ز- حالة التفريط واللامبالاة وعدم الاكتراث إزاء هجرة العقول الإسلامية إلى الدول المتقدمة مع أن هذه الهجرة تشكل نزفاً للعقول والموارد المالية, إذ من بين كل مليون نسمة ينبغ في الدراسات العلمية والتقنية 20 عشرون فرداً في بنجلاديش و190 مائة وتسعون في جمهورية مصر العربية وبصفة عامة فإن متوسط هذا الرقم لا يتجاوز بحال المائة عالم في كل مليون مسلم في جميع الدول الإسلامية وذلك بما من شأنه أن كل عالم تقني مسلم يشكل في ذاته ثروة يصعب تعويضها, فضلا عما أنفقته عليه دولته المسلمة في سبيل تكوينه العلمي, والنسبة الغالبة من هؤلاء العلماء تدين بالولاء لأوطانهم غير أن هذه الأوطان بدل أن تحيطهم بالعناية والرعاية والتكريم والمعامل والمختبرات والقوى الفنية المساندة والخدمات المكتبية والتوثيقية المتطورة, بما يدفعهم إلى مزيد من الإبداع والابتكار فإنهم يحاطون بدلاً عن ذلك بالإهمال والأحقاد والروتين واللوائح والقوانين, بما يلغي عقولهم ويضيع عليهم سنوات إبداعهم إن آثروا البقاء في أوطانهم أو بما يدفعهم إلى الهجرة إلى الدول المتقدمة للانضمام إلى جيوش العلماء والمبدعين فيها حيث يلقون كل إغراء وتكريم وتشجيع واحتكار.
ويرجع البعض أسباب التخلف هذه إلى: ضعف أو عدم توفر المستوى المطلوب من المهارات للتعامل مع التكنولوجيا المستوردة وتأصيلها وتطويرها من حيث إن حجم وهيكل الطلب على القوى العاملة حسب مستويات مهاراتها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمتغيرات التي تطرأ على أساليب الإنتاج ومجال التقدم التقني لوسائل الإنتاج, ويكون الارتباط عادة طردياً فكلما اتخذت وسائل الإنتاج طابع التحديث, كلما دعت الضرورة إلى الارتقاء بمستوى مهارات القوى العاملة في مرافق الإنتاج من جهة, واعتماد التحديث على البحث والتطوير كركيزة أساسية لديمومته من جهة أخرى(16).(17/18)
والبعض يرجع أسباب هذا التخلف إلى العجز الواضح في المؤسسات الضرورية العاملة في مجال التطوير التكنولوجي والتي تقف بين أجهزة البحث العلمي والمؤسسات الإنتاجية, وهي مؤسسات الدراسات الهندسية ومكاتب التصميم ووحدات التجريب, بما في ذلك العجز في تقنيات دراسة المشروع من جوانبه الفنية وتقييمه بواسطة الخبراء المحليين(17).
ثالثا: العوامل الخارجية غير المادية لاتساع الفجوة التقنية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة:(17/19)
1- إن أخطر ما يطالعنا من هذه العوامل حالة العجز النفسي التي أورثنا إياها مناخ التخلف والتي تدفع الكثيرين من صانعي القرار ومن متخذيه في البلدان الإسلامية حين يقارنون واقع بلدانهم بواقع الإنجازات والإبداعات في الدول المتقدمة إلى اليأس من أي نهضة تقنية في البلدان الإسلامية, وهو يأس في غير موقعه, فالولايات المتحدة الأمريكية رائدة التطور والتطور التكنولوجي حالياً لم تكن مهدا للثورة الصناعية الأولى التي انطلقت شراراتها عام 1702م باختراع الآلة البخارية, ولم تكن كذلك مهدا للثورة الصناعية الثانية التي تمخضت عن بناء أول نموذج لأجهزة الاحتراق الداخلي الذي بنيت على أساسه أول سيارة عام 1862م, وقبيل عام 1945م لم تكن روسيا واليابان قد أخذتا بعد بأساليب التقدم العلمي والتقني, فإن اليابان لم تتجه إلى توليد تكنولوجياتها إلا بعد الحرب العالمية الثانية, بعد أن وقعت قرابة 42 ألف عقد شراء نقل تكنولوجيات من الدول الصناعية المتقدمة خلال الفترة 1951-1984 بلغت تكلفتها زهاء 17 مليار دولار, مثلث القاعدة التكنولوجية للمعجزة اليابانية التي حققت لها السبق والتفوق والقدرة التنافسية العالية في الإنتاج الصناعي(18) وحتى عام 1947 كانت الهند مستعمرة إنجليزية لا تمتلك أية برامج تنموية واضحة, لكنها أخذت ومنذ استقلالها بأسباب التقدم العلمي والتقني وحققت تقدماً ملحوظاً في صناعات السيارات والطائرات والأسلحة التقليدية والذرية المتطورة بما تتطلبه من تقنيات معقدة, رغم ما تعانيه من زيادة رهيبة في عدد السكان.
إذن الأمر ليس بالمستحيل أمام الدول الإسلامية في نقل وتوطين وتوليد التكنولوجيا المناسبة, لكن ثمن التقاعس عن ذلك سوف يكون باهظاً على الإسلام والمسلمين معاً.(17/20)
2- ارتباط مصالح الدول الكبرى والمتقدمة بتفتت وتمزق العالم الإسلامي إلى دويلات وكيانات صغيرة متناحرة, مع إذكاء روح الخلافات بينها لأسباب حدودية أو سياسية أو عرقية أو مذهبية, بما يبقي على الحروب الباردة والساخنة بينها, وبما يحول بين توحد جهودها في أي مجال, وبما يبقي كل كيان منها في حالة من عدم الاستقرار السياسي والفوضى الاقتصادية التي لا تشجع أياً من هذه الكيانات على التعاون مع الآخرين, وتهدف الدول المتقدمة من ذلك إلى:
أ - الإبقاء على الدول الإسلامية في حالة عجز نفسي وضعف ديني.
ب - إعجاز الدول الإسلامية عن القيام بعمليات تنمية بشرية أو مادية حقيقية ذات بال.
ج - الإبقاء على الدول الإسلامية مستودعاً للمواد الأولية والطاقة وسوقاً استهلاكية لتصريف فوائض إنتاج الدول المتقدمة.
رابعاً: العوامل الخارجية المادية لاتساع الفجوة التقنية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة
من وجهة نظرنا فقد باتت منظمة التجارة العالمية المنشأة بموجب اتفاقية مراكش في 15إبريل 1994 أبرز عامل مادي خارجي يكرس الفجوة التقنية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة, من حيث كونها آلية لضمان تنفيذ الدول الأعضاء لاتفاقات التجارة متعددة الأطراف المشهورة باسم جات 1994 ومن بينها اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية الواردة بالملحق رقم 1- ج من ملاحق اتفاقات التجارة المشار إليها.
ولبيان ذلك فإن الأمر يقتضينا إلقاء الضوء على اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية, ودور منظمة التجارة العالمية في تطبيقها, وكيف أن المنظمة من خلال سهرها على تطبيق هذه الاتفاقية تكرس الفجوة التقنية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة.
أ - أبرز معالم اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفرديةagreement on Trade Aspects of Intellectual Property Rights: TRIPS(17/21)
تتميز هذه الاتفاقية والتي سنعبر عنها من الآن فصاعداً بـ (تريبس) بما يلي:
1- أنها نظمت ولأول مرة في تاريخ العلاقات الاقتصادية الدولية ومن خلال اتفاقية جماعية محكمة وفي إطار منظمة دولية جديدة موضوع الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية بما أضفى على حقوق الملكية الفكرية معدلات حماية أعلى(19) لصالح الدول المتقدمة وتتجلى مظاهر هذه الحماية فيما يلي:
أ - أنه ولأول مرة تتضمن الاتفاقات الدولية لحماية الملكية الفكرية(20) أحكاماً تنطوي على عقوبات لمن يخالف أحكامها لمعالجة الآثار الناجمة عن هذه المخالفات مثل ما تضمنته اتفاقية التريبس.
ب - أنه ولأول مرة في تاريخ اتفاقات حماية الملكية الفكرية يعني بإيجاد جهاز له صلاحيات خطيرة قبل الدول الأعضاء وهو مجلس المسائل المتعلقة بالتجارة في حقوق الملكية الفكرية الذي أقامته اتفاقية تريبس ومنحته صلاحية الرقابة على مسلك الدول الأعضاء في شأن تنفيذ الأحكام التي نظمتها, كما منحته اتخاذ التدابير الملائمة وفقاً لأحكامها في هذا الخصوص وله وفقاً لأحكام المادة 71 من الاتفاقية مراجعة تطبيق الدول الأعضاء لنصوص الاتفاقية(21).
2-…أنها (أي التريبس) حظرت ولأول مرة في تاريخ الاتفاقات الدولية على أي دولة عضو التحفظ على أي حكم من أحكامها بدون موافقة الدول الأخرى الأعضاء (المادة 72) وهو ما يعني القوة الملزمة المطلقة لأحكامها في مواجهة الدول الأعضاء حيث يستحيل على أية دولة ترغب في التحفظ على حكم من أحكامها الحصول على موافقة غالبية دول العالم.
3- أنها وطبقا لما تقضي مادتها الثالثة تلزم كل دولة عضو بأن تقر للأجانب المنتمين إلى أي دولة أخرى من الدول الأعضاء في مجال الملكية الفكرية حماية لا تقل عن تلك التي توفرها لمواطنيها وفقاً لمبدأ المعاملة الوطنية.(17/22)
4- والأخطر من كل هذا فإن اتفاقية (تريبس) قد تضمنت في مجال حماية حقوق الملكية الفكرية قواعد خاصة بمكافحة التجارة في السلع المقلدة وقواعد أخرى خاصة بحماية الأسرار التجارية باعتبارها أحد أفرع الملكية الفكرية, مع إقرارها بأن حقوق الملكية الفكرية من الحقوق الخاصة التي يستلزم الترخيص باستخدامها موافقة صاحب الحق خلال مدة الحماية الممنوحة له(22).
ب ـ دور منظمة التجارة العالمية في تطبيق (تريبس)
بموجب اتفاقية مراكش الموقعة في 15 إبريل 1994 حلت منظمة التجارة العالمية محل أمانة الاتفاقيات العامة للتعريفات والتجارة المنشأة بموجب الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة جات 1947 الموقعة في جنيف/ سويسرا في 30 أكتوبر 1947.
وبموجب اتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية, فقد أسندت إليها بأجهزتها المتخصصة ثلاث مهام رئيسية هي:
أ - مراقبة السياسات التجارية للدول الأعضاء للحيلولة دون اتخاذ بعضها إجراءات تجارية حمائية تفوق تحرير التجارة الدولية, وذلك وفق الآلية المتفق عليها في الاتفاقية.
ب - الإشراف على تنفيذ اتفاقات التجارة متعددة الأطراف التي تضمنتها الوثيقة الختامية المتضمنة نتائج جولة أوروجواي للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف, والمنظمة للعلاقات التجارية بين الدول الأعضاء.
ج -…الفصل في المنازعات التي قد تنشأ بين الدول الأعضاء حول تنفيذ الاتفاقات التجارية الدولية بواسطة جهاز تسوية المنازعات وثلاثة مجالس رئيسية منبثقة عن المجلس العام للمنظمة هي: مجلس حقوق الملكية الفكرية, مجلس تجارة السلع, مجلس التجارة في الخدمات.(17/23)
وقد أعطيت للمنظمة وأجهزتها المتخصصة سلطات واسعة في اتخاذ تدابير لحمل الدولة المخالفة على تعديل تصرفاتها التجارية الضارة تتدرج من حث الدولة المخالفة على التشاور مع الدولة المتضررة ثم الوساطة أو التحكيم, ثم إصدار حكماً ملزماً لأطراف المنازعة التجارية من خلال هيئة محكمين منبثقة عن جهاز تسوية المنازعات, يحق للدولة المتضررة بموجبه طلب التعويض أو توقيع عقوبات تجارية على الطرف الثاني المخالف.
ويرى البعض(23) (ويحق) أن فض المنازعات على هذا النحو ينطوي على قدر من عدم التكافؤ في قوة العقوبة, فطالما أن توقيع العقوبة متروك للطرف المتضرر فإن قدرة الدول الكبرى والمتقدمة على معاقبة الدول الصغرى النامية ستكون أكبر ضرراً وأكثر تأثيراً لأنها الأقوى.
ومما تجدر الإشارة إليه أن المادة رقم 22 من وثيقة التفاهم بشأن القواعد والإجراءات التي تحكم تسوية المنازعات الواردة بالملحق رقم (2) من ملاحق اتفاقية مراكش آنفة الذكر قد حصرت الإجراءات العقابية التبادلية في التعويض, تعليق التنازلات حيث يعني الإجراء الثاني حق الطرف المضار تعليق ووقف التزامه تجاه الطرف المخالف سواء في المجال أو القطاع محل الخلاف أو في مجالات وقطاعات تجارية أخرى وفقاً لمراحل إجرائية متدرجة(24).
خلاصة القول إذن هي أن اتفاقات التجارة متعددة الأطراف قد عقدت لكي تنفذ, وأن منظمة التجارة العالمية بأجهزتها المتخصصة واختصاصاتها وسلطاتها هي الآلية المنوط بها ضمان وحسن هذا التنفيذ, وأنها لن تخرج عن سيطرة وهيمنة الدول الكبرى في استخدامها كأداة لتحقيق مصالحها التجارية.
جـ - تكريس الفجوة التقنية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة من خلال اتفاقية (تريبس) ودور منظمة التجارة العالمية في تنفيذها:(17/24)
باستعراض المواد الثلاث والسبعين التي اشتملت عليها اتفاقية تريبس وما تنطوي عليه من آثار سلبية على عمليتي نقل وتوطين التكنولوجيا في الدول الإسلامية سواء عن طريق المحاكاة والتقليد (الهندسة العكسية) أو تراخيص التصنيع أو تغيير عناصر العملية الإنتاجية أوالشراء والتصنيع, تبرز لنا الآثار السلبية التالية:
أ - وسعت اتفاقية تريبس من نطاق التكنولوجيا المستوجبة للحماية, حيث لم تكتف فقط بحماية المنتجات السلعية أو الخدمية وإنما حمت كذلك طرق الإنتاج في كل مجالات التكنولوجيا, حيث أسبغت الحماية على مخترعات المنتجات الكيماوية الدوائية والمستحضرات الصيدلية والكيماويات الغذائية والزراعية والثروة الحيوانية.
ب - اعتبرت برامج الحاسب الآلي مصنفات أدبية مشمولة بالحماية (مادة 10/2).
ج -…في مجال حماية الملكية الصناعية تضمنت (تريبس) مفهوماً واسعاً للعلامات التجارية المشمولة بالحماية يشمل العلامات الدالة على السلع والخدمات (م:15/1, 62/3,15/3, 15/4, 15/5, 16/1, 16/3, 18).
د -…وفرت (تريبس) حماية خاصة للمؤشرات الجغرافية (مؤشرات المصدر وتسميات المنشأ) مادة 10.
هـ - أسبغت اتفاقية (تريبس) حماية خاصة للنماذج الصناعية مادة 25/1 لمدة أدناها عشر سنوات مادة 26/3.
و - وسعت (تريبس) في تعريفها للاختراع المحمي بما يشمل كل مجالات التكنولوجيا مادة 27/1 مع تعديدها للحقوق الممنوحة لصاحب براءة الاختراع والاستثناءات الواردة عليها مادة 30 وإجازتها للمخترع اللجوء إلى القضاء لإعادة النظر في أي قرار بإلغاء أو مصادرة للحق في البراءة مادة 32 وفرض مدة حماية دنيا للبراءة لا تقل عن عشرين سنة من تاريخ التقدم بطلب للحصول عليها مادة 33.
ز -…استحدثت (تريبس) حكمين جديدين لم يردا في أي اتفاقية سابقة لحماية الملكية الفكرية وهما:
- اعتبار المعلومات غير المفصح عنها محمية (مادة 39).(17/25)
- منح الدول الأعضاء الحق في وضع القوانين واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمواجهة التعسف في مجال حقوق الملكية الفكرية (مادة04/2).
- منحت تريبس لصاحب براءة الاختراع وكذا صاحب التصميمات والنماذج الصناعية احتكار حقوق استيراد المنتجات, وذلك بما يقيد حرية استيراد المنتج موضوع الحماية من أي مصدر خارجي والمحصلة النهائية لهذه الآثار السلبية هي:
أن إسباغ الحماية على اختراع المنتجات يحرم البحث والتطوير الوطني من فرصة البحث والدراسة للتوصل إلى طريقة لصنع نفس المنتج تصنيعاً تجارياً, حيث يجب أن يقف البحث العلمي في تناوله لأي منتج أو طريقة إنتاج محمية فقط عند حدود اكتساب المعارف والمهارات الخاصة بالمنتجات أو طرق الإنتاج المحمية واستيعاب تكنولوجياتها دون إنتاجها إنتاجاً تجارياً.
كما أن إضفاء الحماية على الاختراعات المتعلقة بالمستحضرات الصيدلية والكيماويات الدوائية والغذائية والزراعية والثروة الحيوانية, من شأنه أن يخلق حقوقاً احتكارية لأصحاب هذه الاختراعات.
المبحث الرابع
التحليل الاقتصادي لأثر اتساع الفجوة التقنية
بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة
يطالعنا في التحليل الاقتصادي لأثر اتساع الفجوة التقنية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة خمس معطيات ذوات بعد أو على الأقل ذوات مردود اقتصادي هي:
1- محلية المنتجات وعدم قدرتها على المنافسة في الأسواق العالمية.
2- انخفاض الصادرات السلعية, ومن ثم ظهور العجز الدائم في ميزان المدفوعات (عدا دول النفط).
3- استمرارية حالة التخلف وتبعثر / تشتت جهود التنمية.
4- استحواذ الدول المتقدمة على فائض الأموال الإسلامية, بل وعلى العقول والكفاءات البشرية المسلمة.
5- توليد ما يمكن أن يطلق عليه التكنولوجيا الاجتماعية وبيان ذلك:
أولا: انعدام القدرة على المنافسة:(17/26)
إن المنافسة في مدلولها الاقتصادي تعني النفاذ بالإنتاج الوطني إلى الأسواق الخارجية مع استمرارية تزايد الطلب العالمي عليه.
وكقاعدة اقتصادية فإنه لا منافسة إلا من خلال الإبداع والجودة, وتعتبر التكنولوجيا عنصراً إنتاجياً يغذي مرافق الإنتاج والمرافق الخدمية المساندة لها بالفكر والقدرة على التجويد, واستشعار إشارات الأسواق العالمية والتفاعل والاستجابة لها وهو الأمر الذي استدعى الشركات الصناعية العالمية الكبرى إلى الاهتمام بالبحث العلمي والتطور التكنولوجي, بغض النظر عن نوع السوق الذي تبيع فيه (منافسة احتكارية ـ منافسة قلة ـ احتكار) حيث أصبحت هذه الشركات تعيش في عالم ديناميكي, ومهددة بشكل مستمر من احتمال قيام منافسين جدد يحملون معهم أفكاراً إنتاجية جديدة أقدر على المنافسة منها, لذا فإن هذه الشركات تدرك أنها لن تستطيع البقاء في السوق إلا عن طريق التطوير المستمر لمنتجاتها, ولن يتأتى لها ذلك إلا عن طريق البحث العلمي الصناعي الجاد(25).
إن خطوط الإنتاج الكلاسيكية فضلاً عن عدم قدرتها على الإنتاج التجاري الكبير, فإنها وإذا لم يتم تطويرها تكنولوجيا وباستمرار تعطي منتجات كلاسيكية تقليدية, لا يتقبلها السوق العالمي, لوجود المنافس البديل الأجود والأرخص, ومن ثم فإنها تظل حبيسة داخل حدودها الوطنية (محلية السوق) بل ربما لا تستطيع أن تدرأ عن نفسها منافسة وغزو المنتجات العالمية ذات التكنولوجيا المتقدمة الأجود والأرخص, داخل حدودها, إلا عن طريق الحماية التجارية لها من دولتها, وذلك من حيث أنها لا تستطيع أن تكسب من تفضيلات المستهلك إلا القدر الذي يتناسب مع جودتها وسعرها, ومن ثم فإنه لا حرج من القول بأن المنتجات ـ خاصة الصناعية ـ للدول غير التكنولوجية تتسم بثلاث خصائص رئيسية هي:
أ - تهافت القدرة التنافسية.
ب - محلية السوق.
ج - أنها من سلع الفقراء غير القادرين على الدفع.
ثانيا: انخفاض الصادرات السلعية:(17/27)
إن من أبرز آثار اتساع الفجوة التقنية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة, انخفاض أو تدني الصادرات السلعية للدول المتخلفة عامة ومن بينها الدول الإسلامية سواء إلى أسواق الدول المتقدمة تكنولوجيا, أو حتى في مجال التجارة البينية للدول المتخلفة, وذلك بما من شأنه توطن العجز الدائم في موازين مدفوعات الدول المتخلفة تكنولوجياً, حيث ينحصر جانب الصادرات السلعية لهذه الدول في القليل من المواد الخام والسلع الزراعية وفي النادر من السلع الصناعية, التي تصدرها وفقاً لنظام الحصص أو اتفاقات التجارة والدفع مع الشركاء التجاريين عادة.
والتحليل الاقتصادي لأسباب انخفاض الصادرات السلعية بل والزراعية كذلك, للدول المتخلفة تكنولوجياً, يرجع هذه الأسباب إلى تخلف الفن الإنتاجي (التكنولوجيا) في هذه الدول, بما ينعكس سلبياً على حجم المنتجات وجودتها واستحواذها على تفضيلات المستهلك في الأسواق العالمية.
فقد كشفت بعض الدراسات أن التطور العلمي والتكنولوجي كان مسئولاً عن 90% تسعين في المائة من الزيادة في إنتاجية الفرد في الولايات المتحدة الأمريكية(26) في الفترة الطويلة الماضية, ولعله يكون مسئولاً كذلك عن نفس النسبة في حجم الإنتاج القومي الأمريكي وفي قدرته على المنافسة في الأسواق العالمية, بل ولعله يكون مسئولاً كذلك عكسياً عن نفس النسبة في حجم الإنتاج القومي للدول المتخلفة وفي انعدام قدرة منتجاتها على النفاذ إلى الأسواق العالمية والمنافسة.(17/28)
وليس بخاف أن نقص الصادرات بما ينطوي عليه من عجز في ميزان المدفوعات ومن ثم في ميزانية الدولة, من شأنه أن يحدث سلسلة من الآثار الاقتصادية غير المرغوب فيها تنتج عن قلة موارد الدولة من النقد الأجنبي منها: تدهور تقلب أسعار صرف العملة الوطنية وصعوبة إحداث تنمية اقتصادية إلا عن طريق التمويل التضخمي واتساع مساحة وحجم الدين العام الخارجي والداخلي, وتآكل الطبقة الوسطى في المجتمع, وهي مشكلات يستعصى على الدول المتخلفة حلها إلا بزيادة الصادرات السلعية لها.
ثالثا: استمرارية حالة التخلف وتشتت جهود التنمية:
إن التحليل الاقتصادي للركود / التخلف التكنولوجي في الدول الإسلامية يشير إلى أنه كان سبباً رئيسياً فيما وصلت إليه الأمة الإسلامية من فقر وأمية وتخلف رغم ما تملكه من موارد بشرية وطبيعية هائلة, إن الشيء المثير للعجب أن الأمة الإسلامية التي تمثل أكبر تجمع بشري على وجه الأرض تربطه عقيدة سماوية واحدة والذي يفوق تعداده الألف مليون نسمة. والتي تربو مساحة دولها الخمسين على ربع مساحة اليابسة(27) أرضاً متصلة ومتكاملة من حيث المناخ والتضاريس والطبيعية وتوسط العالم وتنوع مصادر المياه فيها, وتبلغ مساحة المزروع منها نحو أربعمائة مليون فدان خلافاً للمساحات الشاسعة الصالحة للزراعة, والتي تمتلك تحو ثلاثة أرباع احتياطي النفط في العالم وأكثر من ربع احتياطي الغاز الطبيعي, خلافاً للطاقة الشمسية ومصادر الطاقة المائية والهوائية والهيدروجينية الهائلة, والتي تمتلك رصيداً ضخماً من خامات المعادن الفلزية وغير الفلزية, والتي تسيطر على خطوط المواصلات البحرية والجوية في العالم.(17/29)
أمة بهذا الحجم مهددة بالتجويع والإبادة, حيث باتت تستجدي الغذاء والسلاح ممن يتربصون بها الدوائر, وليس لهذا اللغز المحير من تفسير إلا ما أصبحت عليه من ركود وتخلف تكنولوجي يقعدها بل ويعجزها عن استغلال مواردها, ويضطرها إلى تصدير إستخراجاتها من النفط والخامات المعدنية, في شكل مواد خام,حيث تفقد بذلك القيمة المضافة الهائلة التي تمثل الفرق بين أسعار هذه الصادرات في شكلها الخام وأسعارها فيما لو صدرت تامة الصنع أو نصف مصنعة.
وغني عن الذكر أن استمرار حالة الركود التكنولوجي في الدول الإسلامية تعني استمرارية حالة التخلف والفقر, ربما يشكل أكثر عمقاً واتساعاً في العقود القادمة, مما هي عليه الآن, من حيث إن حجم المعلومات في الدول المتقدمة يتضاعف كل عشر سنوات تقريباً, وتتسارع القدرة على تجديد الإمكانات التقنية كل ثلاث سنوات, ومن حيث أن العالم يواجه اختراعاً جديداً على مدار الساعة كل دقيقتين, ومن حيث الملايين الهائلة من براءة الاختراع المسجلة التي تقف في قائمة انتظار فرص التطبيق والتحول من البحوث العلمية النظرية إلى التطبيق الإنتاجي التكنولوجي, الذي اختزلت المسافة فيه الآن التي تفصل بين ظهور نتائج البحث النظري, واكتشاف تطبيقاته إلى أقصر وقت.
ومن هنا نقول: إن على الدول الإسلامية أن تدرك أهمية وضرورة مواكبة العصر, ونقل وتوطين التكنولوجيا لديها بأسرع وقت ممكن وإلا فإن تكلفة التقاعس أو التراخي عن ذلك سوف تكون فادحة العواقب والتكاليف, بل ربما وجدت الدول الإسلامية نفسها بعد عقود زمنية قليلة عاجزة عن ملاحقة الآخرين.
رابعاً: استمرارية نزف العقول والأرصدة الإسلامية:(17/30)
إن التحليل الاقتصادي لأثر اتساع الفجوة التقنية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة, يكشف عن أن الفجوة التقنية, كانت واحدة من ثلاثة أسباب رئيسية في تحول/ هجرة فائض الأموال والأرصدة الإسلامية إلى أسواق النقد والمال للدول المتقدمة, وكذا في هجرة العقول والكفاءات الإسلامية إلىقاعدة المعامل ومراكز الأبحاث لتلك الدول, بما يشكل نزيفاً دائماً لعنصري أي تنمية اقتصادية أو اجتماعية مرغوب فيها في الدول الإسلامية, أما السببان الآخران فهما:
أ - الاستبداد السياسي في الكثير من الدول الإسلامية, بما يخلفه وما ينتج عنه من غياب مناخ الاستقرار والحرية, اللازمان لخلق بيئة جاذبة لرأس المال الأجنبي, وغير طاردة للعقول المبدعة والكفاءات القيادية الماهرة والخبرات العملية والتقنية القادرة على إحداث التقدم التكنولوجي والتخطيط له.
ب - غياب السياسات والاستراتيجيات والخطط العلمية والتقنية والاقتصادية البعيدة المدى, والتي لا ترتبط ولا تتأثر بشكل الحكم أو تغيير القيادات والاعتماد بدلاً عن ذلك في الكثير من الدول الإسلامية على القرارات الارتجالية المفاجئة غير المدروسة والأحادية المصالح, ذات الصدمة الاقتصادية والمردود العكسي على مختلف العلاقات الاقتصادية والاجتماعية.
إن الأرقام تتضارب حول حجم رأس المال الإسلامي المهاجر من موطنه الإسلامي إلى أسواق النقد والمال في الدول المتقدمة, والذي يشكل ركيزة أساسية وقوة دافعة لاقتصادات دول مهجره وتقدمها وتفوقها في مختلف المجالات.
وإن الأرقام تتضارب كذلك حول أعداد العقول والكفاءات والقدرات البشرية المهاجرة من الدول الإسلامية إلى الدول المتقدمة, والتي تشكل قطاعاً عريضاً في القاعدة العلمية والتقنية والمراكز البحثية فيها والتي بفكرها وإبداعها حققت وتحقق لدول مهجرها تفوقها العلمي والتقني.(17/31)
وإن البعض يتساءل لماذا لا تستثمر الأموال والأرصدة الإسلامية داخل أوطانها الإسلامية, ولماذا لا تبقى العقول والكفاءات الإسلامية داخل أوطانها لتتضافر مع الأرصدة الإسلامية في إيجاد التقدم والريادة لدولها وشعوبها, وتبقى الإجابة عن مثل هذه التساؤلات الملحة كامنة في أسباب هذا النزيف المتصل سالف الذكر.
والشيء المثير للدهشة أن العامة والخاصة يدركون هذه الأسباب ويستكينون لها.
خامساً: توليد التكنولوجيا الاجتماعية:
لقد عكس التخلف التكنولوجي في الدول الإسلامية, بعداً اجتماعياً بالغ الخطورة في المجتمعات الإسلامية حيث لم تعد التنمية التكنولوجية قاصرة فقط على استيراد المعدات والأجهزة الحديثة, بل أصبحت تتضمن ضرورة استجلاب القوى العاملة الأجنبية الماهرة, أي أن التخلف التكنولوجي قد أصبح له وجها اجتماعياً يمكن أن ينتج عنه آثار سلبية منها:
1- قيام دعائم مؤقتة للإنتاج والخدمات تعتمد اعتماداً كلياً أو شبه كلي على توفر الأيدي العاملة الأجنبية.
2- الانفصال التدريجي للمجتمع عن شرائح ومرافق الإنتاج المتطورة التي يسيطر عليها الفنيين والخبراء الأجانب.
3- اضطراب الجهاز الإنتاجي للدولة عند أية إنحسارات مالية تؤدي إلى فقد الدولة لقوة جذب مهارات الإنتاج الأجنبية غير المستقرة والتي لا يربطها بالدولة إلا الحافز المادي فقط(28).
( ( (
المبحث الخامس
تصورات البحث في طرق / أساليب مواجهة مشكلته
قدمنا في بداية هذا البحث أن مشكلته الرئيسية تكمن في ستة جوانب أساسية, يفترض من البحث تقديم تصورات ملائمة للتغلب عليها وفي تقديرنا فإن مواجهة أية مشكلة ينبغي أن تنطلق من منطلقين هما:
1- التحديد الدقيق لأبعادها وخطورتها دون تهوين أو تهويل.
2- الإدراك الواعي بأن لا مستحيل أمام الإرادة الحقيقية والعمل الجاد الدءوب.(17/32)
لقد خرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية وصناعتها مدمرة بالكامل وعلى رأسها قنبلتين ذريتين أطاحتا بثلاثمائة ألف قتيل وأضعاف عدد القتلى من الجرحى والمعوقين والمشوهين, إضافة إلى التدمير الواسع لمدينتي هيروشيما ونجازاكي, وتلويث الهواء والماء والتربة والنبات والحيوان بالإشعاع الذري, ورب ضارة نافعة, فإن اليابان قد استشعرت على الفور اتساع خطر الفجوة العلمية التقنية التي تفصلها عن أمريكا والغرب, ولم تعالج اليابان هذه الفجوة بالشجب والاستنكار والمواقف الخطابية العاطفية أو بالحماس والتوثب الروحي فقط, حيث لم يكن للبكائين أو المتخاذلين مكان بين صفوف القيادة أو الشعب الياباني, وإنما عالجتها بشراء ما يزيد على اثنين وأربعين ألف عقد نقل للتكنولوجيا من الدول الصناعية المتقدمة دفعت باليابان على الرغم من ندرة الموارد الطبيعية لديها في قرابة ربع قرن من الزمان إلى تقدم علمي وتقني هائل. كان له أعظم المردود على النشاط الاقتصادي ومستوى المعيشة والقدرة التنافسية وسعر الين الياباني واستطاعت اليابان تحقيق نصر اقتصادي هائل أزال عنها آثار هزيمتها في الحرب العالمية الثانية.
فهل يمكن أن يكون للمسلمين في اليابانيين قدوة في العمل الجاد والإرادة الصادقة, خاصة وأن لدى الدول الإسلامية إمكانات مادية وبشرية هائلة وأننا لا ننطلق من نفس نقطة الصفر التي انطلقت منها اليابان في تحقيق معجزتها العلمية والتقنية, إننا كمسلمين ولكن نحقق معجزة علمية تقنية مماثلة للمعجزة اليابانية, أصبحنا مطالبين وأكثر من أي وقت مضى بتحقيق حزمة من السياسات السياسية والاقتصادية والعلمية على الأصعدة الداخلية والبينية والدولية, ولأغراض البحث العلمي فإننا سوف نقسم حزمة السياسات المطلوب من الدول الإسلامية تحقيقها للتغلب على فجوتها التقنية إلى:
أ - السياسات العلمية والاقتصادية والسياسية على الصعيد الداخلي لكل دولة.(17/33)
ب - السياسات العلمية والاقتصادية على صعيد العلاقات البينية للدول الإسلامية.
ج -السياسات العلمية والاقتصادية والسياسية على صعيد العلاقات الدولية للدول الإسلامية.
أولاً: السياسات على الصعيد الداخلي:
لقد بات من المسلم به أن ثمرة البحث العلمي الفردي, إن وجدت فهي ضئيلة للغاية حيث أصبح البحث العلمي جماعياً بالنظر إلى اعتبارين رئيسيين هما:
أ - ارتفاع تكلفته الحدية.
ب - تشتت جهود الباحثين, فيما لو تركوا فرادى يبدأ كل واحد منهم من الصفر فيسيرون جميعاً في خطوط متوازية, وذلك على عكس الفريق المتكامل الذي يسير في خط واحد نحو هدف واحد حيث يختزل الزمن والمجهول والتكلفة, وبالنظر إلى هذين الاعتبارين فقد أصبح لزاماً على كل دولة إسلامية تفعيل دورها في:
1- دعم وتشجيع دراسات العلوم والتقنية بما يتطلبه ذلك من تجهيزات ومختبرات وأجهزة ومعدات وعناصر بشرية منتقاة من الباحثين والإداريين(29).
2- دعم وتشجيع عمليات توظيف نتائج البحث العلمي من أجل التنمية (عمليات التقنية) بمزيد من الاعتمادات المالية, التي تكاد تتلاشى في بعض الدول الإسلامية, وهي لا تكاد تذكر بين الدول العربية, إذ في تقرير لمنظمة العمل العربية, نشرت صحيفة الشرق القطرية موجزاً له في 10 أكتوبر 2002 حذر الأستاذ إبراهيم قويدر المدير العام للمنظمة من التفوق الإسرائيلي الكاسح في مجالات البحث العلمي, وذكر أن معدل الإنفاق العربي على البحث العلمي لا يزيد على اثنين في الألف سنوياً من الدخل القومي 02% في حين تصل هذه النسبة في إسرائيل إلى 8.1% من إجمالي الدخل القومي لها سنوياً على الرغم من أن متوسط دخل الفرد في إسرائيل يزيد حوالي 11ضعفاً عن دخل المواطن في الدول المجاورة لها (مصر ـ الأردن ـ سوريا ـ لبنان).(17/34)
في الوقت الذي تنفق فيه الدول الكبرى ما بين 2% و 4% من إجمالي ناتجها القومي على عمليات توظيف البحث العلمي من أجل التنمية(30) على ضخامة الدخول القومية فيها.
3- ومن بين أهم السياسات المطلوبة كذلك على هذا الصعيد: إعادة الاعتبار للعلماء والباحثين ماديا ومعنويا, والسعي إلى إيجاد مشروع إسلامي / عربي يستهدف وقف هجرة العقول والكفاءات الإسلامية / العربية إلى الخارج أو تسربهم إلى النشاطات المالية والإدارية, بما يؤدي إلى انصرافهم عن الحياة العلمية والبحثية, إذ ليس من المقبول في عصر العلم والتكنولوجيا أن تسعى أفضل العقول والكفاءات البشرية الإسلامية إلى إيجاد فرصة عمل لها في خارج أوطانها, أو النزوح نهائياً عنها, إن الأرقام التي توردها التقارير الدولية عن هجرة العقول والكفاءات الإسلامية خاصة إلى دول المهجر الثلاث الرئيسية (أمريكا - كندا - بريطانيا) أرقام مفزعة ومخيفة, فحسب تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية هاجر من باكستان خلال العقد الأخير ما بين 50% إلى 70% من خريجي كليات الطب(31), وفي تقرير منظمة العمل العربية سالف الذكر فقدت مصر نحو 450 ألف كفاءة علمية من خيرة عقول أبنائها هاجرت إلى الخارج حتى نهاية السبعينات من القرن الماضي, وذلك بما يشكل خسارة فادحة لدولة الموطن, ووفراً إضافياً لدول المهجر.
4- إعادة النظر في منظومة التعليم وفي المنظومة الإدارية المساندة لها بما يسمح بتحقيق أهداف وغايات من أهمها:
- الاكتشاف المبكر للمتفوقين والموهوبين وإيلاؤهم رعاية تعليمية خاصة.
- تنظيم الاستفادة من العلاقات العلمية الدولية.
- إرساء قاعدة ا لتميز العلمي في مجال العلوم الأساسية الحديثة وعلى الأخص في مجالات المعلوماتية لإلكترونيات الدقيقة والطاقة النووية والفضاء والمواد الجديدة والطاقة الجديدة والمتجددة والهندسة الوراثية وصناعة الدواء والتكنولوجيا العسكرية.(17/35)
- ربط المؤسسات العلمية والبحثية بالمنشآت الصناعية الإنتاجية بما يسمح بتوليد تكنولوجيا محلية والتفاعل مع التكنولوجيا المستوردة المتقدمة وإقامة الجسور بين مراكز الأبحاث الوطنية والمنشآت الصناعية والإنتاجية.
- إعادة بناء الجسور بين المجتمع العلمي وعامة الشعب وتحسين صورة المعلم والعلماء بين مختلف طبقات الشعب, وجعلهم رموزاً للأجيال بعد أن سيطر الفنانون ولاعبوا الكرة لسنوات عجاف طوال على الساحة الإعلامية.
- إيجاد وسائل وآليات دعم مستديمة للمؤسسات البحثية حتى تتفرغ دون ضغوط تمويلية للتطوير والملاحقة التكنولوجية, مع وقف تضخم الأجهزة الإدارية لهذه المؤسسات منعاً من تآكل الميزانيات وتحاشياً للتعقيدات المكتبية (البيروقراطية) (32) , إن منظومة التعليم على اختلاف مراحله في الدول الإسلامية عامة والعربية خاصة, عبارة عن مجموعة من النظم وضعت منذ ما يربو على النصف قرن من الزمان, إبان الفترة التي كانت المصالح الاستعمارية فيها هي المتحكمة والمسيطرة على مقاليد الأمور في المنطقة, وقد اختيرت موادها وأولوياتها لتخدم الوضع السياسي الاجتماعي الاقتصادي القائم آنذاك, وأقصى ما كانت تتمناه هو تخريج موظفين لدواوين الدولة, أي مجرد أشخاص يعرفون القراءة والكتابة, قارئين أو مطلعين على بعض الكتب المقررة في فنون علمية شتى من العلوم الإنسانية بشكلها المحفوظاتي النظري, الذي لم تسلم منه حتى الكليات العملية والمعملية في بعض مناهجها التي تعطي فيها الأولويات للمعالجات النظرية(33).(17/36)
بل إننا في كثير من جوانب منظوماتنا التعليمية نكتفي بمجرد محاكاة المؤسسات العلمية الأجنبية في نوعيات برامجها وكمياتها وساعاتها المعتمدة وأساليب تدريسها مع إغفال ربط الإعداد العلمي لأبنائنا بواقعنا ظناً منا أن التقدم العلمي لدى المؤسسات العلمية الأجنبية دليل على رقيها وعلى صحة ضرورة محاكاتها, وأن تدريس أرقى وأحدث النظريات العلمية هو وسيلتنا الوحيدة إلى التقدم التقني والحضاري, مع إغفال أن التكنولوجيا ليست علوماً نظرية بقدر ما هي ممارسة عملية تطبيقية, وهو الأمر الذي يدعونا إلى القول بإعادة النظر في منظومتنا التعليمية.
5-على أن سياسة علمية أو اقتصادية داخلية في أية دولة إسلامية يجب أن تقترن بتوجه صادق من صاحب القرار السياسي بوضع استراتيجية علمية تقنية دقيقة ومستمرة وبعيدة المدى, وفصلها تماماً عن شكل ونظام الحكم في الدولة, وإعطاء القائمين عليها الصلاحيات الكاملة للمسح الشامل لإمكانات الدولة المادية والبشرية ووضع سلم الأولويات الآنية والمستقبلية في حدود زمنية ملزمة وتأسيس قواعد علمية وتقنية وإدارية متطورة والاستثمار الأمثل للقدرات والطاقات والقوى والمصادر المتاحة للنهوض والوثوب التكنولوجي للدولة.
ثانيا: السياسات العلمية والاقتصادية المطلوبة لسد الفجوة التكنولوجية:
على صعيد العلاقات البينية للدول الإسلامية:
لاشك أن خطر اتساع الفجوة التقنية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة, باب يهدد الشعوب والدول الإسلامية قاطبة, ليس فقط عن طريق استنزاف عقولها ومواردها الاقتصادية, بل والتدخل السافر لتغيير نظم الحكم وشكل الخريطة السياسية لهذه الدول بما يزيد من تفكك أوصالها وخلق كيانات سياسية هزيلة تابعة, وهو ما يملي على الدول الإسلامية عدد من الضرورات الملحة لسد الفجوة التقنية بينها وبين الدول المتقدمة من أهمها:(17/37)
1- تفعيل قدر من التخطيط والتنسيق والتعاون بين المؤسسات العلمية والبحثية والتقنية الإسلامية, بما يكفل لها الحركة بتخطيط واحد ونحو أهداف محددة, وتتزايد أهمية هذا التفعيل في مجال التقنيات التي تحتاج إلى تزاوج القدرات البشرية القادرة على مسايرة العصر علمياً وتقنياً والمتوفرة لدى بعض الدول الإسلامية, مع القدرات المالية المتوفرة لدى بعضها الآخر, مثل الأبحاث النووية والتقنيات العسكرية المتطورة وتكنولوجيا الفضاء وغيرها من المجالات التي تحتاج إلى رؤوس أموال طائلة تعجز عن توفيرها أية دولة إسلامية بمفردها.
2- زيادة نسبة التبادل التجاري بين الدول الإسلامية بما يؤدي إلى نمو النشاط الزراعي والصناعي والوصول إلى مستوى الإنتاج الكبير تمكيناً للمؤسسات الإنتاجية في هذه الدول من إنشاء مراكز بحثية والوصول بمنتجاتها إلى مرحلة الجودة والمنافسة.
لقد نمت المشروعات الإنتاجية في الدول المتقدمة بالقوة العسكرية حيث كانت المستعمرات أسواقاً مغلقة لتصريف منتجاتها, وهو الأمر الذي لا تملك وسائله مشروعات الإنتاج في الدول الإسلامية, فليس من سبيل إلا نشر الوعي الاستهلاكي لدى المسلمين لتفضيل منتجات الأشقاء حتى لو كانت أقل جودة مع الضغط المستمر عليها للوصول إلى مستوى الجودة المطلوبة.(17/38)
3- تبادل الخبرات الفنية بين الدول الإسلامية في مجالات البحوث والتدريب والتأهيل, والحد من الاعتماد على الخبراء والفنيين غير المسلمين وتفضيلهم على نظرائهم المسلمين, فقد أثبت الواقع أنهم لا يعطون كل ما عندهم وأن لتواجدهم في الصفوف الأولى من المؤسسات العلمية والفنية والبحثية في الدول الإسلامية أهدافاً أخرى, أدناها تقييد انطلاقة التقدم العلمي والتقني في الدول الإسلامية والتحكم في مسارها, وتبديد ثروات المسلمون في مشاريع براقة ليس لها مردود حقيقي(34), خلافاً للخبرات العلمية والفنية المسلمة التي تعطي بسخاء وتعمل بإخلاص وحماس وغيرة على الدين والأشقاء.
ثالثاً: السياسات العلمية والاقتصادية المطلوبة لسد الفجوة التقنية:
على صعيد العلاقات الدولية:
يجب أن يدرك المسلمين أنهم لن يظلوا إلى الأبد مستهلكين لمنتجات الغير, تستنزف ثرواتهم في حفنة من السلع الاستهلاكية ذات الأسعار غير المبررة, ويقترح البحث في سبيل نقل واستيعاب وتوطين وتوليد التكنولوجيا عدداً من السياسات العامة والاقتصادية على صعيد العلاقات التجارية الدولية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة منها:
1- ربط الواردات بالتصنيع المحلي عن طريق عقد اتفاقات بين مجموعات الدول الإسلامية الإقليمية والشركات المنتجة لتصنيع السلعة المستوردة داخل الدول الإسلامية مع الزيادة التدريجية لنسبة المكون المحلي الإسلامي في أجزاء السلعة حتى يصل المكون الإسلامي بعد فترة زمنية إلى 100% مائة في المائة, ويبقى لدولة المنشأ بعد هذه الفترة حق استغلال الاسم والعلامة التجارية فقط وعلى سبيل المثال:
فإن دول مجلس التعاون الخليجي تستورد مجتمعة نحو مائة ألف سيارة يابانية (فرضاً)(17/39)
كل عام, فلماذا لا يتم تصنيعها بالكامل داخل دول المجلس على أن توزع مصانع الصناعات المغذية داخل دول المجلس كلها ويتم التجميع في إحداها ويتم نقل واستيعاب وتوطين وتوليد تكنولوجيا خليجية للسيارات بعد فترة زمنية محددة, وهكذا في باقي السلع, المسألة إذن لا تحتاج إلى أكثر من إصرار المفاوض العربي أو المسلم, وإيجاد الشريك البديل الذي يقبل شروط شراكتنا معه, ونشر الوعي الاستهلاكي بين جماهيرنا لتحقيق المصالح الإسلامية الإستراتيجية.
2- تعظيم الاستفادة بما تتيحه اتفاقية (تريبس) للدول النامية عامة ومنها الدول الإسلامية من فرص لفهم واستيعاب التكنولوجيا ومن ثم توطينها وتوليدها, وأمام الدول الإسلامية في هذا الشأن طريقان هما:
أ - فهم واستيعاب التكنولوجيا المباحة, المتاحة الآن في أكثر من 90% من السلع المتداولة في الأسواق, والتي ليس لها براءة اختراع أو انتهت مدة الحماية لها عن طريق تفكيك أجزائها أو تحليل مكوناتها وعناصرها لأغراض البحث العلمي ومعرفة طريقة التصنيع والتجميع, ومحاولة محاكاتها (تقليدها) والإضافة عليها.
ب - الاستفادة من شروط الإفصاح الإفهام التي أوردتها المواد 29-31 من اتفاقية (تريبس) والتي يلتزم بموجبها صاحب براءة الاختراع بالإفصاح عن مضمون اختراعه إفصاحاً واضحاً وكاملاً, بما يجعل من شأن المتخصص الماهر أن ينفذه, والتي تعطي الحق للدول أعضاء التريبس في إلزام طالب البراءة بتقديم معلومات عن طلبات مماثلة تقدم بها في بلدان أجنبية أو براءات منحت له فيها, والتي تجيز إصدار تراخيص إجبارية (لأغراض التصنيع والبحث العلمي) في حدود معينة.
إن الحماية التي أصبغتها اتفاقية التريبس لبراءات الاختراع تحددها ثلاثة أوضاع وشروط هي: (35)
1- التقليد الكامل أو المحاكاة التامة لموضوع الاختراع.
2- حدوث التقليد أو المحاكاة أثناء فترة الحماية.(17/40)
3- أن يكون غرض التقليد أو المحاكاة أثناء فترة الحماية تجارياً (أي بغرض الإنتاج التجاري لموضوع الاختراع).
وبأعمال شروط الإفصاح والحماية, وباستخدام ما يعرف بالهندسة العكسية تستطيع الدول الإسلامية فهم واستيعاب تكنولوجيا جميع المخترعات الموجودة والمستقبلية عن طريق تنفيذ وتصنيع أي مخترع جديد وإعادة تفكيكه وتحليل مكوناته, خدمة لأغراض البحث العلمي ودون الإضرار بصاحب البراءة وحيث لا يحتاج ذلك إلى ترخيص من صاحب الاختراع أو البراءة.
4- وفي مجال هذه السياسات كذلك يمكن للدول الإسلامية تعظيم استفادتها من علاقاتها الدبلوماسية والتجارية والعلمية مع الدول المتقدمة, بإيفاد المزيد من أبنائها للتعليم والتدريب والتأهيل على أحدث ما في هذه الدول من تقنيات في مجالات العلوم الأساسية والتطبيقية, مع الحرص الشديد على إزكاء انتمائهم لأوطانهم ووأد كل محاولات تغريبهم عنها.
وفي كلمة أخيرة فإن السياسات كثيرة ومتنوعة, وهي لا تخفى في الغالب الأعم على صاحب القرار السياسي في أية دولة إسلامية, ولكن يبقى الإرادة السياسية الحقة والقرار السياسي الذي من وجهة نظرنا يشكل القلب والنواة لأية تنمية تقنية.
المبحث السادس
الحلول المقترحة لسد الفجوة التقنية(17/41)
من الأمور المسلم بها عدم وجود نموذج دولي محدد لصياغة الإستراتيجية التكنولوجية يمكن تطبيقه في كل الدول, وإنما تمثل كل دولة حالة خاصة على حدة وفق ظروفها وإماكاناتها, ومن المسلمات كذلك أن التنمية التقنية في الكثير من المجالات أصبحت مرهونة بالعديد من الاعتبارات والتوازنات الدولية, فالظروف الدولية والمحلية التي سمحت لليابان وكوريا وباقي دول الفوج الثاني (نمور شرق آسيا) بتحقيق نهضتها التكنولوجية, ليست هي نفس الظروف والاعتبارات والتوازنات التي تواجه الأمة الإسلامية, ومن العبث القول باتخاذ اليابان أو كوريا أو الصين أو إسرائيل نموذجاً محدداً لصياغة استراتيجية تقنية يمكن تطبيقها في الدول الإسلامية.
وخروجاً من دائرة الخلاف حول هذا الموضوع فإن البحث يقترح عدة حلول لسد الفجوة التقنية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة من أبرزها:
1- التقييم الدقيق للقدرات التكنولوجية الموجودة في كل دولة إسلامية على حدة وللدول الإسلامية مجتمعة, والاختبار الواعي لما يناسب كل دولة من أنواع ومجالات التكنولوجيا الحديثة وفقاً لقدراتها المادية والبشرية والعلمية.
2- زيادة قدرة وفاعلية الجهاز الإنتاجي في كل دولة إسلامية على إنتاج مكونات ومستلزمات السلع التكنولوجية المباحة (التي ليس لها براءة اختراع أو انتهت مدة الحماية لها) والسعي إلى إحداث أية إضافات لها(36).
3- إيجاد آلية فاعلة للتنسيق والتعاون بين مراكز الأبحاث والمنشآت الصناعية في الدول الإسلامية بما يضمن تسويقاً لنتائج أبحاث هذه المراكزوتوليد تقنية إسلامية خالصة مناسبة, والاستغناء تدريجيا عن استيراد الخدمات التكنولوجية للصناعة في هذه الدول.
4- بناء استراتيجية تقنية إسلامية تقوم على أربعة عناصر هي:
أ - المحاكاة والتقليد.
ب - تراخيص التصنيع.
ج - التطويع والإضافة ومحاولة تغيير عناصر العملية الإنتاجية.
د -…التطوير الانتقائي للتكنولوجيا الوطنية.(17/42)
5- ربط خطة التعليم في الدولة عضوياً بخطتها الوطنية الشاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية, مع ضرورة إشراك العلميين في إعداد الخطة الوطنية الشاملة.
6- تخصيص حد أدنى في كل دولة إسلامية للاتفاق على البحوث والتدريب والتطوير ونقل التكنولوجيا, يتزايد بمعدل سنوي من إجمالي الناتج القومي.
7- التصدي الحاسم لمشكلة الاستخدام الناقص للمهارات المتاحة وذلك بتوجيهها نحو زيادة الإنتاج, بحيث ترتبط الزيادة الكمية أو النوعية فيها بزيادة معدلات الإنتاج والنمو(37).
8- إقامة وتعزيز المراكز الوطنية لتوليد التكنولوجيا وتطويرها ونقلها وربطها بالقطاعات الإنتاجية لتمكينها من تلبية احتياجاتها الفعلية, وبالمؤسسات التعليمية القائمة لتمكينها من رسم سياسة علمية متناغمة مع السياسة التقنية وخطط التنمية الشاملة في الدولة.
الهوامش
(1) راجع: مختار الصحاح للرازي مادة تقن, والمعجم الكبير ح 3 ص94
(2) The shorter oxford English dictionary press 1976p.214
(3) الأستاذان د/إبراهيم بدران, د/علي حبيش ـ التحديات العلمية التي تواجه الأمة الإسلامية في القرن القادم ـ رابطة الجامعات الإسلامية 1999
(4) أ. د زغلول راغب النجار قضية التخلف العلمي والتقني في العالم الإسلامي المعاصر ـ مركز البحوث والمعلومات ـ قطر 1409هـ, ص45
(5) د/ أنس السيد عطية ـ ضمانات نقل التكنولوجيا ـ رسالة دكتوراه ـ حقوق عين شمس 1996م
(6) د/ زغلول النجار ص23 مرجع سابق.
(7) د/ يوسف مرسي حسين ـ الأبعاد الاجتماعية للتنمية التكنولوجية أعمال ندوة مشكلة التنمية التكنولوجية في الوطن العربي والتبعية التكنولوجية, الدوحة/ قطر 28-30نوفمبر 1982 ص 147.
(8) د/ على حبيش ـ التحديات العلمية والتكنولوجية ـ مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية الأهرام ـ مصر ـ 1996.(17/43)
(9) راجع في هذا المعنى أ.د/ سميحة القليوبي ـ الملكية الصناعية ـ دار النهضة العربية بالقاهرة ص30 وما بعدها وراجع عبد السند يمامة,2001م ـ 14 عقود نقل التكنولوجيا ـ بدون ناشر
(10) اتفاقية التربس وخيارات السياسات ترجمة الأستاذان د/ السيد أحمد عبد الخالق, د/ أحمد يوسف الشحات, دار المريخ ـ الرياض ـ 2002ص 69.
(11) راجع هذا المعنى د/ على حبيش ـ استيعاب التكنولوجيا وتحديات العصر ـ أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا ـ مصر 1993.
(12) الأستاذان د/إبراهيم بدران, د/ على حبيش ص 22مرجع سابق.
(13) المرجع السابق ص2.
(14) د. يوسف مرسي حسين ص162 مرجع سابق.
(15) راجع في هذا المعنى د/ عدنان بدران ـ العلوم والتكنولوجيا ـ بحث مقدم إلى ندوة عمان / الأردن حول العلوم والتكنولوجيا في الوطن العربي أكتوبر2001ص107 من أعمال الندوة.
(16) راجع الدكتور: د/مثنى أكرم عبد الجبار ـ جامعة بغداد المشكلة التكنولوجية في الوطن العربي ـ أعمال ندوة الدوحة/ قطر 1982ص44.
(17) راجع د/ حسام مندور ـ التنمية التكنولوجية والتخطيط الإنمائي في الوطن العربي ـ أعمال ندوة الدوحة / قطر ص129.
(18) الأستاذان د/إبراهيم بدران, د/ علي حبيش ص17 مرجع سابق.
(19) أ.د/ محمد حسام محمود لطفي ـ الحماية القانونية الدولية للملكية الفكرية مؤتمر الجوانب القانونية والاقتصادية في اتفاقات التجارة الدولية ـ كلية الحقوق جامعة عين شمس القاهرة ديسمبر 1997.
(20) تجدر الإشارة إلى أن هناك أربع اتفاقيات دولية جماعية اعتبرتها اتفاقية (تريبس) مكملة لها وأحالت إليها فيما لم يرد لها من أحكام, وهي اتفاقيات تتولى إدارتها والإشراف عليها المنظمة العالمية للملكية الفكرية(WIPO) وهي:
أ - اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية المبرمة سنة 1883 وتعديلاتها وقد اعتدت اتفاقية (تريبس) باتفاقية باريس وتعديلاتها على الوضع الذي صارت عليه حتى تعديل استكوهولم عام 1967م.(17/44)
ب - اتفاقية برن/ سويسرا لحماية المصنفات الأدبية والفنية المبرمة سنة 1886 وفقاً لصيغة باريس المعدلة لها في 24 يوليو 1971.
ج - اتفاقية روما لحماية فناني الأداء ومنتجي الفوتوجرافات وهيئات الإذاعة المبرمة سنة 1961.
د -اتفاقية واشنطن بشأن حماية الدوائر المتكاملة المبرمة سنة 1989 وجدير بالذكر أن هذه الاتفاقات تسهر على تطبيق أحكامها منظمة (WIPO) بينما تسهر منظمة التجارة العالمية (WTO) على تطبيق اتفاقية تريبس, ووفقا لأحكام معاهدة فينا الصادرة في 23مايو 1969 فإن نصوص اتفاقية تريبس هي الواجبة التطبيق كلما كانت هناك وحدة للموضوع ووحدة للأهداف وذلك عند تعارضها مع نصوص الاتفاقات الأربع المشار إليها, على أن تكون نصوص هذه الاتفاقات هي الأصل فيما لميرد به نص في اتفاقية (تريبس).
(21) أ.د/ إبراهيم أحمد إبراهيم ـ اتفاقية المسائل التجارية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية ـ مؤتمر حقوق عين شمس ديسمبر 1997.
(22) راجع على التقيض من ذلك - كارلوس م - كوريا - حقوق الملكية الفكرية ترجمة أ. د/ السيد عبد الخالق, أ.د/ أحمد يوسف الشحات - دار المريخ - الرياض2002 حيث يقول:
وتشير الدراسات القليلة التي حاولت أن تقوم أثر حقوق الملكية الفكرية بصفة عامة على قرار نقل التكنولوجيا, إلى أنها ذات أهمية قليلة, واعتبار أن حماية حقوق الملكية الفكرية شرطاً مسبقاً للمبتكرين لكي يرخصوا باستخدام التكنولوجيا من المسائل المثيرة للجدول ص47.
(23) د/ خالد سعد زغلول - الجات وأثرها على اقتصاديات الدول العربية - مجلة الحقوق جامعة الكويت - العدد الثاني يونيو 1996 ص142 وما بعدها.
(24) د/ سيد أحمد محمود - آلية تسوية المنازعات الناجمة عن تطبيق اتفاقات الجات - مؤتمر حقوق عين شمس - ديسمبر 1997.
(25) أ.د/ محمد محروس إسماعيل - اقتصاديات الصناعة والتصنيع - مؤسسة شباب الجامعة 1997ص223.
(26) أ.د/ محمد محروس إسماعيل ص222 مرجع سابق.(17/45)
(27) تبلغ مساحة الدول الإسلامية نحو أربعين مليون كيلو متر مربع في حين تقدر مساحة اليابسة في العالم بنحو 148 مليون وثلاثمائة وأربع وخمسين ألف كيلو متر مربع.
أ.د/ زغلول النجار ص132 مرجع سابق.
(28) راجع في هذا المعنى: أ.د/ إبراهيم بدران - التكنولوجيا والتدريب في الوطن العربي - أعمال ندوة الدوحة/ قطر ص97.
(29) راجع د./ محمد مختار الحلوجي - دور مؤسسات التعليم والبحث العلمي في توطين العلوم والتكنولوجيا - ندوة العلوم والتكنولوجيا في الوطن العربي - عمان/ الأردن 20/10/2001م
(30) راجع في هذه النسبة أ.د / زغلول النجار ص122 مرجع سابق.
(31) نفس المرجع السابق.
(32) راجع في هذا المعنى: أ.د/ على حبيش - استيعاب التكنولوجيا وتحديات العصر - أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا - مصر - 1993.
(33) راجع في السياق: أ.د/ إبراهيم بدران - التكنولوجيا والتدريب - ندوة قطر
ص 105 , 106 مرجع سابق.
(34) أ.د/ زغلول النجار ص127 مرجع سابق.
(35) د/ محمد حسام محمود لطفي - الحماية القانونية الدولية للملكية الفكرية - مؤتمر حقوق عين شمس - ص223.
(36) الأستاذان د/إبراهيم بدران, د/ علي حبيش ص14-15 مرجع سابق.
(37) د. حسان مندور ص135 مرجع سابق.
المراجع
1- أ.د/ إبراهيم أحمد إبراهيم - اتفاقية المسائل التجارية المتعلقة بالحقوق الملكية الفكرية - بحث مقدم إلى مؤتمر كلية الحقوق جامعة عين شمس ديسمبر 1997م.
2- الأستاذان: د/ إبراهيم بدران, د/ علي حبيش - التحديات العلمية التي تواجه الأمة الإسلامية في القرن المقبل - تقرير مقدم إلى رابطة الجامعات الإسلامية 999م.
3- الأستاذ/ السيد ياسين - التحليل الاجتماعي للسياسات العلم والتكنولوجيا في الوطن العربي - ندوة عمان / الأردن - حول العلوم والتكنولوجيا في الوطن العرب2001هـ.
4- د/ أنس السيد عطية - ضمانات نقل التكنولوجيا - رسالة دكتوراة - حقوق عين شمس 1996م.(17/46)
5- د/ خالد سعد زغلول - الجات وأثرها على اقتصاديات الدول العربية - مجلة الحقوق - جامعة الكويت - العدد الثاني يونيو 1996م.
6- أ.د/زغلول راغب النجار - قضية التخلف العلمي والتقني في العالم الإسلامي المعاصر - مركز البحوث والمعلومات - دولة قطر 1409 هـ.
7- أ.د/ سميحة القليوبي - الملكية الصناعية - دار النهضة العربية بالقاهرة.
8- د/ سيد أحمد محمود - آلية تسوية المنازعات الناجمة عن تطبيق اتفاقات الجات - مؤتمر حقوق عين شمس - ديسمبر 1997م.
9- د/ عبد السند حسن يمامة - عقود نقل التكنولوجيا - 2001م بدون ناشر.
10- د/ عدنان بدران - العلوم والتكنولوجيا - ندوة عمان / الأردن - أكتوبر 2001هـ.
11- أ.د/ علي علي حبيش - استيعاب التكنولوجيا وتحديات العصر - أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا - مصر - 1993م.
12- أ.د/ علي علي حبيش- التحديات العلمية والتكنولوجية - مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية - الأهرام - مصر - 1993م.
13- كارلوس - م - كوريا - حقوق الملكية الفكرية - ترجمة الأستاذان:د/السيد عبد الخالق,د/أحمد يوسف الشحات - دار المريخ - الرياض - 2002هـ.
14- أ.د/ محمد حسام محمود لطفي - الحماية القانونية الدولية للملكية الفكرية - مؤتمر كلية الحقوق جامعة عين شمس - ديسمبر 1997م.
15- أ.د/ محمد محروس إسماعيل - اقتصاديات الصناعة والتصنيع - مؤسسة شباب الجامعة بالأسكندرية 1997م.
16- د/ محمد مختار الحلوجي - دور مؤسسات التعليم والبحث العلمي في توطين العلوم والتكنولوجيا - ندوة العلوم والتكنولوجيا - عمان/ الأردن - 2001م.
17- د/ يوسف مرسي حسين - الأبعاد الاجتماعية للتنمية التكنولوجية - أعمال ندوة مشكلة التنمية التكنولوجية في الوطن العربي - الدوحة/ قطر 1982م.
18- د/ حسام مندور - التنمية التكنولوجية والتخطيط الانمائي في الوطن العربي - أعمال ندوة الدوحة/ قطر 1982م (مشكلة التنمية التكنولوجية في الوطن العربي).(17/47)
19- أ.د/ إبراهيم بدران - التكنولوجيا والتدريب في الوطن العربي - أعمال ندوة الدوحة/ قطر 1982م.
??
??
18 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
الفجوة التقنية وآثارها الاقتصادية في الدول الإسلامية 19(17/48)
الفروع الإسلامية التابعة للمصارف الربوية
دراسة في ضوء الاقتصاد الإسلامي
د. فهد الشريف
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
يختص موضوع هذا البحث بدراسة ظاهرة اتجاه العديد من المصارف الربوية لإنشاء فروع تابعة لها تقدم الخدمات المصرفية الإسلامية، ونظراًٍ لاختلاف طبيعة عمل كل من المصارف الربوية والفروع الإسلامية التابعة لها فإن هذا البحث يهدف إلى التعرف على حقيقة الفروع الإسلامية وأسباب نشأتها والخصائص التي تميزها عن الفروع الأخرى التقليدية وطبيعة عمل تلك الفلك والعلاقة بينها وبين المصارف الربوية المنشئة لها، كما يهدف هذا البحث إلى بيان موقف المهتمين بشؤون الاقتصاد الإسلامي من الفروع الإسلامية وحكم التعامل معها، وما لإنشاء تلك الفروع من آثار اقتصادية على النظام المصرفي التقليدي بشكل عام والعمل المصرفي الإسلامي بشكل خاص.
ويختم هذا البحث بذكر أهم ما أمكن التوصل إليه من نتائج وما أمكن استخلاصه من توصيات.
Abstract:
The purpose of this research is to study the fact that many of the interest-based banks are opening sub-branches that offer Islamic banking services. Since there is a difference in the nature of operation between the interest-based, banks and its Islamic-based branches, this research focuses on finding the real truth about this Islamic branches, and the reasons behind its establishment, and the specifications that differ this branches from other conventional branches and the nature of operation of this branches, as well as the relation between the interest-based banks and it Islamic-based branches.(18/1)
This research also focuses on showing the position of those who are interested in the subject of Islamic economy from this Islamic-based braches, and the Islamic view of dealing with these branches, and the economical impact of the establishment of such branches on the conventional banking system in general, and the Islamic-based banking in specific.
This research concludes by listing the most important results found, as well as the recommendations that were extracted.
المقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستمد منه العون ونرجوه السداد في القول، وأشهد إلا لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين. وهادياً بإذنه إلى الصراط المستقيم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.…وبعد ...
فلقد شهد الربع الأخير من القرن العشرين بروز ظاهرة اتجاه العديد من المصارف الربوية لإنشاء فروع تابعة لها تقدم الخدمات المصرفية الإسلامية ، وقد نمت هذه الظاهرة وتزايد الإقبال عليها حتى أصبحت من الأهمية بمكان بحيث لم يعد في مقدر الكثير من المصارف الربوية في معظم الدول الإسلامية إلا أن تعيد النظر في حساباتها للدخول بشكل أو بآخر إلى ميدان العمل المصرفي الإسلامي ، سواء كان ذلك من خلال إنشاء فروع إسلامية أو فتح نوافذ تقدم الخدمات الإسلامية أو صناديق استثمارية إسلامية أو غير ذلك.
ونظراً لاتساع ونمو حجم السوق المصرفي الإسلامي وتزايد الطلب على الخدمات المصرفية الإسلامية بشكل كبير ومتنامي من قبل شرائح عريضة في مختلف المجتمعات فقد انتقلت هذه الظاهرة من كونها ظاهرة محلية لتصبح ظاهرة عالمية يقدم عليها أكبر المصارف والمؤسسات المالية التقليدية في الغرب.(18/2)
وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة تعتبر اعترافا من المصارف الربوية بأهمية ونجاح العمل المصرفي الإسلامي والمصارف الإسلامية، كما قد تكون خطوة مشجعة للتحول للعمل بأساليب وصيغ الاستثمار الإسلامية في النظام المصرفي التقليدي إلا أن النظام المصرفي الإسلامي ، كأي نظام آخر، له كيانه الخاص به وأسسه التي يقوم عليها وقواعده وأنظمته التي يتميز بها عن غيره، ولذلك فهناك حاجة ماسة لدراسة ظاهرة إنشاء الفروع الإسلامية في المصارف الربوية للتعرف على حقيقة تلك الفروع وإمكانية التعامل معها من الناحية الشرعية.
هدف البحث:
يتمثل الهدف من البحث في النقاط التالية:
1. التعرف على حقيقة الفروع الإسلامية التابعة للمصارف الربوية وأسباب نشأتها، وخصائصها والأنشطة التي تقوم بها، وطبيعة العلاقة بينها وبين المصارف الربوية المنشئة لها.
2. بيان موقف المهتمين بشؤون الاقتصاد الإسلامي من الفروع الإسلامية.
3. الوقوف على حكم التعامل مع الفروع الشاملة.
خطة البحث:
بناء على ما سبق فإن الدراسة في هذا البحث ستشتمل على المباحث التالية:
المبحث الأول: مفاهيم أساسية حول الفروع الإسلامية.
المبحث الثاني : طبيعة العلاقة بين المصارف الربوية والفروع الإسلامية التابعة لها
المبحث الثالث: الآراء الاقتصادية حول الفروع الإسلامية
المبحث الرابع: التعامل مع الفروع الإسلامية في ضوء الاقتصاد الإسلامي.
المبحث الخامس: الآثار الاقتصادية لإنشاء الفروع الإسلامية.
المبحث الأول
مفاهيم أساسية حول الفروع الإسلامية
يتناول هذا المبحث بعض المفاهيم الخاصة بالفروع الإسلامية للوقوف على مدلولها ونشأتها والأسباب التي دعت إلى نشأتها وخصائصها وطبيعة الأنشطة التي تزاولها وغير ذلك من المفاهيم التي تساعد على تكوين فكرة واضحة عن تلك الفروع وذلك على النحو التالي :
أولاً - مفهوم الفروع الإسلامية(18/3)
لقد تعددت الآراء حول مفهوم الفروع الإسلامية , فبعض الاقتصاديين يعرفها بأنها الفروع التي تنتمي إلى مصارف ربوية وتمارس جميع الأنشطة المصرفية طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية (1). ويعرفها البعض بأنها وحدات تنظيمية تديرها المصارف التقليدية , وتكون متخصصة في تقديم الخدمات المالية الإسلامية (2). كما يطلق البعض على ظاهرة الفروع الإسلامية مسمى النظام المزدوج , أي النظام الذي يقدم فيه المصرف الربوي خدمات مصرفية إسلامية إلى جانب الخدمات التقليدية (3).
ويلاحظ من التعاريف السابقة أنها تدور أصلاً حول مدلول كلمة الفرع والتي تعبر عن المؤسسة التي تنشئها شركة أو مؤسسة أكبر منها (4). وبالتالي يمكن تعريف الفروع الإسلامية بشكل عام بأنها "الفروع التي تنشئها المصارف الربوية لتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية " .
ثانياً - نشأة الفروع الإسلامية
إن فكرة إنشاء فروع إسلامية تابعة للمصارف الربوية تعود إلى بداية ظهور المصارف الإسلامية , فعندما بدأت فكرة إنشاء المصارف الإسلامية تنتقل من الجانب النظري إلى الواقع العملي في مطلع السبعينات قامت بعض المصارف الربوية بالتصدي لهذه المصارف ومحاولة التشكيك في مصداقية العمل فيها والأساليب الاستثمارية التي تطبقها, وعندما باءت تلك المحاولات بالفشل تقدمت بعض المصارف الربوية باقتراح فتح فروع تابعة لها تقدم الخدمات المصرفية الإسلامية (5). إلا أن هذا الاقتراح لم يصل إلى حيز التطبيق إلا عندما أدركت المصارف الربوية مدى الإقبال على المصارف الإسلامية وحجم الطلب المتنامي لمختلف شرائح المجتمع على الخدمات المصرفية الإسلامية. عندها قررت بعض المصارف الربوية خوض غمار هذه التجربة فقامت بإنشاء فروع تابعة لها تتخصص في تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية.(18/4)
وقد كان مصرف مصر في طليعة المصارف الربوية التي إتجهت إلى إنشاء فروع تقدم خدمات مصرفية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية , حيث قام مصرف مصر في عام 1980م بإنشاء أول فرع يقدم الخدمات المصرفية الإسلامية وأطلق عليه اسم "فرع الحسين للمعاملات الإسلامية" (6).
وقد أدى تشجيع المصرف المركزي المصري لهذا الاتجاه إلى قيام العديد من المصارف الربوية هناك إلى إنشاء فروع تتخصص في تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية, الأمر الذي ترتب عليه ارتفاع عدد الفروع الإسلامية التي تم الترخيص بإنشائها خلال عامي 80/1981م إلى خمس وثلاثين فرعاً تتبع عدداً من المصارف الربوية كمصرف مصر و مصرف التجارة والتنمية ومصرف التنمية الوطني ومصرف النيل وغيرها , كما اتخذت بعض هذه المصارف قراراً بإنشاء وحدات للخدمات الإسلامية بكل فرع من فروعها التقليدية التي تنشأ في المستقبل(7).
وفي المملكة العربية السعودية كان للمصرف الأهلي التجاري السبق في خوض غمار هذه التجربة حيث قام في عام 1987م بإنشاء أول صندوق استثماري يعمل وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية وهو صندوق المتاجرة العالمية في السلع , ثم تلى ذلك قيام المصرف بإنشاء أول فرع إسلامي وكان ذلك في عام 1990م , ونظراً للإقبال المتزايد على هذا الفرع قام المصرف الأهلي بإنشاء عدة فروع لتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية . ومع التوسع في إنشاء الفروع الإسلامية قام المصرف في عام 1992م بإنشاء إدارة مستقلة للإشراف على تلك الفروع التي تجاوز عددها ست وأربعون فرعاً إسلامياً موزعة على مختلف مدن المملكة (8). هذا بالإضافة إلى الفروع الإسلامية التابعة للمصارف الربوية الأخرى والتي قررت الدخول بشكل أو بآخر إلى ميدان العمل المصرفي الإسلامي كالمصرف السعودي البريطاني والمصرف السعودي الهولندي , ومصرف الرياض وغير ذلك.
ثالثاً - أسباب نشأة الفروع الإسلامية(18/5)
لقد تعددت الآراء حول الأسباب التي دعت العديد من المصارف الربوية لإنشاء فروع تتخصص في تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية , وهذه الأسباب وإن اختلفت من مصرف لآخر, إلا أنه بشكل عام يمكن حصر أهمها فيما يلي (9):
1- رغبة المصارف الربوية في تعظيم أرباحها وجذب المزيد من رؤوس الأموال الإسلامية للاستحواذ على حصة كبيرة من سوق رأس المال .
2- تلبية الطلب الكبير والمتنامي على الخدمات المصرفية الإسلامية , حيث أن شريحة كبيرة من الأفراد في كثير من المجتمعات الإسلامية تتحرج من التعامل مع المصارف الربوية .
3- الحيلولة دون تزايد الحاجة لإنشاء المزيد من المصارف الإسلامية .
4- المحافظة على عملاء المصارف الربوية من النزوح إلى المصارف الإسلامية .
5- حب المنافسة والتقليد وعدم الرضا بغياب إسم المصرف عن هذا الميدان الجديد .
6- سهولة سيطرة المصرف الرئيسي على الفرع بالنسبة للسيطرة على مصرف مستقل, هذا بالإضافة إلى سهولة الإجراءات القانونية لإنشاء فرع بالنسبة لتأسيس مصرف جديد .
7- وبالإضافة إلى الأسباب السابقة والتي تركزت بشكل أساسي في الجانب المادي وروح المنافسة , إلا أنه يجب عدم التقليل من الجانب العقائدي , إذ أن بعض المصارف الربوية يحركها في إنشاء الفروع الإسلامية بصفة أساسية الرغبة في التحول التدريجي نحو العمل بالنظام المصرفي الإسلامي .
8- بالنسبة للمصارف الربوية في الدول الغربية فإن التزايد المستمر والكبير في أعداد المسلمين في تلك الدول ورغبتهم للتعامل وفق النظام المصرفي الإسلامي هو السبب الرئيسي وراء إنشاء تلك المصارف لفروع تتعامل وفق أحكام الشريعة الإسلامية للاستفادة من أموال المسلمين هناك .
رابعاً - أساليب تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية
اتخذت المصارف الربوية في خوضها لغمار هذه التجربة عدة أساليب لتقديم خدماتها المصرفية الإسلامية , ويمكن إيجاز هذه الأساليب على النحو التالي (10):(18/6)
1 - فروع إسلامية متخصصة :
وهذا الأسلوب هو الأكثر شيوعاً في مجال التطبيق العملي لهذه التجربة , وهو المقصود بالدراسة في هذا البحث, وفي هذا الأسلوب يقوم المصرف الربوي بتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية بإحدى الطريقتين التاليتين (11):
أ - إنشاء فرع جديد ومستقل للمعاملات الإسلامية منذ البداية , وقد ركزت كثير من المصارف الربوية التي خاضت هذه التجربة على هذه الطريقة إذ أنها تعتبر أكثر مصداقية في جذب العملاء من الأساليب الأخرى .
ب - تحويل أحد الفروع التقليدية القائمة إلى فرع يتخصص في تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية مع إجراء التغيرات اللازمة لذلك, وهذه الطريقة تتطلب إشعار العملاء بعملية التحويل وتخييرهم بين التعامل مع الفرع الإسلامي وفقاً للأسلوب الجديد أو التحول إلى فرع آخر .
2 - صناديق استثمار إسلامية :
وفي هذا الأسلوب يقوم ال مصرف الربوي بإنشاء صناديق استثمار تسير وفقاً لأساليب الاستثمار الإسلامية . وهذه الصناديق بشكل عام هي عبارة عن وعاء مالي يسعى إلى تجميع مدخرات الأفراد واستثمارها في الأوراق المالية من خلال جهة متخصصة ذات خبرة وكفاءة في إدارة محافظ الأوراق المالية (12).
وتكيّف تلك الصناديق من الناحية الشرعية على أنها عقد شركة بين إدارة الصندوق والمساهمين فيه , ويدفع بمقتضاه المساهمون مبالغ نقدية معينة إلى إدارة الصندوق التي تتعهد باستثمار تلك المبالغ في بيع وشراء الأوراق المالية بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية, ويشترك المساهمون في الأرباح الناتجة عن استثمارات الصندوق كل بنسبة ما يملكه من حصص وفقاً لشروط نشرة الإصدار (13).(18/7)
وفي هذا الأسلوب يقوم المصرف الربوي بتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية عن طريق طرح صناديق استثمار تعمل على أساس عقد المضاربة الشرعية , والذي تمثل فيه إدارة الصندوق دور المضارف الذي يقوم بتجميع الأموال من المكتتبين في الصندوق واستثمارها وفقاً لمنهج الاستثمار الإسلامي .
3 - نوافذ إسلامية :
يقصد بالنوافذ الإسلامية بشكل عام قيام المصرف الربوي بتخصيص جزء أو حيز في الفرع الربوي لكي يقدم الخدمات المصرفية الإسلامية إلى جانب ما يقدمه هذا الفرع من الخدمات التقليدية .
ويهدف هذا الأسلوب أساساً إلى تلبية احتياجات بعض العملاء الراغبين في التعامل بالنظام المصرفي الإسلامي حتى لايتحولوا إلى التعامل مع المصارف الإسلامية .
4 - أدوات تمويل إسلامية :
وفي هذا الأسلوب يقوم المصرف الربوي بتوفير بعض أدوات أو صيغ التمويل الإسلامية كالمشاركة والمضاربة وبيع المرابحة والاستصناع والإجارة ونحو ذلك لجذب شريحة العملاء التي ترغب في التعامل وفق أحكام الشريعة الإسلامية (14).
وتقدم معظم المصارف الربوية في المملكة العربية السعودية على هذه الصيغ أو المنتجات مع اختلاف مستوى وطريقة التقديم ومدى الالتزام الشرعي في التطبيق العملي لهذه الأدوات أو الصيغ.
خامساً - خصائص الفروع الإسلامية :
تتميز الفروع الإسلامية في المصارف الربوية ببعض الخصائص التي تميزها عن باقي الفروع التقليدية في تلك المصارف , ومن أهم هذه الخصائص ما يلي (15):
1- طبيعة عمل الفروع الإسلامية وجميع الأنشطة التي تقوم بها يراعى فيها أنت تكون متفقة مع أحكام الشريعة , أما الفروع الأخرى التقليدية فإن طبيعة عملها تقوم أساسا على الفائدة الربوية .
2- يخضع العديد من الفروع الإسلامية لمراقب شرعي أو هيئة رقابة شرعية , وهذا غير وارد بالنسبة للفروع التقليدية .(18/8)
3- تتمثل أهم صيغ وأساليب الاستثمار في الفروع الإسلامية في المضاربة والمشاركة والمرابحة والإجارة, بينما يقتصر الأمر في الفروع التقليدية على صيغة واحدة وإن اختلفت صورها ومسمياتها وهي منح القروض الربوية .
4- حسابات الاستثمار في الفروع الإسلامية تتضمن تنظيم العلاقة بين الفرع الإسلامي والعميل على أساس عقد المضاربة الشرعية , أما في الفروع التقليدية فالعلاقة بين الفرع والعميل هي علاقة دائن ومدين .
5- عند حاجة الفرع الإسلامي إلى التمويل يقوم المصرف الرئيسي(16) بإيداع وديعة استثمارية لدية , على أن تكون خاضعة للربح والخسارة مثله في ذلك مثل أي مودع آخر .
سادساً - الأنشطة التي تقوم بها الفروع الإسلامية
تمارس الفروع الإسلامية مختلف الأنشطة المصرفية التي لاتتعارض مع أحكام الشريعة, إذ يقوم المصرف الرئيسي في معظم الأحيان بتعيين أحد العلماء الذين لديهم اهتمام أو خبرة في مجال العمل المصرفي لكي يعمل كمراقب شرعي على أعمال الفروع الإسلامية , وقد تقوم بعض الفروع الإسلامية بتعيين هيئة رقابة شرعية تقع على مسؤوليتها التثبت من شرعية الأنشطة التي تمارسها تلك الفروع وتنفيذها بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية .
ويمكن تقسيم الأنشطة التي تمارسها الفروع الإسلامية على النحو التالي (17):
1 - خدمات مصرفية عامة :
وتشمل هذه الخدمات جميع الخدمات المصرفية الخالية من الفائدة الربوية عادة , كفتح الحسابات الجارية وتسديد فواتير المرافق العامة , وإصدار الشيكات وأوامر الدفع والحوالات المحلية والدولية والاعتمادات المستندية وصناديق الأمانات والخدمات المصرفية الالكترونية والقيام بأعمال الصرافة وغير ذلك .
2 - الاستثمارات الإسلامية :(18/9)
لاتخرج الاستثمارات الإسلامية التي تقوم بها الفروع الإسلامية بشكل عام عن صيغ الاستثمار المعروفة لدى المصارف الإسلامية , حيث اعتمدت تلك الفروع على صيغ وأساليب الاستثمار الإسلامية المطبقة في المصارف الإسلامية كمنطلق لها في هذا المجال , ومن أهم تلك الصيغ التي استخدمتها الفروع الإسلامية في نشاطها الاستثماري المرابحة والمضاربة والمشاركة والاستصناع والإجار والسلم والمتاجرة في صناديق الاستثمار الإسلامية والاكتتاب في أسهم الشركات المساهمة وغير ذلك (18).
وكما هو الحال في المصارف الإسلامية من حيث التركيز على صيغة المرابحة في كثير من أنشطتها الاستثمارية, فإن أسلوب المرابحة يغلب على استثمارات الفروع الإسلامية وخاصة في مجال التجارة الخارجية (19).
3 - التمويل الشخصي الإسلامي :
تقوم بعض الفروع الإسلامية كالفروع الإسلامية التابعة للمصرف الأهلي التجاري بتقديم بعض المنتجات أو الأدوات والصيغ التي صممت لتوفير التمويل للمستهلكين وفقاً للضوابط الشرعية , وتعتمد هذه المنتجات أو الصيغ بشكل عام على أسلوب المرابحة الشخصية وهو أسلوب يوفر للعملاء شراء واقتناع السلع الشخصية بالتقسيط كالمستلزمات المنزلية والسيارات وغير ذلك, حيث يقوم الفرع الإسلامي بشراء السلعة التي يرغب فيها العميل ثم يبيعها له بالتقسيط وعلى أسس خالية من الفائدة الربوية (20).
المبحث الثاني
طبيعة العلاقة بين المصارف الربوية والفروع الإسلامية التابعة لها
إن اختلاف طبيعة عمل كل من المصارف الربوية والفروع الإسلامية التابعة لها يستدعي الوقوف على طبيعة العلاقة بينهما في العديد من النواحي لعل من أهمها ما يلي :
أولاً - طبيعة العلاقة من حيث الملكية والتكييف القانوني(18/10)
تعتبر الفروع الإسلامية في حقيقة الأمر تابعة للمصارف الربوية من حيث الملكية , فليس لتلك الفروع أي شخصية اعتبارية مستقلة عن المصرف الرئيسي فالمالك لهما واحد, وكذلك الحال من حيث التكييف القانوني إذ لايتمتع الفرع الإسلامي بأي صفة مستقلة عن المصرف الرئيسي من وجهة نظر المصرف المركزي الذي يتعامل مع المصرف ككل وليس كفروع مستقلة , ولذلك تظهر الفروع الإسلامية ضمن إطار الخريطة التنظيمية للمصرف الربوي والذي يمتلك كذلك فروعاً أخرى ربوية تعمل بالطريقة التقليدية ولكن لكل منهما أنشطته التي يقوم بها(21).
ثانياً - طبيعة العلاقة من حيث تمويل رأس المال
إن تبعية الفروع الإسلامية للمصارف الربوية وعدم استقلالها عنها يوضح أنه ليس لتلك الفروع رأس مال خاص بها تستخدمه في عملية الإنشاء والبدء في مزاولة الأعمال حتى تنشط ودائعها, كما أن افتقاد الفروع الإسلامية للشخصية الاعتبارية المستقلة من وجهة النظر القانونية يسلبها القدرة على طرح أسهمها للإكتتاب العام لتوفير رأس المال اللازم لإنشائها بعيداً عن أموال المصرف الرئيسي التي يشوبها الربا , ولذلك فإن رأس مال الفروع الإسلامية هو في حقيقة الأمر جزء من رأس مال المصرف الرئيسي الذي يتعامل بالربا (22).
ويقوم المصرف الرئيسي بتمويل رأس مال الفرع الإسلامي عادة بأحد الصور التالية (23):
1- تمويل رأس المال في صورة قرض حسن يحصل عليه الفرع الإسلامي من المصرف الرئيسي , ويتم استرجاعه بعد فترة محددة , وفي هذه الحالة لايحصل المصرف الرئيسي على عائد لقرضه بصفة مباشرة وإنما يكون متبرعاً بهذا العائد لأصحاب الودائع , إلا أن المصرف الرئيسي يحصل على عائد للقرض بطريق غير مباشر وذلك عندما يحول إليه نصيب الفرع الإسلامي (كمضارب) من أرباح الاستثمارات التي قام بها .(18/11)
2- تمويل رأس المال في صورة وديعة استثمارية يتم استردادها دفعة واحدة أو على دفعات مقابل حصول المصرف الرئيسي على نصيبه من الربح في ضوء أرباح الاستثمارات التي يقوم بها الفرع ويعامل المصرف الرئيسي في هذه الحالة معاملة أصحاب الودائع الاستثمارية من عملاء الفرع الإسلامي .
3- تمويل رأس المال عن طريق تخصيص مبلغ معين من أموال المصرف الرئيسي تحت مسمى رأس مال الفرع الإسلامي .
ويلاحظ أن صور التمويل السابقة وإن اختلفت إلا أن مصدرها واحد وهو أموال المصرف الرئيسي الذي يتعامل بالربا , وهذا يثير بعض التحفظات على طريقة تمويل رأس مال الفروع الإسلامية وسيتم مناقشة هذا الموضوع فيما بعد إن شاء الله .
ثالثاً - طبيعة العلاقة من حيث الإدارة
لايتمتع الفرع الإسلامي بشكل عام بالاستقلال الإداري عن المصرف الرئيسي حيث يقوم الأخير باختيار مدير الفرع الإسلامي وموظفيه وكذلك إبداء الرأي في القرارات التي يتخذها الفرع الإسلامي وغير ذلك من الإجراءات التي يتخذها المصرف الرئيسي نظراً لكون الفرع الإسلامي وحدة تابعة للمصرف الرئيسي وليس مستقلة عنه (24).
ويلاحظ هنا أن تبعية الفرع الإسلامي إدارياً للمصرف الرئيسي وعدم الاستقلال التام عنه قد تؤدي إلى محدودية دور إدارة الفرع الإسلامي في إتخاذ القرارات للأنشطة التي يمارسها الفرع على الرغم من أن تميز موارد الفرع الإسلامي ومجالات وصيغ وضوابط توظيف تلك الموارد يتطلب نوعاً من الاستقلال الإداري والمالي عن المصرف الرئيسي , ولتحقيق ذلك قد يستدعي الأمر إنشاء إدارة مستقلة للعمل الإسلامي تؤمن به وتعمل على تطويره ومتابعة كافة الأنشطة التي تمارسها الفروع الإسلامية ويسند إليها اتخاذ كافة القرارات الخاصة بتلك الفروع .
رابعاً - طبيعة العلاقة من حيث الميزانية(18/12)
يعتبر كثير من المختصين أن من المعايير الهامة والحيوية لمصداقية العمل في الفروع الإسلامية هو أن يقوم المصرف الرئيسي بالفصل التام لأموال وميزانية تلك الفروع عن باقي الفروع الأخرى التقليدية (25).
وعلى الرغم من أهمية هذا المعيار إذ يعتبر المحك الرئيسي لنجاح تجربة الفروع الإسلامية إلا أن هذا الفصل بين ميزانية وأموال الفروع الإسلامية عن المصرف الرئيسي وباقي الفروع الأخرى التقليدية يتم داخلياً فقط , فنظراً لأن الفروع الإسلامية ليس لها الاستقلال القانوني عن المصرف الرئيسي فإن النتائج الفعلية لها لاتظهر منفصلة عن الميزانية العمومية للمصرف الرئيسي , ولذا تعتبر ميزانية الفروع الإسلامية قوائم مالية غير رسمية الهدف منها تحديد قياس النتائج الفعلية لتلك الفروع, وبالتالي يعاد دمجها في الميزانية العمومية (26).
ومن ناحية أخرى فإن المعيار السابق يصعب تطبيقه نظراً لأن جزءاً من أموال الفرع الإسلامي سوف تحول إلى المصرف الرئيسي في حالة وجود سيولة عالية لدى الفرع, وبالتالي سوف تختلط أمواله بأموال المصرف الرئيسي الذي يتعامل بالربا (27).
المبحث الثالث
الآراء الاقتصادية حول الفروع الإسلامية
إن إنشاء المصارف الربوية لفروع تتخصص في تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية يحظى بجدل واسع بين المهتمين بشؤون الاقتصاد الإسلامي , وبتتبع آراء العديد من علماء الشريعة والاقتصاديين المهتمين بهذا المجال يتضح أن هناك تباين في الآراء ووجهات النظر يمكن تقسيمها على النحو التالي :
أولاً - المؤيدون للفروع الإسلامية (28):(18/13)
يذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن إنشاء المصارف الربوية لفروع إسلامية يعتبر اعترافاً عملياً منها بنجاح النظام المصرفي الإسلامي والمصارف الإسلامية في الواقع العملي , وأن تلك الفروع تعتبر مكسباً دعائياً للمصارف الإسلامية واعترافاً بجدوى قيام وحدات مصرفية تعمل وفقاً للمنهج الإسلامي وبعيداً عن الأساس التقليدي الذي تقوم عليه المصارف الربوية وهو الفائدة الربوية , كما يعتبر أصحاب هذا الاتجاه أن إنشاء تلك الفروع هو بمثابة رد عملي على الادعاءات التي يروجها الغرب عن الإسلام ومنهجه الاقتصادي .
ويرى أصحاب هذا الاتجاه أنه يمكن التعامل مع الفروع الإسلامية التابعة للمصارف الربوية بشرط التزام تلك الفروع بأحكام الشريعة الإسلامية في كافة معاملاتها , ويستدلوا على ذلك بما يلي (29):
1- أن الفروع الإسلامية تعتبر من وسائل محاربة الربا , وأن رفع بلوى الربا عن المجتمعات الإسلامية هو من أهم المقاصد التي يجب أن يُسعى الى تحقيقها بكل وسيلة ممكنة .
2- أن الفروع الإسلامية هي البديل الممكن حالياً في بعض الدول لصعوبة الحصول على تصاريح لإنشاء المصارف الإسلامية في الوقت الحاضر .
3- أن نجاح هذه الفروع قد يغري المصارف الربوية للتحول الكامل إلى المصارف الإسلامية .
4- أن الفروع الإسلامية تعتبر خطوة للتدرج في تطبيق النظام المصرفي الإسلامي إلى أن يحين الوقت المناسب لتحول المصرف بالكامل إلى مصرف إسلامي , وهذا يتماشى مع منهج الإسلام في التدرج لتطبيق بعض الأحكام كالتدرج في تحريم الخمر وفي فرض الصيام ونحو ذلك .
5- أن الفروع الإسلامية سوف تساهم في اكتساب أساليب التقنية المتقدمة والخبرات المتراكمة لدى المصارف الربوية منذ مئات السنين بما يدعم ويطور العمل المصرفي الإسلامي ويزيد من فعاليته .
ثانياً - المعارضون للفروع الإسلامية (30)(18/14)
ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن الفروع الإسلامية إنما هي وسيلة جديدة لخداع المسلمين واستنزاف أموالهم وأداة لركوب الموجة والسير مع السائد المطلوب دون أن يرتبط ذلك بقناعة بالمنهج الإسلامي , كما أن تلك الفروع لاتعدوا أن تكون واجهة شكلية أرادت بها المصارف الربوية ألا تفوتها فرصة الفوز بحصة من سوق العمل المصرفي الإسلامي التي يتزايد الإقبال عليها بشكل كبير , وذلك تحت مسميات وشعارات إسلامية .
ويميل معظم القائلين بهذا الرأي إلى عدم جواز التعامل مع الفروع الإسلامية التابعة للمصارف الربوية , ويستدلوا على ذلك بما يلي (31):
1- قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ( فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ( (32). ووجه الاستدلال أن الآية الكريمة لم تترك للمسلم الذي يتعامل بالربا حلاً آخر إلا التوبة , فإما التوبة وترك التعامل بالربا وإما الدخول في حرب مع الله تبارك وتعالى أعاذنا الله من ذلك.
2- قوله تعالى : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ( (33). ووجه الاستدلال من الآية الكريمة أن على المسلم أن يأخذ الدين جملة بكامله , فهو كل لايتجزأ, فلا يقبل من المسلم المعترف بحرمة التعامل بالربا الاستمرار فيه , وهذا ينطبق على المصارف الربوية , فلا يقبل منها أن تطبق حكم الله في جانب (وهو الفروع الإسلامية) وتتركه في جانب آخر (وهو الفروع التقليدية) .(18/15)
3- أن الفرع الإسلامي هو في حقيقة الأمر تابع للمصرف الربوي , والقاعدة الفقهية تقول "التابع تابع"(34).وبناء على ذلك فإنه يحكم على الفرع بما يحكم على الأصل(35).
4- أن التعامل مع الفروع الإسلامية قد يؤدي إلى اختلاط الأموال الحلال بالحرام, إذ أن الفصل بين أموال الفروع الإسلامية وأموال المصرف الرئيسي يتعذر في معظم الأحيان وخاصة في استخدامات أموال الحسابات الجارية , كما أن فائض السيولة لدى الفرع الإسلامي يحول إلى المصرف الرئيسي الذي يخلطه بأمواله ويستعمله في استثماراته لحين احتياج الفرع الإسلامي إليه , وفي ذلك إعانة له على الربا.
5- أن الفروع الإسلامية ما هي إلا أداة تسعى بها المصارف الربوية لكسب فرص السوق وليس بدافع إيماني, والدليل على ذلك استمرار تلك المصارف في التعاملات الربوية بعد أن أثبتت الفروع الإسلامية نجاحها.
6- إن ازدواجية النظام في المصارف الربوية التي تقدم خدمات مصرفية إسلامية لانعكس وضوحاً في التصور ولا اعتبارا للموقف الشرعي من قضية الربا .
ثالثاً - القائلون بالتعامل مع الفروع الإسلامية للضرورة (36)
ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن التعامل مع الفروع الإسلامية التابعة للمصارف الربوية قد يؤدي إلى دعم وإعانة المصارف الربوية وفي ذلك دعم وإعانة للباطل واستمراراً له , إلا أنه في حالة عدم وجود البديل الشرعي فإن التعامل مع تلك الفروع يكون للضرورة , أي في حالة عدم وجود مصارف إسلامية أو أي بديل شرعي آخر , فإذا احتاج المسلم للخدمات المصرفية كإيداع الأموال للحفاظ عليها من الضياع أو السرقة أو غير ذلك من الخدمات ولم يجد مصرفاً إسلامياً يتعامل معه , فإنه يكون في حكم المضطر , وفي هذه الحالة يمكن له التعامل مع الفروع الإسلامية , واستدل أصحاب هذا الرأي بما يلي (37):(18/16)
1- قوله تعالى : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ( (38). ووجه الدلالة أن المسلم إذا احتاج لبعض الخدمات المصرفية ولم يجد مصرفاً إسلامياً يتعامل معه فإنه ينطبق عليه حكم المضطر .
2- إن التعامل مع فرع إسلامي , في حالة عدم وجود المصرف الإسلامي , أفضل من التعامل مع مصرف ربوي بحت.
3- قد يؤدي عدم التعامل مع الفروع الإسلامية إلا في حالة الضرورة إلى حث المصارف الربوية للتحول السريع والكامل إلى مصارف إسلامية .
المبحث الرابع
التعامل مع الفروع الإسلامية في ضوء الاقتصاد الإسلامي
إن الجدل الواسع الذي تحظى به ظاهرة إنشاء المصارف الربوية لفروع إسلامية كما تبين في المبحث السابق يستدعي قبل الوقوف على مشروعية التعامل مع الفروع الإسلامية التعرف أولاً على الظروف المحيطة بتلك الفروع إذ سيساعد ذلك على تكوين نظرة أكثر شمولاً وأقرب إلى الواقع العملي الذي تطبق من خلاله ظاهرة الفروع الإسلامية , وبالتالي سيشتمل هذا المبحث على المطلبين التاليين :
المطلب الأول
الظروف المحيطة بالفروع الإسلامية
يقصد بهذه الظروف بشكل عام الأمور المتعلقة بطبيعة الفروع الإسلامية وارتباطها بالمصارف الربوية والأنظمة المعمول بها في البيئة التي توجد بها تلك الفروع وغير ذلك من الأمور التي قد تساعد على التوصل إلى حكم أكثر دقة بخصوص التعامل مع الفروع الإسلامية , ويمكن إيجاز تلك الأمور في النقاط التالية :
أولاً - التحفظات الواردة على الفروع الإسلامية :
وتتمثل هذه التحفظات في ما يشوب الفروع الإسلامية من أمور قد تعرضها للنقد , ومن أهم هذه التحفظات ما يلي :
1 - طريقة تمويل رأس مال الفروع الإسلامية :(18/17)
من أولى التحفظات التي تثار حول الفروع الإسلامية هو ما يختص بنقطة البداية أو الانطلاق لتلك الفروع والتي تتمثل في طريقة تمويل رأس المال , فكما تبين في السابق فإن رأس مال الفروع الإسلامية يتم تمويله عن طريق تقديم المصرف الرئيسي لقرض حسن للفرع الإسلامي, أو عن طريق وديعة استثمارية يودعها المصرف الرئيسي لدى الفرع الإسلامي , ويحصل في مقابلها على نصيبه من الأرباح المتحققة , أو عن طريق تخصيص جزء من رأس مال المصرف الرئيسي لتمويل رأس مال الفرع الإسلامي , ويلاحظ هنا أن طرق التمويل المذكورة وإن اختلفت إلا أن مصدرها واحد وهو أموال المصرف الرئيسي الذي يتعامل بالربا أخذاً وإعطاء , وهذا الأمر قد يثير التساؤل حول مدى تأثير ذلك على التعامل مع الفروع الإسلامية , ويمكن توضيح هذا الأمر على النحو التالي :
أ - بالنسبة للتمويل عن طريق القرض الحسن فمن المعلوم أنه يجوز الاقتراض من أهل المعاصي ومن غير المسلمين طالما كان القرض حسناً ولايجر نفعاً, فقد روت عائشة أن رسول الله ( توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير (39), ومن المعلوم أن اليهود معظم أموالهم من الربا , وبالتالي فإنه يمكن للفرع الإسلامي الحصول على قرض حسن من المصرف الرئيسي بشرط أن يخلو من الفوائد الربوية أو منفعة يحصل عليها المصرف الرئيسي, إلا أنه بإمعان النظر في هذه الصورة نجد أن نصيب الفرع الإسلامي من أرباح الأنشطة الاستثمارية التي قام بها سيتم تحويله إلى المصرف الرئيسي , وبالتالي فإن التعامل مع الفرع الإسلامي سيؤدي في نهاية الأمر وبشكل غير مباشر إلى دعم المصرف الرئيسي الذي يتعامل بالربا ويصر على ذلك .(18/18)
ب- بالنسبة للتمويل عن طريق الوديعة الاستثمارية أو في صورة جزء من رأس مال المصرف الرئيسي يخصص لتمويل رأس مال الفرع الإسلامي ويحصل على حصته من العائد مقابل ذلك, فإن المصرف الرئيسي في هذه الحالة يعتبر شريكاً للفرع الإسلامي ويعامل معاملة المودعين بغرض الاستثمار , وبالتالي فإن الحكم على هذه الصورة يمكن أن يستفاد من خلال ما تناوله الفقهاء في حكم مشاركة أهل الكتاب , فقد ذهب الكاساني إلى أنه لايشترط إسلام المضارب أو رب المال فتصح المضاربة بين أهل الذمة ,كما تصح بين المسلم والذمي والمستأمن (40), كما نص على أن شركة العنان جائزة بين المسلم والذمي , إلا أنه يكره للمسلم أن يشارك الذمي لأنه يباشر عقوداً لا تجوز في الإسلام(41), وذكر ابن نجيم عن أبي يوسف قوله "تجوز شركة العنان بين المسلم والذمي, إلا إنها تكره لأن الذمي لايهتدي إلى الجائز من العقود" (42).
وقد كره الإمام الشافعي مشاركة أهم الكتاب مطلقاً لما رواه عن ابن عباس أنه قال (أكره أن يشارك المسلم اليهودي) ولما رواه الأثرم عن أبي حمزة عن ابن عباس أنه قال (لاتشاركن يهودياً ولانصرانياً ولامجوسياً , لأنهم يربون والربا لايحل) (43).
وجاء في المدونة الكبرى ما نصه (لاتصح شركة النصراني والمسلم واليهودي في قول مالك, إلا أن يكون لايغيب النصراني واليهودي على شيء في شراء ولاقبض ولاتقاضي إلا يحضرة المسلم معه فإذا كان يفعل هذا الذي وصفت وإلا فلا ) (44).
وقال ابن قدامة "يشارك المسلم اليهودي والنصراني ولكن لايخلو اليهودي والنصراني بالمال دون المسلم ويكون هو الذي يليه , لأنه (أي اليهودي والنصراني) يعمل بالربا" (45).
وبإمعان النظر في النصوص السابقة يتبين أن الفقهاء يجمعون على كراهة مشاركة المسلم لليهودي والنصراني لأنه لايؤمن تعاملهم بالربا وغير ذلك من المعاملات غير المشروعة, كما أنهم يجيزون هذه المشاركة إذا كان التصرف بيد المسلم .(18/19)
وبالقياس على ما سبق يمكن القول أنه إذا أجاز الفقهاء مشاركة المسلم لغير المسلم فمشاركة المسلم العاصي تجوز من باب أولى , فإذا كان المصرف الرئيسي لايلي التصرف بل يليه الفرع الإسلامي , وقام هذا الفرع بجميع التصرفات وفق أحكام الشريعة فإن المحذور يزول فتجوز الشركة بهذه الصورة , إلا أن التعامل مع الفرع الإسلامي سيؤدي في نهاية الأمر كما تبين في السابق إلى دعم موقف المصرف الرئيسي الربوي .
2 - التبعية وعدم الاستقلال التام :
من ضمن التحفظات التي تثار حول الفروع الإسلامية أن هذه الفروع كما تبين في السابق تابعة للمصارف الربوية وليست مستقلة عنها. وهذه المصارف تتعامل بالربا بل وتصر على ذلك وتجاهر به , وقد يكون في التعامل مع هذه الفروع عوناً لتلك المصارف الربوية على الاستمرار والبقاء, وفي ذلك عوناً على إستمرار الباطل , ومن ناحية أخرى قد يؤدي تشجيع تلك الفروع بالتعامل معها إلى انتفاء الحاجة إلى إنشاء المزيد من المصارف الإسلامية , وبالتالي تضييق الفرصة أمام الجهود التي تبذلها المصارف الإسلامية لإقناع الجهات المختصة بالدور الهام الذي تقوم به في خدمة المجتمع وتنميته اقتصادياً واجتماعياً , وبأهمية السماح بإنشاء المصارف الإسلامية بحرية وبالعدد الذي يستوعب متطلبات سوق الخدمات المالية والمصرفية الإسلامية التي يزيد حجمها باستمرار .
3 - اختلاط الأموال الحلال بالحرام :(18/20)
من ضمن الأمور التي تشوب الفروع الإسلامية والتي تقلق كثيراً من العملاء ما قد يحدث من اختلاط أموال الفروع الإسلامية بأموال المصرف الرئيسي والفروع الأخرى التقليدية . إذ غالباً ما يتم تحويل فائض السيولة لدى الفروع الإسلامية , والذي يتكون نتيجة للإقبال الكبير عليها , إلى المصرف الرئيسي الذي يقوم باستخدامه في تعاملاته الربوية لحين احتياج الفروع الإسلامية إليه . وتحصل تلك الفروع مقابل ذلك على جوائز من المصرف الرئيسي أو قيام الأخير بتقديم خدمات مصرفية مجانية لها كتنفيذ الاعتمادات المستندية وعمليات الاستيراد والتصدير أو خدمات أخرى بدون عمولة(46).
وبإمعان النظر في عملية تحويل فائض السيولة من الفرع الإسلامي إلى المصرف الرئيسي يلاحظ أن هذه العملية تتضمن جانبين , يختص الأول منها بما تنطوي عليه هذه العملية من إعانة ودعم لعنصر السيولة في المصرف الرئيسي , إذ ستصبح ودائع عملاء الفروع الإسلامية من المصادر الهامة للسيولة النقدية التي يعتمد عليها المصرف الرئيسي لمنح القروض الربوية وفي ذلك إعانة على المنكر, أما الجانب الآخر فيختص بما تؤدي إليه هذه العملية من اختلاط الأمول الحلال بالحرام, إذ ستختلط الأرباح التي سيحصل عليها الفرع الإسلامي من استثماراته التي يقوم بها بالفوائد التي يحصل عليها الفرع الإسلامي في صورة جوائز أو خدمات مجانية كما تبين في السابق , وبالتالي قد يقع أصحاب الحسابات الاستثمارية في حرج وقلق بسبب ما قد يحدث من اختلاط الأرباح التي ستوزع عليهم بالفوائد الربوية .(18/21)
وبتتبع آراء الفقهاء في مسألة اختلاط المال الحلال بالحرام نجد أن العديد منهم يرى أنه يجوز التصرف في المال الذي اختلط به الحرام إذا أخرج مقدار الحرام , فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "أن كثيراً من الناس يتوهم أن الدراهم المحرمة إذا اختلطت بالدراهم الحلال حرم الجميع, وهذا خطأ , وإنما تورع بعض العلماء فيما إذا كانت قليلة , وأما مع الكثرة فما أعلم فيه نزاعاً " (47). كما ذهب شيخ الإسلام إلى أن "من اختلط بماله الحلال والحرام أخرج قدر الحرام, والباقي حلال له " (48).
وذكر ابن القيم رحمه الله في مسألة اختلاط المباح بالمحظور قوله "هذا لا يوجب اجتناب الحلال ولاتحريمه البتة , بل إذا خالط ماله درهم حرام , أو أكثر منه أخرج مقدار الحرام وحل له الباقي بلا كراهة, سواء أكان المخرج عين الحرام أم نظيره , لأن التحريم لم يتعلق بذات الدرهم وجوهره , وإنما تعلق بجهة الكسب فيه , فإذا أخرج نظيره من كل وجه لم يبق لتحريم ما عداه معنى " (49).
وقال العز بن عبدالسلام في هذه المسألة " وإن غلب الحلال , بأن اختلط درهم حرام بألف درهم حلال, جازت المعاملة كما لو اختلطت أخته من الرضاع بألف امرأة أجنبية "(50) .
وبناء على ما تقدم من نصوص فإنه يجب إخراج مقدار الفوائد الربوية التي اختلطت بأرباح الفرع الإسلامي , وبما أن العملاء أصحاب الحسابات الاستثمارية لايعرفون مقدار تلك الفوائد التي اختلطت بالأرباح فإن هذا الأمر يقع على عاتق الفرع الإسلامي إذ يجب عليه أن يقوم بفصل الفوائد الربوية التي حصل عليها في صورة جوائز أو خدمات مجانية عن باقي أمواله والتخلص منها في وجوه الخير .
ومن ناحية أخرى فإنه يمكن للفرع الإسلامي الخروج من هذا الإشكال وذلك عن طريق استخدام بعض الأدوات المقترحة لامتصاص فائض السيولة لديه بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية, ومن تلك الأدوات ما يلي (51):(18/22)
أ - تحويل فائض السيولة إلى الفروع الإسلامية الأخرى التي لا تواجه هذه المشكلة , إلا أن استخدام هذه الأداة سيكون محدوداً نظراً لأن معظم الفروع الإسلامية الأخرى ستواجه نفس المشكلة من حيث فائض السيولة .
ب - التوسع في تمويل المشاريع الاستثمارية طويلة ومتوسطة الأجل , إذ أن ذلك سيقلل من فائض السيولة بشكل كبير نظراً لما تستدعيه تلك المشاريع من تمويلات ضخمة , ومن ناحية أخرى فإن أرباح تلك الفروع سوف تزيد , إذ أن مجالات الاستثمار الأكثر ربحية ترتبط عادة بمجال الاستثمار في المشاريع طويلة ومتوسطة الأجل وخاصة طويلة الأجل .
ج - تعاون الفروع الإسلامية مع بعضها البعض لتكوين سلة استثمارات متوسطة وطويلة الأجل كإنشاء شركات استثمار كبيرة أو نحو ذلك .
د- فتح حسابات استثمار في المصارف الإسلامية القائمة .
4 - عدم الثقة في مصداقية العمل والتدرج في التطبيق :
من ضمن التحفظات التي ترد على الفروع الإسلامية ما يثار حول مصداقية سير العمل المصرفي الذي يقدم من خلال تلك الفروع وفق أحكام الشريعة الإسلامية, إذ أن طبيعة عمل المصرف الرئيسي التي تقوم أساساً على الفوائد الربوية تفقد كثيراً من العملاء ثقتهم في مصداقية تطبيق أحكام الشريعة في التعاملات التي ستتم من خلال الفروع الإسلامية خاصة إذا كان الذين يقومون على إدارة العمل الإسلامي والتقليدي (الربوي) هم نفس الفريق . ويزيد من فقدان تلك الثقة إذا لم توجد هيئة رقابة شرعية دائمة تقوم بالتدقيق والتثبت من سير جميع المعاملات التي تتم في الفروع الإسلامية وفق أحكام الشريعة الإسلامية .(18/23)
أما بخصوص ما يحتج به المؤيدون للفروع الإسلامية من أن هذه الفروع ما هي إلا خطوة للتدرج في تطبيق النظام المصرفي الإسلامي إلى أن يحين الوقت المناسب للتحول الكامل إلى مصرف إسلامي , فإن عدم الثقة في مصداقية هذا التوجه يرجع إلى أن بعض المصارف الربوية بعد أن تجاوزت مرحلة البداية في مشروعها للتدرج نحو التحول الكامل للعمل بأحكام الشريعة الإسلامية أصبحت تعد الخطط والبرامج التي تسمح للفروع التقليدية أيضاً بتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية للعملاء الراغبين في ذلك (52). وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى عدم الحاجة في المستقبل إلى تحويل باقي الفروع التقليدية إلى فروع إسلامية أو التسويف والمماطلة في التحول الكامل إلى مصرف إسلامي كما كان يتوقع العملاء في بداية الأمر .(18/24)
ومن ناحية أخرى فإن هناك من يرى أن الأخذ بمبدأ التدرج في هذه المسألة قد يتعارض مع قوله تعالى : ( وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ( (53). وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ( فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ( (54). ففي الآيات السابقة أمر المولى تبارك وتعالى بترك الربا والانتهاء عنه بالتوبة منه . وشروط التوبة معروفة في الفقه الإسلامي, ومن أهمها ترك المعصية والإقلاع عنها فوراً , وبالتالي لا يقبل من المسلم العالم بحرمة الربا الاستمرار فيه, وهذا ينطبق على المصارف الربوية التي يمتلكها أو يديرها المسلمون , فلا يقبل من أصحاب هذه المصارف والقائمين عليها من المسلمين تقديم عمل مصرفي إسلامي في بعض الفروع وفي نفس الوقت يصيروا على التعامل بالربا في الفروع الأخرى , فالدين قد اكتمل وهو كلٌ لايتجزأ (55).(18/25)
ويلاحظ هنا أن وجهة النظر السابقة وإن كان لها محلها من الاعتبار والاستدلال , إلا أن بعض المصارف الربوية في العديد من المجتمعات الإسلامية تعتبر في حالة الضرورة للأخذ بمبدأ التدرج في التطبيق , فإذا أقفل أمامها هذا الباب ماذا ستكون النتيجة ؟ إن النتيجة المترتبة على ذلك هي حرمان المصارف الربوية الصادقة في توجهها من فرصة التحول إلى العمل المصرفي الإسلامي , وهذا هو أمل كل مسلم, ومن ناحية أخرى سيترتب على ذلك أيضاً حرمان بعض المجتمعات الإسلامية التي يصعب فيها إنشاء مصارف إسلامية من هذا البديل المتاح حالياً , وبالتالي إذا كانت هناك ضرورة قصوى للأخذ بمبدأ التدرج للتحول الكامل إلى العمل المصرفي الإسلامي فلا بأس بذلك, بشرط أن يكون الأخذ بهذا المبدأ حسب خطة صريحة وواضحة يلتزم بها المصرف ويقرها المختصين من علماء الشريعة الإسلامية كما سيتبين ذلك فيما بعد إن شاء الله .
ثانياً - موقف الإسلام من الربا وما جاء من الوعيد الشديد للمتعاملين به:(18/26)
إن المتتبع لقضية الربا في التعاملات المصرفية يلاحظ أنه عندما إزداد وعي المجتمعات الإسلامية بحرمة الربا وخطورته على الأفراد والمجتمعات والإثم والشر والمحق المصاحب له, وتأصلت رغبة عامة لدى تلك المجتمعات بإنشاء المصارف الإسلامية , بدأ التشكيك في حرمة تلك التعاملات وذلك عن طريق إقناع الناس بأن الفائدة المصرفية المعروفة ليست هي الربا المحرم , وقد تداعى للرد على ذلك سائر العلماء وهيئات الفتوى التي تتمتع بثقة المسلمين , وبانتشار ظاهرة الفروع الإسلامية التابعة للمصارف الربوية بدأ كثير من الأفراد يتساءلون عن حكم التعامل مع تلك الفروع نظراً لأن ازدواجية النظام لانعكس وضوحاً في موقف تلك المصارف من قضية الربا ولذلك كان من المهم قبل التعرف على حكم التعامل مع الفروع الإسلامية التأكيد على موقف الإسلام من الربا والنصوص الواردة في ذلك , إذ أن هذا التمهيد ضروري لتكوين نظرة متكاملة حول هذه المسألة . فمن المعلوم من الدين بالضرورة وبالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أن الإسلام يعتبر التعامل بالربا من أعظم الكبائر , بل لم يتوعد المولى تبارك وتعالى أحداً من أهل الكبائر بالحرب مثل ما توعد بحرب من أصر على التعامل بالربا . كما أن هذا الوعيد ينسحب على كل من يساعد على القيام بالربا , ومن النصوص الواردة في هذا الشأن ما يلي :(18/27)
1- قوله تعالى : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كُفَّارٍ أَثِيمٍ( (56).
2- وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ( فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ( (57).
3- وقال النبي ( : " اجتنبوا السبع الموبقات . قالوا : يارسول الله وما هن , قال : الشِّرك بالله, والسِّحر وقتل النَّفس الّتي حرَّم الله إلا بالحق وأكل الرِّبا وأكل مال اليتيم والتَّولِّي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " (58).
4- وقال ( : "الرّبا سبعون حوباً(59) , أيسرها أن ينكح الرجل أمه " . صححه الشيخ الألباني(60) .
5- وعن جابر رضي الله عنه قال : لعن رسول الله ( آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء" (61).(18/28)
كما بين سماحة الشيخ عبدالعزيز بن بار رحمه الله أن التعامل بالرب يغضب الرب عز وجل ويسبب عدم قبول العمل , فقد صح عن الرسول ( أنه قال : "إن الله تعالى طيب لايقبل إلا طيباً" وأن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين , فقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ( (62). وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ( (63). ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك " (64). وبين سماحته أن على المسلم أن يكتفي بما أباح الله ورسوله ( , وأن يكف عما حرمه الله ورسوله, ففيما أباح الله كفاية وغنى عما حرم , وقد أصبح كثير من الناس لايهتم بأحكام الإسلام وإنما يهتم بما يدر عليه المال من أي طريق كان وما ذلك إلا لضعف الإيمان وقلة الخوف من الله عزوجل وغلبة حب الدنيا على القلوب(65).
وبالتمعن في النصوص السابقة وما جاء فيها من الوعيد لا يبقى لأصحاب المصارف الربوية والقائمين عليها مجال للتردد في التوبة أو التسويف فيها أو الركون بدون ضرورة إلى ما يسمى بالنظام المزدوج لأنه تقاعس عن ا لقيام بالواجب الأصلي وهو تحول تلك المصارف السريع والكامل إلى مصارف إسلامية .
ثالثاً - صعوبة الحصول على تراخيص لإنشاء المصارف الإسلامية :(18/29)
من النقاط الهامة والتي ينبغي عدم إهمالها في التعرف على حكم التعامل مع الفروع الإسلامية بشكل أكثر واقعية ودقة الأخذ في الاعتبار ما تعاني منه بعض المجتمعات من صعوبة الحصول على تراخيص لإنشاء مصارف إسلامية , إذ لاتزال المصارف المركزية في العديد من الدول الإسلامية تتردد في إصدار قوانين تسمح بإنشاء المصارف الإسلامية وتنظيم عملها بما يتلاءم مع طبيعة وخصوصية هذه المصارف , رغم أن إصدار مثل هذه القوانين سوف يزيد من روح المنافسة بين المصارف بما يرفع من كفاءتها ويزيد من تطوير خدماتها وانخفاض تكلفة التعامل معها , وهذا بدوره سيؤدي إلى زيادة الطلب على خدماتها والتوسع في إنشاء المشاريع الإنتاجية بما يخدم عملية التنمية في المجتمع , إذ أن الصناعة المصرفية المتطورة هي من العناصر الهامة في البنية الأساسية اللازمة لتقدم أي اقتصاد .
ومن ناحية أخرى فإن إصدار مثل تلك القوانين سيخضع المصارف الإسلامية لرقابية السلطات النقدية كما سيقضي على أي تجاوزات قد تنجم عن عدم وضوح الناحية القانونية والتنظيمية حول تلك المصارف , مما سيؤدي في النهاية إلى اطمئنان المتعاملين مع المصارف الإسلامية على حقوقهم وأموالهم , وهذا بدوره سيؤدي إلى انخفاض نسبة خروج الأموال الوطنية للخارج للبحث عن أوعية ادخارية أو استثمارية إسلامية محمية من السلطات النقدية .
وإزاء هذا الموقف المتردد والمتحفظ في بعض الأحيان من قبل المصارف المركزية للسماح بإنشاء المصارف الإسلامية قد تكون الفروع الإسلامية التابعة للمصارف الربوية هي البديل المتاح حالياً أمام شريحة كبيرة من أفراد المجتمع والتي تتورع عن إيداع أموالها أو استثمارها لدى المصارف الربوية .(18/30)
ويلاحظ هنا أنه رغم هذا الموقف المتحفظ تجاه النشاط المصرفي الإسلامي إلا أن ذلك لايعفي المصارف الإسلامية من بذل مزيد من الجهد لإقناع المصارف المركزية بأهمية وفعالية الدور الذي تقوم به المصارف الإسلامية في أسلمة أساليب وصيغ الاستثمار والعودة بها إلى جادة الطريق وإلى المنهج الذي يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية , وأيضاً الدور الكبير والهام لهذه المصارف في تنمية المجتمعات الإسلامية اقتصاديا واجتماعياً, هذا بالإضافة إلى مقدرة المصارف الإسلامية الكبيرة في تجميع وتعبئة المدخرات اللازمة لدفع عجلة التنمية الاقتصادية في المجتمع نظراً للإقبال الكبير عليها, وهذه الخاصية للمصارف الإسلامية يشهد بها حتى المنافسين لها من المصارف الربوية , بل هي أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت المصارف الربوية لفتح الفروع الإسلامية كما تبين في المبحث الأول.
المطلب الثاني
حكم التعامل مع الفروع الإسلامية
بعد استعراض آراء المهتمين بشؤون الاقتصاد الإسلامي حول الفروع الإسلامية وأدلة كل فريق , وفي ضوء الظروف المحيطة بظاهرة الفروع الإسلامية يمكن القول بشكل عام أن الوقوف على حكم التعامل مع تلك الفروع يستدعي تقسيم الاقتصاديات إلى قسمين حتى يمكن الحكم على كل قسم بما يناسبه , لأن التعميم هنا قد يكون غير مناسب , ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
أولاً - الفروع الإسلامية في الاقتصاديات الوضعية :
أمام التزايد المستمر والكبير لأعداد المسلمين في الدول الغربية وتنامي أموالهم ورغبتهم في استثمارها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية قامت بعض المصارف الغربية منذ سنوات بفتح فروع للمعاملات الإسلامية بهدف جذب أموال المسلمين هناك والاستفادة منها في تعظيم أرباحها وتوفير رؤوس الأموال لتمويل مزيد من المشروعات وذلك تحت شعارات إسلامية دون أن يرتبط هذا العمل بقناعة بأحكام الشريعة الإسلامية أو النظام المصرفي الإسلامي (66).(18/31)
ويلاحظ هنا أنه على الرغم من أن الفروع الإسلامية للمصارف الغربية قد تكون عبارة عن ظاهرة شكلية دون التقيد الفعلي بأحكام الشريعة إلا أنه في ظل غياب المصارف الإسلامية في معظم الدول الغربية فإنه لاحرج على المسلم الذي يعيش في الغرب ولايجد البديل الإسلامي الذي يطمئن إليه من التعامل مع هذه الفروع الإسلامية للضرورة , فإذا تحققت الضرورة ولم يوجد البديل الإسلامي ففي هذه الحالة يكون التعامل مع الفرع الإسلامي المشكوك في مصداقية تعامله وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية أفضل من التعامل مع مصرف ربوي مجاهر بالربا ومصر عليه . ولكن قبل الإقدام على التعامل مع تلك الفروع فإن على الجاليات الإسلامية في الغرب أن تبذل جهدها وما في وسعها لإيجاد البديل الإسلامي , كالتعاون فيما بينهم لإقامة مصرف إسلامي يكون له فروع في العديد من العواصم والمدن الغربية الكبرى , فإذا لم يستطيعوا إيجاد البديل فإن تلك الجاليات تكون في حكم المضطر وينطبق عليها قوله تعالى: ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ( (67).(18/32)
وانطلاقاً من مبدأ الأمر بالتعاون على البر والتقوى والنهي عن التعاون على الإثم والعدوان , وضرورة إسهام كل مسلم بقدر طاقته واستطاعته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ونظراً إلى أن الربا من أعظم الذنوب والكبائر , فإن على أصحاب رؤوس الأموال الإسلامية والقائمين على المصارف الإسلامية أن يقوموا بواجبهم تجاه إخوانهم المسلمين في الغرب بمد يد المساعدة لهم وذلك عن طريق التعاون لإقامة مصرف إسلامي كبير تنتشر فروعه في معظم العواصم والمدن الغربية الكبرى لجذب أموال المسلمين هناك واستثمارها وفق المنهج الإسلامي وبعيداً عن الشكوك والشبهات التي تحاصر الفروع الإسلامية في المصارف الغربية, أو فتح فروع للمصارف الإسلامية القائمة حالياً لكي تعمل في الدول الغربية وبذلك يمكن توظيف واستثمار أموال المسلمين هناك بما يحقق مصالحهم وبالتالي تُحْرَم المصارف الغربية التي يسيطر عليها اليهود عادة من الاستفادة من تلك الأموال .
ثانياً - الفروع الإسلامية في الاقتصاديات الإسلامية :
بإمعان النظر في هذا القسم نجد أنه تنتفي الضرورة هنا للتعامل مع الفروع الإسلامية التابعة للمصارف الربوية , إذ يفترض في الاقتصاديات الإسلامية عدم وجود المصارف الربوية أصلاً , فإن وجدت - وهذا هو الواقع المؤلم- وسُمح بإقامة مصرف إسلامي أو أكثر فإن الواجب على كل مسلم أن يستبرئ لدينه وأن يكتفي بما هو حلال محض عما فيه الشبه والريبة , فالرسول ( يقول: "إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن, وبينهما أمور مشتبهات لايعلمهن كثير من الناس , فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه , ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام , كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه , ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه " (68).(18/33)
وبناء على ما تقدم يمكن القول بشكل عام أن الحكم على التعامل مع الفروع الإسلامية في الاقتصاديات الإسلامية ينبني أساساً على نقطة هامة وهي وجود المصارف الإسلامية من عدمه , ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
أ - حالة وجود المصارف الإسلامية :
وفي هذه الحالة على المسلم ترك التعامل مع الفروع الإسلامية التابعة للمصارف الربوية تورعاً لما يشوبها من شبهات كما تبين في السابق , وأن يحرص على التعامل مع المصارف الإسلامية وإيثارها على غيرها إكتفاء بما هو حلال وابتعاداً عما فيه حرام أو شبهة , وأيضاً من باب التعاون على البر والتقوى والابتعاد عن التعاون على الإثم والعدوان واحتساب الأجر في هذا الأمر عند الله تعالى , هذا فضلاً عن اعتبار ذلك من ثمار التقوى وتحري أسباب الرزق الطيب والكسب الحلال , قال تعالى : ( ... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاًّ ( وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ...( (69).
ويلاحظ هنا أن ترك التعامل مع الفروع الإسلامية تورعاً لما فيها من شبهات يترتب عليه ترك التعامل مع المصارف الربوية وجوباً لقيامها على الربا امتثالا لأمر الله تبارك وتعالى ووقوفاً عند حدوده واجتناباً لغضبه وسخطه وأليم عقابه وبعداً عن الدخول في حرب مع الله ورسوله ( كما تبين في المطلب الأول .(18/34)
ومما تجدر الإشارة إليه هنا هو حساسية هذا الموضوع وأهمية التروي فيه والأخذ بجميع أبعاده والأمور المترتبة عليه, إذ أن الفروع الإسلامية قد تكون فعلاً خطوة إيجابية ومشجعة للمصارف الربوية للتحول إلى النظام المصرفي الإسلامي , وقد تؤدي معارضة إنشاء تلك الفروع إلى حرمان المجتمع الإسلامي من فرصة ثمينة لتحول المصارف الربوية إلى مصارف إسلامية , وبناء على ذلك يمكن القول بالتعامل مع المصرف الربوي الذي يريد أن يتوب ويرجع إلى الله وأن يتحول فعلاً وبعزيمة صادقة إلى مصرف إسلامي إلا أنه لا يستطيع ذلك دفعة واحدة لتعارض ذلك مع القوانين واللوائح المنظمة للعمل المصرفي في المجتمع الذي يمارس فيه المصرف أعماله مثلاً , أو لأن المصرف يحتاج إلى بعض الوقت لتصفية الحقوق والالتزامات السابقة أو غير ذلك من العقبات , فإذا بذل القائمون على المصرف جهدهم للتغلب على العقبات التي تحول دون التحول دفعة واحدة ولم يستطيعوا ذلك فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها , وبما أن باب التوبة مفتوح , وبما أن المولى تبارك وتعالى يفرح بتوبة عباده , وبما أن رجوع تلك المصارف إلى الحق وإلى العمل بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية فيه خير كثير للأمة , فلا بأس في هذه الحالة من الأخذ بمبدأ التدرج في التحول , ولا بأس أيضاً من تشجيع هذا المصرف بالتعامل مع فروعه الإسلامية فقط وبشرط أن يقوم المصرف بالإجراءات التي تدل على صدق توجهه نحو التحول الكامل حتى لا يكون ذلك مجرد ظاهرة شكلية, ومن تلك الإجراءات ما يلي (70):
1- إعداد خطة عادلة يقرها علماء الشريعة لتصفية الحقوق والالتزامات السابقة .(18/35)
2- إعداد جدول زمني محدد ومعلن رسمياً يقره العلماء ذوي الخبرة في مجال العمل المصرفي للانتهاء من التعامل بالربا أو أي محذور شرعي آخر , وذلك عن طريق التدرج في تحويل الفروع التقليدية التابعة للمصرف إلى فروع إسلامية إلى أن يحين الوقت الذي تم تحديده وأعلن عنه لتحويل المصرف بالكامل إلى مصرف إسلامي.
ويجب التأكيد هنا على أهمية الالتزام التام للعمل بالجدول الزمني المعلن, وأن المحك الرئيسي لمصداقية التدرج في التحول هو في التطبيق الفعلي لهذا الجدول , ومن ناحية أخرى يجب ألا تطول الفترة الزمنية للتحول حتى لايفقد المتعاملين مع المصرف ثقتهم في مصداقية التحول.
3- قبل البدء في افتتاح الفروع الإسلامية يجب تعيين هيئة رقابة شرعية دائمة من كبار العلماء الموثوق بهم وبعلمهم وخبراتهم في مجال العمل المصرفي الإسلامي لتعمل على التثبت من شرعية العقود وصيغ الاستثمار التي تعمل بمقتضاها الفروع الإسلامية, وأن جميع الأنشطة والعمليات التي تقوم بها تلك الفروع يتم تنفيذها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية وضوابطها.
4- ضرورة الالتزام الفعلي بالفصل التام بين أموال وأنشطة الفروع الإسلامية وأموال وأنشطة المصرف الرئيسي والفروع الأخرى التقليدية , وأن يضع القائمون على المصرف نصب أعينهم أن هذا الفصل هو معيار هام وحيوي لمصداقية العمل المصرفي الإسلامي الذي يتم من خلال الفروع الإسلامية للمصرف .
5- العمل على الاستقلال المحاسبي للفروع الإسلامية عن المصرف الرئيسي والفروع الأخرى الاستعانة بالمختصين في هذا المجال لتحقيق ذلك .
6- العمل على إنشاء إدارة مستقلة تقوم بشؤون الفروع الإسلامية وتوفير احتياجاتها وتذليل وحل المشاكل والعقبات التي يمكن أن تواجهها , والعمل على تطوير تلك الفروع وتوفير الموارد البشرية المؤهلة والمدربة والرفع من كفاءتها باستمرار وغير ذلك.(18/36)
7- استحضار النية الخالصة والصادقة واحتساب الأجر عند الله تعالى في القيام بعملية التحويل وفي ممارسة الأنشطة المصرفية وفق أحكام الشريعة واستشعار أن هذا العمل هو عبادة وطاعة وليس عمل تقليدي , لأن استشعار ذلك سيساعد بإذن الله على تحمل الأعباء والمعوقات التي يمكن أن تواجه عملية التحول . وما أجمل أن يستحضر القائمون على عملية التحويل قوله تعالى : ( ... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاًّ ( وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ( (71). وقوله تعالى : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ ( (72).
ب - حالة عدم وجود المصارف الإسلامية :
وهي حالة المجتمع الإسلامي الذي لاتوجد به مصارف إسلامية , أو لايسمح أو يصعب فيه الحصول على ترخيص لإنشاء المصارف الإسلامية , وفي هذه الحالة يكون التعامل مع الفروع الإسلامية التابعة للمصارف الربوية للضرورة كما تبين في السابق , فإذا وجدت المصارف الإسلامية انتفت الضرورة ووجب التحول للتعامل مع تلك المصارف الإسلامية .(18/37)
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تحفظ المصارف المركزية في بعض الدول الإسلامية تجاه النشاط المصرفي الإسلامي لا يعفي القائمين على المصارف الإسلامية والمهتمين بشؤون الاقتصاد الإسلامي في تلك المجتمعات من بذل الجهد والنصح بالحكمة والموعظة الحسنة لإقناع القائمين على المصارف المركزية بأهمية الدور الذي تقوم به المصارف الإسلامية في تنمية المجتمع الإسلامي اقتصادياً واجتماعياً وفي دفع عجلة التنمية من خلال تعبئة المدخرات وتمويل المشروعات الإنتاجية التي يحرص أصحابها على تمويلها بصيغ وأساليب الاستثمار الإسلامية التي تتبعها المصارف الإسلامية , وأن المصارف الإسلامية إنما هي في حقيقة الأمر قوة دافعة للاقتصاد وليست معوقه له .
المبحث الخامس
الآثار الاقتصادية لإنشاء الفروع الإسلامية
لقد ترتب على إنشاء المصارف الربوية لفروع تقدم الخدمات المصرفية الإسلامية العديد من الآثار الاقتصادية الإيجابية والسلبية , ويمكن إيجاز أهم تلك الآثار على النحو التالي :
أولاً - الآثار الإيجابية (73):
1- لقد أظهرت هذه التجربة أن هناك شرائح كبيرة من أفراد المجتمعات الإسلامية ترغب بل وتبحث عن البديل الإسلامي للمصارف الربوية , وهو الأمر الذي أكده الإقبال الكبير على الفروع الإسلامية في ظل غياب المصارف الإسلامية .
2- إن إقدام المصارف الربوية على فتح فروع إسلامية إنما هو اعتراف عملي منها بنجاح النظام المصرفي الإسلامي ودحض للأسطورة التي يتمسك بها الغرب وهي عدم إمكانية قيام النشاط الاقتصادي على غير الأساس التقليدي القائم على سعر الفائدة الربوية , ومن ناحية أخرى فإن إنشاء الفروع الإسلامية في الغرب يعتبر مكسباً دعائياً كبيراً للإسلام ورداً عملياً على المشككين في صلاحية الإسلام للتطبيق في الحياة العملية , كما قد يؤدي ذلك إلى التقليل من حدة العداء للمصارف الإسلامية .(18/38)
3- قد تكون الفروع الإسلامية خطوة إيجابية للتحول إلى العمل بالنظام المصرفي الإسلامي , كما قد يؤدي نجاح تلك الفروع إلى تحول المصارف الربوية الأخرى إلى مصارف إسلامية , إلا أنه يجب متابعة هذه الظاهرة حتى لاتكون مجرد ظاهرة شكلية الغرض منها إستنزاف المزيد من أموال المسلمين وثرواتهم .
4- السماح بإنشاء الفروع الإسلامية في العديد من الدول العربية والإسلامية يدل على أن السلطات النقدية في تلك الدول بدأت تقتنع ولله الحمد بجدوى ونجاح النظام المصرفي الإسلامي وبأهمية المصارف الإسلامية ودورها في تنمية المجتمع , وأن المصارف الإسلامية إنما هي قوة دافعة للاقتصاديات النامية لتخطي العقبات التي تواجه تلك الاقتصاديات وخاصة عقبة عدم توفر رأس المال بالشكل المطلوب.
5- إقدام المصارف الربوية على فتح فروع إسلامية سيجعلها توظف ما تملكه من تكنولوجيا متطورة في هذا المجال وما لديها من خبرات طويلة لتطوير وتفعيل أداء الخدمات المصرفية الإسلامية .
6- إن الإقبال المتزايد على الخدمات المصرفية الإسلامية وصيغ الاستثمار الإسلامي سيؤدي في المدى الطويل إلى إعادة توزيع الودائع بين النظام المصرفي الإسلامي والنظام المصرفي الربوي بحيث يتوسع الأول على حساب الثاني إذا أحسن القائمون على المصارف الإسلامية الاستفادة من هذه الفرصة .
ثانياً - الآثار السلبية (74):
1- إن موافقة المصارف المركزية على إنشاء المصارف الربوية لفروع إسلامية يثير تساؤلاً هاماً وهو كيف يمكن فهم تحفظ المصارف المركزية على نشاط المصارف الإسلامية وفي نفس الوقت يسمح للمصارف الربوية بفتح فروع إسلامية ؟
2- لقد أظهرت هذه التجربة تقاعس مالكي المصارف الربوية أو المسؤولين فيها عن قيامهم بالواجب الأصلي وهو بذل الجهد لتحويل تلك المصارف إلى الالتزام الكامل والشامل للتعامل وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية .(18/39)
3- قد يؤدي تقديم العمل المصرفي الإسلامي من قبل المصارف الربوية إلى إعاقة إنشاء المصارف الإسلامية وانتفاء المبرر لوجودها أو عدم التوسع في إنشاء المزيد منها.
4- قد يؤدي التعامل مع هذه الفروع إلى خروج أموال المسلمين لكي تستمثر في الخارج باسم الإسلام نظراً لأن معظم أصحاب المصارف الربوية في كثير من الدول الإسلامية هم من الأجانب وخاصة اليهود .
5- تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية من قبل فروع تابعة لمصرف ربوي قد يؤدي إلى تشويه العمل المصرفي الإسلامي وعدم وضوح للموقف الشرعي من قضية الرِّبا .
6- قيام المصارف الربوية بفتح فروع إسلامية سيترتب عليه استمرار تلك المصارف وإطالة عمرها وبالتالي استمرار المحق والشر والإثم المصاحب للربا ومظاهره .
الخاتمة:
تشتمل هذه الخاتمة على استعراض لأهم ما أمكن التوصل إليه من نتائج وما أمكن استخلاصه من توصيات , وذلك على النحو التالي :
أولا - النتائج :
يمكن تلخيص أهم النتائج التي توصل إليها البحث من خلال الدراسة السابقة في النقاط التالية :
1- ترجع فكرة إنشاء الفروع الإسلامية التابعة للمصارف الربوية إلى بداية ظهور المصارف الإسلامية في مطلع السبعينات , إلا أن هذه الفكرة لم تصل إلى حيز التطبيق إلا عندما أدركت المصارف الربوية مدى نجاح المصارف الإسلامية وتزايد الإقبال عليها .
2- لقد أظهرت هذه التجربة أن هناك شرائح كبيرة من أفراد المجتمعات الإسلامية تتورع عن التعامل مع المصارف الربوية وتبحث عن البديل الإسلامي لتلك المصارف, وهو الأمر الذي أكده الإقبال الكبير على الفروع الإسلامية في ظل غياب المصارف الإسلامية في العديد من الدول الإسلامية .(18/40)
3- تعتبر الفروع الإسلامية في حقيقة الأمر تابعة للمصارف الربوية , فليس لتلك الفروع أي شخصية اعتبارية مستقلة عن المصرف الرئيسي فالمالك لها واحد , وكذلك الحال من حيث التكييف القانوني لتلك الفروع إذ لا يتمتع الفرع الإسلامي بأي صفة مستقلة عن المصرف الرئيسي من وجهة نظر السلطات الرقابية .
4- لقد تعددت آراء المهتمين بشؤون الاقتصاد الإسلامي حول تجربة إنشاء المصارف الربوية لفروع تتخصص في تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية فمن مؤيد لتلك الفروع ومن معارض لها ومن قائل بالتعامل معها للضرورة ولكل وجهة نظره وأدلته التي يستند إليها .
5- بدراسة الظروف المحيطة بتجربة إنشاء الفروع الإسلامية تبين أن الحكم على التعامل مع تلك الفروع ينبني أساساً على مدى وجود المصارف الإسلامية في المجتمع من عدمه , فإذا وجدت مصارف إسلامية في المجتمع وجب التعامل مع هذه المصارف وترك التعامل مع الفروع الإسلامية التابعة للمصارف الربوية تورعاً لما يشوبها من شبهات , أما إذا لم توجد مصارف إسلامية في المجتمع فإن التعامل مع الفروع الإسلامية حينئذ يكون للضرورة .
6- من باب التعاون مع العاصي الذي يريد أن يتوب ويرجع إلى الله ومساعدته لتحقيق ذلك فإنه يمكن القول بالتعامل مع الفروع الإسلامية حتى مع وجود المصارف الإسلامية وذلك في حالة المصرف الربوي الذي يريد فعلاًً أن يتوب ويرجع إلى الله ويترك التعامل بالربا وأن يتحول بعزيمة صادقة وإرادة قوية إلى مصرف إسلامي إلا أنه لايستطيع ذلك دفعة واحدة لتعارض هذا الأمر مع الأنظمة والقوانين المعمول بها في المجتمع أو لظروف أخرى خارجة عن إرادته وقدرته, ففي هذه الحالة يمكن التعامل مع فروع هذا المصرف الإسلامية فقط , بشرط أن يقوم المصرف بالإجراءات التي تدل على صدق توجهه نحو التحول إلى مصرف إسلامي .
ثانياً - التوصيات :
لقد أسفرت الدراسة السابقة عن التوصيات التالية :(18/41)
1- دعوة المصارف الربوية إلى التحول الكامل والسريع للعمل بمقتضى الشريعة الإسلامية وعدم التقاعس أو المماطلة في التحول أو الأخذ بالنظام المزدوج , فقد ثبت لديها بما لايدع مجالاً للشك مدى نجاح العمل المصرفي الإسلامي وتزايد الإقبال عليه .
2- إن عدم اقتناع المسؤولين في المصارف المركزية في كثير من الدول الإسلامية بالعمل المصرفي الإسلامي وترددهم في السماح بإنشاء المصارف الإسلامية لايعالج بالتعامل مع المصارف الربوية , كما لايعالج بالركون إلى تجربة الفروع الإسلامية التابعة للمصارف الربوية ,وإنما الواجب هو التكاتف والتعاون وبذل الجهد والنصيحة لإقناع القائمين على المصارف المركزية بأهمية ودور المصارف الإسلامية في تنمية المجتمع اقتصادياً واجتماعياً , وأن المصارف الإسلامية إنما هي قوة دافعة للاقتصاديات النامية وليست معوقة لها .
3- بذل قصارى الجهد وما في الوسع من قبل الجميع, سواء السلطات النقدية أو المؤسسات المالية أو العلماء وهيئات الرقابة الشرعية أو المختصين بشؤون الاقتصاد الإسلامي , لأسلمة أساليب وصيغ الاستثمار القائمة على الربا والرجوع بها إلى المنهج الإسلامي وبما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية , لأن البديل عن ذلك هو حرب من الله تعالى ورسوله ( واستمرار للمحق واللعن والإثم والنكبات التي تعاني منها الأمة الإسلامية وغير ذلك من الشرور المصاحبة للربا ومظاهره في الدنيا والآخرة , أعاذنا الله تعالى من كل ذلك .
4- نظراً لوجود شرائح عريضة ومتنامية في كثير من الدول الإسلامية ترغب في التعامل وفقاً للنظام المصرفي الإسلامي , فإن على المصارف المركزية في تلك الدول بذل الجهد لإيجاد إطار قانوني يسمح بإنشاء المصارف الإسلامية وينظم عملها وتعمل تحت مظلته .(18/42)
5- في حالة الاضطرار للأخذ بمبدأ التدرج للتحول إلى النظام المصرفي الإسلامي فلا بد من التأكيد على الاستقلال التام للفروع الإسلامية عن المصرف الرئيسي وباقي الفروع الأخرى التقليدية إدارياً ومحاسبياً ومالياً , ولاسيما في مصادر الأموال واستخدامها, وأن يكون هناك قانون ونظام ولوائح خاصة بالتنظيم والرقابة والإشراف على الفروع الإسلامية تتفق مع طبيعة عملها , كما يجب التأكيد على أن تكون للفروع الإسلامية هيئة رقابة شرعية دائمة ومستمرة وليست مجرد إفتاء عند الطلب .
6- وعلى المستوى الدولي فإن على المصارف الإسلامية أن تتعاون فيما بينها لإقامة مصرف إسلامي كبير تنتشر فروعه في معظم العواصم والمدن الغربية الكبرى لكي يجد المسلمون هناك مكاناً آمناً يدخرون فيه أموالهم ويستثمرونها وفق المنهج الإسلامي, أو تقوم تلك المصارف بفتح فروع لها في الغرب تعمل على جذب أموال المسلمين واستثمارها بما يحقق الدعم للجاليات الإسلامية في الغرب.
7- يجب على المسلمين أن يستفيدوا من تجاوب المصارف الغربية وإقدامها على التعامل بالنظام المصرفي الإسلامي في تعريف الغرب بعظمة الإسلام وبحكمة تحريمه للربا وما للربا من آثار سلبية على الأنشطة الاستثمارية بشكل خاص وعلى المجال الاقتصادي والاجتماعي والاقتصاد القومي بشكل عام .(18/43)
هذه هي أهم النتائج والتوصيات التي خرج بها البحث , وهذا جهدي أقدمه يحتمل الصواب والخطأ , فما كان من صواب فمن الله وأحمد الله عليه , وما كان فيه من خطأ فمني وأسأل الله أن يوفقني إلى تصويبه , وحسبي أن بذلت فيه جهدي للتعرف على ماهية هذه الفروع الإسلامية وطبيعتها وحكم التعامل معها , ولا يخفى على كل منصف مدى قلة المراجع والكتابات التي تطرقت لهذا الموضوع , وأرجو أن أساهم بهذا البحث في إعطاء نظرة شاملة ودقيقة عن هذه الفروع الإسلامية , وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الهوامش
1-… الدكتور حسين حسين شحاته , الضوابط الشرعية لفروع المعاملات الإسلامية بالبنوك التقليدية, مجلة الاقتصاد الإسلامي, بنك دبي الإسلامي , الإمارات العربية المتحدة , العدد 240, ربيع الأول 1422ه / يونيو 2001 م , ص33 .
2- الدكتور سعيد سعد المرطان , الفروع الإسلامية في المصارف التقليدية , مجلة دراسات اقتصادية إسلامية , البنك الإسلامي للتنمية, المملكة العربية السعودية , المجلد السادس , العدد الأول , رجب 1419ه , 1999م , ص10 .
3- الدكتور عمر زهير حافظ , رأي في مسألة النظام المزدوج في الأعمال البنكية , مجلة الأموال , شركة الاتصالات الدولية, جدة , السنة الأولى , العدد الأول , أكتوبر / ديسمبر 1996م, ص60 .
4- الدكتور فريدي باز وآخرون , معجم المصطلحات المصرفية , اتحاد المصارف العربية, بيروت , الطبعة الأولى, 1985م , ص60 .
5- عبداللطيف جناحي , استراتيجية البنوك الإسلامية وأهدافها , بحوث مختارة من المؤتمر العام الأول للبنوك الإسلامية , الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية , مصر , الطبعة الأولى , 1408ه/ 1987م , ص227 .(18/44)
6- سمير مصطفى متولى , فروع المعاملات الإسلامية مالها وما عليها , مجلة البنوك الإسلامية , الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية, مصر , العدد (34) , ربيع الآخر 1404ه / فبراير 1984م , ص21 .
7- المرجع السابق مباشرة , نفس الصفحة .
8- الدكتور سعيد المرطان , الفروع الإسلامية في المصارف التقليدية ,مرجع سابق , ص ص19, 35 .
9- انظر المراجع التالية :
- الدكتور عمر زهير حافظ , النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية , مجلة الأموال شركة الاتصالات الدولية , جدة , السنة الثانية , العدد السادس , يناير / مارس 1998م , ص39 .
- الدكتور سعيد محمود عرفة , تحليل مصادر واستخدامات الأموال في فروع المعاملات الإسلامية للبنوك التقليدية, المجلة المصرية للدراسات التجارية , جامعة المنصورة , مصر , المجلد الحادي عشر, العدد الأول , 1987م, ص238 .
- الدكتور أحمد محمد المصري , إدارة البنوك التجارية والإسلامية , مؤسسة شباب الجامعة , مصر , 1998م , ص76 .
- الدكتور حسين شحاته , الضوابط الشرعية لفروع المعاملات الإسلامية , مرجع سابق , ص33 .
10- انظر الدكتور سعيد المرطان , الفروع الإسلامية في المصارف التقليدية , مرجع سابق ص11 .
11- الدكتور سعيد عرفة , تحليل مصادر واستخدامات الأموال في فروع المعاملات الإسلامية , مرجع سابق , ص236.
12- الدكتور عصام عبدالهادي أبو النصر , نموذج محاسبي مقترح لقياس وتوزيع عوائد صناديق الاستثمار في ضوء الفكر الإسلامي , مجلة الاقتصاد الإسلامي , بنك دبي الإسلامي، الإمارات العربية المتحدة , العدد 200 , رجب 1418ه / نوفمبر 1997م , ص41 .
13- انظر الدكتور أحمد حسن الحسني , صناديق الاستثمار من منظور الاقتصاد الإسلامي , مؤسسة شباب الجامعة , الإسكندرية , 1999م , ص6 .
14 - الدكتور سعيد المرطان , الفروع الإسلامية في المصارف التقليدية , مرجع سابق . ص13.
15- انظر في هذا الموضوع ما يلي :(18/45)
- الدكتور حسين شحاته , الضوابط الشرعية لفروع المعاملات الإسلامية , مرجع سابق , ص33.
- الدكتور محمد سويلم , إدارة المصارف التقليدية والمصارف الإسلامية , دار الطباعة الحديثة , القاهرة , 1987م, ص428 .
16- سيتم استخدام عبارة المصرف الرئيسي للدلالة على المركز الرئيسي أو المصرف الربوي الأم الذي تعود إليه ملكية الفرع الإسلامي.
17- منشورات البنك الأهلي التجاري , الخدمات المصرفية الإسلامية , عام 1423ه , ص1 .
18- انظر الدكتور سعيد عرفة , تحليل مصادر واستخدامات الأموال في فروع المعاملات الإسلامية , مرجع سابق, ص260.
- الدكتور حسين شحاته , الضوابط الشرعية لفروع المعاملات الإسلامية بالبنوك التقليدية , مرجع سابق, ص35 .
- منشورات البنك الأهلي التجاري , الخدمات المصرفية الإسلامية , مرجع سابق , ص7 .
19- الدكتور سعيد عرفة , تحليل مصادر واستخدامات الأموال في فروع المعاملات الإسلامية , مرجع سابق , ص260 .
20- منشورات البنك الأهلي التجاري , التمويل الشخصي الإسلامي , عام 1423ه , ص2.
21- انظر الدكتور حسين شحاته , الضوابط الشرعية لفروع المعاملات الإسلامية , مرجع سابق , ص ص 34-35.
…- الدكتور سعيد سعد المرطان , ضوابط تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية في البنوك التقليدية, اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية , منتدى الاقتصاد الإسلامي , كتاب المنتدى الأول , الكويت الطبعة الأولى , محرم 1420ه / مايو 1999م , ص30 .
22- سمير مصطفى متولي , فروع المعاملات الإسلامية ما لها وما عليها , مرجع سابق , ص22 .
23- الدكتور سعيد عرفة , تحليل مصادر واستخدامات الأموال في فروع المعاملات الإسلامية , مرجع سابق , ص240 .
- الدكتور سعيد المرطان , ضوابط تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية في البنوك التقليدية , مرجع سابق , ص33(18/46)
24- الدكتور سعيد عرفة , تحليل مصادر واستخدامات الأموال في فروع المعاملات الإسلامية , مرجع سابق , ص238 .
25- الدكتور سعيدالمرطان , ضوابط تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية في البنوك التقليدية , مرجع سابق, ص ص 32-33 .
26- انظر المرجع السابق , ص34 .
- الدكتور الغريب ناصر ,الضوابط الشرعية لإنشاء نوافذ ووحدات إسلامية بالبنوك التقليدية , مجلة الاقتصاد الإسلامي, بنك دبي الإسلامي , الإمارات العربية المتحدة , العدد 245, شعبان 1422ه / نوفمبر 2001م , ص27.
27- الدكتور سعيد عرفة , تحليل مصادر واستخدامات الأموال في فروع المعاملات الإسلامية , مرجع سابق, ص239.
28- يمثل هذا الرأي العديد من علماء الشريعة الإسلامية والمهتمين بشؤون الاقتصاد الإسلامي منهم على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :
- فضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء في المملكة (مقابلة شخصية أجريت مع فضيلته في مسجد بن منيع في يوم الأحد 8/12/1423ه ).
- فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله المطلق عضو هيئة كبار العلماء (مقابلة شخصية أجريت مع فضيلته في مسجد حسين عرب في يوم السبت 7/12/1423ه ).
- فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله عبدالعزيز المصلح رئيس لجنة الإعجاز العلمي برابطة العالم الإسلامي (مقابلة أجريت مع فضيلته في مقر الرابطة بمنى في يوم الأحد 8/12/1423ه ) .
- فضيلة الشيخ الدكتور حمزة حسين الفعر (مقابلة شخصية مع فضيلته في رحاب جامعة أم القرى).
- الدكتور محمد علي القري , انظر (حكم التعامل مع إدارة وفروع الخدمات المصرفية الإسلامية في البنك الأهلي التجاري , منشورات البنك الأهلي التجالي , ص1 ).
- الأستاذ قاسم محمد قاسم مدير عام بنك قطر الدولي الإسلامي , انظر (النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية , مجلة الأموال والعدد السادس , مرجع سابق , ص39) .(18/47)
- الدكتور علي محي الدين قرة داغي (النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية , المرجع السابق , ص41).
- الأستاذ حسين محمد المفتي مدير عام بنك التنمية للتعاون (النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية, المرجع السابق , ص42) .
- الدكتور محمد الردادي (النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية , المرجع السابق , ص42) .
- الدكتور حسين شحاتة (الضوابط الشرعية لفروع المعاملات الإسلامية بالبنوك التقليدية , مرجع سابق , ص36) .
- الدكتور سعيد المرطان (الفروع الإسلامية في المصارف التقليدية ,مرجع سابق , ص17) .
- الدكتور أحمد محي الدين (الضوابط الشرعية لإنشاء البنوك التقليدية فروعاً ونوافذ إسلامية, مجلة حولية البركة , مجموعة دلة البركة , جدة , الطبعة الأولى , 1422ه , العدد الثالث , رمضان 1422ه / 2001م , ص ص 232- 233 ) .
- الدكتور أحمد الناقة (مقابلة شخصية مع سعادته في رحاب جامعة أم القرى ) .
- 29 - انظر في هذا الموضوع ما يلي :
- الدكتور سعيد المرطان , الفروع الإسلامية في المصارف التقليدية , مرجع سابق ص15 .
- الدكتور عبدالله سليمان المنيع وآخرون , حكم التعامل مع إدارة وفروع الخدمات المصرفية الإسلامية في البنك الأهلي التجاري , منشورات البنك الأهلي التجاري , ص1 .
- الدكتور عمر زهير حافظ , رأي في مسألة النظام المزدوج في الأعمال البنكية , مرجع سابق , ص61.
- الدكتور محمد الردادي , النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية , مرجع سابق , ص ص 42-43 .
- الدكتور علاء الدين زعتري , المعاملات الإسلامية في البنوك الغربية , مجلة الاقتصاد الإسلامي, بنك دبي الإسلامي , الإمارات العربية المتحدة , العدد 241, ربيع الآخر 1422ه / يوليو 2001م , ص61 .
30- يمثل هذا الرأي العديد من علماء الشريعة الإسلامية والمهتمين بشؤون الاقتصاد الإسلامي ومنهم على سبل المثال لا الحصر ما يلي :(18/48)
- فضيلة الشيخ الدكتور سعيد بن مسفر القحطاني الداعية المعروف (مقابلة مع فضيلته في مسجد فقيه يوم الجمعة 28/11/1423ه ) .
- فضيلة الشيخ الدكتور حسين حامد حسان (مقابلة مع فضيلته بمقر رابطة العالم الإسلامي بمنى في يوم الأحد 26/12/1423ه) .
- فضيلة الشيخ الدكتور سليمان الصادق البيره (مقابلة مع فضيلته بمسجد فقيه في يوم الجمعة 23/2/1424ه ) .
- فضيلة الشيخ الدكتور أحمد عبدالرزاق الكبيسي (مقابلة مع فضيلته في مسجد الفرقان يوم الجمعة 13/12/1423ه) .
- الدكتور نصر فريد واصل , انظر (المعاملات الإسلامية في البنوك الغربية , مجلة الاقتصاد الإسلامي, مرجع سابق , ص57) .
- الدكتور عبدالحميد الغزالي (المرجع السابق , ص57) .
- الدكتور محمد الرحيلي (المرجع السابق , ص58) .
- الدكتور شوقي دنيا (المرجع السابق , ص59) .
- الدكتور محمد السرطاوي (المرجع السابق , ص59) .
- الدكتور محمد عبداللطيف الفرفور (المرجع السابق , ص60) .
- الدكتور عمر زهير حافظ (رأي في مسألة النظام المزدوج في الأعمال البنكية , مرجع سابق , ص64) .
- الأستاذ نبيل عبدالإله نصيف مدير مصرف فيصل الإسلامي (النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية, مرجع سابق , ص40) .
- الدكتور مراد هو فمان (البنوك الإسلامية فرضت نفسها على النظام الاقتصادي الدولي , مجلة الاقتصاد الإسلامي , بنك دبي الإسلامي, مرجع سابق , العدد 224 , ذو القعدة 1420ه , ص16.
31 - انظر في ذلك ما يلي :
- الدكتور عمر زهير حافظ , رأي في مسألة النظام المزدوج في الأعمال البنكية , مرجع سابق, ص64.
- الأستاذ موسى عبدالعزيز شحاته, النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية , مرجع سابق, ص ص 41-43.
- الدكتور سعيد عرفة , تحليل مصادر واستخدامات الأموال في فروع المعاملات الإسلامية , مرجع سابق, ص ص 238 - 239 .
- الدكتور علاء الدين زعتري , المعاملات الإسلامية في البنوك الغربية, مرجع سابق, ص ص 60- 61 .(18/49)
- الدكتور عمر زهير حافظ , النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية , مرجع سابق , ص43 .
32- سورة البقرة , الآية (278-279) .
33- سورة البقرة , الآية (85).
34- أحمد محمد الزرقا , شرح القواعد الفقهية , دار القلم , دمشق , الطبعة الثانية , 1409ه/ 1989م, ص253 .
35 - الدكتور محمد عبداللطيف فرفور , المعاملات الإسلامية في البنوك الغربية , مرجع سابق , ص60.
36- من ضمن القائلين بهذا الرأي :
- فضيلة الشيخ أحمد المزروع رئيس المحاكم الشرعية بمكة المكرمة (مقابلة أجريت مع فضيلته في مسجد فقيه في يوم الجمعة 20/12/1423ه) .
- الدكتور محمد على المرصفي (المعاملات الإسلامية في البنوك الغربية , مرجع السابق , ص63) .
- الدكتور صبري عبدالرؤوف (المعاملات الإسلامية في البنوك الغربية , مرجع سابق , ص63) .
37- المرجع السابق , ص ص 59, 63 .
38- سورة البقرة , الآية (173) .
39- محمد ابن اسماعيل البخاري , صحيح البخاري , المكتبة العصرية , بيروت , الطبعة الرابعة , 1420ه , جـ2, ص899 .
40- علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني , بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع , دار الكتب العلمية , بيروت, الطبعة الأولى ,1418ه , جـ 8 , ص9 .
41- المرجع السابق , جـ7,ص516 .
42 - زين الدين ابن نجيم , البحر الرائق شرح كنز الدقائق , دار المعرفة , بيروت , الطبعة الثانية بدون تاريخ , جـ5 , ص183 .
43- عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي , المغني , مكتبة الرياض الحديثة , الرياض ,1401ه, جـ5, ص ص 3-4.
44- الإمام مالك بن أنس الأصبحي , المدونة الكبرى , دار صادر , بيروت , بدون تاريخ للنشر , جـ5, ص70.
45- ابن قدامة , المغني , مرجع سابق , جـ5 , ص3 .
46- انظر الدكتور سعيد عرفة , تحليل مصادر واستخدامات الأموال في فروع المعاملات الإسلامية , مرجع سابق, ص ص 269-272.
- سمير مصطفى متولي , فروع المعاملات الإسلامية ما لها وعليها , مرجع سابق , ص23 .(18/50)
47- شيخ الإسلام أحمد بن تيمية , مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية , دار العربية ,بيروت , الطبعة الأولى , 1398ه , جـ 29, ص 321 .
48- المرجع السابق , جـ 29, ص273 .
49- محمد بن أبي بكر الدمشقي المشهور بابن قيم الجوزية , بدائع الفوائد , دار الشرق العربي , بيروت , جـ3, ص239 .
50- عز الدين بن عبدالعزيز بن عبدالسلام , قواعد الأحكام في مصالح الأنام , المكتبة الحسينية , مصر , الطبعة الأولى , 1353ه , جـ1 , ص80 .
51- انظر الدكتور سعيد عرفة , تحليل مصادر واستخدامات الأموال في فروع المعاملات الإسلامية , مرجع سابق, ص ص 272- 273 .
- الدكتور الغريب ناصر , الضوابط الشرعية لإنشاء نوافذ ووحدات إسلامية بالبنوك التقليدية ,مرجع سابق , ص26 .
52- الدكتور سعيد المرطان , ضوابط تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية في البنوك التقليدية , مرجع سابق, ص36 .
53 - سورة البقرة , الآية (275) .
54- سورة البقرة . الآية (278-279) .
55- الدكتور عمر زهير حافظ , رأي في مسألة النظام المزدوج في الأعمال البنكية , مرجع سابق , ص64 .
56- سورة البقرة . آية (275-276) .
57- سورة البقرة . آية (278- 279) .
58- محمد بن إسماعيل البخاري , صحيح البخاري , مرجع سابق , جـ2 , ص853 .
59- الحوب : أي الإثم , والمراد أنه سبعون نوعاً من الإثم .
60- الشيخ محمد ناصر الدين الألباني , صحيح سنن ابن ماجة , مكتبة المعارف , الرياض , الطبعة الأولى , للطبعة الجديدة , 1417ه , جـ 2 , ص240 .
61- مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري , صحيح مسلم , دار ابن حزم , بيروت , الطبعة الأولى , 1416ه , ج 3 , ص988 .
62- سورة المؤمنون , الآية (51) .
63 - سورة البقرة , الآية (172) .
64- مسلم بن الحجاج النيسابوري , صحيح مسلم , مرجع سابق , جـ2 , ص ص 581- 582 .(18/51)
65- سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز , نصيحة هامة في التحذير من المعاملات الربوية , رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء , الرياض , الطبعة الثالثة , 1423ه , ص ص 4 - 5 .
66- الدكتور شوقي دنيا , المعاملات الإسلامية في البنوك الغربية , مرجع سابق , ص ص 59-60.
67- سورة البقرة , الآية (173).
68- مسلم بن الحجاج , صحيح مسلم , مرجع سابق , جـ3 , ص988 .
69 - سورة الطلاق , الآية (2-3 ) .
70- انظر في هذا الموضوع :
الدكتور سعيد المرطان , ضوابط تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية في البنوك التقليدية, مرجع سابق, ص32 .
الدكتور عمر زهير حافظ , رأي في مسألة النظام المزدوج في الأعمال البنكية , مرجع سابق , ص64 .
71- سورة الطلاق , الآية (2-3) .
72- سورة الحديد , الآية (16) .
73- انظر الدكتور عمر زهير حافظ , رأي في مسألة النظام المزدوج في الأعمال البنكية مرجع سابق , ص64 .
الدكتور سعيد مرطان , النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية ,مرجع سابق , ص ص 35- 38 .
الدكتور أحمد محي الدين أحمد, الضوابط الشرعية لإنشاء البنوك التقليدية فروعا ونوافذ إسلامية , مرجع سابق , ص228 .
74- انظر في ذلك كلاً من :
الدكتور عمر زهير , رأي في مسألة النظام المزدوج في الأعمال البنكية , مرجع سابق , ص64 .
الدكتور عمر زهير حافظ , النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية , مرجع سابق, ص ص 40 -41 .
المراجع
أولاً : القرآن الكريم .
ثانياً : الكتب مرتبة حسب ذكرها في البحث .
1- الدكتور فريدي باز وآخرون , معجم المصطلحات المصرفية , اتحاد المصارف العربية, بيروت , الطبعة الأولى , 1985م .
2- عبداللطيف جناحي , إستراتيجية البنوك الإسلامية وأهدافها , بحوث مختارة من المؤتمر العام الأول للبنوك الإسلامية , الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية , مصر , الطبعة الأولى , 1408ه / 1987م .(18/52)
3- الدكتور أحمد محمد المصري , إدارة البنوك التجارية والإسلامية , مؤسسة شباب الجامعة , الإسكندرية, 1998م .
4- صلاح الدين حسن السيسي , الحسابات والخدمات المصرفية الحديثة , مؤسسة الاتحاد للصحافة والنشر , أبو ظبي , الطبعة الأولى , 1419هـ
5- الدكتور أحمد بن حسن الحسني , صناديق الاستثمار من منظور الاقتصاد الإسلامي, مؤسسة شباب الجامعة , الاسكندرية , 1999م .
6- الدكتور محمد سويلم , إدارة المصارف التقليدية والمصارف الإسلامية , دار الطباعة الحديثة, القاهرة, 1987م .
7- الدكتور سعيد سعد المرطان , ضوابط تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية في البنوك التقليدية اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية , منتدى الاقتصاد الإسلامي , كتاب المنتدى الأول , الكويت , الطبعة الأولى , محرم 1420ه/ مايو 1999م .
8- أحمد محمد الزرقا , شرح القواعد الفقهية , دار القلم و دمشق ,الطبعة الثانية ,1409ه / 1989م .
9- محمد بن إسماعيل البخاري , صحيح البخاري , المكتبة العصرية , بيروت, الطبعة الرابعة , 1420ه .
10- علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني , بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع , دار الكتب العلمية , بيروت , الطبعة الأولى , 1418ه .
11- زين الدين ابن نجيم , البحر الرائق شرح كنز الدقائق , دار المعرفة , بيروت , الطبعة الثانية, بدون تاريخ للنشر .
12- عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي , المغني ,مكتبة الرياض الحديثة , الرياض 1401ه .
13- الإمام مالك بن أنس الأصبحي , المدونة الكبروى , دار صادر , بيروت , بدون تاريخ للنشر .
14- شيخ الإسلام أحمد بن تيمية , مجموع الفتاوى , دار العربية , بيروت , الطبعة الأولى , 1398ه .
15- محمد بن أبي بكر الدمشقي المشهور بابن قيم الجوزية , بدائع الفوائد , دار الشرق العربي, بيروت , بدون تاريخ للنشر .(18/53)
16- عز الدين بن عبدالعزيز بن عبدالسلام , قواعد الأحكام في مصالح الأنام , المكتبة الحسينية, مصر , الطبعة الأولى , 1353ه .
17- محمد ناصر الدين الألباني , صحيح سنن ابن ماجة , مكتبة المعارف , الرياض , الطبعة الأولى للطبعة الحديثة , 1417ه .
18- مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري , صحيح مسلم , دار ابن حزم , بيروت, الطبعة الأولى , 1416ه .
19- الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز , نصيحة هامة في التحذير من المعاملات الربوية ,رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء , الرياض , الطبعة الثالثة , 1423ه .
ثالثاً : المجلات :
1- مجلة دراسات اقتصادية إسلامية , البنك الإسلامي للتنمية , المملكة العربية السعودية , المجلد السادس , العدد الأول , رجب 1419ه / 1999م .
2- مجلة الاقتصاد الإسلامي , بنك دبي الإسلامي , الإمارات العربية المتحدة , الأعداد : 193, 200, 224, 240, 241, 245 .
3- حولية البركة , مجموعة دلة البركة , المملكة العربية السعودية , الطبعة الأولى ,1422ه , العدد الثالث , رمضان 1422ه / 2001 .
4- مجلة الأموال , شركة الاتصالات الدولية , جدة , الأعداد : 1, 6 .
5- مجلة البنوك الإسلامية , الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية , مصر , الأعداد : 30, 34.
6- المجلة المصرية للدراسات التجارية , جامعة المنصورة , مصر , المجلد الحادي عشر , العدد الأول , 1987م .
رابعاً : المنشورات :
1- الخدمات المصرفية الإسلامية , منشورات البنك الأهلي التجاري .
2- التمويل الشخصي الإسلامي , منشورات البنك الأهلي التجاري .
3- حكم التعامل مع إدارة وفروع الخدمات المصرفية الإسلامية , منشورات البنك الأهلي التجاري .
18 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي /جامعة أم القرى
الفروع الإسلامية التابعة للمصارف الربوية 19(18/54)
الفساد الاقتصادي
أنواعه. أسبابه. آثاره وعلاجه
د. عبد الله بن حاسن الجابري
قسم الاقتصاد الإسلامي
جامعة أم القرى
(طبعة تمهيدية)
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعاملين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد ،،
فهناك الكثير من المشاكل الاقتصادية التي تؤرق المخططين وصانعي السياسة الاقتصادية في الدول المختلفة . ومن هذه المشاكل الفساد الاقتصادي، والذي تعاني منه جميع الدول المتقدمة والنامية على حد سواء ، وإن اختلف حجمه وآثاره ، تبعاً لاختلاف التركيبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل دولة . والمتتبع لهذا الداء يقر بوجوده في كل زمان ومكان ، إلا أنه اتسع نطاقه في السنوات الأخيرة خصوصاً في الدول النامية - مما دفع الباحثين على اختلاف مناهجهم إلى بحث أسبابه وآثاره الاقتصادية وطرق علاجه . وهذا ما سيركز عليه البحث (بمشيئة الله تعالى )
أهمية الموضوع وأسباب اختياره :
يعود اختياري لهذا الموضوع لجملة من الأسباب من أهمها :-
1) حاجة هذا الموضوع لمزيد من التأصيل والبحث خاصة في الجانب الإسلامي، والذي لم تركز عليه أغلب الدراسات الموجودة .
2) خطورة أثار الفساد الاقتصادية وتبعاته ، ذلك أن انتشار هذا الداء واستشرائه في أمة من الأمم يعنى تدهور اقتصادياتها ، ليس هذا فحسب بل وتقويضها سياسياً وما يتبع ذلك من فوضى ومفاسد لا تحمد عقباها، وهذا ما أثبته الواقع المعاصر ، فما حدث للرئيس النيجيري شيهوشاغارى عام 1983م، من انقلاب عسكري أطاح به وبحكومته المدنية ،كان بسبب الفساد الكبير الذي انتشر وأتسع نطاقه في عهده . كما أدى الفساد أيضاً إلى سقوط نظام الحكم في الفلبين عام 1986م (كيتجارد ص 19 ) .
3) الإسهام مع غيري من الباحثين المسلمين في كشف النقاب عن نظامنا الإسلامي وكيفية معالجته لبعض القضايا الاقتصادية المعاصرة.
منهج البحث وخطته :(19/1)
يقوم هذا البحث على المنهج الوصفي اعتماداً على المصادر والأبحاث المتخصصة في هذا الموضوع ، لمعرفة أسباب الفساد وآثاره وعلاجه وخصوصاً في الإسلام.
وقد جاء البحث في مقدمة وأربعة مطالب وخاتمة وتشتمل المقدمة على أهمية الموضوع وسبب اختياره وخطته .
أما المطالب فهي :
المطلب الأول :…تعريف الفساد الاقتصادي وأنواعه .
المطلب الثاني :…أسباب الفساد الاقتصادي .
المطلب الثالث :…الآثار الاقتصادية الكلية للفساد.
المطلب الرابع :…علاج الفساد الاقتصادي .
وأما الخاتمة فقد احتوت على أهم النتائج والتوصيات .
المطلب الأول
تعريف الفساد الاقتصادي
يعتبر تعريف موضوع الدراسة من ضرورات البحث العلمي ، حتى تكون الأحكام مبنية على هذا التعريف والنتائج مرتبطة به ، ولذا من المفيد قبل الخوض في التفاصيل أن يعرض البحث لتعريف الفساد الاقتصادي وذكر أنواعه كل في فرع مستقل على النحو التالي :-
الفرع الأول :…تعريف الفساد الاقتصادي .
الفرع الثاني :…أنواع الفساد الاقتصادي .
الفرع الأول
تعريف الفساد الاقتصادي
مصطلح الفساد من المصطلحات العامة ، وله تعاريف متعددة ، لعل أهمها
أ ) تعريف البعض له بأنه " استخدام الوظيفة العمومية لتحقيق مكاسب شخصية (تقرير التنمية في العالم ،1996م ص 124 )
ب ) وهناك من يعرفه بأنه " سوء استخدام الوظيفة العامة للحصول على كسب خاص (مورو ، 1998م ، ص 11)
ج) …ويعرفه آخرون بأنه ، "سوء استخدام المنصب لغايات شخصية"(الأموال ، 2000م ، ص 76)
د) …ويعرفه johnstonبإساءة استخدام الأدوار " تقصيد الوظائف " العامة أو الموارد العامة بغرض المنفعة الخاصة " Johnston ,1977
مناقشة التعريفات(19/2)
اتفقت جميع التعاريف على الغاية أو الهدف من الفساد ، وهو الحصول على كسب خاص أو منفعة شخصية . أما الوسيلة التي يمكن من خلالها تحقيق هذا الهدف فكانت محل خلاف بين هذه التعاريف ، حيث قصرها التعريف الأول والثاني والرابع على الوظيفة العمومية فقط ، وهذا على خلاف الواقع، لحدوث الفساد في القطاعين العام والخاص في آن واحد معاً ، أو في كل قطاع على حده.
أما في التعريف الثالث فقد جاءت هذه الوسيلة عامة ، لاستخدام هذا التعريف مصطلح المنصب بدلاً من الوظيفة العمومية ، وذلك ليشمل استغلال المنصب في القطاعين العام والخاص على حد سواء .
وقد تميز التعريف الرابع عن غيره بالإشارة إلى الفساد الإداري والسياسي .
أما الإداري فكا استغلال صغار الموظفين العموميين لوظائفهم في تحقيق منافع خاصة . وأما السياسي فيتمثل في اختلاس الموظفين الكبار للموارد والأموال العامة .
وبعد هذه المناقشة لعل التعريف المناسب للفساد الاقتصادي هو "سوء استخدام الوظيفة أو المنصب عموماً لتحقيق منفعة خاصة " ذلك أن استخدام مصطلح الوظيفة أو المنصب عموماً في هذا التعريف يعد أكثر شمولاً من استخدامها مقيدة فيما سواه ، حيث يشمل هذا المصطلح كلاً من الوظيفة العمومية.، والتي لا تطلق إلا على العاملين في القطاع العام . كما يشمل أيضاً الوظيفة في القطاع الخاص ، غاية ما في الأمر أن الموظف العمومي أكثر عرضة للفساد من الموظف في القطاع الخاص لبعد الأول عن الرقابة وأمنه منها بخلاف الثاني فهو أكثر تعرضاً للمساءلة والرقابة إما من قبل المدير المسؤول عنه مباشرة ،أو من قبل المالك أو مجلس الإدارة ونحو ذلك ، وبالتالي فإنه أقل فساداً من الأول.
الفرع الثاني
أنواع الفساد الاقتصادي
يمكن تصنيف الفساد إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي :-
1) عرضي (( فردي ))
2) مؤسسي .
3) منتظم.(19/3)
وقد يكون الفساد أحياناً حالة عرضية لبعض الأفراد السياسيين أو الموظفين العموميين ، أو مؤقتاًَ وليس منتظماً.
وفي حالات أخرى يكون الفساد موجوداً في مؤسسة بعينها أو في قطاعات محددة للنشاط الاقتصادي دون غيرها من القطاعات الأخرى ، وذلك كوجود بعض الموظفين الرسميين الفاسدين في بعض الوزارات والقطاعات المختلفة.
ويكثر الفساد في القطاعات التي يسهل جني الريع منها ،حيث يسود الضعف في النظام وتضعف الرقابة والتنظيم في هذه القطاعات .
وفي أحيان أخرى يصبح الفساد ظاهرة يعاني منها لمجتمع بكافة طبقاته ومختلف معاملاته ، وهذا ما يقصده Johnston بالفساد المنتظم أو الممتد . وهذا الفساد يؤثر على المؤسسات وسلوك الأفراد على كافة مستويات النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وله ملامح تميزه عن غيره :-
أ ) أنه متجسد في بيئات ثقافية واجتماعية معينه.
ب)… يميل إلى أن يكون احتكارياً.
ج) …أنه فساد منظم ويصعب تجنبه . ( Johnston , 1977).
وخلاصة القول أن للفساد أشكال كثيرة ، فقد يكون فردياً أو مؤسسياً أو منتظماً ، وقد يكون الفساد مؤقتاً أوفي مؤسسة معينة أو قطاع معين دون غيره . وأن أخطر هذه الأنواع هو الفساد المنتظم حين يتخلل الفساد المجتمع كاملاً ويصبح ظاهرة يعاني منها هذا المجتمع .
المطلب الثاني
أسباب الفساد الاقتصادي
…تتفق آراء المحللين على أن الفساد " وخصوصاً الممتد" ينشأ ويترعرع في المجتمعات التي تتصف بالآتي :-
أ ) ضعف المنافسة السياسية .
ب ) نمو اقتصادي منخفض وغير منتظم .
ج) …ضعف المجتمع المدني وسيادة السياسات القمعية .
د) …غياب الآليات والمؤسسات التي تتعامل مع الفساد .
وعكس ذلك تتميز المجتمعات الخالية من الفساد بالآتي :-
1) احترام الحريات المدنية.
2) المحاسبه الحكومية.
3) نطاق واسع من الفرص الاقتصادية المتاحة للأفراد.
4) منافسة سياسية منتظمة هيكيلياً ومؤسسياً(19/4)
وهو ما يميز بصفه أساسية وليس كلياً الدول الغربية المتقدمه. Johnston 1997m
وقد اختلفت النظريات المختلفة في تفسير أسباب الفساد على النحو التالي:-
* ترجع النظرية الاقتصادية الفساد إلى البحث عن الريع ، وهذا ما يراه أنصار نظرية الاختيار العام ، والتي يرجئ أنصارها أسباب الفساد إلى التفاعل بين الزبائن ، العملاء " سواء كانوا قطاعاً عائلياً أو مواطنين عامين أو سياسيين أو رسميين عموميين، وأفراد آخرين يتصفون بالفساد.وطبقاً لـ GOLTURJ فإن هذا الرأي لم يأخذ في اعتباره دور الموظفين الرسميين في الدولة في التعيين على الوظائف ووضع العقوبات والحوافز ، مما يشكل بيئة مناسبة للمؤسسات والقطاعات التي يحدث في نطاقها الفساد .
** وأما علماء السياسة فقد تباينت وجهات نظرهم ، فمنهم من يرى أن الفساد دالةٌ لنقص المؤسسات السياسية الدائمة وضعف وتخلف المجتمع المدني .
ومما يؤخذ على هذا الرأي نظرته لقوة الديمقراطية السياسية والإصلاحات السياسية باعتبارها مؤثراً هاماً على التغيرات الدائمة في سلوك الموظفين العموميين للحد من استفحال ممارستهم الفسادية .
وهناك فئة من السياسيين ترى أن الفساد وسيلة للمحافظة على هياكل القوى القائمة الفاسدة ونظم السيطرة السياسية ، ولهذا فإنهم يشككون في الفاعلية المحتملة للإصلاحات السياسية والهيكلية . وعلاوة على ذلك فإن تلك الآراء اعتمدت في تحليلها للفساد على نموذج بسيط مبالغ في تحديده كما في نظرية الاختيار العام ، أو على تقسيمات وصفية تنتشر في مجال العلوم السياسية .
وهناك مدخل بديل تأصل في الاقتصاد السياسي يتماشى مع الخطوط الفكرية التي طورها (Khan 1996) ، حيث يركز على :- (1) الفروق في القوة السياسية بين المجموعات (2)الفروق في الموارد المخصصة بواسطة الدولة للمجموعات كمتغيرات تفسيرية - وتؤسس على المقدمات التالية :
أ- يعترف بتعقد الفساد .
ب- يقبل بوجود الكثير من أشكال الفساد .(19/5)
ج- يركز على حركية القوة والوكالة بدلاً من المصالح الفردية ذاتها .
د- يرى أن النظرة طويلة الأجل مستأصلة في التجربة التاريخية والحقائق السياسية والتي تحتل أهمية كبيرة في فهم الفساد واتخاذ إجراءات فعالة لمقاومته .
وتركز مداخل مقاومة الفساد في نظرية الاختيار العام على الإصلاحات الاقتصادية والدولة كطريق رئيسي للإصلاح . بينما مدخل الاقتصاد السياسي يحبذ التدخل السياسي الواعي كأداة أساسية لجهود مقاومة الفساد .
ولكن المداخل التي تستمد جذورها من نظرية الاختيار العام والمدخل الجماعي تميل إلى قصر تحليلها على دول ومؤسسات معينة متجاهلة دور القوة الفاعلة الدولية في تشكيل شكل الفساد ومحتوى الممارسات الفسادية على المستوى القومي .
*** العوامل الدولية :
تعد هذه العوامل سبباَ آخر من أسباب الفساد ، رغم أنه لم تنل هذه القوى حظاً وافراً من البحث الدقيق كمحددات أساسية له حتى عهد قريب ، ورغم أهمية الدور الذي تلعبه المساعدات الخارجية والاستثمار الأجنبي والتجارة الخارجية كوسيلة من الوسائل التي يمكن من خلالها جني الريع من قبل الموظفين الفاسدين.
وفي الآونة الأخيرة ووفقاً للمحللين المحافظين حظى البعد القومي للفساد باهتمام ملموس من صانعي السياسة وعلت أصوات تدعو إلى توجيه الجهود في سبيل محاربة الفساد الدولي ، والذي قد يأخذ أشكالاً مختلفة ، فقد يكون في صورة رشاوى ومدفوعات غير مشروعة في إطار التجارة والمساعدات الأجنبية وتدفقات الاستثماريين الدول ، أوفي صورة مزايا تفضيلية في فرص التجارة أو التحيز لصالح اقتراحات استثمارية معينة ، أو استبعاد بعض العملات من نطاق المعاملات الدولية بالخداع ونحو ذلك .(19/6)
أما البحوث الكمية التي كان قصب السبق فيها لـ Johan Lambs drof فترى أن درجة الفساد في الدولة المستوردة يؤثر على هيكل التجارة للدول المصدرة ، وهذا يتضح في ميل المصدرين الأجانب إلى تقديم رشاوي للموظفين الرسميين في الدول المستوردة.
وعليه فإن الشركات الرائشة تطرد الشركات الأمينة من نطاق التجارة ، لكن إذا كانت الشركات غير الأمينة تخضع لرقابة تنظيمية جيدة ،فإن هذه الشركات ستنال النصيب الأكبر من التجارة .
وهنا يأتي دور وجهود منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "O. E.C .D"في مقاومة الرشوة الدولية غير الشرعية.
**** ويرى بعض المحللين أن للفساد الدولي دوراً هاماً في انتشار بعض أشكال الفساد في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ، فكثيراً ما يقال إن الفساد في أمريكا اللاتينية هو أحد ملامح التوطن الاستعماري للقارة منذ زمن بعيد حتى وقتنا الحالي ،كما أنه يعكس عمق التقاليد الثقافية والاجتماعية الموروثة التي كانت ضد التغيير .
ويرى آخرون بأن جذور الفساد تعود إلى السيطرة التاريخية للدولة على الشئون الاقتصادية والسياسية ، مما خلق فرصاً لجني الريع والبحث عنه من جهة. ومن جهة أخرى أضعفت هذه السيطرة من قدرة المواطنين على محاسبة السياسيين والرسميين على تصرفاتهم الفاسدة (Little, 1996 ) وفي أفريقيا فإن الفساد الممتد هو أحد ملامح الدول التي مرت بتجربة استعمارية ، لكن هذا لا يمنع من وجود دول أخرى في هذه القارة تعاني من الفساد رغم أنها لم تستعمر كأثيوبيا وليبيريا . وعليه يمكن القول بأن حالات الفساد المعاصرة في أفريقيا لا يمكن تفسيرها كلية بالاستعمار ،كل ما في الأمر أن النظم الاستعمارية في هذه القارة تركت دماراً مؤسسياً ، تمثل في الاعتماد الكبير على المساعدات الخارجية ، التي يمكن اعتبارها متغيراً مفسراً للفساد في هذه الدول .(19/7)
وطبقاً لتحليل Khan فإن شكل وانتشار الفساد في آسيا يمكن تفسيره بعملية تراكم رؤوس الأموال وتطور حقوق الملكية عبر الزمن ، فنمط العلاقات الزبائنية التي استقرت بين طبقات الرأسماليين والسياسيين وفئة البيروقراطيين تعكس كلها عوامل اجتماعية - اقتصادية تعتبر المحددات الرئيسية للأشكال المفترضة للفساد وأثره على النمو الاقتصادي، فبدلاً من الحد من الفساد فإن التحرر الاقتصادي والسياسي في كوريا الجنوبية أدى إلى زيادة القدرة على المساومة لقطاع الأعمال بالنسبة للحكومة ، مما أفضى إلى ترسيخ الجذور المؤسسية للفساد ، ولكن هذا الأمر قد يعوض عن طريق المطالبة بمزيد من الديمقراطية والحرية، وبالتالي إمكانية المحاسبة للمسئولين العموميين في نطاق نمو الأزمات الاقتصادية
(Khan 1996 ) وخلاصة القول أن سبب الفساد هو الحصول على الريع ، وفي الدول النامية فإن هناك أسباباً أخرى للفساد ، بعضها يعود لعوامل داخلية ، والبعض الآخر منها يعود لعوامل خارجية .
أما العوامل الداخلية فتتمثل في ضعف المنافسة السياسية والمجتمع المدني بصفة عامة، هذا إلى جانب قلة الفرص الاقتصادية المتاحة للأفراد لتحسين مستوى دخلهم ، وكذا غياب الآليات المؤسسية التي تتعامل مع الفساد .
وأما العوامل الخارجية فكا لاستعمار والقوى الدولية الأخرى كالاستثمار الأجنبي والمساعدات الخارجية ونحو ذلك.
المطلب الثالث
الآثار الاقتصادية الكلية للفساد
للفساد آثار اقتصادية كثيرة ، سواء على المستوى الكلي أو الجزئي وفي هذا المطلب سيكون التركيز على أهم هذه الآثار الكلية ، والتي تتمثل في أثره على النمو الاقتصادي ، وعلى القطاع الضريبي ، هذا إلى جانب أثر الفساد على الإنفاق الحكومي ، وعلى سوق الصرف الأجنبي وعلى سوق الأوراق المالية وصناديق الاستثمار ، وهذا ما يمكن بيانه على النحو التالي :-
أولاً : أثر الفساد على النمو الاقتصادي.
ثانياً : أثر الفساد على القطاع الضريبي .(19/8)
ثالثاً : أثر الفساد على الإنفاق الحكومي .
رابعاً : أثر الفساد على سوق الصرف الأجنبي .
خامساً : أثر الفساد على سوق الأوراق المالية وصناديق الاستثمار.
أولاً : أثر الفساد على النمو الاقتصادي:
طبقاً للنظرية الاقتصادية التقليدية فإن الفساد يعوق النمو الاقتصادي من خلال استخلاص الريع " الاستئثار بالفائض الاقتصادي " مما يؤثر سلباً على هذا النمو سواء بالنسبة لمنظمي المشروعات المحلية أو الأجنبية وهذا ما أثبتته الدراسة المقطعية التي تشير إلى وجود علاقة عكسية بين الفساد والاستثمار Ades and Die Tella 1996 يكون له آثاراً سلبية على النمو الاقتصادي.
ليس هذا فحسب وإنما الفساد يثبط أيضاً الاستثمار الأجنبي ويخفض الموارد المتاحة للهياكل الأساسية للعملية الإنتاجية والخدمات العامة وبرامج محاربة الفقر كما يقرر ( ( Johnston , 1997 إعاقة الفساد للمؤسسات السياسية من خلال إضعاف شرعيتها وإمكانية محاسبة الحكومات .
وباختصار فالفساد هو المعوق الأول للتنمية المستدامة ومعوق أول لتخفيض الفقر والأداء الحكومي الجيد ( Ades and Die Tella 1996)
والفساد لا يؤثر على الناس الفقراء بطريقة مباشرة تماماً من خلال سوء تخفيض الموارد العامة ( ولاسيما المستمدة من المساعدات الخارجية ) والذي يمارسه المسئولون المحليون الفاسدون ، ولكن يبقى البلاد الفقيرة فقيرة ويعوقها من أن تصبح غنية .
ولهذه الأسباب فإن ما نحى المساعدات يركزون بدرجة متزايدة على الفساد وأثره على التنمية ويدركون الحاجة إلى ابتكار برامج لمساعدة الحكومات في القضاء على الفساد (World Bank , 1997a)(19/9)
وهناك من يرى عكس ذلك فالفساد في نظرهم يحسن الرفاهية الاقتصادية ويحسن الكفاءة الاقتصادية من خلال التغلب على العقبات البيروقراطية المختلفة . ( Rose Ackerman 1978). وفي بعض التحليلات ( على خلاف النظرية التقليدية ) هناك رأي يقرر أن الفساد يمكن فعلاًَ أن يدفع النمو الاقتصادي " أو على الأقل لا يعيقه ) من خلال تسهيل الاستثمار الداخلي أو تحقيق ريع مرتفع من خلال المعاملة الضريبية . ومن الشواهد على ذلك تجربة جنوب شرق آسيا والتي أثبتت أن كثافة الفساد لا يعني بالضرورة وجود علاقة عكسية بين الفساد والنمو الاقتصادي . ومن ناحية أخرى فإن الدليل المقارن حديثاً المبنى على الدراسات المقطعية يشير إلى علاقة عكسية بين الفساد والاستثمار مما يكون له آثاراً سلبية على النمو الاقتصادي Ades and Die Tella 1996
وهكذا يمكن القول بأن أغلب الدراسات الحديثة أثبتت وجود علاقة عكسية بين الفساد والنمو الاقتصادي ، وأن هذه العلاقة ليست حتمية في كل الأوقات ، فقد يوجد الفساد ولكنه لا يكون عائقاً للنمو الاقتصادي كما في تجربة جنوب شرق آسيا .
ثانياً : أثر الفساد على القطاع الضريبي:
يترتب على الفساد في مجال القطاع الضريبي أثاراً خطيرة ، يمكن أن نشير إلى بعضها :(19/10)
1) عندما يكون هناك فساد في القطاع الضريبي فإن هذا يدفع البعض إلى تقديم إقرارات ضريبية تظهر وعاءاً ضريبياً غير حقيقي لهؤلاء الأفراد وبهذه الطريقة يتمكنون وبطريقة زائفة من إظهار مقدرة منخفضة مقارنة بمقدرتهم الحقيقية ، في حين لا يستطيع الممولون الأمناء من تخفيض هذه المقدرة بنفس الطريقة ، فإذا عومل الإثنان وهو من يقدم إقرارات صحيحة ذات مقدرة حقيقية على الدفع ، ومن يقدم إقرارات مزيفة لا تعكس مقدرته الحقيقية على الدفع ، معاملة ضريبية واحدة فإن هذا يعني إخلال الفساد بمبدأ العدالة الأفقية ، التي تقوم على أساس معاملة ضريبية متماثلة للأفراد ذوي القدرة المتساوية على الدفع . ومن جانب آخر فإن هذا يعد إخلالاً بمبدأ العدالة الرأسية التي تقتضي معاملة ضريبية مختلفة للأفراد ذوي القدرة المختلفة على الدفع . مما يترتب عليه في النهاية إخلال الفساد بمبدأ العدالة الاجتماعية في توزيع الأعباء العامة .
2) يترتب على الممارسات الفسادية في القطاع الضريبي مقدرة زائفة على الدفع للأفراد المنهمكين في الممارسات الفسادية ، مما ينجم عن هذه الممارسات وانتشارها على نطاق واسع انخفاض زائف في الطاقة الضريبية للمجتمع ككل . (كوفمان وآخرون 1998، ص 7 - 9 )
فإذا كان صانع السياسة المالية سيضع حجم الإيرادات الحكومية ، ويخطط الحجم الإنفاق الحكومي على أساس الطاقة الضريبية الزائفة ، فإن السياسة الاقتصادية لن تستطيع تحقيق ما ينشده المجتمع من أهداف مختلفة، سواء ما يتعلق منها بتحقيق النمو الاقتصادي ، أو تمويل الإنفاق العام ، أو تمويل الخدمات الاجتماعية العامة أو الجديرة بالإشباع التي لم يتم إشباعها بالقدر المرغوب اجتماعياًٍ. وأمام هذا الوضع تجد الدولة نفسها مضطرة إلى التخلي عن بعض الأهداف التي وعدت المجتمع بإشباعها له .
ثالثاً : أثر الفساد على الإنفاق الحكومي:(19/11)
يترتب على الفساد الممتد وانتشاره في القطاع الحكومي آثار على تخصيص النفقات العامة ، مما يؤدي إلى تحقيق أدنى نفع ممكن من هذا الإنفاق وليس أقصى نفع ممكن منه . وعليه يترتب على شيوع الفساد وانتشاره في مجتمع ما ، سؤ تخصيص لموارد هذا المجتمع العامة ،لأنها سوف تتجه صوب أوجه الإنفاق التي لا تحظى بأولوية الإنفاق العام من وجهة نظر المجتمع . ومن ثم ستحظى الأنشطة المظهرية كالأنشطة الرياضية والأندية ووسائل الإعلام ونحو ذلك بإنفاق سخي وفي مقابل ذلك سيتم إغفال الكثير من الأنشطة والقطاعات الاقتصادية الهامة ، أو يكون الإنفاق عليها ليس بالدرجة الكافية ، كالإنفاق على القطاع الزراعي والصناعي ، أو الإنفاق على تحسين مستوى المناطق النائية .
كما أن تنفيذ المشروعات العامة والمناقصات ستتميز بدرجة عالية من التميز وعليه سيتم استيراد المواد الخام ومواد البناء والآلات ونموها ، من بلاد أجنبية معينة ، في حين قد لا تكون هذه السلع المستوردة من هذه البلاد جيدة أو رخيصة مقارنة بغيرها من المصادر المتاحة .
كما أن المناقصات والمشروعات الهامة سترسو على شركات معينة مملوكة لأصحاب النفوذ والجاه في المجتمع ( مورو 1998، ص12).
رابعاً: أثر الفساد على سوق الصرف الأجنبي:(19/12)
تقوم الدول عادة بتحديد سعر لعملتها الوطنية مقابل العملات الأجنبية الأخرى. وتحاول هذه الدول أن يتسم هذا السعر بالثبات على الأقل لفترة معينة، حتى تتمكن من أجراء الإصلاحات الاقتصادية المعينة التي ترغب في تحقيقها، ولكن الممارسات الفسادية في سوق الصرف الأجنبي يترتب عليها إنقسام هذا السوق إلى سوقين :- سوق رسمي يسوده السعر الرسمي للصرف الأجنبي ، ويتميز هذا السوق بندرة في الصرف الأجنبي مقارناً بالطلب . وسوق غير رسمي يسوده سعر غير رسمي للصرف أعلى من السعر الرسمي ويتميز هذا السوق بالحركة والنشاط في شراء العرض المتاح من النقد الأجنبي ، وتوجيه هذا النقد إما إلى تمويل أنشطة غير مخططة ، أو تمويل أنشطة محظورة أو غير مرغوب فيها من وجهة نظر المجتمع ، كما لو تم توجيه النقد الأجنبي الذي يتم تجميعه من السوق الرسمي إلى تمويل تجارة المخدرات أو إلى السلع المهربة من الخارج أو إلى الكماليات المستوردة من الخارج ونحو ذلك ، مما يفضى في النهاية إلى زيادة عجز ميزان المدفوعات واستمراريته ، وربما عدم قدرة الدولة على سداد ديونها ولجوئها إلى الاقتراض من الخارج وهذا مما يجعلها تعيش في دوامة من القروض وما لذلك من آثار سيئة على الاقتصاد.
خامساً : أثر الفساد على سوق الأوراق المالية وصناديق الاستثمار.
يقوم سوق الأوراق المالية على الشفافية في إباحة المعلومات المتعلقة بالشركات التي تطرح أوراقاً في الأسواق المالية، سواء تعلقت هذه المعلومات بالميزانية الختامية ، أو بالنسب المالية التي تعكس الوضع الحقيقي لنشاط الشركة ومدى جدارتها الائتمانية ونحو ذلك.(19/13)
ولكن يترتب على انتشار الفساد انتهاج إجراءات محاسبية غير حقيقية بل ومضلله في أغلب الأحيان، وإعداد حسابات للأرباح والخسائر تعكس وعاءاً ضريبياً منخفضاً بغرض المعاملة الضريبية، وحسابات أخرى تظهر معدلات مرتفعة للربحية تنتشر في أسواق المال بقصد الترويج للاكتتاب في أوراق هذه الشركات . مما ينجم عنه في النهاية تضليل للمستثمر في هذه الأوراق المالية، حيث بعد فترة زمنية معينة من إدراج الأوراق المالية لهذه الشركة في البورصة وتداولها من عدد كبير من المستثمرين الماليين يحدث انهيار لأسعارها.
أما بالنسبة لصناديق الاستثمار فهي تستند عل مبدأ أن الجمهور غير المصرفي، وخصوصاً معظم أفراد القطاع العائلي ليس لديهم المعرفة الفنية الكافية لتقييم جودة الأوراق المالية لكي يمكن المقارنة بينها، وبالتالي اختيار أفضل توليفة من هذه الأوراق التي تعطي عائداً أعلى في ظل مستوى معين من المخاطر. وبالتالي يقوم صندوق الاستثمار بتعيين خبراء ماليين لديهم المقدرة في تقويم جدارة الأوراق المالية نيابة عن الأفراد المستثمرين ، ومن ثم يتم تجميع الموارد المالية منهم واستثمارها في أوراق مالية ذات معدل عائد معين ومخاطر منخفضة، بحيث يتم في النهاية جعل المخاطر المترتبة على الاستثمار في هذا الصندوق عند حدها الأدنى .
ولكن ما يحدث عملاً ، وفي أغلب الأحيان حدوث اتفاق بين القائمين على الصندوق ومديري شركات معينة للترويج لأوراقها، فيرتفع سعر أوراق هذه الشركات المروج لها في السوق المالي ، مما يدفع الجمهور إلى شراء أسهم هذه الشركات بسعر مرتفع ، وبالتالي تحقيق الصندوق مكاسب رأسمالية، وتجمع الشركات المروج لأسهمها مبالغ مالية كبيرة مقابل بيع أسهمها، ثم تنخفض بعد ذلك أسعار هذه الأسهم وتحل الخسارة بعدد كبير من الأفراد من المستثمرين الصغار ، كما تنخفض أسعار أسهم صناديق الاستثمار نفسها كما حدث في عدد من البلدان النامية .(19/14)
وعليه يمكن أن تقرر أن للفساد آثار اقتصادية سيئة على المجتمع .وهذه الآثار تتمثل في إعاقة للنمو الاقتصادي هذه إلى جانب أثره السيئ على القطاع الضريبي بالحد من موارد الدولة ، مما يجعلها غير قادرة على الوفاء بالحاجات الأساسية للمجتمع من جهة ، ومن جهة أخرى فإن الفساد يخل بمبدأ العدالة الاجتماعية في توزيع الأعباء العامة.
هذا إلى جانب أثر ه على الإنفاق الحكومي من خلال سوء تخصيص الموارد العامة أو ضعف جودة السلع المستوردة أو المشروعات المقامة إضافة إلى أثر الفساد على سوق الصرف الأجنبي من خلال زيادة عجز ميزان المدفوعات، وتفاقم هذا العجز باستمرار الفساد مما يضطر الدولة إلى الاقتراض عند عجزها عن سداد ديونها.
وعلاوة على ما سبق فإن الفساد يسهم في الإخلال بمبدأ الشفافية والذي هو شرط أساسي لقيام سوق المال وتطوره.
المطلب الرابع
علاج الفساد الاقتصادي
يتناول هذا المطلب علاج الفساد الاقتصادي في الفكر الوضعي والإسلامي كل في فرع مستقل على النحو التالي:-
الفرع الأول : علاج الفساد في الاقتصاد الوضعي.
الفرع الثاني : علاج الفساد في الاقتصاد الإسلامي.
الفرع الأول
علاج الفساد في الاقتصاد الوضعي
يرى أنصار نظرية الاختيار العام أنه يمكن تخفيض الفساد بالتقليل من الفرص المتاحة لجني الريع ، وذلك بالتحرر الاقتصادي، والحد من قوة الدولة من خلال مزيج من الإصلاحات الاقتصادية كالخصخصة وإزالة الرقابة على الأسعار، وعلى القطاع المصرفي، وإزالة المعونات وتخفيض التعريفات الجمركية وأشكال الرقابة الأخرى على التجارة والتوقع هو أنه بتخفيض حجم القطاع العام والتدخل المباشر في النشاط الاقتصادي وتخفيض فرص جني الريع يقل الفساد ( world Bank. 1997b )(19/15)
ويمكن للإصلاح الاقتصادي أن يكون له نتائج عكسية على الفساد ولا سيما في الأجل القصير. فمثلاً في غياب قوة الإجبار في الإصلاحات الضريبية المخصصة لزيادة الإيرادات الحكومية يمكن أن يزيد الحوافز على الممارسات الفاسدة . كما أن الخصخصة في غياب إجراءات تنظيمية قوية فعالة ذات إمكانية كبيرة لتوليد مستويات عالية من السعي لجني الريع الاقتصادي ولا سيما في الاحتكارات الطبيعية، ويشير المنتقدون للإصلاح الاقتصادي إلى الحاجة إلى مصادر جديدة للدخل والعمالة خارج نطاق القطاع العام لتخفيض حوافز سلوك جني الريع من ناحية ، وللإصلاحات السياسية لتوفير بيئة مؤسسية يمكن من خلالها معالجة الفساد من ناحية أخرى. (White: 1996, Kong 1996)
وهذا الإصلاح يستلزم في نظرية الاختيار العام مزيداً من الرقابة المحكمة والتنظيم الصارم لهذه الإصلاحات حتى لا يكون المنتفع النهائي من هذه الإصلاحات النخبة التي تنتمي للدولة.
وعلاوة على ذلك ، فإن غياب الفرص الاقتصادية البديلة يحد من مجال تخفيض الفساد إذا ما ظل القطاع العام المصدر الأساسي للدخل والعمالة الرسمية ( World Bank, 1997a )
أما مدخل الجماعية فيرون إمكانية الحد من الفساد بخلق المؤسسات الديمقراطية الجديدة، كالمشرعون المنتخبون، ولجان البرلمانات المنتخبة والمؤسسات الرقابية ونحوها، لأن هذه الإصلاحات السياسية تساهم في خلق بيئة أكثر حفزاً في تخفيض الفساد لأنها تزيد استجابة السياسية لرغبة أفراد المجتمع (little, 1996)
ويرد على هذا الرأي بأنه رغم أن المنافسة السياسية تقدم نخباً سياسية جديدة يمكن أن تتخذ تصرفات جادة ضد الفساد، إلا أن هذا لا يمنع من اتخاذ تلك النخب لنفسها مزيداً من الفرص لجني الريع، كما بدا ذلك في القارة الأفريقية .(19/16)
وعلاوة على ذلك فليس هناك ارتباط معنوي بين الحقوق والعمليات الديمقراطية والفساد، كما أثبت ذلك (Johnston) في دليله الإحصائي. ويضاف إلى ما سبق فإن هناك الكثير من الأمثلة لبلدان زاد الفساد، مما يعني أن هذه المؤسسات والوكالات لا يكتب لها النجاح في مقاومة الفساد إلا بتنظيم الأفراد لأنفسهم تنظيماً فاعلاً، وهو ما يطلق عليه (Johnston)مفهوم التقوية الاجتماعية، ويقصد بها نطاق الموارد الاقتصادية والسياسية المتاحة للمواطنين المدنيين كأساس لمقاومة الفساد المنتظم أو الممتد.
وعليه فالمظاهرات الجماهيرية ضد السياسيين الفاسدين كثيراً ما دفعت السلطات إلى إزالة هؤلاء الفاسدين من أمكانهم ومراكزهم في بعض الدول كما حدث لحكومة نظير بوتو في باكستان ، وكولردي ميلو في البرازيل .
ولكن هذه المظاهرات ليست حلاً جذرياً للمشكلة وخصوصاً عندما يكون الفساد ممتداً، وإنما قد تفضى إلى غياب مؤقت لها، ولكن سرعان ما تظهر على السطح
من خلال قنوات أخرى . لذا لا بد من دعم هذا المبادرات بإيجاد منظمات ومشروعات وشبكات داخل المجتمع المدني يمكن من خلالها مراقبة سلوك الأفراد الرسميين وزرع الثقة الجماهيرية فيما يقوم به موظفو الدولة الرسميون من واجبات ووظائف. ورغم كل ذلك فليس كل المنظمات داخل المجتمع على وتيرة واحدة في مكافحة الفساد، فقد يكون بعضها قوة دافعة لمكافحة الفساد، ومع ذلك فإن هناك مجموعات أخرى من هذه المنظمات منتفعة منه ومن ثم تقاوم التغيير، لذا يقترح البعض تدعيم هذا الأمر وتكميله بواسطة تدخلات مؤسسية .
مدخل الأشواك المتعددة:-(19/17)
تقوم جهود مكافحة الفساد وفقا لمدخل الأشواك المتعددة على مجموعة من الإصلاحات السياسية والتشريعية والمؤسسية . وأما السياسية فكتقوية آليات إمكانية المحاسبة والرقابة على استخدام الموارد، وتحسين شروط تشغيل المستخدمين، وعدم محاباة الأقارب في التعيين ونحو ذلك. وأما التشريعية فكإصلاح النظام القانوني، بحيث يتضمن عقوبات وكذا صلاحيات كافية لردع الفساد ومن ذلك الحقوق الإجبارية للملكية والحقوق التعاقدية الإجبارية وكذا إجراءات تحسين الهيئة القضائية وجعلها أكثر مصداقية ونزاهة. وأما المؤسسية فكإنشاء وكالة لمقاومة الفساد ، وكذلك محاكم خاصة لمراجعة حالات الفساد، وإعلان ملكية الأصول لكل السياسيين والمستخدمين المدنيين . ولكن نجاح هذه الوكالات المتخصصة في مكافحة الفساد يتوقف على مجموعة واسعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية وأشكال أوسع يفرضها الفساد في دول معينة، فعندما يكون الفساد ممتداً فإن تلك الوكالات يمكن أن تلعب دوراً محدوداً ، يتوقف على قوتها في البحث والاستقصاء والإجبار والذي يحد منه نفوذ السياسيين المؤثرين والمستخدمين المدنيين المتلبسين بالفساد. فكما يرى (Little, 1996)أن نجاح مقاومة الفساد يعتمد على الإرادة السياسية، وهذا غير متوفر في أفريقيا وأمريكا اللاتينية بسبب التهديد المحتمل الذي تواجهه المؤسسة السياسية والبيروقراطية.
العوامل الخارجية :
يحظى الفساد المؤسسي بتأييد كبير من ممثلين خارجيين وخصوصاً ما نحى المعونات الخارجية. ويمكن تخفيض الفساد بالإصلاح المؤسسي والذي لا يكون فاعلاً في تحقيق ذلك كالإصلاحات السياسية وإنما قد يكون ملائماً ربما في دول لا يكون الفساد ممتداً فيها أو يكون بها قوانين ووكالات لمحاربة الفساد، أو تأييد جماهيري واسع، لأن حكومات هذه الدول غالباً ما تأتي عن طريق التصويت الحر والعملية الديمقراطية، ولهذا فإنها تكون خاضعة للمساءلة والمحاسبة من الجمهور.(19/18)
وبعض المراقبين حذرين من الفاعلية المحتملة للإصلاحات السياسية والمؤسسية، طالماَ أنها ستصل إلى مدى محدود في بلاد يكون الفساد فيها متجسداً في الهياكل الاجتماعية والاقتصادية. ولكل هذه الأسباب فإن هدف استئصال الفساد في هذه البلاد قد يكون صعباً. صحيح أنه يمكن الحد منه إلى مستويات مقبولة وغير عائقة للاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية.
ولذا فقد أدت محدودية الإصلاحات السياسية والمؤسسية مجتمعه إلى نمو الاعتراف بأهمية القوى الدولية كسبب من أسباب الفساد إلى استجابات دولية متنوعة.
ولما كان فساد المؤسسات في الدولة المصدرة من أحد عوامل انتشاره في الدول المستوردة، فإن هناك الكثير من الجهود الدولية المبذولة والمكملة للإصلاحات السياسية والمؤسسية في البلدان المستوردة . ومن أهم المبادرات الحديثة في الشأن مبادرة دول الاتحاد الأوربي " O.E.C.D" ومع ذلك فهناك الكثير من الشركات الأمريكية المتورطة في تقديم رشاوي لمسئولين أجانب، مما يجعلها مرتكبة لجرائم طبقاً لقوانين الممارسات الفسادية الخارجية على مدار أكثر من عقدين.
وإضافة على ما سبق فهناك مبادرات مماثلة على المستوى الإقليمي داخل الاتحاد الأوربي وأمريكا اللاتينية تمثلت في اتفاقيات دولية متعددة الأطراف، الهدف منها الرقابة على الفساد سواء كان وطنياً أو دولياً، من خلال اتفاقيات دولية لتبادل المعلومات والتعاون في الإجراءات القانونية لمحاكمة المتورطين في الفساد.(19/19)
كما أن لمنظمة الشفافية الدولية دوراً بارزاً في محاربة الفساد الدولي من خلال إجراءات متنوعة، لعل أحدثها تقديم المتعاقدين المحتملين والموردين للسلع والخدمات لا قرارات موقعة من قبلهم بعدم تقديم رشاوي تتصل بالعقود الرسمية. وفي الوقت نفسه تلتزم الحكومة نفسها بقواعد الشفافية، وذلك بمنع وقبول الرشاوي بواسطة المسئولين العموميين . وفي بعض الدول هناك مجموعات وطنية تعمل على تحقيق ذلك من خلال التزام المنتمين للحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.وأخيراً يمكن القول بأن جميع النظريات تتفق على صعوبة القضاء على الفساد (وخصوصاً الممتد) لكن يمكن التخفيف منه وذلك الإرادة الصادقة لمكافحة الفساد، وذلك يستلزم مجموعة من الإجراءات والإصلاحات تختلف من نظرية لأخرى، فوفقاً لنظرية الاختيار العام يكون التخفيف من الفساد بتقليل الفرص المتاحة لجني الريع، وذلك بالتحرر الاقتصادي والحد من احتكار الدولة ونحو ذلك . هذا إلى جانب تأمين الفرص الاقتصادية . وفي المذهب الجماعي يكون التخفيف بالإصلاحات السياسية وذلك بخلق المؤسسات الديمقراطية والمؤسسات الرقابية والبرلمانات المنتخبة ونحو ذلك.
أما نظرية الأشواك المتعددة فيكون التخفيف بمزيج من الإجراءات والإصلاحات السياسية والتشريعية والمؤسسية، بل وكل الأنظمة التي تولد الفساد فالإصلاح السياسي يكون بتقوية الآليات ومؤسسات الرقابة على استخدام الموارد وتحسين ظروف العمل ونحو ذلك.
وأما التشريعي فيكون بإصلاح القانون الجنائي والمدني وتحسين كفاءة الهيئة القضائية وماشابه ذلك .
وأما المؤسسي فيكون بوجود أنظمة للرقابة والمراجعة،وكذا وكالة خاصة لمقاومة الفساد.
وأما العوامل الخارجية للفساد فيكون التخفيف من حدتها بإصلاح مؤسسي وسياسي من شأنه الحد منه إلى مستويات معقولة بحيث لا يعوق الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية.(19/20)
كما يمكن الاستعانة ببعض المنظمات الدولية التي من شأنها تقديم المعونات لمؤازرة الإصلاحات الديمقراطية، وإقامة اقتصاديات أكثر قدرة على المنافسة والأخذ بتوجيه إداري أفضل ومن هذه المنظمات منظمة الشفافية الدولية .
الفرع الثاني
علاج الفساد في الاقتصاد الإسلامي
يقوم علاج الفساد في الإسلام على مجموعة من الأسس والمعايير الاقتصادية، لعل أهمها :-
(1) حسن الاختيار في التعيين، أو ما يمكن أن نطلق عليه معايير التخصيص الأمثل للموارد البشرية، .. يقول تعالى " قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين" (القصص الآية - 26).ومن السنة هناك الكثير من الأحاديث التي يصعب سردها هنا فهي أكثر من أن تحصى، ولكني سأكتفي هنا بواقعة صغيرة يمكن من خلالها استنتاج بعض تلك المعايير فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ألا تستعملني ؟قال : فضربني بيده على منكبي ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ( صحيح مسلم بشرح النووي. ج12 ص209) ومن هذا الحديث يتضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قصد بالأمانة المتطلبات الأساسية والحد الأدنى من كفاءة الأداء ، والمهارات الذهنية والعقلية التي تتطلبها الوظيفة التي طلب الصحابي أن تسند إليه. ولما كان الرسول عليه السلام ببعد نظره وجد أن المهارات والقدرات الذهنية والاستعداد النفسي والعقلي غير متوافرة لدى هذا الصحابي فإنه قال له " إنك أمرؤ ضعيف" بمعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقصد أن ما لدى هذا الصحابي من مهارات وقدرات أقل نسبياً مما تتطلبه الوظيفة العامة، فكان الرسول عليه الصلاة والسلام - ببعد نظر - يعطي تقديراً خاصاً للموارد النادرة نسبياً، وأنه كان حريصاً على استغلال هذه الموارد أفضل استغلال ممكن. وهذا من شأنه تحقيق المجتمع الإسلامي لأعلى إنتاجية ممكنة.(19/21)
فإذا افترضنا- جدلا - أنه عليه الصلاة والسلام أخذته جوانب العطف والشفقة في تولية الوظائف والمهام، وتغاضى عن جانب المهارات والقدرات المتوافرة لدى الأفراد المختلفين، فإن الأمر سينتهي به إلى وضع بعض الأفراد في وظائف تتطلب مهارات وقدرات أكثر مما لديهم، مما يعني أن هؤلاء الأفراد سيقومون بأداء بعض الجوانب الوظيفية ومهامها التي تتفق مع مهاراتهم، والبعض الآخر من جانب الوظيفة لن يقوموا بأدائه لعدم توفر المهارات اللازمة لهذا الأداء.وحيث أن عدم أداء هذا الجزء من الوظيفة يضيع على المجتمع الإسلامي جني مكاسب هذا الأداء، فإن المنفعة الاجتماعية لن تكون عند حدها الأقصى. ومن هنا يكون هذا المجتمع معظماً للمنفعة. وحيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قدر مهارات وقدرات هذا الصحابي تقديراً صحيحاً، مما يعني أنه عليه السلام كان حريصاً على استثمار القدرات والمهارات البشرية لدى أفراد المجتمع الإسلامي بطريقة صحيحة، مما يجعلنا نستنتج أن " المجتمع الإسلامي الكفء، والذي يأخذ بأفعال وأقوال وتصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم يتميز بالتخصيص الأمثل للموارد البشرية ويمكن أن نسمي هذا المجتمع بالمجتمع الإسلامي الكفء" . ولما كان المجتمع الإسلامي الكفء يحقق التخصيص الأمثل للموارد، فإن انحراف المجتمع الإسلامي الفعلي عن المجتمع الإسلامي الكفء هو الذي يؤدي إلى انخفاض مستوى إنتاجية عناصر الإنتاج عن مستوى الإنتاجية المتحقق في ظل التخصيص الأمثل للموارد للمجتمع الكفء. وبمقدار انحراف المجتمعات الإسلامية عن المجتمع الإسلامي الكفء يكون انحراف الناتج القومي المحتمل . وهذا الانحراف ينجم عن التصرفات السلوكية المنحرفة عن السلوك الإسلامي الرشيد ، وينجم عن التصرفات السلوكية المنحرفة انتشار المحاباة والمجاملة في إسناد الوظائف وتخصيص الموارد وتوزيع الدخول.(19/22)
وقد ساد المجتمع الإسلامي الكفء في عهد الخلفاء الراشدين أيضاً فلم يؤثر عنهم المحاباة والمجاملة، كما لم يؤثر عنهم الإسراف في استخدام موارد المجتمع الإسلامي، بل إن الموارد الاقتصادية المتاحة للمجتمع كانت تخصص في أفضل استخداماتها لصالح المجتمع ككل . ولهذا حققت الدولة الإسلامية في عهودها الأولى معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي في المجالات الاقتصادية المختلفة سواء كانت زراعية أو صناعية أو تجارية .
(2) ومن المعايير الهامة التي يقرها الإسلام المبدأ الاقتصادي الذي يقرر المساواة بين الأجر والإنتاجية، حتى لا يكون هناك إثراء بلا سبب، ولا يكون هناك غبناً في الأجر، وهي من صور الفساد في المجتمعات المعاصرة فعندما يعرف الفرد مقدماً أن الأجر الذي سيتقاضاه يعادل إنتاجيته الحقيقية ( الإنتاج الحدي النقدي/ مستوى الأسعار أو سعر المنتج الذي يساهم فيه )فإن جهده واهتمامه سينصرف إلى زيادة إنتاجيته بهدف زيادة أجره ، وإذا اختل هذا المبدأ فإن الحرص على الحصول على المال من مصدر آخر غير العمل سيزيد وسيشتهر حصول الأفراد على دخول لا تستند إلى العمل .ولهذا فإن الإسلام أقر مبدأ المحاسبة للعمال وسؤالهم عن مصدر هذا المال حيث أن ثروة الفرد في الإسلام إما أن تأتي من الإرث أو مدخراته المتراكمة ، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه - وهو خليفة - يحاسب الولاة حساباً شديداً ، فيحصى ثروته قبل العمل وأثناء العمل فإذا ظهرت زيادة غير مبررة بسبب غير مشروع أخذها منه وردها إلى بيت المال.وقبله كان عليه السلام يحاسب عماله ويناقشهم، فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه استعمل رجلاً على الصدقة فلما جاء قال هذا لكم وهذا أهدى إلى فقام عليه السلام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وقال " ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول هذا لكم وهذا أهدى إلى ألا جلس في بيت أمه أو أبيه فينظر أيهدي له أم لا ، لا يأتي أحد منكم بشئ من ذلك إلا جاء به يوم القيامة(19/23)
إن كان بعيراً فله رغاء أو بقرة فلها خوار أو شاة .. اللهم هل بلغت ، اللهم بلغت ، (سنن أبي داود . جـ3 ص135).
وقد أكدت هذه المبادئ السابقة أيضاً وصية الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه لأحد عماله حيث قال له " ثم أنظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً ولا تولهم محاباة أو أثره فإنهم جماع من شعب الجور والخيانة . وتوخ فيهم أهل التجربة والحياء .. فإنهم أكرم أخلاقاً وأصح أعراضاً وأقل في المطامع إشراقاً وأبلغ في عواقب الأمور نظراً .. ثم أسبغ عليهم الأرزاق فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم وغني لهم عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو تلموا أمانتك ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية ( نهج البلاغة ، 1416هـ / 1996م ، ص 634).
(3) فإذا ما أضيف إلى ذلك الرقابة الداخلية لدى المسلم ، والمتمثلة في ضميره الحي المرتبط بالله عز وجل في كل أموره الظاهرة والباطنة ، وإدراكه التام لرقابة الله عز وجل له في السر والعلن، كما قال تعالى: " أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون . الزخرف الآية 80 وقوله أيضاً: "وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور " الملك الآية (13).
فإن هذا يدفع المسلم إلى البعد عن الممارسات الفسادية أيا كان نوعها ، وإن غاب عن أعين الناس أو أعين السلطة وأجهزة الأمن، لأنه يدرك أنه مراقب من خالقه محاسب على أعماله السرية والجهرية وعليه فإن هذه الرقابة تعتبر أسلوباً وقائياً هاماً في النظام الإسلامي لمكافحة الفساد، وهذا ما لم تركز عليه السياسات الوضعية .
الخاتمة
وفي نهاية هذا البحث يمكن أن نصل إلى النتائج التالية :-(19/24)
(1) وقوع الفساد الاقتصادي في القطاع العام والخاص على حد سواء، إلا أن الموظف في القطاع العام أكثر عرضه للفساد من غيره لبعده عن المساءلة، وأمنه من الرقابة ، بخلاف الموظف في القطاع الخاص الأكثر المساءلة إما من مديره مباشرة أو من مالك المشروع أو مجلس الإدارة ونحو ذلك .
(2) وجود الفساد في كل المجتمعات المتقدمة والنامية، إلا أنه أكثر شيوعاً في المجتمعات النامية، لما تتسم به من خصائص معينة تجعلها أكثر سهولة لجني الريع منها أكثر من غيرها كضعف الرقابة والمؤسسات ونحو ذلك.
(3) تعدد صور الفساد واختلافها من بلد لأخر، إلا أن أشدها خطورة هو الفساد المنظم.
(4) تنوع أسباب الفساد، وهذه الأسباب بعضها يعود لعوامل داخلية، والبعض الآخر منها يعود لعوامل خارجية، وهذه العوامل لا تقل أهمية عن سابقتها في الآونة الأخيرة، إن لم تكن أكثر أهمية منها في أحيان أخرى.
(5) علاج الفساد في الأنظمة الاقتصادية الوضعية يكون بتقليل الفرص المتاحة لجني الريع، وذلك باتخاذ مجموعة من الإجراءات والإصلاحات الاقتصادية والسياسية ونموها.
(6) دور الإرادة الصادقة في مكافحة الفساد، ولكن هذه الإرادة غير كافية إن لم يرافقها مجموعة من الإجراءات والإصلاحات السياسية والاقتصادية المختلفة للمعالجة .
(7) دور الوازع الديني أو الرقابة الداخلية لدى الفرد المسلم في منع الفساد قبل وقوعه، وهذا الأمر يعد من الإجراءات الوقائية لمكافحة الفساد في الإسلام وهو ما أغفلته الدراسات الاقتصادية الوضعية.
(8) أن هناك مجموعة من الآثار الاقتصادية الكلية التي يحدثها الفساد وهذه الآثار تتمثل في:
أ ) …إعاقته للنمو الاقتصادي.
ب ) إخلاله بمبدأ العدالة الاجتماعية في توزيع الأعباء العامة، وتخفيضه للطاقة الضريبية للمجتمع ككل.
ج) …سوء تخصيص الموارد العامة للمجتمع.
د) …تدهور أسعار الصرف وما يترتب على ذلك من عجز ميزان المدفوعات واستمراريته.(19/25)
هـ) …تضليل المستثمرين في سوق الأوراق المالية.
وقد توصل البحث إلى التوصيات التالية :
1- أن الحاجة ما زالت ملحة لمزيد من الدراسات حول أسباب الفساد (وخصوصاً العوامل الدولية ) لما لها من أهمية في العصر الحاضر، وتقديم الحلول لها وخاصة الإسلامية.
2- الدعوة ( وخصوصاً في الدول النامية) إلى توفير قدر كبير من الشفافية في القوانين والتنظيمات المختلفة ، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو قضائية أو إدارية ، التي من شأنها الحد من انتشار الفساد.
3- غرس الوازع الديني لدى الأفراد في المجتمع الإسلامي من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وهذا يكون باستضافة العلماء المتخصصين في علوم الشريعة والاقتصاد من خلال برامج وندوات متعددة، يتم فيها تسليط الضوء على هذا الداء الفعال وعواقبه الدنيوية والأخروية وأثاره السيئة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية على الفرد والمجتمع.
4- تفعيل أجهزة المساءلة مع إشراك أصحاب الأعمال والمواطنين فيها، ومعاقبة من يثبت إدانته بالفساد معاقبة سريعة وقاسية .
( ( (
المراجع
أولاً : المراجع العربية :
- القرآن الكريم.
(1) الأموال. العدد 6 سبتمبر ، 2000م ، ص 76.
(2) تقرير عن التنمية في العالم، 1996م ، ص 124.
(3) أبو داود ( سليمان بن الأشعث). سنن أبي داود. الطبعة (بدون)، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 1408هـ / 1988م، جـ3، ص135.
(4) الشريف الرضى، نهج البلاغة، شرح وتعليق محمد عبده. الطبعة (بدون)، مؤسسة المعارف، بيروت، 1416هـ/ 1996م، ص634,
(5) كيتجارد، روبرت. السيطرة على الفساد، ترجمة د. علي حسين حجاج. مراجعة فاروق جراز. الطبعة (بدون)، دار البشير، عمان، الأردن،ص19
(6) كوفمان ، دانيال وآخرون. الفساد والتنمية . التمويل والتنمية ، مارس 1998م / ص7.
(7) مسلم (مسلم بن الحجاج) صحيح مسلم بشرح النووي . الطبعة الثانية، دار احياء التراث العربي ، بيروت، لبنان ، 1392هـ / 1972م، ج12،ص634.(19/26)
(8) مورو،باولو. الفساد ، الأسباب والنتائج . التمويل والتنمية، مارس 1998م،ص.ص.11 - 13.
ثانياً: الإنجليزية:
1- Ades, A. and R. Di Tella, 1996, "The Causes and Consequences of corruption: A Review of Recent Empiricol Contribution" IDS Bulletin, Vol. 27, No. 2, PP. 6-11.
2- Johnston, M. , 1997, "What can be done about Entrenched Corruption?" Paper presented to the Ninth Annual Banl Conference on Development Economics, The World Bank, Washington DC., 30 April - 1 May.
3- Khan, M. H, 1996, 'A typology of corrupt transactions in Developing Countries' IDS Bulletin, Vol. 27, No. 2, PP. 12-21.
4- Kony, T.Y : 1996, "Corruption and its Istitutional Foundations: The Experience of South Korea: IDS Bulletin, Vol. 26, No. 2, PP. 48-55.
5- Little, W., 1996, "Corruption and Democracy in Latin America," IDS Bulletin, Vol. 26, No. 2, PP. 64-70.
6- Rose - Ackerman, S. 1978, "Corruption: A Study in Political Economy, New-York Academic press.
7- White, G., 1996, 'Corruption and market Reform in China, IDS Bulletin, Vol 27, No. 2, PP. 40-47.
8- World Bank, 1997 a, Helping Countries Combal Corruption: The Role of the World Bank, Washington Dc, : the World Bank.
9- World Bank, 1997 b, World Development Report 1997: The State in a Changing World, New York: Oxford University.
??
??
??
??
22 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
الفساد الاقتصاد - أنواعه - أسبابه - آثاره وأسبابه 23
4 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى(19/27)
الفساد في النشاط الاقتصادي
(صوره وآثاره وعلاجه)
أ. د. رشاد حسن خليل
كلية الشريعة والقانون - جامعة الأزهر بالقاهرة
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
لقد تناول هذا البحث المتواضع موضوع الفساد في النشاط الاقتصادي (صوره وآثاره وعلاجه)، وقد اشتمل هذا البحث على مقدمة وأربعة مباحث.
المقدمة: وكانت للكلام على أهمية الموضوع وخطة البحث.
المبحث الأول: تناول تعريف الفساد في اللغة وعند علماء الأصول وتعريفه عند علماء الاقتصاد الإسلامي.
المبحث الثاني: يتناول شيوع التصرفات الضارة والتعامل المحرم، وقد شمل ذلك بعض الممارسات التي يحفل بها النشاط الاقتصادي المعاصر كالاحتكار، فتوجه البحث لبيان المراد بالاحتكار وحكمه، والفرق بين الاحتكار وادخار القوت وإمساك السلع، والكلام عن الاحتكار في عصر التقدم الصناعي، وأضرار الاحتكار، وعلاجه على ضوء المعطيات الشرعية والتوجه الاقتصادي السليم.
ثم كان الكلام على الربا من حيث تعريفه وبيان أوجه الفساد فيه، كما تناول هذا المبحث الكلام عن البيوع المنهي عنها والتي تؤثر سلباً على الحركة الاقتصادية وهو ما يتمثل في بيع الغرر، وبيع العربون، وبيع النجش، وبيع الرجل على بيع أخيه، وقد جاء التناول لما شمله هذا النوع من الفساد في إطار علمي يتسم بإبراز المنهج الإسلامي العادل في حرصه على استقامة التعامل على نحو عادل ومنصف، وسعيه إلى ازدهار المجتمع وتنميته بما يحقق له الرفعة المنشودة.
المبحث الثالث: يتناول تبديد المواد وسوء استخدامها وهو ما يمكن تسميته بالتصرفات الخاطئة التي تعرقل مسيرة التنمية وتؤثر على الاستثمار المأمول، فكان الكلام على عناصر الفساد التي يمثلها هذا الجانب وهو ما يتمثل في الإسراف والتبذير والاكتناز وهي عوامل هدم للبناء الاقتصادي وتبديد للموارد في غير ما شرع الله وأحله في مجال تملك المال وإنفاقه.(20/1)
المبحث الرابع: يتناول الكلام عن غياب القيم الأخلاقية والضوابط الشرعية في الممارسات الاقتصادية، والتي ترتب على التنكر لها والغفلة عنها مفاسد كثيرة وشرور مستطيرة تمثلت في انتشار الغش في التعامل بصوره المتقدمة، وكذلك الاشتغال ببيع وصناعة الأشياء المحرمة وتزييف النقود،مما زعزع من أساليب التعامل وجرد المجتمع الإسلامي من فضائل الأخلاق وطهارة التعامل وركن به إلى البدعة القاتلة،
والاستسلام للبث الرخيص من المارقين والأغيار في سعيهم الماكر لتقويض الدعائم الأخلاقية التي ينبني عليها التعامل الرشيد ويقوم بها المجتمع الفاضل.
Theme Synopsis
About
Viciousness of the economic activity
Abstract:
This modest theme has dealt the viciousness or cheating of the economic activities (its images, its effects, and its treatment). This theme has contained: Introduction's 2, four studies:
1- The first theme: has dealt the definition of cheating lexically and according to the fundamentalist of Islamic Society.(20/2)
2- The second theme: deals the harmful behaviour and the prohibited dealing in common "It has involved some practices which spread in the contemporary economic activity such as: monopoly, this study has indicated the definition of Monopoly, its regulation" judgment to keep commodities it talks about monopoly the era of current and industrial progress, the horns of monopoly, the way of treating it under the presence of Islamic principles" and the healthy and legal orientation. Theme we talked about usury, its definition, and show the aspects of its viciousness. As it also the prohibited purchase which affect badly on the economic movement, such as "AL GRAR" purchase which means "selling what do you don't possess, earnest selling, urging buyers to cancel their purchase to sell them yourselves and selling through dispute". The subject of this viciousness "cheating" has been shown scientifically to indicate the Islamic and fair method that take care about realizing righteousness in a fair and just way and keep no spare of effect to achieve and realize the prosperity of the Islamic Society and its developing by realizing his desirable highness.(20/3)
3- The third theme: wasting and misusing the resources that we can call it "the bad conduct" which obstacles the march of development and affect on the desirable investment that we hope, talk about the factors and elements of viciousness "cheating" which is represented in waste, squandering, piling, these factors shake the economic building and waste its resources, contradicting to what "ALLAH" and legislate and prescribe it in the field of possessing money and spending it.
4- The fourth theme: talk about the absence of moral values, the canonical principles through the economic practices which lead to much viciousness and great mischief that was shown in spreading the vicious dealing through its innovative images to negation and not attention to these moral values.
It also deals selling and producing prohibited commoditive and forging that leads to shaking the methods of dealing which strip the Islamic community from virtue and the purification of dealing and drove it to the heretical doctrine, surrender to the cheap propagation from the heretic who do their best cunningly to undermine the moral values on which the healthy dealing has been built upon which the unique society stands.
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحابته وتابعيه أجمعين، وبعد:
فيسعدني أن يتحقق أي شرف المشاركة في هذا المؤتمر العظيم، والإسهام في فعالياته الرائدة التي تستهدف في جملتها حسن الفهم لشريعتنا الغراء، واستجلاء مقاصدها الكريمة في رفعة الشأن الإسلامي، وتصحيح مساراته الحياتية تطلعاً إلى وجود كريم وحاضر آمن ومستقبل سعيد.(20/4)
ومن حق رعاة هذا المؤتمر أن نذكر لهم بالاعتزاز والامتنان ما كان منهم من قصب السبق وإيقاظ الأفهام، ولفت الأنظار إلى أهمية البحث في قضايا الاقتصاد الإسلامي. فقد شاء الله تعالى أن يحقق للملكة العربية السعودية فضل الريادة في بعث مسيرة الاقتصاد الإسلامي العلمية والتطبيقية وذلك من خلال المؤتمر العالمي الأول الاقتصاد الإسلامي الذي نظمته جامعة الملك عبد العزيز في رحاب مكة المكرمة عام 1396هـ، ثم تلى ذلك الاهتمام بإنشاء أول قسم الاقتصاد الإسلامي بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة وذلك عام 1401هـ، فكان افتتاح هذا القسم تجسيداً حياًَ وتطبيقاً عملياً لدور المملكة العربية السعودية في التبصير بالشريعة الإسلامية وبذل الجهود المتواصلة في التمكين للإسلام وحماية عقيدته ورعاية نظمه، وذلك يستوجب الإشادة به والتقدير له والثناء عليه.
وقد يكون من نافلة القول التأكيد على أهمية الاقتصاد الإسلامي وحتمية التطبيق لمحتواه التشريعي، فقد أظهرت الدراسة لمسائله ونتائج البحث في موضوعاته أنه نظام منقذ وتشريع حي، له خصائصه الفريدة ومزاياه السامية، ووسائله الفعالة في تحرير الإنسان، وتحقيق التنمية الشاملة، وتدعيم النهضة المنشودة، والوصول بالمجتمع الإنساني إلى ما يرجى له من تعاون وتفاعل وعدل وتراحم.
وإذا أظهرت لنا غاية الاقتصاد الإسلامي التي توضح حقيقته وتبين معالمه، فإنه يتعين على الباحثين فيه والدارسين له أن يقفوا من قضاياه موقف الراصد لعثرات تطبيقه والمقوم لمسيرته والكشف عن كمالاته وتصحيح مستحدثات العصر على ضوء أحكامه.(20/5)
وصدوراً عن ذلك فقد آثرت أن أسهم في أبحاث هذا المؤتمر بالكتابة في موضوع: الفساد في الاقتصاد الإسلامي (صوره وآثاره وعلاجه) وهو من وجهة نظري موضوع مهم، وتوجه ضروري ذلك أن من بين ما يتغياه النشاط الاقتصادي في ظل النظام الإسلامي تحقيق الكسب الطيب وتحصيل الرزق الحلال من خلال سلامة التعامل المعيشي والتداول المالي على أساس عادل ومنصف، فيسود المجتمع الإخاء والتكافل، ويعمه الاستقرار كما تختفي منه أساليب الجشع والاستغلال.
وفي ضوء هذه المعطيات الفطرية والمسلمات الشرعية، فإن كل نشاط اقتصادي ستهدف الخروج عليها والتنكر لها يكون نشاطاً مردوداً يرفضه النظام الإسلامي في مجمله، وتأباه ضوابط الحلال والحرام فيه، كما أنه يمس العقيدة الإسلامية وينال من جوهرها القويم في ارتباطها بالشريعة والهيمنة على مقرراتها وأحكامها.
ومن خلال وضوح سمات هذا البحث ورغم محدودية صفحاته فإنه يمكن القول إنه يلقي الضوء على أهم الجوانب في مجال رقابة الإسلام لمسيرة المال، وما قرره من ضوابط تمنع ظهور طوائف من المترفين والمكتنزين والمتسلطين، وطوائف أخرى من الضيّاع والمعوزين والمحرومين.
وفي سبيل إجلاء عناصر هذا الموضوع وإبراز أهم مسائله، فإن الخطة التي نسير عليها في دراسته ترد متمثلة في المباحث الآتية:
المبحث الأول: المراد بالفساد.
المبحث الثاني: شيوع التصرفات الضارة والتعامل المحرم.
المبحث الثالث: تبديد الموارد وسوء استخدامها.
المبحث الرابع: غياب القيم الأخلاقية والضوابط الشرعية.
وفي ختام هذه المقدمة أسال الله تعالى التوفيق والسداد والهداية والرشاد، إن أُريد الإصلاح إلا ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أُنيب.
المبحث الأول
المراد بالفساد
الفساد: نقيض الصلاح وأخذ المال ظلماً، مأخوذ من فسد الشيء يفسد فساداً وفسوداً، وحقيقته العدول عن الاستقامة إلى ضدها.
والمفسدة خلاف المصلحة، والجمع المفاسد1.(20/6)
الفساد عند علماء الأصول: يتفق علماء الأصول على ثبوت الترادف بين الفاسد والباطل في باب العبادات، فيراد بها نقيض الصحة2.
إلا أنهم يختلفون في مدلول الفساد في باب المعاملات، فذهب الجمهور إلى القول بالترادف فالباطل والفاسد بمعنى واحد في العقود وهو نقيض الصحة، فالعقد إما صحيح أو باطل وكل باطل فاسد3.
وذهب الحنفية إلى منع الترادف بينهما، فالفاسد من العقود: ما كان مشروعاً بأصله دون وصفه، والباطل: ما لم يكون مشروعاً بأصله ووصفه، وقاعدتهم في ذلك: أنه لا يلزم من كون الشيء ممنوعاً بوصفه أن يكون ممنوعاً بأصله، فكان الفساد متوسطاً بين الصحيح والباطل.
فالفاسد في نظرهم منعقد لإفادة الحكم وهو ترتب ثمرته المقصودة منه، فهو المشروع بأصله فلما كانت فائت المعنى من جهة أنه يلزم فسخه شرعاً كان غير مشروع بوصفه، وذلك كعقد الربا فإنه مشروع من حيث أنه بيع وممنوع من حيث أنه عقد ربا، فيثبت الملك في بيع الربا حال كونه مطلوب التفاسخ شرعاً رفعاً للإثم، ويلزم العقد الصحة إذا سقطت عنه الزيادة، وأم الباطل فهو ما كان فائت المعنى من كل وجه إما لانعدام محل التصرف كبيع الميتة والدم، وإما لانعدام أهلية التصرف كبيع المجنون والصبي الذي لا يعقل4.(20/7)
الفساد عند علماء الاقتصاد الإسلامي: باستقراء الدراسات المتعددة عند المحدثين من علماء الاقتصاد الإسلامي نرى أنها لم تتعرض لتعريف الفساد ووضع حد له، وقد يكون ذلك راجعاً لعدم خفاء معناه ووضوح حقيقته، ولكننا على ضوء الأحكام السياسية والقواعد الاقتصادية العامة التي جاء بها القرآن الكريم، وجاءت السنة النبوية مفسرة وموضحة لها، ومن خلال اجتهادات الفقهاء في مجال عقود المعاملات، وما يرتبط بها من النشاط الاقتصادي وبالوقوف على ما قدمته الممارسة الاقتصادية في صدر الإسلام وبخاصة في عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز من رخاء اقتصادي حيث بلغت الدولة الإسلامية م الغنى ما زاد عن حاجات المسلمين حتى أسلفوا منه أهل الذمة5، فإنه يمكننا أن نتوصل إلى تعريف للفساد من وجهة نظر علماء الاقتصاد المسلمين فنقول بأنه: جعل الجانب المادي الهدف الوحيد للنشاط الاقتصادي لذي يمارسه الإنسان المعاصر دون مراعاة للقيود الشرعية التي تنظم أحكام المال، أو التفات للجوانب الأخرى التي يكتمل بها البناء الاقتصادي كالقيم والمبادئ الأخلاقية الروحية.
وبعبارة أخرى فإن الفساد الاقتصادي يتمثل في التركيز أثناء الممارسة الاقتصادية عملاً وإنتاجاً وتوزيعاً على جانب واحد من جوانب الحياة الإنسانية وإهمال الجوانب الأخرى، كعدم الالتزام الكامل بالأحكام الشرعية المنظمة لتحصيل المال وكيفية تنميته وإنفاقه، وكذلك عدم أداء الحقوق الواجبة في المال وإساءة التصرف في التعامل بما يضر بمصالح النظام الاقتصادي السليم من جوهره الذي يقوم عليه، ويفرغ مساره التطبيقي من وسائله المشروعة التي تكفل له الوجود الحقيقي والأداء المنشود.
المبحث الثاني
شيوع التصرفات الضارة والتعامل المحرم
تمهيد:(20/8)
تختلف العبادات في أساس تشريعها في النظام الإسلامي عن المعاملات، فبينما يكون الغرض من العبادات التعبد والتقرب إلى الله تعالى وفقاً للصور التي قيد الله بتها العبادات وحدد إطارها. نجد أن المعاملات يكون الغرض منها تحقيق مصالح العباد في المعاش ورفع الحرج عنهم بعيداً عن الباطل والحرام، ولهذا كامن من مميزات الشريعة الإسلامية أنها تقوم على جلب المصالح ودرء المفاسد في كل زمان ومكان مصداقاً لقوله صلى لله عليه وسلم: (( لا ضرر ولا ضرار))6.
وعلى ضوء ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأصول الشريعة من معايير ثابتة وقواعد خاصة يُهتدى بها في تنظيم واستثمار المال واستثمار الجهود الإنسانية وهو ما يفهم منها أن النظام الإسلامي لم يصادر النشاط الاقتصادي كلية أو يبيح الكسب مطلقاً، بل قيدهما بقيود معينة تضمن تحقيق العدالة لكل الناس وتمنع الاستغلال ودفع الضرر عنهم، فلا يطقئ غني على فقير ولا كثير مال على قليله، ولا يستبد أصحاب النفوذ بغرض الكسب دون غيرهم من الناس وهذا عملاً بما يقرره الفقهاء من أن الأصل في المعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والحرمة، فإن لحلا ما أحله الله والحرام ما حرّمه الله، وما سكت عنه فهو عفو.
وتأسيساً على ما تقدم فإننا نعقد هذا البحث للكلم عما شاع في النشاط الاقتصادي من تعامل وتصرفات ضارة، وهو ما يتمثل في الاحتكار والربا والبيوع المنهي عنها.
ونفصل الكلام على هذه المفاسد فيما يلي:
1- الاحتكار
تعريفه في اللغة: تدور معاني كلمة حر في اللغة حول الظلم في المعاملة وإساءة المعاشرة، والحبس والاستبداد والتربص والالتواء، والمضرة على الناس في معاملتهم ومعايشتهم7.
تعريفه اصطلاحاً: اختلف الفقهاء في تعريف الاحتكار، وذلك بحسب ما اعتمدوه من الأشياء التي يرد فيها ونوع التملك لها.(20/9)
فيرى فريق من الفقهاء وهم أبو حنيفة ومحمد والشافعية أن الاحتكار يختص بأقوات الآدميين والبهائم8، ويجعله الحنابلة خاصاً بأقوات الآدميين9، واستدلوا إلى ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:" من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس"10.
ويرى فريق آخر وهم المالكية وأبو يوسف من الحنفية أن الاحتكار يشمل كل ما يؤدي حبسه إلى إيقاع الضرر بالناس11، ويجعله الظاهرية في الامتناع أو إمساك ما يبتاع شاملاً ذلك لكل ما يؤدي حبسه إلى إيقاع الضرر بالناس12.
ونرى رجحان ما ذهب إليه القائلين بشمول الاحتكار لكل ما يحتاج إليه الناس سواء أكان طعاماً أم غيره، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحتكر إلا خاطئ"13، كما أن التصريح بلفظ الطعام في بعض الروايات لا يصلح لتقييد بقية الروايات المطلقة بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق.
وبناءً على ما تقدم فإنه يمكننا أن نستخلص تعريفاً راجحاً للاحتكار، فنقول بأنه: حبس الطعام أو غيره مما يحتاج إليه الناس إرادة إغلائه عليهم، فبائع الطعام أو غيره من أنواع السلع يحبسه لينظر به غلاء الأسعار، فإذا غلت باعه بالسعر المرتفع فيكون ذلك ضرراً يلحق الأفراد والمجتمع.
حكم الاحتكار:
اتفق الفقهاء على أن الاحتكار محظور شرعاً لما فيه من الإضرار بالناس والتضييق عليهم وإلحاق الحرج بهم. وقد اختلف الفقهاء في المراد بالحظر، فذهب الجمهور إلى القول بحرمة الاحتكار14 ، وذهب بعض الفقهاء إلى القول بالكراهة15.
ونرى رجحان ما ذهب غليه جمهور الفقهاء من أن الاحتكار محرم، وما ذهب غليه بعض الفقهاء من القول بكراهة الاحتكار يحمل على الكراهة التحريمية وهي ما يثبت طلب تركه طلباً جازماً بدليل ظني، وذلك من الحرام عند الجمهور فيكون الخلاف في حكم الاحتكار خلافاً لفظياً.(20/10)
وقد استدل الفقهاء على حرمة الاحتكار بأحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: "من احتكر فهو خاطئ"16، وقوله: "من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطئ"17، وقوله: الجالب مرزوق والمحتكر ملعون"18.
فهذه الأحاديث بما اشتملت عليه من الوعد واللعن تدل على تحريم الاحتكار، ولا شك أن أحاديث الباب تنهض بمجموعها للاستدلال على عدم الجواز. كما أن امتناع المحتكر عن بيع السلعة لمن يحتاجون إليها يكون منعاً لحق مستفاد لهم شرعاً، ومنع الحق عن المستحق ظلم، والظلم حرام19.
الاحتكار وادخار القوت وإمساك السلع:
يفرّق الفقهاء بين الاحتكار وادخار القوت، فالأول ممنوع والثاني جائز، وقد أفاضت عبارات الفقهاء في بيان ذلك فقالوا بأنه لا خلاف في أن ما يدخره الإنسان من قوت وما يحتاج إليه الناس من سمن وعسل وقمح وغير ذلك جائز ولا بأس به، ويدل على ذلك ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُعطي كل واحدة من زوجاته مائة وسق من خيبر، كما كان صلى الله عليه وسلم يدخر لأهله قوت سنتهم من تمر وغيره20.
وبناءً على ذلك فإن ما يحتاج إليه الإنسان في معيشته من قوت يكون ادخاره جائزاً ولا يسمى ذلك احتكاراً، لأن الاحتكار هو حبس الطعام إرادة إغلائه على الناس، أما ادخار القوت فليس بهدف الإغلاء ولكن بغرض الحصول على السلعة بأرخص الأثمان في الوقت المناسب وهو ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما إمساك ما اشتراه الإنسان حالة استغناء أهل البلد رغبة في أن يبيعه إليهم وقت حاجتهم إليه فإنه ينبغي إلا يكره بل يستحب وربما يكون هذا حسنة، لأنه ينفع به الناس ويحقق مصلحة المتعاملين.(20/11)
وها نظر سديد يُظهر حرص الفقهاء على منع الضرر عن المنتجين مع حفظ حقوق المستهلكين فامتصاص الزائد عن الحاجة من الأسواق يمنع الضرر عن المنتجين، إذ قد يكون هذا الإنتاج هو كل ثروته ولا يستطيع الوفاء بالتزاماته وسداد ديونه إلا ببيع ما عنده في هذا الوقت بالذات، ومن ثم كان منع ذلك تضييقاً على الناس وإيقاعهم في حرج بالغ والحرج مرفوع، كما أن حفظ هذا الزائد عن الحاجة لدى من يشتريه من التجار ليبيعه مرة أخرى إلى المستهلكين حتى وإن غلا ثمنه عند وقت شرائه، فذلك أمر طبيعي إذ حفظه لوقت الحاجة إليه يحتاج إلى نفقات فضلاً عن حاجة التاجر إلى ربح أمواله التي استخدمها في ذلك- يحقق المصلحة للمستهلكين في حصولهم على ما يحتاجون إليه وقت رغبتهم إليه.
كما أن هذا الرأي يتمشى مع الواقع العلمي لفهم معنى التجارة الجائزة والمباحة، لأن من ضروبها أن يشتري التاجر السلع وقت عرضها بكثرة وتنازل قيمتها تبعاً لقلة الرغبة في الإقدام على شراء المزيد منها، وتحول الرغبة عنها إلى غيرها، وهذا ينطبق على حالة شراء السلع وإمساكها إلى أن يحتاج إليها الناس21.
الاحتكار في عصر التقدم الصناعي الحاضر:
في نهاية القران التاسع عشر الميلادي تغير شكل السوق بتراجع المشروع الفردي الذي كان يحقق المنافسة الكاملة في ظل نظام السوق الحر، والذي كانت تتحدد فيه أسعار السلع على أساس العرض والطلب، فظهرت المشروعات الكبيرة التي تقوم بإنتاج سلع عديدة، وأصبح نظام السوق يتضمن بصفة أساسية مشروعات احتكارية تتدرج من الاحتكار المطلق إلى احتكار القلة والمنافسة الاحتكارية22.(20/12)
وقد ساعدت أساليب الصناعة الحديثة والاتفاق الذي تم بين أقطاب الصناعة وبين المصارف المالية على تفشي الاحتكار في الدول الرأسمالية، وتنوع صوره وأشكاله، وكان ذلك ناتجاً عن إطلاق يد المنتج في التصرف في تحديد مقدار ما ينتجه ويبيعه بالثمن الذي يريده مهما بلغ من غير اعتبار لانخفاض قيمة السلعة تبعاً لقلة التكلفة لها وكثرة المنتج منها، مما ترتب عليه تحديد الأسعار بالقدر الذي يضمن للمحتكر أكبر ربح بغض النظر عما يصيب المستهلكين من أضرار.
وعلى ضوء ذلك التصرف يتضح لنا أن العامل المحرك وراء معظم الاحتكارات التي شادت في النظم الرأسمالية هو الرغبة في تحقيق أقصى ربح ممكن بصرف النظر عن العوامل الأخرى مثل كفاءة الإنتاج،والاحتياجات الفعلية للمستهلكين23، وفي ذلك يلتقي مفهوم الاحتكار في الفكر الاقتصادي الوضعي مع المفهوم الشرعي للاحتكار في أنه يتمثل في كل ما يؤدي حبسه من سلع إلى الإضرار بالمجتمع.
أضرارا الاحتكار:
للاحتكار أضرار عديدة وآثار سيئة، يتمثل الجانب الأكبر منها في ارتفاع أسعار السلع المحتكرة، حيث يقوم المحتكر بخفض حجم الإنتاج مقابل مقدار الطلب فننجه الأسعار للارتفاع بسبب زيادة الطلب عن العرض، كما أن المحتكر قد يقوم برفع السعر دون خفض للإنتاج وذلك لزيادة إيراداته حيث أن الطلب على السلعة المحتكرة في ازدياد مستمر بسبب عدم وجود بدائل قريبة لها، وبالتالي فهو يضمن انخفاض الطلب عند رفع الثمن، فيؤدي ذلك إلى انهيار القيمة الشرائية للنقود وهو ما يعرف بالتضخم عند علماء الاقتصاد الوضعي.(20/13)
كما تظهر آثار الاحتكار الضارة في ظهور السوق السوداء حيث تظهر طبقات طفيلية تستغل فرصة انخفاض عرض المنتجات عن الطلب عليها، فتسحب جزءاً منها لبيعه بأسعار أكثر ارتفاعاً24.وأيضاً يؤدي الاحتكار إلى زيادة التفاوت في توزيع الدخول بين أفراد المجتمع بسبب ما يحصل عليه المحتكرون من أموال طائلة في غياب حرية التعامل في الأسواق وتفاعل قوى العرض والطلب في حرية تامة لتحديد الأسعار25.
علاج الاحتكار:
اهتمت الشريعة الإسلامية بمنع الاحتكار تجنباً لآثاره الضارة ووقاية للمجتمع من أزماته، فقررت بصدد ذلك العديد من الوسائل والتي تتمثل فيما يلي:
1- إجبار المحتكر على بيع ما يحتكره: فذهب جمهور الفقهاء إلى أن لولي الأمر المعتمد، وقد أمرت الشريعة برفع الظلم، فإذا رفض المحتكر تنفيذ ذلك جاز لولي الأمر مصادرة السلع المخزونة وبيعها في السوق بثمن المثل، ويجوز تعويض المحتكر بعد ذلك أو عدم تعويضه26.
كما يجوز لولي الأمر تعزير المحتكر بأحد أمور يراها الحاكم، فقد يكون التعزير بأخذ ما يترتب على الحتكار من ربح ويوزعه على المحتاجين، وقد يكون التعزير بحبس المحتكر وضربه والطواف به في الأسواق، ويكون هذا الجزاء لمن اعتاد الاحتكار ولم ينزجر،27 وقد يكون التعزير عن طريق إتلاف أمواله الممحتكرة تأديباً له، كما فعل علي بن أبي طالب مع بعض المحتكرين. 28
2- العمل على توفير السلع: وذلك بأن يعمل ولي الأمر على زيادة انتاج السلع التي أصبحت نادرة في السوق، إما بفعل المحتكرين، أو بفعل المنتجين، فله إجبار أهل الصناعات والمتجين على توجيه اهتماماتهم إلى إنتاج ما يحتاجه الناس من سلع يقل وجودها ويرتفع نتيجة لذلك سعرها، وقد قال ابن تيمية في ذلك: "فإذا كان الناس محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم صار هذا العمل واجباً يجبرهم ولي الأمر عليه إذا امتنعوا عنه بعوض المثل، ولا يمكن الناس من ظلهمهم بأن يعطوهم دون حقهم. 29(20/14)
3- تشجيع التبادل التجاري: ولهذا الجانب أثره في تحقيق الرواج الاقتصادي الذي يمنع ظهور الاحتكار؛ لأنه يؤدي إلى زيادة عرض السلع، فتنخفض الأسعار.
وقد اهتم الاسلام بذلك فعمل على تنظيم الاستيراد عن طريق النهي عن تلقي الركبان، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلقوا الركبان".30 والحكمة في ذلك هو حماية التجار الجالبين من الغش والظلم، لعدم معرفتهم بأسعار السوق. فكان منع الوسطاء بين الجالبين وأهل البلد وسيلة تفادي الاحتكار، وما ينتج عنه من أضرار.
كما نهى الاسلام في هذا المجال عن بيع الحاضر للبادي وهو الغريب الذي يجيئ من البادية أو من بلد آخر بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه، فيقول له الحاضر اتركه عندي لأبيعه على التدرج بأعلى، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تلقو الركبان ولا يبيع حاضر لباد" وقد فسر ابن عباس رضي الله عنهما قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "لا يبيع حاضر لباد بأن معناه لا يكون سمساراً. 31
فعلة النهي عن بيع الحاضر للبادي هي دفع الضرر؛ لأن الحضري يريد البيع بالتدريج لتحقيق أقصى ربح، وهو نوع من الحبس والتخزين للسلع والتحكم في المعروض منها ورفع سعرها، وذلك من باب الاحتكار ولرعاية المصلحة نهى الشرع عن هذا النوع من البيع فهو من باب تحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام. 32
وينبغي أن يفهم أنه لا يخشى من احتكار التجار الوافدين للسوق؛ لأن الجالب غريب عن البلد، ويحتاج إلى نفقات إقامة إذا أراد الإقامة لفترة طويلة، كما ويحتاج إلى نفقات لتخزين سلعته، ولهذا فهو يفضل البيع بالسعر السائد في السوق. 33
4- التسعير: وهو في اللغة: تقدير السعر34، وفي اصطلاح الفقهاء: إلزام الحاكم الناس إلا يبيعوا ولا يشتروا إلا بثمن المثل35.(20/15)
وقد اتفق الفقهاء على أنه إذا كان التعامل في الأسواق مستقراً، بأن توافرت السلع بسعرها المعتاد ولم يكن هناك احتكار لها، فإن التسعير في هذه الحالة محظور ولا يصح36. أما إذا انعدم استقرار التعامل في الأسواق بأن زاد بعض التجار في ثمن بعض السلع وكان الناس في حاجة إليها أو استأثر بعض التجار بسلعة معينة فباعوها بما يريدون، وكذلك إذا تواطأ التجار فيما بينهم على بخس ثمن سلعة معينة فلا يشترونها إلا بثمنٍ بخس، فإنه بمثل هذه الحالات يكون التسعير جائزاً، بل متعيناً على الحاكم منعاً للضرر عن الناس37.
فالتسعير وإن كان الأصل فيه المنع إلا أنه يكون جائزاً في حالة الضرورة والحماية للناس من جشع التجار ودرء المخاطر الاحتكار عنهم، فهو من قبيل السياسة الشرعية التي جعل للحاكم أو نائبه في مثل ذلك الحق في التخصيص والتقدير والتسعير38.
وإذا أُجيز التسعير تحت هذا الاعتبار فإنه حينئذٍ يجب أن يكون له صفة التأقيت لا الدوام فما بقيت الضرورة دافعة إليه ومصلحة الناس متمثلة فيه بقي ببقائها ولزم بحصولها.
كما أنه يجب أن يُراعى في التسعير كل ظروف إنتاج السلعة، وما أحاط بها وما أنفق عليها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وجهد المنتج وعمله ووضع الربح المعقول له39.
وبهذه النظرة العادلة يكون التسعير مانعاً من جبروت الاحتكار وغلو التجار وأصحاب السلع في التضييق على الناس، ولك ما يتفق مع الفطرة السليمة وتقره العقول الصحيح.
2- الربا
تعريفه لغةً: الربا مصدر ربا يربو، بمعنى الزيادة والنماء، يُقال: ربا المال أينما وزاد40.
تعريفه اصطلاحاً: تعددت تعريفات الفقهاء للربا، ولكننا نختار منها ما ذكره الحنفية فقد عرّفوا الربا بأنه فضل مال بلا عوض في معاوضة مال بمال41.(20/16)
حكمه: الربا حرام ومن الذنوب المهلكات، وقد دلّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب: فقد ورد به كثير من الآيات التي تدل على حرمة الربا، ومن ذلك قوله تعالى:( وأحلَّ الله البيع وحرَّم الربا (42وقوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين* فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون (43.
وأما السنة: فهي كثيرة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:( اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله: وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، واكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات)44. وأخرج مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لعن الله آكل الربا وموكله و كاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء"45.
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على تحريم الربا، وأنه لم يحل في شريعة قط.
حرَّم الإسلام الربا تحريماً قاطعاً، وجعله من أكبر الكبائر ولما فيه من استغلال فاحش لذوي الحاجات الذين يجب إعانتهم وقضاء حوائجهم، فإن للمسلم على أخيه المسلم حقوقاً كثيرة أدناها أن يكون رحيماً به، محسناً إليه، عطوفاً عليه، والتعامل بالربا خروج على هذه المبادئ السامية وانتهاك لواجب الإنسان نحو أخيه الإنسان، وذلك بخلاف ما تؤدي إليه هذه المعاملة من بث الأحقاد والضغائن في نفوس الماس بعضهم حيال بعض، وإثارة أسباب الفتن والصراع بين أفراد المجتمع، وتوسيع الفرق بين طبقة الموسرين وطبقة الفقراء، وصرف أصحاب رؤوس الأموال عن طريق الكسب الإنتاجي النافع، لأن الفائدة التي يحصل عليها المقرض لا تأتي نتيجة لعملية إنتاجية سليمة أسهم فيها بماله، بل إنها تأتي بدون مقابل اقتصادي، فهي مبلغ اُستقطع من مال المقترض من غير أن يحدث زيادة في الثروة العامة.
أوجه الفساد في الربا:(20/17)
الكلام عن الربا يتضمن العديد من الأمور التي ترتبط به كبيان اللأموال التي يجري فيها، وعلة تحريم الربا وأنواع الربا، وتبايع الأموال الربوية، إلا أنه نظراً لطبيعة البحث وتساوقاً مع مساره، فإننا نقصر الكلام هنا على ما يترتب على التعامل بالربا من فساد في النشاط الاقتصادي وتعارض ذلك مع الضوابط الشرعية ، والقيم الأخلاقية التي توضح للناس معالم الكسب الحلال، وتحذرهم من الكسب بطريق الانتظار.
وعلى ضوء ما زخر به الفقه الإسلامي والتناول البحثي لعلماء الاقتصاد الإسلامي من رصد لهذه المفاسد، فإننا نشير إليها فيما يلي:
1- استغلال القوي الغني للضعيف الفقير: فالأصل في المعاملات الربوية هو الحاجلة للمال، واستغلال حاجة الفرد بزيادة أصل الدين يكون ظلماً، والظلم فضلاً عن تحريم الإسلام له فإن الفطرة السوية تأباه والعقل الرشيد يرفضه، فكرامة الإنسان ملازمة لإنسانيته وملاصقة لأصل نشأته، يقول تعالى: ( ولقد كرمنا بني آدم (46، وبمقتضى ذلك لا يصح أن يكون الصراع على المصالح الخاصة سبباً للنيل من كرامة الإنسان، والاجتراء عليه باستغلاله والمساس بحقه في الحياة الكريمة، وذلك مما جعل من تحريم الإسلام للربا منهجاً فاضلاً، وتوجهاً صادقاً لتحقيق الأخوة البشرية، وإعطائها ما تستحق من تقدير ورعاية.
وتأسيساً على ما تقدم فإن الفرد لا يعطي ربا إلا ما زاد عن حاجته من المال ويتحمل المحتاج عبء الزيادة الربوية، بينما يستفيد القادر المرابي من حاجة الطرف الآخر دون حقن وبذلك يكون الربا ضد الصدقة التي أوجبها الله على الأغنياء، فإن حاجة الفقير هي دين على الغني وعد أداء الغني للصدقة في هذه الحالة هو تفريط في حق من حقوق الله47.(20/18)
ويتسلط الغني على الفقير، ويزداد ضرر المحتاج وتعريضه للفقر الدائم والدين الذي لا ينفك عنه، وتولد ذلك وزيادته إلى غاية تجتاحه وتسلبه متاعه وأثاثه48، وهو ما يؤدي إلى سريان الحقد والحسد والبغض والكراهية بين طبقات المجتمع، فترى طبقة الفقراء الكادحة العاملة أن جزءاً كبيراً من تعبها وجهدها يذهب يسيراً سهلاً لطبقة الأغنياء لا لشيء سوى إقراضهم بالربا، فيسود المجتمع التباغض والتحاسد بسبب هذه الطبقية الناتجة عن التعامل بالربا، وذلك مما جعل الإسلام يوجه عنايته إلى القضاء على هذه الطبقية الظالمة، فيدعو أتباعه إلى المواساة ومد يد العون والمساعدة للمحتاج عن طريق الزكاة والصدقة وغيرها.وفي ذات الوقت يحرم كل طريق للاستغلال من ربا ونحوه، فيقول صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى"49.
2- عرقلة مسيرة التنمية وتقليل مجلات الاستثمار: لم يكن الإسلام في منعه للربا حرباً على الأغنياء أو ضد الثراء، بل كان التزام الحق والعدل في استنماء المال وتوظيفه في دفع عجلة التنمية الاقتصادية وتحقيق ازدهار المجتمع ورخائه. ومن هنا كان تحريم الربا ضابطاً رئيسياً للاستثمار الرشيد في الاقتصاد الإسلامي، وذلك أن الربا يؤدي إلى تمييز رأس المال على سائر عناصر الإنتاج بأن يكون مستحقاً لعائد دون مقابل من إنتاج أو عمل أو تعرض لمخاطرة، وبعبارة أخرى فإن المعاملات الربوية تؤدي إلى استخدام النقود في غير وظيفتها الأساسية فتكون سلعة تُباع وتُشترى يُباح تأجيرها بثمن معين يسمى الفائدة، مما يمنحها القدرة على إنتاج نقود من غير إسهام فعلي فيء العملية الإنتاجية بالعمل أو التعرض للمخاطرة أو الإنتاج الفعلي.(20/19)
وبناءً على ذلك فإن الربا يؤدي إلى تعطيل استخدام النقود الأساسي كوسيط للتبادل، فتركز الثروة في أيدي طبقة محدودة من المجتمع فتصبح هي المتحكمة في رأس ماله، وذلك يترتب عليه قلة الإنتاج من جراء توقف الاستثمار الحقيقي الذي يتطلب بذل الجهد وممارسة العمل من الجميع، والاشتراك في تحمل المخاطرة، فالمرابون بما يحصلون عليه من كسب محرم بدون جهد وعناء ومخاطرة يصرفهم ذلك عن تحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعات الشاقة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق، ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم بالتجارات والحرف والصناعات والعمارات50.
ولقد تفاقم أمر الربا في هذا الجانب فتعداه من طاق الدولة الداخلي إلى المستوى الدولي بشكل ألحق الضرر بالدول الفقيرة وجعلها مكبلة بالديون الخارجية وفوائدها الربوية المتراكمة بعد أن عجزت مواردها المحلية عن الوفاء بالتزامات ديونها الخارجية التي أخفقت في تنميتها الاقتصادية جعلتها في موقف ضعيف إزاء طغيان الدول الدائنة التي جعلت من هذه الديون عوامل ضغط وإكراه لربط اقتصاد الدول المدينة بالتبعية لها، وذلك مما أدى إلى انتقال الموارد من فقراء العالم إلى أغنيائه وتفشي ظاهرة التضخم في كثير من الدول، واختلال توزيع الدخل والثروة بين البشر.(20/20)
3- تضييق مجال التعامل والوقوع في الحرج: ويظهر ذلك جلياً في ربا الفضل الذي يتمثل في مبادلة المال الربوي بجنسه مع الزيادة في أحد العوضين متقابضين في المجلس أو غير متقابضين، فهذا النوع من التعامل إذا كان في المطعومات القابلة للادخار فإنه يؤدي إلى احتكارها لمن يملكونها، فمن كان عنده قمح إذا باعه لغيره بقمح متفاضل، فإن ذلك يجعل من كان يملك نقوداً وليس لديه قمح إلا يحصل على ما يريده من قمح، فكان في ذلك تضييقاً عليه وإلحاقاً للضرر والمشقة به، فلا يحصل على حاجته من الغذاء من عنده نقوده وليس عنده قوت، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم من جاءه بتمر جيد اشتراه بتمر رديء مع زيادة الرديء عن الجيد بأن يبيع الرديء ثم يشتري بثمنه جيداً قائلاً له: "بع الجمع (التمر الرديء) بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيناً( التمر الجيد)"51.
ويفهم من ذلك أنه لو أُجيزت المقايضة مع التفاضل ما أكل المحتاج إلى التمر شيئاً منه، فمن ليس عنده تمر جيد ولا رديء وعنده نقود لا يستطيع الحصول على ما يرغب فيه من تمر، فكان ذلك تضييقاً على الناس ولحدث الغبن وفشا في التعامل لعدم وجود المقياس النقدي الذي يقوم الأشياء بالدقة التي تحدد العدل والإنصاف.
وأيضاً يتحقق الإضرار بالناس عند وقوع التعامل براب الفضل في النقدين، كما لو بيع الدرهم بدرهمين ولا يكون ذلك إلا للتفاوت بين النوعين إما في الجودة أو الثقل أو الخفة، فقد يتدرج المتعاملين بذلك من الربح المعجل إلى الربح المؤجل بأن تحدث زيادة في نظير التأجيل فيتحقق بذلك الربا المحرم52.
3- البيوع المنهي عنها
رغم أن الشريعة الإسلامية تنهى عن التعالم ببعض البيوع التي تنطوي على الجهالة أو تشمل الخداع، فقد فشا في مجال التعامل أنواعاً من هذه البيوع التي ترتب عليها فساد لنشاط الاقتصادي وعدم استقرار التعامل.ونتكلم عن أهم هذه البيوع فيما يلي:(20/21)
1- بيع الغرر: والمراد ببيع الغرر هو البيع الذي يكتنفه الخطر أو الشك في وجود المبيع، أو الجهل بالعاقبة لاحتمال عدم القدرة على تسليم المبيع. وقد أبطلت الشريعة الإسلامية هذا النوع من البيع، لما يؤدي إليه من التنازع والشقاق بين المتعاقدين أو غبن أحدهما للآخر، فهو من أكل أموال الناس بالباطل53.
وقد جاء النهي عن بيع الغرر بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن بيع الغرر".
ويدخل في بيع الغرر المنهي عنه إجماعاً أنواع كثيرة من البيوع شاع التعامل بها في الوقت الحاضر، كبيع ما لم يتم ملك البائع به، وقد جاء النهي عنه ما رواه عبد الله ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من ابتاع طعاماً فلا يبيعه حتى يقبضه"54، وما جاء عن حكم بن حزام أنه قال: قلت للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني عن البيع لما ليس عندي فأبيعه منه ثم أبتاع من السوق، فقال صلى الله عليه وسلم:" لا تبع ما ليس عندك"55 أي لاتبع ما ليس حاضراً عندك وتحت يدك، لأن البائع لا يعلم صفة المبيع فكيف بالمشتري، فمن الأولى إلا يشتري شيئاً لا يعرف عنه شيئاً وليس للبائع عليه سلطان.
كما يدخل في بيع الغرر بيع الثمار في الحقول والحدائق قبل أن يبدو صلاحها، وبعد التعاقد قد يحدث أن يصيبها آفة سماوية فتلك الثمار ويختصم البائع والمشتري، فيقول البائع: قد بعت وتم البيع، ويقول المشتري: إنما بعت لي ثمراً ولم أجدهن ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها إلا أن يشترط القطع في الحال، ونهى عن بيع السنبل حتى يبيّض ويأمن العاهة، وقال:" إذا منع الله الثمرة بما ستحل أحدكم مال أخيه".(20/22)
ومما ظهر ونشأ من بيوع الغرر في المعاملات الحديثة المضاربة في أسواق الأوراق المالية، وهي التي يقوم بها الأفراد المضاربين بهدف الحصول على كسب من فروق الأسعار فقط، وقد تكون المضاربة على النزول أي بيع المضارب عقوداً انتظاراً لهبوط أسعارها ثم يشتريها بسعر أقل ويحقق كسباً من هذا الفرق، وقد تكون المضاربة على الصعود أي يشتري المضارب لعقود انتظاراً لارتفاع أسعارها فيبيعها ويكسب الفرق بين سعر البيع وسعر الشراء، ففي هذه العمليات لا يتم استلام السلعة التي يتم باسمها التعامل فتكون هذه المضاربة نوعاً من المقامرة التي تنبني على الضرر ولا جهالة، وهي تتشابه في ذلك مع بيع ما لا يملك أو ما ليس عنده، لأنها تقوم على تعامل وهمي دون تبادل حقيقي للسلع، بل تتداول فيها عقوداً لا تمثل الكمية الفعلية من السلعة الموجودة56، فضلاً عن ذلك فإن ما ينتج عنها من تغير في الأسعار لا يأتي معبراً عن تفاعل حقيقي بين قوى العرض والطلب.
وينبغي أن نشير إلى أن كل غرر ليس ممنوعاً فإن بعض ما يُباع لا يخلو من غرر، كالذي يشتري داراً لا يستطيع أن يطّلع على أساسها وداخل حيطانها فذلك غرر يسير تدعو إليه الضرورة لأنه غير مقصود فلا يفسد العقد.
2- بيع العربون: والمراد به أن يشتري الشخص شيئاً فيدفع إلى البائع من ثمن ذلك المبيع شيئاً على أنه إن تم العقد بينهما كان ذلك المدفوع من الثمن، وإن لم يتم العقد صار المدفوع من حق البائع ولا يطالبه المشتري بشيء57.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم صحة بيع العربون، لما رواه عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربون"58. كما أن بيع العربون فيه شرط فاسد، ويترتب عليه أكل أموال الناس بالباطل، حيث لم تطب نفس المشتري بترك بعض ماله دون عوض أو مقابل مما يترتب عليه وقوع العداوة والبغضاء والشجار بين الناس.(20/23)
3- بيع النجش: والمراد به الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها ليقع غيره فيها59. وقد سميّ هذا البيع بذلك؛ لأن الناجش يثير الرغبة قي السلعة وقد يقع ذلك بمواطأة البائع، فيرتفع ثمن السلعة دون مبرر، وهذه الصورة هي الغالبة والأكثر شيوعاً، وقد يقع النجش بغير علم البائع فيقع الإثم على الناجش وحده، وقد يقع النجش بفعل البائع وحده وذلك بأن يدّعي أنه اشترى السلعة بأكثر مما اشتراه به لغير غيره بذلك.
وقد أجمع الفقهاء على أن النجش حرام وفاعله عاص لارتكابه ما نهى الشرع عنهن لقوله صلى الله عليه وسلم: "و لا تناجشوا "، ولما روى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم :"نهى عن الجش والتصرية"60.
ورغم اختلاف الفقهاء في صحة عقد البيع الذي دخله النجش، فإننا نرجح الرأي القائل ببطلانه61، لورود النهي عنه والنهي يقتضي فساد المنهى عنه وهو النجش، ولأنه بيع يقوم على الخديعة فيكون من باب أكل أموال الناس بالباطل الذي حرمته الشريعة وحذرت منه.
4- بيع الرجل على بيع أخيه: وهو المسمى بالسوم، وهو كما يكون في البيع يكون في الشراء، وصورته في البيع أن يقول لمن اشترى شيئاً في مدة الخيار افسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه أو أجود منه بثمنه، أو يقول له نحو ذلك، وصورته في الشراء أن يقول للبائع في مدة الخيار افسخ هذا البيع وأنا أشتريه منك بأكثر من هذا الثمن، أو يقول له نحو ذلك62.
ولا خلاف بين الفقهاء في أنه إذا باع الرجل على بيع أخيه، أو اشترى على شرائه فإن فعله هذا محرم ويكون آثماً63، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبيع بعضكم على بيع أخيه"64، ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقام الرجل على سوم أخيه"65.(20/24)
وقد اختلف الفقهاء في حكم هذا البيع، ونرى رجحان ما ذهب إليه القائلين ببطلان هذا البيع لورود النهي عنه، وذلك ما يقتضي فساده وحرمة فعله66، لقيامه على المكر والخديعة.
وينبغي إلى أن يفهم إلى أن حرمة هذا البيع تتقرر بعد استقرار الثمن وركون أحدهما للآخر ولم يأذن الأول، ولم يترك البيع، كأن يوجد من البائع تصريحاً بالرضا أو أن يظهر منه ما يدل على الرضا من غير تصريح67.
أما إن ظهر منه ما يدل على الاعتراض وعدم الرضا فلا يحرم السوم على السوم في هذه الحالة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم باع بالمزايدة صح رجل وحلسه، فقد روى انس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الشدة والجهد- أي الفقر- فقال له: "أما بقي لك سيء" فقال: بلى حلس وقدح، قال: فأتني بها، فأتاه بهما فقال: من يبتاعهما، فقال رجل: أخذتهما بدرهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يزيد على درهم، فأعطاه رجل درهمين فبتاعهما منه68.
فهذا دليل على جواز بيع المزايدة وعدم دخوله في السوم، لأن السوم يكون بطلب المبيع بالثمن الذي تقرر به البيع، أما في بيع المزايدة فلم يتقرر الثمن ولم يركن أحد المتعاقدين إلى الآخر فكان مخالفاً لبيع السوم.
المبحث الثالث
تبديد الموارد وسوء استخدامها
تمهيد:
إن ممارسة النشاط الاقتصادي على أساس المنهج الإسلامي تأتي مرتبطة بدائرة الحلال الواسعة التي تشمل الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية باعتبارها الوعاء الذي يمارس فيه المجتمع نشاطه الاقتصادي للقيام بعمارة الأرض تحقيقاً لقوله تعالى: ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها (69.(20/25)
وتأسيساً على ذلك فإن التصرفات الاقتصادية الخاطئة التي تنطوي على توظيف الموارد في غير ما أحله الله أو تبديدها وإتلافها مما لا يسمح به الإسلام ولا يقره مسلكه العادل، ويعتبره نوعاً من الفساد في الأرض، يقول تعالى: ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد(70.
والمتأمل في النشاط الاقتصادي في الوقت الحاضر يروعه تبدل الحال فيه وانفلات المأخذ الإسلامي في مساراته، وذلك لما سرى فيه من نبذ لتوجيهات الشريعة والتنكر لما حدث عليه ودعت إليه في مجال حفظ المال وصيانته من التبديد، وذلك باستثماره وتشغيله والتمكين له من وظيفته الأساسية، فهو قوام الحياة، والمحافظة عليه صيانة للحياة، يقول تعالى: ( و لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً، وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفا(71.
ولما كان عدم استثمار المال وإغفال استخدامه وتشغيله يمثل أحد أنواع الفساد في النشاط الاقتصادي، فإننا نتناول الكلام عليه فيما يلي:
مظاهر هذا النوع من الفساد:
1- الإسراف: ويراد به تجاوز الحد في الإنفاق الاستهلاكي مطلقاً، وبمعنى آخر فهو تجاوز الحد في استهلاك المباحات، والاستجابة لرغبات النفس التي لها أصل مشروع، مما يجعل الشخص يخرج عن حد الاعتدال والتوسط، وبما أن الدخل محدود فغالباً ما يترتب على الإسراف في جانب التقتير في آخر72، فيكون ذلك جهلاً بمقادير الحقوق73.
والإسراف محرم في الإسلام لنفس الأسباب التي حرم من أجلها التقتير لما فيها من ظلم للنفس وتحطيم لقدراتها وإن اختلفت الوسيلة، كما أن كليهما إهدار للموارد الاقتصادية، وإذا كان التقتير يؤدي إلى الكساد فإن الإسراف يؤدي إلى التضخم وكلاهما شر يجب تجنبهن يقول تعالى: ( فكلوا واشربوا ولا تسرفوا (74. ويقول صلى الله عليه وسلم: "كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة"75.(20/26)
فالإسلام يضفي على الإسراف صفة التحريم القاطع، ويجعل النهي عنه في المأكل والمشرب والملبس وكذلك الصدقة، يقول تعالى: ( و آتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين (76. وما كان ذلك التحري إلا لأن الإسراف تبديد الموارد وإضاعة للثروات في غير ما يفيد وينفع.
وحتى لا يقع المسلم في شرك الإسراف فإن عليه أن يكون صاحب إرادة قوية ويقظة مستمرة أمام مشتهيات النفس التي لا تنقطع مستجيباً في ذلك لأمر اله تعالى، وما يرشد إليه الفكر السديد والعقل السليم.
2- التبذير: ويراد به إنفاق المال بترك الطيبات والإنفاق على الخبيث77، وهو محرم وإن كان شيئاً قليلاً، يقول تعالى: ( ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا( .78
كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن صرف المال في غير وجوهه الشرعية مما نهى الله تال عنه وكرهه لعباده لأنه فساد، والله لا يحب المفسدين، فجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وان تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال"79.
ومما يجدر البيان له أن دائرة السفه تتسع لتشمل سائر وجوه إنفاق المال في معصية الله وفي غير الحق وفي الفساد، ومن ذلك الإنفاق المتعلق بالأكل والشرب المحرم من أنواع الخمر والمسكرات والمخدرات التي حرمها الإسلام، وكذلك الإنفاق فيما يتعلق بالاستماع للغناء المحرم، كما يدخل في استعمال الذهب والفضة في المأكل والمشرب، ويلحق بذلك استعمالها في الطيب والاكتحال وسائر وجوه الاستعمال، وأيضاً يشمل ذلك لبس الذهب والحرير للرجال80.(20/27)
فالإنفاق في الملذات المحرمة بجانب ما يعود على الفرد المنفق من أضرار فإنه ينجم عنه أضررا كثيرة تؤثر في النشاط الاقتصادي، حيث يؤدي ذلك إلى تشجيع غيره من أصحاب الأموال فيفعلوا كفعله بحثاً عن السعادة في ظنهم، مما يترتب عليه فساد طائفة مهمة من المجتمع المسلم التي بيدها مقاليد الاقتصاد، وفي ذلك الفساد أضرار عامة تعود على المجتمع من تأخر المسلمين وتسلط الأعداء عليهم.
كما أنه لا يخفى ما في هذه التصرفات في مجال إضاعة المال من تشجيع لكثير من ضعفاء الإيمان إلى محاولة كسب المال عن هذه الطرق وذلك بالعمل على تيسير أماكن اللهو والمنكرات إلى الراغبين في الملذات المحرمة وهو ما يشاهد في بعض البلاد الإسلامية، وهو ما كان له الأثر السلبي على النشاط الاقتصادي في المجتمع الإسلامي من صرف فئة السفهاء عن الأعمال الصالحة النافعة التي تعود على المجتمع المسلم بالنفع والفائدة من انتشار المصانع والمشاريع الزراعية ونحو ذلك من الأعمال التي تحتاجها الأمة، ولو أحسن استغلال هذه الأموال وهذه الجهود التي تصرف في تهيئة المنكرات لكان في ذلك خير عظيم لهذه الأمة81.
3- الاكتناز: ويراد به في الفكر الاقتصادي الحديث إمساك النقود وحبسها عن التداول، وبمعنى آخر فإن الاكتناز هو الاحتفاظ بالمدخرات في صورة أرصدة نقدية عاطلة82.
وهذا المعنى قريب من التفسير الشرعي للاكتناز حيث يراد به المجموع من النقدين -الذهب والفضة- ما لم يكن حلياً مباحاً، وخصّ الذهب والفضة بالذكر لأنه مما لا يطلع عليه بخلاف سائر الأموال، كما استثنى الحلي لأنه مأذون باتخاذه ولاحق فيه83.(20/28)
وقد حذر الإسلام من هذه الظاهرة لأضرارها الجسيمة على النشاط الاقتصادي وارتباطها بالتقلبات الاقتصادية، بأن الاكتناز يؤدي إلى فقد النقود لوظيفتها الأساسية كوسيلة للمبادلة، حيث يتم اقتنائها لذاتها بهدف تنمية الثروة والممتلكات الخاصة، مما يؤدي إلى نقص في عرض النقود عن الطلب عليها نتيجة لسحب مقدار منها من النشاط الاقتصادي، كما أن استخدام النقود كسلعة وتنميتها عن طريق الإقراض بفائدة أدى إلى أن أصح الاكتناز وسيلة لتنمية الثروة بدلاً من استخدام النقود لتمويل الاستثمار، ولذا يعتبر الاكتناز من الضوابط الشرعية المكملة لتحريم الربا، من حيث إعادة النقود لوظيفتها الطبيعية وعدم اقتنائها لذاتها بتوليد النقد من النقد أو الاحتفاظ به لذاته84.
وينبغي أن يفهم أن تحريم الاكتناز لا يعني أنه تحريم الإسلام لتملك المال، فالإسلام يحترم الملكية الخاصة، ويراها أكبر دافع للعمل واستثمار المال وتنميته، إلا أن الاكتناز يكون محرماً لما يستتبعه من أضرار عديدة تؤدي إلى ارتكاب آثام مختلفة سواء بعدم تنمية المال واستثماره أو بالتعامل بالربا85.
ورغم أن الزكاة تفرض على الأرصدة النقدية بلا توظيف إذا توافرت شروط الزكاة فيها، فإن ذلك أمر غير مرغوب فيه شرعاً، لأن الموارد العاطلة تنطوي على صور من الضياع الاقتصادي لا يرضاه الإسلام، وفيه تعريض للنقود للتآكل وتدهور قيمتها، سواء من خلال الاستقطاع السنوي منها عبر فريضة الزكاة مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "من ولى يتيماً له مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة"86. أو من خلال تأثرها بموجات التضخم العالمي مع ما يؤدي إليه الاكتناز من وقوع المجتمع في براثن الانكماش وتدهور مستوى النشاط الاقتصادي.
المبحث الرابع
غياب القيم الأخلاقية والضوابط الشرعية
تمهيد:(20/29)
يرتكز النشاط الاقتصادي في النظام الإسلامي على مبادئ إنسانية وأسس أخلاقية وضوابط شرعية، تغرس في نفوس أتباعه الحرص على مزاولته وإتقانه في الإطار الذي يسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويكفل تصحيح المخالفات لجميع أنواع التصرفات الضرورية والجماعية، جامعاً لكلٍ من الجانبين المادي والروحي في وقت واحد باعتبار أن الاهتمام بجانب دون الآخر يؤدي إلى خلل واضطراب في حياة الفرد والمجتمع.
وتحقيقاً لهذه الغاية الفريدة فقد وضع الإسلام للنشاط الاقتصادي آداباً وقيماً تهدف إلى ربطه بالأخلاق الحميدة، مما يحقق له الفاعلية الإيجابية والحركة الصحيحة.
ومع وضوح هذه الحقيقة ودعوة الإسلام الصريحة لها ،فإن ما جنح إليه النشاط الاقتصادي في الوقت الحاضر من تجنب لها وغفلة عنها جعل العلاقات الاقتصادية بين الناس تقوم على أسس نفعية مادية كما تتجه إلى تحقيق غايات فردية.
وفي سبيل التناول لهذا الجانب من موضوع البحث وبسط القول عنه، فإننا نتكلم عنه فيما يلي:
1- الغش
معناه وحكمه: الغش هو إظهار الشيء على غير ما هو عليه في الواقع وذلك بكتمان العيب وإخفائه، فالغش خيانة وخداع87.
والغش حرام بإجماع المسلمين، وفاعله مذموم عقلاً وشرعاً، وقد ثبت تحريم الغش بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فعموم الآيات التي تنهى عن أكل أموال الناس بالباطل ومنه قوله تعالى :( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل(88.
أما السنة فقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على تحريم الغش منها قوله صلى الله عليه وسلم: "من غشّ فليس مني"89.
وأما الإجماع فقد أجمعت الأمة على تحريم الغش90.(20/30)
صور الغش: تتنوع صور الغش والخداع في مجال النشاط الاقتصادي، ومن أكثرها شيوعاً الكذب وهو ضد الصدق وقد حذر الإسلام من الكذب في البيع، وأمر بالصدق فيهما، فيقول تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين(91. ويقول صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما تحققت بركة بيعهما"،92 كما يقول ايضا : "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء"93 .
ويدخل في ذلك الحلف على البيع، فهو مكروه؛ لأنه قد يكون موصلاً لتغرير المتعاملين، كما يكون سبباً لزوال تعظيم اسم الله تعالى من القلب.
وعلى هذا فلا يصح الحلف على البيع وإن كان يؤدي إلى بيع السلعة؛ لأنه يمحق البركة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة".94
ومن صور الغش في النشاط الاقتصادي كتمان العيب وعدم إظهاره، فلا يحل لكم بيع سلعة أن يكتم ما بها من عيوب للنهي عن ذلك، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " المسلم أخو المسلم، لا يحل لمسلم إن باع من أخيه بيعاً عيب إلا بينه له".95
وفي هذا الجانب لا يقتصر إظهار ما بالبيع من عيوب عن صاحبه فقط، بل يجب على كل من يعلم ذلك أن يبينه، وقد روى في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يحل لأحد أن يبيع شيئاً إلا بين ما فيه ولا يحل لأحد يعلم ذلك إلا بينه".96
ومن صور الغش في البيع ما يكون من خداع المتعاملين والتدليس عليهم فهو من أكل أموال الناس بالباطب، وقد به إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فأصابت أصابعه بللاً، فقال: " ما هذا يا صاحب الطعام ؟" قال: أصابته السماء يا رسول الله ، قال: " أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ؟ من غش فليس مني ".97(20/31)
ويدخل في الغش نقصان الكيل والميزان وعدم بخسهما، لما يترتب عليه من ظلم وأضرار للمتعاملين، وقد حذر الاسلام من ذلك وأمر بالوفاء بالكيل والميزان بالعدل، فقال تعالى: (وأوفو الكيل والميزان بالقسط لا تكلف نفساً إلا وسعها( 98. كما توعد الله سبحانه وتعالى بالويل لكل من يطفف أو ينقص في المكيال والميزان إذا باع ويزيد إذا اشترى، فقال تعالى: (ويل للمطففين الذي إذا اتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم بخسرون ألا يظن ذلك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين( 99. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحاب المكيال والميزان: " أنكم وليتم أمرين هلكت فيهما الأمم السابقة" أي فاحذروا النجس في ذلك، وإلا هلكتم كما هلك السابقون".
ومن صور الغش التي شاع ظهورها وتتنافى مع مكارم الأخلاق، تصرية الحيوان قبل بيعه بأن يترك الشخص حلب الشاة أو البقرة، فيكثر اللبن في ضرعها، ثم يعرضها للبيع فيظن المشتري أن هذه عادتها، فيزيد في الثمن لما يرى من كثرة اللبن، فيكون ذلك ظلماً وغشاً لمن ابتاعها، ومن قبيل أكل أموال الناس بالباطل، وذلك حرام، وقد جاء النهي عن هذا الفعل فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد، فإنه بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسكها وإن شاء ردّها وصاعا من تمر"100.
2- بيع وصناعة الأشياء المحرمة(20/32)
اتجهت الاقتصاديات الوضعية على قصر عنايتها على الجانب المادي وحده، فأصبح الهدف الوحيد للنشاط الاقتصادي المعاصر دون مراعاة أو التفات للجوانب الأخرى كالقيم والمبادئ الأخلاقية، فقد شاع التعامل بالأشياء المحرمة في مجال الأطعمة والأشربة والصناعات، وذلك ما يمنعه الإسلام وتأباه شريعته التي لا تسمح أبداً بأية صورة من صور الكسب الخبيث، يقول تعالى: ( قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون(101.
كما أن في إجازة بيع المحرمات والاتجار فيها يعتبر تنويهاً بتلك المعاصي وتسهيلاً للناس في اتخاذها وتقريباً لهم منها، وغي تحريم بيعها واقتنائها لها وإخمال بذكرها، وإبعاد للناس عن مباشرتها، يقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام"، كما يقول :"إن الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه"102.
ويدخل في عداد المحرمات آلات اللهو إلا ما أباحه الشارع من طبل ودف، أما غير ذلك فلا يجوز الاتجار فيها، لضررها وصرفها للناس عن السلوك الجاد، فهي من لهو الحديث، يقول تعالى: ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذابٌ أليم(103.
وقد قال المفسرون إن المراد بلهو الحديث آلات العزف104، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشراء آلات اللهو فقال: "إن الله بعثني رحمة للعالمين، وأمرني بمحق المعازف والمزامير، لا يحل بيعهن ولا تعليمهن ولا التجارة فيهن، وثمنهن حرام"105.
وقد أجمعت الأمة على حرمة العامل في آلات العزف ولا يجوز أن تكون سلعاً، لأنها تتنافى ومكارم الأخلاق ولا مصلحة فيها106.
3- تزييف النقود:(20/33)
يطلق النقد على المسكوك من الذهب والفضة وغيرها107، وسك النقود بمعنى إصدارها في كافة مراحله صورةً ونقشاً ووزناً ومادة، يكون من اختصاص الدولة التي يمثلها الحاكم، لأنها تمس مصالح الجميع، فهي تجري بين الناس من يد إلى يد، فصلاحها وانضباطها صلاح وانضباط لكل معاملات الناس وطمأنينة لهم واستقرار لقيم الأشياء، ذلك من السياسة الشرعية ورعاية المصلحة العامة، وتحقيق مقاصد الشريعة في التيسير على الناس في معاملاتهم ورفعه الحرج عنهم في أمور معاشهم.
وتأتي أهمية النقود في أنها تؤدي وظيفتين في حياة الأفراد والجماعات، فهي أولاً أداة مبادلة ووسيلة إلى تحقيق رغبات الناس، وأنها قيمة لكل ما يتموله الناس، وهي ثانياً أداة ادخار يتم عن طريقها تجميع المال في صورة تيسير الانتفاع به من غير عناء في الاحتفاظ به أو صعوبة التعامل فيه108.
والأصل في النقود أنها تكون من معدني الذهب والفضة فإنهما جعلا ثمناً للأشياء وأعدا للتجارة بأصل خلقتهما، وذلك لسهولة حملهما ونقلهما فضلاً عن متانتهما وتجانس هذين المعدنين في كل بقاع الأرض وصعوبة تزييفهما، وقابليتهما للتجزئة دون التأثير على قيمتهما، إذ كل منهما حافظ لقيمته109.
ومع تطورات الحياة المتلاحقة وما استحدثته التغيرات الاجتماعية فقد ظهر في مجال النقد المسكوك أشياء أخرى من غير الذهب والفضة لها صفة الثمنية، وهو مؤيد بما اتجه إليه سيدنا عمر رضي الله عنه عندما فكر في الانتفاع بجلود الإبل عن طريق جعلها دراهم ثم بعد مواجهته بعدم ملائمة ذلك التفكير لأحوال العصر امتنع من الإقدام على ذلك. كما أجاز بعض الفقهاء اتخاذ غير النقدين ثمناً إذا اتخذه الناس ولو كان من غير المعنيين التقليديين110.
وعلى هذا فكل ما ارتضته الدولة على جعله وسيلة للتبادل وتحقيق مآرب الناس كان ثمناً ولو كان مكن أي معدن غير الذهب والفضة أو من غير المعادن111.(20/34)
وباستقرار ذلك وظهور النقود الورقية وتداولها عالمياً وتعارف الناس علي الأخذ بها فقد اتجه ضعاف النفوس إلى تزييفها وتسخير كل ما يمكنهم من دهاء ومكر في هذا التحايل، فانتشر في سوق النقد والصرف تزييف النقد، مما أفسد التعالم فيه وترتب عليه الكثير من الأضرار، وقد عني الإسلام بسلامة النقود من العبث بها، فكما حرم الغش في السلع والتدليس في التعامل، حرم الغش في النقد واعتبره خطراً عاماً يمتنع تداوله، لأن تداوله بين الناس يتم بسرعة، وهذا يجعل ضرره متنقلاً من شخص إلى آخر، وهكذا حتى يعم أناساً كثيرين.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن تكسر الدراهم أو الدنانير أو الفلوس التي عليها سكة الإمام وخاتم الدولة ما دام التعامل بتها جارياً بين المسلمين، فجاء عن عبد الله بن عمرو المازني قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس"112.
والحكمة من هذا النهي ما يترتب على كسر النقود من إضاعة المال، وإهدار ما بُذل فيها من أعمال، وإخلال بحق الدولة ونظمها في إصدار النقد، وكذلك ما يؤدي إليه هذا التصرف الآثم من نقص في النقود المتداولة بين الناس، وهذا يؤثر بدوره على مسيرة التعامل والتبادل.
ولا شك أن تزييف النقود مما يدخل في هذا الإضرار بل يزيد عليه بأنه ظلم وعدوان، إذ يستضر به المعامل إن لم يعرف ذلك الزيف، وإن عرف فيروجه على غيره، وكذلك الثالث يروجه على غيره، وكذلك الرابع وهكذا، ولا يزال يتردد في الأيدي ويعم ضرره ويتسع الفساد ويكون وزر الكل راجعاً إليه فإنه هو الذي فتح هذا الباب113.(20/35)
وقد ذهب بعض العلماء إلى جعل من زيّف النقود وأفسد السكة سارقاً أو مفسداً في الأرض، أما أنه يعتبر سارقاً فالوجه فيه أن يتقاضى في مقابلة الدرهم الزائف سلعة يفوق ثمنها في الحقيقة والواقع، بل لا يكون لهذا النقد الزائف قيمة على الإطلاق، فيكن قد أخذ السلعة اختلاساً أو سرقة، وأما اعتباره مفسداً فما أتاه من ضرر كبير، وإذا كان هذا الوصف ينطبق على المزيف للنقود فتكون عقوبته هي عقوبة المفسد في الأرض التي نصّ عليها قوله تعال: ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلّوا أو يصلبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفوا من الأرض أولئك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم* إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفورٌ رحيم(114.
وهذا في نظري رأي سديد، وفكر رشيد يساير النظرة الإسلامية بما تهدف إليه من صيانة الحق، وتحقيق مصالح الخلق.
( وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين)
الهوامش
(1) …لسان العرب، ج3، ص335- المصباح المنير، ج2، ص472- تفسير القرطبي، ج1،
ص202.
(2) تيسير التحرير، محمد أمين بادشاه، ج2، ص236.
(3) المستصفى لأبي حامد الغزالي، ج2، ص153 وما بعدها.
(4) شرح التلويح على التوضيح، سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني، ج1، ص376- تيسير التحرير، محمد أمين، ج1، ص376- 380.
(5) الأموال لأبي عبيد، ص319.
(6) المسند لأحمد بن حنبل ج1، ص313- سنن البيهقي، ج6، ص156.
(7) لسان العرب لابن منظور، ج2، ص149- المصباح المنير، ج1، ص472.
(8) بدائع الصنائع، ج5، ص129- نهاية المحتاج، ج3، ص472.
(9) المبدع شرح المقنع، ج4، ص47.
(10) سنن ابن ماجة، ج2، ص729.
(11) مواهب الجليل، ج4، ص323.
(12) المحلى، ج9، ص64.
(13) صحيح مسلم بشرح النووي، ج11، ص43- سنن ابن ماجة، ج2، ص728.(20/36)
(14) مواهب الجليل، ج4، ص224- نهاية المحتاج، ج3، ص472- المغني مع الشرح الكبير، ج4، ص305- المحلى لابن حزم، ج9، ص717.
(15) الهداية ج4، ص92- تكملة المجموع، ج13، ص44.
(16) صحيح مسلم بشرح النووي، ج11، ص43.
(17) مسند الإمام أحمد، ج2، ص351.
(18) سنن ابن ماجة، ج2، ص728.
(19) الهداية ج4، ص92- مغني المحتاج، ج2، ص38.
(20) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج9،ص414- بدائع الصنائع، ج5، ص139- مغني المحتاج، ج2، ص38.
(21) الاقتصاد الإسلامي، د/ حسن الشاذلي، ص186 وما بعدها.
(22) الاقتصاد السياسي، د/ رفعت المحجوب، ج2، ص223 وما بعدها.
(23) النظرية الاقتصادية ، د/ أحمد جامع، ص765 وما بعدها.
(24) الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي، د/ أميرة عبد اللطيف مشهور، ص234 وما بعدها.
(25) النظام الاقتصادي في الإسلام، د/ شوكت عليان، ص164.
(26) مواهب الجليل، ج4، ص227- نهاية المحتاج، ج3، ص456- الطرق الحكيمة لابن القيم، ص243- تبيين الحقائق للزيلعي، ج6، ص28.
(27) أحكام السوق ليحيى بن عمر، ص113.
(28) المحلى لابن حزم،ج9، ص65.
(29) الحسبة في الإسلام لابن تيمية، ص14.
(30) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج4، ص370.
(31) صحيح مسلم بشرح النووي، ج10، ص161.
(32) الحسبة في الإسلام لابن تيمية، ص24 وما بعدها.
(33) الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي، د/ أميرة عبد اللطيف مشهور، ص240.
(34) مختار الصحاح، ص299.
(35) الطرق الحكيمة لابن القيم، ص245.
(36) تبيين الحقائق، ج6، ص28- القوانين الفقهية، ص281- مغني المحتاج، ج2، ص38- المغني، ج4، ص159.
(37) الطرق الحكيمة لابن القيم، ص325.
(38) الحسبة لابن تيمية، ص41.
(39) الاقتصاد الإسلامي، د/ حسن الشاذلي، ص198.
(40) مختار الصحاح، ص231.
(41) المبسوط، ج12، ص109.
(42) الآية 275 سورة البقرة.
(43) الآيتان 178- 179 سورة البقرة.
(44) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج5، ص393.
(45) صحيح مسلم بشرح النووي، ج11، ص26.(20/37)
(46) الآية 70 سورة الإسراء.
(47) مجموع فتاوى ابن تيمية، مجلد29، ج9، ص24.
(48) إغاثة اللهفان، ج1، ص368.
(49) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج10، ص438
(50) تفسير الرازي، ج7، ص94.
(51) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج5، ص304
(52) دراسات في الفقه الإسلامي، د/ رشاد حسن خليل، ص152.
(53) مجموع فتاوى ابن تيمية، ج29، ص23.
(54) صحيح مسلم بشرح النووي، ج10، ص156.
(55) نفس الهامش السابق.
(56) الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي، د/ أميرة مشهور، ص249.
(57) بلغة السالك، ج2، ص74- المجموع للنووي، ج9، ص235- المغني، ج4، ص175.
(58) سنن أبي داود، ج3، ص768- سنن ابن ماجة، ج2، ص838.
(59) شرح فتح القدير، ج6، ص376- حاشية الدسوقي، ج3، ص67- مغني المحتاج، ج2، ص27- المغني، ج4، ص660.
(60) صحيح مسلم بشرح النووي، ج10، ص161.
(61) بداية المجتهد، ج2، ص189- المغني، ج4، ص160- المحلى، ج9، ص468.
(62) المغني، ج4، ص161- صحيح مسلم بشرح النووي، ج10، ص160.
(63) بدائع الصنائع، ج5، ص232- بداية المجتهد، ج2، ص188- مغني المحتاج، ج2،
ص37- كاشف القناع، ج3، ص183- المحلى، ج9، ص466.
(64) صحيح مسلم بشرح النووي، ج10، ص160.
(65) المصدر السابق.
(66) المغني، ج4، ص161- المحلى، ج9، ص466.
(67) المغني، ج4، ص161.
(68) سنن الترمذي، ج2، ص345.
(69) الآية 61 سورة هود.
(70) الآية 205 سورة البقرة.
(71) الآية 5 سورة النساء.
(72) القيم الإسلامية ودورها في ترشيد السلوك الاستهلاكي ،ص20
(73) الأحكام السلطانية للماوردي، ص187.
(74) ) الآية 31 سورة الأعراف.
(75) سبل السلام للصنائعي، ج4.
(76) الآية 141 سورة الأنعام.
(77) تفسير القرطبي، ج15، ص74.
(78) الآيتان 26- 27، سورة الإسراء.
(79) صحيح مسلم بشرح النووي، ج12، ص11.
(80) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج10، ص96- 97.
(81) ) أسس الاقتصاد الإسلامي للماوردي، ص164.(20/38)
(82) مقدمة في النقود والبنوك، د/ محمد زكي شافعي، ص357.
(83) تفسير القرطبي، ج8، ص123- 125.
(84) التنمية الاقتصادية، د/ علي لطفي، ص15.
(85) الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي، د/ أميرة مشهور، ص220.
(86) صحيح الترمذي، ج3، ص136.
(87) مواهب الجليل للحطاب، ج4، ص437- نهاية المحتاج، ج3، ص2- المغني، ج4،
ص108.
(88) الآية 188 سورة البقرة.
(89) سنن أبي داود، ج3، ص272.
(90) صحيح مسلم بشرح النووي، ج2، ص467.
(91) الآية 119سورة التوبة.
(92) صحيح مسلم بشرح النووي، ج10، ص173.
(93) سنن الترمذي، ج3، ص506.
(94) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج4، ص315.
(95)
(96) نيل الأوطار، ج6، ص369.
(97) صحيح مسلم بشرح النووي، ج2، ص109.
(98) الآية 152 سورة الأنعام.
(99) الآيات 1-4 سورة المطففين.
(100) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج4، ص361.
(101) الآية 100 سورة المائدة.
(102) صحيح مسلم بشرح النووي، ج11، ص7.
(103) الآية 6 سورة لقمان.
(104) تفسير ابن كثير، ج3، ص242.
(105) سنن الترمذي، ج8، ص7.
(106) تفسير القرطبي، ج6، ص133.
(107) شرح الخرشي، ج3، ص392.
(108) مقدمة ابن خلدون، ص434.
(109) مقدمة ابن خلدون، ص231.
(110) مقدمة ابن خلدون، ص231.
(111) الاقتصاد الإسلامي، د/ حسن الشاذلي، ص208.
(112) سنن أبي داود، ج4، ص17.
(113) إحياء علوم الدين للغزالي، ج3، ص137.
(114) الآيتان 33- 34، من سورة المائدة.
الهوامش
(1) …لسان العرب، ج3، ص335- المصباح المنير، ج2، ص472- تفسير القرطبي، ج1،
ص202.
(2) تيسير التحرير، محمد أمين بادشاه، ج2، ص236.
(3) المستصفى لأبي حامد الغزالي، ج2، ص153 وما بعدها.
(4) شرح التلويح على التوضيح، سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني، ج1، ص376- تيسير التحرير، محمد أمين، ج1، ص376- 380.
(5) الأموال لأبي عبيد، ص319.
(6) المسند لأحمد بن حنبل ج1، ص313- سنن البيهقي، ج6، ص156.(20/39)
(7) لسان العرب لابن منظور، ج2، ص149- المصباح المنير، ج1، ص472.
(8) بدائع الصنائع، ج5، ص129- نهاية المحتاج، ج3، ص472.
(9) المبدع شرح المقنع، ج4، ص47.
(10) سنن ابن ماجة، ج2، ص729.
(11) مواهب الجليل، ج4، ص323.
(12) المحلى، ج9، ص64.
(13) صحيح مسلم بشرح النووي، ج11، ص43- سنن ابن ماجة، ج2، ص728.
(14) مواهب الجليل، ج4، ص224- نهاية المحتاج، ج3، ص472- المغني مع الشرح الكبير، ج4، ص305- المحلى لابن حزم، ج9، ص717.
(15) الهداية ج4، ص92- تكملة المجموع، ج13، ص44.
(16) صحيح مسلم بشرح النووي، ج11، ص43.
(17) مسند الإمام أحمد، ج2، ص351.
(18) سنن ابن ماجة، ج2، ص728.
(19) الهداية ج4، ص92- مغني المحتاج، ج2، ص38.
(20) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج9،ص414- بدائع الصنائع، ج5، ص139- مغني المحتاج، ج2، ص38.
(21) الاقتصاد الإسلامي، د/ حسن الشاذلي، ص186 وما بعدها.
(22) الاقتصاد السياسي، د/ رفعت المحجوب، ج2، ص223 وما بعدها.
(23) النظرية الاقتصادية ، د/ أحمد جامع، ص765 وما بعدها.
(24) الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي، د/ أميرة عبد اللطيف مشهور، ص234 وما بعدها.
(25) النظام الاقتصادي في الإسلام، د/ شوكت عليان، ص164.
(26) مواهب الجليل، ج4، ص227- نهاية المحتاج، ج3، ص456- الطرق الحكيمة لابن القيم، ص243- تبيين الحقائق للزيلعي، ج6، ص28.
(27) أحكام السوق ليحيى بن عمر، ص113.
(28) المحلى لابن حزم،ج9، ص65.
(29) الحسبة في الإسلام لابن تيمية، ص14.
(30) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج4، ص370.
(31) صحيح مسلم بشرح النووي، ج10، ص161.
(32) الحسبة في الإسلام لابن تيمية، ص24 وما بعدها.
(33) الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي، د/ أميرة عبد اللطيف مشهور، ص240.
(34) مختار الصحاح، ص299.
(35) الطرق الحكيمة لابن القيم، ص245.
(36) تبيين الحقائق، ج6، ص28- القوانين الفقهية، ص281- مغني المحتاج، ج2، ص38- المغني، ج4، ص159.(20/40)
(37) الطرق الحكيمة لابن القيم، ص325.
(38) الحسبة لابن تيمية، ص41.
(39) الاقتصاد الإسلامي، د/ حسن الشاذلي، ص198.
(40) مختار الصحاح، ص231.
(41) المبسوط، ج12، ص109.
(42) الآية 275 سورة البقرة.
(43) الآيتان 178- 179 سورة البقرة.
(44) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج5، ص393.
(45) صحيح مسلم بشرح النووي، ج11، ص26.
(46) الآية 70 سورة الإسراء.
(47) مجموع فتاوى ابن تيمية، مجلد29، ج9، ص24.
(48) إغاثة اللهفان، ج1، ص368.
(49) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج10، ص438
(50) تفسير الرازي، ج7، ص94.
(51) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج5، ص304
(52) دراسات في الفقه الإسلامي، د/ رشاد حسن خليل، ص152.
(53) مجموع فتاوى ابن تيمية، ج29، ص23.
(54) صحيح مسلم بشرح النووي، ج10، ص156.
(55) نفس الهامش السابق.
(56) الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي، د/ أميرة مشهور، ص249.
(57) بلغة السالك، ج2، ص74- المجموع للنووي، ج9، ص235- المغني، ج4، ص175.
(58) سنن أبي داود، ج3، ص768- سنن ابن ماجة، ج2، ص838.
(59) شرح فتح القدير، ج6، ص376- حاشية الدسوقي، ج3، ص67- مغني المحتاج، ج2، ص27- المغني، ج4، ص660.
(60) صحيح مسلم بشرح النووي، ج10، ص161.
(61) بداية المجتهد، ج2، ص189- المغني، ج4، ص160- المحلى، ج9، ص468.
(62) المغني، ج4، ص161- صحيح مسلم بشرح النووي، ج10، ص160.
(63) بدائع الصنائع، ج5، ص232- بداية المجتهد، ج2، ص188- مغني المحتاج، ج2،
ص37- كاشف القناع، ج3، ص183- المحلى، ج9، ص466.
(64) صحيح مسلم بشرح النووي، ج10، ص160.
(65) المصدر السابق.
(66) المغني، ج4، ص161- المحلى، ج9، ص466.
(67) المغني، ج4، ص161.
(68) سنن الترمذي، ج2، ص345.
(69) الآية 61 سورة هود.
(70) الآية 205 سورة البقرة.
(71) الآية 5 سورة النساء.
(72) القيم الإسلامية ودورها في ترشيد السلوك الاستهلاكي ،ص20
(73) الأحكام السلطانية للماوردي، ص187.
(74) ) الآية 31 سورة الأعراف.(20/41)
(75) سبل السلام للصنائعي، ج4.
(76) الآية 141 سورة الأنعام.
(77) تفسير القرطبي، ج15، ص74.
(78) الآيتان 26- 27، سورة الإسراء.
(79) صحيح مسلم بشرح النووي، ج12، ص11.
(80) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج10، ص96- 97.
(81) ) أسس الاقتصاد الإسلامي للماوردي، ص164.
(82) مقدمة في النقود والبنوك، د/ محمد زكي شافعي، ص357.
(83) تفسير القرطبي، ج8، ص123- 125.
(84) التنمية الاقتصادية، د/ علي لطفي، ص15.
(85) الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي، د/ أميرة مشهور، ص220.
(86) صحيح الترمذي، ج3، ص136.
(87) مواهب الجليل للحطاب، ج4، ص437- نهاية المحتاج، ج3، ص2- المغني، ج4، ص108.
(88) الآية 188 سورة البقرة.
(89) سنن أبي داود، ج3، ص272.
(90) صحيح مسلم بشرح النووي، ج2، ص467.
(91) الآية 119سورة التوبة.
(92) صحيح مسلم بشرح النووي، ج10، ص173.
(93) سنن الترمذي، ج3، ص506.
(94) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج4، ص315.
(95)
(96) نيل الأوطار، ج6، ص369.
(97) صحيح مسلم بشرح النووي، ج2، ص109.
(98) الآية 152 سورة الأنعام.
(99) الآيات 1-4 سورة المطففين.
(100) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج4، ص361.
(101) الآية 100 سورة المائدة.
(102) صحيح مسلم بشرح النووي، ج11، ص7.
(103) الآية 6 سورة لقمان.
(104) تفسير ابن كثير، ج3، ص242.
(105) سنن الترمذي، ج8، ص7.
(106) تفسير القرطبي، ج6، ص133.
(107) شرح الخرشي، ج3، ص392.
(108) مقدمة ابن خلدون، ص434.
(109) مقدمة ابن خلدون، ص231.
(110) مقدمة ابن خلدون، ص231.
(111) الاقتصاد الإسلامي، د/ حسن الشاذلي، ص208.
(112) سنن أبي داود، ج4، ص17.
(113) إحياء علوم الدين للغزالي، ج3، ص137.
(114) الآيتان 33- 34، من سورة المائدة.
??
??
20 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي / جامعة أم القرى
الفساد في النشاط الاقتصادي (صوره وآثاره وعلاجه) 19(20/42)
من صيغ الاستثمار الإسلامية المرابحة الداخلية في البنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار
والملاحظات عليها وكيفية تجنبها ضمن الاقتصاد الإسلامي
د. محمود إبراهيم مصطفى الخطيب
أستاذ الفقه والاقتصاد الإسلامي المساعد
رئيس مركز البحوث بكلية المعلمين بمحافظة القنفذة
(طبعة تمهيدية)
تمهيد:
الحمد لله المتفضل بمنه وجوده، والشكر له تعالت أسماؤه على ما يسر من نعمة القيام بكتابة هذا البحث ، وقد تأذن جل وعلا الزيادة لمن شكر والإعانة لمن صبر، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن اهتدى بهداه إلى يوم نلقاه، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
فقد مر أكثر من أربعة عقود على أول تجربة إسلامية (1) لممارسة العمليات المصرفية بما يتفق مع الشريعة الإسلامية، إلا أن التجربة حديثة العهد إذا قيست بعمر البنوك الربوية، لذا كان من الضرورة بمكان متابعة عمليات البنوك الإسلامية(2)، لتكون أكثر انضباطاً مع المفاهيم الإسلامية، حيث إن كثيراً من العمليات التي تقوم بها البنوك الإسلامية لم تكن معروفة في عصر الاجتهاد الأول، مثل الاعتمادات المستندية، وبعض هذه العمليات إن وجدت كانت بصورة مبسطة، ومن ذلك بيع المرابحة .
لذا رأيت الكتابة في موضوع يعتبر من الركائز المهمة التي تعتمد عليها البنوك الإسلامية بعامة، والبنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار بخاصة ، وهو بيع المرابحة الداخلية .
وقد أحسنت جامعة أم القرى بدعوتها لعقد المؤتمر الثالث للاقتصاد الإسلامي برعاية كريمة من كلية الشريعة، التي كان لها شرف عظيم في عقد هذا المؤتمر، في وقت التكتلات الاقتصادية العالمية القارية والإقليمية، بعد أن طال الأمد بين المؤتمر الثاني والثالث، والله أسأل التوفيق للقائمين عليه، ولكل من ساهم فيه .
أهمية الموضوع :ـ(21/1)
يعتبر هذا البحث من الدراسات المهمة حيث توسع البنك الإسلامي الأردني في استخدام صيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء كأسلوب سهل لاستثمار الأموال المتجمعة لديه، حيث يلبي حاجات التمويل العاجل (3)، لدرجة أنها ( المرابحة ) غطت 60% من عمليات البنك الإسلامي الأردني، كما-شكلت أكثر من 80% من عوائده عام 1991م ، وفي الأعوام من 1997م ـ 1999م غطت عمليات الاستثمار في المرابحة أكثر من 46%، وفي الأعوام 2000م ـ 2002م لم تنزل النسبة عن 40%،حيث كانت بين
40ـ 46 % من عمليات الاستثمار في البنك. (4)
وقد ارتفع الاستثمار في المرابحة للآمر بالشراء من163 مليون عام 2001م إلى 180 مليون دينار أردني عام 2002م. وقد أدى هذا إلى زيادة الإيرادات من 18 مليون دينار إلى 25،5مليون دينار .
قال بكر ريحان من البنك الإسلامي الأردني في بحث قدم لمؤتمر العولمة وأبعادها الاقتصادية الذي عقد في جامعة الزرقاء في المملكة الأردنية الهاشمية: " إن معظم المصارف الإسلامية عمدت إلى تكثيف استخداماتها للأموال على شكل بيع مرابحة، وخاصة في الخارج، فيما يسمى بالمرابحات الدولية حيث يقوم المصرف عن طريق وسطاء في الأسواق المالية والدولية، بشراء وبيع السلع (commditieso)، من وإلى شركات أجنبية." (5)(21/2)
وقد تعرض هذا الأسلوب ( الصيغة ) لكثير من الانتقادات وأثير حوله العديد من الشبهات، والكثير من الجدل، حيث كثر الحديث عن عدم وجود اختلاف بين البنوك الإسلامية والبنوك التجارية الربوية،وقيل :" إن صيغة المرابحة التي تجريها البنوك الإسلامية لا تختلف في شىء عن الإقراض الربوي من ناحية الدور الاقتصادي، وإن اختلفت عنها في الشكل القانوني " (6)،وفي جواب عن سؤال عن الشراء من البنوك بالتقسيط مقابل الزيادة في سعر المبيع (كبيع المرابحة المعمول به في البنوك الإسلامية) أجابت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء في السعودية بفتوى رقم 21286 تاريخ 18/1/1421هـ: " بأنه لا يجوز التعامل بالمعاملة المذكورة، لأن حقيقتها قرض بزيادة مشروطة عند الوفاء، والصورة المذكورة ما هي إلا حيلة للتوصل إلى الربا المحرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، فالواجب ترك التعامل بها طاعة لله ولرسوله " .(7)
وسبق أن قال أحمد النجار : " المرابحة أسوأ أسلوب لعمل البنك الإسلامي لأنها تعطي الفرصة للتحايل، وتدل على عجز القائمين على البنوك من ولوج نشاط المشاركة، وهو الأساس السليم " .(8)
ولأهمية معاملات البنوك الإسلامية وبخاصة المرابحة كتبت الكتب والمقالات، وأعدت الرسائل الجامعية على مستوى الماجستير والدكتوراه،كل ذلك من باب الحرص على تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل واضح وسليم، في معاملات البنوك الإسلامية، وصيغ الاستثمار فيها - بما يتفق مع الاقتصاد الإسلامي -.
فنحن نشد من عضد البنوك الإسلامية،لتكون البديل الفاعل للبنوك التجارية الربوية، لا أن تكون صورة للبنوك الربوية تحت عباءة الإسلام .(21/3)
وسيبين البحث بعض الأمور المتعلقة بالمرابحة، مركزاً على أهم الملاحظات على المرابحة الداخلية كصيغة استثمارية وما يحدث من مخالفات أثناء تطبيقها سواء أكان من قبل البنك الإسلامي أم من قبل عملائه، والصعوبات التي تعترض هذه الصيغة، وكيفية حلها بما يتفق مع أصول الاقتصاد الإسلامي.
منهج البحث :
رغم أن المرابحة قد تناولها الباحثون القدماء والمحدثون وبينوا مشروعيتها وشروطها وأحكامها، ولم يتركوا لمستزيد فيها، إلا أنني أردت من بحثي تتبع الجانب التطبيقي لعقد بيع المرابحة القائم على الوعد الملزم في البنك الإسلامي الأردني، من خلال الاستقصاء الميداني لمعرفة المخالفات والوقوف على الواقع العملي لهذا العقد، والعمل على تطهير التطبيق الفعلي (9) من هذه المخالفات، فكان البحث ميدانياً شمل مقابلة ومناقشة العديد ممن تعاملوا مع البنك،وممن عملوا في البنك، وصفياً ليكون بيع المرابحة منضبطاً مع الشريعة الإسلامية،والنقد الذاتي سبيل للوصول للأفضل .
وستكون معالجة الموضوع في مطلبين وخاتمة .
المطلب الأول: تعريف المرابحة، وحكمها، وشروطها، وخطوات إتمام عقد المرابحة الداخلية، وأهمية بيع المرابحة .
المطلب الثاني : ملاحظات على المرابحة كما يجريها البنك الإسلامي الأردني .والصعوبات التي تواجه البنك الإسلامي الأردني.
خاتمة : التوصيات .
* * *
المطلب الأول : تعريف المرابحة، وحكمها، وشروطها، وخطوات إتمام عقد المرابحة، وأهمية بيع المرابحة
أولا : تعريف عقد بيع المرابحة:
المقصود بالعقد : هو ما يتم به ارتباط إرادتين من الكلام وغيره، ويترتب عليه التزام بين طرفيه كالبيع، أو الالتزام فيه بإرادة واحدة من غير توقف على شيء كالطلاق والعتق (10) .
أما الببع : فهو عقد تمليك مال بمال على وجه التراضي،وينعقد بكل لفظ يدل على معنى الببع إذا استوفى الإيجاب والقبول الشرعيين (11) .(21/4)
هذا وقد تعددت تعريفات عقد بيع المرابحة عند الفقهاء، ويمكن أن نستنتح منها أن بيع المرابحة يدور حول مفهوم واحد؛ هو بيع بالثمن الأول وزيادة معلومة لطرفي العقد .هذا ما جاء في كتب الفقه المختلفة؛ كبدائع الصنائع وبداية المجتهد وحاشية ابن عابدين، وحاشية الدسوقي،والمغني، ومنتهى الإرادات، وروضة الطالبين، ومغني المحتاج ومواهب الجليل، ومثال ذلك ؛ ما جاء في شرح الزرقاني على مختصر خليل الذي عرف المرابحة : " بيع السلعة بالثمن الذي اشتراها به، وزيادة ربح معلوم يتفقان عليه "(12 )، وهذا التعريف جاء مثله في معجم لغة الفقهاء .( 13)
وقد عرف قانون البنك الإسلامي الأردني بيع المرابحة للآمر بالشراء بما يلي :" قيام المصرف بتنفيذ طلب المتعاقد معه على أساس شراء الأول ما يطلبه الثاني بالنقد الذي يدفعه المصرف كلياً أو جزئياً وذلك في مقابل التزام الطالب بشراء ما أمر به، وحسب الربح المتفق عليه عند الابتداء "(14) .
وحسب قول البنك: إنه لا يبيع الراغب في الشراء حتى يملك السلعة ثم يجري عقد البيع، ومن المهم الإشارة إلى أن البنك يشتري ويصبح مالكاً للسلعة ويتحمل البنك تبعة هلاكها قبل تسليمها للمشتري .(15)
ثانياً : حكم بيع المرابحة :
المرابحة صورة من صور البيع، والبيع جائز بالكتاب والسنة وإجماع والمعقول (16)، قال تعالى : ( وأحل الله البيع وحرم الربا ((17) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما "(18) .(21/5)
وقد استدل الفقهاء على جوازها بعموم الأدلة على جواز البيع (19)، وتعامل الناس بها في مختلف الأقطار والعصور،ولحاجة الناس إلى هذا النوع من البيع، وكرهه أحمد(20)، وقد رويت كراهيته عن ابن عمر وابن عباس ومسروق والحسن وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء بن يسار وغيرهم، لأن فيه نوعاً من الجهالة، والتحرز عنها أولى، وهذه الكراهة تنزيهية والبيع صحيح(21).
فقد جاء في موسوعة فقه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :" ونهى أن يأتي الرجل فيقول : اشتر كذا وكذا وأنا أشتريه منك بربح كذا وكذا (22 )، وهي المسألة المعروفة اليوم بالآمر بالشراء، الواسعة التطبيق في البنوك الإسلامية، فهذا وعد بالشراء وليس بشراء ولذلك نهى ابن عمر أن يكون شراء " (23)، وقال ابن حزم في المحلى : " البيع على أن تربحني كذا شرط ليس في كتاب الله تعالى، فهو باطل والعقد باطل، وأيضاً فإنه بيع بثمن مجهول لأنهما إنما تعاقدا البيع على أن يربح معه للدينار درهماً فإن كان شراؤه ديناراً غير ربع كان الشراء بذلك والربح درهماً غير ربع فهذا بيع الغرر الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والبيع بثمن لا يدرى مقداره، فإن سلم البيع من هذا الشرط فقد وقع صحيحاً كما أمر الله " (24 ).
وقال إسحاق لا يجوز لأن الثمن مجهول حال العقد . وأجازه سعيد بن المسيب وابن سيرين وشريح والنخعي والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر وغيرهم .(25)
وجاء في الكافي لابن عبد البر : بيع المرابحة يجوز على ربح معلوم بعد أن يعرف رأس المال،ويبلغه، وإن تغيرت السلعة بنقص أو زيادة لم يبعها مرابحة حتى يبين .(26)
والخلاف في المرابحة لا يرجع إلى أصل البيع وإنما في بعض صورها لما يصاحبها ويلحق بها، والجهالة اليسيرة لا تمنعها، حيث إن بيع المرابحة بيع أمانة واسترسال من المشتري ويحتاج إلى بيان يخلو من الهوى(27) .(21/6)
وفي الوقت الحاضر أجاز بيع المرابحة للآمر بالشراء على أساس الوعد الملزم عدد من العلماء (28)، معتمدين على رأي الإمام الشافعي في إباحة بيع المرابحة كما جاء في كتاب الأم : "وإذا أرى الرجلُ الرجلَ فقال اشتر هذه، وأربحك فيها كذا، فاشترها ا لرجل فالشراء جائز، والذي قال أربحك فيها بالخيار، إن شاء أحدث فيها بيعاً، وإن شاء تركه، وهكذا إن قال : اشتر لي متاعاً، ووصفه له، أو متاعاً أي متاع شئت، وأنا أربحك فيه فكل هذا سواء يجوز البيع الأول، ويكون هذا فيما أعطى نفسه بالخيار"(29).
كما اعتمدوا على رأي ابن شبرمة فيما يتعلق بالإلزام، كما جاء في كتاب المحلى لابن حزم :" .. .وقال ابن شبرمة : الوعد كله لازم ويقضى به على الواعد ويجبر "(30).
وهناك من عارض (31) إجازة بيع المرابحة للآمر بالشراء على أساس الوعد الملزم لما فيه من ربا، وبيعتين في بيعة، وبيع ما لا يملك . ..الخ، ورغم كل ما قيل في المرابحة فهي جائزة بشروطها الشرعية، لأنها تأخذ مشروعيتها من مشروعية البيع .
ثالثاً:ـ شروط بيع المرابحة:-
يشترط في بيع المرابحة ما يشترط في البيوع بصورة عامة وينعقد بالقول الدال على البيع والشراء، وهو الإيجاب والقبول بشروط يجب أن تتوفر في عقد البيع :-
1- رضا المتعاقدين فلا يصح بيع المكره بغير حق .
2- أن يكون العاقد عاقلا ً مميزاً، جائز التصرف .
3- أن يكون المبيع مملوكاً له وفي حوزته، ومنتفعاً به، وله حق الولاية عليه فإن باع ملك غيره بغير إذنه لم يصح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" لاتبع ما ليس عندك "(32)
4- أن يكون المبيع مباحاً متقوماً فلا يجوز بيع الخمر، نافعاً، غير معدوم، ولا غائب ولا مغصوب .
5- أن يقدر البائع على تسليم المبيع منجزاً لا معلقاً .
6- تحديد ثمن المبيع بأشياء معلومة .
وهناك شروط خاصة ببيع المرابحة بالإضافة لما ذكر :-(21/7)
7- أن يكون الثمن الأول معلوماً للمشتري الثاني، بما في ذلك المصروفات، ويشمل ذلك ما يتحمله البائع للحصول على السلعة، وما يزيد في قيمتها، لأن العلم بالثمن شرط في صحة البيوع، لأن المرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح
8- أن يكون الربح معلوماً للبائع والمشتري محدداً بالمقدار أو بالنسبة إلى ثمن الشراء .
9- أن يكون المبيع عرضاً مقابل نقود ولا يكون مقابلاً بجنسه من أموال الربا، لأن المرابحة بيع بالثمن الأول وزيادة وإذا حصلت الزيادة في الأموال الربوية تكون رباً لا ربحاً .
10- أن يكون العقد الأول صحيحاً، فإذا كان العقد الأول فاسداً كانت المرابحة غير جائزة، وربح بيع المرابحة مرتبط به .
11- أن يكون رأس المال من ذوات الأمثال؛ كالموزونات والمعدودات، وهو شرط جواز المرابحة على الإطلاق، فإن كان قيمياً كالعروض لا يجوز بيع المرابحة، كما إذا اشترى عرض بعرض ثم أراد أن يبيعه مرابحة لا يجوز .
12- وجوب صيانته عن الخيانة،وشبهة الخيانة، والتهمة، لأن أصل البيع بيع أمانة.
13- تبيين ما يكره في ذات البيع أو وصفه .
14- بيان الأجل الذي اشترى إليه لأن له حصته في الثمن، وبيان نقصه إن نقص، وبيان رخصه وغلاه إذا اشتراه غالياً وصار رخيصاً .
15- بيان طول مكثه عنده ولو عقاراً، لأن الناس يرغبون في الذي لم يتقادم عهده في أيدي مالكه ا لأول (33) .
رابعا : خطوات إتمام عملية المرابحة الداخلية في البنك الإسلامي الأردني
يمكن تلخيص الخطوات التي تمر بها المرابحة الداخلية بما يلي : -
أ -…استقبال العميل من قبل القسم المختص، ومعرفة نوع البضاعة التي يحتاجها العميل، والتي يمكن شراءها من قبل البنك .
ب- يطلب البنك من العميل تقديم طلب يبين فيه رغبته في شراء البضاعة عن طريق البنك، ولحسابه وعلى مسؤوليته، مع تحديد أوصاف البضاعة، أو يمكن تحديدها، ومكان وجودها .(21/8)
جـ- يلتزم العميل بأن يشتري البضاعة بربح يحدده البنك بنسبة معينة، يختلف مقدارها باختلاف المدة، حيث يحدد العميل مدة التسديد مع تقديم الضمانات التي يطلبها البنك ،من تحويل راتبه للبنك إذا كان موظفاً، وتقديم كفلاء مقبولين لدى البنك، على أن تكون رواتبهم لدى البنك .
د - يطلب البنك فاتورة عرض من التاجر أو صاحب البضاعة التي يرغب العميل في شرائها، وتكون الفاتورة موجهة للبنك الإسلامي الأردني محدد فيها ثمن البضاعة .
هـ - يُدرس طلب العميل من قبل أربعة أقسام ( قسم التسهيلات، وقسم الودائع، وقسم الكمبيالات، ومراقب الفرع )، ثم يتخذ مدير الفرع قراره.
و - بعد الموافقة على تمويل العملية، يُوقِع العميل عقود المرابحة، والكمبيالات، ويتم التوقيع أيضاً من قبل الكفلاء والبنك، ويقسط المبلغ ( ثمن البضاعة ) مضافاً إليه الأرباح على أقساط شهرية حسب الاتفاق المبرم.
ز - بعد ذلك يتم شراء البضاعة المطلوبة من التاجر وتسليمها للعميل وفق الخطاب الصادر من البنك بالموافقة على الشراء مع مندوب من قبل البنك ليشرف على عملية التسليم .
خامساً: أهمية بيع المرابحة :
…يعتر البيع بصورة عامة العمود الفقري للمعاملات الاقتصادية، وبخاصة التجارة، والمرء في حاجة إلى ما عند غيره،وبخاصة فيما يتعلق بالمواد الضرورية للإبقاء على حياته من طعام وغيره .
…وقد شرعه المولى عز وجل توسعة على عباده في أمور معاشهم، وفضاً للمنازعات التي ربما تحدث بسبب النزاع على الملكية،ولأن الإنسان لا يبذل ما لديه مجاناً، لذا شرع الله البيع تيسيراً لتبادل الحاجات والمنافع، وتحقيقاً لمبدأ التعاون، وهنا يبرز البيع من بين عقود المعاوضات باعتباره أكمل وأفضل وسيلة لتبادل الأموال .(34)
…وقد اهتم الفقهاء بدراسة ( البيع) قواعده وأصوله وأنواعه، ومن ذلك بيع المرابحة، الذي يحقق وظائف اقتصادية هامة، إذا طُبِقَ حسب الأصول الشرعية، ومن ذلك :(21/9)
1 إشباع حاجات الأفراد من السلع وغيرها من الحاجيات، حيث يتمكن المتعاملون بالمرابحة الحصول على السلع التي يحتاجونها، والتي لا يتوافر ثمنها لديهم، وبالمواصفات التي يحددونها دون أن تدخل في ضمانهم إلا بعد تسلمها، والاستفادة من التسهيلات التي يقدمها البنك الإسلامي، وذلك بدفع ثمنها على شكل أقساط مؤجلة حسب إمكاناتهم .
2 فتح أبواب ملائمة للاستثمار، حيث يمكن أن يستثمر البنك الإسلامي أمواله وودائع عملائه في هذه الصيغة ( المرابحة) مما يزيد من عوائده وأرباح عملائه، ولكن بشكل منضبط ودون توسع في هذه الوسيلة، فقد حذر مجلس الفكر الإسلامي (الباكستاني ) ـ في تقريره حول إلغاء الربا من الاقتصاد الوطني ـ من استخدام هذه الوسيلة على نطاق واسع لأنها قد تمهد الطريق أمام التعامل بالربا، لذا يحتاج الأمر إلى ابتكار أنواع من التدابير الوقائية لكي يقتصر استخدام هذا النمط من التمويل على الحالات التي لا مفر من استخدامه فيها .(35)
3 تنشيط التجارة الداخلية على أساس شرعي، وبخاصة فيما يتعلق بمواد البناء مما يدعم الحركة العمرانية ويساعد في حل الكثير من مشاكل السكن التي تعاني منها معظم الدول الإسلامية بعامة، والأردن بخاصة .
4 دعم الصناعة الوطنية والقطاعات الاقتصادية المختلفة من زراعة وخدمات ...الخ، حيث يمكن للبنك الإسلامي تمويل آلات العمل والمعدات الصناعية والزراعية التي تشترى بقصد الأعمال الإنتاجية، وكذلك المعدات الطبية، وما إلى ذلك من مجالات يمكن أن تقع ضمن دائرة بيع المرابحة، إذا لم يكن تمويلها عن طريق المشاركة أو المضاربة.(21/10)
…ومن الملاحظ أن البنك الإسلامي الأردني قد توسع في بداية عمله في الاعتماد على بيع المرابحة،(36) وبخاصة فيما يتعلق بتنشيط التجارة، وهذا التوسع كان على حساب القطاعات الاقتصادية الأخرى، ونأمل أن يساهم البنك الإسلامي الأردني في تطهير الاقتصاد من رجس الربا،وأن يكون وجوده دافعاً لكل قطاعات الاقتصاد، بما يتفق مع الشريعة الإسلامية .
المطلب الثاني: ملاحظات على المرابحة الداخلية كما يجريها البنك الإسلامي الأردني وأهم الصعوبات التي تواجه البنك الإسلامي الأردني .
أولاً: ملاحظات على المرابحة الداخلية كما يجريها البنك الإسلامي الأردني
من خلال متابعة عمليات المرابحة الداخلية ميدانياً، كانت هناك عدة ملاحظات، يمكن البنك الإسلامي الأردني أخذها بعين الاعتبار حتى تكون عملياته في الميدان متمشية مع الشريعة الإسلامية،وأهم هذه الملاحظات:
1: مخالفة البنك الإسلامي الأردني لشروط المرابحة(37) وبخاصة البند (8) :
حيث إن المرابحة بيع بالثمن مع زيادة في الربح، والبنك الإسلامي الأردني يأخذ عربوناً من العميل بنسبة معينة، حيث يدفع العميل مبلغاً من المال، والبنك يأخذ ربحه على أساس المبلغ المتبقي في ذمة العميل، والأصل في بيع المرابحة يكون الربح فيه على أساس إجمالي التكاليف بغض النظر عن دفع دفعة أولى .
وهذا يُخرج المرابحة كما يجريها البنك الإسلامي الأردني من دائرة المرابحة المعلومة في الفقه الإسلامي التي أباحها الشرع. (38)
وقد ذكر عبد اللطيف بن عبد الله في بيانه لبيع المرابحة :".... على أن لا يدفع مالاً مقدماً للمصرف لقاء شراء تلك السلعة، أو يدفع جزءاً من المبلغ،على أن يدفع إلى المصرف كامل قيمة شراء السلعة بعد انتهاء المدة المحددة مضافاً إليه أجراً معيناً مقابل قيام المصرف بهذا العمل ...". (39)
وبهذا لا يجوز للبنك الإسلامي أخذ أي مبلغ مقدماً، إذا أراد أن يكون العقد عقداً شرعياً .(21/11)
2: عدم تحمل البنك الإسلامي الأردني المسؤولية الكاملة تجاه البضاعة في كثير من الأحيان .
إن البنك الإسلامي الأردني لا يتحمل أية مسؤولية تجاه البضاعة التي يشتريها على حساب الآمر بالشراء،في كثير من الأحيان، ويظهر ذلك جلياً من خلال دراسة عقد المرابحة، فقد جاء فيه ما نصه( العقد القديم ) : ( يقر الفريق الثاني ـ الآمر بالشراء، أنه قد كلف الفريق الأول ـ البنك ـ أن يشتري له، ولحسابه، وعلى مسؤوليته البضاعة المبينة أدناه ....) ورغم تعديل هذه الفقرة في العقد الجديد إلى: 0 يقر الفريق الثاني أنه قد طلب من الفريق الأول أن يشتري البضاعة المبينة أدناه ليبيعها له بالمرابحة بعد تملك الفريق الأول لها ) ولكن الأمر صوري فقط .ـ ومع الأسف الشديد إن بعض موظفي البنك الإسلامي الأردني يتكتمون عن إظهار عقوده، حتى للباحثين، إلا بشق الأنفس إن حصل ذلك ـ حيث إن البنك لا يتملك البضاعة تملكاً فعلياً قبل توقيع العقد الأول، وربما يُحمِّل البنك المشتري تكاليف يجب أن يتحملها البنك قبل العقد الأول،لأن البنك لا يدفع من حقيبته شيئاً ، إلا ثمن البضاعة ؛ومن ذلك أن البنك يتبع أسلوباً في بيع السيارات حيث يُحمِّل المشتري تكاليف نقل الملكية مرتين عند الشراء من المالك الأصلي وعند نقل الملكية للمشتري،فهذه العملية تعطي الباحث شبهة حول بيع المرابحة، وحقيقة التملك .(21/12)
فهذا الأمر مخالف للقاعدة الشرعية التي تنص على أن " الخراج بالضمان " "والغرم بالغنم" (40)، حيث إن مسؤولية البنك تنحصر فقط في إتمام إجراءات العقد بكل شروطه وضماناته، بغض النظر عن حالة البضاعة المشتراة، حتى أنه لو تبين مستقبلاً، ولو بعد مدة وجيزة عيب في البضاعة المشتراة من قبل البنك ـ كعيب في سيارة اشتراها البنك لعميلٍ، مرابحة ـ فإن البنك لا يتحمل أية مسؤولية، ولو أراد المشتري إرجاع السيارة بسبب العيب لرفض البنك ذلك، ولأجبره على إتمام العقد، مع كامل المبالغ المطلوبة منه، لأنه يعتمد على تقرير من مختص أو مختصين، وربما يكون ذلك مخالفاً للواقع، وهذا ما حدث مع بعض العملاء المعروفين من خلال الاستقصاء الميداني (41) .
إن عمل البنك الإسلامي الأردني مناف أيضاً لما جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الخامس في الكويت عام 1988 م، حيث جاء في البند التالي:
أولا : ( أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعاً، هو بيع جائز، طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم، وتبعه الرد الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه )(42) .
وتظهر عدم مسؤولية البنك تجاه العميل في حالة عدم قيام المالك الأصلي بتنفيذ تسليم البضاعة، أو السيارة، قبل توقيع العقد معه، وبعد توقيع العقد مع العميل، لما استطاع البنك إتمام العملية ودون أية مسؤولية .فيجب على البنك تحمل المسؤولية كاملة، تجاه البضاعة وتجاه توفيرها للعميل.(21/13)
ورغم ذلك فالبنك يعمل بكل وسائله ليضمن حقه، من ذلك ما جاء في عقد المرابحة للآمر بالشراء،(7- يدفع الفريق الثاني للفريق الأول مقدماً وعند تكليفه بشراء البضاعة وفتح الاعتماد مبلغاً بنسبة (-) بالمائة ليكون بمثابة تأمين نقدي ولضمان إتمام الصفقة في الموعد المحدد، ومن حق الفريق الأول (البنك) أن يقتطع من هذا التأمين ما يتحقق له تجاه الفريق الثاني (الآمر بالشراء) من مطالب ناشئة عن شروط هذا العقد، وذلك دون حاجة إلى إنذار أو تنبيه أو مراجعة قضائية )(43) .وأكرر هذا مخالف للبند (8) من شروط بيع المرابحة .
وهذا يؤكد أن عملية البيع ليست عمليتين منفصلتين بل هما عملية واحدة، وواقع عقد بيع المرابحة في البنك الإسلامي الأردني يؤكد ذلك لاعتماده على عقد للمواعدة والمرابحة بشكل صوري، ولترتب الشراء على قيام الوعد الملزم وبالضمانات الكافية، والمعجزة - أحيانا - للعملاء، ومن ذلك وجود كفلاء لهم رواتب محولة للبنك، وهذا يعني أن العملية مضمونة الربح، ودون أية مسؤولية .
ولحفظ حقوقه قد أحدث البنك الإسلامي الأردني عام 1994م ما يسمى صندوق التأمين التبادلي لمديني البنك، وفي الحقيقة هو تأمين لحقه،حيث إن البنك يقتطع أقساطه بعد حلولها من رواتب الكفلاء، ولا ينظر إلى حال المدين .إلا في حال الوفاة أو العجز الدائم، حيث بلغ مجموع عدد هذه الحالات لعام 1999م، 129 حالة وفاة و (5) حالات عجز جسدي دائم، بلغ مجموع التعويضات المدفوعة عنها 165209 دينار أردني، وقد بلغ رصيد الصندوق (5022274) أي أكثر من خمسة ملايين دينار أردني في نهاية عام 1999م .( 44 )(21/14)
في حين بلغ مجموع حالات التعويض عام 2002م (61) حالة بلغ مجموع التعويضات المدفوعة عنها 134.300دينار أردني، أما إجمالي عدد حالات التعويض منذ تأسيس الصندوق حتى نهاية عام 2002 م (1423 هـ) فقد بلغت (451) حاله، وبلغت التعويضات المدفوعة عنها حوالي (872) ألف دينار. وقد ارتفع رصيد الصندوق إلى 8،5 مليون ديناراً أردنياً .(45)
سؤال يطرح نفسه لصالح مَنْ هذا الرصيد ؟ وإذا استثمر لصالح مَنْ الأرباح ؟ الجواب الصريح: لصالح البنك الإسلامي الأردني، لتأمين أمواله أولاًَ وآخراً.والواجب أن تستثمر الأموال لصالح العملاء،وأن لا يتمادى البنك في زيادة هذه الأرصدة المثيرة للشبهات،وأن تعاد نسبة من الأموال التي تؤخذ من كل عميل حال الانتهاء من تسديد أقساطه،بحسب ما بقي بعد التعويضات المدفوعة.هذه هي البنوك، إسلامية كانت أم غير إسلامية.
3 : البنك الإسلامي الأردني يبيع ما لا يملك .
إن البنك الإسلامي الأردني يقوم ببيع السلع والبضائع، دون أن يكون مالكاً لها بصورة حقيقة في كثير من الأحيان، وهذا يدخله في باب بيع ما لا يملك، فهو يتصرف كمن يملك البضاعة، ويحدد الأرباح والمبالغ التي ستدفع بعملية حسابية بسيطة وهذا مخالف للقاعدة التي تقول : ( لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك الغير بلا إذن أو إباحة من الشرع أو بولاية )(46)، وفي بعض الحالات يكتفي مندوب البنك بفاتورة العرض ولا يكلف نفسه أية مشقة،مما يقلب المعاملة إلى تمويل مضمون الربح.
فالبنك الإسلامي الأردني يبيع قبل أن يملك،وهذا مخالف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن حكيم بن حزام، قال : ( قلت يا رسول الله الرجل يسألني البيع وليس عندي، فأبيعه ؟ قال : لا تبع ما ليس عندك ) (47)، وفي حديث آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال : قال صلى الله عليه وسلم :
(لا يحل بيع ما ليس عندك، ولا ربح ما لا يضمن )(48) .(21/15)
فالبنك الإسلامي الأردني يبيع ما ليس عنده ويحدد الربح، وما إلى ذلك من أمور قبل أن ينقل المبيع من ضمان البائع الأول إلى ضمان البنك، حيث يعتبر العقد منعقداً وملزماً بمجرد الوعد بالشراء، وهذا مخالف صراحة لتوصيات المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي، فقد أصدر المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بالكويت 1983م توصيات منها : ( 8- يقرر المؤتمر أن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بشرائها بعد تمليك السلعة المشتراة وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الوعد السابق جائز شرعاً ......)(49) .
كما خالف البنك الإسلامي الأردني أيضا لجنة الفتوى في المملكة الأردنية الهاشمية عند إقرار بيع المرابحة للآمر بالشراء التي اعتمدت الأسس التالية :-
* إن السلعة المأمور بشرائها يجب أن تدخل في ملك البنك وضمانه .
* إن عقد شراء العميل من البنك يجب أن يكون بعد استقرار ملك البنك للسلعة ..... فلا يبيع حتى يملك السلعة ومن حق العميل أن يتأكد أنها مطابقة لمواصفات ما طلب، وإلا فله أن يردها على البنك .... )(50) .
فالبنك الإسلامي الأردني وقع في المحظور حيث يبيع ما ليس عنده - لكثير من السلع - باتفاقه مع الآمر بالشراء على شراء السلع المطلوبة، مع التعهد المكتوب الموقع عليه بالالتزام بالشراء، كما في عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء المعمول به في البنك الإسلامي الأردني .(21/16)
ورغم أن الأسلوب الذي يعتمده البنك الإسلامي الأردني يتضمن عقدين للمواعدة والمرابحة إلا أن المسألة صورية، كما سبق القول، وهذا يجعل العملية فاسدة، حيث يحصل التبايع قبل أن يملك البنك السلعة بصورة فعلية(51)، وهذا لا يجوز، حيث جاء في كتاب المغني : ( ولا يجوز أن يبيع عيناً لا يملكها ليمضى ويشتريها، ويسلمها رواية واحدة، وهو قول الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً )(52) .ولحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه( السابق) قال :" قلت يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني البيع ليس عندي، أبيعه منه ثم ابتاعه له من السوق ؟ فقال :رسول الله صلى الله عليه وسلم : لاتبع ما ليس عندك " .(53)
وجاء في الاختيارات الفقهية : ومن اشترى شيئاً لم يبعه قبل قبضه، سواء المكيل والموزون وغيرهما، لأن البائع قد يسلمه، وقد لا يسلمه . (54)
لذا يجب على البنك الإسلامي الأردني أن لا يقوم ببيع السلع والبضائع إلا بعد قبضها وحيازتها بصورة فعلية وضمانها، قبل أن تباع للعميل، ولا بأس بأن يؤسس البنك شركات لبيع السلع التي يكثر الطلب عليها، أو أن يكون شريكاً فعلياً لمثل هذه الشركات، وذلك خوفاً من الوقوع في المخالفات الشرعية أو الشبهات التي تثار حول البنك الإسلامي الأردني . كما جاء في توصيات الندوة التي عقدت بجدة بالسعودية، في 4 ـ 7/9/1414هـ برعاية دلة البركة " ثامناً/أ/1: تولي المصرف شراء السلع بنفسه أو وكيل عنه غير الآمر بالشراء، ودفع ثمن الشراء مباشرة من البائع دون توسط الآمر بالشراء ".(55)
كذلك يجب على البنك الإسلامي الأردني أن يعتمد في تنفيذ عمليات بيع المرابحة على عقدين حقيقيين عقد للمواعدة وعقد للبيع .
4 : بيع المرابحة للآمر بالشراء كما يطبقه البنك الإسلامي الأردني بيعتان في بيعة .(21/17)
أن عقد المرابحة للآمر بالشراء ( المرابحة الداخلية ) كما يطبعه البنك هو بيعتين في بيعه المنهى عنها، فقد روي الإمام مالك في الموطأ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة، وروي أنه بلغه أن رجلاً قال لرجل أبتع لي هذا البعير بنقد حتى أبتاعه منك إلى أجل فسأل عن ذلك عبد الله بن عمر فكرهه ونهى عنه(56) .
فلو كانت العملية بيعتين كل واحدة منها مستقلة عن الأخرى فإنها لا تدخل في ذلك النهى(57)، ولكن البنك الإسلامي الأردني عندما يكلَّف بعملية البيع للآمر بالشراء فإنه يأخذ عربوناً، وبهذا يتصرف تصرف البائع، ويلزم الآمر بالشراء بتنفيذ العقد، وهذا يؤكد ما قال به الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق : ( ولا شك أن الشراء الأول للبنك ثم البيع ما هما إلا عمليتين اثنتين في صفقة واحدة .... )(58) وهذا ما يقوم به البنك الإسلامي الأردني، حيث إن عملية بيع المرابحة للآمر بالشراء ليست عمليتين منفصلتين بل هما عملية واحدة لترتب الشراء على قيام الوعد الملزم ومع أخذ الضمانات الكافية .
ويمكن التخلص من الوقوع في مسألة بيعتين في بيعة بالعمل حسب المبدأ التي تعمل به كثير من البنوك الإسلامية، مثل بنك فيصل الإسلامي السوداني،بأن يكون مالكاً للسلع قبل طلبها، وبخاصة أن السلع التي يتعامل بها البنك الإسلامي الأردني في عمليات المرابحة الداخلية موجودة في الأسواق بصورة دائمة ولا يتحمل البنك أية خسائر من جراء عدم تنفيذ العقد، لأن البنك بصورة عامة يتعامل مع تجار معروفبن، فإن لم يُنفذ هذا العقد، نفذ البنك غيره . والبنك الإسلامي الأردني يسعى لإيجاد مراكز لبيع السلع المطلوبة مرابحة .
5: رغم جدية البنك الإسلامي الأردني في تدعيم الرقابة الشرعية على بيع المرابحة،وبخاصة على العملاء، إلا أن بيع المرابحة وسيلة يفعلها بعض العملاء لأكل الربا، وبيع العينة والتورق الذي انتشر هذه الأيام.(21/18)
من خلال المتابعة الميدانية وجد أن هذا البيع ( أحياناً ) ليس بيعاً ولا شراء بصورة حقيقية، وإنما وسيلة للحصول على النقد اللازم
والتصرف به في أمور غير التي عقد عليها بيع المرابحة، كما يفعله بعض العملاء سواء علم البنك الإسلامي بذلك أم لم يعلم، وذلك إيهاماً من العميل بأنه لا يتعامل بالربا وظناً منه أن بفعلته تلك يخرج من أثم الربا، حيث يتفق مع التاجر على تمكينه من الحصول على فاتورة عرض يوهم البنك بأنه بحاجة للمواد المذكورة فيها، مع وضع أسعار مبالغ فيها أحياناً، وإذا ما تسلم العميل تلك المواد أو السلع بشكل أو بآخر أمام مندوب البنك، إذا حصل التسليم الفعلي، فإنه حقيقة لا يتسلمها بل يتسلم ثمن البضاعة مطروحاً منها عمولة يتلقاها التاجر، وفي الحالات التي يشك فيها البنك أرى أن يتأكد البنك أن الفاتورة ليست فاتورة مجاملة صورية، والمواد المطلوبة والمذكورة في الفاتورة مواد ستستعمل فعلاً، والأسعار أسعار حقيقية، كما أن الفاتورة صادرة عن تاجر ثقة حتى لا يكون البنك الإسلامية مصدر إقراض مشبوه .والبنك الإسلامي الأردني يحاول أن لا يقع في مثل هذه الشبهة كما قيل لنا،رغم أن البنك يخرج على البيوت ويتأكد من خلوها من الأثاث في حالة بيع الأثاث مرابحة، وغير ذلك من وسائل يتبعها البنك حسب كل حالة ينفذها، ولكن الناس أحياناً يرجعون البضاعة، أو يتصرفون بها للحصول على النقد، وهذا يدخل ضمن مسألة التورق التي سنبينها .
إن تواطأ التاجر مع العميل يدخل المسألة باب الربا حيث إن الفاتورة في الواقع تمثل نقداً حصل بموجبها العميل على نقد عاجل أقل مما هو مثبت في الفاتورة، وهذا الأسلوب يشبه خصم الأوراق التجارية، بيع نقد بنقد، التاجر يستفيد من العميل عمولة حرام، والبنك الإسلامي يستفيد ربحاً، فهذا قرض ربا من جانب العميل .(21/19)
ويقع في هذه المعاملة بهذه الصورة الربا بنوعيه النسيئة والفضل(59)، حيث إن المقصود الذي شرع الله تعالى له البيع وأحله لأجله هو أن يحصل ملك الثمن للبائع ويحصل ملك المبيع للمشتري، فيكون كل منها قد حصل على مقصودة بالبيع، هذا ينتفع بالثمن وهذا بالسلعة(60)، وإنما قصد هنا تمليك المثمن بالثمن فعاد الثمن إلى المشتري(61)، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيع النقد بالنقد، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورِقَ بالورِقَ إلا مثلا ًبمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائباً بناجزٍ "(62) .
وربما لا يقبل التاجر التعامل على أساس إعطاء فاتورة مجاملة للعميل لتمكينه من الحصول على النقود مباشرة، بل يقوم العميل ببيع السلعة التي اشتراها له البنك الإسلامي للتاجر نفسه، أو لغيره، وبثمن نقدي أقل من الثمن الذي دفعه البنك، وهذا يجعل العملية تأخذ صورة بيع العينة(63)، أو تقع العملية تحت باب التورق، لأن الحقيقة أن الآمر بالشراء هو الذي يشتري ويبحث عن السلعة ويفاوض البائع على ثمنها ...الخ والبنك يقوم فقط بالتمويل وفي بعض العمليات لا يصل مندوب البنك لمكان وجود البضاعة .(21/20)
والعينة على أشهر الأقوال :" أن يبيعه سلعة إلى أجل ثم يبتاعها منه بأقل من ذلك فهذا التواطؤ يبطل البيعتين لأنها حيلة(64)، فعن يونس بن أبي اسحاق عن أمه العالية ( وقد وثقها ابن القيم ) قالت :" خرجت أنا وأم محبة إلى مكة فدخلنا على عائشة فسلمنا عليها، فقالت لنا من أنتن ؟ فقلنا من أهل الكوفة قالت : فكأنها أعرضت عنا، فقالت لها أم محبة : يا أم المؤمنين كانت لي جارية وإني بعتها من زيد بن أرقم الأنصاري بثمانمائة درهم إلى عطائه وأنه أراد بيعها فابتعتها منه بستمائة درهم نقداً، قالت : فأقبلت علينا فقالت بئسما شريت وبئسما اشتريت فأبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب، فقالت لها : أرأيت إن آخذ منه إلا رأس مالي قالت : ( فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ( "(65) (66)
وجاء في كتاب المغني ما يؤكد حديث العالية، " ومن باع سلعة بنسيئة لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها به"(67)، وقد اعتبر الإمام الشوكاني أن مثل هذه الحالة من الربا المحرم لا ينفع في تحليله الحيل الباطلة "(68) وفي بعض البنوك يضمن البنك بيع السلعة المشتراة، كما كان يفعل يهود بتوسيط أممي بين اليهودي واليهودي ليستحلوا الربا فيما بينهم لأن الربا محرم في شريعة اليهود بين اليهودي واليهودي .
وقد ثبت عن ابن عباس رضى الله عنهما، أنه سئل عن رجل باع رجل حريرة بمائة، ثم إن اشتراها بخمسين ؟ فقال: دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينها حريرة(69) .
وبيع العينة وسيلة إلى الربا بل هو من أهم الوسائل إليه، والوسيلة إلى الحرام حرام، لأن للوسيلة حكم الغاية، قال ابن القيم رحمه الله تعالى : ( فلو لم يأت في هذه المسألة أثر لكان محض القياس ومصالح العباد، وحكمة التشريع تحرمها أعظم من تحريم الربا، فإنها ربا مستحل بأدنى الحيل " وهنا قد عاد البيع إلى الثاني وأفضى إلى ربا الفضل والنساء (70)عن طريق بيع العينة (71) .(21/21)
أما مسألة التورق فصيغته : هو أن يحتاج إلى دراهم ولا يجد من يقرضه فيشتري سلعة بثمن مؤجل ثم يبيع السلعة على شخص آخر غير الذي اشتراها منه .(72)
وقد اختلف العلماء في حكم التورق(73)، قيل حرام وقيل إنه جائز، وقد أجازه الشيخ محمد بن صالح العثيمين بشروط :
1. أن يكون محتاجا ًإلى الدراهم .
2. أن لا يتمكن من الحصول على المال بطرق أخرى مباحة كالقرض والسلم .
3. أن لا يشمل العقد على ما يشبه صورة الربا مثل أن يقول بعتك إياها العشرة أحد عشرة أو نحو ذلك .
4. أن لا يبيعها المستدين إلا بعد قبضها وحيازتها(74) .
ولكننا إذا نظرنا إلى بعض عمليات بيع المرابحة الداخلية وكيفية تصرف بعض العملاء نجد أن العميل لا يقبض السلعة ولا يحوزها، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، المهم عنده الحصول على النقد، وعلى كل فالأمور بمقاصدها، والحكم الذي يترتب على أمر يكون على مقتضى ما هو المقصود من ذلك .
إن من واجب البنك الإسلامي الأردني وغيره من البنوك الإسلامية تدعيم الرقابة الشرعية على تنفيذ عقد المرابحة في جميع مراحله بحيث يسد الطريق أمام ضعفاء النفوس، وعدم الاكتفاء بالفاتورة، دون تسليم البضاعة للعميل بصورة فعلية، كل ذلك لإبعاد البنك عن الشبهات والشكوك في شرعية بيع المرابحة .
وذُكِرَ أن البنك الإسلامي الأردني كشف الكثير من الأخطاء التي وقع فيها العملاء والموظفون، حيث قام بإلغاء طلب الآمر بالشراء ووضع اسم التاجر على اللائحة السوداء وعمم على جميع فروعه عدم التعامل معه.وأما الموظف المتواطئ فيصرف عن العمل .
6: رضا المتعاقدين، وإلزام الآمر بالشراء بتنفيذ العقد .(21/22)
من شروط البيع رضا المتعاقدين، فإذا نظرنا إلى عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء كما هو مطبق في البنك الإسلامي الأردني وغيره من البنوك التي أخذت بإلزام الآمر بالشراء بتنفيذ العقد، إنه يلزم الفريق الثاني بأن يشتري البضاعة بالربح المتفق عليه، وهنا ندخل في مسألة الإلزام بالوعد السابق وتحقق رضا المتعاقدين .
إن الوعد مجرد الإعلان عن الرغبة في فعل أمر في المستقبل يعود بالفائدة على الموعود(75)، ولم يقل بوجوب الوفاء بالوعد إلا المالكية في بعض الحالات الخاصة بالمعروف، ولا خلاف بين الفقهاء في استحباب الوفاء بالوعد وإنما الخلاف بينهم في وجوب الوفاء به قضاء(76) .
وقد أجاز بيع المرابحة للآمر بالشراء على أساس الوعد الملزم عدد من العلماء، وقال بعدم الإلزام عدد آخر ذكرت بعض أسمائهم في حكم المرابحة .
وبناء على هذا الاختلاف نجد من البنوك الإسلامية من تبنت إلزام الواعد بالشراء بتنفيذ العقد، ومثال ذلك بنك دبي الإسلامي، والبنك الإسلامي الأردني، ومن البنوك التي لم تلزم الآمر بالشراء بتنفيذ العقد بنك فيصل الإسلامي السوداني .(21/23)
والذين اعتمدوا على إلزامية الوعد بالشراء قسموا العقد إلى قسمين، وعد بالشراء وبيع، إذ أُخِذَت إباحة بيع المرابحة من رأي الإمام الشافعي رضي الله عنه، أورده كاملاً هنا كما جاء في كتاب الأم ( وإذا أرى الرجلُ الرجلَ فقال اشتر هذه، وأربحك فيها كذا، فاشتراها الرجل فالشراء جائز، والذي قال أربحك فيها بالخيار، إن شاء أحدث فيها بيعاً، وإن شاء تركه، وهكذا إن قال : اشتر لي متاعاً، ووصفه له، أو متاعاً أي متاع شئت، وأنا أربحك فيه، فكل هذا سواء يجوز البيع الأول، ويكون هذا فيما أعطى نفسه بالخيار، وسواء في هذا ما وصفت، إن كان قال : ابتاعه واشتر به منك بنقد أو دين، يجوز البيع الأول، ويكونان بالخيار في البيع الآخر، فإن جدداه جاز، وأن تبايعا به على أن ألزم أنفسهما الأمر الأول، فهو مفسوخ من قبل شيئين أحدهما أنه تبايعاه قبل - أن - يملكه البائع، والثاني أنه على مخاطرة أنك أن اشتريته على كذا أربحك فيه كذا ... )(77) .
أما فيما يتعلق بالإلزام بالوعد فقد اعتمدوا على رأي ابن شبرمة، كما جاء في كتاب المحلى لابن حزم الأندلسي : ( ومن وعد آخر بأن يعطيه مالاً معيناً، أو غير معين، أو بأن يعينه في عمل ما، حلف له على ذلك، أو لم يحلف، لم يلزمه الوفاء به ويكره له ذلك، وكان الأفضل لو وفى به، وسواء أدخله في نفقة أو لم يدخله كمن قال : تزوج فلانة، وأنا أعينك في صداقها بكذا وكذا، أو نحو هذا، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأبي سليمان، وقال مالك لا يلزمه شىء من ذلك إلا يدخله بوعده ذلك في كلفة فيلزمه ويقضى عليه، وقال ابن شبرمة : الوعد كله لازم ويقضى به على الواعد ويجبر )(78) .(21/24)
فكلام الإمام الشافعي رضي الله عنه له يجيز بيع المرابحة، ولا يلزم الواعد بتنفيذ ما وعد به، ويترك له الخيار، وأما الإلزام فلا يجوز، وما ورد في المحلى فلا إلزام للواعد بتنفيذ ما وعد به عند العديد من العلماء في أي حال من الأحوال، إلا الإمام مالك رحمه الله الذي قال بإلزامه إذا أدخل الموعود في كلفة، وأما ابن شبرمة فهو الذي قال بأن الوعد كله لازم .
وقد رجح الدكتور الفاضل الشيخ يوسف القرضاوي الإلزام بالوعد استناداً إلى الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، قال تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ((79)، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضى الله عنه " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان "(80)، ونقل الشيخ القرضاوي أدلة أخرى من القرآن الكريم والحديث الشريف وأقوال العلماء .
فهذه الأدلة التي اعتمد عليها الشيخ القرضاوي لا يعقل أن تغيب عن بال أئمة عظام أمثال الإمام الشافعي وابن القيم وغيرها، وبناء عليها يعتمدوا إلزامية الوعد ؛ولكنهم قالوا بعدم الإلزام .
وقد قال الدكتور محمد سليمان الأشقر : ( أما العمل على أساس الإلزام بالوعد السابق فإنه يربط الواعد ويوثقه، ويعدمه الرضا حال عقد الشراء اللاحق من البنك، فيكون العقد صورياً، ويخرج عن كونه ( تجارة عن تراض منكم ) إلى كونه ( قرضاً بفائدة ) لأن الوعد الملزم يكون قد ربط ربطاً محكماً بين دفع البنك الثمن عند شرائه للبضاعة وبين أخذ العميل لها بثمن آجل زائد، فتحققت صورة القرض ولا ينفعهم أن يسموه ( وعداً ببيع المرابحة ) لأنه قد علم أن شروط العقود الرضا التام حين التعاقد، وبذلك التراضي يحل لكل من الطرفين ما يأخذه من مال الآخر )(81) .(21/25)
أما مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني المنعقد بالكويت عام 1983م، فقد أصدر عدة توصيات منها ما ورد نصه في التوصية الثامنة : ( وأما بالنسبة للوعد وكونه ملزماً للآمر أو المصرف أو كليهما، فإن الأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة التعامل واستقرار المعاملات، وفيه مراعاة لمصلحة المصرف والعميل، وأن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعاً، وكل مصرف مخير في الأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه )(82) .
وبعد استعراض الآراء السابقة بمسألة الإلزام بالوعد يمكن التفريق بين عقد المرابحة الداخلية والذي يعتمد على السوق المحلي، وعقد المرابحة الخارجية والذي يعتمد على الاستيراد، فيمكن الأخذ بالإلزام في المرابحة الخارجية وذلك لضبط المعاملات بصورة دقيقة، ولأن البنك الإسلامي يتحمل كلفة ومسؤولية تجاه المصدرين والبنوك الأجنبية، وكذلك لوجاهة الأدلة التي أوردها القائلون بالإلزام ولا مجال لذكر المزيد منها لأن المسألة أشبعت بحثاً، وأما المرابحة الداخلية فيمكن الأخذ بعدم الإلزام لأن السلع والمواد موضوع العقد تكون متوافرة في السوق المحلي، وما على البنك الإسلامي الأردني إلا التأكد من جدية العميل بشتى الطرق الممكنة، وذلك اعتماداً على رأي الإمام الشافعي وغيره، ولأن البنك في الغالب لا يتحمل نفقة من جراء التمهيد لإبرام العقد .
ثانياً: الصعوبات التي تواجه البنك الإسلامي الأردني بصورة عامة والمرابحة بخاصة :
من خلال النشرات التي يوزعها البنك والتي لا يجددها إلا نادراً، (83) ومن واقع التطبيق العملي، يواجه البنك الإسلامي الأردني بعض الصعوبات :(21/26)
1- قصور بعض القوانين الأردنية عن معالجة تسهيل مهمة البنك في تحقيق متطلبات عملائه حيث إن بعض هذه القوانين قد صيغ لمعالجة الإقراض الربوي دون حل مشكلة التمويل اللاربوي، وأمثلة ذلك اضطرار البنك عند تمويل شقة لعميل أو سيارة إلى دفع رسوم متكررة تصل في تمويل العقارات إلى 16% من تكلفة التمويل مما يثقل كاهل العملاء. والبنك أساساً لا يتحمل ولا يدفع أي مبلغ من جيبه .
2- منح ميزة للبنوك الربوية على البنك الإسلامي في مجال استفادته من تعليمات تشجيع التصدير بسعر خصم مخفض، مما يجعل تكلفة عملاء البنك الإسلامي أعلى من تكلفة عملاء البنوك الأخرى بسبب هذا الامتياز.
3- اضطرار البنك الإسلامي ـ بسبب عدم إمكان الإفادة من تسهيلات البنك المركزي ـ كملجأ أخير ـ اضطرار البنك إلى ما يلي :
* جعل مدة التمويل لعملائه قصيرة الأجل أو متوسطة الأجل .
* الاحتفاظ بسيولة مرتفعة لمواجهة أي طوارئ قد تحصل ـ لا سمح الله ـ مما يعيق استثمار الأموال ويخفض عوائد المودعين .
* اعتماد البنك الإسلامي على تدفق الودائع عند اتخاذ خطة توزيع وتنويع استثمارات وتجديد مدد التمويل اللازمة .
* توجيه أغلب استثماراته إلى المرابحة، بدل توجيهها إلى المساهمات والمشاركات، لسرعة تسييلها ووضوح التدفق النقدي ووضوح العائد.
… ويظهر ذلك واضحاً من خلال التقارير السنوية للبنك.
4. نقص الأدوات المالية ( سندات المقارضة ) التي بمقتضاها سرعة تدوير الأموال وإيجاد مصادر للسيولة السريعة للبنك مما يشكل باعثاً على الاستثمار الأطول أجلاً، ولهذا لجأ البنك لبيع المرابحة. وذلك بسبب ضعف السوق المالي .
5. اضطرار البنك إلى التشدد في الحصول على الضمانات بسبب مماطلة بعض العملاء في السداد ولجوئهم إلى الاستفادة من قوانين المحاكمات اعتماداً على أن البنك لا يتقاضى عوائد عن أمواله المستحقة خلال سنوات المحاكمة.(21/27)
والبنك حقيقة يتشدد في قبول الكفلاء في بيع المرابحة، ويخصم أقساطه من رواتب الكفلاء التي تحول رأساً للبنك .
6. لقد أدى ارتباط العديد من الناس بأعمال البنوك الربوية لمدة طويلة إلى تركز أذهانهم بأن أية نسبة مئوية يتقاضاها البنك مرابحة إنما هي من أعمال الفائدة دون تفهم لطبيعة عملية المرابحة .لأن البنك أساساً يحسب ذلك أمام العميل، ولا يأخذ بعين الاعتبار الشروط الشرعية في حساب ربح بيع المرابحة .
7. اعتراض بعضهم على قيام البنك بتأمين البضائع التي يمولها من خلال شركات التأمين القائمة . وهذه المسألة حرام للفتاوى التي صدرت عن هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية والمجمع الفقهي وكبار علماء الأمة .
8. ضعف الأجهزة الوظيفية، ولا سيما في بداية عمل البنك، وعدم قدرتها على تفهم الأمور الشرعية بدقة. وبخاصة ما يتعلق بكيفية إتمام صيغة المرابحة على الوجه الشرعي بسبب توظيف البنك لمن لا يعرف الأمور الشرعية المهم أن يكون عاملاً في البنوك ربوية كانت أم غير ربوية، ويندرج هذا على أعلى المستويات حتى الأن ".(84)
9. إلغاء القانون الخاص الذي أسس بموجبه البنك فأصبح بمقدور أي إنسان تأسيس بنك إسلامي، حيث أسس البنك الإسلامي العربي في عمان، وذلك لامتصاص السيولة النقدية في السوق،مما أوجد منافساً جديداً للبنك،وهذه خطة من البنك العربي بسبب تمسك المجتمع الأردني بالعقيدة الإسلامية وإقبال الناس على البنك الإسلامي الأردني.
10. زيادة الاحتياطي الإجباري لدى البنك المركزي الأردني مما يقلل السيولة النقدية المتاحة للبنك،مما يقلل قدرت على الدخول في استثمارات أخرى .ويمكن التغلب على ذلك بتحديد قطاع معين يستثمر فيه البنك هذا الرصيد تحت رقابة البنك المركزي، كما يفعل ذلك بنك فيصل الإسلامي المصري .(21/28)
11. تحديد نسبة المرابحة حسب التكلفة، وتدخل البنك المركزي في تحديد ذلك في كثير من الأحيان، والأولى أن تحدد نسبة المرابحة حسب القطاعات الاقتصادية لاختلاف قدرة هذه القطاعات على إيجاد الإيرادات .
هذا وقد لجأ البنك لمواجهة هذه الصعوبات إلى اتخاذ بعض الإجراءات التي تكفل حقه ولا يتعرض لخسارة بل تزيد من سيولته، فقد أحدث البنك الإسلامي الأردني عام 1994م ما يسمى صندوق التأمين التبادلي لمديني البنك. كما أنشأ شركة تأمين إسلامية، رغم ما تتعرض له من انتقادات، لأنها تعيد التأمين لدى شركات ربوية عالمية .
وقد عمل البنك عدة دورات وابتعث عدداً من الموظفين لتأهيلهم التأهيل الشرعي المصرفي،ولا يزال البنك يتشدد اتجاه عملائه ويتولى الخصم المباشر من الكفلاء إذا تأخر العميل عن السداد، كما يسبب البنك بعض المشاكل لعملائه مع مكفوليهم بسبب قصور آلية التسديد الفوري في حساب العميل إذا تأخر عن السداد،مما يؤدي إلى الخصم من حساب الكفيل،رغم تسديد العميل للقسط المترتب عليه . ونأمل أن تحل جميع صعوبات البنك الإسلامي بالطرق الشرعية .
وفي ختام البحث يمكن القول: إن البنك الإسلامي الأردني صرح إسلامي يجب مساندته، ويمكن الاعتماد عليه في تطهير معاملتنا من الربا، إذا التزم بالأصول الشرعية، وعلى ما يبدو من تصرفات البنك في الآونة الأخيرة أنه يعمل على الأخذ بالتوصيات الشرعية، ولكن يؤخذ عليه أن أبواب كبار موظفيه مغلقة أمام النقد البناء.
وملاحظاتنا على البنك حتى لا يقع في المحظورات ومن ذلك : بيع ما ليس عنده، وبيع الشيء قبل قبضه، وبيعتين في بيعة، وإعطاء العميل فرصة الخيار والرضا وعدم الإلزام وبخاصة في بيع المرابحة الداخلية قبل التوقيع على العقد الثاني ......الخ.
وبالإضافة إلى ما تم ذكره في البحث يمكن الأخذ بالتوصيات التالية المذكورة في الخاتمة لتكون عملية المرابحة الداخلية متفقة مع الشريعة الإسلامية .
خاتمة (التوصيات)(21/29)
في ضوء ما تم بحثه، يمكن تطهير عملية تطبيق عقد بيع المرابحة الداخلية من الشبهات التي تثار حوله، سواء أكان خاصاً بممارسات البنك، أم ممارسات بعض العملاء إما لجهلهم أو تحايلهم،بالأخذ بالتوصيات التالية :-
1- أن يتحمل البنك الإسلامي الأردني مسؤولية البضاعة حتى تسليمها للمشتري، وأن لا يسلم البضاعة، أو يوافق عليها لعقد بيع المرابحة إلا بعد الكشف عليها، والتأكد من صلاحيتها لما اشتريت من أجله، على أن يلتزم البنك برد البضاعة بالعيب غير الظاهر،ولا يعتمد على تقارير صلاحية البضاعة التي يحضرها العميل .
2- لا يتم بيع البضاعة إلا بعد قبضها وضمانها قبل أن تباع للعميل، مع إيصالها لمكان سكن العميل للتأكد من استعمالها لما بيعت له، ولا بأس أن يؤسس البنك الإسلامي الأردني محلات لبيع السلع التي يكثر الطلب عليها،في حميع المدن التي يوجد فيها فرع للبنك، وذلك خوفاً من الوقوع في الشبهات التي تثار حول البنك الإسلامي الأردني بأنه واسطة لبيع العينة والوقوع في آثام الربا، والعمل على سد الثغرات أمام المتلاعبين بأحكام الله للسعي للكسب المادي والتحايل الربوي .
4- إذا لم يقم البنك الإسلامي الأردني ببيع السلع مباشرة عن طريق محلاته التجارية، فيجب أن يتولى شراء السلع المطلوبة بصورة مباشرة وعن طريقه، لا أن يوكل كل عملياته للعملاء يجرون البحث والاتفاق، مع المبالغة أحياناً في قيمة المواد بهدف الحصول على أكبر قدر من المال .(21/30)
5- العمل على إيجاد وسائل للرقابة الشرعية أكثر فاعلية على تنفيذ عقد المرابحة في جميع مراحله، ولا بأس بعمل رقابة تفتيشية بعد مدة من إجراء العقود للتأكد من تنفيذ العملية حسب الأصول الشرعية .وتأكد هيئة الرقابة من امتلاك البنك للسلعة ودخولها في ضمانه قبل بيعها للآمر بالشراء، بحيث لا يصبح حيلة لأكل الربا، تمويل بلا مخاطرة، مع الاهتمام بوضع قواعد تفصيلية لآليات العمل في شعب تطبيق عقد المرابحة لمراعاة الأحكام الشرعية العامة والخاصة لهذا العقد .
6- عدم إلزام أي طرف من أطراف العقد في إتمام البيع، فلا يقيد أحد الأطراف بكفالة، وكتابة موقعة أو عربون، أو غير ذلك قبل إتمام البيع، فالجميع أحرار في تنفيذ البيع، ليتم البيع برضا المتعاقدين، إلا في الحالات التي يتكبد فيها البنك تكاليف من جراء العقد لا يمكن تعويضها .وهذا يتطلب إعادة النظر في إلزام الآمر بالشراء بتنفيذ العقد.
7- الاهتمام بتأهيل القيادات والعاملين في البنك بالخبرات الوظيفية الواعية وتوظيف ذوي المظاهر الإسلامية،والملتزمين بالآداب الإسلامية، مع التنبيه على البنوك الإسلامية بإقامة الشعائر الدينية في نفس موقع العمل،وبخاصة صلاة الظهر،وتوفير البرامج التدريبية المناسبة بالتعاون مع كليات الشرعية وأقسام الاقتصاد الإسلامي .
8- التقليل من الاعتماد على عمليات بيع المرابحة، والعمل على إيجاد آليات أخرى، إلا في الحالات التي لا بد من المرابحة،وذلك بالدخول في المشاريع التنموية الزراعية والصناعية والتجارية والإسكان، والاستثمار فيها استثماراً مباشراً من خلال صيغ المشاركة والمضاربة والمزارعة والسلم والاستصناع والتأجير،مما يسهم في تقدم المجتمع وتنميته.(21/31)
9- على جهات الدولة المعنية بالأمور الشرعية وبخاصة وزارة الأوقاف تبصير الناس بأصول المعاملات الإسلامية ومنها المرابحة، وحث خطباء المساجد على تخصيص خطب لبيان ذلك.وعلى وزارة التربية والتعليم الاهتمام في مناهجها بالمستجدات المالية وبخاصة ما يتعلق بالمعاملات المصرفية وبيان الحكم الشرعي فيها، وكيفية إجرائها حسب الأصول الشرعية. وعلى وزارة الإعلام تبصير الناس بالمؤسسات المالية الموجودة في الساحة ومنها البنوك الإسلامية، واستضافة المعنيين بذلك من حين لآخر لبيان ما يتعلق بها من معلومات وكيفية التعامل معها .
10- يجب على الجامعات أن تقوم بدورها العلمي ولا سيما كليات الشريعة وأصول الدين والاقتصاد ـ ليس من باب الدعاية للمؤسسات الإسلامية ـ بتضمين مناهجها مقررات تتعلق بالمعاملات المالية الإسلامية، ومن ذلك البنوك الإسلامية وشركات التأمين الإسلامية، وبيان الحكم الشرعي في المستجدات المالية والاقتصادية، وما يتعلق بالنواحي المادية في الساحة العملية التطبيقية، وذلك لخلق جيل مثقف أمور الاقتصاد من وجهة نظر إسلامية، لمواجهة العولمة بروح إسلامية.
11- العمل على إيجاد وسائل شرعية خالصة لضمان عمليات البنك من الشبهات التي تثار عليه، وذلك بعقد مؤتمر علمي دوري لذوي الاختصاص في الشريعة والاقتصاد بعيداً عن التمثيل الرسمي، مع تشجيع الشباب على الاشتراك في هذا المؤتمر،مع قبول النقد البناء .
وفي الختام لا أقول إن البحث قد احتوى كل ما يتعلق بجوانب الموضوع، ولكن هذا جهد متواضع لبعض المسائل، فإن أصبت فمن توفيق المولى وإن أخطأت فمن نفسي، والله الموفق .
الهوامش
1) أول تجربة كانت في ميت غمر بمحافظة الدقهلية بمصر عام 1963م ، واستمرت التجربة حتى منتصف عام 1967م، النجار ،197.
2) صقر ،27.
3 ) الأنصاري ،60، العبادي ، 5.
4) راجع تقارير البنك الإسلامي الأردني 1991م ، 1997 ـ 2001م.
5) ريحان ،232 ـ 233.
6 ) حرك ،103.(21/32)
7) مجلة الجندي المسلم،143 ـ144
8) النجار ، مجلة الشريعة ،34.
9) من صور عقد المرابحة شراء مواد البناء ، وتمويل تشطيب الأبنية ، والتجهيزات المنزلية ، والأثاث ...الخ .
10) الحصري ، 338.
11) راجع كتب الفقه المختلفة : كالمغني لابن قدامة ، والأم للشافعي ، وبدائع الصنائع للكاساني ، ومن الكتب الحديثة المبسطة فقه السنة لسيد سابق.
12) الزرقاني ،3/173.
13) قلعه جي ،389.
14) البنك الإسلامي الأردني، قانون البنك الأردني ،2.
15) البنك الإسلامي الأردني ، تجربة البنك الإسلامي الأردني ،17.
16) الصاوي ، 200.
17) سورة البقرة ، آية 275.
18) البخاري ،3/72 ـ 73.
19) الصاوي ، المرجع السابق والصفحة نفسها.
20) ابن عبيدان ، 4/199.
21 ) ابن قدامة ، 4/199.
22 ) البيهقي ،5/317.
23 ) قلعه جي ،181.
24 ) ابن حزم ،9/14.
25 ) ابن قدامة، 4/199.
26 ) ابن عبد البر ، 2/705.
27) البعلي ، 35 ـ 37.
28) من هؤلاء : الشيخ يوسف القرضاوي ، والدكتور سامي حسن حمود ، والدكتور عبد الحميد البعلي ، والشيخ عبد الله بن سليمان المنيع ...وغيرهم .
29 ) الشافعي ، 3/39.
30) ابن حزم ، 8/28 ، مسألة 1125.
31) من هؤلاء الدكتور محمد سليمان الأشقر ، والدكتور رفيق يونس المصري ، والدكتور جمال الدين عطية ، والدكتور حمد الكبيسي ، والدكتور علي السالوس ، والدكتور إبراهيم دابو ، والدكتور حسن عبد الله الأمين ...وغيرهم .
32) الألباني ،2/13.
33) الكاساني ، 5/220 ـ225، الجزيري ، 2/178 ـ 282، عبد البر ، 466، البعلي ، 57 ، ملحم ، 36، الصاوي ، 205.
34) سابق ،3/247.
35) مجلس الفكر الإسلامي : تقرير بشان إلغاء الفائدة من اقتصاد باكستان ، تعريب : عبد العليم السيد والدكتور حسين عمر إبراهيم ،المركز إسلامي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي ، 33. والمنصوري ،
36) راجع تقارير البنك قبل عام 1991م ، ومقدمة هذا البحث .
37) ارجع لشروط المرابحة في البحث .
38) عيد،51 ـ 52.(21/33)
39) العبد اللطيف ،128.
40) الندوي ، 369 ، 374.
41) يمكن العميل مقاضاة البائع والرد بخيار العيب ، إذا لم يكن على علم بالعيب وقت عقد العقد.
42) مقررات محمع الفقه الإسلامي (جده) في مؤتمره الخامس بالكويت الذي عقد من 1 ـ 6/5/1409هـ الموافق من 10 ـ 15/ 12/ 1988م ، قرار رقم 2،3.
43) راجع عقد المرابحة المعمول به في البنك الإسلامي الأردني ، ص 2.
44) البنك الإسلامي الأردني، التقرير السنوي الحادي والعشرون ، 1420هـ ـ 1999م ،
ص 28 ، 78.
45) البنك الإسلامي الأردني، التقرير السنوي الرابع والعشرون 1423هـ / 2002م ، ص 23 .
46) الندوي ، 123.
47) البخاري ،4/349.
48) الحديثان، 46،47، وردا في صحيح سنن ابن ماجة للألباني ، 2/13.
49) مجلة الاقتصاد الإسلامي ، مجلد 2 ، عدد 20، ص322.
50) العبادي ، 2.
51) ملحم ، 241،245.
52) ابن قدامة ، 4/228..
53) البخاري ،4/349. أبو داود ،3/769 أخرجه الترمذي في البيوع وكذلك النسائي ، وابن ماجه .
54) البعلي الدمشقي ،223.
55) الأشقر ،86.(1995م)
56) مالك ، 2/74 ،75.
57) المصري ،185 .
58) عبد الخالق ، 102.
59) ربا لنسيئة : هو البيع للمطعومين أو للنقدين المتفقي الجنس أو المختلفة لأجل ولو للحظة وإن استويا وتقابضا في المجلس .
…أما ربا الفضل : فهو البيع مع زيادة أحد العوضين المتفقي الجنس على الآخر .( الهيثمي ،1/221.
60) ابن قيم الجوزية ، 3/239.
61) المرجع السابق ،3/ 242،243.
62 ) البخاري ، 44/380.
63) الحقيقة أن الآمر بالشراء هو الذي يشتري لأنه يبحث عن السلعة ويفاوض البائع على ثمنها ويشتري على مسؤوليته..الخ حتى تتم عملية الشراء ، وأما البنك فيتولى التمويل ، وفي بعض العمليات لا يصل مندوب البنك لمكان وجود البضاعة ، والعملية تتم بين البائع والآمر بالشراء .
64) ابن تيمية ،29/30.
65) سورة البقرة ، آية 275.(21/34)
66)…الدارقطني، 3/52. قال صاحب التعليق المغني : أخرجه البيهقي وعبد الرزاق .وروى مثله الإمام أحمد ، وعمل به، وهذا حديث فيه شعبة ، وإذا كان شعبة في حديث فاشدد يدك به فمن جعل شعبة بينه وبين الله فقد استوثق لدينه . ( ابن قيم الجوزية ،3/176) .انظر توثيق العالية في الجزء نفسه والصفحة.
67) ابن قدامة ،4/193.
68) الشوكاني ، 5/206.
69) ابن قيم الجوزية ، 3/178.
70) المرجع السابق ،3/79 ،243.
71) الطريقي ، 261 ـ 294. وقد رجح الطريقي تحريم بيع العينة ، كما هو قول جمهور الفقهاء والصحابة والتابعين.
72) وهذا ما تفعله بعض البنوك التي تدعي قيامها بعمليات شرعية عن طريق بيع سيارة لشخص بثمن مؤجل ، ثم إيجاد من يشتري هذه السيارة بثمن عاجل ، وبعد إتمام العملية تعود السيارة للبنك ويعطي البنك الوسيط مبلغاً من المال عمولة . ، وهذا عين الربا.
73) قال أحمد : يكره ، (ابن تيمية ،29/30) قال ابن تيمية : يحرم ( الفتاوى 9/430)، وقال المرداوي : جائز( الإنصاف 4/337).
74) ابن عثيمين ، 88،98.
75) أبو العينين ، 367، حماد ،18.
76) النووي ، 271 ، حماد ،19.
77) الشافعي ، 3/36.
78) ابن حزم ،8/28، وقد أوردت النص كاملاً لأهمية معرفة مدى إلزام الأئمة بالوعد.
79) سورة الصف ، الآيتان 2،3.
80) البخاري، الإيمان ،1/89 ،5/289 ،مسلم ، الإيمان، 2/46 ( دار الفكر ).
81) الأشقر ،47،48.
82) مجلة الاقتصاد الإسلامي العدد 20/322.
83) بالإضافة إلى ما لاحظه الباحث من خلال معايشته لعمل البنك.
84) شحادة ،27 ، 28.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم
1) أبو العينين: بدران أبو العينين ( الشريعة الإسلامية، تاريخها ونظرية الملكية والعقود، الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة، 1986م ) .
2) أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني و(سنن أبي داود، دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ).(21/35)
3) الأشقر: محمد سليمان الأشقر، ( بيع المرابحة كما تجريه البنوك الإسلامية، الكويت، مكتبة الفلاح، 1404هـ - 1984م ).
4) الألباني:محمد ناصر الدين الألباني، ( صحيح سنن ابن ماجه، ط3، الرياض، مكتب التربية العربي، 1408هـ - 1988م) .
5) الأنصاري: محمود الأنصاري واسماعيل حسن وسمير مصطفى متولي، ( البنوك الإسلامية، القاهرة، الأهرام، 1988م )
6) ابن تيميه: احمد بن تيميه،(مجموع فتاوي شيخ الإسلام،الرياض،الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين ).
7) ابن حزم، ( المحلي، بيروت : دار الفكر ).
8) ابن عبد البر : يوسف بن عبد الله بن عبد البر،الكافي في فقه أهل المدينة المالكي، مكتبة الرياض الحديثة و الرياض، 1400هـ ـ 1980م.
9) ابن عبيدان: عبد الرحمن بن عبيدان ( زوائد الكافي والمحرر على المقنع، ط2، الرياض : المؤسسة السعيدية، 1401 هـ )
10) ابن قدامة، ( المغني، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض ).
11) ابن قيم الجوزية،(أعلام الموقعين من رب العالمين،الرياض،مكتبة الرياض الحديثة)
12) البخاري، محمد بن اسماعيل البخاري ( فتح الباري شرح صحيح البخاري، الرياض، مكتبة الرياض الحديثة ) .
13) البعلي :عبد الحميد محمود البعلي، ( فقه المرابحة في التطبيق الاقتصاد المعاصر، القاهرة : السلام العالمية للطبع والنشر والتوزيع ) .
14) البعلي الدمشقي : علي محمد عباس البعلي الدمشقي، الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، المؤسسة السعيدية، الرياض .
15) البنك الإسلامي الأردني: تقارير البنك الإسلامي الأردني لعام 1991م،1997 ـ2002م.
: عقد المرابحة المعمول به في البنك الإسلامي الأردني.
: قانون البنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار من منشورات البنك، 1985.
16) الجزيري :عبد الرحمن الجزيري، ( كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، ط8، بيروت : دار أحياء التراث العربي ).(21/36)
17) حرك، أبو المجد حرك، البنوك الإسلامية، ما لها وما عليها، القاهرة، دار الصحوة للنشر ، 1988م.
18) الحصري: أحمد الحصري، ( السياسة الاقتصاد والنظم المالية في الفقه الإسلامي، مكتبات الكليات الأزهرية، 1984م ).
19) حماد: نزيه حماد، ( الحيازة في العقود في الفقه الإسلامي، دمشق : دار البيان، 1978م ).
20) الدار قطني: علي بن عمر الدار قطني،(التعليق المغني على سنن الدار قطني، نشاط اباد فيصل اباد-باكستان - حديث أبادي ).
21) ريحان : بكر ريحان، دور المصارف الإسلامية في الحد من الآثار السلبية للعولمة، (من أبحاث العولمة وأبعادها الاقتصادية،الذي عقد بجامعة الزرقاء في الأردن،8 ـ10/5/1421هـ، 8 ـ10/8/2000م.)جامعة الزرقاء، الرزقاء،1421هـ ـ 2001م.
22) الزرقاني، شرح الزرقاني على مختصر خليل.
23) سابق: سيد سابق،( فقه السنة، بيروت، دار الكتب العربي، 1405هـ - 1985م).
24) الشافعي :الإمام الشافعي، ( الأم، بيروت : دار المعرفة ) .
25) شحادة : موسى عبد العزيز شحادة، تجربة البنك الإسلامي الأردني بحث مقدم لندوة خطة الاستثمار في البنوك الإسلامية، التي عقدت في مؤسسة آل البيت،22 25 شوال 1407هـ، 18 ـ 21 حزيران 1987م .
26) الشوكاني: محمد بن علي الشوكاني،(نيل الأوطار،القاهرة :دار الحديث).
27) الصاوي :محمد صلاح محمد الصاوي، ( مشكلة الاستثمارات في البنوك الإسلامية وكيف عالجها الإسلام، المنصورة : دار المجتمع - دار الوفاء، 1990م )
28) صقر: محمد أحمد صقر، ( الاقتصاد الإسلامي في مجتمع معاصر - البعد التعليمي، عمان : جمعية البحوث والدراسات الإسلامية، 1981م ).
29) الطريقي:عبد الله بن محمد الطريقي،(حكم بيع العينة مقال في مجلة البحوث الإسلامية،العدد 14،الرياض، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1405هـ ) .
30) العبادي :عبد السلام العبادي، ( نظرة شمولية لتطبيق بيع المرابحة للآمر بالشراء )(21/37)
31) عبد البر: محمد زكي عبد البر، ( أحكام المعاملات المالية في المذهب الحنفي، الدوحة: دار الثقافة ) .
32) عبد الخالق :عبد الرحمن عبد الخالق،(مشروعية المعاملات التي تقوم بها البنوك الإسلامية المعاصرة،مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة،العدد59/1403هـ).
33) العبد اللطيف :عبد الطيف بن عبد الله، الإيجاز في مبادئ الاقتصاد الإسلامي،دار ابن حزم ـ المكتبة المكية، 1418هـ ـ1997م.
34) العثيمين: محمد بن صالح العثيمين، ( مجموعة رسائل مفيدة، الرياض : الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفناء والدعوة والإرشاد، 1409هـ - 1988م ) .
35) عيد :يحيى إسماعيل عيد،بيع المرابحة،1418هـ ـ1997م.
36) الكاساني، ( بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ط2، بيروت : دار الكتاب العربي ) .
37) مالك: الإمام مالك، ( تنوير الحوالك شرح موطأ مالك، دار الفكر ) .
38) مجلة الاقتصاد الإسلامي، مجلد2، عدد20 دبي، بنك دبي الإسلامي، رجب 1403هـ - شهر 4،5/83م.
39) مجلة الجندي المسلم، بيع التقسيط،دار ابن خزيمة،الرياض،1423هـ.
40) مجمع الفقه الإسلامي :مقررات مجمع الفقه الإسلامي ( جدة ) في مؤتمره الخامس بالكويت الذي عقد من 1-6/5 /1409هـ- من 10 - 15/12/1988م، قرار رقم 2، 3 .
41) المرداوي: علي بن سليمان المرداوي ( الإنصاف، ط2، بيروت : إحياء التراث العربي، 1400هـ - 1980م ) .
42) مسلم :الحجاج بن مسلم النيسابوري،
43) المصري: رفيق المصري،(كشف الغطاء عن بيع المرابحة للآمر بالشراء، ( مقال)، مجلة المسلم المعاصر، العدد 32/ 1402هـ- 1982م).
44) ملحم أحمد سالم عبد الله ملحم ( بيع المرابحة وتطبيقاتها في المصارف الإسلامية، عمان : مكتبة الرسالة، 1410هـ - 1989م).(21/38)
45) المنصوري : محمد طاهر المنصوري، ( عمليات الاستثمار والتمويل في المصارف الباكستانية وموقف الشريعة منها، مجلة الإيضاح، العدد الأول، مركز الشيخ زايد للدراسات الإسلامية، باكستان، 1993م).
46) النجار: أحمد النجار ( المدخل إلى النظرية الاقتصاد، بيروت : دار الفكر، 1393هـ - 1973م ). مقال في مجلة الشريعة، عمان عدد 339/ آذار، 1984م .بعنوان " المرابحة أسوأ أسلوب لعمل البنوك الإسلامية ".
47) الندوي: أحمد علي الندوي، ( القواعد الفقهية، دمشق : دار القلم، 1986م ).
48) النووي: محي الدين بن شرف النووي، (الأذكار، الرياض : مكتبة الرياض الحديثة). وكتاب (رياض الصالحين، القاهرة، دار الريان للتراث، 1987م ) .
49) الهيثمي: أحمد بن علي بن حجر الهيثمي،(الزواجر عن اقتراف الكبائر،بيروت:
دار المعرفة).
??
??
6 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
من صيغ الاستثمار الإسلامية المرابحة الداخلية في البنك الإسلامي الأردني 5(21/39)
المصارف الإسلامية وما لها من دور
مأمول وعملي في التنمية الشاملة
المستشار / عبد الملك يوسف الحمر
رئيس مجلس معايير المحاسبة الإسلامية
أبو ظبي / دولة الإمارات العربية المتحدة
(طبعة تمهيدية)
تمهيد :
تهدف هذه الدراسة إلى :
أولاً : التذكير والتوعية بظاهرة المؤسسات المصرفية من منظور مقاصد الاقتصاد الإسلامي.
ثانياً : علاقة المصارف الإسلامية بالتنمية، وذلك من خلال تحليل استبانة وزعت على عدد محدود من المصارف ذات العلاقة لكي توضح مرونة التطبيقات حسبما تعرضه بعض الحالات كأمثلة للعمليات المصرفية.
ثالثاً : إشارات إلى أهمية تصحيح مسيرة التنمية بوجه عام، ولكن دون تفصيل لأساليبها والتي من أهمها :
( أ) الحاجة إلى تشريعات مستمدة من الشريعة الإسلامية للاستثمارات بأنواعها.
( ب) خطة لتدريب وإعادة تأهيل الأطر البشرية لضمان إدارة مصرفية ذات كفاءة متطورة متجددة.
( ج) إجراء بحوث خاصة بالمنتجات المصرفية الإسلامية وأدواتها لاستكمال سوق مالي إسلامي معاصر، وخير مثال على ذلك معايير المحاسبة الإسلامية.
وأود أن أشير هنا أن فترة المعارضة للمشروع الإسلامي عامة وللمؤسسات المالية بما فيها المصارف الإسلامية خاصة تكاد تنقضي إلا أن المتشككين ما فتأووا يطلقون أسئلتهم سعياً وراء الحصول على الحل الصحيح للمشكلات الاقتصادية التي يعانون منها، ذلك أن القرن الواحد والعشرين أو الألفية الثالثة هو أكثر فترات الحياة البشرية حدة وتنافساً، إن لم نقل تحاربا في الشئون الاقتصادية.
مقدمة :
حول مقاصد الاقتصاد الإسلامي :(22/1)
مع بداية القرن الواحد والعشرين تبرز عدد من الصراعات لعل أهمها، بعد التصادم العقائدي، الحروب الاقتصادية بكل أبعادها. ولا حاجة للتذكير بحالة التبعية عامة لبلدان الأمة العربية/ الإسلامية، والتبعية الفكرية فالاقتصادية بصورة خاصة. ومن هنا فإننا في حاجة إلى مراجعة دور المؤسسات المالية بما فيها المنشآت المصرفية تأصيلاً وتطبيقاً بقصد التحرر من التبعية. ولنأخذ مثلاً، أزمة التبعية المهيمنة على ذهنيتنا حينما نعالج مسيرتنا التنموية فنضع الأولوية لا شعورياً للتنمية الاقتصادية بكل مادياتها بما في ذلك المعايير الكمية قبل أن نعنى بالتنمية الاجتماعية أي الإنسانية، فيحدث الاختلال وتستمر حالة فقدان التوازن في مجتمعاتنا. فالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما هو شائع ترجمة غير دقيقة، إذ إن الأصل " عند الآخرين " اجتماعية بشرية أولاً ! هذه إشكالية فكرية تحتاج إلى مراجعة مجتمعية ونقد ذاتي تقتضي تصحيحاً عماده : تخلية وتحلية وتجلية. وباختصار شديد علينا أن ندرك أن عظم المسئولية الملقاة على المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية كافة وهي تواجه هيمنة الرأسمالية الجديدة واقتصاديات السوق.
(1) الاقتصاد الإسلامي نظام ومنهج له أصول أهمها :
الاقتصاد الإسلامي مذهب ونظام، فأصول هذا المذهب ثابتة، أما تطبيق النظم فمتغير بضوابط محددة (مرجع رقم 1). والمذهب الذي نحن بصدده له مبادئ، أهمها :
(1) أن المال مال الله والبشر مستخلفون فيه.
(2) ضمان حد الكفاية لكل فرد في المجتمع الإسلامي، حتى لغير المسلمين.
(3) تحقيق العدالة الاجتماعية وحفظ التوازن الاجتماعي بين أفراد المجتمع.
(4) احترام الملكية الخاصة للنساء والرجال سواسية، ولأهل الذمة كذلك.
(5) الحرية الاقتصادية المقيدة : ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( (البقرة/ 188).
(6) التنمية الاقتصادية الشاملة للقطاعات والأنشطة كافة.(22/2)
(7) ترشيد الاستهلاك والإنفاق مع مراعاة الادخار أيضاً.
والاقتصاد الإسلامي نظام من حيث التنظيم والتطبيق : أي تحويل الأصول المذكورة أعلاه إلى معاملات تلبي حاجات ومشكلات المجتمع المتغيرة، وذلك عن طريق الحلول الاقتصادية المناسبة التي تتولاها عادة الدولة (الحكومة) والمؤسسات الاختصاصية ذات العلاقة. ومن أمثلة التطبيقات التي يحتاج إليها المجتمع الإسلامي :
(1) تقدير المستوى اللائق للمعيشة وذلك ببيان مقدار حد الكفاية لكل مواطن أو مقيم.
(2) إجراءات تحقيق عدالة التوزيع وتقليص الفوارق بين أفراد المجتمع.
(3) التخطيط الاقتصادي بما يحقق كفاية الإنتاجية ومتابعة تنفيذ الخطط المتغيرة.
(4) بيان المعاملات المالية والمؤسسية مثل الربا وصور الفائدة المحرمة.
(5) بيان نطاق الملكية العامة ومحدودية تدخل أو توجيه الدولة في النشاط الاقتصادي.
ولا شك أن جانب المتغيرات أي المباح يقتضي التوصل إليه بالطرق الشرعية المقررة من قياس واستصحاب واستحسان واستصلاح، وذلك في معالجة المشكلة الاقتصادية، وإيجاد الحلول المناسبة لها فيما تقتضيه المصلحة العامة.
وفي هذا السياق نذكر أن للحكم الشرعي التكليفي خمس مراتب عند جمهور الفقهاء :
(1) الواجب : وهو ما يثاب عليه فاعله ويعاقب تاركه بنوعيه :
أ - فرض عين : مثل الزكاة والوفاء بالعقود.
ب - فرض كفاية : مثل الصنائع وتوفير الكفاية للفقراء.
(2) المندوب : أي المستحب الذي يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.
(3) المباح : وهو مالا يثاب فاعله ولا يعاقب فاعله.
(4) المكروه : وهو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله.
(5) الحرام : وهو ما يثاب تاركه ويعاقب فاعله.
ونظراً لتوسط مرتبة المعاملات، فإننا نحتاج إلى سياسة شرعية تشمل أحكام المعاملات المالية والمصرفية بما يتفق ومتطلبات المجتمع المعاصر بضوابط دون أن نحل حراماً أو نحرم حلالاً.(22/3)
والاقتصاد الإسلامي يجمع بين العلوم النقلية (عقيدة، عبادات، وفقه) والعقلية في الشئون المالية والاجتماعية. لذا هناك ارتباط وثيق بين علوم الدين والاقتصاد كمذهب ونظام، أي أن الاقتصاد الإسلامي له خصوصيته المرتبطة بمنظومة من القيم مثل العدالة، والحرية المسئولة من أجل تحرير الإنسان، والتوكل الإيماني الذي لا يكون أصيلاً إلا بعد العلم والعمل واتخاذ الأسباب، والتوازن بين مصالح الفرد والجماعة، والاستقلالية المؤدية إلى عدم التقليد الأعمى للآخرين وذلك عن طريق التدبر والتعلم والاجتهاد، وكذلك المداومة على الصبر : فقد ورد في الحديث : " ما أعطى أحد عطاءاً خيراً وأوسع من الصبر ". (متفق عليه)، وذلك ما يحتاجه المؤمن اليوم من مصابرة ومرابطة ومثابرة في الصراع الحضاري بين الأمم. ناهيك في هذا السياق عن أهمية العمل (عبادة) والإنتاجية (استخلاف) في عمارة الكون وتنميته.
وأدبيات الوظائف الاقتصادية للدولة (الحكومة) متوفرة متطورة في التراث الإسلامي، فنذكر منها على سبيل المثال :
(1) إحياء الموارد مع التأكيد على عدالة توزيع الثروات.
(2) النهوض بأعباء المالية العامة (موارد ونفقات) وموازنة الدولة بما في ذلك الزكاة وتوفير الضمان الاجتماعي.
(3) إصدار النقود وإدارتها والإشراف على المؤسسات المالية.
(4) الحسبة ومراقبة الأسواق بما فيها من أموال (سلع) وأعمال (أجور) ومنافع (كذالإيجارات) مع التأكيد على منع الاحتكار.
(5) مسئولية تأسيس مشاريع البنية الأساسية ومرافقها العامة بما في ذلك الخدمات الحيوية.
(6) إدارة القطاع العام الاقتصادي مثل الصناعات المعدنية والاستخراجية.
(7) النهوض بأعباء السياسة الشرعية المتعلقة بالشئون المالية والنقدية وكذلك الاقتصادية حفاظاً على المصلحة العامة، بما في ذلك إمكانية تقييد المباح عند اللزوم لمواجهة الظروف المتغيرة.(22/4)
(8) الاهتمام بالتخطيط المستقبلي لفترة زمنية تضع خلالها المقاصد المستهدفة مع أولويات يحتاجها المجتمع ليواكب متطلبات عصره، آخذاً بعين الاعتبار تشجيع الادخار وتدوير الاستثمارات في نظام اقتصادي متكامل لتحقيق أهداف التنمية الشاملة، مع استنبات خبرات عملية متراكمة أو كما كان يراها ابن خلدون ذات تقنية متميزة.
(9) رعاية منظومة القيم في جانب الثوابت التراثية لكل فرد كي نحفظ لمجتمع الأمة خصوصيته في العدل والشورى وحقوق الإنسان، وكذلك فتح باب الاجتهاد مع التأكيد على احترام العمل المنتج بنوعية عالية.
الجزء الأول :
أولاً : ظاهرة المصارف الإسلامية :
يعتبر المصرف وسيطاً في المبادلات التي كانت تشمل أساساً النقود ثم السلع وبعض الخدمات. والمصارف (البنوك) كمعاملات كانت معروفة عند عدد من الأمم القديمة مثل الإغريق والرومان (حوالي القرن الرابع قبل الميلاد) حينما كان الناس يودعون أموالهم (نقودهم) لدى المعابد الدينية للمتاجرة بها ... وكذا الحال لدى العرب في الجاهلية وفي الصدر الأول الإسلامي حينما كانت تحفظ " الأموال " كأمانات أولاً ثم سلف/ قرض يتجر بها إلى أن تحولت مع ازدهار الأسواق التجارية إلى معاملات استثمارية بمصطلحات متعارف عليها مثل البيع أو الديون أو القروض (سلف) أو المتاجرة .. ومرة أخرى أؤكد أن الشواهد التاريخية منها ما قبل الإسلام في المعابد ومع فجر الإسلام كان المقصود من تلك الأمانات أو الودائع على اختلاف مسمياتها مثل القروض التي يتم المتاجرة بها بداية دون ربح محدد سلفاً، ومن ثم تكون المشاركة بحصة من ربح يتفق عليه.
ولا تخرج تلك الودائع أو سلف القروض لدى الصحابي الجليل وولده ابن الزبير وعبد الله .. وكذا لدى ولدي ابن الخطاب عبد الله وعبيد الله عن المتاجرة أولاً بتلك الأموال فيما تم تعريفه فقهياً بالمضاربة.(22/5)
ومع فجر الإسلام كانت هناك شريحتان من المعاملة : إحداهما : رأس مال مع حصة من الربح على أساس القراض (المضاربة)، والأخرى معاملة مالية بزيادة معلومة أي ربا الجاهلية.
ولما كان الإسلام خاتم الرسالات فقد جاء مصححاً لكل المعاملات بما في ذلك المالية والنقدية التي تزخر مراجعنا الأصيلة بوثائق متواترة متصلة عبر العصور شاملة المؤسسات المصرفية الإسلامية.
والمصارف هي إحدى المؤسسات المالية التي تلتزم العمل بالشريعة الإسلامية بجانبيها المذهبي (الثابت) والنظامي (المتغير) في كل ما يتعلق بأموال المسلمين حفظاً كأمانات أو ودائع بأنواعها مطلقة أم مقيدة وتمويلاً للتجارة واستثماراً للإنتاجية، ومشاركة بالمشروعات التنموية مع المحافظة على منظومة القيم والمبادئ التي أشرنا إليها أعلاه.
وشهدت السبعينات تأسيس عدد من المصارف الإسلامية (المرجع رقم 2) : بنك ناصر الاجتماعي (1971)، بنك دبي الإسلامي (1975)، البنك الإسلامي للتنمية (1975)، مصرف فيصل الإسلامي في كل من القاهرة والخرطوم جنباً إلى بيت التمويل الكويتي عام (1977)، ثم أعقبه البنك الإسلامي الأردني عام (1978) ... وفي أقل من ثلاثة عقود تضاعف عدد المصارف الإسلامية إلى 176 وحدة، هذا بالإضافة إلى عدد آخر من الشركات والمؤسسات الاستثمارية. وفي هذا وتتضح أهمية المصارف الإسلامية من وظائفها الخمس الرئيسية وهي :
(1) مذهبية عقدية ترتكز على الثوابت .... إيمانية.
(2) متاجرة في الأموال دون (فوائد ربوية) ... تجارية.
(3) استثمارية بمنتجات متجددة متطورة متعددة ... استثمارية.
(4) تنموية اجتماعية فاقتصادية شاملة ... تنموية.
(5) عالمية ... عبر الحدود.
ويرى كثير من الباحثين اختزال تلك الوظائف أو غيرها في خاصتين أساسيتين هما :
(1) المعاملات في نطاق مبدأ الحلال والحرام.
(2) عدم التعامل بالربا (الذي حرمه الله) أي الابتعاد عن الفوائد الربوية.(22/6)
وهنا موقف لابد لنا من الإفصاح عنه والعمل به وهو خصوصية المصارف الإسلامية مقارنة بكل أنواع المصارف (البنوك) السائدة في العالم حسب النظام الرأسمالي (الجديد خاصة). وما ذكرناه أعلاه من وظائف يختص بها المصرف الإسلامي لا يمكن أن تنطبق - كالالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية بصورة خاصة - على أية مصرفية أخرى. بل لا نأخذ بالتوجه إلى طرح " البديل الإسلامي" وإنما نؤكد على أهمية الأصيل في المعاملات الإسلامية والتي من أجلها عقدت المؤتمرات العلمية منذ عام 1965، واحتضنتها بعد ذلك اجتماعات المجامع الفقهية مؤكدة حتى تاريخه بأن "الفائدة" على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي وما يسمى بالقرض الإنتاجي، لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين ". (المرجع رقم 3).
وإذا عدنا إلى الوظائف الخمس فإننا نوجز توجهاتها وعملياتها على النحو التالي :
فالبناء العقيدي يشمل منظومة من القيم الأخلاقية والسلوكية في المعاملات والتي لابد من مراعاتها في كل معاملة مصرفية ومالية واستثمارية وتنموية. وفي هذا تأكيد على العمل (عبادة) مع ربطه بالكسب الطيب الحلال بما في ذلك اعتبار الملكية لله تعالى وحده، وأن الإنسان مستخلف ومؤتمن على تثميره. ومن منطلق أن الإنسان سيحاسب في الآخرة على جميع أنشطته، فإنه يعتبر بأن الأحكام الشرعية هي أساس (معيار) المحاسبة. ولذا يجب عليه مراعاة الله في كل تصرفاته فيحارب الاحتكار مثلاً، ويبتعد عن الغش والضرر. ومن جانب آخر يسعى لتفعيل الزكاة وما فيها من منافع مجتمعية متعددة.(22/7)
وحينما يستخدم المال في التجارة كمؤسسة مصرفية مستثمراً كان أو مودعاً فإنه يعتمد على الأدوات والمنتجات الإسلامية من مرابحة أو مشاركة بأنواعها أو قراض (مضاربة) أو إجارة أو استصناع أو سلم ... وغير ذلك من العمليات التي تحظر الفوائد الربوية المتعارف عليها في البنوك التقليدية كما لا يجوز المتاجرة في أية سلعة خارج نطاق مبدأ الحلال والحرام. كما لا يجوز المغالاة في الأسعار والتي تؤدي عادة إلى تفشي ظاهرة التضخم. هذا ولا تتعارض مهام المصارف الإسلامية مع التوجه لتحرير التجارة بما في ذلك انتقال رؤوس الأموال والسلع والخدمات عبر الحدود. والحديث النبوي يحثنا على هذا التوجه العالمي باعتبار أن تسعة أعشار الرزق في التجارة.
وتلتقي المصارف الإسلامية مع غيرها في تقديم الخدمات الاستثمارية المتوسطة المدى بصورة خاصة. وفي هذا فإن من واجبات المصرف الإسلامي أن يشجع على الادخار بل العمل على زيادة المدخرات لكي يتم تدويرها في أقنية استثمارية متنوعة، مما يعزز كذلك تحسين ميزان المدفوعات، أو استخدامها في حالة توفرها كاحتياطات (حرة) في تغطية المديونية العامة. هذا ويعتبر الاستثمار وأدواته المتجددة بالنسبة للمصارف الإسلامية مسألة حتمية يتوقف عليها استمراريتها بنجاح، فالاستثمار هو بمثابة العمود الفقري لها. ويتلخص دور المصرف الإسلامي في الاستثمار في حالات ثلاث : إدارة المصرف كمستثمر مباشر، أو مشاركاً في مشروعات ذات جدوى، أو وسيطاً بين أصحاب المال (المودعين) والمستثمرين (المضاربين) الآخرين.(22/8)
وتكتمل وظائف المصارف الإسلامية في التوجه التنموي الشامل الذي يأخذ بعين الاعتبار مقاصد الشريعة الإسلامية في وضع أولويات من الضروريات والحاجات والكماليات، وذلك للمحافظة أيضاً على ثروات المجتمع وتكافله لبلوغ المستوى الأمثل (وليس الأعلى) : وفي هذا لا تشمل الاستثمارات التنموية مشروعات البنية الأساسية بما تقتضيه المصلحة العامة فحسب، بل يستهدف المصرف الإسلامي تحقيق عدد من الأهداف من بينها : تثبيت ذهنية دراسات الجدوى الاقتصادية تحاشياً لحالات الفشل أو الخسارة، وتحفيز الإنتاجية مع ترشيد الاستهلاكية، ونشر الوعي الادخاري (كما ذكرنا أعلاه)، واحترام العمل (الكسب الحلال) باعتباره عبادة، وإرساء قواعد مجتمع العدل والتكافل.
وبالنسبة لعالمية النشاط الاقتصادي الإسلامي عبر الحدود فإن تطبيق مبدأ صلاحيته في كل زمان ومكان يؤخذ عملياً بمراعاة المرونة حسب حاجات كل مجتمع وظروفه بما لا يتعارض والأحكام الشرعية. ولذلك توضح هذه الدراسة الجزء الثاني منها مدى تكيف المؤسسات المصرفية الإسلامية مع أنواع المجتمعات التي تخدمها. كما نلاحظ أيضاً انتشار المصارف والمؤسسات الاستثمارية الإسلامية في مجتمعات غير إسلامية مما أكسبها صفة عالمية ذات معايير مقبولة في المجتمع الدولي المعاصر.
ثانياً : إشكالية الفوائد (الربوية) :
بالرغم من الانتشار الواسع للمصارف والمؤسسات المالية والاستثمارية الإسلامية في مختلف البلدان العربية وغيرها، يتخذ موضوع الفوائد اهتماماً خاصاً تختلف بشأنه المفاهيم والبحوث والمواقف وكذلك تتباين التطبيقات.
وهنا أود أن أتوقف في قراءة متأنية، ربما تعتبر بمثابة مراجعة ذاتية حينما أعيد قراءة ما سبق عرضه بوجهات نظر مختلفة، والتي ينزع أغلبها إلى " قبول الفائدة " بل اعتبرها البعض حلالاً ! وهذا التباين يرجع أساساً إلى أمرين متداخلين :
(1) عدم الاتفاق على تعريف ناجز.(22/9)
(2) قراءة غير صحيحة أو مبتورة لنصوص فقه المعاملات.
وكما أجملت مفهوم المصرف الإسلامي في أبعاد خمسة، فإنني أوجز تعريف (الفائدة الربوية) بما يلي :
كل نسبة ثابتة تؤخذ من (الأصل) رأس المال، عن مبلغ محدد ولفترة زمنية محددة، على أن تحتسب تلك النسبة وتؤخذ مقدماً هي ذاتها فائدة ربوية. وللعلم فإن النقد منذ عصر ما قبل الميلاد يعتبر - كما ارتأى سقراط - عقيماً لا يلد، أي ليس في ذاته زيادة، وإنما تأتي الزيادة نتيجة تشغيل العملات النقدية وما في حكمها. ومن جانب آخر ليست في المعاملات النقدية من وجهة نظر إسلامية قيود دائن ومدين، بل هي معاملات تعاقدية تستند إلى المشاركة في الربح أو الخسارة، وذلك هو جوهر العدالة لجميع المتعاملين.
هذا وقد وردتني رسالة من أحد " أصحاب السماحة " منذ سنة تقريباً يؤكد فيها على التعامل "بالفائدة" والتي حسب نقله لا تعتبر من الربا ! ولما كانت تلك النصوص منقولة عن مجموعة فتاوى ابن تيمية ... لم أرتح لما عرض علي. فذهبت إلى أحد المشايخ والذي تزخر مكتبته المنزلية بذخائر المراجع، فاستغرب بل استنكر أن ما نقل عن ابن تيمية يكون صحيحاً ! وعكفنا سوياً على مجلدات الفتاوى حتى حصلنا على النص المطلوب بصيغة سؤال وجواب في المجلد التاسع والعشرين (صفحة 235) (المرجع رقم 4) على الوجه التالي :(22/10)
" وسئل يرحمه الله - عن رجل اضطر إلى قرضة دراهم، فلم يجد من يقرضه إلا رجل يأخذ الفائدة ... " وهنا توقف (سماحة) المرسل عند نقطة الفائدة ... " وأردف أن لفظة الفائدة معمول بها، وهي ليست ربا !! ولكنني أرى أن هذه سرقة واضحة، بل إلصاق فتوى غير صحيحة بشيخ الإسلام ابن تيمية ! لأن ما ورد في نص المرجع المذكور أعلاه " ... إلا رجل يأخذ الفائدة، فيأتي السوق يشتري له بضاعة بخمسين، ويبيعها له بربح معين إلى مدة معينة، فهل هي قنطرة الربا ؟ لاحظوا أيها الأخوة تشابه التعريف بربح معين ومدة معينة. ولم يكتف (سماحته) بالسرقة العلمية بل أنه أغفل في رسالته المرسلة إليّ الجواب عن ذلك السؤال وفي نفس الصفحة كالتالي : " فأجاب : إذا اشترى له بضاعة، وباعها له فاشتراها منه، أو باعها للثالث صاحبها الذي اشتراها المقرض منه، فهذا ربا. " والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين في تحريم ذلك كثيرة ... " انتهى النص الصحيح !.
ويبدو أن مصدر هذه السرقة غير العلمية والخالية من الأمانة والمصداقية ليس الجهل بحد ذاته، بل تجاهل متعمد والعياذ بالله.
وهنا أتوقف مرة أخرى في قراءة متأنية في كتاب : معاملات البنوك، وأحكامها الشرعية لفضيلة الشيخ د. محمد سيد طنطاوي (الطبعة 14/ عام 1994) مفتي الديار المصرية سابقاً وشيخ الأزهر حالياً (المرجع رقم 5). لماذا ؟ لأنني بعد إعادة قراءة ما بين السطور أريد أن أصحح ما هو شائع حول إشكالية الفوائد (الربوية) ... ولاحظوا معي أيها الأخوة ثلاثة أمور :
(أ) وجهة نظر للشيخ د. سيد طنطاوي وردت في المقدمة صفحة 5 ... " لذا كان من الحكمة والعقل ألا تعمم الأحكام بأن يقال كل المعاملات التي عن البنوك أو المصارف حلال أو كلها حرام".(22/11)
(ب) آراء متضاربة للجنتين (1) إحداهما شرعية من العلماء وقد انشطرت مواقفهم أو آراؤهم بين مؤيد وبين معارض بشأن " الفوائد المصرفية و (2) أخرى لجنة مصرفية من البنوك التجارية التقليدية والتي بالطبع أيدت التعامل بالفائدة (التجارية) لما فيها من مصلحة ... الخ. والمهم إننا حينما نقرأ وجهات نظر المشاركين في هاتين اللجنتين لا يمثلون بالضرورة التطابق الكلي مع فتوى فضيلة الشيخ د. محمد سيد طنطاوي ... لأنهم يعبرون عن وجهة نظرهم والتي " قد أجازها " فضيلته في حينه باعتبارها وجهة نظر اختصاصيين وخبراء لكون الأصل في المعاملات الترخيص والإباحة، ولكن مشروطة، كما أكد عليها فضيلته أيضاً - جزاه الله خيراً - بخلوها من الكذب والغش والاستغلال والظلم والجهالة والغرر، ومن كل ما حرمه الله تعالى (المقدمة صفحة 5 أيضاً) " وإنني قد اهتممت في هذا الكتاب الحديث ... عن منهج شريعة الإسلام في تحريم الربا الذي هو من الكبائر، والذي يؤدي استحلاله إلى الخروج عن ملة الإسلام " (المقدمة صفحة 6 أيضاً). ومشروطة أيضاً، كما يقول فضيلة د. سيد طنطاوي، بخضوع البنوك ومعاملاتها لأحكام الشريعة الإسلامية (كما ورد بصفحة 251) " ... والتي تعطي كل إنسان حقه سواء أكان مسلماً أم غير مسلم، وتحرم الظلم والغش والربا وغير ذلك من المحرمات سواء أكان التعامل بها مع المسلم أم غير المسلم.(22/12)
(جـ) بالرغم من بعض المتناقضات - والمنقولة كما أرجح عن وجهات نظر اللجنتين الشرعية والمصرفية - فإن توجه فضيلة الشيخ د. سيد طنطاوي إيجابي تجاه الالتزام بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. وهذا التوجه الإيجابي يمكنني أن أبرزه في ملحوظات ثلاث : (1) ما ورد نصاً وإيضاحاً في نفس كتاب : معاملات البنوك وأحكامها الشرعية بالصفحات 90 حتى 93 على وجه الخصوص، (2) وكذلك ما أصدره فضيلته من فتوى بتاريخ 19 فبراير 1989 أي قبل إصدار الكتاب (مرفق أ)، (3) وكذا ما نشرته الصحافة المصرية والخليجية أي أخبار اليوم والأهرام والخليج (الإماراتية) من تصريح حاسم بخصوص " فوائد " القروض الفردية حينما احتدم النقاش في مصر حول مشروع قانون الرهن العقاري خلال اكتوبر 1999 (مرفق ب)، أي بعد إصدار كتابه موضوع الخلاف ففي المرفق (أ)، ورداً على استفسار مواطن مصري عن وضع أمواله في أحد البنوك التي تستخدم شهادات استثمارية : حلالاً أم رباً .. أفاد فضيلته (المفتي في حينه/ فبراير 1989) : لما كان ذلك وكان إيداع الأموال في البنوك أو إقراضها أو الاقتراض منها بأي صورة من الصور مقابل فائدة محددة مقدماً زمناً ومقداراً يعتبر قرضاً بفائدة، وكل قرض بفائدة محددة مقدماً حرام، كانت تلك الفوائد التي تعود على السائل داخلة في نطاق ربا الزيادة المحرم شرعاً بمقتضى النصوص الشرعية ... ".
وأما المرفق (ب) وهو تصريح لفضيلته (باعتباره شيخ الأزهر حالياً/ أكتوبر 1999) حول الاختلاف بشأن " القروض الفردية التي يحصل عليها المواطنون من البنوك لتمويل شراء الوحدات السكنية أو السيارات أو أي شيء آخر تدخل ضمن دائرة الربا أيضاً. ويأتي ذلك التصريح معارضاً للجنة رجال الأعمال (بمصر) والتي كانت تعد مشروع الرهن العقاري " تمهيداً لعرضه على مجلس الشعب المصري.(22/13)
واستكمالاً لما يصدره الإمام الأكبر/ شيخ الأزهر من حكم شرعي مع ما ينقل عنه من تباين وجهات النظر من وقت لآخر - أود أن نقرأ مرة أخرى وبتأن شديد ما ورد في كتابه " معاملات البنوك/ 1994 " بالصفحات 90 حتى 93 (مرفق ج) موضحاً جزاه الله خيراً نماذج أربعة من الربا المحرم شرعاً، ومضيفاً إلى ذلك " تنبيهات هامة منها قول المرحوم د. محمد عبد الله دراز : " أن قضية الربا في زمننا هذا ليست قضية بعدا، وإنما هي قضية تطبيق ".
وإشكالية الفوائد (الربوية) كذلك هي قضية تطبيق، وعقود، ونظم محاسبية، مما يجعل مسألة تحريم الربا بأنواعه أمراً قطعياً لا يحتاج الرجوع إليه ولا حتى تبريره. ولعل العبرة في ذلك كله هي النتائج الوخيمة التي يعاني منها كل مجتمع يتعامل بالفوائد الربوية (لاحظ في هذا تقارير صندوق النقد الدولي، مثلاً. خلال العقود الأربعة الماضية وما تكابده الحكومات الأعضاء من عجوزات مالية ومديونيات متراكمة - بما في ذلك غالبية الدول المنتجة للنفط) بل تمتد تلك السلبيات بكاهلها على الأفراد، فلنقرأ ما نشرته جريدة الخليج بالإمارات صباح يوم 11/3/2000 بعنوان : " الشباب في فخ البنوك (الربوية) " (مرفق د) حينما يبتلى جيلنا الشبابي بأوزار ديون (تمويل) متراكمة بلغت أكثر من 33 (ثلاثة وثلاثين) مليار درهماً.(22/14)
وباختصار شديد فإنني قد قصدت من هذه المراجعة تعزيز منهجية إسلامية واضحة بل متفق عليها (بالإجماع) على حكم شرعي بأنه ما زاد على رأس المال مقابل الأجل وحده ويؤخذ ذلك مقدماً فهو ربا. بما في ذلك قياساً وتطبيقاً للفوائد (الربوية) والتي تشترط في القروض وفي العقود أيضاً. وبالمناسبة إن ما يثار من تبرير الفائدة لاستثمار إنتاجي مقابل آخر استثمار استهلاكي لم يعد مقبولاً حتى ولو تم عرضهما حسبما نقل عن الشيخ الجليل ابن القيم الجوزية بتسمية ربا جلي وآخر ربا خفي. فلو لاحظنا أن هذين النوعين يشتركان في لفظة واحدة ... أي علة واحدة هو الربا بكل أنواعه ... مرة أخرى حسبما أوضحها فضيلة الشيخ د. سيد طنطاوي (المرجع نفسه). وهذا التحريم للفوائد الربوية لا يستند إلى أحكام شرعية فحسب، بل يضاف إليه طريقة احتساب تلك (الفوائد) والتي تزداد أو تنقص من رأس المال، كما أن نتائج هذه المعاملة المحرمة واضحة جلية فيما تتعرض له الدول والشعوب حكومة وأفراداً من محق لا يخفى على أحد في ظل الرأسمالية الجديدة وحيلها !.
الجزء الثاني :
خلاصة الاستبانة :
وزعت الاستبانة (المرفقة) على عدد محدود جداً من المصارف الإسلامية، ومع ذلك جاءت الردود مستوفاة للغرض المطلوب وهو إيضاح نوعية الأنشطة ومستوى الربحية مما يؤكد سلامة واستمرارية المؤسسات المالية الإسلامية فيما تطبقه من معاملات مستخدمة منتجاتها الأصيلة (وليست البديلة) كأدوات تجارية واستثمارية في عصر لم تزل الغلبة فيه للبنوك التجارية التقليدية وما تمارسه من نظام ربوي عالمي في ظل الرأسمالية الجديدة وظاهرة العولمة (الكونية).
أولاً : البنك الإسلامي للتنمية : المصرف الرائد :(22/15)
لقد مر أكثر من 25 عاماً على تأسيس البنك الإسلامي للتنمية مؤكداً (أن هدف البنك الإسلامي للتنمية هو دعم التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي لشعوب الدول الأعضاء والمجتمعات الإسلامية في الدول غير الأعضاء مجتمعة ومنفردة، وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية) - { هذا ما ورد بالتقرير السنوي لعام 1420 (1999/ 2000) صفحة 6 }. ويبرز هذا التقرير الأنشطة المتعددة للبنك الإسلامي للتنمية كما يستعرضها الفصل الخامس منه وهي متعلقة بالاستثمارات والبحوث والتدريب، بالإضافة إلى تمويل التجارة البينية بما في ذلك تأمين الصادرات والواردات جنباً إلى جنب إلى عمليات التمويل والمساعدات الفنية التي بدورها تعتمد المنتجات الإسلامية (كما ورد في الفصل الثالث بالتقرير نفسه). وإدارة البنك الإسلامي للتنمية في جدة وفروعه تعتبر مشاركاً رائداً في الفكر والبحوث والتطبيق والمستجدات النافعة عاماً بعد عام.
والجدول رقم 7 - 9 المقتبس من نفس التقرير صفحة 303 يوضح لنا أهم المعلومات المالية خلال الفترة 1416/ 1420هـ.
(المبالغ بملايين الدنانير الإسلامية)
الإيرادات من :
1416هـ
1417هـ
1418هـ
1419هـ
1420هـ
ودائع الاستثمار مطابقة للشريعة
52
55
59
58
48
تمويل التجارة الخارجية
13
17
19
23
26
الإجارة
4
1
11
20
27
البيع لأجل
14
10
9
19
18
رسوم خدمة القروض
3
8
3
4
9
المساهمة في رأس المال
3
6
7
6
6
الأرباح من بيع الأصول
--
7
--
--
--
الأرباح من الصناديق التابعة
4
--
--
--
--
إيرادات أخرى (بما فيها أتعاب المضاربة)
3
5
4
6
6
إجمالي الدخل
96
109
112
136
140
المصروفات والمخصصات
37
41
53
60
68
صافي الإيرادات
59
68
59
76
72
الأصول :
ودائع حسابات جارية وحسابات تحت الطلب
75
69
52
121
358
ودائع واستثمارات أخرى
1.292
1.339
1.431
1.478
1.049
ودائع واستثمارات أخرى
50
50
53
45
44
استثمارات في صندوق الحصص
110
121
106
115
119
العمليات :(22/16)
تمويل التجارة الخارجية
393
474
485
406
667
الإجارة
116
173
211
257
358
الاستصناع
--
--
11
16
19
البيع لأجل
344
321
363
260
270
القروض
338
386
398
418
487
ناقصاً : مخصصات مخاطر العمليات
(20)
(27)
(35)
(39)
(42)
المساهمة في رأس المال
84
100
95
123
145
أصول أخرى
118
121
175
179
117
إجمالي الأصول
2.900
3.127
3.345
3.379
3.591
الموارد والخصوم :
حقوق المساهمين
2.753
2.956
3.129
3.313
3.495
إيرادات ومستحقات مؤجلة
147
171
216
67
96
إجمالي الموارد
2.900
3.127
3.345
3.379
3.591
النسب المالية (%)
نسبة الدخل الإجمالي إلى مجموع الأصول
3.3
3.4
3.3
4.0
3.9
نسبة الدخل الإجمالي إلى أصول التشغيل
3.8
3.9
3.8
4.7
4.7
صافي الدخل إلى مجموع الأصول
2.0
2.2
1.8
2.2
2.0
العائد من الأصول السائلة
3.8
3.9
4.0
3.5
3.4
نسبة إجمالي المصروفات إلى إجمالي الدخل
38.5
37.8
47.3
44.1
48.09
نسبة إجمالي المصروفات إلى إجمالي الأصول
1.3
1.3
1.6
1.8
1.9
سعر الصرف بين الدينار الإسلامي والدولار الأمريكي
1.444
1.367
1.349
1.357
1.374
ويلاحظ استخدام وحدة الدينار الإسلامي (مقابل الدولار الأمريكي)، دون أي عائق يذكر. ولكن الأهم ملاحظة كفاءة الإدارة للبنك الإسلامي للتنمية ليس في جانب الأصول المتزايدة تدريجياً (ولله الحمد) فحسب، بل أن إجمالي المصروفات مع المخصصات أقل من الدخل مما يعزز المركز المالي للبنك. كما تجدر الإشارة إلى توزيع النسب المئوية المالية في هذا الجدول بما يساوي المعدلات الدولية إن لم تكن أفضل. فنسبة الدخل الإجمالي إلى مجموع الأصول حوالي 4% وكذا صافي الدخل إلى مجموع الأصول بمستوى 2% وبشكل مستقر، وهذه نسبة أعلى قليلاً من المعدل الدولي (ولله الحمد كثيراً) حيث لا يتجاوز عادة 1.5%.
وفيما يلي عرض موجز لأنشطة البنك الإسلامي للتنمية :
(1) تمويل المشروعات حسب القطاعات :
القطاع(22/17)
المبلغ بملايين الدولار/ الأمريكي 1420/ 1999
النسبة %
المرافق العامة (البنية الأساسية)
302.2
31
الخدمات الاجتماعية (تعليم وصحة)
248.7
25
النقل والاتصالات
134.22
14
الزراعة
118.2
12
الصناعة
96.2
10
الخدمات المالية (تمويل ومشاركات)
83.0
8
المرجع : (التقرير السنوي للبنك 1420/ 2000، صفحات 145/ 147).
(2) توزيع التمويل حسب الأدوات (المنتجات * 1420/ 2000)
البيان
النسبة %
البيع لأجل
25.3
القرض الحسن
24.8
الإجارة
23.9
الاستصناع
22.5
التمويل بالمساهمة في رأس المال
2.5
المساعدات الفنية
1.00
المرجع : (التقرير السنوي للبنك 1420/ 2000، صفحة 149).
أما بالنسبة للاستثمار أموال البنك فهي كالتالي :
الجدول رقم (7 - 7)
مكونات الإيرادات الإجمالية للبنك في الفترة من 1416 - 1420هـ
1416هـ
1417هـ
1418هـ
1419هـ
1420هـ
ودائع استثمارات متفقة مع الشريعة الإسلامية
المبلغ
52
55
59
58
48
النسبة المئوية
54%
50%
53%
43%
34%
تمويل تجارة الواردات
المبلغ
13
17
19
23
26
النسبة المئوية
14%
16%
17%
17%
19%
الإجارة والبيع لأجل والاستصناع
المبلغ
18
11
20
39
45
النسبة المئوية
19%
10%
18%
29%
32%
رسوم خدمة القروض
المبلغ
3
8
3
4
9
النسبة المئوية
3%
7%
3%
3%
6%
عمليات المساهمة في رأس المال
المبلغ
3
8
3
4
9
النسبة المئوية
3%
7%
3%
3%
6%
الأصول المباعة لصندوق حصص الاستثمار
المبلغ
-
7
-
-
-
النسبة المئوية
-
6%
-
-
-
الأرباح من الصناديق الفرعية
المبلغ
4
-
-
-
-
النسبة المئوية
4%
-
-
-
-
مصادر أخرى (بما فيها رسوم المضاربة)
المبلغ
3
5
4
6
6
النسبة المئوية
3%
5%
4%
4%
4%
المجموع
المبلغ
96
109
112
136
14
النسبة المئوية
100%
100%
100%
100%
100%(22/18)
ويلاحظ من الجدول أعلاه التركيز على ثلاث شرائح لعامي 1419/ 1420 فتأتي ودائع الاستثمار في مقدمتها، وتليها الإجارة والبيع لأجل مع الاستصناع، ومن ثم تمويل تجارة الواردات .. ولعل هذا يوضح التوجه السليم للبنك الإسلامي للتنمية بالتأكيد على تنوع مصادر إيراداته مع مراعاة التوازن في توزيع المخاطر. لذا فإن البنك يستهدف في عملياته للتنمية خلال الفترة القادمة 1422/ 1424هـ القطاعات التالية :
القطاع
النسبة (%)
الزراعة
20
الصناعة
18
النقل والمواصلات
20
الخدمات العامة (مياه/ كهرباء/ صرف صحي الخ)
20
القطاع الاجتماعي (صحة/ تعليم)
20
أخرى
2
المجموع
100
المرجع : (أوراق خاصة 2001).
ثانياً : بنك فيصل الإسلامي المصري :
ورد في التقرير السنوي (لمجلس الإدارة للفترة المنتهية في 31 ديسمبر 2000) أن بنك فيصل الإسلامي المصري (بالقاهرة) أنه بالرغم من الأوضاع الاقتصادية السلبية على المستويين الإقليمي والعالمي فإن هذا البنك قد استمر في الحفاظ على " جودة الأصول وربحية العمليات وتقديم الخدمات المصرفية المتطورة " (ص 8) مما مكن إدارة البنك من بناء قدر من المخصصات لمواجهة مخاطر التوظيف والاستثمار، وبذلك استطاع " توزيع عائد على المستثمرين بنسبة بلغ متوسطها السنوي 8.89% على الحسابات الاستثمارية متوسطة الأجل بالجنية المصري،(22/19)
و 8.03% على الحسابات الاستثمارية العادية بالجنية المصري، و 4.53% على الحسابات الاستثمارية بالعملة الأجنبية " (ص10). وقد تولدت تلك العوائد من المحافظة على مستوى مناسب من النفقات الجارية مع زيادة المخصصات من جهة، والاستمرار في زيادة مختلف الاستثمارات وفي مقدمتها التوظيفات الاستثمارية وتليها الخدمات المصرفية وكذلك بعض المساهمات. هذا وتشكل أرصدة التوظيف والاستثمار نسبة عالية من ميزانية عام 2000 حيث بلغت 86.23% (صفحة 12). ويحرص بنك فيصل الإسلامي المصري على تنويع خدماته وتقديم التمويل للقطاعات الإنتاجية والخدمية بما يتفق والخطة الاقتصادية/ الاجتماعية للدولة في مصر بصورة خاصة.
ويحتفظ بنك فيصل الإسلامي المصري بصندوق للزكاة بلغت موارده بنهاية ديسمبر 2000 نحو 73.7 مليون جنية مصري منها 25.3 مليون جنيه تمثل الزكاة المستحقة شرعاً على أموال البنك (أي من حسابات المساهمين). وهذه الشريحة من الزكاة " تعتبر من تكاليف الحصول على الأرباح وليست توزيعاً للربح طبقاً لنص المادة (3) من قانون البنك رقم (48) لسنة 1977م، ومن المعلوم أنه يتم استبعاد الأصول الثابتة وما في حكمها من وعاء الزكاة وفقاً للقواعد الشرعية (ص 22). أما بالنسبة لخطة الموازنة التخطيطية لبنك فيصل الإسلامي المصري للعام 2001، فهي تعبر عن أهداف البنك وسياساته مستندة في تقديراتها إلى دراسات لاتجاهات أرقام النشاط خلال السنوات الماضية وكذا الظروف المحيطة المؤثرة على المناخ الاقتصادي والمصرفي العام وقد أظهر مشروع الموازنة الملامح التالية :
(1) زيادة في أرصدة حسابات الاستثمار والحسابات الجارية بنسبة 10% تقريباً عنها في نهاية ديسمبر 2000.
(2) زيادة في عمليات التوظيف المختلفة خلال عام 2001 بنسبة قدرها 11.2% عن أرصدة ذات العمليات في نهاية ديسمبر 2000.(22/20)
(3) زيادة في حجم الإيرادات المتوقعة خلال عام 2001 بنسبة 38.5% عما تحقق من إيرادات خلال الفترة المنتهية في نهاية ديسمبر 2000.
ثالثاً : ومن السودان : نقتطف بعض بيانات كل من :
1 - بنك الشمال الإسلامي :
السنة/ القطاع
الصادر
التجارة المحلية
الزراعة
الصناعة
النقل والتخزين
الحرفيين والمهنيين
الجملة
13/12/98
54%
3%
ش 36%
5%
--
2%
100%
31/12/99
55%
11%
26%
3%
1%
4%
100%
31/12/2000
44.7%
31.5%
9.5%
9.2%
2%
3.1%
100%
2 - نسبة توزيع التمويل حسب الصيغ التمويلية :
الجملة
أخرى
السلم
المرابحة
المشاركة
السنة/ الصيغة
100%
58%
2%
6%
34%
31/12/98
100%
53%
2%
7%
38%
31/12/99
100%
25.1%
1.4%
12.7%
60.8%
31/12/2000
3 - نسب تطور الأرباح :
أرباح المساهمين
أرباح المستثمرين
السنة
- 72%
14%
1998
344%
012%
1999
60%
31%
2000
4 - الموظفون بمستوياتهم الثلاث :
النسبة
العدد
11.3%
38
الإدارة الرئيسية
43%
145
الإشرافية والرقابة
7.45%
154
بقية الموظفين
100%
337
الجملة
5 - مخطط للتمويل نسبة زيادة قدرها 4% و 20% للعامين 2001 و 2002 على التوالي. أما توزيع التمويل بين القطاعات الاقتصادية فيخضع للسياسة التمويلية التي تصدر سنوياً عن بنك السودان المركزي.
ب - وتبرز إحصاءات بنك التضامن الإسلامي التالي :
النسبة (%)
القطاع
41%
الصادر
34%
الصناعي
13%
الزراعي
6%
التجارة المحلية
3%
المهني
2%
النقل والتخزين
1%
الحرفيين وصغار المنتجين
100%
الجملة
2 - الصيغ/ الأدوات المستخدمة والنسب الخاصة بها من إجمالي التمويل الممنوح :
النسبة (%)
الصيغة
37.3%
المشاركات
34.2%
المرابحات
2.5%
السلم
26%
أخرى
3 - تطور نسبة الأرباح المحققة خلال الثلاث سنوات الماضية :
(أ) حقوق أصحاب حسابات الاستثمار المطلقة :
2000
99
98
العام
6862
5877
4655
المبالغ
(ب) إجمالي الأرباح :
2000
99
98
العام
479
301
314
المبالغ(22/21)
5 - كم عدد موظفي المصرف بمستوياتهم الثلاث (الإجمالي = 499).
النسبة
العدد
1.40%
7
1 - الإدارة الرئيسية
6.41%
32
2 - الإشرافية والرقابية
92.18%
460
3 - بقية الموظفين
كما يقوم بنك فيصل الإسلامي بتمويل قطاعات التنمية (زراعية - صناعية - استثمارات مالية/ عقارية/ خدمية .. الخ) حسب جدوى المشروعات التي تقدم وحسب الظروف الاقتصادية السائدة في حينها وفقاً لتوجهات السياسة التمويلية التي يصدرها البنك المركزي السوداني.
التعليق : وكما هو واضح أن البنوك الإسلامية المرخصة في السودان تخضع لتوجهات بنك السودان المركزي الذي يحدد حسب نظام الاقتصاد الموجه للقطاعات التي تحظى بالتمويل باعتبارها أولويات التنمية الاقتصادية. ومن هنا نلاحظ تشابه الأنشطة التي تمولها البنوك العاملة بالسودان مع اختلاف نسب التمويل خلال السنوات الثلاث 1998/ 1999/ 2000 التي تشملها هذه الدراسة (لاحظ الجدول رقم 1 في كل منهما) ويوضح الجدول رقم 2 في كلا البنكين تشابه صيغ أدوات التمويل أيضاً والتي تنحصر في المشاركة والمرابحة والسلم (البيع لأجل) وأخرى مثل الإجارة والاستثمار المباشر. ويلاحظ أيضاً أهمية تمويل الصادرات (إلى الخارج) مع ازدياد مضطرد لقطاع الزراعة كون السودان بلداً زراعياً أو ما يطلق عليه مزرعة العرب ! وإذا قارنا نسب صيغ التمويل أي الأدوات أو المنتجات في التسعينات تناقصاً نسبياً بجانب المرابحات مقابل سنوات الثمانينات مع صعود تدريجي في صيغ الاستثمارات المباشرة محليات وفي الخارج مما يدل على مشاركة البنوك الإسلامية في قطاعات التنمية بما في ذلك تشجيع الحرفيين وصغار المنتجين للأهمية. وهذا يتسق والاهتمام بالتمويل المحلي/ الداخلي بنسبة 59% مقابل تمويل التجارة (الخارجية) بنسبة 41% من إجمالي تمويلات بنك التضامن الإسلامي.(22/22)
رابعاً : وفي حالة مملكة البحرين : حيث تتبع نظام الاقتصاد الحر تبرز بيانات بنك البحرين الإسلامي تنوعاً أوسع في جانبي القطاعات الممولة وكذلك في الأدوات الاستثمارية. فبالنسبة للتمويل يحظى القطاع المالي بنسبة عالية تصل إلى 73.2% بنهاية عام 2000 ويليه القطاع العقاري بينما تختفي هنا شريحة القطاع الزراعي ! وهذا التنوع ينطبق على تعدد الأدوات الاستثمارية (كما ورد في ثانياً) مع التركيز على صيغة المرابحة بنسبة تصل إلى 80% تقريباً مما يؤكد على القطاع التجاري قصير الأجل. وبالطبع فإن هذه النسبة العالية جداً غير مشجعة خاصة وأن توصيات المؤتمرات ذات العلاقة خلال منتصف الثمانيات قد قررت تخفيض حصة المرابحة إلى النصف لترتفع صيغ التمويل الأخرى بقصد المشاركة في القاعدة الإنتاجية للتنمية أو على الأقل زيادة حصة المشاركة بأنواعها بما فيها المضاربة. ومن الملاحظ ثبات ربحية المساهمين بواقع 10% مع تقارب أرباح المستثمرين في أدوات مختلفة متعددة الآماد. كما توضحها البيانات التالية :
1 - توزيع التسهيلات حسب قطاعات التنمية ونسبتها لإجمالي التسهيلات :
النسبة المئوية
القطاع
73.2%
القطاع المالي (مؤسسات مالية/ مرابحات في سلع دولية)
13.3%
القطاع العقاري
10.3%
القطاع التجاري
2.5%
قطاع النقل والمواصلات
0.7%
أخرى
100%
المجموع
2 - الأدوات الاستثمارية التي يطبقها البنك في عملياته :
النسبة المئوية من إجمالي التسهيلات
الأداة الاستثمارية
79.9%
المرابحة
6.0%
استثمارات في أوراق مالية
4.9%
المضاربة
3.4%
استثمارات في موجودات الإجارة
2.9%
استثمارات في عقارات
2.2%
المشاركة
0.7%
استثمارات في شركات زميلة
100%
المجموع
3 - تطور نسبة الأرباح المحققة خلال السنوات الثلاث الماضية :
1420هـ
(الموافق 5/4/2000)
1419هـ
(الموافق 16/4/1999)
1418هـ
(الموافق 26/4/1998)
أ - المودعين (المستثمرين) :
3.25%
3.2%
4%
- حساب التوفير
4.8%
4.22%
5%(22/23)
- الودائع المحددة (أقل من سنة)
5.1%
4.29%
5.25%
- الودائع المستمرة (أكثر من سنة)
5.75%
5.1%
5.72%
- شهادات الاستثمار (ثلاث سنوات)
5.75%
5.1%
5.72%
- صناديق الشفاء والتعليم (7 سنوات فأكثر)
10%
10%
10%
ب - المساهمين
خامساً : وحينما ننتقل إلى الأردن نلاحظ نضج تجربة البنوك الإسلامية وتكيفها مع متطلبات المجتمع والذي أيضاً يأخذ بنظام الاقتصاد الحر، ومع ذلك استطاع البنك الإسلامي الأردني أن يستحدث عمليات مصرفية متوازنة حققت له مكان الريادة بين البنوك العاملة في الأردن. فجاء ترتيب البنك الإسلامي الأردني الثالث حسب قيمة السهم الدفترية لعامي 1998، 1999 وكذلك ترتيبه الثالث حسب قيمة الأسهم وفقاً لأسعار إغلاق السوق المالي حتى نهاية سبتمبر عام 2000 (المراجع دراسة مقارنة للبنوك الأردنية لعامي 1998/ 1999 الجدولان 54 و 56). وحسب المصروفات الإدارية إلى الموجودات ترتيبه الثامن (جدول رقم 48/ نفس المرجع) ونسبة الأرباح قبل الضريبة إلى رأسمال كان ترتيبه الثامن لعام 1998 والتاسع لعام 1999 (الجدول 38)، وكان ترتيبه الأول (1998) الجدول 38 بالنسبة إلى التوظيفات المالية والاستثمارية إلى الموجودات وكذلك الثاني في عام 1999. وعلى وجه الإجمال فإن ترتيب البنك الإسلامي الأردني حسب حجم الموجودات الثالث، وكذا حسب ودائع العملاء، ونفس الترتيب حسب حجم التوظيفات المالية والاستثمارية، والمرتبة الرابعة حسب حجم حقوق المساهمين، والمرتبة السابعة حسب رأس المال، أما بالنسبة لصافي الأرباح قبل الضريبة فكان ترتيبه الرابع عام 1998 وثم الثامن عام 1999، وحسب الأرباح المقترح توزيعها على المساهمين فكان ترتيبه الثالث والثامن لعامي 1998 و 1999 والتي بلغ متوسط النسبة 4.7% على العملة المحلية ومتوسط 4% على العملة الأجنبية. وهذه كلها مؤشرات توضح على قدرة أحد البنوك الإسلامية للمنافسة جنباً إلى جنب مع البنوك التجارية التقليدية وفي نظام(22/24)
غير إسلامي، وذلك حسبما توضحه الجداول التالية للسنوات 1998/ 1999/ 2000 .
جدول (1)
رصيد التمويل والاستثمار المشترك في نهاية السنوات 1998 - 1999 - 2000
موزعاً على القطاعات الاقتصادية المختلفة : (المبالغ بآلاف الدنانير)
1998
1999
2000
القطاع
الأهمية النسبية
المبلغ
الأهمية النسبية
المبلغ
الأهمية النسبية
المبلغ
10.46%
44.274
7.67%
30.894
5.44%
21.271
الصناعة والتعدين
11.30%
47.815
13.20%
53.157
12.64%
49.453
التجارة العامة
22.51%
95.290
23.56%
94.860
24.58%
96.189
الإنشاءات
0.37%
1.570
0.34%
1.386
0.32%
1.242
الزراعة
6.02%
25.496
7.46%
30.025
8.74%
34.190
خدمات النقل
49.34%
208.857
47.77%
192.372
48.28%
188.937
أغراض أخرى
100%
423.302
100%
402.694
100%
391.282
المجموع
* تشمل الاستثمار المباشر والمبالغ (91.818)، (90.981)، (90.331) ألف دينار للسنوات 2000، 1999، 1998 على التوالي.
جدول (2)
رصيد التمويل والاستثمار المشترك في نهاية السنوات 1998 - 1999 - 2000 موزعاً على صيغ التمويل والاستثمار المختلفة : (المبالغ بآلاف الدنانير)
1998
1999
2000
القطاع
الأهمية النسبية
المبلغ
الأهمية النسبية
المبلغ
الأهمية النسبية
المبلغ
62.5%
264.520
63.5%
786.255
61.8%
728.241
المرابحة
2.6%
10.872
2.8%
11.376
3.1%
12.049
المشاركة المتناقصة
0.2%
1.009
0.1%
526
0.0%
0
المضاربة
0.7%
2.955
0.7%
2.931
0.7%
2.729
البيع بالتقسيط
0.9%
3.637
0.9%
3.468
0.8%
3.295
الإيجار المنتهي بالتمليك
21.3%
90.331
22.6%
90.981
23.5%
91.818
الاستثمار المباشر
11.8%
49.978
9.3%
37.625
10.1%
39.664
استثمارات خارجية
100%
423.302
100%
402.694
100%
391.282
المجموع(22/25)
3 - بخصوص الزكاة، فإن البنك لا يتولى إخراج الزكاة عن أموال المساهمين تطبيقاً لفتوى المستشار الشرعي للبنك التي جاء فيها، أن مسئولية إخراج الزكاة تقع على المساهمين، حيث أن البنك غير مخول بحسب القانون أو النظام أو القرارات بإخراج الزكاة مباشرة عن موجودات البنك. لذا على المساهم حين توافر شروط الزكاة، التزكية عن الأسهم بحسب النية عند المساهمة بإخراج الزكاة عن الأصل والربح إن كانت نيته عندئذ المتاجرة أو عن الربح فقط إن كانت نيته الاقتناء ".
4 - نسب توزيع الأرباح على المودعين وعلى المساهمين للسنوات 1998 - 1999 - 2000 :
نسبة توزيع الأرباح على المساهمين
النسبة العامة لتوزيع الأرباح على المودعين بالعملة الأجنبية
النسبة العامة لتوزيع الأرباح على المودعين بالعملة المحلية
السنة
7%
3.56%
5.61%
1998
--
3.93%
4.26%
1999
5%*
4.18%
4.32%
2000
* بالإضافة إلى توزيع أسهم مجانية بنسبة 75% من رأس المال على المساهمين.
5 - تصنيف موظفي البنك بتاريخ 30/ 6/ 2001م حسب مستوياتهم الإدارية :
النسبة
العدد
المستوى الإداري
5%
68
1) الإدارة الرئيسية
37%
542
2) الإشرافية والرقابية
58%
838
3) بقية الموظفين
100%
1448
المجموع
- نسبة المؤهلين من الموظفين في معاملات البنك الإسلامي : (71%) و (29%) يعملون مراسلين وحراس وعمال نظافة.
6 - يلبي البنك طلبات التمويل التي تقدم إليه، مع إعطاء أولوية للأنشطة والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية القادرة على توليد سلع وخدمات ذات نفع عام حقيقي للناس ولحياتهم المعيشية، ولها انعكاسات مفيدة على مختلف جوانب الاقتصاد الوطني، وبصرف النظر عن القطاع الذي ينتمي إليه التمويل.
سادساً : إضافة للحالات الأخرى دعونا نلقي نظرة عن حالة بيت التمويل الكويتي :(22/26)
أورد رد بيت التمويل الكويتي على الأسئلة الستة للاستبانة مع إضافة الأرقام الخاصة بتطور الأرباح (البند رابعاً) المسجلة في التقارير السنوي 1998/ 1999/ 2000 وهي على التوالي (وهي أرباح نقدية للمساهمين) بواقع 36% و 40%
و 42% بالإضافة إلى توزيع أسهم منحة بمعدل 6% من رأس المال المدفوع عن السنوات الثلاث للفترة ذاتها :
1 - قطاعات التنمية التي يمولها بيت التمويل الكويتي هي :
- التجارة والأعمال التجارية.
- العقارات.
- الإنشاءات.
- الخدمات.
- الزراعة.
- الصناعة.
2 - الأدوات الاستثمارية التي يطبقها بيت التمويل الكويتي في عملياته هي المرابحة ويحتل نشاط المرابحة الجزء الأكبر بما لا يقل عن 60% من نسب التمويل والباقي موزعاً على الأنشطة الأخرى بنسب متقاربة مثل :
- الاستصناع.
- الإجارة.
3 - للزكاة لجنة خاصة لدى بيت التمويل الكويتي تتبع الإدارة العليا تحت اسم (لجنة الزكاة وخدمة المجتمع) وهي إحدى الجان المنبثقة عن اللجنة التنفيذية بمجلس إدارة بيت التمويل الكويتي وقد صدر قرار مجلس الإدارة بتشكيلها في يوم الاثنين 10 جمادي الأولى 1401هـ الموافق 16 مارس 1981م، وتختص اللجنة بالأمور التالية :
- وضع السياسة العامة للجنة الزكاة وخدمة المجتمع.
- الإشراف على توجيه أموال زكاة بيت التمويل الكويتي لمصارف الزكاة الشرعية.
- القيام بالمشروعات الخيرية التي تخدم المجتمع والمشروعات التي تخدم المسلمين بالخارج.
- التعاون مع مختلف المؤسسات الرسمية والأهلية المعنية بالنشاط الخيري التطوعي.
- تقديم المعونات والمساعدات التي تصرف في أوجه الخير والبر العام.
- توعية عملاء بيت التمويل الكويتي بفريضة الزكاة وأسلوب حسابها ومصارفها الشرعية.
- دعم الدراسات المتعلقة بالعقيدة الإسلامية ونشرها وكذلك دعم الدراسات والأبحاث الفقهية والأبحاث المتعلقة بالمصارف وشركات الاستثمار الإسلامية وفقاً لأحكام الشريعة الغراء.(22/27)
- الدعوة للتبرع لإنشاء المشروعات الخيرية التي تساهم في لجنة الزكاة وخدمة المجتمع والدعوة لدعم موارد اللجنة وتوسيع نشاطاتها.
4 - تطور نسبة الأرباح المتحققة خلال الثلاث السنوات الماضية (1998 - 2000) (لاحظ أعلاه صفحة 26).
5 - عدد موظفي المصرف بمستوياتهم الثلاث = 1244 موضحاً كالتالي :
النسبة
العدد
البيان
مسلسل
2.6%
33
الإدارة الرئيسية
1
10.8%
135
الإشرافية والرقابية
2
86.4%
1076
بقية الموظفين
3
100.0%
1244
الإجمالي
6 - بالنسبة لخطة بيت التمويل الكويتي في خدمة قطاعات التنمية فلا شك أن القطاع العقاري والدولي والاستثمارات المالية والخدمة تشكل عنصراً أساسياً في توسعات بيت التمويل الكويتي وكذلك التوجهات الدولية والمحافظ الاستثمارية والعقارات الدولية.
وأنه مع استمرار المرابحة بنسبة عالية تصل حوالي 62% من بين صيغ/ أدوات التمويل، إلا أن هناك تصاعداً ملحوظاً لصالح الاستثمار المباشر وكذلك الاستثمارات الخارجية، وذلك ما توضحه النسبة المتزايدة بحوالي 48% في قطاع الأغراض الأخرى المتمثلة في الاستثمار بأنواعه.
سابعاً : وللإجابة عن : كيف نجحت البنوك الإسلامية في شق طريقها إلى المعاملات المصرفية العالمية، نستعرض باختصار تجربة البنك الأهلي التجاري السعودي في تحويل شريحة كبيرة من فروعه للعمل بأحكام الشريعة الإسلامية ومعاملاتها مع الحفاظ على قدر من الفاعلية والربحية والاستقرار المؤسسي. ولقد تم ذلك التحول تحت مظلة من مجموعة ضوابط متكاملة تكاملاً عضوياً، وبمنهجية علمية ميدانية واضحة. وتشمل ضوابط العمل (المصرفي الإسلامي) :
(1) الشرعية.
(2) القانونية/ النظامية.
(3) المالية والمحاسبية.
(4) الفنية والعملياتية.
(5) الإدارية/ التنظيمية.(22/28)
وخلال ثلاث سنوات من التجربة الميدانية (1988/ 1990) تم استحداث أول فرع متخصص للخدمات والمنتجات المصرفية الإسلامية. وبعد ذلك بعامين تم إنشاء إدارة مستقلة عام 1992 بهدف تطوير العمل المصرفي الإسلامي، والذي كان يرتكز على عاملين أساسين هما : رؤية (خطة) واضحة وكفاءة بشرية مدربة متطورة لضمان نوعية الإدارة. وهكذا اتسمت منهجية العمل بثلاثة قواعد :
(6) التدرج في التطبيق.
(7) الالتزام الشرعي التام.
(8) التخطيط العلمي لضمان الربحية التجارية بما في ذلك تطوير كفاءة الموظفين، ونوعية التسويق المتصل بحاجات الزبائن وتعاونهم الوثيق من خلال دراسات ميدانية متكررة تعمل كتغذية راجعة.(22/29)
هذا بالإضافة إلى الاستفادة من البيوت الاستشارية المتخصصة لتطوير المنتجات المعروضة على الجمهور وذات ميزة نسبية في السوق لكي تحافظ المؤسسة الإسلامية على الصورة الانطباعية الممتازة دون إخلال في النوعية ولا تراجع في الربحية. ولعلنا هنا نتوقف عند أهمية الضوابط المالية وسلامتها بالإضافة إلى تبني المعايير المحاسبية الإسلامية. ولما كان مبدأ المشاركة في الربح هو الأساس في صناعة الصيرفة الإسلامية، فإن ذلك يستتبع بالضرورة أن يقوم التعامل بين كل الأطراف المشاركة في المشروع على أسس واضحة للإفصاح والشفافية عن النتائج المالية. وفي هذا أكد الدكتور سعيد المرطان (المستشار التنفيذي خلال 1999) أنه على الرغم من أن عدداً من الفروع التي تم تحويلها فإنه بحمد الله قد تم تحويلها جميعاً لتصبح فروعاً مربحة، وذلك بالرغم من صغر حجمها .. " لذا تعتبر تجربة البنك الأهلي التجاري مدخلاً خاصاً في التحويل التدريجي لتطوير وتنمية العمل المصرفي الإسلامي ... وبشكل متكامل بضوابط أهمها الالتزام الكامل والتام بالتطبيق الشرعي لكل المعاملات المصرفية من خلال هيئة للرقابة الشرعية، وسلامة التخطيط وإعداد العناصر البشرية والفصل المالي والمحاسبي والإداري عن إدارة البنوك التجارية التقليدية، بالإضافة إلى متابعة ميدانية لضمان الضوابط الفنية بقصد تطوير النظم والسياسات والإجراءات بأساليب علمية وعملية متطورة تغذيها مراجعة مستمرة وتقويم ذاتي متكررة يكفل لها النجاح المنشود (المرجع رقم 6 : محاضرة د. سعيد المرطان حول ضوابط الخدمات المصرفية الإسلامية).
ما علاقة المصارف الإسلامية بالتنمية ؟(22/30)
لعل ما أوردته في الصفحات أعلاه من نماذج من المصارف الإسلامية وفي مناطق مختلفة يعطينا مدخلاً أساسياً للدور الذي تقوم المؤسسات/ المصارف الإسلامية من أدوات تمويل متعددة متطورة تخدم عدداً من القطاعات الاقتصادية مع التوجه إلى توسعة القاعدة الإنتاجية. والسؤال المتكرر الذي يفرض نفسه هل نجحت المصارف الإسلامية في تحقيق أهدافها من جهة، وفي خدمة التنمية عامة والتنمية الاقتصادية بصورة خاصة ؟
إن استمرارية تطور المصارف الإسلامية خلال العقود الثلاثة الماضية مع معدل نمو متسارع يتراوح بين 15% إلى 45% سنوياً أكبر دليل على نجاح المصارف الإسلامية وذلك بالرغم من عدم توفر المناخ الاستثماري الملائم لطبيعتها ومقاصدها. أضف إلى ذلك تحول عدد من البنوك التجارية التقليدية إلى النظام المصرفي الإسلامي عن طريق نوافذ إسلامية أو عن طريق استحداث مصارف إسلامية مستقلة في رأسمالها وإداراتها مثل سيتي بنك أو البنك الأهلي التجاري السعودي.
وباختصار شديد فإن طبيعة المصرف الإسلامي أقرب ما تكون إلى نمطية المصارف الشاملة بحيث تستطيع أن تتكيف مع متطلبات التنمية، كما تتمكن من مسايرة المستجدات المصرفية فنياً وآلياً ومحاسبياً مما يجعلها ليس بديلاً بل مؤسسية أصيلة لأنها تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها وضوابطها للأهمية.(22/31)
وفي هذا السياق نذكر أنفسنا بأن المصارف الإسلامية هي جزء من منهجية الاقتصاد الإسلامي الذي يختلف جذرياً عن الأنظمة الاقتصادية الأخرى بما في ذلك نظام الاقتصاد الرأسمالي الحر السائد مع هيمنة العولمة. وأوجه الاختلاف جوهرية من حيث القواعد والضرورات وأهمية الأولويات وآليات الضوابط، ومنظومة القيم في المعاملات والتي جميعها مرتبطة ومقترنة بمقاصد الشريعة الإسلامية. فمثلاً حينما نذكر التنمية تتبادر إلى أذهاننا التنمية الاقتصادية أولاً وما يتعلق بها من ماديات لها مقاييسها بمعدلات نمو ونسب مقننة وأغراض محددة تجعل من الإنسان خادماً للمال. بينما من أولويات الاقتصاد الإسلامي التنمية الاجتماعية أي الاهتمام بالإنسان ومجتمعه وبيئته بما يتفق ومقاصد الشريعة الإسلامية. أي التنمية الاجتماعية (الإنسان ومجتمعه) أولاً فالتنمية الاقتصادية، وذلك حسبما كرمه الله سبحانه وتعالى على جميع مخلوقاته.
وإذا نظرنا إلى عناصر الإنتاج التقليدية من موارد بشرية ورأسمال وموارد طبيعية، فإننا نضيف بعداً رابعاً من الملكية لله وحده فيقتضي ذلك أن تربط الأنشطة الاقتصادية بمنظومة من القيم تستهدف توفير مجتمع الكفاية والأمن (سورة قريش مثلاً) مع التأكيد على أولوية الضرورات فالحاجات فالكماليات.(22/32)
وكذا فإن مبدأ الاستخلاف الذي بدوره يؤكد على الإنتاجية، أي ترجيح جانب العرض أولاً يقابله جانب الطلب أي الاستهلاك ... ومع ذلك فإن بين الإنتاجية والاستهلاك اعتدال في الجانبين حيث تنزع الإنتاجية إلى الحد الأمثل طبقاً لمتطلبات التنمية في زمنكية معلومة، وليست بالضرورة مدها إلى الحد الأقصى كما يجري في مجتمعات الرأسمالية عامة وفي مجتمع الرأسمالية الجديدة خاصة. وهذه الأخيرة تبالغ في الإنتاجية لتغرق المجتمعات في الاستهلاكية المفرطة والتي يعارضها المنهج الإسلامي بالتأكيد على وسطية حسبما وردت في الآية : ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما (. (الفرقان/ 67).(22/33)
وعليه فإن مقولة محدودية الموارد الطبيعية للإنتاج (المرجع رقم 7) (كما أعلنها نادي روما عام 1972) تتضاءل من منظور الاقتصاد الإسلامي حينما يحسن البشر استثمار جانبي التنمية بالتأكيد على الإنتاج مع اعتدال في الاستهلاك ... بل الأهم من ذلك ضرورة العدالة في التوزيع. وفي هذا يذكرنا المرحوم الشيخ محمد متولي الشعراوي بالآية : ( والأرض وضعها للأنام (، أي اقتصادياتها ذاتية لها جذورها في منهجية الاقتصاد الإسلامي ومؤسساته. لاحظ هنا التأكيد على عدالة التوزيع لا في فقه الأولويات فحسب، بل بوسائل وأقنية متنوعة نذكر منها الزكاة وعلم الفرائض، والوقف، والصدقات ... الخ، حتى تلتقي جميعها في أسلوب/ مبدأ المشاركة في المعاملات الاقتصادية على اختلافها، كل ذلك مع المحافظة على التوازن بين الملكية الجماعية والملكية الفردية، وكذا ربط المصلحة الشخصية مع المصلحة العامة في سبيل مجتمع التكافل والعدالة، وفي هذا أصدر الدكتور / الأستاذ عمر شبرا في منتصف الثمانينات مؤلفه بعنوان : " نحو نظام نقدي عادل " (المرجع رقم 8) باعتباره خال من فائدة الربا، موضحاً أيضاً سلبيات الفوائد الربوية (ذات النسب الثابتة) على حجم الاستثمارات وريعها وذلك في حالة ارتفاع نسب الفوائد على المستثمرين، وكذا في حالة انخفاضها تكون وبالاً على أصحاب المدخرات (شبرا صفحات 115 و 116) وفي كلتا الحالتين تشكلان خسارة في استخدام تكوين رأس المال.(22/34)
وفي أكثر من صحيفة يومية عربية أبرزت دراسة للدكتور هنري عزام، خبير الأسواق المالية، تراجعاً في حجم الاستثمارات العربية السائلة بمقدار 200 (مائتي) مليار دولار أي من 900 مليار انخفضت إلى 700 مليار خلال الفترة من بداية عام 2000 حتى منتصف عام 2001 ! وأرجح أن تكون الخسارة أكبر من هذا الرقم إذا أخذنا العوامل التالية خلال نفس الفترة ومن أهمها : تراجعه سعر صرف الدولار أمام العملات الأخرى، وانخفاض سعر الفائدة سبع مرات خلال العام الحالي كما أعلنها رئيس البنك الاتحادي الأمريكي (المركزي) علماً بأن أغلب الأموال العربية مستثمرة في الودائع والتي انخفضت بما لا يقل عن 50%، وكذا انخفضت معدلات العائد على الأسهم عامة إذ يقدر د. عزام خسارة تصل إلى 4 ترليون دولار أي ما يعادل 40% من الناتج المحلي للولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن خسارة أكبر في أسهم ناسداك لشركات التقنية والتي قد انخفضت بما لا يقل عن 70% ... وهذه جميعها مؤشرات سلبية للأسواق الدولية غرباً وشرقاً كذلك، مما يستدعي التوقف لإعادة النظر في سياساتنا الاستثمارية (إن وجدت) لأن الأوضاع الحالية ما زالت تؤدي إلى مزيد من تآكل مدخراتنا ورؤوس أموالنا.
وفي كتاب " المدخل إلى الاقتصاد الإسلامي المقارن " (المرجع رقم 9) يفرد المؤلفان د. صديق عثمان (السودان) ود. محمد رابوي (الإمارات) فصلاً خاصاً باختيار درجة المخاطرة في المشاركة والمضاربة في النظام المصرفي الإسلامي (الصفحات 284/ 302) حسب الجدولين التاليين :
جدول (8.5)
يبين طريقة التمويل بالأسهم فقط وطريقة التمويل بالأسهم والاقتراض معاً
الشركة ص
الشركة س
1.000.000
صفر
رأس المال بالأسهم (السهم = 1)
1.000.000 درهم
صفر
رأس المال بالاقتراض بمعدل فائدة ثابتة (12% سنوياً)
سنة النشاط الاقتصادي المنخفض
سنة النشاط الاقتصادي المتوسط
سنة الرواج الاقتصادي
سنة النشاط الاقتصادي المنخفض(22/35)
سنة النشاط الاقتصادي المتوسط
سنة الرواج الاقتصادي
معدل النشاط الاقتصادي
6%
14%
28%
6%
14%
28%
معدل الربح على رأس المال
120.000
280.000
560.000
120.000
280.000
560.000
إجمالي الأرباح
120.000
120.000
120.000
صفر
صفر
صفر
حجم الفائدة
صفر
160.000
440.000
120.000
280.000
560.000
الأرباح قبل الضرائب
صفر
64.000
176.000
48.000
112.000
224.000
الضرائب (40%)
صفر
96.000
264.000
72.000
168.000
336.000
الأرباح الصافية بعد الضرائب
صفر
9.6 فلوس
26.4 فلساً
3.6 فلوس
8.4 فلوس
16.8 فلساً
الربح لكل سهم
جدول (8.6) يبين طريقة التمويل بالأسهم والاقتراض معاً
الشركة هـ
الشركة ع
400.000 درهم
1.600.000 درهم
رأس المال بالأسهم (السهم = 1)
1.600.000 درهم
400.000 درهم
رأس المال بالاقتراض بمعدل فائدة ثابتة (12% سنوياً)
سنة النشاط الاقتصادي المنخفض
سنة النشاط الاقتصادي المتوسط
سنة الرواج الاقتصادي
سنة النشاط الاقتصادي المنخفض
سنة النشاط الاقتصادي المتوسط
سنة الرواج الاقتصادي
معدل النشاط الاقتصادي
6%
14%
28%
6%
14%
28%
معدل الربح على رأس المال
120.000
280.000
560.000
120.000
280.000
560.000
إجمالي الأرباح
192.000
192.000
192.000
48.000
48.000
48.000
حجم الفائدة
72.000
88.000
368.000
72.000
232.000
512.000
الأرباح قبل الضرائب
صفر
35.200
147.200
28.800
92.800
204.800
الضرائب (40%)
72.000
52.800
220.800
43.200
139.200
307.200
الأرباح الصافية بعد الضرائب
- 18 فلساً
13.2 فلساً
55.2 فلساً
2.7 فلوس
8.7 فلوس
19.2 فلساً
الربح لكل سهم(22/36)
وخلاصة هذه البيانات أن الجدول رقم 8.5 " أنه في السنوات ذات النشاط الاقتصادي المنخفض (الركود) تؤدي أعباء الفوائد على رأس المال المقترض إلى انخفاض الأرباح المحققة قبل دفع الضرائب بشكل كبير جداً قد يصل إلى الصفر، أو حتى قد يؤدي إلى خسائر، في حين أن الشركة التي لم تقترض إطلاقاً لا تظهر لديها مشكلة أعباء الفوائد على القروض (صفحة 297). وهذا ما حصل من خسائر فادحة من بداية عام 2000 حتى تاريخه.
والجدول رقم 8.6 يوضح أن وضع الشركة هـ والتي تعتمد على اقتراض 80% في معاملاتها يزداد سوءاً بسبب أعباء الفوائد المركبة " أما المصرف الإسلامي الذي يفترض أن يقوم على نظام المشاركة والمضاربة فوضعه أشبه ما يكون بوضع الشركة (س) ... أي وضعه أفضل في حالة الركود من وضع المصرف غير الإسلامي في علاقتهما بالمودعين (المستثمرين خاصة)، وذلك إذا نجح المصرف الإسلامي في إدارة واستثمار الأموال التي لديه بشكل جيد " (ص 300).
وكخلاصة " أن الشركات التي تركز على طريقة التمويل بالمشاركة هي الأكثر استقراراً (صفحة (302) فقد وصل الربح لكل سهم في الشركة (ص) فوصلت بعضها إلى الإفلاس، وذلك باستخدامها عبارة " محدودة المسئولية " ... وهذه " يافطة " اعتبرها علماء الغرب دليلاً على " انعدام الشرف في المعاملات (ص 302 أيضاً).
الخلاصة :
إن إشكالية التنمية قد تحولت إلى أزمة اقتصادية تتكرر بين فترة وأخرى ربما ابتداء من ركود عام 1939 مروراً بالركود التضخمي منتصف الثمانينات بما في ذلك يوم الاثنين الأسود 10 أكتوبر 1987 حتى عامي 2000 و 2001 حيث طالت فترة الركود وتفاقمت الخسائر في مختلف الأنشطة الاستثمارية ... فالسؤال : لماذا وإلى أين تتجه الأزمات الاقتصادية والمالية ؟ وبكلام آخر هو أقرب إلى موضوع هذه الدراسة : ما هو دور المصارف الإسلامية في التنمية ؟(22/37)
ليس من السهل الإجابة عن مثل هذا السؤال والعالم كله تقريباً يسير في ركب هيمنة الرأسمالية الجديدة والتي من أبرز معالمها اقتصاديات السوق التي انتهجت تحرير القوانين أي تخفيف الضوابط، وهذا بالإضافة إلى العولمة (الكوكبية) بأجهزتها الثلاث (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الدولية) عابرة القارات. وهذه كلها بيد وإدارة فئة صغيرة قد لا تتجاوز نسبتها 5% من سكان العالم، حيث يمتلك مالا يزيد 20% مقدرات أكثر من 80% من معيشة الكون البشري. فقد ورد في تقرير التنمية البشرية لعام 1999 (صفحة 214) " يشكل أغنى الأغنياء 20% من السكان ويحصلون على 82.7% من مجموع دخل العالم، ويشكل أفقر الفقراء نسبة 20% ويحصلون على 1.4% من مجموع دخل العالم " ! اختلال واضح تسيطر عليه العولمة بكل أنواعها بما في ذلك التقنية والاقتصادية حتى أصبح العالم على مشارف حرب اقتصادية مع بداية القرن الحادي والعشرين. وللحقيقة فإن هناك في أمريكا وفي الدول الأوروبية من الكتاب من يعارض المغالاة في هذا التوجه السلطوي؛ مثل ليستر بيرسون الحائز على جائزة نوبل الذي أصدر تقريره على شكل كتاب : " أزمة التنمية " عام 1970 مؤكداً على أهمية تصحيح تقديم المساعدات للدول الفقيرة النامية تحاشياً لحالات عدم الاستقرار السياسي وكذلك التوتر الاجتماعي ... ولكن ! وخلال عام 1968 (الطبعة الأولى) أصدر نادي روما الشهير تقريره : محددات النمو وذلك حينما أخذ بعين الاعتبار ما تعانيه البشرية من مشكلات أهمها :
* ظاهرة الفقر في بيئة الوفرة.
* تدهور البيئة وتلوثها.
* عدم الثقة في نظام المؤسسات (الهيئات).
* عدم السيطرة على الهجرة من الأرياف إلى المدينة.
* عدم ضمان التوظيف أو ظاهرة البطالة.
* تغريب الشباب عن مجتمعاتهم.
* رفض القيم التراثية.
* حالة الاضطراب النقدي والاقتصادي مع ظاهرة التضخم.(22/38)
وبعد كتاب أبردمان " الانهيار الاقتصادي " 979/ 1976 أصدر روبرت هيلبرونز كتاباً بعنوان " ماذا بعد الازدهار والانهيار (1978) "، محذراً من تقلبات سوق النظام الرأسمالي مع الحاجة إلى أهمية " المراقبة والانضباط والإشراف وأخذ الحذر " في العمليات الاقتصادية السائدة (ص 83). ولم يتوان شارلز هاندي عام 1994 في نشر مؤلفه بعنوان " عصر التناقضات " موضحاً ابتعاد حضارة الرأسمالية عن مبادئها الأخلاقية مستشهداً بآدم سميث الذي كان في الأصل أستاذ الفلسفة الأخلاقية وألف فيها قبل أن يصدر كتابه الشهير " ثروة الأمم " باعتباره ركيزة الرأسمالية : وكذا استمرت حالة التضارب والتناقض في صعود إلى أن بلغت واقع الأزمات (الاقتصادية) التي نعايشها.
وعليه فإن المهمة الرئيسة والأولى للنظام الاقتصادي الإسلامي ومؤسساته ممثلة بالمصارف الإسلامية هي في تصحيح المسيرة الاقتصادية السائدة والتي انعكست آثارها السلبية على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، حسبما تبرزها التقارير السنوية لصندوق النقد الدولي فتنعكس مثلاً في تزايد المديونية العامة.(22/39)
لماذا ؟ منذ منتصف القرن العشرين تنزع الأدبيات الاقتصادية إلى المقارنة بين النظام الإسلامي والأنظمة الوضعية الأخرى وفي مقدمتها الرأسمالية والاشتراكية، ثم تستنتج بأن كلتا الأخيرتين ماديتان من وضع بشري، بينما نظام الاقتصاد (وبالأحرى منهج الاقتصاد) الإسلامي يستمد تشريعاته من المصدر الإلهي الواحد وهو الله. وهنا تتلخص أوجه المفارقة أو الاختلاف. ومع أن مثل هذا التوجه صحيح إلى حد كبير، إلا أننا بمراجعة الضروريات الخمس مثلاً وكذلك بالرجوع إلى واقع علم الاقتصاد وعناصره نجدنا نتعامل مع النواحي المادية أيضاً، ولكن بضوابط ربانية مصدرهما الأساسيان القرآن والسنة، وكذلك القياس والإجماع حسبما تتطلبه مستجدات الزمان والمكان. ذلك أن القاعدة الأساسية في المعاملات الاقتصادية وأدواتها من منظور إسلامي هي الترخيص والإباحة في سبيل المصلحة العامة (المرسلة) وفي نطاق مبادئ التشريع الإسلامي وضوابطه والتي هي عادة في غاية الدقة في تكامل عضوي شامل. فمنهجية الاقتصاد الإسلامي إذ تستهدف توفير مستوى الكفاية للجميع، وكذلك الأمن والأمان حسبما أشارت إليه سورة قريش، فإنها في الوقت نفسه تتسم بالمرونة والواقعية والشمولية والأخلاقية مراعية في ذلك أولويات معلومة جوهرها العدل في جميع المعاملات. وهذه السمة الحضارية أي ميزان العدل هي الخاصية التي يتميز بها الاقتصاد الإسلامي ومؤسساته.
ولعل ما أوردناه في هذه الدراسة من نماذج معاصرة للمصارف الإسلامية في بيئات مختلفة توضح تنوع القطاعات التنموية، ومرونة أساليب أو أدوات تمويلها مع الحرص على أخلاقيات العمل لما فيه خدمة مجتمع التكامل فالتكافل والعدالة.
ولعله من المناسبة هنا أن نلخص أركان الاقتصاد الإسلامي من منظور التنمية الشاملة في أربعة:
( أ ) …للملكية (عامة أم خاصة) وظيفة اجتماعية.(22/40)
(ب) …والعمل عبادة وهو معيار للتقويم الاجتماعي تأسيساً على مبدأ الاستخلاف في عمارة الأرض ومواردها.
(جـ) …والربحية كحافز عن طريق المشاركة هي في ذاتها منظم للتوزيع العادل الذي يعني به الإسلام، كما يعتني بالإنتاجية و + معدلات النمو الأمثل بتوازن بين مصالح فئات المجتمع.
(د) …وتأتي أهمية عدالة التوزيع ضمن أوعية مقننة شرعاً مثل الزكاة والوقف وعلم الفرائض لكي تجمع للناس بين خيري الدنيا والآخرة معاً.
ولكون المصارف الإسلامية بطبيعتها شاملة فإن دورها يتوقف على نجاحها في معالجة حالة التخلف عامة والتخلف الاقتصادي خاصة في فترة عصيبة من الأزمات المتكررة والتي تحتاج إلى إيمان صادق، وفكر مستنير، وتنظيم علمي، ومنهجية استثمارية متطورة، وبحوث جادة تعتمد فقه الاجتهاد بموضوعية ونقد ذاتي مخلص لله وحده ولمصلحة مجتمع الأمة حاضنتها إدارة رائدة للتنمية تواكب المستجدات إن لم تسبقها بفقه الأولويات.
( ( (
المراجع
1. "مجلة الاقتصاد الإسلامي " بنك دبي الإسلامي، العدد 2020- دبي/عام 1999م.
2. د. سامي حسن أحمد حمود "تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية"، ص2، مطبعة الشرق ومكتبتها، الأردن، 1982م.
3. د. عبد الرزاق الهيتي، "المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق" دار أسامة، الأردن، 1998.
4. ابن تيمية "مجموعة الفتاوى" ، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصور، مصر، الطبعة الأولى، المجلد 29، ص 235-1418، 1997.
5. فضيلة د. محمد سيد طنطاوي (شيخ الأزهر)"معاملات البنوك وأحكامها الشرعية" ، دار نهضة مصر، ط15، القاهرة 1997م.
6. د. سعيد المرطان "ضوابط الخدمات المصرفية الإسلامية في البنوك التقليدية" منتدى الاقتصاد الإسلامي، الكويت، مايو 1999م.
7. تقرير نادي روما (باللغة الإنجليزية)، "محددات النمو" إعداد دونالا ميدوز وآخرين، إصدار دار الكتب العالمية، نيويورك، 1972م.(22/41)
8. د. محمد عبر شابرا، "نحو نظام نقدي عادل" (مترجم إلى اللغة العربية)،
دار البشير، إنجلترا، 1990م.
9. د. عثمان و د. رابوي، " المدخل إلى الاقتصاد الإسلامي المقارن" إصدار ندوة الثقافة والعلوم، دبي 1996م.
…أخرى:
…أ - د. إبراهيم الطحاوي "الاقتصاد الإسلامي مذهبا ونظاما (جزءان)،
…دار الكتب العصرية، بيروت 1974م.
ب- د. إبراهيم أحمد عمر "فلسفة التنمية" رؤية إسلامية، إصدار المعهد العالمي …للفكر الإسلامي (أمريكا الشمالية) الخرطوم، ط2، 1992م.
جـ- د. يوسف إبراهيم يوسف، "وتكنيك التنمية الاقتصادية في الإسلام"، …إصدار الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، القاهرة، 1981م.
استبانة
إلى السادة/………… ……… المحترمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
تحاول هذه الاستبانة أن تبرز دور المصارف (المؤسسات) الإسلامية في التنمية وذلك مقارنة بالبنوك التقليدية (قدر المستطاع).
لذا إذا توفر لديكم دراسة بهذا الشأن أرجو التفضل بإرسالها إلي مع ردكم على هذه الاستبانة والتي آمل أن تصلني على عنواني أدناه. والتي أرجو أن تكون البيانات أو الوثائق المتعلقة عن السنوات الثلاثة الماضية أي 1998/1999/2000
والله وحده نسأله التوفيق والسداد في خدمة مجتمع الأمة العربية الإسلامية.
…أخوكم / عبد الملك يوسف الحمر
أبو ظبي - ص. ب 293
فاكس رقم: 6269894 (9712)
هاتف: 6271501 (9712) أو هاتف: 6275616 (9712)
(1) اذكر قطاعات التنمية التي يمولها مصرفكم. ثم رتبها حسب أولويات التسهيلات الممنوحة لكل قطاع مع إيضاح نسبة (%) ما يحصله من إجمالي التسهيلات /السنوية.
(2)…ما الأدوات الاستثمارية التي يطبقها المصرف في عملياته مع إيضاح نسبة كل أداة من إجمالي التسهيلات/السنوية (مراجعة/ مشاركة/ متناقصة/ إيجار/ سلم/ مضاربة/استصناع/مزارعة ... الخ).
(3) هل للزكاة إدارة خاصة بمصرفكم، وما الدور الذي تؤديه لخدمة أغراض التنمية في المجتمع !(22/42)
(4)…تطور نسبة الأرباح المتحققة خلال الثلاث السنوات الماضية (1998/1999/2000) موزعة على المستثمرين من جهة، وعلى مساهمي المصرفي نفسه من جهة أخرى.
(5)…كم عدد موظفي المصرف بمستوياتهم الثلاث (الإجمالي = ...).
النسبة
العدد
1- الإدارة الرئيسة
2- الإشرافية والرقابية
3- بقية الموظفين
…وما نسبة المؤهلين منهم كاختصاص في معاملات المصرفي الإسلامي ؟
(6)…ما هي خطة مصرفكم في خدمة قطاعات التنمية (زراعية/صناعية/استثمارات مالية / عقارية / خدمية ... الخ) خلال الثلاث السنوات القادمة 2001 / 2002 / 2003 مع ترتيب الأولويات للأهمية.
الملاحق
فتوى د. محمد سيد طنطاوي - 19 فبراير 1989
الملحق ( أ )
تصريح صحافي للشيخ د. محمد سيد طنطاوي - 28 أكتوبر 1999
الملحق ( ب )
د. محمد سيد طنطاوي : معاملات البنوك وأحكامها الشرعية - الصفحات (90 - 93) عام 1994
الملحق (جـ)
مقتطف صحافي : جريدة الخليج بتاريخ 11/ 3/ 2000
الملحق ( د )
??
??
??
??
14 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي /جامعة أم القرى
المصارف الإسلامية وما لها من دور مأمول وعملي في التنمية الشاملة 13(22/43)
النموذج الإداري البديل في ظل الخصخصة
د. محمد احمد المتيوتي
رئيس قسم إدارة الأعمال
كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية - جامعة إب
(طبعة تمهيدية)
المقدمة:
تُطرح الخصخصة في الآونة الأخيرة على نطاق واسع باعتبارها وسيلة رئيسية للنمو وحل المشكلات الاقتصادية المستعصية التي تعاني منها الدول. فمنذ بداية القرن العشرين والعالم يبحث عن تطبيقات جادة لنظريات اقتصادية وأساليب إدارية توصل إلى الرفاهية المنشودة. بعض من تلك النظريات كان ينادي بأن آليات السوق تحقق الرفاهية من خلال المنافسة التي ترعى الأفضل (وقد مثَّل ذلك الفكر الرأسمالي)، وبعضها الآخر كان ينادي بأن على الدولة أن تزيد النشاط الاقتصادي من خلال القطاع العام (الفكر الاشتراكي)، وهنا يأتي التخطيط المركزي بديلاً لقوى آليات السوق.
وقد صادف كلا المنهجين فترات من المد والجزر، فمن الكساد العالمي الكبير في بداية الثلاثينيات الذي أدان الفكر الرأسمالي إلى التدهور الشديد في الأداء الاقتصادي للقطاع العام الذي أدان بشدة أسلوب الأداء الاشتراكي مما أوضح سلبيات الملكية العامة للمشروعات، وكانت النتيجة الكبوة التي صادفت معظم الدول النامية- سواء التي تبنت المنهج الرأسمالي أو الاشتراكي كأسلوب للتنمية- وبدأ ما يُعرف بأزمة المديونية العالمية وأصبحت هذه الدول أمام خيار واحد لا مناص من اتباعه- إن أرادت الاستعانة بالمؤسسات المالية الدولية للخروج من محنتها- وهو الإصلاح الاقتصادي الذي يقوم على ما يُسمى تحرير الاقتصاد والاعتماد على آليات السوق أي التحول نحو الخصخصة، وكان ذلك مدعاة لطرح أكثر من سيناريو للخصخصة وأسلوب إدارتها في أكثر من مكان في العالم.(23/1)
لقد أضحت الخصخصة أهم ظاهرة اقتصادية في بداية الألفية الثالثة، ولكن رغم تطبيقاتها التي تجاوزت العقود إلا أنها ما زالت الظاهرة هذه الأكثر نقاشاً، حيث أن هناك من يعارضها باعتبارها مفروضة أو موصى بها من جهات خارجية، والبعض الآخر يقف جانبها باعتبارها رد فعل على مستوى الأداء غير المرضي للقطاع العام وسوء إدارته. وعلى الرغم من أن بعض الدول النامية بدأت بانتهاج الخصخصة منذ فترة وعقب سنوات طويلة من سيطرة القطاع العام على مجمل النشاط الاقتصادي والأداء غير المرضي إلا أن آليات التنفيذ- التي توصل الخصخصة إلى أهدافها- بقيت إلى الآن دون الطموح.
ولكي تكون الخصخصة في نشاطاتها وأهدافها العامة متوافقة ومتناسقة مع السياق العام لأهداف التنمية العامة في البلد، فلا بد أن يكون هناك دور توجيهي- ولو من بعيد- لإدارة الدولة العامة.
إذن ما هو نوع النظام الإداري المطلوب لإدارة النشاط الاقتصادي في ظل الخصخصة كي يكون ضمن هذا السياق. هذا ما يحاول أن يناقشه البحث في آليات النظام الإداري في ظل الخصخصة.
هدف البحث:
هذا البحث يبحث في آلية النظام الإداري المتعلقة بعمليات السيطرة على أنشطة الوحدات الاقتصادية في ظل الخصخصة واللامركزية الإدارية، أي بحث الصيغ (طرق ووسائل) التي من خلالها تستطيع الإدارة المركزية توجيه نشاطات الوحدات الاقتصادية- التي تحولت إلى القطاع الخاص أو تلك التي منحت قدراً كبيراً من اللامركزية الإدارية- طوعياً بشكل يتلائم مع متطلبات تحقيق الأهداف المركزية لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
فرضيات البحث:(23/2)
يفترض البحث أن كفاءة النظام الإداري الاقتصادي الموجه (في ظل الاقتصاد الإسلامي موجه بمحددات وقواعد الشرع) مرهونة بقدرته على التغير من نظام إداري مركزي متشدد في المراحل الأولى لعمليات التنمية- بهدف تأمين توزيع الموارد ضمن أولوياتها المطلوبة- إلى نظام إداري يعتمد استخدام المعايير والمحددات الاقتصادية (الإسلامية الهادفة) المناسبة التي من خلالها تتمكن الإدارة المركزية من تطويع ديناميكية (حركية) نشاطات المؤسسات الاقتصادية المستقلة- المخصخصة أو التي تتمتع بقدر من اللامركزية الإدارية لمتطلبات تحقيق الأهداف المركزية في خطة التنمية.
ثم يفترض البحث أيضاً بأن كفاءة النظام الإداري اللامركزي- وكفاءة إدارة المؤسسات المخصخصة- تتجسد من خلال قدرتها على اتخاذ قرارات إدارية صائبة مبنية على أساس الحساب الاقتصادي (Economic Calculus) والجدوى الاقتصادية.
نطاق البحث وبعض المفاهيم:
في البدء لا بد من الإشارة إلى أنه بغض النظر عن مدى صحة التوجه نحو الخصخصة واختيارها أسلوباً للتنمية فإن النموذج موجه إلى إدارة النشاط الاقتصادي فيما لو اختيرت الخصخصة نموذجاً للتنمية، ثم إن الباحث وهو يناقش الموضوع يضع في ذهنه أن الخصخصة هنا لا تعني انسحاباً للدولة من الميدان وإنما يبقى دورها رقابياً وموجهاً من بعيد من خلال الأدوات المطروحة في البحث. أما تفاصيل المحددات والقواعد التي تفترض أن يعمل بموجبها النظام المقترح في ظل الاقتصاد الإسلامي فقد وضعت جانباً كونها تخضع للحالة التي يطبق عليها النظام.
يُعرِّف المنهج التقليدي نظام إدارة الاقتصاد الموجه بأنه مجموعة من الأدوات Set of Instruments التي توضع وتطبق من قبل الإدارة الاقتصادية المركزية على المؤسسات الاقتصادية في المستوى الأدنى، كي تحثها Evoke على اتخاذ القرارات اللازمة واتباع أساليب العمل المرغوبة مركزياً(i).(23/3)
وحين نتحدث عن النظام الإداري فإننا نستخدم هذا المفهوم ابتغاء التعريفات بالعمليات الإدارية التي تتحكم في تنفيذ الخطة الاقتصادية القومية وتسيطر عليها. وعن تحليل النظام الإداري فإننا نفترض بأن الهدف الاقتصادي قد حُدد سلفاً وأن هناك خطة للاقتصاد القومي تم وضعها على أساس مبادئ الحساب الاقتصادي الدقيق والجدوى الاقتصادية، وعليه فإن التخطيط الذي هو أحد وظائف الإدارة وأساليبه يقع خارج نطاق هذا البحث.
وبصورة عامة يمكن تمييز نوعين من القرارات في الاقتصاد الموجه:
الأول: يغطي القرارات التي لها تأثير في مجال الاقتصاد القومي. إن مضمون ومحتوى هذه القرارات يشكل الخطة الاقتصادية القومية.
الثاني: يشكل القرارات التنفيذية التي تُتخذ بوساطة الوحدات الاقتصادية. إن مفهوم الإدارة الذي يتضمن النوع الثاني يشمل كل الوحدات الاقتصادية التي تنفذ الخطة المركزية(ii).
إن تحليلنا للنظام الإداري- والنموذج البديل- يتحدد في نطاقه ومحتواه فقط على العلاقة بين الإدارة المركزية من جهة والوحدات الاقتصادية التي تم خصخصتها أو تلك التي أُعطيت قدراً معيناً من اللامركزية الإدارية في عملها من جهة أخرى. ثم إننا استعملنا مفهوم الوحدة الإنتاجية لنعني به الوحدات الاقتصادية المخصخصة إضافة إلى الوحدات التي أُعطيت قدراً معيناً من اللامركزية في عملها والتي تتبع عادة الإدارة الاقتصادية المركزية- هيكلياً- وتتمتع بقدر معين من حرية العمل، وتتخذ قراراتها على أساس الحساب الاقتصادي، أي أن المؤسسة هي الوحدة الاقتصادية التي تُدار على أساس نظام الإدارة بالمحددات Parametric System of Management. وأخيراً فإننا في تحليلنا للنظام الإداري نعلق أهمية كبيرة على العلاقة بين الوحدة الإدارية التي تدير
(The Managing Unit) وهي هنا السلطات الاقتصادية المركزية وبين الوحدات المُدارة (The Managed Unit) .(23/4)
إن الوحدات التي توجد وتطبق أدوات الإدارة تعود إلى الصنف الأول، بينما الوحدات التنظيمية التي تعمل على أساس الظروف المهيأة لها بوساطة النظام الإداري المركزي تدعى بالوحدات المُدارة أي المؤسسات التابعة- تابعة هرمياً كونها ضمن الهيكل التنظيمي أو تابعة- بالرغم من أنها مخصخصة- كونها ضمن الوحدات الاقتصادية العاملة في البلد والملتزمة بتنفيذ استراتيجياته وسياسته الاقتصادية(iii).
المبحث الأول
الخصخصة: مفهومها وأسسها النظرية
أولاً: الخصخصة (Privatization):
عندما يُشار إلى الخصخصة فيعنى بها (تحويل ملكية المؤسسات العامة جزئياً أو كلياً إلى القطاع الخاص(iv). أما عملية الخصخصة فهي القوانين والإجراءات والأنشطة التي تتولى نقل ملكية إدارة بعض الأصول لوحدات القطاع العام إلى القطاع الخاص(v).وتعرف من وجهة نظر أهدافها بأنها (تحويل القطاع العام إلى القطاع الخاص مع استنباط أساليب إدارية كفوءة ومتابعة الأداء لرفع مستواه في المؤسسات الإنتاجية والخدمية(vi). وينظر إليها على أنها عكس عملية التأميم التي استخدمت عند بناء قطاع الأعمال العام(vii).
وتنطلق الخصخصة من الفكرة القائلة بأن "المبادرة الفردية خير موظف ومستثمر للموارد"(viii). وترى أن الأساليب الاقتصادية للخصخصة تكمن في أن الدولة الشمولية المؤمنة بالفكر التدخلي تقوم بتعطيل آليات السوق واستبدالها بالعقل الإنساني على شكل خطط قد تكون قاصرة في استيعاب ومواجهة الواقع(ix).
من الواضح أن هذه الأفكار تنفي ضمنياً عقلانية التخطيط والدور الإيجابي للملكية العامة، وتعتبر هذه الأفكار مسلمة عند بعض المفكرين مع أنه لا يوجد ما يبررها، فالدراسات المختلفة تبين أن فاعلية المنشأة الاقتصادية العامة والخاصة ترتبط بالفعالية الاقتصادية العامة والبيئة الاقتصادية ومدى ما تتيحه للمنشأة من عناصر القوة والوفرات الخارجية(x).(23/5)
وبصورة عامة تتباين وجهة نظر المختصين في تعريف الخصخصة، فهي تعني لبعضهم مجرد إعادة ملكية القطاع العام إلى الأفراد حيثما كانوا عن طريق البيع. بينما تعني لدى الآخرين مجرد العودة للعمل بآليات اقتصاد السوق دون إعادة الاعتبار للقطاع الخاص- كما هي الصيغة الاقتصادية في بعض دول أوروبا الشرقية من خلال مرحلة ما قبل التسعينات والصين- إلا أنها لا تعني في هذه الحالة ذاتها العودة إلى الاعتماد على القطاع الخاص قطاعاً رائداً ورئيسياً في تحقيق عملية التنمية، وهذا يعني العودة إلى الاعتماد على آلية السوق لتحديد سقوف الإنتاج وكيفية التوزيع وتحفيز الإنتاج.
إن التخصيص في الحالة الأولى يفقد المغزى منه، فالقطاع الخاص كان على الدوام موجوداً سواءً في تلك الدول التي تبنت فكرة القطاع العام كقائد لعملية التنمية الاقتصادية- بالرغم من أن دوره في هذه الدول لم يكن إلا من قبيل التسامح العقائدي أو لأسباب عملية وتكتيكية- أو في دول أوروبا الغربية حيث كان يؤكد على الدور المجتمعي له في خدمة دولة الرفاهية وتوفير الأموال لها.ولهذا فالعودة إلى مجرد تنشيط القطاع الخاص في إطار سيطرة أفكار كهذه لا تعطي أبداً لعملية التخصيص معناها،كما لا يعني تحقيق أهدافها، لأن ذلك لا يلغي الفكر الذي أدى إلى تحجيم دور القطاع الخاص أو إلغائه بالأساس(xi).(23/6)
عليه فالمفهوم الشامل للخصخصة يتمثل في تحري الاقتصاد من العوائق البيروقراطية التي تؤثر على حركة عوامل الإنتاج، وتقليص دور النشاط الاقتصادي العام، والعمل بآليات اقتصاد السوق مع إعادة النظر في القوانين والتشريعات التي تؤثر على الحركة الاقتصادية، وصياغتها بشكل يساعد على تحرير النشاط الاقتصادي من الظواهر المعيقة. ولكي تكون الخصخصة مؤطرة بالإطار الإسلامي ومعبرة عن جوهره ومحققة للأهداف المطلوبة في هذا الاتجاه يفترض أن تهتدي إلى آليات عمل المؤسسات المخصخصة بمعايير ومحددات الاقتصاد الإسلامي المقرة شرعاً.
الأسس النظرية للخصخصة:
تستمد الخصخصة مبرراتها من النظرية الاقتصادية السائدة (الليبرالية الجديدة) التي من فروضها الأساسية أن نظرية المستهلك ونظرية المنتج تقومان على مفهوم المنفعة الحدية لعناصر الإنتاج. تحقيق هذه المنفعة هو الذي يقود الأفراد إلى الاستثمار الأمثل للموارد وبالتالي فإن الملكية الخاصة لهذه الموارد تجعل استثمارها أفضل. وعلى أساس هذه الفرضية يطالب دعاة النظرية بتحويل الملكية العامة إلى ملكية خاصة.
لقد تأثر الفكر التنموي للبلدان النامية بالفكر السائد في الغرب الرأسمالي والشرق الاشتراكي، وغابت في كلا النموذجين استراتيجية التنمية الشاملة بمفهومها الحديث، وساد المفهوم التقليدي للتنمية المعتمد على الاستثمار في رأس المال الثابت والدفعة القوية مما جعل اقتصاداتها عاجزة عن امتصاص صدمة التحولات غير المؤاتية في الاقتصاد العالمي.(23/7)
وبدأ يتضح عبء علاقات التبعية للخارج التي كرستها أنماط تنميتها وأسلوبها في الإنفاق والإدارة، مما جعلها بحاجة إلى إعادة تقييم لمسيرتها والقيام بإصلاحات شاملة للخروج من أزمتها والانطلاق في تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة. إلا أن الدول النامية التي تعاني من التخلف وتواجه أزمات اقتصادية متعددة وتسعى جادة للحصول على مساعدات المؤسسات المالية الدولية قد خضعت لتوجيهات وضغوط المؤسسات المالية والدول الكبرى والتزمت ببرنامج (الإصلاح الهيكلي) المُعد من قبل تلك المؤسسات نموذجاً صالحاً في رأيها لكل زمان ومكان. والمحور الرئيسي في برنامج التعديل الهيكلي هذا هو نقل الملكية من العام إلى الخاص وأصبحت الخصخصة محوراً لعملية إعادة الهيكلة(xii).
حيث قام صندوق النقد والبنك الدوليين بتنسيق جهودهما ووضع مجموعة من البرامج المتكاملة فيما بينها تحظى بموافقة الطرفين. تقوم هذه البرامج على فهم أولي للعجز في ميزان المدفوعات وللمديونية الخارجية مفاده أن السبب في ذلك هو الخلل في هيكل الطلب الداخلي والقيود المفروضة على حرية حركة رأس المال، لذلك تنصب اهتمامات هذه البرامج على إحداث تغييرات في بنية ومستوى الطلب الداخلي وفي بنية وعلاقات الإنتاج السائدة في الاقتصاد المعني. وفق هذه الاهتمامات تقسم البرامج المطروحة إلى ثلاث مجموعات(xiii):
المجموعة الأولى: ترتكز على صافي مدخرات القطاع الخاص من خلال تخفيض الضرائب على الدخول والإيرادات للقطاع الخاص، وتقديم إعانات وتسهيلات لرأس المال المحلي والأجنبي في المشروعات الجديدة، وإلغاء تدخل الدولة في التسعير للمنتجات والرقابة عليه، وتقديم إعفاءات جمركية على الواردات الاستثمارية والوسيطة للمشروعات الجديدة، وزيادة سعر الفائدة على الودائع الادخارية.(23/8)
المجموعة الثانية: ترتكز على العجز في الموازنة العامة من خلال تقليص الإنفاق العام، وإلغاء الدعم للسلع الاستهلاكية الضرورية، وإلغاء الدعم للقطاع العام، وزيادة أسعار السلع والخدمات التي تقدمها الدولة، وإلغاء التزام الدولة بتعيين الخريجين الجدد من المعاهد والجامعات، وتجميد الأجور أو تخفيضها، ووضع حد للائتمان المصرفي للحكومة والقطاع العام بالإضافة إلى زيادة بعض الضرائب غير المباشرة، وبيع منشآت القطاع العام للتخلص من عبئها وزيادة الموارد.
المجموعة الثالثة: تشمل السياسات المشجعة على الحصول على النقد ورأس المال الأجنبي، وهي ترتكز على تخفيض قيمة العملة الأجنبية، وتحرير التجارة الخارجية، وإلغاء كافة القيود الكمية والنوعية على الواردات، وتخفيض الرسوم الجمركية إلى حدودها الدنيا، وإلغاء الرقابة على الصرف، وإعطاء رأس المال المحلي والأجنبي الحرية التامة في التنقل، وتقديم محفزات وإعفاءات مغرية لرأس المال الأجنبي للاستثمار وخاصة في مجال التصدير.
وغالباً ما يتم تطبيق هذه البرامج على مرحلتين أو أكثر. تعالج المرحلة الأولى مسألة الخلل في ميزان المدفوعات والموازنة العامة من خلال برامج التثبيت، وتركز مجموعة البرامج المطبقة في المرحلة الثانية على التعديل الهيكلي والتحرير الاقتصادي التي تشمل نقل ملكية المنشآت العامة إلى القطاع الخاص وتحرير التجارة الخارجية وفتح الأسواق بشكل واسع.(23/9)
إن المؤسسات المالية الدولية تبرر تمسكها بهذه البرامج بعدد من الفرضيات التي تعتبرها مسلمات، وهي أن تحرير الأسعار والتجارة ونقل ملكية المنشآت العامة إلى القطاع الخاص من شأنه أن يعزز فرص النمو ويقود إلى الاستقرار المالي والاقتصادي. وإن أي تدخل من قبل الدولة يشوه فعل آليات السوق ويعيق تحقيقها للتوازن التلقائي، وإن الأزمة التي تعاني منها الدول النامية هي نتيجة لسياسات الاقتصاد الموجه التي اتبعتها، عليه فإن لدى لدول النامية مبررات موضوعية لإجراء إصلاحات جذرية وعميقة في سياساتها الاقتصادية وإدارتها العامة والاقتصادية للتخلص من السلبيات التي راكمتها خلال فترة النمو السابقة، ولمواجهة انعاكسات التغيرات الاقتصادية والاجتماعية العالمية والحد من آثارها السلبية عليها.
أشكال الخصخصة:
تأخذ الخصخصة أشكالاً مختلفة:
ا) حسب الظروف الخاصة التي تمر بها الدولة المعنية.
ب) حسب المرحة التي قطعتها في عملية إعادة الهيكلة.
جـ) حسب مستوى المقاومة التي تمر بها القوة المناهضة للخصخصة. من هذه الأشكال:
1- تخصيص الإدارة: ويكون من خلال:
- عقود الإدارة، وهي العقود التي تبرمها الحكومة أو الجهة العامة مع المؤسسات والأفراد المحليين والأجانب لإدارة المنشأة العامة لقاء أجور محددة.
- التأجير، وتتيح عقود التأجير إمكانية استثمار الموارد والأصول من قبل القطاع الخاص.
2- البيع الجزئي.
3- الاكتتاب.
4- البيع الكلي المباشر، وهو أكثر الطرق انتشاراً واستخداماً لنقل الملكية.
العوامل والركائز التي يجب أن تستند عليها الخصخصة:
من المعروف أن الخصخصة لا تمثل غاية في حد ذاتها وإنما هي وسيلة لتحقيق غايات، ولتحقيق هذه الغايات ينبغي أن تستند سياسة الخصخصة على مقومات وركائز اقتصادية وإدارية ومؤسسية تشريعية تمكن من تكيفها بما يتناسب مع ظروف الواقع الذي تطبق فيه. من هذه المعوقات والركائز:(23/10)
أولاً: تكامل السياسة التخصصية مع سياسات الإصلاح الاقتصادي: حيث أن سياسة التحول للقطاع الخاص لا تنطلق من فراغ فهي تمثل جزءاً من فلسفة إدارة الاقتصاد القومي من خلال بعث آليات السوق والمنافسة وتشجيع الاستثمار. ولما كانت العملية التخصصية وسيلة لزيادة كفاءة تخصيص واستخدام الموارد فإن ثمة مناخاً اقتصادياً وآليات اقتصادية مساندة ينبغي أن تتوافر لتحقيق هذا الهدف. فالتخصيص الكفء للموارد لا يتحقق إلا في ظل آليات سوق تم تحريرها من القيود الاقتصادية المعيقة بحيث يقوم جهاز الثمن وقوى الطلب بتوجيه قرارات المشروعات في الاستثمار والتوظف والإنتاج لذا فإن تصميم هياكل الأسعار وتنشيط وتحرير آليات السوق والمنافسة تعتبر متطلبات أساسية لنجاح السياسات التخصصية(xiv).
ثانياً: بلورة سياسة واضحة تتعامل مع المجالات البديلة السياسية التخصصية: إذ لا يمثل التحول من ملكية مشروعات الأموال العامة سوى مجالاً واحداً من مجالات عملية الخصخصة، ومن المهم بلورة سياسة واضحة تستند إلى فحص وتقييم المجالات المختلفة من الأنشطة التي تمارسها الدولة والتي يمكن تطبيق السياسة التخصصية عليها. وفي ضوء هذا التقييم تتبلور الاستراتيجية والأولويات التي يمكن تطبيقها على مجالات النشاطات المرشحة للتخصيص.
ثالثاً: تصحيح أوضاع المشروعات العامة التي يتقرر تخصيصها بتحويل ملكيتها أو إدارتها- من خلال معالجة الاختلال في الهيكل التمويلي، الصيانة أو تصفية المشروعات التي تعتبر في حالة إفلاس واقعي أو دمج البعض الآخر- بحيث يتم هذا قبل التحول إلى القطاع الخاص منعاً لاحتمالات فشل أو انهيار هذه المشروعات بعد تخصيصها(xv).
رابعاً: علاج مشكلات تقييم المشروعات المطروحة للبيع ومعالجة الاختلال في القيمة الدفترية التاريخية للأصول عن قيمتها السوقية(xvi).
خامساً: سلامة معايير اختيار المشروعات والأنشطة التي سيتم تخصيصها.
سادساً: توسيع وتنويع قاعدة الملكية.(23/11)
سابعاً: تطوير مؤسسات القطاع المالي والمصرفي التي ستلعب دوراً في عمليات الإصدار الأولى ثم في دعم تعاملات سوق المال وفي توفير السيولة والقروض اللازمة للمشروعات التي سيتم تخصيص ملكيتها ولمشروعات قطاع الأعمال بصفة عامة(xvii).
ثامناً: تطوير التشريعات، وهو أحد الركائز الرئيسية للخصخصة إذ أن التحول في نطاق أدوار الدولة نتيجة الأخذ بسياسة التخصيص وتبني منهج جديد في إدارة الاقتصاد يعتمد على تشجيع الاستثمار في القطاع الخاص وتحرير التجارة وتنشيط المنافسة، وهذا يقتضي مراجعة شاملة وتطوير جوهري للتشريعات التي انبعثت عن نهج مختلف للدولة في إدارة الاقتصاد والتعامل مع القطاع الخاص، وينبغي أن يعكس التطور الذي يدخل على هذه التشريعات فلسفة روح الاستراتيجية الجديدة في إدارة الاقتصاد والتوجه نحو القطاع الخاص(xviii).
معوقات نقل الملكية من العام إلى الخاص:
تنطوي عملية إعادة الهيكلة على تغيرات بنيوية عميقة في الاقتصاد والمجتمع، وعملية نقل الملكية هو محور أساسي فيها، ولكي تتم العملية بنجاح يجب أن تستجيب البنى القائمة إلى متطلباتها، كما يجب أن تتمتع العناصر الاقتصادية بالديناميكية والقدرة على التعامل معها. ولكن افتقار الدول النامية إلى البنى الهيكلية المساعدة على النمو وضعف تطور قواها المنتجة جعل عمليات الخصخصة تواجه معوقات عدة منها:
1- ضعف مستوى تطور القوى المنتجة والقطاع الخاص عموماً: يتمثل هذا الضعف في عدم توفر الخبرة الكامنة لدى القطاع الخاص في إدارة المشاريع الكبرى، ويتجلى هذا الوضع بوضوح لدى نقل ملكيات مشروعات عامة مثل الكهرباء والاتصالات، حيث لا يستطيع القطاع الخاص المحلي إدارة هذه المشروعات أو تطوير تكنولوجيتها بسرعة في بداية الأمر.(23/12)
2- ضعف و محدودية السوق المالية المحلية: نتيجة ضعف مستوى التطور الاقتصادي وتدني مستوى الادخار بشكل عام لم تتطور السوق المالية في الدول النامية بدرجة كافية. وفي العديد من الدول لا توجد سوق مالية، وفي الدول التي تمتلك سوقاً مالية لا يتوفر عدد كافي من أسهم الشركات القابلة للتداول وحجم المبادلات الحقيقية صغير، لذل ينمو اتجاه المضاربة على حساب الدور التأثيري للسوق.
هذا الضعف في السوق المالية لا يوفر الشفافية المطلوبة ولا يحقق الغرض من عملية البيع للمؤسسات العامة (خصخصتها) وخاصة إذا كان المطلوب توسيع قاعدة الملكية حيث لا تمتلك غالبية السكان أرصدة ادخارية، كما أنها لم تألف التعامل مع هذه الأسواق ولا تتوفر لديها الثقة الكافية بها. ولا يمكن خلال فترة زمنية محدودة بث الديناميكية والثقة في هذه الأسواق، وهذا ما واجهته عملية الخصخصة في العديد من الدول النامية أو الدول في طور التحول الاقتصادي.
3- التكاليف المالية الكبيرة المترتبة على عملية الخصخصة: حيث يكون معيار الكلفة/ المنفعة غير ملائم.
4- مقاومة العمال وبعض الإدارات: يتعرض العمال بشكل مباشر للآثار السلبية للخصخصة حيث تكون أولى الإجراءات تسريح العمال وإلغاء عدد من الامتيازات والتعويضات وهذه تشكل عقبة أمام الخصخصة.
تحسين كفاءة المنشآت الاقتصادية من خلال آليات السوق:(23/13)
إن من بين الأهداف الأساسية لهذا البحث هو المساهمة في تحسين مستوى أداء المنشآت المخصخصة أو تلك التي منحت قدر اً من اللامركزية. حيث يعترف صندوق النقد الدولي في دراسة حديثة بأنه لا يمكن الاستشهاد بأي حالة من حالات النجاح لبرامج إعادة الهيكلة التي نمت في أكثر من مائة دولة نامية. تقول الدراسة (لا نستطيع القول بثقة إذا كانت هذه البرامج المدعومة من قبل الصندوق قد توصلت إلى تحسين الفعاليات في مجال التضخم والنمو الاقتصادي) وفي الواقع قد اتضح غالباً أن وضع برامج التعديل بالتطبيق قد ترافق بزيادة في التضخم وفي انخفاض في معدل النمو(xix).
ويقول ميشيل كامدسو مدير صندوق النقد الدولي في معرض حديثه عن برامج التعديل الهيكلي في الدول الاشتراكية سابقاً: ( النتائج الأكثر مدعاة للأسف حتى وإن كانت غير مستبعدة كانت الهبوط الكبير للإنتاج الحقيقي وتصاعد البطالة)(xx). وفي دراسة أخرى يقول رولف فان درهوفن: (لا تقدم تجارب تخصيص المنشآت العامة براهين تمكننا من تقرير ما إذا كان من شأن تغيير الملكية بحد ذاته يؤدي إلى تعزيز الكفاءة، فمن الصعب الفصل بين تأثير العوامل المختلفة على أداء المنشآت )(xxi).
من هذا يتبين أن الخصخصة لا تشكل بحد ذاتها وصفة سحرية ولا حلاً لكل المشكلات الاقتصادية فنجاحها ونجاح برامجها في تحقيق أهدافها يتطلب شروطاً معينة منها الإعداد التنظيمي ووضع آليات العمل الإداري للمؤسسات، ووضع الإجراءات والقواعد التنظيمية اللازمة قبل تحويل الملكية للقطاع الخاص وبصورة متزامنة مع التنفيذ لتأكيد الكفاءة الاقتصادية للتشغيل في المدى الطويل ومراعاة الجدوى الاقتصادية للمشروع والحصول على ثقة مستثمري القطاع الخاص. وهذا يستلزم نظم إدارية محددة تساعد على تحقيق هذا الغرض. عليه فإن المبحث التالي سيبحث في آليات العمل الإداري للمؤسسات العاملة في ظل الخصخصة.
المبحث الثاني
آلية عمل النموذج الإداري المقترح(23/14)
قبل إيضاح آلية عمل النموذج الإداري المقترح في ظل الخصخصة لا بد من إلقاء نظرة على آلية عمل النظام الإداري للاقتصاد الموجه.
نظرة في آلية عمل النظام الإداري للاقتصاد الموجه:
تعد إدارة الاقتصاد الموجه مجموعة من الأدوات التي تضعها الإدارة الاقتصادية المركزية لخلق الظروف التي من شأنها أن تستميل المؤسسات الاقتصادية وتطوع نشاطاتها لتنفيذ الأهداف المركزية في خطة التنمية القومية، أي أن الإدارة المركزية تقوم بمهمة وضع الخطة بالإضافة إلى تهيئة وتنظيم الظروف التي تؤمن تحقيق الأهداف المخططة مركزياً من قبل المؤسسات الاقتصادية العاملة.
(إن معطيات تطور الفكر الإداري تشير إلى أن بناء النظام الإداري المركزي وأدواته المترافقة معه يتأثر بمستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ففي المراحل الأولى لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية- على افتراض أن نظام الاقتصاد الموجه هو الأسلوب المختار لتحقيق التنمية, وفي ظل الاقتصاد الإسلامي نفترض أن آليات عمل إدارة الاقتصاد موجهة بمحددات ومعايير الاقتصاد الإسلامي-) سيكون شكل النظام الإداري من النوع الذي يعتمد مركزية عالية في اتخاذ القرارات مستنداً في ذلك على الأوامر والتوجيهات المتشددة و لا يلتزم كثيراً بمبدأ الحساب الاقتصادي في توجيه التنمية(xxii). ولهذا المنهج والأسلوب مبرراته، فبالرغم من الحاجة الملحة والضغوط والآمال الموضوعة على دور العنصر الإنساني ورغباته، فإن الصعوبات التي تواجه عملية إزاحة التخلف الاقتصادي المتراكم تستدعي تنمية الأساس المادي والتخطيط الموجه إلى الوسائل التي تحقق عائداً أكبر في المدى البعيد دون النظر إلى النتائج القريبة(xxiii).(23/15)
إن الأسلوب المعتمد في إدارة المؤسسات الاقتصادية في مراحل التنمية الأولى يتضمن قيام الإدارة المركزية باتخاذ القرارات الأساسية المتعلقة بشكل مباشر بنشاطات المؤسسات الإنتاجية، مثل إنتاج سلعة معينة، مستوى الأجور.... الخ. إن هذا الأسلوب في تنفيذ خطة الإدارة المركزية يجعله في تناقض مع متطلبات الإدارة الرشيدة للاقتصاد الجزئي(xxiv). وكلما توسعت الإدارة المركزية في تحديد تفصيلات الأهداف والأعمال للمستويات الدنيا ازدادت القيود المفروضة على حرية المؤسسات واستقلالها. في ظل هذه الظروف فإن المؤسسات لا تمتلك حرية الاختيار ولا تستطيع أن تكيف هياكل برامجها الإنتاجية وخططها التنموية لتتوافق مع الظروف المتغيرة.
إن النمو الاقتصادي والتغيرات النوعية في هيكله وتنوعه تتطلب تحديث النظام الإداري وتستدعي التوسع في نطاق استخدام الأدوات الاقتصادية، وذلك أن نمو الكفاءة الاقتصادية والاجتماعية للاقتصاد القومي كلاً وخاصة على مستوى الاقتصاد الجزئي يعتمد هذا الأسلوب، هذا بالإضافة إلى أن الأسلوب المركزي الأمري في تنفيذ أهداف خطة الإدارة المركزية يفرض قيوداً أخرى على عقلنة إدارة الاقتصاد الجزئي في مجالات أخرى من نشاط المؤسسات الاقتصادية، مثل الحوافز والميول والرغبات. حيث إن وضع نظام للحوافز يتطلب إيجاد علاقة متوازنة ما بين مستوى دخل العمال والموظفين من جهة ونتائج نشاط المؤسسة الاقتصادية من جهة أخرى(xxv).
ففي ظل هيمنة النظام الإداري المركزي على نشاطات المؤسسات الاقتصادية فإن النشاط الاقتصادي للمؤسسات الإنتاجية يعتمد اعتماداً واسعاً على قرارات قد اتخذت في المستويات الإدارية المركزية العليا.
وإن كفاءة المؤسسات تقوم على أساس تنفيذها لأهداف تفصيلية قد حددتها الإدارة المركزية سلفاً. فلذلك ليس من الممكن أو المعقول أن ننسب ونربط بطريقة مباشرة دخل العمال بنتائج نشاطهم الاقتصادي.(23/16)
ولهذا السبب فإن هذا النظام غير قادر على خلق النزعة والميل لدى العمال لزيادة إنتاجيتهم، ومما تجدر الإشارة إليه هو أن كفاءة الاقتصاد الجزئي لا تستند إلى قدرة المؤسسات الإنتاجية في الاختيار (مشكلة الاستقلالية) ولا إلى الرغبة في صنع القرارات المستقلة الرشيدة - التي تؤمن ربط أجور العمال بنتائج نشاطهم- حسب ولكنها تستند إلى الظروف المهيأة مركزياً التي تمكن المؤسسة الاقتصادية في أن تتصرف برشد وعقلانية وكفاءة. هذه الحاجة تظهر عندما تكون قدرة نمو المؤسسات معتمدة على إنتاجيتها وعلى نتائج الصياغات التركيبية لقراراتها المتخذة.
وفي ضوء هذه التصورات فإننا سنناقش كلاً من النظام الإداري الذي يستخدم الأوامر المباشرة لتوجيه المؤسسات الاقتصادية- النظام الإداري المركزي- والنظام الإداري الذي يستخدم الأدوات الإدارية والاقتصادية غير المباشرة والذي يسمى بالنظام الإداري الباراميتري (اللامركزي)، وهذا الأخير هو النظام الإداري البديل المقترح. وفي هذا السياق ستعتبر المؤسسات المخصخصة بأنها مؤسسات قد حصلت على درجة عالية من اللامركزية، وقد صنفت في هذا الإطار كون البحث يفترضها تعمل في ظل اقتصاد موجه.
أولاً: النظام الإداري المركزي The Central System of Management
ا - طبيعة النظام الإداري المركزي في ظل الاقتصاد الموجه:(23/17)
يقصد بالنظام الإداري المركزي أن المخطط المركزي يحدد الأهداف مركزياً ويلزم المؤسسات الاقتصادية بأن تنتج- بأن تقوم بنشاطات إنتاجية- بالكم والنوع والكيف، ويحدد عوامل الإنتاج المستخدمة وأسعار السلع المنتجة وتحديد منافذ التوزيع، والجهات التي ستشتري السلع المنتجة.... الخ. في ظل هذا النظام إن القرارات المتخذة من قبل المخطط المركزي والتي تصدر بشكل خطط مركزية- تمثل أهداف الخطة المراد تحقيقها- تمر إلى المستويات الإدارية الدنيا من خلال نظام متطور للتوجيهات والأوامر (فيما يتعلق بالأهداف ووسائل تحقيقها) التي لها صفة الإلزام القانوني المطلق في التنفيذ(xxvi) .
إن دور المؤسسات الإنتاجية في ظل هذا النظام محدد بعملية تنظيم العمليات الإنتاجية في ضوء التعليمات الصادرة من المستوى التنظيمي الأعلى. وعليه فلا أثر لآلية السوق في سلوك وتصرف المنظمة الاقتصادية في هذا المجال، حيث أن مستوى الأسعار السائد في السوق والأجور والفوائد لا دور لها في توجيه نشاط المؤسسات الاقتصادية . يتضح من ذلك أن الإدارة المركزية هي في الواقع إدارة أمرية Administration Orders تحدد الأهداف المطلقة لنشاطات المؤسسة وتتركها من غير حرية اختيار.فالمؤسسة الاقتصادية على سبيل المثال يجب أن تنتج عددا ًمقداره (س) من المنتج (ص)، وأن عدد العاملين المستخدمين في إنتاج هذه الكمية يجب أن يكون (ع) وأن الإنفاق على صيانة وتجديد وسائل الإنتاج يجب أن يكون (هـ)... الخ. ومن الجدير بالذكر أن الأوامر الإدارية في مجال الإنتاج (النشاط الإنتاجي) تأخذ صفة أهداف الخطة المتمثلة في توزيع عوامل الإنتاج على المؤسسات الإنتاجية. أما في مجال الاستهلاك فهي تتضمن عملية توزيع السلع على منافذ التوزيع المرغوبة مركزياً. وإذا كانت الإدارة المركزية إدارة أمرية في واقعها فهناك نوعان من الأوامر الإدارية في ظل الإدارة المركزية(27):(23/18)
- أوامر إدارية على هيئة تعليمات تفصيلية Items Orders.
- أوامر إدارية على هيئة توجيهات Directive Orders.
إن الأوامر الإدارية التي تصدر من الإدارة العليا من تلك التي على هيئة تعليمات متسلسلة هي أوامر خاصة ذات خصوصية تفصيلية تلزم المؤسسات بالعمل بموجب هذه التعليمات حرفياً ولا تترك لها حرية الاختيار أو حتى الحوار في مسيرة المؤسسة. أما أوامر النوع الثاني فإنها عبارة عن توجيهات للمؤسسة لها صفة الإلزام القانوني ولكنها تعطي مرونة متمثلة في التوجيهات الداعية إلى زيادة أو إنقاص عامل إنتاجي معين أو منتوج معين. إن هذا النوع من الأوامر يعطي مرونة معينة للمؤسسة فهي لا تقرر بشدة ما يجب أن يحقق من أهداف أو الطريقة التي يجب أن تنجز من خلالها هذه الأهداف. باستعمال هذه الطريقة كثيراً ما تحدد مديات مختلفة للأهداف بالزيادة أو النقصان من- إلى Maximization or) Minimization from - to) وهكذا فإن الأوامر الإدارية بنوعيها (التعليمات والتوجيهات) بطبيعتها أدوات متنوعة ومختلفة للإدارة المركزية وهذا يعني أن طبيعة استعمالها يعتمد على الظروف المحددة للحالة أو المحيطة بها.
ب- خصائص وديناميكية العمل في النظام الإداري المركزي:
بدءاً لا بد من الإشارة إلى أن خصائص النظام الإداري المركزي السلبية والإيجابية قد كُتب عنها الكثير وأصبحت بصورة عامة معروفة، غير أن ما يهمنا هنا هو عرض الخصائص التي لها علاقة مباشرة بديناميكية عمل هذا النظام حسب:(23/19)
- الخاصية الأولى: للنظام الإداري المركزي: تتمثل في تركز القرارات الاقتصادية في المستوى الإداري الأعلى وعليه فإن المستوى الإداري الأعلى لا يتخذ القرارات الرئيسية الخاصة بتوزيع الدخل بين الاستهلاك والاستثمار ومعدل نمو الدخل، وهيكل التجارة الخارجية وتوازن السوق وحسب وإنما يتخذ ويتدخل في معظم القرارات المتعلقة بتفصيلات الأداء اليومي للمؤسسات الإنتاجية. ونتيجة لذلك فإن المؤسسة لا تمتلك الحرية في اتخاذ القرار الاقتصادي المناسب والمتناسب مع الفرص المتاحة وينحصر دورها في تنظيم العمل وتنفيذ الواجبات اليومية في ضوء توجيهات وتعليمات إدارية تستلمها من المستوى الإداري الأعلى. ففي الوقت الذي تعد فيه المؤسسات الإنتاجية مصدراً للمعلومات الضرورية لوضع الخطة المركزية فإنها تستلم من الإدارة المركزية تعليمات وتوجيهات تفصيلية خاصة بحجم الإنتاج وهيكله ومعدل نمو إنتاجية العمل والتكاليف ومصادر التجهيز ونوعية المواد الأولية ونوع المكائن والمعدات التي يجب أن تستعمل والمشتريات من السلع الرأسمالية وتنظيم عمليات الإنتاج والصيانة المطلوبة وعمليات تحديث الإنتاج والنفقات الاستثمارية وهيكل القوى العاملة.
ففي ظل التبعية الكاملة هذه نلاحظ أن وسائل الإنتاج المتاحة في المستويات الإدارية الدنيا غير كفء؛ حيث إن كل مبادرة وكل عملية تطوير لا بد وأن تخضع لموافقة مبدئية من قبل الإدارة الاقتصادية المركزية.(23/20)
- الخاصية الثانية: أن المعيار الأساسي في تقويم كفاءة أداء الوحدة الاقتصادية في النظام الإداري المركزي هو تنفيذ الخطة من قبل إدارة الوحدة الاقتصادية، وفي كثير من الأحيان تعد قيمة الناتج الإجمالي للمؤسسة المعيار الأساسي لذلك التقويم فإذا ما تحققت قيمة الإنتاج الكلية المخططة للمؤسسة أو زادت عن المخطط فإنها ستكافئ على ذلك. وعليه فلكي تحقق المؤسسات القيمة التي التزمت بتحقيقها بموجب الخطة والتي تمثل حصتها من قيمة الناتج المحلي الإجمالي الذي يجب تحقيقه فإنها قد تلجأ إلى إنتاج البضائع الغالية المنتجة من خلال استخدام مواد غالية الثمن (حيث ستقيم المؤسسة على أساس قيمة النتائج وليس على أساس القيمة المضافة) وبسبب ذلك فإن قيمة ناتج المؤسسة وربحيتها ستكون غير واقعية إذ أن هيكل الإنتاج يوضع على حساب الغلاء للمواد الأولية وكثافة العمل.مثل هذا الهيكل غير المناسب
لا يؤثر على هيكل وتكاليف الإنتاج حسب ولكن يؤثر على مجمل نظام التعاون بين المؤسسات وعرض السوق من تلك المواد المحدودة.(23/21)
إن محاولة تحقيق مستوى الإنتاج المحدد بموجب الخطة عند أي تكلفة حتى ولو كان على حساب النوعية والنفقة الإضافية والعمل الإضافي والاستهلاك في المعدات والهدر في المواد ستؤدي إلى الحالة التي سيكون عندها مستوى تنفيذ الخطة مختلفاً من مؤسسة إلى أخرى معتمداً في ذلك على حالة المؤسسة وقدرتها في عرض طلباتها ويعتمد أيضاً على التخصيصات المالية للمؤسسات المختلفة وعلى توزيع وسائل الإنتاج. ويعد هذا النوع من الأساليب في تنفيذ الخطة مفيداً لعملية توزيع وسائل الإنتاج المخطط لها وبالنتيجة فإن بعض فروع الاقتصاد- والمؤسسات- سيكون لها فائض واسع بينما تعاني الفروع الأخرى من النقص. وعليه فإن الاقتصاد سيعاني من التوتر وعدم التناسب(28) ونتيجة لحالة عدم التوازن في توزيع وتخصيص المواد المتاحة بالإضافة لاستخدام السماحات الاقتصادية والمكافآت المالية والمعنوية لتنفيذ الخطة فإن بعض المؤسسات تميل في كثير من الأحيان إلى تقديم معلومات غير دقيقة للإدارة المركزية فيما يتعلق بالطاقة المتاحة وتسعى إلى إخفاء الطاقة الحقيقية للمؤسسة. ولما كانت كميات الإنتاج المخططة مركزياً توضع على ضوء الطاقة المتاحة للمؤسسات فإن تلك المؤسسات التي نجحت في إخفاء طاقتها الإنتاجية الحقيقية ستكون في وضع مميز أفضل من غيرها لأنها ستكون مكلفة بواجبات أسهل من جانب وحاصلة على وسائل إنتاج أكثر مقارنة بأهدافها- لتحقيق أهدافها- من جانب آخر. وما يتصف به النظام الإداري المركزي هو أن دورة المعلومات من المستويات التنفيذية إلى الجهات المركزية وبالعكس (القرارات والتوجيهات) تكون طويلة وتأخذ وقتاً طويلاً، وكثير من المعلومات نتيجة لذلك تكون قديمة وغير مفيدة. فالتوجيهات غالباً ما تصل المستويات التنفيذية بشكل متأخر جداً وعليه ستكون عاجزة عن معالجة الموقف في تلك الحالة عندما تختلف الحالة في لحظة وصول القرارات أو التوجيهات عنها في لحظة تقديم المعلومات،(23/22)
وبالنتيجة ستفقد هذه القرارات أو التوجيهات الغايات التي صدرت من أجلها. في ظل مثل هذه الظروف فإن الإدارات الدنيا كثيراً ما تبلغ وتخاطب الإدارة العليا بخصوص بعض الحالات تهرباً من المسئولية في الوقت الذي تلتزم الصمت والسكوت المتعمد في بعض الحالات الأخرى نتيجة لليأس والقناعة المسبقة بعدم جدوى مفاتحة الإدارة العليا بالحالات المستجدة (xxvii). وبسبب نقص البيانات الواقعية فإن الإدارة العليا في بعض الحالات غالباً ما تكون في موقع غير قادرة فيه على اتخاذ القرار الصحيح وعليه تحس بأنها مرغمة على قبول تخمينات ومقترحات المستويات الدنيا في أمور تعد مهمة على مستوى الاقتصاد القومي كلاً.
- الخاصية الثالثة: هو أن النظام المركزي قائم على أساس إهمال آلية السوق، حيث أن أدوات السعر والربح ونسبة الفائدة على القروض وتكاليف الإنتاج مهملة كلياً في اختيار نوع النشاط الاقتصادي وطريقة الإنتاج. فالتوجيهات والأوامر التي تصدر من الإدارة العليا مع الخطة المركزية هي التي تقرر مدى القدرة على استعمال تلك المصادر ووسائل الإنتاج وإمكانية إحلال وسائل الإنتاج مع بعضها. والنتيجة المنطقية المباشرة لإهمال مبادئ الربحية واستبعادها تمثل الفصل التام للمؤسسة عن السوق وعن التأثير الفعال في هيكل الإنتاج ونوعه (نوع النشاط الاقتصادي). ففي الحالة التي توجه فيها الإدارة المركزية المؤسسات الإنتاجية لإنتاج منتوج معين فإنها لا تكون في مركز يؤهلها لاتخاذ القرارات المتعلقة بالمسائل الخاصة بالهيكل العام للإنتاج.إن المؤسسات التي يدار نشاطها داخلياً من قبل الإدارة المركزية العليا وبالتالي إهمالها لتغيرات السوق- لا تكون لها سوى فرصة ضعيفة في التكيف لمتطلبات السوق، وسيؤدي هذا بالنتيجة إلى أن تنتج المؤسسات تشكيلة من المنتجات لا تتلاءم مع رغبات السوق في كثير من الأحيان.(23/23)
في كثير من الدول التي طبقت المركزية أسلوباً لإدارة الاقتصاد في المراحل الأولى للتنمية عدت الإدارة المركزية تفصيلات ورغبات المستهلكين وهيكل الطلب عاملاً ثانوياً. وبالنتيجة عن ارتفاع دخل الفرد (نتيجة للتنمية) وعدم كفاية عرض السلع الاستهلاكية تجعل المنتج على ثقة بأن السلع البسيطة الواطئة الجودة ستكون مقبولة من قبل السوق ومن ثم فالمستهلك سيجد نفسه ضمن حالة إجبار في اختيار السلعة المعروضة وهذا ما يوضع ضمن حالة مخاطرة المستهلك، وبالنتيجة فإن النظام الإداري المركزي يؤدي في كثير من الأحيان إلى إيجاد حالة عدم استقرار وإن كثيراً من المؤسسات ستواجه الفشل في تحقيق أهدافها أو تحقيق النظام الاقتصادي المنشود للبلد.
ثانياً: النظام الإداري الباراميتري (اللامركزي) كنموذج إداري بديل مقترح:(23/24)
إن أي نظام إداري للاقتصاد يتجاهل آلية السوق سيجد نفسه آجلاً أو عاجلاً بعيداً عن العقلانية والرشد، وذلك أن تخطيط وإدارة الاقتصاد من غير أخذ السوق بنظر الاعتبار غير ممكن من الناحية الفنية طالما لا توجد آلية أخرى ممكن أن تقدم البيانات والمعلومات الكافية والكفء لتوجيه الاقتصاد في البلد. فآلية السوق تعد عنصراً مهماً في توجيه الاقتصاد ولذلك نرى دائماً ولاعتبارات تنظيمية داخلية Self Regulation خاصة بالإنتاج في بعض فروع الاقتصاد التي تركز عليها الإدارة المركزية، إن آلية السوق حاسمة وعندها سيكون التخطيط المركزي أكثر عقلانية وعمليات التأقلم تكون سريعة ومرنة، ومن ثم تتمكن آلية السوق الكفوءة من التعرف على حاجات وتفضيلات المستهلكين وإعطاء الصورة الواضحة عن ذلك المخطط.ولهذا إن على المركز أن يحرك مبادئ وعوامل السوق- من خلال الأدوات الاقتصادية كالسعر، نسبة الأرباح والمساعدات والإعفاءات والضرائب- بالطريقة التي تؤمن حالة التوازن. وبذلك تتمكن الإدارة المركزية من خلق وتهيئة الظروف الخارجية المناسبة للمؤسسات الإنتاجية العاملة خارج هيكل الإدارة المركزية التي تساعدها في تحقيق الأهداف المركزية من خلال نشاطاتها المختارة بحرية في ضوء تلك الظروف.
لقد أثبتت نظرية إدارة الاقتصاد من مسار تطورها أن النظام الإداري اللامركزي المستند إلى استعمال معايير القيمة والأدوات الاقتصادية سجل تقدماً على المركزية وخصوصاً على النظام الإداري الأمري المباشر، وعليه فإن الانتقال من تطبيق النظام الإداري المركزي إلى النظام الإداري اللامركزي يمثل مرحلة ضرورية في مسار تطور نظرية آلية إدارة الاقتصاد الوطني(xxviii).
1- طبيعة النظام الإداري الباراميتري:(23/25)
في ظل هذا النظام أن أهداف الخطة القومية لا تأخذ الصيغ الأمرية عند إصدارها ولا عند تنفيذها من قبل المؤسسات التي تعمل ضمن الهيكل التنظيمي للدولة وتتمتع باللامركزية الإدارية أو المؤسسات المخصخصة التي تعمل في إطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة، ذلك أن هذه المؤسسات غير ملزمة بتنفيذ أهداف الخطة إلا في ضوء ما تراه متناسباً مع إمكانياتها وأهدافها. ولا يستخدم أي مقياس أو ضغط إداري لإجبار الوحدة الاقتصادية على أن تتطابق وتستجيب مع أهداف الخطة المركزية، ولا يعني هذا أن في ظل هذا النظام تفقد الإدارة المركزية سيطرتها على توجيه النشاط الاقتصادي كماً ونوعاً في الوحدات الاقتصادية. إذ لو حصل ذلك لخرج الأمر عن نطاق مفهوم النظام الاقتصادي الموجه. فهناك آلية اقتصادية تربط الإدارة المركزية بالوحدات الاقتصادية المنفذة في المستويات الدنيا، هذه الآلية تتم من خلال استخدام الإدارة المركزية لنظام الحوافز- المساعدات والإعفاءات- كي تستميل الوحدة الاقتصادية لتتوافق في أهدافها بصورة طوعية مع أهداف الخطة المركزية. ويجب أن تهيئ هذه الآلية الظروف التي تجعل الوحدة الاقتصادية تتحسن تلقائياً. إن المنافع والامتيازات التي تعود على الاقتصاد الوطني هي أيضاً منافع وامتيازات للوحدة الاقتصادية والعاملين فيها(xxix).(23/26)
إن الإدارة المركزية العليا في ظل هذه الآلية الاقتصادية توجه الإدارات التنفيذية من خلال مجموعة من الأدوات والمحددات الاقتصادية Economic Parameters مثل الضرائب ،مستوى الأجور، الإعفاءات، المساعدات وتسهيلات استيراد المواد الأولية أو تسهيلات التصدير ومن خلال هذه المحددات تستطيع الإدارة العليا أن توجه المؤسسات الاقتصادية طوعياً إلى اختيار نوع النشاط الاقتصادي الذي يحقق بالنتيجة أهداف الخطة التنموية وتستميلها في إنتاج التشكيلة السلعية والخدمية المطلوبة بالكم والنوع، ولهذا يسمى هذا النظام بالنظام الإداري الباراميتري أو نظام الإدارة بالمحددات Parametric System of Management.إن آلية عمل المؤسسات الاقتصادية في ظل الاقتصاد الإسلامي تستمد هذه المحددات من قواعد وتعاليم الشرع.
2- ديناميكية العمل في ظل النموذج الإداري الباراميتري:
إن النظام الاقتصادي في ظل هذا النموذج يُدار من خلال استخدام الإدارة لمجموعة من الأدوات الاقتصادية والثوابت المشار إليها Management through Parameters. فالدولة- السلطات الاقتصادية المركزية في ظل هذا النظام تحفز المؤسسات المستقلة لتحقيق أهداف الخطة النوعية عن طريق استخدام الأدوات والآلية الاقتصادية Economic Instrument and Mechanism . فالأسعار والأجور وأقساط التأمين والضرائب ونسبة الأرباح والقروض وسماحات النقل ليست سوى أدوات ومحددات (باراميترات Parameters) اقتصادية تستخدم من قبل الإدارة المركزية لتطويع نشاطات المؤسسات كي تتوافق أهدافها مع الأهداف المركزية.(23/27)
إن الباراميتر هو في الواقع قيمة اقتصادية توضع من قبل الإدارة المركزية والوحدة الاقتصادية، تستخدم هذه القيمة في حساباتها الاقتصادية لاختيار أفضل نشاط وأفضل مشروع حسب دون أن تكون ملزمة بالأخذ بهذا المحدد. وهنا يجب التمييز بين الباراميتر الواقعي True Parameter، والباراميتر غير الواقعيFalse Parameter . فالباراميتر الواقعي هو ذلك المعيار أو الثابت الذي يعكس الندرة لمختلف عوامل الإنتاج معبر عنها بالعرض والطلب عليها. ويوضح العلاقة بين عوامل الإنتاج الأساسية (التقليدية) والتكميلية وكذلك الظروف المحيطة بالبضاعة وسوقها. وهذا الباراميتر يعطي وزن حقيقي لمختلف عوامل الإنتاج ويوضح أو يعكس أهميتها الحقيقية في مرحلة النمو الاقتصادي المعينة، فإذا لم يحدد الباراميتر ويوضح من خلال اتباع الأسلوب العلمي في التحليل الاقتصادي وإذا لم يعكس الندرة الحقيقية للسلع وظروف الإنتاج والسوق فإنه سيوصف بأنه باراميتر فاشل وضعيف ولا يعكس الصورة الحقيقية لواقع ظروف الإنتاج والسوق. مثل هذه الباراميترات تنشأ من خلال التصرف والقرار الاعتباطي للسلطة الإدارية المركزية وغالباً ماتعكس وجهة نظرها فقط. من هذا نستنتج أنه لكي يكون نظام الإدارة الباراميتري كفء وفعال ولكي تتمكن الإدارة المركزية من استخدام الأدوات الاقتصادية لقيادة وتوجيه الوحدات الاقتصادية- اللامركزية أو المخصخصة- بكفاءة وبشكل يتلاءم مع أهداف الخطة الاقتصادية والاجتماعية والقومية يفترض أن تكون الباراميترات واقعية وتعكس بشكل صحيح ودقيق ندرة عوامل الإنتاج وتوازن السوقxxx. وعندما يترك للمؤسسة حريتها في اختيار نشاطها الاقتصادي وأسلوب تنفيذ برامجها الإنتاجية فإن الأدوات الباراميترية الإدارية تؤدي دوراً هاماً في قيادة المؤسسة وجرها لاتخاذ قرارات اقتصادية تنسجم مع أهداف الخطة الاقتصادية القومية. وللحصول على الخيارات الاقتصادية المناسبة فإن المؤسسات تستخدم عادة(23/28)
الحساب الاقتصادي ذلك أن هدفها تحقيق أعلى عائد ممكن. ولهذه المؤسسات القدرة والمرونة كي تختار من بين مجموعة من البدائل المتمثلة في (ماذا تنتج، وكيف تنتج، وأين تنتج، ومتى تنتج) وهذا الخيار يحدد في ضوء الظروف الفنية والتنظيمية ومنها القوى العاملة في المؤسسة من جهة وبقواعد التوجيه Rules of Conduct الموضوعة من قبل الإدارة المركزية من جهة أخرى .فالباراميتر الحقيقي والواقعي يوضح لكل الوحدات الاقتصادية وبشكل دقيق أي من عوامل الإنتاج وبأي نسبة يفترض أن يستخدم في الإنتاج لتقليل المدخلات. وبعد أن تقوم المؤسسة بتقدير تكاليف الإنتاج فإنها ستختار الحلول والبدائل التي تؤدي إلى تضخيم المردود العام لنشاطها الاقتصادي.
وإذا ما أحست الإدارة المركزية (إدارة الدولة) في لحظة معينة بأن النشاطات المختارة- من قبل المؤسسات المخصخصة أو التي تتبع النظام الإداري اللامركزي- وأساليب وطرق الإنتاج المستخدمة أصبحت غير مرغوبة (في الكم والكيف والتوقيت) في ضوء تطورات الاقتصاد الحديث فإنها تلجأ إلى تعديل وتحدث الباراميتر الموجود (السائد). هذا التحديث يتم عن طريق التحليل الاقتصادي الشامل لعوامل التنمية في المرحلة الراهنة. على ضوء هذا التعديل فإن المؤسسات تنزع إلى اللجوء إلى خيارات وحلول فنية واقتصادية أخرى.ولكي تنفذ الإدارة المركزية الأهداف الموجودة من وراء تعديل الباراميتر، وتستجيب المؤسسات الاقتصادية للسياسة المركزية المطلوبة،فإنها يجب أن تستخدم الوسائل التي تجعل المؤسسات الاقتصادية تدرك بأن الباراميترات الجديدة مرتبطة ومتناسبة مع الاتجاه العام لنشاطها الاقتصادي. قوة الاستمالة هذه Persuasion تعتمد بالطبع على كفاءة نظام الحوافز المادية المستخدمة مع عملية إدخال الباراميترات الجديدة. هذه الحوافز يجب أن تنبع من الأهداف الموضوعية للمؤسسات الاقتصادية وتجاربها.(23/29)
وهنا قد يتساءل المرء عن شروط وظروف تطبيق النظام الإداري الباراميتري؟. أول ما يتطلبه هذا النظام هو جهازاً إدارياً كفءً ومدراء أكفاء في كافة المستويات ونظام عمل كفء وأهداف واضحة. إذ يفترض بالجهاز الإداري أن يتصف بالإمكانيات التي لا تؤهله إلى فهم مبادئ آلية هذا النظام وحسب وإنما تؤهله لأن يكون قادراً على الاستخدام الكفء للوسائل والأدوات المناسبة لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المرجوة من تطبيقه، ولهذا ينبغي للإدارة المركزية المستخدمة في المراحل الأولى لعمليات التنمية أن تعمل على تهيئة هذا الجهاز وأدواته كي تسهل عملية الانتقال إلى اللامركزية الإدارية أو التخصيص في المرحلة اللاحقة. في ظل هذا النظام الإداري الباراميتري تكون الحدود بين متخذي القرارات ومنفذيها واضحة ومميزة؛ وذلك لأن كل وحدة اقتصادية في أي مستوى من المستويات ستتخذ قرارها الخاص في ضوء إمكانياتها ووضعها التنافسي، وهي مسئولة ذاتياً عن نتائج قراراتها. وهنا تختلف الإدارة المركزية عن الإدارة في ظل هذا النموذج فالقرارات في ظل النظام الإداري المركزي ليس من الضروري أن ترتبط بالمسؤوليات. وعلى الأغلب تتحمل المسؤوليات التنفيذية مسئولية قرارات المستويات الإدارية الأعلى.
ولكي يكون في ميسورنا صياغة النظام الإداري الباراميتري وتطبيقه يجب أن يتسم النظام الاقتصادي بدرجة من النضج وأن تكون التنمية متجانسة والعلوم الاقتصادية متقدمة، وعليه قد لا يتناسب النظام الإداري الباراميتري مع الاستراتيجية الهادفة إلى تعجيل عمليات النمو بطرق استثنائية. فعندما تكون عمليات التنمية ملحة والأجهزة الاقتصادية غير ناضجة والاقتصاد مغلفاً يكون من الصعوبة وضع باراميتر واقعي دقيق وكفء ولهذا يطبق هذا النظام في ظل الاقتصاد الذي تخطى هذه المرحلة ونضج(xxxi).
العوامل المتحكمة في خصائص النموذج الإداري البديل:(23/30)
في البدء لا بد من التنويه إلى أن المعيار الذي يجب أن يستخدم في اختيار النظام الإداري يجب أن يستند دائماً إلى أساس كفاءة النظام في الاستجابة لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وليس على أساس التمسك بأطر أيدلوجية معينة.
إن اختيار النظام الإداري البديل يتطلب تحديد معيار الاختيار Criteria of Choice، ثم التفكير في طرق أحداث التغيير في النظام الإداري، ويمكن تبيان معياران أساسيان في اختيار النظام الإداري هما(xxxii) :
1- إمكانيات تطبيق النظام The Possibilities of its Application.
2- كفاءة آلية النظام Instrumental Efficiency of the System.
تعتمد إمكانية التطبيق نموذج إداري معين على:
1- الحالة الواقعية للبلد المعني. 2- على المعرفة المتعلقة بتطور واستخدام الأدوات الإدارية. 3- وعلى الإمكانيات الفنية والتنظيمية المتاحة الكامنةPotential في الاقتصاد. 4- وعلى مستوى الوعي الاجتماعي. 5- وعلى الهيكل العام للنظم الاقتصادية والاجتماعية.
وهناك شروط كفاءة تفصيلية في النظام الإداري المختار إذا ما أريد له أن يقود النشاطات الاقتصادية بكفاءة يمكن حصرها في النقاط الثلاث الآتية:
ا) يجب أن يكون النموذج الإداري المختار انتقائياً، أي يجب أن يختار اختياراً دقيقاً بحيث يكون قادراً على ترتيب وتنظيم الأحداث الاقتصادية وتنظيمها بأعلى درجة من الدقة والتفصيل.
ب) النموذج الإداري يجب أن يؤمن التحفيز للعمليات الإبداعية، أي يجب أن يكون من النوع القادر على تنبيه Score المؤسسة الاقتصادية لاستخدام إمكانياتها وطاقاتها الإنتاجية الكامنة وفي الوقت نفسه أن يكون لديه رد الفعل السريع للتغيرات الحاصلة في الحالة الاقتصادية .(23/31)
جـ) النموذج الإداري يجب أن يتصف بقدرته في التأثير المستقر المتوازن، أي يجب أن يكون لديه القدرة على تأمين التوازن بين الكميات الاقتصادية وبين عمليات كل المؤسسات المشاركة في العمليات الإنتاجية. وحالة الاستقرار هذه لا تعني بأن الإنتاج ثابت لا يتغير وإنما تعني أن التغيرات التي تظهر فيه تكون منتظمة Consistent ومتناسقة بحيث يحافظ على حالة التوازن.
الخلاصة والنتائج:
مما ورد في البحث يمكن استخلاص النتائج التالية:
1- إن واقع التنمية في الدول النامية جعلها في حاجة إلى إعادة التغيير والإصلاح الاقتصادي الذي يقوم على ما يسمى تحرير الاقتصاد والاعتماد على آليات السوق أي التحول نحو الخصخصة، وكان ذلك مدعاة لطرح أكثر من سيناريو للخصخصة وأسلوب إدارتها بحيث أضحت الخصخصة أهم ظاهرة اقتصادية في بداية الألفية الثالثة باعتبارها وسيلة رئيسية للنمو.ولكن رغم تطبيقاتها على مدار عقود إلا أن آلية التنفيذ التي يمكن أن توصل الخصخصة إلى أهدافها بقيت إلى الآن دون الطموح، لذا فإن الباحث يوصي باستخدام النظام الإداري الباراميتري كنموذج إداري لإدارة النشاط الاقتصادي في المؤسسات المخصخصة باعتباره يؤمن للمؤسسة الاقتصادية حرية الاختيار لنشاطها الاقتصادي وطريقة الأداء من جهة ويؤمن تناسب أهدافها ونشاطها مع الأهداف الاستراتيجية للتنمية في البلد المعني من جهة أخرى.(23/32)
2- يُنظر إلى الخصخصة من قبل البعض على أنها مجرد إعادة ملكية القطاع العام إلى الأفراد، وتعني لدى آخرين بأنها مجرد العودة إلى العمل بآليات السوق دون إعادة الاعتبار للقطاع الخاص. إن التخصيص بهذا الأسلوب يفقد المغزى منه لأن الخصخصة عملية شاملة، فالقطاع الخاص كان موجوداً في كلا المنهجين الاشتراكي والرأسمالي ولهذا فالعودة إلى مجرد تنشيط للقطاع الخاص في إطار سيطرة أفكار كهذه لا تعطي لعملية التخصيص معناها ولا تساعد على تحقيق أهدافها. إن نقل الملكية هو محور أساسي في عملية الخصخصة إلا أنه لا يمثل إلا مرحلة واحدة من مراحل عمليات الخصخصة. ولكي تتم هذه العملية بنجاح يجب أن تستجيب البنى القائمة إلى متطلباتها كما يجب أن تتمتع العناصر الاقتصادية بالديناميكية والقدرة على التفاعل معها. فالخصخصة لا تمثل غاية في حد ذاتها وإنما هي وسيلة لتحقيق غايات، ولتحقيق هذه الغايات يجب أن تستند سياسة الخصخصة إلى مقومات وركائز اقتصادية وإدارية ومؤسسية وتشريعية تمكن من تكيفها بما يناسب ظروف الواقع الذي تطبق فيه. عليه فإن الخصخصة يفترض أن تفهم في إطار "تحرير الاقتصاد من العوائق التي تؤثر على حركة عوامل الإنتاج" تقليص دور النشاط الاقتصادي العام، العمل بآليات اقتصاد السوق مع إعادة النظر في القوانين والتشريعات وصياغتها بشكل يساعد على تحرير النشاط الاقتصادي من الظواهر المعيقة".(23/33)
3- تبين أن بناء النظام الإداري للاقتصاد الوطني وطبيعته وإدارته وأدواته المترافقة معه يتأثر بمستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية.ففي المراحل الأولى لعملية التنمية فإن شكل النظام الإداري سيكون من النوع الذي يعتمد على مركزية عالية في اتخاذ القرارات معتمداً على الأوامر الإدارية والتوجيهات المتشددة التي تحدد للمؤسسات تفاصيل عملها اليومي.وتلزم المؤسسات في أن تقوم بنشاطات بالكم والنوع والكيف، وأن دور المؤسسات الإنتاجية في ظل هذا النظام محدد بعملية تنظيم العمليات الإنتاجية على ضوء التعليمات الصادرة من المستوى الأعلى، فلا أثر لآلية السوق على تصرف المؤسسات الاقتصادية.
4- إن هذا الأسلوب في إدارة الاقتصاد يكون في تناقض مع متطلبات الإدارة الرشيدة للاقتصاد الجزئي، حيث أن إهمال آلية السوق يعني الفصل التام للمؤسسة عن السوق وعن تأثيره الفعال على طبيعة النشاط الاقتصادي ونوعه. فالمؤسسات التي توجه نشاطاتها مباشرة من قبل الإدارة المركزية العليا سيكون لديها فرصة قليلة في تأقلم نفسها لمتطلبات السوق، وهذا بالنتيجة يؤدي بالمؤسسة إلى أن تنتج تشكيلة من المنتجات لا تتلائم مع حاجات السوق في كثير من الأحيان. عليه فإن على الإدارة المركزية أن تحرك مبادئ وعوامل السوق من خلال الأدوات الاقتصادية المركزية كالسعر والمساعدات والإعفاءات والضرائب... الخ بالشكل الذي يؤمن حالة التوازن لصالح الأهداف المركزية المنشودة ويهيئ الظروف الخارجية المناسبة للمؤسسات الاقتصادية.(23/34)
5- إن تجربة آلية السوق الكاملة وما آلت إليه من هدر في استخدام الموارد المتاحة مادية وبشرية- مع استثناءات- وتجربة الإدارة المركزية وما آلت إليه من كبح للمبادرات وعد كفاءة الوحدات الاقتصادية التي تعطي أرضية صلبة لوضع نظام إداري باراميتري معتمد على مجموعة من المعايير والأدوات الاقتصادية المناسبة التي تمكن من منح الحرية للمؤسسات لزيادة كفاءتها وتحدد الظروف التي تجعل تلك المؤسسات تسير في فلك تلك الأهداف المركزية من خلال نشاطاتها المختارة بحرية وعلى ضوء الحساب الاقتصادي المهيأة قواعده وأسسه من قبل المركز.(23/35)
6- في ظل النظام الإداري الباراميتري، فإن أهداف الخطة القومية لا تأخذ الصيغة الأمرية عند إصدارها ولا عند تنفيذها من قبل المؤسسات الإنتاجية، حيث أن المؤسسات غير ملزمة بتنفيذ أهداف الخطة إلا على قدر ما تراه مناسباً مع إمكانياتها وأهدافها. إلا أن هذا لا يعني بأن الإدارة المركزية تفقد سيطرتها في توجيه نشاطات المؤسسات الاقتصادية، حيث هناك آلية اقتصادية تربط الإدارة المركزية بالوحدات الاقتصادية المنفذة في المستويات الدنيا. فالإدارة المركزية في ظل هذه الآلية الاقتصادية توجه الإدارة التنفيذية الدنيا من خلال مجموعة من الأدوات والمحددات الاقتصادية التي تمثل حوافز تساعد في تهيئة الظروف الخارجية المناسبة التي تجعل المؤسسات الاقتصادية تتماشى طوعياً في أنشطتها الاقتصادية المختارة مع تحقيق الأهداف المركزية.إن هذه الأدوات الاقتصادية- باراميترات- ما هي إلا قيم اقتصادية تحدد بواسطة المركز وإن الوحدة الاقتصادية تستخدم هذه القيم في حساباتها الاقتصادية لاختيار أفضل نشاط أو أفضل مشروع. وهناك باراميتر واقعي وآخر غير واقعي، فالبارميتر الواقعي هو ذلك المعيار أو الثابت الذي يعكس الندرة لمختلف عوامل الإنتاج ويعكس الظروف المحيطة بالسلعة وسوقها ويعطي وزن حقيقي لمختلف عوامل الإنتاج، ويوضح أهميتها الحقيقية في مرحلة النمو الاقتصادي. إن الباراميتر إذا لم يحدد ويوضع من خلال اتباع الأسلوب العلمي في التحليل الاقتصادي وإذا لم يعكس الندرة الحقيقية للسلع وظروف الإنتاج والسوق فإنه يوصف بأنه باراميتر فاشل وضعيف ولا يعكس الصورة الحقيقية لواقع وظروف الإنتاج والسوق، وانه سيمثل وجهة نظر الإدارة المركزية لا غير. إن لدى المؤسسات الاقتصادية القدرة والمرونة كي تختار من بين مجموعة من البدائل المتمثلة في (ماذا تنتج وكيف تنتج وأين تنتج ومتى تنتج).وهذا الخيار يحدد على ضوء الظروف الفنية والتنظيمية للمؤسسات. وإذا ما أحست(23/36)
الإدارة المركزية في لحظة معينة بان النشاطات المختارة وأساليب وطرق الإنتاج المستخدمة أصبحت غير مرغوبة (في الكم والتوقيت) على ضوء تطورات الاقتصاد الحديث فإنها تلجأ إلى تعديل وتحديث الباراميتر الموجود، وهذا التحديث يتم عن طريق التحليل الاقتصادي الشامل لعوامل الإنتاج في المرحلة الراهنة. وعلى ضوء هذا التعديل فإن المؤسسات تنزع إلى اللجوء إلى حلول وخيارات فنية واقتصادية أخرى.
7- أن تطبيق النظام الإداري الباراميتري يتطلب جهازاً إدارياً متطوراً ومدراء أكفاء. وعليه لكي يمكن صياغة وتطبيق النظام الإداري الباراميتري يجب أن يتسم النظام الاقتصادي بدرجة من النضوج وأن تكون التنمية متجانسة والعلوم الاقتصادية متقدمة. وعليه فإن هذا النظام قد لا يتناسب مع الاستراتيجية الهادفة إلى تعجيل عمليات النمو بطرق استثنائية، حيث عندما تكون عمليات التنمية ملحة والأجهزة الاقتصادية غير ناضجة والاقتصاد مغلق فإنه من الصعوبة وضع باراميتر واقعي دقيق وكفء ،ولهذا فهو يطبق لإدارة الاقتصاد الذي تخطى هذه المرحلة ونضج.
وعليه فإن الباحث يرى بأن هذا النموذج- نظام الإدارة الباراميتري- يتناسب مع متطلبات إدارة التنمية في هذه المرحلة التي شاع فيها الاتجاه نحو الخصخصة كأسلوب للتنمية. نموذجاً مناسباً لرفع كفاءة أداء المنشآت المخصخصة وتطويع أهدافها بما يتماشى مع الأهداف العامة لاستراتيجية التنمية.
المراجع
1- janusz Beksiak, B. Czarniawska. Enterprise Response under the Socialist Management System. Oeconomica Polonia,1977 No 2, p211.
2- janusz Beksiak, U. Libura. The Management System of Socialist Production. Oeconomica Polonia,1975 No 2, p113, Poland, Warsaw.
3- B. Glinski. System of Central Management of The Socialist Economy and its Evaluation, Oeconomica Polonia,1979 No 1, p45, Poland, Warsaw.(23/37)
4- الفايز، خالد، دور المؤسسات المالية في عملية الخصخصة، مجلة المصارف العربية، العدد 222، حزيران 1999م.
5- العطية، عبد الحسين، الخصخصة في البلدان النامية: سلبياتها وإيجابياتها، مجلة دراسات، المجلد(25) - العدد 1، كانون الثاني 1998م.
6- عجلان، صبري، التخصصية، مجلة المصارف العربية، العدد 221، آيار 1999م.
7- النجار، فريد، إدارة الأعمال الاقتصادية العالمية مفاتيح التنمية التنافسية والتنمية المتواصلة، القاهرة 1999م.
8- مرزوق، نبيل، الخصخصة وأبعادها الاقتصادية والاجتماعية في كتاب الخصخصة أفاقعا وأبعادها للدكتور محمد رياض الأبرش والدكتور مرزوق، دار الفكر - دمشق، ط1، 1999م.
9- عفيفي، صديق محمد، التخصصية والإصلاح الاقتصادي المصري، القاهرة، مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام، 1991م.
10- مرزوق، نبيل، مصدر سابق، ص86.
11- الأبرش، محمد رياض، الخصخصة أفاقها وأبعادها، دار الفكر- دمشق، ط1، ص3، 1999م.
12- مرزوق، نبيل، مصدر سابق، ص78.
13- مرزوق، نبيل، مصدر سابق، ص163- 165.
14- العطية، مصدر سابق.
15- عاشور، أحمد صقر، الإصلاح الإداري لدعم سياسات الإصلاح الاقتصادي، محرر الإصلاح الإداري لدعم سياسة الإصلاح الاقتصادي للدول العربية، 1997م.
16- سالم، عبد الله، الخصخصة وتقييم الأسهم والأصول في البورصة، القاهرة 1996م،
ص35.
17- الفايز، مصدر سابق، ص166.
18- عاشور، مصدر سابق، ص48.
19- Cite Par Michel Chossu Dovsky in la Mondialisation De la Pouvrete Ed.Ecosociete- Montreal- Canada 1998, P62.
20-W lmichel Chossudovsky " Comment eviter la Mondialisation de la Pauvrete" ,September 1991. le monde iplomatique.
21- مرزوق، نبيل، مصدر سابق، ص190.
22- O.Lange. Podstawow zagadnienie okresu bodowy socalizmu in zagadnienie ekomomij politycznj socializmu. 2ed Warsaw1959, pp55- 56.(23/38)
23-j.z majminas. Procesy planowania w gospodarcze naradowej- aspect informasyinj- Warsaw1974, P458.
24-W. Capan. Direct and indirect instruments of managemnet. Oeconomica polona1977 No3-4, Poland, Warsaw.
25-W. caban Direct and Indirect...Op. CIT, p114.
26-M. Nasilowski. The Political Economy of Socialism. Central School of Planning and Statistics Warsaw1982, P137.
27- Sadikowski and others. The Development Theory of Socialist Economy, 1974, P156- Warsaw.
(28)W. Nasilowski...op.cit, P40. SEE ALSO M.Nasilowski. ibid, P141.
29- O.Lange. Niektore zagadnienie centralizacji I decenntralizacji w zarzadzanu. Pracowania ogolnych problemow organizacji pracy PAN.Warsaw1962.
30- Z.Bablewski. Introduction to economic planning. Central school of planning and statistics, Warsaw1979, P2.
31- K.Piotrowski. Alternative tools in a decentralized system of planning and management. Oeceonomica polona1984, No1, P75- Warsaw.
32- M. Nasilowski... op. cit, p137.
33- M. Nasilowski... ibid, p145.
34- M. Nasilowski... ibid, p146.
35- M. Nasilowski... ibid, p145-147.
36- janusz Beksiak, U. Libura. Op.. cit, p136.
??
??
14 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
النموذج الإداري البديل في ظل الخصخصة 15(23/39)
تجربة قسم الاقتصاد في
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
خلال ربع قرن (1399-1424هـ)
ورقة عمل مقدمة للمؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي
جامعة أم القرى - مكة المكرمة (محرم 1425هـ)
د. محمد بن إبراهيم السحيباني
د. سعود بن عبد العزيز المطير
د. عبد الله بن سليمان الباحوث
قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية
كلية الشريعة بالرياض- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
ملخص البحث
تستعرض هذه الورقة تجربة قسم الاقتصاد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية منذ إنشائه عام 1399هـ حتى تاريخ إعداد هذه الورقة؛ حيث تبين خطوات إنشاء القسم، وأهدافه، والوسائل المطلوبة لتحقيقها، والإنجازات التي تحققت فعلا من خلال تتبع مسيرة تطور القسم. وتركز الورقة بشكل خاص على معالم الخطط الدراسية التي دُرِّست بالقسم، واستشراف الرؤية المستقبلية للقسم في ظل الفجوة الحالية بين واقع القسم والمأمول منه.
1- مقدمة:
يمثل الاقتصاد الإسلامي طريقا متميزا للبناء الاقتصادي يفوق في دقته وروعته وكماله أي طريق عرفته البشرية على مر عصورها؛ إذ أنه يستند إلى المبادئ والأصول التي جاء بها القرآن الكريم والسنة المطهرة، وقد تركزت اجتهادات علماء المسلمين المشهود لهم بوفرة العلم وعمق النظر منذ القرن الثاني الهجري في تبيان حكم الشريعة الغراء في المعاملات الجارية واستظهار الحلول التي تتفق مع مبادئ الإسلام وأصوله في كل ما يعرض عليهم من مشكلات اقتصادية.
وإذا كان الاقتصاد التقليدي بسبب ظروف نشأته قد انفصل تماما عن الدين فإن أهم ما يميز الاقتصاد الإسلامي ارتباطه التام بالإسلام عقيدة وشريعة. ومن ثم فقد تحتم علينا أن ندرس الاقتصاد الإسلامي باعتباره جزءا من نظام الإسلام الشامل يرتبط بالعقيدة ارتباطا وثيقا ويتسق في نظمه مع مبادئها وأهدافها.(24/1)
وكان من الطبيعي أن يأخذ الاقتصاد الإسلامي مكانه الحقيقي في عالمنا المعاصر، فقد تنبه إلى شموله وكماله إلى جانب المسلمين كثير من علماء الغرب واعتبروه المذهب الأمثل الذي سوف يسود عالم المستقبل القريب بإذن الله. وأصبحت الدراسات الاقتصادية في الإسلام موضع اهتمام الكثيرين من علماء الشريعة وأساتذة الاقتصاد على السواء في شتى بقاع الأرض.
1- 1 خطوات إنشاء قسم الاقتصاد الإسلامي:
منذ ما يقرب من ثلاثين سنة أخذت المؤتمرات الإسلامية العالمية تولي الاقتصاد الإسلامي كل اهتمامها ورعايتها. وكان من بين التوصيات التي أوصت بها المؤتمرات الأولى في هذا المجال هو أن تعنى جامعات العالم الإسلامي بتدريس الاقتصاد الإسلامي ورعاية البحث العلمي في مجالاته، وقد بادرت بعض الجامعات في ذلك الحين إلى تنفيذ هذه التوصيات بصفة جزئية وذلك بتدريسها الاقتصاد الإسلامي كمقرر مستقل في مرحلة البكالوريوس، أو في الدراسات العليا، أو كجزء مضاف إلى الاقتصاد التقليدي في عدد من المقررات.
ثم كانت المبادرة المباركة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إدراكا منها لأهمية الاقتصاد الإسلامي، وتحقيقاً للمعرفة الإسلامية الشاملة ، ومواكبة لما يجري في عالمنا المعاصر وإعدادا للباحث المسلم، وتطبيقاً لدورها القيادي ،حين قامت بخطوة رائدة - لم تسبق إليها في جامعة إسلامية - وهي إنشاء قسم متخصص في الدراسات الاقتصادية الإسلامية.(24/2)
حيث رأى مجلس كلية الشريعة بالإجماع في جلسته المنعقدة بتاريخ 15 رجب 1395هـ تأييد إنشاء قسم بكلية الشريعة بالرياض يعنى بالدراسات الاقتصادية الإسلامية يطلق عليه مبدئيا قسم الاقتصاد الإسلامي، وعندما يتدرج هذا القسم في استكمال مقوماته فإنه يمكن أن يستقل كوحدة مستقلة متميزة يطلق عليها (كلية الاقتصاد). وقد تبنى مجلس الجامعة هذا الاقتراح وبادر باتخاذ الإجراءات الكفيلة بوضعه موضع التنفيذ باعتباره متسقا مع سياسة الجامعة وأهدافها في خدمة الدراسات الإسلامية المتخصصة. وعقد اجتماع برئاسة مدير الجامعة الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي بهدف الإعداد العلمي والتخطيط المتكامل لإنشاء قسم الاقتصاد الإسلامي. وقد صدرت التوجيهات اللازمة بهذا الشأن في السادس من ربيع الأول عام 1399هـ.
فتم تشكيل لجنة برئاسة عميد كلية الشريعة بالرياض لتحديد أهداف قسم الاقتصاد الإسلامي في ضوء توجيهات معالي مدير الجامعة، وبعد أن فرغت اللجنة من عملها دعا معالي مدير الجامعة إلى عقد اجتماع في الثلاثين من ربيع الثاني عام 1399هـ بقصد تكوين لجنة فنية متخصصة لوضع الخطة الدراسية والمناهج بقسم الاقتصاد الإسلامي. وقد وجهت الدعوة لحضور هذا الاجتماع إلى عدد من كبار أساتذة الاقتصاد في مختلف الجامعات والمؤسسات الحكومية وأنجزت اللجنة مهمتها بعد اجتماعات مكثفة في التاسع من جمادى الثانية عام 1399هـ. وتم افتتاح القسم في مطلع العام الجامعي 1399/1400هـ.
1-2 الهدف والمنهج(24/3)
تهدف هذه الورقة إلى تقويم تجربة القسم منذ افتتاحه في عام 1399هـ إلى الوقت الراهن. ويتمثل منهج التقويم الذي اعتمدته الورقة في مقارنة أداء القسم الفعلي خلال السنوات الماضية بما اختطه لنفسه من أهداف عند إنشائه. ويدرك معدو هذه الورقة أهمية منهجية التقويم باستخدام معايير متفق عليها في مجال تقويم الأقسام العلمية المعتمدة لمقارنة أداء القسم بالأقسام المناظرة. وقد حال دون إتباع هذه المنهجية سببان: الأول هو عدم توافر معلومات كافية عن الأقسام المناظرة تمكن من استخدام هذه المنهجية في الوقت الحاضر، والثاني هو أن مصداقية هذا التقويم تنبع من صدوره من جهة مستقلة ومحايدة، وهو ما نأمل أن يتم تطبيقه في مجال التعليم العالي في المملكة قريباً.
ولتحقيق الهدف أعلاه تم تقسيم فقرات الورقة على النحو الآتي. يوضح القسم الآتي ( الثاني ) أهداف إنشاء القسم والوسائل الممكنة لتحقيقها، في حين يستعرض القسم الثالث الإنجازات التي تحققت فعلا من خلال تتبع مسيرة القسم خلال الفترة الماضية. وسيركز القسم الرابع على عرض معالم الخطط الدراسية التي درست في القسم بمزيد من التفصيل باعتبارها الأداة الرئيسة في تحقيق أهداف القسم من جهة، ولكونها أهم الإنجازات المتحققة من جهة أخرى. أما القسم الخامس فيستشرف مستقبل القسم في ظل الفجوة القائمة حاليا بين واقعه وما هو مأمول منه.
2- أهداف القسم ووسائل تحقيقها
1-1 أهداف القسم:
انتهت اللجنة التي شكلت برئاسة عميد كلية الشريعة بالرياض في عام 1399هـ لتحديد أهداف قسم الاقتصاد الإسلامي في ضوء توجيهات معالي مدير الجامعة إلى تحديد الأهداف المرجوة من إنشاء القسم في أمرين أساسيين:
أولهما: إعداد طليعة رائدة من الاقتصاديين الإسلاميين للعمل في مختلف أوجه النشاط الاقتصادي والإداري في المجتمع. شأنها في ذلك شأن خريجي معاهد وكليات الاقتصاد والإدارة والتجارة مع التميز بخلفية إسلامية متعمقة.(24/4)
ثانيهما: إعداد باحثين في الاقتصاد الإسلامي يجمعون بين الثقافتين الاقتصادية الفنية والإسلامية الفقهية، بحيث يمكن الاعتماد عليهم بعد متابعة دراساتهم العليا في خدمة وتدريس الاقتصاد الإسلامي، والذي يكاد أن يصبح اليوم مادة أساسية في مختلف المعاهد والجامعات الإسلامية، خاصة وأن قادة وشعوب العالم الإسلامي تتطلع إلى الوقوف على الحلول الاقتصادية الإسلامية لمختلف مشكلات العصر المتجددة.
2-2 وسائل تحقيق أهداف القسم
يتطلب تحقيق الأهداف التي من أجلها أنشئ القسم القيام بالآتي:
(1) إنشاء قسم دراسي للدراسات الجامعية والعليا، بخطط دراسية تخدم الاقتصاد الإسلامي، وتسهم في تخريج طلاب يجمعون بين الدراسة الاقتصادية الفنية والخلفية الشرعية الملائمة.
(2) تأهيل أعضاء هيئة تدريس يجمعون بين خلفية اقتصادية قوية وإلمام شرعي جيد.
(3) استقطاب عدد من المفكرين والباحثين المؤهلين في الاقتصاد الإسلامي، للاستفادة منهم في الأبحاث والتدريس.
(4) إنشاء مركز أبحاث للاقتصاد الإسلامي، وإصدار مجلة دورية متخصصة.
(5) تنظيم الندوات والمؤتمرات وورش العمل المتخصصة في الاقتصاد الإسلامي.
3- الإنجازات التي تحققت:
استطاع القسم في ضوء الظروف والإمكانات المتاحة تحقيق عدد من الأهداف التي أنشي من أجلها ، وذلك من خلال الآتي :
3-1 إنشاء برنامج للدراسات الجامعية (بكالوريوس) في الاقتصاد الإسلامي:
فكما أشير في المقدمة، افتتح القسم في مطلع العام الجامعي 1399/1400هـ. وهو يعد أول برنامج يقدم درجة البكالوريوس في الاقتصاد الإسلامي في جامعات العالم الإسلامي. وقد مر على القسم خلال مسيرته ثلاث خطط دراسية سوف نستعرض معالمها بالتفصيل في القسم الرابع من هذه الورقة. وقد بلغ عدد المتخرجين من القسم حتى نهاية العام الجامعي ( 1423-1424هـ ) 675 طالبا بمعدل 32 طالبا كل سنة.
3-2 إنشاء برنامج للدراسات العليا (ماجستير ودكتوراه) في الاقتصاد الإسلامي(24/5)
قام القسم في بداية العام الجامعي 1405/1406هـ بافتتاح برنامج الدراسات العليا لمرحلة الماجستير، وكان برنامج هذه المرحلة مكونا من سنة تمهيدية ورسالة. وتشتمل السنة التمهيدية على ثمانية مقررات، منها أربعة تخصصية وهي النظرية النقدية، والنظم الاقتصادية، والتنمية الاقتصادية، والنظرية الاقتصادية، ومقررين في تخصص الفقه وأصوله. الإضافة إلى مقرري الثقافة الإسلامية ومناهج البحث.
وافتتح برنامج الدراسات العليا لمرحلة الدكتوراه في عام 1412هـ. وقد تمت هيكلة البرنامج بحيث يتضمن مقررات دراسية واختبارات شاملة، يرشح من يجتازها للحصول على درجة الدكتوراه على أن تمنح له بعد إجازة الرسالة التي يتقدم بها للقسم. ويبين الملحق (د) عناوين أهم رسائل الماجستير والدكتوراه التي نوقشت في القسم.
وقد توقف برنامج الدراسات العليا في القسم، بهدف إعادة هيكلة البرنامج ليتواءم مع التطورات التي حصلت في مرحلة البكالوريوس ومع اللائحة الجديدة للدراسات العليا الصادرة من المجلس الأعلى للتعليم العالي. ويقوم القسم حاليا بوضع اللمسات الأخيرة على الخطة الجديدة للدراسات العليا في القسم والتي تتكون من أربعة مستويات دراسية وبحث تكميلي للماجستير وفصلين دراسيين ورسالة لمرحلة الدكتوراه . ويبين الملحق (هـ) الخطة الدراسية المقترحة للدراسات العليا في قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية.
3-3 تأهيل عدد من أعضاء هيئة التدريس تأهيلا أكاديميا عاليا:(24/6)
قامت الجامعة بابتعاث مجموعة كبيرة من خريجي الدفعات الأولى لتحضير درجتي الماجستير والدكتوراه في عدد من الجامعات العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا وبريطانيا بهدف تكوين نواة جيدة لأعضاء الهيئة التدريسية بالقسم من مدارس فكرية وعلمية متنوعة، وقد بدأ المبتعثون الحاصلون على درجة الدكتوراه في التوافد على القسم ابتداء من عام 1412هـ. وقد انضم عدد من خريجي برنامج الدكتوراه في القسم إلى عضوية الهيئة التدريسية، مما أسهم في زيادة تنويع الخلفية العلمية لأعضاء هيئة التدريس بالقسم. ويبلغ عدد أعضاء هيئة التدريس الحاليين في القسم 29 عضواً، يمثل الحاصلون منهم على درجة الدكتوراه 68% (يتضمن الملحق (ز) أسماء والدرجات العلمية لأعضاء هيئة التدريس والمحاضرين والمعيدين).
3-4 تأليف ونشر عدد من الرسائل العلمية والأبحاث المحكمة في الدوريات العلمية:
بالرغم من عدم إنشاء مركز أبحاث متخصص في الاقتصاد الإسلامي، أو تفعيل وحدة بحثية مستقلة بهذا المجال في عمادة البحث العلمي بالجامعة، فقد تم نشر العديد من الأبحاث المتخصصة ؛ إما من خلال طبع الرسائل العلمية، أو المساهمة في أوراق عمل أو بحوث في المؤتمرات والندوات والملتقيات العلمية الاقتصادية والمهتمة بجوانب من الدراسات الاقتصادية الإسلامية، أو بنشر الأبحاث في الدوريات والمجلات العلمية.
3-5 المشاركة في خدمة الجامعة والمجتمع:(24/7)
قام عدد من أعضاء هيئة التدريس في القسم بتقديم خدماتهم الاستشارية لوحدات الجامعة المختلفة. كما أن عددا منهم يتولى حاليا مناصب قيادية في الجامعة. وساهم العديد منهم في العمل كمستشارين متفرغين وغير متفرغين لدى عدد من الجهات الحكومية والخاصة (يتضمن الملحق (و) أبرز هذه الجهات). ويقوم أعضاء هيئة التدريس بنشاطات أخرى في خدمة المجتمع مثل إلقاء عدد من المحاضرات العامة والمتخصصة ، بالإضافة إلى المشاركة في الدورات والدبلومات التي تقدمها عمادة المركز الجامعي لخدمة المجتمع والتعليم المستمر، وكتابة زوايا أسبوعية ثابتة و مقالات قصيرة في الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية، وكذا المشاركة في البرامج الإذاعية والتلفزيونية.
4 معالم الخطط الدراسية للقسم
4-1 معالم الخطة الدراسية الأولى (1399- 1405هـ):
طبقت هذه الخطة ابتداء من افتتاح القسم في العام الجامعي 1399/1400هـ إلى نهاية العام الجامعي 1404/1405هـ. ويوضح الجدول (1) أهم معالم هذه الخطة.
جدول (1) معالم الخطة الدراسية الأولى
المقررات/المستويات
1
2
3
4
5
6
7
8
المجموع
النسبة
أصول الدين
11
1
3
7
7
3
5
5
42
27%
الفقه وأصوله
2
4
4
4
4
2
2
22
14%
الاقتصاد
3
3
3
4
7
10
11
12
53
34%
مساعدة
4
5
2
2
13
8%
اللغة العربية
4
4
8
5%
اللغة الإنجليزية
6
3
3
2
3
17
11%
المجموع
20
19
19
20
20
20
18
19
155
100%
تشمل مقررات أصول الدين: القرآن الكريم وعلومه، التفسير، الحديث، التوحيد، مقررات الثقافة الإسلامية
تشمل مقررات الفقه وأصوله: الفقه، أصول الفقه، القواعد الفقهية
تشمل المقررات المساعدة: الرياضيات، المحاسبة، الإحصاء، الإدارة(24/8)
كما يوضح الجدول (1) فقد بلغ عدد الوحدات الدراسية في هذه الخطة 155 موزعة على ثمانية مستويات دراسية. وقد قسمت هذه الوحدات إلى مقررات شرعية، منها مقررات خاصة بأصول الدين (27%)، و مقررات فقهية ذات صلة بالاقتصاد الإسلامي (14%)، و مقررات اقتصادية متخصصة (34%)، و مقررات مساعدة ذات طبيعة فنية محضة ؛كالرياضيات والإحصاء والمحاسبة والإدارة (8%)، و مقررات لغات عربية
(5%) وإنجليزية (11%)، وتهدف الأخيرة إلى تمكين الطالب من استخدام المراجع الأجنبية المتخصصة استخداما فعالا بعد إضافة دورة صيفية واحدة على الأقل في اللغة الإنجليزية. وقد اقترحت الخطة أن ينظم لطلاب القسم ابتداء من السنة الثانية برامج تدريبية في المؤسسات الاقتصادية في المملكة لتمكينهم من الإطلاع على سير العمل بها في ضوء دراساتهم المتخصصة (يتضمن الملحق (أ) مقررات السنوات الأربع في هذه الخطة).
4-2 معالم الخطة الدراسية الثانية (1405/1406هـ - 1422/1423هـ):(24/9)
نظراً لأن علم الاقتصاد من العلوم المتجددة التي تحتاج لإعادة النظر في محتوياتها بصفة مستمرة ، فقد تم تعديل الخطة الدراسية في القسم ابتداء من العام الجامعي 1405/1406هـ بهدف زيادة التركيز على المقررات التخصصية التي تزيد من التأهيل العلمي للخريجين ، وتلبي متطلبات سوق العمل وتتوافق مع المستجدات المعاصرة في المجال الاقتصادي ، وقد استلزم هذا زيادة عدد من المقررات المساعدة والتخصصية، مع الإبقاء على المواد الشرعية واللغوية مما أدى إلى زيادة عدد الساعات الدراسية المطلوبة للتخرج. وكما يوضح الجدول (2) تشتمل هذه الخطة الدراسية على 191 ساعة موزعة على ثمانية مستويات دراسية. وتتلخص أهم معالم الخطة الدراسية الثانية في الآتي: قسمت المقررات إلى مقررات تخصصية شرعية، و مقررات تخصص في الاقتصاد، و مقررات مساعدة ولغات. وقد أعطت الخطة أهمية مناسبة لمقررات أصول الدين والمواد الفقهية ذات الصلة بالاقتصاد الإسلامي، حيث بلغت نسبة ساعاتها إلى المجموع (20%) و(14%) على التوالي. بينما خصصت للمقررات الاقتصادية 40% من مجموع الساعات. أما بالنسبة للمقررات المساعدة فقد خصص لها 14% من المجموع. ولدراسة اللغة العربية والإنجليزية 5% و 8% من مجموع الساعات على التوالي.
جدول (2) معالم الخطة الدراسية الثانية
المقررات/المستويات
1
2
3
4
5
6
7
8
أصول الدين
6
4
4
6
6
6
3
3
38
20%
الفقه وأصوله
3
3
3
3
3
6
6
27
14%
الاقتصاد
7
6
8
4
9
12
15
15
76
40%
مساعدة
6
4
3
7
2
4
26
14%
اللغة العربية
3
3
3
9
5%
اللغة الإنجليزية
3
3
3
3
3
15
8%
المجموع
25
23
24
23
23
25
24
24
191
100%
تشمل مقررات أصول الدين: القرآن الكريم وعلومه، التفسير، الحديث، التوحيد، مقررات الثقافة الإسلامية.
تشمل مقررات الفقه وأصوله: الفقه، أصول الفقه، القواعد الفقهية .
تشمل المقررات المساعدة: الرياضيات، المحاسبة، الإحصاء، الإدارة.(24/10)
ومن الجدير بالذكر هنا أن هذه الخطة لم تطبق بالتدريج بل إنها طبقت على جميع المستويات في وقت واحد بعد إقرارها. (يتضمن الملحق (ب) مقررات السنوات الأربع في هذه الخطة).
4-3 معالم الخطة الدراسية الثالثة (1422/1423هـ - الآن):
تم تطبيق هذه الخطة ابتداء من العام الجامعي 1422/1423هـ بعد موافقة مجلس التعليم العالي في 23/6/1420هـ (الجلسة السادسة عشرة) على تعديل اسم القسم من قسم الاقتصاد الإسلامي إلى قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية وتشعيبه إلى ثلاث شعب هي الاقتصاد والمحاسبة وإدارة الأعمال، وذلك بناء على توصية مجلس الجامعة. والجدير بالذكر أن تغيير المسمى لم يغير من توجه القسم في تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها كما يؤكد ذلك التكوين الأساسي لمقررات الخطة الثالثة وأهداف مناهجها. حيث اهتمت الخطة الدراسية الثالثة بتزويد الطلاب بالمعلومات والمهارات الكافية في مجال تخصص القسم والتي تمكنهم من ممارسة العمل في مختلف المؤسسات والدوائر، كما تهيئ الراغبين منهم في مواصلة التحصيل العلمي للالتحاق ببرامج الدراسات العليا في التخصصات الثلاثة. وتتكون الخطة الدراسية كما يبين الجدول (3) من ثمانية مستويات خصصت الأربعة الأولى منها لتكون مشتركة بين جميع التخصصات ولذا فقد تم التركيز فيها على المتطلبات الأساسية ، أما المستويات الأربع الأخيرة فقد غلب عليها مقررات التخصص لكل شعبة ليتمكن الطالب من استيعاب جميع المقررات الأساسية لكل تخصص كما لو كان قسماً مستقلاً بذاته. وقد روعي عند توزيع المقررات التكامل والتناسب بينها من حيث المستويات والمكونات العلمية، كما روعي في الخطة أن تكون مرنة بحيث تسمح بأي تعديلات مستقبلية دون المساس بمكوناتها الأساسية التخصصية.(24/11)
وستركز هذه الورقة على استعراض خطة شعبة الاقتصاد. تشتمل هذه الخطة على 145 ساعة موزعة على ثمانية مستويات دراسية بواقع 18 ساعة لكل مستوى دراسي. وقبل الحديث عن معالم هذه الخطة تجدر الإشارة إلى ما يلي:
- تم تقليل الساعات المطلوبة للتخرج بما يتوافق مع الأقسام الأخرى المماثلة داخل المملكة وخارجها، حيث تمت دراسة الخطط الدراسية لعدد من أقسام الاقتصاد والاقتصاد الإسلامي في العديد من الجامعات.
- تم دمج عدد من المقررات المتماثلة أو المتشابهة.
- تم إدراج مقررات جديدة تتوافق مع التطورات الاقتصادية.
جدول (3) معالم الخطة الدراسية الثالثة
المقررات/المستويات
1
2
3
4
5
6
7
8
أصول الدين
3
5
5
5
1
1
1
1
22
15%
الفقه وأصوله
2
5
5
6
2
20
14%
الاقتصاد
3
3
6
11
15
17
17
72
50%
مساعدة
6
6
9
2
23
16%
اللغة العربية
2
2
4
3%
اللغة الإنجليزية
2
2
4
3%
المجموع
18
18
19
18
18
18
18
18
145
100%
تشمل مقررات أصول الدين: القرآن الكريم وعلومه، التفسير، الحديث، التوحيد، مقررات الثقافة الإسلامية.
تشمل مقررات الفقه وأصوله: الفقه، أصول الفقه، القواعد الفقهية.
تشمل المقررات المساعدة: الرياضيات، المحاسبة، الإحصاء، الإدارة.
ويمكن تلخيص أبرز معالم هذه الخطة فيما يأتي: قسمت المقررات إلى مقررات تخصصية شرعية، و مقررات تخصص في الاقتصاد، و مقررات مساعدة ولغات. وقد أعطت الخطة أهمية للمقررات الشرعية التي تتطلبها الجامعة حيث بلغت نسبتها 15% ونسبة مقاربة للمقررات الفقهية ذات الصلة بالاقتصاد الإسلامي
(14%)، في حين خصصت للمقررات الاقتصادية 50% من مجموع الساعات. أما بالنسبة للمقررات المساعدة فقد خصص لها 16% من المجموع. ولدراسة اللغة العربية والإنجليزية 6% من مجموع الساعات.(24/12)
وبخلاف الخطة الثانية فقد تم تطبيق هذه الخطة على نحو متدرج ابتداء من الفصل الدراسي الأول لعام 1422/1423هـ (يتضمن الملحق (ج) مقررات السنوات الأربع في هذه الخطة).
4-4 ملحوظات على الخطط الدراسية:
* يوضح الشكل (1) أن الخطة الثانية كان لها التأثير الأكبر على القسم ومخرجاته في الفترة الماضية، حيث تم تدريسها في الفترة الأطول من تجربة القسم، حيث أخذ بأسلوب التدرج في تطبيق الخطة الثالثة. ويلاحظ من الشكل أن الخطة الثالثة تمثل عودة إلى الأصل (الخطة الأولى)، مما يؤكد سلامة المسار الذي سلكه القسم في البداية.
* يوضح الشكل (2) تزايد نسبة المقررات الاقتصادية والمساعدة مع تطور الخطط الدراسية، والذي كان على حساب مقررات اللغة ومتطلبات الجامعة من مقررات أصول الدين. في حين لم تتغير نسبة مقررات الفقه وأصوله في الخطط الثلاث.
* صاحب تطبيق الخطة الثالثة تغير في مسمى القسم وتغير هيكلي في بنيته نحو التوسع في طرح تخصصات جديدة يتطلبها سوق العمل. ولذا لا يمكن النظر لهذا التغير في الخطة بمعزل عن هذا التغير الهيكلي، والذي يعد في الواقع مرحلة انتقالية مهمة في تاريخ القسم.
* تعد تجربة القسم السابقة، وتغير الظروف التي نشأ فيها أهم الأسباب وراء التغير الهيكلي الذي صاحب الخطة الثالثة. فالتوسع في التطبيقات الحديثة للمعاملات الإسلامية والحاجة لمواءمة مخرجات القسم مع متطلبات سوق العمل وضع القسم في تحد مستقبلي تطلب منه تشكيل رؤيته المستقبلية بما ينسجم مع حاجة القطاع الخاص المتنامية لتطبيق مبادئ الاقتصاد والتمويل الإسلامي، والسياسة العامة للتعليم في المملكة الرامية إلى ربط التعليم الجامعي بمتطلبات سوق العمل.
5- الرؤية المستقبلية للقسم :
……يلاحظ من الإنجازات التي حققها القسم أنها لم تصل إلى بلوغ جميع الأهداف التي أنشئ من أجلها. و يمكن إرجاع الأسباب في ذلك إلى عدد من العقبات؛ لعل من أبرزها:(24/13)
(1) قلة الموارد المالية التي حالت دون استقطاب العدد المناسب من الأساتذة المتميزين في الاقتصاد الإسلامي، وإنشاء مركز أبحاث متخصص في الاقتصاد الإسلامي، وإصدار دورية متخصصة في هذا المجال.
(2) استمرار وضع القسم تحت مظلة كلية، حيث لم يؤخذ بتوصية مجلس كلية الشريعة باستقلال القسم بوحدة متميزة يطلق عليها (كلية الاقتصاد) بعد استكمال القسم مقوماته.
(3) ضعف الطلب على خريجي الاقتصاد بعامة وخريجي القسم بخاصة في سوق العمل؛ بسبب عدم تفهم كثير من القطاعات الحكومية والأهلية لدور القسم، وتفاصيل خططه الدراسية، ومؤهلات أعضاء هيئته التدريسية.
……ولا شك أن هذا الإخفاق الجزئي يضع القسم في تحد مستقبلي لتحقيق جميع الأهداف التي أنشئ من أجلها. وتتمثل الرؤية المستقبلية للقسم في ظل الفجوة القائمة بين أهداف القسم وما تحقق منها حتى الآن فيما يلي:
(1) الاستمرار في تحديث الخطط الدراسية وتقديم دبلومات متخصصة لتحقيق التوافق بين مخرجات القسم ومتطلبات سوق العمل سواء من قبل الجهات الحكومية أو الخاصة المستفيدة حاليا أو المرشحة للاستفادة من خدمات طلاب القسم في المستقبل.
(2) وضع معايير لقبول وتحول الطلاب إلى القسم. إذ لوحظ أن فتح القبول بدون معايير مسبقة أدى إلى زيادة معدل تعثر الطلاب المقبولين في القسم بسبب معدلاتهم المتدنية أو تخصصاتهم السابقة. وقد أحدث هذا التعثر أثرين سلبيين طويلي المدى هما إشاعة سمعة سلبية غير دقيقة عن صعوبة القسم، وعدم تمثيل خريجي القسم للنوعية التي يرغبها القسم في متخرجيه عند دخولهم في سوق العمل. وللتغلب على مثل هذه الآثار يحتاج القسم إلى استعادة سمعته في سوق العمل إلى جهود مضنية في اختيار المقبولين فيه ابتداء، وتدريسهم وتدريبهم وفق خطة دراسية محكمة، وحسن التعريف بإمكانياتهم وخدماتهم لاحقا.(24/14)
(3) تحويل القسم إلى كلية مستقلة، ودعمها بالموارد المالية والإدارية للقيام بدور فاعل في خدمة الجامعة والمجتمع. وتعد الموافقة على تشعيب القسم أولى خطوات هذا التحول، الذي يؤمل أن يتم قريبا. وتعد الشراكة بين القطاع العام والخاص، بالإضافة إلى القطاع التطوعي (الهبات والأوقاف)، من الأساليب المجدية لتوفير الموارد المالية للقسم اعتمادا على ما لديه من موارد بشرية وما لدى الجامعة من إمكانيات مادية.
(4) ربط مكتبة القسم بمصادر المعلومات الإلكترونية الفقهية والاقتصادية. ومن الآليات الهامة المساعدة لذلك ارتباط القسم حاليا بشبكة المعلومات العالمية (الإنترنت). وسيتحقق من خلال ذلك توافر وسيلة تعليمية مهمة للطلاب،بالإضافة إلى تيسير سبل الحصول على المعلومات والتعرف على مصادرها، مما يكون عوناً للباحثين من الأساتذة والدارسين.
(5) التوعية بدور القسم من خلال التعريف بالقسم، وإنشاء موقع له على شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت). ويعكف القسم حاليا على وضع استراتيجية للتعريف بالقسم باستخدام أفضل وسائل الاتصال الممكنة.
(6) التوسع في استخدام معامل الحاسب الآلي وطرق التدريس الحديثة، حيث يتوافر لدى القسم حاليا معملا للحاسب الآلي، وأجهزة لتقديم العروض المرئية يمكن استخدامها للعرض في الندوات واللقاءات والمحاضرات.
(7) تفعيل النشاط العلمي داخل القسم من خلال استحداث لقاء علمي شهري بالتعاون مع الباحثين المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي وفقه المعاملات من داخل الجامعة وخارجها.
(8) تفعيل مشاركة أعضاء هيئة التدريس في القسم في الندوات والمؤتمرات المحلية والدولية، ويعد هذا وسيلة فعالة للتعريف بالقسم ودوره في خدمة الدراسات الاقتصادية عموما والاقتصادية الإسلامية خصوصا.(24/15)
(9) بناء علاقات متينة مع المؤسسات الخاصة المهتمة بالدراسات الاقتصادية الإسلامية والمرشحة للاستفادة من خدمات خريجي القسم وأساتذته. لما يترتب على ذلك من إسهام أعضاء هيئة التدريس في خدمة المجتمع، وزيادة الفرص الوظيفية المتاحة لخريجي القسم.
(10) إصدار دورية محكمة متخصصة تعنى بنشر الأبحاث والدراسات العلمية التي تعكس فلسفة القسم.
(11) العمل على استكمال خطوات الموافقة على إنشاء جمعية الاقتصاد الإسلامي، والتي اقترحها القسم، والتي يؤمل أن تكون حلقة وصل بين الباحثين والمهتمين في تخصص الاقتصاد الإسلامي في المستقبل.
***
6- الخاتمة :
……تم في هذه الورقة تقويم النجاح الذي حققه قسم الاقتصاد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في بلوغ الأهداف التي نصبها لنفسه قبل نحو ربع قرن. وقد أظهرت النتائج أن القسم لم يمكن في الواقع من تحقيق جميع هذه الأهداف لأسباب معينة تمت الإشارة إليها، وأن هذا الإخفاق الجزئي يضع القسم أمام تحد كبير خاصة في ظل التغير الكبير في الظروف التي أحاطت بالقسم عند إنشائه.
……إن التغير الكبير في واقع التطبيقات الاقتصادية الإسلامية من جهة، وسياسة التعليم العالي نحو ربط مخرجات التعليم بحاجات سوق العمل من جهة أخرى سوف تلقي بظلالها على مستقبل القسم باعتباره جزء من منظومة التعليم العالي في المملكة، مما يتطلب منه إعادة صياغة رؤيته ورسالته وأهدافه خلال العقدين القادمين بما ينسجم مع هذه الظروف المستجدة.
الملاحق
أ. مقررات الخطة الدراسية الأولى .
ب. مقررات الخطة الدراسية الثانية .
ج. مقررات الخطة الدراسية الثالثة.
د. الرسائل العلمية المناقشة والمسجلة في القسم.
ه. الخطة الدراسية المقترحة للدراسات العليا في قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية.
و. أبرز الجهات الخارجية المستفيدة من خدمات أعضاء هيئة التدريس.
ز. أعضاء هيئة التدريس والمحاضرين والمعيدين وتخصصاتهم.(24/16)
الملحق (أ) مقررات الخطة الدراسية الأولى
المستوى
المقرر
الوحدات
المستوى
المقرر
الوحدات
1
القرآن الكريم
1
2
القرآن الكريم
1
التفسير وعلوم القرآن
3
التفسير وعلوم القرآن
3
التوحيد
2
الفقه والسياسة الشرعية
2
الثقافة الإسلامية
1
الثقافة الإسلامية
1
اللغة العربية
2
اللغة العربية
2
اللغة الإنجليزية
2
اللغة الإنجليزية
2
مبادئ الاقتصاد الجزئي
3
مبادئ الاقتصاد الكلي
3
مبادئ المحاسبة
2
الرياضيات للاقتصاديين
3
مبادئ إدارة أعمال
2
محاسبة التكاليف
2
المجموع
18
19
المستوى
المقرر
الوحدات
المستوى
المقرر
الوحدات
3
القرآن الكريم
1
4
القرآن الكريم
1
التفسير وعلوم القرآن
3
التفسير وعلوم القرآن
3
الفقه والسياسة الشرعية
2
الفقه والسياسة الشرعية
2
أصول الفقه والقواعد الفقهية
2
أصول الفقه والقواعد الفقهية
2
الثقافة الإسلامية
1
الثقافة الإسلامية
1
اللغة العربية
2
اللغة العربية
2
اللغة الإنجليزية
2
اللغة الإنجليزية
2
التحليل الاقتصادي الجزئي
3
المالية العامة والنظام المالي الإسلامي
3
مبادئ الإحصاء
2
الإحصاء التحليلي
2
البحث
1
المجموع
18
19
المستوى
المقرر
الوحدات
المستوى
المقرر
الوحدات
5
القرآن الكريم
1
6
القرآن الكريم
1
الحديث
3
الحديث
3
الفقه والسياسة الشرعية
2
الفقه والسياسة الشرعية
2
أصول الفقه والقواعد الفقهية
2
أصول الفقه والقواعد الفقهية
2
الثقافة الإسلامية
1
الثقافة الإسلامية
1
التحليل الاقتصادي الكلي
3
النقود والمصارف
3
تاريخ الفكر الاقتصادي في المدارس الاقتصادية في الإسلام
3
الاقتصاد الدولي
3
القانون التجاري والشركات
2
اللغة الإنجليزية
2
اللغة الإنجليزية
2
البحث
1
المجموع
19
18
المستوى
المقرر
الوحدات
المستوى
المقرر
الوحدات
7
القرآن الكريم
1
8
القرآن الكريم
1
الحديث
3
الحديث
3
الفقه والسياسة الشرعية
2
الفقه والسياسة الشرعية
2
الثقافة الإسلامية
1
الثقافة الإسلامية
1
الاقتصاد القياسي
3(24/17)
نظرية التوزيع (دراسة مقارنة)
3
التنمية الاقتصادية والتخطيط
3
الاقتصاد الرياضي
3
تقويم المشروعات
2
الاقتصاد الإسلامي (حلقة بحث)
3
اقتصاديات المملكة والعالم الإسلامي
3
الاقتصاد الإسلامي (نظرية)
3
البحث
1
المجموع
18
20
الملحق (ب) مقررات الخطة الدراسية الثانية
الوحدات
المقرر
المستوى
الوحدات
المقرر
المستوى
1
القرآن الكريم
2
1
القرآن الكريم
1
4
مبادئ رياضية
4
الاقتصاد الجزئي
3
اللغة العربية
2
التوحيد
3
اللغة الإنجليزية
4
مبادئ المحاسبة
4
الاقتصاد الكلي
3
اللغة العربية
2
التاريخ الاقتصادي للعالم الإسلامي
3
اللغة الإنجليزية
3
حق الملكية في الإسلام
3
التفسير وعلوم القرآن
3
الحديث
2
مناهج البحث
3
الموارد الاقتصادية
23
25
المجموع
الوحدات
المقرر
المستوى
الوحدات
المقرر
المستوى
1
القرآن الكريم
4
1
القرآن الكريم
3
2
التوحيد
3
اللغة الإنجليزية
3
اللغة الإنجليزية
3
التفسير وعلوم القرآن
4
مبادئ الإحصاء
3
اللغة العربية
3
مبادئ الإدارة العامة
3
الحكم الشرعي والقواعد الفقهية
3
الحديث
2
الاقتصاد الاجتماعي
1
البحث
3
الاقتصاد الدولي
3
عقود الارتفاق
3
مبادئ إدارة الأعمال
3
اقتصاديات التنمية والتخطيط
3
الاقتصاد الصناعي والزراعي
23
24
المجموع
الوحدات
المقرر
المستوى
الوحدات
المقرر
المستوى
1
القرآن الكريم
6
1
القرآن الكريم
5
4
الإحصاء التحليلي
3
اللغة الإنجليزية
3
الحديث
3
التفسير وعلوم القرآن
2
النظام السياسي والاجتماعي
2
محاسبة التكاليف
3
عقود المعاوضات
3
القواعد الفقهية وأدلة الأحكام
2
القانون التجاري
3
تاريخ الفكر الاقتصادي
3
المالية العامة
2
خصائص الفكر الإسلامي
3
اقتصاد باللغة الإنجليزية
3
اقتصاديات المملكة
3
اقتصاديات ومحاسبة الزكاة
3
النقود والمصارف الإسلامية
1
البحث
25
23
المجموع
الوحدات
المقرر
المستوى
الوحدات
المقرر
المستوى
1
القرآن الكريم
8
1
القرآن الكريم
7
2
الاستشراق والتنصير
2(24/18)
الدعوات الإصلاحية
3
الشركات في الفقه الإسلامي
3
القواعد الفقهية وطرق الاستنباط
3
القيمة والتوزيع في الاقتصاد الإسلامي
3
النظام الاقتصادي الإسلامي
3
النظام المالي في الإسلام
3
عقود الاستيثاق
3
السياسات الاقتصادية من منظور إسلامي
4
الاقتصاد الرياضي
4
الاقتصاد القياسي
3
اقتصاد باللغة الإنجليزية
2
المنظمات والمشكلات الدولية
3
اقتصاديات العالم الإسلامي
1
البحث
2
تقويم المشروعات
2
المحاسبة الوطنية
24
24
المجموع
الملحق (ج) مقررات الخطة الدراسية الثالثة
الوحدات
المقرر
المستوى
الوحدات
المقرر
المستوى
1
القرآن الكريم
2
1
القرآن الكريم
1
2
التوحيد
2
التوحيد
2
النحو
2
فقه العبادات
3
مدخل للاقتصاد الإسلامي
2
نحو
2
اللغة الإنجليزية
2
اللغة الإنجليزية
2
الاستشراق والتنصير
3
مبادئ الاقتصاد الجزئي
3
مبادئ الاقتصاد الكلي
3
مبادئ الرياضيات
3
مبادئ الإحصاء
3
مبادئ المحاسبة
18
18
المجموع
الوحدات
المقرر
المستوى
الوحدات
المقرر
المستوى
1
القرآن الكريم
4
1
القرآن الكريم
3
2
الحديث
2
الدعوة الإصلاحية
3
عقود المعاوضات المالية
2
التفسير
2
القواعد الفقهية
3
أصول الفقه
2
النظم الإسلامية
2
الملكية في الفقه
1
البحث
2
مناهج البحث
3
مدخل للحاسب الآلي
2
مبادئ الإدارة العامة
2
مبادئ إدارة الأعمال
2
مبادئ محاسبة التكاليف
2
القانون التجاري
3
الإحصاء التحليلي
19
19
المجموع
الوحدات
المقرر
المستوى
الوحدات
المقرر
المستوى
1
القرآن الكريم
6
1
القرآن الكريم
5
2
النظام المالي في الاقتصاد الإسلامي
3
عقود الاستيشاق والارتفاق
3
التحليل الاقتصادي الكلي
3
الشركات في الاقتصاد الإسلامي
3
التنمية والاقتصاد والتخطيط
3
التحليل الاقتصادي الجزئي
3
اقتصاديات المالية العامة
2
اقتصاديات الموارد
3
اقتصاديات العمل
3
تاريخ الفكر الاقتصادي
3
نصوص ومصطلحات اقتصادية باللغة الإنجليزية
3
الاقتصاد الرياضي
18
18
المجموع
الوحدات
المقرر
المستوى(24/19)
الوحدات
المقرر
المستوى
1
القرآن الكريم
8
1
القرآن الكريم
7
3
الاقتصاد الدولي (2)
3
اقتصاديات الزكاة ومحاسبتها
3
اقتصاديات الطاقة والبيئة
3
اقتصاديات المملكة والعالم الإسلامي
3
دراسات الجدوى الاقتصادية
3
الاقتصاد الدولي (1)
3
استخدام الحاسب الآلي في الاقتصاد
3
الاقتصاد القياسي
3
الأسواق المالية
3
النقود والمصارف
2
قاعة بحث
2
الاقتصاد الصناعي
18
18
المجموع
الملحق (هـ)
الخطة الدراسية المقترحة للدراسات العليا في قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية
مرحلة الماجستير:
عدد الوحدات
المقرر
عدد الوحدات
المقرر
الفصل الثاني
الفصل الأول
4
الاقتصاد الكلي
4
الاقتصاد الجزئي
3
اقتصاديات المالية العامة
3
الاقتصاد الرياضي
3
اقتصاديات التنمية
2
أصول الفقه
1
مناهج البحث
2
القواعد الفقهية
11
المجموع
11
المجموع
عدد الوحدات
المقرر
عدد الوحدات
المقرر
الفصل الرابع
الفصل الثالث
4
الاقتصاد القياسي
4
الاقتصاد الدولي
3
دارسات الجدوى الاقتصادية
3
النقود والمصارف والأسواق المالية
3
المعاملات المالية المعاصرة
3
التحليل الاقتصادي الإسلامي (متقدم)
3
البحث
2
العقد في الفقه الإسلامي
12
المجموع
12
المجموع
مرحلة الدكتوراه:
عدد الوحدات
مقررات الفصل الثاني
عدد الوحدات
مقررات الفصل الأول
3
التحليل الاقتصادي الكلي
3
التحليل الاقتصادي الجزئي
3
الاقتصاد الدولي
3
اقتصاديات التنمية
3
النقود والمصارف والأسواق المالية
3
اقتصاديات المالية العامة
3
الاقتصاد القياسي
3
الاقتصاد الرياضي
12
المجموع
12
المجموع
ملحق ( و)
أبرز الجهات الخارجية المستفيدة من خدمات أعضاء هيئة التدريس
* وزارة العمل والشئون الاجتماعية.
* وزارة التجارة .
* وزارة المواصلات .
* وزارة التعليم العالي .
* وزارة المعارف .
* مجلس القوى العاملة .
* الغرفة التجارية الصناعية بالرياض
* شركة الراجحي المصرفية للاستثمار .
* الهيئة العليا للسياحة .(24/20)
* الرئاسة العامة لرعاية الشباب .
* مؤسسة الحرمين الخيرية .
* الهيئة العليا لجمع التبرعات لمسلمي البوسنة والهرسك .
* شركة العيسى .
* شركة الجميح .
ملحق ( ز )
أعضاء هيئة التدريس والمحاضرين والمعيدين في قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية
التخصص
الدرجة العلمية
الاسم
م
نظرية اقتصادية
أستاذ
أ.د. جاب الله عبد الفضيل بخيت
1
تنمية واقتصاد دولي
أستاذ مشارك
د. محمد بن سعود العصيمي
2
اقتصاد تطبيقي
أستاذ مشارك
د. خالد بن عبد الرحمن المشعل
3
اقتصاد دولي وتنمية
أستاذ مساعد
د. أحمد بن عبد العزيز العبودي
4
مالية عامة
أستاذ مساعد
د. إبراهيم بن عبدا لمحسن الزكري
5
إدارة عامة
أستاذ مساعد
د. حافظ بن إبراهيم المدلج
6
تنمية واقتصاد قياسي
أستاذ مساعد
د. خالد بن جريد الجريد
7
اقتصاد إسلامي
أستاذ مساعد
د. خالد بن سعد المقرن
8
مالية عامة واقتصاد دولي
أستاذ مساعد
د. سعود بن عبدا لعزيز المطير
9
إدارة عامة
أستاذ مساعد
د. عبدا لرحمن بن راشد المهيني
10
محاسبة
أستاذ مساعد
د. عبدا لرحمن بن محمد الرزين
11
اقتصاد إسلامي
أستاذ مساعد
د. عبد الله بن سليمان الباحوث
12
اقتصاد دولي
أستاذ مساعد
د. عبد الله بن سليمان الدويش
13
تنمية ومالية عامة
أستاذ مساعد
د. عبد الله بن عبد العزيز المعجل
14
أسواق مالية
أستاذ مساعد
د. عبد الله بن محمد الرزين
15
إدارة عامة
أستاذ مساعد
د. فهد بن محمد الشقحاء
16
اقتصاد مالي وقياسي
أستاذ مساعد
د. محمد بن إبراهيم السحيباني
17
مالية عامة واقتصاد دولي
أستاذ مساعد
د. محمد بن يحيى اليماني
18
اقتصاد إسلامي
أستاذ مساعد
د.عبد الرحمن بن إبراهيم الشبانات
19
اقتصاد
محاضر
سعود بن محمد الرشود
20
اقتصاد
محاضر
عبد الكريم بن علي السعيد
21
اقتصاد إسلامي
محاضر
عبد الله بن أحمد العليوي
22
اقتصاد
محاضر
يوسف بن عبد الكريم الشدوخي
23
اقتصاد
محاضر
عمر بن عبد الرحمن السبتي
24
اقتصاد إسلامي
معيد(24/21)
عبد العزيز بن متعب الرشيد
25
محاسبة
معيد
يوسف بن عبد الكريم الدخيل
26
محاسبة
معيد
علي بن عبد الرحمن المشاري
27
إدارة أعمال
معيد
عبد الرحمن بن عبدالله الصغير
28
إدارة أعمال
معيد
رائد بن ناصر الريس
29
??
??
10 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي /جامعة أم القرى
تجربة قسم الاقتصاد في جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية 11(24/22)
ترويج قضايا الخصخصة
(تجارب عالمية)
بحث مقدم للمؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي
المنعقد بكلية الشريعة - جامعة أم القرى - مكة المكرمة
المحرم 1425هـ
د. نحمده عبد الحميد ثابت
أستاذ إدارة الأعمال المساعد
قسم الاقتصاد الإسلامي
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
(طبعة تمهيدية)
المقدمة:
…يعتبر موضوع الخصخصة أحد الموضوعات المهمة على المستوى العالمي، سواء من الناحية الإدارية أو الاقتصادية، نظراً للركود الاقتصادي العالمي، ومعاناة الدول النامية بوجه خاص من التضخم الركودي stagflation ، ولجوء الدول المتقدمة للتضافر فيما بينها لتدعيم مصالحها الاقتصادية بالعديد من الاتفاقيات الدولية مثل الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (الجات)، لفتح الأسواق العالمية للتصدير من الدول المتقدمة، وتحديد المواصفات العامة للجودة (ISO) كشرط أمام الدول النامية لتصدير المنتجات المصنعة للدول الأوربية والأمريكية،واتفاقية بازل للرقابة المصرفية.(25/1)
…ومع التسليم بدور هذه الاتفاقيات، في تطوير الاقتصاد الدولي، إلا أن الدول النامية تبقى في هذا المعترك كمصدر للمواد الخام، وسوق للمنتجات المصنعة، ومع معاناة الدول النامية من العجز في الموازنات العامة، وتراكم الديون الخارجية، وتزايد البطالة، وضعف التصدير، وزيادة وارداتها، تصبح جهود الخصخصة حينئذ جهداً مكمماً ومكتوما، في تفعيل التنمية الاقتصادية، وتدعيم العدالة الاجتماعية وتصبح البيئة الاقتصادية والاجتماعية غير مواتية لكي تؤتي الخصخصة ثمارها الإيجابية، في وقت أصبحت الخصخصة لزاماً على الدول النامية كأحد الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي تمهيداً لعملية إعادة جدولة ديونها طبقاً للقواعد المعروفة لنادي باريس ونادي لندن، وكأهم الحلول المطروحة على المستوى العالمي لعلاج أوجه الخلل في الهياكل الاقتصادية وللارتقاء بمستويات الكفاءة والأداء، وهو ما يؤخذ به في كثير من دول العالم، على اختلاف مستوى تقدمها الاقتصادي،وتفاوت النظم المتبعة لديها.
…وليس ثمة خلاف في أن عملية الخصخصة ليست بالأمر اليسير ولا يمكن إنجازها في عجالة، مهما بلغ مستوى التقدم الاقتصادي والاجتماعي أو التطور الإداري، فهي عملية معقدة وذات أبعاد وآثار سياسية واقتصادية واجتماعية، وتشريعية، ويجب أن تؤخذ الظروف والمتغيرات البيئية الوطنية بعين الاعتبار عند رسم استراتيجية الخصخصة، وإعداد برنامجها التنفيذي، وهناك قناعة عالمية بأن تجارب الخصخصة لا يمكن نقلها بحذافيرها من دولة إلى إخرى، لذا تبقى التجارب والخبرات العالمية دروساً واعدة بالاستفادة منها في ضبط وتوجيه برامج الخصخصة في المستقبل.
أهمية الترويج لقضايا الخصخصة في الدول النامية:(25/2)
1- تكتنف فكرة الخصخصة في الدول النامية شكوك كثيرة في جدواها بالنسبة لمحدودي ومعدومي الدخل، حيث يسود تصور عام وفهم شائع أن الخصخصة تعني بصورة مباشرة زيادة الأسعار وأن ترفع الدولة يدها عن التوجهات الاجتماعية المعتبرة في رسم وتنفيذ السياسات الاقتصادية والإصلاحات الهيكلية، لذا بات الترويج لقضايا الخصخصة أمراً جد ضروري، لتصحيح الإفهام الخاطئة، ولتوضيح الصورة الصحيحة.
2- تعاني معظم الدول النامية من ضعف هياكلها الاقتصادية، ومعاناتها من مشاكل تعاظم الديون الخارجية، وارتفاع نسب البطالة، وانتشار البطالة المقنعة، وضآلة نشاط البحوث والتطوير في مشروعاتها الصناعية، وارتفاع نسب الأمية، وانخفاض مستويات الادخار والاستثمار المحلي، وضعف البنية الأساسية، وكلها مشاكل متراكمة ومعقدة، وإذ ذاك فإن السير في طريق الخصخصة هو أمر محفوف بالمخاطر بالنسبة للدول النامية، رغم حتميته، لذا فإن الأمر يحتاج إلى الترويج لقضايا الخصخصة لتهيئة المواطن لاستقبال كل مرحلة من مراحل الخصخصة في إطارها الصحيح.
3- أن الترويج ينطوي على عملية اتصال إقناعي يستهدف التأثير على القطاع السوقي المستهدف، بقصد استمالة استجابات سلوكية معينة، ونحتاج في كل مراحل برنامج الخصخصة إلى جهد ترويجي لإحداث هذا التأثير، وكذلك لملاحظة ردود الفعل التي تنعكس على برنامج الخصخصة، حتى يمكن استقباله والتعامل معه، وإحداث تأثير إيجابي ومرغوب في الوقت المناسب، وليس أن تُترك الأمور على عواهنها.(25/3)
4- تمثل قضايا الخصخصة قضايا خلافية واسعة الجدل بين أطراف ووجهات نظر متعددة ومتباينة (المواطنون، المستثمرون الأجانب، المستثمرون المحليون، مجالس إدارات الشركات، العاملون، الحكومة،البنوك، المجالس النيابية والتشريعية....إلخ)، لذا فإن احتمالات التشويش وإثارة الخلافات والجدل والاعتراضات والقلاقل حول كل مرحلة من مراحل برنامج الخصخصة هو أمر غالب، لذا نحتاج إلى بذل جهود ترويجية عالية ، درءاً للشائعات ولإحداث تهيئة مناسبة لاستقبال كل مرحلة من المراحل استقبالا مناسباً،فضلاً عن أهمية توصيل رسالة صحيحة للقطاع السوقي المستهدف بالترويج، مع إحداث تهيئة عامة لدى المواطنين المترقبين لما تحدثه الحكومة من تغييرات فيما يمس شغاف حياتهم.
وعلى سبيل المثال، فإن قضية تملك الأجانب للأصول المعروضة للبيع وجذب الاستثمار الأجنبي، تحتاج إلى جهد ترويجي كبير لتوصيل صورة صادقة، وإحداث استجابات سلوكية مرغوبة من المستثمر الأجنبي للاستثمار في دولة نامية، بينما يرى المواطنون في ذلك تفضيلاً للأجنبي على حقوق المواطنة، فكيف يمكن إحداث شفافية وتأثير إيجابي قوي، وبيان أن المستثمر الأجنبي إذا أحسنا اختياره وترغيبه يأتي ومعه استثمارات مالية مباشرة، وتكنولوجيا حديثة، وأساليب إنتاجية وتسويقية وإدارية داعمة للتنمية الاقتصادية.
أهداف البحث:
…يسعى هذا البحث إلى تحقيق هدفين،هما:
1- تقديم أهم الدراسات السابقة في الخصخصة، وبصفة خاصة تلك التي تتناول أو تشير إلى ما يتعلق بالترويج لقضايا الخصخصة، وإبراز التجارب السابقة في هذا الصدد، لدول مختلفة في توجهاتها الاقتصادية.
2- تحديد أهم عوامل النجاح الأساسية في الترويج لقضايا الخصخصة، مع بيان كيفية الاستفادة منها بالنسبة للاقتصاد المصري.
( ( (
المبحث الأول
إستراتيجية الخصخصة
المفهوم، ومقومات الفعالية:
1/1 الخصخصة .. ما هي؟ .. ولماذا؟…(25/4)
…الخصخصة Privatization هي مجموعة من السياسات المتكاملة التي تستهدف التحويل بشكل جزئي أو كلي لمؤسسات إنتاجية أو خدمية تملكها الدولة إلى القطاع الخاص، لتفعيل آليات السوق وتحقيق الميزات التنافسية، والاستفادة بمبادرات القطاع الخاص، من أجل تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
…ولا تقتصر الخصخصة على مجرد البيع الجزئي أو الكلي لوحدات مملوكة للدولة إلى القطاع الخاص، وإنما هي رؤية متكاملة للتصحيحات الهيكلية ولكيفية إدارة الاقتصاد القومي بكفاءة أعلى وبفعالية أكبر، لكونها تشمل ثلاثة مستويات متداخلة ومعقدة لعملية الخصخصة (عفيفي، 1993: 5 - 6&Guislain, 1997:10 - 12 )، وهي:
* مستوى المؤسسة.
* مستوى القطاع الاقتصادي أو الصناعة.
* مستوى الاقتصاد الوطني ككل.
…والترابط العضوي بين هذه المستويات الثلاثة، يستوجب وجود انسجام وتناغم فيما بين السياسات المتبعة فيها، ودون أن يعني ذلك بالضرورة انتقالاً تلقائياً من مستوى معين إلى مستوى آخر، خاصة فيما يتعلق بمجالات نقل قرارات الاستثمار إلى القطاع الخاص، ودرجة تحويل المخاطر إليه، وضمان عدم الرجوع عن قرارات الخصخصة.
…بيد أن كثيراً من الخطوات المتسارعة التي تمت من قبل لتوسيع دائرة الخصخصة كانت ردود أفعال للأزمات المالية التي كانت تعاني منها الحكومات. مثلما حدث في بدايات الخصخصة في عقد الثمانينيات في شيلي (Tucker, 1998: 5 - 7) ، وكذلك في خصخصة شركة Nippon Telegraph and Telephon (NTT) في عام 1985 (Sueyoshi,1998:45 -61)، وكذلك مثلما يحدث في عدد من الدول النامية.
(Dyck, 2001: 59 -65) حيث تصبح يد الخصخصة مغلولة في العمل لتفعيل المنافسة ودور القطاع الخاص في التنمية، كما تصبح الخصخصة رد فعل دون أن تكون استراتيجية.(25/5)
…وقد حدث ذلك إثر التدهور الكبير ا لذي طرأ على البيئة الاقتصادية العالمية، وما نجم عنه من مشكلات اقتصادية عامة، تواجه الدول النامية، مثل الانخفاض الشديد في أسعار السلع التصديرية، والصدمة البترولية، وتدهور معدلات التبادل التجاري في صالح الدول المتقدمة، وارتفاع أسعار الفائدة الدولية الاسمية والحقيقية، وانكماش التدفقات المالية، وتصاعد النزعة الحمائية في البلاد الصناعية بالإضافة إلى التباطؤ الملموس في معدلات النمو، مما أبرز الخصخصة كأسلوب للتصحيحات الهيكلية لإستعادة معدلات مقبولة ومعقولة للنمو الاقتصادي (النجار، 1988: 19).
…وينبغي أن نشير إلى ضرورة تكامل برنامج الخصخصة مع توجهات التصحيحات الهيكلية للاقتصاد القومي (عاشور، 1996: 5 & هندي، 1995: 3 &
(Coes,1998: 525- 532، لتوفير مناخ اقتصادي ملائم وآليات اقتصادية مساندة، حتى تؤتي الخصخصة ثمارها، إذ ليست الخصخصة هدفاً في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لزيادة كفاءة استخدام الموارد الاقتصادية بما يؤدي إلى زيادة معدلات التنمية الاقتصادية، وتفعيل قواعد العدالة الاجتماعية، حتى تتفرغ الدولة إلى أدوارها الأساسية التي يمكن أن تترك للقطاع الخاص مثل الدفاع والأمن وإدارة السياسات الاقتصادية الكلية.
…وقد أظهر التحليل الاقتصادي للمشروعات العامة في العديد من دول العالم أن ملكية الدولة للمشروعات العامة أصبح عبئاً على مؤشرات النمو والبطالة والتضخم وحجم الدين الخارجي، والعجز في الموازنة العامة للدولة، والخلل في
ميزان المدفوعات (عفيفي، 1993: 7 - 11& هندي، 1995: 3 - 6 &
Levac and Woldridge, 1997: 25 ) & Zahra and Hansen, 2000: 83-86).(25/6)
…وهذا هو مفتاح الإجابة على سؤال: لماذا.. الخصخصة؟ بعدما تبين أن مستوى الأداء الإجمالي للمشروعات العامة أقل من المستهدف في خطط التنمية لدى أغلب دول العالم، وأن كثيراً من هذه المشروعات يتصف بضخامة الخسائر وبتفاقم المشكلات، وبالمسئولية في أخفاق الاقتصاد القومي لدى العديد من البلدان عن تحقيق أهداف التنمية، وعدالة التوزيع، وإهدار ما تقدمه الدولة من دعم لهذه المشروعات بدافع كسب التأييد السياسي من الناخبين والجماهير، وقد أدى ذلك إلى استمرار التبعية الاقتصادية إثر زيادة حجم الديون الخارجية وتحقيق معظم المشروعات العامة لعائد سلبي أو عائد موجب يقترب إلى الصفر، في ظل هيكل اقتصادي كلي تشيع فيه المشرعات العامة، وإذ ذاك تم اكتشاف الحقيقة المريرة، وهي أن العلاج يكمن في إزالة التشوهات الهيكلية للاقتصاد الكلي، وأغلبها معوقات تتعذر على الإصلاح، وتحتاج إلى المعالجة بصورة جذرية (النجار، 1988: 18 -30 &
Dyck, 2001: 58 -61 & Zahra, 1993: 319 -324& Zahra , 2000 : 83- 86 ) ).
…وقد توافق مع هذه الأحداث الاقتصادية ونتائجها في كثير من دول العالم، انتشار تيار جارف من خصخصة الشركات، ففي الفترة من 1980 وحتى عام 1992 تم خصخة أكثر من 15000 شركة منها 3800 عملية خصخصة في دول تقترض من البنك الدولي، 85% من هذه العمليات في اقتصاديات اشتراكية سابقاً، في كل من أوربا وآسيا الوسطى، وأمريكا اللاتينية، أما في عقد التسعينيات، فقد زاد عدد الشركات المخصخصة زيادة كبيرة عبر دول العالم، وأصبحت الخصخصة نهجاً يعم كل المناطق الجغرافية في العالم على اتساعها، واختلاف نوعيات القطاعات الاقتصادية التي تمت فيها (Zahra, 2000: 86).(25/7)
…ولا غرو أن السبق في الخصخصة كان من نصيب الدول الصناعية الكبرى، التي يغلب على اقتصادها الطابع الرأسمالي مثل انجلترا وفرنسا، رغبة منها في زيادة انتاجية إدارة شركاتها العامة، وبحثاً عن أساليب أكثر فعالية، أما في الدول النامية، فقد تبلورت الخصخصة نتيجة رد فعل منها للتخلص من مشروعاتها العامة الخاسرة، ولمراقبتها عن كثب لما يحدث في اقتصاديات الدول الصناعية الكبرى (ماهر، 2002: 23، الحناوي، 1998: 19-21).
…بيد أنه لم يثبت بعد أن مجرد التخصيصية أو تغيير الملكية سيؤدي
بمفرده إلى تحسين الكفاءة في استخدام الموارد، وإدارة المؤسسات،
ذلك أن لتشجيع القوى التنافسية في الأسواق، دور مماثل إن لم يكن أكبر
86- 83 Zahra, 1999: 36-38 &Zahra, 2000: & نيليس وكيكيرى، 1988: 104 -105).
…وتلك قضية أعقد كثيراً وتحتاج إلى وقت أطول مما يحتاجه مجرد تغيير المالك، إذ يتطلب ذلك تصحيحات هيكلية كبيرة على مستوى الاقتصاد الكلي، وتغييراً في السياسات المالية والنقدية، وكلها تستدعي تنفيذاً على مراحل وخطوات متسلسلة، بل وتحتاج إلى جهد غير عادي لترويجها في ظل مقاومة من أولئك الذين استفادوا من السياسات السابقة أو أولئك الذين ركنوا إلى ما اعتادوا أن يجدوه في المشروعات العامة من فوائد ومنافع، وهذا ما يدعونا إلى إعطاء أهمية خاصة لترويج عملية الخصخصة وكيفية حل المشكلات الترويجية التي تجابهها مقترنة بقضايا تقليل العمالة في الشركات محل الخصخصة، وتصحيح أوضاع الشركات الخاسرة، وإنشاء وتطوير سوق رأس المال النشط، وتحديد أساليب وطرق الخصخصة، وتقييم الشركات والأصول.
1-2 مقومات فعالية برنامج الخصخصة:(25/8)
…تتمثل مقومات فعالية برنامج الخصخصة في ضرورة التحليل الموقفي للظروف الاقتصادية والاجتماعية نحو الخصخصة، على مستوى الدولة، وعلى مستوى القطاع وعلى مستوى الشركة كأساس لتحديد الأهداف المطلوب تحقيقها، وكذلك للوقوف على طبيعة القيود والعقبات التي يمكن أن تواجه التنفيذ، ولكي يمكن تهيئة البيئة وتحديد الدعائم الأساسية للنجاح في الترويج لبرنامج الخصخصة، ثم يتم بعد ذلك تحديد خصائص المشروعات التي سيتضمنها برنامج الخصخصة، ثم اختيار الطريقة الملائمة للخصخصة (Zahra, 2001: 83-103 &Dyck, 2001: 59 - 84)، ثم نقوم بالجدولة الزمنية للطريقة الملائمة التي وقع الاختيار عليها.
1 /2/1 التحليل الموقفي للمحيط البيئي نحو الخصخصة:
…فعملية الخصخصة، وبصفة خاصة في الدول النامية, وفي الدول التي عاشت زمناً طويلاً في الاشتراكية لا ينبغي أن تتوقف عند تحويل ملكية المؤسسات العامة إلى القطاع الخاص، وإنما يجب أن تكون جزءاً من التصحيحات الهيكلية في البنيان الاقتصادي والاجتماعي القومي، وأن تنطلق من التحليل الموقفي للمحيط البيئي الاقتصادي والاجتماعي والمؤسسي وللنظم التي تؤثر فيها كنقطة ارتكاز لتهيئة البيئة المناسبة لتنفيذ برامج الخصخصة.
…ففي الدول النامية والدول التي يغلب على اقتصادها التوجه الاشتراكي، نجد أن عملية الخصخصة وتنفيذ برامج واسعة للإصلاح الاقتصادي، تواجه مصاعب كبيرة، حيث يصاحب عملية الخصخصة مشاكل تقليل العمالة Downsizing Manpower وزيادة الأعباء المالية على المواطنين، وانخفاض مستويات المعيشة، مما يجعل القبول الاجتماعي والسياسي للخصخصة في هذه الظروف محفوفاً بالمخاطر، بعدما تعود المجتمع استخدام سياسات إعادة توزيع الدخل باستخدام دعم الأسعار، وملكية الدول للقطاع العام لحماية المجتمع من شرور الاحتكارات الخاصة والتفاوت الشديد في توزيع الدخل(Zahra, 2001: 83 - 88 & Zahra and Others, 2000: 509 - 515 ) .(25/9)
1/2/2 تحديد الأهداف من الخصخصة :
……يعتبر الهدف أو الأهداف المنشودة من برنامج الخصخصة المعيار الأساسي، الذي به يتم تقييم فعالية البرنامج، وهو في نفس الوقت أساس المفاضلة بين الأساليب البديلة للخصخصة وأساس صياغة وتوجيه الحوافز إلى الخصخصة، في المحيط البيئي لها وتبين تجارب العديد من الدول أن الأهداف الأساسية للخصخصة تتركز في هدف رفع الكفاءة وتوسيع نطاق المنافسة وتحسين إدارة التنمية في الاقتصاد القومي، وهدف تقليل عجز الموازنة المالية للدولة، وهدف توسيع وتنويع قاعدة الملكية وتنمية المواطنة، ثم الأهداف السياسية.
……وينبغي الحرص على المواءمة والتناسق بين أهداف البرنامج، حتى لا يحدث تعارض فيما بينها، وذلك بوضع سلم للأولويات بين هذه الأهداف، كما ينبغي أن نستقي أولويات هذه الأهداف في ظل التحليل الموقفي للمحيط البيئي نحو الخصخصة.
……ففي هدف رفع الكفاءة وتوسيع نطاق المنافسة وتحسين إدارة التنمية في الاقتصاد القومي، في مجالات الانتاج والتسويق وإدارة الموارد البشرية والتمويل والاستثمار والتكنولوجيا، فإن ذلك تظهر آثاره في كمية الإنتاج وجودة الإنتاج، وفقاً لدرجة المنافسة، بيد أن ربط هذا الهدف بالتصدير، يُظهر الآثار الايجابية للخصخصة بصورة أفضل (Zahra & Hansen : 2000 : 100 - 103 ) ، ومن الممكن أن يتحقق في ذلك نجاحات أكبر، إذا تم إعطاء أولوية أو تيسير لصغار المستثمرين أو للعاملين بالمشروعات نفسها عند اكتتابهم في شراء المشروعات المعروضة للبيع.(25/10)
……ويمكن في الوقت نفسه استخدام كل أو بعض حصيلة البيع لإيجاد استثمارات جديدة، توفر فرص عمل متزايدة، ثم يتم بيع هذه الاستثمارات الجديدة للقطاع الخاص، ليتم تدوير هذه الاستثمارات مرة أخرى وفق أولويات الاستثمار التي تظهر في خطط الدولة، كما أن الحصيلة المتحققة من بيع المشروعات تساهم في زيادة قدرة الدولة على خدمة الديون الخارجية لمحاولة التخلص من التبعية الاقتصادية.
……أما الأهداف السياسية فيناط بها الحد من استغلال المال العام للمصالح الشخصية، والحد من ضغوط النقابات العمالية التي لا تستند إلى حسابات التكلفة والعائد، بل وتضيف أساساً لعلاقة إيجابية بين العمال والإدارة (Cuervo & Villalonga, 2000: 581 - 586)
1/2/3 تحديد القيود والعقبات التي يمكن أن تواجه التنفيذ، وإمكانيات التغلب عليها:
……فبرنامج الخصخصة يجب أن يأخذ في الحسبان القيود والعقبات التي يمكن أن تعوق الخصخصة، وهذه القيود غالباً ما تقبع في البيئة المحيطة، وتتمثل في المعارضة السياسية لفكرة أو أساليب التوسع في الخصخصة بدعوى الحفاظ على استقلالية الدولة، إلى جانب المعارضات التي تبديها نقابات العمال، وكذلك قيود الحاجة إلى تغيير الأنماط القيادية العليا في الشركات المخصخصة من الفكر الإداري التقليدي، إلى فكر القيادة التحويلية، وهو ما يحتاج إلى إحلال لقيادات عليا جديدة محل القيادات العليا التي عاشت زمناً بعيدة عن توجهات أسواق رأس المال ودورها في إدارة الشركات بفعالية كبيرة (Cuervo&Villalonga, 2000, 581- 585) .(25/11)
……بل إن (Johnson and others; 2000: 572 - 585) يرون أن المراحل الأولى للخصخصة سوف تنزع بقدر كبير إلى أن تكون بفعل القيادات الإدارية والتأثير السياسي وتواجد تأثير قوي لنقابات العمال، تعديلاً بسيطاً لفكرة المؤسسات العامة، كما أن فكر المؤسسات العامة سوف يتواجد كذلك في المراحل التالية للتوجه الجديد للخصخصة، حتى تصقل تجارب الخصخصة أنماطاً وقواعد عمل جديدة تتلاءم مع فكر الخصخصة المتطور.
1/2/4 تحديد الدعائم والتوجهات الأساسية لنجاح الترويج لبرنامج الخصخصة:
……يحتاج الترويج لبرنامج الخصخصة إلى مجموعة من الأنشطة التسويقية التي تستخدم للاتصال بالمستهدفين بالترويج لبرنامج الخصخصة، وإمدادهم بالمعلومات، وإثارة اهتماماتهم بالبرنامج، وإقناعهم بقدرته على إشباع حاجاتهم وفهم رغباتهم، وذلك بهدف دفعهم إلى اتخاذ قرار بالتعامل معه ثم استمرار هذا التعامل بصورة إيجابية في المستقبل مع ملاحظة ردود الفعل التي تنعكس على طبيعة العلاقة ونوعيات وتأثير المحفزات للتعامل مع برنامج الخصخصة من الأطراف ذوي العلاقة جميعاً.
……والترويج الفعال يدفع المستهدفين ببرنامج الخصخصة إلى قبول
البرنامج والتعامل الفعلي معه عبر مراحل مختلفة يطلق عليها الهرم الترويجي (Zikmund&Michael,1984)،وهي مبينة في الشكل التالي:
1/2/5 تحديد خصائض المشروعات التي سيتضمنها برنامج الخصخصة:
…تختلف خصائص المشروعات التي سيشملها برنامج الخصخصة، وفقاً للظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للدولة، وبصفة خاصة قدرات وإمكانيات القطاع الخاص في الدولة، وتجدر الإشارة إلى أن تحديد هذه الخصائص سوف ينعكس على اختيار الطريقة المناسبة للخصخصة، وفي منظور معاصر لتجربة كندا، كانت خصائص المشروعات التي يسهل خصخصتها هي
((Levac and wookdridge ,1997:25-30:(25/12)
أ - المشروعات التي تحقق قدراً من الربحية،أو تكشف بياناتها أن وضع التشغيل فيها بعد الخصخصة سيكون مطمئناً في تحقيق أرباح.
ب - نوعية المشروعات ومدى أهميتها من الناحية الاستراتيجية القومية، بما يحافظ على الأمن القومي.
جـ- …أن تكون المشروعات المقترح خصخصتها من قطاعات اقتصادية عديدة.
د- …نوعية المشروعات بالنسبة لتطوير حياة المواطنين، وتوفير احتياجات حياتهم المباشرة، على أن يكون نصيب الدولة في رؤوس أموالها أقل.
…ووفقاً لهذه الخصائص قامت الحكومة الكندية بخصخصة الكثير من المشروعات بدءا من منتصف الثمانينيات في مجالات الكهرباء ومشروعات تجارة الترانزيت والنقل بالسكك الحديدية وكذلك الشركات القابضة في مجالات اقتصادية متعددة.
…وقد خصصت كندا وزارة خاصة لشؤون التخصيص لتقرر القطاعات الواجب تحويلها وتشرف على مراحل التحويل وتقدر أصول المرافق العامة الواجب تحويلها، وطرق بيعها إلى الشركات الخاصة.
…أما في تجربة كرواتيا حيث تم فيما بين عامي 1992، 1994م، وفي خلال ثلاث سنوات خصخصة ما يقرب من 85% من المشروعات العامة وقد كانت خصائص المشروعات التي يتم إدراجها إلى الخصخصة، تتمثل في الجوانب الآتية
(Martin and Grbac, 1998:95-99):
أ - المشروعات التي تعمل أو لديها استعداد أن تعمل بصورة تنافسية.
ب - …المشروعات الصغيرة من حيث حجم العمالة، وهي في الاقتصاد الكرواتي التي لا …يزيد عدد عمالها عن 250 عامل، أو المشروعات الكبيرة التي يسفر عن …خصخصتها حد أدنى من تخفيض العمالة.
جـ- …المشروعات التي يتوقع لها - من خلال نتائج أعمالها- أن تتمتع باستقرار اقتصادي، وعدم التدهور في أسواقها أو في الطلب على منتجاتها.
د- …المشروعات التي لها شكل قانوني نظامي.
هـ- …المشروعات التي يفضل مستهلكوا منتجاتها أو خدماتها أن يتم خصخصتها.(25/13)
وفي بعض البلدان يوجد جو سياسي عام، يقبل ويشجع فكرة الخصخصة مثلما حدث في دول أوربا الشرقية (بولندا- تشيكوسلوفاكيا- هنغاريا)، وحيث الحكومات لا تواجه ضغوطاً سياسية ذات قيمة، مما جعل هذه الحكومات تخطو خطوات جدية وسريعة لبلورة الفكرة ووضعها موضع التطبيق.
حيث عاشت هذه الدول ردحاً طويلاً من الزمان كدول شيوعية، لذا وضعت بُعدين فحسب للحكم بخصخصة المشروع.
(Park, 1998: 44-52 &Spicer and others , 200:630-640)
أ - البعد الخارجي لعلاقات المشروع وانعكاسه على كل من الاقتصاد الكلي والمجتمع من حيث حجم المشروع ومساهمته في حل مشاكل البطالة.
ب - البعد الداخلي للمشروع من حيث درجة كفاءته وفعاليته التشغيلية في الاندماج في المنافسة العالمية وقدرته على الصمود.
وقد أنشأت كل من بولندا وتشيكوسلوفاكيا صناديق أسمتها Privatization Funds ويساهم فيها كل المواطنين كل حسب ثروته على ألا تتعدى نسبة شراء الأسهم حداً معيناً (voucher System) وفي تشيكوسلوفاكيا يساهم في الخصخصة عدد كبير من المواطنين الممولين الذين قادوا الأنطلاقه الأولى في الخصخصة، أما في هنغاريا فقد سُمح للشركات الأجنبية أن تتملك الشركات الحكومية بنسبة 100% وكانت الدولة قد لجأت كلياً إلى القروض وا لاستثمارات الأجنبية.
وقد اتبعت دول أوربا الشرقية أسلوب الصدمة في الخصخصة أو ما يعرف بالتوجه الضخم إلى الخصخصة للتخلص من المشاكل المتراكمة إثر الاقتصاد الشيوعي.
وحتى تنهج نهجاً جديداً لنيل ثمار الخصخصة ولتحقيق دفعة قوية وسريعة للإصلاحات الاقتصادية القومية ، وعلى سبيل المثال فإن أكثر من 1800شركة في تشيكوسلوفاكيا قد تم خصخصتها في أقل من أربع سنوات أما في روسيا فإن أكثر من 1500 شركة متوسطة وصغيرة قد تم خصخصتها في سنتين.
…أما في مصر، تسترشد الشركات القابضة في اختيار الشركات المرشحة للخصخصة بالمعايير التالية:(25/14)
1- تعطى الأولوية للشركات الصغيرة والمتوسطة، والتي تحقق أرباحاً وتعمل في أسواق تسودها المنافسة، ولا تحتاج إلى إعادة هيكلة جزئية كانت أو كلية. ويفضل أيضا عدم حاجة هذه الشركات إلى استثمارات لمعالجة أي تأثير ضار من نشاطها على البيئة.
2- أن يكون الاستثمار في هذه الشركات ذا جدوى اقتصادية، ويحقق فائضاً في التدفقات النقدية، هذا بالإضافة إلى أن المؤشرات الأساسية تظهر قوة مراكزها المالية.
3- أن يكون معدل العائد المحقق خلال السنوات القليلة السابقة للبيع مجزياً للمستثمرين، وأن تكون نسبة الديون إلى قاعدة الملكية مقبولة، كذلك يراعى أن تعكس المؤشرات المالية المعبرة عن استخدم الأموال والطاقات، كفاءة واضحة في التشغيل.
4- أن تتمتع بيئة العمل لهذه الشركات بالاستقرار، فلا تتمتع بالاحتكار، وتعمل في سوق تتوافر فيه المنافسة.
5- يجب ألا تكون الشركات المختارة متمتعة بأية مزايا خاصة منحتها لها الحكومة ويمكن أن تتوقف مستقبلاً.
6- أن يكون حجم المشاكل الاجتماعية الموجودة في الشركة محدوداً وتتمتع بعلاقات عمالية طيبة ومستقرة.
ومن هنا فإنه يمكن القول أن الصعوبات التي تواجه الخصخصة تندرج فيما يلي:
* صعوبات سياسية: حيث قد تثير الخصخصة خلافاً سياسياً بين الحكومة والمعارضة، وهذا ما يحدث كثيراً في الدول التي عاشت زمناً في كنف الرأسمالية، وغالباً ما تتضاءل هذه الصعوبات في الدول التي عاشت في كنف الشيوعية.(25/15)
وقد قامت حكومة انجلترا باللجوء إلى فكرة السهم الذهبي (ماهر، 42:2002) للتخفيف من الصعوبات السياسية حيث تتمكن الحكومة من خلال هذا السهم الذهبي، حضور الجمعيات العمومية ويحق لها التصويت، كما يحق لها تعين ممثل في مجلس الإدارة (ليس من الموظفين العموميين، ولكن من رجال الأعمال) وقد يحق لها أحياناً الاعتراض في الأحوال الطارئة والخطيرة على بعض القرارات، إذ يكون السهم الذهبي هو عين الدولة داخل الشركات التي تم خصخصتها وتريد الدولة أن تستمر رقابتها على نشاطها.
ومن الصعوبات السياسية أيضاً :
أ- السرعة في التنفيذ: حيث تفضل الدول التي عاشت في كنف الرأسمالية أن التريث في الخصخصة يعطي نتائج أفضل، بينما تفضل الدول التي عاشت في الشيوعية أن يتم التحويل بأسلوب الصدمة، والخصخصة على نطاق واسع تخلصاً من الأعباء المالية والإدارية التي تثقل كاهل الدولة دونما نظر إلى الاعتبارات الاجتماعية بصورة جوهرية.
ب- السيادة والأمن القومي(Corrales, 1998:24-51) حيث كانت ثمة معارضة قوية في الأرجنتين لخصخصة بعض القطاعات لتعلقها بالسيادة والأمن القومي مثل الصناعات الحربية، والنقل بالسكك الحديدية ولولا الدعم المباشر من رئيس الجمهورية وموافقة البرلمان وتوفيره للإطار القانوني للخصخصة لما تم خصخصة محطات الإذاعة وشركات الكهرباء والغاز والنقل بالسكك الحديدية والخدمات الهاتفية وشركة الطيران والمصارف المركزية في المقاطعات كما تم فتح الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية.
ج- الجهات التي ترسو عليها عمليات البيع، والأسعار التي تباع بها المشروعات العامة.(25/16)
ففي المكسيك (Ramirez, 1998:421-430) حيث سوق رأس المال مغلق، وهناك عدد قليل من الرأسماليين يحتكرون شراء المشروعات العامة، ولوجود مشاكل في تقييم المشروعات لجأ رئيس المكسيك إلى عقد اتفاقات كثيرة مع أمريكا وكندا لجذب الاستثمارات الأجنبية مع تحديد نسبة معينة لشراء الأسهم لا يمكن تجاوزها، إلى جانب المحاولات لتصحيح مشاكل تقييم المشروعات بهدف إبعاد شبهه الاحتكار عن عمليات الخصخصة.
* الصعوبات القانونية والتشريعية: حيث تحتاج عمليات الخصخصة إلى إلغاء بعض التشريعات القائمة، وتعديل البعض الآخر في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والمالية وخاصة فيما يتعلق بجذب الاستثمارات الأجنبية وقوانين العمل والتأمينات الاجتماعية والضرائب.
* الصعوبات الإدارية: وهي تنحصر في:
- العقليات الإدارية التقليدية دون الاهتمام بتدعيم القيادات الإدارية التحويلية.
- مقاومة المسئولين الإداريين لأفكار الخصخصة ودفعهم للنقابات العمالية للسير في نفس الاتجاه حرصاً على مصالحهم دون إعطاء الأولوية للمصلحة العامة.
- العاملون غير المنتجين وانتشار البطالة المقنعة بوجود جيوش من العاملين الذين تتضاءل أحجام جهودهم ونتائجها لأن النظم الوظيفية توفر للعامل ضماناً كاملاً بصرف النظر عن نتيجة عمله.
* الصعوبات المالية: وهي تتعلق بكيفية تمويل الخصخصة فهل يتم ذلك بقروض داخلية وخارجية أم بجذب رؤوس الأموال الأجنبية وما هي الطرق المناسبة لظروف الدولة في تحويل المشروعات العامة إلى القطاع الخاص.
* صعوبات أخرى: مثل نوعية القطاع الذي ينتمي إليه المشروع، وحجم المشروع ذاته، وهيكل السوق الذي يعمل فيه المشروع، ومدى تهيئة البيئة المناسبة لتنفيذ برامج الخصخصة، وبوجه خاص البيئة الأساسية والأجهزة المساندة في الدولة وما تقدمه من خدمات.
1/2/6 اختيار الطريقة الملائمة للخصخصة:(25/17)
…يرى (هندي، 1995: 20)، أن اختيار الطريقة الملائمة للخصخصة، مقيد بمتغيرين هما: الهدف من الخصخصة، وخصائص المشروع الذي يتضمنه برنامج الخصخصة، من حيث تحليل بيئية المشروع بما فيها من فرص وتهديدات، ومستوى الأداء الداخلي بما فيه من نقاط قوة وضعف بحيث ينتهي البحث إلى طريقة إعادة التأهيل للمشروع في برنامج الخصخصة.
…فإذا كان الهدف من الخصخصة هو توسيع قاعدة الملكية الخاصة وتنمية المواطنة، وتطوير الخدمات المقدمة للمواطنين، فقد يكون الإحلال Displacement للقطاع الخاص محل دور الدولة في أداء النشاط هو أحد الطرق المناسبة للخصخصة على أن يتم ذلك بشكل تدريجي، وذلك مثلما يحدث في كثير من دول العالم في مجالات الصحة العامة، والتعليم وخدمات النظافة وتأمين الشركات (خدمات أمنية)، وخدمات الاستشارات القانونية والمحاسبية والاقتصادية، وإذا كان الهدف من الخصخصة هو الاستفادة من الخبرات التقنية والإدارية في الخارج فقد تكون عقود الإدارة طريقة مناسبة للخصخصة وذلك مثلما حدث في عقود الإدارة في الفنادق المصرية في منتصف الثمانينات، وإذا كان الهدف هو تحسين الكفاءة وكسب تعاون العاملين إلى جانب الإدارة،فإن بيع الشركة للعمال والإدارة قد تكون طريقة مناسبة.
…أما من حيث خصائص المشروع الذي يُراد خصخصته فإن دراسة السوق والمتغيرات البيئية المحيطة، وتحليل نقاط القوة والضعف في أدائه، والتنبؤ بظروف المشروع مستقبلاً يعد مفتاحاً للوقوف على طريقة تأهيله المناسبة إلى الخصخصة بيد أنه لا ينبغي أن نغفل تحديد وتوضيح الخطوات التنفيذية للخصخصة مع وجود جدولة زمنية للخطوات المحددة.
وينبغي أن تنوه إلى أن الشركات التي يمكن أن تكون محلاً للخصخصة تندرج تحت إحدى المجموعات الثلاث التالية (الحناوي، 1998: 53، ماهر، 2002: 72-73):(25/18)
أ - شركات ناجحة، وتقدير مستقبلها يبشر بالاستمرار لها في النجاح،ويتوافر فيها مقومات جذب للمستثمرين، وأفضل طرق الخصخصة لها هي البيع بقدر ما يتوافر لها من مقومات الجذب.
ب - شركات خاسرة، ولكن يمكن إعادة هيكلتها Restructuring وتأهيلها لتسير في طريق النجاح والربحية، وينبغي ألا يتم عرضها للبيع إلا بعد إعادة الهيكلة والتأهيل حتى تتحول إلى طريق الربحية ويتوافر فيها مقومات جذب المستثمرين.
جـ- شركات خاسرة ومستقبلها يعد باستمرار الخسارة، وهذه مصيرها إلى التصفية.
المبحث الثاني: طرق الخصخصة
Methods of Privatization
للخصخصة طرق مختلفة، ولكل منها مزاياها وعيوبها، ويعتبر اختيار الطريقة المناسبة من أهم عناصر نجاح عملية الخصخصة، ويرى الباحث أن هذا الاختيار يتوقف بدوره على عدد من الاعتبارات، مثل أهداف الخصخصة، حجم الشركات التي سيتم خصخصتها، مدى تطور الأسواق المالية، خصائص المشترين والمستثمرين، التركيبه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للدولة من جهة، وطبيعة النشاط الذي تمارسه المؤسسات العامة التي يراد خصخصتها من جهة أخرى.
ويري ( Zahra,2000:86-88)أن ثمة استراتيجيات ثلاث رئيسية للخصخصة وهي:
* الإنهاء الجزئي أو الكامل لملكية الدولة Full or Partial Divestment
* العقود الإدارية Management Contracts
* امتياز الإيجار أو الإلزام Leases or Granting of Concessions
…ويضيف (ماهر،117:2002) نقلاً عن (Sovas,E.S. 1982) في كتابة
Privatizing the Public Sector الصادر عن Chattem House الاستراتيجية الرابعة المستخدمة بصفة خاصة في الدول النامية وبعض الدول المتقدمة وهي الإحلال Displacement
2/1 الاستراتيجية الأولى:
وهي الإنهاء الجزئي أو الكامل لملكية الدولة Full or Partial Divestment وتتمثل في عدد من الاختيارات مثل:(25/19)
* الاكتتاب العام: وذلك بأن تقوم الدولة بطرح أسهم المؤسسة العامة التي تنوي تحويل ملكيتها في السوق أو جزء منها للاكتتاب العام من قبل المساهمين، وهذه الطريقة كما يرى (Zahra, 2000:87) هي الأكثر شيوعاً في عملية الخصخصة، ولهذه الطريقة متطلبان رئيسيان وهما:
أ- أن تشكل المؤسسة المطروحة للبيع فرصة استثمارية مغرية للقطاع الخاص.
ب- أن تتواجد سوق مالية متطورة.
ولهذه الأسباب ربما يكون نجاح هذه الطريقة محدوداً بالنسبة لمعظم الدول النامية.
* بيع المؤسسة العامة لإدارتها (لمديري المؤسسة): Management Buy Out ويمكن استعمال هذه الطريقة في المؤسسات الصغيرة أو المؤسسات التي لم يمض على قيامها وقت، يعطيها قبولاً عاماً لدى الجمهور والمستهلكين.
* البيع المباشر: حيث يمكن بيع المؤسسة العامة لشركة قائمة لها الرغبة في توسيع استثماراتها أو لمستثمر أو مجموعة من المستثمرين.
* البيع للعاملين أو للعملاء وهي طريقة مستخدمة من المملكة المتحدة (Cragg and Dyck,1999) ، حيث بيعت بعض الشركات للعاملين وبيعت الأراضي المملوكة للدولة للمزارعين ولمربيى الماشية.
وقد يتم البيع لقاء قيام المشترين بأن يتحمل الديون الرأسمالية للشركة، فيتم إعطاؤهم الشركة هبة أو هدية Donation ليترك لهم أن ينتشلوها من مشاكلها التسويقية أو الإنتاجية أو العمالية التي تصرف نظر المشترين عن شرائها.
كما قد يتم تصفية الشركة حينما يحل بها العسر المالي الفني أو القانوني بصورة مستحكمة Technical Insolvency legal Insolvency فتبدو مفلسة ولا أمل في أن يتحسن حالها مستقبلاً، فينصرف عنها المشترون متشائمين من سوء أحوالها ومستقبلها فيتم تصفية أصول الشركة بالبيع Liquidation .
2/2 الاستراتيجية الثانية:(25/20)
وتتمثل في العقود الإداريةManagement Contracts ، حيث يتم الإبقاء على ملكية الشركة، مع تحويل العمليات والأنشطة الإنتاجية والخدمية للقطاع الخاص أو شركات أجنبية للاستفادة من خبرات الشركات المتخصصة في الإدارة والتشغيل، وهو ما تم بإسناد كبرى الفنادق المصرية إلى شركات أجنبية بعقود إدارة، للتخلص من خسائر التشغيل، ولتطوير أسلوب الإدارة فيها وهي طريقة مفضلة من حيث القدرة على إتمام الدولة لهذه النوعية من العقود بشروط تفاوضية جيدة، وفي نفس الوقت إتاحه الفرصة للشركات للاندماج والتعامل مع حقائق العولمة الاقتصادية والمنافسة المفتوحة (Zahra, 2000).
2/3 الاستراتيجية الثالثة:
هي امتياز الإيجار أو الإلزامLeases or Granting of Concessions فحق الامتياز هو حق تمنحه الدولة أو القطاع العام أو المؤسسة العامة، لاستغلال موارد معينة أو إنتاج سلعة أو بيعها أو أداء خدمة مقابل أن يدفع القطاع الخاص إيجاراً لهذا الحق، وقد ينصب حق الامتياز على إيجار الأصول المادية الملموسة المملوكة لمؤسسة عامة، وذلك بهدف إذكاء روح المنافسة بين القطاعين الحكومي والخاص، وإتاحة الفرصة لتطوير السلع والخدمات المقدمة للمواطنين، مثلما حدث في إعطاء حق امتياز تشغيل مرافق الطاقة والمياه في كوت ديفوار وغينيا، والنقل البري في النيجر، وإدارة المواني في نيجيريا، وكذلك مثلما حدث لحق امتياز تشغيل مرفق الاتصالات والسكك الحديدية في الأرجنتين (Zahra, 2000:88-89).
وهناك أنواع خاصة من عقود الامتياز مثل:
أ - أسلوب الإنشاء والتشغيل والتملك حيث تمنح الدولة القطاع الخاص المتعاقد حق تملك المشروع دون تحديد مدة، مقابل دفع مقابل حق الامتياز.
ب - أسلوب الإنشاء والتشغيل والنقل حيث تمنح الدولة القطاع الخاص حق الامتياز لفترة زمنية محددة، لبناء وتشغيل مشروع، ثم ترجع أصوله عند نهاية فترة الامتياز إلى ملكية الدولة.(25/21)
ويستعمل هذا الأسلوب غالباً لتطوير مشروعات جديدة في البني التحتية من قبل القطاع الخاص، حيث لا يتوافر تمويل كاف لدى الدولة، في ظروف كبر حجم التمويل المطلوب مع الحاجة لتقديم خدمات ضرورية للمواطنين، كما يراد تخفيف الأعباء المالية عن الدولة، لتتفرغ لأعبائها السيادية الأساسية بفعالية أكبر.
وقد يتم إعطاء حق الامتياز بإلزام Granting or Mandate بعض الشركات الخاصة أو الأفراد لتقديم منتجات معينة أو خدمات معينة لقطاعات جماهيرية لتحقيق بعض المكاسب الاجتماعية والسياسية مقابل المنح المالية التي تقدمها الدولة للقطاع الخاص لقاء هذه الأنشطة مثلما يحدث في بناء المساكن الشعبية في مصر أو الكوبونات Vouchers أو Grantsالمخصصة للدعم للحصول على سلع استهلاكية معينة أو خدمات معينة أو إلزام الشركات الخاصة بدفع مقابل حصة الدولة في التأمينات عن العاملين لديها وقد يتم إجبار الشركات الخاصة على أن تؤمن لعامليها تأميناً صحياً أو تأميناً تقاعدياً لدى شركات التأمين الصحي أو الاجتماعي الخاصة مثلما حدث في التأمينات الاجتماعية عن الشركات الخاصة في شيلي (Zahra, 2000:89)
2/4 الاستراتيجية الرابعة:
وهي الإحلال Displacement وهي استراتيجية مستخدمة في الدولة النامية وبعض الدول المتقدمة، حينما تنصرف الدولة بتأثير الضغوط الاقتصادية والسياسية، عن تقديم خدمات معينة بإهمال تقديم هذه الخدمات أو السلع Default فتتقدم الشركات الخاصة لتقتنص نصيباً متزايداً بمرور الزمن للاستثمار في تقديم هذه السلع والخدمات بصورة أفضل لتحل محل الدولة في هذا الصدد مثلما يحدث في خدمات النوادي الرياضية وخدمات التعليم العام والتعليم الجامعي وخدمات النقل العام بين المحافظات في مصر.(25/22)
وقد يحدث نوع من التعايش الثنائي بين كل من القطاعين الحكومي والخاص في تقديم السلعة أو الخدمة للمواطنين Accomodation مثلما يحدث في تقديم الخدمات الصحية في مصر، سعياً لأداء خدمات صحية أفضل، ونوعاً من إعطاء فرصة أكبر للمواطنين محدودي الدخل في الانتفاع بقدر أكبر من الخدمات الصحية الحكومية.
كما قد يحدث نوع من تنظيم العلاقة بين الأجهزة الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، بإعطاء فرصة أكبر للقطاع الخاص بتحمل بعض المسئوليات والأدوار التي تحتاج إلى وقت وجهد متخصص وذي تكلفة، على أن يتحمل المواطن تكلفة الانتفاع بهذه الخدمة ويتم ذلك من خلال الحد من أو إلغاء أو تعديل القوانين أو أدوار الأجهزة الحكوميةDeregulation مثلما حدث في مصر حينما تم إسناد مسئولية المراجعة الفنية النهائية للرسومات والمستندات الهندسية والفنية اللازمة لاستخراج تراخيص البناء أو الهدم أو التعلية عن طريق المكاتب الهندسية الاستشارية المتخصصة التي تحدد المحافظة سجلاً بها، ليكون اعتماد أي منها دليلاً لدى الحي على الصلاحية الفنية اللازمة لاستخراج الترخيص.
( ( (
المبحث الثالث
رؤية تسويقية في أهم قضايا الخصخصة
3/1 ما هي أهم قضايا الخصخصة..؟
…لقد نشأت جدل فكري واسع لدى الخبراء والاقتصاديين والساسة والمشتغلين بالسياسة والنقابات العمالية، في نوعية قضايا الخصخصة، وفي كيفية طرح القضايا ومعالجتها على الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفيما يلي مجرد حصر لأهم قضايا الخصخصة في التجارب العالمية والعربية.
(Mondal, 2000& Jaksch et al. 2001& Saving, 1998& Steel and long, 1998 & kikeri, 1999 & uhlenbruck and De-Castro, 1998&
(النجار، 1988& عاشور، 1996
…3/1/1 قضية الخصخصة كفكرة، وكخيار استراتجيي على مستوى الاقتصاد القومي، ومدى حتمية الأخذ بها وتطبيقها، وهي تعتبر في ذلك فكرة أو قضية قائدة ومحورية Core Issue لكثير من القضايا الأخرى التابعة.(25/23)
…3/1/2 قضية قدرة القطاع الخاص على شراء الأصول المعروضة للبيع، وما هي نوعية الأنشطة أو المشروعات التي سيُقبل على شرائها، وذلك حتى يمكن توقيت طرح المشروعات المعروضة للبيع دون أن يحدث تسارع في العرض، مسبباً البخس للأثمان، أو رؤية تقديرات التقييم لأصول المشروعات المعروضة بأنه تقدير مبالغ فيه، و لا يشجع على دخول القطاع الخاص في صفقات الشراء.
…3/1/3 قضية تملك الأجانب للأصول المعروضة للبيع، إذ ينبغي أن يجد المستثمرون الأجانب الفرص المواتية للاستثمار في البلاد النامية، جلباً لرؤوس أموال مستثمرة، وإدخالاً لتقنيات فنية متقدمة، ومساهمة في تشغيل العمالة الوطنية، وزيادة للقيمة المضافة للاقتصاد القومي، وتلبية لاحتياجات المواطنين من سلع وخدمات وأفكار، وإذكاءً لروح المبادرة، وقوة الإرادة، لدى المستثمرين والعاملين الوطنين.
…كما ينبغي أن توضع ضوابط لدخول المستثمر الأجنبي بماله وتقنياته إلى أرض الوطن، حتى ينتفي الاعتداء على حقوق المواطنة، وحتى لا يأخذ المستثمر الأجنبي ميزات تنافسية غير مبررة، دون أن يقدم للوطن ما يقابلها وفقاً لتكلفة الفرصة البديلة. Opportunity Cost وتكون النتيجة أن يرى المواطنون المستثمر الأجنبي مميزاً على المستثمر الوطني فيقدح ذلك في انتماء المواطن، ويجعل مهام تسويق وترويج قضايا الخصخصة صعبة أو عسيرة.(25/24)
…3/1/4 قضية تقييم أصول الشركات المعروضة للبيع، فالمغالاة في التقييم يجعل عملية البيع صعبة، كما أن التساهل في التقييم قد يتم تفسيره باتهامات القائمين على التقييم بالفساد والتلاعب لصالح المستثمرين، ومن الأفضل أن يقوم بالتقييم الجهاز المشرف على تنفيذ البرنامج القومي للخصخصة على أن يستعين بمن يراه من ذوي الاختصاص أو المكاتب المهنية، حرصاً على التقليل من التيارات والاعتراضات التي تواجه الجهود التسويقية والترويجية لبرنامج الخصخصة، كما أن قيمة البيع التي يسفر عنها التقييم هي في الأصل قيمة مبدئية يتم الاسترشاد بها في عملية البيع، أما القيمة النهائية فتتحدد وفق ميكانيكية البيع، وتقديرات الأطراف، وبوجه خاص في رؤية المشتري وتقييمه وتوقعاته لتكلفه الفرصة البديلة، وإمكانيات تحسين المركز التنافسي للمشروع وحجم المشكلات المالية والعمالية والسوقية التي يمكن أن تواجهه.
…3/1/5 قضية معالجة مشاكل العمالة، في الشركات المعدة للخصخصة، ذلك أن المعالجة غير المناسبة، قد تضيف إلى جيوش، العاطلين، أعداداً جديدة بما قد يثير مشكلات اجتماعية وأمنية، تقف حجر عثرة في وجه أي جهود تسويقية وترويجية لبرنامج الخصخصة.
…3/1/6 قضية الاستفادة من حصيلة بيع الشركات التي يتم خصخصتها، فرؤية تصرف الحكومة في هذه القضية قد يدفع أو يعوق الجهود التسويقية والترويجية لبرنامج الخصخصة، والبدائل المعروفة في تلك القضية هي سداد جزء من الدين العام، أو تمويل عجز الموازنة العامة للدولة، أو إعادة هيكلة الشركات المتعثرة، وإقالتها من عثرتها فيسهل بيعها أو إنشاء مشروعات قومية ملحة، أو لمواجهة الآثار الاجتماعية للخصخصة على الطبقات محدودة الدخل في ضروريات حياتها.(25/25)
…3/1/7 قضية تهيئة البيئة المنظمة والآمنة للنشاط الاقتصادي، والحرص على تنظيم العلاقات العادلة بين الأطراف، مع سد الثغرات والذرائع بالحوافز - وليس بالأوامر، والتوجيهات السياسية- وحماية المنافسة ودعم آليات السوق، ومكافحة الاحتكارات، وحماية حقوق المستهلكين، وهذه هي مسئولية الحكومة.
…وهذه القضية تعد من أهم القضايا المؤثرة في الجهود التسويقية والترويجية - بعد قضية أيديولوجية الخصخصة- خاصة وأن تلك الجهود موجهة بالتسويق المضخم، وبمعناه الواسع، وبما وراء التسويق من مؤثرات ومتغيرات بيئية تحتاج إلى رصدها، والتفاعل معها، والاستجابة للتغيرات المؤثرة فيها وبها، حتى يؤتي برنامج الخصخصة ثماره.
…3/1/8 قضية الآثار الاجتماعية المترتبة على توجهات برنامج الخصخصة، إذ يجب رصد هذه الآثار المتوقعة قبل أن يبدأ البرنامج، والتخطيط للتعامل معها ومعالجتها قبل أن تستفحل المشكلة وتتحول إلى معضلات اجتماعية يصعب الاقتراب منها، خاصة وأن الأخذ ببرامج الخصخصة في الدولة النامية، يتم في أجواء مشحونة بهذه المشكلات الاجتماعية مثل انخفاض مستوى دخول طبقة محدودي الدخل عن مستوى ضروريات الحياة، ومحدودية دخول الطبقة المتوسطة بما يغطي فحسب الضروريات والنذر اليسير من الحاجيات والتحسينات أما طبقة الأغنياء فما يزال غناهم محدوداً إلا القليلين.
…هذا بالإضافة إلى ضآلة فرص العمل وانتشار البطالة والبطالة المقنعة، وعدم تقديس العمل وانتشار الأمية والصراعات القبلية، والأخذ بالثأر، ونحن إذ ذاك نريد للجهود التسويقية والترويجية لبرنامج الخصخصة أن ترتب آثاراً إيجابية فكيف ذلك...؟! إن مجرد إزالة التشوهات السعرية في هذا الجو المشحون بالمتغيرات غير المواتية، يمكن أن يوصف بأنه إلقاء قنبلة نووية تعصف بالجميع دون سابق إنذار.(25/26)
…لذا ينبغي أن يراعى برنامج الخصخصة أن يبدأ إزالة التشوهات السعرية بصورة تدريجية تستغرق ما لا يقل عن عشرين سنة، مع البدء بالسلع والخدمات التي تمثل كماليات الكماليات تدريجاً إلى الضروريات مع الدعم السياسي للبرنامج، والتحفيز، والاتصالات الشخصية، ذلك أن ذوي الدخول العالية في الدول النامية، يكونون غالباً من ذوي السلطة والقوة والتمكين في الأرض، ومن الممكن أن يكونوا معوقين لبرامج الخصخصة إذا لم تكن لهم شراكة استراتيجية أو تحفيز واضح.
3/2 رؤية تسويقية لقضايا الخصخصة:
…لاشك أن أي جهود ترويجية لقضايا الخصخصة لابد وأن تتم من خلال مزيج تسويقي متكامل يراعى القطاعات السوقية المستهدفة، والهدف السوقي أو الأهداف المطلوب تحقيقها ثم يترجم ذلك كله في شكل برنامج للجهود التسويقية الموجهة لكل قضية من قضايا الخصخصة.
…فكل قضية من قضايا الخصخصة، تخاطب قطاعات سوقية مستهدفه بها، وتختلف الأهداف السوقية المطلوب تحقيقها من قضية إلى أخرى، لذا تختلف تشكيلة عناصر المزيج في البرنامج التسويقي وفق نوعية القضية، وبالتالي يختلف شكل المزيج الترويجي من قضية إلى أخرى.(25/27)
…فعلى سبيل المثال، نجد أن قضية الخصخصة كأيديولويجة وكخيار استراتيجي، على مستوى الاقتصاد القومي، وحتمية الأخذ بها، كان نتيجة ضغوط من صندوق النقد الدولي،والبنك الدولي للتعمير والتنمية كإشتراطات منه على الدول النامية، لإعادة جدولة ديونها الخارجية طبقاً للقواعد المعروفة لدى نادي باريس ونادي لندن (vuylsteke, 1989)، بل إن البنك الدولي يعرض تقديم دعم مالي وفني لتنفيذ برامج الخصخصة من خلال برنامج اقتصادي للتكيف الهيكلي لإنعاش اقتصاديات السوق مع تحرير السياسات النقدية والمالية، مما يعد عبئاً اقتصادياً ضخماً على ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة من المواطنين والمشروعات الوطنية الصغيرة والمتوسطة التي يغلب عليها أنها كثيفة العمل Capital Intensive ، وذلك في حالة إتمام البرنامج الذي يوصي به البنك الدولي دون إبطاء.
…وفي ظل اقتران قضية توجه الدولة نحو الخصخصة بمساوئ الرأسمالية فيما مضى، ومعاناة الدول النامية بوجه خاص من صعوبات التعامل مع التكتلات الاقتصادية الدولية ومشاكل عجز الموازنات العامة، وثقل الديون الخارجية، وقصور مواردها المالية، واعتمادها على الاستيراد من الخارج،وإذ ذاك تبدو عمليات تسويق قضية الخصخصة لدى القطاعات السوقية من المواطنين والمستثمرين والعاملين بالمشروعات المطروحة للخصخصة، والقيادات العامة، كمن يستخدم سلاحاً للدمار الشامل، ليعصف بالحياة الاقتصادية والاجتماعية على حدٍ سواء.
…وهذا هو الانطباع الأول The First Impression عن قضية الخصخصة كفكرة، وعما يتبعها من قضايا تلحق بها، لذا فإن تسويق هذه القضية يحتاج إلى إعداد بارع لمزيج تسويقي متميز يخطف اللباب والعقول، ويقنع الحيارى والخائفين من الخصخصة، ويضمن الملاذ الآمن لجذب الاستثمار الأجنبي، ويوفر الأمان والاطمئنان للمواطنين على غدهم ومستقبلهم.(25/28)
…ومن المعروف دائماً أن تسويق القضايا التي تؤثر في المجتمع تأثيراً حاسماً وهو ما يعرف بالتسويق الاجتماعي Societal Marketing يحتاج إلى براعة خاصة في استخدام المزيج التسويق.
…ويرى (kotler. 1986) أن ثمة طرف ثالث فيما بين المنتج للسلعة أو الخدمة أو الفكرة، والمستهلك أو المستفيد، وهؤلاء يعتبرهم Kotler أطرافا ثالثة، ويسميهم حراس البوابة Gate keepers، ففي قضية الخصخصة وما يتصل بها من قضايا تتفرع عنها، يوجد نقابات العمال، والمستثمرون، ورجال الإدارة العليا، القادة السياسيون، العاملون بالمشروعات العامة، البنوك، فهؤلاء هم الأطراف الثالثة، ويصبح ضرورياً إيجاد حوافز وضغوط إضافية في الأوقات الصحيحة وبالكميات المناسبة لهم، ويطلق Kotler على هذا النوع من التسويق، تعبير التسويق المضخم Mega Marketing حيث تتسع الرؤية للمهارات والموارد المطلوبة للدخول والعمل في أسواق معينة.
…ويضيف (kotler,1986) عنصرين آخرين للمزيج التسويقي هما السلطة Power والعلاقات العامة Public Relations ليصبح المزيج التسويقي مؤلفاً من 6 Ps، وهي:
* المنتج… Product
* الترويج Promotion
* التوزيع Place
* التسعير Pricing
* السلطة Power
* العلاقات العامة Public Relations
…وتتمثل أهم انعكاسات التسويق المضخم Mega marketing في قدرته على توسيع التفكير الإستراتيجي للمسوقين في ثلاثة اتجاهات هي:
* توسيع مفهوم التسويق المتعدد الأطراف Multiparty Marketing وإعطاء اهتمام للأطراف الثالثة في عملية التسويق.
* عدم وضوح التميز بين المتغيرات البيئية والمتغيرات التي يمكن السيطرة عليها،حيث يمكن تغيير بعض هذه المتغيرات بالحشد Lobbying، والإجراءات القانونية، والتفاوض، والإعلان والعلاقات العامة، والشراكة الاستراتيجية.(25/29)
* توسيع فهم كيفية عمل الأسواق، حيث أن الأسواق الحقيقية غالباً ما تكون مسدودة أو أمامها معوقات، أن أفضل المسوقين ليسوا على الدوام قادرين على تحقيق الربحية، مما ينتج عنه مستوى منخفض من قناعة المستهلك وإبتكارية المنتج.
وقد يُطلق على مفهوم التسويق الموسع وفقا لمدى شمولية الأنشطة التسويقية تعبير Extended Marketing للإشارة إلى شمولية الأنشطة التسويقية في الوقت الحاضر، كم قد يُطلق عليه Meta Marketing أي التسويق الواسع النطاق حيث لا تكون أهداف العملية التسويقية مجرد الحصول على الربحية، وإنما تركز على الولاء وكسب رضا المستهلك أو المستفيد وتقديم العون والمساعدة لهم وقد يطلق عليه تعبير Macro marketing وقد اشتقت هذه المصطلحات في حقبة التسعينيات (Mazis, 1997) حيث تمت المؤالفة والتجديد فيما بين علم التسويق وعلوم العلاقات العامة والاتصالات، ومبادئ الأخلاق للتعامل مع المتغيرات البيئية، وإعطاء رضاء المستهلك والمستفيد، والوسطاء في عملية التسويق (الأطراف الثالثة) أهمية أكبر، ودوراً أعمق حيث يكون التركيز على خمسة أنواع رئيسة للتسويق وهي:
* تسويق المنتج Product Marketing
…حيث يتم التعامل مع التطوير وتسويق السلع والخدمات والأفكار بغرض بيعها وتحقيق الربحية من ورائها.
* تسويق المنظمة Marketing Organization
…حيث يتم التركيز على النشاطات التي تهدف إلى إيجاد مواقف واتجاهات وسلوكيات نحو شخصية سياسية معينة أو لتسويق الشهرة أو السمعة أو أداء معين أو تسويق الشعور أو العواطف نحو الآخرين.
* تسويق ا لموقع أو المكان Place Marketing
حيث يكون التركيز على التطوير والتسويق لمواقع أو أماكن معينة.
* التسويق الاجتماعي Societal Marketing
…حيث يتم تنفيذ ومراقبة برامج عمل مؤثرة للحصول على أفكار اجتماعية ملائمة حول قضايا وأفكار واعترافات ومساندات في الترويج والتخطيط لمنتجات(25/30)
أو التسعير والاتصالات والتوزيع لهذه الأفكار والقضايا.
…ويرى (van Dam & Apeldoorn. 1996) أن ثمة دعوة واجبة في هذا الصدد، وهي اللجوء إلى ما يعرف بالتسويق المستدام (والمتصل بأسباب الحياة وبالتغيرات البيئية المجددة) Sustainable Marketing ، فيعبر عن الجهود التسويقية المستمرة التي ترصد وتأخذ في اعتبارها ما يحدث من تغيير في المحيط البيئي، ويلبي حاجات المستهلك أو المستفيد ومصالح المجتمع، وأهداف المنتج ويتعامل مع المشكلات والعقبات والقيود الموجودة في البيئة بصورة ترعى المصلحة العامة وتراعى العلاقات بين كل المتعاملين في قنوات التسويق للسلعة أو الخدمة
أو الفكرة.
…يؤكدا (Van Dam & Apeldoom, 1996) على أن الاستمرارية والمبادأة في الجهود التسويقية المبذولة، وإرادة التغلب على العقبات التي تعوق الجهود التسويقية، هو شرط ضروري لفعالية تحقيق الأهداف السوقية، وليس كافياً فحسب.
…وتنبغي الإشارة إلى أن الأهداف السوقية في كل قضية من قضايا الخصخصة لا يمكن تحديدها بصورة حقيقية، وإنما يتغير تحديد هذه الأهداف وفق الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمرحلة الزمنية، والجهود التسويقية المبذولة من قبل.
…ويظهر بادئ ذي بدء أن الجهود الترويجية المطلوبة لكل قضية من قضايا الخصخصة، تحتاج في الدول النامية إلى التركيز على عناصر المزيج التسويقي المتعلقة بقوة الدعم السياسي، والعلاقات العامة، والجهود الترويجية المتعلقة بالاتصالات الشخصية، والإعلان والإعلام والدعاية ليس من طرف واحد فقط (الحكومة)، بل من كل أجهزة المجتمع من منطلق الحفاظ على المصالح القومية والنهوض بالاقتصاد القومي، ويا حبذا إذا تم ربط الجهود التسويقية والترويجية بالواجبات الدينية تحقيقاً للعدالة وتشجيعاً للمستثمر الفرد، وانتماءاً للوطن، وإحقاقاً للحق وإنصافاً للمتحاجين، وأداءً للواجبات من الأغنياء نحو الوطن.
( ( (
المبحث الرابع(25/31)
المتطلبات الأساسية لنجاح الترويج لقضايا الخصخصة
…تتمثل أهم الدعائم والتوجهات الأساسية لنجاح الترويج لقضايا الخصخصة في جودة المحيط البيئي لقضايا الخصخصة، والذي يتضمن ضرورة تهيئة واستثارة المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتشريعية والإدارية والمؤسسية بصورة إيجابية لتكون سنداً داعماً لترويج قضايا الخصخصة ولتقليل تأثير الصعوبات المعوقة لقبول المجتمع التعامل مع والاستجابة للجهود الترويجية لقضايا الخصخصة، وخاصة في المراحل الأولى، وحتى تؤتي الخصخصة بدايات ثمارها، إلى أن تصبح جهداً واعداً ومبشراً بالخير.
…وتتمثل أهم هذه الدعائم فيما يلي:
(Zahra ,2000: 88-103&Cuervo and Villalonga, 2000: 583-590 &Mondal ,2000:61-74&
عاشور، 1996: 5-18& هندي، 1995: 97-159).
4/1 علاج مشكلات تقييم المشروعات المطروحة للبيع:
…حيث لا تمثل القيمة التاريخية للأصول قيمتها السوقية ولا قيمتها الاستبدالية، مما يقتضي إعادة تقييم شاملة للأصول بصورة فنية من خلال مكاتب خبرة وخبراء متخصصين لديهم رصيد جيد في تقييم الأصول في السوق المحلي والعالمي، حيث أن عملية التقييم والتسعير للأصول تؤثر في كل من الجانب الاقتصادي والمالي لقضية الخصخصة من ناحية،والجانب السياسي من ناحية أخرى، إذ يتم تفسير المغالاة في تقييم الأصول على أنه تعويق لعملية البيع مما يؤدي إلى تعثر الخصخصة، كما يتم تفسير التيسير والتقييم بأقل من القيمة الحقيقية، على أنه تلاعب لصالح المشترين.
4/2 تطوير سوق رأس المال والمؤسسات المالية والمصرفية:(25/32)
…إذا تعد سوق رأس المال والمؤسسات المالية والمصرفية، أهم مقومات نجاح خصخصة الملكية، فعن طريقها يتم التداول النشط للأسهم والسندات حاضراً وآجلاً، ويحمي المتعاملين في السوق، ويمنع المضاربات والتواطؤ، ويوفر الشفافية في الاستثمار الأمن في ظل وجود شركات وصناديق الاستثمار، ومكاتب المستشارين والخبراء في الاستثمار والأوراق المالية، إلى جانب أهمية تطوير القطاع المصرفي لدوره الحيوي في عمليات الإصدار في السوق الأولى للأوراق المالية وفي توفير السيولة والقروض للمشروعات التي يتم خصخصتها.
4/3 توسيع وتنويع قاعدة الملكية:
…وهذه الركيزة يمكن أن تعطي برنامج الخصخصة طابعاً ديموقراطياً، وصورة ذهنية إيجابية قوية، وتأييداً جماهيرياً واسعاً، حيث يتاح لصغار الرأسماليين وصغار المستثمرين وللمديرين والعاملين والعملاء في المشروعات المخصخصة أن يشاركوا في ملكية أسهمها وبالتالي يتم تنمية المواطنة عندهم فيمارسوا دوراً محدوداً إلى جانب الدور الكبير الذي يؤديه كبار المستثمرين والرأسماليين الذين يملكون القدرات المالية والخبرة والدراية بمجالات الاستثمار والأعمال بما يعتبر سعياً لتوسيع نطاق المنافسة وتشجيع الابتكار، مع ضرورة تحديد مجالات المشروعات المتاحة للاستثمار الأجنبي ونسب الملكية فيها.
4/4 سلامة معايير اختيار المشروعات للخصخصة:
…ويوجه خاص ما يتعلق منها بالحوافز التي ستوفرها الدولة، لدعم وتشجيع ومساندة الاستثمارات الخاصة في المشروعات المطروحة للخصخصة، والوضع التنافسي لهذه المشروعات، وحجم المشروع وأهميته على المستوى القومي ونوعية المشروع ذاته من حيث كونه كثيف رأس المال Capital Intensive أو كثيف العمل Labour Intensive ، والجدوى المالية للمشروع حالياً، وحساسية إيراداته وتكاليفه في المستقبل.
4/5 وجود قواعد واضحة ومحددة تتعامل مع الطرق البديلة للخصخصة، مثل:(25/33)
* جوهرية مراعاة الأبعاد الاجتماعية للخصخصة على محدودي الدخل.
* مراقبة الدولة لجودة وأسعار الخدمات المقدمة من القطاع الخاص على أساس تجاري، لتبعدها عن الاستغلال الممقوت، لإبعاد المخاوف الرديئة المصاحبة للخصخصة من توقع ارتفاع الأسعار دون مبرر واستغلال حاجات المواطنين، وإن أدي ذلك بإمساك الدولة لزمام الأمور بالتدخل في جانبي العرض والطلب على خدمات معينة بأسلوب التوجيه والتحفيز وخاصة في السلع والخدمات التي يتصف سوقها بأنه سوق بائعين.
* التركيز على تدعيم الأنشطة الإنتاجية والخدمية الأساسية للتنمية الاقتصادية مثل المشروعات الصناعية المتطورة تكنولوجيا أو تنتج سلعاً بديلة للمستورد توطيناً للصناعة، أو تدعم الجهود التصديرية للاقتصاد القومي.
* التدرج في التطبيق لبرنامج الخصخصة حتى تكون النتائج الناجحة لبدايات البرنامج، نموذجاً يُحتذى به للتطبيق في نفس القطاع لمؤسسات مشابهة.
* ضرورة وجود برنامج زمني مدروس للخصخصة لمراعاة قدرة السوق على استيعاب المشروعات المطروحة للبيع وللاستفادة من ردود الأفعال وخبرات التقييم والتسعير والبيع في المراحل الأولى لتكون دعماً للمراحل التالية للخصخصة.
* ضرورة توفير معلومات كاملة عن فرص الربحية والنمو للشركات المخصخصة.
4/6 التهيئة الكاملة للمناخ التشريعي والاقتصادي:
إذ تحتاج الخصخصة إلى تطوير وتصحيح التشريعات المرتبطة بنهج الخصخصة مثل قوانين الملكية والمعاملات التجارية والقوانين المنظمة لسوق رأس المال والمؤسسات المالية والمصرفية وتشريعات العمل والضرائب ومنع الاحتكار إلى جانب ضرورة ضبط التناسق بين برنامج الخصخصة والإصلاحات الاقتصادية الهيكلية الأخرى على المستوى القومي حتى لا يحدث تضارب أو تداخل بين برامج الخصخصة والسياسات الاقتصادية والمالية الأخرى في الدولة.
4/7 الإصلاح والتطوير الإداري للأجهزة الحكومية:(25/34)
… توفير وتطوير القدرات الإدارية الداعمة لبرنامج الخصخصة في الأجهزة الحكومية وللمشروعات الخاصة بتبنى جهد قومي في إعداد المدير الذي يتعامل في سوق على مستوى العولمة واتفاقية الجات ومواصفات الجودة العالمية والقدرات التنافسية على مستوى عالمي.
4/8 ضرورة توفير الدعم السياسي لبرنامج الخصخصة:
4/9 ضرورة استخدام الأساليب الترويجية من كافة أجهزة الدولة والمجتمع وتهيئة أجهزة المجتمع والدولة لأداء دورها المنوط بها وهو ما يعرف بـMultilateral Promotion
( ( (
المبحث الخامس
تجارب عالمية في الترويج لبرنامج الخصخصة، لدول تختلف في توجهاتها الاقتصادية، [وتقييم كل منها في ضوء الظروف البيئية التي تحيط بها]
…إن كل تجربة من تجارب الخصخصة، تضيف إلى حصيلة التجارب الدولية دروساً مستفادة، تستحق الدراسة، لتفادي سلبياتها وإتباع إيجابياتها، في تنفيذ مشروعات الخصخصة المستقبلية، بيد أن الخبراء يؤكدون أهمية أخذ الظروف والمتغيرات المحلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية بعين الاعتبار، عند إعداد استراتيجيات الخصخصة وتنفيذها، فثمة ما يشبه الاقتناع العالمي بأن تجارب الخصخصة لا يمكن نقلها بحذافيرها من دولة إلى أخرى، ويبين الباحث فيما يلي عدداً من التجارب العالمية في الترويج لبرنامج الخصخصة، لدول تختلف في توجهاتها الاقتصادية، وتتباين في المتغيرات السياسية والاجتماعية التي تكتنفها، في فترات الترويج لبرنامج الخصخصة:
5/1: تجربة الترويج لبرنامج الخصخصة في بريطانيا:
[Gragg and Dyck, 1999 & Bishop and Thompson, 1993 Grimsone, 1990& Grout, 1995& Suleiman, 1990].(25/35)
…تتصف التجربة البريطانية في الخصخصة بالنجاح، منذ أن بدأت مع حكومة المحافظين برئاسة مارجريت تاتشر، ذلك أن أسباب النجاح قد تجمعت فيها، وهي من أولى البدايات في هذا المضمار، لذا تعد بحق من التجارب الرائدة (Cragg & Dyck, 1999) من حيث التهيئة التشريعية والسياسية والاقتصادية مع إجراء إصلاحات في سوق الأوراق المالية والهيكل الضريبي، ثم شمول الخصخصة لكافة قطاعات الاقتصاد القومي السلعية والخدمية، وهي تركز في المجهودات الترويجية على:
* استخدام حملات إعلامية وإعلانية مكثفة موجهة إلى كل القطاعات السوقية المستهدفة (الشعب- المستثمرين- العاملين - المديرين- الأجهزة الرسمية- القيادات السياسية والاجتماعية)؛ وذلك لإقناعهم وترغيبهم واستمالتهم بجدوى الخصخصة فمثلاً استمرت الحملات الإعلامية والإعلانية في بيع شركة British Telecom سنة ونصف السنة.
* إعمال الأسلوب التدريجي في الخصخصة، حتى يمكن إعطاء فرصة لجهود العلاقات العامة، والنشر، والبيع الشخصي والإعلام والإعلان والدعاية، أن تؤتى ثمارها وتُحدث تأثيرها.
* التركيز على جودة المنتج في قضايا الخصخصة، إذ يتم التركيز على المؤسسات الرابحة والمبشرة بالخير في كل قطاع، ليتم تحويلها بشكل نموذجي، لتكون مثالاً يحتذي به في باقي المؤسسات المشابهة.
* التركيز على التحشيد Lobbying والشراكة الإستراتجية للمستثمرين والمواطنين والمديرين والعاملين، ومؤسسي الشركات، في توسيع قاعدة الملكية، كما يلي:
أ- تشجيع الدولة للمؤسسين في المقام الأول على شراء نصيب الدولة من الأسهم أو جزء منها.
ب- تشجيع المديرين والعاملين بإعطائهم أولوية في شراء الأسهم، أو إعطائهم أسهماً مقابل نصيبهم في الأرباح أو تخفيض ثمن الأسهم لهم،أو إعطائهم حافزاً للشراء، أو منح المتميزين من العاملين أسهماً مجانية لكونهم ذوي المسئولية الأولى في استمرار عطائهم للشركة وتطويره ومضاعفته (إعطاء مزايا واضحة للعاملين).(25/36)
ج- تشجيع المستثمرين على شراء الأسهم بإعطائهم معلومات كاملة وصادقة تبين الاتجاه الواعد لفرص الربحية في الشركات المعروضة للبيع.
د- تخفيض قيمة الأسهم أو تقسيط الثمن أو إعطاء أولوية لطلبات المساهمة الصغيرة، فمثلاً حينما بيعت حصة الدولة الباقية في رأس مال شركة Cable and wireless في ديسمبر 1985م،تمت الاستجابة إلى كل الطلبات التي لا تتجاوز 200سهم ولم يُستجب إلا إلى 30% من الطلبات التي تفوق1000 سهم، هذا على الرغم أن عدد المساهمين يتقلص بسرعة بعد عملية الإصدار، رغم ما تقدمه الحكومة من تشجيع للاحتفاظ بالأسهم، فقد تقلص مثلاً عدد المساهمين بين تاريخ البيع في 18فبراير 1981م، لشركة British Aeorospace وحتى 7 من يناير 1982م،من 137492 مساهم إلى 47512 مساهم.
* وضع قيود على المستثمرين الأجانب في عمليات الخصخصة، بمطالبتهم بالقيد في سجل المساهمين الأجانب لدى الدولة، وألا تزيد حصة المستثمر الأجنبي عن 15% من إجمالي أسهم الشركة، مع عدم مشاركة الأجنبي في مجلس الإدارة.
* احتفاظ الحكومة بسهم خاص يسمى السهم الذهبي Golden Share في الشركة المخصخصة، يحق لها به حضور الجمعية العمومية، والتصويت، وتعيين ممثل لها من رجال الأعمال في مجلس الإدارة، وكذلك يحق لها الاعتراض في الأحوال الطارئة على بعض القرارات، وهذا يعطي صورة ذهنية أمام المواطن أن الشركات المخصخصة تعمل بمراقبة الدولة لإعمال الصالح العام ودون إضرار متعمد بحقوق المستثمرين والمساهمين.
* تخيير المديرين في المؤسسات العامة في الدولة، والمعارضين للخصخصة إما بنقلهم إلى وظائف بديلة في المؤسسات المخصخصة أو بحل هذه المؤسسات، فيفقدون وظائفهم.(25/37)
* يشرف وزير المالية على جميع عمليات الخصخصة بالتعاون مع الوزارات المعنية، برسم وإقرار الخطوط العامة للخصخصة أما تفاصيل العمليات الفنية، فتترك للمختصين من بنوك أعمال ووسطاء ماليين ورجال قانون، ومكاتب محاسبة مما يوسَّع دائرة الشراكة الإستراتيجية في الخصخصة.
* المساندة السياسية الكبيرة للحزب الحاكم والحكومة والوزارات للخصخصة يعكس قوة التأثير الداعم للتوجه للخصخصة.
* توخت الحكومة طريقتين في ضبط أسعار البيع للشركات المعروضة للخصخصة، إما بقرار مباشر منها أو عن طريق المزايدات، وفي كلتا الحالتين يسبق قرار السعر، تقييم يقوم به مكتب محاسبة متخصص بالاشتراك مع البنك المسئول ووزارة المالية ثم ينتهي الأمر إلى ضبط سعر يؤخذ به في عمليات الخصخصة المباشرة إلى بعض أصناف المستثمرين أو يؤخذ به كحد أدنى في عمليات المزايدة التي تلجأ إليها الحكومة.
* الحرص الشديد من قبل السلطات المسئولة على أن يتم إنجاز الخصخصة بمصداقية وشفافية إلى جانب المؤازرة من جل الأطراف المعنية، وتتم هذه المؤازرة، بتقييم السلطات المسئولة لوقع التحول للخصخصة على كل الأطراف المعنية بها، ثم التعديل بمختلف الإجراءات الجبائية والمالية بينها حتى يمكن ضمان مؤازرة هذه الأطراف لعملية الخصخصة.
* يتم التركيز في المجهودات الترويجية على التكامل بينها وبين المجهودات التسويقية ككل، وكذلك على العوائد والمكاسب المحققة لكل الأطراف نتيجة عمليات الخصخصة، فيتم الإبراز الإعلامي والإعلاني والدعائي للنواتج الإيجابية للخصخصة على تحفيز العنصر البشري في المشروعات المخصخصة وكيف زادت دخولها، وكذلك النتائج الإيجابية على الارتفاع الملحوظ في مستوى أسعار الأسهم، وزيادة نشاط السوق المالية، وكذلك التزايد المضطرد في مستويات التطوير والنهوض والتحسين في إنتاجية الشركات المخصخصة إلى جانب إبراز التحسين في النتائج الاجتماعية والسياسية.(25/38)
5/2: تجربة الترويج لبرنامج الخصخصة في ماليزيا:
[World Bank, 1992 & Rahman, 1992] …
…يبلغ عدد سكان ماليزيا حوالي 20 مليون نسمة، يشكل السكان الأصليون (المالاي) نحو 58% منهم، وذوو الأصول الصينية نحو 32%، والبقية تأتي من أصول هندية، ويمثل هذا التركيب العرقي عائقاً كبيراً، نظراً لتفاوت المستوى المعيشي بين الطبقات، إذ غالبية الفقراء من المالاي العاملين في قطاع الزراعة، ويتمركز ذوو الأصل الصيني في المدن ويسيطرون على الاقتصاد الوطني.
…وبلغ عدد الشركات الحكومية نحو 900 شركة تساهم في الناتج الإجمالي المحلي بنحو 48% ويعتمد الاقتصاد الماليزي على تصدير منتجين رئيسيين هما المطاط والقصدير، وقد حدثت تقلبات في الأسعار والأسواق وركود اقتصادي في عام 1985م، لهاتين السلعتين لدرجة سلبية معدل النمو الاقتصادي في هذا العام مقارنة بمعدل نمو 6.3% عام 1983م، 7.3% عام 1980م، ونظراً لتزايد الحاجة لبناء وتحديث البنية التحتية Infrastructure وتوسعة القاعدة الصناعية، تبنت الدولة استراتيجية الخصخصة، حيث بلغ عدد المشروعات المخصخصة 110مشروعاً منها 25مشروعاً جديداً تماماً في الفترة من 1983م، وحتى 1994م، وشاملة للخطوط الجوية الماليزية، الاتصالات، الكهرباء، النقل، البريد والمواصلات، الصرف الصحي، وقد اتصفت الجهود الترويجية بما يلي:
* تعمل الدولة على توسعة نطاق مشاركة المواطنين المالاي (وهم الأقل ثروة)، في تملك الشركات على حساب الأصول الصينية،والمستثمر الأجنبي، بدرجة من التوازن، بهدف توزيع الثروة بصورة عادلة، لضمان المشاركة الجماهيرية في التوجه نحو الخصخصة.
* تراقب الدولة - من خلال إطار رقابي Regulatory Framework تنفذه وحدة تنظيمية ملحقة بكل وزارة - الأنشطة التجارية والمرافق التي تم خصخصتها وبوجه خاص من حيث جودة الخدمات ومناسبة الأسعار وذلك عن طريق أسلوبين هما:(25/39)
أ - إصدار التراخيص لمدة زمنية محددة لإدارة الخدمات العامة وبعد أن تنتهي يتم تعديل شروطها وفق المتغيرات المستحدثة، لزيادة نطاق المنافسة، ومراجعة آلية الأسعار.
ب - عقود الامتياز Concession Agreements لإدارة المرافق العامة، متضمنة شروط تغيير بعض بنود العقد حسبما تراه الدولة ضرورياً.
* على الرغم أن معظم التشريعات في ماليزيا لا تعوق التوجه للخصخصة إلا أنه تم تعديل بعض مواد الدستور والقوانين لتذليل عوائق محددة في طريق تنفيذ برامج الخصخصة مثل بنود الدستور الخاصة بنزع الملكية، وقانون التقاعد، وقوانين المرافق الحكومية(الاتصالات- المواني - الكهرباء - وغيرها).
* تخطط وتنفذ مشروعات الخصخصة "وحدة التخطيط الاقتصادي" Economic "Planning Unit,1993، التابعة لمجلس الوزراء، وتقدم المقترحات منها إلى رئيس مجلس الوزراء، وبعد موافقة مجلس الوزراء عليها، يتم عرضها على البرلمان ومجلس الشيوخ للموافقة عليها حتى يتم توفير المساندة السياسية لبرنامج الخصخصة، إلى جانب قوة التشريع، والإعلام والتحشيد، ويتم التنسيق بين الوزارات والحكومات المحلية عبر لجان متخصصة للخصخصة على مستوى كل وزارة وكل حكومة محلية، أما مصدر المقترحات فهو كل مواطن أو مستثمر خاص أو أي جهة، على أن يكون مصحوباً بدراسة الجدوى وفق نماذج موحدة معدة سلفاً في وحدة التخطيط الاقتصادي.
* لا تمثل قضايا العاملين مشكلة كبيرة في ماليزيا، فرواتب العاملين في القطاع الخاص أعلى، من رواتب العاملين في القطاع العام مما جعل التلهف على العمل في القطاع الخاص أكثر، بعد أن ألزمت الحكومة شركات القطاع الخاص بتوظيف القوى العاملة المنتقلة إليها لمدة لا تقل عن خمس سنوات مع عدم فصلهم إلا لأسباب تأديبية قانونية، مع عدم تخفيض رواتبهم السابقة كموظفين في الدولة.(25/40)
* منحت الحكومة العاملين في الشركات المخصخصة فرصة تخصيص 5% من رأس مال الشركة لاكتتاب العاملين بشروط ميسرة، وتمكنهم من شراء نسبة محددة من الأسهم بسعر الإصدار بعد مضي ثلاث سنوات من العمل في الشركة، مع سعي الحكومة لتوفير مزايا أخرى لتحفيز العاملين لرفع مستوى أدائهم.
* تركز ماليزيا في الخصخصة على تطوير القطاع الصناعي لتلبية الاحتياجات المحلية والتركيز على التصدير وتنويع الصادرات، مع تحديث البنية التحتية مع استقطاب رؤوس أموال أجنبية وأساليب تكنولوجية جديدة،في ظل الاستقرار السياسي للبلاد.
* تضع الدولة خطة استراتيجية على المستوى القومي لفترات زمنية طويلة، وقد بدأت إبان الخصخصة بخطتها المعروفة وهي (New Economic Policy)، ثم تلتها بعد ذلك الخطة التنموية المعروفة (2020 Strategic Plan) بهدف الانتساب إلى تصنيف الدول الصناعية بحلول عام 2020ومضاعفة متوسط دخل الفرد إلى أربعة أضعاف، وهكذا يتم التحرك في مضمار الخصخصة من خلال استنفار كل الجهود الوطنية لتحقيق التطور في اقتصاديات الوطن، ولزيادة متوسط دخل الفرد عن طريق الإعلام الاستراتيجي، والمساندة السياسية والتركيز على الاتصالات الشخصية في الترويج ببرامج طويلة الأجل.
5/3: تجربة الترويج لبرنامج الخصخصة في المكسيك:
… [Aspe, 1994 & Newell, 1994](25/41)
…مر الاقتصاد المكسيكي بكارثة اقتصادية ضخمة، بحلول عام 1982م، ففي الفترة من 1971م، وحتى 1982م، زادت ديون الدولة بمعدل 26% سنوياً: وفي العام الأخير من الفترة زادت بمعدل 57%، وانهار سعر صرف العملة، وزاد الوضع الاقتصادي سوءاً، حتى بلغت نسبة التضخم في عام 1987م، 159.2%، فقررت الحكومة في عام 1988م، إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية وعقدت اتفاقية التكافل الاقتصادي القومي، أو ما يعرف بـ Pact for Economic Solidarity، لكل الأطراف السياسية والاقتصادية والعمالية لمناقشة بدائل الإصلاح الاقتصادي الشامل والاتفاق على الأسس والقواعد الواجب إتباعها في ذلك.
…وتعتبر بداية الشروع والتوجه للخصخصة، مع بداية الثمانينات،وكانت تتصف بالبطء، ولم تتسارع إلا في النصف الثاني من عقد الثمانينات، وكانت الأهداف الرئيسية آنئذ تتمثل في ترشيد الإنفاق الحكومي، وتدبير سداد الديون الحكومية، وجلب الاستثمارات الأجنبية، وتدعيم مشروعات البنية التحتية، وزيادة الكفاءة الاقتصادية.
…وتتصف الجهود الترويجية لبرنامج الخصخصة في المكسيك نتيجة الحاجة الملحة للأموال، بما يلي:
* عزل الاعتبارات والمتغيرات الاجتماعية تماماً عن التأثير في مسارات الخصخصة.
* الشفافية والعلانية في الإجراءات، والبيع النظيف، والبيع لأعلى الأسعار.
* السماح للمستثمر الأجنبي. بالتملك لنسب قد تصل إلى 100% من رأس المال،وفقاً لطبيعة القطاع، عدا القطاعات الإستراتيجية مثل البورصة، الإذاعة والتليفزيون، الغاز الطبيعي، قطع الغابات وفي كل الأحوال فإن القدرة التصويتية للأجنبي لا تزيد عن 49% مهما بلغت نسبة ملكيته.
* اقتصرت طرق الخصخصة فحسب على أسلوب البيع المباشر بالمزايدة العلنية، وعقود الامتياز للمشروعات الجديدة، أما أسلوب الاكتتاب العام فنسبته قليلة لتكاليفه المرتفعة نسبياً، والبطء في إجراءاته.(25/42)
* تم خصخصة 950 شركة حكومية من أصل 1115شركة خلال أثنى عشر عاماً فحسب، شملت قطاعات سلعية وخدمية متعددة.
* تمت تهيئة تشريعية للقوانين والقواعد المتعلقة بحماية ومراقبة ومواكبة المنافسة الاقتصادية وقوى السوق والمتغيرات المؤثرة فيه، ولمواكبة التطورات التكنولوجية من خلال المجلس الاقتصادي للمنافسة Economic Competition Commission .
* تم التركيز على حماية مصالح المستهلك في ظل توعيته، وإعلامه وإعلانه بكافة المعلومات التي تؤثر في سلوكياته.
* تم وضع وتنفيذ سياسة خاصة للحد من السلوكيات السلبية للشركات، فيما يتعلق بالسلوك الاحتكاري للقلة أو إجبار المستهلك على تصرف معين أو رفض خدمة المستهلك.
* أصرت الدولة في تنفيذ برنامج الخصخصة على عدم تحميل القطاع الخاص عبء القوى العاملة الزائدة عن الحاجة، وإنهاء خدمتها مع تحملها للآثار المالية وفقاً للقانون.
* قامت الدولة بتوفير دعم سياسي صارم لبرنامج الخصخصة مع عدم إعطاء الفرصة للمعارضة السياسية أو لاستغلال النفوذ في إعاقة الخصخصة.
* يتولى مكتب الخصخصة Office of Privatization والتابع لوزارة المالية - بصورة مركزية - إعداد الخطوات التنفيذية للخصخصة ودراسة الجدوى المبدئية، ويمكنه الاستعانة ببيوت الاستشارات المالية والوزارات المعنية، ثم يقدم وزير المالية الدراسة الأولية لمجلس الوزراء ليمكن اعتمادها من مجلس الوزراء والبرلمان، ثم يتم عمل الدراسات التفصيلية وقبل الاعتماد تكون كل المقترحات في طي الكتمان حفاظاً على السرية المراقبة دائماً.
* تم التركيز على تسعير الخدمات بشكل يعكس التكلفة الحقيقية للإنتاج، وحرصاً على عدم اختلاط برنامج الخصخصة بالمبالغة في الأسعار أو الاحتكار أو استغلال المستهلك.
* تمت إزالة الدعم الحكومي المباشر، والدعم المتباين، لإزالة تشوهات الأسعار.(25/43)
* حرصت الدولة على البدء بخصخصة المشروعات الصغيرة لاكتساب الخبرة ثم انتقلت إلى المشروعات الكبرى.
* تجنبت الدولة إجراء أي إصلاحات هيكلية للقطاعات والشركات المعروضة للخصخصة لتوفير الأموال، والتعجيل بإجراءات الخصخصة.
* تمت الاستعانة بأسواق المال العالمية لخصخصة المشروعات الكبرى، التي لا يستطيع القطاع الخاص المحلي استيعابها.
5/4: تجربة الترويج لبرنامج الخصخصة في نيوزيلندة:
[Duncan and Bollard, 1992 & Jones,1991]
…يبلغ عدد سكان نيوزيلندة 3.5 مليون نسمة، ولقد انتعش الاقتصاد النيوزيلندي منذ أعقاب الحرب العالمية الثانية نتيجة نمو صادرات قطاعي الزراعة وتربية المواشي في ظل الاستقرار السياسي، وفي خلال السبعينيات إزداد الوضع الاقتصادي سوءاً نتيجة المنافسة الدولية الشديدة في أسواق المنتجات الزراعية والحيوانية.
…بدأت نيوزيلندة إصلاحاً اقتصاديا جذرياً، وتحرير كافة القطاعات الاقتصادية وإزالة القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي،مما أدى إلى أن يشهد قطاعا الصناعة والخدمات نمواً سريعاً إلى جانب القطاعين الهامين للثروة الزراعية والحيوانية.
…وتشهد الجهود الترويجية تكاملاً مع الجهود التسويقية لبرنامج الخصخصة، وفقاً لما يلي:
* قامت نيوزيلندة بعمل تهيئة شاملة لبرنامج الخصخصة كجزء من برنامج اقتصادي متكامل، وبصفة خاصة في رفع الحماية الضريبية، وتحرير القطاع المصرفي، وتهيئة السوق والقوانين لتحفيز المنافسة، وإعادة هيكلة المؤسسات العامة، ثم تحويل ملكيتها وإدارتها للقطاع الخاص.
* تم تحويل الأنشطة الحكومية ذات الطابع التجاري Trading Activities في إدارات الدولة إلى شركات حكومية كمرحلة انتقالية تمهيداً لبيعها إلى القطاع الخاص، وتسمى هذه الطريقة Corporatization، وذلك بهدف:
أ- تحسين وتطوير الأداء المالي للنشاط.
ب- فتح باب المنافسة وتهيئة الإطار الرقابي.
ج- معالجة قضايا القوى العاملة الفائضة.(25/44)
د- رفع الدعم الحكومي.
هـ- تعظيم قيمة البيع للقطاع الخاص.
* تم توظيف أعضاء مجالس إدارات الشركات الحكومية ذوي الخبرات الناجحة في إدارة الأعمال التجارية وفق أسلوب القطاع الخاص بعقد يتم تجديده كل عامين بعد إجراء عملية تقويم محايدة لإنجازاتهم.
* منح مجالس إدارات الشركات الحكومية، ومديري العموم، كافة الصلاحيات الفنية لتعيين من يرونه كفؤاً.
* منح الشركات صلاحيات واسعة لإدارتها على أسس تجارية بحتة، حتى تعمل بمنأى عن المؤثرات السياسية والاجتماعية.
* تتبنى نيوزيلندة أسلوب البيع الخاص Private Sale ببيع نسب من الملكية لمستثمرين من القطاع الخاص بالمزايدة، إلى جانب بعض أساليب البيع الأخرى كالاكتتاب العام.
* تمتلك الدولة في الشركات المخصخصة السهم الذهبي Golden Shares Or kiwi Shares للسيطرة على بعض القضايا الإستراتيجية، مثل أن تشترط الحكومة على الشريك الأجنبي طرح نصف أسهمه للبيع للمواطنين النيوزيلاند، في سوق الأوراق المالية بعد ثلاث سنوات من تاريخ الشراء بعدما يحقق الشريك الأجنبي أرباحاً مجزية إثر إضافته لتحسينات كبيرة على أداء الشركة.
* طورت نيوزيلندة أسلوباً لرقابة شركات القطاع الخاص، يقضي بعدم تدخل الدولة إلا في الحالات الضرورية.
* أنشأت نيوزيلندة مجلس الرقابة التجارية Commerce Commission التابع لوزارة التجارة لغرض حماية مصالح المستهلك، عند شكواه من تدني الجودة أو ارتفاع غير مبرر في السعر وغيرها من القضايا.
* تقدم الدولة للقوى العاملة الفائضة عن حاجة الشركات المحولة للقطاع الخاص، تعويضات مالية تصل أحيانا إلى راتب ثلاث سنوات، وترتبط بعدد سنوات الخدمة، وذلك خلال الستة أشهر الأولى من إنهاء الخدمة لمساعدتهم على البحث عن فرص عمل في القطاع الخاص، وبعد انقضاء هذه الفترة يتم صرف حوالي 500دولار شهرياً لتأمين الحاجات الأساسية إلى جانب مساعدة الدولة لهم في تدبير وظائف في القطاع الخاص.(25/45)
* تراعى الدولة عدم التمييز بين الشركات الحكومية والشركات التجارية المخصخصة، فكلاهما يدار بأسلوب إدارة الشركات التجارية الخاصة، مع عدم منح أي حقوق احتكارية.
* تراعى الدولة إنهاء كافة الالتزامات المالية قبل بيع الشركات أو تحويل الإدارات الحكومية إلى شركات، وهو ما يُعرف بالبيع النظيف Clean Sale .
* يشرف على إدارة عمليات الخصخصة، وحدة تنظيمية تابعة لوزير المالية، حيث تقترح الوحدة تحويل نشاط حكومي ما إلى شركة حكومية، بعد إجراء دراسة أولية Scoping Study، وتعرض الدراسة على مجلس الوزراء، والبرلمان، وبعد اعتمادها، يتم تحويلها إلى الوزير المختص بالشركات الحكومية Minister of State Owned Enterprises حيث يقوم بالإجراءات اللازمة للتأسيس، ويعين أعضاء مجلس الإدارة بناءاً على الاعتبارات الفنية المحضة.
* يتفاوض وزير الشركات الحكومية (الطرف المشتري) مع وزير المالية(الطرف البائع) حول تقييم الأصول والقوى العاملة، وكيفية دفع الثمن وشروط التحويل، ثم تخضع الشركة بعد ذلك لرقابة وزير الشركات الحكومية.
* تشمل جهود الخصخصة في الاقتصاد النيوزيلندي، قطاعات سلعية وخدمية عديدة، غير أنه لم يكن من أولويات الخصخصة في نيوزيلندة توسيع قاعدة الملكية.
5/5: تجربة الترويج لبرنامج الخصخصة في فرنسا:
[Suleiman, 1990 & Borde and Dang, 1997](25/46)
……بدأت فكرة الخصخصة تجد رواجاً وقبولاً بين الأوساط القيادية الفرنسية، منذ أن تولى فرانسوا ميتران الحكم، وكان ثمة تطلع لنتائج تجربة الخصخصة في بريطانيا، وقد بدأت تجربة الخصخصة في فرنسا 1986م، بخصخصة شركة رينو لصناعة السيارات، وقد كانت الأهداف والأساليب المتبعة لتنفيذ برنامج الخصخصة في فرنسا شبيهة إلى حد كبير بالأهداف والأساليب المتبعة في برنامج الخصخصة لدى الحكومة البريطانية (والذي بدأ تنفيذه عام 1979م، بحكومة المحافظين برئاسة مارجريت تاتشر) وتتمثل الجهود الترويجية وما يتكامل معها من جهود تسويقية فيما يلي:
* قامت الحكومة الفرنسية بتهيئة المناخ الاستثماري، وتطوير أسواق رأس المال الفرنسية، وأعطت اهتماماً متزايداً لتوسيع قاعدة الملكية.
* قامت الحكومة بتشجيع صغار المستثمرين المواطنين، بإعطائهم أولوية في شراء الأسهم المعروضة، وإعطاء المزيد من الاهتمام للعاملين في الشركات التي يشملها برنامج الخصخصة، بإعطائهم حق الاكتتاب في حدود 10% من أسهم منشآتهم، وخصم في قيمة السهم بنسبة 5% وأن ترتفع نسبة الخصم إلى 20% إذا تم الاحتفاظ بالسهم لمدة عامين، كما سُمح للعاملين بتقسيط قيمة الأسهم على ثلاث سنوات، ولم يسمح بمساهمة الفرد الواحد بما تزيد عن 5% من رأس مال المنشأة لضمان عدم تركز الملكية لدى عدد قليل من الملاك.
* احتفظت الدولة لنفسها بسهم ذهبي في بعض المنشآت.
* تطوير القوانين لجذب الاستثمارات الأجنبية، مع وضع ضوابط لمساهمة المستثمرين الأجانب، حتى لا يترتب عليها ضرر للاقتصاد.
* القيام بحملات إعلامية ضخمة لتشجيع المواطنين على شراء الأسهم، وبخاصة أسهم الشركات التي يعملون فيها.
* تتركز الأساليب المستخدمة للبيع في برنامج الخصخصة الفرنسي في:
أ- الاكتتاب العام عن طريق البيع :(25/47)
…حيث يحدد وزير الاقتصاد والمالية والتخصيص سعر السهم بناء على توصية لجنة الخصخصة، ويتم إعلانه للمشترين، دون إعلان الطريقة التي تم بها التوصل إليه، وتتم جميع العمليات بصورة مركزية عن طريق هيئة محايدة هي غرفة سماسرة سوق الأوراق المالية، ثم يتم الإعلان الواسع للجمهور بعدد الأسهم المطروحة للبيع، وبعد إقفال عمليات الاكتتاب،تتم عملية تخصيص الأسهم، فإذا زادت طلبات الشراء، يتم السحب عن طريق القرعة أو تخفض القيمة الأسمية للأسهم، بهدف زيادة عدد الأسهم المعروضة للبيع.
ب- الاكتتاب العام عن طريق المبادلة بشهادات الاستثمار وأسهم المشاركة وهي أسهم خاصة بالشركات المحولة إلى القطاع الخاص، والتي كانت مؤممة من قبل.
ج- زيادة رأس المال، حينما تكون الدولة من حملة الأسهم في الشركة، فلا تمارس حقها في الاكتتاب في مزيد من الأسهم، ولكن تترك الفرصة للمدخرات العامة في تلبية احتياجات التمويل.
د- البيع بعقد خاص عن طريق المزايدة، مع مراعاة تقييم القدرات المهنية والمالية للمشترين المرتقبين كأساس للتفضيل فضلاً عن الإمكانيات التسويقية لهم.
هـ- الشراء من قبل العاملين، وقد يمنحون سهماً مجانياً لكل عشرة أسهم، مع فرض حيازة للأسهم لمدة سنة أو يمنحون الأولوية أو التقسيط.(25/48)
* يبدأ الإعلام في برنامج الخصخصة بعد اختيار الشركات المرشحة للتحويل، واختيار طرق التمويل المناسبة، حيث يبدأ وزير الاقتصاد والمالية والتخصيص بإصدار إعلان عام عن بدء عملية التحويل، ويظهر على التلفاز ومتحدثاً في الإذاعة، عن عملية التحويل، كما يعقد مؤتمرات صحفية من أجل توسيع نطاق القبول العام، وفي الوقت نفسه تعرض المصارف الاستثمارية (القائمين بعمل مصرفي الاستثمار للشركة المحولة)، ومراجعي الحسابات (القائمين بعمل استشاري عملية التحويل)، استقبال عطاءات المستثمرين للشراء على أوراق رسمية ويشترط ألا يكون المكتب قد قام بمراجعة حسابات الشركة المحولة في فترة السنوات الثلاث السابقة، والتي بلغت فيها أتعاب المراجعة التي تقاضها 15% من قيمة ما دفعته الشركة المحولة كأتعاب للمراجعة الخارجية.
* تقوم الشركة المحولة باختيار شركة دعاية للبدء في وضع مشروع الحملة الإعلانية.
* يقدم مراجع الحسابات تقديره إلى خمسة مستخدمين هم:
وزير الاقتصاد والمالية والخصخصة، والعميل الذي كلف مراجع الحسابات بالعمل، مصرفي الاستثمار (بنكير الاستثمار)، لجنة الخصخصة، لجنة البورصة، أما مصرفي الاستثمار فيقدم تقريره بعد ذلك إلى الوزير وإلى لجنة الخصخصة.
* تم إنشاء لجنة الخصخصة كاستراتيجية حكومية لتأكيد موضوعية التقييم، وللفصل بين الوزير والمستثمرين المشترين في عمليات التفاوض، وبعد قيام لجنة الخصخصة بإجراء مشاورات، تصدر توصية بالحد الأدنى بسعر بيع الأسهم أو الموجودات، ولا يفصح الوزير عن كيفية الوصول إلى قراره بسعر البيع النهائي.
* تستخدم لجنة الخصخصة والوزير المختص، استراتيجية التسعير بسعر منخفض نسبياً لتعزيز عملية البيع النهائي، لاكتساب ثقة الجمهور في عدالة عروض الخصخصة وصولاً إلى الأثر التشجيعي الناجم عن ارتفاع قيمة السهم في السوق عن السعر المحدد له.(25/49)
* تقوم الوزارة بتحديد أسعار الأسهم واختيار النواة الصلبة من حملة الأسهم، وتعلن تفاصيل الاكتتاب، كما يقوم مصرفي الاستثمار بإرسال المعلومات عن طريق التلكس إلى وكلائهم وإلى المصارف الأخرى في أنحاء العالم، كما تنتشر حملات الدعاية داخل وسائط الأعلام والإعلان الوطني والدولي، وبين المستثمرين.
* بعد إتمام عملية الاكتتاب يعلن الوزير المختص النتائج وتقوم سلطات البورصة بنشرها وتصدر جداول الأسعار الرسمية الأولى للسوق، ويتم إبلاغ مصرفي أو مصارف الاستثمار بعدد الأسهم المخصصة، وقيد أسماء حملة الأسهم، وبعد أسبوعين (وبعد مضي نحو أربعة أو خمسة أشهر من تاريخ الإعلان الأول) يتم استكمال نقل الملكية.
5/6: تجربة الترويج لبرنامج الخصخصة في البرازيل:
[Makler,2000 & Baer and Mc Donald, 1998 & Feldman, 1997]
……بدأت حكومة البرازيل في تنفيذ برنامج شامل للإصلاح الاقتصادي الهيكلي ومنه الخطط التي تتعلق بالخصخصة، منذ منتصف عام 1994م، وذلك لتنشيط الاستثمار في صناعات مستهدفة، وبرامج حوافز مختلفة لتشجيع الصادرات وتتمثل الجهود الترويجية وما يرتبط بها من مجهودات تسويقية فيما يلي:
* قامت الحكومة البرازيلية بتهيئة كاملة للمناخ الاستثماري، لتحفيز الإنتاج والتصدير، وجذب الاستثمار الأجنبي، إلا أن ثمة قيود على الاستثمار الأجنبي في بعض القطاعات الإستراتيجية مثل البترول والصناعات الإستراتيجية والمرافق العامة، إلى جانب ضرورة أن يسجل المستثمر السلع والاستثمارات حتى ولو كانت غير ملموسة كالعلامات التجارية في المؤسسة القومية للملكية الصناعية في البرازيل، بالإضافة إلى تحصيل ضرائب مرهقه نسبياً دون أي إعفاءات للمستثمر الأجنبي أكثر من المستثمر الوطني رغم تعديل التشريعات الضريبية في الإصلاح الاقتصادي ولكن وفقاً لنوع الصناعة.(25/50)
* قامت الحكومة البرازيلية بتدعيم المناطق الحرة بمميزات وحوافز وإعفاءات ضريبية لتشجيع التصدير، كما تقوم بإنشاء مناطق صناعية تصديرية وتطوير كامل للبنية الأساسية.
* تهتم الحكومة البرازيلية بتنمية مهارات العاملين، كما تقدم الحكومة برامج تدريبية مجانية للعاملين في المدن الرئيسية، والمناطق الصناعية في ظل التركيز على التوجه التصديري بعد عبور سياسة الإحلال محل الواردات.
* تنصف الإجراءات الاقتصادية والسياسات المتبعة في الخصخصة بالشفافية والمصداقية والعدالة بين كل الأطراف المشاركة وكلها توصف بأنها أفضل مجهودات ترويجية يمكن استخدامها لقضايا الخصخصة، أي التركيز على الأفعال أكثر من الأقوال، رغم اللجوء إلى المجهودات الإعلامية والإعلانية والدعائية.
5/7: تجربة الترويج لبرنامج الخصخصة في شيلى:
[Milman,1996,& Ramirez, 1998]
…بدأت الخصخصة في شيلى في فترتها الأولى فيما بين 1975-1984م، حيث كان القطاع العام يساهم بـ 40% من إجمالي الناتج المحلي، إلا أن الدولة قامت بإعادة المنشآت المؤممة إلى أصحابها السابقين في القطاع الخاص، كما قامت بتحرير التجارة الخارجية وإزالة القيود المفروضة على النشاط الاقتصادي، وقد تمثلت المجهودات الترويجية وما يعضدها من مجهودات تسويقية لبرنامج الخصخصة فيا يلي:
* استخدمت حكومة شيلى أساليب البيع بالمزاد، والعطاءات، وإجراء المفاوضات المباشرة، ولكن أسلوب الدفع المالي المستخدم هو Debt-led Basis، بمعنى أن يتم سداد دفعة أولى من المبلغ المتفق عليه، ويكون الباقي على شكل قرض مباشر مقدم من بنك الاستثمار المملوك للدولة، ولفترة استحقاق تتراوح بين (8-15) عاماً، وبسعر فائدة بين (8-11%)، مما أدى إلى تكوين تكتلات مالية وصناعية، وتركز في الملكية.(25/51)
* أحدث نظام الدفع الذي اتبعته حكومة شيلى تأثيراً سلبياً، على قيمة البيع، التي اعتبرت متدنية، مقارنة بالفرق بين حصيلة البيع، والقيمة الدفترية للوحدات المباعة، وكذلك أدى إلى ضعف السوق المالي بسبب الضغوط الكبيرة التي كانت تمارس عليه لتمويل عمليات بيع المشروعات.
وقد أفرز أسلوب الخصخصة في الفترة (1975-1984) إفلاساً لكثير من المشروعات، وتصفية بعضها، كما وضعت الحكومة يدها على المشروعات التي كانت تديرها البنوك، بالإضافة إلى تصفية وإدارة بعض التكتلات الصناعية.
لقد كان من أهم أسباب الفشل أن عمليات الشراء يتم تمويلها بأموال مقترضة، والتكالب على شراء المشروعات المعروضة للبيع دون أن يتوافر للمستثمرين خبرات فنية وإدارية بطبيعة النشاط بينما تلهفت حكومة شيلى إلى البيع، لزيادة إيرادات الدولة، ولتخفيض العجز في الموازنة.
* أقدمت حكومة شيلى في الفترة التالية للخصخصة من (1985-1988)، ونتيجة للفشل، على علاج السلبيات التي عانى منها الاقتصاد في السابق مثل التكتلات الصناعية والمالية، وتركز الملكية، وعجز الموازنة نتيجة التوسع في القروض الممنوحة، فاتجهت الحكومة إلى توسيع قاعدة الملكية عن طريق تشجيع العاملين في المؤسسات العامة على شراء الأسهم بأسعار مغرية أو تقديم قروض ميسرة لهم، إلى جانب تنويع المشروعات المخصخصة.
* فتحت حكومة شيلى الأبواب أمام صغار المستثمرين، مع تقديم الحوافز للمواطنين لإعادة الأموال المهربة للخارج، وتعديل القيود المفروضة على النقد الأجنبي، والسماح بمقايضة الدين الأجنبي بأسهم عادية محلية، وشراء ديون البلاد الخارجية وتحويلها إلى ديون داخلية، وتم اللجوء إلى أسلوب البيع بالمزاد العلني مع وضع سقف للملكية، ألا تزيد حصة المشتري عن 20% من رأس المال للمشروع، وكذلك طرح الأسهم للاكتتاب العام مع اشتراط أن يكون 50% من رأس المال للمشروع مملوكاً على الأقل لمائه مساهم أو أكثر.(25/52)
5/8: تجربة الترويج لبرنامج الخصخصة في مصر:
[المكتب الفني لوزير قطاع الأعمال، 1993، 1996& وهبي وفايز، 1996& هندي، 1996).
…بدأت تجربة الخصخصة في مصر بتوقيع الحكومة لاتفاق مع البنك الدولي في مايو 1991، لوضع برنامج تصحيحي لهيكله الاقتصاد المصري، ويعد برنامج الخصخصة جزءاً محورياً في هذا التصحيح، إلا أن البداية الحقيقية لإعطاء القطاع الخاص أهمية ودوراً مؤثراً، كانت مع الانفتاح الاقتصادي في عصر الرئيس الراحل السادات في عام 1975م.
…وقد استهدفت تجربة الخصخصة في مصر، (دليل الإجراءات لبرنامج الحكومة، 1996)، إعادة هيكلة الشركات وزيادة معدلات استخدام الطاقة المتاحة، وتوسيع قاعدة الملكية وإتاحة الفرصة للاتصال بالأسواق الخارجية، والحصول على التقنيات الحديثة، وجذب رؤوس الأموال للاستثمار، وتنشيط أسواق المال إلى جانب تقليل الدعم الحكومي، وتخليص المؤسسات العامة من خسائرها الكبيرة المتراكمة، وقد صدر في ذلك القانون رقم 203لسنة 1992م، موضحاً النظم والهياكل التي تعمل في ظلها الشركات العامة، كما تم إنشاء مكتب لقطاع الأعمال، ثم شكلت لجنة وزراية برئاسة رئيس الوزراء بمشاركة وزير قطاع الأعمال العام والمكتب الفني للوزارة، لإقرار ومتابعة تنفيذ برنامج الخصخصة.
…أما الاضطلاع بتنفيذ برنامج الخصخصة فهو منوط بالشركات القابضة - وفقاً للبرنامج المعتمد من وزير قطاع الأعمال العام- والتي لها أن تستعين بخبرات المؤسسات المالية الاستشارية المحلية والأجنبية.
…وقد تمثلت المجهودات الترويجية لبرنامج الخصخصة في مصر، وما يتصل بها من جهود تسويقية فيما يلي:(25/53)
* يتجه تنفيذ برنامج الخصخصة إلى أسلوب الاكتتاب العام جزئياً في رأس مال الشركات المتضمنة في البرنامج، وغالباً ما يكون ذلك في حدود 10% من عدد الأسهم، ذلك أن ثمة خشية من كون الاكتتاب العام الكامل أو بنسب كبيرة يتسبب في إحداث تأثير عكسي يؤدي إلى انخفاض القيمة السوقية للسهم، كما أن إصدار الجزء الأول من الاكتتاب بنسبة قليلة يتيح الفرصة للإصدار بسعر أقل من السعر الحقيقي مما يؤدي إلى تحقيق أرباح رأسمالية، وتكوين الانطباع الأول الإيجابي الذي يجذب الاستثمارات الوطنية والمستثمرين للمشاركة في برنامج الخصخصة.
* لجأت وزارة قطاع الأعمال العام إلى بيع بعض المنشآت أو جزء منها بأسلوب الاكتتاب الخاص، أي لمستثمر واحد أو مجموعة من المستثمرين، إما عن طريق العطاءات أو بطريق المفاوضات المباشرة، ويتم استخدام المؤشرات التالية كأساس للتقييم والفاضلة بين العروض:
أ -…الخبرات السابقة في الاستثمار والإدارة.
ب -…الاستثمارات الإضافية والقدرات المالية.
جـ-…القدرة على تقديم خبرات جديدة واستخدام تقنيات متطورة.
د -…خطة الاستفادة من العمالة المتاحة وتنمية قدراتها ومهاراتها.
هـ -…الفوائد التي ستعود على المجتمع.
و -…النقد الأجنبي الذي سيستخدم في السداد.
* يُعطي العاملون بالشركات المعروضة للخصخصة، فرصة شراء حصة من أسهم رأس المال في حدود 5% من عدد الأسهم، وبخصم على السعر قدرة 20%،كما يتم بيع حصة للعاملين من خلال اتحاد خاص بهم (يُعد بمثابة صندوق استثمار خاص لهم). ويتم توزيع الأرباح المتولدة من الأسهم على العاملين أعضاء الاتحاد، وتزول عضوية العامل بالإتحاد بالانسحاب منه أو بانتهاء خدمته.
وقد وُجد أن كثيراً من العاملين يتصرفون فيما يمتلكون من أسهم سعياً وراء الأرباح الرأسمالية، لذا يكون من الأفضل أن يُفرض عليهم الاحتفاظ بها لمدة عام على الأقل.(25/54)
* ومن الأساليب المستخدمة في برنامج الخصخصة في مصر، تشجيع التفاوض لإبرام عقود تأجير للطاقات المتاحة والتي يمكن تشغيلها بواسطة القطاع الخاص، وكذلك عقود الإدارة للمنشآت والأصول، كما تم تصفية بعض الأصول غير المستغلة بصورة مجدية.
* تم اتخاذ بعض الإجراءات، وتعديل بعض القوانين، لتلائم برنامج الخصخصة، بيد أنه لم تتم تهيئة تشريعية وقانونية كاملة، ومازالت البيروقراطية المتباطئة،وبطء إجراءات التقاضي،مع صعوبة تنفيذ أحكام القضاء، فيفتقد المستثمرون إلى الحماية إلى جانب أن رأس المال بطبيعته جبان،مما يقلل من أهمية الفرص الترويجية للخصخصة.
* يعاني برنامج الخصخصة في مصر، من عدم توافر المعلومات، وافتقاد البيانات التي تساند المستثمرين في اتخاذهم لقرارات المشاركة في البرنامج، كما أن المجهودات الإعلامية والإعلانية عن برنامج الخصخصة ضئيلة ومحدودة للغاية، مما أدى إلى تكوين مواقف سلبية من المواطنين تجاه الخصخصة، فالإنسان عدو ما يجهل، وأصبح ما يقبع في ذهن المستثمر المصري، والأجنبي، والمواطنين جميعاً عن الخصخصة، هو الصورة السوداء الممثلة في رفع الدعم، وزيادة الأسعار، وتخلي الدولة عن الطبقات الاجتماعية محدودة ومعدومة الدخل.
* نظراًُ لمحدودية برامج تأهيل وتطوير قدرات العاملين في المشروعات المطروحة للخصخصة، والافتقار لخطط معدة مسبقاً لمعالجة مشاكل تقليل العاملين من جراء برنامج الخصخصة، تكونت لدى العاملين والقيادات في كثير من الشركات صورة قاتمة عن الخصخصة، مما أدى إلى وجود مقاومة من القيادات والعاملين في هذه الشركات لبرنامج الخصخصة، كما يضاعف من هذه المقاومة عدم وجود برامج توعوية لقضايا الخصخصة على مستوى المواطنين والمستثمرين والشركات، والقيادات السياسية والإدارية والعاملين.(25/55)
* يوجد فقدان ثقة مسبق لدى المستثمرين في الداخل والخارج، إثر إجراءات التأميم، وعدم وجود جهود إعلامية وإعلانية كافية عن برنامج الخصخصة في مصر، وما تم فيه من خطوات، إلى جانب الصورة السوداء الرابضة في الأذهان من تجارب شركات توظيف الأموال ونواب القروض، ومحاكمة بعض المسئولين السابقين في مستوى الوزراء في قضايا استغلال وظيفي، وللأموال العامة بغير حق.
* يعاني سوق رأس المال في مصر، من قلة البيانات والمعلومات، ومن انخفاض مستوى الشفافية والمصداقية في أذهان من يتعاملون فيه، إلى جانب الانخفاض النسبي في أعداد وكفاءات الخبراء في أسواق رأس المال، مما يؤدي إلى أن تعصف أقل الهزات فيه، بثقة المستثمرين المحليين والخارجيين.
( ( (
المبحث السادس :
كيف يمكن الترويج لقضايا الخصخصة..؟
6/1: إعداد البرنامج الترويجي المناسب كجزء من المزيج التسويقي لقضايا الخصخصة:
…يعد الترويج أحد عناصر المزيج التسويقي لقضايا الخصخصة ككل وتكمن أهميته في كونه يمثل القوة الدافعة Impetus لتسويق أيديولوجية الخصخصة، كمحور للقضايا المتفرعة عنها والمرتبطة بها.
……ويرى الباحث أن عناصر المزيج التسويقي لقضايا الخصخصة تتمثل فيما يلي:
* تخطيط المنتج …Product Planning
* التسعير Pricing …
* الدعم السياسي …Political Backing UP
* قنوات التوزيع …Distribution Channels
* المشاركة الإستراتيجية Strategic Participating
* المزيج الترويجي……… Promotion Mix …
أما عناصر المزيج الترويجي فتتمثل في:
* البيع الشخصي Personal Selling
* التحشيد … Lobbying
* العلاقات العامة Public Relations
* الإعلام…… Promulgation … …
* الإعلان …… Advertising
* تنشيط المبيعات Sales Promotion
* الدعاية … Publicity(25/56)
…وينبغي أن ننوه إلى أن المشاركة السياسية Strategic Participating تعني رعاية المصلحة لكل الأطراف في الاستفادة من تسويق قضايا الخصخصة، ومحاولة تجنب إلحاق أي أضرار بطرف على حساب الأطراف الأخرى مع مراعاة التهيئة والإعلام والإعلان، والمصداقية والشفافية في كل مرحلة من مراحل الترويج لقضايا الخصخصة.
…وفيما يلي أنموذج معياري لكيفية الترويج لقضايا الخصخصة، كجزء من عناصر المزيج التسويقي: ………
…
…نموذج معياري (A Normative Model)
لكيفية الترويج لقضايا الخصخصة، كجزء من عناصر المزيج التسويقي.
……بيد أن تكوين وتطوير صورة ذهنية إيجابية قوية عن برنامج الخصخصة لدى المستهدفين بها، يلعب دوراً أساسياً في معرفة وتقسيم سوق المستهدفين بالخصخصة إلى قطاعات ومعرفة طبيعة كل قطاع والمنافسة فيه ودرجة نجاح الجهود الترويجية في صدده ولا غرو أن تصميم عناصر برنامج الخصخصة والمزيج التسويقي له، هما الأساس في تكوين الصورة الذهنية الإيجابية المرجوة، وفيما يلي تصور الباحث عن العوامل الرئيسية التي تسهم في تحديد هذه الصورة، وهو ما يطلق عليه الباحث نموذج الترويج متعدد الأطراف Multilateral Promotion Model. حيث تقع على المجتمع كله مسئولية الدعوة إليه والإقناع به(25/57)
……فلقد تجمعت أسباب النجاح لتجربة الخصخصة البريطانية وهي من أولى التجارب الرائدة، بسبب الدور الإيجابي الذي أولته الحكومة رعايتها في اتجاه التحرير الاقتصادي وتشجيع المتنافسين وكذلك للتركيز على الإعلام الموجه إلى الشعب وإلى العاملين في المشروعات المحولة مع تطوير سوق للأوراق المالية قادر على تحويل المدخرات إلى استثمارات في الشركات الجديدة في ظل تهيئة كاملة للمناخ التشريعي والسياسي والاقتصادي الداعم للخصخصة مع تشجيع الدولة لصغار المدخرين للمشاركة في شراء الأسهم، والتدرج في الخصخصة بالتركيز على مؤسسات عامة يتم تحويلها بشكل نموذجي وتؤخذ كنموذج يحتذى به في المؤسسات المشابهة مع مد برنامج الخصخصة وعدم اقتصاره على القطاع الصناعي بل يمتد ليشمل الخدمات العامة كالبريد والغاز والكهرباء والمياه والإسكان والمستشفيات (ماهر، 2002: 40 - 42).
المتطلبات الأساسية لنجاح الترويج لقضايا الخصخصة (جودة المحيط البيئ).
نموذج الترويج متعدد الأطراف
[ لقضايا الخصخصة ككل (تسويق الخصخصة كأيديولويجة) ]
Multilateral Promotion Model
المصدر: من دراسة الباحث للموضوع
6/2 مجالات وإمكانيات الاستفادة من التجارب العالمية في الترويج لبرنامج الخصخصة في الاقتصاد المصري:
…6/2/1 تضع كل من التجربة البريطانية والتجربة الفرنسية في الترويج للخصخصة، قيوداً محدودة على المستثمرين الأجانب، رعاية منها للاقتصادي القومي والصالح العام، فهي في الحقيقة ضوابط تنظيمية، وليست عائقاً لجذب الاستثمارات الأجنبية، وذلك ما يجب أن يؤخذ به بشكل مدروس في التجربة المصرية للترويج للخصخصة، خوفاً من مضاربات المستثمرين الأجانب في أسواق رأس المال، إثر احترافهم لهذا السلوك وسعيهم لتحقيق الأرباح السريعة، وهو أمر قد يتحقق في ظل عدم وجود شفافية أو مصداقية أو دقة في المعلومات المتداولة.(25/58)
…ولا شك أن دراسة وتحديد هذه الضوابط، ليس عسيراً، بما يجذب الاستثمارات الأجنبية، ويعطي الفرصة للمدخرات المحلية، ويوفر بيئة جذب أفضل للأموال الوطنية التي تستثمر في الخارج.
…6/2/2 يحتاج المستثمرون دائماً إلى المعلومات المتعلقة بالشركات محل الخصخصة، والمعلومات المتعلقة بأسواق رأس المال، كأساس لاتخاذ القرارات، وذلك من المستلزمات الضرورية لإستنفار جهود الاستثمار، والمعلومات - دقها وجُلها- لا تتوافر بصورة كافية في البرنامج المصري للترويج للخصخصة، حتى لدى بعض المتخصصين القائمين على البرنامج، وهو ما وجده الباحث شخصياً في تعامله لإغراض البحث العلمي فحسب، مع المكتب الفني لوزير قطاع الأعمال العام.
…بينما التجارب الناجحة في الترويج لبرامج الخصخصة، تستند دوماً إلى معلومات كافية وصادقة ودقيقة، ويكفي أن نعلم أن إفلاس شركات أمريكية عملاقة مثل شركة إنرون للطاقة، وشركة ورلدكوم، وتدهور قيمة أسهمهما في سوق رأس مال، كان إثر انكشاف الخداع والتدليس فيما أثبته مكتب مراجعة الحسابات في المعلومات الخاصة بكل منهما.
…6/2/3 يحتاج الترويج لبرامج الخصخصة دائماً إلى تهيئة تشريعية وقانونية كاملة، على مستوى الدولة، فكون رأس المال جباناً، يعد بديهية اقتصادية واضحة، وما تم في الاقتصاد المصري في هذا الشأن هو تعديل لبعض القوانين والإجراءات التي تمس الخصخصة، بينما لا تزال التشريعات والقوانين في مصر، تمثل غابةJungle تستعصي على التعامل معها لتوفير الأمان الكامل للمستثمرين، مما يجعلهم يتخذون قرارات الاستثمار بالملايين وهم يتوجسون خيفة مما يختبئ لهم في هذا المضمار، بل إن البعض منهم لا يتعامل - لتوفير الأمان لاستثماراته- إلا مع الطرق الجانبية، والأساليب غير النظامية.(25/59)
…في حين أن التهيئة التشريعية والقانونية الكاملة على مستوى الدولة، تعد استثماراً اقتصادياً مجدياً للاقتصاد القومي ككل، وهي أيضاً شرط ضروري، وليس كافياً فحسب لجذب الاستثمارات الأجنبية والوطنية لبرنامج الخصخصة المصري وبشروط أفضل.
…6/2/4 يمكن الاستفادة من تجربتي بريطانيا وفرنسا في الترويج لبرامج الخصخصة بحملات إعلامية، وإعلانية مكثفة، وموجهة إلى كل القطاعات السوقية المستهدفة (الشعب/ المستثمرين/ العاملين/ المديرين/ الأجهزة الرسمية/ القيادات السياسية والاجتماعية)، ويُعد ذلك ضرورياً من حيث: أهمية بناء جسور من الثقة، لدرء الصورة السوداء من جراء أحداث التأميمات في الماضي، وللإقلال من مقاومة العاملين والمديرين والقيادات الشعبية والسياسية لبرنامج الخصخصة، ولكون ذلك ضرورياً لتوفير الشفافية والمصداقية للبرنامج، وللتأكيد على التحرير الاقتصادي وبث روح المنافسة، وإعطاء دور متزايد للقطاع الخاص في التنمية الاقتصادية.
…6/2/5 يمكن الاستفادة من تجارب إنجلترا وفرنسا وماليزيا والبرازيل في تدعيم وتطوير الصناعات التصديرية، وتطوير التقنيات المرتبطة بها والداعمة لها، إلى جانب التطوير الفني والمهني في تخصصات العمالة اللازمة للتصدير، ويتصف هذا التوجه بالمردود العالي، والجدوى الاقتصادية، والانفتاح على الأسواق العالمية، وإطلاق الطاقات الكامنة للمنافسة، مما يسهم في تأهيل العمالة الوطنية، وتحقيق النتائج الواعدة، وحينئذ يمكن توجيه المزيد من الإعلام والإعلان سبيلاً للتوعية، وتشجيعاً على المضي قدماً في الترويج بصورة أفضل لبرنامج الخصخصة.(25/60)
6/2/6 يحتاج الاقتصاد المصري،إلى زيادة مستوى التفاعل والتكامل مع الاقتصاد العالمي، للاستفادة من الفرص والإمكانيات القابعة في العولمة، وللتغلب على التحديات الناجمة من المشاركة فيها، والتعامل معها، ويمكن أن تتحقق فعالية التكامل مع الاقتصاد العالمي، إذا حرصت الحكومة على توفير ما يلي:
أ- تطوير خدمات البنية الأساسية وخفض تكاليف الانتفاع بها.
ب- مواجهة الإجراءات البيروقراطية العقيمة.
ج- الدخول في شراكات وتحالفات وتكتلات استراتيجية اقتصادية عربية ودولية مثل تفعيل السوق العربية المشتركة، ومنطقة التجارة الحرة العربية، والدخول في شراكة صناعية وتكنولوجية مع الاتحاد الأوربي.
د- توفير بيئة استثمارية أكثر جذباً للإستثمارات الوطنية الهاربة إلى الخارج، وكذلك للإستثمارات الأجنبية.
هـ- تعزيز القدرات التنافسية والميزات النسبية للاقتصاد القومي المصري ككل و للقطاع الخاص تحديداً.
و - تشجيع برامج التصدير للسلع والخدمات.
ز - تطوير مهارات وقدرات الخبرات الإدارية والإبداعية والتنافسية من خلال تعديل وتطوير نظم التعليم، والجمعيات العلمية والمهنية، وغرف التجارة والصناعة.
ح- إعطاء عناية خاصة لمراقبة وتحسين الجودة، ومعايير القياس المقارنة Bench- Marking للإنتاجية والفعالية.
ط- … الحرص والالتزام بالمعايير العالمية للجودة مثل ISO 9000 .
ي- الاستثمار في البحث والتطوير، وفي المهارات والمعرفة الفنية وبيئة العمل، وفي الموارد البشرية وفي تقنيات الإنتاج الحديثة.
6/3: التوصيات:
…6/3/1 ينبغي أن يتم تفعيل وترويج برنامج الخصخصة من خلال إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية شاملة برؤية استراتيجية واعدة، فالخصخصة ليست هدفاً في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لرفع الكفاءة، وتفعيل نظم الحوافز، وتخفيف الأعباء عن الموازنة العامة للدولة، وتوسيع نطاق الملكية، وزيادة الانتماء للوطن، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي القومي.(25/61)
…6/3/2 من الضروريات الجوهرية للخصخصة، أن يتم تطوير سوق رأس المال، وفي الدولة النامية،تتركز السلطة الاقتصادية، ومن ثم السلطة السياسية، في أيدي قلة من الأطراف الفاعلة، مما ينتج عنه سوق غير مستقرة، وصغيرة، وقد تكون حديثة العهد، فيترتب على ذلك تقلبات كبيرة في أسعار الأسهم كنتيجة طبيعية للتداول، أو التلاعب المتعمد أو عدم الشفافية، ويصبح ذلك عقبة كؤود لتطوير سوق رأس المال، مما يعوق الترويج لبرنامج الخصخصة، ورفع الكفاءة، وزيادة معدلات النمو.
…والعقبة الكؤود الثانية لتطوير سوق رأس المال، هي كون التخطيط الاستثماري قصير الأجل، هو الذي يسيطر على الشركات، وتزداد هذه العقبة حجماً إذا كانت الأسواق المحلية صغيرة، فيتم استعادة التكاليف الأولية للإستثمار على فترات طويلة تتجاوز حدود الجدوى المالية لقرارات الاستثمار ويعوق ذلك خفض التكاليف الكلية، وأسعار البيع، والقدرة على المنافسة في الأسواق، كما يعوق التصدير، وقد يتطور ذلك إلى الإفلاس في نهاية المطاف.
…6/3/3 ينبغي تطوير أداء ومهنية العمل لدى المديرين على مستوى الدولة، في الشركات الخاصة والعامة، انطلاقاً إلى الإدارة التحويلية بدلاً من الإدارة التقليدية، ومن الضروري تدعيم بيئة السوق، وتنظيم الشركات والحوافز الإدارية، وهذا هو الذي يعزز أداء الشركات، وليست الملكية في حد ذاتها، ذلك أن جل اهتمامات المديرين في الشركات الخاصة في الدول النامية هو قضايا الأجور، والسمعة، والبقاء، والترقي، وليس كما ينبغي أن يكون في تحقيق الربحية لحاملي الأسهم، وعندئذ يصبح الترهيب باتجاه المساءلة عن القصور أو الفشل هو الوسيلة الباقية، للضغط عليهم.(25/62)
…6/3/4 من الضروري تعزيز الأسواق القابلة للتنافس، وإعمال اقتصاديات السوق باعتبارها مخرجاً مهماً، للتعامل في الأسواق العالمية والاقتصاد الدولي، وباباً لتفعيل جهود التصدير والميزات النسبية في عالم يسيطر عليه التكتلات الاقتصادية والسياسية الضخمة، وينبغي أن ندرك أن الخصخصة بذاتها لا تصنع بيئة تنافسية، والمنافسة لا تتطلب أن تكون جميع المؤسسات مملوكة للقطاع الخاص.
…إن تحقيق هذه التوصية يصطدم بعقبات، الأولى: إن معظم اقتصاديات الدول النامية تعودت الاحتكار والمنافسة الاحتكارية واحتكار القلة والثانية أن غياب قواعد معلومات اقتصادية على المستوى القومي وغموض الأسواق، وعدم وجود تشريعات مضادة للاحتكار يعوق أداء المديرين، والثالثة: أن الدول النامية تشهد نقصاًَ حقيقياًَ في القوى العاملة الماهرة، ومؤسسات التدريب الفني والمهني المتطورة، وتقنيات التدريب الحديثة.
…6/3/5 يوصي الباحث ببذل جهود تسويقية مدروسة لترويج برنامج الخصخصة، إلى كل القطاعات السوقية المستهدفة (المواطنين/ المستثمرين/ العاملين/ المديرين/ الأجهزة الرسمية والشعبية... إلخ)، وذلك أن بعض الدول النامية ذات التوجهات الاشتراكية قضت ردحاً من الزمان في التأميمات والقطاع العام، وأهل الثقة دون أهل الخبرة، مما جعل الاقتصاد الكلي للدولة مثقلاً بالأعباء والهموم والديون ومعاناة المواطنين، فكيف نروج برنامجاً للخصخصة فيما بينهم، وفي مخيلتهم أن نتائجه تزيد معاناتهم، وترفع الدعم عنهم، ويفقد بعض العاملين في الشركات المخصخصة وظائفهم، لذا فإن الأمر يحتاج إلى جهد تسويقي وترويجي مدروس ومخطط، لبرنامج خصخصة يراعى الشراكة الاستراتيجية لكل الأطراف المعنية بالبرنامج، حتى لا يضار أحد، بل ويشارك في جني الثمار مشاركة حقيقية مع التركيز على مجابهة أي أضرار محتملة تلحق بأحد الأطراف.(25/63)
…6/3/6 يوصي الباحث بإنشاء مجالس للمشورة Deliberation Councils يتم معها إشراك القطاع الخاص، وكل الأطراف مع الحكومة في صنع السياسات الاقتصادية وكذلك تضمن المشاركة لكل الأطراف في العوائد الريعية Rent دون تمييز بين طرف وآخر، في الحصول على ميزات تفضيلية، بما تضمن القضاء على السعي المنفرد للحصول على مزايا ريعية معينة Rent Seeking Behavior، إلى جانب تحقيق الشفافية والمصداقية للبرامج والإجراءات والقرارات.
…وقد نشأت هذه الفكرة في تجربة ماليزيا، عندما تم - في سنة 1991م - إنشاء المجلس الماليزي للأعمال Malaysian Business Council الذي يرأسه رئيس الوزراء ويضم أكثر من ستين عضواً يمثلون الصناعة والعمال والحكومة حتى يمكن الاستفادة من أراء الأطراف المعنية بالسياسات الاقتصادية قبل صنع هذه السياسات مع دراسة خطوات وآثار التدخل الحكومي Regulations محليا وخارجياً.
…6/3/7 يوصي الباحث بأهمية تحليل مؤشرات أداء السياسات الاقتصادية والاجتماعية المطبقة، وتقييمها في ضوء الأهداف المخططة لها، كأساس لدراسة المشكلات التي تكتنف إدارة تلك السياسات، دون الإكتفاء بتحليل الإحصاءات والتقارير الرسمية للتعرف على جوانب القصور والآثار الجانبية.
…إذ ينبغي التعرف على الأسباب الأصلية أو الجذرية للمشكلة أو الآثار الجانبية لتطبيق السياسة، بما في ذلك دراسة تفاصيل العمليات والعلاقات والأنشطة والمعلومات والهياكل المؤسسية والموارد المتاحة، وتخصيصها الفعلي ومراكز القوى والصراعات القائمة بين الأطراف ذات العلاقة، والمصالح والاتجاهات Attitudes والدوافع Motives والثقافة والتنظيمية السائدة، لكي يتم تحديد العلاج المناسب والإجراءات الفعالة لحل المشكلة أو لدرء الآثار الجانبية قبل أن تتفاقم وتتراكم وتصعب على العلاج.(25/64)
…6/3/8 يرى الباحث ضرورة تكثيف الحملات الإعلامية والإعلانية، في ترويج برنامج الخصخصة في مصر، ذلك أن الوجه السلبي، والنفور، والفزع، والخوف من أخطاء وآثار السياسات الاقتصادية والاجتماعية المطبقة في ماضي الزمان، مازال قابعاً في نفوس المصريين، مما يحتاج إلى جهد مضاعف للإقناع والترغيب والاستمالة والتوعية لكل الأطراف المرتبطة بالبرنامج والمتعاملة معه، وهذا أساس مهم لنجاح الترويج للبرنامج.
المراجع
أولاً: المراجع باللغة العربية
1- الحناوي، د. محمد صالح، الخصخصة: رؤية شخصية، (الإسكندرية: الدار الجامعة، 1998).
2- عاشور، د. أحمد صقر، (المحرر) التحول إلى القطاع الخاص، تجارب عربية في خصخصة المشروعات العامة، (القاهرة: المنظمة العربية للعلوم الإدارية، 1996).
3- عفيفي، د. صديق محمد، التخصيصية: لماذا.. وكيف؟ (القاهرة: كتاب الأهرام الاقتصادي، العدد 60، 1993).
4- ماهر، د. أحمد، دليل المدير في الخصخصة، (الإسكندرية: الدار الجامعية، 2002).
5- المكتب الفني لوزير قطاع الأعمال العام، (1993)، (1996م)، دليل الإجراءات والإرشادات العامة لبرنامج الحكومة لتوسيع قاعدة الملكية وإعادة الهيكلة، وحوافز العاملين والإدارة، القاهرة.
6- النجار، د. سعيد، (محرر)، التخصيصية والتصحيحات الهيكلية في البلاد العربية، صندوق النقد العربي، (القاهرة: مطابع الأهرام التجارية، 1988م).
7- نيليس؛ جون & كيكري؛ سونيتا، التخصيصية والمؤسسات العامة، 1988م في النجار، د. سعيد، التخصيصية والتصحيحات الهيكلية، صندوق النقد العربي (القاهرة، مطابع الأهرام التجارية، 1988م)، ص ص 74 - 107.
8- هندي، د.منير إبراهيم، أساليب وطرق خصخصة المشروعات العامة: خلاصة الخبرات العالمية، (القاهرة: المنظمة العربية للعلوم الإدارية، 1995م).(25/65)
9- هندي، د.منير، "التجربة المصرية في الخصخصة"، في عاشور، د.أحمد صقر (المحرر)، "التحول إلى القطاع الخاص، تجارب عربية في خصخصة المشروعات العامة"، القاهرة: المنظمة العربية للعلوم الإدارية، 1996م.
10- وهبي، سالم، فايز، منال، سوق المال والخصخصة وبينهما المستثمرون، سلسلة الأهرام الاقتصادي، دار الأهرام، 1996م، القاهرة.
ثانياً : المراجع باللغة الإنجليزية:
1- Aspe; P., (1994),: "Thoughts on The Mexican Privatization Experience", The Mckinsey Quarterly, No.,2.
2- Baer; Werner & Mc Donald; Curt, (1998).: "A return to the Past? Brazil's Privatization of Public Utilities: The case of The electric Power Sector" , Quartetly Revicw of Economics and Finance, Fall, Vol, 38, No., 3, PP., 503 - 523".
3- Bishop; M. & Thompson; D., (1993),: Privatization in the UK: Regulatory Reform and Public Enterprise Performance" in M. Ramanadham ed., Privatization: A Global Perspective. England, Routledge.
4- Coes; Donald V., (1998),: " Beyond Privatization : Getting the rules right in Latin America's regulatory environment", Quarterly Review of Economics and Finance, Fall, Vol., 38 , No., 3 , PP., 525-532.
5- Corrales; Javier, (1998), : " Coalitions and Corporate Choices in Argentina, 1976 - 1994 : The Recent Private Sector Support of Privatization", Studies in Comparative International Development," Winter, Vol., 32, No., 4, PP. 24-51 .
6- Cragg ; Michael Ian and Dyck; I.J. Alexander, (1999), : " Management Control and Privatization in the United Kingdom", Rand Journal of Economics, Autumn, Vol. 30, No., 3, PP., 475 - 497.(25/66)
7- Cuervo; Alvaro & Villalonga; Belen, (2000), : " Explaining the variance in the Performance effects of Privatization" , The Academy of Management Review, July, Vol., 25, No., 3, PP. 581-590.
8- Duncan; I & Bollard; A. (1992),: "Corporatization & Privatization: lessons from New Zealand" , Auckland, N.Z., Oxford University Press.
9- Dyck; Alexander, (2001), : " Privatization and corporate governorance: Principles, evidence and Future Challenges", World Bank Research Observer, Spring, Vol. 16, No., 1, PP., 59 - 84 .
10- Feldman; Roger, D., (1997),: "Privatization Options for Capital attraction by the Brazilian Power Industry" ,Journal of Project Finance, Spring, Vol., 3, No., 1, pp., 31-40.
11- Grimsone; G., (1990),: "The British Privatization Programme" , in J. Richardson ed., Privatization and Deregultion in Canada and Britain, United Kingdom: Dartmouth.
12- Grout; P., (1995),: "Popular capitalism", in M. Bishop et, al., eds., Privatization and Economic Performance, London: Oxford University Press.
13- Guislain;Pierre,(1997),"The Privatization Challenge", Washington D.C., The World Bank, Regional and Sectorial Studies.
14- Jaksch; John & Weimar; Mark & young; Joan& Taylor; William & Furlong; Peter & Et- al., (2001); "Privatization: The use of risk, economic and Finance models to ensure its success" Journal of Project Finance, Winter, Vol., 6., No.,4. PP., 37-48.
15- Johnoson; Gerry & Smith; Stuart & Codling; Brian, (2000), "Micro Processes of institutional change in the context of Privatization", The Academy of Management Review, July, Vol., 25, No., 3, PP. 572-580.(25/67)
16- Jones; S., (1991),: "The Road to Privaitzation: The Issues Involved and some lessons from New Zealand's Experience", Finance and Development, March.
17- Kikeri; Sunita. (1999),: "World Bank Experience" in: U.N., Privatization of Public Sector Activities. N.Y,U.N, PP,1-25.
18- Kotler; P. (1986):"Megamarketing", Harvard Business Review. March - April.
19- Levac; Mylene & Wooldridge ; Philip, (1997), : " The Fiscal Impact of Privatization in Canada", Bank of Canada Review, Summer, PP., 25-34.
20- Makler; Harry. M., (2000),: "Bank Transformation and Privatization in Brazil: Financial Federalism and some lessons about bank Privatization ", Quarterly Review of Economics and Finance, Spring, Vol., 40, No., 1, PP., 45-69.
21- Martin; James H,& Grbac; Bruno, (1998),: " Smaller and Larger firms' Marketing Activities as a response to economic privatization: Marketing is alive and well in Croatia", Journal of Small Business Management, Jan., Vol., 36, No., 1, PP., 95-99 .
22- Mazis; Michael B., (1997),: "Marketing and Public Policy: Prospects For The Future", Journal of Public Policy and Marketing, Spring, Vol ., 16, No., 1, PP., 139- 143.
23- Milman; Claudio, (1996),: "Attitudes Towards debt - equity- swaps and Privatization of State- owned enterprises in Chile, Public Budgeting and Financial Management, Summer, vol., 8, No., PP., 170-187.
24- Mondal; Wali I.,(2000)." Privatization and The growth of entrepreneurship in Bangladesh", Internaltonal Journal of Commerce and Management. Vol., 10, No., 2, PP., 60- 74(25/68)
25- Newell; R., (1994),: "Learning from Mexican Privatization", The Mckinsey Quarterly, No., 2.
26- Park; Hoon, (1998), : " A Selective Privatization Model : A valuable lesson from Eastern European Countries", Multinational Business Review, Spring, Vol., 6, No., 1, PP. 44-52 .
27- Rahman; A., (1992), : "The Priivatization of Public Tele- communication Services: The Malaysian Experience", Conference on Privatization in Developing Countries, Islamabad, Pakistan, 2-6 March.
28- Ramirez; Miguel D., (1998), : " Privatization and Regulatory Reform in Mexico and Chile: A critical Overview", Quarterly Review of Economics and finance, Fall, Vol., 38, No., 3, PP., 421 - 439.
29- Saving; Jason. L, (1998),: "Privatization and The transition to a market economy". Economic Review (Federal Reserve Bank of Dallas)., Fourth Quarter. PP., 17-25.
30- Spicer; Andrew, &McDermott; Gerald A.,&Kogut; Bruce, (2000),: "Entrepreneurship and Privatization in central Europe : The Tenuous balance between destruction and creation" , The Academy of Management Review, July, Vol., 25, No., 3, PP., 630 - 649.
31- Steel; Brent, S. & Long; Carolyn, (1998),: "The use of agency Forces Versus Contracting out: Learning the Limitations of Privatization", Public Administration Quarterly, Summer, Vol., 22, No., PP., 229-251.
32- Sueyoshi, Toshiyuki, (1998), : " Privatization of Nippn Telegraph and Telephone : Was it a good Policy decision?", European Journal of Operational Research, May 16, Vol., 107, No., 1, PP. 45-61.(25/69)
33- Suleiman; E., (1990).: "The Politics of Privatization in Britain and France" in E. Suleiman & J. Waterbury, eds., Political Economy of Public Sector Reform and Privatization, Oxford: West view Press.
34- Tucker; Michael, (1998) : " Asset allocation Under Partial and complete Privatization of Social Security Contributions", Journal of Financial Service Research, July, Vol., 14, No., 1, PP., 5-16.
35- Uhlenbruck; Nikolaus & De- Castro; Julio. (1998),: "Privatization From the acquirer's Perspective: A mergers and acquisitions based Framework", Journal of Management Studies, Sep., Vol., 35,. No. 5., PP., 619-640.
36- Van Dam; ynte K. & Apeldoorn; Paul A. C., (1996),: "Sustainable Marketing" , Journal of Macromarketing, Fall, Vol. , 16, No. 2, PP., 45-56.
37- Vuylsteke; Charles; (1989). "Techniques of Privatization of State - Owned Enterprises (SOE'S)" , Vol., 1, "Methods and Implementation, World Bank Technical Paper, No., 88, Washington, D.C., The World Bank.
38- World Bank; (1992),: "(Malaysia: Country Memorandum) Country Development , East Asia and the Pacific Region", Report No.,10758 (Restricted), world Bank, Washington D.C., USA.
39- Zahra; Shaker A. & Hansen; Carol Dianne, (2000), : " Privatization, Entrepreneurship and Global Compe-titiveness in the 21st Century", Competitiveness Review, Vol., 10, No., 1, PP., 83 - 103.(25/70)
40- Zahra; Shaker A., &Ireland; R. &Duane; Gutierrez ; Isabel,& Hitt; Michael A., (2000), : Privatization and entrepreneurial transformation: Emerging issues and a future research", The Academy of Management Review, July, Vol., 25, No., PP., 509 - 524.
41- Zahra; Shaker A., (1993) : "Environment, Corporate, Entrepreneurship and Financial Performance : A Taxonomic Approach", Journal of Business Venturing, Vol., 8, No., 4, PP., 319-340.
42- Zahra; Shaker A., (1999), : " The changing Rules of Global Competitiveness in the 21st Century", Academy of Management Executive, Vol.,13, No., 1, PP., 36-42.
43- Zikmund; W. & Michael; D., (1984), : "Marketing", New York, John Wiley & Sons.
??
??
??
??
20 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي /جامعة أم القرى
ترويج قضايا الخصخصة (تجارب عالمية) 19(25/71)
تقويم التطبيقات المعاصرة للزكاة
إيجابيات - سلبيات
الأستاذ الدكتور محمد الزحيلي
عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة الشارقة - الشارقة - الإمارات العربية المتحدة
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
…الزكاة فريضة شرعية ، وركن من أركان الإسلام ، وحققت نتائجها الباهرة عند تطبيقها في التاريخ ، ثم ضمرت بعد ذلك ، وكادت أن تصبح غائبة أو منسية ، ثم عادت إليها الصحوة من جديد نظرياً وعملياً .
…واحتاجت التطبيقات المعاصرة للزكاة للتقويم لبيان الإيجابيات والسلبيات في المجال النظري والعملي ، وهو موضوع البحث .
…وتتسم التطبيقات المعاصرة للزكاة لإيجابيات نظرية في الكتابة عنها بكتب ورسائل جامعية ، وبحوث ودراسات ، وفي المجلات والصحف والنشرات ، وإقامة مؤسسات رسمية ، وصدور قوانين وأنظمة ، وعقد مؤتمرات وندوات خاصة بالزكاة ، وبحث الزكاة في المؤتمرات والندوات الاقتصادية والمجامع الفقهية ، وصدرت فيها فتاوى كثيرة في موارد الزكاة المفتوحة وفي مشتملات مصارفها .
…وظهرت سلبيات نظرية كتعدد الآراء ، وتكرار البحث الواحد ، وعدم التعاون بين الأجهزة الحكومية ، وعدم التنسيق بين الندوات ، والمؤتمرات ، وتناثر البحوث ، وعدم التشريع للزكاة في معظم البلاد، والاقتصار على البحث النظري فحسب، والتعصب المذهبي.
…وتجلت إيجابيات متواضعة عملية لقضايا الزكاة المعاصرة كالتطبيق الحكومي ، والمؤسسي ، والفردي الاختياري ، وقيام هيئات شرعية للزكاة ، وتحقيق بعض أهداف الزكاة عملياً مع الاستفادة الجزئية من التقنيات الحديثة .
…وتكثر السلبيات العملية للزكاة المعاصرة كتخلي معظم الدول عنها ، والتطبيق الجزئي للزكاة ، والتشويه في التطبيق ، والتخلف في المؤسسات الزكوية والهيئات ، وتعطيل الاجتهادات الجديدة ، والخطأ في صرف الزكاة ، والتقصير في التنفيذ ، وعدم التنسيق مع سائر الوزارات .(26/1)
…وتشترك بعض السلبيات النظرية والعملية كفقدان التعاون والتنسيق بين المهتمين بالزكاة ، وعدم المعالجة الكافية لمستجدات الزكاة .
…وأخيراً يقدم البحث بعض المقترحات والتوصيات مع الدعاء بالتوفيق والسداد في القول والعمل لتشييد هذا الصرح العظيم لأحد أركان الإسلام ، وتحقيق الأهداف المرجوة منه، والحمد لله رب العالمين .
المقدمة
…الحمد لله رب العالمين الذي أنزل لنا الشرع القويم لتحقيق مصالح الناس، وجعله صالحاً لكل زمان ومكان ، ليؤمّن لهم سعادة الدنيا في مجتمع فاضل ومتكافل ومتعاون ، ويضمن لهم الفوز في الآخرة ، والمقام في جنات النعيم .
…
والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة للعالمين ، والمبيِّن عن ربه أحكام الدِّين ، ليكون قدوة وأسوة للناس أجمعين ، وعلى آله وصحبه ومن سلك نهجه إلى يوم الدّين .
وبعد :
…يقول الله تعالى : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ( البقرة /43 ، واقترنت الزكاة بالصلاة التي هي عماد الدِّين في ثمانية وعشرين آية ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بني الإسلام على خَمْس : شهادة ألا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً " (1).
…فالزكاة فريضة شرعية ، وهي أحد أركان الإسلام الخمسة التي تُكوِّن دعائم الدين ، والمجتمع الإسلامي ، ودخلت حيز التطبيق منذ العهد النبوي ، وطوال التاريخ الإسلامي ، وحتى يومنا الحاضر ، وإن تفاوت التطبيق بنسبة كبيرة ، ولكنه فاق التصور والتوقعات في بعض الأزمنة والأماكن .(26/2)
…وأدت الزكاة وظيفتها في المجتمع الإسلامي ، وحققت الأهداف السامية لها في الجوانب الإيمانية والنفسية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية. ولا تزال كذلك إلى حد كبير في عصرنا ، مع ضعف تطبيقها في العصور المتأخرة ، وكادت أن تصبح في بعض الأحيان، وبعض البلدان ، الفريضة المنسية أو الغائبة ، ثم عادت الحياة إلى بعض جوانبها ، وارتفعت الدعوة لها ، والتذكير بها ، والتوعية إلى أهميتها ودورها ، حتى فرضت نفسها من جديد على الساحة ، وصدرت فيها الأنظمة واللوائح والقوانين في بعض البلاد الإسلامية ، وأقيمت لها المؤسسات والأجهزة ، مع تنامي الفكر الاقتصادي الإسلامي والفكر العام .
…ذلك أن المال شقيق الروح ، وهو أحد المصالح الضرورية الخمس التي تمثل مقاصد الشريعة الغراء ، وأصبح الاقتصاد عصب الحياة ، وقامت على أساسه الدول اليوم ، وظهرت التكتلات ، والهيئات ، والحكومات ، والأنظمة على ميزانه ، وتدور حوله معظم اللقاءات العالمية والدولية ، والندوات والمؤتمرات .
…والاقتصاد هو محور سياسة الدول ، فتحرص بكل إمكانياتها لزيادة مواردها واستثماراتها ، وتسعى لترشيد الاستهلاك ، وحسن التوزيع ، وهي مسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر على الحالة الاجتماعية في البلاد ، وعن العمالة والبطالة ، والفقر وتأمين المعيشة ، والجمود والكساد ، والانتعاش الاقتصادي ، والحركة التجارية وغيرها .
…وهذه أهم واجبات الدولة قديماً وحديثاً ، وشاركت فيها الدولة الإسلامية خلال عدة قرون ، وكانت الزكاة أحد الدعامات الأساسية لاقتصاد الدولة الإسلامية ، وتأمين القوت والرفاهية والأمن الغذائي للناس ؛ لأن الزكاة فريضة ابتداء ، وقضية دعوية واجتماعية انتهاء ، وهي مسألة أمنية وسياسية وسيلةً ، وهي مؤسسة رائدة في النظام الاقتصادي الإسلامي .(26/3)
…وتمتاز الزكاة بين أركان الإسلام الخمسة بأنها الركن الوحيد القابل للتطور والتوسع ، ويرحب بالاجتهادات ، وهذا ما حصل بين العلماء والفقهاء وأئمة المذاهب ، وأخذ شأوه الكبير في الوقت الراهن بعد تنوع الأموال ، وتوسع الثروات ، واضطراب شؤون المسلمين ، وتعطل أو توقف تطبيق الزكاة كلياً أو جزئياً في بعض البلدان ، مما فتح الأبواب الواسعة أمام علماء الأمة ومجتهديها لتتبّع المستجدات الفقهية المعاصرة في الزكاة ، وأدلى الكثيرون بدلوهم في ذلك ، وعقدت الندوات والمؤتمرات واللقاءات والحوارات عن الزكاة في مختلف الأصقاع ، وظهر الدور الفعال للزكاة في حياة المسلمين ، واعتبرت مجدداً أحد دعامات الاقتصادي الإسلامي حتى في البلاد والدول التي تخلت عن القيام بوظيفة الزكاة ، وقلما يخلو مؤتمر أو ندوة عن الاقتصاد الإسلامي دون أن يتعرض مباشرة إلى موضوع الزكاة ، بالإضافة إلى الندوات والمؤتمرات الخاصة بالزكاة ، أو بقضايا الزكاة المعاصرة ، والأمور المستجدة فيها نظرياً وعملياً .
…ومن هنا تضمن المحور الأول من المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي المخصص لتقويم المسيرة النظرية والتطبيقية للاقتصاد الإسلامي عامة ، وتقويم المؤسسات التطبيقية للاقتصاد الإسلامي خاصة ، تضمن عرضاً للتطبيقات المعاصرة للزكاة، من أجل تقويم الجهود المبذولة فيها ، وهذا ما أردت عرضه في هذا البحث من خلال مقدمة سريعة عن الزكاة ، ثم التقويم النظري والعملي لقضايا الزكاة والتطبيقات المعاصرة لها .
خطة البحث :
…جاء البحث في مقدمة ، ومبحثين ، وخاتمة
مقدمة : عن مسيرة الزكاة وأهميتها وموقعها في الحياة الاقتصادية للمسلمين اليوم.
المبحث الأول : الجانب النظري للزكاة المعاصرة ، وتقويمها في بيان الإيجابيات والسلبيات ، علماً بأن الجانب النظري هو الأساس والمنطلق للتطبيقات المعاصرة للزكاة ، ولذلك نعرضه أولاً ، ونبدأ به .(26/4)
المبحث الثاني : الجانب العملي لتطبيقات الزكاة المعاصرة وتقويمها بعرض الإيجابيات والسلبيات ، والجانب التطبيقي للزكاة المعاصرة هو الهدف والغاية والأمل ، ولذلك نحرص عليه ، ونتطلع إلى تحقيقه حتى لا تصبح الدراسات فلسفة محضة .
الخاتمة : وفيها نتائج البحث ، والاقتراحات ، والتوصيات .
ونظراً للصلة الوثيقة بين الجانب النظري والجانب العملي ، والارتباط القائم غالباً بينهما ، فقد ترد بعض الملاحظات مكررة في المبحثين ، وقد تتفاوت نسبة الإيجابيات والسلبيات بين الجانبين ، فتكثر السلبيات في الجانب العملي ، وتبرز الإيجابيات في الجانب النظري .
منهج البحث :(26/5)
يعتمد البحث على الاستقراء والتتبع ، ثم التحليل والدراسة ، ونظراً لاتساع الموضوع الذي كتبت فيه رسائل ماجستير ، وأطروحات دكتوراه ، وكتب ومؤلفات ، وقُدّمت فيه بحوث قيمة ومعمقة ودقيقة وتخصصية في الندوات والمؤتمرات ، مع اهتمام المؤسسات والجمعيات ووزارات الأوقاف وبعض الدول به ، وأنه يُدَّرس في المدارس والمعاهد والجامعات ، فإن البحث سيكون موجزاً جداً ، للالتزام بقواعد كتابة البحث للمؤتمر ، ويكاد أن تقتصر الدراسة على التعداد لإلقاء الضوء على الإيجابيات النظرية والتطبيقية لتأييدها ، وتبنيها ، ودعمها ، وترشيدها ، والدعوة للأخذ بها ، والحث على تطبيقها في مختلف البلاد ، وكذلك الاقتصار على شبه التعداد للسلبيات النظرية والتطبيقية للتنبيه عليها ، والتحذير منها ، وتدارك العمل على تجنبها ، والاستفادة من الأخطاء فيها لعدم تكرارها ، والهدف من كل ذلك أن تؤدي هذه الفريضة وظيفتها ، وتحقق أهدافها النبيلة السامية ، وتساهم في حل كثير من المآسي والويلات الإنسانية التي ترزخ في بلاد المسلمين خاصة ، والعالم عامة ، لتصبح الزكاة أملاً منشوداً ، ودرَّة مصونة ، ووسيلة نبيلة ومجرّبة للتكافل الاجتماعي ، والنمو الاقتصادي ، والرفاه النفسي والروحي ، وأنموذجاً فذاً فريداً وعملياً لبيان محاسن الشريعة الغراء (2) .…
ونسأل الله التوفيق والسداد ، والله من وراء القصد ، وعليه الثكلان .
المبحث الأول
تقويم الجانب النظري للزكاة المعاصرة
عرض العلماء والفقهاء والأئمة المجتهدون في الماضي أحكام الزكاة بشكل موسع يغطي حاجة المسلمين والمجتمع والدولة في زمنهم ، وامتازت دراساتهم عن الزكاة بميزات عدة ، منها : وضع القواعد العامة والمبادئ الأساسية للزكاة ، وعرض أحكام الحالات النادرة في زمنهم ، وبيان بعض الأحكام لما يمكن أن يقع في قادمات الأيام مما عرف بالفقه الافتراضي.(26/6)
…واستفاء علماء العصر الحاضر وفقهاؤه ومجتهدوه من الدراسات القديمة والتراث الفقهي الزاخر عامة عن الزكاة ، ومن هذه الميزات التي أشرنا إليها خاصة، وتابعوا المسيرة العلمية للسلف الصالح ، ولبوا نداء الواجب المقدس في بيان الأحكام للقضايا المستجدة في الزكاة ، وخاضوا غمار الاجتهاد والبحث والدراسة, مراعين ما أشرنا إليه في المقدمة من قابلية الزكاة للاجتهاد ، وتغطية مجريات التطور والتجدد في الحياة ، وأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان ، وأن الزكاة فريضة ابتداء ، وقضية اجتماعية ودعوية انتهاء ، ووسيلة أمنية وسياسية ، وتمثل أحد المؤسسات الرائدة في الاقتصاد الإسلامي، وتلبي تطلعات مستحقي مصارف الزكاة ، وتقبل الاستفادة من الوسائل العلمية والتقنية المتطورة (3).
ونبين في هذا المبحث النواحي الإيجابية لقضايا الزكاة المعاصرة وهي الأكثر ، ثم نسلط الأضواء على النواحي السلبية ليكون التقويم مجدياً ومفيداً ، وذلك فرعين.
الفرع الأول : النواحي الإيجابية النظرية لقضايا الزكاة المعصرة
…إن النواحي الإيجابية للجانب النظري لقضايا الزكاة المعاصرة كثيرة ، وطيبة ومباركة، ومفيدة ، وتمثل كمّاً هائلاً ، وتتنوع على مختلف المستويات ، ونعرض لها بإيجاز شديد ، وتغطي نصف قرن وأكثر قليلاً من العصر الحاضر.
أولاً : الكتب :
…ظهرت كتب عديدة عن الزكاة في العصر الحاضر ، وكثير منها عرض أحكام الزكاة عامة بأسلوب عصري ، وثوب جديد ، ودراسة مقارنة بين المذاهب المختلفة ، مع بيان الأدلة والتعليلات والترجيحات ، وتعرّض كثير منها لقضايا الزكاة المعاصرة ، وبيان الآراء في المستجدات الزكوية في موارد الزكاة ومطرحها والأموال الزكوية ، وفي بيان مشمولات مصارف الزكاة التي وردت حصراً في القرآن الكريم ، وتعددت الآراء قديماً وحديثاً في تحديد مضمونها ، وتوسيع مجالاتها .(26/7)
…وهذه الدراسة المعاصرة للزكاة جاء بعضها في كتب فقهية شاملة لجميع أبواب الفقه ، وفي قمتها "الموسوعة الفقهية" التي أصدرتها وزارة الأوقاف بالكويت في الجزء الثالث والعشرين ، وكتاب " الفقه الإسلامي وأدلته " للأستاذ الدكتور الشيخ وهبة الزحيلي.
…كما صدرت في هذا العصر كتب خاصة عن الزكاة ، بعضها واسع وكبير ، وفيه عرض طيب ومبارك لقضايا الزكاة المعاصرة ، ومنها - على سبيل المثال لا الحصر - كتاب أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة لأربعة دكاترة من الأردن ، وأحكام الزكاة والصدقة للدكتور محمد العقلة ، وبحوث في الزكاة للدكتور رفيق المصري ، ودراسات نظرية وتطبيقية في محاسبة الزكاة ، ودور الزكاة في خدمة المجتمع ، وزكاة الدين ، وزكاة المال العام ، وزكاة المال في الفقه الإسلامي ، والزكاة وأثرها في تهذيب النفوس ، والزكاة فقهها وأسرارها ، ومحاسبة الزكاة.
وبعضها وسط وصغير كالكتيبات والنشرات ، وهي كثيرة جداً ، أذكر منها على سبيل المثال كتيب " تيسير فقه فريضة الزكاة - تبيين وتقنين وترجيح " للشيخ الدكتور عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني (4) .
ثانياً : الرسائل الجامعية :
…أخذت الزكاة حيزاً كبيراً ، واهتماماً مميزاً أمام الباحثين من طلبة الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراه ، وبحثوا أحكام الزكاة بحثاً مستفيضاً، وتعرض معظمهم لقضايا الزكاة المعاصرة , مع المقارنة ، والتدليل ، والترجيح ، وإبداء الرأي .(26/8)
…وفي مقدمة هذه الرسائل ، مما تحتل القمة ، وتتربع على الذروة رسالة الدكتوراه بعنوان " فقه الزكاة "(5) للأستاذ الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي التي أصبحت أول مرجع وأهم مرجع معاصر على الإطلاق لكل من تعرض لبحث الزكاة ، وامتازت بعرض أحكام الزكاة من المذاهب الفقهية المختلفة مع تناولها لكثير من المستجدات الفقهية للزكاة بدراسة معمقة ومقارنة وجرأة في الاجتهاد وبيان الرأي والتعليل ، وسوف نشير إلى بعض هذه المواضيع لاحقاً.
…ومن ذلك على سبيل التمثيل لا الحصر رسالة الماجستير للأخ محمد الشوم في كلية الإمام الأوزاعي في بيروت بعنوان " زكاة المحاصيل الزراعية " ومنها رسالة الدكتوراه للأخ الدكتور عبد الفتاح محمد فرح من كلية الاقتصاد بجامعة أم درمان الإسلامية بالخرطوم بعنوان " التوجيه الاستثماري للزكاة " وغير ذلك كثير مما يحتاج للجمع والحصر (6).
ثالثاً : البحوث والدراسات :
…كتب كثير من الفقهاء والعلماء المختصين في الشريعة والمحاسبة والمصارف والاقتصاد بحوثاً كثيرة جداً عن الزكاة ، وكل بحث أو دراسة تناولت جانباً إما عن أحكام الزكاة الفقهية المعروفة للتذكير بها ، والإشادة فيها ، وبيان وظيفتها الإيمانية والعبادية والاجتماعية والمحاسبية والاقتصادية، وإما عن أحكام الزكاة المعاصرة ، وقضاياها المستجدة، وتطبيقاتها المتطورة (7).(26/9)
…وهذه البحوث والدراسات والمقالات كثيرة جداً ، ونافعة ومفيدة ، ومتفاوتة في العمق والتجديد ، وتتعدد وسائل نشرها ، فبعضها بل أهمها تقدم في الندوات والمؤتمرات ، وبعضها ينشر في مجلات عامة أو متخصصة ، وبعضها يصدر من معاهد ، مثل البحوث والدراسات التي نشرها المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، التابع للبنك الإسلامي للتنمية بجدة في السعودية (8) ، ومنها البحوث والدراسات التي يصدرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي بعنوان دراسات في الاقتصاد الإسلامي ، ومقره في واشنطن في الولايات المتحدة الأميريكية وفرعه بالزمالك في القاهرة بمصر ، وما يصدره ديوان الزكاة السوداني ، وغيره.
رابعاً : المجلات والصحف والنشرات :
…نظراً لأهمية الزكاة في التطبيقات المعاصرة ، ونظراً لكثرة البحوث والدراسات فقد أنشئ لذلك مجلات دورية ، بعضها خاص بالزكاة كمجلة الزكاة الذي يصدرها ديوان الزكاة بالخرطوم في السودان (9)، وبعضها مختص بالاقتصاد الإسلامي الذي يولي الزكاة أهمية كبيرة ، وتحتل فيه الزكاة مساحة واسعة ، مثل مجلة الاقتصاد الإسلامي التي يصدرها بنك دبي الإسلامي بدبي في الإمارات العربية ، ومجلة جامعة الملك عبد العزيز : الاقتصاد الإسلامي التي يصدرها مركز النشر العلمي في جامعة الملك عبد العزيز بجدة بالسعودية.(26/10)
ويضاف إلى ذلك البحوث والدراسات العديدة المنشورة في المجلات المحكّمة التي تصدر عن الجامعات عامة ، والجامعات الإسلامية خاصة ، وكليات الشريعة والدراسات الإسلامية وكليات الاقتصاد , وكليات الاقتصاد الإسلامي , وكليات القانون والحقوق ، والمجلات الإسلامية الشهرية كمجلة الوعي الإسلامي بالكويت ، والمجلات الإسلامية في أبوظبي ودبي والشارقة ، والمجلات الدينية في السعودية كمجلة البحوث الإسلامية ، ومجلة البحوث الفقهية المعاصرة ، ومجلة الأزهر ، والدعوة الإسلامية في ليبيا ، وغيرها كثير مما يوشّح صفحاته بدراسات وبحوث عن الزكاة عامة ، وقضايا الزكاة المعاصرة خاصة ، والفتاوى عن الزكاة بشكل أخص.
…وكثيراً ما تتناول الصحف اليومية أو الأسبوعية بحوثاً ودراسات ومقالات وفتاوى عن الزكاة.
وتُصدر كثير من الوزارات والدوائر والمؤسسات والجمعيات نشرات عن الزكاة للتوعية والتعليم والتذكير والدعوة إلى التطبيق ، مع بيانات وفتاوى عن التطبيقات المعاصرة وأحكام الزكاة الشرعية ، مع مراعاة مختلف المستويات ، والتوجه خاصة لعامة الناس (10).
خامساً : مؤسسات الزكاة :
نظراً لتخلي معظم الدول في البلاد العربية والإسلامية عن رعاية الزكاة واعتبارها إحدى واجباتها المقدسة ، وشعوراً منها بأهمية الزكاة ووظيفتها في المجتمع والحياة ، وتلبية لرغبة المواطنين واحترام مشاعرهم ، فقد اتجهت عدة دول في البلاد العربية والإسلامية إلى إنشاء مؤسسات الزكاة بعناوين مختلفة (11)،
أهمها :
1- صندوق الزكاة في الأردن(12)، ولبنان ، وسلطنة عُمان ، وقطر ، والبحرين وماليزيا ، وغيرها.
2- صندوق التضامن الإسلامي بدولة الإمارات العربية المتحدة التي تتكفل بأمور الزكاة.
3- مصلحة الزكاة والدخل التابعة لوزارة المالية في المملكة العربية السعودية(13).
4- بيت الزكاة ، في الكويت بمقتضى القانون رقم 5 لسنة 1982 تاريخ 21/3/1403هـ / 16 يناير 1982م (14).(26/11)
5- هيئة حكومية في وزارة الشؤون الاجتماعية باليمن لإدارة تطبيق الزكاة (15).
6- ديوان الزكاة بالسودان ، وهو مؤسسة حكومية رسمية ، ولذلك نتوسع بدراسته قليلاً ، ليكون نموذجاً للتطبيقات المعاصرة للزكاة.
أصدر السودان قراراً سنة 1400هـ/1980م لإنشاء صندوق الزكاة ودعوة المسلمين لأدائها طوعاً واختياراً ، لا إلزاماً ، محاولة للتدرج ، لكنه خلط بين الزكاة والضريبة ، ثم أصدر قانون الزكاة عام
1406هـ/1986م ، وفصل الزكاة عن الضريبة ، وأنشأ ديوان الزكاة ، ثم أصدر قانون الزكاة لسنة 1410هـ/1990م لسدّ الثغرات ، واتسم بميزات منها : قيام الدولة بالزكاة ، وتوجيه مرافق الدولة بعدم إعطاء تسهيلات إلا بعد إبراز شهادة إبراء الذمة للزكاة ، وعدم التزام القانون بمذهب فقهي معين ، فجاءت فيه اختيارات وترجيحات من مذاهب متعددة كالزكاة من جميع الزروع والثمار من المذهب الحنفي ، وحكم المال المستفاد من أقوال بعض الصحابة والتابعين ، ولاحظ القانون واقع الناس في السودان حال التطبيق ، فترك للمزكي 20% من زكاته لتوزيعها بنفسه على معارفه حسبما كان سائداً من قبل ، وجاء القانون اتحادياً ليطبق على جميع الولايات ، وطلب عدم نقل الزكاة إلا بما يفيض عن حاجة المنطقة التي تخرج الزكاة ، وربط الزكاة بالمسجد ، وساهم في حل مشكلة الفقر وذلك بتمليك الفقير وسائل الإنتاج المختلفة وَفْق دراسة الجدوى الاقتصادية ، مع تقديم الخدمات الطبية ، واستخدام أفضل الطرق العلمية الحديثة في تقدير الزكاة وجبايتها ، وعند صرفها وتوزيعها ، واستخدام الإحصاءات العلمية الدقيقة ، والتخطيط ، والتقويم ، والطرق المحاسبية وساهم الديوان في إقامة مصرف الادخار والتنمية الاجتماعية ، وأنشأ شركة زكو لجمع الزكاة العينية من زرع وثمار، ثم تسويتها وتوزيعها ، وأدخل الحاسب الآلي ( الكومبيوتر ) عملياً ، ويتطلع الديوان لإنشاء المعهد العالي لعلوم الزكاة ؛ ليكون أول مؤسسة أكاديمية(26/12)
في هذا الشأن؛ ليعمل على تنزيل أحكام الدِّين على الحياة المعاصرة.
ولا يزال هذا القانون معمولاً به ، مع صدور تعديلات له وإضافات سنة 1420هـ/2000م ليستفيد من التجربة والتطبيق ، ويسعى نحو التدرج للكمال (16).
7- يضاف إلى ذلك المؤسسات الحكومية الرسمية للزكاة في باكستان وإيران اللتين التزمتا رسمياً بتطبيق الزكاة.
سادساً : الأنظمة والقوانين :
صدرت في العصر الحاضر عدة أنظمة وقوانين ولوائح رسمية من قبل الدول لتطبيق أحكام الزكاة ، ومراعاة المستجدات والجوانب المعاصرة ، وللاستفادة من الوسائل العلمية والتطورات التي تسهل جباية الزكاة وصرفها ، وبعض هذه الأنظمة والقوانين إلزامية تقوم الدول على تطبيقها ، كما أشرنا للسودان ، وباكستان ، وإيران ، وليبيا ، واليمن ، وبعضها اختياري وتطوعي دون أن تقوم الدول بإلزام المواطنين بدفع الزكاة وصرفها كالسعودية والأردن وخاصة الكويت التي تسعى لجعل الزكاة إلزامية ، وتطرح مشروعاً في ذلك على مجلس الأمة الكويتي.
…وتمتاز هذه الأنظمة والقوانين بأنها إلزامية أحياناً ، وتنظيمية من قبل الدولة أحياناً أخرى ، وفيها اختيارات من مختلف المذاهب الفقهية ، وفيها تنظيم للمستجدات والمتغيرات والقضايا المعاصرة ، ولكن بنسب متفاوتة ، ودون تغطية كافية لجميع الأحكام والآراء والاجتهادات والفتاوى الصادرة جماعياً في الندوات والمؤتمرات ، وهذا جانب سلبي سنعود إليه فيما بعد.
سابعاً : مؤتمرات الزكاة :
…دعت المؤسسات والمنظمات والهيئات والأفراد والجامعات والعلماء إلى عقد مؤتمرات خاصة للزكاة لدراستها بشكل عام ، ودراسة القضايا المعاصرة والمستجدة بشكل خاص ، ونستعرض أهم هذه المؤتمرات ، ونذكر البحوث والدراسات والمواضيع التي عرضت فيها لتكون نموذجاً للإطلاع عليها ، فمن ذلك :(26/13)
1- …المؤتمر العالمي الأول للزكاة في الكويت ، 29 رجب - 1 شعبان 1404هـ 30/4-2/5/1984م ، وتضمنت أعماله : آثار الزكاة على الأفراد والمجتمعات ، والجوانب القانونية لإنشاء وتنظيم وإدارة مؤسسات الزكاة وتطبيقاتها العلمية المعاصرة ، والتطبيقات التاريخية والمعاصرة لتنظيم الزكاة ودور مؤسساتها ، ودور الزكاة في الاقتصاد العام والسياسة المالية ، وأصول محاسبة الزكاة وضبط جمعها ، وأوصى المؤتمر بعقد مؤتمر للزكاة كل سنة مرة في أحد الأقطار الإسلامية . وأصدر هذا المؤتمر فتاوى في زكاة أموال الشركات ، وزكاة الأسهم وبيَّن كيفية تقدير الزكاة فيها ، وزكاة المستغلات كالمصانع والعقارات والسيارات الكبيرة ، والآلات ، وزكاة الأجور والرواتب وأرباح المهن الحرة وسائر المكاسب ، وزكاة السندات والودائع الربوية والأموال المحرمة ونحوها ، واعتبار الحول القمري ، وحكم الدَّين الاستثماري وزكاته (17).
2- المؤتمر العالمي الثاني للزكاة في الرياض ، بتاريخ 12 - 14/11/1406هـ 19-21 يوليو/ تموز 1986م ، وعرض فيه : نظام الزكاة المطبق في المملكة العربية السعودية ، وتجربة باكستان في جمع وتقسيم الزكاة ، وبيت الزكاة الكويتي خلال 3 سنوات ، والتطور التشريعي للزكاة في الأردن ، ودور الزكاة في تنمية المجتمع الإسلامي.
3- المؤتمر العالمي الثالث للزكاة في كوالمبور- ماليزيا، بتاريخ12-15شوال 1410هـ 7-10/مايو/أيار 1990م ، وموضوعه الرئيسي : الإطار المؤسسي للزكاة ، أبعاده ومضامينه ، لفهم النظم المؤسسية الخاصة بالزكاة القائمة وأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والتنظيمية والمدلولات الاقتصادية للأسر المؤسسية ، ومدى تأثير إلزامية دفع الزكاة للدولة ، ومقارنة النظم المؤسسية المتعددة في جمع وتوزيع الزكاة.(26/14)
4- المؤتمر العالمي الرابع للزكاة في دكّار، بالسنغال ، بتاريخ 20-22 شوال 1415هـ 21-22مارس / آذار1995م ، وموضوعه الرئيسي الآثار الاجتماعية والاقتصادية للزكاة في المجتمع المعاصر ، وخاصة عند تطبيقها على المستوى المحلي في كل دولة ، مع قيام المؤسسات الإسلامية العالمية لتحسين الجدوى والمنافع المستخلصة من التطبيق العملي للزكاة.
5- المؤتمر العالمي الخامس للزكاة في الكويت بتاريخ 10-11 رجب 1419هـ 31/10-1/11/1998م ، تحت شعار " مؤسسات الزكاة واستيعاب متغيرات القرن الحادي والعشرين " وبحث ستة مواضيع ، وهي : آفاق التعاون المستقبلي بين مؤسسات الزكاة في إطار عولمة الاقتصاد ، والزكاة وعلم الاجتماع لبيان أثر الزكاة في المجتمع المعاصر ، ومستقبل دور الزكاة في تنمية المجتمعات ذات الأقلية المسلمة ، ومؤسسات الزكاة وتفعيل دورها التنموي ، والزكاة كأداة تنمية للفقراء والمساكين ، والبناء المؤسسي وتبادل المعلومات في مؤسسات الزكاة (18).
6- مؤتمرات مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة التي تتناول باستمرار موضوع الزكاة بأحكامها الشرعية وتطبيقاتها المعاصرة ، والاجتهاد فيها ، وخاصة المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية الذي قرر أن دفع الضريبة لا تغني عن أداء الزكاة المفروضة ، وتقويم نصاب الزكاة في نقود التعامل والأوراق النقدية ، وعروض التجارة على أساس قيمتها ذهباً ، وحكم زكاة الأموال النامية كالعمارات والمصانع والسفن والطائرات ، وزكاة الشركات ، ووجوب الزكاة في مال المكلف وغير المكلف ، واعتبار الزكاة أساساً للتكافل الاجتماعي في البلاد الإسلامية ، وترك طريقة جمع الزكاة وصرفها لكل إقليم (19) .(26/15)
7- مؤتمرات ديوان الزكاة في الخرطوم ، ومنها المؤتمر العلمي العالمي الأول للزكاة ، ثم عقد المؤتمر العلمي العالمي الثاني للزكاة في 17/9/1422هـ/3/11/2001م وبحث عدداً من المشكلات العملية التي تعترض ديوان الزكاة عند التطبيق الإلزامي العملي في الحياة ، ومنها " تكاليف الإنتاج الزراعي وأثرها ، وحساب مصروفات الجباية ( مستلزمات الجباية ) ، وإحالة الزكاة على المشتري ، ومؤسسة الزكاة ، والجديد من أوعية الزكاة ، ومنها مفهوم وعاء الزكاة وما جدَّ فيه ، وزكاة أموال الشخصية الاعتبارية ، وزكاة أموال الدولة المعدّة للاستثمار ، وزكاة المال المستفاد ، وزكاة المال المشبوه ، ثم مصارف الزكاة وفيها : استثمار أموال الزكاة ، والصرف الأفقي والرأسي ، والمصارف بين التسوية والمفاضلة ، ثم الإشكاليات والمستجدات في الجباية والمصارف التي عرضها مدير ديوان الزكاة بحسب الواقع وإشكالياته في الإدارة أو الجباية من أموال الدولة المعدة للاستثمار ، ونفقات جباية أموال الزكاة المباشرة ، ونفقات التسيير والإدارة ومصروفات الأصول الرأسمالية وغيرها.
8- مؤتمرات الاقتصاد الإسلامي عامة ، فلا يخلو مؤتمر من التعرض لأحكام الزكاة الشرعية والمستجدات والقضايا المعاصرة للزكاة ، ومنها هذا المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة في شهر محرم الحرام 12424هـ/ مارس آذار 2003م.
ثامنًا : ندوات الزكاة
…عقد في العصر الحاضر عدة ندوات عن الزكاة بدعوة من جهات مختلفة , وفي بلدان وأماكن متعددة , وتناول المشتركون بكل ندوة كتابة بحوث في موضوع واحد , أو في عدة مواضيع مهمة , وبعض هذه الموضوعات يتعلق بالأحكام الشرعية المقررة في المصادر والفقه , وكثير منها يتناول المستجدات الفقهية لقضايا الزكاة المعاصرة مما يثري البحث , ويطابق الواقع , ويغطي شؤون الحياة , وينسجم مع التطور المادي والتقني والحضاري .(26/16)
…وأشهر هذه الندوات ما حرص عليه بيت الزكاة بالكويت مع الهيئة الشرعية العالمية للزكاة في الكويت وبالتعاون مع جهات أخرى في عقد ندوة كل سنة عن الزكاة في أحد الأقطار العربية أو الإسلامية , وكان آخرها الندوة الثانية عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة التي عقدت بالقاهرة عام 1423 هـ / 2002 م , ونعرض بعض هذه الندوات باختصار لبيان البحوث المهمة والدراسات المقدمة في قضايا الزكاة المعاصرة , و هي :
1- الندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة , بالقاهرة سنة
1409 هـ / 1988 م, وأصدرت فتاوى في مقدار الزكاة الواجب في عروض التجارة , وزكاة المشروعات الصناعية , ونقل الزكاة خارج منطقة جمعها , والإبراء من الدَّين على مستحق الزكاة واحتسابه منها , واعتبار ما أخرج على ظن الوجوب زكاة معجّلة , وإلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر , ومصرف في سبيل الله , والزكاة ورعاية الحاجات الأساسية الخاصة , وزكاة القروض الإسكانية والاستثمارية المؤجلة , ومحاسبة الزكاة للشركات بأنواعها , وزكاة عروض التجارة من أعيانها .
2- الندوة الثانية لقضايا الزكاة المعاصرة بالكويت بتاريخ 1409 هـ /
1989 م, وأصدرت فتاوى في دفع الدِّيات من مال الزكاة ( مصرف الغارمين ) و زكاة المال الحرام , وزكاة الديون الاستثمارية والإسكانية , ومصرف ( في الرقاب ) , ونقل الزكاة إلى غير موضعها وضوابطه .
3- الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة بالكويت بتاريخ 1413 هـ /
1992 م , وأصدرت الفتاوى في جواز استثمار أموال الزكاة بضوابطه , وتمليك الزكاة والمصلحة فيه ونتائجه , ومصرف المؤلفة قلوبهم .
4- الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة , بالمنامة , البحرين , بتاريخ 1414 هـ / 1994 م , وبحثت مصرف العاملين على الزكاة , وزكاة المال
الحرام , والزكاة والضريبة .(26/17)
5- الندوة الخامسة لقضايا الزكاة المعاصرة في بيروت / لبنان سنة 1415 هـ / 1995 م وبحثت زكاة مكافأة نهاية الخدمة والراتب التقاعدي , ومصرف الغارمين , ومشمولات الأموال الظاهرة والباطنة في العصر الحديث , وزكاة الأصول الثابتة , وقُدِّمت فيها أوراق عن زكاة الحلي , وعن الجهات التي لا يجوز للمزكي دفع الزكاة إليها , وزكاة المدخرات الثمينة , وصرف زكاة الفطر .
6- الندوة السادسة لقضايا الزكاة المعاصرة بالشارقة سنة 1416 هـ / 1996 م, وبُحثت فيها دعوة الحكومات في البلاد الإسلامية للعمل الجاد لتطبيق الشريعة الإسلامية وفرض ضريبة تكافل اجتماعي على غير المسلمين , وشمول الزكاة لجميع أموال الشركة الزكوية , وكيفية صرف الزكاة المأخوذة من المال الحرام , وتفويض أصحاب الأموال الظاهرة القيام بصرف بعض زكاتهم , والطلب بتخصيص صندوق مال الزكاة , وعرض موضوع زكاة عروض التجارة , وأصدرت الندوة فتاوى في زكاة الفطر , وزكاة الحلي , وأنه يجوز للمؤسسات الزكوية عند الحاجة أن تقترض من مواردها للصرف في مصارف الزكاة إلا لمانع .
7- الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة بالكويت عام 1417 هـ / 1997م , وناقشت الأصول المحاسبية المعاصرة لتقويم عروض التجارة , وأحكام زكاة صور من عروض التجارة المعاصرة , كالأراضي والمواد الخام الداخلة في الصناعة والمواد المساعدة , وزكاة السلع غير المصنعة , والسلع غير المنتهية الصنع , واجتماع سبب آخر للزكاة مع عروض التجارة , وزكاة المبيع في مدة الخيار , وزكاة السَّلَم , و زكاة الاستصناع , وزكاة الحقوق المعنوية .(26/18)
8- الندوة الثامنة لقضايا الزكاة المعاصرة بالدوحة في قطر عام 1418 هـ /1998 م , وناقشت موضوع زكاة الزروع والثمار , ومصرف الفقراء والمساكين , وزكاة المال العام , والسندات الحكومية هل هي أموال ظاهرة أم باطنة , وأموال الشركات الأخرى غير الشركات المساهمة هل هي أموال ظاهرة أم باطنة , والتكييف الشرعي لأموال مكافأة نهاية الخدمة والراتب التقاعدي في ميزانية الشركات قبل صرفها وأثره في الزكاة , ومفهوم النماء , والأموال في بعض أعمال البنوك كغطاء الاعتماد المستندي والغطاء النقدي لخطابات الضمان , والتأمينات النقدية, والأموال المدخرة لمشروع , والاحتياطيات والمخصصات .
9- … الندوة التاسعة لقضايا الزكاة المعاصرة في عمّان بالأردن عام 1420 هـ / 1999م وبحثت معادلة الأوزان والمكاييل الشرعية بالأوزان والمكاييل المعاصرة , والنَّماء , ومصرف ابن السبيل وتطبيقاته المعاصرة , وموضوع كتاب دليل الإرشادات لمحاسبة زكاة الشركات .
10 -… الندوة العاشرة لقضايا الزكاة المعاصرة بمسقط , سلطنة عُمان , عام
1420هـ / 2000 م , وبحثت عدة قضايا منها بعض المواد من دليل الإرشادات لمحاسبة زكاة الشركات , وموضوعات أخرى .
11- …الندوة الحادية عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة بالكويت عام 1422 هـ / 2001 م , وفيها بحوث ودراسة فقهية لبعض المواد من دليل الإرشادات لمحاسبة الزكاة , وموضوعات أخرى .
12 - … الندوة الثانية عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة بالقاهرة عام 1423 هـ / 2002 م , وتم بحث زكاة الأنعام , وزكاة الديون , وشرط النماء في الزكاة , وزكاة شركات الثروة الحيوانية والثروة الزراعية وشركات التأمين , وصدرت قرارات وتوصيات في ذلك , مع تأجيل البت في الموضوع الأخير لاستكمال بحثه ودراسته في الندوة القادمة المتوقعة في عام 1424 هـ / 2003 م .(26/19)
13 - ندوة " التطبيق المعاصر للزكاة " التي أقامها مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي بالقاهرة , سنة 1998 م وأوصت بإصدار نشرة توعية بعنوان " كيف تزكي مالك " وتمَّ تكليف أحد خبراء المركز بإعدادها , وأنجزها وهي تحت المراجعة في المركز , وأوصت بعقد دورات تدريبية " حول إدارة الزكاة " وتم إقامة الدورة الأولى عام 1998 م بالقاهرة , والثانية عام 2001 بالقاهرة , بالمشاركة مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية بجدة , وأوصت الندوة أيضًا بإعداد نظام لكيفية تطبيق الزكاة في الوقت الحاضر , وقامت لجنة التشريعات الاقتصادية بالمركز بإنجاز " نظام الزكاة " كأساس لمشروع قانون الزكاة , وأرسل إلى الجهات المختصة في الدولة (20) .
تاسعًا : ملحق المؤتمرات والندوات :
…ويضاف إلى ما سبق ما يلي :
1- مؤتمرات وندوات المجمع الفقهي الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة, وفيه بحوث ودراسات وتوصيات وقرارات عن الزكاة عامة, وقضايا الزكاة المعاصرة خاصة , منها : القرار (1/2) زكاة الديون , والتفصيل فيها , والقرار (2/2) زكاة العقارات والأراضي المأجورة , وأن الزكاة في ريعها بعد حول من قبضها , والقرار (2/3) بدراسة زكاة الأسهم في الشركات وتأجيل البت فيها , والقرار (3/3) في توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحق , بالجواز , والقرار (8/3) في صرف الزكاة لصالح صندوق التضامن الإسلامي , بالتكليف بإعداد دراسة , والقرار (2/4) في الموضوع السابق وأنه لا يجوز الصرف لدعمها , ويجوز لها الاستلام وكالة عن المستحقين , والقرار (3/4) في زكاة الأسهم والشركات , وزكاة المستغلات , وتجب فيها , ولها عدة صور لإخراجها . ( الرقم الأول للقرار , والرقم الثاني للدورة ) (21) .(26/20)
2- مؤتمرات وندوات مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة , وفيه بحوث ودراسات وقرارات وفتاوى عن الزكاة عامة , وقضايا الزكاة المعاصرة خاصة , ومنها جمع وتقسيم الزكاة والعشر في باكستان ( 4/8 الرقم الأول للقرار , والثاني للدورة ) , زكاة أجور العقار (1/11) , استثمار أموال الزكاة , بعدم الجواز (6/15) وتأسيس صندوق للزكاة في البلاد الأوربية (5/9) وتنشر معظم البحوث في مجلة المجمع الفقهي الإسلامي التي يصدرها المجمع برابطة العالم الإسلامي (22).
3- المؤتمرات والندوات التي تقيمها الجامعات الإسلامية , وكليات الشريعة , ووزارات الأوقاف , والمؤسسات الحكومية , والجمعيات الخيرية في موضوعات عامة , ومنها الزكاة , أو عن الزكاة خاصة , وقضايا الزكاة المعاصرة على وجه أخص , وهي كثيرة في مختلف البلدان والمدن , وأهمها ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي , وتصدر فتاوى في كل ندوة , ومنها فتاوى عن الزكاة , كزكاة الزروع , (6/17 الرقم الأول للندوة والثاني للقرار ) وزكاة المشروعات تحت التنفيذ (6/12) وزكاة الماشية (6/18) وزكاة أموال المودعين في البنوك (6/19) والزكاة في التأجير المنتهي بالتمليك (6/20) و زكاة التجارة تبعًا لتقلب السلع , أو تربّص الأسعار المرغوبة (10/6) وكيفية زكاة الصناعة (10/7) , وغيرها (23) , ومنها ندوة التطبيقات المعاصرة للزكاة في طرابلس/ لبنان عام 1414هـ/1994م وندوة التطبيقات المعاصرة للزكاة التي نظمها البنك الإسلامي للتنمية ( جدة ) بالتعاون مع مصلحة الواجبات بالجمهورية اليمنية في منتصف عام 1420هـ/ يوليو 1999م , وأربع ندوات علمية للجنة العلمية الشرعية الاقتصادية في الكويت 28 رجب 1404 هـ/ 29 أبريل / نيسان 1984م .(26/21)
وإن هذه المؤتمرات والندوات تصدر قرارات وتوصيات وفتاوى مثمرة وبناءة ومفيدة ، وتمثل الاجتهاد الجماعي، ورأي الأكثرية، وتعتمد على دراسات معمّقة ، وبحوث نافعة ومركزة، ومناقشات بنّاءة ، وحوارات مفيدة ، وتكاد أن تصل إلى مستوى التشريع والنظام لفريضة الزكاة من مختلف جوانبها العلمية والنظرية ، والتطبيقية والعملية ، والتاريخية والحاضر والمستقبل (24).
وإن إصدار القوانين والأنظمة للزكاة في العصر الحاضر في بعض البلاد يعتبر قمة الجانب الإيجابي الرسمي للزكاة ، ولكن المؤتمرات والندوات التي تمَّ عقدها للزكاة تمثل قمة الجانب العلمي الشعبي لقضايا الزكاة المعاصرة.
وإن بعض بحوث الزكاة المعاصرة وردت في كتب الفقه ، ولكن يقع فيها اختلاف كبير بين المذاهب فتأتي القوانين والأنظمة ، وقرارات المؤتمرات والندوات لاختيار أحدها ، وترجيح ما يؤيده الدليل ، أو تقتضيه المصلحة المرسلة ، أو يوافق الزمان والعصر والمكان ، فيرفع الخلاف عند التشريع الرسمي ، وترتاح النفوس لترجيح كبار العلماء والاجتهاد الجماعي في الموضوع (25).
عاشراً : فتاوى الزكاة :(26/22)
إن جميع العناصر السابقة لا تمثل من الناحية النظرية لقضايا الزكاة المعاصرة إلا نسبة يسيرة متواضعة ، ويقع العبء الأكبر في بيان الأحكام لقضايا الزكاة عامة ، والزكاة المعاصرة خاصة على الفتاوى التي تصدر من العلماء والمفتين وهيئات الفتوى الرسمية في الدولة من المفتي العام ومجلس الإفتاء ، وهيئات الفتاوى الشرعية في الشركات ، والمؤسسات الاقتصادية ، والمؤسسات المصرفية الإسلامية ، وهذه الفتاوى تصدر سنوية ، وشهرية ، وأسبوعية ، ويومية ، وعلى مدار الساعة تلبية للأسئلة والاستفسارات الموجهة من جماهير المسلمين ، ومن الجهات الرسمية وغيرها ، لتبيِّن للناس الأحكام الشرعية في الزكاة عامة , وفي النوازل والمستجدات والقضايا المعاصرة ، وكثير من هذه الفتاوى تجمع وتطبع ، وبعضها تنشر في أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة ، وبعضها تصدر على صفحات المجلات الأسبوعية والشهرية أو الصحف اليومية (26).
حادي عشر : أهم قضايا الزكاة المعاصرة :
نختتم هذا المبحث الأول عن الجانب الإيجابي النظري لقضايا الزكاة ، بتعداد أهم قضايا الزكاة المعاصرة التي عالجها العلماء والباحثون والمفكرون الحريصون على إقامة شعيرة الزكاة وتطبيقها على الصعيد الرسمي والشعبي ، وتلبي حاجة الناس ، وتراعي تطور العصر والزمان ، وسبقت الإشارة لكثير منها ، وبعضها بحثه الفقهاء القدامى ولكن مع الاختلاف المذهبي فيها ، وتدرس في الحاضر للاختيار والترجيح ، ونكتفي بنماذج من قضايا الزكاة المعاصرة ، وهي :
زكاة الشركات ، زكاة الأسهم ، زكاة الثروة الصناعية ، زكاة المستغلات(26/23)
( الدور والعمارات والسفن والطائرات والمصانع ) زكاة المؤسسات ، زكاة المشروعات الصناعية ، زكاة القروض الإسلامية والاستثمارية المؤجلة ، زكاة مكافأة نهاية الخدمة أو تعويض نهاية الخدمة والراتب التقاعدي ، زكاة الأصول الثابتة الاستثمارية ، الأصول المحاسبية المعاصرة لتقويم عروض التجارة لزكاتها ، زكاة الحقوق المعنوية ، الحاصلات الزراعية التي تجب فيها الزكاة، زكاة المال العام ، زكاة المال الحرام ، الزكاة والضريبة ( وذلك بالفصل بينهما قطعاً، مع ترجيح القول بخصم مقدار الضريبة المستحقة عن نفس العام من وعاء الزكاة لذلك العام ) ، نقل الزكاة ، مصارف الزكاة ( وهي منصوص عليها حصراً في الآية 60 من سورة التوبة ، ولكن البحث عن تحديد معناها ، ومضمونها ، ومشتملاتها ، والتطورات التي طرأت على بعضها ، ومراعاة العصر والزمان والمكان في بعضها الآخر) , استثمار أموال الزكاة ، زكاة الأموال الصغيرة في الشركات الكبيرة المساهمة وتطبيق مبدأ الخلطة ، المطالبة بفرض ضريبة تكافل اجتماعي على غير المسلمين تساوي فريضة الزكاة على المسلمين لتحقيق المساواة بين المواطنين ، تكاليف الإنتاج الزراعي والإنفاق على الإنتاج الزراعي وأثر ذلك على الزكاة ، الزكاة عن الصمغ العربي وزهرة الشمس والقطن ، وزكاة المنتجات الغابيّة، وزكاة الزروع والثمار التي لا تكال ولا توزن ، وزكاة المشاريع الزراعية الاستغلالية كمزارع الورود والأزهار ، وزكاة مشاريع تربية الدواجن وتسمين الأنعام ، زكاة المعادن التي تستخرج من الأرض ومنها النفط والغاز والبترول ، زكاة السندات وأوراق البنكوت والأوراق النقدية ، زكاة النقود الورقية ، زكاة مزارع الألبان والمصانع ، زكاة المال المستفاد ، الأموال التي تجب فيها الزكاة وأنصبتها ومواقيتها ، زكاة مزارع الخضراوات والفواكه والبقول ، زكاة أجور العقارات ( وتدخل في زكاة المستغلات ، وزكاة الأصول الثابتة الاستثمارية ) زكاة(26/24)
أموال منشآت القطاع العام الاقتصادي الهادفة للربح ، زكاة الثروات الباطنة ، إخراج زكاة التجارة من العُروض نفسها في حالتي انتفاع الفقير من عينها أو عدم إمكان الانتفاع ، الزكاة ورعاية الحاجات الأساسية الخاصة ، وغيرها كثير (27).
تعقيب على النواحي الإيجابية في قضايا الزكاة المعاصرة النظرية :
شهدت الزكاة في الثلث الثالث من القرن الرابع عشر الهجري ، وفي عقدين من القرن الخامس عشر الهجري ، أي خلال النصف الثاني من القرن العشرين حتى اليوم ، نهضة عظيمة ، وصحوة رائدة ، وتطوراً واسعاً وتقدماً إلى الأمام ، وتوعية كافية ، وتوسعاً في الأحكام الفقهية والدراسة النظرية ، ورافق ذلك - كما سنرى - توسع في الكم والكيف في التطبيق العملي للزكاة على صعيد الأغنياء عدداً ونوعا ً، أو عمقاً وأفقياً ، وازداد عدد المزكين في العالم الإسلامي ، وتضاعفت أموال الزكاة آلاف الأضعاف ، وذلك نتيجة الصحوة الإسلامية ، والتوعية الدائمة ، وما فتح الله تعالى على المسلمين من الثروات الضخمة والخيرات العميمة.(26/25)
وإن البحوث والدراسات النظرية في مصارف الزكاة قليلة ومحدودة ، لأن الله تعالى بيَّن بالنص القطعي المستحقين للزكاة في قوله تعالى : ( إنمّا الصدقاتُ للفقراءِ والمساكين والعاملينَ عليها والمؤلفةِ قلوبُهم ، وفي الرِّقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ، فريضة من الله ، والله عليم حكيم( التوبة /60 ، وأكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لمن سأله شيئاً من الزكاة : "إنَّ الله لم يرْضَ بحكم نبي ولا غيره في الصدقةِ ، حتى حكمَ فيها هو فجزّأها ثمانية أجزاء، فإنْ كنتَ من تلك الأجزاءِ أعطيتُك حقَّك" (28) ، فالمستحقون للزكاة ثمانية أصناف حصراً ، وتنحصر الدراسات في بيان مشتملات كل صنف وما يدخل فيه وما يجري عليه من قياس ، كإعطاء الأصول والفروع والأقارب والزوجة من الزكاة ، وإعطاء الفقير الفاسق ، وإعطاء آل البيت الفقراء ، وبقية مشتملات المصارف.
أما معظم الدراسات النظرية فتتجه إلى مطرح الزكاة ووعائها ، لأن موارد الزكاة في القرآن الكريم والسنة الشريفة مطلقة ، فقال تعالى: ( خُذْ من أموالهم صَدقةً تطهِّرهم وتزكِّيهم بها ( التوبة / 103، وأطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث محل الزكاة وأنها في المال عامة ، أو على الغني مهما كان نوع غناه ، فقال عليه الصلاة والسلام في حديث معاذ رضي الله عنه "أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم" (29) فإن موارد الزكاة مطلقة تشمل الأموال الموجودة عند نزول القرآن ، وتشمل كل ما يستجد مع تطور الزمان واختلاف الأحوال ، وهذا ما نراه اليوم مما يستدعي الاجتهاد من العلماء وبيان ما تجب فيه الزكاة ، ونصابه ، ومقداره ، لذلك كانت دراسة وعاء الزكاة واسعة وكثيرة ولم تنته ، بعد التطور الكبير في الحياة ، وتعدد الأموال ، والانفتاح في التجارة والشركات والزراعة والتشجير والثمار وغير ذلك.(26/26)
…وتمتاز الدراسات النظرية عن قضايا الزكاة المعاصرة باستعانتها واستشارتها للعلماء ذوي الاختصاصات المتعلقة بالزكاة كالخبراء والأساتذة في المحاسبة والإدارة المالية والاقتصاد المالي وغيره ، فيلتقون معاً في الندوات والمؤتمرات والهيئات واللجان ويتبادلون معهم المشورة في تحسين الجدوى في جباية الزكاة وصرفها.
الفرع الثاني : النواحي السلبية في قضايا الزكاة المعاصرة النظرية
إن النواحي الإيجابية السابقة لا يعني أن قضايا الزكاة المعاصرة النظرية قد بلغت درجة الكمال , وأدت كل ما عليها , وتعرضت لكل زوايا الزكاة المعاصرة , أو نجحت في جميع دراستها , أو حققت الأهداف المرجوة منها , ضمن الظروف السيئة التي يعيشها المسلمون عامة في العصر الحاضر من مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية والتشريعية والدولية والعلمية والتربوية وغيرها .
لذلك ظهرت سلبيات عدة في النواحي النظرية من قضايا الزكاة المعاصرة, تحتاج إلى مزيد من الدراسة , والوضوح في الرؤية , وتحسين الوسائل والإجراءات التي تتم بها النواحي النظرية , فمن ذلك :
1 - تعدد الآراء :
…يلاحظ الباحث عند تتبع الأعمال والدراسات والبحوث والمؤتمرات والندوات تعدد الآراء في الموضوع الواحد , وهذا يعتبر ظاهرة صحيّة في الدراسة النظرية , ولكنه يؤدي إلى الضياع والارتباك لعموم الناس , وأمام الأنظمة التي تريد رأياً واحداً لتتبنّاه , والأمثلة كثيرة على ذلك , ونكتفي بمثال واحد , وهو استثمار أموال الزكاة .(26/27)
… فقد بحثه الأستاذ الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي في مؤتمر الزكاة الأول الذي عقد بالكويت سنة 1984م , و بحثه الأستاذ الدكتور محمد عثمان شبير في بحثه بعنوان " استثمار أموال الزكاة , رؤية فقهية معاصرة " وبحثه الدكتور عبد الفتاح محمد فرح في رسالته للدكتوراه بعنوان " التوجيه الاستثماري للزكاة , دراسة اقتصادية فقهية تحليلية مقارنة " وقدّمت فيه بحوث ومناقشات في مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي عقد بعمّان بالأردن عام 1986م عن " توظيف الزكاة في مشاريع ذات رَيْع دون تمليك فردي للمستحق " وعرض الموضوع في ندوة الزكاة الثانية المنعقدة بالرياض عام 1406 هـ / 1986 م , وأحالت الندوة النظر في مدى إمكانية الاستثمار الزكوي لصالح مستحقي الزكاة بما يعود عليهم بالنفع إلى هيئة علمية فقهية مشكلة من متخصصين لإصدار فتوى شرعية بهذا الخصوص , وبعد الندوة بثلاثة أشهر أجاز مجمع الفقه الإسلامي الدولي الاستثمار الزكوي , وذلك في دورة انعقاد مؤتمره الثالث في عمّان بالأردن سنة 1407 هـ / 1986م وأصدر القرار رقم 3 ( د ) مع وضع ضوابط لذلك , ثم أصدرت هيئة الرقابة الشرعية لبيت التمويل الكويتي فتوى بجواز ذلك, ثم صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة , رقم 16 بالدورة 15 عام 1419هـ بشأن استثمار أموال الزكاة , وأنه لا يجوز(30) .
2- تكرار البحث :
… يلاحظ الباحث من استعراض أعمال المؤتمرات والندوات وغيرها تكرار نفس الموضوع الواحد في عدة مرات , ويلاحظ ذلك أيضا في الكتب ورسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه , ويُعرض الموضوع الواحد من قضايا الزكاة المعاصرة في عدة ندوات أو مؤتمرات لتصل إلى نفس النتائج مع إضاعة الوقت والمال بدون جدوى , وقد يقع أحياناً تعارض وتناقض بين القرارات أو التوصيات ,
و الفتاوى الصادرة فيه , مما يؤدي إلى التشويش والبلبلة والاضطراب .
3- عدم التعاون :(26/28)
… كثيراً ما يفقد التعاون بين الأجهزة الحكومية , أو المؤسسات غير الحكومية في مختلف البلاد الإسلامية ، وكأن كل بلد في كوكب , مع الغفلة أو التغافل عن التطور الحديث في وسائل الاتصال التي جعلت الكرة الأرضية كقرية صغيرة , ويمكن التعاون بين أجهزة الزكاة والمؤسسات التي ترعاها بسهولة , وأعتقد أن فقدان هذا التعاون يرجع إلى التخلف من جهة , ولعلّه متعمد غالباً من جهة ثانية , ومخطط أو موحى إليه من جهة ثالثة .
4- عدم التنسيق بين الندوات :
…إن الندوات التي تعقد في قضايا الزكاة عامة , وقضايا الزكاة خاصة , مبعثرة , وليس بينها تنسيق بمعرفة ما عرض في ندوة سابقة , وما يحسن دراسته لاحقاً , وما يحتاج إلى دراسة وبحث ومناقشة .
5- عدم الترابط بين المؤتمرات :
…إن المؤتمرات المعقودة للزكاة , والاقتصاد الإسلامي وغيره لا يربطها شيء في الغالب, وتفتقر للترابط والتنسيق في الإجراءات والبحوث وغيرها .
6- تناثر البحوث :
…إن البحوث القيمة , والكتب المفيدة , والدراسات المعمقة , والرسائل وغيرها , متناثرة هنا وهناك , ولا يجمعها شيء , وكأن كلَّ دراسة لاحقة أو مستقبلية تبدأ من الصفر ومن المقدمات , وليس لدى المسلم مجموعة متكاملة من هذه الأعمال العلمية .
7- تخلي الدول عن تشريعات الزكاة :
…وهذه أهم سلبيات الجانب النظري , وذلك بتخلي الدول عن العمل لتشريع الزكاة , وإصدار الأنظمة والقوانين التي تنظم أحكام الزكاة وتلزم الناس بها , وتقيم أحكام الشرع في الزكاة , وتسير على خطا الدولة الإسلامية الرشيدة في ضبط أمور الزكاة , وتحقيق أهدافها العقدية والعبادية والاجتماعية والاقتصادية .
وتتضاعف هذه السلبية في الجانب العملي , وتشكل ضربة قاصمة لظهر الزكاة , كما سنرى.
8- الاقتصار على الجوانب النظرية :(26/29)
إن معظم الدراسات والبحوث والمؤتمرات والندوات على الرغم من أهميتها . تبقى حبراً على ورق , وتتكدس البحوث , وتتراكم القرارات والتوصيات والفتاوى , ولا يطبق منها إلا النزر اليسير , ولا تهتم بترجمة ذلك إلى التطبيق والعمل , ولذلك قال أحد المفكرين الإسلاميين : " الدِّينُ بدون تطبيق فلسفة محضة " ويصبح خيالاً وللمتاجرة فقط , ولا يكاد المؤتمر أو الندوة أن يصدر قراراته , وتنفض اجتماعاته , إلا وقد انطفأت جذوتها بعد انتهاء الندوة أو المؤتمر , ولا يتم فيها متابعة , أو ملاحقة , أو تذكير أو توعية أو توجيه للحكومات والأفراد والمؤسسات والجامعات والوزارات وأجهزة الإعلام وغيرها .
اقتراح لجنة متابعة :
إن كل ندوة من ندوات الزكاة , وكل مؤتمر , يستغرق في الإعداد والتنظيم والتحضير سنة على الأقل , وتعقد له اجتماعات عدة للجنة التنظيمية , والتحضيرية , ولجنة البرامج وغيرها , ثم يتفرغ لكتابة البحوث ما بين عشرة إلى خمسين عالمًا وباحثًا ومفكراً , ثم يأتي المعقبون والمناقشون ولجان الصياغة وغيرها، ويصرف على كل ذلك مبالغ طائلة في مراحل الإعداد والتنظيم , ثم في تكاليف الانعقاد ومصروفاته , وتتجمع كل تلك الجهود لتصل الذروة في أيام الاجتماعات والمناقشات وصياغة التوصيات , ويختم المؤتمر أو الندوة بالبيان الختامي وإعلان القرارات , وفجأة تُطفأ الشمعة , وتنتهي جميع الأعمال , وتعود الحركة إلى سكون مطبق , وكأن إعلان القرارات والتوصيات هي الختام ونهاية المشوار وقمة النصر , ثم الركون والنسيان .(26/30)
وهنا أقترح أن تكوَّن في كل مؤتمر أو ندوة لجنة متابعة لا تقل عن عشرة أشخاص من المنظمين والعلماء وأصحاب النشاط والنفوذ والدعوة , وأن يرصد لهذه اللجنة مبالغ لا تقل عن التكاليف والنفقات السابقة , بل أن تكون ضعفيها أو ثلاثة أضعافها , لتقوم اللجنة بمتابعة القرارات والتوصيات , وتسويقها , ونقلها إلى جميع الأطراف ذات الشأن , والسعي إلى ترجمتها إلى الواقع , لتأخذ طريقها إلى التنفيذ الكلي , أو الجزئي على الأقل , مع تقديم التوعية الكاملة على الصعيدين الرسمي والشعبي , والعمل على نشر البحوث والقرارات والتوصيات والفتاوى بأوسع السبل , فلا تضع هذه اللجنة عصا الترحال حتى تطمئن إلى التطبيق العملي للقرارات , ليقترن القول بالعمل , والكلام بالأفعال , ويتحقق الهدف الحقيقي والمنشود من الدراسة والبحوث والمناقشات والقرارات والتوصيات .
المبحث الثاني
تقويم الجانب العملي للزكاة المعاصرة
إن الإسلام لم يشرع أحكام الزكاة لتكون فكراً فحسب ، أو تقتصر على الجانب النظري ، بل شرعها أصلاً للتطبيق والتنفيذ ، وهما الهدف والغاية والأمل من تشريعها , وتم تطبيق الزكاة عمليا - كما أشرنا في المقدمة - منذ عهد النبوة في المدينة , واستمر فيما بعد , وحقق نتائجه الباهرة في معظم الأحيان , إلى أن خيم السواد والظلام على هذه الأمة في العصور الأخيرة , وكاد أن يضمحل تطبيق الزكاة رسميا , وضعف إلى حد كبير شعبيا , حتى ظهرت الصحوة الإسلامية من جديد ، وعادت الحياة إلى تطبيق الزكاة عمليا إلى حد ما , ونعرض في هذا المبحث تقويم الجانب العملي للزكاة المعاصرة في الناحيتين الإيجابية والسلبية , وذلك في فرعين :
الفرع الأول : النواهي الإيجابية العملية لتطبيق الزكاة المعاصرة(26/31)
إن النواهي الإيجابية العملية لقضايا الزكاة المعاصرة متواضعة , ولم تصل بعد إلى الحد الأدنى للقبول والنجاح , ولكنها بوادر طيبة , وإرهاصات مباركة , وخطوات رشيدة , تبشر بمستقبل زاهر إن شاء الله تعالى إن تابعت مسيرتها , وأهمها :
أولاً : التطبيق الرسمي للزكاة :
بعد أن تخلت الدول الإسلامية في العصور الأخيرة عن تطبيق الزكاة عادت الروح إلى الجسد , وبادرت بعض الدول التي ذكرناها في الجانب النظري إلى تشريع الزكاة , وإصدار القوانين والأنظمة لتطبيق الزكاة رسميًا وعملياً , كالسودان , وباكستان إلى حد ما , وإيران , وليبيا , واليمن , وعملت هذه الدول على جمع الزكاة وجبايتها وتحديد الأموال التي تزكى , وإلزام المكلفين بالزكاة لأدائها , ثم عملت هذه الدول على حصر المستحقين للزكاة من المواطنين, وتحديد مشمولات مصارف الزكاة , وهيأت الموظفين العاملين لجمع الزكاة وتوزيعها, وأقامت المؤسسات والأبنية للعاملين ولحفظ أموال الزكاة , وخصصت وسائل النقل لتوزيع الزكاة ونقلها , واستعانت بالتقنية الحديثة كالحاسب الآلي وغيره لضبط العمل (31) .
وجنت هذه الدول نتائج ملموسة وكثيرة , وساهمت في تحقيق أهداف الزكاة ومقاصدها الشرعية , وتركت أثرًا حميدًا في المجتمع , وبين الناس , وساعدت سائر الوزارات على تخفيف المآسي الاجتماعية .
ثانيًا : التطبيق المؤسسي للزكاة :
إن معظم الدول في البلاد العربية والإسلامية ترفع يدها نهائيا عن الزكاة, حتى ولو أوجدت بعض المؤسسات الخاصة بالزكاة كما سبق , أو سمحت رسميا أو بالعرف والعادة , للجمعيات الخيرية والاجتماعية بجمع الزكاة وتوزيعها (32).(26/32)
وتقوم هذه المؤسسات بحسب قدرتها ونشاطها وإمكانياتها بالتوعية النظرية للزكاة , ثم تتابع الدعوة والتذكير لجمع أموال الزكاة بحسب ما يجود به الأغنياء طوعا واختيارا , ثم تعمل على حصر المستحقين للزكاة في إطار نشاطها المسموح به , وتوصل لهم الزكاة , أو تدفعها لهم .
وحققت هذه المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية نتائج طيبة في مساعدة الفقراء والمساكين , ورعاية اليتامى والأرامل , والمساهمة في الدعوة ونشر العلم الشرعي , وساهمت في تخفيف المآسي والويلات والنكبات والنوازل التي تقع بالمسلمين في مختلف الأصقاع , وقدمت رعاية ملموسة لبعض الأقليات المسلمة في سائر البقاع .
ثالثًا : التطبيق الفردي الاختياري :
…يقوم كثير من المسلمين في جميع البلاد الإسلامية بأداء الزكاة بأنفسهم طوعاً واختياراً , ويعملون على محاسبة أنفسهم , وتخصيص حصة الزكاة من أموالهم , ثم يتولون توزيعها بأنفسهم , أو عن طريق الجمعيات الخيرية , أو المؤسسات الرسمية أو شبه الرسمية.
وهذا من عظمة الإسلام , وأن عدم وجود الدولة الإسلامية , أو عند تخلي الدولة عن تطبيق الزكاة , فإن الأفراد يؤدونها بأنفسهم طمعا بثوابها وأجرها , التزامًا بحكم الله تعالى , وأداء لحق الفقير والمسكين الثابت في مالهم , وشعورًا بأن الفقراء والمساكين شركاء للأغنياء في أموالهم بحصة مقدرة من الله تعالى " فريضة من الله " .
والسر في ذلك أن الزكاة تعتمد أصلاً على الوازع الديني , وتنبعث من الإيمان , وتمثل أحد أركان الإسلام , وأن المسلم الحق , الصادق الإيمان , يحاسب نفسه , ويقف عند حدود الله وشرعه وأحكامه برقابة إلهية , ودافع ذاتي, ويبادر طوعًا واختيارًا لتنفيذ حكم الله تعالى في الزكاة وغيرها .(26/33)
وكان لهذا التطبيق الاختياري للزكاة أثره المحمود في عدة مجالات , وسد بعض الثغرات , وقضى في معظم البلاد الإسلامية على مشكلة الموت جوعًا , وساهم في تخفيف المآسي والنكبات والمجالات والأزمات ، ودعم حركات التحرر في البلاد الإسلامية , وكان رافدًا للمعاهد الشرعية والدعوة الإسلامية ومواساة الأقليات والفقراء والعجزة والمساكين وأبناء السبيل والغارمين , كما سنرى .
رابعًا : هيئات شرعية للزكاة :
تم في بعض البلاد الإسلامية تعيين لجنة من العلماء المختصين بالفقه الإسلامي لمتابعة فريضة الزكاة , لتكون المرجع للموظفين والعاملين , لتوضح لهم الأحكام الشرعية , وتبين لهم السبل السديدة لتطبيقها , وتستقبل الأسئلة والاستفسارات , وتجاوب عليها , كما تستقبل أسئلة الجمهور , وتقدم لهم الفتاوى والحلول , ثم تتابع مسيرتها في بيان الأحكام النظرية والعملية للأمور الطارئة , والحالات المستجدة , وترشد للتطور , وحسن التطبيق , ومراعاة الظروف , وتقوم بالإشراف والدعوة والتوعية , ولا مانع من تعدد اللجان لتكون إحداها إدارية تنظيمية , والثانية علمية للإفتاء .(26/34)
وهذا ما نصت عليه المادة 11 من قانون الزكاة السوداني لسنة 1990 م المعدل سنة 2000 م , وفيها " تنشأ بالديوان لجنة للإفتاء والبحوث والدعوة , وتشكل بموجب قرار يصدره الوزير بناء على توصية المجلس الأعلى لأمناء الزكاة, ممن عرفوا بالفقه والاهتمام بقضايا الإسلام والمسلمين , وتحدد اللوائح اختصاصاتها , وكيفية تنظيم أعمالها " ثم فسرت المادة 27 من لائحة الزكاة لسنة 1993 م ( والتي لا تزال سارية ) مهام لجنة الإفتاء , ومنها باختصار : تنظيم الاجتهاد الجماعي لعلماء الشريعة والخبراء وشتى المجالات ذات الصلة بقضايا الزكاة ... , تقديم المشورة فيما عرض للديوان من مشاكل , إعداد صيغ نموذجية لأنظمة الزكاة , جمع البحوث والدراسات وأعمال المؤتمرات والندوات الداخلية والخارجية ... , وغير ذلك (33) .
وتقوم لجنة الإفتاء بالسودان بنشاط محموم , وتستعين بالخبراء من مختلف الاختصاصات , وتطلب المشورة والعون من العلماء والفقهاء داخل السودان وخارجه .
خامسًا : الآثار العملية لتطبيق الزكاة المعاصرة :
أشرنا سابقًا في الفقرات الثلاث الأولى إلى بعض آثار تطبيق الزكاة في كل ناحية , ونظرًا لأهمية ذلك , وصلته المباشرة بالتقويم الإيجابي أفردنا هذه الفقرة لبيان تحقيق الزكاة المعاصرة لجانب طيب ومبارك من أهداف الزكاة الشرعية , وانسجامها مع الحياة المعاصرة.
فقد ساهم تطبيق الزكاة المعاصرة إلى حل مشكلة الفقر إلى حد كبير , وقضت الزكاة على مأساة الموت جوعًا التي تنتشر في البلاد الفقيرة , والدول المتخلفة , ولكنها لم تقض على الفقر , كما ساهمت الزكاة في حل مشكلة البطالة بتشغيل عدد من العمال والموظفين لجمع الزكاة وتوزيعها , وحتى للتبرع بتقديم المحاسبين لحساب زكاة الأغنياء والتجار .(26/35)
وساهمت الزكاة المعاصرة في التكافل الاجتماعي إلى حد معقول , وذلك عن طريق سهم الغارمين , ودفع الديات , وإنقاذ المقطوعين ( أبناء السبيل ) والمشاركة في أعباء الزواج للشباب , وغير ذلك مما يحتاج إلى بحث مستقل .
وساهمت الزكاة المعاصرة في دعم الجهاد في سبيل الله لنشر الإسلام , وتحرير الأوطان من أرجاس المحتلين والمستعمرين والغاصبين , وتقديم العون المادي للمجاهدين وذويهم , وكفالة أبناء المجاهدين وعائلاتهم في عدة بلدان كفلسطين, والشيشان , وكشمير , والبوسنة والهرسك , وألبانيا , وقبل ذلك في الجزائر ومصر وسورية والأردن وليبيا والمغرب والسودان وغيره .
وأدت الزكاة المعاصرة دورًا ملموسًا ورشيدًا لدعم الأقليات الإسلامية وحمايتها من التنصير ، وخاصة في أفريقيا وآسيا والجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفياتي السابق .
وساهم تطبيق الزكاة المعاصرة في المساعدات الإنسانية للمسلمين عند وقوع الكوارث والنكبات والزلازل والفيضانات وانهيار السدود وغير ذلك .
…وساهمت الزكاة المعاصرة في مجال الدعوة ونشر الإسلام وتقوية أواصر المسلمين , وتثبيت صفات الإيمان أمام الثالوث القاتل وهو الفقر والمرض والجهل .
وكان تطبيق الزكاة معلمًا بارزًا في الصحوة الإسلامية المعاصرة , وفي حياة المسلمين , وخاصة بعد أن تخلت أكثر الدول في البلاد العربية والإسلامية عن تطبيق الإسلام , وحمل رايته , وإلغاء معظم أحكامه ونظمه وتشريعاته , فكان تطبيق الزكاة صورة مشرفة عن تمسك جانب كبير من المسلمين بدينهم وأحكامهم وشريعتهم , ومنها الزكاة مما يحتاج لبحث مستقل .
سادسًا : الاستفادة من التقنيات الحديثة :(26/36)
قامت جهات قليلة جدا من الاستفادة من التقنيات الحديثة في جمع الزكاة وصرفها , وفي حصر الأموال الزكوية , وتحديد الأغنياء الذين تتوجب عليهم الزكاة , وضبط عملية الجمع والإنفاق والصرف والتوزيع , للأخذ بعين الاعتبار بما وصلته البشرية في القرن الحادي والعشرين من تقدم وحضارة ورقي مادي وتقني وعلمي , وما رافقه أو أفرزه من مستجدات وسلبيات وثغرات في الوسائل القديمة , وهذا ما دفع المؤتمر العالمي الخامس للزكاة أن يجعل ذلك هدفه وشعاره , فجاء في نشرته " يهدف المؤتمر إلى استطلاع آفاق ومستجدات القرن الحادي والعشرين وآثاره على أداء مؤسسات الزكاة والعمل الخيري , وذلك من أجل تسخير التطور التقني لخدمة مؤسسات الزكاة لزيادة قدرتها على تحويل الطبقات الإسلامية الفقيرة إلى شرائح منتجة , وانتفاع المؤسسات العالمية بالتطوير الإداري , وزيادة كفاءة العمل بها , ويبحث آثار مستجدات القرن الحادي والعشرين على أداء مؤسسات الزكاة والعمل الخيري " (34) .
سابعًا : الهيئة الشرعية العالمية للزكاة بالكويت :
تأسست بناء على التوجيه من مؤتمر الزكاة الأول بالكويت والثاني بالرياض , وبمبادرة من بيت الزكاة , وعقدت اجتماعها الأول بالكويت في 7/2/1408 هـ 30/9/1987 م لتكون مرجعا في حل المشكلات والقضايا المعاصرة , ووضع الدراسات اللازمة لتطبيقها على الوجه الأمثل , ولا تختص بدولة أو مؤسسة, وتشكلت من فقهاء الشريعة والعلماء في الاختصاصات ذات الصلة , ولها صفة عالمية لتنوع أعضائها وبلدانهم وإقامتهم(35) .
الفرع الثاني : النواحي السلبية العملية في تطبيق الزكاة المعاصرة
…الزكاة عبادة مالية , وفريضة اجتماعية , وخير طريق لمواساة الفقراء والمساكين , وأفضل وسيلة لمحاربة الاكتناز المحرم , وتكديس الأموال وتعطيلها, وتشجيع الادخار , وتنشيط الحركة الاقتصادية , ومشاركة الطاقة الكبيرة والصغيرة على المساهمة في الإنتاج والتمويل وترشيد الاستهلاك .(26/37)
والزكاة لها أثر واضح في تفتيت الثروة وتوزيعها , حتى لا تبقى محصورة في فئة معينة , ولها أثر محمود في علاج مشكلة الفقر والبطالة بإيجاد فرص عمل كثيرة , ودعم الدورة النقدية , وتنشيط الاستهلاك , وتحقيق التوازن والعدالة والأمن النفسي والتكافل الاجتماعي ... وغير ذلك (36) .
ولكن النواحي السلبية العملية في تطبيق الزكاة المعاصرة كثيرة - وللأسف الشديد - ولذلك لم يشعر المسلمون اليوم بالسعادة الحقة التي ترمي إليها الزكاة , وتسعى لإيجادها , والتي شرعت الزكاة من أجلها وعاشها المسلمون الأوائل في فترات طويلة .
وحسبنا أن نذكر بعض هذه السلبيات , وأهمها :
أولاً : تخلي الدولة عن تطبيق الزكاة :
إن المأساة الحقيقية , والطامة الكبرى في عصرنا الحاضر , هي غياب الدولة الإسلامية في معظم البلاد العربية والإسلامية (37) , وأن معظم الدول اليوم تخلت عن تطبيق الإسلام , والعمل بشرائعه , وجنحت إلى تبني القوانين الأجنبية , وأدارت ظهرها عن وظيفتها الدينية الرسمية لتطبيق الزكاة , والإلزام بها , وجبايتها , وصرفها حسب الأحكام الشرعية (38), بل وإصدار التشريعات المنظمة لها بما يتفق مع العصر , وبما يتناسب مع التقدم والتطور الذي وصل إليه العالم الإسلامي .
فمعظم الدول في البلاد العربية والإسلامية تخلت عن الزكاة تشريعًا , ورعاية , وتوعية , وجمعًا , وجباية , وتوزيعًا , وتجاهلت أمور الزكاة واكتفت بإناطتها بالباعث الإيماني , والدافع الذاتي للمسلمين , مع انتشار الفكر المادي , والجشع المالي , والطمع في الثراء والاكتناز , حتى وصلت الزكاة إلى الرمق الأخير(39) .(26/38)
والأخطر من ذلك , والأنكى , أنه ظهرت دعوة جديدة اليوم ( وقد تكون معذورة ) تدعو إلى العكس تمامًا , وذلك نظرًا لجنوح معظم الدول العربية والإسلامية إلى الأحكام الوضعية , ورضوخا في معظم تشريعاتها في القوانين والأنظمة للمستعمر الأجنبي , وتخلي معظم الحكام وكبار المسؤولين عن التدين وتطبيق الدين في الدولة , وسائر الوزارات والمؤسسات , مع انتشار الفساد المستشري عند بعض المسؤولين , فقامت الدعوة المعاصرة للتحذير من تمكين الدول المعاصرة من الزكاة الشرعية , أو من وضع يدها على هذه الفريضة المقدسة, مع الحرص على إبعاد الزكاة عن أجهزة الدولة , لما في ذلك من مخاطر الضياع والتشتيت والفساد والإفساد , والعبث بأحد أركان الإسلام , قياسًا على الواقع الملموس في معظم الأوقاف الإسلامية التي عبثت بها وضيَّعتها وشوهت صورتها , وأساءت في تدبيرها والإشراف عليها (40) .
ثانيًا : التطبيق الجزئي للزكاة :
نتج عن الأمر السابق أن الزكاة المعاصرة لا تطبق اليوم إلا جزئيا , وفي مجال ضيق, سواء في تحديد الأموال الزكوية وحصرها , أو في تتبع الأموال المستجدة التي لم تكن سابقا , ولم يرد فيها نص شرعي , ولا حكم فقهي , أو في جمع الزكاة , أو في توزيعها.(26/39)
والعلة في ذلك ضعف الإيمان , ورقة التدين لدى كثيرين من الأغنياء اليوم والتهرب من الواجبات الدينية التي لا تدعمها السلطة والتشريع , والقوة والدولة , مع الركون إلى الطمع المادي , والجشع في الاكتناز , والحرص على الدنيا , والغفلة عن الآخرة , وينتج عن ذلك تهرب معظم الأغنياء والموسرين في العصر الحاضر عن دفع الزكاة , وفي بعض الأحيان الاكتفاء بالنذر اليسير الذي لا يتناسب مع الثروات الطائلة , والمليارات المدخرة داخليًا وفي المصارف الأجنبية , وبالتالي يقبع الجم الغفير من الفقراء والمساكين تحت ناب الفقر والمسكنة , والمذلة والمهانة ، ويجثم الفقر على قلوب فئات كثيرة , وطبقات متعددة في بلاد المسلمين , وهذا يؤكد مقولة الإمام علي كرم الله وجهه : " ما جاع فقير إلا بما أُتْرِفَ به غني , وإن الله تعالى فَرَضَ في أموال الأغنياء ما يسدُّ به حاجة الفقراء " (41) وهذا ما تؤكده الدراسات المعاصرة , والإحصائيات العملية لعدد الأغنياء في البلاد الإسلامية, وحصر أموالهم , ونسبة الزكاة المفروضة عليهم , وعدد الفقراء والمساكين وسائر مصارف الزكاة , فلو أديت الزكاة حقًا بشكل كامل لقضت على الفقر , وحققت المقاصد الأخرى منها , وخاصة أن المسلمين اليوم أغنى - أو من أغنى - أمم الأرض , ولكن يبخلون بأموالهم , ويودعونها في المصارف الأجنبية, ويعبثون بصرفها , وينفقونها إسرافًا على ملذاتهم وشهواتهم , ويقتنصها الأعداء سفهًا من أصحابها الذين يدخرون معظم الثروات في الخارج , ويتم استثمارها بما يعود بالنفع على الأعداء الذين يحاربون المسلمين ، ويحرم منها المستحقون.
ثالثًا : التطبيق المشوَّه للزكاة :
ونتج - أيضاً - عن غياب الزكاة الفريضة المنسية , أو تغيب الدولة عن تطبيق الزكاة ، أمر خطير وهو سوء التطبيق , وتشويه التنفيذ , وذلك في صور عديدة , فمن ذلك :(26/40)
1-… توزيع الزكاة كيفيًا : يتم توزيع الزكاة اليوم في الغالب من قبل أصحابها , أو عن طريق المؤسسات الخاصة , والجمعيات الخيرية , وفي كثير من الأحيان يتم التوزيع بشكل كيفي وعشوائي , وبدون حصر للمستحقين للزكاة , وبدون تأكد من صفاتهم , وبدون تنظيم مشترك , ولذلك يثري بعضهم , وخاصة من يلح بالطلب , ويتظاهر بالفقر , ويدعي الحاجة, ويبقى فريق آخر محرومًا , يَعضُّه الدهر بأنيابه , ويتعفف عن السؤال , وينطبق عليه قوله تعالى : ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف , تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا ) البقرة /273 , مع وجود الأعداد الكبيرة في المناطق النائية , أو البلدان الأخرى ممن هم دون مستوى الفقر .
كما يظهر عدم التخطيط في التوزيع , فقد نص الشافعية وغيرهم أن الزكاة في كل سنة يجب أن تنهي حالة الفقراء في تلك السنة , لتجعلهم مكتفين, أو أغنياء أو منتجين بتمليكهم وسائل الإنتاج , ونظرًا للتوزيع الكيفي فإن معظم الفقراء يبقون فقراء , وتصرف لهم الزكاة على توالي السنوات , مع من يطرأ عليهم الفقر وأسباب استحقاق الزكاة ، فيتفاقم العدد , وتقل حصة كل منهم , وتبقى المشكلة قائمة ثم تتضاعف (42).
2- عدم الاستعانة بالتقنية الحديثة : إن بلاد المسلمين واسعة شاسعة , حتى في القطر الواحد , وإن أعداد السكان كبيرة جدًا , وإن الأموال التي تجب فيها الزكاة يعجز العقل البشري عن الإحاطة بها , وإن حصر المستحقين للزكاة يستحيل ضبطهم بالوسائل العادية , ومع كل ذلك فلا يزال تطبيق الزكاة المعاصرة يعتمد في الغالب على الوسائل البدائية , ويفتقد الأجهزة الحديثة , ووسائل التقنية المتطورة , ليحقق الأهداف المرجّوة .
رابعًا : التخلف في قضايا الزكاة :
صورة الزكاة المعاصرة متخلفة نسبيًا , ولا تعطي الصورة اللائقة بالتشريع السماوي الإلهي, وذلك في عدة جوانب , منها :(26/41)
1- المؤسسات الزكوية : تخلو معظم بلاد المسلمين من وجود مؤسسات متخصصة ومتفرغة لمحاسبة الزكاة , لحصرها , وجمعها , وتوزيعها .
2- الهيئات الشرعية : تخلو معظم بلاد المسلمين اليوم من وجود هيئات شرعية من كبار العلماء يتابعون أمور الزكاة , ويجتهدون في القضايا المعاصرة , والمستجدات الدائمة , ويواكبون التطورات في أنواع الأموال , وما يخضع للزكاة, وأنصبتها , والمقدار الواجب فيها , وكيفية تحصيلها وتوزيعها , ومعظم الهيئات الموجودة غير متفرغة لذلك .
وهذه الهيئات الشرعية تحتاج للاستعانة باللجان العلمية في المحاسبة, والإحصاء , والخبراء بالتجارة , والزراعة , والمصارف .
3- تعطيل الاجتهادات الجديدة : يقدم العلماء والباحثون فرديًا وجماعيًا في هيئات الفتوى , وفي المؤتمرات والندوات , اجتهادات جديدة قيمة تتابع الأموال الزكوية الجديدة , وترشد إلى الأحكام الشرعية في الزكاة المعاصرة , ولكن معظم هذه الاجتهادات لا تأخذ طريقها للتنفيذ , وكأن هناك حاجزًا بينها وبين التطبيق , لعدم الوعي الكافي لها من جماهير الناس , وعدم الالتزام بها رسميًا في التشريع والأنظمة , وعدم المتابعة والاهتمام من المؤسسات والجمعيات , وينتج عن ذلك ما سبق في الفقرة الثانية من التطبيق الجزئي للزكاة .
خامسًا : الخطأ في صرف الزكاة :
وينتج عن الأمور السابقة وقوع الخطأ الفاحش في توزيع الزكاة وصرفها في بعض الأحيان , فلا تقع الزكاة موقعها الشرعي , أو تتجاوز الحدود والشروط التي وضعها الفقهاء لاستحقاق الزكاة كالغارم وابن السبيل , وفي سبيل الله ,(26/42)
أو دفعها لغني , أو ذي مرة قوي , أو دفعها لمن تجب له النفقة من الزوجة والأقارب, أو دفعها لبناء مسجد ( وهو لا يجوز إلا على رأي وعند الضرورة القصوى التي حددها الفقهاء ) أو دفع الزكاة لبناء مدرسة , أو لمستشفى خيري يقصده الفقراء والأغنياء , ويؤمه المسلم وغير المسلم , فينتفع بثمرات الزكاة من لا يستحقها , ويحرم منها أهلها , وفي هذه الحالة لا تبرأ ذمة المزكي , ولا تتحقق أغراض الزكاة , ومقاصدها الشرعية , وسبق الحديث الشريف : " إن الله لم يرض بحكم نبي , ولا غيره في الصدقة ( أي في صرف الزكاة ) حتى حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء " (43).
وكثيرًا ما تعطى الزكاة للعاملين في جمعية خيرية , أو تعاونية ,
أو اجتماعية , ممن لا يؤدون خدمة مباشرة في جباية الزكاة وصرفها , بحجة أنهم من صنف العاملين عليها , ولا تنطبق عليهم صفات بقية الأصناف .
وقد تعطى الزكاة لبناء المساجد العامة التي ليس لها صلة بالدعوة والدعاة ونشر الإسلام ( سهم في سبيل الله ) بحجة أن هذه المدارس للعلم , وأن الإسلام يدعو إلى تحصيل العلم وطلبه .
وفي بعض البلاد العربية تجمع الدول الزكاة من شعبها , ثم تصرفه على الدعوة الإسلامية خارجيًا من وجهة نظرها , وتحرم الفقراء والمساكين وغيرهم من أبناء شعبها ممن يستحق الزكاة شرعاً .
وكل ذلك جهل في الدِّين , وافتراء على الأحكام , فإن مصارف الزكاة محدودة ومحصورة , وجاءت في النص الصريح القطعي في القرآن الكريم في قوله تعالى : ( إنّما الصدقاتُ للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضةً من الله والله عليم حكيم ( التوبة /60 , ثم بينت ذلك السنة الشريفة , وشرحه الفقهاء والعلماء .(26/43)
ولذلك طرحت ندوات بيت الزكاة في الكويت دراسة مصارف الزكاة واحدًا واحدًا لحصرها , وبيان مشتملات كل منها , وتحديد المراد منها , للوقوف على حدودها , والوصول إلى قرارات وتوصيات فيها , ولكن يبقى معظم ذلك حبرًا على ورق , ولا يتم الالتزام به , ولا ترجمته عمليًا إلى الواقع والحياة , للوقوف عنده , وعدم الحياد عنه , أو التهرب فيه , أو التحايل عليه .
سادسًا : طمع الفقراء وجشع المساكين :
إن ضعف الإيمان , والطمع المادي لا يقتصر على الأغنياء في منع الزكاة , بل يمتد إلى مختلف الفئات الاجتماعية , كالفقراء ومتوسطي الحال , وكثير من هؤلاء يطمع بأخذ الزكاة , ويأخذ أكثر من حقه , ولا يتحرز من طلبها , ولا يتورع من التنافس في الحصول عليها , وكثير من الفقراء والمساكين يأخذون حقهم وحق غيرهم من الزكاة , وينتج عن ذلك حرمان فئات كثيرة من نفس صنفهم , أو من سائر الأصناف الأخرى , ولذلك تظهر النعمة والثراء وتكديس الأموال عند بعض من يتظاهر بالفقر والمسكنة , وخاصة عند وفاته , لتجد له تركة ضخمة تفوق أضعاف مضاعفة ما يحتاجه وما يملكه متوسط الحال .
ويلحق بذلك من يتظاهر بأنه من الغارمين , أو من أبناء السبيل طمعًا بمال الزكاة , والأخطر من كل ذلك من يستغل أموال الزكاة بحجة الدعوة في سبيل الله , ويتاجر بذلك لأغراض دنيئة .
سابعًا : عدم التطبيق العملي :(26/44)
إن أحكام الزكاة من الناحية النظرية تكاد أن تصل إلى قمتها , سواء كانت فقهية مذهبية أم اجتهادات معاصرة ودراسات وقرارات وتوصيات , ولكن كثيرًا من ذلك لا يطبق عمليًا , ولا يرى النور ويبقى في بطون الكتب , وملفات الندوات والمؤتمرات , حتى القرارات المجمعية , والتوصيات المحلية أو الإقليمية , أو الدولية , حتى الفتاوى , ويصدق على ذلك المقولة المشهورة " تَسْمَع جَعْجَعَةً ولا ترى طحنًا " ويبقى معظم ذلك حيز النظريات المثالية أو الخيالية , أو الشعارات , أو الآمال , أو الأوهام , أو التطلعات , أو أحلام اليقظة , وتنتظر اليد الحانية , والقلب النابض , والسلطة الفاعلة لترجمتها إلى الواقع والحياة .
ولعل أهم الأسباب في ذلك يعود لتخلي معظم الدول لنظام الزكاة , مع ضعف المؤسسات الخاصة وصناديق الزكاة الحكومية وغير الحكومية , والجبن وعدم الجرأة على خوض غمار التجربة الرائدة والمتطورة لقضايا الزكاة المعاصرة .
ثامنًا : عدم التنسيق مع أجهزة الدولة :
إن الجهات المشرفة على الزكاة اليوم , سواء كانت رسمية حكومية ,
أو شعبية وخاصة , تفتقد التنسيق في أعمالها مع أجهزة الدولة , وخاصة وزارة المالية , ومؤسسة الضرائب , وذلك لحصر الأموال التي تجب عليها الضرائب والزكاة , وحسم الجزء المدفوع للزكاة من الوعاء الضريبي حتى لا يكلف الشخص مرتين على المال الواحد , أو يدفع الضريبة عن المبلغ الذي دفعه فعلاً للزكاة , فإن تم هذا التنسيق أدى لتشجيع أداء الزكاة , وخاصة من ضعاف الإيمان , وهو ما يتم عمليا في أوربا وأمريكا في إعفاء المتبرع عامة , والمتصدق خاصة , من أعباء الضريبة .
ويفتقد التنسيق أيضًا بين الجهات المشرفة على الزكاة وسائر الوزارات كالشؤون الاجتماعية والعمل , والأوقاف , والدفاع , ومؤسسة اللقطاء وغيرها .(26/45)
ويلخص الأستاذ الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي شروط النجاح لتطبيق الزكاة اليوم بخمسة , وهي : توسيع قاعدة إيجاب الزكاة , وأخذ الزكاة من الأموال الظاهرة والباطنة , وحسن الإدارة , وحسن التوزيع , وتكامل العمل بالإسلام (44), وهذه الشروط ترجع للأمور النظرية والعملية معًا , وهذا يقودنا للإشارة إلى ذلك في الملحق .
ملحق : ملاحظات مشتركة بين الجانب النظري والعملي :
إن الباحث في تقويم التطبيقات المعاصرة للزكاة يجد أمورًا مشتركة بين الجانب النظري والعملي , وخاصة في السلبيات , منها :
1 - فقدان التعاون والتنسيق :
إن المتتبع لأمور الزكاة نظريًا في الدراسات والندوات والمؤتمرات , وعمليا في تطبيق الزكاة , يدرك تمامًا فقدان التعاون الكافي , أو التنسيق العملي بين الجهات التي ترعى شؤون الزكاة , سواء على مستوى الدول التي تتبنى تطبيق الزكاة , أم على مستوى المؤسسات التي ترعى شؤون الزكاة , وتقتصر كل دولة غالبا على تجاربها الخاصة وأنظمتها , ولا تفتح عينها ولا تمد يدها للاستفادة من تجربة جارتها أو شقيقتها أو أختها , وسواء في ذلك الاستفادة من الأنظمة والقوانين المسنونة عن الزكاة , أم في التطبيق والجانب العملي , وما يلازمه من إيجابيات للاستفادة منها , وما يكتنفه من سلبيات لتجنبها , وما يواجهه من مصاعب وعقبات للتعاون على حلها , وخاصة في ظل التقارب بين الدول ورفع شعار العولمة .
وهذا ما أدركه بعض العلماء , وحرص عليه المشرفون على التحضير للمؤتمر العالمي الخامس للزكاة , وخصصوا محورين لتغطية هذا النقص , وهما بعنوان " آفاق التعاون المستقبلي العالمي بين مؤسسات الزكاة في إطار عولمة الاقتصاد , والبناء المؤسسي وتبادل المعلومات في مؤسسات الزكاة " (45) .(26/46)
كما تقتصر معظم مؤسسات الزكاة الرسمية والشعبية على القوقعة على ذاتها , ولا تفتح عينها , ولا تمد يدها للمؤسسات والجهات التي تشاطرها الأهداف والغايات , والوسائل والسبل , ويتضاعف الأمر في عدم التعاون مع المؤسسات والجهات الأخرى , كمؤسسة التأمين , والتكافل الاجتماعي , ومختلف الجمعيات التي ترعى الأسر المستورة , وطلاب العلم الشرعي , وأصحاب الحاجات الخاصة من المعاقين وأصحاب العاهات , ويجب إقامة تحالفات نظرية وعملية , وتعاون وتنسيق بينها .
2- معالجة مستجدات الزكاة النظرية والعملية :
إن التقدم اليوم مذهل , والتطور سريع , والأموال تتنوع , والشركات تتعدد , والعلاقات بين الأفراد تتجدد , وفي المقابل فإن الحاجات الأساسية للناس تتغير , ومستوى المعيشة يختلف , وأحوال الفقراء والمساكين , ورواتب العاملين , واعتبار المؤلفة قلوبهم , ومتطلبات في سبيل الله تعالى ، تتفاوت من زمن إلى زمن , وصار لها اعتبارات معينة في العصر الحاضر .
وتم دراسة معظم هذه الأمور في العقود الخمسة الماضية , وبحثت , ونوقشت , واتخذ فيها قرارات وتوصيات وفتاوى , ولكنها لا تزال تحتاج إلى المزيد, مع ضرورة مواكبة التطور والمستجدات التي تطرأ يوميًا , وهذا من الناحية النظرية .
ومن الناحية العملية فالأمر أسوأ وأخطر , وأن التطبيق العملي لم يمس إلا القليل النادر من المستجدات وقضايا الزكاة المعاصرة , وهذه ثغرة كبيرة في هذا المجال , وهو ما سبق بيانه في التطبيق الجزئي للزكاة عامة , وللمستجدات خاصة, ويوجد تخلف ظاهر وقلة متابعة عملية للتطبيقات المعاصرة .(26/47)
وحتى البلاد التي تتبنى تطبيق الزكاة فإنها تواجه مستجدات كثيرة وعويصة , من الناحية النظرية الفقهية , ومن الناحية العملية والتطبيق , وقد أعلن رئيس ديوان الزكاة في السودان مثلا أن هذه الصعوبات يعجز عنها العلماء في السودان وهيئة الرقابة الشرعية والمفتون , لذلك يعقد الديوان مؤتمرات وندوات لطرح المشاكل والصعوبات على العلماء من مختلف البلاد , ولتقديم البحوث والدراسات , وإقامة المناقشات والحوارات للوصول إلى الحل المنشود الذي يلبي الحاجة , ويحل المشكلة , ويحقق المصلحة , ويعمق الفكر الزكوي , فمن ذلك نقل زكاة المحاصيل الزراعية والأنعام التي تختص بها ولاية إلى سائر الولايات , وما يرافق ذلك أو يتطلبه من إمكانيات وحاجيات لأجور النقل والتخزين والعلف للأنعام خلال فترة الجمع حتى يتم التوزيع , ومثل حفظ المحاصيل في مستودعات , وإقامة أبنية لذلك , أو الاستئجار , وكيفية حساب الزكاة جباية وصرفا مع الأنظمة المالية المعمول بها , وقدم الدكتور رئيس الديوان بحثا في " المؤتمر العلمي العالمي الثاني للزكاة " بالخرطوم , بعنوان " بعض الإشكالات والمستجدات في الجباية والصرف في فقه الزكاة " ثم شرح المشكلات شفهيًا بما يذهل السامع , ويحير اللبيب , وطلب الفتوى في هذه الإشكالات والمستجدات نظريًا وفقهيًا ليصار إلى تطبيقها عمليًا (46) .
الخاتمة :
تتضمن خلاصة البحث , والتوصيات والمقترحات التي يراها الباحث .
أولاً : خلاصة البحث :
تبين من خلال البحث الأمور التالية :
1- الزكاة فريضة شرعية , وأحد أركان الإسلام , وتقبل الاجتهاد والتطور, ولها أهداف عقدية وتعبدية وأخلاقية واجتماعية واقتصادية , وطبقت تطبيقًا ممتازًا في العصور الأولى , ثم أصبحت شبه منسية وغائبة , وعادت إلى الصحوة والنور من جديد إلى حد ما , وتحتاج تطبيقاتها المعاصرة إلى تقويم , لمعرفة الإيجابيات والسلبيات للجانبين النظري والعملي .(26/48)
2- الجوانب الإيجابية النظرية لقضايا الزكاة المعاصرة كثيرة , وتتمثل فيما كتب عنها من كتب , ورسائل جامعية , وبحوث معمقة , ودراسات مستفيضة , وما ينشر عنها في المجلات و الصحف والنشرات , وما أقيم لها من مؤسسات رسمية , وما صدر بشأنها من أنظمة وقوانين في بعض البلاد الإسلامية , وما عقد حولها من مؤتمرات خاصة بالزكاة , وندوات مخصصة لقضايا الزكاة المعاصرة , وما تشغله في المؤتمرات والندوات الاقتصادية والفقهية والمجامع الفقهية , وفي الفتاوى العامة والخاصة عن الزكاة عامة , وقضايا الزكاة المعاصرة والمستجدات خاصة , سواء في موارد الزكاة المفتوحة , وفي مشتملات مصارف الزكاة المنصوص عليها .
3- الجوانب السلبية النظرية لقضايا الزكاة المعاصرة موجودة , ومهمة , وخطيرة , وتحتاج إلى معالجة , منها : تعدد الآراء في المسألة الواحدة , وتكرار البحث , وعدم التعاون بين الأجهزة الحكومية أو المؤسسات غير الرسمية , وعدم التنسيق بين الندوات , وعدم الترابط بين المؤتمرات , وتناثر بحوث الزكاة , وتخلي الدول عن تشريعات الزكاة , والاقتصار على البحث والدراسة النظرية دون ترجمتها للتطبيق .
4- إن النواحي الإيجابية العملية المعاصرة متواضعة جداً , ودون المستوى المطلوب , فمن ذلك التطبيق الرسمي الحكومي للزكاة في بعض البلاد المحصورة , والتطبيق المؤسسي للزكاة في بلاد أخرى , والتطبيق الفردي الاختياري المحدود في معظم البلاد الإسلامية , وقيام هيئات شرعية للزكاة , وهذه الأمور حققت آثارا عملية طيبة للزكاة المعاصرة تتمثل في أهداف مقصودة على المستوى الرسمي والاجتماعي والإنساني والاقتصادي, مع الاستفادة من التقنيات الحديثة أحيانا .(26/49)
5- إن النواحي السلبية العملية لتطبيق الزكاة المعاصرة كثيرة وخطيرة , وتعطي صورة داكنة ومؤلمة عن أحوال المسلمين اليوم , فمن ذلك : تخلي الدولة عن تطبيق الزكاة غالبا , والتطبيق الجزئي للزكاة الذي لا يلبي الطموح الإسلامي للزكاة , ولا يصل إلى المستوى الذي وصلته الزكاة في العصور الإسلامية الأولى , والتطبيق المشوَّه للزكاة بتوزيعها كيفيا وبطريقة بدائية دون استعانة بالتقنية الكافية , والتخلف في المؤسسات الزكوية , والهيئات الشرعية , وتعطيل الاجتهادات الجديدة , والخطأ في صرف الزكاة عملياً , وظهور طمع الفقراء وجشع المساكين , والتظاهر بأحد صفات المستحقين للزكاة كالغارمين وابن السبيل , والمتاجرة بالدعوة في سبيل الله على حساب الزكاة , ولأهداف شخصية , ومآرب دنيئة , كذلك التقصير في التطبيق العملي للزكاة , وعدم التنسيق مع سائر أجهزة الدولة .
6- تظهر بعض الجوانب السلبية في الناحية النظرية والعملية معا , كفقدان التعاون والتنسيق بين المهتمين بقضايا الزكاة , وعدم المعالجة الكافية لمستجدات الزكاة .
ثانيا : المقترحات والتوصيات :
بعد هذه الجولة الطريفة الممتعة والمحزنة لتقويم التطبيقات المعاصرة للزكاة , يجد الباحث نفسه مضطراً , وملزماً منهجياً ودينياً لتقديم ما يراه من مقترحات وتوصيات , أهمها:
1. الحرص على تطبيق الزكاة كاملة :(26/50)
وذلك بالدعوة والترغيب والسعي الجاد لتطبيق أحكام الزكاة كاملة, حسب المنهج الشرعي الذي تبينه النصوص واجتهادات الفقهاء والأنظمة والقوانين , لتأخذ الشريعة مجراها في الحياة , وتحقق الزكاة أغراضها وأهدافها ومقاصدها التي رسمها الشرع الحنيف , مع وجوب تطبيق الإسلام كاملا , والأحكام الشرعية في مختلف الجوانب , لتظهر خصائص الشريعة وميزاتها , ولتتحقق السعادة والمصالح في الدنيا قبل الآخرة , لأن الإسلام كل لا يتجزأ , وإن تطبيق جانب وإغفال الباقي يشوه التطبيق , ويفقده روحه وجوهره وأهدافه , بل قد يسيء إليه .
2. موسوعة الزكاة :
اقترح عمل موسوعة للزكاة تضم جميع الأعمال العلمية والأنظمة , ثم وضع ذلك في قرص ( دسك سيدي ) لتسهل مراجعته والأمور المستجدة فيه , ثم وضع ذلك على الإنترنت .
3. التوعية للزكاة :
اقترح تنشيط وتكثيف التوعية للزكاة في مختلف الوسائل بالنشرات , والكتيبات , والكتب , والدعاية في الصحف والمجلات , وفي الأجهزة المسموعة والمرئية , وعمل دعايات مصورة تبث في القنوات الفضائية , وهم ما تم فعلاً في الكويت أحياناً , ويجب تعميمه , والمواظبة عليه , وأن يخصص موقع في الإنترنت لقضايا الزكاة ومستجداتها .
4. مركز خاص للزكاة :
اقترح إنشاء مركز خاص يجمع بحوث الزكاة وجميع ما يتعلق بها , ثم يتطور ليكون معهداً عالياً للزكاة , وهو ما تزمع السودان على تطبيقه , ويجب تعميمه , على أن يجمع الفقهاء والاقتصاديين والمحاسبين والإداريين .
5. المذاهب الفقهية :
اقترح الأخذ بأوسع المذاهب في تحديد أموال الزكاة لتوسيع مطرحها , ورعاية جانب الفقير والمسكين وسائر المستحقين الذين تضاعفت أعدادهم وصاروا بحاجة ماسة للزكاة , والاستفادة من مختلف المذاهب في بيان مشمولات مصارف الزكاة , وخاصة الدعوة الإسلامية والأقليات وغيرها .
6. هيئة عالمية للزكاة :(26/51)
إن وجود الهيئة الشرعية العالمية للزكاة في بيت الزكاة بالكويت غير كاف , ولا يشترك فيها أعضاء من جميع البلدان , و يجب أن يتضاعف نشاطها أضعافاً مضاعفة , لتكون فاعلة ومؤثرة , و أن تكون متفرعة لمتابعة أمور الزكاة في العالم, والإشراف على التطبيق , وجمع النتائج العملية للاستفادة منها , وللتنسيق بين المؤتمرات والندوات .
7. استثمار أموال الزكاة :
يجب عدم تعطيل أموال الزكاة , وأن يتم استثمارها بخطة رشيدة , ومدروسة , ومجدية , وأمينة , وضمن الحدود الشرعية , مع القيام بدراسة نماذج عملية وتطبيقية لاستثمار الفائض من أموال الزكاة .
8. مشروع نظام أو قانون للزكاة :
اقترح وضع تشريع كامل للزكاة لتعميمه , والاستئناس به في تطبيق الزكاة في كل قطر إسلامي , والعمل على إصداره قانوناً أو نظاماً ليعم العمل به, و يتم الإلزام بأحكامه , ولأن ذلك يرفع الخلاف .
9. دراسة التجارب المطبقة :
يجب دراسة التجارب النافذة على التطبيقات العملية للزكاة في مختلف البلاد العربية والإسلامية وتقييم نتائجها للاستفادة من الجوانب الإيجابية , وتجاوز العقبات , وتخطي السلبيات .
10- سبق الاقتراح بتنظيم لجنة متابعة لكل ندوة أو مؤتمر لمتابعة أعماله,
وتحويلها إلى التطبيق والتنفيذ .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
هوامش البحث و حواشيه
(1) هذا الحديث رواه البخاري ( كتاب الإيمان , باب الإيمان وبني الإسلام على خمس 1/12 رقم 8 ) ومسلم ( كتاب الإيمان , باب أركان الإسلام ودعائمه العظام 1/176 رقم 16 ) وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما .
(2) للتوسع في ذلك انظر : فقه الزكاة , القرضاوي 1/7 وما بعدها , الإسلام عقيدة وشريعة لشلتوت ص 6 , 14 , أحكام وفتاوى الزكاة والصدقات(26/52)
ص 11 , الوجيز في فقه الزكاة وتطبيقاتها المعاصرة ص 7 , 9 , التوجيه الاستثماري للزكاة ص 15 , التطبيقات المعاصرة للزكاة ص 6 - 10 , مصرف زكاة الغارمين ص 5 , أبحاث وأعمال المؤتمر العالمي الخامس للزكاة ص 52 .
(3) انظر في هذا المعنى مقدمة الشيخ يوسف القرضاوي في محاضرته : لكي تنجح مؤسسة الزكاة في التطبيق المعاصر ص 9 - 10 .
(4) الكتب في ذلك كثيرة في الكتب الفقهية , وفي مؤلفات ورسائل وأطروحات, وفي كتب جامعية مقررة للتدريس .
(5) طبعت رسالة " فقه الزكاة " عدة طبعات , منها الطبعة الثامنة في مؤسسة الرسالة بيروت , عام 1405هـ / 1985م .
(6) جمع مركز صالح عبد الله كامل للاقتصاد الإسلامي التابع لجامعة الأزهر جميع رسائل الماجستير والدكتوراه المخطوطة والمطبوعة في جامعة الأزهر على قرص ( سيدي ) وتبين وجود أكثر من مائة رسالة ماجستير ودكتوراه من الكليات المختلفة حول موضوع الزكاة , انظر بحث : مقترح بمشروع قانون الزكاة للدكتور محمد عبد الحليم عمر مدير المركز ص / أ .
(7) انظر المجلات والكتب التي صدرت عن الندوات و المؤتمرات .
(8) منها دراسة عن : زكاة الأسهم في الشركات ومناقشة بعض الآراء الحديثة , ودراسة بعنوان " لكي تنجح مؤسسة الزكاة في التطبيق المعاصر " للأستاذ الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي .
(9) التوجيه الاستثماري للزكاة ص 11 .
(10) انظر سلسلة بحوث الزكاة التي تصدرها إدارة البحوث في الإدارة العامة لخطاب الزكاة في الأمانة العامة لديوان الزكاة بجمهورية السودان .
(11) عقد المؤتمر العالمي الخامس للزكاة تحت شعار " مؤسسات الزكاة واستيعاب متغيرات القرن الحادي والعشرين " .
(12) قررت الحكومة الأردنية إعفاء دافع الزكاة من ضريبة الدخل بمقدار المبلغ المدفوع للزكاة .
(13) تفرض الحكومة السعودية على التجار والشركات إحضار إشعار بدفع الزكاة لإتمام إجراءاتها الخاصة.(26/53)
(14) أسس بيت الزكاة بالكويت في 21/3/1403هـ الموافق 16/1/1982م بالقانون رقم 5 لسنة 1982م, وهدفه خدمة فريضة الزكاة من مختلف جوانبها في الجمع والإنفاق والتوعية والتخطيط والدراسة العملية لتحقيق الهدف المنشود , وبادر بيت الزكاة للتوعية الداخلية وبالدعاية المسموعة والمرئية , وبالمؤتمرات والندوات , واستكتب العلماء من الفقهاء والمحاسبين والاقتصاديين وكل من له صلة بذلك , وكان خطوة رائدة في العالم الإسلامي لإحياء فريضة الزكاة , أنظر : أحكام وفتاوى الزكاة والصدقات ص 11 وما بعدها , أبحاث وأعمال المؤتمر العالمي الخامس للزكاة ص7 .
(15) أبحاث وأعمال المؤتمر العالمي الخامس للزكاة ص 11 .
(16) ديوان الزكاة في السودان ديوان حكومي , وله فروع في كافة ولايات الدولة , ويشرف بالكامل على جمع الزكاة وتوزيعها في جميع أنحاء السودان , ويتحمل عبء ذلك في أكبر قطر عربي من حيث المساحة , وخاصة أن بعض الولايات يفيض فيها الإنتاج الزراعي في حين وجود ولايات تفتقر إلى ذلك , ويوجد ولايات تكثر فيها الأنعام التي تجب فيها الزكاة , وتنعدم في ولايات أخرى , ويتحمل الديوان نقل الفائض , وتعترضه مشاكل كثيرة , وصعوبات جمة , ويحتاج إلى الفتاوى في التخزين والعلف وأجور النقل وغيرها, ويستغيث بالعلماء والفقهاء لذلك , أنظر كتيب : واجب المسلم تجاه فريضة الزكاة , للبرفيسور زهير عثمان علي نور ص 22 - 27 .
(17) أنظر : أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة 2 / 867 .
(18) أنظر : أبحاث وأعمال المؤتمر العالمي الخامس للزكاة ص 5 , 15 - 16 .
(19) أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة 2 / 865 .(26/54)
(20) أنظر بحث الدكتور محمد عبد الحليم عمر بعنوان " مقترح بمشروع قانون الزكاة " ص / ب . وهناك ندوات محلية كثيرة , منها ندوة الزكاة وانعكاساتها في المجالين الاقتصادي والاجتماعي في الرباط , بالإضافة إلى الندوات العامة التي تتعرض غالبا لبعض مسائل الزكاة مثل الندوات الفقهية لبيت التمويل الكويتي وغيرها .
(21) انظر قرارات المجمع الفقهي الإسلامي الدولي المطبوعة في مجلد , ونشرها المجمع نفسه بجدة .
(22) انظر قرارات المجمع الفقهي الإسلامي للدورات من الأولى إلى السادسة عشرة, وفيها القرارات من الأول إلى 95( 1398- 1422 هـ/ 1977- 2002 م) نشر رابطة العالم الإسلامي , ومجلة المجمع الفقهي الإسلامي , الأعداد
1 - 15 وآخر عدد 15 , السنة 12 - عام 1423هـ - 2002م.
(23) انظر فتاوى ندوات البركة ( 1403 - 1417 هـ / 1981 - 1997م ) للندوات الثلاث عشرة التي أصدرتها مجموعة دلة البركة - قطاع الأموال - شركة البركة للاستثمار والتنمية , ودراسة قانون الزكاة السوداني ص 1 .(26/55)
(24) إن البحوث والدراسات التي تلقى في الندوات والمؤتمرات تجمع , وتطبع , وتنشر باسم المؤتمر أو الندوة , كما يفعل بيت الزكاة وغيره , وكثير منها ينشر بنصه وحرفه أو مع تعديل وإضافة في المجلات العلمية المحكّمة , مثل مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت (الأعداد 26, 29 , 30 , 32 , 33 , 41 ) ومجلة الشريعة والقانون بجامعة الإمارات , ومجلة حولية كلية الشريعة والقانون بجامعة قطر ( العدد 16 العام 1419 هـ / 1998م , والعدد 17 عام 1420 هـ / 1999م ) ومجلة المجمع الفقهي الإسلامي بجدة , ومجلة المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة , وبعض البحوث تجمع في كتب مستقلة مثل كتاب أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة في جزأين, عمان , الأردن , لعدد من الدكاترة الباحثين , وكتاب بحوث فقهية معاصرة للأستاذ الدكتور محمد عبد الغفار الشريف في جزأين, أو تصدر مستقلة مثل بحوث الزكاة للأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي , وكتاب التطبيقات المعاصرة للزكاة للأستاذ الدكتور محمد الزحيلي انظر كلاماً لطيفاً ورائعاً لابن القيم رحمة الله تعالى تحت عنوان تغير الفتوى واختلافها بحسب الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد في كتاب إعلام الموقعين 3 / 3 .
(25) انظر فتاوى الهيئة الشرعية للبركة, الباب الخامس عشر عن الزكاة
ص 213, الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية التي أصدرها بيت التمويل الكويتي , وتضم 3 أجزاء في مجلد, ص 305 وما بعدها ثم الجزء الرابع مستقلا ص 193 وما بعدها, قرارات الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار في ثلاث مجلدات, فتاوى لجنة الإفتاء لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت( 1418 - 1421 هـ / 1998- 200م ) نشر الكلية , أحكام وفتاوى الزكاة والصدقات التي أصدرها بيت الزكاة في الكويت عام 1419 هـ / 1999 م .(26/56)
(26) أحكام وفتاوى الزكاة والصدقات إصدار بيت الزكاة بالكويت , التطبيقات المعاصرة للزكاة للدكتور محمد الزحيلي ص 14 وما بعدها , بحوث فقهية معاصرة , للشريف , الوجيز في فقه الزكاة ص 54 وما بعدها, واجبات المجتمع المسلم تجاه فريضة الزكاة , بروفيسور زهير عثمان علي نور , لكي تنجح مؤسسة الزكاة في التطبيق المعاصر ص 13 وما بعدها .
(27) هذا الحديث أخرجه أبو داود عن زياد بن الحارث العدائي رضي الله عنه
( كتاب الزكاة , باب من يعطى من الصدقة وحد الغني 1/ 378
ط الحلبي ) .
(28) هذا الحديث أخرجه البخاري ( 2 / 544 رقم 1425 كتاب الزكاة , باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا ) ومسلم ( 1 / 196 رقم 19 كتاب الإيمان , باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام ) .
(29) انظر : أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة 2 / 501 , أحكام وفتاوى الزكاة والصدقات , التوجيه الاستثماري للزكاة ص 11 , 40 ، 42 , مجلة المجمع الفقهي الإسلامي بمكة , السنة 10 عدد 12 عام 1420هـ / 1999م .
…ويضيف الشيخ القرضاوي حفظه الله تعالى مشكلة نظرية أخرى في الزكاة في العصر الحاضر وهي " غلبة العصبية المذهبية , وروح التقليد , على العلماء الذين يختارون عادة لتقنين أحكام الزكاة , بحيث يحكَّم المذهب السائد , لا المذهب الراجح في المسألة " لكي تنجح مؤسسة الزكاة ص 10, ولكن أرى أن هذه المشكلة بسيطة , لأن التقنين إن كان في بلد من مذهب واحد فلا يضيره ذلك , وأن معظم الدراسات والبحوث والندوات والمؤتمرات والتقنينات التزمت الاختيار من جميع المذاهب .
(30) سبق إعطاء فكرة عن ديوان الزكاة في السودان في الحاشية رقم 16 .
(31) سبق بيان فكرة عن بيت الزكاة في الكويت , حاشية رقم 14 , وسيأتي بيان فكرة عن الهيئة الشرعية العالمية للزكاة في الناحية العلمية .(26/57)
(32) انظر : الوجيز في فقه الزكاة ص 34 , دراسة في قانون الزكاة السوداني , للدكتور أحمد مجذوب أحمد ص 14 , أبحاث وأعمال الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة ص 19 .
(33) انظر : أبحاث وأعمال المؤتمر العالمي الخامس للزكاة ص 7 .
(34) انظر : فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة ص 11 - 12 .
(35) انظر : أهداف الزكاة وآثارها في حياة الفرد والمجتمع في رسالة " فقه الزكاة " 2 / 851 - 914 .
(36) لا يغتر المسلم اليوم بالأسماء والشعارات , وإطلاق لقب " الدول الإسلامية " وأنها تصل إلى خمسين دولة , وتنضوي تحت مسمى " منظمة المؤتمر الإسلامي " و " التضامن الإسلامي " فبعضها تعلن العلمانية صراحة أو خفية , وبعضها تتسمى بالاشتراكية , وبعضها بالقومية , وبعضها تصف نفسها - دعاية وتمويهاً - بالإسلامية , ولا تطبق الحكم الإسلامي , وكثير منها تحارب الإسلام وتطبيقه في بلادها وأوطانها , وتنفذ مخططات الدول الأجنبية , وأكثرها ألغى كل ما يتعلق بالإسلام إلا العبادات والأحوال الشخصية , وتصدر القوانين الأجنبية , وتنفذ الفكر الغربي في التشريع والحياة والتربية والسياسة وغيرها , وكثير منها تتعقب كل نشاط إسلامي سياسي أو فكري ، وحتى الاجتماعي , وتحجر على الناس تطبيق الإسلام حتى في الأمور الشخصية كالحجاب واللباس , واللحية والزواج والطلاق , وبعضها يقيد النشاط الديني حتى في خطب الجمعة وداخل المساجد , ومع كثرة العدد والدول والثراء والطاقات يصدق علينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " غثاء كغثاء السيل " رواه أبو داود ( 2 / 426 ) وأحمد
( 5 / 278 ) , نسأل الله أن يردنا إلى ديننا رداً جميلاً , ويعيد لنا تطبيق الإسلام كاملاً في الحياة .(26/58)
(37) يقول العلامة الشيخ القرضاوي : " الزكاة حق ثابت مقرر " فريضة من الله " ولكنه في الأصل حقاً موكولاً للأفراد يؤديه منهم من يرجو الله والدار الآخرة , ويدعه من ضعف يقينه بالآخرة , وقل نصيبه من خشية الله , وغلب عليه حب المال في قلبه على حب الله ( كما هو الواقع اليوم لدى كثير من أغنياء العصر ) كلا , إنها ليست إحساناً فردياً , وإنما هي تنظيم اجتماعي تشرف عليه الدولة ( كسائر أعمالها الأساسية ) ويتولاه جهاز إداري منظم يُقْدم على هذه الفريضة الفذة جباية ممن تجب عليه , وصرفاً إلى من تجب لهم " فقه الزكاة 2 / 747 .
… فالزكاة حق شرعي مقرر في مال الأغنياء للفقراء والمساكين وغيرهم , الخطاب فيها موجه أصلاً إلى الحكام وليس إلى الأفراد , قال تعالى مخاطباً رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو رئيس الدولة الإسلامية الأولى - : ( خُذْ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) التوبة / 103 , وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أُمِرتُ أن أقاتلَ الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله , وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة , ويؤتوا الزكاة , فإن فعلوا ذلك عَصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها , وحسابهم على الله " أخرجه مسلم ( 1 / 202 رقم 22 ) وقال عليه الصلاة والسلام : " ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله , عَزَمَةً من عَزَماتِ ربنا " أخرجه أبو داود ( 1 / 363 ) والنسائي ( 5 / 11 ) وأحمد ( 5 / 2 , 4 ) وهو حديث حسن , فالإسلام أقام الدولة لتكون رائدة في تطبيق الزكاة لتسارع إلى إقامتها والمبادرة لها .(26/59)
(38) يحذر الشيخ القرضاوي حفظه الله تعالى من التعقيد والإسراف والاضطراب الذي يلازم الأجهزة الإدارية اليوم إذا كانت الدولة هي التي ستجبي الزكاة وتصرفها , وإن ذلك سوف يتسرب إلى إدارات الزكاة , ( انظر : لكي تنجح مؤسسة الزكاة ص 10 ) وهذا تخوف له وجاهته , وهو أمر واقعي , ثم قال : " و قد أثبتت التجربة في بعض البلاد التي تقوم حكومتها على أمر الزكاة أنها لم تحقق ما كان مرجوا منها " المرجع السابق .
(39) إن أكثر الدول والحكومات في البلاد العربية والإسلامية عملت على تشويه الأوقاف , والعبث بها , والانحراف في رعايتها وتطبيقها والتفريط فيها , وبعضها ألغت الأوقاف نهائيا , وبعضها ألغت جانباً منه , وقام بعض المسؤولين عن الأوقاف في بعض البلاد بالتبذير والتبرع اللامحدود من مال الوقف إلى عناصر القوة والنفوذ المشبوهين , بقصد المحسوبيات , والتنازل عن أراضي الأوقاف وتقديمها مجاناً رياء وتزلفاً إلى جهات أخرى , حتى تنازل أحد وزراء الأوقاف عن مساحات واسعة من أفضل الأماكن في إحدى المدن الكبرى إلى المحافظة التي وزعتها بدورها على المقربين منها وإلى جهات دينية لإقامة أكبر كنيسة في تلك الأرض , وإن روائح بعض وزراء الأوقاف والمديرين فيها تشيع وتنتشر بين الناس مما أفقدهم الثقة بالوقف , ونفَّرهم منه , وصار منبوذاً ومكروهاً عند الكثيرين .
(40) هذا الأثر رواه الطبراني مرفوعاً , ورواه غيره عن علي رضي الله عنه موقوفاً, انظر المحلى لابن حزم 6 / 158 , و انظر محاضرة " لكي تنجح مؤسسة الزكاة ص 10
(41) كثيراً ما نلاحظ أن فقيراً مثلاً يستحق الزكاة فعلاً فتدفع له من غني , وقريب , وجار , وجمعية , ومؤسسة , بحيث يصل إلى التخمة , بينما يحرم آخر إما لسوء حظه وعدم الاهتمام والرعاية به , أو لتجاهله , وإما لتعففه وتورعه .
(42) هذا الحديث رواه أبو داود , وسبق بيانه .(26/60)
(43) انظر: محاضرة " لكي تنجح مؤسسة الزكاة في التطبيق المعاصر ص 11 ".
(44) انظر : أبحاث وأعمال المؤتمر العالمي الخامس للزكاة ص 19 .
(45) انظر : الأوراق العلمية المقدمة للمؤتمر العلمي العالمي الثاني للزكاة بالخرطوم , المجلد الأول , البحث الأخير .
المصادر والمراجع
1- أبحاث وأعمال المؤتمر العالمي الخامس للزكاة, نشر بيت الزكاة , الكويت - 1414 هـ / 1998م .
2- أبحاث وأعمال الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة, نشر بيت الزكاة, الكويت 1417 هـ /1997م.
3- أحكام وفتاوى الزكاة والصدقات , إصدار بيت الزكاة , الكويت - 1419 هـ / 1999 م .
4- الإسلام عقيدة وشريعة , الشيخ الأكبر محمود شلتوت ( 1383هـ ) مطبعة الأزهر - القاهرة - 1379 هـ / 1959 م .
5- أعلام الموقعين , محمد بن أبي بكر , ابن قيم الجوزية ( 751 هـ ) مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة - 1388 هـ / 1968م.
6- الأوراق العلمية للمؤتمر العلمي العالمي الثاني للزكاة , نشر ديوان الزكاة - الخرطوم - 1422 هـ / 2001 م .
7- التطبيقات المعاصرة للزكاة , الأستاذ الدكتور محمد الزحيلي - دار المكتبي - دمشق - 1418 هـ / 1998 م .
8- التوجيه الاستثماري للزكاة , دراسة اقتصادية فقهية تحليلية مقارنة , الدكتور عبد الفتاح محمد فرح , مطبعة بنك دبي الإسلامي - دبي -
ط 1 - 1997م.
9- تيسير فقه فريضة الزكاة , تبيين وتقنين وترجيح , الشيخ الدكتور عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني -نشر جمعية بيت الخير - دبي-
ط 2 - 1421 هـ / 2000 م .
10- سنن أبي داود , سليمان بن الأشعث السجستاني ( 275 هـ ) - مصطفى البابي الحلبي - القاهرة - 1371 هـ / 1952 م .
11- سنن النسائي , أحمد بن شعيب النسائي ( 303 هـ ) مطبعة مصطفى البابي الحلبي - القاهرة - 1383هـ / 1964 م .
12- صحيح البخاري , محمد بن إسماعيل البخاري ( 256هـ ) دار القلم - دمشق - 1400 هـ /1980م .(26/61)
13- صحيح مسلم , مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (261هـ ) المطبعة المصرية - القاهرة - 1349هـ /1930م مع شرح النووي .
14- صرف الزكاة للغارمين , الأستاذ الدكتور محمد الزحيلي - دار المكتبي - دمشق - 1418هـ / 1998 م .
15- الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية , إصدار بيت التمويل الكويتي - الكويت - الأجزاء 1 - 3 - لأعوام 1979 - 1989م + الجزء الرابع - دون تاريخ .
16- فتاوى لجنة الإفتاء بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الكويت, نشر كلية الشريعة - ط 1 - 1422 هـ / 2002 م .
17- فتاوى ندوات البركة , إصدار مجموعة دلة البركة , شركة البركة للاستثمار والتنمية - جدة - ط 5 - 1417 هـ / 1997 م .
18- فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة - نشر وتنظيم الهيئة الشرعية العالمية للزكاة - بيت الزكاة - الكويت - د . ت .
19- فقه الزكاة , الشيخ الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي , مؤسسة الرسالة - بيروت - ط 8 - 1405هـ / 1985 م .
20- قانون الزكاة السوداني , أساسه الدستوري وأهدافه وخصائصه , دراسة , الدكتور أحمد مجذوب أحمد - طبع المؤسسة العامة للطباعة والنشر , الخرطوم - أبريل 2000 م .
21- قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة - دورة 1 - 16 -
قرار 1 - 95 عام 1398 - 2422 هـ / 1977 - 2002 م .
22- قرارات المجمع الفقهي الإسلامي الدولي , نشر المجمع - جدة - 1420 هـ
/ 2000 م .
23- قرارات الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار - نشر شركة الراجحي المصرفية للاستثمار - ج1 - 1419 هـ / 1998م .
24- لكي تنجح مؤسسة الزكاة في التطبيق المعاصر , الشيخ الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي , نشر المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب , جدة , ط 1 - 1417 هـ / 1994 م .
25- مجلة المجمع الفقهي الإسلامي , رابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة , العدد 12 , 14 السنة 10 , 12 عام 1420 , 1422 هـ / 1999 , 2001 م .(26/62)
26- المحلى , علي بن أحمد بن حزم الأندلسي ( 456 هـ ) مط المنيرية - القاهرة - 1350 هـ .
27- مسند أحمد , الإمام أحمد بن حنبل ( 241 هـ ) , تصوير طبعة أولى , المكتب الإسلامي - دمشق 1313 م .
28- مصرف الغارمين , الأستاذ الدكتور محمد الزحيلي - دار المكتبي - دمشق - 1418 هـ / 1998م .
29- واجبات المسلم المعاصر تجاه فريضة الزكاة , بروفيسور زهير عثمان علي نور - نشر الأمانة العامة لديوان الزكاة - الخرطوم - ط 1 - 1422 هـ / 2001 م .
30- الوجيز في فقه الزكاة وتطبيقاتها المعاصرة , الأستاذ المساعد جابر إدريس عويشة نشر ديوان الزكاة , الخرطوم , د . ت .
??
??
??
??
20 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي /جامعة أم القرى
تقويم التطبيقات المعاصرة للزكاة - إيجابيات - سلبيات 19(26/63)
تقويم المؤسسات التطبيقية للاقتصاد الإسلامي :
النوافذ الإسلامية للمصارف التقليدية
د. سعيد بن سعد المرطان
الرئيس التنفيذي - مصرف البحرين الشامل
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
تعتبر تجربة ممارسة المصارف التقليدية للعمل المصرفى الاسلامي من خلال نوافذ أو فروع اسلامية ، تجربة ناجحة نظرا لما ترتب عليها من نتائج ايجابية ملموسة تمثلت فى نمو العمل المصرفى الاسلامى بمعدل سنوى يقدره الباحثون بـ 15% سنويا ، وفى التزايد المستمر لعدد المصارف الممارسة لهذا العمل وانتشارها فى كل أنحاء العالم ، ومع التزايد المستمر أيضا فى حجم الأموال التى تقوم بادارتها.
وبرغم تعدد المداخل التى تبنتها المصارف التقليدية فى ولوجها ميدان الصيرفة الإسلامية فإن التجربة المميزة للبنك الأهلي التجاري السعودى فى تبنيه مدخل التحول التدريجي لتطوير وتنمية العمل المصرفي الإسلامي فيه تعتبر خير مثال على نجاح العمل المصرفى الإسلامى من خلال بنك تقليدي. وهى تجربة تختلف فى الواقع في كثير من جوانبها عن فلسفة عمل الفروع والنوافذ الاسلامية في المصارف التقليدية الاخرى. فهى استهدفت فى المقام الأول خدمة قطاع الأفراد ، دون الاقتصار على قطاع الشركات الذى كان فى الغالب محل اهتمام البنوك التقليدية الأخرى. كما أنها تجربة لم تكن تستهدف فى الأساس مجرد تعبئة مزيد من الودائع أو الإستثمارات من خلال إختراق شريحة أخرى من شرائح العملاء في السوق ، وإنما كان الهدف هو السعى الحريص والمدروس نحو التوسع في العمل المصرفي الإسلامي وتطويره بغير سقوف أو حدود. ولا شك أن نجاح هذه التجربة ، يجعلها محط أنظار وإنتباه المصرفيين والمتخصصين لمتابعة إنجازاتها والنظر اليها كحالة مصرفية تستوجب الإستيعاب والدراسة. ومن ثم فقد تم إيلاء هذه التجربة إهتماما خاصا فى هذا البحث.(27/1)
ومن ثم ، وبرغم من إعتراضات البعض ، فإن الباحث فى الواقع لا يرى غبارا على ممارسة العمل المصرفى الإسلامى من خلال بنوك تقليدية طالما كان الإنضباط الشرعى هو عنوان هذه الممارسة. فالممارسة المنضبطة للعمل المصرفى الإسلامي ، بغض النظر عن الشكل الذى تأخذه هذه الممارسة ، ستكون هى الضمان لسلامة العمل وإستمراريته.
1. مقدمة
ترجع بدايات الصيرفة الإسلامية بمفهومها الواسع إلي الأيام الأولى للتشريع الإسلامي وقيام الدولة الإسلامية، أي منذ القرن السابع الميلادي. غير أنه بإنحسار فترة المد الإسلامي وإنكسار دولة الخلافة ، والدخول في العصور الإستعمارية وما صاحبها من نظم سياسية وإقتصادية غربية ، خفتت شعلة الإهتمام بالتطبيقات الإقتصادية الإسلامية في مجملها ، فاسحةً المجال لإنتشار النظم الإقتصادية الغربية وعلى رأسها النظام المصرفي الربوي المتعارف عليه في البنوك التقليدية.
إلا أنه منذ أربعة عقود تقريبا نشط المفكرون والإقتصاديون الإسلاميون في إعادة النشاط إلي الفكر الإقتصادي الإسلامي بمفرداته ومكوناته الجزئية والكلية ، الأمر الذي نتج عنه ظهور النظام المصرفي الإسلامي في شكله المعاصر منذ منتصف السبعينات تقريبا. ولم يقتصر تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية على المصارف الإسلامية وحدها وإنما سارعت إلي ذلك أيضا وبأشكال مختلفة الكثير من المصارف التقليدية على المستويين المحلى والدولي.
أى أن أهم ما يميز المرحلة الماضية من تطور العمل المصرفي الإسلامي هو حداثة العهد بالصيرفة الإسلامية فى شكلها المعاصر وكونها لا تزال تشكل أرضا خصبة لمزيد من التطور والإنتشار من ناحية ، وتعدد مداخل المصارف التقليدية وصولا إلي حلبة هذا العمل المصرفي ، مع إختلاف مدلولات وإنعكاسات كل مدخل منها ، من ناحية أخرى.(27/2)
ومن هنا تأتي أهمية ما نقوم به من إستعراض لهذه المداخل المتعددة وإخضاعها للمراجعة والتقويم بغرض التعرف على ما صاحبها من تحديات ومصاعب ليمكن تذليلها في المرحلة القادمة حتى تأتى العملية التطويرية المنشودة في مكانها وزمانها الصحيحين. ولذلك فإن مجال البحث في هذه الورقة كما يدل عليها عنوانها هو تقويم تطور العمل المصرفي الإسلامي من خلال إنشاء فروع أو نوافذ إسلامية في البنوك التجارية التقليدية. آخذين في الإعتبار أن محاولة التقييم هنا لا تمتد بأى حال من الأحوال إلي تقييم العمل المصرفي الإسلامي نفسه وإنما تنسحب فقط على تقييم المداخل إلي تقديمه من خلال نوافذ او فروع إسلامية لمصارف تقليدية بطبيعة نشأتها الأولى.
ولكي تأتى عملية المراجعة والتقييم صحيحة لابد لنا من أن نعرض فيما يلي ملخصا سريعا لنشأة الصيرفة الإسلامية في شكلها المعاصر.
2. العمل الصيرفة الإسلامية : خلفية تاريخية
* نشأة الصيرفة الإسلامية(27/3)
الصيرفة الإسلامية في شكلها المعاصر ليست إلا إحياءا وتجديدا لجانب من جوانب النظام الإقتصادي الإسلامي الذي نشأ مع الدولة الإسلامية منذ أيامها الأولى ، والذي هو جزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية ذاتها. ومن ثم فالصيرفة الإسلامية ليست ظاهرة حديثة كما يعتقد الكثيرون خاصة في العالم الغربي ، وإنما هي نظام عقيدي ومنظومة حياة لها جذورها في التاريخ وفي النفوس على حد سواء. ولذلك لم يكن غريبا لنا ان نلحظ هذا الإنتشار السريع للعمل المصرفي الإسلامي ونموه بمعدلات هائلة منذ منتصف السبعينيات ، حيث يقدَر عدد المؤسسات المالية والصيرفة الإسلامية بحوإلي 250 مؤسسة تنتشر وتتوزع عبر القارات الأربع الرئيسية في العالم ، إضافة إلي قيام أكبر المؤسسات المالية والصيرفة التقليدية على مستوى العالم بتقديم العديد من الخدمات المصرفية الإسلامية خاصة في مجإلي التمويل والإستثمار ، وذلك في تطور متسارع على أشكال ومستويات مختلفة نوجزها في الجزء التالي من هذا البحث.(27/4)
ولأن لكل شىء سبب يحدثه ، فقلد إرتبطت عملية إحياء النظام المصرفي الإسلامي ، بظاهرتين مميزتين تمثلت إحداهما في بداية الصحوة الإسلامية المعاصرة في أعقاب حصول الكثير من الدول العربية والإسلامية على إستقلالها السياسى منذ الخمسينيات من القرن الماضى ، بينما تمثلت الثانية في ظاهرة الطفرة النفطية خلال عقد السبعينيات وماصاحبها من إنتعاش اقتصادي ، مع تعاظم الثروات لدى الأفراد والمؤسسات في المنطقة. وبترافق هاتين الظاهرتين برزت الرغبة والحاجة إلي إحياء ثقافتنا وتراثنا الإسلامي ، فتتابعت الخطوات من الإحياء النظرى للنظام الإقتصادى الإسلامي إلي التطبيق العملى لهذا النظام متمثلا في نظامه المصرفي اللاربوى في المقام الأول. وما أن بدأت العجلة تدور حتي تسارعت في دورانها فتزايد عدد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية وإتسعت السوق ، كما سبقت الإشارة ، وأصبح العمل المصرفي الإسلامي جزءا لايستهان به بل لا يمكن تجاهله في الصناعة المصرفية والمالية العالمية.
* تصنيف مؤسسات الصيرفة الإسلامية
كان من الطبيعي ان تتعدد المستويات التي تم على أساسها تطبيق الصيرفة الإسلامية بحسب الظروف الزمانية والمكانية لكل حالة على حدة ، وهو الأمر الذي يمكن معه تصنيف هذه المؤسسات بشىء من التبسيط إلي الأنواع الخمس التالية :
* مبادرات ريادية
كان من بين المبادرات المبكرة والتي كان أهم ما يميزها أنها كانت ذات طابع محلى نجد تجربتين إحداهما ذات طابع إجتماعى والأخرى ذات طابع تجارى. اما التجربة الأولى ذات الطابع الإجتماعي فكانت في مصر حيث ظهر بنك ناصر الإجتماعى الذي انشىء في عام 1963م والذي يشار إليه أحيانا بانه اول بنك إسلامى نظرا لعدم تعامله بالربا. إلا أن الكثيرين يعترضون على هذا الوصف ويفضلون منحه لمصرف دبى الإسلامي الذي أنشىء في عام 1975م على أسس مصرفية تجارية.
* مبادرات جماعية حكومية(27/5)
وتتمثل هذه في إنشاء بنك التنمية الإسلامي الذي أنشئ في عام 1975م بمشاركة عدد من الدول الإسلامية ، بغرض المساهمة في برامج التنمية الاقتصادية في الدول الأعضاء وتشجيع العمل المصرفي الإسلامي فيها.
* مبادرات خاصة ذات طابع دولي
من أهم هذه المبادرات إنشاء مجموعتي دلة البركة (1969) ودار المال الإسلامي
(1981) ، حيث قامت مجموعة دلة البركة بتأسيس شركة دلة للاستثمار والتنمية في عام 1982م كذراع مالي لها ، مارست أنشطتها في العديد من الدول الأخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
أما مجموعة دار المال الإسلامي ، والتي اتخذت من سويسرا مقراً لمكتب الأمناء المشرفين على أنشطة فروعها المنتشرة في العديد من دول العالم ، فإن إهتماماتها لا تقتصر على ممارسة وتطوير العمل المصرفى الإسلامى وإنما تمتد لتشمل مجمل العمل المالى الإسلامى شاملة خدمات الإستثمار الإسلامية على إختلاف أشكالها ، وأنشطة التأمين (التكافل) المتوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
وفي هذا الصدد لعلنا نتفق مع القائلين بأن أنشطة هاتين المجموعتين (دلة البركة ودار المال الإسلامي) اضافه إلي الجهود الحميدة التي يقوم بها البنك الإسلامي للتنمية كان لها الأثر الكبير في انتشار العمل المصرفي الإسلامي على المستوى الدولي1.
* مبادرات قطرية(27/6)
تشمل هذه المبادرات إثنتان من الدول الإسلامية التي اختارت " أسلمة " مجمل القطاع المالي والمصرفي فيها وهي السودان وإيران. الأمر الذي أصبحت معه جميع البنوك العاملة في هاتين الدولتين مطالبة نظامياً وقانونياً بالالتزام بممارسة العمل المصرفي الإسلامي في كل أنشطتها. ومن المعروف أن الباكستان كانت قد أعلنت منذ الثمانينات عن رغبتها أيضا فى إتباع نفس النهج ، إلا أنه من الملاحظ انها لم تتمكن حتى الآن من ترجمة هذه الرغبة إلى واقع عملي يعيشه النظام المصرفي الباكستانى. وتشير المعلومات2 إلى أنه رغبة من البنك المركزى الباكستانى فى ضمان سلامة التطبيق ، وبعد الكثير من البحث والتشاور خلال عامى 2001-2002م ، فإنه قام بإصدار تعليمات جديدة تسمح بممارسة نظام مصرفي مزدوج يجمع بين الصيرفة الإسلامية والتقليدية معا ، مع وضع القواعد التنظيمية والرقابية اللازمة لضمان سلامة تطبيق نظام الصيرفة الإسلامية سواء كان ذلك من خلال إنشاء بنوك إسلامية كاملة أو شقيقة لبنوك تقليدية ، أو مجرد فتح فروع إسلامية لبنوك تقليدية.
* استجابات تجارية لمصارف تقليدية(27/7)
كان من الطبيعي أن تلحظ المصارف التقليدية ، المحلية منها والعالمية ، النمو المتسارع لفرص العمل المصرفي الإسلامي. وهو النمو الذى لم يكن قاصرا على الدول العربية وإنما إمتد أيضا إلى الكثير من الدول الأخرى وخاصة الدول الإسلامية. غير أن معدلات هذا النمو فى الدول الخليجية تحديدا كانت أكبر منها فى الدول الأخرى . وهو الأمر الذى يمكن إرجاعه إلى الظروف الإقتصادية المواتية التى أفرزتها فترة الطفرة البترولية فى هذه الدول وما صاحبها من صحوة إسلامية إنتشرت سريعا بين دول المنطقة. فلقد أفرزت هذه التطورات شريحة سوقية كبيرة ومتنامية من العملاء الراغبين في إيداع أموالهم في البنوك دون أخذ الفوائد الربوية عليها ، في وقت لم يكن هناك الكثير من المصارف الإسلامية او لم تكن الثقة في كفاءتها قد إكتملت بعد. الأمر الذي فتح شهية هذه المصارف التقليدية لاستغلال هذه الفرص السوقية الواعدة بأرباح هائلة نظراً لضخامة الأموال المتاحة في هذه الأسواق وانخفاض كلفتها. ومن ثم أقدمت هذه المصارف على ممارسة العمل المصرفي الإسلامي بأشكال مختلفة مع التركيز على أصحاب الثروات الكبيرة في المنطقة العربية.
وتشمل هذه الفئة من المصارف التقليدية أكبرها على المستوى العالمي مثل Citibank الأمريكي ،ABN-Amro الهولندي ، ومجموعة ANZ الأسترالية النيوزيلندية وغيرها من المصارف الإنجليزية والسويسرية ، والتي وجدت جميعها أن الأموال المتاحة للأفراد والشركات والمؤسسات الراغبة في العمل المصرفي الإسلامي من الضخامة بحيث لا يمكن تجاهلها ، فقامت بإنشاء فروع إسلامية لها في المنطقة العربية أو أنها فتحت نوافذ إسلامية في مقارها الرئيسية في بلادها.
وفي هذا الصدد لعلنا نشير هنا إلي أن دخول هذه المصارف العالمية إلي ميدان الصيرفة الإسلامية كان له جانب ايجابي تمثل في الاضافة إلي سرعة انتشار وتطوير العمل المصرفي الإسلامي على المستوى العالمي.(27/8)
3. المصارف التقليدية والصيرفة الإسلامية
* الصيرفة الإسلامية بين المبدأ والتسويق
لعله من الجدير بالذكر بادىء ذى بدء القول أنه بخلاف المصارف الإسلامية التي تسعى إلي المزج بين الهدفين العقائدي والتجاري معا ، فإن دخول المصارف التقليدية ، خاصة المصارف العالمية ، إلي ميدان العمل المصرفي الإسلامي لم يكن بطبيعة الحال دخولا عقائديا برغبة تنمية العمل المصرفي الإسلامي وتطبيقاته الشرعية ، وإنما كان لإعتبارات تجارية وحسب. فلقد وجدت أمامها أسواقاً كبيرة ومتنامية بها موارد مالية ضخمة في منطقة لا يوجد فيها الكثير من الفرص الاستثمارية المربحة و لم يكن يوجد فيها ، قبل عقدين من الزمن ، المؤسسات المصرفية الحديثة التي يمكن مقارنتها بالمصارف التقليدية العملاقة في العالم الغربي. لذلك كله راحت هذه المصارف تسعى حثيثاً لاجتذاب وتعبئة هذه الموارد من خلال تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية ، كل بطريقته وبالأسلوب الذى يتناسب مع إستراتيجية عمله وأهدافه. وهو الأمر الذي كان له إنعكاساته ليس فقط على طبيعة وشكل المدخل الذي إعتمده كل مصرف منها في دخوله إلي مجال الصيرفة الإسلامية ، وإنما أيضا على مواقف الكثيرين من علماء الشريعة والمصرفيين الإسلاميين ، والكثير من الجمهور والعملاء المحتملين أيضا.
غير أنه من الإنصاف القول بأن هنالك من البنوك التقليدية ، خاصة في منطقة الخليج ، من أراد الدخول إلي ميادين العمل المصرفي الإسلامي في الأساس ليس لإعتبارات تجارية وحسب وإنما بغرض عقائدي أيضا ، ولكن بطريقة تدريجية يتم من خلالها التدرج في "أسلمة" كل أنشطة المصرف طبقا لخطة موضوعة سلفا ، كما سنبين بعد قليل.
هذا التعدد في المداخل ومواقف الآخرين منها يقع في صلب محاولتنا هنا ونحن نتتبع تطور العمل المصرفي الإسلامي وتقييم آدائه خلال المرحلة الماضية.
* المداخل المختلفة للصيرفة الإسلامية(27/9)
كان من الطبيعي أن تختلف المصارف التقليدية في مداخلها إلي العمل المصرفي الإسلامي ، فلكل مصرف خططه وأهدافه التي قد تتفق وقد تختلف مع غيره من المصارف حسب ظروفه وحسب الأسواق التي يريد أن يخدمها. فمنها من أنشأ فروعا إسلامية متخصصة ، ومنها من كان قد عقد العزم على تحويل فروعه تدريجيا إلي فروع إسلامية ، ومنها من إختار تحويل الأنشطة تدريجيا بدلا من تحويل الفروع ، ومنها من إفتتح "نوافذ إسلامية" في فروعه كلها أو بعضها ومنها من كان يقوم ببيع منتجاته الإسلامية جنبا إلي جنب مع منتجاته التقليدية. وفيما يلي نستعرض معا كل مدخل من هذه المداخل على حده.
* مصارف تبيع منتجات إسلامية
لا شك أن هذه هي أبسط وأسرع مدخل إلي العمل المصرفي الإسلامي لجأت إليه المصارف التقليدية التي كان هدفها في الأساس تجاريا صرفاً ، حيث رأت في تقديم المنتجات والخدمات المصرفية الإسلامية مجرد إضافة إلي تشكيلة منتجاتها تتيح لها إستغلال الفرص السوقية المتاحة بين العملاء الراغبين في التعامل المصرفي الإسلامي. ويقع ضمن هذه الفئة الكثير من المصارف التقليدية على المستويين الإقليمي والدولي ، التى بدأت بتطوير بعض صناديق الإستثمار الإسلامية أو تقديم عمليات تمويل إسلامية كبيرة الحجم ، ثم تلك التي لجأت فيما بعد إلي فتح نوافذ او وحدات متخصصة في العمل المصرفي الإسلامي.
غير أن هذه الإزدواجية في تقديم الخدمات المصرفية قد قوبلت بالكثير من الإنتقادات والشك من قبل المهتمين بالعمل المصرفي الإسلامي ومن العملاء على حد سواء ، فلم يكن هناك من الضوابط العملية والعملياتية ما يبعث على الإطمئنان في التقيد بالأحكام الشرعية لتقديم هذه المنتجات والخدمات الإسلامية ضمن هذه الإزدواجية المفتوحة وغير المقيدة بالضوابط المطلوب مراعاتها شرعا في هذا الخصوص.
* مصارف فتحت لها نوافذ إسلامية3(27/10)
نظرا لضعف مصداقية الإزدواجية المفتوحة (غير المقيدة) في تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية جنبا إلي جنب مع الخدمات المصرفية التقليدية ، وما يكون قد صاحب ذلك من ضعف نسبى في تحقيق الإختراقات السوقية التي إستهدفتها المصارف التي تبنت هذا المدخل ، لجأت مصارف اخرى إلي معالجة هذا القصور بإفتتاح نوافذ / وحدات إسلامية ، في فروعها التقليدية أو في مقارها الرئيسية ، تكون متخصصة في بيع المنتجات والخدمات الإسلامية دون غيرها. ومن الأمثلة على هذه الفئة من المصارف نذكر :
- مصرف درسدنر كلاينوورت بنسن ، الذى أسس وحدة متخصصة للصيرفة الإسلامية (1980م)
- مجموعة ANZ الأسترالية النيوزيلندية التي أنشأت قسما خاصا بالتمويل الإسلامي
- مصرف Citibank الذى أسس وحدة تمويل إسلامية متخصصة (1980م) قبل أن يفتح فرعا إسلاميا برأس مال مستقل في دولة البحرين في عام 1996م
- البنك السعودى البريطانى الذى أنشا إدارة شبه مستقلة للصيرفة الإسلامية
- البنك السعودى الأمريكى الذى أنشأ محدة مستقلة للتمويل الإسلامى
- بنك الكويت المتحد UBK الذى انشأ وحدة متخصصة للإستثمار الإسلامي (1991م)
- البنك العربى الوطنى فى المملكة العربية السعودية ، وغيره من البنوك.
ولتحقيق مزيد من المصداقية قامت بعض هذه المصارف والمؤسسات المالية بتعيين مراقب أو هيئة رقابة شرعية لمراقبة سلامة التطبيق وتوافقه مع أحكام الشريعة الإسلامية. وبطبيعة الحال كان في ذلك خطوة طيبة إلي الأمام لدعم التوسع في الصيرفة الإسلامية ، خاصة أن البعض منها يعد من أكبر المصارف والمؤسسات المالية التقليدية على المستوى الإقليمى والدولى.
* مصارف قامت بتحويل فروع تقليدية إلي فروع إسلامية وأنشأت فروع إسلامية جديدة(27/11)
في مقابل المدخلين السابقين واللذان كان دافعهما تجاريا بحتا ، كانت هناك بعض المصارف التقليدية التى أراد القائمون عليها أسلمة مجمل أعمالها متجاوزين بذلك الأهداف التجارية البحتة. وكان مدخل هذه الفئة من المصارف لتحقيق هدفها هو الدخول فى عملية تحول تدريجية من خلال إنشاء إدارة مستقلة للخدمات المصرفية الإسلامية ، يديرها خبراء ومتخصصون في الصيرفة الإسلامية ، كإدارة رئيسية من إدارات المصرف. ومن ثم أخذت هذه الإدارة على عاتقها مهمة وضع الخطط الإستراتيجية للعمل مبتدئة بتحويل بعض الفروع التقليدية إلي فروع إسلامية كاملة مع إنشاء فروع إسلامية جديدة في مواقع مختارة بعناية لضمان أكبر قدر من فرص النجاح في ظل إزدواجية "مقننة" لتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية والتقليدية معا. ومن أجل مزيد من الضمان لسلامة التطبيق وإكتساب المزيد من ثقة الجمهور ، قامت إدارات الصيرفة الإسلامية فى هذه المصارف بتشكيل هيئات مستقلة للرقابة الشرعية على أعمالها تضم بين أعضائها عددا من كبار العلماء الذين يجمعون بين المعرفة الشرعية والمعرفة الإقتصادية ، الأمر الذى كان له آثار محمودة على سرعة نمو العمل المصرفي الإسلامي وقدرته على التنافس التجارى مع العمل المصرفي التقليدي. ومن الأمثلة على هذه الفئة من المصارف نجد ما يلي :
- البنك الأهلى التجارى السعودى الذى يعتبر من أكبر البنوك العاملة في منطقة الخليج العربى والشرق الأوسط.
- بنك مصر الذى إفتتح فروعا إسلامية ولكن ليس بغرض التحول الكامل نحو الصيرفة الإسلامية لباقى فروعه أو أعماله
ولقد بدأت العديد من المصارف فى كل من ماليزيا والباكستان ومصر بالأخذ بهذا التوجه نحو إفتتاح فروع إسلامية لها ' كما ان هناك مطالبة قوية بتبنى هذا المدخل فى دولة الكويت وغيرها من الدول.
* مصارف شقت طريقها إلى التحول دفعة واحدة(27/12)
هذه الفئة من المصارف رغبت فى التحول إلى الصيرفة الإسلامية دفعة واحدة إيمانا منها بأن هذا الطريق هو الطريق الأصوب والأسرع والأكثر جدارة لإكتساب ثقة العملاء فى سلامة التطبيق. ولعله مما ساعد هذه المصارف على تحقيق أهدافها فى هذا الخصوص هو الصغر النسبى لحجمها السوقى وما صاحب ذلك من سهولة نسبية أيضا فى إعادة تاهيل العاملين بها لقيادة دفة العمل فى شكله الجديد. ومن الأمثلة على هذه الفئة من المصارف نذكر ما يلى :
- بنك الشارقة الوطنى ، فى دولة الإمارات العربية المتحدة ، الذى أتم بالفعل عملية التحول المنشودة
- بنك الجزيرة فى المملكة العربية السعودية ، الذى قطع شوطا طيبا فى إتجاه التحول
ومن الجدير بالذكر أنه قد صاحب إنتشار الصيرفة الإسلامية تزايدا مطردا في الحركة الفكرية المرتبطة بها تجسدت بوضوح في إنشاء أقسام ومراكز بحوث في الإقتصاد الإسلامي في بعض الجامعات العربية والأوروبية والأمريكية وفي تعدد المؤتمرات والدوريات العلمية المتخصصة ذات الصلة. كما أنشئت العديد من الهيئات والتنظيمات والمؤسسات بغرض توفير الدعم اللازم للنظام المصرفى الإسلامى وسلامة تطبيقه ، نذكر منها التالى:
* هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية AAOIFI والتى أنشئت فى مارس 1991 بغرض وضع معايير تضمن سلامة العمل المصرفى الإسلامى متماشية مع مثيلاتها فى إتفاقية بازل للمصارف التقليدية - البحرين
* سوق المال ألإسلامي الدولى International Islamic Financial Market الذى يهدف إلى زيادة فعالية مجمل العمل المصرفى الإسلامى - البحرين
* المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية الذى يهدف إلى تطوير الممارسات العملية فى المصارف الإسلامية إضافة إلى إنشاء قاعدة معلومات كاملة ودقيقة حول أنشطة هذه المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية
* هيئة التصنيف للبنوك الإسلامية - البحرين(27/13)
* مركز إدارة السيولة Liqidity Management Center لمساعدة المصارف الإسلامية فى إدارة سيولتها - البحرين
* مجلس الخدمات المالية الإسلامية - ماليزيا
* البنك الإسلامى للتنمية وما يقدمه من خدمات بحثية وعملية للمصارف الإسلامية - السعودية
وحيث أن المدخل الخاص بإفتتاح نوافذ وفروع إسلامية هو المدخل الأكثر شيوعا وإنتشارا ، كما انه المدخل الذى أثار الكثير من النقاش بين المهتمين بالعمل المصرفى الإسلامى ، فإننا سنفرد الفصل التالى لبيان مختصر لأوجه هذا النقاش بين المؤيدون له والمعترضون عليه.
4. النوافذ والفروع الإسلامية بين التأييد والمعارضة
على الرغم من أن فكرة إنشاء فروع أو نوافذ إسلامية للمصارف التقليدية قد لاقت قدرا كبيرا من التأييد بين القائمين والمشجعين على العمل المصرفي الإسلامي ، إلا أنها قد لاقت أيضا قدرا من المعارضة من شريحة أخرى من المهتمين أيضا بالصيرفة الإسلامية. وبطبيعة الحال فان لكل جانب منهما أسبابه الوجيهة في التأييد كما في المعارضة ، وهو ما سنتناوله بإختصار فيما يلى :
أولا : وجهة النظر المؤيدة لإنشاء فروع / نوافذ إسلامية للمصارف التجارية
أقام المؤيدون وجهة نظرهم على أساس أن قيام المصارف التجارية بإفتتاح فروع / نوافذ إسلامية لها سيكون بمثابة :
* إعتراف منها بالجدوى الإقتصادية للعمل المصرفي الإسلامي.
* إعتراف منها بواقعية التطبيقات العملية لنماذج العمل المصرفي الإسلامي ، وأن الفكرة تتجاوز مجرد رفع الشعارات أو دغدغة المشاعر.
* إتاحة الفرصة للإستفادة من خبرات هذه المصارف التجارية في تطوير منتجات إسلامية وكوادر بشرية ينتفع بها العمل المصرفي الإسلامي بصفة عامة.
* خطوة أولى نحو "أسلمة" أى من هذه المصارف او بعضا منها.
* فتح كبير للعمل المصرفي الإسلامي في حالة تحول مصرف تجارى إلي مصرف إسلامى خاصة إذا ما كان هذا المصرف من المصارف التجارية الكبيرة حجما وإنتشارا.(27/14)
* التشجيع على التعايش المشترك بين النظامين المصرفيين بدلا من المواجهة بينهما.
ثانيا : وجهة النظر المعارضة لإنشاء فروع / نوافذ إسلامية للمصارف التجارية
أقام المعارضون وجهة نظرهم على الأسباب التالية :
* التخوف من أن يؤدى ذلك إلي الـ "تشويش" على نقاء التطبيق في أذهان العاملين والعملاء على حد سواء
* التخوف من أن تؤدى صعوبة التعايش بين نظامين مصرفيين مختلفين تحت سقف واحد إلي إفشال التوجه تطبيقيا
* التخوف من أن يؤدى ذلك إلي تأخر إنشاء مصارف إسلامية جديدة
5. متطلبات النجاح(4)
من أجل تقييم آداء "النوافذ الإسلامية للمصارف التجارية التقليدية" خلال المرحلة الماضية من تطور العمل المصرفي الإسلامي ، لابد لنا من أن نستعرض معا ماهية المتطلبات اللازمة لنجاح العمل المصرفي الإسلامي ومدى توفرها في ظل المداخل المختلفة التي إتبعتها المصارف التقليدية في إنشاء هذه النوافذ خلال هذه المرحلة.
نحن نعتقد أن نجاح العمل المصرفي الإسلامي في أى شكل من أشكاله يتوقف على مدى التقيد بتطبيق المبادىء الرئيسية التالية :
* التخطيط العلمى
* الإلتزام الشرعي
* الإعداد المناسب للكوادر البشرية
* تطوير النظم والسياسات المناسبة
* المواءمة مع إدارات البنك الأخرى والإختيار المناسب للفروع ومواقعها فى حالة إختيار مدخل الصيرفة المزدوجة
والتي نتناول كل منها بشىء من الإيجاز كالتالي :
أ) التخطيط العلمى(27/15)
مما لا شك فيه أن نجاح اى عمل مصرفي أو غير مصرفي ، تجارى او خيري ، يتوقف في الدرجة الأولى على مدى التخطيط له بطريقة علمية سليمة. ويزداد هذا الإعتبار أهمية في حالة ما إذا كان الربح هو معيار النجاح فيه ، كما هو الحال عند ممارسة العمل المصرفي الإسلامي من خلال مصرف تقليدي قام في الأساس على هدف تحقيق أرباح تجارية. فتحقيق الربح في مثل هذه الحالات سيكون بمثابة شرط ضرورى لإستمرار هذه المصارف التقليدية في تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية. فإلي أى مدى نجحت هذه المصارف في التخطيط لصيرفتها الإسلامية ؟
لا شك أن معظم المصارف التقليدية التي أقدمت على تقديم الصيرفة الإسلامية من خلال إفتتاح نوافذ إسلامية لم تكن لتقدم على مثل هذه الخطوة من غير تخطيط ودراسة جيدة ، خاصة أن غالبية هذه المصارف كانت من بين اكبر المصارف التقليدية على المستويين المحلى والعالمي. فبالإضافة إلي إجراء اللازم من البحوث المكتبية والإستفادة من الكثير من الأبحاث والدراسات المنشورة ، قام الكثير من هذه المصارف بتكليف جهات بحثية مستقلة بإجراء العديد من أبحاث التسويق الميدانية للإضطلاع على آراء الجمهور والعملاء المحتملين للصيرفة الإسلامية. تلك الدراسات التي أثبتت بان أسواق العمل المصرفي الإسلامي كبيرة ومتنامية (يقدرَ معدل النمو السنوي بـ 15%) وأنها لا تزال .(27/16)
ولعلنا نشير في هذا الخصوص إلي التجربة المشهورة لأحد أكبر المصارف العربية وهو البنك الأهلي التجاري في المملكة العربية السعودية ، حيث لم تقتصر النية (في الأصل) على إدخال الصيرفة الإسلامية في البنك على مجرد الرغبة وإنما دعمتها أيضا الدراسات والأبحاث والإستشارات ، وخاصة ان الرغبة لم تكن تتوقف عند مجرد إفتتاح نوافذ إسلامية وإنما كانت النية منعقدة على أسلمة مجمل البنك طبقا لخطة تدريجية. ولذلك قام البنك بإنشاء إدارة مستقلة للخدمات المصرفية الإسلامية في عام 1993م أسند إليها مهمة تحقيق هذا الهدف للبنك. ومنذ إنشاء هذه الإدارة التي شرف الكاتب بإدارتها والإشراف على أعمالها منذ نشاتها حتي عام 2000م ، كان التخطيط العلمي هو أسلوب العمل فيها مدعوما بالعديد من الأبحاث والدراسات الميدانية التى أجريت لدراسة السوق وتحديد الشرائح المكونة له وإحتياجات كل شريحة منها ، وحجم ونوعية المنافسين القائمين والمحتملين في السوق. وهى الدراسات التي علي أساسها تم وضع خطة إستراتيجية للعمل يهتدي بها العاملون في الإدارة وفروعها وتتوحد من خلالها جهودهم لتحقيق النجاح المطلوب. وهو الأمر الذي تحقق بالفعل حيث أظهرت النتائج المالية للإدارة تقدما ونموا عاما بعد عام في ظل إلتزام تام بتطبيق الشريعة في كل المعاملات ، وذلك رغم توقع البعض بغير ذلك نظرا لطبيعة العمل ضمن بنك تقليدي في الأساس.
وحتي وقتنا هذا تشير المعلومات إلي التزايد المستمر في حصة العمل المصرفي الإسلامي في البنك إلي مجمل أعماله وكذلك إلي مجمل أرباحه ، مع تزايد في عدد الفروع الإسلامية التي أصبحت الآن 70 فرعا تنتشر في أنحاء مختلفة من المملكة ، شاملة جميع فروع مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة تحديدا.
ب) الإلتزام الشرعي(27/17)
لعل الإلتزام الشرعي التام بسلامة التطبيق يعتبر أهم عناصر النجاح لأي عمل مصرفي إسلامي وضمانا لإستمراريته. وتشير المعلومات إلى حقيقة تقيد معظم المصارف التقليدية الكبيرة التي أقدمت على فتح نوافذ إسلامية بالإلتزام الشرعي في تقديمها للخدمات والمنتجات الإسلامية ، فقامت بتعيين هيئات مستقلة للرقابة الشرعية أسند إليها مسؤولية الإفتاء فى والتثبت من سلامة الأعمال المصرفية الإسلامية فيها من حيث تصميم المنتجات وأسلوب تقديمها وصياغة عقودها والإعلان عنها والترويج لها. ولقد ظهر هذا التوجه أكثر وضوحا فى المصارف الكبيرة التي سعت جاهدة إلى إظهار مصداقيتها فى التطبيق.
ومرة أخرى نشير هنا بالتحديد إلي تجربة البنك الأهلي التجاري السعودي بحكم الصلة الوثيقة بين هذه التجربة وبين الباحث شخصيا كما سبقت الإشارة. وهى التجربة التي يسعدني العودة للإشارة إليها بالنسبة لكل عنصر من عناصر النجاح المطلوب توفرها لإنجاح عملية إفتتاح نوافذ إسلامية فى البنوك التقليدية بإعتبارها مثلا يمكن الإحتذاء به في هذا المضمار ، بل وفى إمكانية الإستفادة منه في مجال "أسلمة" مصرف قائم بتحويله كاملا من مصرف تقليدي إلى مصرف إسلامي طبقا لخطة موضوعة تنتهج التدرج في التطبيق دون التضحية بالإتزام الشرعي.
ففي هذه التجربة كان أهم مايشغل تفكير القائمين على إدارة الخدمات الإسلامية منذ البداية هو ضرورة إقناع العاملين في البنك من الإدارة والموظفين ، والمتعاملين معه من العملاء والجمهور بأن العمل في الإدارة وفروعها وسياساتها وأموالها كلها تقوم على مبادىء الشريعة الإسلامية وتطبيقاتها بكل دقة ووضوح ، ولقد تحقق ذلك للإدارة من خلال عدد من الإجراءات نوردها فيما يلى :
* ضمان الإستقلالية المالية والمحاسبية للإدارة(27/18)
* الإلتزام الكامل بالشريعة الإسلامية في كل أنشطة الإدارة ومنتجاتها وسياساتها وبرامج تدريب موظفيها من خلال التعاقد والتعاون مع عدد من المراكز الإستشارية المتخصصة
* إنشاء هيئة شرعية مستقلة لمراقبة التطبيق ، تجتمع بصفة دورية مرة كل شهر للنظر فى ما يعن لها من موضوعات ووضع التوصيات اللازمة للتنفيذ
* تعيين مراقب شرعي داخلي لمتابعة التطبيق العملي بصورة يومية.
هذه الأمور جميعا كان لها مردودها الإيجابي والسريع في خلق الصورة الإنطباعية الصحيحة عن العمل المصرفي الإسلامي الذي تم تقديمه من خلال الفروع الإسلامية لهذا البنك التقليدي.
ج) الإعداد المناسب للكوادر البشرية
لا شك أن توفر العنصر البشري المناسب ، جنبا إلي جنب مع التقنية المتطورة ، يعتبر أحد أهم عناصر النجاح لأي عمل كان. والعمل المصرفي الإسلامي ليس إستثناءاً من ذلك. فإلى أي مدى أظهرت المرحلة الماضية توفر هذا العنصر للعمل المصرفي الإسلامي من خلال نوافذ إسلامية لمصارف تقليدية ؟
عودة مرة أخرى إلى تجربة البنك الأهلى التجارى السعودى كتجربة بارزة في هذا المضمار ، نقول أن توفير وتدريب الكوادر البشرية المناسبة لممارسة العمل المصرفي الإسلامي كان يمثل أحد الشواغل الرئيسية للإدارة خاصة وأن العاملين في الفروع التي كان يتم تحويلها إلى العمل المصرفي الإسلامي كانوا في معظمهم غير مؤهلين لذلك. الأمر الذي تطلب جهدا ووقتا كبيرين لإعداد البرامج التدريبية المناسبة ووضع الخطط اللازمة لتدريب كل العاملين في الإدارة والفروع على مراحل ودورات مختلفة المحتوى والمستوى.(27/19)
وفى هذا الخصوص كان التدريب يأخذ أشكالا متعددة فبينما كان بعضه يتم داخليا كان البعض الآخر يتم خارجيا ، أما البرامج التدريبية الداخلية فكانت تتم بالإستعانة بالقدرات التدريبية المتاحة ذاتيا للبنك من خلال العاملين في الإدارة ومراكز التدريب التابعة للبنك (حيث تم إنشاء وحدة مستقلة للتدريب المصرفي الإسلامي) ، أو بالإستعانة بمكاتب إستشارية أو مراكز تدريب متخصصة تربطها بالبنك علاقات عمل وثيقة. أما التدريب الخارجي فكان يتم إما من خلال إرسال المتدربين إلي مراكز تدريب خارجية أو إرسالهم للتدريب العملي في بنوك إسلامية شقيقة.
ومن أجل زيادة فعالية التدريب في ظل المتاح من الوقت والموارد فلقد خضعت العملية التدريبية لسلم محدد من الأولويات جاء على الشكل التالي :
أولا : القيادات الإدارية
ثانيا : مدراء الفروع
ثالثا : موظفي خدمات العملاء والصرافين
وبطبيعة الحال فإن التدريب عملية مستمرة ومتواصلة ولا يمكن لها أن تتوقف عند حد. ومن الإنصاف أن نقول بان العمل الإسلامي لا زال يعانى من عدم كفاية الكوادر البشرية المناسبة خاصة علي المستوي الإداري وفى المجال التطويري ، الأمر الذي يشير إلى الحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتغطية هذا العجز.
د) تطوير النظم والسياسات الملائمة
نظرا للإختلاف بين قواعد العمل المصرفي التقليدي وتلك الخاصة بالعمل المصرفي الإسلامي فإن الأمر يقتضى تطوير السياسات والإجراءات والنظم الفنية والمحاسبية اللازمة والمناسبة لطبيعة العمل المصرفي الإسلامي ومنتجاته. وهو الأمر الذي لا يقل ضرورة عن غيره من الأمور سواءً كان ذلك من الناحية الشرعية أو من ناحية تحليل البيانات وقياس الآداء ضمانا لإنجاح العمل المصرفي الإسلامي.(27/20)
وتشير التجربة إلى أن تحقيق هذا العنصر ليس بالأمر السهل وإنما هو يتطلب الكثير من الوقت والجهد خاصة من حيث تطوير النظم والبرامج الفنية اللازمة لتشغيل الفروع وإعداد البيانات المالية والمعلومات الإدارية. وهى عملية تزداد صعوبة في ظل نظام مصرفي ثنائي أو مزدوج كما كان عليه الحال في المثال الذي نحن بصدده.
هـ) المواءمة مع ادارات البنك الأخرى والإختيار المناسب للفروع ومواقعها
على الرغم من أن التجربة قد أظهرت عدم بروز مشاكل أو تناقضات بين تقديم العمل المصرفي الإسلامي من خلال نوافذ إسلامية تحت سقف واحد مع العمل المصرفي التقليدي ، إلا أننا لا نستطيع القول بنفس الشىء في حالة تقديم العمل المصرفي الإسلامي من خلال فروع مستقلة وإدارة مستقلة أيضا ضمن مصرف نشأ في الأساس تقليديا. فلقد أظهرت التجربة أن هذا الوضع يصاحبه عادة نوعين من المشاكل نذكرهما فيما يلي :
* مشكلة الحساسية التى تنشأ بين منسوبي البنك بشقية الإسلامي والتقليدي، نظرا لما كانت تعنيه فكرة تحويل بنك تقليدى إلي بنك إسلامي من شعور البعض من منسوبي القطاع المصرف التقليدي بعدم الإطمئنان مقارنة بالإرتياح الي كان يشعر به الآخرون في قطاع الصيرفة الإسلامية. الأمر الذي كان يؤدى أحيانا إلي الشعور بعدم وجود أرضية مشتركة تجمع الجميع في بوتقة واحدة. وعلى الجانب الآخر لم يكن العاملون في قطاع الصيرفة الإسلامية متحررون تماما من القلق الذي كان يساورهم بحكم كونهم الأقل عددا من حيث الأفراد والأقل حجما من حيث نسبة مساهمتهم فى مجمل أعمال البنك.
* أما المشكلة الأخرى فكانت تسويقية ، أساسها الإحتكاك المتكرر بين مسؤولي التسويق في الفروع الإسلامية والتقليدية الذين كانوا غالبا ما يتنافسون على إجتذاب نفس العملاء مع إختلاف الرسالة التسويقية من ناحية ، ومع ربط تقييم آداء الفروع بمدى النجاح فى إجتذاب العملاء وتعبئة الودائع فى كل فرع.(27/21)
فإلى أي مدى نجحت تجربة البنك الأهلي في التغلب على هاتين المشكلتين ؟
لا شك أن هذه الصعوبات كانت من بين الأمور الشائكة في بداية الأمر ، غير أنه من أجل تقليص فرص حدوث مثل هذه المشاكل قامت الإدارة المعنية فى البنك بالكثير من الخطوات والمبادرات لتحقيق هذا الهدف ، نذكر منها :
أ) بالنسبة للموظفين
- بذل الكثير من الجهد للإلتقاء والتحاور مع كل المسؤولين في البنك من أجل بناء جسور الثقة معهم.
- وضع الأسس والمعايير التي يتم على أساسها إعطاء الأولوية للتوظف في إدارة الخدمات المصرفية الإسلامية للراغبين في ذلك من إدارات البنك الأخرى
- وضع الخطط اللازمة لتدريب كل منسوبي البنك على أسس العمل المصرفي الإسلامي.
ب) بالنسبة للأمور التسويقية
- تحديد المناطق الجغرافية التي يتم خدمتها بواسطة كل فرع تحديدا واضحا والإلتزام به من الجميع
- خلق فرص للتكامل بين الفروع في خدمة العملاء بدلا من التنافس عليهم ، مع وضع ميكانيكية محددة للتعامل مع هذا الإحتمال في حالة وقوعه ، وذلك من خلال عقد إجتماعات دورية لمعالجة كل موقف على حده.
- الإختيار المناسب للفروع التى يتم تحويلها أو لمواقع الفروع التى يتم إنشائها بحيث تحقق التوازن بين التغطية السوقية المناسبة مع تقليص إحتمالات نشوء المشاكل التسويقية والإدارية مع فروع اخرى للبنك.
6. مؤشرات نجاح الصيرفة الإسلامية
* تطور حجم السوق(27/22)
نظرا لصعوبة الفصل بين العمل المصرفي الإسلامي الذى نشأ من النوافذ والفروع الإسلامية لمصارف تقليدية وبين ذلك الذى نشا من مصارف إسلامية خالصة ، فإننا سنعرض هنا لتطور الصناعة المصرفية الإسلامية للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية فقط، معتمدين فى ذلك على البيانات التى قام الإتحاد الدولي للبنوك الإسلامية بتجميعها حتى عام 1997م5 ، حيث توقف تجميع هذه البيانات منذ ذلك التاريخ وتم حل هذا الإتحاد وأنشىء مكانه "المجلس العام للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية" فى عام 2001م ، ومقره مملكة البحرين ، وهو المجلس الذى تعكف أجهزته حاليا على إعادة تجميع هذه البيانات من جديد.
لقد شهد سوق العمل المصرفي الإسلامى على مستوى العالم تطورا هائلا عاما بعد عام منذ منتصف السبعينات حتى يومنا هذا ، بغض النظر عن المعيار الذى يتم به قياس هذا التطور. والجدول التالى يشير بإيجاز إلى هذا التطور فى قفزة واحدة من 1993م إلى عام 1997م ، مصحوبة بتقدير لما وصل إليه الوضع فى عام 2001م.
تقدير - 2001م6
1997م
1993م
البيان
250
176
100
عدد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية
12.7
7.3
2.4
رأس المال (بليون دولار)
260
148
54
إجمالى الموجودات (بليون دولار)
200
113
41
أموال تحت الإدارة (بليون دولار)
2.1
1.2
غ.م.
صافى الأرباح
وهو الأمر الذى يشير إلى نمو صناعة الصيرفة الإسلامية بالمعدلات التقريبية التالية خلال الفترتين المذكورتين :
متوسط معدل النمو السنوى
1997- 2001م
1993- 1997م
البيان
8%
15%
عدد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية
15%
41%
رأس المال (بليون دولار)
15%
35%
إجمالى الموجودات (بليون دولار)
15%
35%
أموال تحت الإدارة (بليون دولار)
15%
غ.م.
صافى الأرباح(27/23)
وهذه معدلات تفوق بكثير مثيلاتها للصناعة المصرفية التقليدية على المستويين المحلى والدولى رغم الإنخفاض الملحوظ فى الوعى المصرفى فى معظم الدول الإسلامية التى تصنف غالبيتها ضمن دول العالم الثالث.
7. أهم المعوقات والتحديات التي واجهت الصيرفة الإسلامية
تنقسم المعوقات إلي نوعين ؛ فمنها ما يخص تجربة النوافذ والفروع الاسلامية ومنها ما هو عام يخص المصارف الإسلامية جميعا ، نتناول كل منها بشىء من التفصيل فيما يلى:
أولا : المعوقات التى تخص النوافذ والفروع الاسلامية
تتفاوت هذه المعوقات بحسب الحالة من مصرف الى آخر كما أنها تتفاوت أيضا في درجة أهميتها فيما بين المصارف التى تختار مجرد افتتاح نوافذ اسلامية وتلك التى تختار تحويل فروع تقليدية الى فروع اسلامية خاصة إذا ما كان الهدف هو خدمة قطاع الأفراد الذى يتطلب التوسع فى شبكة هذه الفروع المحوّلة وربما افتتاح فروع اسلامية جديدة. لذلك لعله يكون مفيدا أن نستعرضها جميعا في هذا المقام تسجيلا للتجربة ، وتعميما للمعرفة ، خاصة فيما يتعلق بتحويل الفروع للإستفادة منها فى المصارف الراغبة في اتباع نفس النهج فى تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية مستقبلا. وتتمثل هذه المعوقات في التإلي :
* معوقات إدارية
عدم وضوح الرؤية على مستوى البنك ككل عن خطط الإدارة فيما يتعلق بإقدامها على تقديم الصيرفة الإسلامية ، خاصة فى حالة الرغبة فى التوسع التدريجى فى هذا التوجه مستقبلا. الأمر الذى قد يؤدى الى غياب أو محدودية مشاركة الإدارات الأخرى في صياغة هذا التوجه. الأمر الذى يؤدى بدوره الى بروز السلبيات التالية :
- تواضع القناعات الشخصية عند بعض المسؤولين بسلامة هذا التوجه المزدوج للبنك
- ظهور احتكاكات عملية تمتد ، كما سبقت الاشارة ، لتشمل التنافس غير البناء بين القائمين على ادارة الفروع بشقيها الاسلامي والتقليدي.(27/24)
- ضعف الإستعداد لدى إدارات البنك الأخرى للمساعدة فى تطوير بدائل إسلامية لمنتجاتها.
* معوقات ذات صلة بالموارد البشرية
هذه النوعية من المعوقات تزداد ظهورا فى حالة تحويل الفروع وكلما زادت ضبابية الرؤية نحو الأسباب الحقيقية لتقديم العمل المصرفى الاسلامي فى البنك. فبالاضافة الى محدودية الكوادر البشرية ذات الخبرة في أدوات الخزينة وخدمات الإستثمار والتمويل ، نجد أن هذه الضبابية فى الرؤية قد تؤدى الى حالة من عدم التأكد لدى العاملين فى المصرف وشيوع "الاشاعات" وتدنى الروح المعنوية بينهم. كما تنعكس هذه الرؤية غير الواضحة فى محدودية الموارد المالية التى يتم تخصيصها لتدريب العاملين فى المصرف على طبيعة وأدوات العمل المصرفى الاسلامي ، فتنشأ فجوة بين الأهداف والوسائل مما يضيف الى الشعور بالحيرة وعدم التأكد.
* معوقات ذات صلة بالنظم والسياسات
تشير التجربة الى أن الكثير من المصارف التى رغبت فى تقديم الصيرفة الاسلامية فيها جنبا الى جنب مع الصيرفة التقليدية لا تعطى انتباها كافيا للأمرين التاليين :
- عدم ملائمة النظام المحاسبى المعمول به والقائم على أسس تقليدية مع متطلبات العمل المصرفي الإسلامي
- التباطؤ أحيانا في تلبية إحتياجات التطبيق المصرفي الإسلامي من نظم وإجراءات فنية ، الأمر الذى ينعكس على العمل نفسه فى صورة إطالة وتعقيد في الإجراءات والضعف النسبى لمستوى خدمة العملاء
* معوقات ذات صلة بتطوير المنتجات
لما كانت المرحلة الماضية بمثابة مرحلة "الولادة" الجديدة للعمل المصرفى الاسلامي، فانه كغيره من كل جديد ، عانى من نقص هنا أو هناك. ولقد كانت محدودية المنتجات الاسلامية من الأمور التى كثر الحديث عنها خلال هذه المرحلة الأوّلية، ولعلى أشير هنا الى أن هذا النقص تجلى أكثر ما يكون فى مجال أعمال الخزينة وأدواتها، وهو الأمر الذى أعتقد أنه لا يزال قائما حتى يومنا هذا.
* معوقات ذات صلة بتطوير الأسواق(27/25)
تجلت هذه المعوقات فى الأمور التالية :
- محاولة خدمة جميع القطاعات والشرائح السوقية دون التركيز على قطاعات أو شرائح بعينها ، خاصة فى تلك المصارف التى استهدفت خدمة قطاع الأفراد فى أسواقها
- تحفظ بعض العملاء على التعامل مع بنك يقدم خدمات مزدوجة
- التزايد المستمر لحدة المنافسة خاصة من المصارف الأجنبية الكبيرة
- صعوبة الإعلان والدعاية المباشرة عن المنتجات الإسلامية أحيانا
ثانيا : التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية عامة7
واجه العمل المصرفى الاسلامي خلال المرحلة الماضية العديد من التحديات الصعبة التي كان لابد له من مواجهتها والتغلب عليها لتبقى على مصداقيتها وإستمرار ربحيتها ونموها ، وهى التحديات التي نورد أهمها فيما يلى :
* غياب النظم الرقابية المناسبة لطبيعة النشاط المصرفي الإسلامي
عدم وضوح أو ربما عدم وجود علاقة بين المصارف الإسلامية أو الممارسة للعمل المصرفى الاسلامي والمصارف المركزية المنظمة للصناعة المصرفية والمراقبة عليها. ففيما عدا حالات قليلة نجد أن المصارف المركزية لديها نظام واحد للتعامل مع المصارف العاملة في دولها ، دون تفرقة بين العمل المصرفي الاسلامي والعمل المصرفي التقليدي ، الأمر الذى يرجع في حقيقته إلي أن بعض هذه الدول لا تسمح نظاما بالترخيص للبنوك فيها بتسمية نفسها بنوكا إسلامية. كما لا توفر لها الأدوات المقبولة إسلاميا للإستفادة من التسهيلات المصرفية التي تتيحها عادة للبنوك التقليدية ، وهو الأمر الذى يضع المصارف الإسلامية في وضع لا يسمح لها بالتنافس على قدم المساواة مع المصارف التقليدية.
* ضعف وندرة الموارد البشرية(27/26)
أن توفر العنصر البشرى المناسب يمثل أحد أهم أسباب النجاح لأى منشأة أو مؤسسة خاصة مع التقدم التقنى الكبير القائم حاليا والقادم مستقبلا ، والمصارف الإسلامية ليست إستثناءً من ذلك ، فنجاحها في رسالتها سوف يتوقف كثيرا على مدى نجاحها في إستقطاب الكوادر المؤهلة والمدربة للعمل فيها ليس فقط من الناحية الفنية للعمل ولكن أيضا من حيث صدق القناعة لديها بالعمل المصرفي الإسلامي. صحيح أن المصارف الإسلامية لا تدخر جهدا في تحقيق ذلك ولكن الواقع يشير إلي النقص النسبى في المعروض منها مقارنة بالطلب عليها.
* إختلاف معايير تطبيق المنتجات الاسلامية
في الوقت الذي تم فيه الى حد كبير معالجة مشكلة محدودية المنتجات الإسلامية من خلال تطوير العديد من منتجات التمويل والاستثمار الاسلاميين فانه لا تزال تواجه المصارف الممارسة للعمل المصرفى الاسلامي صعوبة أخرى لا تقل أهمية ، ألا وهى مشكلة تعدد طرق وقواعد تطبيقها فى الواقع العملي. فمع تعدد المصارف الإسلامية وإستخدامها لعدد من صيغ التمويل الإسلامية ، فإنها لم تتمكن حتي الآن من توحيد قواعد تطبيقها ، فنجد بنوكا مختلفة تقدم نفس صيغة التمويل ولكن بطرق مختلفة. الأمر الذى قد يؤدى إلي كثير من البلبلة والشك في أذهان المتعاملين مع المصارف الإسلامية من حيث سلامة التطبيق ومصداقيته. ولعل هذا الإختلاف يرجع فى المقام الأول إلى الأسباب التالية :
1. إختلاف هيئات الرقابة الشرعية فى المصارف الإسلامية وما قد يصاحبه من تفسيرات مختلفة لبعض الأحكام الشرعية الفرعية تبعا للإختلاف القائم بخصوصها بين المدارس الفقهية الأربعة الرئيسية.
2. حقيقة أن فتاوى هيئات الرقابة الشرعية تنبنى أساسا على كيفية وكفاية المعلومات المقدمة لها بخصوص المنتج موضوع الفتوى. وتزداد أهمية هذه الحقيقة عندما يتعلق الأمر بالمصارف التقليدية خاصة فى الدول غير الإسلامية(27/27)
وذلك فى الوقت الذى تفرض فيه متطلبات السوق ضرورة قيام المصارف الإسلامية بتطوير البدائل الشرعية للمنتجات المصرفية التقليدية ، وإجتهادها المستمر فى هذا الخصوص تلبية لحاجة العملاء ومواجهة لمتطلبات المنافسة التى تزداد حدتها يوما بعد يوم. وخير مثال على ذلك قيام بعض المصارف الإسلامية بتقديم منتج "التورق" بغرض توفير السيولة النقدية للعملاء كبديل للقروض الشخصية التقليدية. وهو المنتج الذى لم يلق القبول من الجميع ولم يستقر بعد ليس بسبب عدم مشروعيته ولكن بسبب عدم الإتفاق على كيفية تطبيقه. والمثال الآخر على إختلاف التطبيق هو تقديم بطاقة الإئتمان الإسلامية. ومما يضيف إلى أهمية هذا الموضوع ان هذين المنتجين "التورق" و "بطاقة الإئتمان الإسلامية" يعتبران من المنتجات المصرفية الحيوية لنجاح المصارف الإسلامية فى خدمة قطاع الأفراد تحديدا ، وهو القطاع الذى أصبح الأكثر أهمية للمصارف التجارية عامة. الأمر الذى يتطلب معالجة سريعة من قبل الهيئات المركزية والمنظمة للعمل المصرفى الإسلامى بما يحقق التوازن بين الإلتزام التام بالأحكام الشرعية والحاجة الماسة لتطوير العمل المصرفى الإسلامى وإستمراريته.
* ضعف إلمام المراجعين الشرعيين بالمنتجات المصرفية التقليدية(27/28)
بينما يكون للنصح الشرعي الذى توفره هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية دورا حيويا لضمان سلامة التطبيق ، إلا أن ذلك يجب ألا ينفي أن المعرفة الجيدة لأعضاء هذه الهيئات الشرعية بدقائق الأدوات والأسواق المالية الحديثة لا يقل أهمية عن معرفتهم بالجوانب الفقهية للتعامل خاصة في ظل التداخل والتشابك الكبير بين أسواق المال الدولية ، ومن هنا تأتى أهمية مدى كفاية وكفاءة الرقابة والمراجعة الشرعية في معرفة كل الأبعاد ذات الصلة بالعمل المصرفي الإسلامي وليس الجانب الفقهى منها فقط. وهو الأمر الذى قد يصعب توفره في معظم الحالات في الوقت الحاضر نظرا للحداثة النسبية للعمل المصرفي الإسلامي في طوره المعاصر. إن مثل هذا القصور سيترك ظلاله على مسيرة وسلامة العمل المصرفي الإسلامي بصفة عامة.
* ضعف أو عدم وجود أسواق مال متطورة
أن عدم وجود أسواق مال متطورة في الكثير من الدول الإسلامية يمثل عائقا كبيرا أمام المصارف الإسلامية لإستثمار اموالها في إستثمارات طويلة الأجل تساعد في التنمية الإقتصادية والإجتماعية في هذه الدول. فالإستثمارات الطويلة الأجل يمكن أن تسبب مشكلة سيولة لهذه المصارف إذا لم تتمكن من تحويلها إلي أوراق مالية يمكن تسييلها عند الحاجه. ومن ثم فإن عدم وجود أسواق مالية متطورة في الكثير من الدول الإسلامية يشكل بحد ذاته تحديا كبيرا أمام المصارف الإسلامية. أن تطوير مثل هذه الأسواق يعتبر شرطا ضروريا لقيام المصارف الإسلامية بدورها في تجميع مدخرات المسلمين وإستثمارها في المشاريع المتوسطة والطويلة الأجل التي تحتاجها عملية التنمية الإقتصادية في الدول الإسلامية.(27/29)
لا شك أن الجهود التى بذلت من أجل تأسيس مركز إدارة السيولة ، والشروع فى تنظيم وإنشاء السوق المالية الإسلامية وهيئة التصنيف للبنوك الإسلامية والتى مقرها جميعا مملكة البحرين كما سبقت الإشارة ، سيكون لها إنشاء الله الأثر المحمود فى التغلب على هذه الصعوبة والمساهمة الفعالة فى تطوير مجمل العمل المصرفى الإسلامى.
* التخوف من عدم توفر الشفافية
لما كان مبدأ المشاركة في الربح هو الأساس في صناعة الصيرفة الإسلامية ، فإن ذلك يستتبع بالضرورة أن يقوم التعامل بين كل الأطراف المشاركة في المشروع على أسس واضحة للإفصاح والشفافية عن النتائج المالية لهذا المشروع محل المشاركة. فقد يكون هناك نوع من التخوف أن يلجأ "المضارب" مثلا في عقد المضاربة الإسلامية بممارسة نوع من الأنشطة غير المقبولة من صاحب رأس المال "رب المال". أو أن يقوم "المضارب" بعدم الإفصاح السليم عن حجم الأرباح التي يحققها المشروع وهو السلوك الذى سيؤدى بالضرورة إلي تخفيض ربحية البنك الإسلامي "رب المال" وإلي إضعاف الثقة في النظام ككل.
وإدراكا لأهمية هذه المشكلة ، عندما يتعلق الأمر بالمصرف كمضارب ، تم تأسيس هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية AAOIFI فى مملكة البحرين بغرض وضع المعايير المحاسبية اللازمة لضمان سلامة ممارسة العمل المصرفى الإسلامى وشفافيته مقارنة بمثيلاتها فى "إتفاقية بازل" للبنوك التقليدية. ولحسن الطالع أخذت مؤسسة نقد البحرين وعدد من المصارف الممارسة للصيرفة الإسلامية فى الدول الأخرى بتطبيق هذه المعايير.
* البطء فى توحيد المعايير المحاسبية(27/30)
إن تطوير نظام محاسبى مناسب للعمل المصرفي الإسلامي تتفق عليه المصارف الإسلامية يعتبر أمرا هاما من الناحية العملية لضمان سلامة كل من نظم الرقابة الداخلية (داخل البنك) والرقابة الخارجية (المصارف المركزية). وعلى الرغم من قيام بنك التنمية الإسلامي بالمشاركة مع عدد من المؤسسات المهنية والمؤسسات المالية الإسلامية بإنشاء "هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية" التي مقرها البحرين ، وعلى الرغم من قيام مؤسسة النقد في دولة البحرين بتطوير نظام محاسبى خاص بالمصارف الإسلامية فيها ، فإنه يبدو أنه لا يوجد حتي الان إستعداد كاف من المصارف الإسلامية لتبنى مثل هذا النظام الموحد والعمل بمقتضاه.
* صغر حجم المصارف الإسلامية
لا شك ان صغر حجم المصارف والوحدات الممارسة للعمل المصرفى الإسلامى يعتبر من المعوقات الرئيسية لنموها والحد من كفاءتها التشغيلية. فمن المعروف فى الأدبيات المصرفية أن هناك حدا ادنى لحجم المصرف يتم بعده جنى ثمار ما أصطلح على تسميته إقتصاديا بـ "وفورات الحجم". وهى الوفورات التى تحدث آثارها الإيجابية على كفاءة التشغيل وبالتالى على مستوى ربحية المصرف ، ومن ثم على قدرته على توفير الإستثمارات اللازمة لتنمية موارده البشرية وتقنياته المصرفية. وهما العنصران اللذان لا غنى عنهما للمصارف الإسلامية لمواجهة المنافسة القادمة لا محالة من البنوك الأجنبية فى ظل ما أصبح يعرف بنظام العولمة الجديد.
الأمر الذى يفرض على المصارف الإسلامية الإسراع بالدخول فى إندماجات مدروسة تعالج بها مشكلة صغر أحجامها وتحسين كفاءاتها التشغيلية والتسويقية عامة. كما أننا نرى أن يكون للجهات الرقابية (البنوك المركزية وما شابهها) دور فى تشجيع وتحفيز المصارف الإسلامية للأخذ بهذا التوجه الذى أصبح ضروريا وملحاً.
8. خلاصة(27/31)
لكل تجربة مهما كان نوعها جوانبها الإيجابية كما أن لها سلبياتها ، وليست تجربة ممارسة البنوك التقليدية للعمل المصرفي الإسلامي إستثناءً من ذلك. وفيما يلي نورد أهم إيجابيات وسلبيات هذه الممارسة :
أولا : العناصر الإيجابية
- أظهرت التجربة نجاحاً طيباً في تحقيق أهدافها من حيث نمو عدد المصارف التقليدية التى أقدمت على ممارسة العمل المصرفى الاسلامي على المستويين الاقليمي والدولي وسواءا من خلال نوافذ أو فروع اسلامية متخصصة.
- تشير تجربة تحويل الفروع التي تميًز بها البنك الأهلى التجارى السعودى بأنه على الرغم من أن عدداً من الفروع التي تم تحويلها كان يقع في مناطق نائية وكانت تحقق خسائر مالية قبل التحويل ، فإنه بحمد الله تم تحويلها جميعاً من فروع خاسرة إلي فروع مربحة وذلك على الرغم من صِغَر حجمها وحجم نشاطها في هذه المناطق النائية. وفى رأينا يرجع ذلك إلى رغبة العملاء فى هذه المواقع للتعامل مع فروع إسلامية ، إضافة إلى حسن الإدارة وجودة الخدمة.
- كان للتجربة دور كبير في توسيع رقعة العمل المصرفي الإسلامي من خلال تحفيز المصارف التقليدية المنافسة إلي تقديم الخدمة ، ومن خلال تنمية التعاون مع المصارف والمؤسسات المالية الدولية التي سعت من جانبها إلي تطوير منتجات إسلامية جديدة. كما كان لهذه التجربة إضافة لايمكن إغفالها في تنمية الوعى والمعرفة بالخدمات المصرفية الإسلامية على المستوى الدولى إلي جانب ماتقوم به المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية الأخرى.
- أظهرت التجربة ان هناك شرائح عريضة من فئات المجتمع المختلفة ترغب بل وتبحث عن البديل الإسلامي للعمل المصرفي التقليدي ، الأمر الذي اثبتته الدراسات الميدانية من ناحية ونمو أعداد عملاء الفروع الإسلامية وودائعهم من ناحية أخرى ، واقبال الكثير من المصارف التقليدية فى المنطقة العربية على الاسراع بتقديم الصيرفة الاسلامية لعملائها بغرض المحافظة عليهم.(27/32)
- تشير البيانات الى أن صناديق الاستثمار الاسلامية آخذة فى التزايد عددا وقيمة. بل أصبحت هذه الصناديق تمثل حوالى ثلثى اجمالى الصناديق على مستوى المملكة العربية السعودية على سبيل المثال.
- أظهرت التجربة أيضا حقيقة التحدى القائم أمام المصارف الإسلامية لتطوير منتجاتها وتقنياتها ومواردها البشرية ، وأساليب التنسيق بينها ، والشروع فى تكبير أحجامها من خلال الدخول فى إندماجات مدروسة أو الدخول فى شراكات إستراتيجية تستفيد منها فى مواجهة ظروف تنافسية يتوقع لها أن تكون حادة وحامية.
ثانياً :…عناصر سلبية او تحديات
- الشكوك التى ربما لا تزال تساور بعض العملاء في مدى مصداقية العمل المصرفي الإسلامي من خلال فروع إسلامية لبنك تقليدي.
- قد يرى البعض أن في تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية من خلال بنك تقليدى تشويه للعمل المصرفي الإسلامي ، أو أنه يمثل تهديدا للبنوك الإسلامية ، أو أن فيه إعاقة لإقامة بنوك إسلامية متخصصة. فهم يرونه "أداة لركوب الموجه" ، ويفترضون أن التوجه ليس بدافع إيمانى.
9. خاتمة:(27/33)
على الرغم من أن البعض ينظر إلى الصيرفة الإسلامية بإعتبارها ظاهرة حديثة نشأت خلال الثلاثون عاما الماضية ، إلا أن نشأة العمل المصرفى الإسلامى تعود فى الواقع إلى الأيام الأولى للدولة الإسلامية. ولعل مما ساعد على إحياء الصيرفة الإسلامية المعاصرة توافر الظروف الإقتصادية المناسبة التى صاحبت فترة الطفرة النفطية فى السبعينيات من القرن الماضى وما رافقها من صحوة إسلامية إنتشرت فى الدول الإسلامية عامة وفى المنطقة العربية خاصة. فبينما ساعدت الطفرة النفطية على تراكم الثروات تطلبت الصحوة الإسلامية ضرورة العودة إلى النظام المصرفى الإسلامى. الأمر الذى أدى إلى ظهور أسواق واسعة وعملاء أثرياء يريدون النأى بأنفسهم عن التعامل المصرفى الربوى ، بما ترتب عليه من "فتح شهية" المصارف التقليدية للسعى الحثيث نحو جذب هذه الأموال المتاحة وغير المكلفة. فأقدمت الكثير من البنوك التقليدية على المستويين المحلى والدولى على الولوج إلى عالم الصيرفة الإسلامية من خلال مداخل تعددت أشكالها واهدافها. فمنها من بدات يتقديم خدمات الصناديق الإستثمارية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية ومنها من قام بتوفير منتجات مصرفية إسلامية بيعت جنبا إلى جنب مع المنتجات التقليدية ، ومنها من فتح نوافذ إسلامية ، ومنها من فتح فروع و/أو إدارات متخصصة فى العمل المصرفى الإسلامى ، ومنها من رغبت فى التحول التدريجى إلى الصيرفة الإسلامية ، ومنها من رغبت فى التحول مرة واحدة. كما أن منها من تخصص فى تقديم الخدمات الإستثمارية واخرى تخصصت فى خدمات التمويل الإسلامى ، وفئة إستهدفت قطاع الشركات وأخرى إستهدفت قطاع الأفراد .. وهلم جرا. ومن هنا تعددت المداخل والطرائق التى سلكتها البنوك التقليدية فى سعيها للدخول إلى عالم الصيرفة الإسلامية.(27/34)
ويرى الباحث هنا أنه على الرغم من تعدد المداخل فإن الهدف يبقى واحدا ، ألا وهو رغبة هذه البنوك التقليدية فى تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية للراغبين فيها. الأمر الذى نراه قد ساعد بصورة إيجابية على زيادة الوعى بالعمل المصرفى الإسلامى وإنتشاره ونموه بمعدلات تفوق مثيلاتها للعمل المصرفى التقليدي. ساعد على ذلك ان من بين البنوك التقليدية التى حرصت على الدخول إلى عالم الصيرفة الإسلامية بنوكا ومؤسسات مالية تعتبر هى الأكبر على المستوى العالمى. وفى رأينا أن إيجابيات هذا التوجه لا تقتصر فقط على زيادة الوعى والإنتشار وإنما إمتد أيضا ليشمل جوانب التطوير والإبتكار ، مما ساعد على تحول مصارف تقليدية إلى مصارف إسلامية و/أو إنشاء مصارف إسلامية إبتداءاً. وهذا لا يعنى البته أن تقوم البنوك بتقديم خدماتها الإسلامية كيفما كان او دون شروط وضوابط معينة. فالعمل المصرفى الاسلامى (باعتباره عملا عقائديا بالدرجة الأولي) يتطلب بالضرورة التمسك الواضح بتوفر مجموعة من الضوابط الشرعية أولا ثم مجموعة اخرى من الضوابط العملية التى تحقق له النجاح والإستمرار. وتتمثل هذه الشروط والضوابط فى ضرورة الإلتزام الكامل والتام بالتطبيق الشرعي لكل المعاملات والعمليات المصرفية التي تتم من خلال المصرف ، مع ضرورة تشكيل هيئة للرقابة الشرعية من علماء الشريعة تشرف على هذه العمليات وتراقب تنفيذها وتقر مسبقا ما يتم تطويره من منتجات جديدة. ومن الناحية العملية يتطلب الأمر فى رأينا التدرج في التطبيق وسلامة التخطيط له خاصة بالنسبة للبنوك الساعية للتحول كلية إلى العمل المصرفى الإسلامى. ثم بعد ذلك اعطاء الأهمية المناسبة للإعداد السليم للعناصر البشرية المنوط بها هذا العمل ، والفصل المالي والمحاسبى والإدارى لكل ما يخص العمل المصرفى الاسلامى عن غيره من أعمال البنك الأخرى ، مع انتهاج منهج علمى فى التنفيذ من حيث إعداد الدراسات والتحليلات(27/35)
اللازمة عن حجم السوق وشرائحه وإحتياجاتهم من المنتجات المصرفية الإسلامية ، ثم التعامل مع الضوابط الفنية المتعلقة بتطوير النظم والسياسات والإجراءات اللازمة للعمل وإنضباطه وتوافقه مع الأحكام الشرعية.
وفى هذا الصدد يرى الباحث أن غالبية البنوك التى سعت إلى ممارسة الصيرفة الإسلامية قد حافظت على تطبيق هذه الشروط والضوابط ، الأمر الذى يدفعنا إلى الإعتقاد بأن تجربة ممارسة المصارف التقليدية للعمل المصرفى الاسلامي من خلال نوافذ أو فروع اسلامية تعتبر تجربة ناجحة. فلقد أثمرت هذه التجربة نتائج ايجابية ملموسة تمثلت فى نمو العمل المصرفى الاسلامى ، وفى التزايد المستمر لعدد المصارف الممارسة لهذا العمل وانتشارها فى كل أنحاء العالم ، وذلك على الرغم من الصعوبات والمعوقات التي صادفت بعض هذه المصارف فى ممارسة العمل المصرفى الإسلامى من خلال بيئة مصرفية تقليدية.
وبالله التوفيق ،،،،
الحواشي والتعليقات
1 …Islamic Finance - A Partnership for Growth, Euro Money Book,1977
2 …Strengthening Islamic Banking in Pakistan : Looking Ahead, an article on the Internet (IBF Netversity)
3- د. سعيد بن سعد المرطان :" الفروع والنوافذ الإسلامية فى المصارف التقليدية" ، ندوة حول التطبيقات الإقتصادية الإسلامية المعاصرة ، الدار البيضاء ، مايو 1989م
4- د. سعيد بن سعد المرطان : "ضوابط تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية فى البنوك التقليدية : تجربة البنك الأهلى التجارى السعودى" ، ندوة من إعداد اللجنة الإستشارية العليا للعمل على إستكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ، اللجنة الإقتصادية ، دولة الكويت ، مايو 1999م
5- دليل المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية - 1997 ، الإتحاد الدولي للبنوك الإسلامية
6- تقديراتنا مدعومة ببيانات أولية من المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية(27/36)
7- منور إقبال : " التحديات التى تواجه العمل المصرفى الإسلامى" ، ورقة عرضية رقم "2"،
المعهد الإسلامى للبحوث والتدريب ، البنك الإسلامى للتنمية ، الطبعة الأولى 1988م.
قائمة المراجع
1- دليل المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية جدة - الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية ، 1997م.
2- د. سعيد بن سعد المرطان ، ورقة بحثية بعنوان : "الفروع والنوافذ الإسلامية في المصارف التقليدية"، ندوة حول التطبيقات الاقتصادية الإسلامية المعاصرة ، الدار البيضاء، مايو 1998م ، تحت الإعداد للنشر كورقة من الأوراق العلمية التي يصدرها المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب في البنك الإسلامي للتنمية.
3- د. سعيد بن سعد المرطان ، ورقة بحثية بعنوان " ضوابط تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية فى البنوك التقليدية : تجربة البنك الأهلى التجارى السعودى" ، ندوة من إعداد اللجنة الإستشارية العليا للعمل على إسكتمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، اللجنة الإقتصادية ، دولة الكويت ، مايو 1999م.
4- منور إقبال وآخرين ، "التحديات التي تواجه العمل المصرفي الإسلامي"، ورقة عرضية رقم "2" ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، البنك الإسلامي للتنمية ، الطبعة الأولي ، 1998م.
5- Philip Moore, Islamic Finance: A Partnership For Growth. London: Euromoney Publications, 1997.
6- Strengthening Islamic Banking in Pakistan : Looking Ahead, an article on the Internet (IBF Netversity).
??
??
20 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
تقويم المؤسسات التطبيقية للاقتصاد الإسلامي :النوافذ الإسلامية للمصارف التقليدية 19(27/37)
تقويم مسيرة الاقتصاد الإسلامي
]1396- 1422هـ[
]1976- 2003م[
الأستاذ الدكتور/ عبد الرحمن يسري أحمد
جامعة الإسكندرية- مصر
(طبعة تمهيدية)
يستهدف هذا البحث تقويم مسيرة الاقتصاد الإسلامي على مدى فترة زمنية تمتد ما بين عقد المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي في مكة 1396هـ- 1976م والتاريخ الذي حُدد لعقد المؤتمر العالمي للاقتصاد الإسلامي في مكة 1422هـ- 2003م. وفي هذا البحث نميّز للاقتصاد الإسلامي ثلاثة أبعاد هامة:البعد الفكري أو النظري Theoretical، والبعد المؤسسي Institutional، والبعد التطبيقي أو العملي Practical.
وهناك بطبيعة الحال أبعاد أخرى للاقتصاد على رأسها تلك التي ارتبطت بالشريعة وأصوله الفكرية وممارساته التاريخية، وتلك التي ارتبطت بالجوانب الثقافية والسياسية التي صاحبت نشأته وما زالت محيطة به. ولكن مقتضيات البحث تستلزم التركيز على الأبعاد الأكثر أهمية، لذلك استطردنا في هذا البحث من مقدمات مختصرة ومركزة على الأصول الشرعية والفكرية للاقتصاد الإسلامي التي ارتبطت بتاريخه المجيد ثم عن ظروف نشأته في العصر الحديث.وفي تناول البعاد الثلاثة الرئيسة للاقتصاد الإسلامي اخترنا التركيز على أهمها وهو الجانب الفكري أو النظري فهو أساسها وأهم عمدها. فالفكر هو القوة الحقة وسلامته ووضوحه ونموه هو السبيل الوحيد على وضوح وسلامة وتماسك واستدامة المؤسسات الخادمة للاقتصاد الإسلامي بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن ثم بالضرورة سلامة ونجاح التطبيق. ومع وجود القصد باستهداف التركيز في تقويم مسيرة الاقتصاد الإسلامي من الجانب الفكري إلا أننا أشرنا إلى أهم جوانب التجديد في الجانب المؤسسي كما أشرنا إلى البعد التطبيق كلما لزم الأمر من خلال استعراض وتقويم مسيرة الفكر الاقتصادي الإسلامي.
مقدمة في الأصول الشرعية والفكرية للاقتصاد الإسلامي:(28/1)
عُرفت الممارسات الاقتصادية الإسلامية على المستوين الجزئي والكلي منذ العام الهجري الأول. فلقد أقم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم سوقاً للمسلمين في المدينة بعد هجرته إليها مباشرة، ووضع له من الضوابط ما يكفل القضاء على كافة الأشكال والممارسات الاحتكارية والقضاء على الغش والغبن في المعاملات كما يكفل الفرص أمام الجميع مشترين أو بائعين. كما عمل الرسول صلى الله عليه وسلم على تنفيذ أوامر الله عز وجل في تحريم الربا فقضى على المعاملات الربوية بأنواعها وأرسى دعائم المشاركة بين العمل ورأس المال. وجمع الزكاة بنسب معينة من فئات معينة كما ألهمه الله عز وجل بحكمته ووزّعها على الفئات المستحقة كما ذكرت تفصيلاً في القرآن، وتبعاً للأولويات التي استنبطها صلى الله عليه وسلم بالمشورة مع صحبه المقربين أولي الرأي، وحمى أرضاً للحفاظ على منطقة طبيعية خضراء حول المدينة المنورة وكذلك لأغراض مالية ودفاعية، وأقطع أراضي لمن يريد أن يستصلحها وأرسى مبدأ تملك الأرض
الموات بالإحياء. ونظّم استخدام الموارد المائية باعتبارها ملكية عامة وشجّع المسلمين على تعلم صناعات جديدة لم يعرفوها من قبل، ومنها صناعة السلاح وممارستها وإتقانها. ولم يمنع النساء من العمل لأجل الإنتاج والتجارة، وليس ثمة دليل واحد أنه وضع حدوداً على نشاطهن في التجارة أو غيرها على نمو ثرواتهن.(28/2)
ووضع النبي عليه الصلاة والسلام قواعد راسخة لمعاملة الإجراء بالعدل وإنصافهم وعدم التدخل في حرية الأسواق وما يجري فيها من معاملات وأسعار ما دامت في إطار الشريعة الإسلامية الغرّاء. وليس المقصود هنا أن نحصر كل شيء فهناك توجيهات إلهية عمل بها النبي صلى الله عليه وسلم في مجالات الاستهلاك والإنتاج والتوسع في عمارة الأرض وتوزيع المواريث، وهناك سنن أقامها في هذه المجالات نفسها وفي غيرها حتى تقوم المعاملات الاقتصادية ويتم توزيع الدخول والثروات وتنميتها على أساس العدل الذي أراده الله عز وجل لخير أمة أُخرجت للناس وهو الحكيم الخبير.
ومع الممارسات الصحيحة للصحابة والتابعين لهم واجتهادات علماء المسلمين في القرون الأولى للدولة الإسلامية ازدادت القواعد التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم في عصره رسوخاً من حيث المبدأ، بينما اتضح تدريجياً جانب المرونة فيها من خلال التطبيقات في أماكن وأزمنة مختلفة.فجوهر القواعد بقي ثابتاً واختلف شكل التطبيق بما يتفق مع ظروف الدولة الإسلامية التي اتسعت شرقاً إلى الهند والصين وغرباً وشمالاً إلى بلاد المغرب وأسبانيا والبرتغال ومدن أوروبية أخرى في شمال البحر الأبيض المتوسط وجنوباً إلى أواسط وشرق وغرب القارة الأفريقية.
وفي إطار الدولة الإسلامية الكبرى أصبحت الزكاة مؤسسة راسخة من خلال دواوين منظمة أُنشئت لبيت المال تُجمع وتُوزع وفقاً لتعاليم القرآن وتوجيهات السنة المطهرة بأولويات تتفق مع الظروف المختلفة للفئات المستحقة في المجتمعات والأزمنة المختلفة.(28/3)
واتسعت وتعددت موارد الدولة المالية وأُضيف إليها في زمن عمر بن الخطاب تبعاً لاجتهاده خراج الأرض التي فتحها المسلمون عنوة وتُركت في أيدي أصحابها، وقامت الصدقات بدور غير عادي في إنشاء المدارس والمستشفيات والمساكن لإيواء الأرامل واليتامى من خلال نظام الأوقاف. واتسعت الأسواق الداخلية وتطور معها نظام الحسبة بأشكال متعددة لكي تصون قواعد الشريعة في المعاملات ويقضي على الاحتكار ويصون المنافسة الشريفة ومن ثم نمت التجارة الداخلية على أسس شرعية وقواعد أخلاقية إسلامية. كذلك نشطت التجارة الخارجية بين الأقطار الإسلامية داخل الدولة الكبرى وبين الأقطار الإسلامية وغيرها من الأقطار في العالم براً وبحراً.
ومع تطور التجارة الخارجية تطورت نظم تمويلها ولكنها لم تخرج عن إطار المشاركات، وظهرت أساليب جديدة لتسهيل التجارة بين الأقطار مثل الصك والسفتجة، وظلت الحرب معلنة على الربا لا يجرؤ أحد على التعامل به أو الإخفاء أو بحيل خسيسة.
وخلال القرون العديدة الممتدة ما بين عصر الرسالة والراشدين من جهة ونهاية عصر الازدهار الإسلامي أو بداية الركود في القرن الثامن الهجري والخامس عشر الميلادي ظهرت اجتهادات فكرية مميّزة في مجالات المالية العامة للدولة والأسواق والتسعير والنقود، وتقسيم العمل والعمران الاقتصادي والتوزيع عن طريق علماء مميزين أمثال أبي يوسف والغزالي وابن تيمية وابن قيم الجوزية الماوردي وأبي عبيد وأبي
عبد الله الحبشي وابن خلدون والمقريزي.
وبعض هذه الاجتهادات نُشرت بأكثر من لغة،وبعضها لم يُنشر إلا بالعربية في إطار كتب التراث الشاملة التي ضمنت عروضاً متنوعة في مجالات العلوم الشرعية من فقه وحديث وتفسير أو في مجالات علوم الفلسفة والتاريخi. هذه نبذة مختصرة عن الأصول الشرعية والفكرية للاقتصاد الإسلامي.
ظروف نشأة الاقتصاد الإسلامي في العصر الحديث:(28/4)
بالرغم من الأسس الشرعية والفكرية القديمة للاقتصاد في الفكر الإسلامي إلا أن مصطلح الاقتصاد الإسلامي في حد ذاته لم يظهر إلا في أواخر القرن الرابع عشر الهجري أو في النصف الثاني من القرن العشرين. ولا بد من القول أن ظهور المصطلح لم يكن مجرد عثور على اسم لشيء موجوداً بل كان يعني أكثر من هذا على سبيل التأكيد. لقد كان المصطلح مرتبطاً بعدة أمور بالرغبة في إقامة نظام اقتصادي عصري في إطار الشريعة الإسلامية وصياغة نظريات وسياسات اقتصادية تلائم الاحتياجات الواقعية للأقطار الإسلامية وتساعدها على تحقيق التقدم.
لقد ظهرت الرغبة في إقامة نظام اقتصادي عصري يحفظ هوية الأقطار الإسلامية ويحقق مصالحها وقوتها إثر انهيار الدولة العثمانية ( التي اُعتبري آخر حلقات الخلافة في الدولة الإسلامية الكبرى) وظهور النزعات الاستقلالية في الأقطار الإسلامية التي وقعت تحت سيطرة الدول الغربية الاستعمارية. ولم تكن السلطات الاستعمارية تُخفي نزعتها الفكرية المسيحية في التأثير على الثقافة والتعليم وتوجهاتها في إعادة صياغة التشريعات ووضع القوانين التي تتفق مع توجهاتها العلمانية، وذلك على المستويين المدني والتجاري. وكل هذا مما أثار حفيظة الصفوة من المثقفين الوطنيين وجعلهم أكثر رغبة واستعداداً لخوض معركة الاستقلال الفكري للحفاظ على الهوية الإسلامية. وكان من الشائع في خضم هذه المعركة الفكرية أن الاستقلال السياسي ضرورة لتصفية التبعية الفكرية، وأن الاستقلال الاقتصادي في الإطار الإسلامي هو القاعدة الأساسية للاستقلال السياسيii.
ومما قوّى حافز الصفوة من المثقفين والوطنيين الإسلاميين ورغبتهم في تحقيق الهوية الاقتصادية الإسلامية ظهور حركات ومذاهب اقتصادية جديدة مضادة للنظام الرأسمالي مثل الاشتراكية التعاونية والماركسية. فقد كان ثمة اعتقاد شائع بأن الرأسمالية هي سر سيطرة الغرب وأنتها الطريق الوحيد إلى القوة.(28/5)
وفي إطار مناخ التحدي للرأسمالية العالمية تزايدت الدعوة إحياء الشريعة والقيم والنظم الإسلامية بآليات مناسبة حتى تتم مواجهة الرأسمالية وتحدياتها الاستعمارية ويمكن للأقطار الإسلامية التخلص من سيطرة الحركات والأفكار الجديدة التي لا تتفق أيضاً مع الشريعة الإسلامية وتحقق التقدم في المجال الاقتصادي، وقد صار من الجلي ما للقوة الاقتصادية من أهمية عظمى في البناء السياسي والاجتماعي.
وهكذا ظهر الاهتمام بإقامة الاقتصاد الإسلامي فكراً وتطبيقاً منذ أوائل القرن العشرين في غمرة أحداث وتطورات عديدة داخل الأقطار الإسلامية وخارجها.
وفي الفترة التالية للحرب العالمية الثانية نالت الأقطار الإسلامية الواحدة تلو الأخرى استقلالها السياسي من الدول الاستعمارية الغربية وبدأت مسيرتها لتحقيق التنمية الاقتصادية. وفي ذلك الإطار الجديد ظهرت عدة توجهات فكرية وسياسية تستهدف العمل على إقامة أو إعادة تشكيل النظام الاقتصادي والتأثير في السياسات الاقتصادية الكلية. ومن أبرز هذه التوجهات:
1- التوجه إلى إقامة نظام اقتصادي وطني مستقل ينخفض فيه الاعتماد على الخارج، وتُعطى فيه أولوية للسياسات التي تهتم بتلبية احتياجات السكان الأساسية وتعمل على تحقيق التنمية اعتماداً على الموارد الذاتية بصفة أساسية.
2- الحفاظ على النظام الاقتصادي السابق للاستقلال من حيث هويته الرأسمالية، واستمرار اعتماد السياسات التي تؤكد الصلة بالعالم الخارجي وبالدول الاستعمارية السابقة ولكن على أسس جديدة تسعى لتحقيق المصلحة الوطنية.
3- العمل على إقامة نظام اقتصادي ذو نزعة اشتراكية (أو اجتماعية) يتعاظم فيه دور القطاع العام والارتباط مع الكتلة الشرعية على المستوى العالمي بدلاً من الكتلة الغربية الرأسمالية.(28/6)
4- المناداة بإقامة نظام اقتصادي إسلامي يسعى لتحقيق المصالح الاقتصادية في إطار وطني مستقل، والحفاظ على علاقات متوازنة مع العالم الخارجي مع السعي على تحقيق التكامل مع بقية الأقطار الإسلامية.
ولقد لقي التوجه الأول تأييداً عريضاً وكان أكثر التوجهات بروزاً من الناحية الواقعية خلال الخمسينات والستينات خاصة على مستوى الكثير من الأقطار الإسلامية.وبقي التوجه الثاني محدوداً إلا أنه كان قوياً من حيث التأكيد على العلاقات الاقتصادية بالعالم الخارجي. وقد عملت الدول الاستعمارية السابقة من جهتها على دعم هذا التوجه من خلال تنظيمات، مثل الكومنولث البريطانيBritish Commonwealth والكتلة الفرانكفونية (فرنسا)، وذلك لأجل استمرا مصالحه الاقتصادية.
أما التوجه الاشتراكي فقد لقي رواجاً في عدد من الأقطار الإسلامية خلال الستينات والسبعينات والثمانينات، وقد لقي هذا التوجه تأييداً ودعماً من الاتحاد السوفيتي السابق إلى أن انهار هذا في بداية التسعينات وانهارت معه التجربة الاشتراكية على المستوى العالمي.
وبالنسبة للتوجه الإسلامي فقد وجد طريقه إلى الواقع في حالات معدودات وهي باكستان والمملكة العربية السعودية والسودان وإيران، ولكنه ما يزال في طور التجريب إلى الآن. أما في بقية الأقطار الإسلامية فإنه بالرغم من أن التوجه الإسلامي لقي تأييداً شعبياً كبيراً منذ حصولها على الاستقلال السياسي إلا أنه لقي أيضاً تحديات ومعارضات سياسية هائلة من الداخل ومن الخارج على حدٍ سواء. وقد استهدفت المعارضة أحياناً القضاء على التوجه الإسلامي وأحياناً أخرى دمجه أو مزجه من التوجه الوطني الرأسمالي أو مع التوجه الاشتراكي.(28/7)
وخلال نصف قرن مضى الآن على حصول معظم الأقطار الإسلامية على استقلالها السياسي لم تنجح الأنظمة الاقتصادية البديلة للنظام الإسلامي في تحقيق الاستقلال السياسي لهذه الأقطار أو دفع عجلة التنمية فيها على نحو يقلل من الفجوة الاقتصادية بينها وبين الدول المتقدمة. على العكس من ذلك فقد عانى العديد من الأقطار الإسلامية من ازدياد حدّة المشكلات الاقتصادية في شكل عجز مستمر في موازين المدفوعات وارتفاع غير عادي في الدين العام الخارجي وكذلك الدين العام الداخلي واشتداد حدّة التضخم وزيادة حالة الفقراء سواء.
ولقد تسببت هذه التطورات في نقد الأنظمة الاقتصادية القائمة وإثارة التساؤلات عن ملائمتها وجدوى استمرارها، وقد أتاح هذا لأصحاب التوجهات الإسلامية سواء من المفكرين أو من العاملين في المجالات السياسية والاجتماعية أن يطرحوا بقوة قضية الاقتصاد الإسلامي، والذي من خلاله يمكن تقديم علاج شامل ويتلاءم مع البيئة العقدية والاجتماعية لعامة الناس. وفي هذا المناخ لم تنقطع اجتهادات المفكرين الإسلاميين في تحليل مشكلات مجتمعاتهم وعرض أنواع العلاج الملائمة لها في إطار إسلامي. وهكذا تطور الفكر الاقتصادي الإسلامي الحديث وظهرت مساهمات عديدة عن خصائص النظام الاقتصادي الإسلامي،وفي مجالات النقود والربا والبنوك الإسلامية والزكاة والضرائب والتنمية الاقتصادية والتضخم وكيفية تحقيق الاستقرار النقدي، وكذلك في مجال التعاون والتكامل الاقتصادي بين الأقطار الإسلامية.
وبطبيعة الأمر فإن بعض هذه المساهمات يقل من جهة الإتقان العلمي أو القابلية للتطبيق العلمي عن البعض الآخر، ولكنها جميعاً اتجهت إلى محاولة إرساء معالم نظام اقتصادي إسلامي ووضع قواعد لعلم اقتصادي إسلامي حديث. وكان للمؤتمرات والندوات العلمية العالمية في الاقتصاد الإسلامي دور كبير في تنظيم المساهمات الفكرية وتمحيصها.(28/8)
وكان لجامعة الملك عبد العزيز جدة فضل في المبادرة بأول مؤتمر عالمي للاقتصاد الإسلامي أُقيم في مكة المكرمة عام 1976م، كما كان للمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية دور كبير في إقامة وإنجاح معظم الندوات والمؤتمرات التي أُقيمت. ولقد عُقدت هذه المؤتمرات والندوات على نحو شبه مستمر منذ أن عُقد الأول منها في مكة المكرمة، وتم نشر أعمالها أيضاً على مستوى عالمي باللغتين العربية والإنجليزية وأحياناً الفرنسية أو بلغات أخرى.
التجديد في الجوانب المؤسسية للاقتصاد الإسلامي:
لقي الاقتصاد الإسلامي أيضاً دفعة كبيرة في الجانب المؤسسي في الربع قرن الأخير على جبهتين أساسيتين: التعليم والمصرفية. وعلى مستوى التعليم الجامعي الأول والعالي في الأقطار الإسلامية تم إنشاء أقسام علمية أو شعب متخصصة في الاقتصاد الإسلامي في جامعة أم القرى وجامعات أخرى بالمملكة العربية السعودية، وفي جامعة أم درمان الإسلامية وخمس جامعات أخرى بالسودان وفي إيران، وتم إنشاء المعهد العالي للاقتصاد الإسلامي في إسلام أبد بباكستان، وكلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بالجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا والتي تمنح درجات جامعية في الاقتصاد مع إعطاء الأهمية الكبرى لمقررات الاقتصاد الإسلامي. وغير ذلك هناك عدد من الجامعات في العالم الإسلامي تعرض مقررات ودبلومات متخصصة في الاقتصاد الإسلامي ضمن مقرراتها الأكاديمية منها جامعة الإسكندرية بمصر، وجامعة اليرموك في الأردن، وجامعة الأوزاعي في لبنان.
وفي هذا الإطار تخرجت أعداد كبيرة من الشباب الجامعي الذين يحملون فكراً اقتصادياً إسلامياً قابلاً للتطبيق والتطوير، كما تم إنجاز عشرات من الرسائل العلمية في الاقتصاد الإسلامي على مستوى الماجستير والد كتوراة.(28/9)
أما خارج العالم الإسلامي فقد وجد علم الاقتصاد الإسلامي طريقه أيضاً إلى عدد من الجامعات والمعاهد العليا، كما لقي احتراماً من بعض المنظمات الدولية (كصندوق النقد الدولي IMF) وعل سبيل المثال فإن جامعة Loughborough وجامعة Durham في وسط وشمال انجلترا تقدم مقررات متخصصة في الاقتصاد الإسلامي ولدى الأخيرة برنامج على مستوى الماجستير يتيح التخصص في التمويل الإسلامي.. وهناك أيضاً المعهد الدولي للاقتصاد الإسلامي والتأمين بجامعة لندن، والمعهد العالي للفكر الإسلامي في الولايات المتحدة.
وبالرغم من هذه التطورات الهامة فإن دراسة الاقتصاد الإسلامي سواء من خلال أقسام متخصصة أو مقررات أو غير ذلك ما زالت تحتل مكانة نسبية بسيطة جداً أو لا تذكر على مستوى جامعات العالم الإسلامي. فما زال معظم هذه الجامعات أو جميعها في بعض الأقطار الإسلامية لا يعرض سوى المقررات الاقتصادية الوضعية.ويُعزى هذا الوضع إلى ثلاثة أسباب رئيسة: أولها تلقي معظم أساتذة الاقتصاد في جامعات العالم الإسلامي تعليمهم الجامعي في جامعات غربية أو جامعات وطنية تعمل بمناهج علمانية وضعية في إطار الفلسفات الغربيةiii، وثانيها مقاومة كبار المسئولين في الأقطار الإسلامية للاتجاهات التعليمية الإسلامية تحت ضغوط من الدول الغربية ومخاوف من هذه الاتجاهات وانعكاساتها السياسية، وثالثها غياب أو ضعف أو عدم اكتمال الإعداد لمقررات الاقتصاد الإسلامي والمادة العلمية المناسبة فيها.وبينما يرجع السببين الأول إلى عوامل خارجية عن نطاق سيطرة الاقتصاديين الإسلاميين فإن المسئولية تقع عليهم فيما يخص السبب الثالث.(28/10)
أما المسئولية المصرفية الإسلامية فقد تنامت من حيث العدد من بنكين اثنين (أحدهما في مصر والثاني في باكستان) في الستينات إلى نحو سبعين في بداية القرن الحادي والعشرين، بالإضافة إلى عدد آخر ليس قليل من البنوك التجارية التي عملت على تنويع نشاطها بفتح نوافذ مصرفية إسلامية أو التي اتخذت خطوات فعلية للتحول إلى العمل المصرفي الإسلامي. وأكدت الأبحاث والدراسات نمو النشاط المصرفي الإسلامي بقوة خلال سبعينات وثمانينات القرن العشرين.
وكان لتميز البنوك الإسلامية بالمعاملات الخالية من الربا أثر كبير في إقبال أصحاب المدخرات الحريصين على دينهم في الاستثمار من خلالها، لكن الحقبة الأخيرة شهدت تراجعاً نسبياً في المصارف الإسلامية لأسباب عديدة منها الهجوم عليها بحجة أن الأساس الذي تقوم عليه وهو ربوية نظام الفائدة غير صحيح (الأمر الذي استند إلى فتاوى دينية رسمية للأسف)، ومنها عدم ملائمة التشريعات المصرفية الوضعية لها وتطبيق لوائح البنوك المركزية بحذافيرها عليها رغم اختلاف نوعية نشاطها الاستثماري عن النشاط الإقراضي للبنوك التجارية.(28/11)
إلا أننا ترى أن من أخطر ما يوجه للمصارف الإسلامية هو عدم قدرتها على تمييز نشاطها المصرفي عن النشاط المصرفي التجاري بشكل واضح. فقد اعتمدت هذه المصارف الإسلامية في توظيف معظم مواردها على صيغة المرابحة للآمر بالشراء والتي لاقت انتقاداً من الفقهاء والاقتصاديين الإسلاميين كما لاقت تشهيراً من غيرهم، ويرجع هذا إلى عدم فهم جوهر التمويل المصرفي الإسلامي من قبل الأجهزة الإدارية والعديد من العاملين في هذه المصارف، كما يرجع أيضاً إلى عدم القدرة على تجديد وسائل التمويل الإسلامية التقليدية أو ابتكار الجديد منها في إطار الشريعة الإسلامية.والمسئولية هنا تقع ولا شك على رجال الاقتصاد الإسلامي وهذا ما سوف يُشار إليه فيما بعد عند استعراض وتقويم أعمال البحث في هذا المجال. وثمة ارتباط لا بد أن يُشار إليه هنا بين نمو المؤسسة المصرفية الإسلامية ونمو المؤسسة التعليمية في مجال الاقتصاد الإسلامي، ذلك لأن نمو الأولى بشكل صحي ومطرد كان يمكن أن يُهيئ فُرصاً متزايدة للعمل بالنسبة للجامعيين المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي.
فلقد كان منظراً في السبعينات أن يستمر توسع المصارف الإسلامية وتوسع الاستثمارات والأعمال الإسلامية الممولة من خلالها فيستمر نمو فرص العمل والوظائف في الإطار الاقتصادي الإسلامي، لذلك فإن ثمة ملاحظة يمكن تسجيلها عن اقتران قلة إقبال الطلاب على التخصص في الاقتصاد الإسلامي (في الجامعات الرائدة في هذا المجال) وقلة فرص العمل الجديدة سواء في المصارف الإسلامية أو في المشروعات الممولة من خلالها. هذه العلاقة يجب بحثها بدقة للتعرف على مدى خطورتها وكيفية معالجتها.
وما زال الجانب المؤسسي في الاقتصاد الإسلامي في حاجة إلى التحديد، فهذا الجانب يمثل العمود الفقري للنظام الاقتصادي الإسلامي، ولا نستطيع أن نفترض قيام هذا النظام دفعة واحدة ولا نتصور أيضاً قيامه دون التنظير للمؤسسات التي يعتمد عليها.(28/12)
وهناك مؤسسات كانت قائمة قبل انتشار الدعوة إلى الاقتصاد الإسلامي المعاصر وما تزال كمؤسسة الزكاة، فكيف يمكن تنمية مؤسسة الزكاة في الإطار الرسمي؟ زمن جهة أخرى كيف يمكن إحياء مؤسسات إسلامية هامة كالوقف أو الحسبة؟ والأمر هنا يحتاج إلى أبحاث مستفيضة لا تكتفي ببيان الجوانب النظرية لهذه المؤسسات وإنما أيضاً بالآليات الضرورية لنجاحها عملياً في القطار الإسلامية المعاصرة.
مجالات الاهتمام واتجاهات الفكر الاقتصادي الإسلامي (عروض وتقديم):
ظلت الأبحاث والمقالات أو المحاضرات في الاقتصاد الإسلامي خلال النصف الأول من القرن العشرين تدور في معظمها حول ضرورة النظام الاقتصادي الإسلامي وربوية نظام الفائدة والحاجلة إلى إقامة بنوك إسلامية حتى يتعامل معها المسلمون وهم مطمئنون من الناحية الشرعية.
وبالرغم من ظهور مناقشات وأراء مضادة دافعت عن أنظمة اقتصادية وضعية، وعملت على إضفاء نوع من الشرعية أو إيجاد مبررات للفوائد المصرفية إلا أن الاتجاه الأول ظل غالباً بين علماء الإسلام ومؤيداً بالرغبة في إنهاء الاعتماد على الأنظمة الاقتصادية الغربية وعلى المصارف الربوية التي ارتبط وجودها بوجود الاستعمار الغربي ونمى نشاطها على مدى الأجل الطويل مع زيادة سيطرة رأس المال الأجنبي وزيادة التبعية الاقتصادية للغرب.(28/13)
وفي الربع الثالث من القرن العشرين بعد حصول معظم الأقطار الإسلامية على استقلالها السياسي لم تظهر في هذه الأقطار أية اتجاهات فكرية جديدة ومستقلة في الميدان الاقتصادي أو غيره سوى تلك التي دافع عنها المفكرون الإسلاميون.فالاتجاه الرأسمالي- أو ما يُسمّى باتجاه السوق الحرّة- كان امتداداً طبيعياً للنظام الذي أسسه الغرب الاستعماري وعمل على توفير الحماية القانونية له خلال فترة طويلة قبل الاستقلال،أما الاتجاه الاشتراكي أو الشيوعي فكان يحمل في طياته محاولة من الكتلة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق للتسلل داخل الأقطار الإسلامية، من خلال قلة من المفكرين وبعض الحزبيين الذين حملوا مبادئ هذه الكتلة ودافعوا عنها.
لقد كان الاتجاه الإسلامي هو وحده الذي يتضمن تجديداً حقيقياً وخروجاً عن الدائرة الفكرية المغلقة وذلك بتحليل أسباب المشكلات وتقديم حلول لها تختلف في جوهرها عن تلك النابعة من الفكر الرأسمالي أو الاشتراكي.
وفي إطار الفكر الاقتصادي الإسلامي كفكر تجديدي يعمل على إحياء الشريعة الإسلامية في مجال الحياة الاقتصادية طرقت موضوعات جديدة بجوار موضوع النظام الاقتصادي والفائدة والبنوك الربوية والبديل الإسلامي لها، وكان من أوائل هذه الموضوعات إحياء النظام المالي الإسلامي وجوهر الزكاة، وموضوع التنمية الاقتصادية والتكامل الاقتصادي بين الأقطار الإسلامية، وفي إطار نمو البحث الاقتصادي الإسلامي نجد أيضاً مساهمات أخرى في مجال التنظير للاستهلاك والإنتاج والتوزيع، وفيما يلي تقويم لهذه الاتجاهات وما تمّ من إنجازات.
1- النظام الاقتصادي:(28/14)
يلقى موضوع النظام الاقتصادي الإسلامي اهتماماً بالغاً من غالبية الروّاد الأوائل، وذلك لحرصهم على بيان وإثبات واختلاف هوية هذا النظام وتميّزه عن الأنظمة الوضعية الرأسمالية أو الاشتراكية أو غيرها. وبينما قررّ البعض أن النظام الاقتصادي الإسلامي يجمع بين مزايا الرأسمالية والاشتراكية بينما أنه لا يتضمن عيوبهما (الطحاوي 1974) فإن آخرين قرروا أنه لا وجه للتشابه بين النظام الاقتصادي الإسلامي وهذه النظم حتى فيما يُقال أنه مزايا لها.فالحرية المكفولة للأفراد في التملك والتعاقد والنشاط في الرأسمالية، حرية غير مهذبة أو مقيّدة بالأخلاق الفاضلة وبمراعاة حقوق الجماعة في المقام الأول كما هو في الإسلام مناع قطان والفنجري)iv. كذلك فإن الدافع الفردي والإبداع الفردي في الإسلام لا يتماثل أبداً مع فلسفة الفردية وإشباع الرغبات الخاصة للنفس في الرأسمالية، أما الفكر الجماعي في الإسلام فمقيد ومحدود بما يحفظ الدوافع الفردية والملكية الفردية والحرية وليس مهنياً كما هو في الاشتراكيات العلمية (فاروق النبهان)v.كذلك فإن الملكية المشتركة أو الجماعية في الإسلام مقيدة بما بينته السنة النبوية وليست شاملة أو مسيطرة كما هو في الاشتراكية.(28/15)
واعتقد البعض من الروّاد الأوائل أن بحث خصائص النظام الاقتصادي الإسلامي وكيفية تحقيقه له أولوية فوق بحث أية أمور تنظيرية في مجال الاقتصاد الإسلامي (باقر الصدر 1980)vi. فالنظرية لن تكون صحيحة إلا إذا أسست على فروض واقعية، وهكذا فإن تكّون النظرية الاقتصادية الإسلامية يأتي في مرحلة لاحقة بعد إرساء النظام الاقتصادي الإسلامي. ولقد لاقت هذه الفكرة استحساناً من البعض وهي في حقيقتها تستند إلى مفهوم الإيجابية Positivism الذي يحتل مكان الصدارة الآن في الفكر الاقتصادي الوضعي. لكن من الضروري التأكيد على أن النظرية يمكن أن تُعبّر عما ينبغي Normative ومن ثم فالاجتهاد فيها لا يقوم بالضرورة على أساس فروض واقعية وإنما فروض مثالية إذا تحققت يتحقق فرضها المفسرvii.
ولقد تطورت الأبحاث في مجال النظام الاقتصادي الإسلامي من مرحلة تميزّت بالتأكيد على تطبيق الشريعة والتمسك بالعقيدة الإسلامية (أبو زهرة والمبارك والمودودي)viii إلى مرحلة أخرى تميزّت بتحليل العلاقة بين القواعد الشرعية والقيم العقدية من جهة والمؤسسات السياسية الاقتصادية الكلية من جهة أخرى، مع عقد مقارنات دقيقة بين النظام الإسلامي والأنظمة الأخرى (شابرا 1970،1979 ويسري 1999،1989، محمد أحمد صقر 1976)ix.
2- الفائدة والربا:(28/16)
تبلورت المناقشات التي أُثيرت في العشرينات وسنوات ما قبل الحرب العالمية الثانية وما بعدها مباشرة تبريراً للفائدة البسيطة بشروط معينة (محمد رضا- الفائدة غير المشروطة بعد السنة الأولى، الرصافي- الفائدة على القروض الإنتاجية، السنهوري- نظرية الضرورة في إطار نظام اقتصادي غير إسلامي)xفي فتح الباب أمام الآخرين من علماء المسلمين لكي يدلوا بدلوهم، وانقسمت المناقشات خلال الستينات والسبعينات وما بعد ذلك إلى قسمين رئيسين أحدهما يقف بشدة أمام أي مبررات للفائدة (عيسى وأبو الأعلى الودودي وغيرهم)xi وقسم ثان يحاول إيجاد مبررات أكث للفائدة المصرفية ليس فقط البسيط منها وإنما أيضاً المركب (عبد المنعم النمر وسيد طنطاوي)xii. وانضم إلى هذا القسم الثاني رجال اقتصاد مسلمون أرادوا أن يثبتوا الموضوع بالمنطق الاقتصادي البحت أن نظام الفائدة ضروري للمصلحة الاقتصادية لعامة المسلمين وأن التخلي عنه سوف يسبب مزيداً من التخلف والمشاكل الاقتصاديةxiii.وكرد فعل لهذا الاتجاه الثاني ظهرت كتابات إسلامية قوية تستند إلى الحجج الشرعية المحرمة للفائدة تحريماً قاطعاً وتبين بالمنطق الاقتصادي خطأ مناقشات الاقتصاديين الذين يدعون أن المصلحة العامة لا تتحقق إلا بها(نجاة الله صديقي وعمر شابرا ويسري والمصطفى ونجفي)xiv.
وأبدت الأبحاث العلمية المحايدة الحديثة عن الفائدة أنها سلاح غير فاعل في توزيع الموارد التمويلية توزيعاً أمثلاً وان ارتفاع سعر الفائدة لا تؤدي بالضرورة إلى التأثير في الادخار الكلي بشكل إيجابي إلا إذا كان ارتفاعاً حقيقياً كبيراً وفي مثل هذه الظروف يكون له أثر معاكس للاستثمار.xv(28/17)
كذلك أثبتت الدراسات أن نظام الإقراض بالفائدة متحيز في توزيع الموارد التمويلية إلى أصحاب الملاءة المالية ويعمل في غير صالح أصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة، ومن ثم يسيء بصفة مستمرة إلى توزيع الدخل القومي. وظهرت مناقشة اقتصادية جديدة مؤيدة للفائدة على أساس أنها تعويض عن معدل التضخم (الفنجري وصفي الدين عوض)xvi، وكان من اليسير دحضها، فمعدل التضخم نادراً ما تساوى عملياً مع سعر الفائدة التجاري، وليس هناك دليل على أنه إذا انخفض إلى الصفر فإن البنوك أو المؤسسات الربوية ستمتنع عن أخذ أو إعطاء فوائد. وقد شجّع على خروج هذه المناقشة أمران أ,لهما مشكلة التضخم وعدم القدرة على إيجاد حل سريع لها وما نشأ عنها من تدهور مستمر في القيمة الحقيقية للعملة، وثانيهما رفض العديد من الفقهاء من خارج المذهب الحنفي طرح رأي أبو يوسف رضي الله عنه عن التعويض في حالة الغلاء للبحث والمناقشة، ولو حدث هذا لأمكن الاستفادة منه وتطويره أو رفضه رفضاً قاطعاً وإغلاق الباب أمام قضية التعويض أو قبوله بشروط.شيء من هذا لم يحدث، مما فتح الباب لأراء غير ناضجة.
وبالرغم من وضوح تطابق الفائدة داخل عديد من الأقطار الإسلامية سواء من فبل الحافة أو المدافعين عن البنوك الربوية أو بعض رجال الدين الذين تقلدوا مناصب رسمية رفيعة الخ... لذلك استمرت المقالات تتجدد في نفس الموضوع من قبل رجال الاقتصاد الإسلامي ومن مخالفيهم. وفي رأينا أن معالجة هذه الحلقة المفرغة تتأتى من خلال ثلاثة أمور:
- أولها: التأكيد على صحة الدراسات الاقتصادية الإسلامية المتعمقة التي تثبت بالحجة النظرية والأدلة الفقهية تطابق الفائدة مع الربا، وعدم جدوى نظامها لتنمية الإنتاج وللتوزيع الأمثل للموارد الاقتصادية والدخول والثروات وذلك بإعادة نشر هذه الدراسات.
- ثانيها:التأكيد على صحة هذه الدراسات بأبحاث جديدة تطبيقية تستند إلى إحصائيات وبيانات واقعية.(28/18)
- ثالثها: القيام بأبحاث للتأكيد على أن وسائل التمويل الإسلامية، وهي البدائل الشرعية لما حرّم الله، يمكن تطويرها وزيادة فاعليتها وانه يمكن الاعتماد عليها لإعادة توزيع الموارد الاقتصادية والدخول والثروات في المجتمع على نحو أفضل تجاه التنمية الاقتصادية ورفاه الأمة الإسلامية.
3- النقود والاستقرار النقدي:
لقي موضوع النقود اهتماماً كبيراً منذ البداية وذلك مع بحث موضوع الفائدة والربا، لكنه نال أيضاً عناية تحليلية خاصة ظهرت في أول مؤتمر عُقد للاقتصاد الإسلامي بمكة 1396هـ (محمود أبو السعود ومعبد الجارحي)xvii، فتطرق محمود أبو السعود من خلال بحث له عن النقود والفائدة والقراض إلى طبيعة ووظائف النقود متعرضاً لآراء اقتصادية وضعية معاصرة ومعقباً من منظور إسلامي. كما تعرض معبد الجارحي إلى قضية النقود الائتمانية وتوليدها والكفاءة النسبية لنظام نقدي خال من الربا.
وتوالت الأعمال بعد ذلك وكان من أبرزها مساهم عمر شابرا، نحو نظام نقدي عادلxviii، كذلك تم بحث موضوع الاستقرار النقدي من خلال التعرض لمشكلة التضخم والتي كانت شديدة الحدة في معظم الأقطار الإسلامية خلال السبعينات والثمانينات، وذلك من خلال عدة ندوات ومؤتمرات في الثمانينات والتسعينات (أبرز الأبحاث والباحثين). وكان الوجه الآخر لمشكلة التضخم متمثلاً في الانخفاض الحقيقي في قيمة العملة النقدية أو قوتها الشرائية، ومن ثم وفي إطار البحث عن علاج إسلامي للتضخم نُوقشت أيضاً مسألة استقرار القوة الشرائية أو القيمة الحقيقية للعملة وطُرحت قضية الربط القياسي للحقوق والالتزامات الآجلة Indexation.(28/19)
وظهر أكثر من فرض مفسر لظاهرة التضخم ومن ثم أكثر من سياسة مقترحة لكيفية علاجه. أول هذه الفروض أن التضخم أو عدم الاستقرار النقدي في الأقطار الإسلامية إنما هو نتيجة طبيعية لعدم وجود نظام نقدي إسلامي.فالفائدة في حد ذاتها تعتبر تكلفة يتحملها المنتجون مع تكاليف الإنتاج الأخرى ويتحملها المستهلكون في شكل أسعار أعلى. ويظهر هذا الأثر بشكل واضح حينما ترتفع أسعار الفائدة مع معدلات التضخم بشكل مستمر، ومن ثم يصبح التضخم ذاتي التغذية (تضخم مدفوع بارتفاع نفقة الإنتاج متمثلة في الفوائد). بالإضافة إلى هذا فإن البنوك الربوية تعمل على توليد نقود ائتمانية في أوقات الرواج بما يؤدي إلى زيادة العرض الكلي للنقود بمعدلات تفوق زيادة العرض الكلي الحقيقي (الناتج القومي الحقيقي)، فيرتفع معدل التضخم تبعاً لذلك.ولقد استفاد أصحاب هذا الرأي من نظريات وضعية سابقة (هايك)xix.
أما الفرض الثاني فهو أن العوامل السابقة تتسبب في التضخم حقيقة ولكنها ليست الوحيدة، فبفرض التخلص من نظام الفائدة سوف تظل هناك قوى اقتصادية أخرى داخلية تتسبب في التضخم، بعضها هيكلي مثل الاحتكار وعدم مرونة الجهاز الإنتاجي على المستوى الكلي، وبعضها نقدي مثل عدم قدرة السلطات النقدية على إدارة العرض الكلي للنقود بما يتناسب مع احتياجات النشاط الاقتصادي الجاري.(28/20)
وقد استند أصحاب هذا الرأي إلى تجارب ونظريات نقدية معاصرة وكذلك تجارب قديمة سجلها علماء المسلمين عن ظاهرة الغلاء الفاحش في ظل ظروف كان الربا فيها محرماً على المستوى الكلي على سبيل التأكيد (المقريزي مثلاً)xx.ومن بين هذه الفروض المفسرة للتضخم في الأقطار الإسلامية حالة العجز المستمر في موازين المدفوعات والمديونية الخارجية، والتي تتسبب في انهيار قيمة العملة الوطنية وارتفاع أسعار الواردات بشكل مستمر، وهذا ما يُعرف بالتضخم المستورد والذي يُعزى في حالة القطار الإسلامية إلى اختلال هياكل الإنتاج وعدم القدرة على تنمية الصادرات من خلال تنمية اقتصادية شاملةxxi.
لقد ظهرت مساهمات علمية قيّمة في مجال تفسير الظاهرة التضخمية، ولكن المتابعة العلمية ظلت ضعيفة، فلقد كان من المفروض أن يستطرد العمل على دعم الفروض المفسرة السابقة ومحاولة اختبارها، ولا شك أن بإمكان الاقتصاديين الإسلاميين الاستفادة من الأبحاث الاقتصادية الوضعية لدعم الفروض المفسّرة السابقة. فهناك شبه اتفاق على صحة الفرضين الثاني والثالث، كما أن هناك أبحاث وضعية تدين الفائدة كسبب للتضخم وخاصة من خلال آلية التوسع في الائتمان الذي تقوم به البنوك الربوية. ولكن من جهة أخرى فإن هناك قصور في بحث السياسات العلاجية الضرورية للتضخم في إطار إسلامي، وهذا ما يقع عبئه عللا رجال الاقتصاد الإسلامي. ويتضح هذا القصور بشكل بيّن لأصحاب الفرضية الأولى (الفائدة والبنوك الربوية هي السبب الرئيس للتضخم) والذين يؤجلون علاج المشكلة إلى حين قيام نظام اقتصادي إسلامي،علماً بأن هذا كما ذكرنا سيمنع فقط أحد الأسباب الرئيسة للتضخم.(28/21)
والتصور الثاني يأتي من أصحاب التفسيرات الأخرى الذين عليهم أن يقوموا بتحليل العلاقة بين المظاهر المختلفة للاختلال الهيكلي الداخلي والخارجي والتضخم ويقدموا مقترحات محددة حول كيفية المعالجة الهيكلية طويلة الأجل للظاهرة التضخمية. وهناك اقتراب من هذا المعنى في مساهمات شبرا على وجه الخصوص ويسري ولكن بشكل مختصر. وتعرض الوجه الآخر للتضخم الخاص بظاهرة تدهور القوة الشرائية أو القيمة الحقيقية للعملة وكيفية علاجها لمناقشات وجدل كبير بين الاقتصاديين الإسلاميين على نحو لم يتعرض له موضوع آخر.فمن بين مؤكد أن هذه المشكلة ستنتهي تلقائياً بتطبيق نظام نقدي في إطار اقتصادي إسلامي، ومن بين قائل أنها مشكلة خطيرة خاصة حينما تستمر على مدى الأجل الطويل ولكنها تستلزم علاجاً نقدياً بغض النظر عن العلاج الإسلامي الهيكلي، ومن ثم كان هناك تأكيد على ضرورة الربط القياسي للقيم والحقوق النقدية المؤاجلة، واستند أصحاب هذا القول أساساً على مبدأ التعويض لأبي يوسف رضي الله عنه مفسرين له على أسس حديثة.ووجه بعض المدافعين عن الربط القياسي هجوماً شديداً إلى الفقهاء المعارضين (علي السالوس مثلاً) لهذا العلاج وساعدهم في ذلك أن فقهاء آخرين خرجوا آراء تدعم وتؤكد شرعية هذا الحل (نزيه حماد ومحيي الدين القرة داغي)xxii.
وثمة فريق آخر اتخذ موقفاً وسطاً من المواقف السابقة فكان مؤيداً للربط القياسي بشروط محددة أو في حالات محددة وخلال فترة انتقالية إلى أن يتم تحقيق استقرار نقدي في إطار نظام اقتصادي إسلامي (يسري والمصري ومنور إقبال ودنيا وموسى آدم)xxiii.(28/22)
لقد بقيت مشكلة التضخم وعلاجها أو علاج آثارها باقية إلى الآن، ومع ذلك انخفضت حدّة المناقشات القائمة حولها كثيراً مع انخفاض معدلات التضخم في معظم الأقطار الإسلامية خلال السنوات الخمس الأخيرة.وهذا الأمر لا يمثل ظاهرة صحية في مجال البحث العلمي، فالمشكلة مازالت كامنة وقد تظهر في فترة أو أخرى قادمة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن رجال الاقتصاد الإسلامي ما يزالون في مرحلة بناء للصرح النظري ومن ثم عليهم أن يبحثوا في المشكلات الاقتصادية التي تواجه مجتمعاتهم وكيفية علاجها سواء في مرحلة انتقالية معاصرة (مازالت بعيدة عن المرحلة الإسلامية) أو في مرحلة إسلامية مثلى، وهذا مما يستدعي ضرورة الاستمرار بجديّة تامة في التحليل واقتراح العلاج للمشكلات سواء زادت حدتها أم خفت، فهذا شأن من يبني للمستقبل في إطار(( ما ينبغي)) هذا الوضع يختلف منهجياً عن وضع رجال الاقتصاد الوضعي الذين يتحركون أساساً لبحث المشكلات الواقعية ولا يعبئون كثيراً بما ينبغي عمله من أجل المستقبل.
4- المصرفية الإسلامية:
ظهرت المساهمات الفكرية في موضوع المصارف الإسلامية ليس فقط مع الهجوم على نظام الفائدة ولكن أيضاً مع الرغبة في إقامة صرح مصرفي إسلامي يسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية للأقطار الإسلامية وتخليصها من أعباء التبعية الاقتصادية للعالم الغربي.(28/23)
ومن أوائل المساهمات تلك التي ظهرت في محاضرات محمد عبد الله المغربي وكتابات عيسى عبده وأبو الأعلى الودودي وأحمد النجارxxiv، والتي عملت على إرساء الملامح العامة لنظام مصرفي لا يتعامل بالفائدة أخذاً أو عطاءً.واستطردت المساهمات بعد ذلك، ولكن في مجال أكثر تحديداً وهو إقامة نموذج لمصرف إسلامي يعتمد في تعبئة موارده التمويلية وفي توظيفها على وسائل قائمة على المشاركة في الربح والخسارة، وذلك في إطار استبعاد الفائدة تماماً (سامي حمود، رفيق المصري، محسن خان، عباس ميراخور، شابرا ،وصديقي، والجارحي وغيرهم)xxv.
واتجهت الأعمال المقدمة إلى بحث كيفية تحديث وتطوير وسائل التمويل الإسلامية التقليدية حتى تلائم الأعمال المصرفية الإسلامية، وفي إطار البحث تم إجازة الشركة المساهمة محدودة المسئولية في إطار عقد المشاركة الإسلامي، وهو الأمر الذي أتاح قيام البنوك الإسلامية في إطار القوانين المعاصرة للشركات، وأجيزت المضاربة المشتركة حتى يتمكن أصحاب الأموال من وضع أموالهم لدى البنك الإسلامي فتجتمع في وعاء واحد فيستخدمها وفقاً لما يراه مناسباً في الأنشطة المختلفة.(28/24)
وكان لهذا التطور أثره المباشر في تجميع موارد تمويلية بمرونة لدى أي بنك إسلامي، وكذلك في تخفيض المخاطرة بالنسبة لكل عميل من العملاء نظراً لأن مخاطر استخدامات الأموال كلها في مختلف الأنشطة ستوزع على مجموع العملاء فلا يتعرض عميل على حدة (أو عدد من العملاء) لمخاطرة استخدام ماله في نشاط معين. وفد ساعد هذا التطور في تعبئة موارد تمويلية متزايدة بشكل مستمر لدى البنوك الإسلامية. كذلك تم تطوير عقد المرابحة من صورته التقليدية إلى ما يسمى بالمرابحة للآمر بالشراء والتي سمحت بإدخال صيغ البيع الآجل في عقد كان في أصله عقد بيع حاضر، وقد حازت هذه الصيغة قبولاً لدى مديري البنوك الإسلامية لسهولة تنفيذها كما أنها لاقت إقبالاً من الأفراد وأصحاب المشروعات الصغيرة الذين لم تتوفر لديهم مصادر أخرى مناسبة للتمويل، وترجع هذه المساهمة الفكرية إلى سامي حمود وكان صاحب خبرة مصرفية مسبقةxxvi. ولم يؤثر عن أي صيغة أخرى للتمويل عن طريق البنوك الإسلامية نجاحاً أكثر مما تحقق عن طريق المرابحة للآمر بالشراء والتي استخدمت في توظيف نحو 80- 90% من الموارد التمويلية التي تجمعت لدى البنوك الإسلامية في جميع الأقطار التي قامت فيها ما عدا السودان، لكن هذه الصيغة نفسها تعرضت لانتقادات متزايدة سواء من الاقتصاديين الإسلاميين أو من الفقهاء، حتى أنها اعتبرت لا تختلف إلا هامشياً عن صيغة التمويل بالفائدةxxvii.(28/25)
ولقد استمعت المحكمة الشرعية الباكستانية في جلسات عديدة وممتدة برئاسة القاضي خليل الرحمن لآراء فقهاء واقتصاديين مصرفيين إسلاميين عن أساليب التمويل المصرفي وتم تجميعها في مجلد واحد ونشرها وهو عمل علمي إسلامي له وزنه الكبيرxxviii.وكان مما تم الإجماع عليه وأقرته المحكمة إدانة بيع المرابحة للآمر بالشراء كما يمارس على أنه مخالف للشريعة الإسلامية ويحمل بعض رجال الاقتصاد الإسلامي والفقهاء بشدة على صيغة المرابحة للآمر بالشراء، ويرى أنه كان من الخطأ إجازتها في المقام الأول بينما يرى آخرون أنها أدت دوراً في توظيف أموال البنوك الإسلامية في مرحلة أولية لنشأتها وأن الخطأ هو الاستمرار فيها بعد تخطي هذه المرحلة.
وهناك رأي آخر وهو أن التجربة المصرفية الإسلامية وحدها هي التي أبانت العيوب الشرعية في صيغة المرابحة للآمر بالشراء، فلم يكن يوسع أحد لان يتبين هذه العيوب من قبل خوض هذه التجربة، وأنه بالإمكان معالجة هذه العيوب للإبقاء على الصيغة التي أثبتت أنها تلقى إقبالاً كبيراً من المتعاملين. وهناك صيغ أخرى للتمويل مثل الإجارة المنتهية بالتملك لم تسلم من الانتقاد والتجريح على أسس من الشريعة.(28/26)
والحقيقة أن الفكر الاقتصادي الإسلامي في مجال التمويل لا يزال في حاجة ماسة إلى تطوير كبير حتى لا يجتهد العاملين في المصارف الإسلامية على نحو يؤاخذون عليهxxix.وفي اعتقادي أن عبء هذا الاجتهاد يقع أساساً على الاقتصاديين الإسلاميين المتخصصين في النقود والمصارف والتمويل، على أن عليهم أن يعرضوا كل ما يتوصلوا إليه على الفقهاء الذين لهم دراية بشؤون المعاملات المالية.وقد تعرض يسري (2003)xxx في مقال له عن ضرورة القيام بتطوير آخر بل ومستمر في أدوات التمويل الإسلامية المستخدمة لدى المصارف، وذلك حتى يمكن استخدامها بشكل أكثر مرونة وكفاءة في مقابلة المنافسة الشديدة من المصارف الربوية، وحتى يمكن أيضاً توظيفها في خدمة تنمية اقتصادات الدول الإسلامية. كذلك فإن هناك مساهمات جديدة في مجال تطوير عقد المضاربة (محمد أبو زيد 1979)xxxi حتى يصبح فاعلاً في توظيف الأموال وليس فقط في تجميعها لدى المصارف الإسلامية.
5- الزكاة والنظام المالي الإسلامي:
كان من الطبيعي أن تتلقى الزكاة وهي ركن من أركان الإسلام الخمسة اهتماماً من الاقتصاديين الإسلاميين، فهذا الركن بالذات يجمع ما بين تطهير النفس والمال وعلى مستوى الفرد (المستوى الجزئي) وما بين التكامل والتماسك الاجتماعي وإعادة توزيع الدخل والثروة على مستوى المجتمع (المستوى الكلي). وبداية الاجتهادات في موضوع الزكاة جاءت من خلال أبحاث شاملة عن الزكاة والعدالة الضريبية (عاطف السيد) ودورها في معالجة المشكلات الاقتصادية (القرضاوي)xxxii، والدور المالي للدولة في الإسلام من خلال دراسة التاريخ (محمد حميد الله ، وحسن الزمان)xxxiii، وأهمية هذا الدور للرفاه الاجتماعي (شابرا 1980، وحسن الزمان 1981)xxxiv، ثم شيئاً فشيئاً ظهرت أبحاث تعالج موضوعات متخصصة مثل الدور التوزيعي للزكاة وكذا دورها في تحقيق الاستقرار.(28/27)
والحقيقة أن بحث موضوع الزكاة وكيفية تطبيقها في الحياة المعاصرة للأقطار الإسلامية أثار موضوعات عديدة متعلقة بماهية النظام المالي الإسلامي، لذلك تطرقت الأبحاث إلى تفاصيل خاصة بطبيعة وهيكل وأهداف الإنفاق العام في الدولة الإسلامية (نجاة الله صديقي 1987)xxxv ومكان الضرائب والسياسة الضريبية في المنظور الإسلامي (منذر قحف 1983)xxxvi وإلى النظام المالي والسياسة المالية في الإسلام (فريدي 1976، ومتولي وعابدين سلامة 1983، وضياء الدين أحمد 1992)xxxvii.
ومن الدراسات البارزة ما قدمه ضياء الدين أحمد عن دور النظام المالي الإسلامي (وجوهره تطبيق الزكاة) في تحقيق التنمية وإزالة الفقرxxxviii.
كذلك تم إنجاز عدد من الرسائل العلمية المتخصصة عن دور الزكاة في توزيع الدخل وفي التنمية وكيفية تفاعل الأدوات المالية الإسلامية مع الأدوات النقدية الخالية من الربا لتحقيق أهداف الاستقرار الاقتصادي، وكذلك عن الحاجة إلى نظام ضريبي يتمشى مع فريضة الزكاة ولا يتعارض معها ويعالج بعض المشكلات المالية التي استجدّت في العصر الحديث.(28/28)
وبالنسبة إلى الجانب التطبيقي فإنه ليس هناك من قطر إسلامي إلا وبه جمعيات أو مؤسسات أهلية أولجان منبثقة من المساجد أو من المصارف الإسلامية لجمع وتوزيع الزكاة. أما على المستوى الرسمي فليس هناك سوى عدد محدود جداً من الحكومات التي التزمت نظام الزكاة وعملت على إنشاء أجهزة ووضع آليات لجمع وتوزيع الأموال الزكويةxxxix. وهنا تبرز عدة أسئلة: إلى أي مدى استفادت المؤسسات أو الأجهزة الرسمية أو غير الرسمية من الأبحاث الاقتصادية الإسلامية في موضوع الزكاة، وكيف كانت هذه الاستفادة وما وزنها؟ وما هي معوقات تطبيق الزكاة من خلال نظام مالي إسلامي في معظم الأقطار الإسلامية؟ وما لذي يترتب على هذا التطبيق الرسمي؟ هل إحلال العمل الرسمي في محل نشاطات المؤسسات والجمعيات الأهلية يزيد من فاعلية الزكاة ودورها المالي والاقتصادي؟
والحقيقة أنه ما من دليل قائم لدى المطلع على أبحاث الزكاة أن المؤسسات والجمعيات الأهلية قد استفادت من الأبحاث في الحياة العملية، فالمعايير التي تعتمد عليها بعض المؤسسات بسيطة ومباشرة، فمعظم الموارد الزكوية إن لم يكن جميعها في بعض الحالات يوزّع على الفقراء والمساكين الذين يتقدمون بطلبات للمساعدة وعادة ما يُبت في طلباتهم بناء على فحص عام للأوراق والمستندات التي ترافقها في نطاق ما هو متاح من موارد. وفي الحقبتين الأخيرتين بدأت بعض الجمعيات أو المؤسسات الأهلية الكبيرة تعمل نسبياً على استثمار أموال الزكاة في التعليم والصحة بإنشاء مستشفيات لتعليم وعلاج الفقراء مجاناً وغيرهم بتكاليف منخفضة عما هو متاح. وهناك أمثلة لهذا في الباكستان ومصر ولبنان وبنغلاديش وغيرها، إلا أنه لا يمكن القول بأن مثل هذه الاستثمارات قد أُنشئت أو نُظمّت وفقاً لأبحاث اقتصادية إسلامية.(28/29)
لقد تم تحليل معظم القضايا الخاصة بالزكاة على المستوى الكلي كما أشرنا من قبل وفي إطار يغلب عليه التنظيم القائم على فروض نموذج إسلامي مثالي مع إهمال الفجوة القائمة بين فروض هذا النموذج والواقع مما قلّل من فرصة أو إمكانيات التطبيق في الظروف الحالية للأقطار الإسلامية. لذلك مثلاً لا نجد أبحاثاً تدقق وتعمل في تحليل آثار الاستغناء عن الضرائب الحالية أو عن الضرائب التي ينبغي ويجوز فرضها شرعاً بجوار الزكاة حتى يمكن تحقيق نظام مالي إسلامي نموذجي مستقبلاً، ولا نجد في أبحاث الزكاة تعريفاً اقتصادياً دقيقاً لكل فئة من الفئات المستحقة للزكاة أو معايير واضحة لأولويات إنفاق الزكاة على هذه الفئات، أي ما هي المعايير الاقتصادية والمالية التي ينبغي الاستناد إليها لتخصيص أنصبة الفئات المختلفة تبعاً لأوزان الضرورات أو الحاجيات العامة.
وهناك مؤتمرات عن الزكاة عُقدت بصفة خاصة في السودان وباكستان وإيران وخرجت بتوصيات عامة ولا نعرف على وجه التحديد مدى تأثيرها في عمليات أنظمة وآليات جمع وتوزيع الزكاة على المستوى الرسمي في هذه الأقطار. وهناك بالإضافة إلى ذلك مسألة جمع الزكاة في الأقطار الإسلامية التي يتعايش فيها المسلمون مع أقليات من أصحاب الأديان الأخرى، فهل تجمع الزكاة من هؤلاء وعلى أي أسس، أو تُفرض عليهم ضرائب بمعدلات متساوية أو مختلفة علماً بأن لكل سياسة ضريبية لآثارها على النشاط الاقتصادي أو توزيع الدخل والثروة.إن رجال الاقتصاد الإسلامي مطالبون بالبحث والتدقيق في هذه المسائل وغيرها وهذا ما يحتاج إلى جهد كبير، وإلى أن يتم مثل هذا الجهد ستظل هناك فجوة كبير ليس فقط في مجال التنظير بل أيضاً بين الفكر التنظيري والتطبيق العملي.
6- التنمية الاقتصادية:(28/30)
نال موضوع التنمية اهتماماً كبيراً من رجال الاقتصاد الإسلامي، وفي المؤتمر العالمي الأول ساهم خورشيد أحمد بمقال عن التنمية الاقتصادية في إطار إسلامي، كما ساهم آخرون في نفس الموضوع من خلال مقالاتهم عن النظام الاقتصادي في الإسلام (محمد أحمد صقر، وشوقي الفنجري)xl. وتوالت المساهمات بعد ذلك في بيان أساسيات التنمية في الإسلام (نجفي وشوقي دنيا 1979، ويوسف إبراهيم 1981)xli، وتحليل العلاقة بين القيم الإسلامية والتنمية مع المقارنة بالفكر الوضعي وشرح أولويات الأساسية للمنهج الإسلامي في التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي (يسري 1982)xlii، كما تعمق البعض في شرح دور الإنسان أو الموارد البشرية في التنمية من منظور إسلاميxliii.
ولقد تمثلت هذه الاتجاهات الرئيسة لهذه الأبحاث في:
ا) السعي لإثبات أن عجز الأقطار الإسلامية المعاصرة عن دفع عجلة التنمية يرجع في المقام الأول إلى إهمال القيم التي أرساها الإسلام مثل عدالة توزيع الدخل والثروات وحرية الأفراد والشورى، بالإضافة إلى عدم تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية بصدد جمع وتوزيع الزكاة وتحريم الربا ومحاربة الاحتكار في الأسواق...الخ.
ب) أن الإنسان هو المحور الرئيس للتنمية، ولذلك فإن معاناة الأقطار الإسلامية من التخلف الاقتصادي يرجع أساساً إلى إهمال التنمية الإنسانية أو البشرية على أساس النموذج الإسلامي.
جـ) إن الأقطار الإسلامية لن تتمكن من دفع عجلة التنمية بها حتى تتخلص من التبعية (بجميع أنواعها) للعالم غير الإسلامي، التبعية الاقتصادية والتقنية والفكرية، فهذه التبعية تتسبب في اختلالات في هياكل الإنتاج داخلياً واختلالات في موازين مدفوعاتها بالإضافة إلى عدم قدرتها على تنمية الفنون الإنتاجية الملائمة لظروفها.(28/31)
د) إن الأقطار الإسلامية لن تتمكن من دفع عجلة التنمية إلا إذا اتخذت خطوات ثابتة نحو تعاونها اقتصادياً ثم تكاملها واتحادها، وتزداد أهمية هذا العامل في إطار الظروف العالمية المعاصرة التي تشهد تكتلات اقتصادية عائلة، بالإضافة إلى العولمة.
ه) إن النماذج الإنمائية الوضعية (رأسمالية أو اشتراكية) لا تصلح في الأجل الطويل لدفع عملية التنمية في الأقطار الإسلامية لأنها تتجاهل الشريعة والقيم العقدية الإسلامية والتي هي مغروسة في نفوس الناس في هذه الأقطار، فلا ينشأ عن تطبيق هذه النماذج إلا أصناف من الازدواجية الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، لذلك حتى يفرض النجاح في دفع عملية التنمية أحياناً عن طريق سياسات وضعية فإن فاعلية هذه السياسات لن تدوم في الأجل أو المدى الطويل من الزمن.
واتجه عدد من الأبحاث في التسعينات إلى التدقيق والتعمق في نقد فكر التنمية الوضعي وبيان آليات العمل الإسلامي (يسري 1990، وشابرا 1992،1993 )xliv وفي بحث وسائل تمويل التنمية قفي الإطار الإسلامي (أحمد علي 1995، بندر الحجار وبريسلي 1996، والقرنشاوي 1996)xlv. كما ظهرت أبحاث تؤكد أهمية التقدم العلمي والتقني للعالم الإسلامي (زغلول النجار 1990)xlvi، والعلاقة بين التنمية وعدالة التوزيع (عطا الحق برامانك 1993)xlvii والتنمية والأمن الغذائي (يسري 1991)xlviii والتنمية والاعتبارات البيئية- أو التنمية المتواصلة (يسرس2000، زبير 2003)xlix.(28/32)
إن غزارة الأبحاث الإسلامية في مجال التنمية تثبت أن الفكر الإسلامي غني وقادر على تحليل المشكلات والظروف المعاصرة التي تمر بها الأقطار الإسلامية وتشخيص العلاج المناسب لها. لكن من جهة أخرى فإن الاستفادة من هذه الأبحاث لن تكون ممكنة عملياً قبل وجود حكومات لإسلامية تسعى لتنفيذ العلاج الموصوف بالطرق المناسبة على المستوى الكلي، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو أليس في جمعية رجال الاقتصاد الإسلامي ما يهيئ لعملية التحويل من الأوضاع الحالية إلى الأوضاع المرغوبة مستقبلاً؟ ألا يمكن وضع بعض النظريات والسياسات (الوسيطة، أي بين الوضع الحالي والوضع المرغوب) في مجال التنمية، وإقناع رجال الحكم الآن بالعمل على تنفيذ هذه السياسات على أساس (جدواها الاقتصادية) أو (أفضليتها) على أساس المصلحة العامة على السياسات الوضعية البديلة. بالإضافة إلى ذلك فإن الفكر الإسلامي في مجال التنمية ما زال في حاجة إلى استنباط الآليات التي يمكن استخدامها عملياً لتطبيقه.
مثلاً كيف نطبّق معايير العدالة الإسلامية في مجال التوزيع؟ ما هي على وجه الدقة برامج التنمية البشرية التي تستند على مفاهيم إسلامية مع ملاحظة أن لدى رجال الاقتصاد الوضعي الآن (في بداية القرن الحادي والعشرين) برامج واضحة عن التنمية البشرية. كيف يمكن تنسيق برامج التنمية الاقتصادية بين بعض الأقطار الإسلامية بهدف زيادة التعاون الاقتصادي بينها؟ وما هي حدود الاستعانة بالتمويل والمساعدات الأجنبية للتنمية في الأقطار الإسلامية وذلك في إطار الرغبة في التخلص من التبعية؟.(28/33)
كذلك فإنه بالرغم من أن الفكر الإنمائي يرتبط بالتحليل الكلي إلا أننا بحاجة ماسة في الفكر الإسلامي الإنمائي أن نبحث في كيفية إزكاء الدوافع التنموية لدى الفرد من خلال القيم الإسلامية (كالدوافع على العمل وإتقان الأعمال وعدك ترك الموارد الاقتصادية عاطلة....الخ) وفي إرشاد الفرد إلى أهمية الادخار وإلى مفاهيم الرشد في استثمار الأموال.
وهكذا يصبح تحليل التنمية على المستوى الجزئي أساساً لانطلاقها على المستوى الكلي، وهذا أمر في غاية الأهمية في المرحلة الحاضرة التي لا تبدي فيها معظم الحكومات في العالم الإسلامي اهتماماً بتطبيق الفكر الإسلامي الإنمائي على المستوى الكلي، بل ربما تعمل على تطبيق سياسات مضادة له جهلاً أو عمداً.
7- العلاقات الاقتصادية بين الأقطار الإسلامية:
اهتم حسن عباس زكي (1976) في المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي ببحث إمكانيات التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية، وذلك من خلال استعراض الموارد الاقتصادية والمواقع الجغرافية لهذه الدول، وواقع اقتصاداتها وما تعانيه من ندرة في رؤوس الأموال ونقص في الخبرة الفنية، منتهياً بضرورة التنسيق بين سياساتها التجارية والمالية وخططها الاقتصادية وأنشطتها المصرفيةl.وأشار خورشيد أحمد في عجالة (1976) إلى ضرورة التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية كهدف لا ينفك عن هدف التنمية الاقتصادية لهاli.
وقد اتجهت معظم الأبحاث إلى استكشاف وتحليل إمكانيات ومعوقات التكامل الاقتصادي بين الأقطار الإسلامية.(28/34)
ويلاحظ أن موضوع التكامل الاقتصادي قد يلقى اهتماماً من الاقتصاديين الوضعيين والإسلاميين على حدٍ سواء، فلقد أدى قيام بعض التكتلات الاقتصادية الكبرى (مثل السوق الأوروبية والتي تحولت فيما بعد إلى اتحاد اقتصادي أوروبي) إلى ردود فعل على المستوى العالمي. فشهد العالم محاولات عديدة لإنشاء أسواق مشتركة أو مناطق للتجارة الحرّة أو غير ذلك من الاتفاقات التي تسعى لتحقيق التكامل الاقتصادي، في أوروبا الشرقية قبل انهيار المعسكر السوفيتي (الكوميكون)، وفي أمريكا اللاتينية، وفي آسيا وأفريقيا وبين معظم البلدان العربية.
واتجهت معظم الأبحاث الخاصة بالبلدان النامية إلى إثبات أهمية التكامل الاقتصادي للتنمية الاقتصادية والرفاهية، من حيث أنه يؤدي إلى اتساع الأسواق وإعادة تخصيص الموارد وتحسين شروط التبادل الخارجي. كما أكدت معظم هذه الأبحاث على مدخل تحرير التجارة من العقبات الجمركية كمدخل أساسي لتحقيق التكامل.
وفي مجال الاقتصاد الإسلامي نجد أن العديد من الباحثين لم يبتعد إلا هامشياً عن هذه الملامح الرئيسة، فجاءت معظم أبحاث التكامل الاقتصادي الإسلامي مؤكدة لأهمية التنمية الاقتصادية للأقطار الإسلامية المعاصرة على نفس الأسس الوضعية، ومؤكدة لمدخل تحرير التجارة السلعية والذي لاقى نجاحاً كبيراً في التجربة الأوروبية (إسماعيل شلبي 1984، ورفيق جابر 1985)lii.
وتمثلت الإضافات من المنظور الإسلامي في إثبات الدوافع الشرعية والعقدية التي تحث المسلمين على التعاون والوحدة سواء على المستوى الوطني أو العالمي، وكذلك في إثبات أهمية تحقيق الوحدة الاقتصادية - كثمرة مؤكدة للتكامل- للأقطار الإسلامية مجتمعة.(28/35)
واتجهت بعض الأبحاث إلى تحري مدى واقعية أو إمكانية تحقيق هدف التكامل الاقتصادي بالنسبة للأقطار الإسلامية في إطار ظروفها المعاصرة، فهذه الأقطار تعامي من مشكلات التخلف الاقتصادي والتبعية للدول المتقدمة اقتصادياً، لذلك فإن هياكلها الاقتصادية مختلّة ومعظمها ينتج سلعاً أولية متماثلة أو سلعاً صناعية بسيطة وبديلة تعكس هياكلها الصناعية (عصام الزعيم 1983)liii مثل المنسوجات والملابس والمنتجات الجلدية والأثاث الخشبي ...الخ) ولذلك فإن اقتصاداتها بطبيعتها متنافسة وليست متكاملة. وهناك عدة أبحاث أخرى بعضها ذو طابع وضعي تناولت إمكانات التعاون التقني بين البلدان الإسلامية وإمكانات التصنيع لديها من أجل تقوية التجارة فيما بينهاliv.
وعموماً فإن أحوال النشاط الإنتاجي في هذه الأقطار تنعكس على علاقات تجارية غير متوازنة فيما بينها وبين البلدان المتقدمة ولصالح الأخيرة من جهة، وعلاقات تجارية ضعيفة فيما بين هذه الأقطار الإسلامية وبعضها من جهة أخرى. هذا بالإضافة إلى سيادة قوانين وتنظيمات اقتصادية وضعية لا تساعد في حد ذاتها على الاتجاه نحو التكامل أو تحقيقه (فولكرنين هاوس 1984، 1986، ويسري 1983، 1987، 1990)lv.
وبالتأكيد فإن هذا الاتجاه يتسم بالواقعية في الكشف عن العقبات التي تواجه التكامل الاقتصادي الإسلامي. وبناءً عليه بدأ بعض الباحثين في وضع مقترحات لتحقيق هذا الهدف عن طريق مداخل أخرى خلاف مدخل إزالة العقبات الجمركية أمام التجارة، مثل مدخل المشروعات الاستثمارية الإسلامية المشتركة (ICCICE,1984)lvi ومدخل تحرير حركة العنصر البشريlvii.(28/36)
ومثل هذه المداخل المقترحة لا تتميز فقط بأنها أكثر واقعية بل أيضاً أنها تهيئ وتقترب بدرجة أكبر من المفهوم الإسلامي الشامل للتكامل الاقتصادي، فالعنصر البشري هو الأكثر أهمية في المنظور الإسلامي وتحريره على مستوى الأقطار الإسلامية أكثر أهمية من تحرير التجارة السلعية، ليس معنى هذا بإهمال تحرير التجارة السلعية أو تجارة الخدمات وإنما هي مسألة الأولويات وضرورة مراعاتها.
ومن ضمن المداخل المقترحة أيضاً مدخل التكامل الإقليمي (فولكرنين هاوس 1986)lviii، وكذلك مدخل التعاون بين المؤسسات التمويلية وتفعيل نشاطها في مجال تمويل التجارة الإسلامية البينية (شاهد حسين 1979، عزيز الرحمن 1982، أحمد النجار 1992)، ومدخل المراحل (يسري 1990).
ويحتاج موضوع التكامل الاقتصادي الإسلامي في الوقت الحاضر والمستقبل القريب إلى مزيد من الأبحاث في عدّة اتجاهات:
- أولا: انعاكسات اتفاقية تحرير التجارة والعولمة على مشروع أو مشروعات التكامل الاقتصادي بين الأقطار الإسلامية، ذلك لأن اتفاقية منظمة التجارة العالمية WOT( التي حلت محل الجات) والتي قام معظم الأقطار الإسلامية بقبولها تعمل على تحرير تجارة السلع والخدمات وتيسير انتقال رؤوس الأموال لأغراض الاستثمار على المستوى العالمي، فماذا تضيف الأقطار الإسلامية إلى ذلك؟ أم أن منهج المعاملة بالمثل الذي تقرره الاتفاقية يحتاج إلى مناقشة إسلامية لأن قاعدة التفضيل لدى المسلمين على غيرهم في التجارة الخارجية قد تقررت من قديم في عصر الخلافة الراشدة (نظام العشور) أم هل تهتم الأقطار الإسلامية أساساً في تحقيق التكامل بمدخل حركة العنصر البشري والاستثمارات المشتركة وحماية صناعتها الناشئة؟ كل هذه الأسئلة وغيرها ما زالت في حاجة لبحث مستفيض.
ثانياً: إمكانيات إقامة شبكة مصرفية إسلامية قوية تعمل على مستوى الأقطار الإسلامية لتمويل مشروعات تكاملية وفقاً لبرامج وأولويات محددة.(28/37)
ثالثاً: إمكانيات عقد اتفاقيات تعاون أو تكامل في مجالات التعليم والتقنية بما يؤدي إلى إحياء الثقافة الإسلامية وتنمية الفنون الإنتاجية المناسبة للأقطار الإسلامية تجاه التخلص من الفجوة التقنية القائمة بين هذه الأقطار والعالم المتقدم صناعياً.
8- التحليل الجزئي والكلي للاستهلاك والإنتاج والتوزيع- وضع الأسس لنظريات إسلامية:
قام محمد أحمد صقر (1976)lixبتحليل الاستهلاك من خلال التفرقة التي أقامها بين ما أسماه الطيبات الحرّة وهي الأشياء النافعة التي خلقها الله للإنسان بوفرة كافية والطيبات الاقتصادية وهبي الأشياء النافعة كالتي لا بد للإنسان أن يعمل فيها قدراته الذهنية والعلمية والجسمية والفنية، حتى يتمكن من الحصول عليها، مؤكداً أن هذه تتسم بالندرة النسبية وأن السعي لإنتاجها لإشباع الحاجات منها لا يعد عملاً دنيوياً صرفاً بل واجباً دينياً أيضاً.
وعلى المستوى الكلي تتطرق إلى قضية التشغيل الأمثل للموارد الاقتصادية التي أتاحها الله سبحانه وتعالى، ولكن مشيراً إلى أن هذا لا ينبغي بالضرورة تحقيق أعلى معدل ممكن للنمو، فقد يكون من مصلحة المجتمع تحقيق معدل نمو أقل من المعدل الممكن (ص55)lxمبرراً ذلك بعدم تشجيع واستنزاف طاقات المجتمع وموارده بمعدل سريع وعدم إرهاق الطاقات البشرية. وهذه النظريات القائمة على أخلاقيات الإسلام لم تكن مميّزة لدى المفكرين الوضعيين حتى حقبة التسعينات من القرن العشرين حينما صار اهتمام متزايد بقضية التنمية المتواصلة.(28/38)
وفي مجال الإنتاج تناول قضية التدخل في السوق ومحاربة الاحتكار وسياسة الأجور، كما تناول قضية تحقيق التوزيع العادل للدخل والثروة بدون تعمق في الأدلة الشرعية أو القيم العقدية الإسلامية التي تساند هذه القضايا.إلا أنه أولى موضوع الزكاة وأثرها في التوزيع أهمية كبيرة في تحليله، وأولى شوقي الفنجري (1976)lxi اهتماماً بالغاً لقضية التوزيع متطرقاً من خلالها إلى الضمان الاجتماعي ومؤثراً ضرورة ضمان ((حد الكفاية)) وليس ((حد الكفاف)) لكل فرد، ومؤيداً تحليله بأحاديث نبوية وآيات قرآنية.
ومن أبرز الأبحاث الرائدة في مجال التنظير للاستهلاك ما قدّمه أنس الزرقاء (1976)lxii في مقاله بعنوان ((صياغة إسلامية لجوانب من دالة المصلحة الاجتماعية ونظرية سلوك المستهلك))، وفيها محاولة جريئة لوضع دالة إسلامية للمصلحة الاجتماعية بناء على فكر الإمامين الغزالي والشاطبي في مجال تمييز الضروريات والحاجيات عن التكميليات.وقدّم انس الزرقاء تحليلاً بيانياً واقترح صياغة رياضية للدالة مستخدماً بعض أدوات تحليلية وضعية دون أن يتخلى عن المنطق المنظور الإسلامي، بل على العكس محاولاً تأكيده وبغض النظر عن قبول أو رفض النتائج التي توصل إليها أنس الزرقاء فإن محاولته كانت رائدة في لإثبات إمكانية الاستعانة بأدوات التحليل الاقتصادي المعروفة وبالأسلوب الرياضي في مجال الاقتصاد الإسلامي دون انحراف عن أهدافه.(28/39)
وخلال الثمانينات والتسعينات ظهرت مساهمات أخرى في المجالات المذكورة احتوى يعضها على أفكار جديدة، بينما البعض الآخر كان تكراراً لما سبق، ومما يذكر هنا التفرقة الواضحة التي أقامها البعض بين المفهوم الوضعي للمنفعة التي يتعلق بإشباع النفس في إطار الماديات فقط والمفهوم الإسلامي الذي يستلزم الموازنة بين الإشباع المادي والإشباع غير المادي للنفس وللغير أو بين ذلك المفهوم الوضعي الذي يعتمد على الفلسفة الفردية في إمتاع الذات إلى الحد الأقصى Hedonism دون النظر إلى الغير والمفهوم الإسلامي الذي يعتمد على فلسفة المسئولية تجاه الغير في إطار ما أحله الله من الطيبات.
فالفرد لا يسعى إلا معظمة منفعته الخاصة دون اعتبار لمن هو مسئول عنهم على درجات مختلفة من المسئولية، ومن ثم أمكن اقتراح دالة الاستهلاك الفردي لتعبر عن هذه الموازنات السلوكية (يسري 1988، 2003)lxiii. وفي بحث عن نظرية سلوك المستهلك من منظور إسلامي قام فيها خان (1992)lxivبمقارنة دقيقة بين فروض النظرية الوضعية والفروض الإسلامية التي ينبغي أن تحكم سلوك المستهلك المسلم حينما يوازن بين الإنفاق في سبيل إشباع الحاجات الدنيوية والإنفاق في سبيل الله معتمداً أكثر على تقنيات التحليل المستبان Revealed Preference بدلاً من تحليل منحنيات السواء فقط الذي استخدمه أنس الزرقاء من قبل. ثم تطرق بالتفصيل إلى مفهوم الإسلام للحاجة Need وفكرة المصلحة في مواجهة فكرة المنفعة. ورأى فيهم خان أنه بالرغم من أن مفهوم المصلحة يظل متعلقاً بالعامل الشخصي Subjective إلا أن طبيعة هذا العامل فيه أقل حدّة من مفهوم المنفعة مما يجعل مفهوم المصلحة أقل غموضا وأكثر صلاحية في تحليل سلوك المستهلك المسلم.(28/40)
ويقرر بناء على ذلك أن المصلحة الفردية لدى المسلم ستكون دائماً متناسقة أو متلائمة مع المصلحة الاجتماعية على عكس المنفعة الفردية التي ستكون دائماً متعارضة مع المنفعة الاجتماعية، وينطلق بعد ذلك لبيان قاعدة توزيع المواد في المجتمع تبعاً للحاجات الرشيدة.
وعلى مستوى التحليل الكلي نجد أن الأبحاث تؤكد على أن دالة الاستهلاك تعتمد على الفروض الخاصة بالاستهلاك على المستوى الجزئي، بمعنى أن العوامل الحاكمة لاستهلاك الأفراد هي نفسها العوامل الحاكمة للاستهلاك الكلي. بعبارة أخرى فإن دالة الاستهلاك الكلي أشبه بدالة تجميعية لاستهلاك الفرد في المجتمع، لذلك يقوم عامل الرشد في الاستهلاك (الابتعاد عن الإسراف وعن التقتير) بدور في تحديد الاستهلاك الكلي للمجتمع (منان 1986، أفضل الرحمن 1975، أوصاف أحمد 1992)lxv. كما أن عمليات دفع وإنفاق الزكاة تقوم بدور آخر في تحديد هذا الاستهلاك (أوصاف أحمد 1987)lxvi. هذا بينما أن قحف (1981)lxviiيُدخل عامل الثروة في تحديد الاستهلاك الكلي وهو عامل لا ينكر في تأثيره في تحديد المدخرات والاستهلاك كما أثبت التحليل الوضعي. ويرى يسري (2003)lxviii أن معظم العوامل المؤثرة في الاستهلاك الفردي تدخل في تحديد الاستهلاك الكلي بطرق التجميع، ولكن التحليل الكلي يستلزم اعتبارات أخرى فالاستهلاك الكلي يتأثر بالثروة الحقيقية للمجتمع إذا زادت هذه أو نقصت (خاصة على مدى الأجل الطويل) فإذا زادت هذه انتقلت دالة الاستهلاك الكلي إلى أعلى وإذا انخفضت انتقلت إلى أسفل.(28/41)
ويبدو أن المبررات الواقعية هي المبرر الأساسي لأخذ عنصر الثورة الحقيقية في الحسبان عند الحديث عن الاستهلاك الكلي. ولكن بالإضافة إلى ذلك يرى يسري أن ثمة علاقة ينبغي أن تقوم بين مستويات الاستهلاك الكلي في الأقطار الإسلامية المختلفة. فمن الجهة الإسلامية لا يجوز أن يعيش الأفراد في قطر إسلامي في رغد وسعة بينما يعيش الأفراد في قطر أو أقطار إسلامية أخرى في فقر وبؤس. ومن ثم ففي الوضع المثالي للعالم الإسلامي ينبغي أن يقتطع من الاستهلاك الكلي في مجتمع غني نسبياً لكي يتحسن الاستهلاك الكلي في مجتمع فقير نسبياً عن طريق آلية المساعدات الحرة (من الزكاة أو الصدقات)،وبذلك يتحرك دالة الاستهلاك لأسفل في الأول ولأعلى في الثاني.(28/42)
وفي مجال نظرية الإنتاج على المستوى الجزئي نجد أن عدداً من المساهمات التي أبرزت الجانب التنظيمي في النشاط الإنتاجي أنواع الشركات الإسلامية التقليدية ومدى ملائمتها للعصر الحديث.ونجد منور إقبال (1992)lxixيقترح الاستخدام المرن للعقود المختلفة في المجال التنظيمي للإنتاج حيث يهيئ هذا فرصة كبيرة لظهور هياكل تنظيمية جديدة تستطيع أن تخدم النشاط الإنتاجي بكفاءة. ويستطرد بعد هذا لبحث نظرية المشروع Theory of the Firm من المنظور الإسلامي متسائلاً هل يتعلق هدف المشروع بمعظمة الربح Profit Maximization كما هو في التحليل النيوكلاسيكي أم لا؟ ويدخل في مناقشة الانتقادات لهذا الهدف وضعياً إسلامياً. وخلال هذا يتعرض لرأي متوليlxx القائل بأن تطبيق مفهوم الأمانة Trusteship في المجال الاقتصادي (وهو يعتمد على فلسفة الاستخلاف في الأرض) يتعارض بشدة مع مبدأ تحقيق المنفعة للنفس، والذي هو المبدأ الأساس الذي تقوم عليه الاقتصاديات في المجتمعات غير الإسلامية. والأخذ برأي متولي يعني أن المشروع لن يعمل على تعظيم ربحه بل يكتفي بربح معقول أو عادل، وبهذا الشكل فإن المشروع سوف يستهدف أمرين: تحقيق مستوى معقول من الأرباح والإنفاق على العمل الخيري أو الأعمال الصالحة، ويبدو منور إقبال موافقاً من حيث المبدأ على تحليل متولي ولكنه معترضاً على إدخال الإنفاق الخيري أو على الأعمال الصالحة في دالة أهداف المشروع الإسلامي. وفي تحليله لهدف معظمة الربح يرى يسري (1988)lxxi أن هناك انتقادات لهذا الهدف سواء في التحليل الوضعي أو الإسلامي يجب أن تؤخذ في الاعتبار، ولكن اعتبارات الاستخدام الأكثر كفاءة للموارد الإنتاجية ما زالت تقتضي أخذ هذا الهدف في الاعتبار بدلاً من إهماله. بعد ذلك يرى أن الاعتراض على معظمة الربح ضروري من الجهة الشرعية فقط إذا كان المشروع يتبع أساليب غير جائزة شرعاً في تحقيق أرباحه، أم إذا كان المشروع يعمل في ظروف(28/43)
منافسة صافية إسلامية( كما يشرحها) ولا يتبع سبيل الغش أو الغبن لحقوق الآخرين في جميع معاملاته سواء في سوق عناصر الإنتاج عند شراء خدماتها أو في سوق المنتجات عن بيع منتجاتها، فلماذا يكون هناك اعتراض على معظمة الأرباح علماً بأنه كلما زادت الأرباح كلما زادت مدفوعات الزكاة أو ما يقرره المشروع من صدقات من دخله المحقق.
وهكذا يظل هدف المشروع الإسلامي هو تحقيق أقصى أرباح ممكنة ولكن في إطار أسواق إسلامية تخضع لرقابة ذاتية من الفرد على تصرفاته، ورقابة حكومية على الأسواق متمثلة في الحسبة، ومن جهة أخرى فإن تحقيق أكبر ربح ممكن بطريق الكفاءة وحدها يتيح مزيد من الرفاه للمجتمع لأنه يؤدي إلى زيادة المدفوعات التحويلية للفقراء وذوي الحاجات الماسة عن طريق الزكاة وغيرها.
وكل ما سبق وغيره من المساهمات إنما يمثل البدايات الأولية فقط في مجال التحليل الاقتصادي الجزئي أو الكلي للاستهلاك والإنتاج، فما زال الاجتهاد مطلوباً على أشده حتى تتكون نظريا إسلامية تقوم على فروض مستمدة من القواعد الشرعية والعقدية الإسلامية وتتعمق في تحليل الظواهر الواقعية طالما كانت هذه محايدة.
ويلاحظ أن تحليل النشاط الإنتاجي الكلي من منظور إسلامي لم يتم بشكل مستقل بقدر ما تم من خلال تحليل العوامل المؤثرة في النمو الاقتصادي أو التنمية وآثار الزكاة وتحريم الربا على النشاط الإنتاجي للمجتمع. ولقد ظهرت بعض مساهمات جديرة بالذكر في مجال وضع نماذج تحليلية لتحديد المستوى التوازني للدخل الكلي أو الناتج الكلي في إطار فروض إسلامية مثل إسقاط نظام الفائدة أو لإقرار نظام الزكاة (متولي 1981، وسيد طاهر 1992)lxxii.(28/44)
وتطرق الاقتصاديون الإسلاميون إلى تحليل التوزيع من عدة جوانب: أولاً من جهة فلسفة النظام الاقتصادي الإسلامي الذي بينما يسمح بتفاوت الثروات والدخول إلا أن يعمل على ضمان حد أدنى من المعيشة للفقراء والمساكين والعاجزين عن العمل والكسب (حد الكفاية كما يرى الفنجري 1976)lxxiii، وذلك عن طريق آليات الزكاة والصدقة الاختيارية والقرض الحسن، وكذلك يمنع تركيز الثروة في أيدي القلة من أغنياء المجتمع.
وبهذا يتميز النظام الإسلامي عن الرأسمالية أو الاشتراكية (شابرا 1992)lxxiv. ومعظم الذين تطرقوا إلى موضوع التوزيع أو إعادة التوزيع أعطوا الأهمية الكبرى للزكاة من خلال دورها في نقل شريحة من الثروات العاطلة لدى الأغنياء ومن الدخول الحقيقية التي تتحقق في نشاط الإنتاج والتجارة إلى أصحاب الدخول المنخفضة في المجتمعlxxv، واتجه البعض بصفة خاصة إلى بيان دور الوقف (تاريخياً في الأغلب) في ضمان الحاجات الأساسية للفقراء والمساكين في المجتمع (يسار وغيره 1984، ونعمت مشهور 1997)lxxvi. وأفاض البعض في بيان كافة العوامل الممكنة التي تؤثر في توزيع الثروة والدخل في مجتمع إسلامي (أنس الزرقاء 1988، وضياء الدين أحمد 1991)lxxvii.
وفي الطريق إلى نظرية جزئية Micro إسلامية في التوزيع رأى يسري (1989)lxxviii أن بالإمكان الاستفادة من النظرية النيوكلاسيكية الإسلامية المحددة. أما في التمهيد لنظرية كلية Macro إسلامية في التوزيع فإن مساهمات أوصاف أحمد (1988) ومعبد الجارحي (1988)lxxixجديرة بالذكر. لقد وضع كل كم أحمد الجارحي نموذجاً كلياً Macro Model للتوزيع في اقتصاد إسلامي، ولم يرى أي منهما مانعاً في الاعتماد على الأفكار الأساسية لنموذج Kaldor-Pasinetti مع إدخال اعتبارين أساسيين هما الزكاة والامتناع عن التعامل بالفائدة.(28/45)
ولقد اعترض البعض اعتراضاً شديداً على اعتبار نموذج Kaldor-Pasinetti نقطة انطلاق في تحليل إسلامي (سيد طاهر 1988)lxxx. والحقيقة أن أساسيات هذا النموذج تعبر عن طبقتين: أصحاب رؤوس الأموال والعمال وعن فلسفة توزيع الدخل فيما بينها في مجتمع رأسمالي، ولا يصح كما قال البعض أن نعتمد على النموذج الرأسمالي مع طرح الربا وإضافة الزكاة فقط (الصادق المهدي 1988)lxxxi. ومع ذلك لا نملك التعقيب على العملين المذكورين إلا أن نقول أنهما يمثلان خطوة إيجابية إلى الأمام في وضع نظرية توزيع إسلامية على المستوى الكلي، ولو أن الانتقادات التي وجهت للنموذجين أدخلتا عليهما في شكل إضافات أو تحسينات لربما كان لدينا الآن نماذج للتوزيع أكثر صدقاً في التعبير عن روح النظام الإسلامي.
وأكدت أبحاث أخرى أن عدالة التوزيع مرتبطة بعدالة توزيع الموارد التمويلية، الأمر الذي لا يتحقق إلا من خلال وسائل إسلامية للتمويل بالمشاركة في الربح أو الخسارة. وأكدت هذه الأبحاث على دور النظام المصرفي الإسلامي في هذا الصدد، فالمصارف الربوية تأخذ بقاعدة الملاءة المالية فلا تفرض أموالها إلى المشروعات الصغيرة أو المتوسطة بل إلى المشروعات الكبير وأثرياء رجال الأعمال فقط، وهذا على خلاف ما يسمح به النظام المصرفي الإسلاميlxxxii.كذلك أكدت الأبحاث أن السياسة النقدية الحكيمة التي تحارب التضخم تمثل أحد العناصر الهامة في التوزيع العادل لدخول بين أفراد وطبقات المجتمع ، ففي ظل التضخم تتدهور الدخول الحقيقية لفئات العاملين في الوظائف الرسمية أو في وظائف بعقود طويلة الأجل بينما ترتفع دخول الفئات العاملة في أنشطة التجارة والخدمات والسمسرةlxxxiii، ويحتاج هذا الموضوع إلى مزيد من الأبحاث على المستوى التطبيقي لمعرفة أنماط توزيع الدخل في الأقطار الإسلامية التي تعرضت أو تتعرض للتضخم وكيفية معالجتها تدريجياً بأساليب إسلامية.
قضية المنهاجية العلمية:lxxxiv(28/46)
منذ أول مؤتمر عالمي للاقتصاد الإسلامي اتحدت الآراء في أن الاقتصاد الإسلامي يعتمد في أصوله على القواعد الشرعية والقيم العقدية الخاصة بالمعاملات لكن اختلفت التوجهات في رؤية طبيعة العلاقة بين هذه القواعد والقيم الإسلامية من جهة والبحث والتحليل الاقتصادي من جهة أخرى، فاعتقدت طائفة من العلماء أن الاقتصاد الإسلامي فرع أو جزء لا يتجزأ من الفقه الإسلامي.
واعتقدت طائفة أخرى أن تحليل أسباب المشكلة الاقتصادية والتعرف على الحل الملائم لها يستدعي نوعاً من المعالجة المنهجية التي تختلف عن المعالجة الفقهية في طبيعتها، ومع ذلك تظل القواعد الفقهية والقيم الأخلاقية الإسلامية ملزمة ومحددة الإطار العام للتحليل. وظهر اتجاه ثالث يتمثل في أن القواعد الفقهية والقيم الأخلاقية الإسلامية مقيدة بصفة خاصة ومباشرة لجوانب محددة، أساساً الزكاة والربا وما يتعلق بهما، وخلاف ذلك فإن هذه القواعد والقيم لها دور إرشادي عام في الكليات وليس في الجزئيات.
وتشدد بعض أصحاب الاتجاه الأول الفقهي حتى أنهم رأوا أنه لا يجوز لغير الفقهاء المتخصصين في نواحي المعاملات أن يخوضوا في الاقتصاد الإسلامي، واختلف أصحاب الاتجاه الثاني في كيفية ودرجة المزج بي الأدلة الاقتصادية المحضة والأدلة الفقهية أو في مدى إدخال الأخلاقيات الإسلامية في التحليل الاقتصادي.
أما الاتجاه الثالث فقد كان من ثماره أبحاثاً بعضها يقترب جداً منهجياً من الأبحاث الاقتصادية الوضعية فيما عدا أنها نمت تحت المظلة الإسلامية شكلاً.(28/47)
ولا شك أن اختلاف المنهج في بداية المسيرة لأي علم من العلوم ظاهرة صحية، فالآراء تتعدد تاركة المجال للناقدين والمتابعين من العلماء أن يتخيروا فيما بينها. فيختاروا الأكثر صحة وقدرة على خدمة البحث العلمي، لكن بقاء الاختلاف المنهجي في الأجل الطويل أمر آخر، حيث يدل على أمر من اثنين إما أن الاقتصاد الإسلامي ينتمي إلى عدة مدارس فكرية أو أنه لم تتكون له مدرسة بعد. فكيف سارت الأمور خلال نحو ربع قرن بعد انعقاد المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي. خلال هذه الفترة استمر تدفق الأبحاث ذات التوجه الفقهي في مجال الاقتصاد الإسلامي، وقامت أكاديمية الفقه في منظمة المؤتمر الإسلامي بدور كبير في هذا الشأن من خلال مؤتمراتها وندواتها العلمية.
كذلك ساهمت بعض لجان الفتوى في المصارف الإسلامية بأبحاث ذات طابع فقهي محض في معالجة بعض المشكلات التي صادفتها، ولكن يلاحظ أن الأبحاث ذات التوجه الفقهي لم تنمو أبداً عدداً ولم تتنوع بنفس القدر الذي نمت وتنوعت به أبحاث الاقتصاد الإسلامي التي سلكت منهجية مختلفة. وأحد الأسباب الهامة وراء ذلك هو أن المنهجية الفقهية لم تمكن الباحثين في الاقتصاد الإسلامي من بحث الموضوعات التي تدخل في نطاق الاقتصاد الكلي.وحتى حينما تم التطرق إلى موضوعات تدخل في نطاق الاقتصاد الكلي كان المدخل إليها بالأسلوب الجزئي غير المناسب.
زمن الواضح أن معظم الأبحاث ذات التوجه الفقهي تعرض لمسائل جزئية للتعرف على مناسبة القواعد الفقهية لها أو إمكانية تطويع القواعد الفقهية لها. ومن الواضح أيضاً أنها بينما تقدمت بحلول فقهية للمشكلات الاقتصادية الجزئية التي تعرضت لها إلا أن هذه الحلول لم تلق دائماً قبولاً عاماً من جمهور الفقهاء المتخصصين. وكذلك من معظم الاقتصاديين الإسلاميين الذين رأوا فيها مخارج شرعية شكلية أكثر منها طرقاً للمعالجة الاقتصادية الحقيقية لهذه المشكلات.(28/48)
من جهة أخرى فإن الاتجاه المنهجي الثالث الذي يتخذ من القواعد الشرعية الأخلاقية الإسلامية مظلة عاملة ليعمل تحتها في بحث وتحليل ومعالجة المشكلات الاقتصادية دون رؤية واضحة للعلاقة بين هذه القواعد والقيم والفروض الأساسية المستخدمة في التحليل ودون رؤية كافية لما قد يترتب من علاج مقترح على منظومة الاقتصاد الإسلامي علماً وتطبيقاً، فيما بعد هذا الاتجاه استمر في النمو وعلى نحو نشط خاصة في الحقبة الأخيرة. ولقد استمد هذا الاتجاه وقوده من مصدرين: النظرية الاقتصادية الوضعية والبيئة الثقافية للباحثين أو الناقدين التي لم تعبأ كثيراً أو ربما لم تهتم بمحاولة إيجاد الصلة بين القواعد الشرعية والقيم الأخلاقية الإسلامية والفروض المستخدمة في الأبحاث.(28/49)
وكثيراً ما وجدنا أبحاثاً من هذا القبيل تقرر أن الفروض المستخدمة إسلامية أو تستهدف مصلحة الأمة الإسلامية دون أن نعرف سبباً واحداً لذلك. وأحياناً اختلطت مفاهيم الأخلاق الفاضلة في الفلسفات غير الإسلامية بالمفاهيم الأخلاقية الإسلامية، فلم يعد واضحاً إذا كانت الأبحاث الاقتصادية المقدمة إسلامياً كما يُقال أم لا. وتطوع فريق من أصحاب هذه الأبحاث التي لم تعد هويتها واضحة لتقديم دراسات واقعية تعتمد على إحصائيات من الأقطار الإسلامية وقاموا بتصميم نماذج اقتصادية قياسية ليثبتوا وجهات نظرهم وليؤكدوا على أن الاقتصاد الإسلامي له مفهوم إيجابي Positive لا يقل شأناً عن المفهوم الإيجابي الوضعي (مع أنه تأكيداً يعلو عليه شأناً) ولكن مع غياب أو غموض الأساس المنهجي السليم تبقى هذه الأبحاث ونتائجها في برزخ إلى أن يتم فحصها جيداً والتأكد من انتمائها للاقتصاد الإسلامي.ولا يفيدنا هنا كدليل أو أدلة على انتمائها للاقتصاد الإسلامي أن تبدأ بآيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو أن يتخللها مثل هذا ، كما أنه لا يؤكد على عدم انتمائها للاقتصاد الإسلامي أن تكون قد كُتبت بأقلام كتّاب غير مسلمين ممن دخلوا في دائرة الاقتصاد الإسلامي، فبعض هؤلاء قد يكون له آراء سديدة يستفاد منها حقاً.
ولكن مرة أخرى فإن فحص مثل هذه الأبحاث صار ضرورة قبل الإسراف في نشر قوائم بأبحاث الاقتصاد الإسلامي ليسترشد بها الباحثون الجدد دون التأكيد من جانب مما يُنشر في هذه القوائم زائف أو يضر أكثر مما ينفع.(28/50)
ومع هذه المثالب التي اتضحت فإن الاتجاه المنهجي الثاني الذي يتقيد من جهة بالقواعد الشرعية والقيم العقدية الإسلامية، ويلتزم من جهة أخرى بعمق التحليل الاقتصادي في إطار هذه القواعد والقيم قد أثبتت وجوده تدريجياً على مدى ربع القرن الماضي بخطى بطيئة نسبياً ولكن مستقرة. فظهرت أبحاث عديدة في هذا المجال لها قيمة علمية في الطريق إلى تكوين نظرية اقتصادية إسلامية ومن ثم لبناء نظام اقتصادي إسلامي يصلح للأقطار الإسلامية المعاصرة التي تسعى للتنمية والتكامل فيما بينها. والحقيقة أن هذا الاتجاه وحده هو القادر على بناء نظرية اقتصادية من منظور إسلامي، فالتمسك به يستدعي بذل الجهد في ترجمة القواعد الشرعية والقيم العقدية الإسلامية إلى فروض أساسية من جهة، وبذل الجهد من جهة أخرى في جمع ملاحظات علمية دقيقة والاستعانة بأدوات التحليل الاقتصادي المحايدة، وذلك لاقتراح فرض (أو فروض مفسرة) للظاهرة الاقتصادية، وذلك في إطار الفروض الأساسية السابقة.
واكتمال هذا المنهج العلمي لن يتأتى إلا باختبار الفرض المفسر في ظل ظروف اقتصادية إسلامية واقعية. إن هذا هو الطريق الصعب ولكنه لا غنى عنه وينبغي الالتزام به سواء من جهة التدريس أو البحث حتى تتكون لدينا مدرسة علمية فسي الاقتصاد الإسلامي. لا نقول تقارن بل تتفوق بإذن الله على ما عداها من مدارس وضعية وتكون مرشدة لها مستقبلاً في كيفية الوصول بالإنسان إلى المرتبة التي أرادها الله له في الدنيا والآخرة.
كلمة ختامية:
حقق البحث العلمي في الاقتصاد الإسلامي نمواً كبيراً على مدى ثمان وعشرين عاماً عقب عقد أول مؤتمر عالمي للاقتصاد الإسلامي بمكة المكرمة. وتمثل هذا النمو في عدد من الأبحاث والمؤلفات وتنوعها بلغات عالمية مختلفة ولكن بالعربية والإنجليزية خصوصاً.(28/51)
وبالرغم من تنوع الموضوعات إلا أن قوائم المراجع المتاحة الآن عن الاقتصاد الإسلامي تؤكد أن أكبر كم من الأبحاث جاء في موضوعات الفائدة وربويتها، والمصارف الإسلامية ثم الزكاة، ويلي ذلك أبحاث التنمية الاقتصادية وغيرها. وإن كان هذا الهيكل يدل على نوع من عدم التوازن في بحث الجوانب المختلفة للمشكلة الاقتصادية إلا أنه يدل أيضاً على اتجاه البحث العلمي في الاقتصاد الإسلامي إلى توزيع الاهتمامات بشكل يتناسب إلى حد كبير مع الأهميات النسبية لجوانب هذه المشكلة كما هو في الواقع العلمي للمسلمين في المجتمعات المعاصرة.
فلا شك أن قضية ربوية الفائدة قد أثيرت وما زالت مثارة في ظل الأوساط الثقافية والجماهيرية أكثر من أي قضية أخرى. ولا شك أن نمو نشاط المصارف الإسلامية وسط تحديات هائلة داخلية وخارجية، والرغبة في تحسين أداء هذه المصارف حتى تقابل هذه التحديات ظل وما يزال إلى الآن يستدعي البحث، ونفس الأمر يأتي بالنسبة لإحياء الزكاة في إطار الرغبة المسلمين في القيام بهذه الفريضة كما ينبغي.وكذلك التنمية وما ينبغي نحوها لأجل التخلص من مشكلات الفقر والتوصل إلى حياة أفضل للمسلمين.
ومع ذلك فإن الاهتمام بالبحث العلمي في هذه الموضوعات ما زال يحتاج إلى دفعة كبيرة من الناحية التحليلية البحتة حتى تصبح وسائل التمويل الإسلامية بالدرجة من الكفاءة في الممارسات العملية ما يجعل المصارف الإسلامية في مرتبة تنافسية عالية تمكنها من تنمية نشاطها بشكل صحي على حساب تقلص نشاط المصارف الربوية في الأقطار الإسلامية.(28/52)
وما زالت أبحاث الزكاة تحتاج إلى دفعة كبيرة لبيان الآليات العملية التي يصبح بتها النظام المالي واضحاً من حيث الحاجة أو عدم الحاجة إلى فرض ضرائب وبأي قدر، وكيف يعامل غير المسلمين في الأقطار الإسلامية مالياً، هذا بالإضافة إلى كيفية معالجة مشكلات أخرى حادة قي إطار نظام مالي إسلامي ن مثلاً مشكلة الدين العام الداخلي التي أصبحت تثقل كاهل معظم إن لم يكن جميع الحكومات في العالم الإسلامي.
وفي إطار الاهتمام أيضاً بما نواجه من مشكلات واقعية في عالمنا الإسلامي المعاصر فإن قضية التنمية البشرية المتواصلة تحتاج إلى مزيد من البحث، فالتنمية البشرية هي أساس التنمية في الإسلام ونحتاج إلى أن نبحث في كيفية تفعيلها على المستوى الجزئي وليس فقط على المستوى الكلي. هناك أيضاً حاجة ماسة إلى التعرف على موقف العالم الإسلامي من العالم. من التطورات المتلاحقة على الساحة العالمية تحليل دقيق متعمق لانعكاسات تحرير التجارة العالمية وتيار العولمة على العالم الإسلامي من كافة النواحي الاستهلاكية والإنتاجية والتجارية والتوزيعية، وإمكانيات التكامل بين الأقطار الإسلامية في هذه الظروف الجديدة.(28/53)
وكذلك بحث مشكلة المديونية الخارجية الباهظة والمساعدات الأجنبية التي يتلقاها العالم الإسلامي من الخارج، كيف نواجه هذه المشكلات وما هي المخارج الاقتصادية السلامية لها . ولكي يتحقق هذا وغيره مما اقترحناه ضمن هذه البحث لا بد من الالتزام بمنهاجية علمية صحيحة، فينبغي للاقتصاديين الإسلاميين بذل مزيد من الجهد في جمع ملاحظات علمية دقيقة من الواقع العملي لبلدانهم، والعمل على تحليلها في إطار القواعد الشرعية والقيم الأخلاقية الإسلامية. ثم اقتراح السياسات والآليات المناسبة للعلاج ، ولا بأس إطلاقا من الاستعانة بأدوات التحليل الوضعية أو النظرية الاقتصادية طالما صارت هناك طمأنينة كاملة من حيادها فكرياً أو عدم تناقضها مع الفكر الإسلامي. ولكن الحذر كل الحذر من نقل الفكر الوضعي والمفاهيم الوضعية وادعاء أسلمتها بينما تظل كما هي لم تتغير، ومثل هذا المنهج الإسلامي العلمي الفريد الذي له استقلالية من حيث الرد أو الأخذ من اعلم الوضعي والذي لا هو بمنهج تجريبي بحت ولا بمنهج مثالي بحت (كما في الفكر الوضعي) سوف يسهم تدريجياً في بناء اقتصاد إسلامي صحيح في النهاية.
ويلاحظ أن الأبحاث في مجال التنظير وفي بناء نماذج اقتصادية لإسلامية تصلح للتطبيق فقط في أُطر مثالية له قيمته العلمية بلا شك، لكنه لن يفيد في مجتمعاتنا الإسلامية الآن في واقعها المعاصر، هذا إلا إذا قام البعض بأبحاث تكميلية تبين كيفية التحول من الأوضاع الحالية إلى الأوضاع المثالية التي تصورها هذه النماذج على مدى الزمن.(28/54)
وتثير القضايا الفكرية المطروحة قضايا أخرى متصلة بالجانب المؤسسي في الاقتصاد الإسلامي وضرورة تفعيله، من حيث أنه يمثل حلقة الوصل بين الفكر والتطبيق. وعلى رأس القضايا الهامة هنا الجانب التعليمي في الاقتصاد الإسلامي.كيف يمكن تنمية المعرفة بالاقتصاد الإسلامي على جميع المستويات بدءاً من مستوى الرجل العادي وربة المنزل وتلامذة المدارس الابتدائية إلى مستوى الطالب الجامعي والباحث في الدراسات العليا.ذلك لأن التزام الرجل العادي وربة المنزل بالقيم الاقتصادية الإسلامية هو السبيل إلى نشر أنماط استهلاكية وادخارية واستثمارية إسلامية تنعكس بعد ذلك على النشاط الإنتاجي وتوازنه مع النشاط الاستهلاكي على المستوى الكلي، وتنعكس على أداء المؤسسة المصرفية الإسلامية أو غيرها من الشركات الإسلامية.
كذلك فإن إعداد التلامذة في مراحل تعليمية سابقة للجامعة ثم تخريج أعداد متزايدة من الجامعيين الحاملين للفكر الاقتصادي الإسلامي لا بد أن يؤثر في آليات القرار الاقتصادي على المستويين الجزئي والكلي في المجتمعات الإسلامية على مدى الأجل الطويل، فيكن هذا سبباً مؤكداً بعد حين من الزمن إلى نفاذ النظام الاقتصادي الإسلامي إلى الواقع رغم تحديات القوى المعارضة له، لذلك علينا نشر الثقافة والمعرفة الاقتصادية الإسلامية بأكفأ الطرق وأكثرها فاعلية ومرونة في الوقت نفسه. ولرجال الاقتصاد الإسلامي دور هام هنا في تبسيط المناهج للعامة ولطلاب المدارس، وللفقهاء والعلماء دور أكثر أهمية من حيث التأكيد على الجوانب الفقهية والأخلاقية وصلتها بالممارسات العملية في عالم الاقتصاد.(28/55)
وهكذا فنحن بحاجة إلى اقتصاد إسلامي مبسط وإلى مناهج مساندة للاقتصاد الإسلامي كفقه الاقتصاد الإسلامي وأخلاقيات الاقتصاد الإسلامي أو التربية الاقتصادية الإسلامية. وهذه المعارف التأسيسية يجب أن تميز بدقة عن الاقتصاد الإسلامي كعلم يبحث في تحليل ومعالجة المشكلة الاقتصادية في إطار القواعد الشرعية والقيم العقدية الإسلامية، ذلك لأن اعتقاد البعض أن هذه المعارف التأسيسية جزء من الاقتصاد يقلل جداً شأنها ويفقدها أصالتها الفكرية بينما لا يفيد التقدم العلمي للاقتصاد الإسلامي بل يقف حائلاً أمامه.
كذلك فإن العمل على تفعيل المؤسسة المصرفية الإسلامية أصبح أمراً في غاية الأهمية بعد أن كادت بعض الممارسات الخطأ أن تفقدها هويتها المميزة تجاه المؤسسة المصرفية الربوية. ولا بد في هذا المجال من ضرورة الإشارة إلى خطورة الاستمرار في الاعتماد على وسائل تمويل تُوصف بأنها إسلامية بينما هي محل شك وانتقاد شديد من الاقتصاديين الإسلاميين ومن العديد من أهل الفقه الإسلامي، وإلى خطورة استمرار سيطرة أصحاب رؤوس الأموال الضخمة على المؤسسة المصرفية الإسلامية. فلا بد أن تدار هذه المؤسسة على نحو علمي بواسطة أشخاص يجمعون بين ثقافة إسلامية ودوافع عقدية عالية وخبرة مصرفية كافية وبموظفين مؤمنين بأهداف العمل المصرفي الإسلامي وضرورة بذل الجهد والتضحية في سبيل نجاحه، ولن يتحقق ذلك إلا باستخدام أعداد متزايدة ممن تلقوا دراسات في الاقتصاد الإسلامي، وليس بواسطة أشخاص ممن يسعون إلى الحصول على أية وظائف ذات دخل مرموق.
أما مؤسسات الزكاة والوقف والحسبة التي يُنتظر من ورائها إحياء النظام الاقتصادي الإسلامي فما زالت بحاجة إلى جهود علمية وعملية في أداء وظائفها وحلولها، وبالتالي محل المؤسسات الوضعية القائمة.(28/56)
إن ثمة مسئولية كبيرة ملقاة على عاتق رجال الاقتصاد الإسلامي حتى يضعوا نماذج اقتصادية واقعية على أسس إسلامية متينة، ويضعوا تصورات واضحة عن السياسات والآليات والظروف اللازمة لنجاحها. فإذا نجحنا في ذلك يمكن أن تصبح هذه النماذج منارة للبلدان النامية جميعاً إسلامية وغير إسلامية.
( ( (
الهوامش والمراجع
(1) …انظر: عبد الرحمن يسري أحمد، تطور الفكر الاقتصادي والطبعة الأخيرة، الدار الجامعية، الإسكندرية، سعيد مرطان، مدخل لفكر الاقتصادي في الإسلام دار العلم للملايين، بيروت- الطبعة الخامسة1980، شوقي دنيا، سلسلة أعلام الاقتصاد الإسلامي، مكتبة الخريجي- الرياض1984، نجاة الله صديقي، استعراض الفكر الاقتصادي الإسلامي، ترجمة سلطان أبو علي والقرنشاوي، جامعة الملك عبد العزيز وأصلاً Recent Works on History of Economic Thought in Islam Survey مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز، جدة1982.
(2) عبد الرحمن يسري أحمد، الاقتصاد الإسلامي بين منهاجية البحث وإمكانية التطبيق، سلسلة محاضرات العلماء الفائزين بجائزة البنك رقم (15)، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، 1999م.
(3) وللأسف الشديد فإن عددا من هؤلاء قد تم استخدامهم لتدريس الاقتصاد في أقسام علمية أنشئت خصيصاً ببعض الجامعات لتدريس الاقتصاد الإسلامي فكان لهم تأثير سلبي غير عادي على توجهات الطلاب من جهة التخصص العلمي في هذا الميدان.
(4) مناع قطان، مفهوم ومنهج الاقتصاد الإسلامي، شوقي الفنجري، المذهب الاقتصادي في الإسلام، وذلك ضمن الاقتصاد الإسلامي- بحوث مختارة من المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي، المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي جامعة الملك عبد العزيز، جدة 1400ـ- 1980م.
(5) محمد فاروق النبهان، أبحاث في الاقتصاد الإسلامي، مؤسسة الرسالة، بيروت ط1، 1406هـ- 1986.(28/57)
(6) محمد باقر الصدر، اقتصادنا، دار التعارف، بيروت، 1400هـ- 1980.
(7) عبد الرحمن يسري أحمد، الاقتصاد الإسلامي بين منهاجية البحث وإمكانية التطبيق، سبق ذكره، ص 31- 33.
(8) …محمد أبو زهرة، التكافل الاجتماعي في الإسلام، دار الفكر العربي، القاهرة، عبد السميع المصري، مقومات الاقتصاد الإسلامي، مكتبة وهبة- القاهرة 1395هـ- 1975م، أبو الأعلى المودودي، أسس الاقتصاد بين الإسلام والنظم المعاصرة ومضلات الاقتصاد وحلها في الإسلام، ترجمة عاصم الحداد، الدار السعودية للنشر- بيروت 1967م.
(9) Chapra, M. U,'' The Economic System of Islam'', The Islamic Culture Centre, London1970.
Also: ''Objectives of The Islamic Economic Order'' The Islamic Foundation. U.k, 1979.
(10) محمد رشيد رضا، الربا والمعاملات في الإسلام، تحرير محمد بهجة البيطار- مكتبة القاهرة 1969، عبد الرزاق السنهوري، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، القاهرة، محمود أبو زهرة، بحوث في الربا، دار الفكر العربي، القاهرة، عبد الرحمن يسري، الربا والفائدة-رد على المدافعين عن فوائد البنوك، الدار الجامعية- الإسكندرية،ط1، 1996، الفصل الثالث.
(11) عيسى عبده، الاقتصاد الإسلامي، دار نهضة مصر- القاهرة1974، أبو الأعلى المودودي، أسس الاقتصاد بين الإسلام والنظم المعاصرة، ترجمة محمد عاصم الحداد، الدار السعودية للنشر- بيروت1976، صلاح منصور، أرباح البنوك بين الحلال والحرام، دار المعارف- القاهرة1989.
(12) محمد سيد طنطاوي، معاملات البنوك وأحكامها الشرعية، مطبعة السعادة،ط2، القاهرة 1991.
(13) انظر رأي سعيد النجار في صلاح منتصر، مرجع سبق ذكره في ملاحظة،1.
(14) نجاة الله صديقي Banking Without Interest (Siddiqi, M. N) الناشرThe Islamic Foundation, LEICESTER, UK,1983(28/58)
عمر شابرا Towards A Just Monetary System(Chapra, M.U) الناشرThe Islamic Foundation, UK ، عبد الرحمن يسري، مقال في ندوة Islamic Foundationبعنوان
Riba: its Economic Rational and Implication ومنشور في New Horizon, No 109, May- June 2001 والتي ينشرها Institute of Islamic Banking & Insurance, London, UK
رفيق المصري، ربا القروض وأدلة تحريمه، مركز النشر العلمي، جامعة الملك عيد العزيز1987، وكذلك الربا والحسم الزمني، دار حافظ- جدة1987، نجفي Najvi, S. N. H, Interest Rate and Interemporal Allocative Efficiency in an Islamic Economy, In Ariff M(ed) Monetary and Fiscal Economics of Islam. International Center of Research in Islamic Economics, Jeddah, 1982.
D Khatkhate, Assessing the Impact of Interest Rates in LDCs, World Development, Vol. 16, No 5, pp 577- 588, Pergamon Press, G.britain.
(15)D.Khatkhate, Assessing the Impact of Interest Rates in LDCs,World Development, Vol 16,No.5,pp.577- 588, Pergamon Press, G. Britain.
(16) محمد شوقي الفنجري، نحو اقتصاد إسلامي، شركات مكتبات عكاظ للنشر والتوزيع، ط1، 1981،ص124- 125، وأحمد صفي الدين عوض، بحوث في الاقتصاد الإسلامي، وزارة الشئون الدينية والأوقاف- السودان 1978، ص31-32.
(17) محمود أبو السعود Money, Interest & Qirad (Mahmud Abu Saud)، ومعبد الجارحي.
(Mahdi Al-Jarhi) The Relative Efficiency of Interest- Free Moneatary Economics:
The Fiat Money Case- كلتا المقالتين في: Studies in Islamic Economics: تحرير خورشيد
أحمد الناشر Islamic Foundation مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز 1980.
(18) انظر مرجع شابرا في ملاحظة سابقة، 14.(28/59)
(19) للإطلاع على مساهمة هايك F.A.Hayek انظر: G.P.O' Driscoll, Economics as a Coordination Problem: The Contribution of Friedrich A. Hayek, Kansas City: Sheed,1977.
(20) المقريزي، إغاثة الأمة بكشف الغمة، دار ابن الوليد، حمص-سوريا، 1956، وملخص المساهمة في عبد الرحمن يسري، تطور الفكر الاقتصادي، سبق ذكره (1).
(21) انظر الأبحاث المقدمة في حلقة العمل الأولى عن (التضخم وآثاره على المجتمعات- الحل الإسلامي) المنظمون مصرف فيصل الإسلامي- ا لبحرين، مجمع الفقه الإسلامي- جدة، البنك الإسلامي للتنمية- جدة، رجب1416هـ- 1995م، ومن بين الأبحاث المقدمة: عبد الرحمن يسري أحمد (التضخم حقيقته ومسبباته وأنواعه وآثاره).
(22) نزيه حماد، تغير النقود وآثاره على الديون في الفقه الإسلامي، مجلة البحث العلمي والتراث الإسلامي، كلية الشريعة، مكة1400هـ- 1980، ومحي الدين قره داغي، انظر أبحاث حلقة العمل الثانية في التضخم، ملاحظة 23.
(23) انظر الأبحاث المقدمة في حلقة العمل الثانية عن (التضخم وآثاره على المجتمعات- الحل الإسلامي) المنظمون لحلقة العمل الأولى (انظر سابقاً) بالاشتراك مع البنك المركزي- ماليزيا، ومن بين الأبحاث:(28/60)
عبد الرحمن يسري أحمد، عرض وتحليل لآراء الاقتصاديين الإسلاميين في الربط القياسي، كوالالمبور- محرم1417هـ- يونيو1996م. مقال عبد المنان، ربط القيمة بتغير الأسعار، النظريات والخبرة والتطبيق من منظور إسلامي، وفيه نقد شديد للمعارضين من الفقهاء في حلقة عمل حول ربط الحقوق والالتزامات بتغير الأسعار من وجهة النظر الإسلامية، البنك الإسلامي للتنمية، جدة- شعبان1407هـ- إبريل1987م، وأحد الأبحاث المميزة في هذه الحلقة: Hasanuzzaman, S. M, Indexation وكذلك مقال منور إقبال (مزايا ربط العملات بمستوى الأسعار ومبادئه، ويمكن أيضاً مراجعة رفيق المصري، الإسلام والنقود، مركز النشر التعليمي، جامعة الملك عبد العزيز-جدة، الطبعة الثانية 1410هـ- 19990م. ومن الأعمال الجديرة بالذكر موسى آدم عيسى، آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها في الاقتصاد الإسلامي-رسالة ماجستير، جامعة أم القرى 1405هـ- 1985م، وتم نشرها فيما بعد في سلسلة صالح كامل للرسائل الجامعية، 1414هـ- 1993م. انظر أيضاً آراء ضياء الدين أحمدن ندوة سابقة، يوسف كمال، فقه الاقتصاد النقدي، فصل 7، دار الصابوني ودار الهداية، 1414هـ- 1993م، وفيها معارضة للربط القياسي، كذلك رأي عمر شابرا (نحو نظام نقدي عادل) وهو معارض للربط القياسي أيضاً.
(24) محمد عبد الله العربي، محاضرات في الاقتصاد الإسلامي وسياسة الحكم في الإسلام، مطبعة الشرق العربي، القاهرة، رجب1378هـ- أكتوبر1976م، عيسى عبده، البنوك بلا فوائد، دار الفكر، القاهرة1970، أبو الأعلى المودودي (سبق ذكره)، أحمد النجار، المدخل إلى النظرية الاقتصادية في المنهج الإسلامي، الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، 1400هـ- 1980م.
(25) سامي محمود (Arabian Information ,London, 1985) Islamic Banking وله أيضاً:
Progress of Islamic Banking, Islamic Economic Studies, December ,1994.(28/61)
وتطوير الأعمال المصرفية، دار الاتحاد للطباعة،1976، رفيق المصري (سبق ذكره)، ومحسن خان
Islamic Interest- Free Banking, A Theortical Analysis وهو منشور مع أعمال أخرى عن البنوك الإسلامية بالاشتراك مع عباس ميراخور Abas Mirakhor في Islamic Banking and Finance in Theoretical Studies (Houston, TX: The Institute for Research& Islamic Studies, 1987)
شابرا، نحو نظام نقدي عادل، المعهد الدولي للفكر الإسلامي 1987، محمد نجاة الله صديقي، لماذا المصارف الإسلامية، المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز، جدة1982، معبد الجارحي A Monetary and Financial Structure for an Interest- Free Economy. In Z. Ahmed, M. Iraqi and F. Khan(eds) Fiscal
Policy and Research Allocation in Islam, Jeddah,1983.
…انظر أيضا قائمة المراجع لمساهمات عبد الحميد الغزالي ومتولي وحسن زبير ومنور إقبال وأوصاف أحمد وحسن الأمين.(28/62)
(26) انظر أعمال ندوة (خطة الاستثمار في البنوك الإسلامية- الجانب التطبيقية والقضايا والمشكلات) المنظمون مؤسسة آل البيت (مآب) والبنك الإسلامي للتنمية بجدة، عمان، شوال1407هـ- يونيو1987م، وفيها عبد الستار أبو غدة، عقد المرابحة في المجتمع المعاصر، راضي البدور، عقود المشاركة في الأرباح- المفاهيم والقضايا النظرية، أوصاف أحمد، الأهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفي الإسلامي،، أدلة عملية من البنوك الإسلامية، محمد عبد الحليم عمر، التفاصيل العملية لعقد المرابحة، إسماعيل عبد الرحيم شلبي، الجوانب القانونية لتطبيق عقدي المرابحة والمضاربة، حاتم القرنشاوي، الجوانب الاجتماعية والاقتصادية لتطبيق عقد المرابحة، فهيم خان، تطبيق عقدي المرابحة والمضاربة في البنوك الباكستانية، شوقي شحاتة، تجربة بنوك فيصل الإسلامية في المرابحة والمضاربة، سامي حسن حمود، تطبيقات المرابحة للآمر بالشراء من الاستثمار البسيط إلى بناء سوق رأس المال الإسلامي، موسى عبد العزيز شحاتة، تجربة البنك الإسلامي الأردني.
(27) انظر أعمال ندوة التطبيقات الاقتصادية الإسلامية المعاصرة- الدار البيضاء- مايو1998، ومن بينها عبد الرحمن يسري أحمد، أثر النظام المصرفي التقليدي على النشاط المصرفي الإسلامي- التجربة المصرية ومقترحات المستقبل، وقد تم نشر أعمال الندوة في تاريخ لاحق- انظر مطبوعات المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، جدة. وفي هذه الورقة وغيرها هناك ملاحظات هامة وانتقادات لممارسات البنوك الإسلامية في المرابحة وغيرها وذلك بقصد تحسين أداء هذه البنوك.
(28) تقرير Sharia Appellant Court- وهي المحكمة المختصة قي باكستان، وقد نشر التقرير في عدد خاص من مجلة المحكمة برقم وتاريخ وقد تمت ترجمته بالعربية.(28/63)
(29) انظر أعمال ندوة الصناعة المالية الإسلامية- البنك الإسلامي للتنمية بجدة مع مركز التنمية الإدارية، كلية التجارة- جامعة الإسكندرية مع البنك الإسلامي للتنمية بجدة (المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب), وفي أعمال هذه الندوة العديد من العمال القيمّة التي تناولت الصناعة المالية الإسلامية (البنوك وأسواق المال عموما) بالتحليل والتقويم ومن بين الأعمال المقدمة بحث مسحي لمنور إقبال عن الصناعة المالية الإسلامية ، وبحث لعبد الرحمن يسري أحمد (البنوك الإسلامية- الأسس وآليات العمل وضرورات التطور)، الإسكندرية، سبتمبر2000. وقد تم نشر أعمال الندوة عن طريق البنك الإسلامي.
(30) ندوة مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة درام Durham بإنجلترا- يوليو2003، تحت النشر
A.R.Yousri, Islamic Banking Modes of Finance, Proposals for Further Evolution.
(31) محمد عبد المنعم أبو زيد، نحو تطوير نظام المضاربة في المصارف الإسلامية، المعهد العالي للفكر الإسلامي،دراسات في الاقتصاد الإسلامي(36)، ط1، 1420هـ- 2000م، القاهرة.
(32) أبحاث المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي (سبق ذكره في 4)، عاطف السيد، فكرة العدالة الضريبية في الزكاة في صدر الإسلام، يوسف القرضاوي، دور الزكاة في علاج المشكلات الاقتصادية.
(33) Hassanuzaman, S.M, The Economic Functions of The Early Islamic State, International Islamic Publisher, Karachi,1981, Hameedullah, Muhammad, "Budgeting and Taxation the Time of The Holy Prophet", Journal of The Pakistan Historical Society, January, 1955.
(34) Chapra, Umar, The Islamic Welfare State and its Role in The Economy(The Islamic Foundation, U.K ,1979).
(35) Siddqi. M. n, Role of The State in The Economy, An Islamic Perspective, The Islamic Foundation, U.K, 1996.(28/64)
(36)Faridi I. R, Zakat and Fiscal Policy, in Studies in Islamic Economics (Khurshid Ahmad, ed), Ibid, pp. 119- 130, Metwally, M. M, Fiscal Policy in Islamic Economics, Sammer, 1984. Salams. Abidine A. Fiscal Policy of an Islamic State, in Ziauddin Ahmad, M. Iqbal and F. Khan (eds) Fiscal Policy and Resource Allocation in Isalm, Jeddah, 1983.
(37)Ziauddin Ahmad, Islam, Poverty and Income Distribution, The Islamic Foundation, U.K, 1991.
(38)Salama. Abidine A, Fiscal Analysis of Zakah with special Reference to Saudi Arabia's Experience in Zakah, in Ariff(ed) Monetary and Fiscal Economics of Islam, Jeddah, international Centre of Islamic Economics, 1982.
(39) انظر مطبوعات البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب: المواد العلمية برنامج التدريب على تطبيق الزكاة في المجتمع الإسلامي المعاصر، وقائع ندوة رقم (33) تحرير منذر قحف، الإطار المؤسسي للزكاة- أبعاده ومضامينه، وقائع ندوة رقم (22) تحرير بوعلام بن جلالي ومحمد العلمي( 1995).
(40) انظر أبحاث المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي بالعربية وبالإنجليزية Studies in Islamic Economics
سبق ذكرها في (4)، (17).
(41) شوقي دنيا، الإسلام والتنمية الاقتصادية، دار الفكر العربي، القاهرة1979، يوسف إبراهيم، استراتيجية وتكتيك التنمية الاقتصادية في الإسلام، الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، القاهرة 1981.
(42) عبد الرحمن يسري أحمد، الأولويات الأساسية في المنهج الإسلامي للتنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي، المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي جامعة الملك عبد العزيز، جدة1982.(28/65)
(43)Ahmad, Ehsan (ed) Economic Growth and Human Resource Development in Islamic Perspective, Proceeding of the 4th International Islamic Economic Seminar, 1992 (Herndon,IIIT, 1993).
(44) عبد الرحمن يسري أحمد، التنمية الاقتصادية: نقد الفكر الوضعي ،بيان المفهوم الإسلامي الندوة الدولية عن تنمية العالم الإسلامي (تحت رعاية جامعة سيدي محمد بن عبد الله والبنك الإسلامي للتنمية) فاس- المغرب، أكتوبر1990، وكذلك ندوة دور الإسلام في سياسة التنمية (رعاية البنك الإسلامي للتنمية)تيامي- الميجر، مايو1992- ذو القعدة1414هـ، ومحمد شابراChapra انظر:
Islam and Economic Development: A Strategy for Development with
Justice and Stability. IIIT and Islamic Research Institute,1993.
" Islam and The Economic Challenge" The Islamic Foundation, U.K, 1992.
(45)Al-Hajjar, Bandar and John Presley, "Finance Economic Development in Islamic Economic: Attitude Towards Islamic Finance in Small Manufacturing Business in Saudi Arabia", 1996, Karanshawy, Hatem, Financing Economic Development from Islamic Perspective, 1996.
(46) زغلول النجار، قضية التخلف العلمي والتقني في العالم الإسلامي، رئاسة المحاكم الشرعية والشئون الدينية، قطر1409.
(47)عطا الحق برامانك Pramanik Atul Huq, Development and Distribution in Islam,Pelanduk, Publication, Malaysia,1993.
(48) عبد الرحمن يسري أحمد، أسلوب الأمن الغذائي والتنمية في العالم الإسلامي، ندوة التنمية بعمان، الأردن، تحت رعاية مؤسسة آل البيت والبنك الإسلامي للتنمية- عمان 1991.(28/66)
(49) عبد الرحمن يسري أحمد، التنمية المتواصلة، المفاهيم والمستلزمات- تقييم للفكر الوضعي ورؤية إسلامية، مقدم إلى المؤتمر العالمي الخامس للاقتصاد الإسلامي وكان مقررا في 2002م في البحرين وتأجل لأسباب حرب العراق إلى 2003م. وانظر بروفسور زبير
Zubair, Hassan, Sustainable Development, Meaning and Policy Implications from an Islamic Perspective.
(50) حسن عباس زكي، التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية، أبحاث المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي سبق ذكره في (14).
(51)خورشيد أحمد ،سبق ذكر المرجع في (17).
(52) إسماعيل عبد الرحيم شلبي، التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية، 1983- القاهرة، وكذلك:
Jabir, Rafique,Islamic Common Market Prospects and Problems. Pakistan and Gulf Economist, Vol. 4, 1985 (March).
(53)El- Zaim. Issam, The Industrial Patterns of Islamic Countries and Their Opportunities of Industrial Co-operation, Centre d' Etudes et de Researches syr e Monde Atab Conemorian ,1983.
(54) Abdel Rahman,Ibrahim Helmi, "Industrialization in, and Transfer of Technology to Tthe Muslim World'', Islamic Council of Europe,1979. also: Statistical ,Economic and Social Research and Training Centre for Islamic countries (SESRTCIC) Technical Co-operation among the Member States of the Islamic Conference , Journal of Economic Co-operation among Islamic Countries ,Vol. 2,1981 (Ankara).
(55) عبد الرحمن يسري، العلاقات الاقتصادية بين البلدان الإسلامية ودورها في التنمية الاقتصادية، منشورات المؤتمر العالمي الثاني للاقتصاد الإسلامي ،إسلام أباد-باكستان 1983, Towards Positive Economic Integration Among Islamic Countries ، ندوة اتحاد البنوك الإسلامية(28/67)
ومنظمة المؤتمر الإسلامي، إسلام أباد 1987، وكذلك مراحل التكامل الاقتصادي الإسلامي في إطار الظروف المعاصرة، ندوة وزارة الأوقاف والشئون الدينية، الجزائر العاصمة 1990، انظر فولكرنين هاوس:
Nienahus, Volker. Direction of Trade Among Islamic Countries Levels
Growth Rate, Rank Orders, Concentration and Polarization 1975- 1980
In Thought of Economics, Vol. 5,1984. No11(Jan- March).p1-19.
Economic Development Thought Regional Co-operation , A Customs Drawback Union of Islamic Countries, International of Institute of Islamic Economics, Islamabad( Seminar on Fiscal Policy and Development Planning in Islam), July 1986. Islamabad, Pakistan.
(56)Islamic Chamber of Commerce. Industry and Commodity Exchange(ICCICI).''Program for The Promotion of Industrial Joint Ventures among OIC Member Countries, Information Bulletin ,Islamic Chamber, Vol.4, 1984.No7- 9.
(57) انظر مقال عبد الرحمن يسري أحمد (1990) سبق ذكره في (55) للتأكيد على أهمية تحرير حركة العنصر البشري الإسلامي في المرحلة الأولى للتكامل.
(58) سبق ذكره في (55).
(59) سبق ذكر المرجع في (4).
(60) المرجع السابق.
(61) سبق ذكر المرجع في (4).
(62) أبحاث المؤتمر العالمي للاقتصاد الإسلامي، سبق ذكر المرجع في (4).
(63) انظر عبد الرحمن يسري أحمد، دراسات في علم الاقتصاد الإسلامي، دار الجامعات المصري، الإسكندرية، ط1، الطبعة الثالثة 2003، الدار الجامعية، الإبراهيمية، الإسكندرية.
(64)Fahim Khan, Theory of Consumer Behavior in Islamic Perspective in Ausfa Ahmad, et al (eds)
Lecture Islamic economics, 1412h, 1992,pp169- 181.
(65)Mannan, M.A, Islamic Economics, Theory and Practice, Hodder and Stoughton Cambridge, 1986 (Ist Edition 1970).(28/68)
(66) المرجع السابق ذكره.
(67) Kahf Munzer, A Contribution to the Theory of Consumer Behavior in an Islamic Society, in Studies in سبق ذكر المرجع في (17) Islamic Economics. Khurshid. A. (ed)
(68) سبق ذكر المرجع في (63).
(69)Munawar Iqbal, Organization of Production and Theory of Firm Behavior
From and Islamic Perspective. In Ausaf Ahmad, et la (1992),pp 205- 212.
(70)Metwally, M. M. A Behavioral model of an Islamic Firm. Centre for Research in Islamic Economics, King Abdul Aziz University, Jeddah, Research Series in English, No 5.
(71) عبد الرحمن يسري أحمد- مرجع سابق ذكر في (63) والطبعة الثانية 2001، الدار الجامعية بالإسكندرية.
(72) Metwally. M. M. Macroeconomics Model of Islamic Doctrines, j. k. Publisher, London, 1981.
(73) شوقي الفنجري سبق ذكره في (14).
(74) M. U. Chapra, Islam and the Economic Challenge, Islamic Foundation, U.K,1982
انظر الفصلين السابع والثامن على وجه الخصوص
(75) المراجع مذكورة في مجال أبحاث الزكاة.
Basar, Hasmet (ed) Management and Development of Awqaf (76)Properties, Proceeding of
a Seminar held4- 16 August, by IRTI, IDB,Jeddah,1984- Publication 1987.
ونعمت عبد اللطيف مشهور، أثر الوقف في تنمية المجتمع، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي، القاهرة 1997.
(77)Zarqa .m. a. Islamic Distributive Schemes, in Iqbal, M. (ed) Distributive Justice and Need Fulfillment in an Islamic Economic
( Islamabad International Institute of Islamic Seminar), Publisher: The Islamic Foundation 1988.
وفي هذا الكتاب عدة مقالات جديرة بالقراءة في الموضوع
سبق ذكره في (37) Ziauddin Ahmad, Islam, Poverty and Income Distribution(28/69)
(78) أعمال ندوة أبو ظبي في الاقتصاد الإسلامي- تحت رعاية المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية: عبد الرحمن يسري أحمد، تنظيم السوق وتحديد الأسعار للسلع وعناصر الإنتاج في النظام الاقتصادي الإسلامي، أبو ظبي1989.
(79)Ausaf Ahmad, A Marco Model of Distribution in an Islamic Economy And Mabid Ali Al-Jarhi.
Towards An Islamic Marco Model of Distribution: A Comparative Approach in Fahim Khan (ed) Distribution in Macroeconomic Framework: AN Islamic Perspective, International Institute of Islamic Economics Islamabad 1988.
(80) انظر المرجع السابق.
(81) انظر المرجع السابق.
(82) انظر مراجع سابقة في مجال المصرفية الإسلامية.
(83) شابرا- نحو نظام نقدي عادل (سبق ذكره) ومراجع أخرى عديدة مذكورة في 21، 23.
(84) المراجع لقضية المنهاجية العلمية محدودة جداً، واعتمد هنا أساساً على ما ورد مفصلاً في: عبد الرحمن يسري، الاقتصاد الإسلامي بين منهاجية البحث وإمكانية التطبيق، في سلسلة محاضرات الفائزين بجائزة البنك رقم (15)، مطبوعات البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، ط1، 1419هـ- 1999م، جدة.
ومن المراجع الجديرة بالذكر:
-Chapra, M. Umer, The Future of Economics. An Islamic Perspective, The Islamic Foundation, U.K. 2000.
-Akram Khan M. Methodology of Islamic Economics With Emphasis on Research Administration and Finance, IRTI, IDB, 1986.
-Anwar, Muhammad, Islamic Economics Methodology, Journal of Objective Studies, Aligara, India, July, 1990,pp 28-46.
-Zarqa, M. A. Problems of Research in the theory of Islamic Economics. Suggested Solutions, in IRTI,1986.
??
??
16 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
تقويم مسيرة الاقتصاد الإسلامي 15(28/70)
تقويم مناهج أقسام الاقتصاد الإسلامي
بالجامعات والمعاهد العليا السودانية
بالتركيز على منهج الاقتصاد الكلي
عز الدين مالك الطيب محمد
أستاذ مساعد
كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - قسم الاقتصاد
جامعة أم درمان الإسلامية - السودان
ملخص البحث
تقويم مناهج أقسام الاقتصاد الإسلامي بالجامعات و المعاهد العليا السودانية بالتركيز على منهج الاقتصاد الكلي .
يهدف البحث إلى تحقيق أمرين الأول :- وصف واقع مناهج أقسام الاقتصاد الإسلامي في الجامعات و المعاهد العليا السودانية وهي :- جامعات أم درمان و القران الكريم ووادي النيل وسنار وغرب كردفان و المعهد العالي للدراسات المصرفية و المالية و الثاني :- هو وضع تصور لتطوير مناهج الاقتصاد الإسلامي من خلال :-
القسم الأول :- تقويم مناهج أقسام الاقتصاد الإسلامي بالسودان :- وشمل التقويم جوانب المواد الدراسية، و أعضاء هيئة التدريس، ومقومات نجاح المنهج وقد توصل البحث إلى عدم قدرة مواد منهج الاقتصاد الإسلامي في تحقيق هدف تأهيل و إعداد كوادر تصلح للعمل بكفاءة في المؤسسات الاقتصادية الإسلامية المعاصرة، لأسباب عديدة منها :-
1. عدم تحديد هوية ومنهج الاقتصاد الإسلامي .
2. قصور منهج العلوم الشرعية وعدم فعالية محتواها .
3. عدم المزج الجيد بين العلوم الشرعية و العلوم الاقتصادية .
4. عدم مواكبة المنهج للتطورات النظرية و التطبيقية في مجال الاقتصاد الإسلامي .
5. ضعف إسهامات الاقتصاد الإسلامي في مجال النظرية الاقتصادية .
هناك أسباب كثيرة وراء ضعف إسهامات أعضاء هيئة التدريس في نجاح وتفعيل منهج الاقتصاد الإسلامي من أبرزها :-
1- سيطرة أساتذة العلوم الشرعية على تدريس مواد الاقتصاد الإسلامي .
2- عزوف أساتذة الاقتصاد الإسلامي عن العمل بالجامعات لتدني الأجور .
3- ندرة المراجع الاقتصادية وقلة الإسهام العلمي في مجال الاقتصاد الإسلامي(29/1)
ساعدت ندرة المراجع وضعف العلاقات التبادلية الداخلية والخارجية في عدم توفير مقومات لازمة لنجاح المنهج .
القسم الثاني :- تصور مقترح لتطوير مناهج الاقتصاد الإسلامي :-
سعى التصور المقترح إلى تحقيق آلاتي :-
1. تحديد هوية ومنهج الاقتصاد الإسلامي .
2. زيادة تفعيل العلاقات التبادلية الداخلية و الخارجية ورفع كفاءة هيئة التدريس .
3. إنشاء تخصصات تشمل - تخصص الاقتصاد الإسلامي الشرعي، والتطبيقي .
4. تقديم مفردات لمقرر الاقتصاد الكلي الإسلامي .
Abstract
Evaluation of methods in Islamic economics sections in Sudanese universities and high institutes , with concentration on macro economics course
This research aims to fulfillment two goals as follow:-
1. Firstly : to describe the reality of methods in Islamic economics sections in Sudanese university Omdurman university , holy Quran university , Wadi Elniel , Sinnar , West Kordofan and high institute for banking and financial studies .
2. Secondly : to contribute in establishing a method to develop the methods of an Islamic economics through:-
(A). Evaluation the methods of Islamic economics in Sudan .
the evaluation incorporates the subjects of the method ,member of teaching and requirement for successing of method .
this research has reached to a result that : lack and insufficiency of method in qualifying a sufficient cadres to lead the work in contemporary Islamic economic institutes for many reason as follow :
- misidentify of method of Islamic economics .
- Shortcoming and insufficiency in method of sharia sciences .
- Insufficient mixin between sharia sciences and economic sciences(29/2)
- Unpursuance of methods with development in theoretical and Islamic economics .
- Weakness of Islamic economics contribution in economic theory.
Also there were many reasons for weakness of contribution in successing and developing in Islamic economics method such as :
- Domination of teacher of sharia science in teaching the method .
- Low of age in Sudan universities , so the teachers never come to teach in universities .
- Scarcity of economic reference and lack of scientific contribution in Islamic economics .
the scarcity of reference and weakness of internal and external reciprocal relationship contributed effectively in lay out and lack of requirement necessary for successing the method.
(B) This research present a suggestion proposed opinion to develop the method of Islamic economics through the following :-
* Determinate the identity and method of Islamic economics .
* To develop the internal and the external reciprocal relationship .
* To profit from all the members of teaching through special training sessions to raise their efficiency .
*To qualify a specialized cadres in El fatwa and sharia control (specialization in sharia Islamic economics).
*To rehabilitation a specialized cadres in business administration , investment and all economic fields so as to lead the work in contemporary Islamic economic institutes .Specialization applied Islamic economics .
* To present terms , for Islamic macro economics course .
المقدمة :-(29/3)
شهد السودان تدريس مادة الاقتصاد الإسلامي وتأسيس قسم الاقتصاد الإسلامي بجامعة أم درمان الإسلامية، منذ عام 1975م و بالتالي صارت من الجامعات الرائدات في هذا المجال .
أسهمت جامعة أم درمان الإسلامية في دعم قيام المؤسسات الاقتصادية الإسلامية المعاصرة، مثل :- المصارف الإسلامية، وشركات التامين وديوان الزكاة من خلال تقديم النموذج النظري لها و إعداد و تأهيل الكوادر في مجال الاقتصاد الإسلامي .
لم يقتصر أمر أقسام الاقتصاد الإسلامي على جامعة أم درمان الإسلامية بل شمل الأمر جامعات القران الكريم و العلوم الإسلامية، ووادي النيل و سنار وغرب كردفان و المعهد العالي للدراسات المصرفية و المالية .
توجد عدة دوافع لتقويم أقسام الاقتصاد الإسلامي بالسودان من أبرزها :-
1. عدم مراجعة مناهج الاقتصاد الإسلامي مراجعة شاملة منذ إنشائها .
2. انتقال الاقتصاد الإسلامي من مرحلة الشك إلى مراحل اليقين والتطبيق البين .
3. عدم مواكبة المنهج للتطورات النظرية و التطبيقية في مجال الاقتصاد الإسلامي .
ومن اجل تحقيق هدف تقويم أقسام الاقتصاد الإسلامي في السودان، قسمت الدراسة إلى قسمين هما:-
القسم الأول :- تقويم مناهج أقسام الاقتصاد الإسلامي بالسودان :- ويحتوي على:-
الفرع الأول :- مواد منهج الاقتصاد الإسلامي .
الفرع الثاني :- دور عضو هيئة التدريس في تطوير المنهج .
الفرع الثالث :- عوامل نجاح المنهج .
القسم الثاني :- تصور مقترح لتطوير مناهج الاقتصاد الإسلامي :-
ويضم كلاً من :-
الفرع الأول :- القواعد الأساسية لتطوير مناهج الاقتصاد الإسلامي .
الفرع الثاني :- مواد منهج الاقتصاد الإسلامي .
الفرع الثالث :- مقرر الاقتصاد الإسلامي الكلي .
القسم الأول :- تقويم مناهج أقسام الاقتصاد الإسلامي بالسودان :-(29/4)
تعكس المناهج الدراسية أهداف المجتمع في تكوين و إعداد القوي البشرية،ويتم إعدادها بالاستفادة من تجارب الماضي وخبرات الحاضر لتكوين جيل المستقبل "ويمكن تعريف المنهج على انه مجموعة من المواد المتسقة التي تؤدي إلى الحصول على درجة علمية معينة،وبعد انقضاء فترة زمنية محددة لكل مادة من مجموعة المواد المقررة والنجاح فيها.ويجب أن لا ينفصم المنهج، بل يجب أن تبحث هذه المواد في جوانب الحياة المختلفة "1 وبالتالي يصبح المنهج هو المنفذ الوحيد لتطوير القوى البشرية في المجتمع،أما مفهوم تقويم المنهج فهو " عملية جمع البيانات الخاصة بالمنهج وما يرتبط به من عمليات وخدمات بشرية ومادية وتربوية مساعدة لصناعته وتنفيذه، ثم معالجتها بطرق إحصائية، وصفية مناسبة لتقرير صلاحية قيمته البنائية والإنتاجية،للعمل بعدئذ على تحسينه وعلاجه، أو لاجازة الاستمرار بتطبيقه، أو إلغائه كلياً من التربية المدرسية ."2
ولكي يتم تقويم مناهج أقسام الاقتصاد الإسلامي بالسودان نحدد أولاً هذه الأقسام والتي تظهر في الأنواع آلاتية :-
النوع الأول :- أقسام كلية الاقتصاد :- وتوجد هذه الأقسام في جامعة أم درمان الإسلامية، وجامعة القران الكريم والعلوم الإسلامية عام 1990.
النوع الثاني :- أقسام كلية العلوم الإسلامية والعربية :- وهي تجربة جامعات وادي النيل 1990م، سنار 1992م، غرب كردفان 1997م .
النوع الثالث :- ويمثله المعهد العالي للدراسات المصرفية و المالية 1993م.
ومن ابرز مجالات تقويم المناهج في الأقسام السابقة - والتي تمثل جميع أقسام الاقتصاد الإسلامي بالسودان حتى 2002م - كل من مواد منهج الاقتصاد الإسلامي، و دور عضو هيئة التدريس في تطوير المنهج، ومقومات نجاح المنهج على النحو التالي:-
الفرع الأول :- مواد منهج الاقتصاد الإسلامي(29/5)
يحتاج طالب الاقتصاد الإسلامي لعدد من العلوم الشرعية والعلوم الاقتصادية والمساندة، بشكل متناسق ومنسجم بهدف تكوين شخصية الطالب القادر على دعم وتطوير المؤسسات الاقتصادية الإسلامية المعاصرة نظرياً وعملياً .
ولكن هل نجح منهج الاقتصاد الإسلامي في تحقيق هذا الهدف ؟
يمكن التعرف على ملامح الإجابة بعد تناول مواد منهج الاقتصاد الإسلامي بالتحليل لأنها تمثل الأساس لبناء الطالب القادر على تحقيق الهدف السابق وهي:-
أولاً :- مواد العلوم الشرعية :-هي مواد كليات أو أقسام الشريعة و أصول الدين والدراسات الإسلامية وهي :- القران الكريم وعلومه، والحديث وعلومه، الفقه و أصوله، ونلاحظ من جدول رقم (1) وجدول رقم (4) من ملحق البحث، أنها تمتاز بالخصائص آلاتية :-
الخاصية الأولى :- اختلاف عددية مواد العلوم الشرعية :- حيث أنها تأخذ الأرقام 7, 10, 13, 16 , 23, 32 في جامعات القران الكريم وغرب كردفان ووادي النيل وسنار و أم درمان والمعهد بنسبة 39%، 30.3%،25.8%،19.1%،20.8%،9.9% من إجمالي المواد داخل كل منهم على التوالي، مما يعني التباين الواضح في العددية والوزن النسبي لعلوم الشريعة داخل الأقسام .
الخاصية الثانية :- اختلاف نوعية مواد العلوم الشرعية :- وفيه تنقسم المواد الشرعية إلى الأنواع آلاتية :-
النوع الأول :- مواد شرعية أساسية لتكوين الشخصية العامة للمسلم وهي:
القران الكريم وعقيدة التوحيد والتفسير وعلوم القران، والحديث وعلومه، الفقه و أصوله،وفيها إجماع تام بين الجامعات ماعدا المعهد على تدريس مادتي القران الكريم وعقيدة التوحيد .
النوع الثاني :- مواد شرعية اقتصادية وهي :- فقه المعاملات وفقه الزكاة ومقاصد الشريعة الإسلامية، وفيها اتفاق على مادة فقه المعاملات .
النوع الثالث :- مواد شرعية ذات طابع متنوع وهي :- نظام التامين والثقافة الإسلامية، بمعني أنها قد تصنف ضمن العلوم الشرعية الأساسية أو الشرعية الاقتصادية .(29/6)
النوع الرابع :- مواد شرعية تمثل عبئاً على طالب الاقتصاد الإسلامي وهي :فقه العبادات وفقه السيرة ونظام الحكم في الإسلام ومنهج التربية في الإسلام ومدخل الدعوة وتاريخ الخلفاء الراشدين والتاريخ الإسلامي .
الخاصية الثالثة :- الاختلاف في نوعية وعددية المواد الشرعية داخل النموذج الواحد :-
نجد أن هنالك اختلاف في نوعية وعددية المواد الشرعية داخل النموذج الواحد فمثلا نموذج كلية الاقتصاد كانت نسبة الاختلاف 28.6% وعددها 12مادة من جملة 42 مادة، وداخل نموذج كلية العلوم الإسلامية والعربية بلغت النسبة 36.5% وهي 19 مادة من جملة 52 مادة .
وترجع أسباب اختلاف نوعية وعددية العلوم الشرعية إلى :-
1- عدم تحديد هوية الاقتصاد الإسلامي :-
الملاحظ على كتابات الاقتصاد الإسلامي المختلفة يرى أنها غير واضحة في تحديدها لهوية الاقتصاد الإسلامي تجعله يحتار في معرفتها من آلاتي :-
الهوية الأولى :- الاقتصاد الإسلامي علم شرعي، وبالتالي يصبح الهدف منه هو إعداد كوادر قادرة على أعمال الفتوى و الرقابة الشرعية في النواحي الاقتصادية وهي هوية مقبولة ولكنها لا تعبر عن الرؤية الكاملة للإسلام.
الهوية الثانية :- الاقتصاد الإسلامي علم فني، مما يعني انه يماثل علم الاقتصاد الوضعي، وبالتالي وجود العلوم الشرعية و الاقتصادية دون التلاحم و الانسجام المطلوب بينهما، مما يجعل الهدف غير محدد، وهي هوية غير مقبولة وغير عملية .
الهوية الثالثة :- الاقتصاد الإسلامي علم متميز يحمل خصائص الإسلام الاقتصادية وبالتالي يصبح الهدف هو :- إعداد مجموعة للعمل في دائرة الفتوى والرقابة الشرعية في المؤسسات الاقتصادية الإسلامية مما يمثل القيد الشرعي اللازم للنشاط الاقتصادي و إعداد مجموعة أخري للعمل في دائرة التطبيق الاقتصادي في المؤسسات الاقتصادية الإسلامية مما يمثل مجال التطوير لها داخل القيد الشرعي .(29/7)
وهي هوية الاقتصاد الإسلامي المطلوبة و أن كانت غائبة عن الوجود بسبب
2- قصور منهج العلوم الشرعية :-
ويرجع قصور منهج العلوم الشرعية إلى العوامل آلاتية :-
العامل الأول :- "غياب الأهداف أو الذهول عن المقاصد وبالتالي عدم الاهتمام بالسؤال لماذا ندرس العلم الشرعي ؟ ما هي الغاية من تدريسه ؟ ومع غياب الأهداف انقلبت الوسائل إلى أهداف ."3
العامل الثاني :- "انقطاع كثير من المعارف التي تعطي الطالب عن الحاضر الذي يعيشه من حوله، لان هذا الكم من المعارف جاء تعبيراً أو صورة عن المجتمعات الإسلامية السابقة ."4
العامل الثالث :- تدريس العلوم الشرعية في كل كليات الجامعة بنفس الطريقة والموضوعات و الأسلوب دون النظر إلى احتياجات كل تخصص . الأمر الذي أدى إلى حدوث آلاتي :-
3- عدم فعالية محتوى العلوم الشرعية :-
محتوى العلوم الشرعية لا يخدم الهدف السابق لجملة أسباب من أبرزها :-
السبب الأول :- التركيز على الفروع والجزئيات على حساب الأحداث المعاصرة ." ومن الملاحظ أن التوسع في هذه الفروع والجزئيات و أكثرها تاريخي يضيق أفاق الطالب أو الدارس . ربما ترك أثره السلبي في ضوء نظام التقويم القائم على الحفظ على بصائر الطلاب ومواهبهم في القياس و الاجتهاد . "5
السبب الثاني :- " الدوران حول نصوص القران والسنة والعقيدة و أصول الفقه من خلال مقررات مثل :- المدخل إلى علوم القران والمدخل إلى علم الأحاديث، والمدخل إلى علوم العقيدة، والمدخل إلى علوم الفقه ...الخ، هذه المقررات تستوعب وقت الطلبة وجهدهم كما تستوعب الخطة الدراسية دون أن تدرب الطلاب على كيفية تناول النص من القران أو السنة بالتلاوة والفهم واستنباط الأحكام وربط ذلك بالحياة ."6
السبب الثالث :- " أن المحتوى يدرس في علوم القران و السنة والعقيدة والسيرة، إنما يقدم في صورة منفصلة لاعلاقة لكل منها بالأخرى "7(29/8)
هذا هو واقع حال مواد العلوم الشرعية، ولكن ما هو الوضع في مواد العلوم الاقتصادية ؟ النقطة التالية توضح ذلك :-
ثانياً :- مواد العلوم الاقتصادية :- لمعرفة اثر ودور مواد العلوم الاقتصادية في تحقيق الهدف المنشود، ونلاحظ من جدول رقم (2) وجدول رقم (4) من ملحق البحث أن مواد العلوم الاقتصادية تمتاز بالخصائص آلاتية :-
الخاصية الأولى :- تناسق و انسجام عددية مواد العلوم الاقتصادية : حيث إنها تبلغ الأعداد 20,20,25,26,27,29 بنسب 19.7%،18.4%،17.7%،17%،13.6%،13.6% في جامعات سنار والقران الكريم وغرب كردفان ووادي النيل و أم درمان والمعهد على التوالي.
الخاصية الثانية :- اختلاف نوعية مواد العلوم الاقتصادية :- حيث كانت نسبة الاختلاف في المواد الاقتصادية الوصفية 30%، والمواد الاقتصادية المقارنة 25%، في حين شهدت المواد الاقتصادية الإسلامية اكبر نسبة للاختلاف وصلت إلى 90% الأمر الذي أدى إلى حدوث الخاصية آلاتية:-
الخاصية الثالثة :- ضآلة إسهام المواد الاقتصادية الإسلامية والتي بلغ عددها 23 مادة من جملة 147مادة،ونسبتها من المواد الكلية 15.6% و يرجع الاختلاف إلى الأسباب آلاتية :-
1- عدم تحديد منهج الاقتصاد الإسلامي :-
أدى عدم وضوح منهج الاقتصاد الإسلامي إلى الاختلافات السابقة،ومن خلال الواقع نجد أن هنالك مناهج للاقتصاد الإسلامي وهي كما يلي :-
المنهج الأول :- الاقتصاد الإسلامي بديل للاقتصاد الوضعي، الأمر الذي ترتب عليه انصراف المنهج عن وضع تصور متكامل وواضح ومميز لحل المشاكل الاقتصادية المعاصرة من خلال رؤية الإسلام واصبح كل الهم هو السعي وراء الاقتصاد الرأسمالي و الاشتراكي من اجل إبراز أفضلية الاقتصاد الإسلامي عليهما وهذا خارج دائرة نطاق عمل الاقتصاد الإسلامي .(29/9)
المنهج الثاني :- الاقتصاد الإسلامي مكمل للاقتصاد الوضعي وبالتالي صار كل الهدف هو تطويع الاقتصاد الوضعي من خلال إضافة بعض الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية له .
دون وجود طرح متكامل يعكس خصائص وتميز الاقتصاد الإسلامي الذي سبقت كتبه كتاب آدم سميث ثروة الأمم، الأمر الذي أدى إلى بروز كتابات عن اشتراكية الإسلام ورأسمالية الإسلام .
ونجد أن المنهجين السابقين قد جعل الاقتصاد الإسلامي في موقف المدافع وليس المبادر ." إذ أننا ندافع عن الإسلام أو الاقتصاد الإسلامي ونحاول أن نثبت انه يماثل أو يتماثل أو يتماشى، أو لا يتناقض مع أحد الأنظمة الوضعية المعاصرة، وكان هذه الأنظمة هي الأصل و الإسلام هو الفرع "8
المنهج الثالث :- الاقتصاد الإسلامي علم متميز له خصائصه وان كان هذا لا يمنع من تلاقي بعض الموضوعات مع الاقتصاد الوضعي وقد برز هذا الاتجاه في كتابات بعض العلماء المعاصرين أمثال :- أ.د. محمد نجاة صديقي و أ.د.محمد انس الزرقاء، أ.د. عبد الحميد الغزالي و د. منذر قحف و د. محمد على القرى وغيرهم، وهو المنهج الأفضل .
2- عدم المزج الجيد بين العلوم الشرعية و الاقتصادية :-
نمط التدريس الحالي لطلاب الاقتصاد الإسلامي أدى إلى عدم تحقيق الهدف المنشود وهو إيجاد طالب الاقتصاد الإسلامي الفعال . " بل هو بالأحرى قد أوجد لنا شخصاً ذا ثقافتين منفصلتين، اقتصادية وضعية،وشرعية، دون أن يتولد عنهما الوليد المرتقب وهو الاقتصاد الإسلامي ."9
ونتج عن ذلك فجوة ما بين العلوم الشرعية والعلوم الاقتصادية ." وتطوير جامعة الأزهر في العصر الحديث يعتبر اكبر دليل شاهد على محاولة مزج العلوم الدينية مع العلوم الوضعية الحديثة، ولكن الفجوة القائمة بين هذين الجانبين لم تنته بل ازدادت وضوحاً للناظرين . "10
3- عدم مواكبة التطورات النظرية و التطبيقية في مجال الاقتصاد الإسلامي :-(29/10)
لم يواكب المنهج التطورات النظرية والتطبيقية في مجال الاقتصاد الإسلامي داخلياً وخارجياً، وقد مر الاقتصاد الإسلامي بأربع مراحل وهي :-
المرحلة الأولى :- مرحلة الشك 1900م -1960 م وكان فيها الحديث عن الاقتصاد الإسلامي يقابل بالكثير من الشكوك، لغياب تطبيق الاقتصاد الإسلامي والجهل بوجوده وبالتالي لم تكن هناك مواد أو أقسام في مجال الاقتصاد الإسلامي .
المرحلة الثانية :- مرحلة المقارنة 1960م - 1976م تركزت الدراسات حول مقارنة الاقتصاد الإسلامي بالاقتصاد الوضعي، شهدت الفترة تدريس مادة الاقتصاد الإسلامي في جامعة الأزهر وجامعة الملك عبد العزيز وجامعة أم درمان الإسلامية وجامعة الإمام محمد بن سعود، وقيام المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي بمكة المكرمة،والذي خرج بأهم التوصيات التي أسهمت في دفع عجلة مسيرة الاقتصاد الإسلامي، ومنها أن تنشئ جامعة الملك عبد العزيز مركزاً عالمياً لدراسة الاقتصاد الإسلامي .
المرحلة الثالثة :- مرحلة الإقناع 1976م - 1983م وفيها شهد السودان تطبيق الشريعة الإسلامية وقيام العديد من المؤسسات الاقتصادية الإسلامية مثل :- الزكاة والمصارف والتامين، وقد بذلت جامعة أم درمان الإسلامية جهوداً جبارة في دعم هذه التجربة وتطورها وسار المنهج العلمي مع التطبيق الفعلي للاقتصاد الإسلامي، وعالمياً ظهرت محاولات كل من مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية، ومجموعة دلة البركة في مجال تطوير الاقتصاد الإسلامي وانتهت المرحلة بقيام المؤتمر العالمي الثاني للاقتصاد الإسلامي بإسلام آباد .(29/11)
المرحلة الرابعة :- مرحلة الهوة 1983م - 2002م وفيها اتسعت الهوة ما بين الاقتصاد الإسلامي النظري والتطبيقي، وعجزت مناهج الاقتصاد الإسلامي من استيعاب التطورات التطبيقية، ووضع الحلول المناسبة لمشاكل التطبيق المعاصر، وانتهت المرحلة بقيام المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي بمكة المكرمة .
مع التمني بان تكون المرحلة القادمة هي مرحلة الإقناع العلمي بإيجاد مناهج متميزة ومعاصرة للاقتصاد الإسلامي، وتوفير مراجع منهجية كافية لطلابه.
ثالثاً :- مواد العلوم المساندة :- المثلث الأخير لمواد منهج الاقتصاد هو مواد العلوم المساندة ومن جدول رقم (3) وجدول رقم (4) من ملحق البحث نخرج بالملاحظات آلاتية :-
الأولى :- تشكل المواد المساندة المفيدة للاقتصادي نسبة 35.8% من جملة العلوم المساندة .
الثانية :- المواد المساندة العصرية تشكل نسبة 18.2%.
الثالثة :- اللغات وتشكل نسبة 42.1% من إجمالي المواد المساندة، وتنحصر اللغات في العربية و الإنجليزية مع تفرد جامعة القران الكريم بتخير الطالب في دراسة اللغة الإنجليزية أو الفرنسية .
الرابعة: - تشكل المواد المساندة ذات العبء نسبة 3.9% من إجمالي المواد المساندة .
رابعاً :- مقرر الاقتصاد الكلي :- إسهامات الاقتصاد الإسلامي في مجال النظرية الاقتصادية ضئيل ولا يتناسب مع دور و أهمية الاقتصاد الإسلامي، وإذا أخذنا مقرر الاقتصاد الكلي كمثال نجد انه يمتاز بالخصائص آلاتية :-
الأولى :- الاهتمام والتركيز على النظرية الكلاسيكية ونظرية كينز، مما يعني دراسة تاريخ الاقتصاد الكلي الوضعي .
الثانية :- إغفال تدريس السياسات الاقتصادية الكلية رغم أهميتها .
الثالثة:- دوران مراجع الاقتصاد الإسلامي في نفس الموضوعات السابقة.
بعد تناول مواد منهج الاقتصاد الإسلامي يتنقل التقويم إلى دور هيئة التدريس في تحقيق الهدف المنشود .
الفرع الثاني :- دور عضو هيئة التدريس في تطوير المنهج :-(29/12)
يعتبر عضو هيئة التدريس المرتكز الأساسي في الجامعات لتخطيط وتنفيذ وتطوير المنهج المطروح على الطالب، وبالتالي يصبح عضو هيئة التدريس الأداة الفعالة لتنفيذ وتطوير المنهج، ولكن هل نجح عضو هيئة التدريس في السودان في تطوير منهج الاقتصاد الإسلامي ؟ " ومن خلال زيارات ميدانية ومقابلات لبعض أعضاء هيئة التدريس بالجامعات والمعاهد العليا السودانية"11 . خرج البحث بالنتائج آلاتية :-
أولاً :- التخصص العلمي :-
ينقسم التخصص العلمي لأعضاء هيئة التدريس في الأقسام إلى آلاتي :-
1- تخصص اقتصاد إسلامي :- ويقصد به الحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه في الاقتصاد الإسلامي، وقد بلغ عددهم 12 عضواً من جملة 56 عضواً بنسبة 21.4% وكانت أعدادهم في جامعات أم درمان الإسلامية والقران الكريم ووادي النيل وغرب كردفان 1,1,5,5 على التوالي .
2- تخصص اقتصاد وضعي :- ويقصد به الحصول على درجة الماجستير و الدكتوراه في الاقتصاد الوضعي وعددهم 34 عضواً بنسبة 60.7% منهم 10 أعضاء لديهم بكالوريوس اقتصاد إسلامي بنسبة 29.4%، ويرجع تحول أولئك لدراسة الاقتصاد الوضعي والتخصص فيه للعوامل آلاتية :-
العامل الأول :- ندرة المراجع الاقتصادية الإسلامية، مقارنة بالمراجع الاقتصادية الوضعية .
العامل الثاني :- عزوف أساتذة الاقتصاد الإسلامي عن العمل بالجامعات لتدني الأجور .
العامل الثالث :- سيطرة أساتذة العلوم الشرعية على تدريس مواد الاقتصاد الإسلامي، وبعدهم عن تدريس الاقتصاد الوضعي، مما يجعل من لديهم بكالوريوس الاقتصاد الإسلامي يفضلوا التحضير في الاقتصاد الوضعي حتى يتمكنوا من تدريسه .
3- تخصص علوم شرعية :- وهم من نالوا دراسات عليا في كليات الشريعة أو أصول الدين وعددهم 10أعضاء بنسبة 17.9% ولديهم النصيب الأكبر في تدريس مواد الاقتصاد الإسلامي .
ومما سبق نلاحظ أن أعضاء هيئة التدريس قد لا يسهمون في تطوير الاقتصاد الإسلامي للأسباب التالية :-(29/13)
السبب الأول :- " الأساتذة المتخصصون في الفقه الإسلامي كانوا يرون من البداية انهم الأكثر جدارة بتدريس مواد الاقتصاد الإسلامي حيث يقع ذلك كله أو معظمه في نطاق لعله تخصصهم وانه حتى وان كانت هنالك حاجة لبعض المعلومات الحديثة في المسألة الاقتصادية فانهم قادرون على استيعابها وتدريسها ."12
ونجد أن الواقع حتم " أن يقنع أساتذة العلوم الشرعية - الفقهاء على وجه الخصوص . انهم ليسوا اقتصاديين وان هذا لا يقلل مثقال ذرة من شأنهم وان المنهج العلمي الإسلامي قد سبق المنهج الغربي بقرون عديدة باحترام التخصصات الدقيقة ووضعها في مكانتها الصحيحة "13
السبب الثاني :- " أساتذة الاقتصاد المسلمون الذي تلقوا دراستهم في الغرب أو في بلدانهم وفقا للمنهج الغربي مخالفا بعد اقتناعهم بقضية الاقتصاد الإسلامي .فلقد تمثل اتجاهاتهم منذ البداية في ضرورة تدريس العلوم الاقتصادية الحديثة (الوضعية ) لطلاب الاقتصاد الإسلامي مع التعليق عليها ومحاولة تعديلها وتطويرها من وجهة النظر الإسلامية "14 .
السبب الثالث:- قلة عددية الأساتذة الذين جمعوا ما بين الاقتصاد الوضعي والفقه الاقتصادي .
وقد أدى ذلك إلى حدوث آلاتي :-
ثانياً :- ضعف الإسهام العلمي :-
هناك ضعف واضح في الإسهام العلمي في مجال الاقتصاد الإسلامي في الأقسام والذي يتمثل في:-
1- إصدار كتب في الاقتصاد الإسلامي بلغ عددها ثلاثة فقط منها اثنان من جامعة وادي النيل والثالث من المعهد العالي للدراسات المصرفية والمالية .
2- كتابة بحوث بلغ عددها أربعة فقط ثلاثة منها من المعهد العالي للدراسات المصرفية والمالية والرابع من جامعة وادي النيل .
3- مجلة علمية محكمة :- وهي مجلة واحدة يصدرها المعهد العالي للدراسات المالية والمصرفية، وقد صدر منها ستة إعداد.
ثالثاً :- الدعوة للاقتصاد الإسلامي :-(29/14)
ويقصد بها إقامة الندوات والدورات والمؤتمرات وقد انحصرت ما بين المعهد العالي للدراسات المصرفية والمالية الذي قدم51 ندوة،7 دورات و 3 مؤتمرات،وجامعة وادي النيل التي شاركت بندوة واحدة فقط.
رابعاً:- أسلوب ووسائل التدريس :-
يتركز أسلوب التدريس علي المحاضرة والمناقشة فقط، أما وسائل التدريس فما زال الاهتمام منحصراً في لوح الطباشير .
الفرع الثالث:-عوامل نجاح المنهج:-
توجد عوامل عديدة تساهم في نجاح المنهج في تحقيق أهدافه ومن أبرزها :-
أولا:- مكتبة الاقتصاد الإسلامي:-
يؤدي وجود مكتبة للاقتصاد الإسلامي إلى توفير مصادر المعلومات المختلفة من المراجع والكتب والدوريات والرسائل الجامعية وغيرها، مما يعني وجود عامل مهم من عوامل نجاح منهج الاقتصاد الإسلامي، ولكن نلاحظ الندرة الواضحة في مصادر ومراجع الاقتصاد الإسلامي في الجامعات والمعاهد العليا في السودان، وان كان هناك توافر في مراجع النقود والمصارف و أصول الاقتصاد الإسلامي والمالية العامة، مع انعدام شبه تام لمراجع النظرية الاقتصادية الإسلامية، خاصة الاقتصاد الكلي،مع ملاحظة تفرد مكتبة المعهد العالي للدراسات المصرفية والمالية وجامعة وادي النيل بتوافر المراجع بالنسبة لباقي الجامعات السودانية الأخرى.
ثانياً:- علاقات الأقسام بالمؤسسات الفكرية الداخلية:-
تؤدي علاقة الأقسام بالمؤسسات الفكرية الداخلية إلى إثراء النقاش والحوار في مواضيع الاقتصاد الإسلامي مما يعني تطور منهج الاقتصاد الإسلامي، ولكن نلاحظ آلاتي :-
1- انعدام علاقة الأقسام ببعضها البعض بالرغم من تواجد ثلاثة منها في ولاية الخرطوم .
2- ضعف علاقة الأقسام بمراكز البحث العلمي الداخلية ذات الاهتمام بالاقتصاد الإسلامي مثل :- معهد ا سلامية المعرفة بجامعة الجزيرة ومركز أبحاث الإيمان بولاية الخرطوم .(29/15)
3- ضعف وانعدام العلاقة بين الأقسام بإدارة التأصيل بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومستشارية التأصيل بوزارة الجمهورية .
ثالثا:- علاقات الأقسام بالمؤسسات التطبيقية الداخلية :-
علاقات الأقسام بالمؤسسات التطبيقية الداخلية توفر عناصر تغذية ما بين الإطار النظري والتطبيقي مما يساهم في نجاح المنهج ولكن نلاحظ:-
1- علاقات الأقسام بالمؤسسات التطبيقية الداخلية مثل :- المصارف وشركات التامين منعدمة ماعدا المعهد العالي للدراسات المصرفية والمالية .
2- توجد علاقة جيدة ما بين المعهد العالي للدراسات المصرفية والمالية مع وزارة المالية وبنك السودان فقط مع انعدام الصلة ما بين الأقسام الأخرى وهذه المؤسسات .
3- انعدام الصلة بين الأقسام وديوان الزكاة ووزارة التجارة .
رابعاً:- علاقات الأقسام بالمؤسسات الخارجية :-
هناك مؤسسات فكرية وتطبيقية في مجال الاقتصاد الإسلامي في خارج السودان ولها جهود واضحة ومتميزة ولكن الملاحظ أن:-
1- عدم الاستفادة من المؤسسات الفكرية والتطبيقية في المملكة العربية السعودية مثل مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز, المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية ومجموعة دلة البركة إلا بعض الصلات ما بينها وبين المعهد العالي للدراسات المصرفية والمالية وجامعة وادي النيل .
2- انعدام الصلات ما بين الأقسام وجامعة الأزهر , ما عدا محاولة من جامعة وادي النيل لإقامة علاقات معها .
3- انعدام الصلة مابين الأقسام والمؤسسات الفكرية والتطبيقية الخارجية الأخرى مثل:- الجامعة الإسلامية الدولية في إسلام آباد ورابطة العلماء الاجتماعيين الإسلاميين في أمريكا وغيرهم .
مما سبق نلاحظ الحاجة الماسة لتطوير مناهج أقسام الاقتصاد الإسلامي في السودان للتطوير, حتى تحقق الهدف المنشود , وهذا هو مدار اهتمام القسم الثاني من هذا البحث .(29/16)
القسم الثاني:- تصور مقترح لتطوير مناهج الاقتصاد الإسلامي :-
أوضحت الدراسة في القسم الأول حاجة مناهج أقسام الاقتصاد الإسلامي في السودان , وحتى يمكن وضع تصور علمي وعملي لتطوير منهج الاقتصاد الإسلامي بهدف إعداد طالب الاقتصاد الإسلامي الفعال يحتاج الأمر إلى تناول ذلك من خلال النقاط آلاتية :-
الفرع الأول :- القواعد الأساسية لتطوير منهج الاقتصاد الإسلامي :-
لتحقيق تطوير مناهج الاقتصاد الإسلامي , وحتى يؤدي إلى تحقيق الهدف المنشود يجب أن نهتم بإيجاد وتفعيل القواعد الأساسية لتطوير منهج الاقتصاد الإسلامي , وهي :-
أولا:- تحديد هوية ومنهج الاقتصاد الإسلامي :
حتى يتم تطوير منهج الاقتصاد الإسلامي , نهتم بتحديد كل من :-
1- تحديد هوية الاقتصاد الإسلامي :- هو أن الاقتصاد الإسلامي علم متميز يحمل خصائص الإسلام الاقتصادية .
2- تحديد منهج الاقتصاد الإسلامي:- هو أن منهج الاقتصاد الإسلامي منهج مميز وهو غير مكمل أو بديل عن الاقتصاد الوضعي، إنما هو منهج خاص برؤية الإسلام الاقتصادية . وقد يتفق مع المناهج الأخرى وقد لا يتفق .
3- تحديد هدف منهج الاقتصاد الإسلامي :- يهدف منهج الاقتصاد الإسلامي إلى إيجاد طالب الاقتصاد الإسلامي الفعال من خلال :-
تمكين مجموعة من العمل في دائرة الفتوى والرقابة الشرعية في المؤسسات الاقتصادية . وإعداد مجموعة أخري للعمل في دائرة التطبيق في المؤسسات الاقتصادية .
ثانياً :- تخصص الاقتصاد الإسلامي :- من اجل تحقيق هدف منهج الاقتصاد الإسلامي يقدم التصور المقترح التالي :-
1. تخصص الاقتصاد الإسلامي الشرعي :- وفيه يتم إعداد الطالب للعمل في دائرة الفتوى والرقابة الشرعية في المؤسسات الاقتصادية الإسلامية من خلال جرعات متناسبة ومتسقة من مواد العلوم الشرعية والفقه الاقتصادي الإسلامي و المواد المساندة بما يتناسب مع العصر الحديث .(29/17)
2. تخصص الاقتصاد الإسلامي التطبيقي :- وتكون مهمته تخريج كوادر مؤهلة للعمل في النشاط الاقتصادي في المؤسسات الاقتصادية الإسلامية من خلال جرعات متناسبة ومتسقة من مواد الفقه الاقتصادي و الاقتصاد الإسلامي والمواد المساندة التي تلبي حاجة العصر الحديث .
3. صورة الاستفادة من هذه التخصصات :- يمكن الاستفادة من هذه التخصصات بعدة صور من أبرزها :-
الصورة الأولى :- كلية الاقتصاد الإسلامي وفيها يتم تدريس كل تخصص في قسم منفصل .
الصورة الثانية :- وفيها يدرس تخصص الاقتصاد الإسلامي الشرعي كقسم منفصل في كليات الشريعة أو أصول الدين أو الدراسات الإسلامية، أما تخصص الاقتصاد الإسلامي التطبيقي فمكانه الطبيعي كليات الاقتصاد أو التجارة أو العلوم الإدارية .
الصورة الثالثة:- أن يتم إنشاء التخصص بشقة الشرعي والتطبيقي كقسم واحد منفصل في كليات الاقتصاد أو التجارة أو العلوم الإدارية أو الشريعة أو أصول الدين أو الدراسات الإسلامية .
ثالثاً :- تأهيل أعضاء هيئة التدريس :-
التصور المقترح لتطوير منهج الاقتصاد الإسلامي يسعى لصهر العلوم الشرعية و العلوم الاقتصادية معاً في بوتقة الفقه الاقتصادي مما يشكل الأساس المتين لطلاب الاقتصاد الإسلامي، يتطلب التصور تأهيل أعضاء هيئة التدريس بأقسام الاقتصاد الإسلامي في المجالات المختلفة من خلال:-(29/18)
1- العمل على تطوير قدرات أساتذة الاقتصاد الإسلامي 15 من خلال برنامج كامل في الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالاقتصاد ومناحي الحياة المختلفة، بالإضافة إلى إقامة دورات متخصصة لأساتذة العلوم الشريعة من اجل زيارة قدرتهم على تدريس مواد الفقه الاقتصادي والعلوم الشرعية بالمنظور الجديد، و إقامة دورات متخصصة لأساتذة العلوم الاقتصادية لزيادة قدرتهم في تدريس مواد الاقتصاد الإسلامي بالثوب الجديد . بالإضافة إلى إيجاد قنوات اتصال دائم ومستمر بين أساتذة العلوم الاقتصادية والشرعية والمساندة في الأقسام عن طريق ندوات دورية متخصصة للنظر في سائر أمور منهج الاقتصاد الإسلامي .
1- التعاون في تأليف الكتب الدراسية :- التي تسد حاجة التصور المقترح لمناهج الاقتصاد الإسلامي والتخطيط للدورات التدريبية استجابة لاحتياجات المؤسسات الاقتصادية الإسلامية .
3- القيام بأجراء وتنظيم البحوث والدراسات النظرية والتطبيقية في مجالات الاقتصاد الإسلامي .
رابعاً :- الاستفادة من العلاقات التبادلية الداخلية والخارجية :-
من اجل توحيد الجهود لخدمة الاقتصاد الإسلامي تسعى الأقسام إلى الاستفادة من :-
1- أقسام الاقتصاد الإسلامي الداخلية الأخرى من اجل الاستفادة من قدرات وخبرات العاملين بها لخدمة الاقتصاد الإسلامي .
2- المؤسسات الفكرية و التطبيقية في مجال تأصيل المعرفة داخل السودان بما فيها من وزارات وهيئات ومراكز وشركات ومصارف .
3- المؤسسات الإسلامية الخارجية في مجال الاقتصاد الإسلامي النظري والتطبيقي و الإسهام في كتابة البحوث و الكتب الدراسية الخاصة بالاقتصاد الإسلامي بالتعاون معها ولا سيما وهي لديها الرغبة في ذلك.
الفرع الثاني :- مواد منهج الاقتصاد الإسلامي :-(29/19)
يدرس طالب الاقتصاد الإسلامي دراسة مشتركة ما بين الاقتصاد الإسلامي الشرعي و الاقتصاد الإسلامي التطبيقي في الفرقتين الأولى و الثانية أو الفصول الدراسية الأربعة الأولى، تشكل أساس قوى ومتين له على النحو التالي :-
أولاً :- مواد الدراسة المشتركة :- وفيها يدرس الطالب في الفرق الأولى المواد آلاتية :-
مواد الفصل الدراسي الأول
مواد الفصل الدراسي الثاني
1. القران الكريم
1. القران الكريم
2. التفسير وعلوم القران
2. أصول الاقتصاد الإسلامي
3. الفقه الإسلامي
3. الإدارة الإسلامية
4. أصول الفقه
4. المؤسسات الاقتصادية الإسلامية
5. عقيدة التوحيد
5. نظرية العقد
6. الحديث وعلومه
6. مقاصد الشريعة الإسلامية
7. .الحاسوب النظري
7. الحاسوب التطبيقي
8. اللغة العربية (النحو)
8. اللغة العربية (البلاغة)
9. اللغة الإنجليزية
9. اللغة الإنجليزية
أما مواد الفرقة الثانية فكانت على النحو التالي :-
مواد الفصل الدراسي الثالث
مواد الفصل الدراسي الرابع
1. القران الكريم
1. القران الكريم
2. عقود البيوع
2. فقه وفتاوي المشاركات -2
3. فقه المشاركات -1
3. فتاوى المشاركات - 1
4. فقه البيوع
4. فتاوى البيوع
5. فقه الإجارة
5. فتاوى الإجارة
6. مبادئي الاقتصاد الكلي الإسلامي
6. اقتصاديات المالية العامة
7. النظرية الاقتصادية الجزئية الإسلامية
7. اقتصاديات الوقف والتنمية
8. اللغة العربية (النحو)
8. اللغة العربية (الأدب )
9. اللغة الإنجليزية
9. اللغة الإنجليزية
ونلاحظ مما سبق :-
1-.تشكل مواد العلوم الشرعية نسبة 30.6% من إجمالي المواد في فترة الدراسة المشتركة .(29/20)
2- تمثل مواد الفقه الاقتصادي حوالي 22.2% من الإجمالي و تشمل مادة فقه المشاركات والتي تحتوي على المضاربة والشراكة والمزارعة والمساقاة، ومادة فقه البيوع والتي تضم كلاً من بيع السلع و الاستصناع والمرابحة، وفقه الإجارة، وهنالك ربط ما بين الفقه الاقتصادي و الواقع من خلال الفتاوى التي صاحبت التطبيق المعاصر .
3. المواد المساندة شملت اللغات والحاسوب النظري و التطبيقي و الإدارة الإسلامية و المؤسسات الاقتصادية الإسلامية وهي الزكاة و المصارف وشركات الاستثمار و التامين وتشكل نسبة 33.3% من إجمالي مواد الدراسة المشتركة .
أما مواد الاقتصاد فتمثل نسبة 13.9% من الإجمالي ومعظمها اقتصاد إسلامي ماعدا مادة اقتصاديات المالية العامة فهي اقتصاد مقارن .
ثانياً :- مواد تخصص الاقتصاد الإسلامي الشرعي :-
بعد مواد الدراسة المشتركة يتخصص الطالب إما في الاقتصاد الإسلامي الشرعي أو الاقتصاد الإسلامي التطبيقي، ومواد الفرقة الثالثة لتخصص الاقتصاد الإسلامي الشرعي هي :-
مواد الفصل الدراسي الخامس
مواد الفصل الدراسي السادس
1. القران الكريم
1. القران الكريم
2. عقود الشركات
2. .طرق البحث في العلوم الشرعية
3. تفسير آيات الأحكام -1
3. تفسير آيات الأحكام -2
4. تفسير أحاديث الأحكام -1
4. تفسير أحاديث الأحكام -2
5. نظرية الغرر
5. نظرية الخيار
6. الموارد المالية في الإسلام
6. العلاقات الدولية في الإسلام
7. اللغة العربية (المراسلات)
7. اللغة العربية (البحوث)
8. اللغة الإنجليزية (علوم الشرعية )
8. اللغة الإنجليزية (فقه اقتصادي )
9. التدريب العملي في المؤسسات الاقتصادية في مجال الفتوى و الرقابة الشرعية
9. المكتبة وفيها يتم التدريب على استخدام مراجع التراث الإسلامي
أما مواد الفرقة الرابعة فهي :-
مواد الفصل الدراسي السابع
مواد الفصل الدراسي الثامن
1- القران الكريم
1- القران الكريم
2- النصوص الاقتصادية في القران(29/21)
2- النصوص الاقتصادية في السنة
.3- تاريخ التشريع الإسلامي
3- القضاء و الدعوى وطرق الإثبات
4- اقتصاديات التامين والزكاة
4- اقتصاديات الاستثمار والمصارف
5- تفسير آيات الأحكام -3
5- تفسير آيات الأحكام -4
6- تفسير أحاديث الأحكام -3
6- تفسير أحاديث الأحكام -4
7- اللغة العربية (الفتاوى)
7 -اللغة العربية (التقارير )
8- اللغة الإنجليزية (التامين والزكاة)
8- اللغة الإنجليزية (المصارف
والاستثمار )
9- قضايا اقتصادية شرعية معاصرة
9- بحث التخرج
نلاحظ مما سبق أن طلاب الاقتصاد الإسلامي الشرعي يركز على العلوم الشرعية أولاً ثم العلوم المساندة ثم علوم الفقه الاقتصادي و أخيراً علوم الاقتصاد .
1. تبلغ نسبة العلوم الشرعية 45.8% من إجمالي الدراسة في الفصول الثمانية و 61.1% في الفصول الخامس و السادس و السابع و الثامن .
2. بلغت نسبة العلوم المساندة 23.6% من إجمالي الدراسة و 13.9% في الفصول الدراسية الأربعة الأخيرة .
3. مثلت مواد الفقه الاقتصادي 18.1%من الإجمالي و13.9% في الفصول الدراسية الأربعة الأخيرة .
أما مواد العلوم الاقتصادية فقد بلغت نسبتها 12.5% من الإجمالي
و 11.1%في الفصول الدراسية الأربعة الأخيرة .
ثالثاً :- مواد تخصص الاقتصاد الإسلامي التطبيقي (التامين والزكاة)
يدرس طالب الاقتصاد الإسلامي التطبيقي بشقيه تخصص التامين والزكاة وتخصص الاستثمار و المصارف الفرقة الثالثة دراسة مشتركة على النحو التالي:-
مواد الفصل الدراسي الخامس
مواد الفصل الدراسي السادس
1- النصوص الاقتصادية في القران
1- النصوص الاقتصادية في السنة
2- عقود الشركات
2- مناهج البحث العلمي
3- التحليل الاقتصادي الكلي الإسلامي
3- النظرية الاقتصادية الكلية
4- النظرية الاقتصادية الجزئية
4- النقود والمصارف
5- مبادئي المحاسبة المالية
5- الاقتصاد الرياضي
6- الجبر الخطي
6- التفاضل والتكامل
7- الإحصاء الوصفي
7- الإحصاء التطبيقي(29/22)
8- اللغة العربية (المراسلات)
8- اللغة العربية (البحوث)
9- الإدارة المالية
9- محاسبة التكاليف
10- اللغة الإنجليزية (اقتصاد وضعي)
10-اللغة الإنجليزية (اقتصاد إسلامي )
11- .دراسة الجدوى الاقتصادية
11-التجارة الخارجية و الإلكترونية
نلاحظ أن الدراسة المشتركة لطلاب الاقتصاد الإسلامي التطبيقي تركز على :-
1- تدريس عقود الشركات كمادة شرعية لها صلة قوية بالمؤسسات الاقتصادية الإسلامية المعاصرة و التي يسعى الطالب للعمل بها.
2- تدرس مواد الاقتصاد من خلال عدة زوايا :
الأولى :- اقتصاد إسلامي وهي :-
التحليل الاقتصادي الكلي الإسلامي و اللغة الإنجليزية، الثانية :- اقتصاد وصفي وهي :- النظرية الاقتصادية الجزئية و الكلية و الاقتصاد المقارن،الثالثة :-اقتصاد مقارن وهي دراسة الجدوى الاقتصادية و التجارة الخارجية و الإلكترونية والنقود و المصارف .
3-.تدرس مادة الفقه الاقتصادي من خلال النصوص الاقتصادي من الكتاب والسنة.
أما مواد الاقتصاد الإسلامي تخصص التامين والزكاة في الفرقة الرابعة فهي على النحو التالي :-
مواد الفصل الدراسي السابع
مواد الفصل الدراسي الثامن
1- الاقتصاد القياسي
1- السياسات الاقتصادية في الإسلام
2- رياضيات الزكاة و التامين
2- التأمينات الاجتماعية
3- اقتصاديات التامين الإسلامي
3- اقتصاديات الزكاة
4- أعمال التامين
4- أعمال الزكاة
5- أسس جباية الزكاة
5- أسس توزيع الزكاة
6- تشريعات التامين
6- الاقتصاد التطبيقي
7- إدارة الزكاة
7- إدارة التامين
8- محاسبة التامين
8- محاسبة الزكاة
9- تطور الفكر الاقتصادي الإسلامي
9- اللغة الإنجليزية (التامين)
10- قضايا في الاستثمار و المصارف
10- بحث التخرج
11- التدريب العملي
11- المكتبة
إذا نظرنا لطلاب الاقتصاد الإسلامي التطبيقي تخصص التامين و الزكاة نجد انه يدرس جملة مواد دراسية تصل إلى 80 مادة مع ملاحظة آلاتي :-(29/23)
1- تبلغ نسبة العلوم الشرعية 15% ومواد التخصص وهي :- محاسبة التامين و إدارة الزكاة وتشريعات التامين و أعمال التامين و أسس جباية الزكاة وقضايا في التامين والزكاة ورياضيات الزكاة و التامين والتدريب العملي وهو تدريس في أقسام المؤسسات الاقتصادية الإسلامية بالإضافة إلى التأمينات الاجتماعية و أعمال الزكاة و أسس توزيع الزكاة و إدارة التامين ومحاسبة الزكاة و اللغة الإنجليزية وبحث التخرج تشكل 18.8% ونجد أن بنسبة مواد العلوم الشرعية ومواد التخصص معاً تصل إلى 33.8% مما يمثل أساساً قوياً ومتيناً لطلاب الاقتصاد الإسلامي في مجال النظرية و التطبيق.
2- تمثل مواد الفقه الإسلامي 12.5%من إجمالي المواد، أما مواد الاقتصاد فتحتل نسبة 25% نصفها تماماً مواد اقتصاد إسلامي صرف، مع نسبة 20% لمواد الاقتصاد المقارن والباقي مواد اقتصاد وصفي صرف حتى لا نحرم الاقتصاد الوضعي حقه في بلورة علم الاقتصاد الحديث، وتبلغ النسبة 30%
3- تشكل المواد المساندة بنسبة 28.7% وهي مواد ذات أهمية قصوى لكل من بقية العلوم وطبيعة العمل في الوقت الحاضر .
رابعاً :- مواد تخصص الاقتصاد الإسلامي (المصارف و الاستثمار)
بعد دراسة الفصل الدراسي الخامس والفصل الدراسي السادس، مع طلاب الاقتصاد الإسلامي التطبيقي، يدرس الطالب في تخصص المصارف و الاستثمار الفرقة الرابعة من خلال :-
مواد الفصل الدراسي السابع
مواد الفصل الدراسي الثامن
1- الاقتصاد القياسي
1-السياسات الاقتصادية في الإسلام
2- رياضيات الاستثمار
2- تحليل نظم معلومات
3- اقتصاديات المصارف
3- اقتصاديات صيغ الاستثمار الإسلامي
4- إدارة الاستثمار
4- إدارة المصارف
5- أعمال المصارف
5- أعمال الاستثمار
6- الخدمة المصرفية
6- استراتيجية موارد الجهاز المصرفي
7- قانون المصارف
7- سوق الأوراق المالية
8- محاسبة الاستثمار الإسلامي
8- محاسبة المصارف
9- تطور الفكر الاقتصادي الإسلامي(29/24)
9- اللغة الإنجليزية (المصارف)
10-.قضايا في التامين و الزكاة
10- بحث التخرج
11- التدريب العملي
11-المكتبة
و بالتالي نجد أن مواد الاقتصاد الإسلامي الشرعي و التطبيقي قد أسهمت في تحقيق أهداف منهج الاقتصاد الإسلامي وفي تحديد هويته .
الفرع الثالث :- مفردات مقرر الاقتصاد الكلي الإسلامي :-
الاقتصاد الإسلامي له إسهامات لمقرر الاقتصاد الكلي من خلال استعراض النصوص الاقتصادية في القران و السنة، وتحليل آثار مقاصد الشريعة الإسلامية على النشاط الاقتصادي، ومراجعة كتب التراث الإسلامي من هذا المجال ويقدم التصور المقترح مقرر الاقتصاد الكلي الإسلامي من خلال :-
1- مبادئي الاقتصاد الكلي الإسلامي .
2- التحليل الاقتصادي الكلي الإسلامي .
3- السياسة الاقتصادية في الإسلام .
ويمكن التعرف على ذلك من خلال آلاتي :-
أولاً :- أهداف مقرر الاقتصاد الكلي الإسلامي :-
تسعى مادة الاقتصاد الكلي الإسلامي إلى تحقيق الأهداف آلاتية :-
1- إلمام الطالب بأسس النظرية الاقتصادية الكلية الإسلامية.
2- توضيح تأثير مقاصد الشريعة الإسلامية على النشاط الاقتصادي .
3- تبيان السياسة الاقتصادية في الإسلام .
ثانياً :- المحتوى العلمي لمقرر مبادئ الاقتصاد الكلي الإسلامي :-
يوزع محتوى مقرر مبادئ الاقتصاد الكلي الإسلامي على اثنتي عشرة وحدة دراسية،تدرس كل وحدة في أسبوع دراسي واحد وهذه الوحدات هي :-
الوحدة الأولى :- طبيعة الاقتصاد الكلي الإسلامي :-
مفهوم الاقتصاد الكلي الإسلامي، وعلاقته بمقاصد الشريعة الإسلامية، طرق البحث فيه، وتطبيقات الاقتصاد الإسلامي الكلي .
الوحدة الثانية :- نماذج الاقتصاد الكلي الإسلامي (التعاون)
يشمل تصرفات المهاجرين الاقتصادية، السمات الأساسية، مجالات التعاون
الوحدة الثالثة :- نماذج الاقتصاد الكلي الإسلامي (الإيثار) يشمل تصرفات الأنصار الاقتصادية، السمات الأساسية، مجالات الإيثار .(29/25)
الوحدة الرابعة :- نماذج الاقتصاد الكلي الإسلامي (الضرر)
يحتوي على تصرفات المنافقين، السمات الأساسية، مجالات الضرر .
الوحدة الخامسة :- نماذج الاقتصاد الكلي الإسلامي (الترف)
يشمل تصرفات المبذرين، السمات الأساسية، أضرار الترف
الوحدة السادسة :- أهداف الاقتصاد الكلي الإسلامي :-
العدالة، العمارة، التعاون، محاربة الفقر
الوحدة السابعة :- تطور علم الاقتصاد الكلي الإسلامي .
استعراض أهم ما جاء في كتب التراث الإسلامي عن الاقتصاد الكلي.
الوحدة الثامنة :- وسائل تحقيق هدف العدالة
تحريم الربا، منع الضرر، الحرية الاقتصادية .
الوحدة التاسعة :- وسائل تحقيق هدف العمارة
الملكية، الاستثمار، العمل، الاستخدام الأمثل للموارد .
الوحدة العاشرة :- وسائل تحقيق هدف التعاون
صيغ الاستثمار الإسلامي، الإنفاق، الملكية
الوحدة الحادية عشرة :- وسائل تحقيق هدف محاربة الفقر
الزكاة، الوقف، الكفارات
الوحدة الثانية عشرة :- موضوعات مختلفة في الاقتصاد الكلي الإسلامي
النقود، المصارف، المالية العامة، التنمية الاقتصادية .
ثالثاً :- المحتوى العلمي لمقرر التحليل الاقتصادي الكلي الإسلامي :-
يعتبر مقرر التحليل الاقتصادي الكلي الإسلامي مكملاً لمقرر مبادئي الاقتصاد الكلي الإسلامي ويحتوي على :-
الوحدة الأولى :- طبيعة التحليل الاقتصادي الكلي الإسلامي
المفهوم، الأدوات،الأنواع، الأهداف
الوحدة الثانية :- الإنفاق الاستهلاكي
الوحدة الثالثة :- الإنفاق الاستثماري
الوحدة الرابعة :- الإنفاق الحكومي
الوحدة الخامسة :- الإنفاق الإنساني
الوحدة السادسة :- التوازن في سوق العمل
الوحدة السابعة :- اختلال توازن سوق العمل
الوحدة الثامنة :- التوازن في سوق الطبيات
الوحدة التاسعة :- اختلال التوازن في سوق الطبيات
الوحدة العاشرة :- التوازن في سوق النقود
الوحدة الحادية عشرة :- اختلال التوازن في سوق النقود
الوحدة الثانية عشرة :- مقدمة في السياسات الشرعية(29/26)
رابعاً :- المحتوى العلمي لمقرر السياسات الاقتصادية في الإسلام :-
يكمل مقرر السياسات الاقتصادية في الإسلام مقرر التحليل الاقتصادي الكلي الإسلامي والذي يحتوي على :-
الوحدة الأولى :- طبيعة السياسات الاقتصادية في الإسلام
الوحدة الثانية :- أهداف السياسات الاقتصادية في الإسلام
الوحدة الثالثة :- وسائل السياسات الاقتصادية في الإسلام
الوحدة الرابعة :- أدوات السياسات الاقتصادية
الوحدة الخامسة :- السياسة النقدية
الوحدة السادسة :-السياسة المالية
الوحدة السابعة :- السياسات الأخرى
الوحدة الثامنة :- دور السياسة الاقتصادية في علاج اختلال سوق العمل
الوحدة التاسعة :- دور السياسة الاقتصادية في علاج اختلال سوق الطيبات
الوحدة العاشرة :- دور السياسة الاقتصادية في علاج اختلال سوق النقود
الوحدة الحادية عشرة :- فعالية السياسة الاقتصادية في الإسلام .
الوحدة الثانية عشرة :- السياسة الاقتصادية الإسلامية في اقتصاد ربوي - إسلامي.
تناول البحث موضوع تقويم مناهج أقسام الاقتصاد الإسلامي بالجامعات
و المعاهد العليا السودانية بالتركيز على منهج الاقتصاد الكلي، وفيه .
أولاً : توصل البحث إلى العوامل المؤثرة في منهج الاقتصاد الإسلامي وهي :
1- اختلاف عددية ونوعية العلوم الشرعية مما يعني التباين الواضح لعلوم الشريعة في الأقسام .
2- اختلاف نوعية العلوم الاقتصادية وضآلة إسهام المواد الاقتصادية الإسلامية التي بلغت نسبتها 15.6%.
3- ضعف إسهام الاقتصاد الإسلامي في مجال النظرية الاقتصادية الكلية .
ثانياً :- سعي البحث إلى معرفة الأسباب المسئولة عن تدني العوامل المؤثرة على المنهج وحددها في:-
1- عدم تحديد هوية ومنهج الاقتصاد الإسلامي .
2- قصور منهج ومحتوى العلوم الشرعية .
3- عدم المزج الجيد بين العلوم الشرعية والعلوم الاقتصادية .
4- عدم مواكبة المنهج للتطورات النظرية و التطبيقية في مجال الاقتصاد الإسلامي .(29/27)
ثالثاً :- ابرز البحث سلبية دور عضو هيئة التدريس في تطوير منهج الاقتصاد الإسلامي والذي يرجع إلى :-
1- غلبة تخصص الاقتصاد الوضعي و العلوم الشرعية على حساب تخصص الاقتصاد الإسلامي .
2- ضعف الإسهام العلمي بل انعدامه إذا أخذنا الوضع في جامعات أم درمان و القران الكريم وسنار وغرب كردفان .
3- ضعف الدعوة للاقتصاد الإسلامي وندرة المراجع ووهن علاقات الأقسام بالمؤسسات الفكرية و التطبيقية الداخلية و الخارجية .
رابعاً :- سعى البحث إلى إيجاد تصور مقترح لتطوير مناهج الاقتصاد الإسلامي ويتكون التصور من:-
1- تحديد هوية ومنهج وهدف الاقتصاد الإسلامي
2- إنشاء تخصص للاقتصاد الإسلامي الشرعي للعمل في دائرة الفتوى و الرقابة الشرعية.
3- إنشاء تخصص الاقتصاد الإسلامي تطبيقي للعمل في دائرة النشاط الاقتصادي .
4- الاستفادة من التخصصات السابقة إما في كلية الاقتصاد الإسلامي،
أو كقسم منفصل في إحدى الكليات .
5- تأهيل أعضاء هيئة التدريس و الاستفادة من العلاقات التبادلية الداخلية و الخارجية .
6- مقترح لمقرر النظرية الاقتصادية الكلية من خلال ثلاث مقررات وهي :- مبادئ الاقتصاد الكلي، و التحليل الاقتصادي الكلي الإسلامي، والسياسات الاقتصادية الإسلامية .
الهوامش
1. د. صديق ناصر، مناهج ومقررات العلوم الاقتصادية و المحاسبية
والإدارية دراسة تحليلية، ورقة قدمت لمؤتمر تنمية البيئة الجامعية، وزارة التعليم العالي و البحث العلمي الخرطوم، قاعة الصداقة، 24-22 رجب 1418هـ 24-22 نوفبمر 1997، ص1
2.د. محمد زياد حمدان، تقييم المنهج، سوريا، دار التربية الحديثة،1986م ص32، للمزيد من التفاصيل حول المنهج يمكن الرجوع لهذا المرجع بالإضافة إلى :-
د. محمود احمد شوق، تطوير المناهج الدراسية، الرياض، عالم الكتب، 1995م .
د. احمد حسين اللقاني، المنهج، القاهرة، عالم الكتب، 1994م(29/28)
د. فوزي الشريبي،د. عفت القناوي، مداخل عالمية في تطوير المناهج التعليمية على ضوء تحديات القرن الحادي والعشرين، القاهرة، مكتبة ألا نجلو المصرية،2001م .
3. بتصرف من أ.د. عدنان زرزور، منهجية التعامل مع علوم الشريعة في ضوء التحديات المعاصرة، بحوث مؤتمر علوم الشريعة في الجامعات، جمعية الدراسات و البحوث الإسلامية و المعهد العالمي للفكر الإسلامي، عمان 26-23 آب 1994م،1995م، ص112
4. المرجع السابق، ص113 .
5. المرجع السابق، ص115
6. أ.د. على احمد مدكور، محتوى منهج العلوم الشرعية في الجامعات، الواقع و الطموحات، بحوث مؤتمر علوم الشريعة في الجامعات، مرجع سبق ذكره، ص149
7. المرجع السابق، ص366
8. أ. د. عبد الحميد الغزالي حول المنهج الإسلامي في التنمية الاقتصادية، المنصورة دار الوفاء للطباعة و النشر، 1989م، ص11
9. د. شوقي احمد دنيا، تعقيب على إحدى بحوث ندوة إسهام الفكر الإسلامي في الاقتصاد المعاصر، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، جامعة الأزهر، مركز صالح عبد الله كامل للأبحاث و الدراسات التجارية و الإسلامية، القاهرة، 9-6 سبتمبر 1986م،1992م، ص188
10. أ.د. عبد الرحمن يسري، تعقيب على إحدى بحوث ندوة اسهام الفكر الإسلامي في الاقتصاد المعاصر، مرجع سبق ذكره، ص115
11. مقابلات شخصية مع كل من :- أ. حافظ عباس، جامعة وادي النيل 29/10/2002،رئيس قسم الاقتصاد جامعة أم درمان الإسلامية،22/10/2002. رئيس قسم الاقتصاد، جامعة القران الكريم، 15/10/2002، رئيس قسم الاقتصاد بالإنابة، المعهد العالي للدراسات المصرفية و المالية، 15/11/2002، رئيس قسم الاقتصاد، جامعة سنار 12/11/2002، رئيس قسم الاقتصاد السابق جامعة غرب كردفان، 4/11/2002 .
12. أ. د. عبد الرحمن يسري مرجع سبق ذكره، ص116 .
13. المرجع السابق، ص117
14. المرجع السابق، ص116 15.انظر قائمة المراجع في نهاية البحث المراجع 10 , 9 , 8 , 6
الملحق الإحصائي(29/29)
جدول رقم "1" نوعية وعددية مواد العلوم الشرعية في الجامعات السودانية
عددية المواد
نوعية المواد
أم درمان
القران
الوادي
سنار
المعهد
غرب كردفان
أ. مواد أساسية
1. القران الكريم و التجويد
2. عقيدة التوحيد
3. التفسير وعلوم القران
4. الحديث وعلومه
5. الفقه و أصوله
4
1
1
1
ـ
10
2
2
2
2
8
1
ـ
ـ
1
1
1
1
1
2
ـ
ـ
ـ
ـ
3
8
2
2
2
ـ
ب. طابع اقتصادي
1. فقه المعاملات
2. فقه الزكاة
3مقاصد الشريعة الإسلامية
1
ـ
1
4
1
ـ
2
1
ـ
1
ـ
1
2
ـ
ـ
2
ـ
1
جـ. ذات طابع متنوع
1. نظام التامين في الإسلام
2. الثقافة الإسلامية
ـ
ـ
1
ـ
1
ـ
1
1
ـ
2
1
ـ
د. ذات عبء على الطالب
1. فقه العبادات
2. فقه السيرة
3. نظام الحكم في الإسلام
4. منهج التربية في الإسلام
5. مدخل الدعوة
6. تاريخ الخلفاء الراشدين
7 . التاريخ الإسلامي
ـ
ـ
1
ـ
ـ
ـ
ـ
4
1
1
1
ـ
1
ـ
ـ
1
ـ
ـ
1
ـ
ـ
1
ـ
ـ
ـ
1
ـ
1
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
1
1
ـ
ـ
2
ـ
1
الإجمالي
10
32
16
13
7
23
أ . أساسية
ب . اقتصادية
ج. متنوع
د. عبء
7
2
صفر
1
18
5
1
8
10
3
1
2
6
2
2
3
3
2
2
صفر
14
3
1
5
المصدر :- من إعداد الباحث من بيانات أقسام الاقتصاد الإسلامي بالجامعات و المعاهد العليا السودانية عام 2002م .
جدول رقم (1) عددية ونوعية مواد العلوم الاقتصادية في الجامعات السودانية
عددية المواد
نوعية المواد
أم درمان
القران
الوادي
سنار
المعهد
غرب كردفان
أ. مواد وضعية
1. مبادئي الاقتصاد
2. النظرية النقدية
3. الاقتصاد الرياضي
4. الاقتصاد القياسي
5. الاقتصاد السوداني
6 . الاقتصاد الدولي
7. الاقتصاد التطبيقي
8. قضايا اقتصادية معاصرة
9. الاستثمار و الجدوى الاقتصادية
10. موارد اقتصادية
1
ـ
1
1
1
1
1
ـ
1
1
2
1
2
2
1
1
ـ
1
1
ـ
ـ
ـ
1
1
1
1
1
ـ
1
1
ـ
1
1
1
2
1
2
1
ـ
1
ـ
ـ
1
ـ
ـ
2
ـ
ـ
2
ـ
ـ
1
1
1
ـ
1
1
1
1
ـ
ب. إسلامية
1. اقتصاديات الزكاة و الوقف
2. اقتصاديات العمل و الأجور
3. اقتصاديات العالم الإسلامي(29/30)
4. اقتصاديات صيغ الاستثمار الإسلامي
5.حسابات الاستثمار و الزكاة
6 .أصول الاقتصاد الإسلامي
7. تنظيم السوق الإسلامي
8. تفسير آيات الاقتصاد
9. المصارف الإسلامية
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
1
ـ
ـ
1
1
1
1
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
1
ـ
ـ
ـ
ـ
3
1
ـ
1
ـ
ـ
1
ـ
ـ
1
ـ
1
1
ـ
ـ
ـ
ـ
2
ـ
ـ
ـ
1
ـ
ـ
1
1
2
ـ
1
ـ
جـ. متنوعة
1. الاقتصاد الجزئي
2. الاقتصاد الكلي
3. النقود و المصارف
4. المصطلحات الاقتصادية
5. التنمية الاقتصادية و التخطيط
6. بحث التخرج
1
1
1
2
2
1
2
2
1
2
2
1
1
2
2
1
2
1
2
2
1
1
2
2
2
2
2
2
1
2
2
2
1
2
2
2
د.مقارنة
1. المالية العامة و الاقتصاد المقارن
2. تاريخ الفكر الاقتصادي
1
1
2
1
3
1
2
1
1
ـ
1
1
المصدر :- من إعداد الباحث من بيانات أقسام الاقتصاد بالجامعات و المعاهد العليا السودانية، 2002م
جدول رقم "3" عددية ونوعية مواد العلوم المساندة بالجامعات السودانية
غرب كردفان
المعهد
سنار
الوادي
القران
أم درمان
عددية المواد
نوعية المواد
2
1
2
2
1
1
9
10
3
1
1
ـ
2
17
3
3
2
1
ـ
3
12
-
1
1
1
1
-
4
1
2
2
1
1
1
8
1
1
1
1
1
2
7
أ. مفيدة للاقتصادي
1. العلوم المحاسبية
2. العلوم الإدارية
3. الرياضة البحثية
4. الإحصاء الوصفي
5. الإحصاء التطبيقي
6 .العلوم القانونية
الإجمالي
2
ـ
1
3
8
6
1
15
2
ـ
1
3
2
ـ
1
3
2
ـ
1
3
1
ـ
1
2
ب. مفيدة للعصر
1. علوم الحاسوب
2. علوم المصارف
3.مناهج البحث العلمي
الإجمالي
8
7
ـ
15
6
6
ـ
12
5
5
ـ
10
7
5
ـ
12
8
4
4
12
4
2
ـ
6
جـ. اللغات
1. اللغة العربية
2. اللغة الإنجليزية
3. اللغة الفرنسية
الإجمالي
ـ
ـ
ـ
0
ـ
ـ
ـ
0
ـ
ـ
1
1
ـ
2
ـ
2
ـ
ـ
ـ
0
3
ـ
ـ
3
د. ذات عبء على الطالب
1. العلوم السياسية
2. الصحافة و الإعلام
3. المعاجم و الفهارس
الإجمالي
المصدر : من إعداد الباحث من بيانات أقسام الاقتصاد بالجامعات و المعاهد العليا السودانية، 2002م.(29/31)
* يخير الطلب ما بين دراسة اللغة الإنجليزية أو اللغة الفرنسية في جامعة القران الكريم .
* تحتوي اللغة العربية على تعلم مهارات وظيفية في جامعة سنار .
جدول رقم "4"إجمالي عددية ونوعية مواد العلوم الثلاثة بالجامعات السودانية :-
غرب كردفان
المعهد
سنار
الوادي
القران
أم درمان
عددية المواد
نوعية المواد
23
14
3
1
5
7
3
2
2
0
13
6
2
2
3
16
10
3
1
2
32
18
5
1
8
10
7
2
0
1
أ. جملة المواد الشرعية
1. أساسية
2. اقتصادية
3. متنوع
4. عبء على الطالب
26
7
6
11
2
20
6
2
11
1
29
11
4
10
4
25
6
6
9
4
27
11
3
10
3
20
8
2
8
2
ب. جملة المواد الاقتصادية
1. وضعية
2. إسلامية
3.متنوعة
4 . مقارنة
27
9
3
15
0
44
17
15
12
0
26
12
3
10
1
21
4
3
12
2
23
8
3
12
0
18
7
2
6
3
جـ. جملة المواد المساندة
1. مفيدة للاقتصادي
2. مفيدة للعصر
3. اللغات
4. عبء على الطالب
76
71
68
62
82
48
العدد الكلي
المصدر من إعداد الباحث من جداول (1) و (2) و (3) من ملحق البحث الإحصائى ص24، ص25، ص26 .
قائمة المراجع
أولاً :- الكتب :-
1. احمد حسين اللقاني، المنهج، القاهرة، عالم الكتب، 1994م .
2. أ. د. عبد الحميد الغزالي، حول المنهج الإسلامي في التنمية الاقتصادية، المنصورة، دار الوفاء للطباعة و النشر، 1989م .
3. د. فوزي الشربيي و د. عفت القناوى، مداخل عالمية في تطوير المناهج التعليمية على ضوء تحديات القرن الحادي و العشرين، القاهرة، مكتبة ألا نجلو المصرية، 2001م .
4.د. محمد زياد حمدان، تقييم المنهج، سوريا، دار التربية الحديثة، 1986م .
5. د. محمود احمد شوق، تطوير المناهج الدراسية، الرياض، عالم الكتب، 1995م .
ثانياً:- الندوات :-(29/32)
6. المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ندوة إسهام الفكر الإسلامي في الاقتصاد المعاصر جامعة الأزهر، مركز صالح عبد الله كامل للأبحاث و الدراسات التجارية و الإسلامية المنعقد بالقاهرة، 9-6 سبتمبر 1986م تعقيب كل من أ. د. عبد الرحمن حمدي و د. شوقي احمد دنيا صدرت في كتاب عام 1992م .
ثالثاً :- المؤتمرات :-
7. د. صديق ناصر، مناهج ومقررات العلوم الاقتصادية و المحاسبية و الإدارية دراسة تحليلية، ورقة قدمت لمؤتمر تنمية البيئة الجامعية، وزارة التعليم العالي و البحث العلمي، الخرطوم، قاعة الصداقة، 24-22 نوفبمر 1997م .
8. أ.د. عدنان زرزور، منهجية التعامل مع علوم الشريعة في ضوء التحديات المعاصرة، بحث قدم لمؤتمر علوم الشريعة في الجامعات، جمعية الدراسات و البحوث الإسلامية و المعهد العالمي للفكر الإسلامي، عمان، 26-23 آب 1994م، صدر في كتاب عام 1995م .
9. أ.د. على احمد مدكور، محتوى منهج العلوم الشرعية في الجامعات الواقع و الطموحات بحث لمؤتمر علوم الشريعة في الجامعات، جمعية الدراسات و البحوث الإسلامية والمعهد العالمي للفكر الإسلامي عمان 26-23 آب 1994م صدر في كتاب عام 1995م .
10. وزارة التعليم العالي، جامعة الملك عبد العزيز، بحوث مختارة من المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي، مكة المكرمة 26-21 شباط 1976 صدر في كتاب عام 1980م
رابعاً :- مقابلات شخصية :-
11. حافظ عباس جامعة وادي النيل بتاريخ 29/ أكتوبر /2002م .
12. رئيس قسم الاقتصاد جامعة أم درمان الإسلامية 22/ أكتوبر /2002م .
13. رئيس قسم الاقتصاد السابق جامعة غرب كردفان 4/ نوفبمر /2002م .
14. رئيس قسم الاقتصاد بالإنابة المعهد العالي للدراسات المصرفية و المالية بتاريخ
6/ نوفبمر /2002م .
15. رئيس قسم الاقتصاد جامعة سنار بتاريخ 12/نوفبمر/ 2002م.
16. رئيس قسم الاقتصاد جامعة القران الكريم للعلوم الإسلامية بتاريخ 15/ أكتوبر
/2002م .
??
??
??
??(29/33)
14 تقويم مناهج أقسام الاقتصاد الإسلامي بالجامعات والمعاهد العليا السودانية
المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى 13(29/34)
حماية الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي
والآثار الاقتصادية المترتِّبة عليها
د . ناصر بن محمد بن مشري الغامدي
أستاذ مساعد بقسم القضاء - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة أم القرى بمكة المكرمة
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد : فإنَّ موضوع الحقوق الفكرية
( الملكية الفكرية: الأدبية والفنية، والصناعية )، من الموضوعات الفقهية المعاصرة المهمة، التي ظهرت أهميُّتها مع التقدُّم العلمي والتجاري والصناعي والتِّقَنِيِّ الذي يعيشه العالم بأسره، ولها أثرها الواضح سلباً أو إيجاباً في اقتصاد الأفراد والأُمم على حدٍّ سواء .
وإنَّه مع التقدُّم الحضاريِّ الذي يعيشه العالم، وانتشار الوسائل الحديثة، انتشرت السرقات العلمية والأدبية، والتقليد والغشِّ التجاري والصناعي بأنواعه المختلفة، وصوره المستهجنة، وتنادت دول العالم وشعوبه إلى التعاون في سبيل حماية هذه الحقوق ومنعها من عبث العابثين، وتلاعب المتلاعبين، وعقدت لأجل ذلك مؤتمرات، وجرت اتفاقيات دولية في هذا الخصوص، وصدرت أنظمة وقوانين .
وهذا البحث، دراسة فقهية تأصيلية لموضوع : ( حماية الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي، والآثار الاقتصادية المترتبة عليها ) ؛ وضَّحت فيه المقصود بالملكية الفكرية، وبيَّنت أنواعها، والحقوق المترتبة عليها، وحكمها، وأدلة حمايتها وأسس اعتبارها في نظر الإسلام، وجهود الدول جميعاً في سبيل المحافظة عليها وحمايتها لأصحابها، والآثار الاقتصادية المترتبة على حمايتها أو التفريط فيها.
وقد سرت في بحثها وفق منهج علمي، أوضحته في المقدمة، ورجعت إلى كتب الفقه المعتمدة، ودواوين السنة النبويَّة، مع التركيز على الاستفادة من الدراسات الحديثة في هذا المجال، وتوصلت إلى بعض النتائج التي من أبرزها :(30/1)
أنَّ مفهوم المال في الإسلام واسع، يشمل كلَّ ما انتفع الناس به، وكان له قيمة معتبرة في عرفهم، عيناً كان أم منفعة أم حقَّاً . وأنَّ الحقوق الفكرية بجميع أنواعها نوع من أنواع الملكية، اكتسبت قِيَمَاً مالية معتبرة عرفاً، وأصبح لها أثرها البارز، وأهميَّتها العظمي في المجال الاقتصادي والحضاريِّ، ولذا أدركت دول العالم أهميَّتها، فعقدت المؤتمرات والاتفاقيات المختلفة والمتعددة لتنظيمها وحمايتها.
وهي حقوق مصونة شرعاً لأصحابها، لا يجوز الاعتداء عليها في الإسلام، والاعتداء عليها في نظر الإسلام سرقة وغشٌّ وتعدٍّ على أموال الناس وحقوقهم وأكل لها بالباطل، وقد اعتبر الإسلام حمايتها واجباً شرعياً ينبع من الإيمان بالله تعالى، واستشعار الأمانة والمسئولية في حفظ حقوق الناس، وعدم الاعتداء على أموالهم، وهو يؤدِّي إلى تحقيق عددٍ كبير من المصالح العائدة على مجموع الأمة، أهمُّها نسبة الفضل لأهله، وتشجيع وتطوير الحركة العلمية والفكرية، على عكس إهدار هذه الحقوق وعدم حمايتها فإنَّه سبيل إلى المفاسد والتخلُّف والانحطاط الحضاريِّ والاقتصاديِّ، وسبب إلى عزوف العلماء والمفكرين والمنتجين عن الإنتاج الفكري والعلمي والصناعي .
كما توصَّلتُ إلى بعض التوصيات المهمة في هذا الجانب ؛ منها : أنَّه يجب تفعيل الحماية الدولية للحقوق الفكرية، وربطها بتوجيهات الشريعة الإسلامية، التي تنظر إلى ذلك على أنَّه واجب ديني، قبل أن يكون واجباً دولياً، وأنَّ الإخلال بها غِشٌّ وخديعةٌ وتعدٍّ على أموال الناس وحقوقهم، لتصان من عبث العابثين، وتُحمى من الغِشِّ والعبث والتلاعب والسرقات المشينة .(30/2)
كما يجب أن تشجِّع الدول الإسلامية الملكية الفكرية بشتَّى أنواعها، وأن تضع لأصحابها من الحوافز التقديرية والتشجعية، وأن توِّفر لها ولأصحابها من الحماية ما يؤدِّي إلى نهوض بلاد المسلمين في المجال العلمي والصناعي والتجاريِّ، ووصولها إلى حدِّ الاستغناء عن منتجات الغرب، وأعداء الأمَّة الذين يَتَقَوَّون اقتصادياً من خلال استهلاك المسلمين لإنتاجهم، وحاجتهم إليه .
وإتماماً للفائدة فقد ختمت البحث بثلاثة ملاحق علمية مهمَّة في هذا الموضوع ؛ وهي : قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة ؛ وقرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بمكة، وفتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية .
أسأل الله التوفيق والسداد، وأن يرزقني الإخلاص في القول والعمل، وأن ينفعني وإخواني المسلمين بهذا العمل، والله أعلم، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين .
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللَّهُمَّ علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزدنا علماً وهدىً يا ربَّ العالمين، واهدنا لما اختُلِف فيه من الحقِّ بإذنك، إنَّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، اللَّهُمَّ وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك، وثبِّتنا على الصِّراط المستقيم حتَّى نلقاك، وتوفَّنا وأنت راضٍ عنَّا يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ يا قيُّوم، أمَّا بعد :(30/3)
فإنَّ المسائل الاقتصادية وما يتعلَّق بها من موضوعات وحقوقٍ، تشغل حيِّزاً كبيراً من حياة البشر وتفكيرهم في كلِّ عصر ومصر، ذلك أنَّ أكثر مشكلات البشرية التي تُؤلمها، وتؤثِّر في نَمَط حياتها وسلوكها ومعيشتها، مشكلات اقتصادية ؛ من فقرٍ ومجاعةٍ، إلى استغلال واستبداد، واحتكارٍ وغَلاَءٍ، إلى سوء توزيعٍ للموارد والإنتاج، إلى غِشٍّ وخِدَاعٍ وسَلْبٍ ونَهْبٍ، تُؤَثِّر جميعها في حياة الأُمم والأفراد، والمنتجين والمستهلكين على السواء .
ويُعَدُّ موضوع المِلْكِيَّة من أهمِّ المسائل المؤثِّرة في حياة الناس، بل وفي الاقتصاد البشري، وهو مع ذلك من أهمِّ حقوق الإنسان ؛ لأنَّ الملكية ظاهرة من ظواهر المجتمع البشري، وغريزة من غرائز الإنسان التي وُجدت منذ فجر التاريخ مع وجود الإنسان، وإن اختلفت مفاهيمها ووسائلها ونظمها، باختلاف الشعوب والأمم، وهي تُعبِّر عن غريزة الاستئثار والحيازة وحُبِّ الغِنى لدى الإنسان (1) .
والملكية تتعلَّق بالضرورات الخمس التي أجمعت الشرائع السماوية قاطبة على حفظها في كلِّ رسالة وعهدٍ من عهود البشرية المتتابعة، وتتابع الأنبياء والرسل كلُّهم على التأكيد على حفظها، والأمر برعايتها، وبيان كلِّ ما من شأنه أن يحافظ عليها، ويُقِيمَ أركانها، ويُثَبِّت دعائمها وأصولها ؛ وهي : الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال (2) .
ولذا جعل الإسلام التراضي أساساً لجميع المبادلات المالية، وجعل حُرِّيَّة المُتَصَرِّف ورضاه واختياره أساساً لكلِّ تعاملٍ ماديٍّ، وقرينةً لصحَّه نفاذه (3) .
قال الله عزَّ وجلَّ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ( (4) .(30/4)
ونظراً لما لموضوع الملكية من أهميَّة كبرى في حياة الأمم والأفراد، وتنمية الاقتصاد البشري، وزيادة الثروات، كان محلاًّ لأطروحات علميَّة متميِّزة ؛ من أهمِّها : رسالة الدكتور : عبد السلام بن داود العبادي، بعنوان : (الملكية في الشريعة الإسلامية ؛ طبيعتها ووظيفتها وقيودها) (5) . والتي تعتبر بحقٍّ من أهمِّ وأجود وأشمل ما كُتب في هذا المجال (6) .
وعُقدت في هذا المجال مؤتمرات وندوات، تطرَّقت إلى موضوع الملكية، وموقعه من حقوق الإنسان ؛ من أبرزها : المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، في شهر شوال سنة (1383هـ)، والذي عُني بموضوع الملكية في الشريعة الإسلامية، وأسهم فيه علماء أجلاء، وفقهاء كبار، بمؤلفات علميَّة جليلة، خدمت الساحة العلمية في موضوع الملكية والجوانب المتعلِّقة بها ؛ مثل الشيخ : علي الخفيف، في كتابه : ( الملكية في الشريعة الإسلامية ) ؛ وبحثه بعنوان : ( الملكية الفردية وتحديدها في الإسلام ) ؛ والشيخ : محمد علي السايس، ببحثه : ( ملكية الأفراد للأرض ومنافعها في الإسلام ) ؛ والشيخ الدكتور : محمد عبد الله العربي، ببحثه : ( الملكية الخاصة وحدودها في الإسلام ) ؛ والشيخ : أبو الأعلى المودودي، في كتابه : ( مسألة ملكية الأرض في الإسلام ) (7) .
إلى غير ذلك من الدراسات المفردة التي تناولت موضوع الملكية في الإسلام، مع مقارنته بالقوانين الغربية، وبيان ميزة الشريعة الإسلامية عليها ؛ ممَّا يُبيِّن أهميَّة هذا الموضوع ؛ خصوصاً في بيان موقف الإسلام ونظرته إلى الملكية الخاصة، في مقابل النظرة الفردية ( الرأسمالية )، والنظرة الاشتراكية للملكيَّة، وما في هذين النظامين من مآسٍ ومشكلات، وتفريطٍ وإفراطٍ، وغلوٍّ وجفاءٍ، سلم منه النظام الاقتصاديُّ الإسلامي في نظرته إلى الملك (8) .(30/5)
وفي العصر الحاضر الذي اتَّسم بالتقدُّم في كلِّ جوانب الحياة البشرية، بما فيها الجوانب الاقتصادية ؛ تطورَّت الملكية الخاصة، وبرزت أنواع من الحقوق المتعلِّقة بها، لم تكن معروفة من قبل، وشهد العالم كلُّه هذا التطوُّر المذهل في مجال الصناعات والابتكارات العلمية والإلكترونية - خاصة - التي هي نتاج العقل البشري المفكِّر، وكذا التطوُّر السريع في مجال الطباعة، وكثرة المؤلفات بأنواعها المختلفة في شتَّى المجالات العلمية والأدبية والفكرية والفنية، وظهرت في هذا العصر في المجال العلمي حركة البرمجة الآلية لكثير من المؤلفات والكتب العلمية، التي سهَّلت على الباحثين وطلاب العلم كثيراً من الصِّعَابِ، ويَسَّرَت لهم سُبُلَ البحث والتأليف، واشتهرت شركات ومؤسسات تجارية وعلمية وفنية بأنواع من التقدُّم التجاري والإنتاج المتميِّز - بكل أشكاله وصوره - ؛ حتَّى صار لبعضها السُّمعة والرَّوَاج الاقتصادي، والقبول التجاريُّ الكبير، لدى التاجر والمستهلك على حدٍّ سواء .
وفي مقابل ذلك : سَهُلَتْ عمليات التقليد والتزوير لكثير من السلع والمنتجات المختلفة، وانتشرت عمليات السرقة العلمية والأدبية لمؤلفات الآخرين ونتاجهم الفكري والعلمي، وكثُرَتْ عمليات النَّسْخِ للمؤلفات المختلفة، مما جعل العالم كلَّه يسعى جاهداً في سبيل الحماية لهذه الحقوق والممتلكات، ووضع الأنظمة التي تحكمها وتثبتها لأصحابها، وفرض العقوبات الزاجرة الرادعة عن التعدِّي عليها .
وحظي هذا الموضوع ( موضوع : الحقوق المعنويَّة ) باهتمام المعاصرين من أهل العلم والفقه،واعتبروه من النوازل الجديدة التي تحتاج إلى تأصيلٍ وتقعيدٍ يُبيِّن طبيعتها, وموقعها من الحقوق، والأحكام المترتِّبة عليها، والحقوق الواردة عليها (9).(30/6)
ومن أجل ذلك عقدت مؤتمرات، وأُلِّفت فيها مؤلفات، حتَّى صارت محلاًّ لعدد من البحوث الجامعية، والرسائل العامَّة والخاصَّة ؛ لكنَّ أغلبها إنَّما يبحث المسألة من وجهة نظر القوانين الوضعية، ومن وجهة نظرٍ اقتصاديٍّ بَحْتَةٍ، وأمَّا لدى علماء الشريعة ففيها مقالات مختصرة، وبحوثٌ أُخرى جيِّدة تُركِّز على بعض جوانب ومُتَعَلَّقات هذه المسألة ؛ كملكية هذه الحقوق، وحكم إرثها، وبيعها، وأخذ العِوَض عليها، ولا زال كثيرٌ من جوانب هذا الموضوع بحاجة ماسَّة إلى دراسات شرعيَّة ؛ تُبيِّن طبيعة هذه الحقوق، والأحكام والحقوق الواردة عليها، خصوصاً موقف الشريعة الإسلامية من حمايتها وحفظها من اعتداء المعتدين , وعبث العابثين، والأمور والأسس التي يُمْكِنُ أن يُرَكَّز عليها من وجهة إسلامية شرعية في سبيل تحقيق هذا المطلب النفيس، وبيان الآثار المترتِّبة على حمايتها أو التفريط فيها ؛ فلا زال ذلك كُلُّه بحاجة إلى البحث والدراسة (10) .
لهذه الأسباب التي أراها من الأهميَّة بمكانٍ يستحقُّ البحث والدراسة، عقدت العزم - مستعيناً بالله تعالى - على بحث موضوع : ( حماية الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي ) ؛ وبيان حكم حمايتها في نظر الإسلام، وموقفه من هذه الحقوق، وأهمَّ ما ركَّز عليه من أُسسٍ ومبادئ شرعيَّة لحمايتها لأصحابها، وصيانتها عن العبث والاعتداء على الوجه الذي يُحَقِّقُ المصلحة، مؤصِّلاً ذلك كلَّه بما أجده من أدلَّةٍ شرعيَّة، مبيِّناً بقدر المستطاع الآثار الاقتصادية المترتِّبة على الحماية أو التفريط في هذه الحقوق، سائلاً إيَّاه - سبحانه وتعالى - التوفيق والسداد لخيري الدنيا والآخرة، وسرت في بحثه - بعد هذه المقدِّمة المشتملة على سبب البحث وأهميَّته، وخطَّته، ومنهجه، ومصطلحاته - على الخطَّة التالية :
خطة البحث :
المبحث الأول : المقصود بالملكية الفكرية .
المبحث الثاني : طبيعة الملكية ( الحقوق ) الفكرية .(30/7)
المبحث الثالث : أنواع الملكية الفكرية والحقوق الواردة عليها .
المبحث الرابع : حماية الملكية الفكرية إسلامياً وعالمياً، والأدلة الشرعية المؤيدة لذلك .
المبحث الخامس : الآثار الاقتصادية المترتبة على الملكية الفكرية .
ملاحق البحث .
منهج البحث :
سرتُ في هذا البحث وفق المنهج التالي :
1- رجعت في بحث هذا الموضوع إلى الكتب المعتمدة في كلِّ مذهب، مع الاستفادة من الدراسات الحديثة المتخصِّصة في مجال الاقتصاد والحقوق والملكيَّة ؛ وتأييد البحث بما توصلت إليه المجامع الفقهية والمؤتمرات الخاصة في هذا الموضوع، ونظراً لأنَّ هذه الحقوق وليدة العصور المتأخرة، فإنَّ التركيز على الاستفادة من الدراسات الحديثة في هذا المجال سيكون واضحاً في مراجع البحث .
2- قصرت البحث على موضوع الحماية لهذه الحقوق، وبيان الآثار المترتبة عليها، ولكن نظراً للحاجة إلى بعض المسائل التمهيدية للموضوع، فقد تناولتها بالاختصار ؛ لكونها خارجة عن الموضوع، ومخدومة بالبحث والدراسة ؛ كموضوع : تكييف هذه الحقوق، وبيان أنَّها من حقِّ الملكيَّة، وكذلك : لم أُعرِّج على بعض جوانب الموضوع الخارجة عن موضوع الحماية ؛ كموضوع : بيع هذه الحقوق من عدمه، إلاَّ بمقدار ما يخدم في مسألة الحماية لهذه الحقوق .
3- أصَّلت مسألة حماية الملكية الفكرية ببيان أدلتها من الكتاب، والسنة .
4- خرجت الأحاديث النبويَّة من مصادرها المعتمدة، وبيَّنت درجتها، ملتزماً في ذلك بطريقة الاستدلال الصحيحة من كتب الحديث والأثر، ولم استدلَّ في هذا البحث إلاَّ بدليلٍ صحيحٍ، معرضاً عن كثيرٍ من الأدلَّة الضعيفة ؛ لأنَّ في الصحيح - والحمد لله - غُنْيَةً عنها .
5- عرَّفْت بالمفردات التي تحتاج إلى تعريفٍ، ولم أترجم للأعلام الواردة في البحث ؛ لأنَّ البحث فقهيٌّ، ومنعاً للإطالة، ولكون أغلب الأعلام الواردة فيه من المشهورين، أو من المعاصرين الذين يصعب الحصول على تراجم لهم .(30/8)
6- اجتهدت في بيان الآثار الاقتصادية والعلمية المترتبة على التفريط في هذه الحقوق، وكذا الآثار المترتبة على حمايتها، ومنعها من الاعتداء والعبث والسرقة، ومع أنَّ هذا الجانب يندر أن يوجد فيه بحث أو كتابة - حسب العلم - إلاَّ أنَّي بذلت من الجهد فيه ما أرجو به العذر عن التقصير والخطأ .
7- إتماماً للفائدة، فقد ذيَّلت البحث بملاحق علمية مهمَّة في هذا الموضوع ؛ وهي : قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة ؛ وقرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بمكة، وفتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية .
8- ختمت البحث بأهم النتائج المستخلصة منه، وبعض التوصيات في هذا المجال، ثمَّ بيَّنت المصادر والمراجع .
مصطلحات البحث ورموزه :
للبحث مصطلحات ورموز، بيانها على النحو التالي :
1- حرف ( ح ) : المقصود به رقم الحديث في الكتاب الذي أخرجه، أو تكلَّم عليه، إذا كان مرقَّماً .
2- حرف ( ت ) : في صلب البحث اختصاراً لكلمة الوفاة، وفي قائمة المراجع اختصاراً لكلمة تحقيق .
3- حرف ( ض ) : اختصاراً لكلمة ضبط .
4- حرف ( د ) : اختصاراً لكلمة الدكتور .
5- حرف ( ط ) : المقصود به رقم الطبعة .
6- حرفا ( هـ ، م ) : يقصد به بيان تاريخ الطبع، هجري أو ميلادي .
هذا وأسأل الله تعالى القبول والتوفيق والسداد في القول والعمل، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وخدمةً للعلم وأهله، ودعوة إلى شرع الله ومنهجه .
ما كان فيه من صواب فمن الله وحده، له الفضل والحمد والمِنَّة، وما كان فيه من خطأ وتقصير فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله منه، وأسأله التجاوز عنه، والتوفيق لتداركه وتصحيحه، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين .
المبحث الأول
المقصود بالملكية الفكرية(30/9)
مصطلح الملكية الفكرية يُنْظَرُ إلى تعريفه باعتبارين ؛ الأول : باعتباره مركباً إضافياً يتكون من كلمتين ؛ الأولى : كلمة ( الملكية )، والثانية : كلمة ( الفكرية )، ولكلِّ واحدة من هاتين الكلمتين معنىً في اللغة، وآخر في الاصطلاح، والثاني : باعتباره لقَبَاً على هذا النوع من أنواع الملكية، وبيان تعريفه بهذين الاعتبارين على النحو التالي :
- أولاً : تعريف كلمة ( الملكية ) .
تعريف الملكية لغةً : (( الميم واللاَّم والكاف : أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على قوَّةٍ في الشيءِ وصِحَّةٍ ؛ يُقالُ : أَمْلَكَ عَجِيْنَهُ ؛ قَوَّى عَجْنَهُ وشَدَّهُ، ومَلَّكْتُ الشَّيْءَ : قَوَّيْتُهُ ... والأصلُ هذا، ثمَّ قِيْلَ : مَلَكَ الإِنْسَانُ الشَّيْءَ، يَمْلِكُهُ مَلْكَاً، والاسمُ : المِلْكُ ؛ لأَنَّ يَدَهُ فيه قويَّةٌ صحيحةٌ، فالمِلْكُ : ما مُلِكَ من مالٍ، والمملوكُ : العبد )) (11) .
والمُلْكُ والمِلْكُ : ما يَمْلِكُهُ الإنسانُ من ماله، ويَسْتَبِدُّ به، ويتصرَّف فيه بانفراده، يُذَكَّرُ ويُؤَنَّث، جمعه : أمْلاَكٌ ؛ يُقَالُ : مَلَكَهُ يَمْلِكُهُ، مَلْكَاً وَمِلْكَاً ومُلْكَاً وتَمَلُّكَاً، ومَا لهُ مَلْكٌ ومِلْكٌ ومُلْكٌ ومُلُكٌ : أي شيءٌ يَمْلِكُهُ . ويُقالُ : أَمْلَكَهُ الشَّءَ، ومَلَّكَهُ إيَّاهُ، تَمْلِيْكَاً ؛ جَعَلَهُ مِلْكَاً له يَمْلِكُهُ (12) .
والمِلْكِيَّةُ : المِلْكُ أو التَّمْلِيْكُ ؛ يُقالُ : بيدي مِلْكِيَّةُ هذه الأرض، والمِلْكِيَّةُ الخاصَّةُ: ما يَمْلِكُهُ الفرد . والمِلْكِيَّةُ العامَّةُ : ما تَمْلِكُهُ الدولة . والمِلْكِيَّةُ : مَصْدَرٌ صِنَاعِيٌّ صِيْغَ من المادة مَنْسُوبَاً إلى المِلْكِ ( بكسرٍ فسكونٍ ) (13) .
وأمَّا تعريف المِلْكِيَّةُ اصطلاحاً : فقد اختلف الفقهاء في تحديد تعريفٍ اصطلاحيٍّ للملكية ؛ بسبب اختلافهم في ضبط الملك، وبيان ما يُعتبر مالاً مملوكاً، وما لا يُعتبر كذلك (14) .(30/10)
وبناءً على هذا اختلفت أنظارهم في تحديد المعنى الاصطلاحي للملك على ثلاثة اتِّجاهات، بيانها على النحو التالي :
أ) الاتِّجاه الأول : ينظر في تعريف الملك إلى اعتباره حقيقة شرعية، أو حكماً أقرَّه الشارع، ورتَّب عليه آثاراً ومصالح ملازمة (15)، وهذا هو اتِّجاه أكثر أهل العلم لتعريف الملك، ومن أشهر تعريفات هذا الاتِّجاه :
1- تعريف أبي المكارم الحنفي، عبد الكريم بن محمد بن أحمد الصباغي المديني - رحمه الله - بقوله : (( أمَّا الملك فهو حالة شرعية مقتضية لإطلاق التصرُّف في محلها، لولا المانع من إطلاقه )) (16) .
2- تعريف القرافي المالكي، أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن
(ت : 684هـ) - رحمه الله - : (( الملك حكمٌ شرعيٌّ مقدَّرٌ في العين أو المنفعة، يقتضي تَمَكُّن من يضاف إليه من انتفاعه بالمملوك، والعِوَضِ عنه من حيث هو كذلك )) (17) .
وقال في موضعٍ آخر : (( إنَّ المِلْك : إباحة شرعية في عينٍ أو منفعةٍ، تقتضي تَمَكُّن صاحبها من الانتفاع بتلك العين أو المنفعة، أو أخذ العِوَضِ عنهما من حيث هي كذلك )) (18) .
3- أحد تعريفات القاضي حسين بن محمد المروزي (ت : 462هـ) - رحمه الله - حيث قال : (( الملك قد يُفسَّر بأمر مؤثِّر يُمكنِّه ( أي يُمكِّن صاحبه ) من الانتفاع والتصرُّف في المال بحسبه )) (19) .
4- تعريف تاج الدين عبد الوهاب بن عليٍّ بن السبكيِّ الشافعيُّ
(ت : 771هـ) - رحمه الله - بقوله : (( والمختار في تعريف الملك : أنَّه أمر معنوي، وإن شئت قل : حكم شرعي مُقدَّرٌ في عينٍ أو منفعة يقتضي تمَكُّن من يُنسب إليه انتفاعه به، والعِوَضِ عنه من حيث هو كذلك )) (20) .(30/11)
5- تعريف بدر الدين محمد بن بهادر الزركشيُّ الشافعيُّ (ت : 794هـ) - رحمه الله - حيث قال : (( هو القدرة على التصرُّفات التي لا تتعلَّق بها تَبِعَةٌ ولا غرامةُ دنيا ولا آخرة . وقيل : معنىً مقدَّرٌ في المحلِّ يعتمد المُكْنَةَ من التصرُّف على وجه ينفي التَّبِعَةَ والغَرَامَة )) (21) .
فهذه التعريفات تشترك جميعاً في أنَّها بعد أن تضع جنساً في التعريف : حكم، معنى، أمر، حالة، تذكر القيود التي يخرج بها كل ما عدا الملك، وتوضِّح الأمور التي أقرَّها الشارع له (22) .
ويلاحظ على هذه التعريفات للملك في اصطلاح الفقهاء ما يلي :
أولاً : لا تُبرز حقيقة الملك ومعناه بشكل دقيق ؛ لأنَّ الملك في الواقع ارتباط أو علاقة تقوم بين الإنسان والشيءِ، من شأنها أن تعطيه القدرة على التصرُّف والانتفاع وحده بالشيءِ المملوك له، إلاَّ إذا قام مانعٌ يمنعه من ذلك .
ثانياً : أنَّها تقصر الملك على ما اعتبره الشارع فقط ملكاً، وهذا يجعل تعريف الملك قاصراً عن شمول الأشياء التي تعارف الناس على ملكيِّتها، واصطلحوا على ذلك ؛ كالحقوق والاختصاصات ونحو ذلك .
ثالثاً : أنَّها قصرت تعريف الملك على تملُّك الأعيان والمنافع، وهذا قصورٌ ؛ لأنَّ من الملك ما ليس بعينٍ ولا منفعةٍ، بل هو حقٌّ محضٌ ؛ كحقِّ الحضانة، وحقِّ الولاية ونحو ذلك، فهذه الحقوق ملك لأصحابها المختصين بها، وإن لم تكن أعياناً ولا منافع (23) .
ب) الاتِّجاه الثاني : يُعرِّف الملك على أساس ذكر موضوعه وثمرته والغاية التي شُرِعَ الملك من أجلها، ومن أشهر تعريفات هذا الاتِّجاه :
1- ما يُمكن أن يؤخذ من كلامِ أبي المُظَفَّر أسعد بن محمد النيسابوري الكرابيسي الحنفي (ت : 570هـ) - رحمه الله - ؛ حيث قال : (( والملك تسليطٌ على جميع أنواع التصرُّف )) (24) .(30/12)
2- تعريف كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهُمام الحنفي (ت: 861هـ) - رحمه الله - بقوله : (( الملك هو قدرة يثبتها الشارع ابتداءً على التصرُّف )) (25) .
وتَعَقَّبهُ زين الدين إبراهيم بن نُجَيْمِ الحنفي (ت : 970هـ) - رحمه الله - بقوله : (( وينبغي أن يُقال : إلاَّ لمانعٍ ؛ كالمحجور عليه، فإنَّه مالكٌ، ولا قُدرة له على التصرُّف، والمبيع المنقول، مملوك للمشتري، ولا قُدرة له على بيعه قبل قبضه )) (26).
3- تعريف سراج الدين قاسم بن عبد الله بن محمد المعروف بابن الشاط (ت 723هـ) - رحمه الله - بقوله : (( الملك تَمَكُّن الإنسان شرعاً بنفسه أو بنيابة من الانتفاع بالعين أو المنفعة، ومن أخذ العِوَضِ عن العين أو المنفعة )) (27).
4- أحد تعريفات القاضي حسين المروزي الشافعي ؛ حيث قال : (( مُكْنَةُ الانتفاع والتصرُّف في المال بحسب المحلِّ لائقاً به )) (28) .
5- تعريف شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيميَّة الحرَّاني
(ت : 728هـ) - رحمه الله - ؛ حيث قال : (( القدرة الشرعية على التصرُّف في الرقبة )) (29) .
فهذه التعريفات تشترك جميعاً في أنَّها تُبْرِزُ موضوع الملك أو الغاية الأساسية منه ؛ وهي القدرة على التصرُّف في الشيء المملوك بشتَّى أنواع التصرُّفات، والتمكُّن من الانتفاع .
إلاَّ أنَّ الملاحظ عليها : أنَّها لا تُبْرِزُ حقيقة الملك ؛ في أنَّه ارتباط مشروع، ذو طبيعة خاصة بين الإنسان والشيءِ المملوك له (30) .
ج) الاتِّجاه الثالث : يُعرِّف الملك انطلاقاً من أنَّه علاقة بين المالك والمملوك، ومن أشهر تعريفات هذه الاتِّجاه :
1- تعريف القاضي محمد بن محمد بن نوح القابسي الغزنوي
(ت : في حدود 600هـ ) - رحمه الله - ؛ حيث قال : (( الملك عبارة عن الاختصاص الحاجز )) (31) .
2- تعريف صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود الحنفي (ت : 745هـ)(30/13)
- رحمه الله - بقوله : (( الملك : اتِّصال شرعي بين الإنسان وبين شيءٍ يكون مطلقاً لتصرُّفه فيه، وحاجزاً عن تصرُّف الغير )) (32) .
وبنحوه تعريف الشريف علي بن محمد بن علي الجرجاني (ت : 816هـ)
- رحمه الله - (33) .
3- تعريف الشيخ محمد بن عرفة المالكي (ت : 803هـ) - رحمه الله - بقوله : (( الملك : استحقاق التصرُّف في الشيء بكل أمر جائزٍ، فعلاً أو حكماً لا بنيابة )) (34) .
4- بعض التعريفات التي ساقها القاضي حسين بن محمد المروزي
- رحمه الله - في كتابه طريقة الخلاف ؛ ومنها : (( الملك : اختصاص يقتضي إطلاق الانتفاع والتصرُّف . الملك : اختصاص مسلِّط له على الاستبدال . الملك : يُطلق ويراد به اختصاص مُنْتَفِعٍ بمُنْتَفَعٍ به . ويُطلقُ ويراد به اختصاص حَجْزٍ ومَنْعٍ )) (35) .
فهذه التعريفات تشترك في بيان العلاقة بين المالك والمملوك، وأنَّه مختصٌّ بما يملكه اختصاصاً يُمَكِّنُهُ من التصرًُّف والانتفاع المطلق، ويمنع غيره من التصرُّف فيه ؛ وهذا هو حقيقة معنى الاختصاص الذي يقوم عليه معنى الملك (36) .
وعلى ذلك : فإنَّ الاتِّجاه الثالث في تعريف الملك هو أقرب الاتِّجاهات التي سلكها الفقهاء في بيان حقيقة الملك ؛ ويُمكن من خلال هذا الاتِّجاه أن يُعرَّف الملك ( أو الملكية ) اصطلاحاً بأنَّه : (( اختصاص إنسانٍ بشيءٍ يُخَوِّله شرعاً الانتفاع
[ به ]، والتصرُّف فيه وحده ابتداءً، إلاَّ لمانعٍ )) (37) .
فهذا التعريف يُبَيِّن الركائز التي يقوم عليها الملك : فهو لا يقوم شرعاً إلاَّ إذا تحقَّق أمران ؛ أحدهما : شيءٌ ماديٌّ ( مالٌ أو منفعةٌ أو ما يؤول إليهما ) ؛
وثانيهما : إنسانٌ يرتبطُ بهذا الشيءِ، ارتباطاً يُمَكِّنُهُ من الانتفاع به، والتصرُّف المشروع فيه (38) .(30/14)
كما أنَّه يُبَيِّن حقيقة الملك، وأنَّه اختصاصٌ بالشيءِ المملوك، اختصاصاً يمنع غير مالكه من الانتفاع به، أو التصرُّف فيه، إلاَّ عن طريقه شخصيَّاً، أو عن طريق وكيله أو نائبه الشرعي، ثم هو يجعل معنى الملك شاملاً لملك الأعيان والمنافع، سواء أُعِدَّت من المال أم لا، وملك الحقوق على اختلاف أنواعها مالية كانت أم لا، متى تحقَّق فيها اختصاصها بشخصٍ ما، اختصاصاً يُخَوِّل له القدرة على أن يحجُزَ غيره ويمنعه من أن يكون له بها انتفاع، أو يكون له فيها تصرُّف نافذ (39) .
- ثانياً : تعريف كلمة ( الفكرية ) .
الفِكْرِيَّةُ لُغَةً : مأخوذة من الفِكْرِ ؛ وهو أصلٌ يدلُّ على تَرَدُّدٍ القلب في الشَّيْءِ؛ يُقَالُ : تَفَكَّرَ ؛ إذا رَدَّدَ قَلْبَهُ مُعْتَبِرَاً، ورَجُلٌ فِكِّيْرٌ ؛ كثير الفِكْرِ (40) .
والفَكْرُ والفِكَرُ : إعْمَالُ الخَاطِرِ في الشيءِ، وقد أَفْكَرَ في الشيءِ، وفَكَرَ فيه، وتَفَكَّرَ ؛ بمعنىً . والتَّفَكُّرُ ( اسم التفكير ) : التَّأَمُّلُ، والاسم منه : الفِكْرُ، والفِكْرَةُ، والمصْدَرُ : الفَكْرُ (41) .
وفَكَرَ في الأَمْرِ فَكْرَاً : أَعْمَلَ العقلَ فيه، ورَتَّبَ بعضَ ما يعلم ؛ ليصل به إلى مجهولٍ، وأفْكَرَ في الأَمْر : فَكَرَ فيه، فهو مُفَكِّرٌ، وفَكَّرَ في الأمر : مُبَالَغَةً في فَكَرَ وهو أشْيَعُ في الاستعمال من فَكَرَ، وفَكَّرَ في المُشْكِلَةِ : أعْمَلَ عقلَهُ فيها ليَتَوَصَّلَ إلى حَلِّها، فهو مُفَكِّرٌ . والجمع : أفكارٌ (42) .
وأمَّا الفِكْرُ اصطلاحاً : فهو إعمالُ العقلِ في أَمْرِ مجهولٍِ، وترتيب أمور في الذهن، يُتَوصَّلُ بها إلى معرفةٍ حقيقيةٍ أو ظنيِّةٍ (43) .
- ثالثاً : تعريف الملكية الفكرية .(30/15)
الملكية الفكرية نوعٌ من أنواع الملكية التي ظهرت في العصور المتأخِّرة، نتيجةً للتطور العلمي والتقدُّم الصناعي والتِّقَنِيِّ والتجاري الذي يشهده العالم، وقد اختلفت وجهات النظر في تسميتها، والتعريف بها، وتصنيفها، وتحديد ما يدخل فيها من حقوق ؛ فبعضهم أطلق عليها الحقوق المعنويَّة، وبعضهم أطلق عليها حقوق الابتكار، وبعضهم أطلق عليها الحقوق ( الملكية ) الذهنية، أو الأدبية، أو الفكرية، أو التجارية، أو الصناعية، وبعضهم أطلق عليها حق الإنتاج العلمي، وبعضهم عرَّفها بتعداد أشكالها وصورها التي تدخل فيها :
أـ فمن عرَّفها بأنَّها حقوق معنويَّة ؛ قال : الحقُّ المعنوي : سلطة لشخصٍ على شيءٍ غير ماديٍّ، هو ثمرة فكره أو خياله أو نشاطه ؛ كحقِّ المؤلف في مؤلفاته، وحقِّ الفنان في مبتكراته الفنيَّة، وحقِّ المخترع في مخترعاته الصناعية، وحقِّ التاجر في الاسم التجاريِّ والعلامة التجارية وثقة العملاء (44) .
ب- ومن عرَّفَها بحقِّ الابتكار ؛ قال : هو اختصاصٌ شرعيٌّ حاجزٌ، يمنح صاحبه سلطةً مباشرة على نتاجه المبتكر ( أيَّاً كان نوعه )، ويُمَكِّنَهُ من الاحتفاظ بنسبة هذا النِّتَاجِ لنفسه (45) .
وقال الدكتور فتحي الدريني : (( يُقصد بالإنتاج الذهني المبتكر : الصور الفكرية التي تَفَتَّقَت عنها المَلَكَةُ الراسخة في نفس العالم أو الأديب ونحوه، مما يكون قد أبدعه هو، ولم يسبقه إليه أحد )) (46) .(30/16)
قال الدكتور مصطفى بن أحمد الزرقا - رحمه الله - : (( وقد رجَّحنا أن نسمِّي هذا النوع ( حقوق الابتكار ) ؛ لأنَّ اسم ( الحقوق الأدبية ) ضيِّقٌ لا يتلاءَم مع كثيرٍ من أفراد هذا النوع ؛ كالاختصاص بالعلامات الفارقة التجارية، والأدوات الصناعية المبتكرة، وعناوين المَحَالِّ التجارية، مما لا صِلَة له بالأدب والنتاج الفكري، أمَّا اسم ( حقِّ الابتكار ) فيشمل الحقوق الأدبية ؛ كحقِّ المؤلف في استغلال كتابه، والصحفي في امتياز صحيفته، والفنان في أثره الفني من الفنون الجميلة، كما يشمل الحقوق الصناعية والتجارية مما يسمونه اليوم بالملكية الصناعية ؛ كحقِّ مخترع الآلة، ومبتدع العلامة الفارقة التي نالت الثِّقة، ومبتكر العنوان التجاري الذي أحرز الشهرة ... إلخ )) (47) .
ج- ومن عرَّفها بالحقوق ( الملكية ) الذهنية، أو الأدبية، أو الفكرية، أو التجارية، أو الصناعية ؛ قال : هي حقُّ الإنسان في إنتاجه العلمي، والأدبي، والفني، والتِّقَنِيِّ، والتجاريِّ ؛ ليستفيد من ثماره وآثاره المادية والمعنوية، وحريَّة التصرُّف فيه، والتنازل عنه، واستثماره ؛ كحقِّ المؤلف في التأليف، والمترجم في الترجمة، والناشر في حقوق النشر، والرسام في الإبداع الفني والرسم والتصوير، والمهندس في المخطَّطات والخرائط، والمخترع فيما اخترعه، ووصل إليه، وأعطته الدول الحقَّ في تسجيله، والحصول بموجبه على براءة الاختراع، أو شهادة خاصة .
والجامع بين هذه الحقوق جميعاً : أنَّها حقوق ذهنيَّة ؛ فهي نتاج الذهن وابتكاره، ولذا فتسميتها : ملكية ذهنية أولى بالاعتبار (48) .(30/17)
د- ومن عرَّفها بحقِّ الإنتاج العلمي ؛ قال : حقُّ التأليف، وفي معناه : حقُّ الإنتاج، وحقُّ الإبداع، وحقُّ الابتكار، والحقُّ الفكري، وحقُّ الإنتاج العلمي، والحقُّ الأدبي، والحقُّ الفنيُّ، والحقُّ المعنوي، وحقُّ الاختراع، فهذه كلُّها متشابهةٌ أو متطابقة في التعريف والحكم، ولعلَّ مصطلح ( حقُّ الإنتاج العلمي ) يجمع ذلك كلَّه .
ويُعَرَّفُ حقُّ الإنتاج العلمي بأنَّه : استئثار ذي الكفاءة بالاستفادة المالية أو المعنوية مما أخرجه بقدرته المتخصِّصة في حال حياته وورثته من بعده (49) .
هـ- وأمَّا من اكتفي في تعريفها بتعداد صورها وأنواعها ؛ فهو يُعَدِّد الأنواع الداخلة في هذا المصطلح الحادث، ثم يُعَرِّفُ بكلِّ نوعٍ على حده (50) .
والذي يظهر لي - والله تعالى أعلم - أنَّ تسمية هذه الحقوق بالحقوق الفكرية ( أو الملكية الفكرية ) أولَى وأحسن ؛ لأنَّ تسميتها بالحقوق المعنوية
( أو العينية ) ؛ تسمية قاصرة عن شمول بعض أنواعها ؛ إذ الحقُّ المعنوي : هو سلطة لشخصٍ على شيءٍ معنويٍّ غير ماديٍّ، لا يدرك إلاَّ بالحواس ؛ كالأفكار والمخترعات الذهنية، والملكية الفكرية تتعلَّق - أحياناً - بأشياء مادية ؛ ولا تعتبر مملوكة مختصَّة بصاحبها إلاَّ إذا تجسَّد لها جرم له وجود في الخارج ؛ كالكتاب مثلاً، والآلة، واللوحة الفنية، ونحو ذلك (51) .
وتسميتها بحقِّ الابتكار : تسمية قاصرةٌ أيضاً ؛ لأنَّ بعض هذه الحقوق ليست مبتكرة ؛ كبعض المؤلفات المجموعة، وبعض الصناعات التقليدية، والتراخيص التجارية، فهل معنى هذا أنَّها لا تكتسب الخواص المترتبة عليها إلاَّ إذا تحقَّق فيها شرط الابتكار ؟(30/18)
وتسميتها بحقوق الإنتاج العلمي : يرد عليه - أيضاً - : أنَّ بعض الحقوق الداخلة في هذا النوع من أنواع الملكية ليست نتاجاً علمياً ؛ كلوحات الفنِّ والحقوق الفنية، وما يتعلَّق بالتجارة والتراخيص والاسم التجاري، إلاَّ إذا أُريد بالعلم قسماه : النظري، والعملي، وبأنواعه : المكتوبة والشفوية، والمادية والمعنوية (52) . وهذا قد لا يراد على الإطلاق .
فتسمية هذا النوع من أنواع الحقوق ( أو الملكيات ) : بالملكية الفكرية أَوْلَى؛ لأنَّ الجامع بينها جميعاً أنَّها نِتَاجُ فِكْرٍ، وإعمال عقلٍ، وهذا أعمُّ من أن يكون عملياً أو علميَّاً، أو أدبياً أو علميَّاً .
ويُمْكِنُ بعد هذا، وبعد التأمُّل في معنى الملك والفكر في اللغة والاصطلاح، أن نُعَرِّف الملكية الفكرية بأنَّها : اختصاص الإنسان الحاجز بنتاج فكره وإبداعه، اختصاصاً يُخَوِّلُ له شرعاً الانتفاع به، والتصرُّف فيه وحده ابتداءً إلاَّ لمانعٍ .
فإنَّ ( نِتَاجَ الفِكْرِ، والإبداع ) : لفظٌ عامٌّ ؛ يشمل جميع الحقوق الداخلة في هذا النوع من أنواع الملكية .
المبحث الثاني
طبيعة الملكية الفكرية
لمعرفة طبيعة الملكية الفكرية في نظر الإسلام لا بُدَّ من التمهيد لذلك بثلاثة أمور :
الأمر الأول : بيان معنى المال في اللغة والاصطلاح ؛ لمعرفة ما يُعَدُّ مالاً، وما لا يُعَدُّ مالاً في نظر الإسلام .
الأمر الثاني : بيان معنى الحقِّ في اللغة والاصطلاح .
الأمر الثالث : بيان أنواع حقوق العباد وأقسامها ؛ لمعرفة موقع الملكية ومكانتها من الحقوق . فدونك بيان هذه الأمور الثلاثة مختصراً :
الأمر الأول : بيان معنى المال في اللغة والاصطلاح .(30/19)
المال في اللغة : يُطلق على كلِّ ما تَمَلَّكَهُ الإنسان وحازَهُ بالفعل من جميع الأشياء، عيناً كان أم منفعة، أمَّا ما لا يملكه، ولم يدخل في حيازته بالفعل : فلا يُعَدُّ مالاً في لغة العرب ؛ كالطير في الهواء، والسمك في الماء . هذا هو المعروف من كلام العرب، ويُجمعُ المال : على أموال، وإنَّما سُمِّي مالاً ؛ لأنَّه يميل إلى هذا تارة، وإلى الآخر تارة، أو لأنَّ الناس يميلون إليه بقلوبهم (53) .
والمال في الأصل : إنَّما يُطلَقُ على ما يُمْلَكُ من الذهب والفضَّة، ثُمَّ أُطْلِقَ على كلِّ ما يُقْتَنَى ويُمْلَكُ من الأعيان، وأكثر ما يُطْلَقُ المال عند العرب على الإبل ؛ لأنَّها كانت أكثر وأنْفَسَ أموالهم (54) .
أمَّا تعريف المال في اصطلاح الفقهاء : فمختلفٌ فيه على اصطلاحين مشهورين ؛ اصطلاح الحنفية، واصطلاح الجمهور، وسبب الخلاف بين الحنفية والجمهور في تعريف المال : اختلاف الأعراف فيما يُعَدُّ مالاً وما لا يُعَدُّ ؛ فإنَّ المال ليس له حدٌّ في اللغة، ولا في الشرع، فيُرْجَعُ في تحديده إلى العرف (55) .
فالمال في اصطلاح الحنفية : ما يميل إليه طبع الإنسان، ويجري فيه البذل والمنع، ويمكن ادِّخاره لوقت الحاجة، منقولاً كان أم غير منقولٍ (56) .
وهذا التعريف لا يُعَبِّر عن حقيقة المال شرعاً ؛ لأنَّ من الأموال ما لا يمكن ادِّخاره مع بقاء منفعته ؛ مثل الخضروات والفاكهة، ومنها ما لا يميل إليه الطبع، بل يعافه ولا يقبله، مع أنَّه مال ؛ كبعض الأدوية (57) .
ومن الأموال - كذلك - : ما لا يُمكن ادِّخاره أصلاً ؛ لكونه منفعةً بحتة، أو شيئاً غير ماديٍّ ؛ كالحقوق المالية، وهذه ليست بمال عند الحنفية .
وعرَّف الجمهورُ المالَ بتعريفات أشمل وأوسع لمفهومه من اصطلاح الحنفية، وهي تعريفات متقاربة، يجمعها :(30/20)
أنَّ المال ما كان له قيمة ماديَّة بين الناس، وجاز شرعاً الانتفاع به في حال السَّعَة والاختيار، ويلزم متلفه الضمان (58).
وهذا التعريف للمال في اصطلاح جمهور الفقهاء أولى بالاعتبار وأرجح من تعريف الحنفية ؛ لأنَّه يشمل المنافع ؛ فهي أموال على المختار ؛ ثمَّ إنَّ هذا المسلك في بناء مالية الشيءِ على كونه مُنْتَفَعَاً به انتفاعاً مشروعاً، وله قيمة بين الناس، يسمح بتوسيع دائرة الأموال، لتشمل الأموال المستجدة في هذا العصر، والتي لم تكن معروفة من قبل، وإنَّما اعتبرها العرف أموالاً في هذه العصور، ولها أثرها الكبير والمباشر في التنمية الاقتصادية لكثير من الأفراد والدول على حدٍّ سواء ؛ كالحقوق المعنوية، أو ما يُعرف بالحقوق الفكرية والذهنية والأدبية، وحقوق الابتكار والتأليف والنشر، التي نحن بصدد الحديث عن ملكيتها وحمايتها (59) .
الأمر الثاني : بيان معنى الحقِّ في اللغة والاصطلاح .
الحقُّ في اللغة : الحاء والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على إحكام الشيء وصحَّته، فالحقُّ نقيض الباطل، ثم يرجع كلُّ فرع إليه بجودة الاستخراج، وحسن التلفيق، وهو مصدر حقَّ الشيء، من باب ضَرَبَ وقَتَلَ ؛ إذا وَجَبَ وثَبَت ؛ ولهذا يُقالُ لمرافق الدار : حقوقها .
ومنه قولهم : فلان أحقُّ بكذا ؛ ويستعمل بمعنيين : أحدهما اختصاصه بذلك من غير مشاركٍ له ؛ نحو : زيدٌ أحقُّ بماله ؛ أي لا حقَّ لغيره فيه . والثاني : أن يكون أفعل التفضيل، فيقتضي اشتراكه مع غيره، وترجيحه على غيره ؛ كقولهم: زيدٌ أحسن وجهاً من فلان، ومعناه : ثبوت الحسن لهما معاً، وترجيحه لزيد، ويجمع الحقُّ على : حقوق، وحِقَاقٌ .
ويُطلق الحقُّ لُغَةً على : اسم من أسماء الله تعالى، والقرآن، المال، والملك، الثابت بلا شكٍّ، والعدل، والإسلام، والأمر المقضي، والنصيب الواجب للفرد أو الجماعة . وأصله في اللغة : المطابقة والموافقة (60) .
تعريف الحق في اصطلاح الفقهاء :(30/21)
استعمل الفقهاء الحق بمعانٍ عديدةٍ، وفي مواضع مختلفة، ترجع كلُّها إلى المعنى اللغويِّ، وأكثر الفقهاء المتقدمين لم يضعوا للحقِّ تعريفاً اصطلاحيَّاً ؛ نظراً لشيوعه عندهم ووضوحه، بحيث لا يحتاج إلى تعريفٍ خاصًٍّ، ومن الاستعمالات العامة للحقِّ في نظر الفقهاء :
أ- ما يثبت للشخص من ميزات ومُكْنَات، سواء أكان الثابت شيئاً مالياً أم غير ماليٍّ .
ب- في مقابل الأعيان والمنافع المملوكة، بمعنى : المصالح الاعتبارية الشرعية التي لا وجود لها إلاَّ باعتبار الشارع ؛ كحقِّ الشُّفعة، وحقِّ الطلاق، وحقِّ الحضانة، ونحو ذلك .
ج- بمعناه اللغوي الصِّرف ؛ كما في قولهم : حقوق الدار ؛ أي مرافقها؛ كحقِّ التَّعَلِّي، والمرور والشرب، ونحو ذلك (61) .
وأمَّا المعاصرون من أهل العلم فقد اختلفت وجهاتهم في تحديد معنى الحقِّ في الاصطلاح ؛ فمنهم من عرَّف الحقَّ على أنَّه مصلحة ثابتة شرعاً للفرد أو الجماعة؛ ومنهم من عرَّفه على أنَّه اختصاص يُقَرِّر به الشرع سلطةً على شيءٍ ؛ ومنهم من عرَّفه انطلاقاً من المعنى اللغوي ؛ وهو الثبوت والوجوب . ونظراً لكثرة تعريفات الحقِّ في اصطلاح أهل العلم، وما قد يرد عليها من ملاحظات وانتقادات يطول الكلام بذكرها ؛ فإنَّ تعريف الحقِّ الاصطلاحيِّ المختار هو :
اختصاص ثابت شرعاً، يقتضي سلطةً أو تكليفاً لله تعالى على عباده، أو لشخصٍ على غيره (62) .
ومن خلال هذا التعريف للحقِّ اصطلاحاً يتَّضح أنَّ الحقَّ علاقة شرعية، وهذه العلاقة ليست إلاَّ اختصاصَ صاحب الحقِّ بمحلِّ الحقِّ، اختصاصاً يقتضي المصلحة في ثبوت السلطة أو التكليف على الشيء (63) .
الأمر الثالث : بيان أنواع حقوق العباد وأقسامها، وموقع الملكية منها :(30/22)
تُقسَّم الحقوق باعتبارات شتَّى، وبالنظر إلى أمور وضوابط مختلفة يطول المقام بذكرها، وهي مبحوثة مستوفىً الكلام عليها في الدراسات الحديثة، وأشهر تقسيمات الحقِّ عند الفقهاء تقسيمه بالنظر إلى صاحبه، وهو بهذا الاعتبار ثلاثة أقسامٍ : حقٌّ خالصٌ لله تعالى، وحقٌّ خالصٌ للعبد، وحقٌّ مشترك بين الله تعالى وبين عباده (64) .
ومعيار التفرقة بين هذه الحقوق الثلاثة :
أنَّ حق الله تعالى : هو ما يتعلَّق به النفع العام للعباد من غير اختصاصٍ بأحدٍ، ويُنْسَبُ إلى الله تعالى لِعِظَمِ خطره، وشموليَّة نفعه، وليس المراد أنَّ الله تعالى يختصُّ به وحده من بين سائر الحقوق، أو أنَّ الله تعالى ينتفع به، فحقوق الله وحقوق العباد أحكام له سبحانه، وهو متعالٍ عن النفع والضَّرر، ويُسَمَّى : الحقَّ العام (65) .
وقِيْلَ : هو ما قُصِدَ به قصداً أوليَّاً التقرُّب إلى الله تعالى وتعظيمه وإقامة دينه، أو قُصِدَ به حماية المجتمع، بأن ترتَّبت عليه مصلحة عامَّةٌ له من غير اختصاصٍ بأحدٍ ؛ فالأوَّل : كالعبادات الواجبة من الصلاة والصوم، والثاني : كالكفِّ عن المحرَّمات، مثل الزِّنا وشرب الخمر، ومن ذلك أيضاً صيانة المرافق العامة التي هي حقُّ لله تعالى كالمساجد والوقف على جهات البرِّ (66) .
وأمَّا حقُّ العبد : فهو ما ترتَّب عليه مصلحة خاصَّة لفردٍ أو أفرادٍ ؛ كحقِّ كلِّ أحدٍ في داره وماله (67) .
وأمَّا الحقُّ المشترك : فهو ما اجتمع فيه الحقان ؛ حقُّ الله تعالى، وحقُّ العبد، وقد يكون حقُّ الله تعالى هو الغالب، كما في حقِّ الحياة، وقد يكون حقًُّ العبد هو الغالب، كما في القصاص (68) .(30/23)
وأهمُّ أثر يترتَّب على هذا التقسيم : هو أنَّ حقَّ الله تعالى لا يورث، ولا يجوز إسقاطه لا بصلحٍ ولا بغيره ؛ كالحدود والزكوات ونحوها، وأمَّا حقوق الآدميين فهي التي تورث، وتقبل الإسقاط بالصلح، وأخذ العِوَضِ عليها، وأمَّا الحقُّ المشترك ؛ فما رُجِّحَ فيه حقُّ الله تعالى لم يورث، ولم يَجُزِ العفو عنه ولا إسقاطه ؛ كحدِّ القذف، عند من يُغَلِّب حقَّ الله فيه، وما رُجِّحَ فيه حقُّ العبد جاز إرثه، وجاز لصاحبه العفو عنه وإسقاطه ؛ كالقصاص (69) .
قال القرافي - رحمه الله - : (( ونعني بحق العبد المحض أنَّه لو أسقطه لسقط، وإلاَّ فما من حقٍّ للعبد إلاَّ وفيه حقٌّ لله تعالى، وهو أمره بإيصال ذلك الحقِّ إلى مستحقِّه، فيوجد حقُّ الله تعالى دون حقِّ العبد، ولا يوجد حقُّ العبد إلاَّ وفيه حقٌّ لله تعالى، وإنَّما يُعرف ذلك بصحَّة الإسقاط، فكلُّ ما للعبد إسقاطه فهو الذي نعني به حقَّ العبد )) (70) .
كما تُقسَّم الحقوق باعتبار المالية من عدمها إلى قسمين :
الأول : الحقوق المالية ؛ وهي ما تعلَّقت بالمال، أو كان المقصود منها المال ؛ كالزكوات، والكفارات، والحقوق المتعلِّقة بالبيع ونحو ذلك .
الثاني : حقوق الأبدان، أو الحقوق الشخصية ؛ وهي ما ليس بمال ولا المقصود منه المال ؛ كحقِّ الولاية، والحضانة ونحو ذلك (71) .
والذي يهمُّنا هنا من أقسام الحقوق هو حقوق العباد ؛ لأنَّها تتعلَّق بالملكية التي نبحث فيها ؛ وهي تُقسَّم باعتبارات مختلفة على النحو التالي :
الاعتبار الأول : تُقسَّم باعتبار محلِّ الحقِّ إلى قسمين :
الأول : الحقُّ غير المُتَقَرِّر ( المُجَرَّد ) : وهو عبارة عن مُكْنَةٍ يُثْبِتُهَا الشرع للإنسان لمباشرة تصرُّفٍ من التصرُّفات في أمرٍ من الأمور ؛ كحقِّ الشُّفعة، والحقِّ المُجَرَّد ؛ كحقِّ التعاقد بالعقود المشروعة .(30/24)
الثاني : الحقُّ المُتَقَرِّر ( المُتَعَلِّق بالمال ) : وهو الحقُّ الذي يقوم بمحلٍّ معيَّنٍ يُدْرِكُهُ الحِسُّ، ويثبت لصاحبه سلطة على هذا المحلِّ، تُمَكِّنُهُ من مباشرة التصرُّفات الشرعية ؛ كحقِّ الملك للعين أو المنفعة (72) .
الاعتبار الثاني : تُقسَّم باعتبار المالية وعدمها إلى قسمين :
القسم الأول : الحقوق المالية ؛ وهي ما يتعلَّق بالمال ؛ كحقِّ ملكية الأعيان، أو الديون، أو المنافع، وهي ثلاثة أنواع :
النوع الأول : الحقُّ الشخصي ( حقُّ الالتزام ) ؛ وهو حقٌّ يُقرِّه الشرع على آخر ؛ كحقِّ كلٍّ من المتبائعين على الآخر ؛ فإنَّ أحدهما يستحقُّ على الآخر أداء الثمن، والآخر يستحقُّ تسليم المبيع .
النوع الثاني : الحقُّ المعنوي ؛ وهو الحقُّ الذي يرد على أشياء معنوية، لا تُدرك بالحواسِّ، وإنَّما تُدْرك بالعقل والفكر ؛ كالأفكار العلمية، والمخترعات والابتكارات .
النوع الثالث : الحقُّ العيني ؛ وهو أن يكون لشخصٍ ما مصلحة اختصاصيَّة، تُخَوِّل له سلطة مباشرة على عين مالية معيَّنة ؛ كحقِّ الملكية، والارتفاق المقرَّر لشخصٍ على عقار معيَّنٍ ؛ كحقِّ المرور، أو الشرب أو المسيل .
القسم الثاني : الحقوق غير المالية ؛ وهي الحقوق التي لا تتعلَّق بالمال ؛ كحقِّ الولاية، والحضانة (73) .
وقسَّم الحافظُ زين الدين عبد الرحمن بن رجب الحنبليُّ (ت : 795هـ) - رحمه الله - حقوق العباد المتعلِّقة بالأموال إلى خمسة أنواع :
الأول : حقُّ الملك ؛ كحقِّ السيِّد في مال المُكَاتَبِ .
الثاني : حقُّ التَّمَلُّك ؛ كحقِّ الأب في مال ولده، وحقِّ العاقد للعقد إذا وجب له، وحقِّ الشَّفيع في الشُّفعة .
الثالث : حقُّ الانتفاع، ويدخل فيه صورٌ منها : وضع الجار خشبةً على جدار جاره للحاجة، إذا لم يُضِرَّ به، وإجراء الماء في أرض الغير إذا اضطُّرَّ إليه .(30/25)
الرابع : حقُّ الاختصاص ؛ وهو ما يختصُّ مُستحقُّه بالانتفاع به، ولا يملك أحدٌ مزاحمته فيه، وهو غير قابل للشمول والمعاوضات ؛ كمرافق الأسواق المُتَّسِعَة التي يجوز فيها البيع والشراء، فالسابق إليها أحقُّ بها، ومنها الجلوس في المساجد ونحوها لعبادة أو أمر مباح، فيكون الجالس فيها أحقُّ بمجلسه إلى أن يقوم منه باختياره، قاطعاً للجلوس .
الخامس : حقُّ التَّعَلُّق لاستيفاء الحقِّ، وله صور منها : تعلُّق حقِّ المرتهن بالرهن حتَّى يستوفي دينه، وتعلُّق حقِّ الجناية بالجاني حتَّى يستوفي المجني عليه حقَّه، وتعلُّق حقِّ الغرماء بالتركة ونحوها، حتَّى يُوفَّوا حقوقهم (74) .
الاعتبار الثالث : تُقَسَّم باعتبار الإرث وعدمه إلى قسمين :
الأول : حقوق تورث ؛ وهي الحقوق المالية، أو التابعة للمال ؛ كالمال المملوك، والدية الواجبة بالقتل الخطأ، ونحو ذلك، ويُلحَقُ بها الحقوق المُتَّصِلَة بالمال ؛ كحقِّ الشُّفعة، وحقِّ حبس المبيع حتَّى استيفاء الثمن .
لأنَّ هذه الحقوق أموال، والأموال تورث ؛ لما ثبت عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ ( قال : (( مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ )) (75) .
الثاني : حقوق لا تورث ؛ وهي الحقوق الشخصية الخالصة التي ليست بمالٍ، ولا هي تابعة للمال، وليست أثراً من آثار العقد ؛ كالوظائف، والوكالة .
لأنَّ هذه الحقوق تثبت لمعنىً في صاحبها ؛ وهو مقدرته وكفايته وعدالته، والناس يختلفون في المواهب والقدرات، فمن ثمَّ لم يَجُز انتقال مثل هذه الحقوق بطريق الإرث (76) .
طبيعة الملكية ( الحقوق ) الفكرية :(30/26)
بعد هذا التقسيم والإيضاح المختصر لأقسام الحقوق والتركيز على تقسيم حقوق العباد، فإنَّه يتَّضِحُ أنَّ الملكية الفكرية : حقوقٌ معنويَّةٌ مُقَرَّرَةٌ، وليست حقوقاً مُجَرَّدةً، وقد ظهرت هذه الحقوق في هذه العصور المتأخِّرة نظراً لتطور الحياة المدنية والاقتصادية والثقافية الحديثة، وأقرَّتها القوانين العصرية والنظم الحديثة، واعتبرتها سلطات قانونية مُقرَّرة لأشخاصٍ على أشياء معنويَّة غير ماديَّة، صنَّفها بعض القانونيين على أنَّها نوعٌ مستقلٌّ من أنواع الحقوق المالية ؛ لما تتصف به من خصائص، تميِّزها عن الحقوق العينية والشخصية ؛ لكون محلِّها غير ماديٍّ .
وصنَّفها البعض الآخر على أنَّها من الحقوق العينية ؛ لأنَّ الشيء الذي تنصبُّ عليه السلطة في الحقِّ العيني عندهم أعمُّ من أن يكون ماديَّاً أو معنويَّاً، وجُلُّ هؤلاء على أنَّ طبيعة هذه الحقوق حقوق ملكية، أو نوع خاصٌّ من الملكية، يطلقون عليه الملكية الأدبية والفنية والصناعية، أو الملكية الذهنية، أو الملكية المعنوية، أو الملكية الفكرية، أو حقوق الابتكار، على ما سبق بيانه (77) .
وأيَّاً ما كان الاختلاف في طبيعة هذه الحقوق، وتكييفها إلى حقوق ملكية أو لا، فإنَّ الحقوق الفكرية تُعَدُّ أموالاً في نظر أغلب القوانين والنُّظم البشرية المعاصرة، تضع لها من الضمانات والأنظمة ما يحميها، ويثبتها ويجعلها مختصَّة بأصحابها (78).
أمَّا في الفقه الإسلامي، فإنَّ دائرة المال والملك أوسع وأشمل منها في نظر القانون الوضعي ؛ فالشريعة لا تشترط أن يكون محلُّ الملك شيئاً ماديَّاً معيَّناً بالذَّات، إنَّما هو كلُّ ما يدخل في معنى المال من أعيان ومنافع، مما له قيمة بين الناس، ويُباح الانتفاع به شرعاً، وتجري فيه المعاوضة، على ما سبق بيانه في تعريف المال الراجح عند جمهور أهل العلم (79) .(30/27)
وعلى ذلك : فمحلُّ الحقوق المعنوية داخل في مسمَّى المال شرعاً ؛ لأنَّ لها قيمةً معتبرة عند الناس، ويباح الانتفاع بها شرعاً بحسب طبيعتها، فإذا قام الاختصاص بها لشخصٍ ما، تكون حقيقة الملك قد وُجِدَتْ (80) .
والاستئثار المقصود في الملك في الفقه الإسلامي ليس معناه احتواء الشيءِ من قِبَلِ المالك، إنَّما معناه : أن يختصَّ به صاحبه دون غيره، فلا يعترضه في التصرُّف فيه أحدٌ، والتصرُّف يكون في الأشياء بحسب طبيعتها ؛ لذلك يختلف مدى التصرُّف في أنواع الملك في الإسلام من نوع لآخر، كما أنَّ الشريعة الإسلامية
لا تشترط التأبيد لتحقيق معنى الملك، بل إنَّ طبيعة ملك المنفعة - مثلاً - تقتضي أن يكون مؤقتاً ؛ كما في ملك منفعة العين المستأجرة، فإذا كان لا بُدَّ أن يتأقَّت الحقًّ المعنوي بمدَّةٍ معيَّنة، بحجَّة أنَّ صاحب الحقِّ المعنوي قد استفاد من جهد غيره، فهو ليس جهداً خالصاً له، كما أنَّ جهده ضروري لرُقِيِّ البشرية وتقدُّمها، ومقتضى ذلك ألاَّ يكون حقُّه مؤبَّداً، فإنَّ هذا التأقيت لا يخرجه عن دائرة الملك في الشريعة (81) .
والخلاصة في طبيعة الحقوق الفكرية : أنَّها حقوق معنويَّةٌ مالية، تُنَظَّمُ باعتبارها نوعاً من أنواع الملك في الإسلام ؛ للاعتبارات التالية :(30/28)
الأول : أنَّها حقوق، والأصل في الحقوق أنَّها أموالٌ، سواء أكانت أعياناً أم منافع أم حقوقاً مُجَرَّدةً (82) ؛ لأنَّ مناط المال ليس مقصوراً على الأعيان، بل يشمل المنافع ؛ وهي أمور معنوية، والحقوق ؛ وهي مجرَّد روابط واعتبارات شرعية يجري فيها الاختصاص والملك، والحقوق الفكرية جارية على هذا الأصل؛ لأنَّها حقوق ذات صلةٍ بأصلها الذي نشأت عنه، وعلاقة صاحبها بها علاقة مباشرة وظاهرة، مما يقتضي اختصاص صاحبها بها، ومنع غيره من العدوان عليها، وتتحقَّق فيها المنفعة المشروعة، وذلك كلُّه علامة الملك، والملك مالٌ ؛ لأنَّ كلَّ ما يجري فيه الملك ويختصُّ به صاحبه فهو مالٌ، سواء أكان عيناً أم منفعة أم حقَّاً مُجَرَّدَاً (83) .
الثاني : أنَّ الحقوق الفكرية لها قيمتها الكبيرة في عُرف الناس، ويُباح الانتفاع بها، وقد قام اختصاص صاحبها الحاجز بها، والصفة المالية - كما سبق في تعريف المال في اصطلاح الفقهاء - تثبت للأشياء بتحقُّق عنصرين ؛ الأول : المنفعة المشروعة ( أو القيمة )، والثاني : العرف البشري الذي يستند إلى المصلحة المرسلة التي تدلُّ على القيمة المالية لهذا الشيءِ أو ذاك (84) .
المبحث الثالث
أنواع الملكية الفكرية والحقوق المترتبة عليها
أولاً : أنواع الملكية ( الحقوق ) الفكرية
للملكية ( الحقوق ) الفكرية أنواع كثيرة، يجمعها : أنَّها حقوق ذهنية، فهي نِتَاجُ الذِّهن البشري وابتكاره، وقد يُطلَقُ عليها : حقوق الإنتاج العلمي، أو الذهني، كما سبق في تعريفها، وتشمل الحقوق التالية :
1- حقُّ التأليف والنشر ( أو الحقُّ الأدبي للمؤلِّف والناشر ) :(30/29)
وهو مجموع الامتيازات التي يحصل عليها العالم أو الأديب أو المؤلِّف عموماً من وراء مُؤَلَّفِه الذي نشره منسوباً إليه، سواء بذكر اسمه عليه، أو بأيِّ طريقة أُخرى، ما لم يقم دليل على نفيه عنه، ويشتمل هذا الحقِّ على حقٍّ مالي، يعود على المؤلِّف ( أو على الناشر، أو عليهما معاً ) من وراء مؤَلَّفه العلمي، وحقٍّ أدبيٍّ في نسبة هذا المؤَلَّف إلى مؤَلِّفه، وعدم الاعتداء عليه (85) .
والمؤلفات المحميَّة التي يحقُّ لصاحبها الاحتفاظ بحقوقها بالتتبُّع نوعان :
الأول : المُحَرَّرات ؛ وتعني : أيَّ مؤلَّفٍ مكتوبٍ في أيٍّ من العلوم ؛ كالتفسير والحديث، والفقه والأصول، والتوحيد، وعلوم الآلة، والرياضيات، والتأريخ، والجغرافيا، والطب، والهندسة، وما جري مجري ذلك .
ويلحق بها الآن مؤلفات الكمبيوتر المتمثلة في برامج الحاسب الآلي .
الثاني : الشفويات ؛ وتشمل : الخطب، والمحاضرات، والمواعظ والندوات، وما جرى مجرى ذلك مما يُلقى شِفاهاً، فلا يصحُّ في القانون الوضعي تسجيل أيٍّ من هذه الأشياء، ونشرها بدون إذن سابقٍ من المؤلِّف، لكن العرف في كثير من البلاد الإسلامية جرى على أنَّ هذا حقٌّ مشاعٌ لكلِّ مسلم تلقيه وتسجيله، ونشره (86) .
وهذا وإن كان يُسقط الحقَّ المالي لصاحب الخطبة أو المحاضرة، إلاَّ أنَّه لا يُسقط الحقَّ الأدبيَّ له ؛ المتمثِّل في نسبة هذه المحاضرة أو الخطبة إليه، إضافةً إلى أنَّه قد يُرتِّب حقَّاً مالياً للجهة الناشرة لهذه الخطب والمحاضرات، بحيث لا يحقُّ لأحدٍ غيرها أن ينسخ منها نسخاً، إلاَّ بإذن منها ؛ لأنَّها صاحبة السبق إلى إصدار هذه الأشياء، وقد تأخذ امتيازاً من صاحب الشأن في هذا .
2- حقُّ الترجمة :(30/30)
والمقصود بالترجمة : نقل إنسانٍ لمؤَلَّفٍ ما من لُغَةٍ إلى أخرى . وهو وإن كان قد يُلْحَقُ بحقِّ التأليف، إلاَّ أنَّه يُرَتِّب للمُتَرْجِمِ حقَّاً على العمل الذي قام بترجمته؛ لأنَّ المُتَرْجِمَ يعاني في الترجمة من المشقَّة ما عاناه المؤلِّف الأصلي، فيبذل جهداً مضنياً في سبيل الترجمة، لتصل إلى غاية المطابقة لمعنى ما يحويه الكتاب الأصل، مفرغاً للمعاني في مباني اللغة المُتَرْجَمِ إليها، مراعياً لخصائصها ومعانيها، مما يستحقُّ معه أن يُسمَّى عمله تأليفاً مبتكراً محميَّاً، ويكون له من الآثار ما لمؤلِّف الأصل، بشرط أن تُحفظ لمؤلِّف الأصل حقوقه الأدبية ؛ من نسبة الكتاب إليه، والمحافظة على مادَّته وأفكاره وعنوانه (87) .
3- حقُّ الابتكار والاختراع :
وقد سبق تعريفه بأنَّه : اختصاص شرعيٌّ حاجزٌ، يمنح صاحبه سلطة مباشرة على إنتاجه المبتكر، ويُمَكِّنَهُ من الاحتفاظ بنسبة هذا النِّتاج لنفسه (88) .
وهو جُهدٌ ذهنيٌّ أدَّى إلى إيجاد شيءٍ أو نظرية لم تكن معروفة من قبل، ويُسَمَّى : براءَة الاختراع، وقد يمتدُّ استغلال هذا الحقِّ إلى البيئة التجارية (89) .
والمقصود بحقِّ الابتكار : أنَّ هذا الرجل المُبْتَكِرَ - أو الشركةَ المُبْتَكِرَةَ - ينفرد بحقِّ إنتاجِ ما ابتكره، وعرضه للتجارة، والتصرُّف فيه، وتحصيل المنافع والأرباح التجارية التي تتحقَّق من وراء هذا الابتكار (90) .
والابتكار قد يكون نِتَاجَاً علميَّاً مُؤَلَّفَاً في فنٍّ من الفنون ؛ كالنظريات المختلفة في تأصيل العلوم وبيانها، والقوانين الرياضية ونحوها، وقد يكون نِتَاجَاً صِناعِيَّاً وتجاريَّاً ؛ كالأجهزة والبضائع المختلفة، والأدوية، والابتكارات المختلفة في عالم الكمبيوتر والاتصالات، ونحوها .
وقد يكون نِتَاجَاً فنِّيَّاً مبتكراً ؛ كاللوحات والرسوم الفنية الجميلة التي يُبْدِعُها الرَّسَّام بريشته وألوانه (91) .(30/31)
وهذه تحميها القوانين الوضعية على إطلاقها، أيَّاً كان نوعها (92)، أمَّا في الشريعة الإسلامية فيُشترط فيها : ألاَّ تكون منافية في أصلها للأحكام الشرعية ؛ كصناعة التماثيل، والأصنام، والصُّور العارية، والمؤلفات الهدَّامة المنحرفة، وآلات اللهو المحرَّمة (93) .
4- الاسم التجاري ( أو العلامة التجارية والرسوم ) :
وهو اصطلاح تجاريُّ يستعمل في التعبير عن أحد المضامين الثلاثة التالية :
أ- الشِّعار التجاري الذي يُتَّخذُ عنواناً لسلعة معينة ذات صناعة متميِّزة ؛ وهو ما يُسَمَّى اليوم بالماركة المسجلة ؛ وهي علامات مميِّزة تُمَيِّز المنتج الصناعي أو المحلِّ التجاري عن غيره من المنتجات والمحال التجارية، سواء أكان ذلك في بلده الخاص، أو في العالم (94) .
ب- الاسم الذي أصبح عنواناً على محلٍّ تجاريٍّ نال شهرة مع الزمن، بحيث تتجسد هذه الشهرة في الاسم المعلَّق عليه، وقد يكون هذا الاسم هو اسم صاحب المحلِّ ( التاجر نفسه، أو لقبه )، وقد يكون اسماً أو وصفاً اصطلاحيَّاً لُقِّبَ به المحلُّ، ورُبَّما أُطْلِقَ على هذا المضمون الثاني كلمة : الشهرة التجارية .
ج- الوصف الذي يتمتَّع به المحلُّ التجاريُّ بحدِّ ذاته ؛ أي من حيث إنَّه موقع ومكان، لا من حيث الجهد الذي بذله صاحبه، أو الشهرة التي حقَّقها .
والمضمونان الأول والثاني هما المقصودان هنا، أمَّا الثالث ؛ فهو راجع إلى ما يُسَمَّى اليوم بالفراغ أو الخُلوِّ ؛ وهو اصطلاح على المال الذي يُدفع علاوة على قيمة العقار أو أجرته، مقابل ما يمتاز به من أهميَّةٍ أو موقعٍ تجاريٍّ (95) .
فحقُّ المُنْتِجِ في احتكار علامة تُمَيِّزُ منتجاته عن مثيلاتها في السوق، هو الحقُّ في العلامات الجارية والصناعية، وحقُّ المُنْتِجِ في احتكار علامة تُمَيِّز المصنع أو المتجر هو الحقُّ في الاسم التجاريِّ (96) .(30/32)
أمَّا الرُّسوم والنماذج الصناعية : فيُقصد بها تلك اللَّمَسَات الفنيَّة، والرسوم والألوان، والشكل الذي يختصُّ به المُنْتَجُ نفسه، والتي من شأنها أن تستجلب نظر العملاء واهتمامهم، وحرصهم على الحصول على هذا النوع من البضائع
والمنتجات (97) .
هذا وقد عرَّف نظام المعاملات التجاريَّة السعودي العلامات التجارية في مادته الأولى بتعريف كاشفٍ، يُوضِّح أنواعها وأصنافها، حيث جاء فيها : (( تعتبر العلامة تجارية في تطبيق أحكام هذا النظام : الأسماء المُتَّخذة شكلاً مميِّزاً، والإمضاءات، والكلمات والحروف، والأرقام والرسوم، والرسوم والأختام، والنقوش البارزة، وأيَّة إشارةٍ أخرى، أو أيُّ مجموع منها تكون صالحة لتمييز منتجاتٍ صناعيَّةً أو تجاريَّة، أو حِرَفِيَّة، أو زِرَاعِيَّة ... )) .
5- الترخيص التجاريًُّ :
ويُقصَدُ به : الرُّخصة التي تمنحها الحكومات للتجَّار، للسماح لهم باستيراد البضائع والمنتجات المختلفة من الخارج، أو إصدارها للخارج ؛ وبعبارة أخرى : إذن تمنحه جهة مختصَّة بإصداره، لفرد أو جماعة، للانتفاع بمقتضاه (98) .
والأصل في الشريعة الإسلامية هو حريَّة التجارة المشروعة، وعدم تقييدها إلاَّ لضرورة، أو حاجة تقتضيها السياسة الشرعية، والمصلحة المرسلة، إلاَّ أنَّ الواقع اليوم هو أنَّ معظم الدول لا تسمح للاستيراد أو التصدير مطلقاً، أو لبعض السِّلع إلاَّ بإذن خاصٍّ من الدولة، يتطلَّب شروطاً معيَّنةً، وجهداً خاصَّاً يبذله التاجر، ويُكلِّف في الغالب مالاً ووقتاً، وعند حصول الشخص على هذه الرخصة، تُمنح له صفة قانونية ونظامية، وتتحقَّق له تسهيلات توفِّرها له الحكومة، وبذلك تكون للترخيص التجاري قيمة مالية في عرف التجارة، وهذا الترخيص الخاص بالاستيراد والتصدير هو المقصود عند إطلاق الترخيص التجاريِّ (99) .(30/33)
وهناك نوع آخر من التراخيص التجارية، يكتسب أيضاً قيمة مالية ؛ وهو الترخيص لإقامة مصنعٍ، أو مُنْشَأَةٍ صناعية أو تجارية أو زراعيَّة، فهذا النوع من التراخيص يعتبر ذا قيمة تجارية، خصوصاً في البلاد التي لا يمكن الحصول على مثل هذا الترخيص فيها إلاَّ ببذل مالٍ وجهد، وشروطٍ ومواصفات، قد لا تتحقَّق بسهولة، ومع أنَّ بعض الباحثين لا يُدخلون هذا النوع من التراخيص في الترخيص التجاريِّ بمفهومه السابق، إلاَّ أنَّ التحقيق : أنَّ هذا النوع يُلْحَقُ بالأول، ويمكن بيعه وحده بين التجار ؛ لأنَّ الحصول عليه ليس سهلاً، بل يتطلَّب جهداً ومالاً (100) .
ثانياً : الحقوق المترتبة على الملكية الفكرية :
يترتَّبُ على الملكية الفكرية عدد من الحقوق تتمثَّل في الحقوق التالية :
أولاً : حقوق خاصَّةٌ ؛ تتعلَّق بالمُنْتِجِ نفسه ( صاحب الإنتاج )، أو المؤلِّف،
أو التاجر، ومن أتى من طريق هؤلاء ؛ كالوارث، والناشر، والموزِّع، وهي ما اصطلح على تسميته : بالحقوق الأدبية والمالية (101) .
فأمَّا الحقُّ الأدبي، ويُسَمَّى أيضاً : الحقّ المعنوي ؛ فهو يشمل مسائل ترتبط بشخص المؤلِّف ( والمُنْتِجِ ) ؛ وهي بمثابة الامتيازات الشخصية للمؤلِّف (أو المُنْتِجِ) على مؤلَّفه ومُنْتَجِه، وهي :
1- حقُّ نسبته إليه، فليس له حقُّ التنازل عن صفته التأليفية فيه لأيِّ فرد
أو جهةٍ حكوميَّة أو غيرها، ولا يسوغ لأحدٍ انتحاله والسطو عليه، وله ولورثته حقُّ دفع الاعتداء الواقع عليه .
2- حقُّ تقرير نشره ؛ بمعنى : التحكُّم في نشر مصنَّفه ومُنْتَجِه وابتكاره .
3- حقُّ السُّمعة ؛ بمعنى أنَّ له سلطة الرقابة عليه بعد نشره، فمن حقِّه أن يسحبه من التداول عندما يتَّضح له مثلاً رجوعه عمَّا قرَّره فيه من رأي أو أداء،
أو بقصد التطوير للمُنْتَجِ .(30/34)
ومن هذا أيضاً : سلطة التصحيح لما فيه من أخطاء وتطبيعات عند إرادة الناشر إعادة نشره . ومنه أيضاً : سلامة التصنيف وحصانته .
4- استمرار هذه الحقوق له مدَّة حياته، فلا تسقط بالتقادم أو بالوفاة، وتنتقل بعد وفاته لورثته .
5- وللدولة في هذا حقٌّ أدبيٌّ ؛ فلها أن تأذن في طبعه ونشره، أو لا ؛ لأنَّها الجهة التي تملك الإذن بالطبع ؛ ومعيار هذا الإذن : أيكون نافعاً أم ضاراً ؟ فلها الحقُّ في منعه إذا كان غير صالحٍ للنشر ؛ لتأثيره على النظام العامِّ دينيَّاً أو أمنيَّاً أو غير ذلك من التأثيرات العامة (102)
وأمَّا الحقُّ المالي ؛ أو المُسَمَّى ( بالحقوق الماديَّة ) : فهي بمثابة الامتيازات المالية للمؤلِّف ( أو المُنْتِجِ ) لقاء إنتاجه العلمي أو ابتكاره، وهو حقٌّ عينيٌّ أصليٌّ ماليٌّ منقولٌ، قسيم للحقِّ الأدبي المعنوي الشخصي المتقدِّم ؛ وهو يُفيد إعطاء المصنِّف أو المبتكر دون سواه حقَّ الاستئثار بمُنْتَجِهِ العلمي، لاستغلاله بأيِّ صورةٍ من صور الاستغلال المشروعة، وله عائداته المالية طيلة حياته، وهذا الحقُّ يعود لورثته شرعاً بعد وفاته على قدر الفريضة الشرعية في الميراث، فإن لم يكن له ورثة فلشركائه في التأليف والإنتاج (103) .
وهذه الحقوق - بشِقَّيْهَا : الأدبي، والمالي الشخصي - مخدومة مصونة لصاحبها في الشريعة الإسلامية، وباتِّفاق الدول جميعاً بنظام الاحتفاظ بحقوق المؤَلِّف، وحقوق الطبع والنشر والتأليف (104) .(30/35)
ثانياً : حقوق عامَّةٌ ؛ وهو حقُّ الأمَّة في هذا المُنْتَجِ، وفوائده العلمية والعملية التي تعود على الأمَّة بالنفع والخير الماديِّ والمعنويِّ، فحين يُقَرَّرُ لصاحبه الحقُّ الخاصُّ، لا ينبغي إغفال حقِّ الأمَّة أو إهداره ؛ من الانتفاع والقراءة، وحرمة كتم العلم، والاستفادة من هذه المُنْتَجَات العلمية المُبْتَكَرة في شتَّى المجالات، والاقتباس من المؤلَّفات بشرط الأمانة في نسبة القول والفائدة لقائلها، دون غموضٍ أو تدليس أو إخلال (105) .
المبحث الرابع
حماية الملكية الفكرية إسلاميَّاً وعالميَّاً والأدلة الشرعية المؤيدة لذلك
لم يكن هذا النوع من أنواع الملكية معروفاً من قبل بهذه الصورة الكبيرة، وإنَّما صار معروفاً بحدوث المطابع ودور النشر، والمصانع وأماكن الإنتاج والابتكار، ودور الاختراع العلمي بشتَّى صنوفه وألوانه، وهذه كلُّها إنَّما ولدت في العصور الحديثة على الصعيد الغربي، الذي اشتهر في هذه العصور بالإنتاج العلمي، والتقدُّم في الصناعات والتجارات والاختراعات، ولذا فإنَّ مبدأ حماية الملكية الفكرية على الصعيد الغربي أشهر منه على مستوى العالم الإسلامي والعربي وأقدم، فقد نال اهتمام القانونيين بصفة بالغة، وصار مجالاً للأطروحات العلمية في هذا المجال، وله عُقِدت مؤتمرات، وصدرت اتِّفاقيَّات عالمية وعربية في سبيل تحقيق هذا المطلب (106)، ولذا سيكون الكلام هنا في ثلاث مسائل : المسألة الأولى : حماية الملكية الفكرية في المجالات الدولية ؛ والمسألة الثانية : حماية الملكية الفكرية في نظر الإسلام ؛ والمسألة الثالثة : الأدلَّة الشرعية على وجوب حماية الملكية الفكرية، وبيانها على النحو التالي :
المسألة الأولى : حماية الملكية الفكرية في المجالات الدولية (107) :(30/36)
لقد أدركت دول العالم بعامَّة أهميَّة حماية الملكية الفكرية بأنواعها المختلفة، وأثر ذلك في الاقتصاد العالمي، وأنَّها ضرورة ملحَّة لتشجيع الإنتاج العلمي والأدبي والفنيِّ، وزيادة الاكتشافات والابتكارات العلمية والصناعية، مما حدا بها إلى عقد مؤتمرات وإبرام اتِّفاقيَّاتٍ دولية وعالمية، وسنِّ أنظمةٍ وقوانين مختلفة، تحمي هذه الحقوق، وقد كانت هذه المؤتمرات والاتِّفاقيَّات على النحو التالي :
أولاً : شهد القرن الرابع عشر الهجري - التاسع عشر الميلادي - تحرُّكاً دوليَّاً في تنظيم حقوق المؤلفين، نتج عنه عدَّةُ لقاءاتٍ ومؤتمرات، أهمُّها :
1- مؤتمر بروكسيل ( عام 1858م )، الذي وضع مبدأ الاعتراف العالمي بملكية الإنتاج الأدبي والفني .
2- انشئت الجمعية الأدبية والفنية في عام (1876م) في باريس، وتمكَّنت هذه الجمعية من عقد معاهدة برن بسويسرا في (9-سبتمبر-1886م)، وهي أوَّل اتِّفاقيَّة دولية لحماية المصنفات الأدبية والفنية، وقد بلغ عدد الدول الأطراف الممثلة فيها عند قيامها ( 73 ) دولة، كلُّها غربية، سوى : تونس، والجزائر، والمغرب، ولبنان، والهند .
ثم توالى اهتمامها بحقوق الملكيات الأدبية والفنية، وتوالت عدة مؤتمرات مشابهة ؛ منها : مؤتمر باريس عام (1896م) ؛ ومؤتمر برلين عام (1908م) ؛ ومؤتمر روما عام (1928م) ؛ ومؤتمر بروكسيل في بلجيكا في شهر يونيو من عام
(1948م)، ثم صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر من عام
(1948م)، عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونصَّت المادة السابعة والعشرون منه على الآتي : (( 1- لكلِّ فرد الحقُّ في أن يشترك اشتراكاً حرَّاً في حياة المجتمع الثقافية، وفي الاستمتاع بالفنون، والمساهمة في التقدُّم العلمي، والاستفادة من نتائجه . 2- لكلِّ فرد الحقُّ في حماية المصالح الأدبية والمادية المترتبة على إنتاجه العلمي، أو الأدبي، أو الفني )) (108) .(30/37)
وقد أضافت هذه المؤتمرات إلى اتِّفاقية برن ضوابط وأمور أخرى، أسفرت مؤخَّراً عن شمول الحماية لجميع الإنتاجات في الميدان الأدبي والعلمي والفني والصناعي، بجميع وسائل التعبير، بشرط أن تظهر هذه الأمور في قالب معيَّن، كالكتاب، واللوحة، والجهاز، والآلة، ونحو ذلك .
ثانياً : أصدرت منظمة اليونسكو في صيف عام (1952م) اتِّفاقيَّةً عالمية لتنظيم حقوق التأليف دولياً، ونصَّت على أنَّ هذه الاتِّفاقيَّة لا تمسُّ اتِّفاقيَّة برن، ولا الاتحاد الذي أنشأته هذه الاتِّفاقية، وانضمت إليها دول كثيرة من العالم الإسلامي والعربي والعالمي، وكان الهدف من إنشاء هذه الاتفاقيَّة : هو تسهيل انتشار نِتَاجِ العقل البشري، وتعزيز التفاهم الدولي في هذا الخصوص .
ثالثاًَ : أنشئت المنظمة العالمية للملكية الفكرية في عام (1967م)، وهي إحدى الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، ويُشار إليها بالعربية بلفظ
ٍموجزٍ : هو ( الويبو )، ويرجع تاريخ المفاوضات على إنشائها إلى عام (1883م)، وقد انضمت المملكة العربية السعودية إلى العضوية في هذه المنظمة .
وكان الهدف من إنشائها : هو رغبة المجتمع الدولي في دعم حماية الملكية الأدبية والفنية والصناعية في جميع أنحاء العالم، وتهتمُّ بكلِّ ما يخصُّ هذا الجانب، وتعتبر أهم مصدر توثيقي في هذا المجال، وهي المنسق الأساسي بين الدول في هذا الخصوص، وهي الآن من أهمِّ المنظمات الدولية المعنية بحماية الملكية الفكرية .
رابعاً : اتِّفاقيَّة الجات ( GATT )، وهي قواعد وضعت في الأصل بهدف تحرير التجارة العالمية بعد مفاوضاتٍ تعتبر الأطول والأكثر تعقيداً في هذا المجال، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث بدأت مفاوضات هذه الاتفاقية منذ عام(30/38)
(1947م)، إلى أن كُلِّلت بتوقيع الدول المصادقة عليها عام (1994م)، وتهدف هذه الاتفاقية إلى حماية الملكية الفكرية بصفة عامة ( الملكية الأدبية والفنية والصناعية )، وتجمع هذه الاتفاقية ( 117 ) دولة عند تأسيسها، وتضمُّ اتفاقية الجات جزءاً جديداً يُسَمَّى ( TRIPS )، وهو الجزء المتعلِّق بحماية الحقوق الفكرية
واتفاقية الجات في الأصل اتفاقية تجارية، فقد حرصت بالدرجة الأولى على بسط حمايتها على الجانب التجاري في مجال الملكية الفكرية، خصوصاً الملكية الصناعية، بما في ذلك تقليد العلامات التجارية وبراءات الاختراع، وأدخلت برامج الحاسوب في مجال الملكية الفكرية، وجعلتها تتمتع بنفس الحماية، تبعاً لمقتضيات اتفاقية برن .
خامساً : وقد تبع هذه الاتفاقيات الدولية اتفاقيات ثنائية وإقليمية متعدِّدة بين بعض الدول، كلُّها تسعى وتنصُّ على حماية الملكية الفكرية ؛ كاتفاقية مصر وألمانيا في (21 إبريل 1961م) ؛ واتفاقية ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية في (4/9/1953م) ؛ واتفاقية مونتيفيديو في (11 يناير 1989م)، وغيرها من الاتفاقيات الإقليمية .
سادساً : تبنَّت جامعة الدول العربية مشروع اتفاقية لحماية حقوق المؤلف، فوضعت ميثاق الوحدة الثقافية العربية، الذي أصدره وزراء التربية والتعليم العرب في مؤتمرهم المنعقد في بغداد في (29 فبراير 1964م)، ثم وافقت عليه الجامعة العربية، وصدر الميثاق العام للاتفاقية العربية لحماية حقوق المؤلف في شهر محرَّم عام(30/39)
(1402هـ)، الموافق عام (1981م)، ووضع من بين أهدافه الأساسية تشجيع المؤلف العربي على الإبداع والابتكار، وتنمية الآداب والفنون والعلوم، ووضَّحت المادة الأولى منه نطاق الحماية في هذه الاتفاقية : وتشمل المصنفات الكتابية، أو التي تلقى شفاهاً، وكذا المصنفات السمعية والبصرية، وأعمال الرسم والتصوير، والتصميمات، والمخططات، والمترجمات والموسوعات، وكل ما يدخل في حكم المصنفات المذكورة .
وتوالت القوانين الغربية والعربية التي تنصُّ على حماية الملكية الفكرية بأنواعها، وتعاقب على الإخلال بها والاعتداء عليها (109) .
وفي المملكة العربية السعودية صدر نظام المطبوعات والنشر، بتاريخ
(13/4/1402هـ)، ونصَّ على الحقوق الأدبية للمؤلفين في المادتين العشرين والحادية والعشرين ؛ حيث جاء فيهما : (( المادة (20) : حقوق التأليف والطبع والترجمة والنشر محفوظة لأصحابها السعوديين وورثتهم، ولمصنفي المؤلفات المطبوعة في داخل المملكة، ولرعايا الدول التي تحتفظ قوانينها للسعوديين بهذا الحقِّ . المادة (21) : على الوزارة ( وزارة الإعلام ) أن تمنع كلَّ تعدٍّ على الحقوق المذكورة في المادة السابقة، وتختصُّ اللجنة المشار إليها في المادة (40) من هذا النظام بالنظر في كلِّ تعدٍّ يقع على تلك الحقوق والحكم بتعويض صاحب الشأن عن الأضرار المادية والمعنويَّة التي لحقت به )) .
ثم صدر النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية في(30/40)
(27/8/1412هـ)، مؤيِّداً ذلك، ومُقَرِّراً احترام الملكية الفردية كحقٍّ خاصٍّ يؤدِّي وظيفة اجتماعية، فنصَّت المادة السابعة عشرة منه على أنَّ : (( الملكية ورأس المال والعمل مقوِّمات أساسية في الكيان الاقتصادي والاجتماعي للملكية، وهي حقوق خاصة تؤدِّي وظيفة اجتماعية وفق الشريعة الإسلامية )) . وجاء في المادة الثامنة عشرة منه : (( تكفل الدولة حريَّة الملكية الخاصَّة وحرمتها، ولا يُنْزَعُ من أحدٍ ملكه إلاَّ للمصلحة العامة، على أن يعوَّض المالك تعويضاً عادلاً )) .
وهذا كلُّه يدلُّ على إقرار دول العالم بأسره بالحقوق الأدبية والفكرية لأصحابها، وسعيها لحمايتها، وتنظيم الأحكام المتعلِّقة بها، وأُنْشِئَتْ من أجل ذلك اتحادات دور النشر والمطابع، وإدارات تسجيل براءات الاختراع في وزارات الصناعة وغيرها .
المسألة الثانية : حماية الملكية الفكرية في نظر الإسلام :
كان الكلام في العنصر السابق على الوسائل التي سلكتها دول العالم في سبيل حماية الحقوق الفكرية، وما عقدته لأجل ذلك من مؤتمرات واتفاقيات عالمية، وما وضعته لأجل ذلك من أنظمة وقوانين، فهل نجحت دول العالم قاطبة في تحقيق الحماية المنشودة لهذه الملكيات الفكرية بأنواعها المختلفة ؟؟(30/41)
إنَّ الذي يرى ويشاهد ويتابع ما يجري في الأسواق العالمية - وبعض دور النشر والطبع -، ومحالِّ الصناعات والمتاجر، ليرى ما يأسف له أشدَّ الأسف من الاعتداء المستشري على الحقوق الفكرية، للجشع الماديِّ، وبحُجَجٍ واهية، وأكاذيب باطلة مزوَّرة، من خلال سرقاتٍ أدبية وفكرية وعلمية لكثير من المؤلفات والابتكارات والإنتاجات العلمية والتجارية، بل وتقليد البضائع والسِّلَع والعلامات التجارية والشعارات، حتَّى إنَّ الواحد لينظر إلى سلعة ما على أنَّها من إنتاج الشركة الفلانية العالمية المشهورة بحسن إنتاجها، وجودة تصنيعها، فلا يكتشف أنَّها مزوَّرة مقلَّدة إلاَّ بعد زَمَنٍ، أو بعد طول تأمُّلٍ وتحقُّقٍ ؛ نظراً للتشابه الكبير - بل التطابق التامِّ الظاهري أحياناً - بين المُنْتَجِ الأصلي، والمُنْتَجِ المُقَلَّدِ ؛ من حيث الشكل، أو العلامة، أو الاسم أحياناً .
أمَّا في مجال التأليف والنشر، فحدِّث ولا حرج عن السَّلْخ التَّامِّ لكثير من المؤلفات من أسماء مؤلِّفيها الأصليين، ونسبتها إلى أسماء أخرى، زوراً وبهتاناً، والتطاول العجيب والغريب على كثير من الأبحاث والمؤلفات، ونسبتها إلى غير أصحابها، والحصول من خلالها - أحياناً - على الدرجات والترقيات والشهادات العلمية، والطبعات التجارية لكثير من المؤلفات، دون الرجوع إلى أصحابها، أو دور النشر المختصَّة بنشرها، في سرقات ممقوتة تنافي الأمانة العلمية، وتقضي على الإنتاج الفكري والأدبي والفني برُّمَّته .
لقد سعت دول العالم إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الحماية للحقوق الفكرية، وفرضت العقوبات، والأنظمة التي تنظِّم ذلك، وتنسبه إلى أصحابه، وتحميه من الاعتداءات الجشعة، والسرقات الممقوتة، ولكنَّها لم تنجح، أو على الأقل لم تصل إلى المستوى الذي قصدته وسعت إليه من تحقيق الحماية الفكرية والأدبية والفنية لهذه الحقوق .(30/42)
أمَّا الشريعة الإسلامية السمحة فقد سلكت جانباً تربويَّاً مهمَّاً في هذا المجال، حيث ربطت هذه القضية بالإيمان بالله تعالى، والعقاب الأخروي، والأمانة، وإيقاظ الضمير الإنساني المسلم الحيِّ، في كثير من التوجيهات في هذا المجال، لم يَنْزِع الإسلام إلى فرض العقوبات المؤلمة في الدنيا، بقدر ما نزع إلى تقرير العقاب الأخروي الرادع، وبيان أنَّ ذلك من الغِشِّ المحرَّم الذي يتعارض مع الدين والخلق والأمانة ؛ في كثير من توجيهات الشريعة الإسلامية وأوامرها، قال الله تبارك وتعالى : ( لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ((110) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ ( قَالَ : (( مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا )) (111) .
وقال ( : (( الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ )) (112) . وأيُّ تشبُّعٍ أمْقَتْ وأعظمُ إثماً من أن ينسب الإنسان إلى نفسه نِتاجَاً علمياً لغيره ؟(30/43)
وهذا المَلْحَظُ الدقيق في توجيهات الإسلام للردع والحماية من الوقوع في المحاذير الشرعية أيَّاً كان نوعها، هو ما رَمَتْ إليه الصِّدِّيقة عائشة بنت الصِّدِّيق - رضي الله عنهما - حين قالت، وهي تحكي طريقة الإسلام ومنهجه في تربية الناس على الإيمان بالله تعالى، والبُعْد عن المحرَّمات، وتحمُّل التكاليف الشرعية، والقيام بالمسئوليات : (( إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ - يَعْنِي القُرْآَن - سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ، نَزَلَ الْحَلاَلُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ : لاَ تَشْرَبُوا الْخَمْرَ، لَقَالُوا : لاَ نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدَاً، وَلَوْ نَزَلَ لاَ تَزْنُوا، لَقَالُوا : لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدَاً )) (113) .
إنَّ حقوق الإنسان في الإسلام هي جزءٌ من الدين الإسلامي، جاءت في أحكام إلهيَّة تكليفية، مبنيَّة على الإيمان بالله تعالى، والخوف من أليم عقابه وسخطه، والاستعداد لليوم الآخر، حيث الجزاء العادل، والقصاص الفاصل بين العباد، وهذا ما لم تصل إليه بعد النظم البشرية، والقوانين الوضعية .(30/44)
ولذلك : فإنَّ أولَّ أساسٍ يجب أن يعتمد عليه في قضيَّة حماية الملكية الفكرية والأدبية والفنية ( والحقوق عموماً ) : هو ربطها بأساس الإيمان بالله تعالى، وباليوم الآخر ؛ حيث يجد المرءُ ما قدَّمت يداه في كتابٍ مُدَوَّن محفوظٍ ( لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّك أَحَدً( (114)، وإيقاظ الضمير والشعور بالمسئولية والأمانة في نفوس العباد، ولا شكَّ أنَّ من يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر، إيماناً صادقاً، إذا علم أنَّ أساس حماية حقوق العباد في الإسلام ينبع من الإيمان بالله تعالى، والتقوى والورع والأمانة، فإنَّه سيستجيب لداعي الإيمان، ويسارع إلى حمايتها، والحذر من الاعتداء عليها .
وثاني الأسس المهمَّة التي يجب أن يُعتمد عليها في مجال حماية الملكية الفكرية : التأكيد على أنَّ الإخلال بالحقوق الفكرية وإهدارها وتضييعها على أصحابها يُعَدُّ في الإسلام من المحظورات الشرعية ؛ لأنَّه يدخل في باب الغشِّ، والغَرَر والخِدَاعِ والتدليس، والكذب والسرقة، والإضرار بالآخرين، والتعدِّي على حقوقهم، وكلُّ هذه الأمور في الإسلام من المحرَّمات المنهيِّ عنها، وبعضها معدود في الكبائر المهلكة الموبقة (115) .(30/45)
ولقد راعى الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان هذا التقدم الحضاري، وجارى دول العالم وأعرافه في النصِّ على حماية الملكية الفكرية ؛ تقديراً لجهود العلماء والمخترعين، والمبدعين، وأصحاب الفكر والتخطيط والإبداع، دون أن يتعارض ذلك مع حق البشرية قاطبة في الاستفادة من ثمرات العلم في مختلف الميادين ؛ ولذلك نصَّ على بيان الحكم الشرعي للملكية الفكرية، وكلَّف الدول الإسلامية - خاصَّة - بالحماية والرعاية لها، وبيَّن أنَّه يقع عليها عبء المسئولية في تنفيذ ذلك بمختلف سلطات الدول : القضائية، والتنفيذية، والتشريعية ؛ حيث جاء في المادة السادسة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان :
(( لكلِّ إنسانٍ الحقُّ في الانتفاع بثمرة إنتاجه العلمي، أو الأدبي، أو الفني، أو التِّقَنِيِّ، وله الحقُّ في حماية مصالحه الأدبية والمالية الناشئة عنه، على أن يكون هذا الإنتاج غير منافٍ لأحكام الشريعة )) (116) .
ولكنَّه سَمَى عن الأنظمة والقوانين الوضعية حين راعى المصدرون له ما راعاه الإسلام في حماية المال ؛ وهو أن يكون المال محترماً في نظر الإسلام، فشرط لحماية الملكية الفكرية : ألاَّ تكون محرَّمةً ؛ كالمؤلفات الهدَّامة، وصور ذوات الأرواح، والتمتثيل، والآت اللهو المحرَّم، والموسيقا، ونحو ذلك، فهذه كلُّها في نظر الإسلام مُهْدَرَةٌ لا قيمة لها، ولا اعتبار (117) .
وهذا في الأصل مأخوذٌ من تعريف المال في اصطلاح الفقهاء ؛ إذ نصُّوا على أن يكون له قيمة ماديَّةٌ بين الناس، ويجوز الانتفاع به شرعاً في حال السَّعَة والاختيار (118) .
فقيد ( يجوز الانتفاع به شرعاً ) : يُخرج الأعيان والمنافع والحقوق التي لها قيمة بين الناس، ولكن الشريعة أهدرت قيمتها، ومنعت الانتفاع بها في حال السعة والاختيار ؛ كالخمر، والخنزير، ولحم الميتة، ومنفعة الآت التصاوير واللهو المحرَّمة.(30/46)
إنَّ الملكية الفكرية ترتبط بالفكر الذي يعتبر جوهر الحياة الإنسانية، وهو الذي ترتبط به سلوكيات الإنسان كلِّها، وهو يرتبط بالعقل الذي يُعَدُّ أحد الضرورات الخمس، وإنَّ القواعد الشرعيَّة تقتضي حفظ الحقوق لأصحابها، بل إنَّ ذلك يُعَدُّ من المقاصد الشرعيَّة العالية التي أجمعت الشرائع قاطبة على حفظها ؛ وهي : الدين، والنفس، والمال، والعرض، والعقل، ومن ثمَّ أجاز العلماء الاعتياض عن هذا الحق - حق الملكية الفكرية - مستندين على هذه الأسس والقواعد، وحفظاً لهذه الحقوق لأصحابها (119) .
وعرف المسلمون أصول مبدأ حفظ الحقوق الفكرية وحمايتها منذ القِدَم، وإن لم تكن معروفة بهذا المصطلح الشائع الآن، أو بهذه الطرق الحديثة :
أ- فقد نصَّ أهل العلم على الأمانة العلمية في مجال العلوم، ونسبتها لأصحابها، من خلال توثيق النصوص بالإسناد، وهذا يتجلَّى في تراث الإسلام العظيم في كتب السنة والأثر، الدائرة قبولاً وردَّاً على الإسناد الموثَّق بمعاييره الدقيقة المدونة في علم مصطلح الحديث، وتخريج النصوص والنقول بدقة، بمعنى نسبة القول إلى قائله، وذكر المصادر المعتمد عليها، ومن نظر إلى كتاب من كتب أهل العلم المسلمين السابقين - خصوصاً - رأى معاناتهم الدقيقة في ذلك، حتى إنَّ بعضهم إذا نقل نصَّاً يشكُّ أنَّ فيه تصحيفاً أو تحريفاً، نقله كما هو، ونوَّه عنه بقوله : (كذا وجدته، وهو تصحيفٌ، مثلاً، صوابه، كذا ) (120) .(30/47)
ب- كما نصَّ علماء الإسلام على طرق التحمُّل والأداء في رواية الأحاديث، وشروط ذلك، وشروط رواية الحديث بالمعنى، وبيَّنوا شناعة الكذب والتدليس، خصوصاً في مجال العلم، ونقله، ونسبته إلى أهله، وحذَّروا من سرقة المعلومات والكتب، وانتحالها، وهو ما يعرف باسم ( قرصنة الكتب )، وكشفوا ما وقع من ذلك في عصور الإسلام الماضية، تحذيراً منه، وكشفاً لعوار ذلك، وقبحه، وهذا كلُّه يدلُّ على عناية علماء الإسلام بهذا الأمر، وشدَّة تحذيرهم منه (121) .
ج-كما سبق المسلمون إلى معرفة نظام : التخليد ( الإيداع )، ويعنى : وضع نسخة من المُصنَّف في المكتبات العامة أو دور المحفوظات، للاحتفاظ بمجموعة منه، أو الاحتفاظ به كإثباتٍ لنسبة المُصَنَّف إلى مؤلِّفه، ونشر المُصَنَّف بالفعل أو تاريخ نشره (122) .
وكان أكبر مركز لتخليد الكتب وإيداعها في الإسلام وقتذاك : دار العلم ببغداد، التي بناها الوزير البويهي، سابور بن أردشير ببغداد سنة (382هـ) وكانت صرحاً رائعاً، ذاع صيتها وطار في الآفاق، وقصدها العلماء والأدباء والشعراء من كل مكانٍ، للتعرُّف على محتوياتها (123) .
إنَّ حقوق الإنسان في الإسلام من الثوابت الشرعية، والركائز الأساسية التي يقوم عليها المجتمع، فهي ليست حقوقاً دستورية فحسب، وليست نتاجاً فكريَّاً يمثِّل مرحلة من مراحل تطور العقل الإنساني، وليست حقوقاً طبيعيَّة، كما يعبِّر عنها أصحاب القانون الوضعي، ولكنَّها في نظر الإسلام واجبات دينية محمية بالضمانات التشريعية والتنفيذية، وليست وصايا تُدْعَى الدول إلى احترامها والاعتراف بها من غير ضامنٍ لها، بل هي مرتبطة بالإيمان بالله تعالى، وتقواه، يُكَلَّف بها الفرد والمجتمع كلٌّ في نطاقه وحدود المسئولية التي ينهض بها، ويحافظ عليها ؛ لأنَّ في المحافظة عليها أداءً لواجب شرعي، ولا يجوز له أن يفرِّط فيها ؛ لأنَّ التفريط فيها تقصير في أداء هذا الواجب (124) .(30/48)
والشريعة، وإن كانت تدعو إلى تعميم النفع، ونشر العلم، وتحريم كتمانه، إلاَّ أنَّ ذلك في نظرها لا يُبَرِّر الاعتداء على حقوق الناس، بل إنَّ تعميم المنفعة بما يبتكره الأفراد له قواعده وأصوله التي تحقِّق المصلحة، وتمنع الضرر، ومن أهمِّها الاعتراف بهذه الحقوق، ونسبتها لأصحابها، وتنظيم نشرها، والاستفادة منها بأحكام تنسجم مع طبيعتها وظروف التعامل معها (125) .
هذه باختصار هي نظرة الشريعة الإسلامية إلى الملكية الفكرية، وموقفها من حمايتها، والوسائل التي ركَّزت عليها في هذا المجال ؛ لتحقيق أقصى قدرٍ ممكن من الحماية لحقوق الناس وممتلكاتهم .
المسألة الثالثة: الأدلَّة الشرعية على وجوب حماية الملكية الفكرية.
وبجانب هذه الوسائل العامة التي سلكتها الشريعة الإسلامية، والجوانب المهمة التي ركَّزت عليها في حماية الحقوق والممتلكات لأصحابها، فإنَّ هناك أدلَّةً خاصَّةً تدلُّ على حماية الملكيات والحقوق عموماً، وحقُّ الملكية الفكرية - كما سبق - من حقوق الملكية المملوكة لأصحابها، على أساس أنَّها أموالٌ مختصَّة بأصحابها، وذلك يستوجب حمايتها من الاعتداء في نظر الإسلام، والأدلَّةُ على ذلك كثيرة، منها ما يلي :
1- قول الله سبحانه : ( وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ((126).
2- وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ((127) .(30/49)
ففي هاتين الآيتين ينهى الله تبارك وتعالى عباده عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضاً بالباطل، والحِيَل، مما يدلُّ على أنَّ حقوق الناس وأملاكهم مصونة محفوظة في الإسلام، لا يجوز الاعتداء عليها، ولا أخذها إلاَّ بالحقِّ (128) .
3- وعن ابن عبَّاسٍ - رضي الله تعالى عنهما - : أَنَّ رَسُولَ اللهِ ( خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ )) . قَالُوا : يَوْمٌ حَرَامٌ ! قَالَ : (( فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ )) . قَالُوا : بَلَدٌ حَرَامٌ ! قَالَ : (( فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ )) قَالُوا : شَهْرٌ حَرَامٌ ! قَالَ : (( فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا )) . فَأَعَادَهَا مِرَارَاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ : (( اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ )) . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - : فَو َالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ : (( فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارَاً ؛ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ )) (129) .
4- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسولُ الله ( : (( كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ ؛ دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ )) (130) .
5- وعن أبي حُرَّة الرَّقَاشِيِّ عن عمِّه - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله ( قال : (( لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلاَّ بِطِيْبِ نَفْسٍ مِنْهُ )) (131) .(30/50)
6- وعن أنس بن مالكٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ( : ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ )) (132) .
والوجه من هذه الأحاديث جميعاً : أنَّها تدلُّ على حرمة مال المسلم، وأنَّه مُصانٌ في الإسلام، لا يجوز الاعتداء عليه، ولا أكله بالباطل (133) .
7- وعن عائشة - رضي الله عنها - : (( أَنَّ رَسُولَ اللهِ ( قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ )) (134) .
قال الإمام ُ أَبُو عِيسَى محمد بن عيسى بن سورة الترمذيُّ (ت : 297هـ ) - رحمه الله - : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ )) (135) .
والوجه منه : أنَّه يدلُّ على أنَّ من ضمن شيئاً، ينتفع به في مقابل الضمان، فالمؤلف والمُنْتِجُ ضامن ومسئول عن كلِّ ما في كتابه أو إنتاجه العلمي والتجاري والصناعي، مسئولية دينية ودنيوية، فله الخراج العائد من هذا الحق في مقابل الضمان، وله حماية هذا الخراج من الاعتداء عليه (136) .
8- حديثُ أبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله ( قَالَ : (( مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا )) (137) .
فهذا الحديثُ دليلٌ عظيمٌ على تحريم الغِشِّ بجميع أنواعه، وبيان أنَّ الغاشَّ مخالفٌ لأمر النبيِّ j وهديْهِ، وأنَّه بفعله هذا خارجٌ عن صفات المسلمين وهديهم (138) .(30/51)
9- ما ورد من أدلَّةٍ شرعية تدلُّ على تحريم الإسلام للسرقة والغصب، وإيجاب ردِّ المال لصاحبه، ومعاقبة السارق بالجلد، والغاصب بالتعزير، فهي كلُّها أدلَّةٌ على الحماية التامَّة للملكيَّة في الإسلام، بجميع أنواعها وأشكالها ؛ من مثل قول الحقِّ سبحانه وتعالى : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ((139) .
وقوله ( : (( عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ )) (140) .
10- القواعد التي نصَّ عليها أهل العلم في هذا الخصوص ؛ ومنها :
أ- (( لا يجوز لأحدٍ أن يأخذ مال أحدٍ بلا سبب شرعيٍّ )) (141) .
ب- (( لا يجوز لأحدٍ أن يتصرَّف في ملك الغير بلا إذنه )) (142) .
11- أنَّ من سبق إلى ابتكارٍ أو تأليفٍ أو إنتاجٍ علميٍّ يكون قد سبق إلى أمر مباحٍ، ومن سبق إلى مباحٍ فهو أحقُّ به من غيره، يجوزله التصرُّف فيه، والانتفاع به، وإخراجه إلى السوق من أجل اكتساب الأرباح (143) .
كلُّ هذا يدلُّ على اعتراف الإسلام بالملكية الفكرية، وحمايتها من الاعتداء، وأنَّ من اعتدى عليها فهو ضامنٌ لصاحبها .
المبحث الخامس
الآثار الاقتصادية المترتبة على الملكية الفكرية
( حماية وتفريطاً )
للملكية الفكرية آثارٌ عظيمة في مجال الاقتصاد، وتطوير التنمية، والتقدُّم الصناعيِّ والتجاريِّ الذي يشهده العالم بأسره، ونُبَيِّن جانباً من هذه الآثار :(30/52)
لقد شجَّع الإسلام العلم والعلماء، وحثَّ على التفكُّر والتأمُّل في الكون بمخلوقاته البديعة، ومعالمه الفسيحة، ودعا إلى طلب العلم وحريَّة الفكر والرأي، بحيث لم ترتبط حركة دينيَّة بطلب العلم والدعوة إلى حريَّة الفكر، وإعماله، وإعلاء شأن العلم والعلماء، كالإسلام، حيث جاءت أول سورة من سور القرآن المنزل على النبي 3 داعية إلى القراءة والعلم ؛ ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ((144) .
وقال سبحانه : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ((145)
وقال سبحانه وتعالى : ( أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ((146) .
وقال تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ( (147) .
وقال تبارك وتعالى ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ((148) .
وقال عزَّ وجلَّ : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( 149) .(30/53)
إلى غير ذلك من آيات القرآن الكريم المنوهة بفضل العلم والعلماء، الداعية إلى العلم، وحرية الفكر والتأمُّل في الكون والمخلوقات والحياة كلِّها، ليتوصَّل المرءُ من خلال ذلك إلى الحقائق العلمية والإيمانية .
وأمَّا السنة النبوية ففيها من الأحاديث الدَّالة على طلب العلم، وفضله وفضل أهله في الإسلام، المرغِّبة فيه ما يعجز المقام عن ذكره وإيراده ؛ فمن ذلك :
ما رواه أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ ( قَالَ : (( إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ : إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )) (150) .
وعن أبي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ( يَقُولُ : ((مَنْ سَلَكَ طَرِيقَاً يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمَاً سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقَاً مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاً لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارَاً وَلاَ دِرْهَمَاً، وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ )) (151) .
وعن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ ( يَقُولُ : (( مَنْ يُرِدْ اللهُ بِهِ خَيْرَاً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ )) (152) .(30/54)
وقد كان لهذه النصوص الشرعية، والتوجيهات الربانية آثرٌ بالغٌ في حياة الرعيل الأول من المسلمين، فتنافسوا في العلم، ورحلوا في طلبه، وضربوا أكباد الإبل من مكان لآخر، بحثاً عن حديثٍ أو مسألةٍ، فازدهرت الحركة العلمية والفكرية في بلاد المسلمين، وسارعوا إلى التأليف والتأصيل والتقعيد العلميِّ، والاقتباس النافع من حضارات الأمم السابقة لهم، وترجموا علوم الروم وفارس وغيرهما، ونشأت دور العلم والمكتبات الكبيرة في حواظر بلاد الإسلام في الجزيرة والشام والعراق ومصر، وشجَّع الخلفاء على العلم والبحث والتأليف والاكتشاف والاختراع، وأُنْشِئت المكتبات الكبرى الشهيرة ؛ كدار الحكمة ببغداد، ودار العلم بها أيضاً، وظهرت الحِلَقُ العلمية التدريسيَّة في الجوامع العظيمة التي كانت قلاع علم وتوجيه وبحث ومناظرة، كالمسجد الحرام، والمسجد النبويِّ، والجامع الأموي بدمشق، والجامع الأزهر بالقاهرة، وغير ذلك، وأحرز المسلمون قصب السبق في المجالات العلمية المختلفة ؛ العلوم الشرعية، واللغة والآداب، والفلك والجغرافيا، والطبِّ، والصناعة، في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تَغُطُّ في عصور الجهل والظلمات التي لم تستفق منها إلاَّ بعد اتِّصالها بالمسلمين في بلاد الأندلس، والاقتباس من تراثهم العلمي، ونشاطهم الحضاريِّ .
وهذه كلُّها أمورٌ ثابتة مشهورة، سجلَّها التأريخ للمسلمين بكلِّ فخر واعتزاز. لكنَّهم - مع شديد الأسف - حين تنكَّبوا عن الصراط المستقيم، وشُغلوا بالدنيا واللهو والملذَّات، أضاعوا ذلك كلَّه، فأخذه الكفار منهم، واستفادوا مما توصَّلوا إليه ووضعوه من قواعد وعلومٍ ووسائل، وبرعوا في التقدُّم والرُّقيِّ الفكريِّ والعلميِّ والصناعيِّ، والاختراع والابتكار، حتَّى صارت بلاد الكفار اليوم من أغنى بلاد العالم، نظراً للتطوُّر الصناعيِّ والتقدُّم العلمي الذي أحرزته (153) .(30/55)
وحسب المرء في هذا المجال : أن يدرك الفرق العظيم بين توجيهات الإسلام في هذا الجانب، وحرصه على طلب العلم، ودعوته إلى حريَّة الفكر والاستفادة من علوم الأمم الأخرى وتراثها، والربط بين ذلك كلِّه وبين الأمانة العلمية والدِّقَّة في مجالات نقل الأخبار والترجمة والعلم، على عكس نظرة الغرب إلى ذلك كلِّه، فهي نظرة مشوبة بالحقد والكراهية للإسلام والمسلمين ؛ فحين نقل المسلمون الأوائل تراث الفرس والرومان العلمي، وترجموه ترجمة أمينة إلى اللغة العربية، نقل المستشرقون تراث المسلمين وعلومهم إلى اللغات الأجنبية بكلِّ تشويه وتحريف، لا يَمُتُّ إلى الأمانة والدِّقَّة بشيءٍ (154) .
كان هذا كلُّه إلمامة مختصرة إلى دور النهضة الفكرية والعلمية في التنمية والحضارة في العصور السابقة لعصرنا .
وقد اتَّضح من خلالها أنَّ الإسلام سعى بكلِّ حرصٍ إلى تحقيق الوجود المعنوي للمسلمين على أرقى المستويات، وفي كلِّ عصر، لأنَّه يدرك أنَّ المبتكرات الفكرية والأدبية هي السبيل إلى الارتقاء بالحياة البشرية إنسانياً وحضارياً، ومادياً ومعنوياً ؛ إذ من المعلوم أنَّ جميع أوجه الحضارة المادية المتطورة إنَّما هي في الواقع صورٌ مجسَّمة لتطبيق نظريات علمية يُكمل بعضها بعضاً، في سبيل تحقيق التقدُّم والرُّقِيِّ في شتَّى المجالات العلمية والاجتماعية والاقتصادية والتجارية (155) .
وفي العصور الحديثة، إبَّان تخلُّف المسلمين العلمي والفكري والحضاري، وعزوف بعض الدول الإسلامية عن تشجيع العلوم والمبتكرات، وتقدُّم الدول الكافرة في الإنتاج العلمي والصناعي والتجاري والتِّقَنِيِّ، وتشجيعها له، واحتكارها لأوجه النشاط الصناعي والتجاري والتكنلوجي، برز أثر الحقوق الفكرية الكبير في مجال الاقتصاد والتنمية، وتحقيق الثروات الطائلة لكثير من الدول والمؤسسات والشركات والأفراد .(30/56)
ففي مجال التأليف : برزت دور الطباعة والنشر، وزادت في عددها وانتشارها، واستطاعت من خلال الآلات الحديثة للطباعة والتصوير نشر الآلاف من الكتب والمجلات والنشرات، وتحقيق الأرباح الطائلة من وراء ذلك .
وقيمة الكتاب إنَّما تقدَّر بمدى إقبال القراء عليه، واستفادتهم منه، ولذا فإنَّ الناشرين وأصحاب المطابع يتسابقون في طبع الآف النسخ من كلِّ مؤلَّفٍ يشعرون أنَّ له قيمةً ماديَّةً ومالية من وراء تكاليف الطباعة والإخراج، حيث تحوَّلت عملية الإنفاق على طبع الكتاب ونشره إلى أداة اقتناصٍ لقيمة مالية كبيرة، تعود من إخراج هذا الكتاب ونشره، وكم من كتاب تسابقت عليه دور النشر، وطبعوا منه عشرات الطبعات، ولا زال الطلب عليه جارياً قائماً (156) .
واستطاعت كثير من دور النشر، بل الأفراد أحياناً، تحقيق الربح المالي الكبير بواسطة طبع الكتب ونشرها وبيعها، بغضِّ النظر - أحياناً - عن تحقيق القيمة النفعية العلمية للكتاب المنشور، من عدمها .
وأمَّا في المجال التجاريِّ والصناعي ( الاسم التجاري، والتراخيص، والابتكارات ) : فإنَّه في عصور النهضة التجارية والصناعية التي يشهدها العالم بأسره، ونظراً لازدياد حجم التجارات وضخامتها، نشأت مسألة الاسم التجاريِّ، والعلامة التجارية، فصار التاجر الواحد، أو الشركة الواحدة تُنْتِجُ وتُصدِّر أموالها الضخمة، المتمثِّلة في المنتجات والصناعات، إلى عددٍ كبير من بلاد العالم، وفي المقابل تنوَّعت المنتجات من جنسٍ واحدٍ، باختلاف أوصافها، ومواصفاتها، وصارت هذه الأوصاف تُعرفُ باسم المُنْتَجِ، فكلَّما رأى المستهلك أنَّ البضاعة التي أمامه قد أنتجتها الشركة الفلانية التي عُرِفَتْ بسمعتها وجودتها في السوق، اشتراها بمجرَّد سماع الشركة، أو وجود علامتها التجارية على وجه البضاعة (157) .(30/57)
بل إنَّ بعض المستهلكين حين يذهب إلى المتاجر والأسواق لشراء حاجياته ومتطلباته يبحث عن الاسم التجاري الذي يرغب فيه، ويعرف سمعته وجودته الصناعية، ويدفع لشرائه المبالغ الطائلة، في حين إنَّ بالأسواق من البدائل له ما هو أرخص، وأقدر على سدِّ حاجته، وقد يُعرض عليه، لكنه لا يرغب فيه .
إنَّ هذا الأمر له أثره الواضح والملموس في ازدهار الاقتصاد لكثيرٍ من الشركات العالمية، والبلدان المختلفة، وكثرة الإقبال على شراء منتجاتها، كاليابان مثلاً، في حين إنَّ كثيراً من البضائع المقلَّدة، أو التي صدرت عن شركاتٍ، أو بلدانٍ لا تُعرف بشهرتها في المجال الصناعي والتجاريِّ، ولا بجودتها، لا تلقى إقبالاً في الشراء، هذا جانب .
وجانب آخر، هو أنَّ المنتجات التجارية المشهورة بجودة صناعتها مرتفعة السعر، ومع ذلك تلقى إقبالاً، وهذا له أثره في ازدياد الثروات للبلدان المصدِّرة لهذه المنتجات والبضائع .
في حين إنَّ سلعاً أخرى بديلة لهذه السلع، تقلُّ كثيراً عنها في الأسعار، ومع ذلك لا تلقى رواجاً في الأسواق، ولا إقبالاً من المشترين، والمستهلكين .
كلُّ هذه الأمور دعت كثيراً من أرباب الإنتاج إلى استغلال أسماء المنتجين ذوي الشهرة الحسنة، والجودة الصناعية، لترويج منتجاتهم باسم تلك الشركات المشهورة، والأسواق تعجُّ بالبضائع والمنتجات المقلَّدة، مما حمل كثيراً من الدول والحكومات على فرض القوانين والأنظمة التي يتم بواسطتها تسجيل الأسماء التجارية، والعلامات لدى الحكومات، وتسجيل براءات الاختراع، ومنع التجار الآخرين من استعمال الأسماء والعلامات التجارية المسجلة لغيرهم (158) .(30/58)
إنَّه لا أحد ينكر دور الملكية الفكرية وأثرها في النهضة الاقتصادية التي يعيشها العالم كلِّه، وأبسط مثالاًَ يضرب لتوضيح هذا : أجهزة الحاسب الآلي وبرامجه، وأجهزة الجوالات وتوابعها، وما تحظى به هذه الأيام من إقبال من المستهلكين، وتنافس من التُّجَّار والشركات العالمية في إصدار الجديد، والحصول عليه، بأسعارٍ مرتفعة، تنخفض كثيراً إلى أكثر من النصف، بعد إصدار الموديلات التالية ؛ لترغيب المستهلكين في الشراء والاستبدال، واستهلاك المنتجات الجديدة من الأسواق .
وقد أدركت دول كثيرة هذا الأثر الرائد للمنتجات الفكرية والابتكارات الحديثة، فعمدت إلى توقيع الاتفاقيات والعقود مع الشركات العالمية، ليتمَّ تصنيع المنتجات الخاصة بتلك الشركات، أو تجميعها في بلادها، كالمنتجات الكهربائية التي صارت تُجمع ( أو تُصنَّع ) في الصين، وتايوان، وغيرها، مع أنَّها في الأصل ماركات تجارية لشركات يابانية أو أمريكية، مثلاً .
وقد يكون السبب أحياناً، أنَّ تلك الشركات لم تلق التشجيع،
أو التسهيل، الذي يعينها على الإنتاج في بلدها الأصلي، أو أنَّ بلدها يفرض عليها رسوماً وضرائب باهضة، ويكلِّفها بالحدِّ من إنتاجها، أو أنَّ تكاليف الإنتاج وأدواته ومواده في بلدها تُكَلِّف ثرواتٍ تفوق الأرباح العائدة لها، فأصبحنا نسمع الآن ما يُسَمَّى : بهجرة رؤوس الأموال والشركات والمؤسسات عبر بلاد العالم .(30/59)
وهذا كلُّه يُحَتِّم على الدول أن تسعى جاهدةً لحماية الحقوق الفكرية لأصحابها من العبث والسرقة والغشِّ، وتشجيعهم على الإنتاج والتصنيع، ومنحهم الامتيازات والتسهيلات اللازمة والمرغِّبة لهم ؛ لأنَّ حماية الحقوق الفكرية لأصحابها يُشجِّع البحث والتحقيق والابتكار والاختراع والإنتاج، ويُنعش هِمَمَ العلماء والمفكرين لينشروا نتائج دراساتهم، وثمار جهودهم واكتشافاتهم، مما يؤدِّي إلى تقدُّم الأُمم في مضمار العلوم، على عكس التفريط في هذه الحقوق، وعدم الحرص على رعايتها وحفظها، فإنَّه يترك الآثار السلبية في نفوس العلماء والمفكرين والباحثين، ويَشُلَّ الحركة العلمية والفكرية للمجتمع الذي توجد فيه مثل هذه المظاهر والأخلاقيات .
فأهمُّ مقصد من إقرار هذه الحقوق والاعتراف بها شرعاً، وحمايتها من عبث العابثين، واعتداء الآخرين، وصيانتها ونسبتها لأصحابها : تشجيع الاختراع والإبداع والنشاط العلمي ؛ حتى يعلم من يبذل جهده فيها أنَّه سيختصُّ باستثمارها، وسيكون جهده محمياً من الذين يحاولون أخذ ثمرة ابتكاره وتفكيره، ويزاحمونه في استغلالها (159) .
وهذا بلا شك له أثره الواضح العظيم في تشجيع الابتكار والاختراع، وتطور التقدم العلمي، ونشاط الشركات والمؤسسات الصناعية والتجارية والعلمية والمبدعين وأهل العلم في زيادة الإنتاج في شتى المجالات، والتنافس فيما يحقِّق النفع والفائدة في هذه المجالات، ويثري الاقتصاد الإسلامي .(30/60)
ويجب التركيز في هذا المجال على أثر الوازع الديني والأخلاقي، وإيقاظ الضمير الإنساني والشعور بالمسئولية والأمانة تجاه أموال الغير وحقوقهم، وأنَّ المحافظة عليها، إنَّما هو قبل كلِّ شيءٍ دينٌ وقربة وطاعة لله تعالى، وأنَّ التفريط فيها والتعدِّي عليها يُعَدُّ في نظر الإسلام غِشٌّ وخديعةٌ وتزويرٌ وتَعَدٍّ وسرقةٌ وأكل لأموال الناس وحقوقهم بالباطل ؛ قال الله تبارك وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ( (160)
( ( (
خاتمة بأهمِّ نتائج البحث :
وبعد بحث هذه المسألة الفقهية، ودراستها الشرعية، وبيان الآثار المترتبة عليها اقتصادياً، اسجِّل النتائج والتوصيات التالية :
1- أنَّ مفهوم المال في الإسلام واسعٌ، يشمل كلَّ ما انتفع الناس به، وكان له قيمة في العرف، عيناً كان أم منفعةً، أم حقَّاً .
2- أنَّ الحقوق الفكرية ( المعنوية ) بجميع أنواعها نوع من أنواع الملكية، اكتسبت قيماً مالية معتبرة عرفاً، وهي مصونة شرعاً لا يجوز الاعتداء عليها في الإسلام .
3- أنَّ الحقوق الفكرية لها أثرها البارز، وأهميَّتها العظمي في المجال الاقتصادي والحضاريِّ، ولذا أدركت دول العالم أهميَّتها، فعقدت المؤتمرات والاتفاقيات المختلفة والمتعددة لتنظيمها وحمايتها .
4- أنَّ حماية الحقوق الفكرية واجب شرعي ينبع من الإيمان بالله تعالى، واستشعار الأمانة والمسئولية في حفظ حقوق الناس، وعدم الاعتداء على أموالهم، وهو يؤدِّي إلى تحقيق عددٍ كبير من المصالح العائدة على مجموع الأمة، على عكس إهدار هذه الحقوق وعدم حمايتها فإنَّه سبيل إلى المفاسد والتخلُّف الحضاريِّ والاقتصاديِّ، وسبب إلى عزوف العلماء والمفكرين والمنتجين عن الإنتاج الفكري والعلمي .(30/61)
5- أنَّ التعدي على الحقوق الفكرية يُعَدُّ في نظر الإسلام سرقة، وخديعة، وغِشٌّ، واعتداء على أموال الناس وحقوقهم واختصاصاتهم، وأكلٌ لها بالباطل ؛ وهذه كلُّها جرائم عظيمة وخطيرة، تؤثر على المجتمعات والأفراد، وتقود إلى المفاسد والزوال .
6- يجب أن تُفَعَّل الحماية الدولية للحقوق الفكرية، وأن تربط بتوجيهات الشريعة الإسلامية، التي تنظر إلى ذلك على أنَّه واجب ديني، قبل أن يكون واجباً دولياً، لتصان من عبث العابثين، وتُحمى من الغِشِّ والعبث والتلاعب والسرقات المشينة .
7- يجب أن تشجِّع الدول الإسلامية الملكية الفكرية بشتَّى أنواعها، وأن تضع لأصحابها من الحوافز التقديرية والتشجعية وتوِّفر لها من الحماية والحفظ ما يؤدِّي إلى نهوض بلاد المسلمين في المجال العلمي والصناعي والتجاريِّ، ووصولها إلى حدِّ الاستغناء عن منتجات الغرب، وأعداء الأمَّة الذين يتقوَّون اقتصادياً من خلال استهلاك المسلمين لإنتاجهم، وحاجتهم إليه .
وفي ختام هذا البحث أحمد الله تعالى على ما أنعم به وأولى، وأستغفره عمَّا فيه من خطأ وسهو وغفلة، وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعله من العلم النافع الخالص لوجهه سبحانه، وأن ينفع به كاتبه وقارئه وعموم المسلمين، والله أعلم، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله ربِّ العالمين .
( ( (
( ملاحق البحث )
الملحق الأول
قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أمَّا بعد :(30/62)
فإنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة، المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12 رجب 1406هـ إلى يوم السبت 19 رجب 1406هـ، قد نظر في موضوع حقوق التأليف لمؤلفي الكتب والبحوث والرسائل العلمية : هل هي حقوق ثابتة مملوكة لأصحابها، وهل يجوز شرعاً الاعتياض عنها، والتعاقد مع الناشرين عليها، وهل يجوز لأحدٍ غير المؤلف أن ينشر كتبه وبحوثه ويبيعها دون إذنه، على أنَّها مباحة لكلِّ أحدٍ، أو لا يجوز ؟
وعرض على المجلس التقارير والدراسات التي هيأها في هذا الشأن بعض أعضاء المجلس، وناقش المجلس أيضاً رأي بعض الباحثين المعاصرين، من أنَّ المؤلف ليس له حقٌّ مالي مشروع فيما يؤلِّفه أو ينشره من كتب علمية، بحجَّة أنَّ العلم لا يجوز شرعاً حجره عن الناس، بل يجب على العلماء بذله، ومن كتم علماً ألْجَمَهُ الله تعالى يوم القيامة بلجام من نارٍ، فلكلِّ من وصل إلى يده بطريق مشروع نسخة من كتابٍ لأحد المؤلفين، أن ينسخه كتابةً، وأن ينشره ويتاجر بتمويل نشره، وبيع نسخه كما يشاء، وليس للمؤلف حقُّ منعه .
ونظر المجلس في الرأي المقابل، وما نشر فيه عن حقوق الابتكار، وما يسمى الملكية الأدبية والملكية الصناعية، من أنَّ كل مؤلف لكتاب أو بحث أو عمل فنيٍّ أو مخترعٍ لآلة نافعة له الحق وحده في استثمار مؤلَّفه أو اختراعه، نشراً وإنتاجاً وبيعاً، وأن يتنازل عنه لمن شاء بعوض أو غيره، وبالشروط التي يوافق عليها، وليس لأحدٍ أن ينشر الكتاب المؤلَّف أو البحث المكتوب بدون إذن صاحبه، ولا أن يُقَلِّد الاختراع ويتاجر به دون رضى مخترعه، وانتهى المجلس بعد المناقشة المستفيضة إلى القرار التالي :(30/63)
أولاً : إنَّ الكتب والبحوث قبل ابتكار طرق النشر بالمطابع التي تخرج منه الآلاف المؤلَّفة من النسخ، حين لم يكن في الماضي وسيلة لنشر الكتاب إلاَّ الاستنساخ باليد، وقد يقضي الناسخ سنوات في استنساخ كتابٍ كبير ليخرج منه نسخة واحدة، كان الناسخ إذ ذاك يخدم العالم المؤلِّف حينما ينسخ بقلمه نسخة أو عدَّة نسخ لولاها لبقي الكتاب على نسخة المؤلِّف الأصلية معرَّضاً للضياع الأبدي إذا تلفت النسخة الأصلية، فلم يكن نسخ الكتاب عدواناً على المؤلِّف، واستثماراً من الناسخ لجهود غيره وعلمه، بل بالعكس، كان خدمة له وشهرة لعلمه وجهوده .
ثانياً : أمَّا بعد ظهور المطابع فقد أصبح الأمر معكوساً تماماً، فقد يقضي المؤلِّف معظم عمره في تأليف كتاب نافعٍ، وينشره ليبيعه، فيأخذ شخصٌ آخر نسخة منه فينشرها بالوسائل الحديثة طبعاً وتصويراً، ويبيعه مزاحماً مؤلِّفَهُ ومنافساً له، أو يوزِّعه مجاناً ليكسب بتوزيعه شهرة، فيضيع تعب المؤلِّف وجهوده، ومثل ذلك يقال في المخترع .
وهذا مما يثبط همم ذوي العلم والذكاء في التأليف والاختراع، حيث يرون أنَّ جهودهم سينهبها سواهم متى ظهرت ونزلت الميدان، ويتاجر بها منافساً لهم من لم يبذل شيئاً مما بذلوه هم في التأليف أو الابتكار .
فقد تغيَّر الوضع بتغيُّر الزمن وظهور المستجدات فيه، مما له التأثير الأساسي بين ما كان وما صار، مما يوجب نظراً جديداً يحفظ لكل ذي جهد جهده وحقَّه.
فيجب أن يعتبر للمؤلِّف والمُخْتَرِعِ حقٌّ فيما ألَّف أو ابتكر، وهذا الحقُّ هو ملك له شرعاً، لا يجوز لأحدٍ أن يسطو عليه دون إذنه، وذلك بشرط أن يكون الكتاب أو البحث ليس فيه دعوة إلى منكر شرعاً، أو بدعة أو أيِّ ضلالة تنافي شريعة الإسلام، وإلاَّ فإنَّه حينئذٍ يجب إتلافه، ولا يجوز نشره .(30/64)
وكذلك ليس للناشر الذي يتَّفق معه المؤلِّف ولا لغيره تعديل شيءٍ في مضمون الكتاب، أو تغيير شيءٍ دون موافقة المؤلِّف، وهذا الحقُّ يورث عن صاحبه، ويتقيَّد بما تقيِّده به المعاهدات الدولية والنظم والأعراف التي لا تخالف الشريعة، والتي تنظِّم هذا الحق وتحدِّده بعد وفاة صاحبه تنظيماً، وجمعاً بين حقِّه الخاصِّ والحقِّ العامِّ ؛ لأنَّ كل مؤلِّف أو مخترعٍ يستعين بأفكار ونتاج من سبقوه، ولو في المعلومات العامة، والوسائل القائمة قبله .
أمَّا المؤلِّف أو المخترع الذي يكون مستأجراً من إحدى دور النشر ليؤلِّف لها كتاباً، أو من إحدى المؤسسات ليخترع لها شيئاً لغاية ما، فإنَّ ما ينتجه يكون من حقِّ الجهة المستأجرة له، ويتبع في حقِّه الشروط المتَّفق عليها بينهما، مما تقبله قواعد التعاقد .
والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه .
الملحق الثاني
قرار مجمع الفقه الإسلامي بجده التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي
إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت، من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409هـ ( الموافق 10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م، بعد اطلاعه على البحوث المقدَّمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (الحقوق المعنوية)، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، قرَّر ما يلي :
أولاً : الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار هي حقوق خاصَّةٌ لأصحابها، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتموُّل الناس لها، وهذه الحقوق يعتدُّ بها شرعاً، فلا يجوز الاعتداء عليها .
ثانياً : يجوز التصرُّف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية، ونقل أيٍّ منها بعوض ماليٍّ إذا انتفى الغرر والتدليس والغش، باعتبار أنَّ ذلك أصبح حقَّاً مالياً .(30/65)
ثالثاً : حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعاً، ولأصحابها حقُّ التصرُّف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها. والله أعلم .
الملحق الثالث
فتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية
فتوى رقم (18453)، وتاريخ 2/1/1417هـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد :
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي / ماجد عبادي محمد، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (2144) وتاريخ 8/5/1416هـ، وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصُّه : (( أعمل في مجال الحاسب الآلي منذ فترة، ومنذ أن بدأت العمل في هذا المجال أقوم بنسخ البرامج للعمل عليها، ويتم ذلك دون أن اشتري النسخ الأصلية لهذه البرامج، علماً بأنَّه توجد على هذه البرامج عبارات تحذيرية للنسخ، مؤداها أنَّ طرق النسخ محفوظة، تشبه عبارة : ( حقوق الطبع محفوظة ) الموجودة على بعض الكتب، وقد يكون صاحب البرنامج مسلماً أو كافراً، وسؤالي هو : هل يجوز النسخ بهذه الطريقة أم لا ؟ )) .
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنَّه لا يجوز نسخ البرامج التي يمنع أصحابها نسخها إلاَّ بإذنهم ؛ لقوله j : (( المسلمون على شروطهم )) . ولقوله j : (( لا يحلُّ مال امرئٍ مسلمٍ إلاَّ بطيبة من نفسه )) . وقوله ( : (( من سبق إلى مباحٍ فهو أحقُّ به )) . سواء كان صاحب هذا البرنامج مسلماً أو كافراً غير حربيٍّ ؛ لأنَّ حقَّ الكافر غير الحربيِّ محترمٌ كحقِّ المسلم . والله أعلم،،،
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم،،،
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
رئيس اللجنة / عبد العزيز بن عبد الله بن باز .
نائب الرئيس / عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ .
عضو / بكر بن عبد الله أبو زيد . عضو / صالح بن فوزان الفوزان .
الهوامش والتعليقات(30/66)
(1) …انظر : د.فؤاد عبد المنعم، حقوق الملكية بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، ضمن بحوث ندوة حقوق الإنسان، أكاديمية نايف العربية
(2/873) .
(2) انظر : الموافقات في أصول الشريعة (2/8-11) .
(3) انظر : السايس، ملكية الأفراد للأرض ومنافعها في الإسلام، منشورات مجمع البحوث الإسلامية، المؤتمر الأول (1971م)، (ص 122) .
(4) سورة النساء : الآية (29) .
(5) حصل بها على درجة الدكتوراه بامتياز، في الفقه المقارن، مع مرتبة الشرف الأولى بتاريخ (28/6/1972م)، من جامعة الأزهر، وطبعت في ثلاثة أجزاء، مكتبة الأقصى، الأردن، 1395هـ-1975م .
(6) وقد توالت بعد ذلك اطروحات مشابهة لها في الموضوع ؛ منها : رسالة الدكتور : صالح بن عبد الله بن حميد، بعنوان : (القيود الواردة على الملكية في الشريعة الإسلامية )، حصل بها على درجة الماجستير في الفقه الإسلامي، من جامعة أم القرى بمكة، عام (1397هـ) .ومنها : رسالة الدكتور: عبدالله بن عبد العزيز المصلح، بعنوان : (قيود الملكية الخاصة) ؛ حصل بها على درجة الدكتوراه في الفقه المقارن، من المعهد العالي للقضاء بالرياض، عام (1402هـ )، وطبعتها دار المؤيد في مجلد ضخم .
…إلى غير ذلك من الرسائل العلمية، والدراسات المقارنة التي تطرَّقت إلى بحث موضوع الملكية، وبيان أحكامه ووسائله .
(7) انظر : منشورات المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية، القاهرة،
(1383هـ - 1964م) ؛ د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/27) ؛ د.فؤاد عبد المنعم، حقوق الملكية بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، ضمن بحوث ندوة حقوق الإنسان، أكاديمية نايف العربية (2/873-874) .
(8) …لا يتسع المقام هنا لبسط النظرتين السابقتين، وبيان موقف الإسلام منها ؛ انظر : د. المصلح، قيود الملكية الخاصة (ص 66 وما بعدها) .
(9) انظر : فقه النوازل (2/101) ؛ الجامع في فقه النوازل، القسم الأول (ص 65) .(30/67)
(10) انظر : فقه النوازل (2/101) .
وانظر على سبيل المثال : البحوث المقدمة إلى مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي …بجدة في دورته الخامسة، عام (1409هـ)، ضمن مجلة المجمع، العدد …الخامس (3/2269 وما بعدها ) .
(11) معجم مقاييس اللغة (5/351-352)، ( ملك ) .
(12) انظر : لسان العرب (13/183-184) ؛ المصباح المنير (ص 298-299)، (ملك) .
(13) انظر : المعجم الوسيط (2/886)، ( ملك ) .
(14) انظر : الفروق (3/208)، وبنحوه : شرح حدود ابن عرفة (2/605-606) .
(15) انظر : د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/141) ؛
د. عبد الله المصلح، قيود الملكية الخاصة (ص 31) .
(16) في شرحه على النقاية، بواسطة : دستور العلماء (3/323) .
(17) الفروق (3/209) . الفرق الثمانون بعد المئة .
(18) الفروق (3/216) .
(19) طريقة الخلاف بين الحنفية والشافعية، مخطوط (ص 191 أ )، بواسطة د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/131) .
(20) الأشباه والنظائر (1/232) .
(21) المنثور في القواعد (3/223) .
(22) د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/139) بتصرُّفٍ يسير .
(23) انظر : علي الخفيف، الملكية في الشريعة الإسلامية (ص 28-29) ؛
د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/144) .
(24) في كتابه الفروق (2/261) .
(25) فتح القدير (6/248) .
(26) الأشباه والنظائر (ص 346) .
(27) أدرار الشروق على أنواء الفروق، مطبوع مع الفروق (3/209) .
(28) طريقة الخلاف بين الحنفية والشافعية، مخطوط (ص 191 أ )، بواسطة
د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/131-132) .
(29) مجموع الفتاوى (29/178) ؛ القواعد النورانية (ص 218) .
(30) انظر : علي الخفيف، الملكية في الشريعة الإسلامية (ص 28-29) ؛
د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/143-144) .
(31) في كتابه : الحاوي القدسي، مخطوط (ص 515)، بواسطة :
د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/129) .(30/68)
وانظر : ابن نُجيم، الأشباه والنظائر (ص 346) .
(32) شرح الوقاية في حل مسائل الهداية (2/196) .
(33) التعريفات (ص 295) .
(34) شرح حدود ابن عرفة (2/605) .
(35) طريق الخلاف بين الشافعية والحنفية، مخطوط (ص 134 أ،150 أ، 107 أ )، بواسطة : د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/131) .
(36) انظر : علي الخفيف، الملكية في الشريعة الإسلامية (ص 29-30) ؛
د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/149-150) .
(37) انظر : د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/150) . مع تصرُّفٍ .
وانظر قريباً من هذا التعريف : أبو زهرة، الملكية ونظرية العقد (ص 61-62) ؛ علي الخفيف، مختصر أحكام المعاملات الشرعية (ص 9) ؛ د. مصطفى الزرقا، المدخل إلى نظرية الالتزام العامة (ص 33) ؛ بدران، تاريخ الفقه الإسلامي
(ص 306) .
(38) انظر : د. فؤاد عبد المنعم، حقوق الملكية بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، ضمن بحوث ندوة حقوق الإنسان بأكاديمية نايف العربية،
(2/879-880) .
(39) انظر : الخفيف، الملكية في الشريعة الإسلامية (ص 25-26) .
(40) انظر : معجم مقاييس اللغة (4/446)، ( فكر ) .
(41) انظر : لسان العرب (10/307)، ( فكر ) .
(42) انظر : المعجم الوسيط (2/698)، ( فكر ) .
(43) انظر : التعريفات (ص 217) ؛ المصباح المنير (ص 248) ؛ المعجم الوسيط
(2/698)، ( فكر ) .
(44) انظر : د. عبد السلام فرج الصدة، الحقوق العينية الأصلية (ص5، 6) ؛
د. السنهوري، الوسيط (8/276) ؛ د. فؤاد عبد المنعم، حقوق الملكية بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، ضمن بحوث ندوة حقوق الإنسان بأكاديمية نايف العربية، (2/918) ؛ د. عجيل النشمي، الحقوق المعنوية، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس(3/2284) .(30/69)
(45) ومن أشهر هؤلاء : الدكتور مصطفى الزرقا، في كتابه المدخل إلى نظرية الالتزام العامة (ص 21-22 الحاشية ) ؛ الأزهر، حقوق المؤلف (ص 23) ؛ محمد تقي العثماني، بيع الحقوق المجردة، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس (3/2385) .
(46) حقَّ الابتكار في الفقه الإسلامي (ص 9) .
(47) المدخل إلى نظرية الإلتزام العامة (ص 21-22 الحاشية ) .
(48) انظر : د. السنهوري، الوسيط (8/276) ؛ د. الزحيلي، حقوق الإنسان
في الإسلام (ص 317) ؛ دراسة لأهم العقود المالية المستحدثة (2/739) ؛ بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة (ص 398) .
(49) انظر : فقه النوازل (2/153) ؛ الجامع في فقه النوازل، القسم الأول (ص 65) .
(50) وسيأتي - إن شاء الله تعالى - التعريف بكلِّ نوع من أنواع الملكية الفكرية، عند بيان أنواعها في المبحث الثالث من هذا البحث .
(51) انظر : دراسة لأهم العقود المالية المستحدثة (2/739) ؛ بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة (ص 398) ؛ د. عبد السلام فرج الصدة، الحقوق العينية الأصلية (ص 5، 6) ؛ د. السنهوري، الوسيط (8/276) ؛ د. عجيل النشمي، الحقوق المعنوية، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس (3/2284) .
(52) وانظر : الجامع في فقه النوازل، القسم الأول (ص 65) .
(53) انظر : القاموس المحيط (ص 1368)، ( مال ) ؛ لسان العرب
(13/223)، (مول) .
(54) انظر : لسان العرب (13/223)، ( مول ) .
وانظر : معجم مقاييس اللغة (5/285) ؛ المعجم الوسيط (2/892)، (مال ).
(55) انظر : معجم المصطلحات الاقتصادية (ص 293-294) .
(56) انظر : رد المحتار على الدر المختار (4/501)، (5/55-51) ؛ المادة (126) من مجلة الأحكام العدلية، انظر : درر الحكام (1/115-116) .(30/70)
(57) انظر : د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/173) ؛ الفقه الإسلامي وأدلته (4/40-41) .
(58) انظر : ابن العربي، أحكام القرآن (2/607) ؛ الموافقات (2/17) ؛ السيوطي، الأشباه والنظائر (ص 409) ؛ كشاف القناع (3/152) ؛ د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/179) ؛ الفقه الإسلامي وأدلته (4/42) .
(59) انظر : د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/179-180) ؛ الفقه الإسلامي وأدلته (4/41-42) .
(60) انظر في معاني الحق لغة : مفردات ألفاظ القرآن (ص 246) ؛ معجم مقاييس اللغة (2/15-19) ؛ لسان العرب (3/255) ؛ القاموس المحيط (ص 1129) ؛ المصباح المنير (ص 78) ؛ المعجم الوسيط (1/188)، جميعها ( حق ) .
(61) انظر : د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/93 وما بعدها) .
وانظر : د. أبو سنة، الفقه الإسلامي أساس التشريع (نظرية الحق )
(ص 150) ؛ معجم المصطلحات الاقتصادية (ص 145) ؛ بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة (ص 396) .
(62) انظر : د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/93-103) .
وانظر : د. محمد طموم، الحق في الشريعة الإسلامية (ص 17-40) ؛ مصادر الحق في الفقه الإسلامي (1/14) ؛ المدخل إلى نظرية الإلتزام العامة
(ص 7/14) ؛ د. فتحي الدريني، الحق ومدى سلطة الدولة في تقييده (183-184، 188، 193) ؛ الخفيف، الملكية في الشريعة الإسلامية (ص 9-12) ؛
د. أحمد حسين، الملكية ونظرية العقد (ص 111) .
(63) انظر : المدخل إلى نظرية الالتزام العامة (ص 10) ؛ د. عبد السلام العبادي، حقوق الإنسان في الإسلام، ضمن سلسلة ندوات الحوار بين المسلمين
( الحقوق في الإسلام )، (1/188-189) ؛ د. فؤاد عبد المنعم، حقوق الملكية بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، ضمن بحوث ندوة حقوق الإنسان بأكاديمية نايف العربية (2/877-878) ؛ د. الزحيلي، حقوق الإنسان في الإسلام (ص 9) .(30/71)
(64) انظر : الفقه الإسلامي أساس التشريع ( نظرية الحق ) (ص 177-181) ؛
د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/108 وما بعدها) ؛ الحق في الشريعة الإسلامية (ص 40-181) ؛ د. أحمد حسين، الملكية ونظرية العقد (ص 117-119) .
(65) انظر : شرح التلويح على التوضيح (2/155) ؛ الفروق (1/140)، الفرق الثاني والعشرون .
(66) انظر : الفقه الإسلامي أساس التشريع (ص 177) .
(67) انظر : تيسير التحرير (2/174-181) ؛ الفروق (1/195) ؛ الفقه الإسلامي أساس التشريع (ص 181) ؛ د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية
(1/108) .
(68) انظر : البحر الرائق شرح كنز الدقائق (6/148) ؛ كشف الأسرار
(4/134) ؛ الفروق (1/140-141) الموافقات في أصول الشريعة (2/318، 375) .
(69) انظر : التلويح على التوضيح (2/153) ؛ الموافقات في أصول الشريعة
(2/318، 375)؛ الفروق (1/140، 195 وما بعدها )؛ أعلام الموقعين (1/108)
د. أبو سنَّة، الفقه الإسلامي أساس التشريع (نظرية الحق ) (ص 177-178) ؛
د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/108) ؛ د. عبد اللطيف الغامدي، حقوق الإنسان في الإسلام (ص 41-44) .
(70) الفروق (1/140-141) . وانظر: الموافقات في أصول الشريعة (2/375) ؛ أعلام الموقعين (1/108) .
(71) انظر : المجموع شرح المهذَّب (6/154) ؛ المغني (14/209-210) ؛ الفقه الإسلامي أساس التشريع (ص 182-183) ؛ د. الزرقا، المدخل إلى نظرية الالتزام العامة (ص 15-18) .
(72) انظر : رد المحتار على الدر المختار (4/518-519) ؛ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/457) ؛ د. أحمد حسين، الملكية ونظرية العقد (ص 121) ؛ د. حسن الأمين، بيع الاسم التجاري والترخيص، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس (3/2502) .
(73) والبعض يجعل الحقوق المالية نوعين : حقوق شخصية، وحقوق عينية، ومنها الحقوق المعنوية .(30/72)
…انظر : د. الزرقا، المدخل إلى نظرية الالتزام العامة (ص 15-18) ؛ الخفيف، الملكية في الشريعة الإسلامية (ص 19-20) ؛ د. أحمد حسين، الملكية ونظرية العقد (ص 122-123) ؛ بدران أبو العينين، تاريخ الفقه الإسلامي
(ص 299 وما بعدها ) .
(74) تقرير القواعد وتحرير الفوائد (ص 200-208)، القاعدة الخامسة والثمانون .
(75) أخرجه البخاريُّ في كتاب الحوالات، باب الدَّيْنِ، ح (2298)، انظر : فتح الباري (4/557) . ومسلم في كتاب الفرائض، باب من ترك مالاً فلورثته،
ح (1619)، انظر : شرح النووي على صحيح مسلم، المجلد الرابع (11/233) .
(76) انظر : ابن نُجيم، الأشباه والنظائر (ص 120) ؛ رد المحتار على الدر المختار
(4/581) ؛ تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية
(3/284-285)؛ د. أحمد حسين، الملكية ونظرية العقد (ص 123-124) ؛
د. محمد طموم، الحق في الشريعة الإسلامية (ص 109 وما بعدها) .
(77) انظر : د. السنهوري، الوسيط (8/276) ؛ حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن (ص 40-41) ؛ د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية
(1/196-197) ؛ د. الصدة، حق الملكية (ص 281-282) ؛ د. النشمي، الحقوق المعنوية، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس (3/2284-2285) ؛ (ص 16-19 من هذا البحث ) .
(78) انظر : حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن (ص 126، 136 وما بعدها) ؛ د. عبد الحليم الجندي، والشيخ عبد العزيز عيسى، الحقوق المعنوية، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس (3/2458) ؛ د. العبادي، الفقه الإسلامي والحقوق المعنوية، مجلة المجمع، العدد الخامس (3/2479) ؛ دراسة لأهم العقود المالية المستحدثة (2/743) .
(79) انظر : ما سبق من هذا البحث (ص 20) .
(80) انظر : د. العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية (1/198) .(30/73)
(81) انظر : المرجع السابق (1/198-199)، بتصرُّفٍ ؛ د. السنهوري، الوسيط
(8/279-280) ؛ المدخل إلى نظرية الإلتزام العامة (ص 139-140) ؛ بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة (ص 398-401) .
(82) إلاَّ الحقَّ الذي لا يقبل التَّبعيض ؛ كحقِّ ولاية النكاح، والحضانة، والطلاق، فهذا لا يصحُّ أن يُقالَ لفلان نصفه مثلاً .
(83) انظر : حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/457) ؛ الفروق
(3/208) ؛ حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن (ص 40-41، 126 وما بعدها) ؛ دراسة لأهم العقود المالية المستحدثة (2/743) .
(84) انظر : حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن (ص 126، 136 وما بعدها) ؛ د. عبد الحليم الجندي، والشيخ عبد العزيز عيسى، الحقوق المعنوية، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس (3/2458) ؛ ود. العبادي، الفقه الإسلامي والحقوق المعنوية، مجلة المجمع، العدد الخامس (3/2479) .
(85) انظر : د. السنهوري، الوسيط (8/325-330) ؛ فقه النوازل (2/155، 158) ؛ دراسة لأهم العقود المالية المستحدثة (2/739) ؛ بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة (ص 398) .
(86) انظر : فقه النوازل (2/157)، بتصرُّفٍ ؛ د. السنهوري، الوسيط
(8/293-294) .
(87) انظر : حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن (ص 10، 11، 182، 191) ؛ فقه النوازل (2/162-163) .
(88) انظر : (ص 16) من هذا البحث .
(89) انظر : صلاح الدين الناهي، الوجيز في الملكية الصناعية والتجارية (ص 60) ؛ د. النشمي، الحقوق المعنوية، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس (3/2286) .
(90) انظر : محمد تقي العثماني، بيع الحقوق المجرَّدة، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس
(3/2385) .(30/74)
(91) انظر : المدخل إلى نظرية الإلتزام العامة (ص 21-22) ؛ د. الزحيلي، حقوق الإنسان في الإسلام (ص 317-318) ؛ بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة (ص 434-435) .
(92) انظر : الأزهر، حقوق المؤلف ( الملكية الأدبية والفنية ) (ص 53 وما بعدها ) بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة (ص 435-436) .
(93) انظر : د. الزحيلي، حقوق الإنسان في الإسلام (ص 317-318) ؛ حكم ممارسة الفن في الشريعة الإسلامية (ص 165، 347 ) ؛ أحكام التصوير في الفقه الإسلامي (629 وما بعدها ) .
(94) انظر : صلاح الدين الناهي، الوجيز في الملكية الصناعية والتجارية (ص 211) د. النشمي، الحقوق المعنوية، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس (3/2287) ؛ د. البوطي، الحقوق المعنوية، المرجع السابق (3/2397، 2407) ؛ د. حسن الأمين، بيع الاسم التجاري والترخيص، المرجع السابق (3/2497) .
(95) انظر : د. البوطي، الحقوق المعنوية، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس (3/2397، 2407) ؛
د. حسن الأمين، بيع الاسم التجاري والترخيص، المرجع السابق (3/2497) ؛ بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة (ص 426) .
(96)، (97) انظر : صلاح الدين الناهي، الوجيز في الملكية الصناعية والتجارية (ص 211) ؛ د. النشمي، الحقوق المعنوية، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس (3/2287) .
(98) انظر : محمد تقي العثماني، بيع الحقوق المجردة، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس
(3/2385) ؛ د. حسن الأمين، بيع الاسم التجاري والترخيص، المرجع السابق
(3/2507) ؛ بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة (ص 431) .(30/75)
(99) انظر : محمد تقي العثماني، بيع الحقوق المجردة، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس
(3/2385) .
(100) انظر : د. حسن الأمين، بيع الاسم التجاري والترخيص، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس
(3/2507) ؛ بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة (ص 432) .
(101) انظر : فقه النوازل (2/160) ؛ الجامع في فقه النوازل، القسم الأول (ص 65)
(102) انظر : د. السنهوري، الوسيط (8/408-421) ؛ فقه النوازل
(2/164) ؛ الجامع في فقه النوازل، القسم الأول (ص 65) .
(103) انظر : د. السنهوري، الوسيط (8/360-408) ؛ فقه النوازل (2/167-168)؛ الجامع في فقه النوازل، القسم الأول (ص 65-66) .
(104) انظر : المبحث الرابع من هذا البحث .
(105) انظر : فقه النوازل (2/160-162) ؛ الجامع في فقه النوازل، القسم الأول (ص 65) .
(106) انظر : فقه النوازل (2/115)، مع ملاحظة أنَّه إنَّما يتكلَّم على موضوع حقوق التأليف .
(107) هذا العنصر ملخص من : الأزهر، حقوق المؤلف (ص 57-82) ؛ مجلة عالم الكتب، الصادرة في الرياض، العدد الرابع، ربيع الثاني (1402هـ)، حقوق المؤلف المعنوية في القانون العراقي (ص 9 وما بعدها) ؛ الحقوق على المصنَّفات (ص 9 وما بعدها) ؛ فقه النوازل (2/115 وما بعدها) .
(108) بواسطة د. الزحيلي، حقوق الإنسان في الإسلام (ص 398) .
(109) انظر : مراجع الهامش (107) .
(110) سورة الأنفال : الآية (27) .
(111) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب قول النبي ( ( من غشَّنا فليس منا )، ح (101)، انظر : شرح النووي على صحيح مسلم، المجلد الأول(2/282) .(30/76)
(112) أخرجه البخاريُّ في كتاب النكاح، باب المُتَشَبِّع لما لم ينل وما ينهى من افتخار الضَّرَّة، ح (5219)، انظر : فتح الباري (9/228) . ومسلم في كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن التزوير في اللباس، ح (2129)، انظر : شرح النووي على صحيح مسلم، المجلد الخامس (14/291-292) .
(113) أخرجه البخاريُّ في كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن،
ح(4993)، انظر : فتح الباري (8/655) .
(114) سورة الكهف : الآية (49) .
(115) انظر : المغني (6/203، 223) ؛ شرح النووي على صحيح مسلم، المجلد الأول (2/282-283) ؛ الزواجر عن اقتراف الكبائر (ص 320) .
(116) انظر : د. الزحيلي، حقوق الإنسان في الإسلام (318) .
(117) انظر : د. الزحيلي، حقوق الإنسان في الإسلام (ص 317-318) ؛ حكم ممارسة الفن في الشريعة الإسلامية (ص 165، 347 ) ؛ أحكام التصوير في الفقه الإسلامي (629 وما بعدها ) .
(118) انظر ما سبق من هذا البحث (ص 20-21) .
(119) انظر : الموافقات (2/5 وما بعدها ) ؛ دراسة لأهم العقود المالية المستحدثة
(2/740-741) .
(120) انظر : فقه النوازل (2/128) .
(121) انظر : فقه النوازل (2/128-131) ؛ مجلة عالم الكتب الصادرة في الرياض، العدد الرابع، لعام (1402هـ)، وفيها مقالات عديدة في الموضوع ؛ أعلام الموقعين (3/344) ؛ معجم الأدباء (7/74-75، 191-192، 264-265)؛ سير أعلام النبلاء (9/509) .
(122) انظر : مجلة عالم الكتب، العدد الرابع (1402هـ)، (ص 589-590، 650، 707-708، 711) ؛ فقه النوازل (2/132) .
(123) انظر : المكتبات في الإسلام (ص 130) ؛ مجلة عالم الكتب، العدد الرابع (ص 711) ؛ دراسة لأهم العقود المالية المستحدثة (2/740-741) .
(124) انظر : د. التويجري، حقوق الإنسان في التعاليم الإسلامية
(ص 8، 9) ؛ حدود حريَّة الفكر في الشريعة الإسلامية، مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد الرابع عشر (ص 353) .(30/77)
(125) انظر : د.فؤاد عبد المنعم، حقوق الملكية بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، ضمن بحوث ندوة حقوق الإنسان، أكاديمية نايف العربية
(2/882) .
(126) سورة البقرة : الآية (188) .
(127) سورة النساء : الآية (29) .
(128) انظر : تفسير القرآن العظيم (1/525)، (2/268) .
(129) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب الخطبة أيام منىً،( 1739)، انظر : فتح الباري (3/670) . ومسلم في كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، ح (1679)، انظر : شرح النووي على صحيح مسلم، المجلد الرابع (11/319-320) .
(130) أخرجه مسلمٌ في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، ح (2564)، انظر : شرح النووي على صحيح مسلم، المجلد السادس (16/93-94) .
(131) أخرجه الإمام أحمد في أول مسند البصريين، مسند عمِّ أبي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ، ح (20695)، وصحَّحه لغيره محقِّقوا مسند الإمام أحمد بن حنبل
(34/299-301) .
(132) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب فضل استقبال القبلة،ح(392)، انظر: فتح الباري (1/592) .
(133) انظر : شرح النووي على صحيح مسلم، المجلد الرابع (11/319-321) ؛ المجلد السادس (16/93-95) .
(134) أخرجه الترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغلِّهُ ثم يجد به عيباً، ح (1285)، وصحَّحه، الجامع الصحيح (3/581-582) .
…وابو داود في كتاب البيوع، باب فيمن اشترى عبداً فاستعمله ثم وجد به عيباً، ح (3503)، انظر : عون المعبود (9/302) .
…والنسائيُّ في كتاب البيوع، باب الخراج بالضمان، ح (4490)، سنن النسائي (7/182-183) .
…وحسَّنه الألباني في صحيح سنن أبي داود(2/374-375)،ح (3508، 3509).
(135) الجامع الصحيح (3/582) .
(136) انظر : عبد الحميد طهماز، حق التأليف، ضمن حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن (ص 174) .
(137) انظر تخريجه في هامش رقم (111) .(30/78)
(138) انظر : شرح النووي على صحيح مسلم، المجلد الأول (2/282) .
(139) سورة المائدة : الآية (38) .
(140) أخرجه الترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في أنَّ العارية مُؤدَّاة،
ح (1266)، الجامع الصحيح (3/566) .
…وابن ماجه في كتاب الصدقات، باب العارية، ح (2400)، سنن ابن ماجه (ص 343) وأحمد في أول مسند البصريين، عن سَمُرَة بن جُنْدُبٍ،
ح (20086)، وحسَّنه لغيره محققوا مسند الإمام أحمد بن حنبل (33/277) .
(141) المادة (97) من مجلة الأحكام العدلية، انظر: درر الحكام (1/98).
(142) المادة (96) من مجلة الأحكام العدلية، انظر: درر الحكام (1/96).
(143) انظر : محمد تقي العثماني، بيع الحقوق المجردة، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس
(3/2386) ؛ عبد الحميد طهماز، حق التأليف، ضمن حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن (ص 170) .
…ويُروى في هذا حديثٌ ضعيفٌ عن أَسْمَرَ بْنِ مُضَرِّسٍ - رضي الله عنه - قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ s فَبَايَعْتُهُ، فَقَالَ : (( مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا [ مَاءٍ ] لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ ))، قَالَ : فَخَرَجَ النَّاسُ يَتَعَادَوْنَ يَتَخَاطُّونَ .
…أخرجه أبو داود في كتاب الخراج والإمارة والفئ، باب في إقطاع الأرضين،
ح (3069)، انظر : عون المعبود (8/225-226) .
…وضعفه الألباني في الإرواء (6/9-11)، ح (1553، 1555) .
…فالحديث يدلُّ على أنَّ من سبق غيره إلى ماءٍ أو كَلأٍ أو حَطَبٍ، أو غيرها من المباحات فهو لها، قد صار ملكاً له، وقوله : ( فخرج الناس يَتَخَاطُّونَ ) يعني : كلٌّ منهم يُسابق صاحبه في الخَطِّ وإعلام ماله بعلامةٍ .
…انظر : عون المعبود (8/225-226) .(30/79)
…وقد استدلَّ بهذا الحديث - على ضعف إسناده - كثيرٌ مِمَّن كتب في هذه الحقوق، وهو أحد أدلة هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، كما تراه في فتواهم في الملحق الثالث . وهو وإن كان ضعيفاً سنداً، إلاَّ أنَّ معناه صحيحٌ .
(144) سورة العلق : الآيات (1-5) .
(145) سورة التوبة : الآية (122) .
(146) سورة الرعد : الآية (19) .
(147) سورة فاطر : الآية (28) .
(148) سورة المجادلة : الآية (11) .
(149) سورة آل عمران : الآيتان (190-191) .
(150) أخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، ح (1631)، انظر : شرح النووي على صحيح مسلم، المجلد الرابع
(11/253) .
(151) أخرجه أبو داود في كتاب العلم، باب، ح (3636)، انظر : عون المعبود
(10/52-53) .
…وصحَّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/407)، ح (3641) .
…وأخرجه أحمد في مسند الأنصار، عن أبي الدرداء، ح (21715)، وحسَّنه محقِّقوا مسند الإمام أحمد بن حنبل (36/45-46) .
(152) أخرجه البخاريُّ في كتاب العلم، باب من يرد الله به خيراً يفقِّهْهُ في الدين ، ح (71)، انظر : فتح الباري (1/197) .
…ومسلم في كتاب الزكاة، ح (1037)، انظر : شرح النووي على صحيح مسلم، المجلد الثالث (7/105-106) .
(153) انظر على سبيل المثال : رسالة الدكتور علي بن محمد الزهراني، الحياة العلمية في صقليِّة الإسلامية، من عام 212هـ، إلى عام 484هـ
(ص 161-502)، (ص 561 وما بعدها ) ؛ واقعنا المعاصر (ص 173 وما بعدها ) .
(154) انظر : المستشرقون ومن تابعهم وموقفهم من ثبات الشريعة وشمولها (ص 22 وما بعدها ) .
(155) انظر : حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن (ص 13) .
(156) انظر : د. البوطي، الحقوق المعنوية، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس
(3/2402-2403) .(30/80)
(157) انظر : محمد تقي العثماني، بيع الحقوق المجردة، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس
(3/2383)، بتصرُّفٍ .
(158) انظر : المرجع السابق (3/2383) د. البوطي، الحقوق المعنوية، ضمن بحوث الدورة الخامسة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة، مجلة المجمع، العدد الخامس (3/2409 وما بعدها ) .
(159) انظر : المدخل إلى نظرية الالتزام العامة (ص 21) .
(160) سورة النساء : الآية (29) .
قائمة بمراجع البحث ومصادره
1-
القرآن الكريم .
2-
أحكام التصوير في الفقه الإسلامي، محمد بن أحمد علي واصل، دار طيبة، الرياض، ط1، 1420هـ .
3-
أحكام القرآن، القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله ابن العربي المالكي، ت : علي البجاوي، مطبعة عيسى البابي الحلبي، مصر، ط1، 1376هـ .
4-
أدرار الشروق على أنواء الفروق، حاشية لسراج الدين أبي القاسم قاسم بن عبد الله المعروف بابن الشاط، مطبوعة مع الفروق .
5-
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405هـ.
6-
الأشباه والنظائر، تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي، ض : عادل عبد الموجود، وعلي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1،
1411هـ .
7-
الأشباه والنظائر، زين الدين إبراهيم بن نُجيم الحنفي، ت :
عبد العزيز محمد الوكيل، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1413هـ .
8-
الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، ت : خالد عبد الفتاح شبل، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط1، 1415هـ .
9-
أعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن أبي بكر بن قيِّم الجوزية، ت : محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، ط1، 1374هـ .
10-
الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان، ملحق بكتاب حقوق الإنسان في الإسلام للدكتور محمد الزحيلي .
11-(30/81)
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ملحق بكتاب حقوق الإنسان في الإسلام للدكتور محمد الزحيلي .
12-
بحث حول الحقوق المعنوية وإمكان بيعها، الشيخ محمد علي التسخيري، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد الخامس، 1409هـ .
13-
البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين إبراهيم بن نُجيم الحنفي،
دار المعرفة، بيروت، ط2 .
14-
بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة، د. علي محيى الدين علي القره داغي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط1،
1422هـ .
15-
بحوث في قضايا فقهية معاصرة، الشيخ محمد تقي العثماني، دار القلم، دمشق، ط1، 1419هـ .
16-
بيع الاسم التجاري والترخيص، د. حسن عبد الله الأمين، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد الخامس، 1409هـ .
17-
بيع الاسم التجاري والترخيص، د. وهبة الزحيلي، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد الخامس، 1409هـ .
18-
بيع الحقوق المجردة، الشيخ محمد تقي العثماني، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد الخامس، 1409هـ .
19-
تاريخ الفقه الإسلامي ونظرية الملكية والعقود، بدران
أبو العينين بدران، دار النهضة العربية، بيروت .
20-
التعريفات، علي بن محمد الجرجاني، ت : إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط4، 1418هـ .
21-
تفسير القرآن العظيم، الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي،
ت : سامي بن محمد السلامة، دار طيبة، الرياض، الإصدار الثاني، ط1، 1422هـ .
22-
تقرير القواعد وتحرير الفوائد، جمال الدين أبو الفرج
عبد الرحمن بن رجب الحنبلي، دار الجيل، بيروت، ط2، 1408هـ .
23-
تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية،
محمد بن حسين، مطبوع مع الفروق .
24-
تيسير التحرير للكمال ابن الهمام الحنفي، محمد أمين المعروف بأمير باد شاه الحسيني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر .
25-(30/82)
الجامع الصحيح، أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، ت.أحمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب العلمية، بيروت .
26-
الجامع في فقه النوازل، د. صالح بن حميد، القسم الأول، الدار العربية للطباعة والنشر، الرياض، ط1، 1423هـ .
27-
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير، محمد بن عرفة الدسوقي، مطبعة التقدم العلمية بمصر، 1331هـ، توزيع : دار الفكر، بيروت .
28-
حدود حرية الفكر في الشريعة الإسلامية، د. صالح بن زابن المرزوقي، ضمن العدد الرابع عشر من مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، رابطة العالم الإسلامي، مكة، 1422هـ .
29-
حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن، د. فتحي الدريني، وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3، 1404هـ .
30-
حق التأليف، عبد الحميد طهماز، ضمن كتاب حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن .
31-
حق الملكية، د. عبد المنعم فرج الصدة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط2 .
32-
الحق في الشريعة الإسلامية، د. محمد طموم، المكتبة المحمودية التجارية، الأزهر 1398هـ .
33-
الحق ومدى سلطة الدولة في تقييده، د. فتحي الدريني، طبعة دمشق،
1387هـ .
34-
حقوق الإنسان في الإسلام، د. عبد السلام العبادي، ضمن سلسلة ندوات الحوار بين المسلمين، الحقوق في الإسلام، الجزء الأول، مؤسسة آل البيت، المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، الأردن، 1413هـ .
35-
حقوق الإنسان في الإسلام، د. عبد اللطيف بن سعيد الغامدي، مركز الدراسات والبحوث بأكاديمية نايف العربية بالرياض، 1421هـ .
36-
حقوق الإنسان في الإسلام، د. محمد الزحيلي، دار الكلم الطيب، دمشق، ط2، 1418هـ .
37-
حقوق الإنسان في التعاليم الإسلامية، د. عبد العزيز عثمان التويجري، ضمن ندوة حقوق الإنسان، التي أقامتها رابطة العالم الإسلامي، في المركز الإسلامي في روما، عام 1420هـ .
38-
الحقوق العينية الأصلية، د.عبدالسلام فرج الصدة، دار النهضة العربية، بيروت، 1982م .
39-(30/83)
حقوق المؤلف المعنوية في القانون العراقي، سهيل القلاوي، طبع جمهورية العراق، 1978م .
40-
حقوق المؤلف في القانون المغربي دراسة مقارنة ( الملكية الأدبية والفنية )، الأزهر محمد، دار النشر المغربية، المغرب، 1994م .
41-
الحقوق المعنوية ( بيع الاسم التجاري )، د. عجيل جاسم النشمي، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد الخامس، 1409هـ .
42-
الحقوق المعنوية ( بيع الاسم التجاري والترخيص )، د. عبد الحليم محمود الجندي، والشيخ عبد العزيز محمد عيسى، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد الخامس، 1409هـ .
43-
الحقوق المعنوية ( حق الإبداع العلمي وحق الاسم التجاري طبيعتهما وحكم شرائهما )، د. محمد سعيد رمضان البوطي، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد الخامس، 1409هـ .
44-
حقوق الملكية بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، د.فؤاد عبد المنعم، ضمن بحوث ندوة حقوق الإنسان، أكاديمية نايف العربية الرياض، نشر مركز الدراسات والبحوث بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية،
1422هـ .
45-
الحقوق على المصنفات الأدبية والفنية والعلمية، أبو يزيد علي المتيت، نشر منشأة المعارف بالاسكندرية، ط1، 1967م .
46-
حكم ممارسة الفن في الشريعة الإسلامية، د. صالح الغزالي، دار الوطن، الرياض، ط1، 1417هـ .
47-
الحياة العلمية في صقلية الإسلامية، د. علي بن محمد الزهراني، مطبوعات معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة، 1417هـ .
48-
دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة، د. محمد مصطفى الشنقيطي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط2، 1422هـ .
49-
درر الحكام شرح مجلة الأحكام، علي حيدر بك، تعريب المحامي فهمي الحسيني، دار الجيل، بيروت، ط1، 1411هـ .
50-
رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين، ابن عابدين، دار الفكر، بيروت، ط2، 1386هـ .
51-(30/84)
الزواجر عن اقتراف الكبائر، أبو العباس أحمد بن محمد بن حجر الهيثمي، ض : أحمد الشامي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1993م .
52-
سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، دار السلام، الرياض، ط1، 1420هـ .
53-
سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، مطبوع مع عون المعبود .
54-
سنن النسائي، عبد الرحمن بن أحمد بن شعيب النسائي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1416هـ .
55-
سير أعلام النبلاء، شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، ت : شعيب الأرنؤوط، ومحمد العرقسوس وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط10، 1414هـ .
56-
شرح التلويح على التوضيح، سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني الشافعي، مطبعة صبيح بالقاهرة .
57-
شرح النووي على صحيح مسلم، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي،
دار الخير، بيروت، ط1، 1414هـ.
58-
شرح الوقاية مع حاشية عمدة الرعاية في حلِّ شرح الهداية، محمد عبد الحي اللكهنوي، المكتبة الرحيمية، ديوبند، الهند، ط1 .
59-
شرح حدود بن عرفة، أبو عبد الله محمد الأنصاري المشهور بالرصاع التونسي، ت : د. محمد أبو الأجفان، والطاهر المعموري، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1993م .
60-
صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل، مطبوع مع فتح الباري لابن حجر .
61-
صحيح سنن أبي داود، محمد ناصر الدين الألباني، دار المعارف بالرياض، ط2، 1421هـ .
62-
صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري، مطبوع مع شرح النووي .
63-
عون المعبود شرح سنن أبي داود، شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1415هـ .
64-
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ت.محمد فؤاد عبد الباقي، ومحب الدين الخطيب، مع تعليقات سماحة الشيخ ابن باز، دار الريان للتراث، القاهرة، ط2، 1409هـ.
65-
فتح القدير، كمال الدين بن عبد الواحد بن الهمام الحنفي، دار الفكر، بيروت، ط2 .
66-(30/85)
الفروق، أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسي، ت : د. محمد طموم، وزارة الأوقاف، الكويت، ط1، 1402هـ .
67-
الفروق، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، مطبعة إحياء الكتب العربية، مصر، ط1، 1346هـ .
68-
الفقه الإسلامي أساس التشريع ( النظريات العامة، نظرية الحق )، د. أحمد فهمي أبو سنة، منشورات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر، لجنة تجلية مبادئ الشريعة 1391هـ.
69-
الفقه الإسلامي وأدلَّته، د . وهبه الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط3، 1409هـ .
70-
الفقه الإسلامي والحقوق المعنوية، د. عبد السلام داود العبادي، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد الخامس، 1409هـ .
71-
فقه النوازل، د. بكر بن عبد الله أبو زيد ( مع ملاحظة أنَّه بحث عن حقوق التأليف فقط )، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1416هـ .
72-
القاموس المحيط، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1407هـ .
73-
قرارات المجمع الفقهي الإسلامي ( برابطة العالم الإسلامي )، مطابع رابطة العالم الإسلامي، بمكة .
74-
قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي، المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، الدورات من 1 إلى 10، والقرارات من
1-97، دار القلم، دمشق، مجمع الفقه الإسلامي، جدة، ط2، 1418هـ .
75-
القواعد النورانية الفقهية، شيخ الإسلام أحمد بن
عبد الحليم بن تيمية، مطبعة السنة المحمدية، مصر .
76-
قيود الملكية الخاصة، د. عبدالله بن عبد العزيز المصلح، دار المؤيد، الرياض، ط2، 1415هـ .
77-
كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس البهوتي، عالم الكتب، بيروت، 1403هـ.
78-
لسان العرب، ابن منظور الإفريقي، دار إحياء التراث الإسلامي، بيروت،
ط3، 1419هـ .
79-
مجلة الأحكام العدلية . مطبوعه مع درر الحكام شرح مجلة الأحكام .
80-
مجلة عالم الكتب الصادرة في الرياض، العدد الرابع، ربيع الثاني،
1402هـ .
81-(30/86)
المجموع شرح المهذَّب للشيرازي، يحيى بن شرف النووي، ت : محمد نجيب المطيعي، مكتبة الإرشاد، جدة، مطابع المختار الإسلامي، دار السلام بالقاهرة، ط1، 1980م .
82-
مجموع فتاوى ورسائل شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع : عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد، مجمع الملك فهد، المدينة، ط1، 1416هـ .
83-
مختصر أحكام المعاملات الشرعية، الشيخ علي الخفيف، مطبعة السنة المحمدية، مصر، ط4 .
84-
المدخل إلى نظرية الالتزام العامة، د. مصطفى الزرقا، دار الفكر، ط6 .
85-
المستشرقون ومن تابعهم وموقفهم من ثبات الشريعة وشمولها، د. عابد بن محمد السفياني، مكتبة المنارة، مكة، ط1، 1408هـ .
86-
مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، ت.نخبة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1416هـ.
87-
مصادر الحق في الفقه الإسلامي، د. عبد الرزاق السنهوري، مطبعة دار المعارف، مصر، 1967م .
88-
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمد الفيومي، ض: يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية، بيروت، ط2، 1418هـ .
89-
معجم الأدباء، ياقوت الحموي، دار الفكر، بيروت، ط3، 1400هـ .
90-
معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء، د. نزيه حماد، الدار العالمية للكتاب الإسلامي والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط3، 1415هـ .
91-
المعجم الوسيط، إخراج : د.إبراهيم أنيس، ود.عبدالحليم المنتصر، وعطية الصوالحي، ومحمد خلف الله، دار الفكر، بيروت .
92-
معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس الرازي،
ت.عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت .
93-
المغني، موفق الدين ابن قدامة الحنبلي، ت.د.عبد الله التركي،
ود.عبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، ط1، 1410هـ.
94-
مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، ت.صفوان الداوودي،
دار القلم، دمشق، والدار الشامية، بيروت، ط2،
1418هـ .
95-
المكتبات في الإسلام، د. محمد طاهر حمادة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1978م
96-(30/87)
ملكية الأفراد للأرض ومنافعها في الإسلام، للشيخ محمد علي السايس، المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية، الأزهر، شوال، 1383هـ .
97-
الملكية الخاصة وحدودها في الإسلام، د. محمد عبد الله العربي، المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية، الأزهر، شوال، 1383هـ .
98-
الملكية الفردية في النظام الاقتصادي الإسلامي، د. محمد بلتاجي، مكتبة الشباب، القاهرة، 1409هـ .
99-
الملكية في الشريعة الإسلامية، الشيخ علي الخفيف، دار النهضة العربية، بيروت، 1990م .
100-
الملكية في الشريعة الإسلامية طبيعتها ووظيفتها وقيودها، د. عبد السلام داود العبادي، مكتبة الأقصى، الأردن، ط1،1394هـ .
101-
الملكية وضوابطها في الإسلام، د. عبد الحميد محمود البعلي، مكتبة وهبة، مصر، ط1، 1405هـ .
102-
الملكية ونظرية العقد، الشيخ محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة .
103-
الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية، د. أحمد فراج حسين،
دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1999م .
104-
المنثور في القواعد، محمد بن بهادر الزركشي، ت : د. تيسير فائق أحمد محمود، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، ط2، 1405هـ .
105-
الموافقات في أصول الشريعة، أبو إسحاق الشاطبي، ت : عبد الله دراز، مكتبة الرياض الحديثة .
106-
نظام العلامات التجارية الفارقة السعودي، الصادر عام 1409هـ .
107-
نظام المطبوعات والنشر بالمملكة العربية السعودية، مطابع الحكومة الأمنية، الرياض، 1402هـ .
108-
واقعنا المعاصر، الشيخ محمد قطب، مؤسسة المدينة للصحافة، جدة، ط2، 1408هـ .
109-
الوجيز في الملكية الصناعية والتجارية، صلاح الدين الناهي، دار الفرقان، الأردن، ط1، 1403هـ .
110-
الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الثامن، حق الملكية، د. عبدالرزاق السنهوري، دار النهضة العربية، مصر .
??
??
??
??
14 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى(30/88)
حماية الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي والآثار الإسلامية المترتبة عليها 13(30/89)
دراسة شرعية اقتصادية لخصخصة
مشاريع البنية التحتية
بأسلوب البناء والتشغيل ثم الإعادة "BOT"
أ . د . أحمد بن حسن بن أحمد الحسني
أستاذ بقسم الاقتصاد الإسلامي - كلية الشريعة
جامعة أم القرى
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
يهدف هذا البحث إلى دراسة تمويل مشاريع البنية التحتية بأسلوب البناء والتشغيل ثم الإعادة"Build-Operator-Transfer" المسمّى "BOT''دراسة شرعية اقتصادية. ولتحقيق هذا الهدف تم التعرض لأهمية مشاريع البنية التحتية وبيان خصائصها، ثم التعريف بأسلوب""BOTوبيان خصائصه والتي من أهمها هو أن التمويل بهذا الأسلوب لمشاريع البنية التحتية يترتب عليه انتقال تحمل أعباء التمويل لإقامة وبناء هذه المشاريع من القطاع العام إلى القطاع الخاص. وكذلك عملية إدارتها وتشغيلها وتحصيل إيراداتها إلى أن يتم تغطية تكاليفها وتحقيق عائد مناسب للقطاع الخاص خلال فترة الامتياز الممنوحة له. ثم تعود ملكية هذه المشاريع وإدارتها وتشغيلها إلى الحكومة بعد انتهاء هذه الفترة.
كما تعرضت الدراسة لآلية العمل بأسلوب "BOT" وبيان أهم نماذج عقوده وهي: البناء والتشغيل ثم التحويل BOT وعق البناء والتملك والتشغيلBOOT وعقد البناء والتملك والتشغيل BOOوعقد البناء والتأجير ثم التحويل BLT ثم بيان التكييف الفقهي لهذا الأسلوب والذي أظهر مشروعية مشاركة القطاع الخاص في إقامة وبناء مشاريع البنية التحتية، وأنه يحق للحكومة أن تمنح هذه الفرصة للشركة صاحبة العطاء الأفضل إلا أن شركات القطاع الخاص التي تساهم في إقامة وبناء هذه المشاريع جرت العادة على حصولها على تغطية التمويل اللازم لهذه المشاريع عن طريق الاقتراض من المؤسسات المالية والمصارف التقليدية بفوائد ربوية وهو من قبيل ربا النسيئة المحرم.(31/1)
ولذلك تقترح الدراسة على شركات القطاع الخاص المحلية والدولية المنفذة لمشاريع البنية التحتية في الدول الإسلامية تجنب الحصول على هذه القروض الربوية واستخدام الصيغ الإسلامية البديلة كالحصول على التمويل بالمشاركة مع المصارف الإسلامية أو عن طريق تأسيس شركة مساهم للمشروع وطرح أسهمها للاكتتاب العام للجمهور أو التمويل عن طريق إصدار وبيع سندات الخدمات.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:
فإن تمويل مشاريع بناء وتشييد البنية التحتية كمشاريع المرافق العامة والمتمثلة في إقامة محطات توليد القوى الكهربائية، والاتصالات السلكية واللاسلكية والبريد، ومحطات معالجة المياه وتوصيلها عبر الأنابيب، والصرف الصحي، والغاز وتوصيلاته، ومشاريع الأشغال العامة التي تشتمل تشييد وبناء الطرق والجسور والكباري والسدود والقنوات ومشاريع النقل العام التي تتضمن تشييد وبناء المطارات والموانئ والسكك الحديدية ونحوها. إضافةً إلى مشاريع خدمات التعليم والصحة والأمن والدفاع.
كل هذه المشاريع يمثل تمويلها عبئاً مالياً على نفقات جميع الدول وخاصة الدول النامية، واعتادت الحكومة أو القطاع العام في الماضي على إقامة وبناء وتشغيل هذه المشاريع وتمويلها من خزينتها على قدر استطاعتها أو تمويلها عن طريق الاقتراض الداخلي باللجوء إلى إصدار السندات أو الاقتراض الخارجي من المؤسسات العالمية كالبنك الدولي للإنشاء والتعمير ومؤسسة التنمية الدولية. وأخيراً قد تلجأ الحكومة إلى زيادة نسبة الضرائب والرسوم المفروضة على المواطنين أو قد تفرض عليهم ضرائب جديدة لتوفير التمويل اللازم لإقامة مثل هذه المشاريع.(31/2)
ومع بداية الثمانينات الميلادية تنبهت الكثير من الدول وخاصة الدول النامية إلى صعوبة الاعتماد على الوسائل السابقة في تمويل مشاريع البنية التحتية، وبالتالي تنفيذ خططها التنموية، فخزينتها لا تتوفر فيها الأموال اللازمة لتمويل جميع هذه لمشاريع لقلة مواردها المالية من ناحية ولأن الاقتراض الداخلي باللجوء
إلى طرح السندات الحكومية لا يجد الطلب الكافي من المواطنين لشراء هذه السندات نظراً لارتفاع نسبة التضخم الذي يتصف به اقتصاد الدول النامية وانخفاض دخول النسبة الغالبة من المواطنين في هذه الدول، إلى جانب انخفاض الوعي المالي والمصرفي لدى قطاع كبير منهم.
وأما الاقتراض الخارجي من المؤسسات العالمية فهو أكثر صعوبة لأن هذه المؤسسات لا تمنح الدول الراغبة في الحصول على تمويل لمشاريعها إلا بنسبة ضئيلة من القروض المطلوبة لتمويل هذه المشاريع، إضافة إلى أن هذه القروض محكومة بشروط واعتبارات من المؤسسات العالمية تؤدي إلى صعوبة حصول الدول النامية على هذه القروض، وأما لو لجأت هذه الدول إلى الزيادة في نسب الضرائب والرسوم أو فرض ضرائب جديدة على المواطنين فسيواجه ذلك غالباً بمقاومتهم وحدوث بعض الاضطرابات السياسية في الداخل.(31/3)
كل هذه الأمور دفعت الدول إلى التفكير في إيجاد وسائل بديلة توفر لها التمويل اللازم لإنجاز هذه المشاريع الهامة التي تقدم خدمات أساسية وضرورية للمواطنين، وبالتالي تمثل أدواراً كبيرة لا يمكن الاستغناء عنها أو عن بعضها، بل ولا يمكن لأي نهضة اقتصادية أو اجتماعية في أي دولة أن تقوم بدونها، ومن هنا سعت دول العالم سواء المتقدمة منها أو النامية منذ ذلك التاريخ إلى التخصيصPrivatization ويقصد به مشاركة القطاع الخاص في تنفيذ هذه المشاريع وإداراتها وتشغيلها وتنازل الحكومة عن دورها التقليدي في احتكار إقامة مشاريع البنية التحتية، ومن ثم التخفيف من أعبائها المالية والإدارية وتفرغها للأعباء الرئيسة والهامة كالأمن والدفاع ونحوها.
ومن الأساليب الجديدة لمظاهر التخصيص ومنح القطاع الخاص امتيازات Concessions لتنفيذ مشاريع البنية التحتية أسلوب "البناء والتشغيل ثم الإعادة Build - Operator - Transfer " المسمّى "BOT" .ومن هنا خصص هذا البحث لدراسة هذا الأسلوب دراسة شرعية اقتصادية وسوف أذكره بمشئية الله تعالى بتسميته الإنجليزية المختصرة "BOT" خلال تناوله في ثنايا البحث.
هدف البحث:
يهدف البحث إلى دراسة أسلوب "BOT" والتعرف على صيغ عقوده وتكييفها الفقهي وبيان حكم التعامل بها، وذكر الصيغ الإسلامية البديلة لتمويل وإقامة مشاريع البنية التحتية.
خطة البحث:
ولتحقيق هذا الهدف قُسّم البحث إلى ما يلي:
أولاً: أهمية مشاريع البنية التحتية في الاقتصاد الإسلامي والوضعي وبيان أهم خصائصها.
ثانياً: التعريف بأسلوب "BOT" وبيان أهم خصائصه.
ثالثاً: آلية العمل بأسلوب "BOT" وبيان لأهم نماذج عقوده وتكييفه الفقهي.
رابعاً: الصيغ الإسلامية المقترحة لتمويل وإقامة مشاريع البنية التحتية.
خامساً: الخاتمة والتوصيات.(31/4)
والله أسأل العون والتوفيق والسداد، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجه الكريم، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وهو حسبي ونعم الوكيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أولاً: أهمية مشاريع البنية التحتية في الاقتصاد الإسلامي والوضعي وبيان أهم خصائصها:
اهتم الإسلام بمشاريع البنية التحتية وأمر بإعدادها وتكوينها، ويمكن الاستدلال على ذلك بقول الله سبحانه وتعالى( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وءاخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيٍ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون( (الأنفال: 60) حيث يدل المعنى الإجمالي لهذه الآية الكريمة على أنه يجب على المسلمين أن يعدّوا العدّة من السلاح والعتاد والعدد ونحو ذلك لمواجهة أعداء الله من الكفرة والملحدين لتكون كلمة الله سبحانه وتعالى هي العليا وكلمة الذين كفروا السُفلى.
فالمراد بالقوة في الآية لا يقتصر على الناحية العسكرية فقط وإنما يمتد ليشمل القوة الاقتصادية أيضاً والمتمثلة في إعداد وبناء البنية التحتية كبناء وتشييد الطرق والجسور والسدود وتسهيلات الري ونحو ذلك من الخدمات التي تحقق خارجية لمختلف قطاعات الاقتصاد القوميi،وذلك لأن توفر قاعدة عريضة ومتينة من البنية التحتية والمرافق الأساسية لا يقتصر على شراء الحرب والسلم، كما أن الإنفاق على الناحية العسكرية لا يقتصر على شراء الأسلحة والعتاد والعدد وإنما يمتد ليشمل أيضاً الإنفاق على مشاريع البنية التحتية- كما تقدم- كبناء وتشييد الطرق والجسور والمطارات والموانئ ونحوهاii.(31/5)
فكل ما يتقوّى به الإسلام يدخل في نطاق هذه الآية من تعليم وتدريب وصناعة وتشييد للمرافق العامة ونحو ذلكiii. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (( سبعٌ يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته من علّم علماً أو أجرى نهرأً أو حفر بئراً أو غرس نخلاً أو بنى مسجداً أو ورّث مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته))iv. وقال صلى الله عليه وسلم: (( لا يغرس المسلم غرساً، ولا يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان ولا دابّة ولا شيء إلا كانت له صدقة))v. ويستفاد من الحديثين أن الإسلام يدعو إلى طلب العلم ونشره ويقتضي ذلك إقامة وبناء منشآته ومستلزماته المتنوعة التي تختلف باختلاف الزمان والمكان إذ يتطلب ذلك في عصرنا الحاضر إقامة وبناء الدارس والمعاهد والجامعات ودور العلم المختلفة، وجميعها من منشآت وبناء البنية التحتية لأنه من غير المعقول قيام التعليم وانتشاره دون أن تُشيّد مؤسساته وذلك استناداً إلى القاعدة الأصولية القائلة: (( إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب))vi.
وكذلك يستفاد من الحديثين أن عمل مشاريع البنية التحتية يترتب عليه الأجر والمثوبة لمن قام به في الدنيا والآخرة مثل كرى الأنهار وحفرها وإصلاحها وصيانتها، وحفر الآبار وما يماثلها في عصرنا الحاضر كإقامة السدود وخزانات المياه ومحطات معالجتها وتحليلها لأنها من الوسائل التي تؤدي إلى زيادة الإنتاج الزراعي الذي ورد في الحديثين كغرس النخل والأشجار والزروع والثمار بأنواعها المختلفة. وكذلك الأمر بالنسبة لبناء وتشييد المساجد لما لها من أهمية في حياة المسلمين حيث تُؤدى فيها الصلوات التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام وهي الصلة بين العبد وربه، وفيها منابر العلم التي ينتشر منها الوعي والتثقيف وتبصير المسلمين بما فيه صلاح دينهم ودنياهم ومعيشتهمvii.(31/6)
فالمساجد لا يقتصر دورها على أنها مكان للعبادة فقط وإنما هي قلب المجتمع المسلم النابض بالخير والفلاح والمرشد إلى البر والتقوى، وهي كذلك مدرسة ومنار ساطع لتربية وتهذيب سلوك المسلم وتنشئته التنشئة الصالحة ليكون عضواً نافعاً في مجتمعه يصل خيره لوالديه حتى بعد موتهما باستغفاره لهما.
وتجدر الإشارة إلى أن بناء وتشييد مشاريع البنية التحتية في الإسلام تتوقف أولوياتها على ما فيه تحقيق مصالح المواطنين الضرورية ثم الحاجيّة ثم التحسينية وبالتالي فإن أهمية تنفيذها ينبغي أن تكون مرتبة في ضوء تحقيق هذه المصالحviii.
وأما في الاقتصاد الوضعي فإن بناء وتشييد مشاريع البنية التحتية أمر ضروري لمصلحة الاقتصاد القومي، لأن قيام مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية الأخرى في أي دولة يعتمد على مدى توفر البنية التحتية الملائمة حيث تستفيد من خدماتها المتعددة كل المشروعات وبالتالي تزداد إمكانية نجاح هذه المشاريع وتستمر في نشاطها الاقتصادي. فالمشاريع الصناعية متى توفرت لها الطرق والجسور والموانئ ووسائل النقل والمواصلات ومحطات الوقود والغاز والكهرباء فإن هذه الوفرة ستساهم في التوطن الصناعي وفي إحداث المدن والمراكز الصناعية، كما تساهم وفرة وسائل النقل والمواصلات الحديثة البرية والبحرية والجوية في تسهيل تبادل السلع وانتقالها من مدينة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى فتتسع الأسواق المحلية والدولية وتنشأ المراكز التجارية المختلفة، كما أن وفرة شبكات الري والصرف ومحطات معالجة المياه وتحليتها تساهم في قيام المشاريع الزراعية وتحسين الإنتاج الزراعيix.
وبعد هذا العرض عن أهمية مشاريع البنية التحتية يمكن بيان أهم خصائص هذه المشاريع فيما يلي:(31/7)
ا- إن هذه المشاريع ذات أهمية اجتماعية وسياسية كبيرة، حيث إنها تقدم للجمهور خدمات أساسية وضرورية مثل خدمات المياه والكهرباء والغاز والاتصالات والطرق والمطارات والموانئ والسكك الحديدية وغيرهاx.
ب- إن منافع وخدمات هذه المشاريع لا تعود على فرد أو مجموعة من الأفراد أو جهات معينة، وإنما تعود على كافة أفراد المجتمع سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، كما أنها لا تعود على قطاع اقتصادي دون غيره وإنما تشمل الكثير من قطاعات الاقتصاد، ومن حق أي فرد أو جهة في المجتمع أن ينتفع بها بغض النظر عن مدى مساهمته في إنشائها أو تكلفتها أو تشغيلها وصيانتهاxi.
جـ- إنها ذات أهمية كبيرة للتنمية الاقتصادية في المجتمعات المختلفة، فلا يمكن أن يتصور حدوث تنمية اقتصادية أو اجتماعية في أي مجتمع دون وجود بنية تحتية متقدمة فيه، وقد أثبتت بعض الدراسات التطبيقية أن كل زيادة في رصيد الدولة من البنية التحتية بنسبة 1% يصاحبها زيادة في الناتج المحلي الإجمالي بنفس النسبة تقريباًxii.
د- إن هذه المشاريع يمكن أن يدر بعضها دخلاً مالياً للدولة، ولكن بعضها الآخر قد يفقد هذه الخاصية، كما أن بعض هذه المشاريع قد تحرص الدولة على الاحتفاظ بملكيتها لاعتبارات سياسية واجتماعيةxiii.
هـ- ينبغي على الدولة أن تنشئ هذه المشاريع وتوفر خدماتها بنوعية جيدة وبتكلفة منخفضة، وذلك لأنه قد يترتب على تقديم هذه الخدمات للجمهور بصورة غير مرضية حدوث بعض الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسيxiv.
و- كبر حجم استثمارات هذه المشاريع وبالتالي كبر حجم التمويل المطلوب لها، وكذلك كبر حجك مستهلكي خدمات هذه المشاريع وتنوع مستويات دخولهمxv.
ثانياً: التعريف بأسلوب "BOT" وبيان أهم خصائصه:(31/8)
يقصد بأسلوب البناء - التشغيل - الإعادة "BOT": الاستثمار الذي يتولى فيه القطاع الخاص بناء Build وتشغيل Operate أحد مشاريع البنية التحتية على أن يتم تحويله Transfer مرة أخرى للحكومة بعد فترة زمنية كافية يتم فيها استرداد رأس المال المستثمر وتحقيق معدّل عائد مناسب للمستثمرxvi.
وقد عرفت لجنة الأمم المتحدة للقانون النموذجي: ( الانسرال ) عقود الـ BOT بأنها شكل من أشكال تمويل المشاريع تمنح بمقتضاه حكومة ما لفترة زمنية محددة أحد الاتحادات المالية " تسمى بشركة المشروع " امتيازاً لتنفيذ مشروع معين على أن تقوم الشركة المذكورة بالبناء والتشغيل والإدارة لعدد من السنوات وتسترد تكاليف البناء وتحقق أرباحاً من تشغيل المشروع واستغلاله تجارياً على أن تنتقل ملكية المشروع إلى الحكومة بعد نهاية مدة الامتيازxvii.
ويُنشيء عادة المستثمرون والمقاولون الذين منحوا الامتياز من الحكومة لتنفيذ المشروع شركة لتحقيق هذا الغرض وتنتهي بانتهاء فترة امتيازهxviii.
ويمكن ذكر أهم خصائص أسلوب الـ BOTفيما يلي:
ا- أنها شركة قطاع خاص تمنحها الحكومة امتيازاً تتولى بموجبه إقامة أحد مشاريع البنية التحتية بجميع مراحله من تصميم وتمويل وإنشاء وتشغيل خلال فترة زمنية معينة هي مدة الامتياز، وتتقاضى من الجمهور رسوماً إذا استفادوا من خدمة المشروع خلال هذا المدة.
ب- بعد انتهاء فترة الامتياز تقوم الشركة المستثمرة بنقل ملكية المشروع للحكومة، ويتعين أن تكون فترة الامتياز طويلة - نسبياً - بقدر يكفي لتغطية رأس المال المستثمر في المشروع ويحقق معدل ربح أو عائد مناسب للشركة.
جـ- إن الاستثمار بهذا الأسلوب في مشاريع البنية التحتية يقلل من العبء الملقى على عاتق الحكومات وخاصة البلدان النامية التي تواجه زيادة مطردة في الإنفاق الحكوميxix.(31/9)
د- إن الاستثمار بهذا الأسلوب يؤدي على الزيادة في كفاءة استخدام موارد المجتمع فكما هو معروف أن القطاع الخاص أكثر كفاءة في الإنتاج والتسويق من القطاع العام أو الحكوميxx.
هـ- يحقق الاستثمار بهذا الأسلوب أرباحاً مرتفعة للقطاع الخاص، فقد أوضحت عدّة دراسات تطبيقية أن الاستثمار في مشاريع البنية التحتية يحقق عوائد مرتفعة قد تصل في بعض الحالات إلى 96%.
ويعرض الجدول (1) نتائج بعض الدراسات التي تمت في هذا المجال.
جدول (1)
معدّل العائد الضمني للاستثمار في مشاريع البنية التحتية وفقاً لعدد من الدراسات
عينة الدراسة
معدل العائد الضمني %
سنة الدراسة
مؤلف الدراسة
الولايات المتحدة الأمريكية
مناطق اليابان
مناطق فرنسا
تايوان ، الصين
كوريا
بلدان متعددة ، نامية
60%
96%
12%
77%
51%
95%
1990
1993
1993
1993
1993
1993
مونيل
ميرا
برودوم
أوشيمور، وغالو
أوشيمور، وغالو
كاننغ، وفاي
المصدر: البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1994م، البنية الأساسية من أجل التنمية،ص26.
ويلاحظ أن العديد من الحكومات أخذت في تخصيص مشاريع البنية التحتية من خلال استخدام أسلوب BOT نظراً للضغط الاقتصادي الذي تعرضت له في الآونة الأخيرة وتسبب في تناقص استثماراتها في مشاريع البنية التحتية. فعلى سبيل المثال أخذ الإنفاق الحكومي في المملكة العربية السعودية على مشاريع البنية التحتية يتناقص خلال الفترة 1989م - 1997م نتيجة للضغط المتزايد على ميزانيتها بسبب انخفاض أسعار البترولxxi.
ويوضح الجدول (2) هذه الحقيقة بالنسبة للملكة العربية السعودية.
جدول (2)
الإنفاق الحكومي على مشاريع البني التحتية في المملمكة العربية السئعودية (بمليار الريالات)
السنة الميلادية
الإنفاق على
البنية التحتية
الإنفاق الكلي
للحكومة
النسبة المئوية %
1989
1990
1991
1992
1993
1994
1995
1996
1997
2.8
2.5
2.5
2.1
2.1
1.6
1.4
1.4
1.6
140.5
179.8
179.8
181.0
197.0
160.0(31/10)
150.0
150.0
181.0
2.0
1.4
1.4
1.2
1.1
1.0
0.93
0.93
0.88
المصدر: سعيد بن سعد مرطان ،مرجع سابق، ص5.
ومن هنا بدأت حكومة المملكة العربية السعودية في تخصيص بعض مشاريع البنية التحتية من خلال استخدام أسلوب BOT ولعل في تجربة وزارة المعارف وسداد تكاليف الإنشاء من خلال عقود طويلة الأجل، كما بدأت الحكومة في تخصيص بعض مؤسساتها العامة كقطاع الاتصالات من برق وبريد وهاتف الذي أصبح شركة مساهمة تعرف بشركة الاتصالات السعودية، كما أن مؤسسة الخطوط الجوية العربية السعودية وبعض الشركات الصناعية أعلنت فعلاً عن البدء في برنامج الخصخصة والتحول إلى شركات مساهمةxxii.
وتشير الإحصاءات إلى أن الدول النامية بوجه عام تنفق ما يقرب من 200 مليار دولار سنوياً على البنية التحتية، وتعتبر الحكومات في هذه الدول مسئولة عن توفير ما لا يقل عن 90% من هذا المبلغ، وتعتمد على التمويل الخارجي في توفير 12% تقريباً من تكاليف البنية التحتية.
ومن المعلوم أن مشاريع البنية التحتية تتصف في الغالب بكونها مستهلكة للعملات الأجنبية وبكونها غير منتجة لها بصورة مباشرة نظراً لصعوبة تصدير منتجاتهاxxiii. ومن ثم فإن تمويل مشاريع البنية التحتية بأسلوب BOT قد يقلل من الاقتراض الحكومي ويساعد على الخفيف من الدين العام وبالتالي يقلل من معدلات التضخم والبطالة، خاصة إذا تم تشغيل عمالة محلية في هذه المشاريعxxiv. إلا أنه ينبغي التنبيه أن الحكومات متى ما أرادت تمويل مشاريع البنية التحتية لديها بأسلوب BOT وعليها أن تختار عند إجراءات التعاقد مع الشركة التي ستمنحها الامتياز ممثلين لها على درجة عالية من المهارة والمعرفة والقدرة على الدراسة والتحليل والمقارنة واستيعاب التفاصيل المالية والقانونية والدارية بخفايا هذا الأسلوب لأنه من المحتمل أن ينطوي على بعض المخاطر والمعوقاتxxv.(31/11)
فعلى سبيل المثال قد تبالغ الشركة صاحبة الامتياز في زيادة تكاليف الخدمة المنتجة أو في تكاليف التمويل عما هو متاح في الحالات العادية فينعكس ذلك على أسعار الخدمة مما يمثل عبئاً إضافياً على المستهلكين.xxviولذلك يرى أحد الباحثين في هذا الأسلوب أن الجمهور حينما يكون هو المشترك النهائي لخدمات المشروع الممول المنفذ بأسلوب BOT فعلى الحكومة أن تتأكد عدالة وملائمة الرسوم المفروضة على الخدمات المقدمة ( أو الممولة) بهذا الأسلوب، كما يجب عليها أن تكون مستعدة للتدخل في إدارة المشروع في حالة إخلال الشركة المنفذة بأي من التزاماتها لتضمن عدم انقطاع الخدمة عن الجمهورxxvii.
كما يرى البعض أنه ينبغي على الحكومة أن لا تسمح بتملك مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية لشركات أجنبية لفترة طويلة نسبياً وفقاً لنظام أسلوب BOT لأن ذلك يفتح الباب أمام سيطرة رأس المال الأجنبي على الاقتصادات النامية من جديد، ومن ثم يؤثر في سياستها الداخلية والخارجيةxxviii.
وأخيراً يمكن القول بأن أسلوب BOTيمكن الاستفادة منه في الدول المتقدمة والنامية على السواء، فالدول المتقدمة وإن كانت مشاريع البنية التحتية لديها مكتملة إلا أنها قد تحتاج إلى تحديث وتطويرxxix، ولذلك فإنها قد تسند هذه المهمة إلى القطاع الخاص لتلقي عن عاتقها الكثير من الأحمال والأعباء الإدارية والبيروقراطية، وتحصل على خدمات عامة أفضل. والدول النامية تسعى جاهدةً إلى إنجاز وإكمال مشاريع البنية التحتية لديها وتنفيذ خططها التنموية وبرامج إصلاحها الاقتصادية ولذلك وجدت هذه الدول في أسلوب BOT مصدراً لتمويل هذه المشاريع التي كانت تواجه الكثير من المصاعب في تمويلهاxxx.
ثالثاً:آلية العمل بأسلوب BOT وبيان أهم نماذج عقوده وتكييفه الفقهي:(31/12)
إذا أرادت الحكومة إنشاء مشروع من مشاريع البنية التحتية وترغب في تنفيذه بأسلوب BOT تعلن في البداية عن مناقصة تحتوي على الإطار التشريعي والنظامي الذي سيعمل المشروع في نطاقهxxxi، وعلى المعايير التي ترغب في تحقيقها والمتعلقة عادة بالوقت اللازم لتنفيذ المشروع وفترة الامتياز التي ستمنحها للشركة التي ستتعهد بتنفيذه، وتكلفة الخدمة للجمهورxxxii.
وبناء على الإعلان عن هذه المناقصة يجتمع غالباً عدد من المستثمرين والقانونيين والمهندسين وأصحاب المقاولات العالمية والمحليةxxxiiiليكوّنوا اتحاداً مالياً Consortium يتفقون فيه على نسبة كل منهم في رأس المال " حقوق الملكية أو أسهم المشروع" والتي تشكل عادة من 15% إلى 30% من إجمالي التمويل اللازم للمشروع ويحددون المصادر الخارجية " البنوك ومؤسسات التمويل" التي سيحصلون منها على القروض التي تغطي بقية التمويل والتي تترواح نسبتها بين 70% إلى 85% من إجمالي التمويل. ثم يقومون بإعداد دراسة جدوى للتأكد من أن تدفقات إيراداته خلال فترة الامتياز كافية لتغطية تكاليفه وتحقيق أرباح مجزية لهمxxxiv. فإذا اتفقوا على تبني المشروع Sponsors يتقدمون بعرضهم وعطائهم للحكومة، فإذا كان هو العرض والعطاء الأفضل ووافقت الحكومة على إرسائه عليهم يقوم الاتحاد المالي لهذه المجموعة بتأسيس شركة خاصة للمشروع تنتهي بانتهاء فترة امتيازه، وتتولى هذه الشركة تجميع مساهمات الأعضاء وطلب القروض اللازمة لتغطية إجمالي تمويل المشروع، وتصبح هذه الشركة هي المسؤول عن سداد القروض وفوائدها للجهات المقرضة، دون التعرض إلى الأصول المالية الخاصة بأعضاء الاتحاد المالي وبقية المساهمينxxxv. كما تتولى هذه الشركة إجراءات التعاقد مع الحكومة لتنفيذ المشروع والتوقيع على الاتفاقات اللازمة التي توضح الحقوق والالتزامات لكل منهما. وتقوم الشركة أيضاً بإجراء كل التعاقدات الخارجية الأخرى اللازمة لتنفيذ المشروع(31/13)
كالتعاقد مع شركات المقاولات وموردي الآلات والأجهزة والمواد الأولية وغيرهم.
وبعد إقامة المشروع تتولى الشركة عملية التشغيل بنفسها أو قد تتعاقد مع شركة مشغّلة Operator لتتولى عملية التشغيل والصيانة، وتستخدم الإيرادات المتحصلة خلال فترة التشغيل لتغطية تكاليف التشغيل والصيانة ودفع التزامات التمويل، والإيراد المتبقي بعد ذلك هو الإيراد الصافي أو الربح المتحقق للشركةxxxvi.
ومن حق الحكومة وكذلك الدائنين التأكد من أن عملية التشغيل والصيانة تتم وفقاً للمعايير المتفق عليها سلفاً، وبعد أن تنتهي فترة الامتياز الممنوحة للمشروع يتم تحويل ملكيته للحكومة. وقد ترى الحكومة أن من المناسب تجديد التعاقد مع الشركة نفسها لتستمر في التشغيل أو قد تعهد بالتشغيل لطرف آخر من القطاع الخاص أو قد تتولى التشغيل بنفسهاxxxvii.
وبعد هذا العرض المختصر عن آلية العمل بأسلوب الـ BOT أذكر فيما يلي نماذجاً لأهم عقود هذا الأسلوب:
1- عقد البناء والتشغيل ثم التحويل:(31/14)
( BOT) - BUILD- Operator- Transfer ويعدّ من أشهر هذه النماذج وبه سميّ أسلوب الـBOT، ويشتمل هذا العقد على الطرفين المتعاقدين، الطرف الأول الحكومة أو ممثلوها المختارين لإجراء التعاقد، الطرف الثاني شركة المشروع. وبموجب هذا العقد يمنح الطرف الأول ( الحكومة ) امتيازاً للطرف الثاني ( شركة المشروع ) لفترة زمنية محددةxxxviii لتمويل وبناء واستثمار مشروع من مشاريع البنية التحتية ( (طريق أو جسر، أو محطة توليد كهرباء، أو تنقية مياه وغير ذلك ). وبعد الانتهاء من إقامة وبناء المشروع تتولى الشركة إدارته واستثماره وتشغيله وصيانته وتتقاضى الرسوم المفروضة على الجمهور المستفيدين من خدمات هذا المشروع والتي تم الاتفاق عليها سلفاً مع الحكومة، كما تتولى تجميع الإيرادات المتحصلة خلال فترة الامتياز لتغطية تكاليف التشغيل والصيانة ودفع التزامات التمويل وسداد القروض وفوائدها، والإيراد المتبقي بعد ذلك هو ما يكون الربح المناسب للشركة. وبعد انتهاء فترة الامتياز يتم تحويل إدارة واستثمار وتشغيل المشروع للطرف الأول ( الحكومة ) بدون مقابلxxxix.
2- عقد البناء والتملك والتشغيل ثم الإعادة:(31/15)
(BOOT)- Build- Won- Operator- Transfer، ويشتمل هذا العقد أيضاً كسابقه على الطرفين المتعاقدين الطرف الأول الحكومة أو ممثلوها، الطرف الثاني شركة المشروع. وبموجب هذا العقد يمنح الطرف الأول ( الحكومة ) حق التملك خلال فترة الامتياز للطرف الثاني وهي الشركة التي ستقوم بتمويل وبناء المشروع واستثماره وتشغيله وصيانته، وتقاضي الرسوم المفروضة على الجمهور المستفيدين من خدمات هذا المشروع والتي تم الاتفاق عليها سلفاً مع الحكومة. كما تتولى تجميع الإيرادات المتحصلة خلال فترة الامتياز لتغطية تكاليف التشغيل والصيانة ودفع التزامات التمويل وسداد القروض وفوائدها ، والإيراد المتبقي بعد ذلك هو ما يكون الربح المناسب للشركة. وبعد انتهاء فترة الامتياز تتنازل الشركة عن ملكية وتشغيل المشروع للطرف الأول ( الحكومة) بدون مقابلxl.
3- عقد البناء والتملك والتشغيل:
(BOO) Build- Won- Operator وهو كالعقدين السابقين إلا أنه يختلف عنهما بأن الطرف الثاني في هذا العقد ( شركة المشروع )لا تلتزم بعد انتهاء فترة الامتياز بتحويل أو إعادة إدارة أو ملكية المشروع للحكومة، وإنما يقوم أعضاء الاتحاد المالي والمساهمون في ملكية المشروع ( مؤسسو الشركة ) ببيعه لذلك لا ترحب الحكومات بنموذج هذا العقد إلا في بعض الحالات النادرة كأن تنتهي حاجة الحكومة من الاستفادة من المشروع بعد انتهاء فترة الامتياز، أو يكون المشروع قريباً من نهاية عمره الافتراضيxli.
4- عقد البناء والتأجير ثم التحويل:
(BLT) Build- Lease- Transfer وبموجب هذا العقد يمنح الطرف الأول(31/16)
( الحكومة ) امتيازاً للطرف الثاني (شركة المشروع ) لإقامة وبناء مشروع من مشاريع البنية التحتية ويكون في الغالب مبنى حكومة كبناء مدرسة حكومية أو أي بناء خاص بإحدى القطاعات الحكومية، وبعد الانتهاء من إقامته وبناءه يقوم الطرف الأول (الحكومة ) باستئجاره من الطرف الثاني طول فترة الامتياز. ومن الطبيعي أن يغطي مجموع قيمة الإيجار طول فترة الامتياز تكلفة إقامة وبناء المشروع، إضافة إلى مقدار من الربح المناسب للشركة، وبعد انتهاء فترة الامتياز يتم تحويل المشروع للطرف الأول (الحكومة ) بدون مقابل.
التكييف الفقهي:
بعد التعرف على أهم نماذج عقود الـ BOT أذكر التكييف الفقهي لهذا الأسلوب وذلك على النحو التالي:
1- مشروعية مشاركة القطاع الخاص للدولة في إقامة وتمويل مشاريع البنية التحتية:
تقع مسؤولية إقامة وتمويل مشاريع البنية التحتية كما هو معلوم على عاتق الدولة الإسلامية وخاصة إذا كانت هذه المشاريع لسدّ الثغور وذات نفع عام ، ولذلك يتم تمويلها من بيت مال المسلمين وإذا لم تكف موارد بيت المال أو كانت هذه المشاريع ذات نفع خاص لمجموعة دون أخرى فإن القطاع الخاص يشارك الدولة في هذه المسؤولية.
وتتضح هذه الصورة في ما ذكره القاضي أبو يوسف رحمه الله في كتاب الخراج الذي أوصى فيه الخليفة العباسي هارون الرشيد بإتباع بعض النصائح التي قدمها له، والتي منها ما يتعلق بالنفقات العامة على مشاريع البنية التحتية التي يعم نفعها عامة المسلمين والمشاريع التي يخص نفعها طائفة معينة منهم، وأنه ينبغي على هذه الطائفة مشاركة الدولة في تمويلها أو القيام بها بمفردها.(31/17)
قال أبو يوسف: (( وإذا احتاج أهل السواد إلى كرى أنهارهم العظام التي تأخذها من دجلة والفرات كريت لهم وكانت النفقة من بيت المال ومن أهل الخراج ولا يحمل ذلك كله على أهل الخراج. وأما الأنهار التي يجرونها إلى أرضهم ومزارعهم وكرومهم ورطابهم وبساتينهم ومباقلهم وما أشبه ذلك فكريها عليهم خاصة ليس على بيت المال من ذلك شيء، فأما البثوق والمسنيات والبريداتxlii التي تكون في دجلة والفرات وغيرهما من الأنهار العظام فإن النفقة على هذا كله من بيت المال لا يحمل على أهل الخراج من ذلك شيء لأن مصلحة هذا على الإمام خاصة لأنه أمر عام لجميع المسلمين...))xliii.
ونستفيد من هذه الوصية تبيين أبو يوسف لمسؤولية الدولة في إقامة وتمويل بعض مشاريع البنية التحتية بمفردها، وكذلك مسؤولية القطاع الخاص في إقامة وتمويل بعض هذه المشاريع بمفرده أو مشاركة القطاعين في إقامة وتمويل بعض هذه المشاريع وقيامهما معاً بهذه المسؤولية. فإذا كان هناك بعض الأنهار التي تجري في أراضي بعض المزارعين ولكن دعت الحاجة إلى إصلاحها كانخفاض المياه مثلاً ولا يستطيع القطاع الخاص المستفيد منها تحمل تكلفة الإصلاح بمفرده نظراً لضخامة وكثرة تكاليفه فإنه يقع على الدولة تحمل جزء من تكلفة هذا المشروع ويتحمل القطاع الخاص المستفيد من المشروع الجزء المتبقي، وأما إذا كان النفع يعود لجميع المسلمين لا لطائفة معينة منهم وتوجد موارد مالية لدى الدولة لتحمل نفقات إقامة وتمويل مثل هذه المشاريع فهي التي تتولى هذه المسؤولية بمفردهاxliv.(31/18)
يقول أبو يوسف: (( ... فأما البثوق والمسنيات والبريدات... فإن النفقة في هذا كله على بيت المال لا يحمل على أهل الخراج من ذلك شيء لأن مصلحة هذا على الإمام خاصة لأنه أمر عام لجميع المسلمين...))، وأما ما يقوم به بعض أصحاب المزارع من إجراء بعض الأنهار والجداول الصغيرة إلى أرضهم ومزارعهم مما يكون فائدته عائدة عليهم ولا تتعداهم إلى غيرهم فإن تمويل مثل هذه المشاريع يكون على المستفدين منه. يقول أبو يوسف: (( ...وأما الأنهار التي يجرونها إلى أرضهم ومزارعهم وكرومهم ورطابهم وبساتينهم ومباقلهم وما أشبه ذلك فكريها عليهم خاصة ليس على بيت المال من ذلك شيء...))xlv.
ب- الحكم الشرعي على الصيغ التعاقدية لأسلوب الـBOT:
بالتأمل في أهم نماذج عقود أسلوب الـBOT عقد البناء والتشغيل ثم التحويل
أو عقد البناء والتملك والتشغيل ثم الإعادة، أو عقد البناء والتملك والتشغيل ثم البيع، أو عقد البناء والتأجير ثم التحويل نجد أن هذه العقود تشتمل صيغتها التعاقدية على طرفين رئيسين. الطرف الأول هو الحكومة صاحبة الطبيعة أو الأرض التي سيقام عليها مشروع من مشاريع البنية التحتية، وهي صاحبة الحق في الامتياز الذي ستمنحه لمن سيقوم بتنفيذ المشروع، والطرف الثاني هو الشركة المنفذة له والي أنشئت من أجله وحصلت على حق الامتياز بسببه.(31/19)
فالتعاقد القائم بين الحكومة من جهة والشركة المنفذة للمشروع من جهة أخرى وبأي صورة من نماذج العقود المتقدمة لا بأس به، وبالتالي فللحكومة أن تمنح هذه الفرصة للشركة صاحبة العطاء الأفضل لإقامة أي مشروع من مشاريع البنية التحتية يتحقق منه نفع عام ومباح للجمهور، ونفع خاص لمن يقوم بتنفيذه لفترة زمنية معينة ومحددة وهي فترة الامتياز ثم تعود ملكية المشروع بعد انتهائها وللدولة أيضاً الحق في أن تشتر أو تستأجر منفعة المشروع من الشركة خلال فترة الامتياز أو أن تتنازل عن المشروع في بعض الحالات لمن قام بتنفيذه، وكل ذلك مرتبط بتحقق المصلحة والنفع العام المباح للجمهور. ولكن بالنظر في كيفية تأسيس شركة المشروع ومصادر تكوين رأس مالها والتمويل الذي ستحصل عليه لتغطية عملية التنفيذ.
نجد كما سبق أن مؤسسي مثل هذه الشركات من المستثمرين والقانونيين والمهندسين وأصحاب المقاولات العالمية والمحلية يكوّنون اتحاداً مالياً Continuum يتفقون فيه على نسبة مساهمة كل منهم في رأس المال" حقوق الملكية أو أسهم المشروع" وهي تشكل عادة من 15% إلى 30% من إجمالي التمويل اللازم للمشروع، ويحصلون على بقية إجمالي التمويل التي تتراوح نسبته من 70% إلى 85% عن طريق الاقتراض من البنوك ومؤسسات التمويل.
ولا شك أن هذه المبالغ المقترضة تفرض عليها جهات التمويل المقرضة فوائد ربوية وبالتالي فهي من قبيل ربا النسيئة الذي نزل القرآن الكريم بتحريمه قال تعالى:
( يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون(
( البقرة 278، 279).(31/20)
وتوجد هناك بعض الصيغ الإسلامية المقترحة والتي يمكن بواسطتها حصول شركات مشاريع البنية التحتية على التمويل بدون اللجوء إلى الاقتراض بفوائد ربوية محرمة وهو ما سيذكره الباحث في المبحث الذي يلي هذا الجزء من الدراسة.
رابعاً: الصيغ الإسلامية المقترحة لتمويل وإقامة مشاريع البنية التحتية:
- التمويل من المصارف الإسلامية بطريق المشاركة:
يمكن لشركة المشروع الحصول على الجزء المتبقي لتغطية إجمالي التكاليف اللازمة لنفقات المشروع من المصارف الإسلامية. وتعتبر هذه المصارف مساهمة في راس مال شركة المشروع بقدر نسبة مساهمتها في التمويل، وتقدر نسبة ربح المصارف الإسلامية على حسب الاتفاق المبرم بينها وبين شركة المشروع، وفي حالة حدوث خسارة فإنها توزع على حسب نسبة رأس المال، ومما يشجع المصارف الإسلامية على المساهمة في مشاريع البنية التحتية أنها مشاريع قائمة على دراسات جدوى دقيقة ويتوقع أن تكون تدفقات الإيرادات منها خلال فترة الامتياز كافية لتغطية تكاليفها مع تحقيق أرباح مجزية خاصة إذا تعاقدت الحكومة مع شركة المشروع على شراء منتجاتها خلال فترة الامتياز بأسعار محددةxlvi.
ومن هنا فإن العقد الذي تستطيع بواسطته شركة المشروع الحصول على ما تحتاجه من التمويل اللازم من المصارف الإسلامية ينطوي على مساهمتها بجزء من رأس المال وقيامها بأعمال الإدارة، ومساهمة المصارف الإسلامية بالجزء المتبقي من إجمالي رأس المال. وبناء على ما تقدم فإنه يمكن تكييف هذا العقد على أنه يشتمل على شركة ومضاربة وهو عقد جائز. جاء في المغني: (( أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما فهذا يجمع شركة ومضاربة وهو صحيح فلو كان بين رجلين ثلاثة الآلف درهم لأحدهما ألف وللآخر ألفان فأذن صاحب الألفين لصاحب الألف أن يتصرف فيها على أن يكون الربح بينهما نصفين صح....))xlvii.(31/21)
فهنا تمويل من المصارف الإسلامية وعمل من شركة المشروع متمثل في عنصر الإدارة، وتمويل وهو نسبة حقوق الملكية أو أسهم المشروع لمتبنّي المشروع والذي يشكل عادة من 15% إلى30% من إجمالي التمويل اللازم للمشروع، وهذا جائز كما تقدم. ولكن ينبغي أي يجعل لشركة المشروع زيادة في نسبة الربح نظير قيامها بأعمال الإدارة.
2- تأسيس شركة مساهمة للمشروع وطرح أسهمها للاكتتاب العام:
يمكن لمتبنّي المشروع وأعضاء الاتحاد المالي الحصول على ترخيص من الحكومة لتأسيس شركة مساهمة يكون الغرض من إنشائها تنفيذ المشروع المطلوب القيام به، وتكون مدة الشركة هي نفس فترة الامتياز الممنوحة من الحكومة. ثم يقوم المؤسسون بطرح أسهم الشركة للاكتتاب العام للجمهور، وينبغي أن يكون الاكتتاب بكامل القيم الاسمية للأسهم حتى تضمن الشركة الحصول على التمويل اللازم لتنفيذ المشروعxlviii. كما ينبغي أن يشترط عقد الشركة الابتدائي ونظامها الأساسي على المؤسسين والمساهمين قبول التنازل عن حصصهم وأسهمهم للحكومة بعد انتهاء مدة الشركة وفتر امتيازها، ولا بأس في ذلك ما دام أن فترة الامتياز الممنوحة للشركة كافية لتغطية واسترداد رأس مال المؤسسين والمساهمين مع تحقيق أرباح مجزية لهم.
3- التمويل عن طريق إصدار وبيع سندات الخدمات:(31/22)
تستطيع شركة المشروع الحصول على تغطية الجزء المتبقي من إجمالي التمويل اللازم للمشروع عن طريق إصدار وبيع سندات للجمهور يمثل كل سند منها كمية معروفة وموصوفة ومحددة تحديداً دقيقاً من الخدمة التي ستنتجها. فلو كانت الشركة على سبيل المثال ستنتج خدمات الهاتف الجوال أو المحمول تصدر سندات يحتوي كلمنها على مائة وحدة من خدماته، ويمكن أن تعرف وحدة خدمة الهاتف الجوال التي ستنتجها بأنها عبارة عن عشرة مكالمات محلية لمدة معينة أو ما يكافئها من المكالمات الدولية، والسند قد يصدر في عام 2002م ولكنه يبدأ استخدامه والانتفاع به في عام 2004م على أن يكون ثمن الخدمة التي يحتويها السند أقل من ثمنها التي تباع به في الوقت الحاضر بمقدار يشجع الجمهور على شرائه.
وبذلك تحصل شركة المشروع على التمويل من تسويق هذه السندات وتستخدمه في إنشاء المشروع أو قد تستخدمه لأغراض في الأجل القصير مثل تمويل رأس المال العاملxlix.
ويرى د. منذر قحف صاحب هذا المقترح أن الأسس الشرعية لسندات الخدمات تستند على مبدأين شرعيين:
ا) مبدأ تدوين أو توثيق الديون الذي ورد في قوله تعالى: ( يأيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمى فاكتبوه.....( ] البقرة : 282[.
ب) عقد الإجارة في الفقه الإسلامي والذي يمكن بمقتضاه تأجير أو إباحة نفع لأصل ما أو لخدمة بشرية ماl.(31/23)
إلا أن الباحث يرى أن المعاملة بسندات الخدمات بالصورة المتقدمة يمكن تكييفها على أنها عقد سلم، لأن ثمن السند ستحصل عليه الشركة التي ستنتج الخدمة أو المنفعة عند تسويقها لها حالاً، والانتفاع بالخدمة التي يحتويها السند مؤجلة إلى وقت محدد في المستقبل. وذكر جمهور الفقهاء أن السلم جائز في المنافع أو الخدمات إذا كانت صالحة للثبوت في الذمة، ويمكن تحديدها وضبطها بالقدر والصفة. فقد ذكر المالكية جواز أن يكون رأس مال السلم من المنافع إذا عجل قبض العين التي تستوفي منها المنفعة ولو تأخر استيفاء تلك المنافع إلى ما بعد قبض المسلم فيه، جاء في الشرح الكبير: (( وجاز السلم بمنفعة شيء معين كسكنى دار وخدمة عبد وركوب دابة معينة ولو تأخر استيفاؤها عن قبض المسلم فيها ))li.
وذكر الشافعية جواز أن يكون رأس مال السلم منفعة، جاء في مغني المحتاج:
((... ويجوز كونه منفعة - أي رأس مال السلم - كما يجوز جعلها ثمناً أو أجرة أو صداقاً...))lii . وكذلك الحنابلة قالوا بجواز السلم في المنافع، جاء في كشاف القناع:
(( فيجري السلم في المنافع كالأعيان ))liii. والمنافع كما يجوز أن تكون رأس مال في السلم عند الجمهور فإنه يجوز أن تكون مسلماً فيها لأنها تثبت في الذمة كالأعيان، وذكر ذلك في مغني المحتاج بقوله: (( يصح السلم في المنافع كتعليم القرآن لأنها تثبت في الذمة كالأعيان))liv.
ويستفاد مما تقدم أن عقد السلم عام في كل الأموال الصالحة للثبوت في الذمة والانضباط بالصفة والقابلة للتداول على سبيل المعاوضات المالية، وليس محصوراً فيما يمكن تقديره بالكيل أو الوزن ولا مقتصراً على الأموال كان يسلم فيها القدمlv.
خامساً: الخاتمة والتوصيات:(31/24)
إن تمويل مشاريع البنية التحتية في الماضي كان من مسؤولية الدولة فهي التي تمتلك مشاريع المرافق الأساسية وتنفق على إقامتها وتتولى إدارتها وتشغيلها، وكانت تمثل لها عبئاً مالياً كبيراً فتتحمل الديون الداخلية والخارجية لتوفير التمويل اللازم لها ونظراً لأهمية هذه المشاريع بحيث لا يمكن لأي نهضة اقتصادية أو اجتماعية في أي دولة أن تقوم بدونها سعت دول العالم وخاصة النامية منها إلى التخصيص، أي مشاركة القطاع الخاص في تنفيذ مشاريع البنية التحتية وإدارتها وتشغيلها وبالتالي استطاعت أن تخفف من أعبائها المالية والإدارية وتتفرغ للأعباء الأخرى الرئيسة والهامة كالأمن والدفاع ونحوها.
من الأساليب الجديدة لمظاهر التخصيص منح القطاع الخاص امتيازات لتنفيذ مشاريع البنية التحتية كأسلوب البناء والتشغيل والإعادة BOT ويُمكّن هذه الأسلوب القطاع الخاص من إقامة وتطوير وإدارة - مؤقتاً- تملك تلك المشاريع خلال فترة الامتياز الممنوحة له للتحول بعدها ملكيتها إلى الدولة، ولهذا فإن أعباء تمويل هذه المشاريع قد انتقل من القطاع العام إلى القطاع الخاص.
يحقق الاستثمار بأسلوب BOT أرباحاً مرتفعة للقطاع الخاص، ولكن أعضاء الاتحاد المالي المؤسسين لشركة المشروع التي ستقوم بتنفيذ مشروع البنية التحتية المطلوب إقامته وتشييده لا يساهمون في رأس مال هذه الشركة عادة إلا بنسبة تتراوح بين 15% إلى 30% من إجمالي التمويل اللازم للمشروع ويلجأون إلى البنوك ومؤسسات التمويل للحصول على بقية التمويل الذي تتراوح نسبته بين 70% إلى 85% من رأس مال شركة المشروع، وهو عبارة عن قروض ربوية بفوائد وهي من قبيل ربا النسيئة الذي نزل القرآن بتحريمه.(31/25)
يجوز للدولة أن تمنح القطاع الخاص الفرصة للمشاركة في إقامة وبناء بعض مشاريع البنية التحتية التي يتحقق منها نفع عام ومباح للجمهور على أن تكون الأولويات للمشاريع التي تتحقق منها المصالح الضرورية ثم الحاجية ثم التحسينية.
توجد صيغ تمويل إسلامية بديلة عن الاقتراض من المصارف والمؤسسات المالية بفوائد ربوية محرمة، ويوصي الباحث الدول الإسلامية التي تتعاقد مع شركات القطاع الخاص العالمية والمحلية لإقامة مشاريع للبنية التحتية لديها أن توجه هذه الشركات لاستخدام الصيغ الإسلامية للتمويل ومنها:
ا- الحصول على التمويل من المصارف الإسلامية بطريق المشاركة.
ب- تأسيس شركة مساهمة للمشروع وطرح أسهمها للاكتتاب العام من الجمهور بكامل رأس المال، على أن يشترط في عقد الشركة الابتدائي ونظامها الأساسي على المؤسسين والمساهمين التنازل عن حصصهم وأسهمهم للحكومة بعد انتهاء مدة الشركة وفترة امتيازها.
جـ- التمويل عن طريق إصدار وبيع سندات الخدمة التي ستنتجها الشركة المشروع للجمهور بحيث يمثل كل سند فيها كمية معروفة وموصوفة ومحددة تحديداً دقيقاً للخدمة المنتجة، على أن يكون الانتفاع بهذه السندات في فترة زمنية مستقبلة ومحددة أيضاً وبثمن أقل من الثمن الذي تباع به نفس كميات الخدمة المتاح استخدامها على الفور، وهذه الصيغة من قبيل بيع السلم لأن ثمن سند الخدمة ستحصل عليه شركة المشروع عند تسويقه حالاً والانتفاع بالخدمة التي يحتويها السند مؤجلة إلى وقت محدد في المستقبل، وقد ذكر جمهور الفقهاء جواز السلم في المنافع أو الخدمات إذا كانت صالحة للثبوت في الذمة ويمكن تحديدها وضبطها بالقدر والصفة.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الهوامش
(1) محمد عمر شابرا، النظام الاقتصادي في الإسلام" دور الدولة"، بيروت- لبنان، مجلة المسلم المعاصر، العدد16، 1398هـ- 1978م، ص57.(31/26)
(2) إبراهيم فؤاد أحمد علي، الإنفاق العام في الإسلام، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1393هـ -1973م، ص39.
(3) عبد الله حاسن معبد الجابري، مشاريع تكوين البنية الأساسية في الاقتصاد الإسلامي ، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، رسالة دكتوراة، 1414هـ -1994م، ص18-19.
(4) جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، الجامع الصغير، بيروت، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1981م، ج2، ص586.
(5) مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، القاهرة، دار الحديث 1412هـ - 1991م، ج3، ص1188.
(6) موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، روضة الناظر وجنة المناظر، بيروت- لبنان، درا الندوة الجديدة، بدون، ص19.
(7) عبد الله حاسن معبد الجابري، مشاريع تكوين البنية الأساسية في الاقتصاد الإسلامي وآثارها، مرجع سابق، ص29-30.
(8) يقصد بالمصالح الضرورية ما لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وتهارج وفي الآخرة فوات النجاة والرجوع بالخسران المبين، والمقاصد الحاجيّة هي ما يفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة ولكن لا يبلغ مبلغ الفساد المتوقع في المصالح العامة، والمقاصد التحسينية هي الحاجات التي لا تتحرج الحياة بتركها وإن كانت مما يدخل الجمال والمتعة على الحياة الإنسانية، انظر: أبو إسحاق إبراهيم اللخمي، الموافقات في أصول الأحكام، القاهرة، مطبعة المدينة 1969م، ج2، ص4- 5 -6، و عبد الله الجابري، مشاريع تكوين البنية الأساسية في الاقتصاد الإسلامي ، مرجع سابق، ص47- 48.
(9) عمرو محي الدين، التخلف والتنمية، بيروت، دار النهضة العربية، 1975م، ص236.
(10) عبد القادر محمد عبد القادر عطية، دراسات الجدوى التجارية والاقتصادية والاجتماعية مع مشاريع BOT، الإسكندرية، الدار الجامعية، الطبعة الثانية، 2000- 2001م،
ص631.(31/27)
(11) عبد الله حاسن معبد الجابري، مشاريع تكوين البنية الأساسية في الاقتصاد الإسلامي ، مرجع سابق، ص63.
(12) عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص631.
(13) سعيد بن سعد المرطان، تجربة البنك الأهلي التجاري في تعبئة المدخرات لتمويل مشاريع البنية التحتية بصيغ إسلامية، ندوة التعاون بين الحكومة والقطاع الأهلي في تمويل المشاريع الاقتصادية، جدة، جامعة الملك عبد العزيز، 2-4/7/1420هـ، ص3.
(14) عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص631.
(15) السيد إمام محمود حجازي، المعايير المستحدثة في تقييم دراسات الجدوى للمشاريع الاقتصادية بصفة عامة ومشاريع البنية الأساسية بصفة خاصة، القاهرة، البنك الأهلي المصري، مايو 1997م ،ص14.
(16) عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص631.
(17) أحمد السعيد الزقرد، التأثيرات القانونية والاقتصادية والسياسية للعولمة على مصر والعالم العربي ( عقود BOT وآليات الدول العالمية)، القاهرة، المؤتمر السنوي السادس، كلية الحقوق جامعة المنصورة، 26-27 مارس 2002م ،ص3.
(18) خالد بن عبد الله الدغيثر، أساليب البناء -التشغيل -الإعادة ''BOT'' سلاح المنافسة الجديد في صناعة البناء والتشييد، المؤتمر الهندسي السعودي الخامس، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، 13- 16 ذي القعدة 1419هـ ،ص83.
(19) عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص634- 646- 663.
(20) خالد الدغيثر ،مرجع سابق، ص90.
(21) عبد الرحيم عبد الحميد الساعاتي، خصخصة إدارة وبناء وتشغيل البنية التحتية في المملكة العربية السعودية، ندوة التعاون بين الحكومة والقطاع الأهلي في تمويل المشاريع الاقتصادية، جدة، جامعة الملك عبد العزيز، 2 -4/7/1420هـ، ص43.
(22) خالد الدغيثر ،مرجع سابق، ص92- 93.
(23) البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1994، مرجع سابق، ص114 - 115.
(24) ) عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص 646- 647.
(25) خالد الدغيثر ،مرجع سابق، ص 87، وعبد الرحيم الساعاتي، مرجع سابق، ص14.(31/28)
(26) عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص 649.
(27) عبد الرحيم الساعاتي، مرجع سابق، ص 14.
(28) عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص 648.
(29) عبد الرحيم الساعاتي، مرجع سابق، ص 7.
(30) خالد الدغيثر ،مرجع سابق، ص84- 85.
(31) يتضمن هذا الإطار في الغالب التشريعات المتعلقة بالإعفاء الضريبي وقوانين وأنظمة العمل والعمال والجمارك وحماية المستثمر الأجنبي ونحو ذلك، انظر: عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص 636.
(32) ويتحدد ذلك بناء على دراسة الجدوى المبدئية التي تعدها الحكومة لتوضح الجوانب المختلفة للمشروع بالنسبة للراغبين في تنفيذه.
(33) جرت العادة على أن تتكون معظم المساهمات في رأس المال وملكية هذه المشاريع من شركات المقاولات العالمية، وشركات أخرى هندسية وصناعية وقانونية وشركات تأمين إلا أن هذه المجموعة تدرك الدور الإيجابي الذي يلعبه تواجد الشركاء المحليين من أجل نجاح المشروع وتسهيل مهمة عملهم فتسعى إلى مشاركة المقاولين والمستثمرين والأيدي العامة المحليين، انظر: خالد الدغيثر ،مرجع سابق، ص87.
(34) عبد الرحيم الساعاتي، مرجع سابق، ص 16.(31/29)
(35) تحصل شركة المشروع على هذه القروض من قبل البنوك التجارية أو بيوت التمويل والمؤسسات المالية الدولية وقد تصل مدتها إلى خمسة عشر عاماً، وتعتمد الجهات المقرضة في سداد هذه القروض على القيمة المتوقعة لإيرادات المشروع وليس لها أي مدخل إلى المجموعة المتبنية للمشروع من أجل استرجاع قروضهم في حالة فشل المشروع إلا أن مشاركة المجموعة المتبنية للمشروع في حصة رأس المال (أسهم وحقوق الملكية) تعطي درجة من الطمأنينة للمقرضين في توقعاتهم لنجاح تنفيذ المشروع وتحقيقه لعوائد مجزية، وعلى الرغم من أن تمويل المشاريع التي تنفذ بأسلوب الـBOT تكون عادة غير مضمونة كما تقدم وأنها تعتمد على القيمة المتوقعة لإيرادات المشروع أو على قيمة أصوله التي يمكن بيعها في حالة فشل المشروع وسداد التزاماته منها، إلا أن هناك من يرى بأنه في حالة تعاقد الحكومة مع شركة المشروع على شراء خدماته المنتجة خلال فترة العقد بأسعار محددة كشراء الطاقة الإنتاجية لمشروع توليد كهرباء أو تنقية مياه تصبح إيرادات المشروع في هذه الحالة أكثر تأكداً وبالتالي يمكن القول بأن الإقراض المقدم لهذا المشروع إقراض بضمان محدود انظر: خالد الدغيثر ،مرجع سابق، ص87.
- عبد الرحيم الساعاتي، مرجع سابق، ص 16.
- عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص 635- 636.
(36) عبد الرحيم الساعاتي، مرجع سابق، ص 30.
(37) عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص 653- 654.
(38) تتراوح فترة الامتياز من 15 إلى 25 عاماً، وتختلف باختلاف نوعية المشروع وحسب الشروط التي تطلبها الحكومة.
(39) عبد الرحيم الساعاتي، مرجع سابق، ص 12.
(40) خالد الدغيثر ،مرجع سابق، ص89.
(41) المرجع سابق، ص89.
(42) البثوق: جمع بثق وهو ما يخرقه الماء في جانب النهر، والمسنيات: جمع مسنية وهو السد يُبنى في وجه الماء، والبريدات: مفاتح الماء.(31/30)
(43) القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، كتاب الخراج، بيروت - لبنان، دار المعرفة، 1399هـ - 1979م، ص110.
(44) عبد الله الجابري، مشاريع تكوين البنية الأساسية في الاقتصاد الإسلامي، مرجع سابق، ص67-68.
(45) القاضي أبو يوسف، كتاب الخراج، مرجع سابق، ص110.
(46) وتستطيع المصارف الإسلامية أن تؤسس صناديق استثمار مغلقة وتخصصها للاستثمار في البنية التحتية.
(47) موفق الدين عبد الله بن احمد بن قدامة المقدسي، المغني، القاهرة، هجر للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1412هـ -1992م، تحقيق د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي والدكتور عبد الفتاح الحلو، ج7، ص134- 135.
(48) عبد العزيز عزت الخياط، الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1403هـ - 1983م، ص91-93.
(49)MONZER KAHF " SERVICE BONDS FOR FINANCING PUBLIC UTILITIES " to presented at the Seminar on Financing Government Enterprises from the Private Sector, King Abdulaziz University, Jeddah 2- 4 rajab 1420 h.
(50) Op. Cit. OO. 17- 22.
(51) أحمد الدريدر، الشرح الكبير، مصر، دار إحياء الكتب العربية، بدون، ج3، ص196.
(52) محمد الشربيني الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، بدون، ج2، ص103.
(53) منصور بن يونس البهوتي، كشاف القناع على متن الإقناع، مصر، دار الفكر، بدون، ج3، ص564.
(54) محمد الشربيني الخطيب، مرجع سابق، ج2، ص114.
(55) مطهر سيف أحمد، عقد السلم وعقد الاستصناع ومجالات تطبيقهما في الاقتصاد الإسلامي، رسالة ماجستير، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، 1414هـ - 1993م، ص25، ص47.
مراجع البحث
1- أبو يوسف، القاضي يعقوب بن إبراهيم، كتاب الخراج، بيروت - لبنان، دار المعرفة، 1399هـ - 1979م.(31/31)