان مثل الصين وبعض دول جنوب شرق آسيا التي ما زالت أرضاً بكراً للاستثمار المربح علاوة على توافر بعض الشروط الضرورية الأخرى للقيام بهذا الاستثمار وتتعلق هذه الشروط الضرورية بما يسمى بتهيئة مناخ الاستثمار في أي بلد من بلدان العالم 0 وهو ما يقدم دائماً على أنه السبب الرئيسي وراء أحجام الأموال العربية(*) عن التوطن والاستثمار في العالم العربي وبتطبيق معيار( درجة نضج الاقتصاد وتطوره ) على الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا الغربية يلاحظ تدني نسبة الربحية بها مقارنة بمعدل الربحية في دول جنوب شرق آسيا ففي الوقت الذي تصل فيه معدل(24) الربحية من 13 ـ 14% في مجموعة دول جنوب شرق آسيا يصل فيه معدل الربحية إلى حوالي 4.3% في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا الغربية 0
وعلى ذلك لا تعتبر عنصر الربحية من العناصر قوية التأثير على هجرة رؤوس الأموال العربية للخارج(25) وتتفق مع ذلك كثير من الدراسات التي تمت بهذا الخصوص 0
(3) قدرة المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال على استرجاع ودائعهم وتحويل أرباحهم في أي وقت بدون عوائق 0(47/15)
تتسابق دول العالم في سن التشريعات الخاصة بتحويل الأرباح أو استرجاع الأموال في أي وقت بالنسبة للاستثمارات الأجنبية ومع ذلك فإن الولايات(26) المتحدة الأمريكية حتى الآن هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تعلن في قوانينها موقفاً من تحرك رؤوس الأموال الوطنية أو الأجنبية دخولاً أو خروجاً وإن كان هذا لا يعني عدم وجود سياسات تحد من مثل هذه التحركات 0
ولا شك أن حرية تحركات الاستثمارات الأجنبية الكبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية وبصفة خاصة الأموال والاستثمارات العربية ليست بالسهولة كالمطبقة في كثير من دول العالم بل إنها تخضع لاعتبارات سياسية واقتصادية تحددها مصلحة المؤسسات والشركات والبنوك والأسواق الأمريكية بالرغم من زعامة الولايات المتحدة الأمريكية لسياسات الحرية والتحرر الاقتصادي والغير مطبقة على أرض الواقع أو المطبقة بعدة مكاييل 0
هذه هي أهم الأسباب لهجرة رؤوس الأموال العربية للخارج بالإضافة إلى بعض العوامل الأخرى مثل التقدم والتطور في البنية التحتية والفوقية للاستثمار في هذه الدول 0
وبعد هذا العرض والتحليل نستطيع أن نحدد أوزاناً ترجيحية للأسباب الخارجية لهجرة الأموال العربية للخارج على النحو التالي : المحافظة على الأموال والضمان 60%، الربحية 20%، القدرة على استرجاع الأموال والأرباح بدون قيود 20%
ثانياً : الأسباب الداخلية ( الطاردة ) لهجرة رؤوس الأموال العربية بالخارج :
أما عن الأسباب الداخلية لهجرة الأموال العربية بالخارج فيمكن توضيح أهمها :
(1) ضعف المقدرة الاستيعابية للاقتصاديات العربية :(47/16)
وتتمثل ضعف المقدرة الاستيعابية لاقتصاديات العالم العربي في عدم استطاعة هذه الاقتصاديات استغلال الموارد المتوافرة لديها استغلالاً كاملاً في تحقيق مستوى من التنمية تتناسب مع مستوى هذه الموارد ومن الأمثلة على ذلك عدم مقدرة البنوك والشركات والمؤسسات المالية العربية على استثمار ما لديها من فوائض مالية بالرغم من توافر الكثير من الفرص الاستثمارية ذات الجدوى في المجالات المتعددة مما يؤدي إلى تدني مستوى العوائد المتحققة 0
(2) بالرغم من الإصلاحات الإدارية والقانونية التي تمت في معظم البلدان العربية فلا زالت هناك كثير من المشاكل التي يتعرض لها المستثمرين العرب داخل البلدان العربية فلا زالت المزاجية(27) وشيوع الروتين والفساد الإداري والمالي وغياب الشفافية والتسهيلات تمثل حاجزاً كبيراً لانسياب رؤوس الأموال بين الدول العربية وهروبها للخارج 0
(3) شيوع عقلية الربح الكبير والسريع والخوف من المخاطرة لدى قطاع كبير مما يطلق عليه رجال الأعمال تجاوزاً (28) ( كما يطلق عليه البعض ) وتحقيق أرباح قدرية بفعل المضاربات وتسكين الأموال في صورة التفضيل الريعي والتطفل المالي في الخارج 0
(4)غياب التطبيق العملي على أرض الواقع للإصلاحات الإدارية والتنظيمية وكذلك التشريعات الخاصة لجذب الاستثمارات العربية في البلدان العربية 0
(5) الصراع العربي الإسرائيلي وعدم الاستقرار السياسي في منطقة الشرق الأوسط يجعلها من وجهة نظر الكثيرين منطقة غير آمنة للاستثمار 0
(6)عدم كفاءة أوعية جذب الاستثمارات العربية 0
لما كانت الدول العربية تعاني من ضعف المؤسسات المالية كما أن النشاط الاقتصادي والاستثماري والمالي عادة ما تهيمن عليه الأجهزة الحكومية أو المختلطة مع سيطرة واضحة للقرار الحكومي لذا يجد المستثمر العربي صعوبة كبيرة في توجيه استثماراته 0(47/17)
(7) المعاناة الكبيرة في مراكز الحدود العربية الجوية والبحرية منها والبرية وسوء المعاملة في بعض الأحيان يجعل المستثمرين يحجمون عن العمل بهذه الدول 0
هذا بالإضافة إلى بعض الأسباب الأخرى والمتمثلة في ضعف مرافق البنية الأساسية في بعض الدول العربية والمبالغة في الرسوم والضرائب في بعض الأحيان 000 وغيرها 0 وإذا كانت هذه هي الأسباب فما هي الآليات المقترحة لتوطين الأموال العربية المهاجرة 0
المبحث الثالث
الآليات المقترحة لتوطين وعودة الأموال العربية بالخارج والحد من هجرتها(47/18)
يكاد يتفق جميع الاقتصاديين إلى أن عودة جميع الأموال والاستثمارات العربية المهاجرة من الدول الأجنبية بشكل سريع وتلقائي، هو نوع من الخيال، كما أن مقاطعة الاستثمار في جميع دول العالم خارج الوطن العربي يعتبر مستحيلاً من الناحية العملية، فكبر حجم الأموال المهاجرة، وتنوع الاستثمارات بين قصيرة الأجل ومتوسطة وطويلة الأجل والقيود التي تضعها الدول الأجنبية على تحركات هذه الأموال، والمصالح المشتركة والتشابكات الاقتصادية بين البلدان العربية والبلدان الأجنبية والظروف السياسية أحياناً تحتم وضع استراتيجية لعودة الأموال والاستثمارات المهاجرة إلى بلدانها العربية بشكل منظم وتدريجي وتبعاً للتقدم الذي يتم إحرازه في مجال إيجاد آليات مناسبة لجذب هذه الأموال(29)0 ويرى البعض أن الاستثمار في بعض البلدان الأجنبية قد يعتبر ضرورياً في بعض الأوقات إذا كان الغرض منه تحقيق بعض السيطرة على القطاعات الأمامية المرتبطة بقطاع النفط وكذلك فإن الاستثمار في مشروعات المصافي أو البتروكيمياويات يحقق درجة عالية من الاستقرار المطلوب في الأسواق الخارجية ( خاصة بالنسبة للدول العربية النفطية ) كما أن الاستثمار في بعض المجالات المحتكرة من بعض الدول الأجنبية قد يكون مفيداً لنقل هذه المجالات للدول العربية مستقبلاً 0 بالإضافة إلى الاستفادة من الخبرات الفنية والإدارية والتنظيمية بهذه الشركات، وبالرغم من الجهود المبذولة من جانب البلدان العربية والمتمثلة في إزالة القيود والروتين وتحسين البيئة الاقتصادية والمالية والقانونية لتوطن الاستثمارات العربية فإننا نرى أن تستمر الدول العربية في بذل مزيدٍ من الجهد والعمل لتفعيل ذلك من خلال ما يلي :ـ
توفير المناخ المناسب للاستثمار 0
ويشمل المناخ المناسب للاستثمار ما يلي :ـ
أولاً : المناخ الاقتصادي العام في البلدان العربية 0(47/19)
والذي يجب أن يركز على تحسين معدلات النمو الاقتصادي وذلك من خلال رفع مستوى الكفاءة بالنسبة للإدارة الاقتصادية لجميع فروع النشاط الاقتصادي وتنوع الإنتاج والاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية، المتوافرة مع وضع سياسة واضحة المعالم بالنسبة لأولويات تخصيص الموارد، وترشيد استخدامها 0 مع أهمية الالتزام بالمواصفات الدولية في الإنتاج وهذا سيؤدي إلى خفض التكاليف التي ستخفض مع الإنتاج الكبير، مع الأخذ في الاعتبار تلبية احتياجات السوق العربي، خاصة وأن حجم التجارة البينية بين الدول العربية لا يزيد حتى الآن عن(30) 8% بينما تبلغ التجارة البينية للسوق الأوربية 75% والمجموعة الآسيوية 45% وأي تكتل تجاري آخر لا تقل تجارته عن 30% 0
كما تبلغ صادرات العالم العربي غير البترولية(31) حوالي 14 مليار دولار ووارداته حوالي 150 مليار دولار وهو ما يعني وجود فجوه في غير صالح العالم العربي مقدارها 135 مليار دولار وهذا ما يؤكد أهمية العودة بالاستثمارات المهاجرة لاستغلال الطاقات الكبيرة غير المستغلة 0
(*) تفعيل دور السياسة المالية في الحد من عجوزات الموازنة العامة عن طريق الترشيد الأمثل للإنفاق وليس تقليله والحد من ظاهرة المبالغة في فرض الضرائب كما هو الحال في بعض البلدان العربية 0 مع مراعاة أن خفض حجم النفقات العامة لتخفيض عجز الموازنة قد يؤدي إلى التأثير بالسلب على حجم الاستثمار الخاص خاصة إذا كانت العلاقة بين الاستثمار والإنفاق العام علاقة تكاملية وليست تنافسية وبصفة عامة إذا تم خفض حجم النفقات العام في مجالات البنية الأساسية فإن ذلك يؤدي إلى خفض حجم الاستثمار الخاص بينما يؤدي خفض حجم الإنفاق العام على القطاعات العامة الإنتاجية على المساهمة والمساعدة في تنشيط الاستثمار الخاص 0
السياسة النقدية :(**)(47/20)
يمثل الأداء القوي للبنوك والمؤسسات المالية في أي دولة الواجهة والحافز لتوطن الأموال والاستثمارات بهذه الدولة 0
-ولذلك يجب أن تركز السياسة النقدية في الدول العربية على المساهمة في الاستقرار الاقتصادي وأن تمارس البنوك المركزية في البلدان العربية دوراً رقابياً أكثر صرامة على البنوك والمؤسسات المالية والتي تشمل مراقبة الحد الأدنى لكفاية رؤوس الأموال بالبنوك ومعالجة التركز الأئتماني ووضع حدود لإقراض المساهمين وتحديد نسبة السيولة وتطبيق معايير المحاسبة الدولية ووضع قواعد للتعاون في مجال مكافحة غسيل الأموال 0
-إعطاء البنوك الإسلامية دفعة للأمام عن طريق الإصلاح الإداري للعلاقة التنظيمية بين البنوك المركزية والبنوك الإسلامية مع الحفاظ على خصوصيتها مما يساهم في خلق بيئة مناسبة لزيادة ثقة العملاء بها أسوة بما هو معمول بين البنوك المركزية والبنوك الأخرى 0
- تشجيع زيادة الاندماجات والتحالفات الإستراتيجية بين البنوك العربية وذلك لمواجهة اتفاقية الجات لتحرير الخدمات المالية والتي تنص على حرية البنوك والمؤسسات المالية للدول الموقعة على الاتفاقية بفتح فروع لها في جميع الدول الموقعة على الاتفاقية 0
ومما لا شك فيه أن البنوك والمؤسسات المالية للدول المتقدمة الموقعة على الاتفاقية والتي تشمل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأوربا الغربية واليابان هي(47/21)
بنوك ومؤسسات مالية عملاقة يصعب مقارنتها من حيث حجم رؤوس الأموال والتقنية المصرفية التي تستخدمها وتمتعها بالمزايا المتعلقة بتحقيق الوفرات من الإنتاج الكبير للخدمات بمؤسسات وبنوك الدول العربية الضعيفة ويزيد من قدرة وقوة البنوك والمؤسسات المالية في الدول المتقدمة الاندماجات الكبيرة التي شهدتها هذه الدول بين كبريات البنوك والمؤسسات المالية ولا شك أن اندماج البنوك (33) العربية أصبح ضرورة ملحة لمواجهة العولمة المالية وعدم تهميش المؤسسات والبنوك العربية عالمياً كما أنه مهم للمشاركة في توطين وجذب الاستثمارات العربية بالخارج.
ثانياً : الجوانب المكملة للمناخ الاقتصادي العام :
وتشمل هذه الجوانب السياسية، والتشريعية، المعلوماتية وخلافه 0
- فلا شك أن المزيد من الإصلاحات السياسية والتشاور مع المواطنين سيشكل أرضية صلبة لعودة الأموال المهاجرة من الخارج وكذلك الحرية المنضبطة للفكر وحرية الإعلام والصحافة وحرية الرأي الآخر وكذلك في المزيد من الإصلاحات القانونية والتشريعية واتفاقيات منع الازدواج الضريبي في البلدان العربية وتطبيق هذه الإصلاحات على أرض الواقع سيكون له مردود إيجابي 0
-الاهتمام بوجود قاعدة بيانات دقيقة يستطيع المستثمر الاعتماد والاسترشاد بها 0
-دعم المؤسسات والهيئات غير الحكومية من قبل الحكومات العربية لدعم الاستثمار مثل الغرف التجارية والصناعية، جمعيات رجال الأعمال، المنتديات الفكرية والعلمية وغيرها 0
بعض الآليات المفترضة لتوطين الاستثمارات العربية الهاربة :
من أهم الآليات التي نعتقد بجدواها وخصوصاً مع توجه الدول العربية نحوها بل أن بعض الدول العربية قد قطعت شوطاً كبيراً فيها وهي :
(1) التخصيصية :(47/22)
تلعب التخصيصية دوراً كبيراً في حفز الاستثمارات العربية وتوطين بعض الأموال المهاجرة وذلك بما تتضمنه من خلق فرص واسعة للاستثمار في مجالات وقطاعات متنوعة تتناسب مع إمكانيات وخبرات المستثمرين كما أن الاستثمار (الفرصة البديلة ) في هذا المجال أفضل بكثير من الاستثمار بالخارج من ناحية الربحية والضمان وخلافه 0
ولكن حتى تحقق التخصيصية في العالم العربي تنمية حقيقية وحتى تحقق المشروعات أقصى كفاءة ممكنة وأن تنافس هذه المشروعات، المشروعات المماثلة لها ولو جزئياً في أوربا واليابان وأمريكا ودول العالم المختلفة فيمكن وضع بعض القواعد المهمة لعملية التخصيصية استرشاداً بالتجربة الألمانية وهي تجربة رائدة حققت نجاحات كبيرة تستحق الإشادة ونقلها إلى العالم العربي أما هذه القواعد فهي(34) :ـ
(أ)أن لا يكون البيع في كثير من المشروعات على أساس السعر الأعلى وإنما يكون البيع لمستثمرين أو أفراد أو شركات متخصصة تستطيع أن تدخل تكنولوجيا أعلى في مجال الشركة المباعة 0
يضم العالم العربي نخبة متميزة من الخبرات والمستثمرين في القطاعات المختلفة بالخارج " 0
(ب) أن تعطى الأولوية للمستثمرين العرب 0
(جـ)أن تعاد هيكلة بعض الشركات المرشحة للتخصيصية قبل التصرف فيها حتى تستطيع أن تقف أمام منافسة الشركات الأخرى عن طريق إنشاء هيئة تضم المتخصصين من الفنيين والاقتصاديين والماليين ورجال الأعمال وأن تكون ميزانية هذه الهيئة من الدولة وأن تكون مستقلة في اتخاذ القرار المناسب بعيداً عن التدخل الحكومي 0
ولا شك أن هذه القواعد يمكن أن تكون حافزاً كبيراً لتوطين بعض الاستثمارات والأموال المهاجرة 0
(2) إنشاء صناديق استثمارية كبيرة وتسويقها :
وتختص هذه الصناديق بالاستثمار في مشروعات مدروسة ومحددة بالعالم العربي ومن أهم هذه الحالات :ـ(47/23)
الصناعات الذكية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات حيث أن مجال الاتصالات يمثل صناعة مهمة لها تأثير مباشر على الصناعات والخدمات الأخرى كما أنه يمثل محوراً أساسياً للتنمية في الاقتصاديات الحديثة 0
وتشير إحدى الدراسات إلى(35) أن التطور التكنولوجي في مجال المعلومات لا يتم بشكل متوازن بين دول العالم وأن الفجوة تتسع بشكل مطرد لغير صالح الدول النامية ( من بينها الدول العربية ) وأن حجم التجارة الإلكترونية تقدر حالياً بنحو 1.3 تريليون دولار ومن المتوقع أن تتضاعف خلال العام 2003 ويمكن أن تصل إلى حوالي 70% من جملة حجم التبادل التجاري العالم بحلول عام 2010 وتشير الدراسة إلى أن هذه الفجوة الرقمية قد أدت إلى ظهور ما يسمى بالاقتصاد الجديد المرتبط بالمعرفة العلمية والتكنولوجية وهي موارد ذات قيمة مضافة عالية قد تصل إلى حوالي 80% من اقتصاديات بعض الدول مثل أمريكا واليابان وسنغافورة وأخيراً ترى هذه الدراسة أن مشكلة الفجوة الرقمية تمثل مجالاً استثمارياً عالية الجدوى حيث أن أسواق الدول النامية الأقل استخداماً لتكنولوجيا المعلومات ستكون هي أسواقاً للتوسع المستقبلي 0 ويمكن لهذه الصناعات أن تجذب بجانب الأموال العربية الكفاءة والخبرات العربية بالخارج والمتميزة في هذا المجال شركات متخصصة في مجال تكنولوجيا وتحلية المياه وخاصة في ظل الفقر المائي الذي تعيشه يعطي الدول العربية 0
ـشركات متخصصة في مجال صناعة البتروكيماويات 0
وكذلك بعض المجالات الأخرى والتي تتوافر فيها المزايا النسبية والتنافسية من خلال الموارد الاقتصادية المتوافرة بالعالم العربي 0
كما يقترح أن يتم إنشاء شركات تسويقية متخصصة بجانب الصناديق الاستثمارية 0
(3) تفعيل دور بعض الآليات الموجودة فعلاً 0(47/24)
ومن أهم هذه الآليات أسواق المال العربية وكذلك الأوعية الاستثمارية الموجودة بالبنوك وخاصة البنوك الإسلامية وذلك بتطوير هذه الآليات وتخطي حاجز المشكلات التي تعترضها 0
الخاتمة والنتائج
تناول هذا البحث موضوع " هجرة رؤوس الأموال الإسلامية بالخارج في ظل العولمة" الحالة العربية " وذلك بدراسة مشكلة الفجوة التمويلية في العالم العربي وهي عدم قدرة الموارد المالية بهذه الدول على تمويل الاستثمار التنموي الضروري لها حيث وصلت هذه الفجوة إلى حوالي 70% يتم تغطيتها من خلال التمويل الاقتراضي والإعانات وقد ترتب على هذه الفجوة زيادة حدة بعض المشكلات الاقتصادية في العالم العربي كالبطالة وارتفاع الأسعار وضعف الإنتاج كما لم تستطع الاستثمارات البينية العربية وكذلك الأجنبية من سد هذه الفجوة التمويلية نتيجة لضعف حجم هذه الاستثمارات في الوقت الذي تصل فيه حجم الأموال والاستثمارات العربية بالخارج من 800 ـ 2400 مليار دولار طبقاً للدراسات المختلفة 0 ثم تم دراسة الجوانب النظرية لهجرة رؤوس الأموال العربية بالخارج حيث إنه اتضح أن التطبيق العملي للنظرية الاقتصادية كان في الاتجاه المضاد ثم كيف أن الفرصة البديلة للاستثمار بالعالم الخارجي لم تكن افضل من الاستثمار في العالم العربي من جميع الوجوه، وبالإضافة إلى دراسة النظرية الاقتصادية لهجرة الأموال العربية للخارج ( في الظروف الحالية ) يرى المتخصصين في مجال الاقتصاد الإسلامي أن الاستثمار العربي بالخارج يعتبر نوعاً من التعديات الاقتصادية التي تلحق الضرر بالمصالح الاقتصادية بالمسلمين بالإضافة إلى ما تحققه هذه الاستثمارات من منافع اقتصادية واجتماعية للدول الأجنبية وبعضها تمارس سياسات منحازة ضد المصالح الإسلامية والعربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية كما أن هناك فتاوي بتحريم إيداع الأموال في بنوك هذه الدول 0(47/25)
ثم تناولت الدراسة أسباب ودوافع هجرة رؤوس الأموال العربية للخارج والتي شملت العوامل الجاذبة من البلدان الأجنبية وهي المحافظة على الأموال وضمانها وكذلك الربحية ثم القدرة على استرجاع هذه الأموال والأرباح بدون قيود وكذلك دراسة العوامل الطاردة من داخل البلدان العربية مع التحليل الاقتصادي لهذه العوامل وبيان أوزانها الترجيحية مع توضيح كامل لأهم المخاطر التي واجهت هذه الأموال في الخارج وكذلك ما يمكن أن تواجهه مستقبلاً ثم دراسة الأولويات لعودة رؤوس الأموال بالخارج والتي شملت توفير المناخ الاقتصادي العام وتفعيل دور السياسة المالية والنقدية وكذلك الإصلاح السياسي والتشريعي 0
وأخيراً دراسة بعض الآليات المقترحة للحد من هجرة رؤوس الأموال العربية وإعادة توطينها والتي شملت التخصيصية بالاستفادة من التجربة الألمانية، وكذلك إنشاء صناديق استمثارية كبيرة لمشروعات مدروسة الجدوى ومحددة من أهمها مشروعات الصناعات الذكية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ـ تحلية المياه، البتروكيماويات بالإضافة إلى تفعيل بعض الآليات الموجودة فعلاً والمقترحة من قبل دراسات سابقة في هذا المجال 0
وسنتناول فيما يلي أهم نتائج هذا البحث :ـ
1ـ هناك فجوة تمويلية كبيرة في العالم العربي تصل في بعض الدول إلى حوالي 70% لتمويل الاستثمارات كما أن ضعف الاستثمار البيني العربي وكذلك الأجنبي بالدول العربية يتطلب تضافر جميع الجهود للحد من هجرة الأموال العربية للخارج والعمل على توطينها وإعطاء هذا الموضوع من قبل الحكومات والمراكز البحثية والجهات غير الحكومية أوليات الاهتمام 0
2ـهجرة رؤوس الأموال هي عكس منطوق النظريات الاقتصادية وهي نوعٌ من التعديات الاقتصادية التي تضر بمصلحة المسلمين خاصة في الظروف الحالية 0(47/26)
3ـيعتبر عنصر الضمان والمحافظة على الأموال وكذلك الربحية وقدرة المستثمرين على استرجاع ودائعهم وأرباحهم أهم العوامل الخارجية لهجرة هذه الأموال غير أن واقع التطبيق العملي لما واجه الأموال العربية بالخارج قد زعزع الثقة بكل هذه العوامل ( التهديد بتجميد الأموال والمصادرة، ضعف معدلات الربحية، استرداد الودائع والأرباح يخضع لبعض النواحي السياسية في كثير من الأحيان)0
3ـ من العوامل الداخلية المهمة لهجرة رؤوس الأموال ضعف الطاقة الاستيعابية بالاقتصاديات العربية والخوف من المخاطرة والاعتماد على الغير وشيوع الروتين والفساد الإداري والمالي وغياب الشفافية وعدم كفاءة أوعية جذب الاستثمار من الخارج والمعاناة الكبيرة في المراكز الحدودية ( البرية والبحرية والجوية ) 0
4ـ من أوليات عودة رؤوس الأموال العربية بالخارج المزيد من الإصلاحات الاقتصادية والإدارية والقانونية وتهيئة المناخ الاقتصادي العام وتفعيل دور السياسة المالية والنقدية نحو الاستقرار الاقتصادي والاهتمام بمرافق البنية الأساسية0
5 ـ من أهم الآليات المقترحة لتوطين رؤوس الأموال العربية بالخارج :
(1) التخصيصية ولكن بالاسترشاد بالتجربة الألمانية لتكون حافزاً أمام توطين الاستثمارات المهاجرة 0
(2) إنشاء الصناديق الاستثمارية للاستثمار في مشروعات مدروسة ومحددة تتماشى مع التطور الاقتصادي في العالم ومن أهم هذه المشروعات الصناعات الذكية ومشروعات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ـ تحلية المياه ـ البتروكيماويات 0
(3) تفعيل بعض الآليات الموجودة فعلاً والمقترحة من قبل دراسات سابقة وذلك بالتغلب على المشاكل التي تواجهها ودعمها 0
مراجع البحث
1ـ… عبداللطيف يوسف الحمد (دكتور)، التنمية الاقتصادية في مواجهة التحولات الاقتصادية العربية، العربي، العدد 482، الكويت يناير 1999 من ص1 ـ ص20 0
وكذلك The WORLD Bank , WORLD
Development Report, Washington DC 1998 .(47/27)
وكذلك الامانة العامة لجامعة الدول العربية وآخرون، التقرير الاقتصادي العربي الموحد،
أبو ظبي 1998 0
2ـHanley, Delinda C., ISSUES IN THE NEWS,Washington Report on Middle East Apr2000, Vol. 19, Issue3 Database:Academic Search Premier
3ـ الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وآخرون، مرجع سبق ذكره، ص78 ـ ص92 0
4ـ UNI DO , Industrial Development : Global Report, 1996
5ـUNCTAD, International Investment Directory, Genva, 1997, PP 238-325 .
6ـUnited Nations, world Investment Report 1995, Transnational Corporations and competitiveness unctad, Geneva 1995, p p 391-405
7ـ تقرير مركز الدراسات الخليجية، المملكة المتحدة، لندن 2001م 0
8ـ عبدالكريم حمودي، الاقتصاد الروسي بين العبد الأجير والروس الجدد، اسلام اون لاين نت من ص1 إلى ص3 0
9ـ Gunter, Frank R., COLOMBIAN CAPITAL, Flight Journal of Interamerican Studies & World , Spring 91 , Vol. 33, Issue 1
10ـ عبدالعزيز سعود البابطين، الاستثمار العربي : الواقع والطموح ندوة الاستثمار العربي والقرن الحادي والعشرين، الاهرام، القاهرة يناير 1995ص96 0
11ـ محمد علي سعيد الغامدي (دكتور)، التعديات الاقتصادية وآثارها الاقتصادية والاجتماعية وكيفية مواجهتها في الاقتصاد الإسلامي، رسالة دكتوراه مقدمة إلى جامعة أم القرى المملكة العربية السعودية 1422هـ 0
12ـ الشيخ يوسف القرضاوي (دكتور)، فتاوي وأحكام إيداع الأموال في البنوك الأمريكية الراية القطرية، الدوحة 22 أغسطس 2002 0
13ـ تقرير مركز الدراسات الخليجية، المملكة المتحدة، لندن 2001م 0
14ـ محمد جميل الشبشيري (دكتور)، مركز المعلومات، بيت التمويل الكويتي، الأزمة الآسيوية وصعود الاقتصاد المالي الرمزي (2)، مجلة النور العدد 158، الكويت ابريل 1998 ص31 0(47/28)
15ـ سليمان المنذري ( دكتور)، الاستثمار بين ضمانات التوطين ومخاطر الإغتراب، ندوة الاستثمار العربي والقرن الحادي والعشرين، الأهرام، القاهرة يناير 1995 ص131 0
16ـ المرجع السابق ص129 0
17ـHarry E. Figgie , Gerald Swanson , BANKRUPTCY 199 ? The coming Collapse of America and How to stop It, Washington D C 1995 p13 .
18ـArab Financial Markets Net Work, 27-7 - 1423 pp 1-5
19ـI bid , p4
20ـEconmist, April 2002
21ـ الأهرام الاقتصادي، انفجار سبتمبر (2)، القاهرة 2 فبراير 2002 من ص2 ـ إلى ص13 0
22ـ المرجع السابق، ص2 0
23ـ إبراهيم نافع، عودة الاستثمارات العربية ومناخ الاستثمار في مصر، الأهرام، القاهرة العدد
(126) 1 نوفمبر 2002 0
24ـ مركز المعلومات، بيت التمويل الكويتي، الأزمة الآسيوية وصعود الاقتصاد المالي (1) مجلة النور، العدد 157، الكويت، مارس 1998، ص23 0
25ـ سليمان المندري (دكتور)، مرجع سبق ذكره ن ص129 0
26ـ المرجع السابق، ص130 0
27ـ عبدالواحد الحميد ( دكتور)، المال العربي والحاجة إلى الإصلاح، منتدى الكتاب المملكة العربية السعودية 27ـ 7ـ 1423، ص1-2 0
28ـ محمد حسن الزهراني، الاقتصاد المعياري وسياسة توطين رؤوس الأموال المهجرة، جريدة الوطن، أبها العدد 631، 22 يونيو 2002 0
29ـ إبراهيم نافع، مرجع سبق ذكره، ص4 0
30ـ هذه البيانات مأخوذة من تقارير صندوق النقد العربي أعداد مختلفة 0 وكذلك تصريحات الدكتور أحمد جويلي الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية للأهرام بتاريخ 8 أكتوبر 2001 0
31ـ المصدر السابق 0
32ـ محمود عبدالفضيل ( دكتور)، تعقيب على مخاطر تحرير القطاع المالي، مؤتمر التنمية والنمو، كلية الاقتصادي والعلوم السياسية، جامعة القاهرة 1998 0
33ـKAHN-SHARON, THE FUTURE OF GLOBAL BANKS . GLOBAL-FINANCE. MAY 1998; V12N5, PP. 28,30(47/29)
34ـRainer Mauer , Brigit Sander und Klause Dieter schmitt, Die Welt Wirt schfat Berlin , 1991 , Hefl (1).
35ـ حسن خضر ( دكتور )، تأثيرات كبيرة لاحداث 11 سبتمبر على الاقتصاد العالمي والعرب مطالبون بوضع استراتيجية لتجاوز الأزمة في دولهم، كلمة القاها في المؤتمر التاسع للمستثمرين العرب، دبي 11 نوفمبر 2002 0
(*) …من بين هذه البلدان مصر والسودان وسورية ولبنان والعراق.
(*) …من بين هذه البلدان مصر وسورية والجزائر، وقد بلغ إجمالي الديون لهذه الدول عام 1997م، 28.179 ، 20.865 ، 30.21 مليار دولار على التوالي.
(*) …تقدر إحدى الدراسات أن استثمارات الحكومة الكويتية بالخارج حوالي 76مليار دولار، أما استثمار دولة الإمارات العربية المتحدة بالخارج فهي حوالي 300مليار دولا.
(*) …أعلنت شركة الراجحي المصرفية للاستثمار أن خسائرها الأولية المحتملة غير المضمونة لدى شركة (انورن) الأمريكية للطاقة تبلغ حوالي 101.3 مليون دولار مشكوك في قدرة (انرون) على سدادها نتيجة لانهيارها.
(*)…أعلنت شركة الراجحي المصرفية للاستثمار أن خسائرها الأولية المحتملة غير المضمونة لدى شركة (انرون) الأمريكية للطاقة تبلغ حوالي 101.3 مليون دولار مشكوك في قدرة (أنرون) على سدادها نتيجة لانهيارها 0
(*)…تعاني بعض البنوك والمصارف العربية من أزمة في السيولة وزيادة نسبة الديون المشكوك في تحصيلها نتيجة للإفراط في التمويل العقاري 0
(**)…يرى بعض(32) الاقتصاديين أن المؤسسات المالية الموجودة بالعالم العربي لا زالت ضعيفة وليست في مستوى كفاءة المؤسسات المالية في الدول المتقدمة كما أن العلاقة بين نمو القطاع المالي وانتقاله إلى الاقتصاد الحقيقي لم يعد واضحاً كما كان في الفكر الاقتصادي وذلك بسبب المضاربات والذي أدى إلى تسعير الأصول بأعلى من قيمتها الحقيقية 0
??
??
??
??
18 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى(47/30)
هجرة رؤوس الأموال الإسلامية إلى الخارج في ظل العولمة 19(47/31)
هجرة رؤوس الأموال إلى الخارج
الأسباب، والآثار، ووسائل العلاج
دراسة تطبيقية على عينة من رجال الأعمال بالمملكة العربية السعودية
بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي الثالث للاقتصاد الإسلامي
كلية الشريعة ـ جامعة أم القرى
د. عبد اللطيف بن عبد الله العبد اللطيف
الأستاذ المشارك بقسم الاقتصاد الإسلامي - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة أم القرى - مكة المكرمة
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
يتناول هذا البحث موضوع هجرة رؤوس الأموال إلى الخارج ببيان الأسباب والآثار ووسائل العلاج،ولما لهذا الموضوع من أهمية فقد تمَّ تناوله من خلال الجوانب الآتية:التعرف بداية على مفهوم الاستثمار، ومجالاته، ومخاطره، وحجم الأموال المستثمرة خارجياً،ومن ثمَّ التعرف على أسباب هجرة رأس المال،و الآثار المترتبة على هجرة رأس المال،و العلاقة فيما بين الأسباب والآثار لهجرة رأس المال،وأسباب عودة رؤوس الأموال المهاجرة،ووسائل العلاج لهجرة رؤوس الأموال للخارج،وأوجه الاستثمار المناسب للأموال المهاجرة في حال عودتها،مع دراسة جوانب الموضوع تطبيقياً من خلال مجموعة من الإستبانات تم توزيعها على رجال الأعمال في مناطق مختلفة من المملكة العربية السعودية،مع الاعتماد على منهج التحليل الإحصائي الوصفي للبيانات التي تم جمعها،ومختتماً هذا البحث بنتائج من أبرزها:بيان درجة تقييم أفراد العينة للأسباب والآثار لهجرة رؤوس الأموال للخارج ووسائل العلاج وأوجه الاستثمار المناسب لها في حال عودتها ، وتوصيات أهمها: قيام المصارف المحلية بالبحث عن صيغ استثمارية مختلفة على أسس شرعية لإيجاد منافذ استثمارية جديدة لأصحاب رؤوس الأموال، وإسرا ع الدولة في إنشاء سوق للأوراق المالية وفق ضوابط تضمن حقوق المتعاملين في السوق،مع استمرار الدولة في سياسة التخصيص لقطاعاتها الخدمية وما تمتلكه من أسهم في الشركات المساهمة لتسهم في امتصاص السيولة النقدية من مدخرات المواطنين .(48/1)
المُقَدِّمَة
الحمد لله الرازق المتفضل ذي الجلال والإكرام ، والصلاة والسلام على رسولنا وقدوتنا خير الأنام ، محمد الهادي البشير مبين الحلال من الحرام، وعلى آله الطيبين وأصحابه الكرام ، ومن اهتدى بهداهم واقتفى أثرهم إلى يوم البعث والقيام ، أما بعد :
فهذه مقدمة للبحث تتضمن الآتي :
أهمية البحث :
مما لا شك فيه أن مسألة جذب الاستثمارات الأجنبية وعودة رأس المال الوطني المهاجر إلى خارج البلاد لم يعد خياراً أو أمراً يمكن تأجيل الطرح النظري والواقعي له،بل أصبح مطلباً وقراراً وطنياً وضرورة اقتصادية هامة تمليها ظروف العصر الحاضر ومتطلباته .
ففي الوقت الذي تسعى فيه الدول النامية ومنها بالطبع الدول العربية والإسلامية إلى توفير الموارد المالية اللازمة لعملية التنمية الاقتصادية في بلدانها وتعزيز النمو الاقتصادي بها ، كان حجم الأموال المتدفقة إلى الخارج من قبل القطاع الخاص كبيراً مما تسبب في حرمان بلدانها من الموارد المالية المتاحة 1.
فالمملكة العربية السعودية عانت كغيرها من الدول الإسلامية الأخرى من هذه الظاهرة ،حيث لم تتجاوز نسبة الاستثمارات بها إلى الناتج الإجمالي سوى (18%) وهي من النسب الأقل في العالم ،إذ تبلغ تلك النسبة في الدول النامية إلى ما متوسطه (23%) ، في حين مثل نصيب الفرد الواحد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المملكة العربية السعودية عام (2000م) دولاراً واحداً قياساً بالمعدل العالمي له وهو (120) دولار للفرد الواحد 2.(48/2)
هذا الأمر لا يعني بأي حال من الأحوال عدم قدرة الاقتصاد السعودي أو فاعليته في استقطاب الاستثمارات الخارجية ومنها بالطبع الأموال المحلية المهاجرة للخارج ، ولكن ينبغي أن يكون ذلك في ضوء معالجة دقيقة للأسباب التي أدت ابتداءً لهجرة تلك الأموال الوطنية ، ومعرفة المسببات التي حدّت من استقطاب الاستثمارات الأجنبية ، ومن ثمّ العمل على تهيئة المناخ الملائم لاجتذابها وعودتها .
هدف البحث :
نظراً لأهمية موضوع هجرة رأس المال في اقتصاديات الدول العربية والإسلامية والتأثير الذي يحدثه فيها ، كان هدف البحث منصباً على دراسة نواحي الموضوع ـ دراسة تطبيقية على المملكة العربية السعودية ـ ببيان أسباب هجرة تلك الأموال والآثار المترتبة عليها ، ومعرفة الأسباب التي يمكن أن تؤدي لعودتها ، والبحث عن الوسائل لعلاجها ، وبيان أوجه الاستثمار المناسب للأموال المهاجرة في حال عودتها .
الدراسات السابقة في مجال البحث :
رغم أنَّ هجرة الأموال العربية والإسلامية للخارج لم تكن وليدة سنوات قليلة مضت ، إلاَّ أنَّ الكتابة حول هذا الموضوع ـ حسب علمي من مقتضى البحث في ثنايا الموضوع ـ كانت قليلة ومحدودة نوعاً ما ، مع ندرتها في الجانب التطبيقي ، واقتصار أغلب الكتابات في ذلك على مقالات سواء في صحف يومية أو على بعض مواقع الشبكة العنكبوتية .
خطة ومنهج البحث :
سيتم تناول جوانب هذا الموضوع بمشيئة الله تعالى من خلال الآتي :
تمهيد مختصر للموضوع محل البحث يوضح فيه مفهوم الاستثمار ، ومجالاته، ومخاطره ، وحجم الأموال المستثمرة خارجياً .(48/3)
ثم يلي ذلك دراسة جوانب الموضوع تطبيقياً من خلال عينة من الإستبانات ـ 84 استبانة ـ التي تمت الإجابة عليها من مجموع الإستبانات التي تم توزيعها على رجال الأعمال في مناطق مختلفة من المملكة العربية السعودية خلال الفترة من 1/6- 15/10 لعام 1424هـ ، معتمداً منهج التحليل الإحصائي الوصفي للبيانات التي تم جمعها وذلك من خلال الآتي :
أولاً : أسباب هجرة رأس المال .
ثانياً : الآثار المترتبة على هجرة رأس المال .
ثالثاً : العلاقة فيما بين الأسباب والآثار لهجرة رأس المال .
رابعاً : أسباب عودة رؤوس الأموال المهاجرة .
خامساً : وسائل العلاج لهجرة رؤوس الأموال للخارج .
سادساً : أوجه الاستثمار المناسب للأموال المهاجرة في حال عودتها .
مختتماً هذا البحث بأهم ما تم التوصل إليه من نتائج ، وذكر لأهم التوصيات التي يُمكن الأخذ بها للاستفادة من تلك الأموال في خدمة الاقتصاد الوطني .
راجياً المولى القدير أن يصلح لأمة الإسلام أحوالها ، وأن يبارك لها في أموالها ، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
(
مفهوم الاستثمار :
الاستثمار لغة :
يقول أهل اللغة :" (أَثْمَرَ) الشَّجَرُ أَطْلَعَ ثَمَرُهُ أوّلَ مَا يُخْرِجُه فهو (مُثْمِرٌ) ومِنْ هنا قِيلَ لِمَا لاَ نَفْعَ فيهِ لَيْسَ لَهُ (ثَمَرةٌ)" 3، ويطلق لفظ الثَّمر على معانٍ عدَّة أهمها:
1- ما ينتجه الشجر ويطلق ذلك ـ مجازاً ـ على الولد لقوله ( " إذا مات ولد العبد ، قال الله لملائكته : قبضتم ولد عبدي ! فيقولون : نعم . فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده! فيقولون :نعم . فيقول : ماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجع . فيقول الله : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنَّة وسمُّوه بيت الحمد " 4 ، والولد ثمرة الفؤاد ونتاج الأب تشبيهاً بنتاج الشجرة للثمر .(48/4)
2- ويطلق أيضاً على المال لقوله ( ( وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا( 5 والمراد بالثمر في الآية الكريمة المال الكثير من مختلف صنوف المال .
فاستثمار المال يعني طلب ثمرة المال الذي هو نماؤه ونتاجه ، والاستثمار وسيلة،وغايته تحقيق الربح 6 .
الاستثمار في الاصطلاح :
…من خلال ما تبين لنا من المعنى اللغوي للاستثمار ، فإن المصطلح الفقهي الذي يراد به الاستثمار في ضوء الألفاظ التي يوردها الفقهاء في كتبهم - نماء إستنماء،تنمية - للدلالة على الاستثمار ، يمكن صياغته بالآتي :" مطلق طلب تحصيل نماء المال المملوك شرعاً وذلك بالطرق الشرعية المعتبرة من مضاربةٍ ومرابحةٍ وشركةٍ وغيرها ، فالاستثمار استنماء والاستنماء تحصيل لنماء الشيء وزيادته عبر الطرق والوسائل المشروعة 7.
…أمَّا المصطلح الاقتصادي للاستثمار عامة ، فيراد به : " توظيف المال بهدف تحقيق العائد أو الدخل أو الربح " ، ولا يتعدى مفهوم الاستثمار في الاقتصاد غالباً معنى اكتساب الموجودات المادية من خلال توظيف وتثمير الأموال لتسهم في العملية الإنتاجية بإضافات جديدة في شكل سلع وخدمات 8
ويقصد بالاستثمار الدولي ، ذلك الاستثمار للأفراد أو الشركات في أصول مالية أو حقيقة خارج بلدانهم9 .
مجالات الاستثمار :
يقصد بالمجال الاستثماري في أحد القطاعات الاقتصادية : ذلك النشاط الذي يرغب المستثمر في القيام باستثمار أمواله فيه بقصد تحقيق عائد منه ، كالاستثمار في المجال العقاري أو الزراعي أو الصناعي وهكذا ، ويمكن أن يكون هناك أكثر من أداة استثمارية للأصول المالية أو الحقيقية - كالأسهم أو السندات - في المجال الاستثماري للقطاع الاقتصادي الواحد .(48/5)
…ويخضع تحديد مجال الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي وفق المعيار والتشريع الوارد في القرآن الكريم والسنة المطهرة لقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ( 10 وقوله ( ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ ..... 11(، مع التزام الأنشطة الاستثمارية بقاعدتي الحلال والحرام وما يتفرع عنهما ، واللتان تحضان على ممارسة النشاطات المرغوب فيها والنافعة وتصفها بالمباحات ، ولا تقبل العمل في غيرها وتصفها بالمحرمات .
…وحيث أنَّ دائرة الحرام في الشريعة الإسلامية ضيقة إذ المباح هو الأصل والأساس "كالبيع" مالم يلحق به تصرف مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية، فإن مجالات الاستثمار المحرمة بنصوص شرعية صريحة تشتمل على مجموعة من الأنشطة الاستثمارية الممنوعة كالتعامل الربوي ، والاتجار بالخمور والمخدرات والمقامرة ، ونشاطات البغاء والملاهي والمراقص وصناعة التماثيل ، والاتجار بالذبائح المحرمة 12 .
مخاطر الاستثمار :
… يرافق عملية الاستثمار للأموال العربية أو الإسلامية في الدول المتقدمة، مخاطر أو تقييدات عدة في مقابل المزايا التي توفرها تلك الدول لجذب هذه الاستثمارات المالية الضخمة إليها ، ومن أهمها :
1- خطر تعرض الاستثمارات للتجميد أو المصادرة كإجراءات قسرية لدوافع سياسية واقتصادية بحجج وذرائع مختلفة .
2- المخاطر ذات الطابع الاقتصادي والتجاري ، ومنها الخسائر الناتجة عن التضخم وهبوط أسعار الصرف وتقلبها للعملات المودعة رؤوس الأموال بها في مصارف الدول الغربية .(48/6)
3- توجيه الدول الغربية للاستثمارات القادمة إليها في المجالات التي ترغبها حسب ما تقتضيه مصالحها الذاتية وظروفها الاقتصادية وإن كان ذلك على حساب المستثمر وحصوله على عائدٍ مجز لاستثماراته 13.
حجم الأموال المستثمرة خارجياً :
…من الصعوبة بمكان الحصر الإحصائي الدقيق لحجم الاستثمارات العربية أو الإسلامية خارج نطاق هذه الدول لعدد من الأسباب من أهمها :
1- تعدد أشكال الاستثمار .
2- تنوع أصحاب هذه الاستثمارات واختلاف مشاربهم .
3- اتجاه هذه الاستثمارات إلى الدول الغربية بصورة غير مباشرة من خلال شركات أو بنوك تتواجد في مناطق أخرى من العالم كجنوب شرق آسيا أو مناطق الكاريبي أو بنما على سبيل المثال .
رغم هذه الصعوبات ، فإنَّ هناك بعض المؤشرات والإحصاءات والتقارير من مصادر عدة ، سواء أكانت من مصادر رسمية دولية أو مصرفية أو من بعض الدراسات الاقتصادية14- مع محدوديتها في هذا المجال - رغم تفاوت تقديراتها، تشير إلى أن حجم الأموال العربية المهاجرة غير الحكومية تتفاوت بنهاية عام 2000م بين تريليون دولار حسب تقارير معينة إلى ثلاثة تريليون دولار حسب تقديرات من جهات أخرى ،منها 600 مليار دولار للسعوديين فقط، ويبلغ عدد أصحاب الثروات من العرب بنهاية ذلك العام 220 ألف شخص ، ويتوقع لمجموع الثروات العربية المهاجرة أن ينمو بواقع 54% إلى نهاية عام 2005م 15.
أولاً :أسباب هجرة رأس المال
تتعد أسباب هجرة رأس المال العربي والإسلامي للدول الغربية والمتقدمة لأمور كثيرة هامة، وسنستعرض هنا الآراء التي عبر فيها عدد من رجال الأعمال بالمملكة العربية السعودية - من خلال الإستبانة التي تم توزيعها عليهم - حول وجهة نظرهم في تأثير تلك الأسباب على هجرة رأس المال وفق الآتي :
1/1- اقتصادية ومالية :(48/7)
لا بد في بداية الأمر من الإشارة إلى أنَّ سوء المناخ الاستثماري وتواضع مشروعات التنمية وضعف سوق الأوراق المالية في الدول العربية والإسلامية عموماً وعدم تنظيمها، والتغيرات الحاصلة في أسعار العملة المحلية واحتمال تخفيضها، وعدم توافر المعلومات الملائمة للمستثمرين عن حجم ونوعية الفرص الاستثمارية في الدول العربية أو الإسلامية وعدم وجود معاملة تفضيلية للمستثمر العربي والمسلم بها ،مع انخفاض الربحية المتحققة للمستثمرين في الدول العربية والإسلامية قياساً بما يمكن أن يتحقق له في الدول المتقدمة ، سبباً هاماً من أسباب هجرة رأس المال منها، بل والطاردة للاستثمار الأجنبي إليها 16.
وقد بلغ متوسط التقويم ما مقداره (3.57)17 في رأي رجال الأعمال السعوديين للسبب الاقتصادي والمالي لهجرة رأس المال والمتمثل في أمور عديدة، كضعف صيغ ومجالات الاستثمار الاقتصادي والمالي ، ويعد هذا أمراً مهماً من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم1) .
جدول رقم (1) معوقات الاستثمار المحلي وأسباب هجرة رأس المال
الأسباب والمعوقات
هام جداً
(5)
مهم
(4)
متوسط الأهمية
(3)
غير مهم
(2)
عديم الأهمية
(1)
عدد
%
عدد
%
عدد
%
عدد
%
عدد
%
1- اقتصادية ومالية : كضعف صيغ ومجالات
الاستثمار المحلي .
27
32.1
12
14.3
30
35.7
12
14.3
3
3.6
2- تشريعية : كالحد من حرية نقل أرباح
الاستثمار أو على خروج رأس المال في حال
رغبة المستثمر تصفية المشروع .
18
21.4
18
21.4
18
21.4
21
25
9
10.7
3- جمركية:كارتفاع أسعار الرسوم الجمركية أو تأخر قيام الاتحاد الجمركي الخليجي .
24
28.6
24
28.6
18
21.4
18
21.4
00
00
4- بيروقراطية الأنظمة : كطول إجراءات
ومراحل تأسيس المشروعات أو تعدد الجهات
الحكومية المطلوب موافقتها لتأسيس المشروع.
66
78.6
12
14.3
3
3.6
3
3.6
00
00
5- الاستقرار الأمني : كاستقرار الأمن الداخلي
واستقرار الأمن في الدول المحيطة .
30
35.7
21
25
21
25
9
10.7
3(48/8)
3.6
كما ينبغي الإشارة إلى أنَّ انخفاض الإنفاق الحكومي على المشروعات ، وغياب السوق المالية المتطورة ، وتعدد الرسوم وزيادتها على المستثمرين ، وعدم مواءمة عدد من السياسات والإجراءات التشجيعية مع ما تتطلبه مرحلة النمو
الحالية والمستقبلية عائقاً في وجه الاستثمار المحلي 18 .
2/1- تشريعية :
إنَّ لعدم وضوح القواعد القانونية واستقرارها ووحدة مبادئها في مجال الاستثمار ، مع وجود القوانين أو التنظيمات التي تحد من حرية المستثمر في نقل أرباحه الاستثمارية ، أو على خروج رأس مال المستثمر الأجنبي في حال رغبته تصفية مشروعه الاستثماري ، فضلاً عن قيام بعض الدول بتأميم المشاريع الاستثمارية لديها حسب المبادئ الاقتصادية التي تعمل وفقها ، كل ذلك وغيره يعد من القوانين والأنظمة التي تسهم إلى حد كبير في هجرة رأس المال المحلي إلى الخارج ، وإلى نفور رأس المال الأجنبي من البلاد وعدم استقطابه إليها 19 .
…وقد بلغ متوسط التقويم في رأي رجال الأعمال السعوديين لضعف التشريعات المتعلقة بالاستثمار ما مقداره (3.18) ، ويعد هذا أمراً متوسط الأهمية من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم1).
3/1- جمركية :
و يمثل متوسط التقويم لرأي رجال الأعمال السعوديين حول الأسباب الجمركية المعيقة للاستثمار ، والتي تؤثر في استقرار رأس المال المحلي وبقائه، كارتفاع الرسوم الجمركية ، أو تأخر قيام الاتحاد الجمركي الخليجي ،ما مقداره (3.64) ، ويعد هذا سبباً مهماً من وجهة نظرهم في هجرة رأس المال المحلي (أنظر الجدول رقم1).
4/1- بيروقراطية الأنظمة :(48/9)
يمثل انخفاض الوعي الإداري للمسئولين الاقتصاديين من أصحاب النهج الروتيني وبيروقراطي الأنظمة ،تعقيداً للمشكلات التي تعترض المستثمرين ولا تسهم في حل المشاكل التي تعترض قيام مشروعاتهم الاستثمارية أو تحقق سبل النجاح لها ، فالإجراءات التي يتعين الأخذ بها للحصول على الموافقة لإقامة المشروع ، أو حل تلك المشاكل التي تواجههم ، تعترضها كثرة القيود وتضارب القرارات وتعدد الجهات ، فنراها تمر بلجانٍ منبثقة من لجان أخرى ولمدد طويلة وفي إدارات حكومية عدة ،مما يصيب المستثمر بالملل ويفوت عليه فرصة استثمارية ناجحة ، ويدعوه إلى البحث عن مكان آخر يجد فيه التسهيل الإجرائي لإقامة مشاريعه وتلاشي القيود التي تعترضها 20.
ويبلغ متوسط التقويم ما مقداره (4.68) لرأي رجال الأعمال السعوديين حول بيروقراطية الأنظمة المتعلقة بالاستثمار كطول إجراءات ومراحل التأسيس للمشروعات ، أو تعدد الجهات الحكومية المطلوب موافقتها لتأسيس المشروع ،مما قد يتسبب في الإسهام بهجرة رأس المال ، ويعد هذا أمراً هاماً جداً من وجهة
نظرهم (أنظر الجدول رقم1).
5/1- الاستقرار الأمني :
وقد بلغ متوسط التقويم ما مقداره (3.79) في رأي رجال الأعمال السعوديين حول أهمية الاستقرار الأمني للدولة أو الدول المجاورة في قيام الاستثمار وما قد يسببه انعدامه في الإسهام بهجرة رأس المال ، ويعد هذا أمراً مهماً من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم1).
ثانياً : الآثار المترتبة على هجرة رأس المال
لا يخلو الأمر في هجرة رأس المال العربي والإسلامي للدول الغربية والمتقدمة من آثار سلبية عدة على اقتصاديات تلك الدول العربية والإسلامية ، وسنتناول هنا الآراء التي عبر فيها عدد من رجال الأعمال بالمملكة العربية السعودية - من خلال الإستبانة التي تم توزيعها عليهم - حول وجهة نظرهم في الآثار المترتبة على هجرة رأس المال وفق الآتي :
1/2- ضعف النمو الاقتصادي :(48/10)
يمثل رأس المال عنصراً هاماً من عناصر الإنتاج ، ويعتمد عليه الناتج المحلي بشكل كبير في اقتصاديات الدول ، وعليه فإن هجرة رؤوس الأموال ونزوحها يعد فاقداً للاقتصاد المحلي وبالتالي انخفاض مساهمة رأس المال في الناتج المحلي
جدول رقم (2) الآثار المترتبة على هجرة رأس المال
الآثار
هام جداً
(5)
مهم
(4)
متوسط الأهمية
(3)
غير مهم
(2)
عديم الأهمية
(1)
عدد
%
عدد
%
عدد
%
عدد
%
عدد
%
1- ضعف النمو الاقتصادي .
57
67.9
15
17.9
6
7.1
00
00
6
7.1
2- ضعف مستوى التشغيل وارتفاع نسب البطالة.
45
53.6
33
39.3
00
00
3
3.6
3
3.6
3- تعطيل استثمار الموارد الاقتصادية داخل الدولة.
45
53.6
18
21.4
12
14.3
9
10.7
00
00
4- استنزاف الاحتياطات النقدية للدولة .
36
42.9
33
39.3
12
14.3
3
3.6
00
00
5- عدم استقرار العملة المحلية .
15
17.9
30
35.7
12
14.3
12
14.3
15
17.9
الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض النمو الاقتصادي في المجتمعات التي تهاجر منها رؤوس الأموال .
وقد مثَّل متوسط التقويم ما مقداره (4.15) لرأي رجال الأعمال السعوديين حول الأثر المترتب على هجرة رأس المال في ضعف النمو الاقتصادي، ويعد هذا أمراً مهماً من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم2).
2/2- ضعف مستوى التشغيل وارتفاع نسب البطالة :
هناك ارتباط عكسي بين معدل الاستثمارات ومعدل البطالة ، وتكمن هذه العلاقة في أن الاستثمارات في المشاريع الاقتصادية تسهم في إيجاد فرص توظيف من خلال الطلب على عنصر العمل ، وفي حال هجرة رؤوس الأموال ينخفض مستوى الاستثمارات وبالتالي ينخفض الطلب على العمل مما يؤدي إلى ارتفاع معدل البطالة في المجتمع .
ويبلغ متوسط التقويم في رأي رجال الأعمال السعوديين حول أثر هجرة رأس المال في ضعف مستوى التشغيل وارتفاع نسب البطالة ما مقداره
(4.36) ، ويعد هذا أمراً مهماً من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم2).
3/2- تعطيل استثمار الموارد الاقتصادية داخل الدولة :(48/11)
مع هجرة رؤوس الأموال إلى الخارج ، يتأثر الاقتصاد المحلي بإمكانية استغلال الموارد الاقتصادية المتاحة في الدولة ، إذ الموارد الاقتصادية في أي بلد تتطلب رؤوس الأموال من أجل تحويلها إلى موارد اقتصادية إنتاجية سواء سلعية أم خدمية ، ولذا كان من آثار هجرة رؤوس الأموال تعطيل الموارد الاقتصادية في المجتمع وعدم استغلالها .
وقد بلغ متوسط التقويم في رأي رجال الأعمال السعوديين حول الأثر المترتب على هجرة رأس المال في تعطيل استثمار الموارد الاقتصادية داخل الدولة ما مقداره (4.18) ، ويعد هذا أمراً مهماً من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم).
4/2- استنزاف الاحتياطات النقدية للدولة :
من الآثار السلبية لهجرة رؤوس الأموال ، استنزاف احتياط الدولة من النقد الأجنبي ، وذلك من خلال عرض العملة المحلية لأصحاب رؤوس الأموال المهاجرة طلباً للعملات الأجنبية المتوفرة لدى الدولة ، وهذا يؤثر سلباً على مكانة الدولة الاقتصادية المتمثل في حجم الاحتياطيات النقدية لديها .
ويمثل متوسط التقويم في رأي رجال الأعمال السعوديين حول أثر هجرة رأس المال في تعطيل استثمار الموارد الاقتصادية داخل الدولة ما مقداره (4.21) ويعد هذا أمراً مهماً من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم2).
5/2- عدم استقرار العملة المحلية :
تؤثر هجرة رؤوس الأموال سلباً على قيمة العملة المحلية ، حيث أن خروج هذه الأموال يتطلب تحويلها إلى عملات أجنبية ، أي زيادة عرض العملة المحلية أمام العملات الأجنبية الأمر الذي يُفضي إلى انخفاض قيمة العملة المحلية نتيجة لزيادة عرضها،إضافة لذلك- كما سبق- أنَّ الطلب على العملات الأجنبية نتيجة لهجرة رؤوس الأموال يخفض من احتياط الدولة من هذه العملات مما يضعف قدرتها في التحكم وحماية عملتها إذا ما أصبحت في مستويات لا ترغبها الدولة .(48/12)
ومثَّل متوسط التقويم ما مقداره (3.21) في رأي رجال الأعمال السعوديين حول الأثر المترتب على هجرة رأس المال في عدم استقرار العملة المحلية، ويعد هذا أمراً متوسط الأهمية من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم2).
ثالثاً :العلاقة فيما بين الأسباب والآثار لهجرة رأس المال
سنتعرف هنا على العلاقة فيما بين الأسباب والآثار لهجرة رأس المال وفق آراء أفراد العينة ،وذلك من خلال معرفة نوع العلاقة ومستواها بين كل متغيرين من الأسباب والآثار لهجرة رأس المال21 .
1/3- العلاقة بين السبب الاقتصادي والمالي لهجرة رأس المال وآثار هجرته:
نتبين بالنظر إلى الجدول رقم 3 لمعرفة العلاقة بين السبب الاقتصادي والمالي لهجرة رأس المال وآثار هجرته ، ما يأتي :
1- أنَّه لا توجد علاقة بين السبب الاقتصادي والمالي لهجرة رأس المال وأثر ذلك في ضعف النمو الاقتصادي ، أو في ضعف مستوى التشغيل وارتفاع نسب البطالة،أو في تعطيل استثمار الموارد الاقتصادية داخل الدولة،أو في استنزاف الاحتياطيات النقدية للدولة،حيث لم يتجاوز معامل الارتباط 21,8%.
2- أنَّ هناك علاقة إيجابية بين السبب الاقتصادي والمالي لهجرة رأس المال وأثر ذلك في عدم استقرار العملة المحلية ،حيث تجاوز معامل الارتباط 21,8% ، وبمستوى علاقة منخفض بلغ 34,4 % .
2/3- العلاقة بين السبب التشريعي لهجرة رأس المال وآثار هجرته :
من خلال ما ورد في الجدول رقم 3 في العلاقة ما بين السبب التشريعي لهجرة رأس المال وآثار هجرته، نلحظ الآتي :
1- أنَّه لا توجد علاقة بين السبب التشريعي لهجرة رأس المال وأثر ذلك في ضعف النمو الاقتصادي،أو في تعطيل استثمار الموارد الاقتصادية داخل الدولة، أو في استنزاف الاحتياطيات النقدية للدولة،أو في عدم استقرار العملة المحلية حيث لم يتجاوز معامل الارتباط 21,8%.(48/13)
2- وجود علاقة إيجابية بين السبب التشريعي لهجرة رأس المال وأثر ذلك في ضعف مستوى التشغيل وارتفاع نسب البطالة ،حيث تجاوز معامل الارتباط 21,8% ، وبمستوى علاقة منخفض جداً بلغ 22,7% .
جدول رقم (3) العلاقة بين الأسباب والآثار لهجرة رأس المال
الأسباب ?
الآثار ?
اقتصادية ومالية
تشريعية
جمركية
بيروقراطية الأنظمة
الاستقرار الأمني
ضعف النمو الاقتصادي
0.062
0.054
0.187
0.151
- 0.110
ضعف مستوى التشغيل وارتفاع نسب البطالة
0.201
0.227
0.476
0.376
0.335
تعطيل استثمار الموارد الاقتصادية داخل الدولة
0.104
0.116
0.162
0.148
- 0.086
استنزاف الاحتياطات النقدية للدولة
- 0.061
0.034
0.291
- 0.104
0.061
عدم استقرار العملة المحلية
0.344
0.184
0.569
0.513
0.302
3/3- العلاقة بين السبب الجمركي لهجرة رأس المال وآثار هجرته :
من استعراض المعلومات الواردة في الجدول رقم3 للعلاقة ما بين السبب الجمركي لهجرة رأس المال وآثار هجرته ، يتضح الآتي :
1- عدم وجود علاقة بين السبب الجمركي لهجرة رأس المال وأثر ذلك في ضعف النمو الاقتصادي، أو في تعطيل استثمار الموارد الاقتصادية داخل الدولة، حيث لم يتجاوز معامل الارتباط 21,8%.
2- أنَّ هناك علاقة إيجابية بين السبب الجمركي لهجرة رأس المال وأثر ذلك في ضعف مستوى التشغيل وارتفاع نسب البطالة ،حيث تجاوز معامل الارتباط 21,8% ، وبمستوى علاقة منخفض بلغ 47,6% .
3- وجود علاقة إيجابية بين السبب الجمركي لهجرة رأس المال وأثر ذلك في استنزاف الاحتياطيات النقدية للدولة ،حيث تجاوز معامل الارتباط 21,8% ، وبمستوى علاقة منخفض جداً بلغ 29,1%.
4- أنَّ هناك علاقة إيجابية بين السبب الجمركي لهجرة رأس المال وأثر ذلك في عدم استقرار العملة المحلية ،حيث تجاوز معامل الارتباط 21,8% ، وبمستوى علاقة متوسط بلغ 56,9%.
4/3- العلاقة بين سبب بيروقراطية الأنظمة في هجرة رأس المال وآثار هجرته:(48/14)
نجد في البيانات الواردة بالجدول رقم 3 ، للعلاقة بين سبب بيروقراطية الأنظمة في هجرة رأس المال وآثار هجرته الآتي :
1- عدم وجود علاقة بين سبب بيروقراطية الأنظمة في هجرة رأس المال وأثر ذلك في ضعف النمو الاقتصادي ، أو في تعطيل استثمار الموارد الاقتصادية داخل الدولة ، أو في استنزاف الاحتياطيات النقدية للدولة حيث لم يتجاوز معامل الارتباط 21,8%.
2- أنَّ هناك علاقة إيجابية بين سبب بيروقراطية الأنظمة في هجرة رأس المال وأثر ذلك في ضعف مستوى التشغيل وارتفاع نسب البطالة ،حيث تجاوز معامل الارتباط 21,8% ،وبمستوى علاقة منخفض بلغ 37,6 %.
3- وجود علاقة إيجابية بين سبب بيروقراطية الأنظمة في هجرة رأس المال وأثر ذلك في عدم استقرار العملة المحلية،حيث تجاوز معامل الارتباط 21,8% ، وبمستوى علاقة متوسط بلغ 51,3%.
5/3- العلاقة بين السبب الأمني لهجرة رأس المال وآثار هجرته :
يتضح لنا من خلال النظر للجدول رقم 3 في العلاقة بين السبب الأمني لهجرة رأس المال وآثار هجرته الآتي :
1- أنَّه ليس هناك علاقة بين السبب الأمني لهجرة رأس المال وأثر ذلك في ضعف النمو الاقتصادي،أو في تعطيل استثمار الموارد الاقتصادية داخل الدولة،أو في استنزاف الاحتياطيات النقدية للدولة،إذ لم يتجاوز معامل الارتباط 21,8%.
2- وجود علاقة ايجابية بين السبب الأمني لهجرة رأس المال وأثر ذلك في ضعف مستوى التشغيل وارتفاع نسب البطالة،حيث تجاوز معامل الارتباط 21,8% ، وبمستوى علاقة منخفض بلغ 33,5%.
3- أنَّ هناك علاقة ايجابية بين السبب الأمني لهجرة رأس المال وأثر ذلك في عدم استقرار العملة المحلية ،حيث تجاوز معامل الارتباط 21,8% ، وبمستوى علاقة منخفض بلغ 30,2%.
رابعاً:أسباب عودة رؤوس الأموال المهاجرة(48/15)
هناك أسباب وعوامل عدة مؤثرة في عودة رؤوس الأموال المحلية المهاجرة لموطنها ، وسنستعرض هنا الآراء التي عبر فيها عدد من رجال الأعمال بالمملكة العربية السعودية - من خلال الإستبانة التي تم توزيعها عليهم - حول وجهة نظرهم في تأثير تلك الأسباب على عودة رؤوس الأموال المهاجرة وفق الآتي :
1/4- تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي :
ترتبط هجرة رؤوس الأموال في العادةِ بالبيئة الاقتصادية وفرص الاستثمار المتاحة ، والتي بدورها ترتبط بمعدلات نمو الاقتصاد ، ولعل أحد أسباب عودة رؤوس الأموال المهاجرة ، هو تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي في الآونة الأخيرة نتيجة للأحداث الإرهابية الأخيرة ولعل من أبرزها أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية،والتهديدات المستمرة التي أثرت سلباً على التوقعات المستقبلية لاستقرار اقتصاديات الدول المتقدمة .
جدول رقم (4) أسباب عودة رؤوس الأموال المهاجرة
الأسباب
هام جداً
(5)
مهم
(4)
متوسط الأهمية
(3)
غير مهم
(2)
عديم الأهمية
(1)
عدد
%
عدد
%
عدد
%
عدد
%
عدد
%
1- تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي .
21
25
18
21.4
30
35.7
6
7.1
9
10.7
2- تدني عائد الاستثمار الخارجي .
27
32.1
24
28.6
21
25
9
10.7
3
3.6
3- مخاوف تجميد الأموال في الخارج .
63
75
12
14.3
9
10.7
00
00
00
00
4- انضمام الدولة لمنظمة التجارة العالمية
27
32.1
24
28.6
12
14.3
12
14.3
9
10.7
5- تحقق الاستقرار الداخلي اقتصاديا ً وسياسيا ً وأمنيا ً.
30
35.7
12
14.3
24
28.6
6
7.1
12
14.3
وقد بلغ متوسط التقويم ما مقداره (3.43) في رأي رجال الأعمال السعوديين حول عودة رؤوس الأموال المهاجرة بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي ، ويعد هذا أمراً متوسط الأهمية من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم4) .
2/4- تدني عائد الاستثمار الخارجي :(48/16)
تمثل عوائد الاستثمار هدفاً أساسياً لحركة واتجاه رؤوس الأموال، فكلما انعدمت أو انخفضت عوائد الاستثمارات في بيئة معينة ، كلما أدى ذلك لانخفض تدفق الاستثمارات إليها والبحث عن بيئة أخرى تتوفر فيها فرص استثمارية ذات عوائد أعلى .
ويمثل متوسط التقويم في رأي رجال الأعمال السعوديين حول عودة رؤوس الأموال المهاجرة بسبب تدني عائد الاستثمار الخارجي ما مقداره
(3.75)، ويعد هذا أمراً مهماً من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم4).
3/4- مخاوف تجميد الأموال في الخارج :
تشكل الأنظمة والقوانين والسياسات الاقتصادية المتشددة التي تفرض على رؤوس الأموال المهاجرة - إلى مختلف دول العالم عموماً والمتقدمة منها على وجه الخصوص - نتيجة لأسباب سياسية أو اقتصادية أو أمنية أو خلافه سبباً لعودتها،لاسيما حين يتنامى لدى أصحاب رؤوس الأموال تلك مخاوف من تجميد استثماراتهم أو تأميمها نتيجة لهذه السياسات الأمر الذي يؤدي إلى عودة رؤوس الأموال إلى بلدانها أو البحث عن بيئة اقتصادية تتوفر فيها سياسات اقتصادية آمنة ومحفزة للاستثمار 22 .
و بلغ متوسط التقويم في رأي رجال الأعمال السعوديين حول عودة رؤوس الأموال المهاجرة بسبب مخاوف تجميد الأموال في الخارج ما مقداره
(4.64) ، ويعد هذا أمراً هاماً جداً من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم4).
4/4- انضمام الدولة لمنظمة التجارة العالمية .:
تهدف منظمة التجارة العالمية (W.T.O) إلى تحقيق مفهوم عولمةٍ اقتصادية وذلك من خلال إزالة أو تخفيف العقبات والقيود التي تفرضها الدول على حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال ، وبالتالي فإن انضمام الدولة إلى منظمة التجارة العالمية واتفاقياتها من شأنه أن يؤدي إلى إيجاد بيئة استثمارية جاذبة لرؤوس الأموال نتيجة لزوال أو انخفاض العقبات المفروضة على حركة رؤوس الأموال.(48/17)
وقد مثًّل متوسط التقويم ما مقداره (3.57) لرأي رجال الأعمال السعوديين حول عودة رؤوس الأموال المهاجرة بسبب انضمام الدولة لمنظمة التجارة العالمية ، ويعد هذا أمراً متوسط الأهمية من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم4).
5/4- تحقق الاستقرار الداخلي اقتصاديا ً وسياسيا ً وأمنيا ً :
لا يعد الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني عوامل رئيسة لعودة رؤوس الأموال الوطنية المهاجرة فقط ، بل الأمر يتعدى لجذب واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية ، إذ تبحث الاستثمارات دائماً عن البيئة الاقتصادية ذات المخاطرة المنخفضة والتي يوفرها الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني، بينما تتجنب البيئة الاقتصادية التي لا يتوفر فيها ذلك لأن الاستثمار في مثل هذه البيئة يتَّسم بمخاطرة عالية .
ويبلغ متوسط التقويم ما مقداره (3.5) لرأي رجال الأعمال السعوديين حول عودة رؤوس الأموال المهاجرة بسبب تحقق الاستقرار الداخلي اقتصاديا ً وسياسيا ً وأمنيا ً ، ويعد هذا أمراً مابين المهم والمتوسط الأهمية من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم4).
خامسا ً: وسائل العلاج لهجرة رؤوس الأموال للخارج
لعلاج المشاكل والمعوقات التي تعترض سبيل توطين الأموال المحلية وعدم هجرتها ، أو جذب رأس المال الأجنبي للداخل ، نتناول هنا الآراء التي عبر فيها عدد من رجال الأعمال بالمملكة العربية السعودية - من خلال الإستبانة التي تم توزيعها عليهم - حول وجهة نظرهم في وسائل العلاج لهجرة رؤوس الأموال للخارج وفق الآتي :
1/5- وضع القوانين والتشريعات الاستثمارية الداخلية وعدم إيجاد قيود
على الاستثمار :(48/18)
إنَّ لوضع القواعد والأنظمة واللوائح الاقتصادية والاستثمارية التي تكفل حقوق المستثمر المحلي والأجنبي وتبين العلاقة القانونية بوضوح وجلاء فيما بين المستثمر والدولة وبما يتلائم مع معطيات النظام الاقتصادي العالمي الجديد،الأثر البالغ في توطين رأس المال المحلي وجذب الاستثمارات الخارجية،ولذا صدر قرار مجلس الوزراء بالمملكة العربية السعودية- في هذا الخصوص- رقم 20 في 5/1/1421هـ بإنشاء الهيئة العامة للاستثمار ، والتي تنص المادة الرابعة من لائحتها التنفيذية على قيام الهيئة باقتراح الخطط والقواعد التنفيذية الكفيلة بتهيئة مناخ الاستثمار في المملكة ومن ذلك الاتفاقيات الدولية والأنظمة ذات العلاقة بالاستثمار ، ورفعها إلى المجلس الاقتصادي الأعلى 23.
وقد بلغ متوسط التقويم ما مقداره (4.64) في رأي رجال الأعمال السعوديين حول وضع القوانين والتشريعات الاستثمارية الداخلية وعدم إيجاد قيود على الاستثمار كوسيلة لعلاج هجرة رؤوس الأموال للخارج ، ويعد هذا أمراً هاماً جداً من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم5) .
2/5- تطوير أنظمة وقوانين الشركات المحلية بإتاحة مجالات الاستثمار لها دون تقييد بنشاط معين :
مما ينبغي مراعاته لدعم وتنمية القطاع الاستثماري الداخلي ، العمل بجدية على تطوير كافة الأنظمة الخاصة بالشركات المحلية وبالأخص ما يتعلق بفتح مختلف المجالات الاستثمارية دون تقييد الاستثمار في قطاع ٍ أو نشاط محدد .
وقد مثّل متوسط التقويم في رأي رجال الأعمال السعوديين حول تطوير أنظمة وقوانين الشركات المحلية بإتاحة مجالات الاستثمار لها دون تقييد بنشاط معين كوسيلة لعلاج هجرة رؤوس الأموال للخارج ما مقداره (4.07) ، ويعد هذا أمراً مهماً من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم5).
3/5- تعميق الخصصة :(48/19)
تسهل سياسة الخصخصة ، توظيف مدخرات القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني بدلا ً من توجيهها إلى خارج البلاد،كما يمثل تعميق الخصخصة في القطاع العام و ما تمتلكه الدولة في الشركات المساهمة ، عامل هام في عودة رؤوس الأموال المهاجرة 24،ولذا سعت الدولة في المملكة العربية السعودية إلى تحقيق ذلك الهدف ، فعمدت إلى خصخصة بعض القطاعات الخدمية كقطاع الكهرباء والاتصالات، وطرح أسهمها في الشركات المساهمة بشكل متدرج كما في شركة سابك الصناعية .
جدول رقم (5) السبل المثلى لعلاج مشكلة هجرة رؤوس الأموال للخارج
سبل العلاج
هام جداً
(5)
مهم
(4)
متوسط الأهمية
(3)
غير مهم
(2)
عديم الأهمية
(1)
عدد
%
عدد
%
عدد
%
عدد
%
عدد
%
1- وضع القوانين والتشريعات الاستثمارية
الداخلية وعدم إيجاد قيود على الاستثمار .
66
78.6
12
14.3
3
3.6
00
00
3
3.6
2- تطوير أنظمة وقوانين الشركات المحلية
بإتاحة مجالات الاستثمار لها دون تقييد
بنشاط معين .
36
42.9
30
35.7
12
14.3
00
00
6
7.1
3- تعميق الخصصة .
24
28.6
33
39.3
15
17.9
9
10.7
3
3.6
4- السهولة في التعامل والبعد عن البيروقراطية .
75
89.3
3
3.6
3
3.6
00
00
3
3.6
5- الوضوح والشفافية في تقديم الصورة الحقيقية
لواقع الاستثمار في الداخل للشركات والمصارف
الداخلية .
60
71.4
15
17.9
6
17.9
3
3.6
00
00
6- تطوير تكنولوجيا المعلومات في الأنشطة
الاقتصادية المختلفة .
36
42.9
33
39.3
00
00
12
14.3
3
3.6
7- وجود أجهزة مالية ومصرفية متطورة مع العمل على تطوير صيغ الاستثمار في المصارف الداخلية.
45
53.6
27
32.1
12
14.3
00
00
00
00
وقد بلغ متوسط التقويم ما مقداره (3.79) في رأي رجال الأعمال السعوديين حول تعميق الخصخصة كوسيلة لعلاج هجرة رؤوس الأموال للخارج ، ويعد هذا أمراً مهماً من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم5) .
4/5- السهولة في التعامل والبعد عن البيروقراطية :(48/20)
من العوامل الهامة التي تؤثر بشكل كبير في جذب الاستثمار الأجنبي وعودة رؤوس الأموال المهاجرة ،أو عدم هجرتها مستقبلاً ،قيام إدارة اقتصادية في الدولة لها تأثير قوي في إنهاء كافة المشاكل والعقبات التي تعترض سبيل المستثمر والبعد عن البيروقراطية والإجراءات الروتينية في إنجاز المعاملات والمتطلبات اللازمة لمشروعاته الاستثمارية ، وهذا في الحقيقة ما ينبغي العمل على تحقيقه بجدية في المملكة العربية السعودية من خلال الهيئة العامة للاستثمار ليصبح واقعاً ملموساً ومؤثراً في استقطاب رأس المال المحلي والأجنبي للاستثمار بالمملكة .
وقد مثًّل متوسط التقويم ما مقداره (4.75) لرأي رجال الأعمال السعوديين حول السهولة في التعامل والبعد عن البيروقراطية كوسيلة لعلاج هجرة رؤوس الأموال للخارج ، ويعد هذا أمراً هاماً جداً من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم5).
5/5- الوضوح والشفافية في تقديم الصورة الحقيقية لواقع الاستثمار في الداخل للشركات والمصارف الداخلية :
تعد الشفافية والوضوح لاسيما في السوق المالية من أهم العوامل التي توفر الثقة للمستثمر من الداخل أو الخارج ، وبحجم هذا الوضوح وقدره تكون السوق المحلية أكثر جاذبية للاستثمارات 25 ، ولن يتأتى ذلك إلاَّ من خلال إلزام الجهات المعنية والمشرفة على الاستثمار في المملكة بإلزام المصارف والشركات المساهمة بتحقيق ذلك .
و بلغ متوسط التقويم في رأي رجال الأعمال السعوديين حول الوضوح والشفافية في تقديم الصورة الحقيقية لواقع الاستثمار في الداخل للشركات والمصارف الداخلية كوسيلة لعلاج هجرة رؤوس الأموال للخارج ما مقداره
(4.57)، ويعد هذا أمراً هاماً جداً من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم5).
6/5- تطوير تكنولوجيا المعلومات في الأنشطة الاقتصادية المختلفة :(48/21)
لا بد لجذب الاستثمارات المحلية والمهاجرة بصفة عامة ، والأجنبية على وجه الخصوص ،من العمل على تطوير تكنولوجيا المعلومات الحالية ، فإن لم تكن متوافرة ،فيجب القيام على تهيئة تقنية معلوماتية متطورة تواكب متطلبات النشاط الاستثماري الحديث في مختلف الأنشطة 26 .
وقد تضمنت اللائحة التنفيذية للهيئة العامة للاستثمار بالمملكة العربية السعودية ما ينص على الاهتمام بهذا الجانب حيث جاء في المادة السابعة من اللائحة ما يلي : " تعمل الهيئة على تطوير قواعد متعددة للمعلومات حول الاستثمار ، تعتمد على ما تقوم به من مسوحات إحصائية ، أو تحصل عليه من معلومات من الجهات ذات العلاقة ، وربطها بقواعد المعلومات المتخصصة في شئون الاستثمار محليا ً وإقليميا ً وعالميا ً ، ويجب أن تغطي تلك القواعد جميع المعلومات والإحصاءات والمؤشرات المتوفرة ، التي تحتاج إليها الهيئة لإعداد السياسات والخطط وتقويم الأداء ، أو يحتاج إليها المستثمرون لدراسة جدوى مشاريعهم وتمكِّنهم من الاستفادة منها ، على أن يستخدم في ذلك أحدث ما وصلت إليه تقنية المعلومات من طرائق وأساليب "27 .
ويمثل متوسط التقويم في رأي رجال الأعمال السعوديين حول تطوير تكنولوجيا المعلومات في الأنشطة الاقتصادية المختلفة كوسيلة لعلاج هجرة رؤوس الأموال للخارج ما مقداره (4.04) ، ويعد هذا أمراً مهماً من وجهة نظرهم (أنظر الجدول رقم5).
7/5- وجود أجهزة مالية ومصرفية متطورة مع العمل على تطوير صيغ الاستثمار في المصارف الداخلية :
ينبغي لتحقيق نمو استثماري مرتفع،توفر بيئة استثمارية مثلى قادرة على تلبية رغبات المستثمرين ، ومن ذلك إظهار سياسات مالية عامة واضحة المعالم ، وإيجاد أجهزة مالية ونظام مصرفي متطور قادر على استحداث وتطوير صيغ الاستثمار المختلفة 28 .(48/22)