آليات نقل حقوق الملكية في الأسواق المالية
بحث مقدم للمؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي،
الذي تنظمه كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
بجامعة أم القرى بمكة المكرمة خلال شهر محرم 1424هـ
د. محمد بن إبراهيم السحيباني
أستاذ مساعد بقسم الاقتصاد والعلوم الإدارية
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
يهدف البحث إلى توصيف آلية تسوية الصفقات في الأسواق المالية عموماً مع التركيز على الآلية المطبقة في عدد من الأسواق المالية ذات الأهمية النسبية. يبدأ البحث بمقدمة حول موضوع نقل ملكية الأوراق المالية، ثم يسرد في القسم الثاني الخطوات التي يسلكها الآمر ابتداء من فتح العميل حساباً لدى السمسار، وإرسال الأمر إلى السوق إلى تسوية الصفقة في حالة تنفيذ الأمر. وفي القسم الثالث يستعرض أهم الأطراف المشتركين في عملية نقل الملكية، ووظيفة كل طرف. ويعرض القسم الرابع لمخاطر التسوية بشكل موجز. أما القسم الخامس فيوصف آلية التسوية في أسواق مالية مختارة هي أسواق الأسهم الأمريكية، وسوق لندن للمعادن، وسوق الأسهم السعودية. ويختم القسم السادس البحث باستشراف مستقبل عملية تسوية الصفقات والإشارة إلى بعض الاستنتاجات حول الانعكاسات المحتملة لهذه التطورات على مساحة التعاملات المقبولة من الناحية الشرعية في هذه الأسواق.
Settlement Mechanisms in Financial Markets
Abstract(1/1)
The paper describes the settlement mechanisms employed in three selected financial markets: New York Stock Exchange (NYSE), London Metal Exchange (MLE) and Saudi Stock Market (SSM). After the introduction, the paper explains each step of trading process, from opining a new account and placing buy or sell order through to the final settlement. The paper then describes the role and functions of financial institutions in these process and settlement risks involved. The paper concludes by exploring the future of settlement mechanisms and their implication for the range of permissible Islamic transactions in the financial markets.
1- مقدمة:
في أي صفقة تتم بين بائع ومشترٍ, يقوم المشتري بدفع الثمن مقابل قيام البائع بتسليم المثمن سواء كان سلعة أو خدمة أو أصلاً مالياً. والدفع قد يكون بنقد أو بطاقة مصرفية وقت المبادلة، وهنا يتزامن وقت دفع الثمن مع استلام المثمن، أو بعبارة اصطلاحية يتزامن وقت تنفيذ الصفقة مع وقت مقاصتها ووقت تسويتها. ومن أمثلتها الصفقات العادية اليدوية (كالشراء من البقالة)، أو الصفقات الإلكترونية التي تحدث من خلال نقاط البيع عبر الوسائط الإلكترونية ولكن قد يكون الدفع بشيك أو بطاقة ائتمان أو إيداع أو تحويل إلكتروني، وهنا قد لا يتطابق وقت تنفيذ الصفقة مع وقت دفع الثمن أو وقت استلام المثمن، أو بعبارة أخرى يتراخى وقت مقاصة ثم تسوية الصفقة عن وقت تنفيذها.(1/2)
ويقصد بالمقاصة clearing معالجة عمليات الدفع والتسليم وتحديد حجم الدائنية والمديونية بين المتعاملين، وبالتالي تحديد التزامات كل طرف تمهيداً للتسوية. أمَّا التسوية settlement فيقصد بها التحويل الفعلي للنقود من المشتري إلى البائع، وتسليم المثمن (أي توثيق نقل ملكية المثمن كالأوراق المالية) من البائع إلى المشتري. وبالرغم من إمكانية التفريق بين المقاصة والتسوية من الناحية النظرية، إلا أنه في الواقع العملي يتولى كلا الوظيفتين في الغالب شركة واحدة يطلق عليها عادة شركة المقاصة، أو بيت المقاصة. حيث تقوم هذه الشركة بعملية المقاصة والترتيب مع أطراف أخرى (كحافظ الأوراق المالية ونظام معين للمدفوعات النقدية) لإتمام عملية التسوية.
بالرغم من أن الكثير يجهل عمل آليات المقاصة والتسوية،(1) وبالرغم من عدم شعور المتعاملين بدورها في إتمام الصفقات إلا أن لها دوراً كبيراً في تسهيل مبادلة الأوراق المالية في الاقتصاد؛ وتقليل مخاطر تسويتها، خاصة فيما يتعلق بالتحكم في المخاطر المنبعثة من نفس النظام systemic risk في حالة الأزمات. ويهدف البحث إلى توصيف آلية تسوية الصفقات في الأسواق المالية ذات النظم الإلكترونية مع التركيز على الآلية المطبقة في عدد من الأسواق المالية ذات الأهمية النسبية، كأسواق الأسهم الأمريكية وسوق لندن للمعادن وسوق الأسهم السعودية. ويركز البحث بشكل خاص على توصيف آليات التسوية التي تتم في أسواق الأسهم الأمريكية، وسوق لندن للمعادن بالاستعانة بالمصادر المتخصصة وتقديمها للقارئ بلغة سهلة، وبحث الآلية الجديدة لتسوية الصفقات في سوق الأسهم السعودية كما طبقت في التحديث الأخير لنظام التداول الإلكتروني (تداول).(1/3)
ويفترض البحث إلمام القارئ بالقواعد الرئيسية الحاكمة للمبادلات في الفقه الإسلامي، حيث أنه كتب بهدف تعريف الفقهاء بالإجراءات التفصيلية المتبعة لنقل الملكية في الأسواق المالية ذات النظم الإلكترونية. وقد تم تنقيحه أكثر من مرة استجابة لاستفسارات فقهية محددة آثارها البحث. فالبحث ذو طابع وصفي، ولا ينزع إلى التحليل الفقهي الذي يروم الوصول إلى اجتهاد في المسائل المطروحة. مع ذلك فلم يغفل البحث الإشارة في خاتمته إلى بعض الاستنتاجات التي يمكن الوصول إليها من واقع آليات نقل حقوق الملكية كما تطبقها أبرز الأسواق المالية القائمة، وانعكاسات التطورات المتوقعة في هذه الآليات على مساحة التعاملات الإسلامية في هذه الأسواق.
وقد تم تقسيم البحث على النحو التالي: يبدأ البحث بسرد الخطوات التي يسلكها الأمر ابتداء من فتح الحساب وطلب تنفيذ الأمر وانتهاء بتسوية الصفقة. ويستعرض القسم الثالث أهم الجهات ذات العلاقة بعملية نقل ملكية الأوراق المالية، وبيان دور كل جهة. ثم يبين في القسم الرابع أهم المخاطر التي تهدد إكمال التسوية ونقل الملكية. ويشير القسم الخامس إلى آلية التسوية في أسواق مختارة هي أسواق الأسهم الأمريكية، وسوق لندن للمعادن، وسوق الأسهم السعودية. ويختم القسم السادس البحث باستشراف مستقبل آليات التسوية في الأسواق المالية، وانعكاساته على مجال التعاملات الإسلامية فيها.
2- المراحل التي تمر بها أوامر البيع والشراء:
من المهم استعراض المراحل التي يمر بها الأمر ابتداء من فتح الحساب وإرسال الأمر وتنفيذه إلى نقل ملكيته. وينبغي التأكيد ابتداء على أن التطور في مجال تقنية المعلومات سائر في اتجاه دمج أكثر من مرحلة في مرحلة واحدة. وكما سنبين في القسم التالي فإن بعض المراحل قد تتولاها شركة واحدة أو شركات متعددة بينها ارتباط وثيق. ويوضح الشكل (2) تسلسل هذه المراحل، والأطراف الرئيسة المشتركة فيها.(1/4)
1- فتح الحساب: يقوم العميل (المستثمر) بفتح حساب لدى أحد سماسرة الأوراق المالية وأشهر أنواع الحسابات هما حساب النقد، وحساب الهامش.والفرق بينهما هو التزام صاحب حساب النقد بدفع كامل قيمة صفقة الشراء، واستحقاقه استلام كامل قيمة صفقة البيع. وقد يتطلب الأمر إيداع ما يغطي قيمة الصفقة بالنسبة للشراء أو ما يثبت الملكية بالنسبة للبيع، ولكنه ليس ضرورياً؛ إذ قد يسمح السمسار لصاحب الحساب بتسديد كامل المبلغ بعد إشعاره بتنفيذ أمر الشراء خلال أيام (قد تصل إلى 3 أيام في ظل بعض أنظمة التسوية). كما قد يتأخر السمسار في تحويل المبلغ إلى حساب العميل البائع في حدود نفس هذه الفترة. أما في حساب الهامش فيحق لصاحب الحساب دفع بعض قيمة الصفقة واقتراض الباقي من السمسار برهن ما لديه من الأوراق المالية. أو اقتراض أوراق مالية وبيعها "بيعاً مكشوفاً" بعد توفير حد أدنى من الضمانات. ويثير هذا النوع من الحسابات تعقيدات إضافية في عمل السمسار والأطراف الآخرين المشتركين في صناعة تداول الأوراق المالية. حيث يتطلب من السمسار إنشاء أكثر من قسم للتعامل مع هذا النوع من الحسابات. بالإضافة إلى هذين النوعين يتم التفريق عادة بين حساب الأفراد وحساب المؤسسات المالية التي تستثمر في الأوراق المالية (مثل صناديق الاستثمار، وصناديق التقاعد ونحوها). ويبرز الفرق بين هذين الحسابين في آلية مقارنة الصفقة وتسويتها كما سنبين لاحقاً. وأياً كان نوع الحساب فإن العميل يجب أن يحدد -من بين أشياء أخرى- مدى رغبته في قيام السمسار بدور الحافظ لأوراقه المالية؛ إذ قد يطلب العميل أن يتم تسجيل الورقة المالية باسمه وترسل الشهادة إلى عنوانه، أو تسجل باسمه ويحفظها السمسار في خزانته، أو أن يسجلها السمسار باسمه ويحفظها لديه أو لدى حافظ آخر.
مسائل تطبيقية:
مسألة (1)
لماذا يرغب أو يشترط السمسار الاحتفاظ اسماً بملكية الأوراق المالية؟(1/5)
مصطلح street name يستخدم على نطاق واسع في هذه الصناعة ويقصد به الأوراق المالية المسجلة باسم السمسار لصالح العميل. وفي هذه الحالة يكون هناك فرق بين المالك الاسمي (السمسار) والمالك الفعلي (العميل) حيث يكون العميل هو المالك المنتفع beneficial owner فالسمسار أمام الشركة المصدرة للورقة يعتبر المالك ولكن المالك الحقيقي الذي ينتفع من الأرباح والفوائد وحق التصويت في حالة الأسهم هو العميل وهذا النوع من الإنفاق يحتم على السمسار إرسال الأرباح التي تصله من الشركة إلى حساب العميل، وإرسال المعلومات التي ترسلها الشركة إلى بريد العميل، وإعطاء العميل وكالة لحضور الجمعية العمومية التصويت.
ويحرص أغلب السماسرة على الحصول على إذن العميل في الاحتفاظ اسماً بملكية الأوراق المالية التي يشترونها، لأنه يسهل عملية التسوية، بل يعتبر شرطاً في فتح حساب الهامش لدى كثير من السماسرة، حيث يسهل هذا من تسييل السمسار للأوراق المالية للعميل في حالة إخفاقه في الاحتفاظ بالحد الأدنى من الهامش. بالإضافة إلى ذلك يمكن هذا الإجراء السماسرة من إقراض واقتراض الأوراق المالية لعملائهم أو فيما بينهم لأغراض مختلفة.(1/6)
2- طلب تنفيذ أمر: يطلب العميل تنفيذ أمر بيع أو شراء. وهناك أنواع عديدة من الأوامر، كالأمر السوقي والأمر المقيد، وأمر وقف الخسارة. ما يستطيع العميل أن يحدد شروط تنفيذ الأمر من حيث الكمية، والوقت، ومدة بقائه نشطاً، وغيرها من الشروط المعتادة. ومن المعلومات التي يتضمنها الأمر عادة: اسم العميل ورقم حسابه، بيع أم شراء، الكمية، اسم الورقة المالية ورمزها، السعر، مدة بقاء الأمر نشطاً، بالإضافة إلى معلومات عن مكان الورقة المالية (في حالة البيع) أو أين تودع (بعد الشراء)، وطريقة الدفع والإيداع، ونوع الحساب. وقد يقوم السمسار بتوفير خدمة الاطلاع على أحوال الأسواق وإمكانية إدخال الأوامر للعميل في موقعه أو مواقع العملاء من خلال شبكة الانترنت.
3- إرسال الأمر إلى السوق: بعد التأكد من صحة معلومات الأمر يقوم السمسار بإرسال الأمر إلى أحد الأسواق المالية عن طريق الهاتف أو الفاكس أو التلكس أو إلكترونياً (وهو السائد حالياً) حتى يتم تنفيذه (مع طرف مقابل). وفي بعض الدول كالولايات المتحدة يوجد أكثر من سوق مالية للأسهم، ويمكن أن تكون الشركة مدرجة في أكثر من سوق. ولكل سوق قواعده الخاصة التي تحكم آلية التنفيذ، ولهذا يتضمن اختيار السوق تفضيلات العميل تجاه آلية التنفيذ. ويلاحظ أن التنظيمات تسمح للسمسار باختيار السوق المالية التي يرسل الأمر إليها إذا لم ينص العميل على سوق مالية محددة.
والمراحل الثلاث السابقة (من فتح الحساب إلى إرسال الأمر إلى السوق) يمكن أن يقوم بها العميل في الوقت الحاضر بدون أن يكون هناك اتصال (وجهاً لوجه) مع السمسار وذلك من خلال زيارة مواقع السماسرة الذين يقدمون خدماتهم عبر شبكة الإنترنت.
مسألة تطبيقية
مسألة (2)
هل يمكن أن يقوم السمسار بدور التاجر؟(1/7)
هل يمكن أن يقوم السمسار بتنفيذ الأمر مما لديه من مخزون مملوك له؟ أو بعبارة أخرى هل تسمح الأنظمة بقيام السمسار بدور السمسار والتاجر معاً؟ هذه الظاهرة تسمى بتبطين تيار الأوامر order flow internalization، ويرتبط بها قضية مشابهة هي اتفاق السمسار مع أحد تجار الأسهم على تحويل أوامر عملائه إليه مقابل مدفوعات معينة، وتسمى بالدفع لتيار الأوامر payment for order flow. ومن المستغرب أن الأنظمة تسمح بهما بالرغم مما قد تؤديان إليه من تعارض في المصالح. ولكن الإذن مشروط باتباع قوانين معينة تمنع أو تقلل من غبن عميل السمسار.ومصلحة العميل في حالة تبطين الأوامر هو تقليل تكلفة التعامل حيث لا يتحمل السمسار -التاجر- تكاليف إتمام الصفقة عبر السوق المالية، بل يحصل على الفرق بين أفضل عرض وطلب الذي كان من الممكن أن يذهب لصانع السوق. وفي حالة الدفع لتيار الأوامر فإن تاجر الأسهم يسهم في تقليل التكاليف التي يتحملها السمسار مما ينعكس بدوره على العميل. وتلزم الأنظمة السمسار بإعلام العميل (على أساس سنوي)عما إذا كان يحصل على مبالغ من جراء توجيه تيار الأوامر، وتفاصيل تلك المبالغ كما تلزم إعلام السمسار للعميل عند تأكيد تنفيذ الصفقة ما إذا كان استلم مبلغ عن تلك الصفقة أم لا، وللعميل الحق في الحصول -عند الطلب- على معلومات إضافية. وفي جميع الأحوال فإن التنظيمات تلزم السمسار بتنفيذ الأمر وفق أفضل الشروط الممكنة. ويعني هذا وجوب الحرص على إرسال الأمر إلى السوق التي توفر أفضل تنفيذ ممكن للأمر. بل عليه الاجتهاد في الحصول على سعر أفضل مما حدد العميل في الأمر. كما يحق للعميل اشتراط توجيه الأمر إلى سوق محددة وهناك تنظيمات في الطريق للتطبيق تهدف إلى توفير مزيد من الشفافية حول درجة جودة التنفيذ من خلال مؤشرات تلتزم بنشرها الأسواق شهرياً، والسماسرة كل ثلاثة شهور. كما إن هناك أنظمة تتطلب توفر حد أدنى من الشفافية في عروض(1/8)
وطلبات تجار الأسهم، بهدف تقليل الغبن، مثل إعلام العميل عن مصدر الصفقة (هل هو السمسار، أو تاجر أسهم مستقل، أو سوق مالية) كما تلزم الأنظمة السمسار -التاجر- بأن يفصل بشكل واضح في حساباته بين ما يملكه لنفسه، وما يملكه لعملائه وأن يقدم تنفيذ أوامر العملاء على تنفيذ أوامره الخاصة، إلا إذا كان سعره أفضل.
4- تنفيذ الأمر: يتم تهيئة الأمر للتنفيذ من قبل السوق المالي وفق قواعد التعامل التي تحكم تلك السوق، وشروط العميل كما هي محددة في الأمر. ويجب التأكيد على أن لكل سوق قواعده الخاصة التي تحكم آلية التعامل مثل أنواع الأوامر، وآلية التنفيذ (سوق نداء أم سوق مستمرة)، وأولوية تنفيذ الأوامر (السعر، الوقت، الحجم)، وأوقات التعامل، وحجم الحد الأدنى والأعلى للتغير في السعر، وهيكل العمولة. ويتم تنفيذ كامل كمية الأمر أو بعضها (وبالتالي حدوث صفقة) إذا تطابق سعر أمر الشراء مع سعر أمر البيع. وفي حالة تنفيذ الصفقة يتم الانتقال إلى المرحلة التالية. أما في حالة عدم تنفيذها فيشعر العميل بذلك، حتى يتمكن من اتخاذ القرار المناسب. (2)
مسائل تطبيقية
مسألة (3)
هل يمكن أن ينافس بعض السماسرة الأسواق المالية التقليدية؟
هل يمكن أن يقوم السمسار بدور السوق بمطابقة أوامر العملاء مع بعضها بدون إرسالها للسوق؟ أو بعبارة هل تسمح الأنظمة للسمسار بأن ينافس القائمة في الاستحواذ على تيار الأوامر؟ والجواب نعم وأشهر الأمثلة على ذلك رويتر وITG وغيرهما. فهذه الشركات تقوم بتنفيذ أوامر العملاء مقابل بعضها البعض وفق أسعار الإغلاق في الأسواق المالية الرئيسية. والإطار القانوني الذي يسمح لمثل هؤلاء السماسرة بالقيام بهذا الدور هو كونهم من السماسرة الأعضاء في سوق NASDAQ. للتعرف على سبب نشأة هذه الأسواق، ومدى تهديدها للأسواق التقليدية، انظر Sirri (2000)(1/9)
5- …تسجيل معلومات الصفقة: في حالة تنفيذ الصفقة يرسل السوق تقريراً إلى السمسار وشركة المقاصة يبين جميع معلومات الصفقة بما في ذلك معلومات الطرف المقابل. ويقوم السمسار بترميز الصفقة؛ أي يضع لها رقماً مميزاً، مع بيان معلوماتها، أين وكيف ومتى تم تنفيذها، حجم الصفقة وقيمتها، عمولتها، الطرف المقابل في الصفقة، مراحل مقاصتها وتسويتها. ويرسل هذا التقرير عادة في شكل إلكتروني إلى السمسار بهدف إبلاغ العميل وتحديث حساباته، وإلى شركة المقاصة بهدف إجراء المقاصة والتمهيد للتسوية.
6-…المقارنة مع الطرف المقابل: يقوم السمسار بمقارنة معلومات التنفيذ مع السمسار الآخر (الطرف المقابل في الصفقة) مباشرة أو من خلال شركة مقاصة (وهو الأغلب) للتأكد من صحتها. ولابد من حل أي مشكلة تنتج عن عدم تطابق معلومات الطرفين قبل الانتقال إلى مرحلة المقاصة والتسوية. وفي ظل التطور الحاصل في تقنية المعلومات والاتصالات تتم عمليات المقارنة هذه آنياً عند تنفيذ الصفقة؛ حيث يتم الاحتفاظ بمعلومات طرفي الصفقة وإرسالها مباشرة لشركة المقاصة. ويسمى هذا النوع المتزايد من الصفقات باسم Locked-in trade ويراد بها الصفقات التي تم مقارنتها لحظة تنفيذها إلكترونياً. وهنا يلحظ أن التقدم في تقنية المعلومات والاتصالات يوشك أن يدمج المرحلتين (5) و(6) في مرحلة التنفيذ (4).(1/10)
7- …إشعار العميل: يقوم السمسار (قبل الخطوة السابقة أو أثناءها أو بعدها) بإرسال إشعار للعميل، يؤكد فيه على تنفيذ الصفقة وبيان معلوماتها (اسم الورقة المالية، عددها، سعر التنفيذ، تكلفة الصفقة، عمولة السمسار، تاريخ التسوية). وتعتمد طبيعة الإشعار على طبيعة العميل فالمستثمر الفرد يرسل الإشعار إلى عنوانه البريدي أو الإلكتروني، والمستثمر المؤسسي أو الدولي يتم إشعاره غالباً من خلال شبكة معتمدة مثل SWIFT. ونظراً لكبر حجم أوامر المؤسسات المالية فإنه يتوقع من العميل المؤسسي أن يقوم بالموافقة صراحة أو ضمناً على معلومات الصفقة بعد تنفيذها. وفي نفس الوقت يتم تحديث حساب العميل لدى السمسار ليعكس التغيرات الجديدة.
8- المقاصة: تتم بعد ذلك عملية المقاصة بواسطة إحدى شركات المقاصة التي يعتبر سمسار العميل أحد أعضائها. ويقصد بالمقاصة جميع الإجراءات المتعلقة بحساب التزامات الأطراف المشتركين في الصفقات، تمهيداً لتسويتها. ويتم هذا الحساب في الغالب وفق مبدأ التصفية netting، الذي يقوم بإلغاء المراكز المالية المتقابلة لكل متعامل، ويؤدي في النهاية إلى تحديد صافية الدائنية أو المديونية لكل المتعاملين المشتركين في عملية التصفية(3) ويترتب على عملية المقاصة حينئذ تحديد ما إذا كان السمسار مستلماً أو مسلماً للورقة المالية محل التعامل، بعد مراعاة حجم الأوراق الذي لا يمكن استخدامه في عملية المقاصة (لكونها مقرضة أو مرهونة)، وتحديد المبالغ النقدية الدائنة والمدينة المترتب على الصفقات بالنسبة لجميع السماسرة الأعضاء في شركة المقاصة. وقد تتم المقاصة بواسطة شركة أو نظام تابع للسوق المالي نفسه.(1/11)
9- …التسوية: يقصد بالتسوية إتمام إجراءات الصفقة بقيام البائع بتحويل الأصل المالي إلى المشتري، في مقابل قيام المشتري بتحويل مبلغ الصفقة إلى البائع. وتبدأ هذه الإجراءات بعد إتمام المقاصة، حيث تبدأ عملية الدفع وتوثيق نقل الملكية وفق تنظيم معين تديره شركة المقاصة. والتنظيم يشمل بالإضافة إلى شركة المقاصة كلاً من: (1) حافظ الأوراق المالية. (2) ونظام للمدفوعات النقدية.
وتتطلب عملية المقاصة وجود حساب للسمسار لدى هاتين الجهتين حيث تقوم شركة المقاصة بتسوية جميع الصفقات من خلال إرسال تعليمات لكل من حافظ الأوراق المالية لتحديث قاعدة الملاك، وتعليمات لنظام المدفوعات لتحويل المبالغ النقدية بين حسابات السماسرة. وتقوم شركة المقاصة بإرسال تقرير نهائي عن عمليات التسوية لمكتب السمسار. ويسهل من عملية التسوية ارتباط شركة المقاصة بحافظ الأوراق المالية محل التعامل. ويمكن أن يتولى عمليتي المقاصة وحفظ الأوراق المالية وتحويل المبالغ النقدية جهة واحدة. وعادة ما يتم تحديد موعد التسوية وفق الاصطلاح التالي (T+3) حيث يمثل T تاريخ الصفقة (منتصف ليل يوم تنفيذها). ومعنى هذا الاصطلاح أن الصفقة سوف تسوى في اليوم الثالث بعد تاريخ تنفيذها. وبالنسبة للسندات الحكومية فتتم التسوية وفق T+1. وكما سنبين لاحقاً هناك جهود متواصلة على مستوى صناعة الأوراق المالية في العديد من الدول لتقليل الفارق إلى T+1.(1/12)
ويفرق عادة بين أنواع أنظمة التسوية بحسب كونها إجمالية أو صافية (تبعاً لطبيعة المقاصة التي تسبقها)، وآنية أو متراخية (تبعاً للفرق بين التنفيذ والتسوية). ففي الإجمالية يتم تسوية كل صفقة على حدة (بدون تصفية)، ويمكن أن تكون فيها التسوية آنية بحيث يسلم البائع في الحال كل الأوراق المالية ويدفع المشتري كامل مبلغ الصفقة (وفي هذه الحالة فقط تتحد المقاصة مع التسوية) أو يقل الفرق بين وقت التنفيذ ووقت التسوية بشكل كبير. كما يمكن أن تكون التسوية الإجمالية متراخية عن وقت التنفيذ (غالباً في نهاية يوم التداول). أماالتسوية الصافية فيتم تسوية مجموعة من الصفقات في نهاية اليوم أو في أوقات متفرقة خلال اليوم بعد أن يتم تصفية الصفقات التي تم تنفيذها قبل موعد التسوية.(4) ويوضح الجدول التالي هذه الأنواع:
صافية
إجمالية
نوع التسوية
لا يمكن
(لا يمكن استخدام التصفية إلا إذا كان هناك فرق بين وقت التنفيذ ووقت التسوية يتسنى فيه تراكم عدد من الصفقات التي يمكن تسويتها على أساس صاف. ومن ثم لا يمكن أن تكون التسوية الآنية إلا إجمالية).
تتم في أثناء اليوم آنياً أو مع تأخير بسيط لكل صفقة على حدة وتستخدم عادة لتسوية الصفقات ذات المبالغ الكبيرة. ويطلق على هذا النظام الذي يتميز بخاصتي التسوية الإجمالية والآنية مصطلح:
Real-time gross settlement (RTGS)
آنية
يمكن
وتتم التصفية في الغالب في نهاية اليوم. ولكنها يمكن أن تحدث خلال أوقات متقطعة أثناء اليوم.
تسوية في نهاية اليوم لكل صفقة على حدة. ويستخدم عادة لتسوية المبالغ المترتبة على نتائج أنظمة المقاصة المختلفة. كما يدخل فيه نظم التسوية الإجمالية الآنية التي تجري المقاصة خلال اليوم بشكل آني ولكن مع قابلية النظام لإلغاء التسوية حتى نهاية اليوم.
متراخية(1/13)
ويمكن أن تستخدم التسوية الإجمالية والصافية في جانب التسليم و/أو الدفع. حيث يمكن أن يعتمد مبدأ التسوية الإجمالية لتسليم الأوراق المالية ودفع مبالغ الصفقات، أو يتم الاعتماد على مبدأ التسوية الإجمالية للتسليم فقط ومبدأ التسوية الصافية للدفع، أو يتم استخدام مبدأ التسوية الصافية للتسليم والدفع معاً.
وهناك صيغ مختلفة لتطبيق كل من التسوية الإجمالية والصافية. فمثلاً صيغ التسوية الإجمالية تختلف بحسب آلية الحصول على السيولة في حالة عدم قدرة الدافع على تغطية مبلغ الصفقة (عن طريق البنك المركزي، أو تنظيم داخلي بين مجموعة من المؤسسات، أو من ممول خارجي). كما أن التسوية الصافية يمكن أن تكون ثنائية bilateral أو متعددة multilateral، والأخيرة أكفأ من الثنائية في تقليل حجم وعدد المدفوعات التي يتحتم على كل طرف تسويتها.(5)
ولكل من التسوية الإجمالية والصافية مزايا وعيوب؛ فالمقاصة الصافية تقلل من حجم الصفقات، والمدفوعات المطلوب تحويلها وقت التسوية، ولكن مخاطر تسويتها -خاصة الخطر الائتماني- أعلى. أما المقاصة الإجمالية فتتطلب تحويلات مالية أكثر، وتتطلب من البنوك إدارة مخاطر السيولة بشكل متواصل مما يترتب عليه زيادة تكلفة الاحتفاظ بالاحتياطات، ولكن مخاطر تسويتها منخفضة.(6)
وتختلف أنظمة التسوية كذلك في وقت ما يسمى بحسم التسوية settlement finality ويقصد به الوقت الذي ينتفي فيه حق أي من الطرفين في إلغاء التسوية. إذ قد تسمح بعض الأنظمة بحق الإلغاء حتى وقت معين عادة ما يكون نهاية اليوم، بينما تمنع أخرى إلغاء التسوية بعد إتمامها تحقيقاً لاستقرار التعامل.
مسائل تطبيقية
مسألة (4)
هل ستلغي التسوية الآنية المقاصة؟(1/14)
هل ستلغي التسوية الإجمالية الآنية Real Time Gross settlement الحاجة إلى شركات المقاصة؟ يبدو أن الإجابة علن هذا السؤال هي أن الاعتماد بشكل متزايد على هذه الآنية في التسوية سوف تقلل تدريجياً من الحاجة إلى شركات المقاصة، ويتوقع أن تختفي نهائياً في حالة وجود نظام واحد مركزي يتولى المطابقة والمقاصة والتسوية آنياً.
وتجدر الإشارة إلى آلية مشهورة للتسوية يتزامن فيها التسليم مع الاستلام Delivery-versus-payment (DVP). وفيها لا يعتبر تحويل المبالغ النقدية من المشتري إلى البائع نهائياً إلا بعد تحويل ملكية الأوراق المالية. ويعد نظام التسوية الإجمالية الآنية (RTGS) متطلباً مهماً لتطبيق هذه الآلية. وهو يقلل بشكل كبير من مخاطر التسوية، ويستخدم على نطاق واسع من قبل قطع الاستثمار المؤسسي.
مسائل تطبيقية
مسألة (5)
كيف يمكن البيع والشراء في نفس اليوم مع تراخي التسوية ؟(1/15)
اشتهر في الوقت الحاضر ما يسمى بالتعامل اليومي day trading بين المتعاملين العاديين في الأوراق المالية عبر الإنترنت (مع أنه كان يمارس من قبل المتعاملين المحترفين لفترة طويلة) ويقصد بالتعامل اليومي إمكانية البيع والشراء في نفس اليوم؛ حيث يستطيع المتعامل أن يشتري السهم ثم يبيعه، أو العكس. فكيف يمكن التوفيق بين هذا الواقع وحقيقة أن نقل الملكية تتم في حالة الأسهم بعد ثلاثة أيام؟ والجواب هو أن العميل يقوم بتصفية مركزه المالي قبل التسوية. ولا يتأثر وضع السمسار من حيث تسليم واستلام الأسهم في اليوم الثالث لأن المتعامل اليومي ينهي يومه في الغالب كما بدأه flat. فهو إما أن يشتري أسهماً قد باعها بداية اليوم، أو يبيع أسهماً قد اشتراها بداية اليوم، فيتم تعديل حسابه لدى السمسار في اليوم التالي بناء على مقدار ما ربح أو خسر خلال التعامل اليومي ويمكن إجراء مثل هذا النوع من التعاملات لمن فتح حساباً نقدياً لدى السمسار، ولكن حساب الهامش يسهل من القيام بهذا النوع من التعامل بشكل كبير. وتجدر الإشارة إلى أن هناك قيوداً متزايدة على هذا النوع من التعامل بسبب انطوائه على مخاطرة كبيرة. فبعد دراسة مستفيضة لهذا النوع من التعامل والسماسرة الذين يروجون له أصدرت هيئة سوق المال في الولايات المتحدة أنظمة إضافية أكثر صرامة فيما يتعلق بمنح الائتمان لهؤلاء المتعاملين، وشروط إجراء البيع بعد الشراء أو العكس، كما ألزمت السماسرة بأن يفصحوا للعملاء بشكل واضح عن درجة المخاطر الكبيرة التي ينطوي عليها هذا التعامل (وقد توصلت الدراسة إلى أن الغالبية العظمى من المتعاملين بهذا النوع يخسرون) للتفصيل راجع: (NASAA, 1999)(1/16)
10 - تحديث قاعدة الملاك: تقوم شركة المقاصة بإبلاغ الشركة مصدرة الورقة أو البنك الذي يعمل وكيلاً عنها في حفظ أوراقها المالية، أو الحافظ المركزي للأوراق المالية depository (وهو المعمول به على نطاق واسع اليوم) عن التغيرات التي حصلت في الملكية من أجل تحديث قاعدة الملاك وأخذها في الاعتبار عند توزيع الأرباح أو الفوائد وغيرها من الحقوق التي يتمتع بها المالك الحقيقي للورقة كالتصويت في الجمعية العمومية بالنسبة للمساهم. وفي ظل هذا النظام يصبح التحويل بين الحسابات بديلاً عن استلام الشهادات كإثبات لانتقال الملكية. وفي ظل الربط الإلكتروني بين شركة المقاصة وحافظ الأوراق المالية، يمكن أن تتم التسوية بمجرد تحديث قاعدة الملاك إلكترونياً من خلال عمليات تحويل بين حسابات الأعضاء. وهناك اتجاه في صناعة الأوراق المالية لإلغاء الشهادات وجعل جميع الأوراق المالية قابلة للإيداع والتحويل الإلكتروني وهذا بلا شك سوف يساعد على تقليل المدة اللازمة لإتمام الصفقة. كما يلاحظ أن هناك درجة توجه لاندماج شركات المقاصة وحافظي الأوراق المالية كما سنبين لاحقاً.
11- تحويل المبالغ النقدية: في نفس الوقت تقوم شركة المقاصة من خلال نظام المدفوعات الرئيسي المملوك والمدار بواسطة البنك المركزي، أو من خلال نظام مدفوعات تعاوني بين بنوك السماسرة بتحويل المبالغ النقدية المترتبة على التسوية بين حسابات السماسرة.
12- تحديث بيانات السمسار: في اليوم التالي يقوم السمسار بتحديث بيانات الخزينة لديه وفقاً لتقرير شركة المقاصة. مع بيان تلك الأوراق المالية التي يحتاج إلى تسليمها للعملاء وتلك التي يحفظها السمسار في خزانته.(1/17)
وفي ظل تطبيق ما يسمى بالمعالجة المتكاملة للصفقات CCP (انظر الفقرة 3-4) فإنه يتوقع أن يتم معالجة إجراءات ما بعد مرحلة التنفيذ من مقاصة وتسوية (المراحل 5-11) بشكل آلي بدون أي تدخل يدوي. أما في ظل تطبيق آلية التسوية الآنية RTGS فإن جميع الإجراءات المتعلقة بنقل الملكية سوف تتم لحظة تنفيذ الصفقة. ويوضح الشكل (1) التغيرات المقترحة في آليات التنفيذ والتسوية وتأثيرها على إجراءات نقل الملكية.
ويجدر التأكيد في ختام هذا القسم على أن عملية التسوية هي في الواقع إتمام أو توثيق أو نقل لمستندات الملكية فنقل الملكية إجراءات تبدأ بتنفيذ الصفقة وتنتهي بالتسوية. وفترة التسوية (الفترة بين التنفيذ والتسوية) قد تطول أو تقصر تبعاً لعوامل عديدة. ومما يدل على ذلك أن المشتري خلال هذه الفترة هو الذي يتحمل مخاطرة تغير سعر الورقة المالية كما توضحه المسألة التطبيقية التالية.
مسائل تطبيقية
مسألة (6)
الغنم والغرم بين التنفيذ والتسوية
من الذي يتحمل مخاطر تقلب سعر الورقة المالية خلال الفترة بين التنفيذ والتسوية: البائع أم المشتري؟
تتأثر أسعار الأسهم بالأحداث المهمة المرتبطة بالشركة المساهمة، أو القطاع الاقتصادي الذي تعمل فيه، أو حتى الاقتصاد المحلي والعالمي. ويصعب على المتعاملين توقع مثل هذه الأحداث. ومن الأحداث الأخرى التي يجهلها المتعاملون كذلك قرار مجلس الإدارة -في حالة تحقيق أرباح- حول نسبة ما سيوزع منها على المساهمين؛ حيث تمنع أنظمة الأسواق التعامل المبني على معلومات داخلية ذات قيمة تم الحصول عليها من مجلس الإدارة والسؤال المهم في هذا الإطار هو: من الذي يستحق الأرباح (أو يتحمل الخسائر) التي تحدث بسبب تقلبات سعر الأسهم بسبب هذه الأحداث -بما في ذلك حدث توزيع الأرباح- إذا وقعت بعد تنفيذ الأمر ولكن قبل التسوية، هل هو المشتري أم البائع؟(1/18)
والجواب هو أن المشتري بعد تنفيذ الصفقة هو الذي يتحمل المخاطرة فهو الذي يستفيد من الأحداث التي ترفع من قيمة السهم، ويخسر من جراء الأحداث التي تقلل من قيمته، بغض النظر عن تاريخ تسوية الصفقة وللتمثيل نأخذ حالة توزيع الأرباح إذا قامت الشركة بالإعلان عن توزيع أرباح فإن سعر السهم يتغير مباشرة تبعاً لكون النسبة الموزعة أقل أو أعلى مما يتوقعه المتعاملون في السوق. والمستفيد أو المتضرر هو من اشترى السهم قبل هذا الإعلان سواء تمت تسوية الصفقة أم لا. وعادة ما يتم التفرقة في هذا الإطار بين عدة تواريخ تتعلق بتوزيع أرباح الأسهم على النحو التالي:
تاريخ تصويت وتصديق مجلس الإدارة على توزيع الأرباح
تاريخ الإعلان declared date
التاريخ الذي يجب أن يكون فيه اسم المساهم موجوداً ضمن قائمة ملاك الشركة حتى يستحق الأرباح.
تاريخ السجل record date
التاريخ الذي تقوم فيه الشركة بتوزيع الأرباح التي تم الإعلان عنها.
تاريخ التوزيع payable date
تاريخ شراء العميل أو بيعه للسهم محل التوزيع.
تاريخ الصفقة trade date
تاريخ قيام العميل بدفع مبلغ شراء السهم وتوثيق ملكيته، أو تسليم السهم الذي قام ببيعه واستلام قيمة صفقة بيعه.
تاريخ التسوية settlement date
تاريخ التعامل بالسهم بدون الأرباح الموزعة، وفي بدايته ينخفض سعر السهم بنفس مقدار الأرباح الموزعة وبعبارة أوضح هو أول يوم يتم فيه التعامل بالسهم بدون أحقية المشترى في الأرباح المعلنة حتى وإن لم تقم الشركة فعلاً بتوزيعها.
تاريخ التعامل "بدون أرباح" Ex-divided date(1/19)
وتسلسل وقوع هذه التواريخ كالتالي: تاريخ الإعلان، تاريخ التعامل "بدون أرباح"، تاريخ السجل، تاريخ التسوية وعادة ما يتم تحديد تاريخ السجل ضمن قرار الإعلان والتوزيع يمكن أن يتم في أي وقت بعد تاريخ السجل كما إن الصفقة يمكن أن تتم في أي تاريخ، ولكن التاريخ الحاسم هو تاريخ التعامل "بدون أرباح" فمن يشتري السهم قبل هذا التاريخ، يستحق استلام الأرباح من الشركة. ولذا تكون الفترة بين تاريخ الإعلان وتاريخ التعامل "بدون أرباح" أطول من فترة التسوية لضمان تحقق النفع للمشتري، كما يجب أن تتطابق الفترة بين تاريخ التعامل "بدون أرباح" وتاريخ السجل مع فترة التسوية حتى لا يصبح اسم المشتري في قائمة المالكين في تاريخ السجل. فمن اشترى قبل تاريخ التعامل "بدون أرباح" يضمن وجود اسمه في سجل الملاك وبالتالي استلام الأرباح. ويوضح الشكل التالي تسلسل وقوع هذه التواريخ في ظل نظام التسوية بعد ثلاثة أيام T+3.
المشتري لا يستحق الأرباح
المشتري يستحق الأرباح
T-3
T-1
T-1
T
T-1
T-1
T-3
...
تاريخ التسوية
تاريخ السجل
تاريخ التعامل (بدون أرباح)
...
تاريخ الإعلان
وفيما يتعلق بالسندات، فإن مقدار الفوائد موعد حلولها معروف مسبقاً، مما يعني انعدام المخاطرة على الأقل من الناحية التعاقدية -فيما يتعلق بمن يستحق الفوائد ولهذا يتم التعامل مع قضية الفوائد بشكل آلي عند تسوية صفقاتها فيما يعرف بمصطلح الفوائد المستحقة accrued interest ووفق هذا المفهوم يقوم المشتري (الذي يفترض أن يستلم الفوائد من مصدر السند) بدفع نسبة من الفائدة إلى البائع عند تسوية الصفقة، وتعتمد هذه النسبة على كل من الفترة الدورية لدفع الفائدة، وتاريخ دفعها، وتاريخ الصفقة. مثال: إذا كان السند يدفع مبلغ 100 في نهاية كل سنة، وتم شراؤه في نهاية شهر 9 فإن المشتري يدفع 75 للبائع إضافة إلى سعر السند؛ لأن المشتري سوف يستلم كامل مبلغ الفائدة 100 بعد ثلاثة أشهر.(1/20)
3- دور المؤسسات المالية في التسوية:
عادة ما يقسم العاملون في صناعة الأوراق المالية security industry إلى جانبين جانب الطلب buy-side وجانب العرض sell-side.(7) ويقصد بجانب الطلب الجهات التي تستخدم الخدمات المالية مثل الأفراد وصناديق استثمار الاحتياطيات على اختلاف أنواعها كصناديق استثمار أموال الأوقاف، واحتياطيات الدول، واحتياطيات شركات التأمين. ومصدر التسمية أن هذا الجانب يشكل مصدر الطلب على خدمات صناعة الأوراق المالية. أما جانب العرض فيتمثل في الجهات التي تقدم الخدمات المالية مثل السماسرة، وتجار الأسهم، والأسواق المالية وشركات المقاصة والتسوية وحفظ الأوراق المالية. على أن هناك أنواعاً من المؤسسات التي يصعب تصنيفها ضمن هذين الجانبين لأنها تستخدم وتقدم الخدمات المالية كصناديق الاستثمار المشتركة والبنوك والشركات المصدرة للأوراق المالية. أما المنظمون فهم الذين ينظمون سوق الخدمات المالية كلاً أو جزءاً.
وسوف يركز هذا القسم بشكل أكبر على جانب العرض باعتباره المسؤول عن معالجة عملية نقل ملكية الأوراق المالية، وذلك من خلال استعراض دور الجهات المختلفة المرتبطة بعملية التسويه وينبغي التأكيد في هذا المقام على التمييز بين الوظائف الرئيسة المرتبطة بعملية نقل ملكية الأوراق المالية - والتي تم استعراضها في القسم السابق- أسهل من تصنيف المؤسسات التي تقوم بأداء هذه الوظائف. ويرجع السبب في هذا إلى عدم انتظام العلاقة بين الوظيفةوالمؤسسة بين مختلف الدول التي تعمل فيها هذه المؤسسات ونتيجة لعدم الاتساق في دور المؤسسات المالية في عملية التسوية يفضل بعض الكتاب دراسة موضوع نقل ملكية الأوراق المالية باستخدام مدخل الوظائف (التنفيذ، المقابلة، المقاصة، التسوية، ..) بدلاً من مدخل المؤسسات (السمسار، السوق المالية، شركة المقاصة، .. ..).
3-1 الجهات المصدرة للأوراق المالية:(1/21)
الجهة قد تكون شركة مساهمة أو بنكاً تجارياً أو مركزياً، أو جهة حكومية. والأوراق المالية التي يمكن أن تصدرها هذه الجهات أنواع، أشهرها، الأسهم والسندات، ووحدات صناديق الاستثمار، والخيارات والمستتقبليات. وما يهمنا هو دور هذه الجهة في عملية التسوية،وهو يتم من خلال توكيل ما يسمى بوكيل التحويل transfer agent (غالباً أحد البنوك التجارية) ليقوم بتسجيل أسماء وعناوين الملاك لأوراقها المالية، وتحديث بيانات الملاك (بتسجيل أسماء الملاك الجدد وإلغاء أسماء الملاك القدامى) بعد كل عملية تسوية. وله دور خاص فيما يسمى بالنقل القانوني للملكية legal transfer (خلافاً للنقل العادي regular transfer الذي يحدث في الأسواق) في حالات الميراث والتنازل ونحوها. كما يمكن أن يوكل إلى هذا الوكيل أعمال أخرى للشركة المصدرة مثل: توزيع الأسهم والأرباح على المساهمين المسجلين في تاريخ معين والفوائد على الدائنين، واستبدال الشهادات التالفة أو المسروقة، وتوزيع النشرات والأخبار والتقارير المالية على المساهمين. ويلاحظ أن الشركات المصدرة للأوراق تميل للاعتماد على شركات حفظ الأوراق المالية التي تقوم بنقل الملكية إلكترونياً. كما أصبحت شركات المقاصات تعتمد على شركات حفظ الأوراق المالية كمنطقة معالجة مركزية تتعامل مع جميع وكلاء التحويل (الخاصين بالشركات التي لم تقم بإيداع أوراقها المالية في شركات حفظ الأوراق المالية).
3-2 السماسرة:(1/22)
الوظيفة الرئيسية لسمسار الأوراق المالية القيام بدور الوكيل عن العميل في تنفيذ أوامره وفق شروطه مقابل عمولة. وتقوم شركات السمسرة بدور رئيس في صناعة الأوراق المالية. وللقيام بهذا الدور على أفضل وجه يقوم السمسار عادة بالاحتفاظ بقاعدة معلومات عن كل عميل لديه (الاسم، العنوان، نوع الحساب، عدد الأوراق المالية المملوكة له ونحوها) وعن كل ورقة مالية يتعامل بها (الاسم، وحدة التعامل، عملة التعامل، رمزها الدولي، الجهات المسؤولة عن مقاصتها وتسويتها، خطوات المقاصة والتسوية، وغيرها)، وعن الأسواق المالية التي يتعامل معها (الاسم، الموقع، نظام التداول)، ومعلومات عن شركة المقاصة والتسوية وإجراءات التسوية. كما يحتفظ بقاعدة بيانات لكل الصفقات التي يقوم بتنفيذها.
كما قد يقوم السمسار -بناء على طلب العميل- بدور الحافظ للأوراق المالية للعملاء، وبدور المقرض للعملاء الذين يتعاملون بالهامش، ورهن أوراقهم المالية، وإقراضها لمن يريد بيعها بيعاً مكشوفاً أو اقتراضها لتسليمها في حالة عدم توفرها لديها. وفي حالة بقاء أسهم العملاء باسمه يلتزم السمسار بتحويل الأرباح والفوائد إلى العملاء، وتبليغهم بأي معلومات ترد من الشركات، ومنحهم توكيل للتصويت في حالة الأسهم. كما قد يقوم السمسار بتقديم خدمة الاستشارة المالية لمن يطلبها من العملاء.
ودور شركة السمسرة في تحويل الملكية يبرز في تنفيذ الصفقة ابتداء، ومتابعة إجراءات مقاصتها وتسويتها لاحقاً. فالسمسار هو الذي يتولى إرسال الأمر إلى السوق، وبعد تنفيذه يتولى متابعته حتى تتم مقارنة الصفقة مع الطرف المقابل مباشرة أو من خلال شركة المقاصة للتأكد من سلامة معلوماتها، تمهيداً لتسويتها.
مسألة تطبيقية
مسألة (7)
هل يمكن للمستثمر أن يتخطى السمسار؟(1/23)
يتبادر إلى الذهن تساؤل حول مدى إمكانية قيام المستثمر بالتعامل بالسوق مباشرة بدون الحاجة إلى المرور من خلال سمسار ما. هذا ممكن من الناحية النظرية ولكن يترتب عليه وجوب التزام المستثمر بجميع الأنظمة التي تحكم عمل السماسرة (بما في ذلك تكلفة الوصول إلى السوق) وهذا مكلف بالنسبة له، والأهم من هذا التزام المستثمر بالإعلان عن هويته والإفصاح عن تعاملاته لبقية المتعاملين بالسوق، مما قد يؤثر سلبياً على تعاملاته خاصة إذا كان مستثمراً مؤسسياً يتعامل بكميات كبيرة، أو كان من المتعاملين المعروفين بالعمل في مجال التحليل المالي. مع هذا فإن للتطور في مجال تقنية المعلومات والاتصالات دوراً في هذا المجال حيث أصبح بإمكان المتعاملين العاديين والمستثمرين المؤسسيين من إدخال الأوامر وإرسالها مباشرة للسوق للتنفيذ، ومتابعة تنفيذها وتسويتها بدون الحاجة للتدخل المباشر من السمسار. وفي هذه الحالة يتمثل دور السمسار في توفير البنية الأساسية (والمتمثلة في أجهزة الحاسب والبرامج) التي تمكن المستثمر من الوصول -عبر أقل تدخل من السمسار- إلى السوق. ويسمى هذا النوع من السماسرة بـonline broker. بالإضافة إلى ذلك يمكن للشخص التعامل بدون اللجوء إلى السمسار مطلقاً من خلال قسم التحويل بالشركة، أو وكيل تحويل الشركة، ولكن هذا يتم عادة لأسباب لا علاقة لها بالتغير المتوقع في قيمة الورقة المالية (حالات الهبة، والميراث، والتنازل ونحوها).
مسائل تطبيقية
مسألة (8)
هل يمكن أن يضمن السمسار للعميل تنفيذ الصفقة قبل إرسال أمره إلى السوق؟(1/24)
لا يستطيع السمسار ذلك من الناحية الفنية إلا إذا كان سينفذها من مخزونه الخاص. ولا توجد أنظمة تلزم السمسار بتنفيذ الأمر في مدة محددة. والذي يحدث في الواقع أن بعض السماسرة يعلن -بهدف الترويج لخدماته- أنه يضمن تنفيذ الصفقات في حدود فترة زمنية معينة (مثلاً خلال 30 ثانية من وصول الأمر إليه).ولا يقدم على هذا إلا إذا كان يدرك بما لديه من خبرة وإمكانيات فنية أنه يستطيع إنجاز ذلك في أغلب الحالات. ولكنه قد يعجز، وفي هذه الحالة ينفذ الأمر بدون تحميل العميل أي عمولة مقابل التنفيذ لأنه أخفق في الالتزام بوعوده ويلاحظ أن هناك تبادلاً بين السرعة وجودة التنفيذ. فإعطاء السمسار فترة أطول لتنفيذ الأمر يؤدي في الغالب إلى تنفيذه عند سعر أفضل. وعموماً يتحمل السمسار أي تقصير أو خطأ في تنفيذ تعليمات العميل كما حددها في أمره كالخسارة التي يمكن أن تترتب على تأخير إرسال الأمر السوقي مباشرة. بل يصبح مسؤولاً في بعض الدول عن تحقيق أفضل تنفيذ، فإذا وجد أفضل من السعر الذي طلبه العميل يكون ملزماً نظاماً بالتنفيذ وفق السعر الأفضل (الأعلى في حالة البيع والأقل في حالة الشراء).
3-3 الأسواق المالية:(1/25)
الأسواق المالية أنواع، منها البورصات التي لا تسمح بالتعامل إلا من خلال قاعة تداولها، والأسواق التي يتم التعامل فيها من خلال شبكة إلكترونية. كما قد تتخصص الأسواق في نوع معين من الأوراق المالية، كالأسهم أو السندات، أو السلع أو الخيارات أو المستقبليات. ولكل سوق قواعد خاصة تحكم آلية الإدراج والتعامل والإفصاح عن المعلومات. وتهدف السوق إلى توفير السيولة (من خلال جذب أكبر قدر ممكن من تيار أوامر البيع والشراء)، واكتشاف أفضل الأسعار للأوراق المالية التي يتم تداولها في السوق (من خلال توفير آلية تسعير تقلل ما أمكن من الفرق بين سعر الورقة المالية وقيمتها الحقيقية). ولذا فهي توفر جميع التجهيزات اللازمة لإدراج الأوراق المالية، ووضع القواعد التي تكفل التعامل العادل في هذه الأوراق، وتسجيل معلومات الصفقات اللازمة لإتمام عملية نقل الملكية، وبث المعلومات الأساسية المترتبة على التعامل بالأوراق المالية المدرجة فيها.
والأسواق المالية يمكن أن تتخذ أشكالاً عدة؛ فقد تتمثل في سوق منظمة سواء كانت مركزية (مثل سوق نيويورك NYSE) أو غير مركزية (مثل سوق نازداك NASDAQ) أو صانع سوق مستقل (كشركة تتاجر بالأسهم) أو شبكات تعامل إلكترونية تعمل على مدار الساعة (مثل شبكات ECN في الولايات المتحدة) وتقوم كل سوق عادة بإرسال تقرير للجهات المعنية (السماسرة وشركات المقاصة) يتضمن كل صفقة تتم فيها بهدف تسهيل إجراءات المقاصة والتسوية.
3-4 شركات المقاصة:
وهي شركات تعاونية يتكون أعضاؤها من السماسرة، وتتمثل مهمتها الأساسية في مقارنة معلومات الصفقات التي يقدمها طرفي كل صفقة من أعضائها، ومن ثم تحديد صافي المديونية أو الدائنية (من مختلف الأوراق المالية والنقود) لكل سمسار، تمهيداً لتسويتها بتحويل النقود من المدين للدائن، ونقل ملكية الأوراق المالية من البائع للمشتري.(1/26)
ولتسهيل عملية التسوية عادة ما ترتبط شركة المقاصة بحافظ الأوراق المالية ونظام للمدفوعات النقدية fund-transfer system. وتجدر الإشارة إلى أن نظام المدفوعات قد يكون خاصاً مملوكاً لمجموعة من المؤسسات العاملة في هذه الصناعة، أو نظاماً تابعاً للبنك المركزي وعموماً تعتمد كفاءة المقاصة على كفاءة نظم المعلومات والاتصالات والحاسب، وتنميط رسائل الاتصال، ويرفع من كفاءة استخدام التسجيل المركزي (عدم تحريك الشهادات أو إلغائها) مما يمكن من نقل الملكية إلكترونياً. وهناك اتجاه متزايد لإتمام نقل الملكية من خلال تحويل الحسابات لدى حافظي الأوراق المالية.
ويمكن أن تقوم شركة المقاصة بدور الطرف المقابل في كل معاملة في النظام المسمى الطرف المقابل المركزي (CCP) Central Counterparity، فتكون المشتري من كل بائع والبائع لكل مشتري. ومن ثم يحول هذا النظام العقد بين البائع والمشتري في السوق إلى عقدين: عقد بين البائع والطرف المقابل المركزي، وعقد بين الطرف المقابل المركزي والمشتري. وبالتالي يكون التعامل بين شركة المقاصة وكل عميل تعاملاً أصيلاً وفق هذه الآلية. والأثر القانوني لهذه الآلية أنه في حالة إخفاق أحد الطرفين تكون المسؤولية القانونية بين شركات المقاصة والطرف الذي أخفق فقط، وليس بين الطرفين. وتماثل شركة المقاصة عند قيامها بهذا الدور شركة التأمين، فهي تضمن تسوية الصفقة، في مقابل مساهمة الأعضاء في صندوق يقدم الحماية للأعضاء في حالة تعرض أحدهم للإفلاس. كما تشترط شركة المقاصة لمزيد من الحماية تحديد سقف أعلى لمديونية كل عضو، أو أن يقدم ضمانات إضافية تتناسب مع حجم المديونية الصافية وهذه الترتيبات تؤدي في الواقع إلى تماثل درجة مخاطر تسوية الصفقات التي يواجهها كل عضو في هذا النظام.(1/27)
وأخيراً يلاحظ أنه في بعض الدول تقوم الأسواق بعمل شركة المقاصة بما في ذلك التسوية (كما في حالة المملكة). من جهة أخرى قد يدخل في عمل شركة المقاصة في بعض الدول بالإضافة إلى التسوية عملية حفظ الأوراق المالية. وكما أشرنا هناك توجه لاندماج شركات المقاصة مع حافظي الأوراق المالية كما حديث في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قامت شركة المقاصة NSCC بالاندماج مع حافظ الأوراق المالية الرئيس DTC في عام 2000م.(8)
3-5 حافظ الأوراق المالية:
يقوم حافظ الأوراق المالية بخزن الأوراق المالية، ويقوم بناء على تعليمات شركة المقاصة بنقل ملكية الأوراق المالية من شخص أو مؤسسة إلى آخر غالباً في شكل تحويل إلكتروني بين الحسابات. وقد يقوم الحافظ بخزن الشهادات الحقيقية (في شكل شهادات ورقية). وفي بعض الدول يقوم بعمل شركة المقاصة والحفظ شركة واحدة. ولقوة الصلة بين هذه الشركات نجد أن هناك توجهاً لاندماجها.
مسائل تطبيقية
مسألة (9)
هل يمكن للمستثمر أن يفتح حساباً لدى المقاص والحافظ مباشرة؟
البيئة المحاسبية التي يعمل فيها السماسرة في الأغلب تقوم على مبدأ الإمساك غير المباشر للحسابات. فشركة المقاصة وحافظ الأوراق المالية يمسكان حسابات السماسرة، والسماسرة يمسكون حسابات العملاء، تماماً مثلماً يمسك البنك المركزي حسابات البنوك، وتمسك البنوك حسابات العملاء. ولكن لا يوجد ما يمنع من الناحية الفنية والنظامية من قيام شركة المقاصة والحافظ للأوراق المالية بإمساك حسابات العملاء مباشرة (وهو المعمول به في المملكة).
3-6 البنوك:(1/28)
ولها ارتباط كبير ببيوت السمسرة والشركات المصدرة للأوراق المالية. فهي ممول حساب الهامش لدى السماسرة، كما أنها قد تتولى إصدار أوراق مالية جديدة كالأوراق التجارية، والعمل بالوكالة عن الجهة المصدرة كحافظ لأوراقها المالية، وتوزيع الأسهم الجديدة والأرباح أو الفوائد للملاك في تاريخ محدد. كما أن البنوك يمكن أن تكون من عملاء السماسرة نظراً لحاجتها إلى الاستثمار في أسواق الأوراق المالية لإدارة محافظها الاستثمارية الخاصة، أو تلك الخاصة بالعملاء كصناديق الاستثمار المشتركة.
3-7 البنك المركزي:
للبنك المركزي دور في التحكم في سن القوانين التي تنظم عمل نسبة الهامش لما يترتب عليها من منح ائتمان، كما أن البنك المركزي يقوم بدور المشغل لنظام المدفوعات الرئيس في الدولة، والذي يرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالمؤسسات المعنية بتسوية صفات الأوراق المالية.
3-8 هيئة سوق المال:
يوجد في كل بلد سلطة تشرف على الأسواق المالية وجميع المتعاملين بها، وتهتم بسن القوانين التي تضمن سلامة واستقرار قطاع الخدمات المالية وهي ما يطلق عليه عادة مصطلح "هيئة سوق المال". بالإضافة إلى ذلك تقوم الأسواق المالية وجمعيات تجار الأوراق المالية والسماسرة بسن تنظيمات داخلية تهدف إلى تعزيز ثقة الناس بالخدمات التي يقدمها الأعضاء في هذه الجمعيات.
مسائل تطبيقية
مسألة (10)
لماذا تتعدد المؤسسات المالية العاملة في صناعة الأوراق المالية؟(1/29)
من الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة مسألة تعدد المؤسسات المالية العاملة في مجال خدمة الأوراق المالية: لماذا لا يكون هناك سوق مالية وطنية واحدة؟ لماذا لا يوجد شركة مقاصة واحدة؟ لماذا لا يوجد حافظ واحد للأوراق المالية؟ لماذا الفصل بين هذه المؤسسات المختلفة؟ أليس من الممكن أن يقوم بها جميعاً مؤسسة واحدة؟ الإجابة عن السؤال الأخير: نعم من الممكن أن تتولى جميع الأمور المتعلقة بتداول الأوراق المالية جهة واحدة. وأفضل مثال على ذلك -كما سنرى بالتفصيل- حالة المملكة فمؤسسة النقد العربي السعودي تتولى الإشراف على السوق، وتقوم بدور المقاصة والتسوية. وهذا التوحد في القيام بالوظائف الأساسية المتعلقة بتداول الأسهم مكن المؤسسة من تقديم خدمات في مجال التداول لم تصل لها دول مثل الولايات المتحدة، ومن أبرزها التسوية الآنية. فما هو تفسير التجزئة الحاصلة في الدول الأخرى مثل الولايات المتحدة؟
يمكن تفسير التجزئة بالعوامل التالية:
(1) المصالح المتأصلة: تعتبر الأسواق المالية وشركات المقاصة والتسوية وحفظ الأوراق المالية منظمات غير هادفة للربح ولكنها تتكون من أعضاء يهدفون إلى الربح ولهم مصالح أخرى خارج السوق (وهم تجار الأسهم والسماسرة). ولذا قد تكون بعض التغيرات في بنية السوق نحو مزيد من الاندماج مبررة من وجهة نظر الكفاءة الاقتصادية والرفاهة الاجتماعي، ولكنها تتعارض بدرجة أو بأخرى مع المصالح الخاصة للأعضاء الذين عادة ما يكونون أعضاء في أكثر من سوق.
(2) تباين رغبات المستفيدين: اختلاف الأسواق في أنظمتها المتعلقة بشروط الإدراج، والإفصاح عن المعلومات، وآلية تنفيذ الأوامر يجعل السوق مفضلة لنوعية معينة من مصدري الأوراق المالية، ونوعية معينة من السماسرة وتجار الأسهم، ونوعية معينة من المستثمرين.(1/30)
(3) تعدد الأوراق المالية: تعدد الأسواق وشركات المقاصة وحافظي الأوراق المالية يجد من يدعمه على أساس أن كل نوع من الأوراق المالية (الأسهم مقابل الخيارات مثلاً) يحتاج إلى معاملة خاصة، وبالتالي تحظى المنتجات المالية المتعددة بمعاملة أفضل في ظل التعدد، وبمعاملة أقل كفاءة في ظل التوحد.
(4) ولعل أقوى الأسباب هو حرص المنظمين على إتاحة المنافسة بين مختلف مقدمي الخدمات المالية بهدف تحفيز الابتكار وتقديم أفضل الخدمات للمستثمرين. والمنافسة تتطلب التجزئة. بالإضافة إلى ذلك يؤدي السماح بتبطين الأوامر (انظر المسألة (2)) بزيادة حدة المنافسة والتجزئة من خلال تسهيل إنشاء أسواق مالية جديدة.
ويلخص الجدول (1) طبيعة التداخل بين المؤسسات المالية المختلفة في القيام بالوظائف الرئيسية في صناعة الأوراق المالية. كما يوضح الشكل (2) طبيعة العلاقة بين ه ذه الوظائف والمؤسسات المالية كما هو عليه الوضع في أكثر الدول.
4- مخاطر التسوية:
تبلغ قيمة الصفقات التي تنتظر التسوية في الولايات المتحدة -كمثال- 375 بليون دولار يومياً، وفي ظل النظام القائم على التسوية بعد ثلاثة أيام من التنفيذ (T+3) تتجاوز الأموال المنتظرة للتسوية تريليون دولار. وإذا استمر نمو التعامل وفق معدله الحالي فإن هذا المبلغ سوف يصل إلى 2.8 تريليون في العام 2004م (SIA, 2001). وتدل هذه الأرقام الضخمة على عظم الخطر الذي يمكن أن يترتب على إخفاق نظم تسوية الصفقات، وأهمية السعي الدؤوب نحو تقليل المخاطر التي تهددها.
يعرض هذا القسم للمخاطر التي تؤثر على إتمام عملية تسوية الصفقات وسبل تجنبها. وأبرز هذه المخاطر هي:(1/31)
* الخطر التقني: ويحدث عندما تخفق تقنية المعلومات والاتصالات المستخدمة في عملية التسوية في إتمام عمليات نقل الملكية والتحويلات المالية المترتبة عليها في الوقت المحدد. ومثال هذا الخطر ما حدث لبنك نيويورك في 1985 عندما عجز عن إكمال التسوية بسبب تعطل أجهزة الحاسب والاتصالات بين البنك والجهات الأخرى. وقد تم حل هذه المشكلة من خلال تدخل البنك المركزي بإقراض هذا البنك، خشية انتشار هذا الخطر وتحوله إلى أزمة مالية.
* احتمال وقوع الخطأ: ويحدث هذا أكثر في الأنظمة التي تعتمد على الوسطاء في تنفيذ الصفقات وتقرير معلوماتها. حيث يترتب على ذلك عدم اتحاد معلومات الصفقة عند مقارنتها من خلال مركز المقاصة. ويقلل استخدام أنظمة التداول الإلكترونية من هذا الخطر. مع ذلك يظل احتمال وقوع الخطأ من أي من العاملين سواء في إدخال الأمر أو تسجيل معلوماته وغيرها. وعادة ما يتم التعامل مع هذه الحالات الاستثنائية من خلال إجراءات متفق عليها مسبقاً لا يتأثر بها وضع العميل.
وتسمى بعض المراجع هذين النوعين من الأخطار بأخطار التشغيل operation risks. ويؤدي التقدم التقني إلى تقليل دور الإنسان في معالجة الصفقات وبالتالي تقليل من احتمال وقوع هذه الأخطار. كما يقلل من احتمال وقوع هذه الأخطار زيادة قدرة أنظمة الحاسب والمعلومات على التعامل مع الحجم المتزايد للصفقات، وحمايتها من العبث، وتوفير آلية سهلة لمراجعة سلامة عمليات التنفيذ والتسوية، ووضع خطة لمجابهة الطوارئ تشتمل على نظام الحفظ الاحتياطي backup system للمعلومات في أماكن مختلفة.(1/32)
* الخطر الائتماني: هو خطر إفلاس أحد طرفي الصفقة، وبالتالي عجزه عن الوفاء بكامل أو بعض قيمة الصفقة. وهو في الواقع من أهم الأخطار التي تواجه عملية التسوية. ولذا تحرص الجهات المسؤولة عن تنظيم هذه الصناعة على سن الأنظمة التي تحمي النظام ككل من هذا الخطر. وباعتبار أن أحد أسباب هذا الخطر هو الإفراط في منح الائتمان، تحرص التشريعات على التحكم في الأنظمة التي تسمح به بشكل صارم. كما يحرص السماسرة وتجار الأسهم على الاشتراك في نوع تأمين للتقليل من حدة هذا الخطر، وزيادة الثقة في عملية التسوية. وأحد أبرز هذه الترتيبات ما يسمى بالتسوية وفق مبدأ الطرف المركزي CCP، كما سبقت الإشارة إليه (فقرة 3-4).
* خطر السيولة: ويتمثل في تأخر أحد طرفي الصفقة في الالتزام بدفع الثمن أو تسليم الورقة المالية في تاريخ التسوية. وهذا الخطر وإن كان أقل من سابقه فهو قد يؤدي إليه؛ إذ قد يؤدي إلى عجز طرف ثالث عن الوفاء بالتزاماته. ولذا يحرص المنظمون والعاملون في هذه الصناعة على وضع القيود التي تقلل من احتمال حدوثه. وقد يكون من بين هذه القيود إلزام المشتري بإيداع قيمة الصفقة في حسابه لدى السمسار قبل إرسال أمر الشراء، وتسليم البائع ما يثبت ملكيته للورقة المالية قبل إرسال أمر البيع.
* خطر الحافظ: ويقصد بها خطر فقدان الأصول المالية نتيجة إفلاس الحافظ أو إهماله أو نتيجة استغلاله للأوراق المالية بطريقة غير مشروعة، أو سوء الإدارة وضعف نظام مسك الحسابات. ويقلل من هذا الخطر التوجه نحو نظام الإيداع المركزي للأوراق المالية.(1/33)
* خطر الأزمة المالية: وهو أسوأ ما يمكن أن يحدث. ويتسبب فيه تتابع إعلان الإفلاس نتيجة إخفاق إحدى المؤسسات المالية الأعضاء في نظام المقاصة والتسوية في الوفاء بالتزاماتها، بشكل يهدد نظام التسوية والمدفوعات في الإخفاق ككل. وللبنك المركزي دور بارز في وقاية النظام من هذا الخطر، والقضاء عليه قبل أن يستفحل من خلال التدخل في فك حلقات هذه الأزمة.
* خطر التسوية عبر الحدود: نظراً لانتشار التداول بين الدول المختلفة في الأوراق المالية، وبسبب اختلاف وقت عمل نظم المدفوعات في الدول يكون هناك احتمال عدم تسوية الصفقات بسبب عدم إمكانية التسوية الآنية. وهناك مقترحات للتقليل من هذا الخطر ولكنها تقع خارج نطاق هذا البحث.
* الخطر القانوني: الخطر الناتج عن عدم وضوح الأنظمة التي تعالج المقاصة والتسوية، والحقوق المالية المترتبة عليهما في الدول المختلفة. وهو خطر ناجم عن التوسع في التعامل عبر الحدود واختلاف الأنظمة التي تحكم صناعة الأوراق المالية في الدول المختلفة. وتقليل هذا الخطر يتطلب توحيد هذه الأنظمة ما أمكن.
ويلاحظ عموماً أن مخاطر التسوية تزيد بزيادة المدة بين تنفيذ الصفقة وتسويتها. ولهذا يحرص مختلف العاملين في هذه الصناعة ومنظميها على تقليل هذه الفترة التي تبلغ حالياً 3 أيام. حيث يوجد توجه نحو الانتقال إلى يوم واحد في المستقبل القريب.
مسائل تطبيقية
مسألة (11)
الصفقات ذات التسوية المتراخية والعقود الآجلة(1/34)
يلاحظ أن تأخر تسوية الصفقات يقرب الصفقات الحالة في الأوراق المالية من حالة العقود المستقبلية فكلما زادت الفترة بين التنفيذ والتسوية، يبدأ المتعاملون في أخذ التغيرات المتوقعة في السعر عند تحديد سعر الصفقة، وقد يقوم بعضهم بتصفية مركزة من خلال إعادة البيع أو الشراء قبل حلول موعد التسوية ودفع أو استلام الفرق. كما يخلق تزايد الفترة مخاطر ائتمانية تشبه تلك التي تواجهها العقود المستقبلية. ولكن يفترق هذان النوعان فيما يتعلق بمن يستحق الأرباح الموزعة أو الفوائد خلال هذه الفترة. فالذي يستحقها في حالة العقود الآجلة البائع (إذا كان يملك الأصل الذي سيتم بيعه وقت توزيع الأرباح) أما في التسوية المتراخية فيستحقها المشتري. ولكن هذا الفرق غير مؤثر على سلوك المتعاملين؛ إذ يتم تحديد السعر في الحالتين (سعر الصفقة الحال في حال التسوية المتراخية، أو سعر التسلم الآجل في حال العقد الآجل) وفق نفس المبدأ العام الذي يحكم اختيار الأسعار في العقود الآجلة ولكن مع تجاهل أو حساب الأرباح التي يتوقع أن يدرها الأصل المالي خلال الأجل. انظر المزيد Hull (1997; p 45).
5- التسويق في أسواق مالية مختارة:
يستعرض هذا القسم آلية تسوية الصفقات في أسواق مالية مختارة هي: أسواق الأسهم الأمريكية، وسوق لندن للمعادن، وسوق الأسهم السعودية.
5- 1 أسواق الأسهم الأمريكية:(1/35)
العرض في الأقسام السابقة ينطبق إلى حد كبير على أسواق الأسهم الأمريكية. وسنشير فيما يلي إلى أهم أطراف صناعة الأوراق المالية في الولايات المتحدة الأمريكية. تعتبر الأسهم والسندات للشركات المساهمة والحكومات أبرز الأوراق المالية التي يتم تداولها في أسواق الأسهم في الولايات المتحدة. ويوجد أسواق أخرى للمستقبليات والمشتقات، بالإضافة إلى أسواق السلع والمعادن. ويقوم السماسرة وتجار الأسهم بدور كبير في تقديم خدمة تداول الأوراق المالية للمستثمرين. وتمثل الأسواق المالية المراكز التي يرسل إليها السماسرة أوامر العملاء لتنفيذها. وأهمها سوق نيويورك (NYSE) وسوق نازداك (NASDAQ)، وشبكات التداول الإلكترونية (Electronic Communication Network (ECN)، كما يمكن أن يتم التعامل بين المستثمرين وكبار تجار الأسهم مباشرة أو من خلال السماسرة. ولا يوجد ما يمنع أن يكون السمسار عضواً في أكثر من سوق مالية.(1/36)
ويتولى عملية المقاصة في كل هذه الأسواق الشركة الوطنية لمقاصة الأوراق المالية National Securities Clearing Corporation (NSCC)، ويتم نقل ملكية الأسهم من خلال حافظ الأوراق المالية Depository Trust Company (DTC)، ونظراً لارتباط عمل هاتين الشركتين فقد تم اندماجهما مؤخراً (في عام 1999) في شركة واحدة هي شركة الحفظ والتسوية: Depository Trust & Cleaning Corporation (DTCC). وتقوم البنوك والبنك المركزي بدور كبير في هذه الصناعة من خلال تسهيل عملية تسوية المبالغ المترتبة على الصفقات من خلال نظام المدفوعات الخاص Clearing House Inter-bank Payment System (CHIPS)، أو من خلال نظام المدفوعات الذي يديره البنك المركزي FedWire ويشرف على السوق هيئة سوق المال Security Exchange Commission (SEC). وهناك مشروع قائم في هذه الصناعة نحو تقليص فترة التسوية من ثلاثة أيام إلى يوم واحد بعد تنفيذها (T+1)، ويتوقع أن يتم إنجاز هذا المشروع في العام 2002م. ويوضح الشكل (3) العلاقة بين أطراف هذه الصناعة.
5-2 سوق لندن للمعادن London Metal Exchange (LME)
تعتبر سوق لندن للمعادن إحدى الأسواق الدولية الرائدة في التعامل في المعادن وعقود المستقبليات والخيرات المشتقة منها. وهي متخصصة في المعادن غير الثمينة (النحاس، الألمنيوم، الزنك، الرصاص، النيكل، القصدير) بالإضافة إلى الفضة والعقود المشتقة منها ومن مؤشر السوق LMEX الذي يمثل المعادن الرئيسة الست التي يتم تداولها في السوق. ويمكن إرجاع بداية التعامل في هذه السوق إلى عام 1571م. وتتمثل وظائفها الرئيسة فيما يلي:(1/37)
(1) اكتشاف الأسعار: اكتشاف أسعار المعادن التي تتعامل بها السوق بشكل يومي بحيث تكون مرجعاً للمتعاملين بها عالمياً. وينبغي التنبيه إلى أن السوق ليست هي مقصد من يبيع ويشتري في هذه المعادن. فمن يريد شراء معدن معين ذي تصنيف معين يجب عليه أن يتوجه لمن يملك ذلك المعدن مسترشداً بالأسعار التي يتم التوصل إليها في السوق. فالسوق تقدم خدمة اكتشاف الأسعار وليس التعامل الفعلي في هذه المعادن. مع هذا فإن السوق يمكن أن ترتب تسليم المعادن المشتراة عندما يتطلب الأمر ذلك كما سنبين في الفقرة 3 أدناه. وترى هيئة السوق أن الأسعار التي يتم اكتشافها للعقود الحالة تعكس حالة الطلب والعرض العالمي من هذه المعادن، كما تعكس أسعار العقود المستقبلية والخيارات توقعات السوق فيما يتعلق بالأسعار المستقبلية لهذه المعادن. ويتم توزيع معلومات الأسعار على جميع مناطق العالم من خلال شركات متخصصة في مجال بث المعلومات المالية.(1/38)
(2) توقي المخاطرة: وذلك من خلال إتاحة عقود مستقبلية وخيارات بهدف توقي المخاطرة hedging. والمستفيد الأول في هذه الوظيفة التي تعتبر أهم وظائف السوق هي الشركات التي تتعامل فعلياً بهذه المعادن في صناعاتها؛ حيث تسمح هذه العقود بتجنب المخاطرة التي قد تنتج عن تقلبات الأسعار. وهذه العقود في الواقع تقدم خدمة التأمين ضد هذه التقلبات، مما يقلل من درجة المخاطرة التي تواجهها الشركات الصناعية المتعاملة بهذه المعادن سواء كانت مرتبطة بالتكاليف، أو الإيرادات أو كليهما. ولكن هذه العقود يمكن أن تستخدم لغرض المجازفة. ويختلف المجازف عن متوقي المخاطرة في أن المجازف لا يواجه في الواقع أي مخاطرة قبل الدخول طرفاً في هذه العقود، ويتحمل المخاطرة بدخوله في هذه العقود طوعاً. أما المتوقي فهو يواجه مخاطرة فعلية قبل الدخول في هذه العقود ويسعى من الدخول فيها إلى تقليل حجم خسارته على حساب تقليل حجم ربحه، بينما يعرض المجازف نفسه لخطر الخسارة على أمل تحقيق ربح.
(3) المستلم الأخير: تلتزم السوق بتسليم المعادن في حالة حلول وقت تسليمها، وطلب المشتري لذلك. وللقيام بدور المسلم الأخير تقوم السوق بالإذن لمخازن معينة (بدون تملكها) بتخزين أصناف محددة من المعادن. وتبلغ المخازن المرخصة حالياً 370 مخزناً في 12 دولة. كما تبلغ أصناف المعادن التي يتم التعامل بها 460 صنفاً، من 66 دولة. ويلاحظ أن أغلب المتعاملين في العقود المستقبلية وعقود الخيارات التي يتم تداولها السوق يقومون بتصفية مراكزهم المالية قبل حلول وقت التسليم مما يلغي الحاجة إلى تسليم المعادن والاكتفاء بتسوية المبالغ النقدية التي تنتج عن عملية تسوية المراكز المالية. أما العقود الفورية فيه التي قد يترتب عليها عملية تسليم أو استلام فعلي، وتعكس هذه التغيرات في المخزون المترتبة على العمليات الفورية حالة الطلب والعرض العالمي على المعادن، ومن ثم أسعارها.
مسائل تطبيقية(1/39)
مسألة (12)
كيف تقوم سوق لندن للمعادن باكتشاف الأسعار؟
تمثل سوق لندن للمعادن جزءاً من سوق المعادن. فكيف يمكن أن يكون لهذا الجزء دور بارز في تحديد أسعار المعادن التي تتداول في السوق العالمي للمعادن؟ تحقق السوق في هذه الوظيفة من خلال دور الموازن للأسعار. فإذا زاد الطلب العالمي على معدن معين من صنف محدد -في ظل بقاء العرض على ما هو عليه- فإن سعره سيرتفع في السوق، وبافتراض أن سعر سوق لندن لم يتغير فإن جزءاً كبيراً من الطلب سيتوجه للحصول على المعدن المطلوب من مخازن السوق مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار سوق لندن حتى يتوازن مع السعر خارج السوق. وبالمثل إذا زاد العرض العالمي من معدن معين من صنف محدد -في ظل بقاء الطلب على ما هو عليه- فإن سعره سينخفض في السوق، وبافتراض أن سعر سوق لندن لم يتغير فإن جزءاً كبيراً من العرض سيتوجه إلى مخازن السوق مما يؤدي إلى انخفاض أسعار سوق لندن حتى يتوازن مع السعر خارج السوق. وبناء عليه فإن التسليم الذي يزيد أو ينقص من كمية المعادن في مخازن السوق يعكس إلى حد بعيد حالة العرض والطلب العالمي على المعادن. ولهذا السبب يستخدم التقرير اليومي عن مخزون السوق في تقييم العروض والطلبات التي يعلنها المتعاملون في هذه السوق.
وهكذا يتضح أن السوق لا تهدف إلى التعامل الفعلي بالمعادن، حيث إنها تستخدم مخازن المعادن والتسليم الفعلي وسيلة ذات مصداقية لاكتشاف أسعار المعادن. وكلما زادت كفاءة السوق، كانت أسرع في اكتشاف الأسعار، وقل التغير في المخزون. ولهذا يمكن إرجاع انخفاض نسبة العقود التي يتم تسليمها فعلاً- من بين عوامل أخرى- إلى كفاءة سوق لندن للمعادن في اكتشاف الأسعار.(1/40)
ومما يسهل قيام السوق بهذا الدور نمطية العقود المتداولة؛ حيث يتم توصيف المعادن القابلة للتداول في السوق إلى أصناف وفق معايير مختلفة. ولا يدخل أي صنف من المعادن مخازن السوق إلا إذا كان مطابقاً تماماً للمواصفات التي وضعتها السوق لذلك الصنف من حيث الجودة والشكل والوزن. فهذه النمطية تؤدي إلى إيجاد أصول موصوفة بدقة ومثلية وقابلة للتجزئة؛ مما يقلل من احتمال وقوع الغبن بين المتعاملين في السوق، ويزيد من سيولة السوق.
عضوية السوق:
يبلغ عدد الأعضاء حالياً أكثر من 100 عضو، ويمكن تقسيمهم إلى مجموعتين رئيستين:
(1) السماسرة: ويحق لهم إنشاء عقود مستقبلية وخيارات جديدة، كما يحق لهم البيع والشراء لصالح عملائهم، ليس على سبيل الوكالة ولكن بناء على عقد بين طرفين أصيلين principal-to-principal basis، وهو عقد قابل للتفاوض. وأهم هؤلاء سماسرة الحلقة؛ حيث تحدد أنشطتهم في قاعة السوق the ring (أثناء المزاد وبعده) أهم مخرجاتها والمتمثلة في الأسعار. كما يقومون بالتعامل خارج أوقات المزاد العلني عبر شبكة التعامل الإلكترونية الخاصة بالسوق.
(2) المتعاملون: وهم عادة من المنتسبين للصناعات التي تتعامل بالمعادن الست التي تتداول في السوق، ولا يحق لهم إنشاء عقود جديدة، ولا التعامل مباشرة بل عن طريق السماسرة. والهدف من العضوية هو الإبقاء على صلة بالسوق لمتابعة التطورات فيه عن كثب.
آلية نقل الملكية:(1/41)
تتم عملية تسوية الصفقات وفق الخطوات التالية: يتم تنفيذ الصفقات في السوق أثناء المزاد العلني، أو من خلال نظام التداول الإلكتروني LME Select الذي بدأ العمل بإصداره الأول في 9 فبراير 2001. ويمثل المزاد العلني الآلية الأساسية لاكتشاف الأسعار خلال اليوم، ولكن يتم التعامل وفقها خلال فترات محدودة. أما التداول الإلكتروني فمستمر خلال اليوم (24 ساعة) مسترشداً بالأسعار التي يتم الوصول إليها في المزاد. ونظام التداول الإلكتروني هو خاص بالسماسرة الأعضاء ويتم التعامل فيه من حساباتهم فقط. ولكن يمكن الوصول إلى معلومات التعامل التي يتضمنها من خلال الشركات التي تقوم ببث بيانات السوق.(1/42)
بعد تنفيذ الصفقة يقوم كل عضو طرف في الصفقة بتغذية بيت لندن للمقاصة (شركة المقاصة المرتبطة بالسوق) بمعلومات الصفقة، حيث يقوم البيت بمقارنة الصفقات تمهيداً لمقاصتها. وتتم التسوية وفق مفهوم الطرف المركزي المقابل Central Counterparity (CCP). وهو يعني أن بيت التسوية يقيم نفسه وسيطاً بين البائعين والمشترين، فيصبح المشتري من كل بائع، والبائع لكل مشترٍ. وقيامه بهذه الوظيفة له مزية تقليل مخاطر التسوية التي يتعرض لها كل طرف، حيث يصبح التعامل مع طرف واحد ملتزم بإتمام التسوية بغض النظر عن ظروف الطرف المقابل. ولكنه يزيد من درجة المخاطرة التي يتحملها البيت نتيجة إفلاس أحد الأعضاء. ولهذا يشترط البيت على الأعضاء دعم عمل بيت المقاصة من خلال 150 مليون جنيه كضمانات بنكية، ومبلغ مماثل لصندوق الحماية ضد الإفلاس، وهو ما يمكنه من حياة الأعضاء ضد خطر إفلاس أحدهم. كما يطلب البيت من الأعضاء -بهدف تقليل المخاطر التي يواجهها- إيداع هامش مرتبط بمقدار الخسارة التي يمكن أن تتعرض لها جميع المراكز المالية للعضو. والهامش قد يكون في شكل مبالغ نقدية، أو ضمان بنكي، وتتم مطالبة العضو بزيادة الإيداع أو الإذن بالسحب منه حسب التغير في صافي المراكز المالية للعضو. وتجب ملاحظة أن المتعاملين غير الأعضاء (في بيت المقاصة) لا يتأثرون بعملية المقاصة باعتبار أن تعاملاتهم مبنية على عقود منفصلة مع السماسرة الأعضاء.(1/43)
ويتم نقل الملكية في شكل وثيقة تفويض تخول حاملها تملك كمية من معدن ذي صنف معين، في مخزن محدد، ويستطيع المشتري استلام ما يملكه فعلاً من ذلك المخزن إن شاء، أو إعادة بيع ما تمثله في السوق. وفي عام 1999م قامت السوق بتطبيق نظام إلكتروني للتحويل SWORD بهدف توليد هذه الوثائق وتحويل ملكيتها إلكترونياً. وهذا النظام مشروع مشترك بين كل من السوق وبيت لندن للمقاصة (LCH). وقد أدى تطبيق هذا النظام إلى إلغاء العديد من عمليات المعالجة اليدوية لعمليات نقل الملكية حيث أصبحت عملية تسجيل الملكية تتم بصورة مركزية وبشكل إلكتروني، وأصبحت الوثاق محفوظة بدون تنقل لدى حافظها وهو مركز المقاصة والحفظ الذي يديره فرع Bank One في لندن. ويجب التأكيد على أن خيارات التسليم (المكان، المنتج، الشكل) في يد البائع، ولكن يجب أن يكون من نفس الصنف المحدد في العقد. والتسعير يتم بافتراض أن التسليم سيكون من أحد المخازن، مع تحمل المشتري تكلفة نقل ذلك المعدن من المخازن إلى موقعه. ويتوقع أن يشتمل التحديث القادم لنظام التداول LME Select على تحسينات أهمها القدرة على المعالجة المتكاملة للصفقات (STP) من خلال ربط نظام التداول ببيت لندن للمقاصة.
أما تسوية المبالغ المترتبة على الصفقات فتتم من خلال نظام خاص للمدفوعات يسمى Protected Payment System. وهو نظام يربط بنوك السماسرة ببيت التسوية لتسهيل تحويل المبالغ بين السماسرة الأعضاء في البيت. ويقوم البنك المركزي بتسوية المدفوعات النقدية المترتبة على الصفقات في الأسواق المالية وغيرها من خلال العمود الفقري لنظام المدفوعات في بريطانيا CHAPS. ويوضح الشكل (4) العلاقة بين سوق لندن للمعادن والأطراف الآخرين في هذه الصناعة.
5-3 سوق الأسهم السعودية:(1/44)
تم تنظيم سوق الأسهم في المملكة عام 1405هـ (1984م)؛ حيث تم تحويل دور السمسرة بشكل رئيس من المكاتب غير المرخصة في بيع وشراء الأسهم إلى البنوك المحلية. وفي عام 1410هـ (1990) تمت ميكنة عملية تداول الأسهم عن طريق النظام الآلي لتداول الأسهم المعروف باسم (ESIS). ومن الناحية التنظيمية تعتبر وزارة التجارة مسؤولة حالياً عن نظام الشركات الذي ينظم إجراءات تأسيس الشركات المساهمة أو تحويل الشركات الخاصة إلى مساهمة. أما القواعد التنفيذية لتنظيم عملية تداول الأسهم فهو نظام صادر من لجنة وزارية مكونة من وزير التجارة، والمالية، ومحافظ مؤسسة النقد. وتشرف على السوق لجنة إشراف دائمة مكونة من مندوبين من الجهات الثلاث أعلاه. وتقوم إدارة الرقابة على الأسهم في مؤسسة النقد بالتحقق من تنفيذ القواعد التنظيمية لعملية التداول والإشراف اليومي على كافة عمليات التداول. ويعتبر نظام التداول (ESIS) نظام إلكتروني متكامل للتداول والتسوية والمعلومات. وهو يقوم بربط وحدات التداول المركزي بالبنوك (وهي الجهات التي تقوم بدور السمسار في صناعة تداول الأسهم في المملكة) بالحاسب المركزي في مؤسسة النقد، مما يمكن الوسطاء في هذه الوحدات من إدخال أوامر العملاء مباشرة في النظام، وتنفيذها إلكترونياً، والبدء في مراحل تسويتها إلكترونياً. وقد تم تحديث نظام (ESIS) منذ تطبيقه تسع مرات. ثم تم أخيراً استبداله بنظام تداول جديد أطلق عليه اسم (تداول Tadawul).
نقل الملكية في ظل النظام الإلكتروني السابق (ESIS):(1/45)
يتم تنفيذ الصفقات عندما تتطابق إلكترونياً عروض البائعين مع طلبات المشترين. وبعد تنفيذ الصفقة يطبع النظام إيصال تأكيد تنفيذ الصفقة للعميل، ويتم تحويل الصفقة آلياً إلى نظام التسويات. ويقوم نظام التسويات بمتابعة كل الصفقات التي ترد خلال أوقات التعامل في اليوم استعداداً لمقاصتها وتسويتها آلياً في نهاية اليوم. وتعتبر الفترة اللازمة لإتمام نقل الملكية من خلال هذا النظام من أقصر الفترات مقارنة مع بقية دول العالم. حيث تتم التسوية بنهاية نفس يوم تنفيذ الصفقة (T+0) بالنسبة للإشعارات وفي اليوم التالي (T+1) بالنسبة لشهادات الأسهم. وتنبغي ملاحظة أن صاحب الإشعار أو الشهادة يتمتعان بجميع حقوق الملكية من حيث قبض الأرباح وخلافه، والفرق بينهما أن الإشعار يتم تداوله فقط من خلال النظام. ويتميز الإشعار بأنه يسرع من عملية التسوية بسبب سهولة إلغائه وإصداره، ولهذا تتم تسوية الصفقات المنفذة بموجب الإشعارات الإلكترونية في مساء نفس يوم التعامل وتسوية الإشعارات بخلاف الشهادات تتم إلكترونيا، ولا تتطلب تسليم أي أوراق أو وثائق ، ويقوم النظام في مساء يوم التعامل بطباعة إشعارات الملكية في الوحدات المركزية بالبنوك وفروعها المتخصصة. أما الصفقات المنفذة بموجب الشهادات فيتم تسويتها في اليوم التالي من التنفيذ، لأن ذلك يتطلب تسليم شهادات الأسهم للوسطاء.(1/46)
ويسهل من عملية نقل الملكية النظام المركزي لتسجيل ملكية الأسهم الذي تديره الشركة السعودية لتسجيل الأسهم SSRC والمربوط بنظام التداول. حيث يقوم نظام التحويل ضمن نظام التسوية باستحداث تعليمات التحويل في شكل تقارير (خطابات نقل الملكية) لكل شركة مساهمة على حدة مبيناً فيها البائعين والمشترين. ويتم إرسال هذه التقارير إلى الحساب المركزي لدى شركة تسجيل الأسهم حتى يتم إلغاء شهادات الأسهم المباعة وتسجيلها باسم المشترين الجدد. وتتم هذه العمليات إلكترونياً. وتقوم الشركة بإخطار الشركات المساهمة بتعليمات تحويل الملكية، واستلام شهادات الأسهم (للعملاء الذين يطلبونها فقط)، لتسليمها للبنوك، التي تقوم بدورها بتسليمها للعملاء.
ولتسوية المبالغ المترتبة على الصفقات يتم تسجيل قيمة كل صفقة في تقرير المقاصة للبنك البائع والمشتري. وتتم مقاصة مبالغ الصفقات بين البنوك كالمعتاد. حيث يتم في نهاية اليوم إرسال تقرير لكل بنك يوضح المبلغ الدائن أو المدين للبنك. وفي اليوم التالي يتم الخصم أو الإضافة لحسابات البنوك المحلية لدى المؤسسة. ولاشك أن إدارة نظام التداول من قبل البنك المركزي يسهل من هذه العملية بشكل كبير، خاصة في ظل ربط نظام التداول بالعمود الفقري لنظام المدفوعات سريع SARIE (1997). (9)
وتوفر إجراءات النظام ضوابط لحماية المتعاملين أهمها ضمان تحصيل مبالغ صفقات الشراء قبل إرسال أوامر الشراء إلى السوق، ودفع مبالغ صفقات البيع من البنوك للعملاء وفق نظام محاسبي دقيق. ومع التوسع في استخدام الإشعارات يضعف احتمال إخفاق البائع في تسليم الأسهم المباعة، ويقلل من احتمال عمليات تزوير الشهادات.
نقل الملكية في ظل الإصدار الجديد من النظام (تداول Tadawul):(1/47)
بدأ العمل بهذا الإصدار في الربع الأخير من عام 2001م. ويهدف النظام إلى تحديث نظام التداول والتسوية السابق، وتقديم خدمات إضافية جديدة للسوق، ودعم التوجه نحو المعالجة الآلية المتكاملة للصفقات (Straight Through Processing STP) من خلال تحديث أنظمة التداول والتسوية، واستخدام شبكة معلومات أسرع تعتمد على معايير قياسية عالمية، وتطوير آلية نشر معلومات السوق، وزيادة مستوى الأمن. وحيث إن البنوك سوف تستمر في القيام بدور السمسار في النظام الجديد، فإن هذا يتطلب من البنوك تطوير أنظمتها حتى تستطيع التوافق مع هذه المزايا الجديدة.(1/48)
ويتيح النظام للمستثمر إمكانية فتح الحسابات في كل من البنوك ومركز الإيداع. ويتوجب على كل مستثمر أن يفتح حساباً إما في البنك (ويسمى حساب العضو)، أو لدى الحافظ المسمى بمركز الإيداع (ويسمى حساب السوق). ويمكن للمستثمر أن يفتح عدة حسابات أعضاء في بنك واحد أو عدة بنوك، لكنه لا يمكن أن يفتح أكثر من حساب واحد في مركز الإيداع. وللمستثمر الحق في الحصول بشكل دوري على كشف بجميع العمليات والإيداعات على حساباته في البنك. ويمكن للمستثمر التداول من خلال البنوك التي فتح فيها حسابه أو حساباته فقط. ويسمح الإصدار الجديد التعامل بأنواع جديدة من الأوامر مثل شرط تنفيذ كامل كمية الأمر أو عدم تنفيذه نهائياً، وتحكم المتعامل بمدى إظهار كمية الأمر، بالإضافة إلى إمكانية التعامل مباشرة بالأسهم من خلال الاتصال -عبر الإنترنت- بنظام إدارة الأوامر الموجود لدى البنوك. ويتضمن نظام تداول الجديد كذلك خاصيّة ضمان أفضل تنفيذ للعميل خاصة خلال فترة الافتتاح. فالعميل قد يطلب الشراء بسعر ولكن النظام قد ينفذ أمر الشراء عند سعر أقل تبعاً لحالة العرض والطلب التي تمثلها بقية أوامر البيع والشراء في السوق. ويتم بث معلومات السوق إلى شركات مزودي المعلومات إلكترونياً. وتتضمن معلومات السوق الأسعار، ومعلومات الشركات، والإعلانات، بالإضافة إلى معلومات تاريخية. كما سيتم ربط الشركات -عبر الإنترنت- بنظام معلومات الشركات المرتبط بنظام التداول، لتسهيل نشر المعلومات المتعلقة بكل شركة لجميع المتعاملين في وقت واحد. وسيظل نظام التسويات مرتبطاً بنظام التداول كما كان في السابق.(1/49)
ويقدم نظام تداول وظائف متكاملة للإيداع. فمثلاً، يمكن بسهولة رهن الأسهم المودعة في الحساب. وحالما يتفق البنك مع المستثمر على رهن الأسهم، فإن البنك يقوم آلياً بتحويل تفاصيل الرهن إلى مركز الإيداع. ويقوم نظام تداول تلقائياً بالتأكد من توفر الأسهم. ويتم نقل الأسهم من الأسهم المتاحة إلى الأسهم المرهونة بحيث لا يمكن تداولها أو رهنها من قبل بنك آخر. ولا يمكن فك رهن الأسهم إلا من قبل البنك الذي رهنها في الأصل. كما يسمح النظام بالقيام بجميع أنواع إجراءات الشركات مثل توزيع أسهم المنحة وتجزئة الأسهم والأرباح النقدية. فزيادة عدد الأسهم الناتجة عن إجراء في الشركة يظهر مباشرة في حسابات المساهمين، بحيث لا يضطر المستثمر إلى أن ينتظر حتى يستلم شهادته وبدلاً من انتظار استلام الشيك، فإنه يمكن إيداع الأرباح النقدية مباشرة في الحاسب البنكي الخاص بالمستثمر.
ومن أهم التطورات في مجال نقل الملكية هي إمكانية المعالجة الآلية المتكاملة للصفقات (STP)، والذي مكن من حدوث التسوية الآنية.(10) وسيساعد على هذه النقلة النوعية استخدام تحويل الحاسبات بدلاً من طباعة الإشعارات، وهو ما سيمكن المتعاملين من الشراء والبيع في نفس اليوم باستخدام أرقام الحسابات بدلاً من الإشعارات أو الشهادات.
ويسعى الإصدار الجديد إلى ربط النظام بأنظمة البنوك بهدف مساندة المعالجة المتكاملة للصفقات، باستخدام رسائل تبادل المعلومات المالية القياسية (Financial Information Exchange FIX). ويمكن هذا الربط البنوك من تقديم خدمات تنافسية للعملاء مثل إدارة المحافظ، والتداول عبر الإنترنت. ويخطط في مرحلة لاحقة مساندة الربط بأسواق أخرى إقليمية ودولية. وسيتم ربط نظام التداول بشكل أقوى مع نظام سريع من أجل تسوية المبالغ النقدية المترتبة عن الصفقات وفق مبدأ المقاصة الإجمالية الآنية Real-Time Gross Settlement (RTGS).(1/50)
ويعرض الشكل (5) العلاقة بين الأطراف صناعة تداول الأسهم في المملكة.
6- مستقبل آليات التسوية:
في ظل التطور في تقنية الحاسب والاتصالات والاتجاه نحو تحرير التجارة يتوقع أن تحدث تغيرات هيكلية في آليات تسوية الصفقات في الأسواق المالية على اختلاف أنواعها. ولعل أهم هذه التغيرات ما يلي:
* تقليل الفترة بين التنفيذ والتسوية إلى T+1 (الاقتراب من التسوية الآنية): مع تزايد عدد الصفقات وقيمها، أصبحت مخاطر تسويتها تمثل ضغوطاً مستمرة نحو السعي لتقليل هذه المخاطر من خلال تقليل الفترة بين تنفيذ الصفقة وتسويتها. وقد قامت الولايات المتحدة في منتصف عام 1995م وبريطانيا في عام 2001 بتقليل فترة التسوية من T+5 إلى T+3. وتسعى الصناعة في الوقت الراهن إلى إتمام عملية الانتقال إلى T+1 في غضون السنوات الثلاث القادمة. ولا شك أن تقليل مدة التسوية يتطلب تسريع عملية معالجة إجراءات ما بعد الصفقة، والذي يتطلب بدوره الاستثمار في العديد من التقنيات الجديدة التي تمكن من المعالجة المتكاملة للصفقات.
* ربط الصفقات locked-in trades: ويقصد به مقارنة معلومات الصفقة من قبل السوق المالي وقت تنفيذها. فهناك توجه نحو تعميم مبدأ مقارنة الصفقات عند تنفيذها من خلال التوسع في استخدام نظم التداول الإلكترونية لأن هذا يقلل من حاجة السمسار أو شركة المقاصة إلى مقارنة الصفقات، مما يسهم في تسريع وميكنة جميع الإجراءات التي تتبع تنفيذ الصفقة في الطريق إلى تسويتها. ويعتبر هذا الإجراء أحد أهم متطلبات الانتقال إلى نظام التسوية الجديد T+1.(1/51)
* الإيداع المركزي للأوراق المالية Centralized Securities Depository (CSD) ويقصد به حفظ الأوراق المالية في شكل شهادات أو حسابات في مكان واحد بهدف تمكين نقل الملكية من خلال التحويل بين حسابات أطراف الصفقة. ويسمى أيضاً بالتسجيل المركزي. ويقوم بهذه المهمة عادة حافظو الأوراق المالية بهدف تقليل الحاجة إلى التسليم الفعلي للأوراق المالية. ونظراً للتطور في مجال التعامل بالأوراق المالية بين الدول المختلفة هناك توجه لقيام حافظ عالمي Global Depository للأوراق المالية يتكون من شبكة من حافظي الأوراق المالية في الدول المختلفة. وسيسهل هذا الإيداع أو التسجيل المركزي من عملية نقل الملكية بشكل كبير.
* الطرف المقابل المركزي Central Counterparity (CCP): ويقصد به قيام شركة المقاصة بوضع نفسها طرفاً مقابلاً في كل صفقة، فتكون المشتري من كل بائع، والبائع لكل مشتر. والاتجاه متزايد لتعميم هذا المبدأ حتى على المستوى العالمي. ومن فوائده ضمان تسوية الصفقة وبالتالي تقليل المخاطر الائتمانية المتعلقة بالتسوية، وسرية معلومات الأطراف في التعامل (وهو مطلب للعديد من المتعاملين)، وتنميط عملية التسوية مما يقلل من تكلفتها، بالإضافة إلى إمكانية استخدام مبدأ التسوية الصافية مما يقلل من حجم المدفوعات.(1/52)
* المعالجة المتكاملة للصفقات Straight Through Processing (STP): ويقصد بها ميكنة كل المراحل التي تعقب تنفيذ الأمر حتى تسويته بدون أي تدخل يدوي. وقد تم تبنيها من قبل العديد من المؤسسات المالية العاملة في هذه الصناعة، ويتوقع أن يكون هو الأسلوب السائد بعد خمس سنوات من الآن. والعوامل التي تدفع صناعة الأوراق المالية نحو هذه المعالجة هي: تقديم خدمات أفضل، والتوجه نحو تقليل الفترة بين التنفيذ والتسوية إلى يوم واحد، واتساع استخدام التجارة، والتعامل الإلكتروني، والتعامل عبر الحدود، بالإضافة إلى تقليل تكلفة الصفقات ورفع مستوى كفاءة معالجتها. وهي تتطلب من بين أشياء أخرى تنميط الرسائل المتعلقة بالصفقات، وتطوير التقنية الحالية. وسوف يسهم هذا النظام في تقليل حالات الإخفاق، وبالتالي تقليل مخاطر التسوية، وزيادة الكفاءة من خلال تقليل عدد العاملين في معالجة الصفقات في المكاتب الخلفية. وسوف يعين هذا بلا شك على توجيه جهود الشركات المالية من تعقيدات معالجة الصفقات إلى كيفية خدمة المتعاملين بشكل أفضل.
* الاعتماد على معايير دولية موحدة لتبادل المعلومات المالية مثل نسق Financial Information Exchange (FIX): يدعم هذا النمط القياسي التراسل بين مديري المحافظ الاستثمارية والسماسرة والتجار فيما يتعلق بالأوامر، وتنفيذها. وهو وإن كان جانباً تقنياً إلا أنه مهم لأن توحيد اللغة التي تستخدمها التقنيات الحديثة للتخاطب فيما بينها يسرع من معالجة البيانات بدون أخطاء. ويعتبر هذا النوع من التنميط أحد متطلبات البنية الأساسية للمعالجة المتكاملة.(1/53)
* توجه العملاء نحو طلب المزيد من الاتصال المباشر بالأسواق، والتحكم بحساباتهم عبر شبكات الاتصال الإلكترونية كما يدل على ذلك تزايد عدد السماسرة الذين يقدمون خدمة الاتصال المباشر بالسوق من خلال مكاتب السماسرة أو عن طريق شبكة الإنترنت فيما يعرف الآن بسماسرة الإنترنت online broker. وقد أدى هذا التوجه إلى زيادة استخدام شبكات التعامل الإلكترونية ECN التي تعمل في الغالب طوال اليوم بدون توقف. ويتوقع أن يؤدي هذه التوجه مع مرور الوقت إلى تقليل هامش أرباح الشركات العاملة في هذا القطاع، مما قد يولد ضغطاً على الشركات لتقوم بالاندماج في سبيل تحقيق أرباح أعلى. وقد تمت الإشارة إلى بعض حالات الاندماج ضمن ثنايا هذا البحث.
ومن خلال العرض السابق يمكن الخروج بالاستنتاجات التالية، والتي سيكون لها انعكاساتها على التعاملات المقبولة شرعاً في هذه الأسواق:
* أن تراخي تسوية الأوراق المالية كما تم تفصيله في هذا البحث تأخير إجرائي delivery delay (مثلما يحصل بسبب إجراءات توثيق العقود الحالية) وليس تأخيراً تعاقدياً contracted delay كما في عقود المرابحة والسلم والعقود المستقبلية.
* أن عملية التسوية هي في الواقع إتمام أو توثيق أو نقل لمستندات الملكية، التي تحدث فعلاً عند تنفيذ الصفقة. وفترة التسوية (الفترة بين التنفيذ والتسوية) قد تطول أو تقصر تبعاً لعوامل عديدة. ومما يدل على ذلك أن المشتري خلال هذه الفترة هو الذي يتحمل مخاطرة تغير سعر الورقة المالية.(1/54)
* مع أن التوجه نحو تقليل مدة التسوية قد يعد مسألة فنية بحتة تهدف إلى التقليل من مخاطر التسوية إلا أن له بعض الانعكاسات على مجال المعاملات بحيث يجعلها أقرب إلى التوافق مع أحكام المعاملات الإسلامية باعتبارها تسرع من انتقال الملكية من البائع إلى المشتري وهذا يزيد من مساحة المعاملات المشروعة التي قد تعتبر في ظل النظام الحالي ممنوعة أو مشبوهة. فآنية التسوية على سبيل المثال تقلل من الحاجة إلى الاقتراض لتغطية المراكز المالية حتى حلول يوم التسوية.
* تمثل آلية المقاصة وفق نظام الطرف المقابل المركزي Central Counterparity (CCP)، حلاً مؤسسياً يمكن أن يفتح المجال لتسهيل التعامل ببعض العقود التي تعد غير مجدية بدون مثل هذه الآلية، كعقد السلم المتوازية.
ملحق ( أ )
الأشكال والجداول
شكل رقم (1)
إجراءات نقل الملكية من التنفيذ إلى التسوية
شكل (2)
مراحل تسوية الصفقات ودور المؤسسات المالية المختلفة
يوضح هذا الشكل المراحل التي يسلكها الأمر منذ تلقي تعليمات العمليل حتى إتمام تسوية الصفقة والمؤسسات المالية الرئيسة المرتبطة بهذه المراحل
شكل (3)
مراحل تسوية الصفقات في أسواق الأسهم الأمريكية
يوضح هذا الشكل المراحل التي يسلكها الأمر منذ تلقي تعليمات العمليل حتى إتمام تسوية الصفقة والمؤسسات المالية الرئيسة المرتبطة بهذه المراحل في أسواق الأسم الأمريكية
شكل (4)
مراحل تسوية الصفقات في سوق لندن للمعادن
يوضح هذا الشكل المراحل التي يسلكها الأمر منذ تلقي تعليمات العمليل حتى إتمام تسوية الصفقة والمؤسسات المالية الرئيسة المرتبطة بهذه المراحل في سوق لندن للمعادن
شكل (5)
مراحل تسوية الصفقات في سوق الأسهم السعودية
يوضح هذا الشكل المراحل التي يسلكها الأمر منذ تلقي تعليمات العمليل حتى إتمام تسوية الصفقة والمؤسسات المالية الرئيسة المرتبطة بهذه المراحل في سوق الأسهم السعودية
جدول (1)(1/55)
الوظائف المرتبطة بالتسوية والمؤسسات المالية التي تقوم بها
المؤسسة التي يمكن أن تقوم بالوظيفة
وظائف فرعية
الوظيفة الرئيسة
السمسار (غير مباشر) ، مركز الإيداع (مباشر) البنوك.
فتح الحسابات
فتح ومسك حسابات العملاء
إشعار العملاء
تحديث الحسابات
السمسار
العميل (عبر شبكة السمسار)
إرسال الأوامر للسوق
السوق المالية (البورصة)
السوق المالية (شبكة تجار الأوراق المالية)
أحد تجار الأسهم
السمسار - التاجر
أحد شبكات السماسرة
تنفيذ الصفقات
تنفيذ الصفقات
(مطابقة أوامر البيع والشراء)
تسجيل معلومات الصفقات
السوق المالية (في حالة ربط معلومات الصفقات) السماسرة (من خلال الاتصال المباشر)
شركة المقاصة
المقارنة
السوق المالية
البنك المركزي
شركة المقاصة
حافظ الأوراق المالية
التصفية
المقاصة
نظام مدفوعات البنك المركزي
نظام مدفوعات خاص
دفع المبالغ النقدية (التحويل بين الحسابات)
التسوية
شركة المقاصة
مركز الإيداع
حافظ مستقل
تسليم الأوراق المالية (تحديث قاعدة بيانات الملاك)
السمسار
حافظ مستقل
بنك
مركز الإيداع
حفظ الأوراق المالية
حفظ الأوراق المالية وإدارتها
توزيع الأرباح والفوائد
توزيع التقارير والمعلومات
ملحق (ب)
ثبت بأهم المصطلحات المتعلقة بموضوع البحث
Acounting period
دورة محاسبية
Accrued intersert
الفائدة المتراكمة: مبلغ الفائدة الذي يدين به المشتري للبائع في الصفقة التي تتضمن أصلا يعطي فوائد مثل السندات
Affirmation
تأكيد العميل (خاصة المستثمر المؤسسي) صحة معلومات الصفقة قبل المضي في تسويتها.
Agency transaction
صفقة بالوكالة: الصفقة التي ينفذها السمسار كوكيل عن الزبون، ويقوم بناء عليه بالحصول على عمولة
American depository receipt (ADR)
سهم مصدره بنك أمريكي ولكنه موثق (مدعوم) بأوراق مالية أجنبية مودعة لديه
As Agent
عمل السمسار وكيلا
As Principal
عمل السمسار أصيلا
As-of(1/56)
يستخدم للتعبير عن الصفقة التي تم تسويتها ليس في تاريخ تنفيذها ولكن كما لو تم تنفيذها في ذلك التاريخ (للصفقات التي يخفق السوق أو السماسرة في مطابقتها في اليوم التالي لتنفيذها)
Back Office Operation
عمليات السوق الخلفي (الأقسام في شركة الأوراق المالية التي تقوم بالعمليات المرتبطة بنقل الملكية ونحوها من الأقسام التي لا تتصل وجها لوجه مع عميل الشركة).
Bearer from
الصك لحامله: هو نوع من الصكوك يثبت ملكية الورقة المالية لحاملها.
Beneficial owner
المالك للورقة المالية الذي يحق له التمتع التام بمنافع الملكية، وفي الغالب لا يتم تسجيل الأوراق المالية باسم هذا المالك بل باسم السمسار.
Bilateral Netting
التصفية الثانية
Book entry
استخدام الحسابات في نقل الملكية
Booker
السمسار: الشخص الذي يبيع ويشتري الأرواق المالية للزبائن بالوكالة.
Broker's call rate
سعر فائدة السمسار: هو سعر الفائدة الذي يطلبه البنك من السمسار عند رغبة الأخير في تمويل الشراء بالهامش، أو تعزيز مخزونه من الأسهم
Buy side
جانب الطلب (على خدمة التعامل بالأوراق المالية)
Buying bower
القوة الشرائية (في حساب الهامش) أعلى مبلغ يمكن أن يستفيد منه صاحب الحساب في شراء أوراق مالية جديدة، أو بيعها بيعاً مكشوفاً، بدون الحاجة لإيداع مبالغ إضافية.
Buyinh in
شراء الورقة المالية لصالح العميل في حالة إخفاق البائع في التسليم
Cash account
حساب نقدي: الحساب الذي يفتحه الزبون لدى السمسار والذي يتطلب أن يدفع الزبون كامل مبلغ شراء أي أوراق مالية
Central counterparty
الطرف المقابل المركزي
Centralized securities depository
الإيداع المركزي للأوراق المالية
Certificate
شهادة: وثيقة مادية تدل على الملكية أو الدائنية
clearing
المقاصة: معالجة عمليات الدفع وتحديد صافي الدائنية والمديونية بين المتعاملين (أو أعضاء شركة المقاصة)
Clearing corporation(1/57)
شركة مقاصة: شركة تعاونية تقوم بمقاصة الصفقات التي تتم بين أعضائها من السماسرة وغيرهم من المؤسسات المالية
Commission
عمولة
Comparison
المقارنة: إجراء مقارنة الصفقة بين السماسرة الأطراف في الصفقة، ويمكن أن يتم من خلال شركة مقاصة،
أو بشكل مباشر
Confirmation
مصادقة: كشف يرسله السمسار للعميل يشعره بتنفيذ الصفقة، وعادة ما يشتمل على معلومات عن الأصل المالي، السعر، مبلغ الصفقة، تاريخ التنفيذ وتاريخ التسوية، مبلغ العمولة
Continus Net Settlement (CNS)
التسوية الصافية المستمرة: نوع من التسوية يقوم بتسوية الصفقات التي يخفق في تسويتها في التاريخ المحدد لها في اليوم التالي لذلك التاريخ
Counterparty
الطرف المقابل
Credit Risk
الخطر الإئتماني
Cross-Currency Settlement Risk
خطر التسوية عبر الحدود
Custody
حافظ
Day Trading
تعامل أثناء اليوم: بيع وشراء ورقة مالية في نفس اليوم
Dealer
تاجر الأوراق المالية: الشركة التي تقوم بشراء الأصول المالية لحسابها، وبيعها من مخزونها وتقوم عادة بدور صانع السوق لكل من العامة والسمسار
Delivery
تسليم
Delivery Versus Payment
الدفع مقابل التسليم
Depositary
مركز إيداع: مكان مركزي لحفظ الأوراق المالية
Discretionary Account
حساب يعطي السمسار صلاحيات أكثر في التعامل لصالح العميل
DK: Don't Know
غير معروف لدينا (عند مقارنة الصفقات)
Depositary Trust Company
شركة مملوكة من قبل البنوك والسماسرة وتقوم بحفظ الأرواق المالية، وترتيب استلامها وتسليمها
Fail (to deliver)
إخفاق البائع في تسليم الورقة المالية
Fail (to receive)
إخفاق المشتري في تسليم الثمن
Finnancial Information Exchange
تبادل المعلومات المالية (نسق قياسي لتبادل المعلومات المالية بين أجهزة الحاسب الآلي)
Flat(1/58)
متساو (مصطلح يطلق على الحالة التي يكون فيها المركز المالي للمتعامل بالورقة صفرا، أي أنه غير دائن (مشتر) أو مدين (بائع) فيما يتعلق بالأوراق المالية
Free stock
سهم مجاني
Front Office Operation
عمليات المكتب الأمامي (الأقسام في شركة الأوراق المالية التي تقوم بالعمليات المرتبطة بتلقي الأوامر من العلماء ونحوها من الأقسام التي تتصل وجها لوجه مع عميل الشركة)
Fund Transefer System
نظام تحويل المبالغ النقدية
Global Custodian (or Depositary)
حافظ عالمي
Hedging
توقي المخاطرة
ID (Institutional Delivery) System
نظام تسليم خاص بالمؤسسات الاستثمارية
Indications
إشعار السمسار أو المستثمر رغبته في صفقة معينة
Institional Investor
المستثمر المؤسسي
Interactive ID
نظام تسليم خاص بالمؤسسات الاسثمارية (تفاعلي)
Leverage
رافعة مالية (القدرة الإضافية التي يتحصل عليها عميل السمسار من خلال الاقتراض بضمان ما يملكه من أوراق)
Legal Risk
الخطر القانوني
Legal transfer
التحويل القانوني
Limit order
أمر مقيد (الأمر المقيد بحد أدنى للسعر في حالة البيع، أو حد أعلى للسعر في حالة الشراء)
Liquidity Risk
خطر السيولة
Looked in Trade
الصفقة المربوطة (الصفقة التي تستوفي جميع معلوماتها وقت التنفيذ)
Long position
مركز دائن: الامتلاك أو الاحتفاظ بأوراق مالية (مقدار المشتري أكثر من المباع
Margin Account
حساب الهامش
Market Order
أمر سوقي (أي بحسب سعر السوق)
Multilateral Netting
التصفية المتعددة
Netting
تصفية
Online Broker
السمسار الذي يوفر خدمة السمسرة لعملائه من خلال شبكة الإنترنت
Order flow internalization
تبطين تيار الأوامر (قيام السمسار بتنفيذ الأمر من مخزونه من الأوراق المالية بدلا من إرساله لأحد الأسواق المالية أو تجار الأسهم)
Order room
غرفة الأوامر
Payment for order flow(1/59)
الدفع لتيار الأوامر (قيام تاجر الأسهم أو السوق المالية بدفع مبلغ من المال للسمسار الذي يرسل الأمر إليه للتنفيذ).
Payment system
نظام المدفوعات
Proxy
وكالة ، وكيل
Registration
تسجيل
Ring
الحلقة (قاعة التداول في سوق لندن للمعادن)
RTGS (real-time Gross Settlement)
التسوية الإجمالية في الزمن الحقيق (الآنية)
Securities
أوراق مالية
Security firm
شركة أوراق مالية
Sell side
جانب العرض (مقدمو خدمة التعامل بالأوراق المالية)
Settlement
التسوية: قيام كل طرف في الصفقة بدفع الثمن (أو تسليم المثمن = الورقة المالية) للطرف المقابل
Settlement date
تاريخ التسوية
Short position
مركز مدين (أو مكشوف): بيع المتعامل أوراقا مالية لا يملكها (اقترضها) ولابد له أن يشتريها عند انتهاء مدة القرض
Straught Through Processing
المعالجة المتكاملة للصفقات
Street name
تسجيل الورقة المالية باسم السمسار لصالح العميل
Systemic risk
الخطر المنبعث من النظام نفسه
Transfer agent
وكيل تحويل
Vault
مكان حفظ الأوراق المالية لدى السمسار
ملحق (ج)
ثبت بأهم الاختصارات التي وردت في البحث
Amex
American Exchange
CCP
Central Counterparty
CHAPS
Clearing House Automated Payment System
CHIPS
Clearing House Inter-bank Payment System
CSD
Centralized Securities Depository
CTU
Central Trading Unit
DTC
Depository Trust Company
DTTC
Depository Trust & Clearing Company
DVP
Delivery-Versus-Payment
ECN
Electronic Communication Network
ESIS
Electronic Securities Information System
Fed
Federal reserves bank
FIX
Financial Information Exchange
FSA
Financial Service Auditory
LCH
London Clearing House
LIFFE
London International Financial Futures and Options Exchange
LME
London Metal Exchange
LMEX
LME Index
NSDAQ(1/60)
National Association of Securities Dealers Automated Quotation
NSCC
National Securities Clearing Corporation
NYSE
New York Stock Exchange
POS
Point of Sale
PPS
Protected Payment System
RTGS
Real-Time Gross Settlement
SARIE
Saudi Arabian Riyal Interbank Express
SEC
Securities Exchange Commission
SPAN
Saudi Payments Network
SSRC
Saudi Shares Registration Company
STCC
Depository Truth & Clearing Corporation
STP
Straight through Processing
SWIFT
Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunication
الهوامش
(1) عادة ما يطلق على العمليات المرتبطة بالمقاصة والتسوية بعمليات السوق الخلفية Back Office Operation، لأنها تتم في مكان مختلف عن أنظار المتعاملين بالأوراق المالية.
(2) للمزيد عن آلية قواعد التعامل في الأسواق المالية ذات النظم الاليكترونية راجع السحيباني (1999، 2000).
(3) يلاحظ عموماً أن التصفية مرتبطة بالمقاصة، ولذا قد يستخدم المصطلحان للدلالة على نفس المعنى. كما يستخدم مصطلح المقاصة في بعض الأحيان -وبشكل غير دقيق- للدلالة على المقاصة والتسوية معاً.
(4) يستحسن التنبيه هنا إلى أهمية التفريق بين تأخير التسليم أو الدفع الإجرائي delivery delay (مثلما يحصل بسبب إجراءات توثيق العقود الحالة) وتأخير التسليم أو الدفع التعاقدي contracted delay كما في عقود المرابحة والسلم والعقود المستقبلية. ويركز هذا البحث على النوع الأول. انظر المسألة التطبيقية رقم (11) حول الفرق بين التسوية المتراخية والعقود الآجلة.
(5) تحتوي تقارير بنك التسويات الدولية معلومات مفصلة حول صيغ المقاصة الإجمالية والصافية (انظر على سبيل المثال (BIS, 1998, 1997).
(6) يلاحظ أنه يشترط من الناحية الشرعية في الصرف أن تكن التسوية إجمالية آنية.
(7) هذا التقسيم غير مرتبط بكون المتعامل بائعاً أو مشترياً للورقة المالية.(1/61)
(8) السوق المالية تشترط على كل سمسار عضو فيها أن يكون عضواً أو مرتبطاً مع إحدى شركات المقاصة لضمان تسوية الصفقات التي تتم مطابقتها في السوق. وتاريخياً كانت شركات المقاصة وحافظو الأوراق المالية ملحقين بالأسواق المالية، ومرة أخرى بسبب تعدد الأسواق المالية ورغبة في رفع الكفاءة ت ضم جميع شركات التسوية المتشابهة (الأسهم) في شركة واحدة تخدم جميع الأسواق المالية.
(9) يمثل نظام المدفوعات (سريع) في الواقع العمود الفقري لعدد من أنظمة المدفوعات في المملكة وهي: نظام المقاصة الآلية (1986)، وشبكة المدفوعات السعودية SPAN التي تخدم أجهزة الصرف الآلي ATM (1990) وطرفيات نقاط البيع POS (1993)، بالإضافة إلى النظام الآلي لمعلومات الأسهم (1990). والجدير بالذكر أن المؤسسة في أواخر الثمانينيات بدأت في إلزام البنوك باستخدام شبكة التحويلات SWIFT لإجراء المدفوعات الدولية. ويتوافق نظام سريع مع معايير هذه الشبكة الدولية.
(10) هذا في جانب تسوية ملكية الأسهم. أما في جانب تسوية المبالغ النقدية المترتبة على الصفقات فستستمر وفق مبدأ التسوية في اليوم التالي (T+1) ولكن هذا التراخي في تسوية المبالغ النقدية لن يمنع المتعاملين من بيع الأسهم بعد شرائها مباشرة أو العكس. (انظر: وثيقة قواعد التداول، موقع تداول). ولعل هذا يرجع إلى أن نظام التسوية الإجمالية الآنية للمبالغ النقدية (سريع) مختص بتسوية المبالغ الكبيرة، كالتي تترتب على المقاصة في نهاية اليوم (انظر موقع مؤسسة النقد).
المراجع
1. إدارة الرقابة على الأسهم، 1997، سوق الأسهم في المملكة العربية السعودية، مؤسسة النقد العربي السعودي.
2. السحيباني، محمد بن إبراهيم، تصميم آلية التعامل في ظل نظام إلكتروني لتداول الأسهم، بحث قدم في مؤتمر القانون وتحديات المستقبل، جامعة الكويت، الكويت، أكتوبر 1999.(1/62)
3. السحيباني، محمد بن إبراهيم، نظام التداول الإلكتروني في سوق الأسهم السعودية، المجلة الاقتصادية السعودية، 1(4) 2000، 91-111.
4. السويلمي، عبد الله، مشروع تطوير أنظمة سوق الأسهم، الندوة السنوية الخامسة للاستثمار، المعهد المصرفي، الرياض 2001.
5. Bank For International Settlement, 1989, Report On Netting Schemes, www.bis.org.
6. Bank For International Settlements, 1997, Real-Time Gross Settlement Systems, www.bis.org.
7. Brenanke B., 1990, Clearing and Settlement during the Crash, Reverie of Financial Studies 3:1, 133-151
8. Depository Trust & Clearing Corporation, 2000, A White Paper to the Industry on T+1, www.dttc.com.
9. Despository Trust & clearing Corporation, 2000, Central Counterparties: Development, Cooperation And Consolidation (A White Paper to the Industry on the Future of CCPs), www.dttc.com.
10. Hull, J., 1997, Options, Futures, and Other Derivatives, Prentice Hall.
11. Kumar V. and G. David 2001, Global Straight Through Processing, Electronic Data System, www.gstpa.org.
12. London Clearing House, 1999, Market Postection, www.lch.com.
13. London Clearing House, 2000, Fact Sheet: A Central Countreparty for Equities, www.lch.com.
14. North American Securities Administrators Association, (NASAA), 1999, Report Of The Day Trading Project Group, www.nasaa.org.
15. Perold A. 1995, The Payment System and Derivative Instruments, Working Paper, Harvard Business School.
16. Reddy, M., 1995, Securities Operations: A Guide to Operations and Information Systems in the Securities Industry, Your Institute of Finance, Prentice Hall, Michael Teddy.(1/63)
17. Security Industry Association, 2001, Securities Industry Briefing Book, www.sia.com.
18. Wiss, D., 1998, Global Securities Processing: The Clearing System, New Your Institute of Finance, Prentice Hall.
??
??
14 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
آليات نقل حقوق الملكية في الأسواق المالية 13(1/64)
إسهامات رابطة العالم الإسلامي
في بناء اقتصاد إسلامي بين الدول الإسلامية
بحث مقدم للمؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي
المنعقد بمكة المكرمة في رحاب جامعة أم القرى
خلال الفترة 23-26/4/1426هـ الموافق 31/5-3/6/2005م
إعداد
د/ خلف بن سليمان النمري
أستاذ الاقتصاد الإسلامي المشارك
بقسم الاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
مستشار اقتصادي برابطة العالم الإسلامي
1426هـ 2005م
(طبعة تمهيدية)
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد:
الحمد لله رب العالمين ،له الحمد في الآخرة والأولى ، وله الشكر على جزيل نعمه ، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام ، وعلى من تبعه واقتفى أثره واتبع منهجه ودعا إليه إلى يوم الدين أما بعد :0
تواجه الأمة الإسلامية مشاكل كبيرة جداً معقدة ومتنوعة، تاريخية وأيديولوجية وسياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية.
ولقد زاد من حدتها المحيط العالمي، من خلال عالمية الاقتصاد، وإقامة نظام اقتصادي دولي غير عادل يميل بكل معطياته لتحقيق مصلحة البلدان القوية ذات السيطرة الإعلامية والثقافية والتكنولوجية والتفوق العسكري.
ومن نعم الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة الإسلامية أن جعلها أمة واحدة، ترتكز وحدتها على دين واحد،وتعبد رباً واحداً وترتبط بروابط متعددة وخاصة في المجال الاقتصادي،فشبكة الطرق البرية والبحرية والجوية، وانتشار لغة القرآن الكريم بين أقطارها، والاتصال التجاري الواسع في تجارتها البينية، وتقارب في سياساتها الأساسية التي ترجع في الغالب إلى تطبيق شريعة الله في مختلف المجالات.(2/1)
كل ذلك طريق لتسهيل التعاون الاقتصادي بينها، ونبذ التفكك ودفع سيطرة الغير على مواردها،وقيام مؤسسات دولية مشتركة بين الأقطار الإسلامية،تعمل على دعم التعاون والتضامن الإسلامي بين المسلمين مثل رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والمنظمات والهيئات التابعة لها، وقد أسهمت رابطة العالم الإسلامي في دعم مسيرة الاقتصاد الإسلامي ونشر مبادئه التي يقوم عليها ودعت إلى تحقيق التعاون الاقتصادي بكل وسائله.
وتكمن مشكلة البحث في نوعية إسهام رابطة العالم الإسلامي في الاقتصاد الإسلامي حيث لم تتضح بشكل علمي لدى المتخصصين في المؤسسات الاقتصادية.
إن الهدف من البحث هو بيان نوعية الإسهامات الاقتصادية والدور الذي تقوم به رابطة العالم الإسلامي في المجال الاقتصادي، من خلال استعراض الإسهامات المتنوعة للرابطة في مجال الاقتصاد بين الدول الإسلامية، وطرق معالجة المشكلات الاقتصادية،وذلك بإيجاد الحلول العلمية والعملية لما تواجهه الأمة من تحديات اقتصادية في الوقت الراهن ،على هدي من الكتاب والسنة
وقد اتبع الباحث لدراسة المشكلة وتحقيق الهدف من البحث المنهج الوصفي والتاريخي في جمع المعلومات ثم تحليلها واستنتاج ما يمكن التوصل إليه من نتائج وتوصيات ،وقد استعان الباحث بأرشيف إدارة الدراسات والبحوث وإصدارات المجمع الفقهي الإسلامي ومطبوعات أمانة رابطة العالم الإسلامي التي تيسرت له أثناء عمله بالرابطة كمستشار غير متفرغ بإدارة الدراسات والبحوث.
وقد جاء توزيع ا لبحث على النحو التالي :
الفصل التمهيدي : رابطة العالم الإسلامي وعلاقتها بالاقتصاد الإسلامي.
أولاً : نشأة رابطة العالم الإسلامي وأهدافها،و الهيئات التابعة لها.
ثانياً : علاقة رابطة العالم الإسلامي بالاقتصاد الإسلامي.
الفصل الثاني: الإسهام في نشر الاقتصاد الإسلامي .
المبحث الأول: الطرق التي اتبعتها رابطة العالم الإسلامي في نشر مبادئ الاقتصاد الإسلامي(2/2)
أولاً : المشاركة في المؤتمرات والندوات الاقتصادية.
ثانياً : طباعة ونشر الكتب والأبحاث الاقتصادية.
ثالثاً : دراسة المعاملات المالية والاقتصادية.
المبحث الثاني : تحليل لقرارات المجمع الفقهي الإسلامي المتعلقة بالمعاملات المالية والاقتصادية 0
الفصل الثالث : دعم التعاون الاقتصادي بين دول العالم الإسلامي.
المبحث الأول :مزايا وعقبات التعاون الاقتصادي الإسلامي بين الدول الإسلامية
أولاً : مزايا التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية.
ثانياً : العقبات التي تواجه التعاون الاقتصادي الإسلامي في تصور الرابطة.
ثالثاً : صور دعم رابطة العالم الإسلامي للتعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية
المبحث الثاني : إسهام رابطة العالم الإسلامي في تحقيق التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية
أولا : محاولة إنشاء السوق الإسلامية المشتركة
ثانياً : التأكيد على المشروعات المشتركة .
ثالثاً : دعم برامج التنمية الريفية والاجتماعية والاقتصادية.
الخاتمة : وتشتمل على بعض النتائج و التوصيات والاقتراحات.
الفصل التمهيدي
رابطة العالم الإسلامي وعلاقتها بالاقتصاد الإسلامي
أولا: نشأة رابطة العالم الإسلامي وأهدافها.
رابطة العالم الإسلامي مؤسسة إسلامية شعبية لا ترتبط بأية حكومة بل هي هيئة مستقلة، تعمل على جمع كلمة المسلمين، وتحقيق مبدأ التعاون والتضامن الإسلامي من أجل إعلاء كلمة الله، ورفع شأن الإسلام والمسلمين،والدعوة إلى الإسلام والسلام والخير .
وليس للرابطة أي تدخل في الشؤون الداخلية للدول، وليس لها ميل أو تفريق بين جنس من الأجناس أو لون،فالمؤمنون كلهم أخوة لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى .
أ- نشأتها :(2/3)
نشأت رابطة العالم الإسلامي عندما قرر قادة الأمة الإسلامية وعلماؤهم و مفكريهم في المؤتمر الإسلامي العام الذي عقد بمكة المكرمة في الرابع عشر من شهر ذي الحجة عام 1381هـ الموافق للثامن عشر من شهر مايو 1962م وقد اتخذوا عدة قرارات من أهمها تأسيس هيئة إسلامية مقرها مكة المكرمة تسمى (رابطة العالم الإٍسلامي ) - المادة العشرون - وتم اختيار أعضاء المجلس التأسيسي للرابطة،كما وضع المؤتمر صيغة مبدأيه لنظام الرابطة وتم إقراره رسمياً في المؤتمر الإسلامي العام الثاني الذي عقد بمكة المكرمة في الخامس عشر من شهر ذي الحجة 1384هـ الموافق السابع عشر من أبريل 1965م. (1)
ب- أهدافها :
ينص ميثاق الرابطة على أنها تهدف إلى نشر مبادئ الإسلام في جميع أنحاء العالم، وأنه لا سلام للعالم إلا بتطبيق قواعد الشريعة الإسلامية، والعمل على تحقيق العدل والتسابق في ميدان العمل الخيري ومساندته، وبذل قصارى الجهود في توحيد كلمة المسلمين وإزالة العقبات التي يعاني منها المجتمع المسلم، واستخدام كافة الوسائل لتحقيق ذلك، والعمل على نبذ الخلافات والشعوبية والعنصرية والظلم والإفساد وكل دعوى من دعاوى الجاهلية. (2)
ج - وسائل تحقيق أهداف الرابطة :
من أهم الوسائل التي اتخذتها الرابطة لتنفيذ أهدافها ما يلي : (3)
1- تحكيم الشريعة الإسلامية في البلاد الناطقة بالشهادتين .
2- الأخذ بمبدأ الشورى .
3- إقامة الندوات والمحاضرات الإسلامية في موسم الحج وغيره.
4- تشجيع الدعاة الإسلاميين في كافة أنحاء العالم للعمل على نشر الإسلام
5- تشجيع توزيع ونشر الكتب الإسلامية باللغات الحية .
6- التعرف على مشكلات وقضايا الأمة الإسلامية والعمل على معالجتها
7- نشر التعليم الإسلامي وإنشاء المدارس والجامعات الإسلامية .
8- تشجيع المؤسسات الإعلامية،وتنقية وسائل الإعلام الإسلامي من الشوائب التي تشوبها .(2/4)
9- العمل على إغاثة المسلمين المتضررين من الكوارث والنكبات والحروب.
10- رفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات الإسلامية
11- العناية بالموارد البشرية الإسلامية وتعليمهم وتدريبهم فنياً مهنياً من خلال المنح الدراسية والمعونات المالية.
د - عضويتها في المنظمات الدولية :
إن رابطة العالم الإسلامي عضو من الدرجة الأولى في عدد من المنظمات الدولية منها : (4)
1- هيئة الأمم المتحدة ضمن المنظمات غير الحكومية ذات الطابع الاستشاري بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي .
2- منظمة اليونسكو .
3- صندوق الطفل العالمي .بهيئة الأمم المتحدة .
4- منظمة المؤتمر الإسلامي .
هـ- الهيئات الرئيسة في رابطة العالم الإسلامي :
1- المؤتمر الإسلامي العام :
وهو أعلى سلطة تشريعية في الرابطة حيث توجه الأمانة العامة الدعوة لعقد المؤتمر إلى العلماء،ورجال الفكر والدعوة الإسلامية في العالم على المستويين الرسمي والشعبي .وقد عقد عدداً من الدورات (5)
2- المجلس التأسيسي :
وهو الذي يرسم سياسة الرابطة ويحدد اتجاهاتها بما يكفل تحقيق أهدافها، ويتولى دراسة التقرير السنوي،وإصدار القرارات و التوصيات الخاصة بالقضايا والموضوعات التي طرحت في الدورات التي يعقدها،ويحق له تعديل نظام الرابطة،ويتم اختيار أعضائه على أساس الترشيح من الأمين العام للرابطة بشروط معينة، وقد عقد سبع وثلاثون دورة منذ تأسيس الرابطة حتى الآن .
3- الأمانة العامة للرابطة :
وهي الجهاز التنفيذي للرابطة،الذي يقوم بالإشراف المباشر على أعمال وأنشطة الرابطة، وتنفيذ خططها، والتوجيهات التي تصدر من المجلس التأسيسي .
وتشمل الأمانة على عدد من الإدارات والأقسام الإدارية حسب الهيكل التنظيمي لها.
ثانيا:- الهيئات والمؤسسات التابعة للرابطة : (6)
يرتبط بالأمانة العامة للرابطة عدد من المؤسسات والهيئات ومنها ما يلي :
أ - المجلس الأعلى العالمي للمساجد .
ب- مجمع الفقه الإسلامي .(2/5)
جـ- هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية .
هـ- هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة .
و - مؤسسة الحرمين والمسجد الأقصى الخيرية .
ز - الهيئة الإسلامية العالمية للتعليم .
حـ- الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم.
ط- الهيئة العالمية للإعلام الإسلامي .
وتدرس الرابطة حالياً إنشاء هيئة عالمية للاقتصاد الإسلامي، تعمل على التنسيق بين المؤسسات الاقتصادية الإسلامية.
ثالثاً - المجمع الفقهي الإسلامي وأهدافه ولجانه (7) :
المجمع الفقهي الإسلامي ؛ أحد هيئات الرابطة ذات الشخصية الاعتبارية المستقلة، يضم مجموعة مختارة من فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها.
أ- تأسيس المجمع :
لقد أوصت الأمانة العامة للرابطة في شهر رجب سنة 1383هـ في نظامها، بإنشاء هيئة علمية لدراسة القضايا والنوازل المستجدة، وذلك استجابة لنداء حكومة المملكة العربية السعودية بضرورة إنشاء مجمع فقهي إسلامي وفي سنة 1384هـ قرر المؤتمر الإسلامي العام في دورته الثانية 15-22/ 1384هـ تأسيس مجمع فقهي إسلامي،.وفي سنة 1385هـ قرر المجلس التأسيسي للرابطة تشكيل هيئة علمية من ستة أعضاء من أعضاء المجلس التأسيسي لدراسة مشروع المجمع الفقهي الذي قرر المؤتمر الإسلامي إنشاءه .
وفي عام 1393هـ اتخذ المجلس التأسيسي قراراً جديداً بتأليف هيئة المجمع من عشرة أعضاء من المجلس التأسيسي للرابطة.
وفي شهر محرم سنة 1396هـ أصدرت الأمانة العامة للرابطة قرارها بتأسيس إدارة خاصة باسم ( المجمع الفقهي الإسلامي )، وتعيين مدير لها، وبعض الإداريين .
وفي عام 1397هـ أقر المجلس التأسيسي للرابطة نظام المجمع الفقهي .وباشر أول أعماله في شهر شعبان سنة 1398هـ، وعقد أول دورة له في نفس العام .
ب- أهداف المجمع :
يمكن تلخيص أهداف المجمع الفقهي الإسلامي فيما يلي :
1 - بيان الأحكام الشرعية فيما يواجه المسلمين في أنحاء العالم من مشكلات ونوازل وقضايا مستجدة من مصادر التشريع الإسلامي المعتبرة .(2/6)
2 - إبراز تفوق الفقه الإسلامي على القوانين الوضعية 0 وإثبات شمول الشريعة واستجابتها لحل كل القضايا التي تواجه الأمة الإسلامية في كل زمان ومكان .
3 - نشر التراث الفقهي الإسلامي وإعادة صياغته، وتوضيح مصطلحاته وتقديمه بلغة العصر ومفاهيمه .
4 - تشجيع البحث العلمي في مجالات الفقه الإسلامي .
5 - جمع الفتاوى والآراء الفقهية المعتبرة للعلماء المحققين، والمجامع الفقهية الموثوقة في القضايا المستجدة، ونشرها بين عامة المسلمين.
6 - التصدي لما يثار من شبهات وما يرد من إشكالات على أحكام الشريعة الإسلامية .
ج - يستخدم المجمع الفقهي الإسلامي جميع الوسائل المشروعة المتاحة والمناسبة لتحقيق أهدافه، ومنها :
1 - عقد الدورات التي يجتمع فيها أعضاء المجلس لمناقشة أهم القضايا التي تشغل بال المسلمين .
2 - إنشاء مركز للمعلومات لتتبع ما يواجه العالم الإسلامي من قضايا تستدعي الدراسة .
3 - وضع معاجم للفقه وعلومه توضح المصطلحات الفقهية، وتيسرها للمشتغلين بالفقه دراسة وعملاً .
4 - إصدار مجلة علمية محكمة تعنى بالدراسات الفقهية، وتنقل أهم بحوث المجمع ومناقشاته وقراراته وترجمتها إلى عدة لغات .
5 - التعاون بين المجمع والهيئات والمراكز العلمية المشابهة القائمة في أنحاء العالم الإسلامي، والتبادل العلمي والفكري معها .
6 - عقد الندوات العلمية عن قضايا العصر ومستجداته، واستكتاب المتخصصين عنها .
7 - العمل على ترجمة قرارات المجمع وتوصياته وبحوثه، ونشرها بجميع الوسائل الممكنة، بما فيها شبكة الانترنت، والقنوات الفضائية، والصحف .
ويجتمع مجلس المجمع كل سنتين بناءً على دعوة من الأمين العام للرابطة .
رابعاً: علاقة الرابطة بالمؤسسات الإسلامية والاقتصاد الإسلامي :(2/7)
لرابطة العالم الإسلامي علاقة وثيقة بالمؤسسات الإسلامية الثقافية التي تعمل على نشر الدعوة الإسلامية وتهتم بقضايا المسلمين وإثبات الوجود الإسلامي في كافة قارات العالم .حيث تقدم لها المساعدات والدعم المتواصل لتحقيق أهدافه الخيرة .وتتنوع تلك المؤسسات من مراكز إسلامية ثقافية، وجمعيات إسلامية،(8)لا يتسع المجال لذكرها هنا .
كما أن للرابطة علاقة وثيقة مع المؤسسات الاقتصادية الدولية والإسلامية وفي مقدمتها مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وغرف التجارة والصناعة، ومؤسسات الأوقاف الإسلامية، وكل مؤسسة اقتصادية تعتني باقتصاديات البلدان الإسلامية.
والمشكلات الاقتصادية هي أحد تلك القضايا الإسلامية التي تعتني بها الرابطة حسب إمكاناتها وقد ترجمت الرابطة ذلك الاهتمام بما يلي (9):
1- الإسهام الفعال في معالجة بعض القضايا الاقتصادية (كالبطالة، والفقر، والتدريب والتعليم، والسكان، والتنمية) وذلك من خلال ما تقدمه من إعانات ومساعدات مالية ومنح دراسية،ودورات تدريبية لأبناء الأمة الإسلامية .
2- الإسهام في دراسة المعاملات المالية والاقتصادية وتقديم الحلول لها من خلال الأبحاث التي يقوم بها مجمع الفقه الإسلامي وما يصدر عنه من قرارات.
3- المشاركة بأبحاث ودراسات علمية، في المؤتمرات والندوات الاقتصادية،من خلال إدارة الدراسات والبحوث، وإدارة المؤتمرات والعلاقات الدولية بالرابطة.
الفصل الثاني
نشر مبادئ الاقتصاد الإسلامي
المبحث الأول: الطرق التي اتبعتها رابطة العالم الإسلامي في نشر مبادئ الاقتصاد الإسلامي
اتبعت رابطة العالم الإسلامي عدة طرق لنشر مبادئ الاقتصاد الإسلامي على مستوى العالم، ومن تلك الطرق ما يلي :
أولاً : المشاركة في المؤتمرات والندوات الدولية:(2/8)
تعقد ندوات ومؤتمرات اقتصادية دولية في مختلف أنحاء العالم ،تتناول القضايا الاقتصادية في البلدان الإسلامية، وتشارك الرابطة فيها ومنها على سبيل المثال ما يوضحه الجدول رقم (1).
جدول رقم (1)
المؤتمرات الاقتصادية التي شاركت فيها رابطة العالم الإسلامي
التاريخ
مكان المؤتمر
عنوان المؤتمر
م
1396/1976
مكة المكرمة
المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي
1
1398/1978
ديترويت
مؤتمر لشئون الجمعيات الإسلامية للتجار والمهنيين
2
1398/1978
مكة المكرمة
الدورة العامة الثانية للجنة الإسلامية للشئون الاقتصادية
3
1398/1978
كوالالمبور
الاجتماع السنوي الرابع لمجلس محافظي البنك الإسلامي للتنمية
4
1398/1978
جدة
اجتماع لجنة التنسيق بين صندوق التضامن الإسلامي والمنظمات ذات الأنشطة المماثلة
5
1399 /1979
مكة المكرمة
مؤتمر الأوقاف والشؤون الإسلامية (الأول)
6
1400 /198
مكة المكرمة
مؤتمر الأوقاف والشؤون الإسلامية (الثاني)
7
1401 /1981
مكة المكرمة
مؤتمر الأوقاف والشؤون الإسلامية (الثالث)
8
1401/1981
الخرطوم
الاجتماع السنوي الخامس لمجلس محافظي البنك الإسلامي للتنمية
9
1401/1981
جاكرتا
الدورة السابعة للجنة الإسلامية للشئون الاقتصادية
10
1402/1982
نيويورك
الندوة العلمية (الإسلام والاقتصاد)
11
1402/1982
جدة
الدورة التاسعة للجنة الإسلامية للشئون الاقتصادية
12
1402/1982
أنقرة
الاجتماع السنوي السادس لمجلس محافظي البنك الإسلامي للتنمية
13
1403/1983
جنيف
المؤتمر الدولي للمساعدات الاقتصادية لجمهورية تشاد
14
1405/1984
المكسيك
المؤتمر العالمي الثاني للسكان
15
1406/1985
الأردن
مؤتمر الإسلام والتنمية
16
1406/1985
الصين الشعبية
المؤتمر الدولي الإسلامي للتعاون الفني والاقتصادي
17
1414/ 1994
القاهرة
مؤتمر السكان
18
1416/ 1996
الدانيمارك
التنمية الاقتصادية
19
1423 /2..2
جوهنس برغ
مؤتمر قمة الأرض العالمي للتنمية المستدامة
20(2/9)
3 142 / 2..2
الشارقة
الملتقى التاسع للقطاع الخاص التجارة والاستثمار في المشاريع المشتركة بين البلدان الإسلامية
21
1424/ 2003
قازاقستان
الاجتماع السنوي ( الثامن والعشرين ) لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية
22
1425 /2004
تايوان / الصين الوطنية
الندوة الدولية عن الإسلام / الجانب الاقتصادي :-
1النظام الاقتصادي في الإسلام / التنمية في منظور الإسلام
23
المصدر:
* رابطة العالم الإسلامي في 25 عاما 1382-1407هـ 0 إنجازات وتطلعات 0
* رابطة العالم الإسلامي حقائق وأرقام 1382 /1422 0
ثانياً : الدعوة إلى تطبيق قواعد الاقتصاد الإسلامي:
من خلال برامج الدعوة الإسلامية، ومن خلال ما تنشره من مقالات علمية في الوسائل الإعلامية التي تمتلكها مثل سلسلة دعوة الحق،وجريدة العالم الإسلامي التي خصصت صفحة كاملة لاقتصاد العالم الإسلامي .ومجلة الرابطة باللغتين العربية والإنجليزية، (10) . ولايمكن للباحث حصرها هنا .
ثالثاً : طباعة ونشر كتب و أبحاث في الاقتصاد الإسلامي :
والجدول رقم (2) يوضح أسماء الكتب التي تم نشرها باللغات العربية والأجنبية.
جدول رقم (2)
الكتب والأبحاث الاقتصادية التي طبعتها رابطة العالم الإسلامي
اللغة
رقم الطبع
اسم المؤلف
اسم البحث
م
عربي
20
عبد الستار سعيد
المعاملات المالية في الإسلام
1
عربي
27
محمد شوقي الفنجري
مفهوم ومنهج الاقتصاد الإسلامي
2
عربي
40
رفعت العوضي
من التراث الاقتصادي للمسلمين (1)
3
عربي
41
عبد العليم عبد الرحمن خضر
أسس المفاهيم الاقتصادية في الإسلام
4
عربي
63
رفعت العوضي
من التراث الاقتصادي للمسلمين (2)
5
عربي
92
حلمي عبد المنعم صابر
المنظور الإسلامي لمشكلة الغذاء وتحديد النسل
6
عربي
94
إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي
الفطرة وقيمة العمل في الإسلام
7
عربي
98
محمود محمد بابللي
الحرية الاقتصادية في الإسلام
8
عربي
1.6
شوقي احمد دنيا
الاقتصاد الإسلامي هو البديل الصالح
9
عربي
118(2/10)
ناصر عبد الله العمار
الترف وأثره في المجتمع من خلال القرآن الكريم
1.
عربي
119
محمد أبو الليث الخير أبادي
أسس النظام المالي والاقتصادي في القرآن الكريم
11
عربي
137
شوقي احمد دنيا
التنمية والبيئة دراسة مقارنة
12
عربي
146
حامد احمد الرفاعي
الإسلام والنظام العالمي الجديد
13
عربي
148
زيد بن محمد الرماني
الواقع الاستهلاكي للعالم الإسلامي
14
عربي
153
زيد بن محمد الرماني
المفاهيم الاستهلاكية في ضوء القرآن والسنة
15
عربي
159
على راضي ابو زريق
الإنسان والبيئة
16
عربي
164
عاطف أبو زيد سليمان على
إحياء الأرض الموات في الإسلام
17
عربي
175
زيد بن محمد الرماني
خصائص النظام الاقتصادي في الإسلام
18
عربي
178
محمد إبراهيم منصور
التكامل وتقسيم العمل الإقليمي بين الأقطار الإسلامية
19
عربي
187
السيد أحمد المخزنجي
الزكاة وتنمية المجتمع
2.
عربي
195
محمد نور على عبد الله
تحليل مخاطر الاستثمار في المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق
21
عربي
2.3
عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب
الإسلام وعولمة الرأسمالية
22
عربي
44
رابطة العالم الإسلامي والنظام العالمي الجديد
23
إنجليزي
112
النظام الاقتصادي والاجتماعي في الإسلام
24
إنجليزي
116
جامعة الأزهر
تقارير حول مؤتمر السكان والتنمية1994م
25
إنجليزي
117
الرابطة
رابطة العالم الإسلامي والنظام العالمي الجديد
26
فرنسي
134
الرابطة
رابطة العالم الإسلامي والنظام العالمي الجديد
27
رابعاً : دراسة المعاملات الاقتصادية والمالية:(2/11)
لقد درس المجمع الفقهي الإسلامي عددا من الأعمال والبحوث في مجالات الاقتصاد الإسلامي، نتج عنها مجموعة من القرارات(11) في ست عشرة دورة لمجلس المجمع،خلال ربع قرن من الزمان شملت دراسة معاملات متنوعة في التأمين، والمصارف، والأسواق المالية والنقود، والزكاة، والتبرعات، والوقف، والدين، والتورق، والشركات والأسهم، والحسابات الاستثمارية، وبيع العملات، والقبض، والقيد في دفاتر المصارف وغيرها .
وقد طبعت أمانة المجمع هذه القرارات ضمن مطبوعاتها وما صدر عنها من قرارات في مختلف المجالات الاقتصادية، والطبية والاجتماعية، والفلكية، وغير ذلك .
وقد استعرض الباحث القرارات الصادرة عن المجمع الفقهي الإسلامي خلال دوراته المنعقدة من عام 1398هـ إلي عام1422هـ .
ورأًى إخراج القرارات المتعلقة بدراسة ومناقشة المعاملات المالية والاقتصادية في بحث مستقل ، رغبة في بيان إسهام رابطة العالم الإسلامي العلمي في دراسة المشكلات الاقتصادية وكذلك لتفعيل صدى هذه القرارات بين المهتمين بالاقتصاد الإسلامي .
وقد تم تصنيفها حسب التخصص في الاقتصاد الإسلامي كما هو واضح من الجدول رقم (3) التالي :
جدول رقم (3)
توزيع الموضوعات والمعاملات الاقتصادية والمالية التي درسها المجمع الفقهي الإسلامي
العام
الدورة
القرار
الموضوع
1404
لسابعة
الأول
1- سوق الأوراق المالية والبضائع
2-التأمين
1398
الأولى
الخامس
2-التأمين بشتى صوره وأشكاله
الثالث
3- تصنيع وتسويق مجسم للكعبة المشرفة
1419
الخامسة عشرة
الثالث
4-استفادة المسلمين من عظام الحيوانات وجلودها في صناعة الجيلاتين
السابع
5- بشأن الظروف الطارئة وتأثيرها في الحقوق والالتزامات العقدية
14.6
التاسعة
الرابع
6- حقوق التأليف للمؤلفين
14.5
الثامنة
الرابع
7- جمع وتقسيم الزكاة والعشر في باكستان
الخامس
8- الاستفادة بأموال الزكاة لبناء المدارس والمستشفيات في البلاد الأوروبية وتأسيس صندوق للزكاة فيها
1409(2/12)
الحادية عشرة
الأول
9- زكاة أجور العقار
لسادس
10استثمار أموال الزكاة
14.8
العاشرة
الخامس
11- موقف الشريعة الإسلامية من المصارف
14.8
العاشرة
السابع
12- قيام الشيك مقام القبض، في صرف النقود بالتحويل في المصارف
14.8
العاشرة
السابع
13- الاكتفاء بالقيد في دفاتر المصرف عن القبض، لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى مودعة في المصرف
14.8
العاشرة
الثالث
14- الحسابات الاستثمارية في المصارف الإسلامية.
14.8
العاشرة
الخامس
15- هل يجوز تحديد ربح رب المال في شركة المضاربة بمقدار معين من المال.
14.8
العاشرة
السادس
16 مدى مسئولية المضارب ومجالس الإدارة عما يحدث من الخسارة
14.8
العاشرة
الرابع
17 التنضيض الحكمي
1415
الرابعة عشرة
الرابع
18 حكم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا
1415
الرابعة عشرة
الثاني
19 المواعدة ببيع العملات بعضها ببعض
1402
الخامسة
السادس
20حول العملة الورقية
1402
الخامسة
الخامس
21 بيع التورُّق
1422
السادسة عشرة
الأول
22 بيع الدين
1422
السادسة عشرة
السابع
23 عملية اليانصيب
1400
الثالثة
الأول
24 الحكم الشرعي في تحديد النسل
1400
الثالثة
السادس
25 صرف أموال الدعوة الإسلامية التي تجمع للمجاهدين الأفغانيين، لتنفيذ المشاريع الصحية والتربوية والإعلامية
1400
الثالثة
السابع
26 الاستفسارات الواردة من هيئة الإغاثة الإسلامية بالرابطة حول التبرعات المالية والعينية، التي ترد إليها وجهات صرفها
1400
الثالثة
الحادى عشر
27 صرف ريع الوقف
المبحث الثاني
تحليل لقرارات المجمع الفقهي الإسلامي
المتعلقة بالمعاملات المالية والاقتصادية وسبل تفعيلها.
أولا:- القرارات التي درسها المجمع المتعلقة بالمعاملات المالية والاقتصادية وسبل تفعيلها:(2/13)
1- أصدر ا لمجمع قرابة سبعة وعشرين قرارا ضمن دورات مجلس المجمع منذ عام 1398هـ، وحتى 1422هـ وقد شملت دراسة الأسواق المالية والتأمين،والتصنيع والمصارف والنقود،والزكاة، والمعاملات المالية الأخرى كالدين، والتو رق، وأسهم الشركات، والحسابات الاستثمارية،وبيع العملات والقبض وغيرها .
2- أن المجمع الفقهي الإسلامي درس تلك المعاملات الاقتصادية والمالية ضمن دوراته التي تناول فيها موضوعات أخرى،فلم يكن للجانب الاقتصادي مجلس خاص،ويفضل تخصيص دورة خاصة بالمعاملات والقضايا الاقتصادية .
3- قامت الرابطة بنشر قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التي صدرت في مختلف المجالات مرتبة حسب تاريخ الدورات التي عقدت. لكن المجمع جهة عليا اجتهادية علمية بحثية استشارية وليس جهازا تنفيذيا، فإن ما صدر عنه من قرارات تحتاج إلى تفعيل في المؤسسات التطبيقية، وهذا الأمر لابد له من قرار استراتيجي يتم اتخاذه من قبل الجهات المعنية،بحيث تصبح قرارات المجمع مرجع أساسي لتلك المؤسسات التطبيقية ،حيث إن تفعيل القرارات الصادرة عن المجمع الفقهي الإسلامي يكون بنشرها ومتابعة تطبيقها لدى المؤسسات الاقتصادية التطبيقية في العالم الإسلامي .والتنسيق مع هيئات الرقابة الشرعية في تلك المؤسسات .
4- يلاحظ أن اهتمام المجمع الفقهي الإسلامي بالقضايا الاقتصادية برغبة ذاتية من المجمع وما يرد إليه من معاملات ،من خلال القرارات الصادرة عن المجمع الفقهي الإسلامي والاقتراحات 0
5- يلاحظ عدم وجود إدارة خاصة للشؤون الاقتصادية ضمن هيكل الرابطة والمجمع الفقهي 0
6- تتوزع قرارات المجمع الفقهي الإسلامي الخاصة بالمعاملات المالية والاقتصادية بنسب مختلفة على تسع تخصصات في الاقتصاد الإسلامي تقريبا موضحة في الجدول رقم (4) (12)
جدول رقم (4)
نسب توزيع دراسة الموضوعات على تخصصات الاقتصاد الإسلامي
النسبة%
عدد القرارات
التخصص
م
3.6
1
الأسواق المالية :
1
3.6
1
التأمين
2
7.2(2/14)
2
التصنيع
3
7.2
2
الحقوق والالتزامات العقدية
4
14.2
4
الزكاة
5
39.2
10
المصارف والنقود
6
1..7
3
معاملات مالية أخرى
7
3.6
1
الموارد البشرية
8
1..7
3
الوقف والتبرعات المالية
9
كما أن هذا التوزيع يتضح أيضا من الشكل البياني رقم 1 التالي :
ثانيا:- تلخيص الآثار الاقتصادية المتحققة من إسهام رابطة العالم الإسلامي في مجال نشر مبادئ الاقتصاد الإسلامي:
1- زيادة الوعي بالفكر الاقتصادي الإسلامي في كثير من بلدان العالم الإسلامي.
2- دراسة كثير من المشكلات الاقتصادية والمالية التي تعاني منها المؤسسات المالية والاقتصادية في دول العالم الإسلامي بمجمع الفقه الإسلامي.
3- حفز حكومات الدول الإسلامية وتوضيح رغبة الأمة الإسلامية في إنشاء السوق الإسلامية.
4- تشجيع المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي للمشاركة في أعمال رابطة العالم الإسلامي ومجالسها والمؤتمرات التي تشارك فيها أو تقيمها.
الفصل الثالث
دعم التعاون الاقتصادي الإسلامي بين دول العالم الإسلامي
المبحث الأول : مزايا وعقبات التعاون الاقتصادي الإسلامي بين الدول الإسلامية
أولا: مزايا التعاون بين الدول الإسلامية:
لقد أصبح من الضروري العمل على توحيد الجهود من أجل بناء قوة اقتصادية إسلامية تتمثل في التكامل الاقتصادي الحقيقي بين البلدان الإسلامية .
فالعالم الإسلامي يمتلك مزايا حقيقية تؤهله لتحقيق الوحدة الاقتصادية وفي مقدمتها الدين الذي ارتضاه الله لهذه الأمة والذي يجمع بين المادة والروح . والموقع الجغرافي والاقتصادي، والموارد البشرية الهائلة، والثروات الطبيعية الضخمة. (13)(2/15)
إن التفكير في المصلحة العليا للأمة الإسلامية أصبح أمراً ملحاً وضرورياً وخاصة في عصرنا الحاضر الذي تجمعت فيه أمم الشرق والغرب على عالمنا الإسلامي، تكيد له الدسائس وتعمل على تمزيق كيانه وسلب أرضه، وهدر موارده، وإضاعة كرامته، وزرع الفتن والحروب في ساحته، وتدمير بنيته ومرافقه،وإذلال شعوبه وتقتيلهم وإفقارهم .
إن ضرورة التضامن الاقتصادي بين الدول الإسلامية ترجع إلى أن الأصل في العقيدة الإسلامية هو وحدة الأمة الإسلامية واتحاد كافة أفرادها وقيامهم بكافة متطلبات هذه الأمة مهما اختلفت المواطن والأزمنة .
وفي هذا يقول الله تعالى : ( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ( (14)
وقال أيضاً : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( (15)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) (16) وقال أيضاً : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) (17) وقال صلى الله عليه وسلم : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) (18)
فالإسلام يفرض على اتباعه التضامن والتعاون والاتحاد في كافة أمور المسلمين من اقتصاد، واجتماع، وسياسة وغيرها . لأن بلاد الإسلام وطن لكل مسلم أيا كانت جنسيته أو محل ميلاده أو هويته .
فالأصل إذا هو حرية التنقل لعناصر الإنتاج من عمل ورأس مال وللسلع المختلفة بين البلاد الإسلامية دون قيود أو رسوم . كذلك فحرية التملك والإرث والعمل والتعاقد مكفولة لكل مسلم في كافة البلاد الإسلامية.
والاستثناءات من ذلك إن اقتضتها اعتبارات مرعية إسلامياً يجب أن تكون موقوتة ومحدودة ومبررة بوضوح من وجهة شرعية .(2/16)
و التضامن الإسلامي بين البلاد الإسلامية طريق للتعاون الاقتصادي (الذي يعدمن أرقى سبل التكامل الاقتصادي المعروفة وتتوافر له كافة الأسس اللازمة لإقامة قوة اقتصادية موحدة تحقق لها كافة المزايا التي تترتب على قيام التكتل الاقتصادي من تحقيق الكفاءة في استخدام الموارد الاقتصادية وما يترتب عليها من زيادة الدخول الحقيقية وتحقيق العدل في توزيع الدخل بين المواطنين بما يؤدي إلى زيادة الرفاهية الاقتصادية ). (19)
وذلك لأن هذا التعاون يجمع إلى جانب إلغاء الحواجز الجمركية إطلاق حرية انتقال عناصر الإنتاج . ولهذا يمكن انتقال العمال من المناطق التي يقل فيها الطلب عليهم إلى حيث يزداد الطلب . كذلك فإن راس المال لا يبقى موظفاً في مشروعات غير مجزية أو عاطلاً في مناطق معينة، مما يؤدي إلى مضاعفة فرص الاستثمار وزيادة كفاءة استخدام عناصر الإنتاج ومعدلات النمو الاقتصادي ، فإذا ما أضيف إلى ذلك (تقارب السياسات الضريبية والنقدية في البلاد الإسلامية - إذا ما نبعت كلها من الشريعة الإسلامية كما هو مطلوب - وتنسيق السياسات الإنتاجية تبعاً لما يجب أن يكون عليه الأمر في بلاد المسلمين من اتحاد على تحقيق مصلحة المسلمين في كافة الأقاليم والأقطار فإن هذا يؤدي إلى عدالة توزيع مكاسب ونفقات التعاون وتحقيق استفادة كافة البلاد الإسلامية) (20)
ثانياً: العقبات التي تواجه التعاون الاقتصادي الإسلامي :
تواجه الأمة الإسلامية مشاكل كبيرة جداً معقدة ومتنوعة، تاريخية وأيديولوجية وسياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية .
ولقد زاد من حدتها المحيط العالمي، من خلال عالمية الاقتصاد، وإقامة نظام اقتصادي دولي غير عادل يميل بكل معطياته لتحقيق مصلحة البلدان القوية ذات السيطرة الإعلامية والثقافية والتكنولوجية والتفوق العسكري.(2/17)
فعالمنا الإسلامي تمزقه الصراعات والحروب، والسياسات غير المتزنة إضافة إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية والتي يأتي في مقدمتها (التخلف، والفقر، والمرض، والجهل، والبطالة، والسلبية التي يعيشها عالمنا إليوم، والمديونية الخارجية، وانعدام الأمن الغذائي، وضعف البنية الأساسية،والاعتماد على الغير) (21)
(إن العالم الإسلامي ليس فقيراً في موارده المتنوعة، ولكنه يعاني من حالتين إما موارد غير مستغلة أصلاً، وإما موارد مستعملة في غير محلها فهي معرضة للهدر أو الضياع أو الإسراف. (22)
إن البلدان الإسلامية لا تنقصها الأموال إلا أن معظمها مهجّر إلى الأسواق المالية العالمية، وفي نفس الوقت تتجه معظم البلدان الإسلامية إلى الاقتراض من الأسواق المالية الأصلية بأسعار وفوائد مرتفعة.
ويستثنى من ذلك الدول النفطية الرئيسة التي ليس عليها ديون خارجية، والبلدان الإسلامية يتوفر فيها موارد طبيعية ضخمة فهناك الأراضي الخصبة المنتجة إلا أن قطاعها الزراعي قد ترك متخلفاً وأهمل إلى درجة أن العجز الغذائي بلغ أرقاماً مخيفة يتم سده عن طريق الواردات المتزايدة) . (23)
وتمتلك البلدان الإسلامية من الخبرات الكثير إلا أن الهجرة إلى الخارج أصبحت مطلب الكثير من هذه الخبرات نتيجة للعوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها بلداننا الإسلامية.(2/18)
إن العالم الإسلامي يستند إلى نظام عالمي إلّهي يقوم على الوحدة والأخوة والتضامن والتعاون والعدالة الاجتماعية ويدعو إلى السلم والانضباط ونبذ العنف والإرهاب وأن ما وصلت إليه الأمة الإسلامية من تخاذل وانحطاط وسلبية أمام أعدائها إنما هو بسبب الابتعاد عن تعاليم الإسلام ومبادئه المشروعة في كل المجالات إنه لا يصلح حال أمتنا اليوم إلا بما صلح به حالها في السابق في القرون الأولى، والعمل الجاد على تغيير الأنظمة الاقتصادية والسياسية القائمة وتطبيق مبادئ وقيم الإسلام في جميع المجالات ومن ذلك المجال الاقتصادي والعمل على إعداد استراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفق نمط إسلامي للعودة إلى هويتنا الإسلامية حتى تستطيع الوقوف أمام التحديات التي تواجه أمتنا، وإيجاد الحلول المناسبة لمعظم القضايا المعاصرة . يقول الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) . (24)
(فالتغيرات لابد أن تقوم بوسائل الإقناع التربوية والسياسية والدينية كما أن التغيير لابد أن يصاحبه عدالة في التوزيع وتنمية مستمرة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية وأن يكون مناط التغيير القضاء على معظم التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية ومنها) (25):
1- القضاء على الفقر وتخفيض عدد الفقراء في المجتمع بضمان دخل أدنى لهم وتوفير الحاجات الأساسية كالغذاء، والكساء، والسكن، والنقل والعلاج.
2- محاربة البطالة بالعمل على إنشاء أو خلق فرص عمل بهدف التشغيل الكامل الذي يتم تحقيقه على مراحل متعددة ومتتالية .
3- العناية بتنمية الموارد البشرية ومضاعفة نفقات التنمية وخاصة لقطاعات التربية والتعليم والتدريب والصحة، والتكنولوجيا . فالموارد البشرية يجب أن يكون لها مركز متقدم في أي سياسة اقتصادية واجتماعية 0(2/19)
4- العمل على استثمار وتنمية الموارد الطبيعية واستغلالها بشكل جيد دون إسراف أو هدر فالإسلام يشجع كل مبادرة تنموية ويحث على العمل وإنعاش الاستثمار وإنماء الثروات لبناء مجتمع قوي وفقاً لاقتصادنا الإسلامي.
5- تقليص الفجوة التكنولوجية وذلك بالعمل على الاستثمار في مجالات واستخدامات التقنية وتطويرها بما يخدم قضايا الأمة الإسلامية.
وتعمل رابطة العالم الإسلامي على التخفيف من حدة هذه المشكلات بالعمل الجاد على تقليصها في دول العالم الإسلامي إلا أن مواجهة تلك التحديات يتطلب تطبيق سياسات عادلة تعمل على تحقيق العدالة في بناء المجتمع الإسلامي، حيث يعتبر مطلباً من مطالب التنمية الاقتصادية والذي عجزت عن تحقيقه كثير من الأنظمة الاقتصادية الوضعية . كما يتطلب اندماج السلطات في البلدان الإسلامية مع الجماهير وإيجاد نوع من التلاحم بين المؤسسات والقائمين عليها من جانب والجماهير من جانب آخر ولن يكون هذا إلا بالآتي(26):
1- احترام القيم الإسلامية وحماية الحريات.
2- تطبيق المنهج الاقتصادي الإسلامي.
3- إنهاء قضية التبعية الاقتصادية للخارج.
4- التخطيط السليم وفق أحكام الشريعة الإسلامية. باستخدام العلم والعقل.
5- التمسك بالهوية الإسلامية وحرية الإنسان المسلم.
ولهذا فإن رابطة العالم الإسلامي في كافة بياناتها وإسهاماتها تؤكد على تطبيق المبادئ التي تحافظ على القيم الإسلامية ،وتطبيق المنهج الاقتصادي الإسلامي ،كما تسهم في حل المشكلات الاقتصادية التي تواجه الأمة الإسلامية بكل قدراتها 0
ثالثاً: صور دعم رابطة العالم الإسلامي للتعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية
يمكن أن يحدد الباحث من خلال استعراض توصيات اجتماع المنظمات والمؤسسات الإسلامية الثاني المنعقد بمكة المكرمة في الفترة من 7-16 شعبان 1389هـ الموافق 18-27 أكتوبر 1969م،صور دعم التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية :
والتي تتمثل فيما يلي:(2/20)
1- إنشاء مجلس اقتصادي إسلامي مشترك تمثل فيه جميع الدول الإسلامية .
2- مهمة هذا المجلس تنسيق العلاقات الاقتصادية على أساس التكامل والتعاون.
3- وضع مخطط اقتصادي مشترك يهدف إلى تبادل الخبرات والمعونات وتشجيع التجارة والمبادلات الاقتصادية .
4- يقوم هذا المجلس بإعداد المعاهدات والاتفاقيات والتوصيات اللازمة للسير نحو وحدة اقتصادية إسلامية تعمل على :
- إقامة سوق إسلامية مشتركة .
- إزالة الحواجز الجمركية تدريجياً.
- تسهيل استقبال البضائع والأشخاص .
5- تشجيع المشروعات المشتركة بين الدول الإسلامية واستخدام رؤوس الأموال الإسلامية في داخل العالم الإسلامي لفائدة الشعوب الصغيرة والبلدان المزدحمة بالسكان وإنشاء مصارف مشتركة تقوم بذلك على أساس لا ربوي .
6- إنشاء بنك دولي إسلامي للإنشاء والتعمير على أساس لا ربوي.
7- تشجيع تبادل الخبرات الفنية ورؤوس الأموال بين الدول الإسلامية.
8- إنشاء غرفة تجارية وصناعية مشتركة والتعاون في الدراسات الاقتصادية ونشر المعلومات .
9- تشجيع سياحة المسلمين للبلدان الإسلامية وتنظيم وسائلها والتعاون في صناعتها.
10- عقد مؤتمر وزراء الاقتصاد للدول الإسلامية .
ولعل المتأمل في هذه التوصيات يجد أن دعم التعاون الاقتصادي سيكون على الصور التالية :
أ- إنشاء المجلس الاقتصادي الإسلامي الذي يخطط للوحدة الاقتصادية علي كافة المستويات في البلدان الإسلامية.
ب- إنشاء السوق الإسلامية المشتركة.
ج - التأكيد على المشروعات المشتركة في كافة المجالات الزراعية والصناعية والتجارية والخدمات المختلفة .
د- إنشاء مؤسسات التنمية الشاملة والمستمرة ومنها:
1- المؤسسات المالية للتنمية والتعمير الإسلامية
2- المؤسسات التجارية 3- المؤسسات الصناعية .
4- المؤسسات الزراعية المتطورة .
5- مؤسسات الخدمات السياحية .
6- المؤسسات الفنية والتكنولوجية.(2/21)
وقد ظهرت بعض هذه المؤسسات مثل غرفة التجارة والصناعة الإسلامية بكراتشي /الباكستان 0 ومنظمة المؤتمر الإسلامي،والبنك الإسلامي للتنمية ومقرهما جدة / المملكة العربية السعودية ومازال العالم الإسلامي في حاجة ماسة لتحقيق صور التعاون الاقتصادي التي سبق ذكرها.
المبحث الثاني
إسهام رابطة العالم الإسلامي
في تحقيق التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية
تتجلى إسهامات رابطة العالم الإسلامي في تحقيق التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية في الآتي :-
أولاً: محاولة إنشاء السوق الإسلامية المشتركة :
1- الدعوة لإنشاء السوق الإسلامية المشتركة:
لقد كانت رابطة العالم الإسلامي من أولى المؤسسات والمنظمات الإسلامية التي دعت إلى ضرورة التعاون الاقتصادي الإسلامي، وتوثيق التعاون في هذا المجال الحيوي بين الدول الإسلامية، وقد شاركت في عدد من الاجتماعات والمؤتمرات والندوات ودعت لإنشاء قوة اقتصادية للدول الإسلامية من خلال السوق الإسلامية المشتركة وبالتحديد فقد برزت جهود وإسهامات الرابطة لتحقيق إنشاء السوق الإسلامية المشتركة في الحضور الفعال لاجتماعات المنظمات الإسلامية العالمية،واجتماعات مؤتمرات القمة الإسلامية،وعقد اجتماعات المؤتمر الإسلامي العام، والمجلس التأسيسي للرابطة والمشاركة في الندوات والمؤتمرات التي تعقد على مستوى وزراء المالية والخارجية والشؤون الإسلامية بالدول الإسلامية .وذلك على النحو التالي :
أ- مؤتمرات القمة الإسلامية :
قامت الأمانة العامة للرابطة بعرض الفكرة من جديد على مؤتمر القمة الإسلامي الثالث المنعقد في الطائف 1401هـ وطلبت من المؤتمر اتخاذ الخطوات اللازمة لإخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود.(2/22)
((كما نص القرار الثالث عشر للمؤتمر الإسلامي الآسيوي الأول المنعقد في كرا تشي خلال الفترة 1-3 شعبان 1398هـ الموافق 6-8 يوليو1978م على تعيين لجنة لا يقل عدد أعضائها عن 12 عضواً مكونة من مختلف مناطق العالم الإسلامي0 لتقديم خطوات عملية لإنشاء السوق المشتركة للدول الإسلامية . وبناء هذه المنظمة الدولية التي ستهدف إلى التقريب بين الدول الأعضاء، وإصلاح وتحسين أحوال الحياة الاقتصادية والمعيشية في الدول الإسلامية . ولكن يبدو أن هذا القرار لم ينفذ.
ب - اجتماعات المؤتمر الإسلامي العام :
لقد توقف المؤتمر الإسلامي العام الرابع عند التحديات الخطيرة التي تستهدف الأمة الإسلامية، مثل: ( الفرقة بين المسلمين، وتشتت مناهجهم، والحملات التي تسعى إلى تشويه الإسلام، وأمن الأمة الإسلامية، والتخلف الاقتصادي وبطء التنمية، بالإضافة إلى التحديات الاجتماعية، والإعلامية والثقافية، والسياسية، والحضارية، وغيرها ) وتدارس سبل معالجة هذه التحديات والأسس التي يتعين على الأمة أن تعتمدها، ابتداءً من تحقيق وحدة المسلمين وتعاونهم وتحقيق أمن الأمة، وانتهاءً بتقديم الإسلام بديلاً حضارياً عالمياً للإنسانية، وقد توصل في ذلك إلى عدة توصيات من أهمها : (27)
1- ترسيخ الأسس الشرعية لتحقيق وحدة الأمة، واعتصامها بحبل الله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) والتأكيد على أن المسلمين أينما كانوا إخوة في الله، لا تفرق بينهم في الأجناس والألوان: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) (28)
2- بناء مؤسسات التضامن والتعاون بين المسلمين لإنجاز المهام المشتركة في المجالات الاقتصادية والتربوية والثقافية والاجتماعية وغيرها، تحقيقاً لقواعد الوحدة .
3- الأخذ بسياسات اقتصادية إسلامية تقوم على التنسيق والتكامل بين الأقطار الإسلامية، ويذكر بتقوى الله والحذر من الربا، ووجوب اتباع شرع الله في المعاملات الاقتصادية .(2/23)
4- إقامة السوق الإسلامية المشتركة لحماية الإنتاج الإسلامي من المنافسة الأجنبية ويدعو إلى تشجيع رأس المال الإسلامي لتنفيذ المشروعات الاستثمارية في البلاد الإسلامية وإلى التوسع في إنشاء المراكز والمعاهد لإعداد القوى الفنيّة العاملة .
5- التوسع في إنشاء جامعات ومعاهد خاصة بإعداد القوى العاملة في مجالات العلوم والتقنية التي تدعم الإنتاج في البلدان الإسلامية وتدعم رأس المال الإسلامي .
ج - اجتماعات المجلس التأسيسي للرابطة :
استعرض المجلس التأسيسي للرابطة ما عرض عليه بخصوص السوق الإسلامية المشتركة 0
والمجلس يرى أن من الواجب دراسة كل المشاكل التي تعترض تحقيق قيام هذه السوق والعمل على تذليل صعابها ولقد كانت التجربة في دول أوروبا الغربية منعشة جداً لشعوبها وكادت تسيطر بها على العالم فلم لا يستفيد منها المسلمون وهم الذين أمرهم الله بالتعاون والزمهم به على أن تجري الأمانة العامة اتصالاتها مع منظمة المؤتمر الإسلامي لاتخاذ الخطوات اللازمة لإخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود.(29)
كما قامت الأمانة العامة للرابطة بإدراج هذا الموضوع ضمن مذكرتها المعروضة على مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية العاشر بمدينة فاس المغربية في 6-12 جمادى الآخرة 1399هـ والمتضمنة ما يلي:
سبق لرابطة العالم الإسلامي أن عرضت فكرة إنشاء
(السوق الإسلامية المشتركة) على وزراء المالية في العالم الإسلامي وتلقت أجوبة من بعض الوزراء المتفقة على أنه يجب التريث في الموضوع لاختلاف النظم الاقتصادية في الدول الإسلامية والتباعد الجغرافي والتفاوت الشديد في مستويات النمو بين مجموعات هذه الدول .
وبعد مناقشة المجلس قضية السوق الإسلامية المشتركة ورأى أن الأمانة العامة للرابطة قد حققت شوطاً في السير لإيجاد هذه السوق.
فقد أوصى المجلس بما يلي: (30)(2/24)
1- أن تقوم الأمانة العامة للرابطة بمساعيها لشرح فوائد هذه السوق في البلدان الإسلامية بالأوجه الموصلة لذلك.
2- أن تقوم الأمانة العامة للرابطة بالاتصال بالدول التي لم تصل منها إجابة حتى تعم الفائدة .
3- السعي في توفير البنوك الإسلامية إذ بذلك يسهل ايجاد هذه السوق.
4- السعي على تحقيقها على مراحل بحيث تبدأ تدريجياً ثم تعمم .
كما أوصى المجلس لتحقيق مشروع إنشاء السوق الإسلامية المشتركة بالعمل على ما يلي: (31)
1- تشكيل لجنة من ذوي الاختصاص في الاقتصاد تضع أسس هذه السوق الإسلامية المشتركة مستنيرة بكل ما تقدم من أعمال للتنسيق بين الجهود المبذولة سابقاً من كل البلدان الإسلامية.
2- طبع مؤلف خاص يتضمن التعريف بالسوق الإسلامية المشتركة والأبعاد الناتجة عنها في حصول العالم الإسلامي على الاكتفاء الذاتي وتخلصه من التبعية التي يعيشها اليوم في ركاب الدول التي تمده بحاجاتها وتنبيه الرأي الإسلامي العام علاوة على المسؤولين إلى التعاون الذي دعانا سبحانه وتعالى إليه في محكم كتابه العزيز : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى). (32)
3- الدعوة إلى عقد ندوة اقتصادية تقوم بها الرابطة لإبداء الآراء مجتمعة تعزيزاً لما تقوم به من عرض الفكرة على المؤتمرات وحتى يظهر هذا السوق على الوجود0
4- متابعة الإعلام وتذكيره في التعريف بهذه السوق فإن له في كثير من البلدان أهمية في نشر الوعي الاقتصادي بأهمية السوق .
5- السعي في الاتصال بالاتحادات الاقتصادية المبرمة من بعض الدول والتقريب بصورة تدريجية بينها وبين الدول الإسلامية حتى تصبح السوق المشتركة واقعا لابد منه .
6- الاستفادة من الطرق التي سلكتها السوق الأوروبية المشتركة ونشر التعريف بها حتى يقع الاقناع بأن في ذلك ما يوفر الخير الكثير.
7- الاتصال بالدول التي ارتبطت بعض الارتباط بالسوق الأوروبية المشتركة لتحويل وجهتها إلى السوق الإسلامية المشتركة.(2/25)
وقد طالب المجلس منظمة المؤتمر الإسلامي انجاز قيام السوق الإسلامية المشتركة على أن تقوم الأمانة العامة بإبلاغ هذه المطالب للمنظمة بالطرق التي تراها. (33)
د - الندوة الإسلامية العالمية الأولى التي نظمتها وزارة الحج والأوقاف بالاشتراك مع الرابطة .
والتي نصت في توصياتها بالعمل على إنشاء سوق إسلامية مشتركة الغرض منها تحقيق الاكتفاء الذاتي لمتطلبات ضيوف الرحمن وخدمتهم وعدم لجوئهم تحت ضغط الحاجة إلى الأسواق الأجنبية المنافسة. (34)
هـ - عرض رابطة العالم الإسلامي فكرة السوق الإسلامية المشتركة على وزراء المالية والغرف التجارية والصناعية في الدول الإسلامية
1- قامت الأمانة العامة للرابطة بتعميم القرار إلى وزارء المالية في الدول الإسلامية والغرف التجارية لاستجلاء مرئياتهم ومقترحاتهم حيالها.
حيث قامت بإبلاغ جميع وزراء المالية في الدول الإسلامية لمناشدتهم البحث عن حل لتذليل الصعاب التي تعترض سبل تنفيذ هذا المشروع وإخراجه إلى حيز الوجود لصالح الأمة الإسلامية ومحاولة إيجاد نظام اقتصادي يتناسب ومتطلبات الدول الإسلامية خاصة في الظروف الراهنة خاصة وأن بنوك التنمية الإسلامية تسير بمشروعاتها سيراً حسناً في تحسين أوضاع الدول الإسلامية والنامية.
وقد وصلت الأمانة العامة للرابطة ردوداً من عدة جهات ومع استحسان الفكرة وتمني تحقيقها فقد اتفقت آرائهم على أنه يجب التريث في بحث إنشاء السوق الإسلامية المشتركة لاختلاف النظم الاقتصادية في الدول الإسلامية والتباعد الجغرافي والتفاوت الشديد في مستويات النمو بين مجموعات هذه الدول .
2- أجرت الأمانة العامة للرابطة اتصالاتها مع منظمة المؤتمر الإسلامي لاتخاذ الخطوات اللازمة لاخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود.(2/26)
3- قامت الأمانة العامة للرابطة مرة أخرى بابلاغ القرار إلى أصحاب المعالي وزراء الشؤون المالية في الدول الإسلامية وكذلك الغرف التجارية والصناعية في الدول الإسلامية .
4- كما قامت بطرح الفكرة للبحث والتادول خلال انعقاد مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية في دورته العاشرة لاتخاذ الخطوات اللازمة لاخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود .
ولقد تلقت الأمانة العامة للرابطة بعض الأجوبة وكان منها جواب غرفة تجارة دمشق الذي أفاد بأن الغرف التجارية والصناعية في البلاد الإسلامية قد قامت بإنشاء الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة ومقرها في كراتشي وانتخب الشيخ إسماعيل أبو داود رئيس غرفة تجارة وصناعة جدة رئيساً لها واقترح المبادرة للتنسيق مع هذه الغرفة بهدف وضع فكرة السوق الإسلامية المشتركة.
هذا ومازالت الأمانة العامة للرابطة تتابع القضية وتقوم بعرضها على المؤتمرات والمجالس الدولية سعياً وراء اخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود تحقيقاً لرغبة وامان المسلمين في كل مكان .
و - عرضت الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي فكرة إنشاء السوق الإسلامية المشتركة على مؤتمر وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية الذي قرر في دورته الثانية المنعقدة بمكة المكرمة في ربيع الثاني 1400.هـ ما يلي (35):
أ - قيام مؤسسة إسلامية عليا لوضع أسس اقتصاد إسلامي متكامل يحل محل النظم الاقتصادية السائدة التي لا تقوم على المبادئ الإسلامية .
ب- إقامة مؤسسة إسلامية لإصدار نقد إسلامي موحد باسم (الدينار الإسلامي).
جـ- إقامة مشاريع تنموية واقتصادية مشتركة بين الدول الإسلامية لتنسيق وسائل الانتاج وضمان التكامل الاقتصادي والتنموي عن طريق تخطيط سليم للمنشآت الصناعية والتنموية وتجنب الوقوع في أخطاء الانتاج الصناعي المتماثل والاستعاضة عنه بالإنتاج الصناعي المتكامل.
د- التوسع في إنشاء البنوك الإسلامية في جميع الدول الإسلامية.(2/27)
هـ- تسهيل تنقل الأشخاص وانتقال رؤوس الأموال بين الدول الإسلامية للاستفادة من الخبرات والكفاءات والثروات المالية والبشرية في تطوير تلك البلاد واستغلال الامكانات الطبيعية والفنية على أفضل وجه ممكن .
2-: أهم الآثار الاقتصادية المتحققة من دعوة الرابطة لإنشاء السوق الإسلامية المشتركة :
إن فكرة السوق الإسلامية المشتركة لم تتمكن من الخروج إلى حيز الوجود حتى الآن إلا أن الأمانة العامة للرابطة ترى أن الجهود المبذولة في هذا الصدد لم تخل من فائدة وآثار اقتصادية عظيمة منها:-
ا- ازدياد الوعي لدى المسلمين وبدأ التفكير الجدي من قبل بعض المهتمين بالقضايا الإسلامية في الدول الإسلامية0
ب- انتشار المصارف الإسلامية ومنها مصارف فيصل، وبيت التمويل،وبنك دبي الإسلامي،والبنك الأردني، والبنك الإسلامي للتنمية،وبنك البركة، ودار المال الإسلامي يمكن أن يعتبر أولى البشائر في هذا الصدد كنتيجة عامة لفكرة انتشار السوق الإسلامية.
جـ- تحول كثير من المصارف التجارية في معاملاتها إلى معاملات إسلامية ،بشكل جزئي أو كلي ،وخاصة في مجال التمويل ، لمسايرة واقع الأمة الإسلامية ،وأسواقها التي تدعو إليه رابطة العالم الإسلامي.
د- تأكيد رابطة العالم الإسلامي على عملية الاستمرار والمتابعة بالطرق التالية :
1- متابعة فكرة إنشاء السوق الإسلامية المشتركة عن طريق منظمة المؤتمر الإسلامي ومن خلال مؤتمرات وزراء الدول الإسلامية المتتالية.
2- متابعة الجهود الإعلامية لإبراز محاسن الفكرة وعرضها على الرأي العام الإسلامي.
3- مناشدة الدول الإسلامية بذل جهود لتأييد فكرة دار المال الإسلامي والبنوك الإسلامية وتذليل كافة العقبات التي قد تقف في طريق إنشاء فروع لها في كافة الدول الإسلامية .(2/28)
هـ- تشجيع الدول الإسلامية لإعطاء شقيقاتها الإسلامية الأولوية في كل التبادلات التجارية سواء كان ذلك في التصدير أو الاستيراد وتذليل العقبات التي قد تقف في هذا الطريق مع تخفيف الرسوم الجمركية على مستوردات الدول الإسلامية .
و- تشجيع استثمار رأس المال الإسلامي في الدول الإسلامية لتوفير ربح حلال لهذه الأموال من جهة ولحل مشكلة الفقر والبطالة التي تعاني منها بعض الدول الإسلامية من جهة أخرى .
ثانيا : التأكيد على المشروعات المشتركة :
تعتبر المشروعات المشتركة أحد صور التعاون الاقتصادي التي يمكن إقامتها بين الدول الإسلامية، كما نصت عليه توصيات اجتماع المنظمات والمؤسسات الإسلامية الثاني المنعقد بمكة المكرمة في الفترة من 7-16 شعبان 1389هـ الموافق 18-27 أكتوبر 1969م .(36)
وقد تضمنت إنشاء مجلس اقتصادي إسلامي مشترك تمثل فيه جميع الدول الإسلامية . تكون مهمته تنسيق العلاقات الاقتصادية على أساس التكامل والتعاون . ووضع مخطط اقتصادي مشترك يهدف إلى تبادل الخبرات والمعونات وتشجيع التجارة والمبادلات الاقتصادية والعمل على تشجيع المشروعات المشتركة بين الدول الإسلامية واستخدام رؤوس الأموال الإسلامية في داخل العالم الإسلامي لفائدة الشعوب الصغيرة والبلدان المزدحمة بالسكان وإنشاء مصارف مشتركة تقوم بذلك على أساس لا ربوي.
وقد أكد المؤتمر الإسلامي العام الرابع لرابطة العالم الإسلامي الذي عقد في مكة المكرمة في الفترة من 23-27 /1/1423هـ الموافق 6-1./4/2..2م في عدد من التوصيات على أهمية المشروعات المشتركة التي تحقق آثاراً اقتصادية ومنافع كبيرة للأمة الإسلامية.(37)(2/29)
كما أكد مؤتمر وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية على ضرورة إقامة المشروعات المشتركة بين الدول الإسلامية في دورته الثانية المنعقدة بمكة المكرمة في ربيع الثاني 1400.هـ0 و ذلك لتنسيق وسائل الانتاج وضمان التكامل الاقتصادي والتنموي عن طريق تخطيط سليم للمنشآت الصناعية والتنموية وتجنب الوقوع في أخطاء الانتاج الصناعي المتماثل والاستعاضة عنه بالإنتاج الصناعي المتكامل.
ثم جاء مؤتمر وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية الثالث المنعقد بمكة المكرمة في شعبان 1401هـ فأكد على التوصيات السابقة.بضرورة تبني فكرة إنشاء صناعات إسلامية مشتركة تعتمد في تمويلها على الدول الإسلامية لتجنب خطر التحكم الاستعماري في الاحتياجات الصناعية للدول الإسلامية.(38)
وكذلك بضرورة التعاون المالي بين الدول الإسلامية وذلك بدعم البنك الإسلامي للتنمية لزيادة جهوده في توسيع خدماته وتقديم القروض الى الدول الإسلامية لتمويل مشاريعها التنموية وكذلك العمل على تشجيع البنوك الإسلامية اللاربوية كما يوصي بالعمل على استخدام عملة إسلامية موحدة للمعاملات بين الدول الإسلامية.
ومن أهم الآثار الاقتصادية التي يمكن استخلاصها من مجال تشجيع رابطة العالم الإسلامي للمشروعات المشتركة ما يلي:
1- تشجيع المشروعات المشتركة بين الدول والشعوب الإسلامية من أجل بناء قاعدة صناعية مشتركة تعتمد على وسائل التقنية المتطورة بالاعتماد على رؤوس الأموال الإسلامية في مختلف المجالات الاقتصادية وخاصة مجالات الغذاء والكساء.
2- وضع خطط لنقل التقنيات المتقدمة للعالم الإسلامي، وتدريب أجيال من التقنيين المهرة، واستقطاب الخبرات والعقول المسلمة المهاجرة .
3- يوصي المؤتمر بإعطاء الأولوية للخبرات الفنية المتوفرة بين المسلمين كما يوصي بالاتجاه للحد من استقدام الخبراء والفنيين غير المسلمين إلا في حالة الضرورة القصوى.
ثالثاً: دعم برامج التنمية الريفية والاجتماعية والاقتصادية:(2/30)
تقدم رابطة العالم الإسلامي دعما ماليا وعينيا لكثير من الجمعيات التنموية التي تعمل على تقديم خدماتها للمسلمين في مختلف بقاع العالم سواء في المجال الاجتماعي والخدمات الاجتماعية والدينية والصحية والتعليمية والثقافية، ومن أبرز تلك الخدمات بناء المساجد في كافة أنحاء العالم،ونشر التعليم الإسلامي، والدعوة الإسلامية .
أما في المجال الاقتصادي فإن هذه الجمعيات تقدم خدماتها الاقتصادية لبعض الفئات ذات الدخل المنخفض غالبا في القرى والأرياف لتحقيق التنمية الريفية والمهنية وتنمية بعض الصناعات الريفية والزراعية والرعوية(39) .
والجدول رقم (5) يوضح ما قدمته رابطة العالم الإسلامي لبعض الجمعيات الإسلامية في عام 1412هـ0
إن اهتمام الرابطة الخاص بدعم برامج التنمية بمختلف مجالاتها في الدول الإسلامية بشكل عام والأقليات الإسلامية على الخصوص في مجالات التنمية،نتيجة لما تعانيه هذه الأقليات من مشكلات اقتصادية ، كما أن معظم الدول الإسلامية تنتمي من الناحية الاقتصادية إلى مجموعة الدول النامية .التي هي في أمس الحاجة إلى الدعم والتطوير وخاصة في المجال الاقتصادي.
جدول رقم (5)
مقدار الإعانات المقدمة لبعض الجمعيات الاقتصادية الإسلامية في عام1412هـ *
مقدار الإعانة بالريال
المنطقة -البلد
اسم الجمعية أو المؤسسة
40000
نيامي
ندوة الإسلام والتنمية
40000
كندا
منظمة التنمية العالمية
20000
الهند
اتحاد الهيئات الاقتصادية
10000
برازفيل-الكنغو
الجمعية الإسلامية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية
37500
غينيا --كونا كري
جمعية التنمية الاجتماعية والاقتصادية
20000
وانغ كهيم- الهند
جمعية تنمية الصناعات الريفية
15000
غينيا -كوناكري
جمعية مارادو للتنمية الريفية -قرية مارادو
10000
كيدو -كاتي- مالي
التجمع الاقتصادي للمساعدات
15000
الكامرون
الجمعية التعاونية للزراعة والرعي
*-المصدر بيانات إدارة الإعانات /رابطة العالم الإسلامي .(2/31)
ويمكن للباحث أن يوضح أهم الآثار الاقتصادية التي ترجمتها الرابطة من خلال دعمها لبرامج التنمية المختلفة ومنها :
أ- رفع مستوى أصحاب الدخل المنخفض في القرى والأرياف في بعض دول العالم الإسلامي ، وذلك عن طريق التنمية الريفية والمهنية.
ب- تنمية بعض الصناعات والمهن التي تعتمد على القطاع الزراعي والرعوي.
ج-رعاية الموارد البشرية وتنميتها تعليميا وصحيا واجتماعيا واقتصاديا بما تقدمه هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية لها من مساعدات مالية ضمن مشاريعها ، والجدول رقم (6) يوضح مقدار تكاليف المشاريع المختلفة لتنمية الموارد البشرية خلال أربعة عشر عاما من عام(1407-إلى 1421هـ )0(40)
جدول رقم (6)
تكلفت مشاريع التنمية المختلفة من عام14.7هـ1421 هـ بالألف ريال السعودي
إجمالي المبلغ
1417-1421هـ
1407-1416هـ
المشايع
م
45531
30935
14596
التنمية الصحية
1
193612
26082
167530
التنمية التعليمية
2
502911
115866
387045
التنمية الاجتماعية
3
12391
1624
10757
التنمية الاقتصادية والبشرية
4
498756
157052
341702
الإغاثة العاجلة
5
166359
49627
116732
المساجد وحلقات تحفيظ القرآن
6
603408
11573
591835
مصاريف إدارية وأخرى
7
632072
غير متوفر
632072
تبرعات عينية
8
المصدر * رابطة العالم الإسلامي حقائق وأرقام 1381-1422هـ ص58، 60
الخاتمة
أولا: النتائج :
1- إن رابطة العالم ا لإسلامي منظمة عالمية شعبية،نشأت بها مؤسسات وهيئات لها أهداف ومبادرات متميزة تقوم على أسس الدعوة الإسلامية و تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في المجالات كافة .
2- للرابطة إسهامات فعالة منذ انطلاق الصحوة الإسلامية نحو الدعوة إلى تطبيق مبادئ وقواعد الإسلام بشكل عام وفي مجال الاقتصاد الإسلامي بشكل خاص، من خلال التعرف على مشكلات وقضايا الأمة الإسلامية والعمل على معالجتها .(2/32)
3- لقد كانت إسهامات رابطة العالم الإسلامي متنوعة ومتعددة،من مشاركات علمية في المؤتمرات والندوات الاقتصادية،ونشر أبحاث وكتب قرابة (29) كتاب وبحث في الاقتصاد الإسلامي.
4- لقد أسهم المجمع الفقهي الإسلامي الذي أنشأته رابطة العالم الإسلامي في دراسة عدد من المشكلات والمعاملات الاقتصادية والمالية المتنوعة في تخصص الاقتصاد الإسلامي ضمن دورات مجلس المجمع منذ عام 1398هـ، شملت دراسة سبعة وعشرين موضوعا،في تسع فروع للاقتصاد الإسلامي
5- من أهم الآثار الاقتصادية التي يمكن استخلاصها من دعوة الرابطة لإنشاء السوق الإسلامية والمشاريع المشتركة ودعم برامج التنمية في الدول الإسلامية ما يلي :-
أ- ازدياد الوعي لدى المسلمين وبدأ التفكير الجدي من قبل بعض المهتمين بالقضايا الاقتصادية في الدول الإسلامية وبحثها في كثير من المؤتمرات الوزارية(وزراء المالية ،التجارة ،الأوقاف )0
ب- بدأت المؤسسات المالية والاستثمارية والمصارف الإسلامية بالظهور والانتشار، ومنها مصارف فيصل الإسلامية في مصر والسودان ،وبيت التمويل في الكويت ،وبنك دبي الإسلامي،والبنك الأردني، والبنك الإسلامي للتنمية،وبنك البركة، ودار المال الإسلامي
و تعتبر أولى البشائر في هذا الصدد كنتيجة عامة للدعوة التي بثتها الرابطة بضرورة إنشاء السوق الإسلامية المشتركة .
ج- تشجيع الدول الإسلامية لإعطاء شقيقاتها الإسلامية الأولوية في كل التبادلات التجارية سواء كان ذلك في التصدير أو الاستيراد وتذليل العقبات التي قد تقف في هذا الطريق مع تخفيف الرسوم الجمركية على مستوردات الدول الإسلامية 0
د- تشجيع استثمار رأس المال الإسلامي في الدول الإسلامية لتوفير ربح حلال لهذه الأموال من جهة ولحل مشكلة الفقر والبطالة التي تعاني منها بعض الدول الإسلامية من جهة أخرى 0(2/33)
هـ : تشجيع الدول الإسلامية على بناء قاعدة صناعية مشتركة تعتمد على وسائل التقنية المتطورة بالاعتماد على رؤوس الأموال الإسلامية في مختلف المجالات الاقتصادية وخاصة مجالات الغذاء والكساء0
و :- وضع خطط لنقل التقنيات المتقدمة للعالم الإسلامي،بالمشروعات المشتركة وتدريب أجيال من التقنيين المهرة، واستقطاب الخبرات والعقول المسلمة المهاجرة وإعطاء الأولوية للخبرات الفنية المتوفرة بين المسلمين.
ز- العمل على رفع مستوى أصحاب الدخل المنخفض في القرى والأرياف في بعض دول العالم الإسلامي ، وذلك عن طريق التنمية الريفية والمهنية.
ح- تنمية بعض الصناعات والمهن التي تعتمد على القطاع الزراعي والرعوي.
6- إن عدم إبراز إسهامات الرابطة في الاقتصاد الإسلامي وتفعيلها يرجع إلى ما يلي :
أ - عدم وجود إدارة خاصة للشؤون الاقتصادية ضمن هيكل الرابطة الحالي.
ب- ضعف عملية التنسيق بين مؤسسات وهيئات الرابطة المعنية بالدراسات والأبحاث والمؤسسات الاقتصادية التطبيقية.
جـ- ضعف قاعدة المعلومات الاقتصادية عن بلدان العالم الإسلامي.
د - قلة عدد المتخصصين في مجال الاقتصاد الإسلامي بالرابطة.
ثانيا التوصيات : يوصي الباحث بما يلي :
1- إنشاء إدارة متخصصة بالشؤون الاقتصادية في هيكلها الإداري،واستقطاب المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي بها .
2- إنشاء قاعدة معلومات عن اقتصاديات البلدان الإسلامية و ما يصدر عنها من إسهامات ومعالجة للقضايا والتحديات الاقتصادية التي تواجه الأمة .
3- المجمع الفقهي جهة عليا اجتهادية علمية بحثية استشارية وليس جهازا تنفيذيا،فإن ما صدر عنه من قرارات تحتاج إلى تفعيل في المؤسسات التطبيقية،وهذا الأمر لابد له من قرار استراتيجي يتم اتخاذه من قبل الجهات المعنية،بحيث تصبح قرارات المجمع مرجع أساسي لتلك المؤسسات التطبيقية0(2/34)
4- إن تفعيل القرارات الصادرة عن المجمع الفقهي الإسلامي يكون بنشرها ومتابعة تطبيقها لدى المؤسسات الاقتصادية التطبيقية في العالم الإسلامي .والتنسيق مع هيئات الرقابة الشرعية في تلك المؤسسات .
5- التنسيق بين المجمع الفقهي الإسلامي،وإدارة الدراسات والأبحاث والمؤتمرات بالرابطة،والمؤسسات الاقتصادية العلمية والتطبيقية فيما يتعلق بتفعيل القرارات ونشر الأبحاث والدراسات المتخصصة في الاقتصاد الإسلامي .
6- يجدر بالمصارف والمؤسسات الإسلامية تطبيق المعاملات المالية المعاصرة حسب ما توصلت إليه المجامع الفقهية الإسلامية بشكل عام والمجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بشكل خاص، نظرا لأن قراراتها تتميز بالقوة العلمية والاجتهاد الجماعي المعاصر .
7- أن تعمل المؤسسات الاقتصادية والمالية على التواصل مع رابطة العالم الإسلامي ودعمها فيما تقوم به من تقديم العون والمساعدة وتخفيف حدة الفقر والبطالة التي تعاني منها بعض البلدان الإسلامية،والعمل على إيجاد فرص عمل للقادرين عليه.
الملاحق
جدول رقم (7)
خلاصة أنواع المشاركات الاقتصادية التي أسهمت بها رابطة العالم الإسلامي
العدد
نوع المشاركة
م
27
كتب وأبحاث اقتصادية
1
27
دراسات وقرارات اقتصادية
2
12
مؤتمرات اقتصادية
3
11
ندوات واجتماعات ودورات اقتصادية
4
الهوامش
(1) رابطة العالم الإسلامي،إنجازات وتطلعات في (25) عاماً،1382-14.7هـ/ 1962-1987م، ص 14 ،مطابع رابطة العالم الإسلامي،مكة المكرمة
(2)…رابطة العالم الإسلامي،إنجازات وتطلعات في (25) عاماً،1382-14.7هـ/ 1962-1987م م، س .ص15.
(3)…رابطة العالم الإسلامي،إنجازات وتطلعات في (25) عاماً،1382-14.7هـ/ 1962-1987م م، س، ص 17 .
(4)…رابطة العالم الإسلامي،إنجازات وتطلعات في (25) عاماً،1382-14.7هـ/ 1962-1987م م، س، ص 13 .(2/35)
(5)…رابطة العالم الإسلامي،إنجازات وتطلعات في (25) عاماً،1382-14.7هـ/ 1962-1987م م، س، ص 21 وما بعدها .
(6)…رابطة العالم الإسلامي،إنجازات وتطلعات في (25) عاماً،1382-14.7هـ/ 1962-1987م م، س، 34 .تقرير الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي،المقدم للمجلس التأسيسي في الدورة السابعة والثلاثين 27-28/1/ 1423هـ،ص189 وما بعدها .
(7) رابطة العالم الإسلامي، المجمع الفقهي الإسلامي, كتاب موجز للتعريف بأهداف المجمع، ووسائله، وأنشطته، والعاملين فيه، والقضايا التي عالجها. مطابع رابطة العالم الإسلامي،مكة المكرمة ،ص1-130 0
(8) رابطة العالم الإسلامي، المجمع الفقهي الإسلامي, كتاب موجز للتعريف بأهداف المجمع، ووسائله، م، س، 131 .
(9) التقارير السنوية لرابطة العالم الإسلامي .والهيئات التابعة لها .لفترة الدراسة 0
(10) رابطة العالم الإسلامي، جريدة العالم الإسلامي. مطابع رابطة العالم الإسلامي،مكة المكرمة 0
(11) رابطة العالم الإسلامي، المجمع الفقهي الإسلامي، قرارات المجمع الفقهي، ص1،ط 2، مطابع رابطة العالم الإسلامي.
(12) د. خلف النمري، بحث المعاملات المالية والاقتصادية التي درسها المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي.
(13) محمد عبدالمنعم عفر، التكامل الاقتصادي، ص 21 .
(14) سورة المؤمنون، آية 52 .
(15) سورة الحجرات،آية 19 .
(16) رواه البخاري .
(17) رواه البخاري.
(18) رواه البخاري.
(19) محمد عبدالمنعم عفر، مشكلة التخلف وإطار التنمية والتكامل الاقتصادي، ص 21 الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية1407هـ.
(20) محمد عبدالمنعم عفر، م، س .، ص20،
(21) أحمد محمد على :محاضرة بعنوان (مستقبل التعاون الاقتصادي فيما بين الأقطار الإسلامية)،ص 2وما بعدها .
(22) .عبد الرحمن يسري أحمد، قضايا اقتصادية معاصرة، ص 266-267 .
(23)عبد الرحمن يسري أحمد، قضايا اقتصادية معاصرة م، س ، ص265 0
(24) سورة الرعد : آية 11.(2/36)
(25) د. عبد الحميد إبراهيم : العدالة الاجتماعية والتنمية في الاقتصادي الإسلامي ص 26، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان .
(26) د. عبد الحميد إبراهيم : العدالة الاجتماعية والتنمية في الاقتصادي الإسلامي ص 26 0م،س 04
(27) المؤتمر الإسلامي العام الرابع لرابطة العالم الإسلامي الذي عقد في مكة المكرمة في الفترة من 23-27 /1/1423هـ الموافق 6-10/4/2002م.
(28) سورة الحجرات : آية 10.
(29) الدورة العشرون للمجلس التأسيسي المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 15-27 ذي القعدة 1398هـ الموافق 17-29 اكتوبر 1978م.
(30) الدورة الحادية والعشرون للمجلس التأسيسي المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 15-29 ذي القعدة 1399هـ الموافق 6-20 اكتوبر 1979م رقم القرار (ثالثاً) فقرة رقم (7) نص القرار :
(31) الدورة الثالثة والعشرون للمجلس التأسيسي المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 15-26 ذي القعدة 1401هالموافق 13-24 سبتمبر 1981م رقم القرار (خامساً) فقرة رقم(4).
(32) سورة المائدة : آية 2.
(33) الدورة السادسة والعشرون للمجلس التأسيسي المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 7-14 ربيع الآخر 1405هـ الموافق 29 ديسمبر 1984م- 5 يناير 1985م رقم التوصية(20) فقرة رقم (ب).
(34) المنعقد في مكة المكرمة، في الفترة من 16-19 ذي الحجة 1399هـ الموافق 6-9نوفمبر 1979م نص التوصية (ج) الفقرة (رابعاً).
(35) مؤتمر وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية الدورة الثانية المنعقدة بمكة المكرمة في ربيع الثاني 1400.هـ
(36) اجتماع المنظمات والمؤسسات الإسلامية الثاني المنعقد بمكة المكرمة في الفترة من 7-16 شعبان 1389هـ الموافق 18-27 أكتوبر 1969م .
(37) المؤتمر الإسلامي العام الرابع لرابطة العالم الإسلامي الذي عقد في مكة المكرمة في الفترة من 23-27 /1/1423هـ الموافق 6-1./4/2..2م التوصيات 0(2/37)
(38) مؤتمر وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية الدورة الثانية المنعقدة بمكة المكرمة في ربيع الثاني 1405هـ.
(39) بيانات إدارة الإعانات /رابطة العالم الإسلامي .
(40) رابطة العالم الإسلامي حقائق وأرقام 1381-1422هـ ص58، 60 ، مطابع رابطة العالم الإسلامي،مكة المكرمة .
??
??
82
9(2/38)
اتساع نطاق الدين العام
في دول العالم الإسلامي
المشكلة والحلول
د. المرسي السيد حجازي
أستاذ الاقتصاد العام
وعميد كلية التجارة - جامعة بيروت العربية
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
الدين العام لإحدى الدول في تاريخ معين هو مجموع القروض العامة التي حصلت عليه تلك الدولة وفوائدها حتى ذلك التاريخ . وتبين الإحصاءات أن دول العالم الإسلامي كله تقريباً تعاني من مشكلة عجز الموازنة وتفاقم الدين العام . وتذكر أدبيات الاقتصاد أن الدين العام يتراكم بفعل وجود الفجوات الاقتصادية المحلية والخارجية والتي تحاول الدول سدها عن طريق القروض العامة . ولقد أصبح اتساع نطاق الدين العام أصبح يمثل مشكلة اقتصادية أساسية في بلدان العالم الإسلامي تسبب التضخم وارتفاع معدلات الفائدة وتخفيض حجم الاستثمارات تبعا لذلك لتزاحم الدولة القطاع الخاص من أجل توفير الاحتياجات التمويلية، كما يسبب الدين العام تبعية اقتصادية وسياسية للدول الدائنة .
فرضية الدراسة : يمكن علاج مشكلة الدين العام في بلدان العالم الإسلامي، بالتدريج وعلى مدى فترة زمنية ممتدة في ظل توفر البيئة الإسلامية.
إطار للدراسة: تم استخدام النموذج الكينزى لاشتقاق العلاقة بين العجز في الموازنة والدين العام والناتج المحلى الإجمالي وبين النموذج أن الأسباب المحتملة لظهور العجز وتفاقم الدين هي : قيام الحكومات بإنفاق أموال أكثر مما يمكنها تعبئتها، إضافة إلى زيادة سعر الفائدة في أسواق المال عن معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي وحجم الدين العام نفسه المتراكم من سنوات سابقة.(3/1)
تم عرض ثلاثة مداخل لعلاج المشكلة هي مداخل المؤسسات الدولية والدول المدينة وأخيرا المدخل الإسلامي . فعلى صعيد مدخل المؤسسات الدولية تقترح أوجه العلاج على أساس ضرورة التخلص من فائض الطلب على الموارد الاقتصادية في الدول المدينة باستخدام السياسات المالية والنقدية الانكماشية . أما على صعيد الدول المدينة فإن الحل يعتمد على مبدأ المسئولية المشتركة في السياسات الاقتصادية الخاطئة لكل من الدول المدينة والدائنة، ولذا ينبغي إلغاء جانب من الديون وفتح الأسواق أمام منتجات الدول المدينة . أما على صعيد المدخل الإسلامي فإن تفعيل أحكام الشريعة الإسلامية في المجال الاقتصادي وخصوصا صيغ التمويل الإسلامية القائمة على مبادئ المشاركة في الربح والخسارة، أو البيع، أو المشاركة والإنتاج أو في القروض الخالية من الربا يمكن أن يحل المشكلة في ظل البيئة الإسلامية، خصوصا مع تحمل الدول الدائنة لجزء من المسؤولية .
Widening the scope of public debt
In the Islamic countries
Abstract:
At a specific date, the public debt for a country is the sum of all public loans and the interest on these loans. Nowadays, Almost all-Islamic countries are suffering from the problem of debt increase. The main reasons are the existence of economic gaps in the domestic resources and the foreign exchange.
This study is based on the following hypothesis: " It is possible to solve the public debt problem in the Islamic environment"(3/2)
A framework for the analysis was set, where a model for budget deficit and public debt was used. In that model the main reasons for public debt problem are: (1) Governments are spending more than the ability of their economies to raise public revenues , (2) average interest rates for the debtor countries have been greater than the rate of increase in the Gross Domestic Product. Above reasons have created many problems such as inflation, higher interest rates, crowding out private investment, and the increase of economic dependence of the debtor countries.
Three different approaches were explained for solving the problem:
1- The IMF and IB approach: Where fiscal and monetary policies in the debtor countries must be used eliminate the excess demand in the economy through increasing taxes reducing subsidies, and using average cost pricing for public utilities.
2- The Debtor Countries Approach: Where creditor countries should bear some responsibility because of their economic policies. They should try to eliminate a part of their debt and rescheduling the remaining part, and to open their markets for the products of debtor countries.
3- The Islamic Approach: To activate principles and rules of Islam in the economic field, in particular finance such as profit and loss sharing, output and sales and interest free loans based financing instruments.
The study ends with a confirmation of the hypothesis and suggesting the importance of activating of the Islamic rules in the economies of the Islamic countries. Especial interest was given to the Islamic integration.(3/3)
اتساع نطاق الدين العام في دول العالم الإسلامي
المشكلة والحلول
1- مقدمة
يعرف الدين العام لإحدى الدول في تاريخ معين بأن مجموع ما حصلت عليه تلك الدولة من قروض داخلية وخارجية وفوائدها حتى ذلك التاريخ (1). وتحتاج الدول لعقد هذه القروض العامة من أجل سد فجواتها الاقتصادية على الصعيدين المحلي (عجز الموازنة) والدولي (عجز ميزان المدفوعات) . فمن ناحية قد لا تكفي الموارد المحلية في تغطية حاجات الإنفاق العام، حينئذ تلجأ الدولة إلى عقد القروض الداخلية في شكل أذون وسندات الخزانة العامة يكتتب فيها أفراد المجتمع ومؤسساته المالية لمزاياها المتعددة كأوعية ادخارية واستثمارية من حيث الضمان والسيولة والربحية . كما قد تلجأ الدولة للاقتراض من الجهاز المصرفي عن طريق زيادة المعروض من النقود(2) . ومن ناحية أخرى قد تعاني الدولة من فجوة في الصرف الأجنبي نتيجة لوجود عجز شبه مستمر في ميزان مدفوعاتها حيث تزيد قيمة مدفوعاتها لتغطية وارداتها (المنظورة وغير المنظورة) عن متحصلاتها من صادراتها .
يترتب على عقد القروض العامة الداخلية والخارجية التزامات محددة على الدولة المدينة تتمثل في سداد تلك الديون (استهلاكها) خلال فترة زمنية محددة، إضافة إلى دفع فوائدها المتفق عليها عند عقدها . وتظهر مشكلة الدين العام حين تتراكم تلك الديون وفوائدها سنة بعد أخرى حتى تصل إلى مستويات حرجة (مقارنة بكل من حجم الناتج المحلي الإجمالي و ميزانية النفقات وقيمة الصادرات) (3) .
ويخلق وجود الدين العام واتساعه بمرور الوقت مشاكل اقتصادية أساسية للمجتمع، لعل من أهمها التضخم (حال عقد القروض العامة الداخلية) (4) مما يؤدي إلى عرقلة مسيرة التنمية الاقتصادية والإخلال بالعدالة التوزيعية ومنها أيضا التبعية الاقتصادية (بل والسياسة أحيانا) في حال القروض الخارجية (5) .(3/4)
وحالياً تواجه الغالبية العظمى من بلدان العالم الإسلامي مشكلة اتساع الدين العام بما تسببه من مشاكل اقتصادية أساسية مرتبطة باستغلال الموارد والاستقرار والأمن الاقتصاديين والتبعية للدول الدائنة ومضمناتها على مستويات المعيشة لشعوبها .
أهمية الدراسة
1- البحث عن الصيغ المقبولة إسلاميا في التمويل لعلاج مشكلة العجز في الموازنة العامة واتساع الدين العام حتى تتوافق مع الشريعة الإسلامية الغراء. وخصوصا مع استمرار احتياج الدول الإسلامية إلى الأموال من أجل بناء وتوسيع المرافق العامة
و سد الاحتياجات الطارئة و تحتاج هذه إلى تحريك موارد تحويلية جديدة محليا ودوليا.
2- المساهمة في أسلمة الاقتصاديات الوطنية في البلدان الإسلامية من خلال تطبيق الشريعة في الأنشطة التمويلية والبنكية والاقتصادية، من أجل تحريك الموارد الاقتصادية للاستخدام العام بطريقة تتفق مع المشاعر والعقيدة والعواطف لأبناء الأمة
المشكلة
يتبين من الجداول المرفقة في الملحق لهذه الدراسة أنه:(3/5)
1- ابتداء من عام 1982 أصبح عجز الموازنة ظاهرة عامة في الاقتصاد العربي، في جدول (1)، وقد أدى التدهور المتواصل في الإيرادات النفطية، واستمرار معدلات النمو العالية في الإنفاق الحكومي إلى بروز عجز الموازنة في البلدان النفطية . وبالمقابل فإن العجز في البلدان العربية غير النفطية والذي كان صفة ملازمة لاقتصادها طوال الفترة محل الدراسة، قد بدأ بالانخفاض مع زيادة الإدراك بضرورة تكييف الإنفاق المحلي مع الإيرادات المحلية . أما على مستوى كل دولة عربية على حدة فيظهر جدول(2) متوسط العجز أو الفائض في الموازنة كنسبة من GDP . يتضح من الجدول أن جميع البلدان غير النفطية كانت تعاني من عجز في الموازنة منذ مطلع السبعينات . وازداد العجز بالقيم المطلقة وكذلك كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال سنوات السبعينات وبلغ في المتوسط 9ر4% من GDP ثم ارتفع إلى 13% خلال النصف الأول من الثمانينات حيث ساهمت عدة عوامل في تفاقم مشكلة العجز في مجموعة البلدان العربية، ومن أهمها انخفاض المساعدات الخارجية وبخاصة من البلدان العربية النفطية، وازدياد معدلات الإنفاق العام وبالذات على القطاع العسكري، ونشوب الحرب العراقية / الإيرانية و الحرب الأهلية في لبنان . ونتيجة للسياسات الاقتصادية التي تضمنت إجراءات مالية تعسفية انخفضت نسبة العجز في تلك الدول .(3/6)
2- أن الديون العامة الخارجية تتزايد بصورة مستمرة لكل من تركيا، ماليزيا، ونيجيريا، وإندونيسيا وباكستان . حيث تواجه إندونيسيا وباكستان مشاكل كبيرة تتمثل في وقوعهما في مصيدة الدين الخارجي الخبيثة، فهما، عادة، يقترضان مجددا من أجل خدمة الديون القائمة، وأصبح الدين العام غير قابل للسيطرة عليه بكل منهما، كما تواجه نيجيريا صعوبات كبيرة في خدمة ديونها الخارجية، وتتكرر بصفة دورية إعادة الجدولة لديونها. وأخيرا لعل إيران هي إحدى الدول الإسلامية القليلة التي انخفض فيها الدين الخارجي خلال الفترة 1998-2001 من 14 مليار $ إلى 7,2 مليار $ وأدى ذلك إلى تخفيض نسبة الدين العام إلى GDP من 75,1 % إلى 29,2 %.(6)
كيف تم تمويل العجز ؟
1 - التمويل الخارجي : ويأخذ أحد أشكال المنح والقروض الميسرة أو التفضيلية، والاقتراض التجاري، والمنح قد تكون نقدية أو عينية، سلع غذائية مثلا، يستخدم ثمنها في سداد العجز، والقروض الميسرة أو التفضيلية تمنح بمعدلات فائدة أقل من تلك السائدة في السوق، وقد تمنح هذه من قبل دول أو مؤسسات دولية وغالبا تكون مرتبطة بمشروعات محددة . والقروض التجارية تأتي بشكل رئيسي من البنوك التجارية الأجنبية .
2 - التمويل المحلي : ويأخذ أحد الأشكال الثلاث التالية:
أ- الاقتراض من المصرف المركزي وهذا التمويل للعجز ليس له تأثير انكماشي مباشر على الطلب الكلي، لأن البنك المركزي ليس مضطرا لتخفيض الائتمان في مكان آخر حتى يقوم بتوسيع الائتمان للحكومة. ومن هنا يقال إن الاقتراض من البنك المركزي له أثر توسعي في الطلب الكلي.(3/7)
ب-الاقتراض من البنوك التجارية : لن يكون لهذا التمويل أثر في الطلب الكلي إذا كان لدى البنوك احتياطات زائدة . أما إذا لم يكن لها احتياطات فيكون ذلك على حساب القطاع الخاص وهذه يخلق أثر المزاحمة فيخلق ضغوطا تزيل الأثر التوسعي للزيادة في الإنفاق الحكومي وبدلا من الحد من الائتمان للقطاع الخاص تلجأ هذه البنوك إلى البنك المركزي لمساعدتها والنتيجة تشبه الحال التي تحصل فيها الحكومة على هذه الائتمان من المصرف المركزي مباشرة .
ج- الاقتراض من القطاع الخاص خارج نطاق البنوك . ويكون لهذا التمويل أثرا انكماشيا في الطلب الكلي و يصدق هذا الشكل خاصة على الدول النامية التي تكون فيها الموارد المالية لدى القطاع الخاص غير البنكي محدودة .
و توضح البيانات المتاحة أن مجموعة الدول النفطية اعتمدت في تغطية العجز بعد عام 1982 على السحب من الاحتياطي الحكومي نسبة إلى إجمالي العجز بشكل مطرد بين عامي 1983- 1987 ، كما لجأت إلى مصادر التمويل المحلية من البنوك التجارية والقطاع الخاص من خلال بيع الأوراق المالية وفي عام 1993 ظل الاعتماد على المصادر الخارجية محدودا . أما الدول غير النفطية فتمت تغطية العجز فيها أساساً من خلال التمويل الداخلي الذي كان و لا يزال يشكل القسم الأكبر من مصادر التمويل (75%) وذلك نتيجة تضاؤل مصادر الاقتراض الخارجي مع بدء تدهور العائدات النفطية، وارتفاع أسعار الفائدة في الأسواق العالمية . ولكن بعد ذلك ونتيجة لتطبيق برامج التصحيح الهيكلية فقد أمكن لبعض هذه الدول خفض أو إعادة الجدولة مما أدى ارتفاع مساهمة التمويل الخاص إلى إجمالي التمويل الكلي منذ عام 1988 .(3/8)
وأخيرا توضح البيانات الملحقة بالدراسة انخفاض إجمالي حجم الدين العام الخارجي للدول العربية مجتمعة سنة 2000 مقارنة بعام 1995 بمقدار 5ر15 مليار $ وترافق ذلك مع ارتفاع قيمة GDP،و صادرات السلع والخدمات في الدول العربية ويرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل لعل أهمها:
- برامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي التي اتبعتها هذه الدول وكان لها الأثر الإيجابي في استقرارها الاقتصادي الذي حفز جانب العرض من السلع والخدمات وساعد على ارتفاع قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة منها والتي استأثرت فيها العربية السعودية ومصر بالنصيب الأكبر نسبيا مقارنة بالدول الأخرى حيث بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة عام 1998 في السعودية ومصر 2400 مليون و 1076 مليون دولار على التوالي:
- ارتفاع أسعار النفط العالمية و كميات تصديره من هذه الدول .
- ارتفاع قيمة الدولار الذي يتم تسعير المبادلات النفطية مقابل العملات الدولية الأخرى ومن ثم ارتفاع القيمة الإجمالية للصادرات العربية .
وهكذا توضح الجداول والبيانات أن أزمة الدين العام الداخلي والخارجي هي أزمة حقيقية للدول الإسلامية عربية وغير عربية وأنه على الرغم من التحسن النسبي في بعض مؤشرات الدين إلا أن مشكلة المديونية لم تحل بعد بل هي مرشحة للاتساع بمرور الوقت، خصوصا في ظل العولمة الاقتصادية وفي ظل محاولات الدول الغربية باسم الإرهاب السيطرة على مقدرات الدول الإسلامية، ولذا يتوقع أن تستمر وتتسع مشكلة الدين العام وخصوصا الخارجي للدول الإسلامية إلا إذا بدأت تلك الدول بالتفكير في استراتيجية جديدة خلاقة، ومبدعة للقضاء على تلك المشكلة عن طريق البحث في التراث الإسلامي عن مقومات النهضة الاقتصادية والتفاعل مع مشكلات الاقتصاد والبيئة الإسلامية . ……
فرضية البحث(3/9)
يمكن علاج مشكلة اتساع الدين العام في بلدان العالم الإسلامي، بالتدريج، وعلى مدى فترة زمنية ممتدة في البيئة الإسلامية، شرط الالتزام بأحكام الشريعة في مجال جباية الأموال العامة وإنفاقها.
بعد هذه المقدمة سنعرض لما تبقى من هذه الدراسة في النقاط التالية:
2- الإطار العام للدراسة
3- تحليل اقتصادي لعلاقات العجز والدين العام والاقتصاد القومي
4- أسباب ونتائج اتساع الدين العام في الدول العام
5 - الحلول المقترحة لأزمة الدين العام
6- خلاصة وتوصيات
2 - الإطار العام للدراسة
قبل أن نقدم تحليلا لأسباب ونتائج وحلول مشكلة اتساع الدين العام للبلدان الإسلامية دعنا نعرض الملاحظات التالية :
1 - ترجع مشكلة اتساع نطاق الدين العام هذه في أسبابها المباشرة إلى وجود الفجوات الاقتصادية في كل من الموارد المحلية و في الصرف الأجنبي، وفي ظل فلسفات اقتصادية رأسمالية كانت أم اشتراكية تبتعد عن قواعد الشريعة الإسلامية في مجالي جمع الأموال العامة وإنفاقها .(3/10)
2 - للوصول إلى حلول لمشكلة اقتصادية أو اجتماعية في البيئة الإسلامية ينبغي دراسة تلك المشكلة بصورة متكاملة مترابطة باعتبارها جزء من الصيغة الإسلامية العامة للحياة . تلك الصيغة التي تبنى على أساس توفر البيئة أو التربة أو الأرضية التي أعدها الإسلام للمجتمع . هذه التربة تجمع بين العقيدة (التي تحدد نظرة المسلم إلى الكون) والمفاهيم (والتي تعكس وجهة نظر الإسلام في تفسير الأشياء على ضوء النظرة العامة التي تبلورها العقيدة)، وأخيرا العواطف والأحاسيس وهي ما يبثها وينميها الإسلام لدعم المفاهيم . وهكذا فان العواطف الإسلامية وليدة المفاهيم الإسلامية وهي بدورها موضوعة في ضوء العقيدة الإسلامية. لذلك يمكن القول - في ضوء ما سبق - أنه لا يجوز أن تدرس مشكلة اقتصادية مجزأة بعيدة عن أجزاء النظام الأخرى كأن تدرس مثلا مشكلة اتساع الدين العام بصورة منفصلة عن أحكام الإسلام في المضاربة والتكافل العام والتوازن الاجتماعي والربا . كما لا ينبغي دراسة الاقتصاد بوصفه مستقلا عن الجوانب السياسية والاجتماعية للمجتمع لأن جميعها تكون الصيغة الإسلامية العامة التي تنظم شتى نواحي الحياة .
3 - الدين هو الإطار الشامل لكل أنظمة الحياة في الإسلام، يعالج الإسلام كل جانب من جوانب الحياة عن طريق المزج بينه وبين الدين ويصوغه في إطار الصلة الدينية للإنسان بخالقه وآخرته . وهذا الإطار هو الذي يجعل النظام الإسلامي قادرا على الحياة ويضمن تحقيق الأهداف الاجتماعية للإنسان (7) .(3/11)
4 - يرجع عدم نجاح السياسات الاقتصادية التنموية في العديد من بلدان العالم الإسلامي في حقيقته إلى انخفاض هامش الحرية السياسية، وحقوق الإنسان والديمقراطية المتاح بتلك البلدان بما يترتب عليه من سيطرة للاعتبارات السياسية على الاعتبارات الاقتصادية الفنية، كالتعيينات في الوظائف القيادية الإدارية وكالاهتمام بالمشروعات الاقتصادية العملاقة والتي لا تتوفر لها فرص النجاح (مقارنة بالمشروعات الصغيرة) نتيجة لعدم الاهتمام بدراسات الجدوى، أو المظهرية التي تسود تلك الدراسات، إضافة إلى مظاهر البذخ التي لا تتناسب بحال عند بناء وتجهيز المرافق العامة والمباني الإدارية الملحقة بها، وكل ذلك يسبب نزيفا مستمرا للموارد الاقتصادية المحلية، ويجعل من الصعب على تلك المشروعات استرداد الأموال التي استثمرت فيها ، ويفاقم من مشكلة الدين العام .
5 - يساهم الفساد الذي يظهر في القطاع العام وفي الحكومة في عديد من بلدان العالم الإسلامي (الذي تتعدد مظاهره من الرشوة إلى التربح غير المشروع والتهرب الضريبي) في عدم نجاح السياسات الاقتصادية ويقلل من ثقة أفراد المجتمع حول مدى إمكانية نجاح الحكومة في تنفيذ برامجها، كما يضيع على الدولة (في حال التهرب الضريبي) الفرصة في سداد فجوة الموارد المحلية دون اللجوء إلى الاقتراض الداخلي وما ينجم عنه من مشاكل الدين العام .
6- لما كانت مشكلة اتساع نطاق الدين العام في بلدان العالم الإسلامي مشكلة تراكم للديون وفوائدها خلال فترة زمنية طويلة في الماضي، فان علاجها يتوقع أن يستغرق وقتا طويلا أيضا، ولذا لا يتوقع التخلص كلية من هذه المشكلة في سنوات محدودة حتى في حال اتخاذ خطوات إصلاح جدية .
3 - تحليل اقتصادي للعجز في الموازنة العامة والدين العام والاقتصاد القومي(3/12)
باستخدام النموذج الكينزي في الاقتصاد الكلي (متطابقة الدخل القومى) عندما لا يتساوى جانبي الموازنة العامة، أي عندما لا تغطي الحصيلة الضريبية (T) الإنفاق الحكومي (G) بالضبط فإنه إما أن تزيد الحكومة من مخزونها الصافي من الأصول المالية (NFA ) NET FINANCIAL ASSETS أو الأصول المالية FA مطروحا منها الالتزامات أو الخصوم المالية (FL) في الموازنة نتيجة تحقيقها فائضا في الموازنة (BS)، أو تقلل منه إذا كان هناك عجز في الموازنة (BD) وهكذا يمكن كتابة قيد الموازنة العامة على النحو التالي (8)
…G + L = T + B (1) …………
حيث L = الإقراض، b الافتراض،أو
G + ? FA = T + ? FL (2)…
حيث ? FA = الزيادة في الأصول المالية، ? FL = الزيادة في الالتزامات المالية ومنها:
BS = T -G
= ? FA - ? FL
= ? NFA (3)
ولما كانت معظم الحكومات تحقق عجزا في الموازنة فإنه يفضل كتابة قيد الموازنة في حال العجز على النحو التالي :
BD = ? FL - ? FA
= ? NFL (4)
وبالطبع ينبغي على الحكومة أن تمول العجز السنوي في موازنتها من خلال الاقتراض من سوق الأوراق المالية بإصدار أذون وسندات الخزينة (Treasury bills and Treasury bonds) أو من خلال الاقتراض من البنك المركزي (أي زيادة كمية النقود) (8) فإذا اعتبرنا أن تغطية عجز الموازنة يتم أساسا بواسطة أذون وسندات الخزانة وأهملنا تداول تلك الأذون والسندات في سوق الأوراق المالية(للتبسيط) فإنه يمكننا اشتقاق العلاقة بين عجز الموازنة BD والدين العام على النحو التالي:
BDt = ? D = Dt = Dt-1 (5)(3/13)
أي أن الاختلاف بين الدين العام في نهاية الفترة t مقارنة بالفترة t-1ينتج عن عجز يتحقق في نهاية الفترة t أو BDt، والحقيقة أن علاقة العجز في الموازنة وحجم الدين العام علاقة ذات اتجاهين وذلك لأن حجم الدين العام يؤثر بدوره أيضا في حجم عجز الموازنة، وذلك لأن الفائدة على الدين ينبغي دفعها أيضا . ومن الناحية التحليلية تعد مدفوعات الفائدة للدين مدفوعات تحويلية من قبل الحكومة لحاملي السندات، وهكذا كلما كان حجم الدين العام كبيرا كلما انخفض مقدار صافي الضرائب (الضرائب - المدفوعات التحويلية) , وللتأكيد على دور الفائدة في تحديد حجم العجز والدين العام نفصل بند الفائدة (i) كأحد مكونات عجز الموازنة على النحو التالي:
BDt = (G-T)T + Dt-1 (6)
توضح هذه المعادلة أن الدين العام لن يتوقف عن النمو طالما كان هناك عجز في الموازنة، وأن هذا العجز سيتحقق إلا إذا زادت المتحصلات الضريبية عن الإنفاق العام بأكبر من مدفوعات الفائدة على الدين القائم . وبصورة عامة كلما كان الدين العام كبيرا كلما زادت مدفوعات الفائدة ، ومع بقاء الأشياء الأخرى على حالها، كلما زاد عجز الموازنة.
وبهذا المنطق يتبين لنا أن الدين العام يغذي نفسه بنفسه، وكلما زاد حجمه كلما كان تخفيض حجم الإنفاق العام وزيادة المتحصلات الضريبية المطلوبة لضبط وإيقاف نمو هذا الدين أمرا صعبا ومؤلما، حتى يصل الأمر إلى نمو متسارع في الدين العام بصورة لا يمكن معها ضبطه أو التحكم فيه(3/14)
كما يتبين لنا أيضا من المعادلة (6) أنه حتى إذا تحقق توازن أولي في الموازنة فان الدين العام يمكن أن يتسارع نتيجة لمدفوعات الفائدة على الدين المتراكم وتمويلها بواسطة القروض الجديدة. فإذا انتقلنا من هذا التحليل الساكن Static إلى التحليل الديناميكي Dynamic ولأكثر واقعية نجد أن الإيرادات الضريبية تنمو بصورة متواصلة في حال تحقق النمو الاقتصادي مما يسمح للحكومة (في حال ضبط وترشيد الإنفاق العام) بتحقيق فوائض في الموازنة . وهكذا فانه مع تزايد الدخل القومي ( Y) تزيد المتحصلات الضريبية بنسبة t (ty) سنويا، وهذا الفائض الأولي يمكن أن يتراكم ويقلل من عجز الموازنة بأكبر من تأثير نمو المدفوعات التحويلية و يحد ذلك من نمو الدين العام .
وهكذا فإن التغيرات المقصودة في كل من G و Tتجعل العجز ينمو أو ينخفض عبر الزمن معتمدا على المحددات الأساسية الثلاثة التالية : أ) حجم الدين العام الموروث، ب) متوسط أسعار الفائدة على السندات الحكومية وأخيرا ج) معدل نمو الدخل القومي.
وتؤكد الدراسات القياسية (9) التي تربط بين العجز والدين العام والمتغيرات الاقتصادية الأخرى على وجود علاقة سالبة بين كل من معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي والعجز في ميزان المدفوعات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ومقدار العجز في الموازنة (نسبة مئوية من إجمالي النفقات) ووجود علاقة طردية (موجبة) بين متوسط أسعار الفائدة على السندات ومقدار العجز في الموازنة (كنسبة مئوية من إجمالي النفقات). كما تبين تلك الدراسات أيضا على وجود علاقة سالبة بين مقدار العجز والنمو الاقتصادي حيث يمتص العجز في الموازنة الموارد المالية التي كان يمكن استثمارها في القطاع الخاص.(3/15)
ويلاحظ أن التمييز بين المتغيرات الاسمية والمتغيرات الحقيقية يضيف بعدا مهما لعجز الموازنة والدين العام وهو تأثير التضخم، فخلال فترات التضخم ترتفع معدلات الفائدة الاسمية لتعكس المسموحات المرتبطة بالتضخم ويطلق على ذلك " بأثر فيشر Fisher Effect والذي ينشأ عندما يطالب المقرضين بتعويضات مقابل النقص في القيمة الحقيقية لرأسمالهم على مدى فترة القرض. ولكن تأثر فيشير يقع فقط على معدلات الفائدة الحالية فقط ولا ينطبق على السندات الحكومية التى تم شراؤها في فترات سابقة . وهكذا تجد الحكومة أن متحصلاتها الضريبية ستزداد نتيجة التضخم ولكن مدفوعاتها على سندات القروض العامة ستظل على ما هي عليه (باستثناء القروض الجديدة) . وبلغة أخرى فإن التضخم يترك الإيرادات الضريبية الحقيقية على ما هي عليه ولكن يقلل من القيمة الحقيقية للدين العام . ويطلق على تآكل الدين العام أحيانا " بضريبة التضخم Inflation Tax ؛ لأنه يحول الثروة الحقيقية من مالكي السندات الحكومية إلى الحكومة .
وهكذا إذا اعتبرنا أن Pt هو مستوى الأسعار في نهاية الفترة t ، وأن Dt هو الدين الإسمي في نهاية الفترة t فإن حجم ضريبة التضخم (F) هو ببساطة ذلك المقدار الذي ينبغي أن يزيد به الدين العام الاسمي القائم للحفاظ على قيمته الحقيقية أو :
F = [ Pt - Pt-1 /Pt-1] Dt-1
= PtDt-1 (7)
حيث Pt هو معدل التضخم خلال الفترة t . في هذه الحال فان الزيادة الحقيقية في الدين
العام ليست ببساطة مرآة لعجز الموازنة . ولكن هي عجز الموازنة مطروحا منها ضريبة التضخم أو
?RDt = BDt - F (8)
وهكذا كلما كان معدل التضخم مرتفعا وحجم الدين العام مرتفعا كلما أمكن زيادة العجز الحكومي الاسمي دون زيادة حقيقية في الدين . ففي السبعينات من القرن الماضي حققت العديد من الدول عجزا اسميا في الموازنة بينما كانت في الحقيقة تحقق فائضا فيها بسبب ضريبة التضخم العالية(3/16)
يتبين أيضا من معادلة (6) أن هناك متغيرين أساسيين يحددان إلى درجة كبيرة ظاهرة انفجار الدين (عدم إمكانية السيطرة عليه ويطلق عليها مصيدة الدين العام أو كرة الثلج) عندها لا يمكن سداد خدمة الديون القائمة إلا من خلال الإقتراض الجديد الذي يدخل الدولة المدينة في حلقة خبيثة لا يمكن السيطرة فيها على الدين العام وهما سعر الفائدة المتوسط على السندات الحكومية ومعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، ويتحقق ذلك إذا كان سعر الفائدة الاسمي أكبر من معدل نمو الدخل المحلي الإجمالي الاسمي . وقد وضع البعض هذه الظاهرة (انفجار الدين العام) في شكل رياضي آخر على النحو التالي :
BDt = [ (i - r) / (i + r)] * bt-1 (9)
حيث r هي معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي . وانDt - 1 نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في السنة t-1 وأن Dt هي نسبة العجز الأول إلى الناتج المحلي الإجمالي .
bt-1 هي نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي في السنة t-1
ومن النموذج (9) يتضح أن خطر انفجار حجم الدين العام يتوقف على علاقة هi , r ، فإذا كانت i > r فان ديناميكية الفوائد وحدها تؤدي إلى زيادة حجم الدين العام.
…إن السبب الرئيس لاتساع مشكلة الدين العام - كما يوضح النموذج الرياضي هو الفائدة (أو الربا) وذلك لأن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي يتقلب، عادة، بسبب ظروف الاقتصاد الدولي المتغيرة بين الركود والانتعاش، بينما معدل الفائدة على الديون العامة يحدد مسبقا عند عقد القرض.
4 - أسباب اتساع نطاق الدين العام في الدول الإسلامية ونتائجه.
أولا : الأسباب :(3/17)
…عرفنا أن سبب عجز الموازنة واتساع نطاق الدين العام في الدول الإسلامية هو وجود الفجوات الاقتصادية إلا أنها بدورها تعكس أسبابا أخرى لعل من أهمها الظروف الاقتصادية غير الملائمة التي تواجهها الدول النامية متمثلة في معدلات الفائدة العالية وتدهور شروط التجارة الخارجية (10) والركود الاقتصادي العالمي الذي ينتاب الاقتصاد العالمي كل فترة زمنية إضافة بالطبع إلى مشاكل الإدارة الاقتصادية المحلية والمتمثلة في انعدام الكفاءة والفساد، كما إن نمو أعباء خدمة الدين بمرور الوقت تجعل عملية الإصلاح المالي أكثر صعوبة .
ثانيا : النتائج
…لعل أهم تكاليف الدين العام هي التكاليف الإنسانية والاجتماعية والتي تجعل ملايين الأفراد في الدول المدينة يصابون بالإحباط واليأس من تحسن الأحوال في المستقبل، كما يضيع على ملايين أخرى من الأطفال بتلك الدول فرص السعادة والتمتع بالحياة وذلك دون جريمة اقترفوها سوى أنهم ولدوا في مجتمعات فقيرة . ومن التكاليف العامة الأخرى لأزمة الدين العام (خصوصا الخارجي) هي تدهور نوعية الحياة داخل الدول المدينة إضافة إلى عدم استقرار المجتمع سياسيا وانخفاض معدل النمو الاقتصادي للدول المتقدمة أيضا .(3/18)
أما التكاليف الاقتصادية للديون الخارجية فتتمثل في تدفقات لرأس المال صافية خارجية لتمويل الدين العام، فقد أصبحت الدول المدينة منذ الثمانينات مصدرة صافية لروؤس الأموال من أجل خدمة ديونها . وهذا بالطبع يقلل من فرص النمو لها فخلال الفترة من 1965 - 1980 كان معدل النمو المتوسط للدول الأكثر مديونية 3ر6 % انخفض خلال 1980 -1990 إلى 7ر1% سنويا كما تدهورت شروط التجارة من 118 إلى 101 بين عامي 1985 و 1990، فإذا عرفنا أن هناك تزايدا للسكان فان الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي (7ر1 %) انقلبت، في الحقيقة، إلى انخفاض صافي في الناتج المحلي الإجمالي لكل نسمة، وهذا يعوق فرص النمو الاقتصادي في المستقبل، وقد انعكس ذلك على حجم الاستثمار لكل نسمة فقد انخفض مثلا بنسبة 40% خلال عامي 87 و 1980 .
…إن خطورة أزمة الدين أن لها دينامية تدعم نفسها بنفسها وتجعل الدول المدينة تواجه مشكلة مصيدة الديون كما أن زيادة الفقر في الدول النامية يقلل من فرص النمو في الدول المتقدمة لأن الدول النامية ستقلل من وارداتها من الدول المتقدمة لتستطيع سداد الدين العام .(3/19)
يسبب تمويل العجز الحكومي وسداد مدفوعات خدمة الدين العام ارتفاعا في الأسعار (التضخم) من خلال آلية خلق النقود بصورة مباشرة لتغطية العجز، لأن الحكومات تكون أحيانا غير قادرة على تفعيل برنامج الضرائب أو إدارتها بصورة فعالة من أجل الحصول على الإيرادات الكافية أو نتيجة زيادة حجم القاعدة النقدية نتيجة تمويل العجز من خلال الاقتراض من القطاع الخاص وارتفاع سعر الفائدة (أثر المزاحمة) Crowding out Effect (11) وتحرص السلطات النقدية على المحافظة على حجم القاعدة النقدية في حدود معينة من أجل عدم التأثير في الاستثمار، ولذا فالبديل الآخر أمامها هو اللجوء إلى البنك المركزي من أجل زيادة الإصدار النقدي الجديد . واضطرار السلطات النقدية إلى الدفاع عن معدل الفائدة المستهدف يسبب نمو القاعدة النقدية ثمنا عليها قبوله.
دعنا نبين تأثير تمويل عجز الموازنة بواسطة كل من الضرائب والاقتراض من البنك المركزي والاقتراض من الجمهور والمؤسسات الاقتصادية (أو الدين العام) :
أ - التمويل بالضرائب :
…إذا تمت زيادة الضرائب على الأرباح لتمويل العجز فان مؤسسات الأعمال تنقلها العبء إلى المستهلكين في شكل ارتفاع في الأسعار وهكذا يتحمل المستهلكون (العاملون) هذه الضرائب، بالمقابل قد يطلب العاملون زيادة في أجورهم تعادل الارتفاع في الأسعار ويؤدي هذا إلى تخفيض هامش الربح للمؤسسات الخاصة على الأجور والمرتبات . وهذا بدوره سيؤدى إلى انخفاض معدلات الاستثمار والذي يمول من خلال إعادة توظيف واستثمار الأرباح .(3/20)
وقد أكدت هذه النتائج دراسة أجريت في بريطانيا حيث توصلت إلى أن ارتفاع الضرائب لها انعكاس سلبي في استثمارات القطاع الخاص، وان كل زيادة في الإنفاق العام مقدار 5 % تؤدي إلى نقص في معدلات النمو والناتج القومي بمقدار 1% (12) . ويؤدى انخفاض معدلات الاستثمار إلى تدهور معدلات نمو الإنتاجية ومن ثم فان التقدم التقني أو الاستثمار في المعدات والآلات الحديثة سيؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة بدلا من زيادة معدلات الإنتاج . وقد لوحظ أيضا أن زيادة معدلات الأجور التي يكون سببها ارتفاع معدلات الضرائب تؤدي إلى زيادة تكلفة راس المال . وأشارت الدراسة أيضا إلى أنه إذا كانت الزيادة في معدلات الأجور أكبر من الزيادة في معدلات أسعار الفائدة، فإن رجال الأعمال والقطاع الخاص قد يختارون الاستثمار في آلات ومعدات حديثة كثيفة رأس المال مما يسبب زيادة معدلات البطالة .
التمويل بالاقتراض من البنك المركزي
يقوم البنك المركزي، عادة، بتمويل عجز الموازنة بزيادة المعروض من النقود . ويتضمن هذا ضريبة مستترة تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم، بما يصاحبه من زيادة معدلات الضرائب التي تقتطعها الحكومة من دخل الفرد. (في الحالات التي تؤدي فيها ارتفاع معدلات التضخم إلى زيادة معدلات الأجور، مما قد يدخل المكلف في فئة داخلية أعلى ينطبق عليها معدل ضريبي أعلى . وتظهر سريعا الآثار الاقتصادية السالبة للتمويل التضخمي على الاقتصاد الوطني.
التمويل بالاقتراض العام (الدين العام)
تأخذ القروض العامة أما شكل سلف وتسهيلات مالية تقدمها البنوك الوطنية أو مؤسسات الإقراض الدولية، وأما على شكل سندات حكومية تصدرها الدولة للاكتتاب فيها والآثار المحتملة لتمويل الإنفاق العام بهذه الوسائل تعتمد بالضرورة على الأغراض المخصصة لها : أي على ما إذا كانت زيادة الإنفاق العام هي في الحقيقة زيادة في معدلات الاستثمار أو في الإنفاق الجاري فقط .(3/21)
…ويسبب التمويل من خلال الدين العام (على الأرجح) آثارا طاردة أو مزاحمة Crowding out effects . فالأموال التي اكتتب بها القطاع الخاص والأفراد كان بالإمكان توجيهها نحو الاستثمار أو بناء المنازل أو زيادة الاستهلاك الذي من شأنه تحفيز الإنتاج . وهكذا فإن جزءا لا يستهان به من "السيولة " الخاصة قد تم امتصاصها في القنوات الحكومية مما قد يكون له آثارا انكماشية، ولتشجيع الاكتتاب في الدين العام قد تلجأ السلطات العامة إلى رفع أسعار الفائدة على السندات الحكومية . والنتائج المحتملة لذلك هي انخفاض الاستثمار الخاص وارتفاع معدلات التضخم . ولكن هذه الطريقة مرغوبة من قبل السلطات السياسية مقارنة بالضرائب لأنه يمكنها بهذه الطريقة زيادة الإنفاق العام دون زيادة الضرائب، ودون خضوعها لتساؤل المؤسسات التشريعية أو لمحاسبتها . ولقد بينت إحدى الدراسات التطبيقية أن الإنفاق العام بالدول العربية يبدو ذو أثر سلبي في الإنفاق الاستثماري وأخيرا توضح نتائج تلك الدراسة أن كل زيادة في حصة الإنفاق العام من الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 100% تؤدي إلى انخفاض في الإنفاق الاستثماري الخاص بمقدار 27% وهذا يدل على أثر تزاحمي قوي.
5 - الحلول المقترحة لأزمة الديون العام
مقدمة(3/22)
إن علاج العجز المستمر في الموازنة العامة وسداد الدين العام سيكونان في صالح الاقتصاد الوطني عموما والمستثمرين والمستهلكين خصوصا على المدى المتوسط والبعيد. فمن ناحية يؤدي علاج العجز (والذي يمثل اختلالا هيكليا في الاقتصاد الوطني) إلى استعادة الثقة في الاقتصاد الوطني، وفي قدرته على التعامل من جديد مع أسواق النقد الدولية للحصول على التسهيلات الائتمانية التى يحتاجها، ويستعيد قدرة الدولة على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، كما يحمي سعر صرف العملة المحلية من التدهور، ويحفظ الاحتياطات الدولية للبلد من الاستنزاف ويقضي على الحاجة لتصفية الاستثمارات والأصول الخارجية التي يمتلكها البلد والتي تعد مصدرا مهما من مصادر الدخل . كما تحقق عودة الاستقرار النقدي والسعري ثقة المواطنين في عملتهم وتشجعهم على استخدامها للادخار ويقلل من ظاهرة الدولرة Dolarization ويحد من هروب الثروات إلى الخارج . كما يقلل علاج العجز في الموازنة من الحاجة للاستدانة من الخارج ويحد من معدل الديون الخارجية، بل ويخفضها في المستقبل، كما يقلل أيضاً من الحاجة إلى الاقتراض الداخلي، ويخفض أعباء الدين التي يتحملها الجيل الحاضر والأجيال المستقبلية.
أما من ناحية المستثمرين ورجال الأعمال فإن تخفيض سعر الفائدة الناجم عن تقليل الحاجة للاقتراض الداخلي سيخفض من تكلفة رأس المال (الثابت والعامل) مما يشجع على زيادة الاستثمار والتوسع في خطط الإنتاج، ويشجع هذا المستهلكين على شراء المزيد من السلع الاستهلاكية المعمرة، كما أن تخفيض حاجة الدولة لفرض المزيد من الضرائب يكون في صالح المستثمرين والمستهلكين على السواء.(3/23)
…أما من ناحية المستهلكين فإن علاج العجز يحقق لهم القضاء على التضخم، ومن ثم حماية مدخراتهم من التآكل، وحماية دخولهم الحقيقية من التدهور بسبب عودة الاستقرار للقوة الشرائية للنقود . كما يشجع انخفاض أسعار الفائدة على منح المستهلكين تسهيلات ائتمانية لتمويل شراء السلع المعمرة، وأخيرا فان انخفاض الضرائب على الاستهلاك نتيجة سداد العجز في الموازنة يرفع من مستوياتهم المعيشية .
…وأخيرا إذا كان العجز مصحوبا بمشكلة الركود التضخميStagflation في الاقتصاد الوطني فإن علاجه سيخفض من معدل التضخم، وهذا يساعد بدوره على تحسين مناخ الاستثمار في القطاعات المستوعبة للعمالة مما يخفض بدوره من معدلات البطالة .
…وجدت أزمة الديون العامة وخصوصا الخارجية منها اهتماما دوليا واقترحت عدة صيغ لحلها تتمثل أهمها في مبادلة الدين بالملكية أو بالدين أو بالطبيعة، ولكن الآليات والحوافز لتنفيذ تلك الصيغ ما تزال غير كافية حتى الآن. بالنسبة لمبادلة الدين بالملكية " Debt-Equity Swap " يتم شراء الشركات ومؤسسات الأعمال في الدول المدينة للبنوك بخصم كبير ومنها مبادلة الدين العام بالدين Dept for Debt Swap حيث تقدم عروض السندات مخفضة لإعادة الدفع. ويتضمن هذا إعادة شراء الدين الخارجي بتخفيض كبير بواسطة الدولة المدينة وفاء للدائنين الذين لا يرغبون في الاستمرار في الاستثمار ويرغبون في تخفيض خسائرهم . وبالطبع يشترط هنا موافقة الدول الدائنة. أما الصيغة الأخيرة للمبادلة فهي مبادلة الدين بالطبيعة Debt for Nature Swap حيث تعد الدولة المدينة المجتمع الدولي بالحفاظ على الطبيعة مقابل قيام جماعات خارجية بشراء ديون تلك الدول .(3/24)
…وهناك عدة صيغ عملية أخرى اقترح أحدها وزير المالية الأميركية James Becker وتتمثل في ضرورة تنظيم إعادة دفع الدين الخارجي من قبل كل دولة مدينة على حدة وفقا لظروفها، مما يسهل عليها دفع الديون . أما برادي Brady فقد اقترح صيغة أخرى عام 1989 تتمثل في إنقاص حجم الديون بنسبة 20% بشرط ضمان البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قيام الدولة المدينة بدفع ال80% الباقية في المستقبل. وقد حصلت كوستاريكا ثم المكسيك ومراكش، الفلبين، وفنزويلا على اتفاقات تتعلق بخطة برادي، ولكن تتم الموافقة، عادة، على أساس دراسة كل حالة على حدة .. والذي لا شك فيه أن فكرة تخفيض الدين العام عن طريق إلغاء نسبة معينة منه فكرة جيدة وتعطي أملا وإشارة إلى الاتجاه الصحيح لحل المشكلة(13) .
…والآن دعنا نعرض لأهم الحلول المطروحة لمشكلة اتساع نطاق الدين العام، وهى الحلول المقترحة بواسطة المؤسسات الدولية، والدول المدينة، وأخيرا الحل الذي تقترحه الدراسة وهو تفعيل صيغ التمويل الإسلامية على النحو التالي: ……
أولا: الحلول المقدمة من المؤسسات الدولية
وهى حلول البنك الدولي والصندوق وما يرتبط بها: نادى باريس ونادي لندن: أو ما يطلق عليه المنهج الانكماشي، يستند هذا المنهج على فكرة أن الاقتصاد الرأسمالي قادر على أن يتوازن ويستقر آليا وبشرط احترام الحرية الاقتصادية وآليات السوق والمنافسة الحرة وابتعاد الدولة عن التدخل في النشاط الاقتصادي. ووفقا لهذا المنهج سبب عجز الموازنة هو تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي ومحاولتها تحقيق الرفاهية الاقتصادية، لذا يتطلب الأمر من البلد المدين للخارج من أجل إعادة جدولة ديونه أن يوافق على برنامج الصندوق للتثبيت الاقتصادي Stabilization Program كشرط أولي للإصلاح المالي (14).(3/25)
وفنياً يرى الصندوق والبنك الدولي أن وجود الفجوات الاقتصادية يعود إلى وجود فائض طلب في الاقتصاد الوطني يفوق المقدرة الحقيقية للعرض الكلي في الداخل، وهو ما يسبب تضخما ومديونية خارجية . ويرجع هذا الطلب الفائض إلى الطموحات الائتمانية والاستهلاكية التي تفوق موارده . ولذا ينبغي القضاء على هذا الفائض وإعادة النظر في السياسات الاقتصادية من خلال تخفيض الطلب الكلي (سياسات إدارة الطلب) خصوصاً الإنفاق الجاري والاستثماري ويقدم الصندوق حزمة جاهزة من السياسات المالية على النحو التالي :
تخفيض النفقات العامة : ويتم ذلك من خلال:
أ - خفض النفقات التمويلية ذات الطابع الاجتماعي من خلال إلغاء الدعم السلعي.
ب - خفض الأجور ووضع حد أقصى لها أو تجميدها وإلغاء الوظائف الشاغرة والمؤقتة وتجميد التعيين .
ج - التخلص من الدعم الاقتصادي لوحدات القطاع العام من خلال تصفية الوحدات والخصخصة والإدارة التجارية ورفع الأسعار.
د - ضغط الإنفاق الاستثماري وخصخصة الأنشطة في مجالي الصحة والتعليم .
ه - امتناع الدولة عن الدخول في الأنشطة الاقتصادية التي يستطيع القطاع الخاص القيام بها مع السماح له بدخول مجالات البنية التنموية .
و - رفع الدولة يدها عن توظيف الخريجين من الجامعات والمعاهد الدراسية .
زيادة الموارد العامة : ويتم ذلك من خلال:
أ - زيادة أسعار الطاقة خصوصا المرتبطة بالاستهلاك العائلي مع زيادة رسوم استخدام المرافق العامة وإعادة النظر في فلسفة التعليم المجاني.
ب - زيادة فئات بعض الضرائب غير المباشرة على السلع الضرورية .
ج - الخصخصة عن طريق نقل الملكية من العام إلى الخاص .
د - وضع سقف للائتمان المصرفي المسموح به للحكومة في القطاع العام ووضع حد أقصى لعجز الموازنة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي .(3/26)
ويرسل الصندوق بعثات إلى الدولة المدينة كل ستة أشهر للتأكد من التزام الدولة بتنفيذ مقترحات الصندوق، فإذا لم تنجح الوسائل السابقة يقترح الصندوق سد العجز من خلال طرح أذون وسندات الخزانة العامة وترتبط فاعلية هذه الوسيلة بطبيعة العجز، فإذا كان مؤقتا نجحت وإن كان دائما وهيكليا ستؤدى هذه الوسيلة في الأجل الطويل إلى زيادة العجز في الموازنة العامة وزيادة الدين العام، وزيادة عدم العدالة في توزيع الدخول، مما يعنى أن هذا المنهج من الناحية العملية والتطبيقية يسبب مشاكل اجتماعية وسياسية خطيرة .
ثانيا: الحلول المقدمة من الدول النامية
…يستند هذا المنهج إلى فكرة العجز باعتباره خللا هيكليا في الاقتصاد الوطني تتحمل مسئوليته كل من الدول المدينة والدائنة، ولذا يتطلب رؤية متكاملة شاملة لعلاجه، وانه بتحقيق التنمية الاقتصادية تزداد قدرة الدولة المدينة المالية مما يمكنها من سداد العجز، وإن تكلفة السداد يجب أن توزع بعدالة بين أفراد المجتمع على أساس القدرة على الدفع. أما أهم المقترحات لحل مشكلة الديون الخارجية في ظل هذا المنهج فتمثل فيما يلي:
1 - ينبغي أن ينصب محور الاهتمام في معالجة أزمة الديون الخارجية على النقاط التالية :
أ- تفعيل عملية النمو الاقتصادي في الدول شديدة المديونية.
ب- التوزيع الكفء والموضوعي لذلك النمو الاقتصادي المحقق على كافة قطاعات الاقتصاد الوطني.
ج - إعادة إدماج تلك الاقتصاديات في النظام الاقتصادي الدولي .
…وحينئذ فقط وبعد تحقيق النمو المستدام Sustainable Growthيمكن أن يأمل المجتمع الدولي والدول الدائنة في إعادة دفع ديون تلك الدول بمعدلات معتدلة .(3/27)
2- ينبغي إعادة تقويم سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ذلك أن شرط التعديل الهيكلي الذي تطالب به الدول المدينة والذي تفرضه هاتان المؤسستان قد يكون ملائما لعلاج مشاكل مؤقتة في ميزان المدفوعات ولكن غير منتج في حال المشكلات المزمنة والتي تتسم بها أزمة المديونية الحالية حيث أن تدفق رؤوس الأموال في هذه الحقبة من الدول المدينة اكبر من تدفق رؤوس الأموال إليها . إن الدول المدينة تحتاج من البنك والصندوق إلى سياسات اكثر إبداعية، تثبيت وتخفيض معدلات الفائدة بدلا من زيادتها (نتيجة إعادة الجدولة) أو اكتشاف طرق منع هروب رؤوس الأموال من الدول النامية.
3- ينبغي أن تدرك الدول الدائنة والمجتمع الدولي بوضوح انه بالنسبة للدول شديدة المديونية أن الجانب الأكبر من ديونها لا يمكن استرداده كاملا. وإنما لا بد من إسقاط نسبة من الديون 50% مثلا، ويصبح التساؤل المهم هو كيف تخصص الديون التي لا تدفع من قبل الدائنين. أما الإصرار على قيام الفقراء بدفع ديونهم مع الظروف الحالية من الفقر والمعدلات المنخفضة للتنمية فلن يخدم أي من الأغنياء (الدائنين) أو الفقراء في الأجل الطويل .
4- و أخيرا هناك مسألة المسؤولية التي ينبغي أن يقر بها المجتمع الدولي وهي أن أزمة الدين في الحقيقة أحد أعراض النظام الاقتصادي العالمي الذي كان يسمح بالنمو مع وجود الفقر في آن واحد . إن الدول المتقدمة عليها مسؤولية خلق الظروف التي تسمح للدول الفقيرة أن تتفاعل بصورة أكثر إنتاجية وإيجابية مع الأنشطة الاقتصادية الدولية، وأهم أساليب ذلك هو تقليل القيود التجارية على منتجات الدول الفقيرة
5- وعلى الدول المدينة مسئولية القيام بالإصلاحات المالية التالية:
أ - إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام بالتركيز على إنشاء المشروعات الحكومية الأكبر أهمية .(3/28)
ب - تنمية الموارد المالية للدولة من خلال قوانين الضرائب ومكافحة التهرب الضريبي ورفع كفاءة الإدارة الضريبية .
ح - التحكم في الدين الداخلي والدين الخارجي بحيث يكون نمو الإنفاق الحكومي بمعدل أقل من نمو الناتج .
ثالثا : منهج إسلامي لعلاج مشكلة اتساع نطاق الدين العام
…والآن من الواضح أن الحلول التي اقترحت لحل مشكلة الدين العام خصوصا حلول صندوق النقد الدولي لم تعط ثمارها حتى الآن، وإلا فلماذا تستمر هذه المشكلة حتى الآن في تلك البلدان؟ تحتاج، في الحقيقة، إلى فكر جديد وطرق جديدة لحل مشكلة الدين وخصوصا في ظل البيئة الإسلامية. في تلك البيئة قد تحتاج الدول أيضا إلى موارد مالية إضافية (إما نتيجة لمعالجة أثار الكوارث الطبيعية أو انتشار الجفاف والأوبئة أو الحروب التي تفرض على الأمة الإسلامية والفتن الداخلية (15)
والآن نود الإشارة إلى أن مختلف المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها بلدان العالم الإسلامي ومنها تفاقم مشكلة الدين العام ترجع في حقيقتها و جوهرها إلى إهمال قواعد ومبادئ الشريعة الإسلامية الغراء في مختلف الجوانب الاقتصادية للأمة الإسلامية، وإن كان الكثيرين من الكتاب حتى الإسلاميين منهم يفكرون في المشكلة في إطار مبادئ وقواعد الفلسفة الرأسمالية السائدة حاليا وفي ظل الهجمة الشرسة للعولمة ..
والحقيقة هي أنه لحل مشكلة عجز الموازنة واتساع المديونية في العالم الإسلامي ينبغي علينا القيام بكل مما يلي :
أولا: تحديد وظائف الدولة وحجم القطاع العام فيها في البيئة الإسلامية .
ثانيا: التعرف على الحقوق والواجبات المالية الشرعية على أفراد المجتمع وتأثيرها على النمو الاقتصادي .
ثالثا : التعرف على صيغ التمويل الإسلامي البديلة للتمويل الربوي
أولا: وظائف الدولة الإسلامية وحجم القطاع العام فيها :
يقترح البعض أن هذه الوظائف تتمثل فيما يلي (16) :
1 -حماية الدين وذلك من خلال :(3/29)
أ - الحصول على القوة العسكرية والسياسية الكافية .
ب- تطبيق أحكام الإسلامية في المجتمع كتوزيع الميراث، وتحريم الربا.
ج - تعليم أفراد المجتمع بدينهم وتوفير العلم بالإسلام لغير المسلمين .
د - إدارة الشؤون العامة كالأمن والنظام القضائي والإدارة العامة والمتطلبات الاجتماعية الأخرى .
ه - إدارة ودعم الملكية العامة في صالح أفراد المجتمع
و - ضمان الحد الأدنى للمعيشة من الاحتياجات الأساسية لكافة المواطنين وذلك عندما لا تكفي الوسائل التطوعية لتحقيق ذلك .
ز - تشجيع ومساعدة ودعم القطاع الخاص في سعيه لتوفير الدخل والإنتاج الكافيين وتحقيق الرفاهية العامة لكل أفراد المجتمع .
ح - مراقبة ودعم واحترام الأفراد للقيم الأخلاقية والإنسانية في علاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية .
ثانيا : الواجبات والتكاليف المالية في الإسلام
نظام الزكاة : تخفف الزكاة عن كاهل الدولة عبئا كبيرا لأنها تغطي حاجات التكافل الاجتماعي التي كان على الدولة القيام به للفقراء إضافة إلى مصارف أخرى هامة كالدفاع عن الإسلام .و الزكاة فريضة حولية مستمرة، وتجبى من جميع الأموال النامية فهي مورد دوري متجدد وينمو بنمو الدخل الفردي، وتعادل ربع عشر ثروة الأمة على الأقل وهو الحد الأدنى من إنفاق الفريضة أما إنفاق التطوع فلا حدود له، ولذا تعد الزكاة موردا ماليا ضخما للدولة فريدا في الشريعة الإسلامية.
نظام الإرث: حيث يفتت ثروة المرء بعد وفاته ولذا يساعد بدوره في التخفيف من مشكلة الفقر وتحقيق عدالة توزيعية أكبر .
الضرائب والتوظيف : يقول الإمام الشافعي للحاكم أن يفرض على الأغنياء ما يراه كافيا إلى أن يظهر مال في بيت المال عند حاجة الإمام إلى تكثير الجند للدفاع عن الثغور وحماية الملك المتسع .(3/30)
كما يفرض الإسلام على أفراده حقوقا أخرى تقلل مرة أخرى من الحاجة إلى مساعدة الدولة، منها حقوق الوالدين والأقربين وحقوق اليتامى والجار ذي القربى والجار والضعيف والسائل والمضطر. يقول عز وجل : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله وباليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى لمال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب 0000 "177 (البقرة) . ويقول أيضا : " ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فان الله به عليم " / البقرة 125. وفي الحديث الشريف عن فاطمة بن قيس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ان في المال حقا سوى الزكاة ".
ولا شك أن قواعد الشريعة تساهم في تحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي ومن إيرادات الدولة ومنها تحريم الربا، وفرض الزكاة، واسترداد الموارد الاقتصادية المقطوعة للأفراد من قبل الدولة إذا عجزوا عن الاستثمار فيها خلال فترة زمنية معينة، وتحريم اكتناز الأموال والذهب والفضة، مما يقلل من حاجة المجتمع للاستدانة لتغطية عجز الموازنة العامة أو ميزان المدفوعات .
…والحقيقة أننا نواجه هذه الأيام صعوبات جمة في السعي نحو تطبيق قواعد الشريعة في مجال الاقتصاد(وفي غيره من المجالات) وذلك بسبب هيمنة النظام الرأسمالي على العالم في ظل محاولات العولمة القائمة، ونتيجة لذلك ظهرت هيبة و سيادة لعنصر الفائدة في النظام الاقتصادي والمصرفي العالمي وقيادته لنظم وأساليب التمويل والتنمية الدولية .(3/31)
ولكن رغم كل هذه الصعوبات فقد واجهت الأمة الإسلامية منذ نشأتها تحديات كثيرة "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " . ولكنها بفضل الله تغلبت عليها . إن أهمية اتباع قواعد الشريعة الغراء في مجال الاقتصاد والذي اعتبره جهادا اقتصاديا ضروريا فهو لكي يتكامل الجانب الاقتصادي والشرعي في إنجاح برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتخلص من مشكلات التبعية الاقتصادية للغرب وضخامة اتساع الديون العامة . أما الصعوبة الحقيقية فهي كيف يمكن الابتعاد عن (وإزاحة) النموذج الرأسمالي الربوي المسيطر على مقدرات العالم خصوصا في زمن العولمة وتشابك الاقتصاديات الدولية .
ثالثا: صيغ التمويل الإسلامية لسد عجز الموازنة وحل مشكلة اتساع الدين العام
تتضمن هذه الصيغ التمويل على أساس البيع، المشاركة في الربح والخسارة، المشاركة في الإنتاج، والقروض الحسنة على النحو التالي(17):
التمويل على أساس البيع
تتضمن هذه الصيغة تقديم السلعة إلى الحكومة مع تأجيل دفع الثمن، ويمكن أن يتم إما مباشرة من قبل المقاولين مع الحكومة، أو بواسطة البنوك الإسلامية وينتج عنها مديونية ثابتة محددة، لذا يمكن تقديم الضمانات والكفالات والرهون للممول . وهو نوعان عرضان بيع مؤجل وإجاره والإجارة من صيغ التمويل بالبيع و إن كان المبيع هو المنفعة فقط .
…هناك ثلاثة أشكال للتمويل بالبيع هي بيع المرابحة للآمر بالشراء وبيع الاستصناع وبيع السلم . أما بيع المرابحة للآمر بالشراء فيتمثل في البيع برأس المال مضافا إليه ربح معلوم يشترط فيه أن يكون العقد الأول صحيحا وأن يكون الثمن موجودا، والعلم بالربح الذي يستحقه البائع . ويمكن استخدام هذا العقد لتمويل الاحتياجات الاستهلاكية والإنتاجية(3/32)
…(كمستلزمات الصناعة والتجارة الداخلية والخارجية) . ويأخذ هذا الشكل صورة قيام البنك الإسلامي بشراء هذه السلع وإعادة بيعها للحكومة مع الدفع الآجل أو بالتقسيط، فيكون التمويل هنا لمدة بيع الأجل ويكون ربح البنك هنا ربحا تمويليا شرعيا وذلك لامتلاكه السلعة قبل إعادة بيعها للدولة .
أما الاستصناع : فيكون التمويل فيه من بائع السلعة إلى الحكومة (إذا حدد فيه تاريخ الدفع بعد التسليم)، وقد يتوسط البنك الإسلامي في الاستصناع فيكون صانعاً في علاقته بالدولة مع تأجيل الثمن، ويكون مستصنعاً في علاقته بالمقاول مع تعجيل الثمن ويرتبط عقد الاستصناع بالمواد المصنوعة سواء كانت منمطة أم غير منمطة كبناء دائرة أو آلة بأوصاف معينة . ولا يشترط فيه أن يكون المستصنع هو الذي يقوم بنفسه فعلا بصناعة السلعة التي التزم بيعها وتسليمها في موعد مستقبلي، ومعنى ذلك أنه يستطيع أن يعهد بأمر صناعتها لشخص آخر يعقد استصناع آخر تذكر فيه نفس أوصاف السلعة وموعد تسليمها ولذا يستطيع المصرف الإسلامي في هذه الحال أن يمول المشتري والبائع معا أو أي منهما .
…أما بيع السلم فهو شراء آجل بعاجل وهو مشروع لقول ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انهم قدموا المدينة وهم يسلفون من التجار بالسنتين والثلاث فقال صلى الله عليه وسلم: من استلف من شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم والى أجل معلوم . فالمديونية فيه عينية على الدولة، التي تلتزم تسليم سلعة كالبترول مثلا في وقت محدد في المستقبل، ويختلف عن عقد الاستصناع في وجوب دفع الثمن عند العقد، وأن تكون السلعة معيارية (أي محددة أوصافها و مما هو موجود في السوق)، ولاشترط فيه وجود عنصر مصنع في السلعة .
التمويل على أساس المشاركة في الربح(3/33)
ويشمل التمويل بالشركة و بالمضاربة يوزع فيهما الربح حسب الإنفاق أما الخسارة فتوزع حسب أسهم رأس المال. والفرق بينهما من الناحية التمويلية - أن الشركة يشارك فيها جميع أرباب المال في الإدارة، لأن الشركة هي تعاقد عدد من الأفراد على خلط أموالهم وجهودهم ، أما في المضاربة فإن هناك انفصالا تاما بين ملكية رأس المال (والتي يقدمها أحد الأطراف) وإدارته (والتي يقدمها المضارب) . ولابتعاد رب المال عن الإدارة أثر مهم، بالنسبة لتغطية العجز في الموازنة العامة نظرا لأن هذا يحفظ للسلطات العامة حرية التصرف بمشروعات الموازنة كلها، وعدم تدخل الجهة الممولة بالقرار الإداري للجهة الحكومية الآمرة بالصرف.
…وتعد صيغة المشاركة في الربح والخسارة من أكثر الطرق تعبيرا عن روح الإسلام ومبادئه الاقتصادية في توظيف المال وتحقيق العدالة وهي مشروعة بنص الحديث الشريف الذي رواه أبي هريره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما . رواه أبو داوود بسند صحيح.
ويستعمل شكل الشركة في تمويل رأس المال الثابت والعامل بحسب مدتها وهدفها التمويلي، ويحصل فيها دائما تقييم للمؤسسة بتاريخ بدء المشاركة التمويلية - تكون حصة المستفيد من التمويل ويقابله المبلغ الذي يقدمه البنك الإسلامي، وتمارس الشركة نشاطها في كافة مجالات التجارة والصناعة والخدمات وكافة المعاملات الناشئة عنها. ويمكن أن تستخدم هذه الصيغة في حال ما إذا رغب القطاع العام في الاستفادة من مهارات رجال الأعمال في اتخاذ القرارات وهنا سيقدم القطاع الخاص التمويل والإدارة، أما الفائدة التي ستعود على الدولة فهي تنفيذ المشروع مع الاحتفاظ بحق الرقابة الإدارية . ويمكن للحكومة أن تزيد أو تخفض من نسبة مشاركتها من خلال سوق الأوراق المالية كتداول أسهم الشركة .(3/34)
أما شكل المضاربة فهي مشروعة بالسنة التقريرية، وللمضارب أن يتصرف في رأس المال بالعمليات التي تقتضيها عملية المتاجرة والاستثمار، فله أن يبيع ويشتري ويوكل الغير، وأن يودع ويرهن ويؤجر. وتصلح في تحريك الموارد الاقتصادية لمشروعات القطاع العام التي تحقق دخلا بشرط قيام الحكومة باتخاذ خطوات جادة لتوفير المهارات الإدارية والتي تزيد وتدعم الممولين . ويمكن أن يستخدم هذا الشكل لأي نوع من الاستثمار سواء كان قصير أو متوسط، أو طويل الأجل وتستخدم في عمليات كبيرة(مثل شركات السكك الحديدية والطيران والاتصالات) . وتصدر شهادات المضاربة بواسطة مستخدمي الأموال أنفسهم أو بواسطة المؤسسات المتخصصة من أجل تجميع الأموال لتمويل الحكومة على أساس الاستصناع أو الإجارة . ويمكن لعقود المضاربة أن تكون محددة المدة أو غير محددة، وينبغي دعم المضاربة بواسطة الحكومة إذا ما قامت الشركات بإصدارها وذلك من أجل تغطية بعض الأخطار خصوصاً الأخطار غير التجارية .
…وأخيرا فإن الفقه الإسلامي قد توسع في مسألتين أولهما أنه أباح خلط أموال أرباب المال المتعددين مع بعضهما في الاستثمار، وثانيهما السماح بخلط مال المضارب مع أموال أرباب الأموال المضاربة . وبفضل هذا التيسير أقيمت البنوك الإسلامية وأمكنها تكوين صيارفة للاستثمار تتألف من أموال الودائع الاستثمارية وجزء من أموال البنك نفسه .
التمويل على أساس المشاركة في الإنتاج(3/35)
تصلح هذه الصيغة لتمويل المشروعات الكبيرة القابلة للتشغيل والتي تحتاج إلى استثمارات ضخمة في الأصول الثابتة، مقابل رأس مال عامل صغير نحو جسر أو نفق أو سكة حديد، وخصوصاً إذا تم تمويلها من قبل الجمهور عن طريق إصدار شهادات ملكية بمساهمة أصحابها في المشروع . وتكون لأصحاب هذه الشهادات حصة في الإيرادات الإجمالية للمشروع . تقوم السلطة العامة على إدارته على أساس المشاركة في العائد الإجمالي له . وهو واضح في المزارعة والمساقاة حيث توضع الأرض والشجر تحت تصرف الزارع الذي يتقاسم مجمل الإنتاج مع المال حسبما اتفقا عليه . تتسم هذه الصيغة بعدم الحاجة لحساب الأرباح والخسائر أو تقييم الأصول الثابتة التي تم تقديمها في العمليات التمويلية لأن المشاركة هنا في الإنتاج وليس الربح . (18)
القروض الشرعية
وهي التي لا تقوم على الربا، بل على الإحسان، ولذا يطلق عليه القرض الحسن وله عدة أشكال يمكن أن تلجأ الدولة إليها لسد عجز الموازنة . منها الاقتراض الإجباري الذي يمكن أن يفرض على أفراد المجتمع أو مؤسساته التجارية والصناعية أو المصارف التجارية . ويلاحظ ان الاقتراض من المصارف التجارية بدون فائدة وبخاصة في الأجل القصير يمكن أن يستند إلى أي من المبدأين:
1 - الانتفاع من ودائع الحساب الجاري لصالح المجتمع بكامله متمثلا ببنود الموازنة العامة بدلا من تركه لأصحاب البنوك وخصوصا أن الودائع الجارية تعتمد على الاستقرار النقدي الذي تحققه السلطات المتقدمة في الدولة .
2 - لما كانت البنوك التجارية تخلق الائتمان فإن عليها أن تعطي الحكومة قروضا إلزامية بدون فوائد مقابل ما استفادته البنوك من توسيع القاعدة النقدية .(3/36)
ويمكن، في الحقيقة، اللجوء إلى الاقتراض من الأفراد بتحريك الدوافع الوطنية لديهم للحفاظ على الصالح العام . وأيضا من باب التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع بعضهم مع البعض الآخر أو من المؤسسات المالية والاقتصادية والمجتمع " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " . ويتفرع عن صيغة القرض الشرعي صيغتان أخريان : القرض مقابل الودائع، وتسهيلات القروض الخاصة .
باستعراض صيغ التمويل الإسلامي السابقة تتضح لنا أنها تختلف عن صيغ التمويل الربوي المعاصر في النقاط التالية :
1 - الربا هو زيادة في الدين وهو شيء ليس من طبيعته النماء، بينما الزيادة في مجال التمويل الإسلامي في شيء مملوك من طبيعة النمو .
2 - الدائن في العلاقة الربوية لا يضمن تحمل الخسارة بعكس المالك الممول في التمويل الإسلامي.
3 - الزيادة في العلاقة الربوية افتراضية تحكمية في حين أن الزيادة في التمويل الإسلامي - إن وجدت - هي زيادة حقيقية فعلية .
4 - يستند التمويل الربوي على القدرة على السداد وحدها لذا يمكن استخدامه لمشروع استثماري أو لسداد ديون سابقة أو حتى للمقامرة، ينما لا بد أن يمر التمويل الإسلامي عبر السلع والخدمات (مشروع إنتاجي) .
5 - يسمح في التمويل الربوي بالاقتراض من البنوك وبتداول الديون (لأن تداول الديون من البنوك يقوم على أساس فكرة الخصم الزمني رهون الربا). بينما لا تسمح الشريعة الإسلامية بتداول الدين (لأنها ستنقل فقط بقيمها الاسمية بغض النظر عن تاريخ الاستحقاق .
6 - الخلاصة والتوصيات(3/37)
بعد مرور سنوات طويلة من السير في طريق الاستدانة الداخلية والخارجية (تحت شعار التنمية الاقتصادية) وجدت الدول الإسلامية نفسها في مأزق كبير، فلا هي حققت التنمية المطلوبة ولا أصبحت قادرة على سداد ديونها. وأمام هذا العجز عن سداد الديون واستجابة للضغوط (خصوصاً من المؤسسات الدولية) لجأت تلك لدول إلى مزيد من الاستدانة وإعادة جدولة ديونها وفقا لشروط الدائنين من خلال نادي باريس.
وأسباب الاستدانة في الحقيقة كثيرة داخلية وخارجية . أما الأسباب الداخلية فتتمثل في الفجوات في الموارد الاقتصادية والركود التضخمي Stagflation (تزامن مشكلتي التضخم والبطالة) إضافة إلى عبء المديونية الخانق، إضافة إلى سوء توظيف أموال القروض وتهريب رؤوس الأموال للخارج للمسؤولين الحكوميين ولرجال الأعمال نتيجة الفساد المالي والإداري(19)، وأخيرا التبعية الاقتصادية للغرب والتي تتعدد أشكالها من تبعية تجارية إلى غذائية إلى نقدية إلى تكنولوجية ومن قبلها تبعية سياسية وعسكرية . أما الأسباب الخارجية فتتمثل في الركود الاقتصادي العالمي، وتدهور شروط التجارة نتيجة انخفاض أسعار المواد الأولية التي تصدرها تلك الدول، إضافة إلى ارتفاع معدلات الفائدة في الأسواق المالية الدولية .
والحقيقة أن أزمة الدين العام في الدول الإسلامية أزمة هيكلية اقتصادية عميقة وليست أزمة مالية فحسب. فهي أزمة اقتصادية متعددة الأبعاد أزمة نقدية وغذائية وبطالة وأزمة في الطاقة كلها تنبع من عدم ملاءمة السياسات الاقتصادية المتبعة
في هذه الدول للواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لها ولخصوصياته .
…إن النظام الاقتصادي الإسلامي لم يطبق بعد في غالبية البلدان الإسلامية، وبدلا منه تحاول تلك البلدان حل مشاكلها من خلال تصميم سياسات تم وضعها(3/38)
في ظل الفلسفة الرأسمالية ومن الواضح أنه على الرغم من زيادة الناتج المحلي الإجمالي في الغالبية العظمى لتلك الدول إلا أن هذه السياسات لم تفلح في المجالات التالية :
أ- لم تنخفض معدلات الفقر بل ارتفعت وتحولت نسبة كبيرة من الطبقات المتوسطة بتلك الدول إلى طبقات منخفضة الدخل .
ب - زادت درجة عدم المساواة الداخلية أو في الثروة .
ج - لم تستطع تلك الدول توفير الحاجات الأساسية لشعوبها .
د - استمر القطاع العام في تحقيق معدلات أداء منخفضة في كثير من الأحيان .
ه -اتساع مشكلة الدين العام مع ما ينجم عنها من التضخم ومعدلات الفائدة العالية ومزاحمة القطاع الخاص وتخفيض فرص التنمية .
ووفقاً لحلول المؤسسات الدولية (البنك والصندوق ومنظمة التجارة العالمية ونادي باريس) فإن على بلدان العالم الإسلامي خلق استقرار تشريعي، ودعم البنية التحتية في تلك الدول إضافة إلى تحسين السياسات المالية لإيجاد مناخ صحي للاستثمار يشجع رؤوس الأموال المهاجرة (تقدر بالنسبة للدول العربية فقط بما يتراوح بين 800- 2400 مليار دولار) إلى العودة إلى أوطانها حتى وإن كانت عودة جزئية .
إن السبب الحقيقي لأزمة الديون العامة لبلدان العالم الإسلامي (وإن ظهرت أسبابها المباشرة في الفجوات الاقتصادية المحلية والخارجية) هو الابتعاد عن الشريعة الإسلامية في مجالي جمع الأموال وإنفاقها والتي تظهر في الصور التالية :
أ - الإنفاق غير المبرر على المظاهر والكماليات.
ب - استخدام القروض العامة في تمويل النفقات الاستهلاكية وليست الإنتاجية التي تدر دخلاً يمكن خلاله سدادها.
ج - عدم الالتفات إلى الصيغ الإسلامية المتعددة في التمويل (القرض الحسن) أو الصيغ البديلة عن التمويل (المشاركة والمضاربة والإجارة والخصخصة وأثرها).(3/39)
إن السبب الرئيسي لتفاقم المشكلة كما يوضح لنا النموذج الرياضي فهو ارتفاع سعر الفائدة عن معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي. وهكذا تلعب الفائدة (الربا) إضافة إلى عدم استخدام صيغ التمويل المشروعة الدور الأول لاتساع مشكلة الدين العام .
إن غالبية الدول الإسلامية التي تعاني من مشكلة عجز الموازنة واتساع الدين العام بمرور الوقت، تجاوزت في برامج إنفاقها مقدرتها على تعبئة الأموال وأصبح لذلك عجز كل من الموازنة وميزان المدفوعات عجزاً هيكليا يستدعي ضرورة تغطيته سنة بعد أخرى . وهناك حاجة حقيقية نحو تعديلات جوهرية في المالية العامة لتلك الدول، ولا ينبغي على تلك الدول البحث في الحلول السهلة التي أدت إلى تفاقم المشكلة . هناك حاجة لتعديلات هيكلية في كل من جانبي الإنفاق والإيرادات في الموازنة العامة. إن المنهج الحالي واعتبار الإنفاق محدد خارجيا بصورة أو بأخرى ثم تجنيد كافة الطاقات والإمكانات لتحصيل الموارد المالية الكافية لتغطية ذلك الإنفاق خطأ. ذلك أن الناس هم الذين ينبغي أن يحددوا مدى ضرورة هذه البرامج الإنفاقية فإذا اقتنعوا ببعضها فإن عليهم أن يدفعوا تكلفتها. إن الاعتماد على الاقتراض لتغطية برامج الإنفاق يجب أن يتوقف .
…إن التمييز بين الإنفاق الجاري والإنفاق الاستثماري ينبغي مراعاته عند تعبئة الموارد. إن الممارسة الحالية لتعبئة أقصى قدر من الموارد وتوجيهها لتغطية الإنفاق الجاري وتحويل ما يفيض منها إلى برامج الاستثمار والتنمية ليس صحيحاً. ووفقاً لهذه الدراسة فإن المشاركة الفعالة بواسطة القطاع الخاص في تنمية الموارد الوطنية بهدف التنمية ينبغي تفعيلها ذلك أن كثيراً من المشروعات العامة يمكن تنفيذها على أساس صيغ التمويل الإسلامية.(3/40)
إن تحديد وظائف رئيسية للإنفاق العام وتحديد مصادر تمويلها والالتزام بها في التطبيق يمكن أن يضمن القيام بتلك الوظائف، دون إهمال الوظائف العامة الأخرى. وهنا فإن برامج الدفاع وإزالة الفقر في بلدان العالم الإسلامي هي من بين تلك المجالات الرئيسية للإنفاق العام . وسيساعد هذا التقسيم للموارد المالية، على أساس الوظائف، في ترشيد الإنفاق العام وعدم الإسراف والتبذير في الأموال العامة خصوصا الإنفاق على الكماليات ما دام لم يتم إشباع الضرورات بعد .
ينبغي تفعيل الصيغ الإسلامية في التمويل لتغطية عجز الموازنة العامة خصوصاً التمويل بالمشاركة في الربح والخسارة والإجارة والقرض الحسن . حيث تستخدم الصيغة الأولى على نطاق واسع لتمويل المشروعات السليمة تجارياً. و هذه المشاركة ينبغي أن تكون محلية إلا إذا عجزت الموارد المحلية أو كان هناك مكون أجنبي كبير في الاستثمار فيمكن أن تكون المشاركة أجنبية . أما صيغة الإجارة فيمكن استخدامها في تمويل مشروعات البنية التحتية، ولنفس الغرض يمكن استخدام الخصخصة في نظام البناء والتشغيل والتمويل BOT ومشتقاته. أما القروض الربوية فإن مجالها سيكون محدوداً جداً في البيئة الإسلامية لتمويل عجز الموازنة وخصوصاً القروض الخارجية والتي يترتب عليها تبعية اقتصادية ولكن قد تضطر الدولة الإسلامية في مرحلة الانتقال من التمويل الربوي إلى التمويل الإسلامي وتحت ضغط الأولويات الحرجة للاستدانة من السوق العالمية الربوية . أما القروض المصرفية فإن مجالها أيضا محدود في البيئة الإسلامية، وفقط قد تستخدم في حال التوسع النقدي الذي لا يهدد الاستقرار النقدي (20) .(3/41)
ينبغي تطبيق فريضة الزكاة وإصدار قوانينها الملزمة. ذلك أن تطبيق فريضة الزكاة يمكن أن يوفر جانباً هاماً من احتياجات الدولة في مجال الشئون الاجتماعية (21). كما ينبغي تشجيع الدور الذي تلعبه الأوقاف الإسلامية في مجالات التعليم والصحة، وقد تحملت مؤسسة الوقف- تاريخياً - المسئولية الكاملة تقريباً في توفير النظام التعليمي للكبار والصغار ومد المساجد بالعمارة والخدمة والرعاية وكذلك المستشفيات والحدائق العامة بحيث يمكن القول بأنه كان لنظام الوقف دوراً كبيراً في بناء البنية التحتية للخدمات الاجتماعية .
…كما ينبغي تشجيع المساهمات التطوعية، خصوصاً المساهمات من خلال خدمة المجتمع من خلال العمل والمشاركة في الأنشطة الخيرية والثقافية، فالمساهمة الخيرية بالعمل التطوعي تعد من أهم مصادر دعم التنمية وحل المشاكل الاقتصادية في الدول الإسلامية وذلك لانخفاض مستوى الدخل الفردي وصعوبة التطوع بالمال وكما يقترح الأستاذ منور إقبال أن ما نحتاجه هو فحص دقيق لهيكل الإيرادات والنفقات وليس مجرد إصلاح مالي (22) .
وهكذا يتضح لنا أن مشكلة اتساع الدين العام في بلدان العالم الإسلامي يمكن علاجها تدريجياً وعلى مدى فترة زمنية ممتدة،شرط الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية في مجالات اكتساب المال العام وإنفاقه مع ضرورة تحمل الدول الدائنة لجزء من مسؤولية تفاقم المشكلة .
ينبغي على الدول الإسلامية أن تشترك معاً في وضع تصور مستقبلي لموقعها في عالم اليوم وأن تحدد في ذلك التصور مفهوماً محدداً للأمن الإسلامي وذلك في ظل الملاحظات التالية:(3/42)
1 - ضرورة التكتل الاقتصادي بينها من أجل حل مشاكلها الاقتصادية عامة والدين العام خاصة، ذلك أننا نعيش عصر التكتلات الاقتصادية العملاقة والعولمة (23). لذلك فإن إقامة السوق الإسلامية المشتركة وصولاً إلى الوحدة الاقتصادية الكاملة مستقبلاً يعد ضرورة لبناء اقتصادي إسلامي قادر على البقاء والمنافسة في عالم الاقتصاد المعاصر . إن التكامل الاقتصادي الإسلامي أصبح من صميم " الجهاد الاقتصادي " الذي لا يقل في أهميته هذه الأيام عن الجهاد العسكري من أجل جعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلي .
2- ينبغي وضع استراتيجية لتحقيق التنمية الشاملة في بلدان العالم الإسلامي على أن يكون محور هذه التنمية هو العنصر البشري من خلال احترام حقوق الإنسان وحريته في التعبير والتعليم دون عوائق .
الهوامش والمراجع
1-يلاحظ أن الإحصاءات الرسمية للدين الوطني National Debt تستبعد قروض البنك المركزي للدولة على أساس أنه لا يتطلب خدمة لذلك الدين ( أي مدفوعات الفائدة والاستهلاك ) . أما مفهوم الدين العام Public Debt فهو يجمع بين كل من الدين الوطني وقروض البنك المركزي لتغطية عجز الموازنة ولذا يعد أفضل تمثيلا وانعكاسا لتراكم عجز الموازنة في السنوات الماضية ولكن لضآلة استخدام قروض البنك المركزي لتغطية عجز الموازنة بالنسبة إلى قروض مستندات و أذون الخزانة سنعتبر الدين العام Public Debt لغرض هذه الدراسة هو الدين الوطني National Debt.(3/43)
2- فالدولة واقتصادها الوطني هما الضمان لسداد قيمة هذه الأوراق المالية الحكومية وفوائدها حيث تستطيع أن تقترض مجددا لسداد أعباء خدمة ديونها القائمة ، كما تستطيع فرض ضرائب حديثة أو توسع من نطاق الضرائب القائمة أو تزيد من أسعارها . كما تسمح الدولة عادة بتداول الأوراق المالية الحكومية في سوق الأوراق المالية مما يزيد من سيولتها ، وأخيرا تدفع الدولة عادة معدلا للفائدة على تلك الأوراق أعلى من المتاح في سوق الأوراق المالية . وتغري بالطبع هذه المميزات الكثيرين من أفراد المجتمع على الاكتتاب في الأوراق المالية الحكومية وتحويل استثماراتهم أل هذا الشكل من الاستثمار
أنظر : المرسي السيد حجازي : مبادئ الاقتصاد العام ، الدار الجامعية ، بيروت 2001م .
3- حددت اتفاقية ماسترخت بين دول الاتحاد الأوروبي شروطا محددة فيما يتصل بالديون العامة وأعباء خدمتها لقبول دولة عضوا جديدا في الاتحاد الأوروبي وهي أن لا تزيد نسبة خدمة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي عن 60% (تبين تلك النسبة مدى عبء الدين العام الذي ينتظر أن تتحمله الدولة في الأجل الطويل . وأن لا تزيد نسبة خدمة الدين العام إلى الصادرات عن 25% و تبين تلك النسبة مدى إمكانية توفير سيولة كافية من النقد الأجنبي لمواجهة مدفوعات خدمة الدين العام
4- ينتج عن هذا النوع من الإقراض أو " الإقراض التضخمي " تشوهات خطيرة في الاقتصاد الوطني تنعكس سلبا على كل من القوة الشرائية للعملة الوطنية ، والادخار الوطني والاستثمارات الحقيقية وميزان المدفوعات مما ينعكس بدوره سلبا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع .(3/44)
5- تتحكم المؤسسات المالية الدولية كالصندوق والبنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية ( وأيضا نادي باريس للدول الدائنة ) في السياسات الاقتصادية المحلية للدول المدينة ، دون مراعاة للاعتبارات الاجتماعية مما يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي للمجتمع بل يمكن أن يصل الأمر إلى سيطرة الدول الدائنة على الإدارة السياسية للدول المدينة في مجال العلاقات السياسية الدولية ولقد كانت ديون مصر الخارجية لبريطانيا وفرنسا في القرن التاسع عشر( لتمويل مشروع حفر قناة السويس ) سببا مباشرا لاحتلال مصر عسكريا بواسطة بريطانيا عام 1881 .
6- أرجع بيان الخارجية التركية أن سبب تفاقم الديون الخارجية يعد بالدرجة الأولى إلى ما وصفه بمكافحة التنظيمات الإرهابية والانفصالية طيلة السنوات الماضية الذي كبد خزينة الدولة أموالا طائلة ودفع الدولة إلى تعزيز مقدراتها الأمنية و الدفاعية . المصدر: منظمة رابطة العالم الإسلامي ورقة رقم 1758 ص 9 . كما حددت أسباب نمو الدين وتراكمه في باكستان بزيادة العجز المالي والانخفاض المستمر في معدل الصرف الأجنبي والتكلفة العالية للاقتراض واقترح لحل مشكلة اتساع الدين العام هناك ضرورة تحقيق الاستقرار الكلي مع الإدارة الحكومية الصارمة وانتج سياسات تتفق مع السوق حتى تزداد ثقة المستثمرين والخصخصة للمشروعات العامة لإطفاء الدين العام أنظر:
http:www.saarcnet.org/newsaarcnet/country profile/pakistan/pakistan18.htm
7- محمد باقر الصدر ، اقتصادنا : دراسة موضوعية تتناول النقد والتحليل والبحث في المذاهب الاقتصادية للماركسية والرأسمالية والإسلام في أسسها الفكرية وتفاصيلها ، دار المعارف ، بيروت 1411هـ ، 1991 . صفحات 291- 293 .(3/45)
د. على توفيق الصادق ، إدارة الدين العام : قضايا تحليلية واستنتاجات عملية ، من كتاب صندوق النقد العربي :" سياسة وإدارة الدين العام في البلدان العربية " ، سلسلة بحوث ومناقشات حلقة العمل عدد 4، 28-31مارس 1998، أبو ظبي صفحات: 21- 29 .
8-
9-مؤسسة البحوث والاستثمارات ، الدين العام في لبنان : أزمة مالية عامة أم أزمة اقتصاد ؟ منشورات دار الحوار العالمي ، بيروت شباط 1999 .
10-فخلال الفترة من 1900/1986 تدهورت أسعار المواد الأولية ( بما فيها الوقود) صادرات الدول النامية بالنسبة إلى صادرات الدول المتقدمة بمعدل 36% أو بمعدل 5ر0 سنويا أنظر :
Vincent Ferraro and Melissa Rosser,
: Challenges for New Century, edited by Michael Klare and Daniel Thomas, New York 1994 , pp. 342.
11-لاختبار فرضية المزاحمة يمكن الاعتماد على النموذج التالي:
I/y = a0 + a 1 ( G/ Y ) t + a 2 Pt + e
t (I/Y ) حصة الانفاق الاستثماري من GDP في السنة t
G/Y) t)حصة الانفاق الحكومي من GDP في السنة t
P t مؤشر أسعار المستهلك ( التضخم ) e هو حد الخطأ
فإذا كانت فرضية المزاحمة صحيحة فان إشارة a 1 تكون سالبة أي كلما كانت حصة الإنفاق القومي كبيرا من GDP كلما انخفضت حصة الإنفاق الاستثماري من الناتج المحلي والإشارة المتوقعة للتضخم سالبة أيضا نتيجة توقعات القطاع الخاص مستقبلا و التي تخلق عدم اليقين وهذا بسبب الإشارة السالبة المرجع السابق ص 151 -160 .
12- د. عبد الرازق الفارس، الحكومة والفقراء والإنفاق العام ، دراسة لظاهرة عجز الموازنة وآثارها الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية ، مركز دراسات الوحدة العربية ص 153 نقلا عن فتحي خليل الخضراوي " العجز المالي والسياسة النقدية مصر ، مجلة العلوم الاجتماعية ، 217 العدد 4( شتاء 1989 ) ص : 50.(3/46)
13- على الرغم من اعتراض البعض على فكرة الإلغاء الجزئي للديون على أساس أنها تشجع الدول المدينة على عدم الاهتمام برفع الكفاءة ( الاقتصاد) واستغلال الموارد إضافة إلى تحميل المؤسسات المالية للدولة كالبنك والصندوق بأعباء هائلة مما يقلل من فعالية تلك المؤسسات مستقبلا نتيجة لتقلص مواردها بسبب عدم السداد.
14- رمزي زكي ، انفجار العجز: علاج عجز الموازنة العامة للدولة في ضوء النهج الانكماشي والنهج التنموي ، دار الندى للثقافة والنشر ، دمشق ، سوريا ، 2000 صفحات 153 -195.
15- يشترط الإمام الشاطبي أن يتم الاستقراض من قبل الدولة أوقات الأزمات إنما يكون حيث يرجى لبيت المال دخل ينتظر أو يرتجى ، وأما إذا لم ينتظر شيء فلا بد من جريان حكم التوظيف( أي الضرائب ) . انظر محمد محمود بابلي مصادر تمويل الدولة الإسلامية في ي منطلق الدعوة والخلافة الراشدة ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت 1395هـ / 1975 م . ص 198 نقلا عن الاعتصام ص 104.
16- أنظر د. علي محي الدين على قره داغي ، بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة ، دار البشائر الاسلامية ، بيروت ، 1422هـ، 2001 م ص 207.
17- د. حسين راتب يوسف ريان ، عجز الموازنة وعلاجه في الفقه الإسلامي ، دار النفائس للنشر والتوزيع ، الأردن ، 2419هـ ، 1999م
- سعد بن حمدان اللحياني ، الموازنة العامة في الاقتصاد الإسلامي ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب - البنك الإسلامي للتنمية ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، بحث رقم 43 ، 1417 هـ (1997 ) ص 94-96
منذر قحف، تمويل العجز في الموازنة العامة للدولة من وجهة نظر إسلامية دراسة حالة الكويت ، بحث رقم 39 البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب .(3/47)
وأيضا دور الدولة في النظام الاقتصادي الإسلامي والأهداف الاقتصادية للدولة الإسلامية من كتاب السياسة الاقتصادية في إطار النظام الإسلامي ، وقائع ندوة السياسة الاقتصادية في الإسلام ( سطيف بالجزائر) 29 شوال ذو القعدة 1411 هـ 1991 م ص: 91- 115 .
18-
Instruments and Alternatives of Public Debts in Islamic Economy
http://www.kahf.net/english /debts.html
وأيضا نظرية التمويل الإسلامية والمصرفية الإسلامية ، من كتاب الاقتصاد الإسلامي بين الشك واليقين ، دار الفكر بدمشق 1420 هـ ، 2000م ، ص: 163- 194 .
19 - في دراسة للباحث عن التكاليف الاجتماعية للإنفاق العام أوضح أن تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي لأفراد المجتمع يسبب تكاليف اجتماعية (غير مرتبة) مرتفعة وهامة لا تبرر التدخل الآمن منظور غير اقتصادي اجتماعي أو سياسي مثلا أنظر : المرسي حجازي : التكاليف الاجتماعية للإنفاق العام مع الإشارة لمصر ، مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية ، كلية الحقوق ، جامعة الإسكندرية ، العدد الرابع 1995
20-
M. Umar Chabra : Economics of Public Debt in Islam Government Borrowing Needs from Reading in Public Finance in Islam, Islamic Research and Training Institute, Jeddah , Saudi Arabia pp 357- -368.
21- تبين الدراسة انه في ظل افتراضات قريبة من الواقع الاقتصادي المعاصر إلى حد كبير يؤدي بطبعه فريضة الزكاة في الدول الإسلامية خلال 12 سنة، مجلة جامعة الملك سعود م9، علوم إدارية (1) الرياض 1417هـ ص. 77-101 .(3/48)
Munawar Iqbal , causes of Fiscal Problems in Muslim Countries and some Suggests for Reform from Financing Development in Islam , edited by M.A. , Mannam, Islamic Researched Training Institute paper Presented at the Third Internal Conference on Islamic Economics (Kuala Lumpur, Malaysia 23-25 Rajab 1412 H 1 Jan. 28-30 , 1992 , pp. 109- 138
Abulhassan M. Sadeq , Resource Mobilization and investment in an Islamic Framework , proceedings of the third International seminar 1992 , 1412 pp: 141 -145 .
23- محمد آدم : العولمة وأثرها على اقتصاديات الدول الإسلامية
http:www.amnabaa.org/nba42/awlamah.htm
ملحق بيانات عجز الموازنة والدين العام في البلاد الإسلامية
جدول رقم (1)
العجز أو الفائض في الموازنة العامة للبلدان العربية النفطية وغير النفطية 1972/1993
السنة
البلدان النفطية
البلدان غير النفطية
1972- 1981
(+)
(-)
1982- 1993
(-)
(-)
المصدر : د. عبد الرازق الفارس، الحكومة والفقراء والإنفاق العام : دراسة لظاهرة عجز الموازنة وآثارها الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية ، مركز دراسات الوحدة العربية ص 123 .
جدول رقم (2)
العجز أو الفائض في الموازنة العامة للبلدان العربية النفطية وغير النفطية 1972/1993
مجموعة
الدول النفطية
الدولة
70-75
75-80
80-85
85-90
90- 93
السعودية
3ر8
2ر11
00ر6
1ر16
-11
الكويت
2ر29
48
6ر30
-1ر0
-65
الجزائر
7ر5
7ر7
9ر2
-8ر1
6ر0
ليبيا
9ر11
-6ر1
-4ر10
-2ر8
7ر1
مجموعة
الدول غير النفطية
مصر
-2ر9
-5ر16
-9ر22
-ر13
-5ر7
سوريا
-5ر7
-4ر13
-4ر17
-9ر3
-9ر4
تونس
-2ر1
-8ر3
00ر5
-ر5
-0ر4
المغرب
-8ر4
-3ر12
-5ر9
-6ر5
-9ر2
الأردن
-9ر5
-1ر14
-0ر9
9ر7
-2ر4
السودان
-ر2
-6ر4
-1ر13
-ر21
-3ر17
اليمن
-7ر3
-9ر0
-4ر14
-3ر8
--
المصدر السابق ص 131
جدول رقم (3)(3/49)
تمويل العجز في البلدان العربية النفطية وغير النفطية ( نسب مئوية )
بيان
75
80
85
90
93
البلدان النفطية اقتراض خارجي
اقتراض داخلي
-
-
-
-
03ر7
3ر107
7ر1
3ر98
8
92
البلدان غير النفطية اقتراض خارجي
اقتراض داخلي
59
41
38
62
29
71
31
69
41
59
المرجع السابق ص 136.
جدول رقم ( 4)
العجز أو الفائض في الميزانية العامة للبلدان العربية ( مليون دولار أميركي )
السنة
البلدان النفطية
البلدان غير النفطية
1970
-
-
1971
-
-
1972
878
-1641
1973
-1008
-652
1974
12446
-2920
1975
11938
-3255
1976
14744
-4564
1977
15415
-5089
1978
15935
-8472
1979
26410
-9354
1980
59431
-10422
1981
34555
-13378
1982
- 20071
-13502
1983
-18370
-14349
1984
-31521
-16461
1985
-12171
-12226
1986
-36910
-9604
1987
-17808
-6538
1988
-24749
-6620
1989
-4370
-5907
1990
-17018
-10111
1991
-50541
-2379
1992
-16898
-5993
1993
-15926
المصدر السابق 121
جدول رقم (5)
إجمالي الدين الخارجي على عدد من الدول الإسلامية بنهاية العام
(ببلايين الدولارات الأميركية )
الدولة
1990
1993
1996
1999
2000
الأردن
04ر7
00ر66
09ر7
55ر7
75ر6
تونس
66ر6
42ر7
38ر9
49ر9
57ر11
الجزائر
42ر26
85ر24
60ر31
91ر25
00ر25
السودان
16ر9
99ر8
37ر9
85ر8
93ر15
سوريا
92ر14
24ر16
70ر16
14ر16
27ر21
مصر
37ر28
30ر28
81ر28
00ر26
11ر27
المغرب
10ر23
68ر20
13ر21
28ر17
37ر16
اليمن
15ر5
34ر5
62ر5
73ر3
94ر4
المصدر : التقرير الاقتصادي العربي الموحد أعداد مختلفة .
جدول رقم (6)
خدمة الدين/إجمالي الصادرات من السلع والخدمات ومتوسط سعر الفائدة
على الدين العام الخارجي
الدولة
1990
1993
1996
1999
2000
الأردن
3ر21
6ر4
4ر17
2ر6
9ر24
1ر5
6ر14
1و5
0ر15
تونس
0ر23
8ر6
7ر20
2ر6
1ر16
7ر4
3ر15
0ر3
6ر26
الجزائر
3ر63
4ر8
2ر83
5ر5
9ر27
5ر5
9ر36
1ر5
7ر24
السودان
5ر4
7ر0
5ر4
-
-
-
36ر1
-
4ر11
سوريا(3/50)
5ر23
7ر3
3ر3
8ر3
9ر1
-
5ر3
-
3ر16
مصر
1ر23
3ر5
8ر14
6ر2
9ر11
4ر1
0ر9
8ر0
6ر8
المغرب
1ر23
7ر6
8ر42
7ر6
1ر33
0ر6
6ر27
7ر3
1ر23
اليمن
8ر6
8ر1
5ر8
9ر0
5ر3
2ر1
0ر4
8ر0
3ر5
المصدر : التقرير الاقتصادي العربي الموحد أعداد مختلفة .
جدول رقم (7)
إجمالي خدمة الدين العام الخارجي للدول العربية خلال العام (مليون دولار )
الدولة
1990
1993
1996
1999
2000
الأردن
548
507
941
559
530
تونس
1220
1221
1325
1359
1855
الجزائر
8562
8657
3948
4885
5059
السودان
23
17
--
12
207
سوريا
1191
174
125
206
1129
مصر
2487
1863
1879
1478
1618
المغرب
1461
3088
3253
2985
2196
اليمن
108
99
79
100
217
المصدر : التقرير الاقتصادي العربي الموحد أعداد مختلفة .
جدول رقم (8 )
نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي
2000
1999
1996
1993
1990
الدولة
1ر81
5ر93
9ر100
6ر121
2ر175
الأردن
5ر59
6ر47
9ر47
8ر50
1ر54
تونس
5ر46
9ر53
3ر66
9ر49
6ر42
الجزائر
2ر124
6ر76
1ر113
2ر160
3ر76
السودان
7ر118
2ر96
9ر94
0ر811
4ر107
سوريا
8ر27
2ر29
6ر42
4ر60
0ر80
مصر
8ر49
4ر49
7ر57
2ر77
5ر89
المغرب
8ر57
3ر51
9ر97
6ر88
7ر56
اليمن
المصدر : التقرير الاقتصادي العربي الموحد أعداد مختلفة .
جدول رقم ( 9)
حجم الدين العام وخدمته في الدول الإسلامية
بلدان مختارة عام 2001م
خدمة الدين العام
الدين العام
الدولة
الإجمالي
الداخلي
الخارجي
%GDP
مليار $
% GDP
مليار$
% GDP
مليار $
-
141
-
23
-
118
تركيا
42 %
2ر45
ماليزيا
9ر29%
2ر7
إيران
100%
144
إندونيسيا
تعادل 60% من إجمالي الإيرادات العامة
6ر151
4839
مليار روبية عام 2000
6ر51%
1641
مليار روبية
100%
3198
مليار روبية عام 2000
باكستان
تعادل 14% من إجمالي المصروفات العامة
160
--
--
السعودية
2ر44
--
--
مصر
: http://www.bnm.gov.my/pa/1998/0107.htm المصدر :(3/51)
http://www.saarcnet.org/newsaarcnet/countryprofile/pakistan18.htm
البنك المركزي المصري - أعداد مختلفة
??
??
14 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
اتساع نطاق الدين العام في دول العالم الإسلامي المشكلة والحلول 13(3/52)
أثر تحرير تجارة الخدمات المصرفية
على المصارف الإسلامية
د. عبد المنعم محمد الطيب
أستاذ الاقتصاد المساعد
(باحث اقتصادي ومصرفي)
المعهد العالي للدراسات المصرفية والمالية
الخرطوم - جمهورية السودان
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث باللغة العربية
تضمنت الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات اثنا عشر قطاعاً كان من بينها قطاع الخدمات المالية الذي يشمل الخدمات المصرفية والأسواق المالية والتأمين، وقد ساهمت هذه الاتفاقية إلى اتجاه المصارف نحو التحرير المالي أو ما يسمى بالعولمة المالية ،ويأتي هذا البحث للوقوف على قدرة المصارف الإسلامية في مواجهة المنافسة العالمية في إطار اتفاقية تحرير تجارة الخدمات المصرفية.
يتناول البحث بالدراسة والتحليل ،الإطار العام لاتفاقية الخدمات المصرفية ونماذج الالتزامات التي تقدمت بها بعض الدول الإسلامية في هذا المجال ، والواقع الحالي للمصارف الإسلامية ومقارنته مع المصارف التقليدية (المحلية و العالمية ) ، وتحليل الخيارات المتاحة و التنبؤ بالآثار المتوقعة على المصارف الإسلامية وفقاً لكل خيار.
إن اتفاقية تجارة الخدمات المصرفية تفرض على المصارف الإسلامية العديد من التحديات لا يمكن التغلب عليها إلا من خلال بناء استراتيجية فاعلة تستند إلى تقديم الخدمات المصرفية الشاملة ومواكبة التطور التكنولوجي والإيفاء بالمتطلبات والمعايير العالمية وتوثيق العلاقات مع المصارف الأجنبية المراسلة ذات الفروع والنوافذ الإسلامية ،وكذلك اللجوء إلى خيار الاندماج والتكامل للمصارف الإسلامية من أجل الاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير.
وقد أوصت الدراسة بضرورة إدراج خدمات المصارف الإسلامية ضمن جداول التزامات الدول الإسلامية ، والاستفادة من التسهيلات التي تتيحها الاتفاقية ، والعمل على خلق كيانات مصرفية قادرة على المنافسة عالمياً.
ABSTRACT(4/1)
The General Agreement on Trade-related Services (GATS) contained twelve sectors within which is the service sector. The service sector composes of the financial services, financial markets and insurance. The agreement has well contributed to financial liberalization towards the banking sector formally named the financial globalization. This dissertation is founded to study the power of the Islamic Banks in facing the international competition in the context of the International liberalization of the Banking Services Agreement.
The dissertation is comprehensively studied and analyzed the general context of the banking service agreement as well as the obligations' models offered by some of Islamic countries. The current reality of the Islamic banks compared with the traditional banks (local and international). Then it analyzed the available options and forecasting with the expected effects on the Islamic banks according to each option.
The Banking Trade Services Agreement imposed a number of unavoidable challenges on the Islamic Banks and, unless these challenges are faced through building efficient strategy based on offering a comprehensive banking services and cope with the technological innovation development to fulfill with the international criteria requirements and documenting the relations with the corresponding foreign banks with branches and Islamic windows. Moreover, it addressed the implication of getting into merger option and integration of Islamic Banks for benefiting from large-scale economies.(4/2)
The dissertation recommends the necessary insertion of Islamic Banking Services in the obligations' schedules and benefit from the facilities offered by the agreement. Moreover, it recommends creating giant banking institutions able to face the international competition.
( ( (
المقدمة
تتصف المصارف الإسلامية بأنها تختلف في سماتها وخصائصها عن المصارف التقليدية، ويأتي هذا البحث لبيان أثر اتفاقية تحرير الخدمات المصرفية على نشاط المصارف الإسلامية.
و تكمن مشكلة البحث في عدم قدرة المصارف الإسلامية في الوقت الآني على الصمود في وجه المنافسة العالمية وفقاً للشروط والامتيازات التي تقررها اتفاقية الخدمات المصرفية، وذلك نظراً لتباين جداول الالتزامات المقدمة من الدول الإسلامية التي انضمت للاتفاقية واختلاف الظروف التي تعمل فيها تلك المصارف الإسلامية من دولة لأخرى .
يفترض الباحث أن المصارف الإسلامية تتسم بصغر الحجم وضعف رأس المال عند مقارنتها بالمصارف العالمية هذا بالإضافة لضعف تمثيلها خارجياً. كما أن المصارف التقليدية أصبحت تنافس المصارف الإسلامية في تقديم الخدمات المصرفية الموافقة لإحكام الشريعة الإسلامية من خلال الفروع والنوافذ التي أنشأتها والعلاقات التي أقامتها مع المصارف الإسلامية نفسها.
نظراً لأهمية الموضوع كظاهرة جديدة فقد اهتم به عدد من الباحثين وتناولوه بالدراسة، في إطار اتفاقية تحرير الخدمات المصرفية من خلال بيئات مصرفية متباينة ومتشابهة ، ومن بين تلك الدراسات :
(1) فؤاد عبد الله العمر (1997م) "استشراف تأثير اتفاقية الجات وملحقاتها على مستقبل الصناعة المصرفية الإسلامية":(4/3)
هدفت دراسة "العمر" إلى تتبع آثار اتفاقية الجات ، وذلك بتحليل واقع الصناعة المصرفية الإسلامية، وتسليط الضوء على أهم بنود الاتفاقية ذات التأثير على الصناعة المصرفية الإسلامية وتحليل واستشراف هذه الآثار السلبية والمنافع الإيجابية مع بيان التوجيهات العملية لمواجهتها. و توصلت الدراسة إلى ضرورة القيام بالعديد من الإجراءات التي تساعد البنوك الإسلامية على المنافسة العادلة مع المؤسسات المالية الغربية، في ظل الدعوة إلى عالمية السوق وتحرير التجارة(1).
(2) سامي حسن حمود (1997م) مستقبل المصارف الإسلامية في ظل النظام المصرفي الإسلامي العالمي:
تناول "حمود" في دراسته جذور العمل المصرفي في الحضارة الإسلامية،والواقع المعاصر للنظام المصرفي والمالي الإسلامي،ومستقبل العمل المصرفي الإسلامي في مواجهة العولمة. وقد أكدت الدراسة أن العمل المصرفي الإسلامي قد تكامل جزئياً بقيام المؤسسات المالية الإسلامية، إلا أن هذا التكامل بحاجة إلى تدعيم أوسع وأشمل حتى يكون النظام المصرفي الإسلامي أقدر على مواجهة المنافسة في ظل إزالة الحواجز والحدود في عالم التجارة والخدمات المصرفية والتمويل والاستثمار(2).
(3) Munar Iqbal,Ausaf Ahmad Tarigulla Khan (1998) ''Challenges Facing Islamic Banking''
تركزت دراسة إقبال وآخرون " على المشكلات والتحديات التي تواجه العمل المصرفي الإسلامي في القطاع الخاص الذي يعمل في بيئة مصرفية مزدوجة تعمل فيها المصارف الإسلامية جنباً إلى جنب مع المصارف التقليدية ، كما أشارت الدراسة إلى التحديات التي تواجه العمل المصرفي الإسلامي في بعض الجوانب التي تشمل الإطار المؤسسي والقانوني والمعايير المحاسبية وانعدام مؤسسات الأسهم ، هذا بالإضافة للتحديات المرتبطة بالجوانب التشغيلية(3).
(4) عبد الفتاح محمد فرح (1999م) "رؤية استراتيجية لعمل البنوك الإسلامية في ظل العولمة" :(4/4)
تناولت الدراسة تأثير العولمة على الاقتصاد من خلال دخول البنوك الأجنبية بثقل شديد في الأسواق المحلية مما يعرض البنوك الوطنية للانحسار، وتقوية موقف البنوك الأجنبية.كما أشارت الدراسة لخصوصية البنوك الإسلامية من حيث المودعين متخذةً تجربة بنك دبي الإسلامي مثلاً. وتعرض "فرح" لأهمية تطوير العمل المصرفي الإسلامي وتدعيمه بالاستفادة من العامل التقاني في تنمية المجتمع وتطويره، كما تناول أهمية ضمان الودائع في تدعيم الودائع في البنوك الإسلامية (4).
يتضح من الدراسات السابقة أن هناك إجماع بين الباحثين في عدم ملائمة تحرير الخدمات المصرفية في بعض بنودها مع طبيعة عمل البنوك الإسلامية مما يقلل من قدرتها على مواجهة المنافسة في ظل إزالة الحواجز والحدود.
تتميز هذه الدراسة عن الدراسات السابقة في أنها تقوم بتحليل واقع المصارف الإسلامية و الخيارات المتاحة وفقاً لنصوص اتفاقية تجارة الخدمات المصرفية ومدى ملاءمتها ومن ثم التنبؤ بالآثار المتوقعة و بيان محددات الاستراتيجية المستقبلية للمصارف الإسلامية.
المحور الأول
الإطار العام لاتفاقية تحرير الخدمات المصرفية
تعتبر الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات General Agreement on Trade related Services (GATS) من النتائج المميزة لجولة أورجواي، فقد كان نطاق تطبيق القواعد الدولية للتجارة المتعددة الأطراف قبل هذه الجولة مقصوراً على التجارة في السلع، لكنه امتد في ظل الاتفاق الجديد ليشمل التجارة في الخدمات(5).
وقد شملت الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات عدة أنواع من الخدمات كان من بينها الخدمات المالية التى تشمل الخدمات المصرفية، مما ادخل البنوك في ظل الاتجاه نحو التحرير المالي أو ما يسمى بالعولمة المالية.
يتناول هذا المحور مفهوم تجارة الخدمات والمبادئ الأساسية للاتفاقية،وأشكال توريد الخدمات إضافة إلى تحديد الخدمات المصرفية التي تشملها هذه الاتفاقية.(4/5)
1-1 مفهوم تحرير تجارة الخدمات:
يختلف تحرير التجارة في الخدمات عنه في حالة تحرير التجارة في السلع، حيث أنه في معظم الحالات لا توجد مشكلة (عبور حدود) وتعريفات جمركية بالنسبة إلى الخدمات. إن قيود تجارة الخدمات تأتى من خلال القوانين والقرارات والإجراءات التي تسنها وتقرها الدولة ، وقد سعت اتفاقية الخدمات إلى إزالة القيود وتخفيفها بحيث من الممكن التوصل في النهاية إلى نظم للتبادل الحر للخدمات ، ومن المتوقع أن يتم التحرر من القوانين والتشريعات الوطنية والقواعد والإجراءات التي تفرضها الدول خلال عشر سنوات على الأكثر من تاريخ بدء إنفاذ اتفاقية الخدمات (6).
1-2 المبادئ الأساسية لاتفاقية تحرير تجارة الخدمات:
إن اتفاقية تحرير تجارة الخدمات تقوم على عدد من المبادئ والقواعد التي يجب أن تراعى عند تطبيقها يمكن إيجازها فيما يلي:
(1) مبدأ الدولة الأولي بالرعاية (Most Favoured Nation):
نصت على هذا المبدأ المادة (2) من القسم الثاني من الاتفاقية ، ويقصد به عدم التمييز بين موردي الخدمات الأجانب من حيث الدخول إلى الأسواق وشروط التشغيل، وبحسب هذا الشرط يلتزم كل عضو أن يمنح الخدمات وموردي الخدمات من أي عضو آخر معاملة لا تقل رعاية عن تلك التي يمنحها لما يماثلها من الخدمات وموردي الخدمات من أي بلد آخر. وبالتالي فان أي ميزة تتصل بتجارة الخدمات تمنح لأي طرف تمتد تلقائياً لتشمل الأطراف الأخرى. وقد استثنت الاتفاقية من هذا الشرط الدولة العضو التى تمنح مزايا خاصة لبعض الدول من خلال اتفاقيات ثنائية شريطة ألا يتجاوز سريانها عشر سنوات ( كما سبق ذكر ذلك) ثم يطبق مبدأ الدولة الأولى بالرعاية على الامتيازات الممنوحة بعد مرور خمس سنوات من قبل مجلس التجارة فى الخدمات(7).
(2) مبدأ الشفافية: (Transparency)(4/6)
تلزم اتفاقية التجارة فى الخدمات كل عضو أن ينشر جميع الإجراءات ذات الصلة وذات التطبيقات العامة التى تتعلق بتنفيذ هذه الاتفاقية أو تؤثر على تنفيذها، وذلك دون إبطاء في موعد لا يتجاوز بدء سريان هذه الاتفاقية ، وينبغي أيضاً نشر جميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتجارة فى الخدمات أو المؤثرة فيها والتي يكون العضو قد وقع عليها ، ويجوز لأي عضو الحق فى إخطار مجلس التجارة فى الخدمات بأي إجراءات يتخذها أي عضو آخر ويعتبرها العضو مؤثراً فى تنفيذ بنود الاتفاقية.
ومن جهة أخرى ليس في هذه الاتفاقية ما يفرض على أي عضو تقديم معلومات سرية يمكن أن يؤدي الإعلان عنها إلى إعاقة تنفيذ القوانين أو إلحاق الأذى بالمصلحة العامة أو إلى الإضرار بالمصالح التجارية لمشروع أو منشآت معينة، عامة كانت أم خاصة(8).
كما تلتزم الدول الأعضاء بإخطار مجلس تجارة الخدمات في منظمة التجارة العالمية سنوياً على الأقل بأية قوانين أو قرارات جديدة أو تعديلات في القوانين السارية، حيث أشارت الاتفاقية إلى أنه يجوز للعضو أن يعدل جداول التزاماته أو سحبها كاملة بعد مضي ثلاثة سنوات من تقديمها، وكل ما عليه أن يبلغ منظمة التجارة العالمية بهذا التعديل قبل سريانه بثلاثة اشهر وعليه تعويض الأعضاء المتضررين.
(3) مبدأ التحرير التدريجي Progressive Liberalization:(4/7)
يعتبر التحرير التدريجي لتجارة الخدمات وسيلة لتشجيع النمو الاقتصادي بين كل الشركاء التجاريين ، حيث تنظم المادة 19 الواردة في الجزء الرابع من الاتفاقية والمعنونة تحت عنوان "التفاوض حول الالتزامات المحددة" عملية الوصول إلى مستويات أعلى من التحرير من خلال جولات متعاقبة من المفاوضات يبدأ أولها بعد خمس سنوات على الأكثر من تاريخ تنفيذ اتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية، وتوجه تلك المفاوضات نحو تخفيض أو إزالة أية أثار معاكسة على تجارة الخدمات تعوق من كفاءة الولوج للأسواق وبما يحقق منافع متوازية لجميع المشاركين في تلك المفاوضات.
(4) مبدأ زيادة مشاركة الدول النامية:
يمكن ملاحظة هذا المبدأ من خلال المادة الثالثة والرابعة من الاتفاقية، حيث تشير إلى ضرورة قيام مختلف الأعضاء بتسهيل زيادة مساهمة أو مشاركة الدولة النامية في التجارة الدولية من خلال التفاوض حول جداول الالتزامات الخاصة بتلك الدول، والتي تتعلق بالأمور التالية:
أ) تعزيز وتقوية قدرات توفير الخدمات المحلية وزيادة كفاءتها وقدرتها التنافسية عن طريق السماح للدول النامية بالحصول على التكنولوجيا وفقاً للأسس التجارية.
ب) تحسين إمكانية وصول الدول النامية إلى قنوات التوزيع وشبكات المعلومات.
ج) تحرير الوصول إلى أسواق التصدير في القطاعات والوسائل التي تهم تلك الدول.
(5) مبدأ عدم السماح بالاحتكارات والممارسات التجارية المقيدة:
تم الاتفاق على هذا المبدأ بهدف إزالة الأساليب الحمائية التي يمكن أن تعوق تحرير تجارة الخدمات، والتي تتمثل في بعض الممارسات غير المشروعة التي قد يتبعها مقدمي الخدمات الوطنيين أو بعض محتكري الأسواق المحلية لنوعيات معينة من الخدمات مما يحد من منافسة الأجانب في تلك الأسواق، أو قد يتم أيضاً بواسطة هولاء المحتكرين عند تقديمهم الخدمات في أسواق خارجية(9).
1-3 أشكال توريد الخدمات:(4/8)
تضمنت الاتفاقية كافة أنواع التجارة في الخدمات، ولقد استقر الرأي فيها على تحديد أربعة أشكال لتوريد الخدمات تتمثل فيما يلي:-
(1) انتقال الخدمة عبر الحدود) (Cross Border Supply : وهو ما لا يستدعي انتقال مقدم الخدمة إلى دولة المستهلك.
(2) التواجد التجاري ((Commercial Presence: ويقصد به تقديم الخدمة من خلال شركة أو فرع في دولة المستهلك.
(3) الاستهلاك في الخارج ((consumption abroad: ويقصد به انتقال طالب الخدمة للخارج لاستهلاكها هناك مثل أنشطة السياحة (10).
(4) انتقال الأشخاص الطبيعيين إلى الخارج لتقديم الخدمة ( (Presence Natural Person : كما يحدث في حالة الخبراء والمستشارين (11).
1-4 أنواع الخدمات المصرفية في إطار اتفاقية الخدمات .
تتمثل الخدمات المصرفية التي تشملها اتفاقية الخدمات في الآتي:-
(1) قبول الودائع والأشكال الأخرى من الأموال الموجبة الرد إلى الجمهور.
(2) الإقراض بكافة أشكاله بما في ذلك قروض المستهلكين وتمويل العمليات التجارية.
(3) خدمات المدفوعات وتحويلات الأموال بما في ذلك الائتمان وكروت الائتمان والإقراض والشيكات السياحية والشيكات المصرفية.
(4) الضمانات والالتزامات.
(5) الاتجار لحساب البنك أو لحساب العملاء في: أدوات سوق المال والشيكات - الكمبيالات - شهادات الودائع والنقد الأجنبي والأوراق المالية.
(6) المشاركة في إصدار الأسهم وتقديم الخدمات المتعلقة بهذا الإصدار.
(7) سمسرة العملات.
(8) إدارة محفظة الأوراق المالية.
(9) الاحتفاظ بالأوراق المالية
(10) خدمات الائتمان.
(11) خدمات الحفظ في الخزائن (12) .
المحور الثاني
جداول التزامات الخدمات المصرفية لبعض الدول الإسلامية(4/9)
تنشئ اتفاقية تحرير تجارة الخدمات نوعين من الالتزامات والارتباطات للدول الأعضاء، ينطوي النوع الأول على التزامات عامة، وهي التي تتضمن أحكام ومبادئ الاتفاقية والضوابط التي تضعها، والتي يتساوى في الالتزام بها كافة الدول الأعضاء بلا استثناء.
أما النوع الثاني فهو عبارة عن التزامات محددة، و الذي يتضمن العروض المقدمة من كل عضو والتي يلتزم بموجبها بتحرير قطاعات خدمية معينة ومحددة من خلالها مدى التحرير ومعايير وأنماط توريد الخدمات فيما بين الدول الأعضاء.
وتتبلور الالتزامات المحددة في جداول التزامات مرفقة ببرتوكول انضمام الدولة العضو، حيث تلتزم الدولة بموجبها بتحرير قطاعات خدمية معينة، ويحدد في هذه الجداول القطاعات التي ستقبل الدولة فتح أسواقها للمنافسة الأجنبية منها، بالإضافة إلى شروط دخول مورد الخدمة الأجنبي إلى السوق الوطنية.
وتشتمل جداول الالتزامات أيضاً على ضوابط المعاملة الوطنية، حيث يمكن منح الموردين الأجانب معاملة مماثلة لمعاملة الوطنيين، مع حفظ حق كل دولة في وضع الشروط والضوابط التي تحقق حماية مصالحها وفقا لقوانينها وتشريعاتها، كما تحتوي الجداول على التزامات إضافية وهي التي لا تخضع للجدولة تحت خانتي النفاذ إلى الأسواق والمعاملة الوطنية.
وتتضمن جداول الالتزامات لأي دولة قسمين، القسم الأفقي Horizontal Section ويحتوي على تعاريف القوانين والتشريعات واللوائح السارية والتي تتعلق بكافة قطاعات الخدمات مثل قانون العمل وقانون الشركات والقانون التجاري وغيرها.
وهناك أيضا القسم الراسي Vertical Section الذي يحدد القطاعات الخدمية التي ترغب الدولة الدخول بها في الاتفاقية والارتباطات المحددة لكل قطاع.(4/10)
ويتم ذكر البنود المحددة لكل قطاع في ملاحق الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات، فمثلاً في قطاع الخدمات المصرفية والمالية ، يتم بيان أنواع الخدمات المصرفية والمالية (عدا التامين) كما تمت الإشارة إليها قبل ذلك)، تحت بند الخدمات المصرفية والمالية الأخرى، ويذكر أمام كل بند القيود التي تضعها الدولة من حيث النفاذ إلى الأسواق والمعاملة الوطنية في الحدود الخاصة بكل منهما، كأن يذكر الحد الأقصى لمساهمة الأجانب من رؤوس الأموال المالية مثلاً(13). وفيما يلي نماذج لالتزامات بعض الدول الإسلامية في الخدمات المصرفية
2-1جمهورية مصر العربية:
تتمثل التزامات جمهورية مصر العربية في مجال الخدمات المصرفية فيما يلي:-
(1) بالنسبة للمصارف الخاصة والمشتركة
- السماح بالملكية الأجنبية بنسبة 100% مع اشتراط موافقة البنك المركزي المصري على الملكية التي تزيد عن 10% دون تمييز.
- إلزام موردي الخدمات المصرفية الأجانب بتوفير التدريب المستمر للموظفين المصرفيين في مصارفهم.
- اشتراط أن يكون المدير العام للبنوك المشتركة من المصريين، وأن تكون لديه خبرة مصرفية داخل جمهورية مصر العربية لا تقل عن عشر سنوات (14).
(2) بالنسبة لفروع المصارف الأجنبية
- الوجود التجاري للفرع التابع لاحد المصارف الأجنبية يتطلب اختبار الحاجة الاقتصادية.
- فروع المصارف الأجنبية القائمة يتوجب عليها الإيفاء بمتطلبات الحدود الدنيا لراس المال وغيرها من التدابير الوقائية.
- يحدد وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية شروط الترخيص بإنشاء فروع البنوك الأجنبية.
ثالثاً: بالنسبة لمكاتب تمثيل المصارف الأجنبية:-
تقتصر أنشطة مكاتب التمثيل على إجراء الدراسات وبحث فرص الاستثمار والعمل كحلقة اتصال مع مراكزها الرئيسية والمساهمة فى حل المشكلات وتذليل الصعوبات التي قد تواجه مراسلي البنوك الأم داخل جمهورية مصر العربية.
2- 2 دولة الكويت:(4/11)
تعتبر دولة الكويت الدولة الوحيدة بين دول مجلس التعاون الخليجي التي لا تساهم فيها مصالح أجنبية في القطاع المصرفي، إذ تعود ملكية المصارف العاملة فيها إلى راس المال الوطني من القطاعين العام والخاص (15).
وتتمثل التزامات الكويت في الآتي:
- عدم الالتزام بتوريد الخدمة عبر الحدود.
- ربط الترخيص لفروع البنوك الأجنبية بموافقة مجلس الوزراء الكويتي.
- تقييد مساهمة راس المال الأجنبي في البنوك المحلية (16).
2-3 جمهورية السودان:
على الرغم من إجراءات انضمام السودان لمنظمة التجارة العالمية لم تكتمل بصورتها النهائية، إلا أنه يمكن النظر إلى اتجاهات الجهاز المصرفي السوداني من خلال الإجراءات والسياسات التي يصدرها بنك السودان وتقوم بتنفيذها المصارف التجارية ، حيث اتخذ بنك السودان جملة من السياسات بهدف تهيئة الجهاز المصرفي السوداني لتحرير الخدمات المصرفية ولقد تمثلت تلك السياسات في الآتي:-
(1) السياسة المصرفية الشاملة 1999 - 2002م (17): حيث هدفت هذه السياسة إلى تأهيل القطاع المصرفي بغرض التغلب على عناصر الضعف ومواجهة التحديات والتطورات العالمية.
(2) سياسة إعادة هيكلة إصلاح الجهاز المصرفي 2000 - 2002 (18): ومن ابرز ملامح هذه السياسة، زيادة الحد الأدنى لراس المال ,وتطبيق سياسات إصلاحية لبنوك القطاع العام والبنوك المتخصصة وقد بدأ تنفيذها تدريجياً اعتباراً من العام 2000م.
(3) توجيه المصارف التجارية نحو تحرير الخدمات المصرفية من خلال السياسات النقدية، وذلك بالسماح لكل مصرف بتحديد تعريفة تقديم الخدمات شريطة أخطار بنك السودان المركزي.
(4) السعي نحو تحرير التمويل المصرفي وذلك باتخاذ ما يلي:-
أ. تخفيض هوامش الأرباح عند منح التمويل بصيغة المرابحة.
ب. تخفيض القسط الأول الذي يفترض علي المصرف التجاري تحصيله بعد تنفيذ المرابحة.
ج. تخفيض مساهمة الشريك عند منح التمويل بصيغة المشاركة لقطاعات محددة.(4/12)
د. التوجيه باستخدام صيغ التمويل الأخرى خلاف المرابحة والمشاركة والسلم.
ه. ترك الخيار للمصارف بتمويل للقطاعات الاقتصادية، لاسيما في السياسة النقدية التي صدرت في عام 1998م وما تلاها.
من الحقائق التي لا يمكن إغفالها فيما يتعلق بهيكل الجهاز المصرفي السوداني ما يلي:
(1) أن فروع المصارف الأجنبية هي التي قامت بتأسيس العمل المصرفي في السودان وذلك بتواجدها لخدمة أهداف المستعمر قبل الاستقلال، وان هذه الفروع ظلت تعمل جنباً إلى جنب مع المصارف الوطنية خلال الفترة 1956-1969، وحتى تاريخ تأميمها في عام 1970م.
(2) لقد تزامن السماح لفروع المصارف الأجنبية بممارسة نشاطها مرة أخرى مع افتتاح بنك فيصل الإسلامي السوداني والمصارف الإسلامية الأخرى، وذلك في إطار سياسة الانفتاح الاقتصادي التي اتبعتها الدولة في عام 1975م، وهذا يعني قدرة المصارف الإسلامية على العمل في بيئة تتواجد فيها المصارف التقليدية الأجنبية .
(3) إن تحول القطاع المصرفي السوداني للعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية لم يقتصر على المصارف الوطنية فحسب بل شمل أيضاً فروع المصارف الأجنبية.
وبالتالي فإن المصارف الإسلامية والمصارف التقليدية المحلية و فروع المصارف الأجنبية في السودان كانت تعمل في بيئة مصرفية واحدة ، وقد يكون هذا دافعاً كبيراً للمصارف الإسلامية على البقاء والمنافسة عند التطبيق الكامل لاتفاقية الخدمات المصرفية .
وثمة نقطة أخرى يجب النظر إليها في التجربة السودانية وهي قدرة المصارف الأجنبية على تقديم خدماتها وفقاً للقوانين المنظمة للعمل المصرفي في السودان ، وهذا الجانب قد يكون في صالح الأخيرة من حيث مشاركتها في تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية مما يشكل ضغوطاً على المصارف الإسلامية .(4/13)
إن صياغة جداول التزامات الخدمات المصرفية في السودان يجب أن تأخذ في الاعتبار في أن هناك بعض الثوابت لا يمكن الرجوع عنها أو التنازل عن أمر تعديلها وتتمثل في الآتي:
(1) الالتزام التام في تقديم الخدمات المصرفية والمالية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية لكل المصارف العاملة في داخل الدولة .
(2) عدم التعامل بأسعار الفائدة أخذاً وعطاءاً في المؤسسات المالية الأخرى التي تعمل في داخل الدولة ، سواء كانت وطنية أو أجنبية.
(3) ضرورة مراجعة الخدمات التي تقدمها كل المصارف العاملة في البلاد للتأكد من خلوها من المعاملات الربوية ، على أن يكون ذلك من اختصاص جهة ذات معرفة وخبرة ودارية بالنواحي الشرعية والمصرفية والفنية، هذا مع احتفاظها بدرجة عالية من الاستقلالية.
المحور الثالث
المصارف الإسلامية : حقائق وأرقام
تعتبر المصارف الإسلامية مؤسسات مصرفية حديثة من حيث النشأة ، إذ لم يتجاوز عمرها أربعة عقود من الزمان ، وقد باشرت تلك المصارف أعمالها في بيئة مصرفية تسيطر عليها الصيرفة التقليدية ، واستطاعت على الرغم من ذلك أن تقدم خدماتها المصرفية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية إلى قطاع عريض من المتعاملين . ولم يقف الأمر عند ذلك بل اتجهت المصارف التقليدية نفسها لتقديم خدمات ا المصارف الإسلامية محلياً وإقليمياً وعالمياً . إن النجاح الذي حققته المصارف الإسلامية كان بفضل جهود القائمين على أمرها ، وبمساعدة الحكومات والسلطات النقدية في تلك الدول ، بمعنى أن هناك درجات من الحماية منحت لها .(4/14)
في ظل اتفاقية تحرير الخدمات المصرفية سوف يتم تقليل الامتيازات الممنوحة للمصارف الإسلامية إذ يتوجب عليها الاستعداد التام للعمل وفقاً لنصوص الاتفاقية ، ويأتي هذا المحور للوقوف على واقع المصارف الإسلامية مقارنة المصارف المحلية والإقليمية والعالمية، حيث يرتكز التحليل على ثلاث مستويات ، الأول يتعلق بقراءة واقع المصارف الإسلامية مقارنة بإجمالي المصارف في كل من الإمارات والكويت ومصر و قطر واليمن(كما هو مبين في الملاحق 7-9) ، أما المستوى الثاني فيشير إلى قراءة واقع المصارف الإسلامية إقليمياً مع بعضها البعض (كما هو مبين في الملاحق 10-12)، بينما يركز المستوى الثالث على مقارنة المصارف الإسلامية محل الدراسة مع بعض المصارف العالمية(كما هو مبين في الملحق 13) ، ويعتمد التحليل في المستويات الثلاثة على استخدام المؤشرات التالية:-
مؤشر حقوق الملكية : وتمثل حقوق الملكية سنداً قوياً للمصارف فى حال تعرضها لخسائر عند ممارستها للأنشطة المصرفية المختلفة.
مؤشر الودائع : تعتبر الودائع عنصراً هاماً تعتمد عليه المصارف فى استقطاب الموارد الخارجية. مؤشر الموجودات: إن حجم نشاط المصرف مرهون بقدرته على توظيف موجوداته لتحقيق أهدافه.
3-1: المستوى الاول:-
(1) المصارف الإماراتية:
يوجد بدولة الإمارات العربية المتحدة مصرفان إسلاميان هما بنك دبي الإسلامي (19) (أول مصرف إسلامي في العالم ) ومصرف أبوظبي الإسلامي (20) ، وتشير بيانات هذين المصرفين إلى الآتي:-
أ- ارتفاع حقوق الملكية لهذين المصرفين من 155مليون دولار في عام 1996الى 617.6مليون دولار في عام 2000 ، وقد بلغت نسبة حقوق الملكية لهذين المصرفين في المتوسط 5.2 % من إجمالي موارد الجهاز المصرفي الإماراتي.(4/15)
ب- ارتفعت ودائع هذين المصرفين من 1753مليون دولار في عام 1996 إلى 3491مليون دولار في عام 2000، وتمثل هذه الودائع في المتوسط 7.6% من إجمالي ودائع المصارف الإماراتية.
ج -ارتفاع موجودات المصرفين من 1935 مليون دولار في عام 1996 إلى 4394مليون دولار في عام 2000 ، وقد بلغت نسبة هذه الموجودات في المتوسط 4.7 % مقارنة بإجمالي موجودات الجهاز المصرفي الإماراتي.
(2) المصارف الكويتية:
يعتبر بيت التمويل الكويتي (21) من أوائل المصارف التي أرست قواعد العمل المصرفي الإسلامي، وتشير البيانات المالية الصادرة خلال الفترة 1996-2000 إلى ما يلي:
أ- ارتفاع حقوق الملكية من 367مليون دولار في عام 1996الى 724مليون دولار في عام 2000 ، وقد بلغت نسبة حقوق الملكية في المتوسط 11.3 % من إجمالي موارد الجهاز المصرفي الكويتي.
ب- ارتفاع الودائع من 3766.7مليون دولار في عام 1996 إلى 5157مليون دولار في عام 2000، وتمثل هذه الودائع في المتوسط 17.9% من إجمالي ودائع المصارف الكويتية.
ج-ارتفعت موجودات بيت التمويل الكويتي من 4750.3 مليون دولار في عام 1996 إلى 6752 مليون دولار في عام 2000 ، وقد بلغت نسبة هذه الموجودات في المتوسط 13.4% مقارنة بإجمالي موجودات الجهاز المصرفي الكويتي.
(3) المصارف المصرية :
تتكون المصارف الإسلامية المصرية التي شملتها الدراسة من المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية (22) وبنك فيصل الإسلامي المصري(23)، حيث تشير المعلومات المتوفرة عن هذين المصرفين لما يلي:-
أ- ارتفاع حقوق الملكية لهذين المصرفين من28.4 مليون دولار في عام 1996الى 90.8 مليون دولار في عام 2000 ، وقد بلغت نسبة حقوق الملكية في المتوسط 0.82 % من إجمالي موارد الجهاز المصرفي المصري ، وهي نسبة ضعيفة جدا.(4/16)
ب- ارتفاع ودائع هذين المصرفين من 429.3مليون دولار في عام 1996 إلى 2005.4مليون دولار في عام 2000، وتمثل هذه الودائع في المتوسط 3.64% من إجمالي ودائع المصارف المصرية وهذا يعني أن ودائعهما تمثل نسبة ضعيفة ودائع الجهاز المصرفي المصري.
ج-ارتفاع موجودات المصرفين من 565.2 مليون دولار في عام 1996 إلى 2408.2 مليون دولار في عام 2000 ، وقد بلغت نسبة هذه الموجودات في المتوسط 2.7 % مقارنة بإجمالي موجودات الجهاز المصرفي المصري.
(4) المصارف القطرية :
يوجد بدولة قطر مصرفان إسلاميان هما مصرف قطر الإسلامي(24) وبنك قطر الدولي الإسلامي للاستثمار(25)، وتشير البيانات الصادرة عن هذين المصرفين إلى الآتي:-
أ- ارتفاع حقوق الملكية لهذين المصرفين من 142.6مليون دولار في عام 1996الى 256.8مليون دولار في عام 2000 ، وقد بلغت نسبة حقوق الملكية في المتوسط 14.7 % من إجمالي موارد الجهاز المصرفي القطري.
ب- ارتفاع ودائع هذين المصرفين من 1636.3مليون دولار في عام 1996 إلى 2592.2 مليون دولار في عام 2000، وتمثل هذه الودائع في المتوسط 34.9% من إجمالي ودائع المصارف القطرية وهذا يعني أن هذين المصرفين يستأثران بثلث ودائع الجهاز المصرفي القطري (وهي اقرب لنسبة ودائع بيت التمويل الكويتي).
ج-ارتفاع موجودات المصرفين من 1927.5 مليون دولار في عام 1996 إلى 3210.1 مليون دولار في عام 2000 ، وقد بلغت نسبة هذه الموجودات في المتوسط 22.1 % مقارنة بإجمالي موجودات الجهاز المصرفي القطري.
(5) المصارف اليمنية :
على الرغم من حداثة تجربة المصارف الإسلامية بالجمهورية اليمنية إلا انه توجد بها ثلاثة مصارف إسلامية ممثلة في البنك الإسلامي اليمني للتمويل والاستثمار(26) وبنك التضامن الإسلامي(27) وبنك سبأ الإسلامي (28)، ويتبين من البيانات الصادرة عن هذه المصارف ما يلي:-(4/17)
أ- ارتفاع حقوق الملكية من 5.3مليون دولار في عام 1996الى 25.5 مليون دولار في عام 2000 ، وقد بلغت في المتوسط 16.5 % من إجمالي موارد الجهاز المصرفي اليمني ،وهي نسبة مرتفعة مقارنة بحداثة تجربتها.
ب- ارتفاع ودائع المصارف اليمنية محل الدراسة من 2.8 مليون دولار في عام 1996 إلى 188.7مليون دولار في عام 2000، وتمثل هذه الودائع في المتوسط 5.9% من إجمالي ودائع الجهاز المصرفي اليمني وهي نسبة لا بأس بها مقارنة بعدد المصارف المرخصة.
ج- ارتفاع الموجودات من 8.4 مليون دولار في عام 1996 إلى 251.3 مليون دولار في عام 2000 ،وقد بلغت نسبة هذه الموجودات في المتوسط 6.7 % مقارنة بإجمالي موجودات الجهاز المصرفي اليمني.
3-2: المستوى الثاني:
استناداً على ما تم تناوله في" المستوى الاول " سوف يركز التحليل الكلي على البيانات المالية الخاصة بالمصارف الإسلامية محل الدراسة باعتبارها قطاعاً مصرفياً واحداً ، وذلك بهدف التعرف على الأهمية النسبية لما يلي:
(1) حقوق الملكية: تركزت حقوق الملكية بدرجة كبيرة في كل من المصارف الكويتية (بيت التمويل الكويتي ) بنسبة 44.6%في المتوسط خلال الفترة 1996-2000م ، تليها المصارف الإماراتية بنسبة 30.7 % ثم المصارف القطرية بنسبة 16.7% ، و أخيراً المصارف المصرية واليمنية.
ويلاحظ أن حقوق الملكية لكل من المصارف الكويتية والإماراتية تمثل اكثر من 75%من المصارف المختارة ( وهي مجموع حقوق الملكية لبيت التمويل الكويتي وبنك دبي الإسلامي ومصرف أبو ظبي الإسلامي).
(2) الودائع : استأثرت المصارف الكويتية بنسبة 42.7% من إجمالي ودائع المصارف الإسلامية محل الدراسة تليها المصارف القطرية بنسبة 21.1% ثم المصارف الإماراتية بنسبة 18.%والمصارف المصرية بنسبة 16.9% ، و أخيراً المصارف اليمنية بنسبة لم تصل إلى الواحد الصحيح.(4/18)
ويلاحظ أن هناك تقارباً في حجم ودائع المصارف القطرية والإماراتية والمصرية ، وانخفاضاً واضحاً لودائع المصارف اليمنية التي يمكن إرجاع انخفاضها لحداثة تجربتها ( تمت مزاولة العمل المصرفي الإسلامي في اليمن اعتباراً من عام 1997.
(3) الموجودات: استحوذت المصارف الكويتية على نسبة 43.3% من موجودات المصارف الإسلامية محل الدراسة ، تلتها المصارف الإماراتية بنسبة 21% ، ثم المصارف القطرية بنسبة 19.6% والمصارف المصرية بنسبة 15.4%، و أخيراً المصارف اليمنية بنسبة 0.7%.
مما سبق يتضح أن المصارف الكويتية تأتى في المرتبة الأولى من حيث حقوق الملكية والودائع والموجودات ، تليها المصارف الإماراتية في المرتبة الثانية ( من حيث حقوق الملكية والموجودات ) ثم المصارف القطرية والمصرية ، و أخيراً المصارف اليمنية.
3-3: المستوى الثالث:
إن المصارف الإسلامية لا تستطيع أن تعمل في معزل عن البيئة المصرفية الدولية، وبالتالي لابد من مقارنتها مع بعض المصارف العالمية (29) و يتضح من الملحق رقم(13) ما يلي:
(1) إن المصارف الأمريكية والأوربية تسيطر على العمل المصرفي العالمي من حيث قيمة الموجودات ورأس المال عند مقارنتها بالمصارف الإسلامية محل الدراسة.
(2) إن المصارف الإسلامية مجتمعة ما زالت متواضعة في أرقامها سواء من حيث قيمة الموجودات أو حقوق الملكية. ويتضاءل مدلول أرقام المصارف الإسلامية وأهميتها عند مقارنتها بأي من المصارف العالمية (أمريكية، أوربية، لاتينية ، عربية)، فنذكر هنا أن موجودات Citigroup قد وصلت إلى 668.64 مليار دولار في عام 1998م كما هو موضح في الملحق رقم (13)، وموجودات مصرف أوربي مثل HSBC Bank وصلت 484 مليار دولار ، وموجودات مصرف Banco do Brazil من أمريكا اللاتينية بلغت 107.16 مليار دولار.(4/19)
وكذلك نجد أن قائمة أكبر مائة مصرف عالمي ، خلت من وجود أي مصرف إسلامي ، ومن هنا يتضح أن المصارف الإسلامية تتسم بصغر الحجم وضعف رأس المال عند مقارنتها بالمصارف العالمية.
ومن هنا نخلص إلى أنه لابد للمصارف الإسلامية من أن تعمل على زيادة رؤوس أموالها وتعظيم موجوداتها واستقطاب المزيد من الودائع والعمل على تقديم خدمات مصرفية تعتمد على أفضل ما توصلت إليه تكنولوجيا المصارف في العالم حتى تستطيع المنافسة ( كما سيتم تناول ذلك تفصيلاً في المحور السادس) في ظل تحرير تجارة الخدمات المصرفية.
المحور الرابع
الخيارات المتاحة للمصارف الإسلامية
وفقاً لاتفاقية تحرير تجارة الخدمات المصرفية
يستعرض هذا الجزء من البحث الخيارات المتاحة أمام الدول الإسلامية للانضمام لاتفاقية تحرير تجارة الخدمات المصرفية و أثره على المصارف الإسلامية ، حيث تتضمن الاتفاقية ثلاثة خيارات ، الخيار الأول "يتمثل في التحرير الكامل لقطاع الخدمات المصرفية والمالية أمام المنافسة الأجنبية، و الخيار الثاني: يتمثل في القيود التي من الممكن أن تتضمنها جداول الالتزامات وفقاً للقوانين واللوائح والسياسات المنظمة للعمل المصرفي والمالي في الدول الإسلامية، أما الخيار الثالث فيشير إلى عدم الالتزام بتحرير قطاع الخدمات المصرفية .
4-1: الخيار الأول:
يشير هذا الخيار إلى عدم فرض أية قيود في جداول الالتزامات التي يتم تقديمها في هذا القطاع ، أو بمعني أدق السماح بالتواجد الأجنبي بكافة أشكاله المبينة في جداول الالتزامات كما ورد في مسودة الاتفاقية، ومن المتوقع في ظل هذا السيناريو أن يكون الأثر على المصارف الإسلامية ما يلي.(4/20)
(1) السماح بقبول الودائع بكافة أشكالها (جارية - لأجل - ادخار)، والتحرير هنا يسمح بالتعامل بأسعار الفائدة للمصارف التقليدية المحلية والأجنبية (بالنسبة للودائع لأجل وودائع الادخار)، أما المصارف الإسلامية فإنها تعمل على توزيع العائد المحقق فعلاً بالنسبة لودائع الاستثمار والذي يعتمد في الأساس على ما هو محقق فعلاً من أرباح.
(2) السماح بالإقراض بكافة أشكاله، ويشير الواقع هنا أيضاً إلى قيام المصارف التقليدية المحلية و الأجنبية بالتعامل بأسعار الفائدة الدائنة والمدينة، وبالتالي فان عمليات الائتمان والتسليف تقوم على اخذ فوائد محددة بالأجل ، أما المصارف الإسلامية فإنها تتعامل وفقاً لصيغ التمويل الإسلامي التي تمت إجازتها من قبل هيئات الرقابة الشرعية ، وعائد التمويل في كثير من الأحيان يقوم على قاعدة الغنم بالغرم ،وهو يمثل الأساس الذي قامت عليه المصارف الإسلامية .
(3) أما الخدمات الأخرى التي تقوم بها المصارف والتي جاء تفصيلها في جداول الالتزامات، كخدمات المدفوعات وتحويلات الأموال، والضمانات والالتزامات والاتجار لحساب البنك أو العملاء وغير ذلك، فلا يوجد اختلاف أو تعارض في تقديمها إذا لم تقم على مخالفة شرعية.
إن اثر التحرير الكامل على المصارف الإسلامية يتمثل في زيادة حدة المنافسة بينها وبين المصارف التقليدية المحلية والأجنبية ، وقد يؤدي ذلك إلى تحسين المناخ الذي تعمل فيه المصارف الإسلامية.
هذا وتشير بعض الآراء في الدول الإسلامية إلى أن تحرير الخدمات المصرفية تم بالفعل في السوق المصرفية، حيث سمح للبنوك الأجنبية وأعطى لها الحق في فتح فروع لها في تلك الدول وأتيحت لها حرية التعامل بالعملة المحلية بجانب النقد الأجنبي.(4/21)
إن أحد أهم الإفرازات الإيجابية لهذا الخيار يتمثل في سعي المصارف الأجنبية على تقديم خدمات مصرفية إسلامية بهدف استقطاب عملاء المصارف الإسلامية (كما هو شأن المصارف التي عملت على فتح نوافذ للمعاملات الإسلامية)، كما إن التحرير الفوري للخدمات المصرفية يزيد من درجات المنافسة محلياً وتبقى قدرة المصارف الإسلامية على المنافسة في تخفيض التكاليف وتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية بصورة أفضل، هذا بالإضافة إلى ضرورة قيامها بتطوير الأنشطة المصاحبة التي تتطلب استخدام الأساليب المتطورة من تقنيات وخلافه.
وإذا نظرنا إلى هذا التحرير من زاوية أخرى فقد يكون مؤداه انتقال المصارف الإسلامية بتقديم خدماتها المصرفية الإسلامية إلى الدول الأعضاء في منظمة التجارة مما يؤدي إلى اتساع نشاط المصارف الإسلامية ويساعدها على تحقيق أهدافها ، إلا أن الواقع يشير إلى ضعف التمثيل الخارجي للمصارف الإسلامية ، مما يقلل من الاستفادة المتبادلة من تحرير التجارة في الخدمات خارجياً.
4-2 الخيار الثاني:
يستند هذا الخيار على تقييد بعض الخدمات المصرفية من خلال القوانين واللوائح والسياسات والقرارات السارية في هذا القطاع، والتي تصدر من السلطات التشريعية و النقدية وما يرتبط بها من توجيهات ذات صلة بالقطاع المصرفي والمالي للدول الإسلامية. إلا أن هذه القيود سوف تكون لفترة مؤقتة يتم بعدها التحرير الكامل للخدمات المصرفية ، وإزاء ذلك سوف تنعم المصارف الإسلامية بفترة حماية مؤقتة (ولبعض الأنشطة المصرفية) بما يمكنها من تقوية نفسها مؤسسياً وتنظيمياً وتقنياً بهدف الاستعداد للمنافسة الخارجية بكافة أشكالها.
4-3 الخيار الثالث:(4/22)
وفقاً لهذا الخيار لا تتعهد الدولة بفتح قطاع الخدمات المصرفية أمام المنافسة الأجنبية في الوقت الآني مستفيدة من فترة السماح التي تتيحها الاتفاقية للدول النامية ( ومنها الدول الإسلامية )، وتأسيساً على ذلك فان المصارف التقليدية والإسلامية تتوفر لها الحماية لفترة زمنية قادمة.
قد يكون هذا الخيار في صالح المصارف الإسلامية على اعتبار أنها مؤسسات حديثة مقارنة بمثيلاتها التقليدية، إلا انه يجب على الدول التى تأخذ بهذا الخيار الاستفادة من هذه الحماية بتنظيم وترتيب أوضاعها داخلياً وخارجياً بما يجعلها مؤهلة تماماً للمنافسة في الوقت المحدد.
كما أن لهذا الخيار آثار سالبة ، وذلك في حالة عدم تهيئة المصارف الإسلامية واستعدادها للصمود أمام المنافسة الأجنبية، نتيجة لعدم الاهتمام أو عدم القدرة على المواكبة، وبالتالي قد تواجه المصارف الإسلامية منافسة حادة نظراً للتطورات التقنية والتكنولوجية التي تطبقها المصارف التقليدية الأجنبية خلال فترة الحماية الممنوحة، مما يؤدي في النهاية إلى زوال وضعف المصارف الإسلامية غير القادرة على المنافسة في السوق المصرفية العالمية.
ويرى الباحث أن الأخذ بخيار التحرير التدريجي يعتبر الأنسب للدول والمصارف الإسلامية، بحيث يمكن تحرير بعض الخدمات المصرفية التى تمتلك المصارف الإسلامية فيها ميزة مطلقة أو نسبية في الوقت الحاضر، على أن يكون هناك تدرج في تحرير الخدمات الأخرى التي مازالت المصارف الإسلامية تحتاج فيها إلى بذل المزيد من الجهد مستقبلاً.
المحور الخامس
التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية
في ظل اتفاقية تحرير تجارة الخدمات المصرفية
هناك العديد من التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية في ظل اتفاقية تحرير تجارة الخدمات المصرفية، لعل من أهمها ما يلي :-
5-1 المنافسة :(4/23)
إن تحرير القطاع المالي والمصرفي ، يعني إزالة التنظيمات والإجراءات التي تحد من المنافسة والتي تمنع قوى العرض والطلب في السوق من تحديد أسعار وكميات الخدمات المالية.كما أن عولمة التجارة في الخدمات المالية ، تهدف إلى إزالة التمييز في المعاملة بين الموردين للخدمات الأجانب والمحليين. ، وتجدر الإشارة إلى أن العولمة والتحرير مرتبطان و ليس بالضرورة متلازمان، فيمكن لدولة أن تحرر نظمها المالية وأن تحتفظ في الوقت نفسه بأسواقها المالية مغلقة أمام المنافسة الأجنبية كما هو الحال في اليابان، وقد تكون الأسواق المالية منفتحة أمام المنافسة الخارجية ولكنها تخضع لدرجة عالية من التنظيم مثل الأسواق المالية في الولايات المتحدة.
إن تحرير الخدمات المالية يتطلب توافر عدد من الشروط من بينها ما يلي :-
(1) …إزالة التحكم في سعر الفائدة في المصارف التقليدية ( ويمكن النظر إلى هذا الجانب من وجهة نظر المصارف الإسلامية من خلال تحرير هوامش التمويل المصرفي ).
(2) …خصخصة المنشآت المملوكة للقطاع العام( وتجدر الإشارة إلى أن بعض المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية تساهم فيها حكومات الدول).
(3) …تخفيض الاتجاه الإداري للإقراض بواسطة الحكومة.
(4) إعطاء حق الدخول لموردين جدد في قطاع الخدمات المالية .
(5) استقرار البيئة الاقتصادية الكلية وذلك لجني الفوائد المرجوة من التحرير (30).
إن فتح الأسواق المصرفية والمالية الإسلامية أمام المصارف والمؤسسات المالية غير الإسلامية قد ينتج عنها تغيرات جذرية في الصناعة المصرفية الإسلامية، فلابد من الإدراك أيضاً بان فتح الأبواب أمام تلك المؤسسات سوف يسمح أيضاً للمصارف الإسلامية للمنافسة بدون قيود في الأسواق العالمية.(4/24)
إن المصارف التقليدية (لاسيما الأجنبية) لها ميزة كبيرة على المصارف الإسلامية من حيث الحجم والخبرة وتغطية الأسواق مما يعرض ذلك المصارف الإسلامية لمنافسة شديدة. لذلك فإن بقاء المصارف الإسلامية في ظل اتفاقية الخدمات المصرفية مرهون بقدرتها على زيادة كفاءتها وتحسين أدائها (31).
إن بقاء المصارف الإسلامية في الساحة العملية، ضمن إطار المنافسة الحرة يتطلب دوراً متكاملاً يقوم به مؤيدي المصارف الإسلامية و الحكومات والمصارف المركزية في الوقت الآني، بهدف التهيؤ للمنافسة في صورتها النهائية .
5-2التشريع والرقابة و إدارة المخاطر:
إن المصارف الإسلامية تواجه تحديات مرتبطة بمجالات التشريع والرقابة، وأساليب الإدارة، و إدارة المخاطر في ظل اتفاقية تجارة الخدمات المصرفية ، ولا يمكن مواجهة تلك التحديات بدون بذل مجهود مركز من قبل المؤسسات المالية الإسلامية ، وذلك من خلال التعاون مع السلطات المشرفة على التنظيم والرقابة على المستويين الوطني والإقليمي، ودون إغفال لدور جهات التشريع والتنظيم الدولية.
ومما يجدر ذكره أن المصارف الإسلامية تواجه نفس المخاطر التي تواجهها المصارف التقليدية مثل الصدمات الخارجية و سوء الإدارة، وما يترتب على ذلك من تأثير على الملاءة والربحية . كما أنها تواجه أيضاً مخاطر استثمارية ، حيث أن المشاريع هي أهم مصدر للعوائد بالنسبة للمودعين والمستثمرين ، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة التأكد من أن المصارف الإسلامية تملك الخبرة والمقدرة الكافية في مجالات اختيار المشاريع وتقييمها ومتابعتها ومراجعتها ، وفي كل هذا تأكيد على أهمية الدور الذي يجب أن تقوم به الجهات الرقابية.
5-3 القصور في تطوير المنتجات المصرفية الإسلامية :(4/25)
بالرغم من أن سوق الصيرفة الإسلامية قد شهد قفزات نوعية فيما يتعلق بتطوير المنتجات المصرفية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية مقارنة بالبدايات الأولى للصيرفة الإسلامية، إلا أن المنتجات المصرفية الإسلامية كماً ونوعاً لا تزال في بداية الطريق.
إن الصيرفة الإسلامية تتبع للصيرفة التقليدية من حيث أن كثير من المنتجات الإسلامية، ما هي إلا منتجات تقليدية معدلة لتتوافق مع الضوابط الشرعية. وما لم تصل الصيرفة الإسلامية إلى مرحلة الإبداع والتحديث عن طريق منتجات تحمل طابع الابتكار والاستقلالية عن المنتجات التقليدية القائمة فإنها ستظل قاصرة وغير قادرة على المنافسة، وهذا الأمر يتطلب اتخاذ خطوات إيجابية في هذا الاتجاه مثل:-
(أ ) وجود مراكز بحث متخصصة وتوفير الدعم المادي والبشري لها، لإجراء بعض الدراسات والبحوث التطبيقية، وتطوير منتجات مصرفية إسلامية منافسة للمنتجات التقليدية القائمة في السوق.
(ب ) عدم اقتصار دور الهيئات الشرعية في المصارف الإسلامية على الرقابة، و إنما يرى كثيرون فيها أملاً في أن تقود عمليات الإبداع والتطوير في المنتجات والآليات المصرفية لدى المصارف الإسلامية.
(ت ) إيجاد بعض الآليات التي تحقق نوعاً من التضافر والمساندة بين المصارف الإسلامية للارتقاء نوعياً بمستوى الصيرفة الإسلامية، وبما يحقق حفظ حقوق كل الأطراف داخل إطار أحكام الشريعة الإسلامية (32).(4/26)
نخلص من ذلك إلى أن اعتماد المصارف الإسلامية على تقديم خدمات مصرفية وفق أحكام الشريعة الإسلامية فقط ، قد لا يجدي في ظل تحرير المنافسة، لاسيما إذا قامت المصارف التقليدية الأجنبية بتقديم نفس الخدمات متبعة ذات السمات والخصائص للمصارف الإسلامية ومتفوقة عليها بتخفيض التكاليف والجودة والدقة واختصار الفترة الزمنية. وعندئذ يصبح الدفاع عن المصارف الإسلامية مجرد أماني إذا لم تستطع أن تطور نفسها وأن تواجه كل التحديات وأن تواكبها في ظل المتغيرات العالمية التي أصبحت تتسم بالتجدد والتعدد والاستمرار.
المحور السادس
محددات الاستراتيجية المستقبلية للمصارف الإسلامية
من المتوقع أن تواجه المؤسسات المالية الإسلامية ومنها المصارف صعوبات وخسائر جمة تتجسد في تراجع الحصة السوقية لها والضغط على مستويات ربحيتها نظراً لتواضع قدرات وإمكانات بعضها بالمقارنة مع المؤسسات المالية التقليدية التي تتمتع بميزة نسبية كبيرة لا سيما في جانب الخدمات المصرفية (33). ولكي تتمكن المصارف الإسلامية من الاستفادة من الجوانب الإيجابية لاتفاقيات تحرير تجارة الخدمات المصرفية ، يتوجب عليها أن تخطط لذلك بتحديد ملامح استراتيجيتها والتي تتمثل في الآتي:-
6-1 تقديم الخدمات المصرفية الشاملة :(4/27)
إن المصرف الشامل هو ذلك المصرف الذي يقدم خدمات مصرفية ومالية واستثمارية متكاملة على المستوي العالمي. أما المصرف الضخم فهو مؤسسة مالية عالمية تمتلك على الأقل 150 مليار دولار من الموجودات الدولية ، كما تمتلك عادة راس مال من المرتبة الأولى (Tier one capital) لا يقل عن 12 مليار دولار. إن هدف تكوين المصارف الضخمة هي الاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير وترشيد نفقات المصارف والتمكن من المنافسة في عدة جبهات بالإضافة إلى التحكم بفرض الشروط والقيود. وعلى الرغم من عدم امتلاك المصارف الإسلامية لهذا الحجم من راس المال والموجودات إلا أنها تعتبر مصارف شاملة وفقاً لوظائفها وأهدافها، وبالتالي يمكن لها أن تلعب دوراً أكبر مستقبلاً في إطار الاتفاقية .
6-2 مواكبة التطور التكنولوجي:
إن السعي لمواكبة التطور التكنولوجي يجب أن يكون هدفاً أساسياً للمصارف الإسلامية بغرض تهيئتها للمنافسة محلياً وخارجياً ، وذلك شريطة أن يتم ذلك وفقاً لاستراتيجية مدروسة ورؤية واضحة وتقنيات مناسبة للواقع الاقتصادي للمصارف الإسلامية، ومن الركائز التي يجب أن تستند عليها تلك الاستراتيجية في هذا الصدد ما يلي:-
أولاً: زيادة الاستثمار في مجال التكنولوجيا بما يمكن من إحداث طفرة فعلية في استخدامات المصارف الإسلامية للتقنيات الحديثة.
ثانياً: التركيز على تقديم الخدمات المصرفية الإلكترونية التي تجد فيها المصارف الإسلامية ميزة تنافسية مثل الخدمات المصرفية الإسلامية.
ثالثاً: إعداد وتدريب وتنمية مهارات الكوادر البشرية في التعامل الكفء مع الآليات الحديثة بما يؤدي إلى زيادة آفاق النمو والربحية للمصارف الإسلامية.
6-3 الإيفاء بالمتطلبات و المعايير المصرفية الدولية
ويتمثل ذلك في حسن الالتزام بالقواعد المالية والرقابية والاهتمام بالمركز المالي للمصرف الإسلامي وحسن إدارته بما يكفل سلامة مركزه المالي ويفقد المشككين أي ذريعة لتصفيته.(4/28)
وفي مجال وضع التنظيم وتطوير المعايير، فإنه ليس من الممكن تجاهل المبادئ والمعايير الدولية كالتي توصي بها لجنة بازل ويجري تطبيقها بالنسبة لصناعة الخدمات المالية التقليدية، فلابد من دراستها والنظر في تطبيقها والتعامل مع القضايا والمخاطر التي تواجه المصارف الإسلامية ودون ما إغفال للمتطلبات الأساسية لهذه المؤسسات (34).
ولاشك في أن إيجاد سوق أصيل للاقتراض بين المصارف الإسلامية سوف يكون خطوة مهمة نحو تمكينها من المحافظة على القدر المناسب من السيولة دون الاضطرار للاحتفاظ بحجم كبير من الأصول القصيرة الأجل ، وذلك من خلال الإيفاء بالإجراءات والمعايير التي تصدرها المؤسسات الدولية ذات الاختصاص.
6-4 العمل على تقديم جداول التزامات مصرفية إسلامية:
يمكن للمصارف المركزية في الدول الإسلامية أن تتبنى آراء موحدة بشأن المصارف الإسلامية ،وذلك من خلال حكوماتها ،كما يمكن للمؤسسات المالية الإسلامية الدولية التي تلقى قبولاً واسعاً واعترافاً من قبل المؤسسات العالمية ( كبنك التنمية الإسلامي -جدة، وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية بالبحرين ومجلس الخدمات المالية والمجلس العام للبنوك الإسلامية ) أن تلعب دوراً هاماً في توفير حد أدنى من الحماية للمصارف الإسلامية من خلال فهمها العميق للالتزامات المبينة في الاتفاقية وضرورة إسداء النصح للدول الإسلامية التي تتفاوض للانضمام في الفترة الحالية، وتلك التي تم قبولها كأعضاء مراقبين والدول الأخرى التي تسعى للانضمام.
6-5 توثيق العلاقات مع المصارف الأجنبية المراسلة ذات الفروع والنوافذ الإسلامية:
يمكن توثيق تلك العلاقات من خلال الخدمات المتبادلة بين المصارف الإسلامية والمصارف الأجنبية المراسلة والتي تحتفظ بفروع ونوافذ تهدف إلى تقديم خدمات مصرفية إسلامية.(4/29)
بحيث يكون الهدف الأكبر للمصارف الإسلامية هو التوسع في نشر التعامل المصرفي الإسلامي من خلال تلك المصارف التقليدية، مما يمكن من زيادة حجم المعاملات الإسلامية على المستوى العالمي، ويعزز من قدرة المصارف الإسلامية في التأثير على القوة التفاوضية للدول التي تنتمي إليها هذه المصارف، وبالتالي تتسع دائرة المؤسسات المالية (إذ تشمل القائمة دولاً إسلامية و أخرى غير إسلامية) التي تنادي بمنح الخصوصية للمصارف الإسلامية في جداول الالتزامات المتعلقة بالخدمات المصرفية والمالية ، حتى يتم أخذه في الاعتبار من خلال الجولات التفاوضية والاجتماعات القادمة لاتفاق الخدمات المالية.
6-6 الاندماج والتكامل بين المصارف الإسلامية:
أضافت اتفاقية تحرير الخدمات المالية بعداً جديداً لضرورة الاندماج، وذلك لما تفرضه من فتح أسواق الخدمات المالية (البنوك - شركات التأمين - أعمال البورصات والمؤسسات العاملة في مجال الأوراق المالية) في الدول الموقعة على هذه الاتفاقية، والتي تمتلك نحو 95% من سوق الخدمات المالية على مستوى العالم ، وبالتالي تدويل الخدمات المصرفية والمالية وتوسيع نطاقها عبر الحدود عن طريق الشركات التابعة في الخارج أو عن طريق فروع المؤسسات المالية القائمة في الدولة الأم (35).
غير أن الزيادة في حجم المنشأة لها سلبياتها التي ينبغي وضعها في الحسبان والمتمثلة في الصعوبات الإدارية للحجم الكبير والمتابعة والمراجعة والمحاسبة والتواكل بين الإدارات، إذ انه قد ينتج عنها إضعاف موقفها ، وبالتالي لابد من ضرورة تبني رؤية متكاملة من الإصلاحات الضرورية في هيكل ومهام المصارف الإسلامية في ظل الاندماج (36) .(4/30)
وتهدف هذه الرؤية المتكاملة إلى زيادة القدرة التنافسية للمصارف الإسلامية، من خلال خفض متوسط تكلفة الوحدة المنتجة وتحقيق وفورات داخلية ناتجة عن تقليص الأجهزة الإدارية وتعزيز القدرة على الاستثمار في الموارد البشرية وتنمية مهاراتها وخبراتها من خلال التدريب المخصص (37).
ويمكن النظر إلى فوائد التكامل المصرفي الإسلامي من خلال تحقيق الاكتفاء الذاتي من الموارد المالية الإسلامية في تحقيق التنمية الاقتصادية في العالم الإسلامي ، و إحلال التبادل التجاري بين الدول التي تحقق بينها التكامل محل التبادل التجاري الخارجي مع الدول الأخرى إلى حد ما(38).
إن محددات استراتيجية المصارف الإسلامية يجب أن تأخذ في الاعتبار كل المتغيرات عالمية كانت أم محلية، حتى تتمكن تلك المصارف الإسلامية من البقاء والتعامل في السوق المصرفية الدولية في ظل اتفاقية تجارة الخدمات المصرفية.
( ( (
النتائج والتوصيات
أولاً : النتائج :
توصل البحث إلى النتائج التالية :-
(1) تباين جداول التزامات الخدمات المصرفية للدول الإسلامية التي انضمت لمنظمة التجارة العالمية
(2) ضعف المؤشرات المالية لبعض المصارف الإسلامية عند مقارنتها بمؤشرات الجهاز المصرفي للدول الإسلامية محل الدراسة.
(3) تواضع أرقام المصارف الإسلامية عند مقارنتها بالمصارف العالمية .
(4) تباين الخيارات المتاحة في اتفاقية تجارة الخدمات المصرفية للدول التي لم تكمل عضويتها في منظمة التجارة العالمية .
(5) إن المصارف الإسلامية تواجه تحديات المنافسة والتشريع والرقابة و إدارة المخاطر ، بالإضافة للقصور في تطوير المنتجات المصرفية الإسلامية .
ثانياً :التوصيات :
تمخضت هذه الدراسة عن عدد من التوصيات المتعلقة بالدول الإسلامية وتلك التي تختص بالمصارف المركزية والمصارف الإسلامية، نوردها بإيجاز في الفقرات التالية:-
(أ): توصيات خاصة بالدول الإسلامية:(4/31)
(1) …تقليل و إزالة الحواجز المفروضة من قبل بعض الحكومات على المصارف الإسلامية، حتى تكتسب المصارف الإسلامية أولوية توفير خدماتها للعملاء عبر الأقطار الإسلامية.
(2) العمل على الأخذ بخيار التحرير التدريجي للخدمات المصرفية لتوافق ذلك مع الحالة الراهنة للمصارف الإسلامية ، والعمل على تحرير بعض بنود الاتفاقية التي تكتسب المصارف الإسلامية فيها ميزة نسبية.
(3) توحيد الجهود المبذولة بين الدول الإسلامية من اجل الخروج بمكاسب جديدة من خلال الجولات التفاوضية وجلسات الانعقاد المستقبلية لمنظمة التجارة العالمية.
(4) ضرورة إدراج الخدمات التي تقدمها المصارف الإسلامية ضمن جداول الالتزامات الخاصة بالخدمات المصرفية للدول الإسلامية لا سيما للدول التي تطبق النظام المصرفي المزدوج.
(5) السعي بقوة إلى إقامة سوق مصرفية ومالية وإسلامية مشتركة ، بهدف زيادة القدرات التنافسية لكل المصارف الإسلامية.
(ب) :توصيات خاصة بالمصارف المركزية للدول الإسلامية :
(1) العمل على حماية المصارف الإسلامية من خلال اللوائح والسياسات التي تصدرها المصارف المركزية في الدول الإسلامية ، بما يمكنها من أداء دورها على اكمل وجه بغية الاستعداد للمنافسة العالمية، من خلال الاستثناءات التي تمنحها منظمة التجارة العالمية للدول النامية .
(2) توفير آليات لإسعاف المصارف الإسلامية عندما تواجه إشكاليات نقص السيولة في الحالات التي تقتضي ذلك، كما هو الشأن بالنسبة للمصارف التقليدية (المقرض الأخير).
(3) زيادة الاهتمام بمعايير سلامة الأوضاع المالية للمصارف الإسلامية ، والتعاون فيما بين المصارف المركزية وإدارات المصارف الإسلامية، لرفع شأن وتطوير أدوات الرقابة على المصارف الإسلامية.
(ج) توصيات خاصة بالمصارف الإسلامية:
(1) الاستفادة من نصوص اتفاقية الخدمات المصرفية من خلال :-(4/32)
أ- …التواجد التجاري (Commercial Presence) بتوسيع دائرة نشاط المصارف الإسلامية عالمياً، من خلال فتح الفروع ومكاتب التمثيل والاستشارات خارجياً.
ب- مبدأ الدولة الأولى بالرعاية والمعاملة بالمثل، وذلك بالحصول على تسهيلات مماثلة من الدول الأعضاء في اتفاقية تحرير تجارة الخدمات ، من خلال زيادة فرص نفاذ خدمات المصارف الإسلامية إلى الأسواق في الدول الأخرى.
(2) …التوصل إلى تحالف استراتيجي فيما بين المصارف الإسلامية مع بعضها البعض، بغرض تعبئة المدخرات الإسلامية من خلال فتح شبكة من الفروع داخل حدود الدول الإسلامية.
(3) …ضرورة دمج المصارف الإسلامية ذات الإمكانات الضعيفة مع بعضها البعض ، لإيجاد وحدات مصرفية ومالية إسلامية عملاقة، ذات ملاءة حتى يتسنى لها القدرة والاستعداد للعمل في سوق مصرفية تسودها روح المنافسة الكاملة .
(4) …توثيق التعاون مع المؤسسات المصرفية التقليدية ذات الفروع والنوافذ الإسلامية بهدف نشر العمل المصرفي الإسلامي.
(5) …تفعيل دور القطاع الخاص بدرجة اكبر من السابق في عملية تطوير المؤسسات المالية الإسلامية ودعمها مادياً ومعنوياً.
(6) …ضرورة مواكبة التطورات والتحولات التي تشهدها الساحة العالمية في المجالات الاقتصادية المختلفة لاسيما في المجالات التي لا تتعارض مع أهداف المصارف الإسلامية ، والعمل على تطوير المنتجات المصرفية الإسلامية نفسها.
(7) …ضرورة تحول المصارف الإسلامية عملياً وليس نظرياً إلي الصيرفة الشاملة من خلال تقديم الخدمات المتنوعة والمتطورة بشكل أكثر تنوعاً وأقل تكلفة وأعلى جودة وأحسن شروطاً مما يعطي مردوداً أعلى للمصارف الإسلامية.
(8) التحفظ على تعامل المصارف الإسلامية مع بعض الأنشطة المصرفية الحديثة والتي لم تدرجها كثير من الدول في جداول الالتزامات الخاصة بها، مثل التعامل في المشتقات المالية وعقود الخيار وغيرها.
قائمة المراجع(4/33)
(1) فؤاد عبد الله العمر، استشراف تأثير الجات وملحقاتها علي مستقبل الصناعة المصرفية الإسلامية، دراسات اقتصادية إسلامية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية-جدة، المجلد السادس، العدد الأول، رجب 1419هـ (1998م)، ص47-66.
(2) سامي حسن حمود، المرجع السابق، ص 67 - 93.
(3) Munawar Iqbal and Others, Challenges Facing Islamic Banking, Islamic Development Bank, First Edition 1419H (1998) p.9-81..
(4) عبد الفتاح محمد فرح، رؤية استراتيجية لعمل البنوك الإسلامية في ظل العولمة، آفاق اقتصادية، مجلة فصلية ومحكمة، اتحاد غرف التجارة والصناعة، الإمارات العربية المتحدة، مركز البحوث والتوثيق، المجلد 21، العدد 83، 1999م ، ص 27 - 78.
(5) إبراهيم العيسوي، الغات وأخواتها النظام الجديد للتجارة العالمية ومستقبل التنمية العربية، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1997م، ص73.
(6) عبد المطلب عبد الحميد ، العولمة واقتصاديات البنوك ، الإسكندرية ، الدار الجامعية للنشر ،2001م، ص 109.
(7) عبد الواحد العفوري، العولمة والجات، التحديات والفرص، القاهرة ، مكتبة مدبولي، 2000م ص85.
(8) سمير محمد عبد العزيز، التجارة العالمية بين جات 94 ومنظمة التجارة العالمية، الإسكندرية، مطبعة الإشعاع، 2001م، ص321.
(9) عبد المطلب عبد الحميد ، مرجع سابق ، ص115-116 .
(10) Business Guide to the Uruguay Round International Trade Centre UNCTAD, WTO, 1995, p270.
(11) محمد حافظ عبده الرضوان، احمد جامع، العلاقات الاقتصادية الدولية، القاهرة، دار النهضة العربية، 1999م، ص 412-416.
(12) World Trade Organization, Gats / 49/ Supple. 2, 26 February 1998, p. 389 - 394.
(13) World Trade Organization, Gats, 1997.
(14) World Trade Organization, Gats / Sc/30/ Supple. 2* 26 February 1998. p 258 - 268.(4/34)
)15) مجلة اتحاد المصارف العربية، إعداد مديرية البحوث والمجلة، مصارف الخليج مع إطلالة القرن أل 21 التحول الواعي والتكييف الهادي، يناير 2000م، المجلد العشرون ،العدد 229، ص 41 - 43.
(16) World Trade Organization, Gats / 49/ Supple. 2, 26 February 1998, p. 389 - 394.
(17) بنك السودان، السياسة المصرفية الشاملة ، 1999-2002 .
(18) بنك السودان، منشور سياسة الإصلاح و إعادة الهيكلة ، مايو 2002.
(19) اتحاد المصارف العربية، دليل المصارف والمؤسسات المالية ،بيروت ، 2002 بنك دبي الإسلامي ، المؤشرات المالية ،ص83.
(20) المرجع السابق، مصرف ابوظبي الإسلامي ، المؤشرات المالية ،ص92.
(21) المرجع السابق، بيت التمويل الكويتي ، المؤشرات المالية ،ص331.
(22) المرجع السابق، المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية ، المؤشرات المالية ،
ص442.
(23) المرجع السابق، بنك فبصل الإسلامي المصري ، المؤشرات المالية ، ص481.
(24) المرجع السابق، بنك قطر الدولي الإسلامي ، ص305.
(25) المرجع السابق، مصرف قطر الإسلامي ، المؤشرات المالية ،ص312.
(26) المرجع السابق، البنك الإسلامي اليمني للتمويل والاستثمار ، المؤشرات المالية ،
ص517.
(27) المرجع السابق، بنك التضامن الإسلامي اليمني ، المؤشرات المالية ،ص528.
(28) المرجع السابق، بنك سبأ الإسلامي ، المؤشرات المالية ، ص534.
(29) The Banker, July 1999, Vol.,. 149, No,881-882 -883-886, p131, 34,57, 71.
(30) المصارف العربية والنجاح في عالم متغير , بيروت ,اتحاد المصارف العربية , 2002, ص 399.
(31) منور إقبال و آخرون , التحديات التي تواجه العمل المصرفي الإسلامي , المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب , البنك الإسلامي للتنمية -جده, 1998, ص 70-71.(4/35)
(32) محمد سعيد الغامدي , تقويم أداء العمل المصرفي الإسلامي في ظل التعايش وتوجهات تكامله, أسلمة بعض الفروع المصرفية في بنك الجزيرة , الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية , الملتقى السنوي الإسلامي الخامس ، نحو نظام مصرفي إسلامي متكامل , عمان ، المملكة الأردنية الهاشمية ,12-14/10/2002, ص 9-11.
(33) محمد عبد الله الملا , التجاوب والتفاعل مع متطلبات التغيير يمثلان عصب الحياة الاقتصادية المعاصرة , المصارف العربية والنجاح في عالم متغير ,2002، 393-394.
(34) منور إقبال و آخرون ,مرجع سابق , ص 71.
(35) حافظ كامل الغندور ,عمليات الدمج والتملك من منظور مصري , القطاع المالي العربي في مواجهة عصر الاندماج والتملك (تجارب وخبرات), اتحاد المصارف العربية , 200, ص293-294.
(36) صالح جميل ملائكة , تكامل النظام المصرفي الإسلامي و آثاره التنموية على المستويين الوطني والإقليمي، الملتقى الإسلامي الخامس، مرجع سابق، ص11.
(37) المرجع السابق ،ص10.
(38) احمد العبادي , تكامل النظام المصرفي الإسلامي و آثاره الإيجابية على العالم الإسلامي , المرجع السابق , ص3-4.
الملاحق
ملحق (1)
حقوق الملكية للمصارف الإسلامية في بعض الدول الإسلامية (مليون دولار)
2000
1999
1998
1997
1996
البيان
256.8
233.9
198.8
164.6
142.7
قطر
724
640.7
563.3
428.3
367
الكويت
90.8
108.2
107.5
78.3
28.4
مصر
25.5
19.1
17.8
16.5
5.3
اليمن
617.6
591.5
573.7
157
155
الإمارات
1714.7
1593.4
1461.1
844.7
698.4
المجموع
ملحق (2)
ودائع المصارف الإسلامية في بعض الدول الإسلامية (مليون دولار)
2000
1999
1998
1997
1996
البيان
2592.2
2426
2221.7
1860.2
1636.3
قطر
5157
4449.7
4206
3949
3766.7
الكويت
2005.4
2400
2118.5
1892.5
429.3
مصر
188.7
116.2
40.5
34.8
2.8
اليمن
3491
429.9
1903.9
2096
1753
الإمارات
13434.3
9821.8
10490.6
9832.5
7588.1
المجموع(4/36)
ملحق (3)
موجودات المصارف الإسلامية في بعض الدول الإسلامية ( مليون دولار )
2000
1999
1998
1997
1996
البيان
3210.1
2931.2
2671.4
2256.9
1927.5
قطر
6752
5898.3
5564.3
5269.3
4750.3
الكويت
2408.2
2829
2516.3
2267.5
565.2
مصر
251.3
163
75
52.8
8.4
اليمن
4394
3271.9
2518.2
2082
1935
الإمارات
17015.6
15093.4
13345.2
11928.5
9186.4
المجموع
ملحق (4)
إجمالي حقوق الملكية للجهاز المصرفي في بعض الدول الإسلامية(مليون دولار)
2000
1999
1998
1997
1996
البيان
1739.011
1480.604
1302.308
1168.819
1039.533
قطر
5182.384
4945.102
4873.674
4619.547
4320.44
الكويت
10913.01
11259.09
10252.36
8589.847
7694.953
مصر
117.4854
117.9547
124.3593
82.49042
52.54747
اليمن
9332.335
8701.702
8136.692
6925.8
6339.689
الإمارات
27284.22
26504.45
24689.39
21386.5
19447.16
المجموع
ملحق (5)
ودائع الجهاز المصرفي في بعض الدول الإسلامية (مليون دولار)
2000
1999
1998
1997
1996
البيان
7440.385
6667.088
5998.269
5505.797
5014.588
قطر
25365.75
23784.02
23898.54
23846.18
23276.76
الكويت
52301.95
51352.42
48185.92
44783.8
39974.44
مصر
1508.241
1193.052
1171.388
1063.054
942.8217
اليمن
35812.93
31887.54
24666.85
23809.12
21840.1
الإمارات
122429.3
114884.1
103921
99007.95
91048.71
المجموع
ملحق (6)
موجودات الجهاز المصرفي في بعض الدول الإسلامية (مليون دولار)
2000
1999
1998
1997
1996
البيان
13803.3
13090.38
11675.08
10565.71
9309.203
قطر
45206.94
42462.2
42689.32
41619.88
38213.1
الكويت
85339.13
82527.28
77388.61
72254.72
64732
مصر
1875.627
1521.975
1497.065
1467.784
1412.4
اليمن
72518.99
65674.61
60895.58
54993.06
50362
الإمارات
218744
205276.4
194145.7
180901.2
164028.7
المجموع
ملحق (7)(4/37)
حقوق مساهمي ا لمصارف الإسلامية/اجملي موارد المصارف حسب الدول ( نسبة مئوية)
المتوسط
2000
1999
1998
1997
1996
البيان
14.72795
14.76701
15.7976
15.26521
14.08259
13.72732
قطر
11.25013
13.97041
12.95625
11.55802
9.271471
8.494505
الكويت
0.824438
0.832035
0.961001
1.048539
0.911541
0.369073
مصر
16.45986
21.70483
16.19265
14.31336
20.00232
10.08612
اليمن
5.03559
6.617851
6.797521
7.050777
2.266886
2.444915
الإمارات
5.151057
6.284584
6.01182
5.917926
3.949687
3.591269
المجموع
ملحق (8)
ودائع ا لمصارف الإسلامية/اجملي ودائع المصارف حسب الدول (نسبة مئوية )
المتوسط
2000
1999
1998
1997
1996
البيان
34.93666
34.8396
36.3877
37.03902
33.78621
32.6308
قطر
17.87626
20.33056
18.70878
17.5994
16.56031
16.18224
الكويت
3.640834
3.834274
4.673587
4.396512
4.225859
1.073936
مصر
5.855798
12.51126
9.739725
3.457437
3.273588
0.296981
اليمن
7.128875
9.747875
1.348175
7.718457
8.803349
8.026521
الإمارات
9.576468
10.97311
8.54931
10.09479
9.931021
8.334111
المجموع
ملحق (9)
موجودات المصارف الإسلامية/اجملي موجودات المصارف حسب الدول ( نسبة مئوية )
المتوسط
2000
1999
1998
1997
1996
البيان
22.11903
23.25604
22.39201
22.88121
21.3606
20.70532
قطر
13.3905
14.93576
13.89071
13.03441
12.66054
12.43108
الكويت
2.702546
2.821918
3.427957
3.251512
3.138203
0.873138
مصر
6.66195
13.39819
10.70977
5.009804
3.59726
0.594732
اليمن
4.560896
6.059102
4.981986
4.135276
3.785933
3.842183
الإمارات
6.839943
7.778774
7.352719
6.873808
6.593933
5.600483
المجموع
ملحق (10)
الأهمية النسبية لحقوق ملكية المصارف الإسلامية (نسبة مئوية)
2000
1999
1998
1997
1996
البيان
14.97638
14.6793
13.60619
19.48621
20.43242
قطر
42.22313
40.20961(4/38)
38.55314
50.70439
52.54868
الكويت
5.295387
6.790511
7.35747
9.269563
4.066438
مصر
1.487141
1.198695
1.21826
1.953356
0.758877
اليمن
36.01796
37.12188
39.26494
18.58648
22.19359
الإمارات
ملحق (11)
الأهمية النسبية لودائع المصارف الإسلامية (نسبة مئوية)
2000
1999
1998
1997
1996
البيان
19.29539
24.70016
21.17801
18.91889
21.56403
قطر
38.38682
45.30432
40.09304
40.16273
49.63957
الكويت
14.92746
24.43544
20.19427
19.24739
5.657543
مصر
1.404614
1.183083
0.38606
0.353928
0.0369
اليمن
25.98572
4.376998
18.14863
21.31706
23.10196
الإمارات
ملحق (12)
الأهمية النسبية لموجودات المصارف الإسلامية (نسبة مئوية)
2000
1999
1998
1997
1996
البيان
18.86563
19.42041
20.01768
18.92023
20.9821
قطر
39.68123
39.07867
41.69514
44.17404
51.71014
الكويت
14.15289
18.74329
18.85547
19.0091
6.152573
مصر
1.47688
1.079942
0.562
0.442637
0.09144
اليمن
25.82336
21.67769
18.86971
17.454
21.06375
الإمارات
ملحق رقم (13)
المصارف العالمية (حقوق الملكية والموجودات) (مليار دولار )
البنك
حقوق الملكية
الموجودات
Citigroup
41.889
668.641
Bank America Corp
36.877
617.679
Chase Manhattan Corp
24.212
365.875
Bank One Corp
19.654
261.496
First Union Corp
13.592
237.363
HSBC Holdings (United Kingdom)
29.351
484.655
Creditagricole Groupe(France)
25.930
455.792
deutsche Bank (Germany)
20.505
685.882
ABNAMRO Bank (netherland)
18.680
732.534
HypovereinsBank (Germany)
17.579
473.988
Bank do Brazil (Brazil)
5.485
107.160
Banco Bradesco (Brazil)
5.142
56.703
Banco Itau (Brazil)
4.357
40.526
Banco (Banespa) (Brazil)
3.428
20.983
Uni Banco( Brazil)
2.839
26.214
Stanbic (South Africa)
2.151
27.307
Nedcor (South Africa)
1.648
27.038(4/39)
BOE Bank Holdings ( South Africa)
1.339
19.900
First Bank Banking Group (South Africa)
1.103
6.919
Investec Group (South Africa)
0.950
23.337
??
??
??
??
16 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
أثر تحرير تجارة الخدمات المصرفية لى المصارف الإسلامية 17(4/40)
التأمين
تقويم المسيرة النظرية والتطبيقية
البروفسير الصديق محمد الأمين الضرير
استاذ الشريعة الإسلامية
بكلية القانون- جامعة الخرطوم
ورئيس الهيئة العليا للرقابة الشرعية
على أعمال التأمين
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
…تعتبر نماذج التكافل الاسلامي المطروحة من قبل شركات التامين الاسلامية، البديل الاسلامي لنماذج التامين علي الحياة ، التي لم تجزها مجامع فقهاء الشريعة الاسلامية ، لما فيها من مخافات شرعية بَّينها العلماء ، والباحثون في فتاواهم ، وابحاثهم العلمية .
يهدف البحث ،الي تقويم تجربة نماذج التكافل التي طُبقت . ولكن نسبة لمحدودية عدد صفحات البحث ، فقد اختار الباحث نظامين من نظم التكافل التي طبقتها شركات التامين الاسلامية ، وذلك لحيويتها الزائدة ، واهميتها المتعاظمة ، و هما نظاما : التكافل والاستثمار ،ونظام التكافل لحماية الطلاَّب ، (اوالتكافل التعليمي ).
من خلال هذا البحث ، يسلط الباحث الضوء علي النظامين المذكورين ، بهدف توضيح الاسس التي يقومان عليها ، ثم يستعرض الباحث الاهداف التي يسعي الي تحقيقها كل نظام . كذلك يتناول الباحث بالشرح النظري ، والتطبيق العملي كيفية عمل كل نظام . كما يبين الباحث اهم السلبيات التي افرزتها التجربة العملية لكل نظام . ومن ثم يذكر الباحث مرئياته لوسائل العلاج ،حسبما ترآي له لكل نظام، بهدف إعادة صياغة نظام التكافل المعني ، بصورة تُمَكّنه من التقلب علي اهم العقبات ، والسلبيات التي لحقت به ، وكبحت انطلاقته، وبالتالي حدت من النفع به. .
كخاتمة للبحث ، يشير الباحث الي ما توصلت اليه الدراسة ، ثم يتبعها بجملة من التوصيات التي يري في تطبيقها تجويداً لمسيرة التكافل التي تنظمها شركات التامين الاسلامية .
Abstract(5/1)
The current Takaful Products which are offered by the Islamic insurance companies are considered as substitute of the traditional life assurance , which are prohibited by the Islamic Sharia due to contradictions to same.
This research targets the appraisal of the launched products , but due to the fact that the research is restricted to thirty pages only ( 30) , the researcher decided to select just two products , out of many and that is due to its utmost vitality and increasing importance , namely :-
(a) The Takaful and Investment plan , and
(b) The Takaful plan for the protection of the students .
Through out this research , the light is shed on the above with the purposes of pointing out their basic principles . The researcher also explain, the objective of each product . The researcher goes further to explain theoretically and practically how they operate . The researcher point out the main demerit experienced through operation and spells out his views for remedy for each product in such away that it could be rectified to minimize the demerit , and maximize the benefits .
In conclusion , the researcher points out the out come of the study followed by some recommendations which he believes if they are adopted will result in more improvement and success to Takaful practice in the Islamic insurance companies .
أولا: تقويم المسيرة النظرية للتأمين:(5/2)
التأمين بصورته المعروفة الآن عقد مستحدث اختلف الفقهاء في حكمه الشرعي بين مجيز له بجميع أنواعه، ومانع له بجميع أنواعه، ومانع للتأمين على الحياة ومجيز لما عداه، ومانع للتأمين التجاري لما فيه من الغرر، ومجيز للتأمين التعاوني القائم على التبرع، وهذا هو رأيي الذي ذكرته في بحثي الذي قدمته في أسبوع الفقه الإسلامي ومهرجان الإمام ابن تيمية سنة 1380هـ-1961م. وهو متفق مع القرار الصادر من مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية سنة 1397هـ، والقرار الصادر من مجلس المجمع الفقهي بمكة المكرمة سنة 1398هـ، والقرار الصادر من مجمع الفقه الإسلامي بجدة 1406هـ 1985م.
ثانيا: تقويم المسيرة التطبيقية
بدأت المسيرة التطبيقية بإنشاء بنك فيصل الإسلامي السوداني لشركة التأمين الإسلامية-أول شركة تأمين تعاونية إسلامية في العالم- عملا بفتوى هيئة رقابته الشرعية التي أتتشرف برئاستها، التي منعته من التأمين في شركات التأمين التجارية، لأن في إمكانه إنشاء شركة تأمين تعاونية إسلامية، بينت له الهيئة أسسها العامة.
نشأت بعد شركة التأمين الإسلامية شركات تأمين تعاونية إسلامية، وظلت هذه الشركات الإسلامية تعمل بجانب شركات التأمين التجارية إلى سنة 1992م التي صدر فيها قانون الإشراف والرقابة على أعمال التأمين الذي الزم جميع شركات التأمين التجاري في السودان بالتحول إلى شركات تأمين تعاونية إسلامية، وتم هذا التحول بسهولة، وترتب عليه إقبال كبير على شركات التأمين تؤيده الإحصائيات الدالة على تزايد الاشتراكات، والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فهذا بحث عن: التأمين(5/3)
أقدمه للمؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي الذي سيعقد في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة في شهر المحرم 1424هـ- مارس 2003م إن شاء الله، ملتزماً فيه بما جاء في:
المحور الأول: تقويم المسيرة النظرية والتطبيقية للاقتصاد الإسلامي (التأمين)
1- تقويم البحوث والدراسات في الاقتصاد الإسلامي (البحوث والدراسات في مجال التأمين).
2- تقويم المؤسسات التطبيقية للاقتصاد الإسلامي (شركات التأمين الإسلامية).
وملتزماً أيضاً بعدد الصفحات (30 صفحة)
والله أسأل أن يوفقني إلى الصواب، وأن يجنبني مواطن الزلل، إنه سميع مجيب.
أولا: تقويم المسيرة النظرية -(البحوث والدراسات في مجال التأمين)
1- عقد التأمين بصورته المعروفة الآن من العقود المستحدثة، وقد اجتهد الفقهاء منذ ظهوره في بيان حكمه من وجهة النظر الشرعية، واختلفت آراؤهم فيه بين مجيز له بجميع أنواعه، ومانع له بجميع أنواعه، ومانع للتأمين على الحياة ومجيز لما عداه، ومانع للتأمين التجاري، ومجيز للتأمين التعاوني بشروط، وصدرت بحوث وكتب عديدة في هذا الموضوع، كما صدرت فيه فتاوى جماعية في مؤتمرات ومجامع فقهية.
وقد طلب منظمو المؤتمر تقويم هذه البحوث والدراسات في التأمين، وسأحاول الاستجابة لطلبهم بذكر أهم ما وقفت عليه في هذا الموضوع:
2- رأي ابن عابدين:
يقول ابن عابدين: جرت العادة أن التجار إذا استأجروا مركباً من حربي يدفعون له أجرته، ويدفعون أيضاً مالاً معلوماً لرجل حربي مقيم في بلاده، يسمى ذلك المال سوكرة على أنه مهما هلك من المال الذي في المركب بحرق، أو غرق، أو نهب، أو غيره، فذلك الرجل ضامن له بمقابلة ما يأخذ منهم، وله وكيل عنهم مستأمن في دارنا يقيم في بلاد السواحل الإسلامية بإذن من السلطات، يقبض من التجار مال السوكرة، وإذا هلك من مالهم في البحر يؤدي ذلك المستأمن للتجار بدله تماماً.(5/4)
والذي يظهر لي أنه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله، لأن ذلك التزام ما لا يلزم، فإن قلت: إن المودع إذا أخذ أجرة عن الوديعة يضمنها إذا هلكت، قلت: مسألتنا ليست من هذا القبيل، لأن المال ليس في يد صاحب السوكرة، بل في يد صاحب المركب، وإن كان صاحب السوكرة هو صاحب المركب يكون أجيراً مشتركاً قد أخذ أجرة على الحفظ وعلى الحمل، وكل من المودع والأجير المشترك لا يضمن ما لا يمكن الاحتراز منه، كالموت والغرق ونحو ذلك.
فإن قلت: سيأتي قبيل باب "كفالة الرجلين" إن قال لآخر: اسلك هذا الطريق فإنه آمن فسلك وأخذ ماله لم يضمن، ولو قال: إن كان مخوفاً وأخذ مالك فأنا ضامن ضمن، وعلله الشارح هناك بأنه ضمن الغار صفة السلامة للمغرور نصّاً اهـ. أي بخلاف الأولى، فإنه لم ينص على الضمان بقوله فأنا ضامن.
وفي جامع الفصولين: الأصل ان المغرور إنما يرجع على الغار لو حصل الغرور في ضمن المعاوضة، أو ضمن الغار صفة السلامة للمغرور، فصار كقول الطحان لرب البر: اجعله في الدلو، فجعله فيه فذهب من النقب إلى الماء، وكان الطحان عالماً به يضمن إذ غره في ضمن العقد، وهو يقتضي السلامة. اهـ.
قلت: لابد في مسألة التغرير من ان يكون الغار عالما بالخطر، كما يدل عليه مسألة الطحان المذكورة، وأن يكون المغرور غير عالم، إذ لا شك أن رب البر لو كان عالماً بنقب الدلو يكون هو المضيع لماله باختياره، ولفظ المغرور ينبئ عن ذلك لغة لما في القاموس: غره غرّاً وغروراً فهو مغرور وغرير خدعه وأطمعه بالباطل فاغتر هو . اهـ.
ولا يخفى أن صاحب السوكرة لا يقصد تغرير التجار، ولا يعلم بحصول الغرق، هل يكون أم لا، وأما الخطر من اللصوص والقطاع فهو معلوم له وللتجار، لأنهم لا يعطون مال السوكرة إلا عند شدة الخوف طمعاً في أخذ بدل الهالك، فلم تكن مسألتنا من هذا القبيل أيضاً. انتهت فتوى ابن عابدين(1).(5/5)
أقول: هذا العقد الذي استظهر ابن عابدين عدم جوازه هو تأمين بحري، فالتجار هم المؤمن لهم، والحربي هو المؤمن، والغرض من هذه العملية، كما هو واضح من كلام ابن عابدين، هو التأمين ضد المخاطر التي تحدث لحمولة المركب، فالمؤمن الحربي يلتزم بتعويض التجار ما يضيع من بضائعهم التي في المركب نظير مال يدفعونه له.
وقد بنى ابن عابدين فتواه بالمنع على ثلاثة أسباب:
أ- إن هذا العقد من قبيل التزام ما لا يلزم، وهو غير جائز لعدم وجود سبب شرعي يقتضي الضمان، وهذا العقد لا يصلح سبباً شرعيّاً لوجوب الضمان.
ب- هذا العقد ليس من قبيل تضمين المودع إذا أخذ أجراً على الوديعة لسبين:
الأول: المؤمن الحربي ليس هو صاحب المركب، فلا يكون مودعاً.
الثاني: لو كان المؤمن هو صاحب المركب فإنه يكون أجيراً مشتركاً لا مودعاً، والأجير المشترك لا يضمن ما لا يمكن الاحتراز منه، ومثله المودع.
ج- هذا العقد ليس من قبيل تضمين الغار، لأن الغار لا يضمن إلا إذا كان عالماً بالخطر، وكان المغرور جاهلاً به، والمؤمن الحربي لا يقصد تغرير التجار، ولا يعلم هل تغرق المركب أم تسلم.
3- هذه هي أول فتوى وجدت بعد ظهور التأمين، ولهذا اشتهر ان ابن عابدين هو أول من أفتى بعدم جواز عقد التأمين، ولكن توجد نصوص عامة لفقهاء قبل ابن عادين، وقبل ظهور عقد التأمين تدل على عدم جواز بعض أنواع التأمين، منها هذا النص:
"ضمان ما يغرق أو يسرق باطل"
ورد هذا النص في كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار(2)،وهو يدل على أن التأمين البحري، والتأمين من السرقة لا يجوز عند جميع علماء الأمصار، لأن المؤلف لم يذكر خلافاً في هذا الحكم.
ومنها النص التالي الذي أورده الباجي في أثناء كلامه عن بيع الغرر، قال:(5/6)
ومن دفع إلى رجل داره على أن ينفق عليه حياته، روى ابن المواز عن أشهب: لا أحب ذلك ولا أفسخه إن وقع، وقال أصبغ: هو حرام، لأن حياته مجهولة ويفسخ، وقال ابن القاسم عن مالك: لا يجوز إذا قال على أن ينفق عليه حياته. اهـ.
هذه المعاملة هي صورة من صور التأمين على الحياة تعرف في اصطلاح علماء القانون بالتأمين لحال البقاء براتب عمري وهو "أن يتعهد المؤمن بدفع إيراد لمدى الحياة نظير مبلغ مجمد يدفعه له المستأمن"(3).
واضح أن هذا العقد غير جائز عند هؤلاء الفقهاء، لما فيه من غرر، ويفسخ إن وقع إلا عند أشهب فإنه لا يفسخ العقد إن وقع مع منعه له ابتداء.
4- فتوى الشيخ محمد عبده:
يذكر بعض الذين يرون جواز التأمين على الحياة أن الشيخ محمد عبده يرى جوازه اعتماداً على فتوى صدرت منه عندما كان مفتياً للديار المصرية سنة 1319هـ، نذكر فيما يلي نص الاستفتاء والفتوى:
سأل مدير شركة ميوتوال لايف الامريكية الشيخ محمد عبده عن رجل اتفق مع جماعة -قومبانية- على أن يعطيهم مبلغاً معلوماً، في مدة مطلوبة على أقساط معينة للاتجار فيما يبدو فيه الحظ والمصلحة، وأنه إذا مضت المدة المذكورة، وكان حيّاً يأخذ هذا المبلغ منهم مع ما ربحه من التجارة في تلك المدة، وإذا مات في خلالها يأخذ ورثتة، أو من يطلق له حال حياته ولاية أخذ المبلغ المذكور مع الربح الذي ينتج مما دفعه، فهل ذلك يوافق شرعاً؟
فأجاب الشيخ محمد عبده:(5/7)
اتفاق هذا الرجل مع هؤلاء الجماعة على دفع ذلك المبلغ على وجه ما ذكر يكون من قبيل شركة المضاربة، وهي جائزة، ولا مانع للرجل من أخذ ماله مع ما انتجه من الربح بعد العمل به في التجارة، وإذا مات الرجل في إبان المدة، وكان الجماعة قد عملوا فيما دفعه، وقاموا بما التزموه من دفع المبلغ لورثته، أو لمن يكون له التصرف بدل المتوفى بعد موته جاز للورثة، أو لمن يكون له حق التصرف في المال، أن يأخذ المبلغ جميعه مع ما ربحه المدفوع منه بالتجارة على الوجه المذكور(4).
هذه هي الفتوى التي أخذ منها بعض من يرون جواز التأمين ان الشيخ محمد عبده أجاز عقد التأمين على الحياة.
والحقيقة أن هذه المسألة لا ينطبق عليها عقد التأمين مطلقاً، لأن المستفتي يقول: إن الشخص الذي يتفق مع الشركة يدفع لها المبلغ للاتجار به، ومعنى هذا أن الأقساط التي يدفعها تظل ملكاً له، وأن الشركة تعمل بها في التجارة فقط، وهذا من خصائص عقد المضاربة، وأما في عقد التأمين فإن الأقساط التي يدفعها المؤمن له تدخل في ملك المؤمن -الشركة- وهي مطلقة اليد في أن تتصرف فيها كما تشاء.
وكما لا ينطبق على هذه المعاملة عقد التأمين لا ينطبق عليها أيضاً عقد المضاربة، لأن فيها شرطاً يخرجها من أن تكون مضاربة، هو أن يدفع في حال الوفاة للورثة، أو لمن يعينه رب المال كل المبلغ المتفق عليه زائداً أرباح ما دفع بالفعل، ومعنى هذا أن الورثة يأخذون مبالغ لم يدفعها مورثهم، فلو فرضنا أن المبلغ المتفق عليه مائة دينار تدفع على عشرة أقساط دفع المورث منها قسطين للشركة ثم مات، فإنه بمقتضى الشرط المذكور يستحق الورثة المائة دينار زائداً ربح العشرين دينار، وليس في الفقه الإسلامي مضاربة بهذه الصورة.
وعلى هذا فلا يصح أن يؤخذ من هذه الفتوى رأي الشيخ محمد عبده في التأمين، بل إني أشك في صدور هذه الفتوى بهذه الصيغة من الشيخ محمد عبده.
5- رأي الأستاذ عبد الوهاب خلاف:(5/8)
قال الأستاذ عبد الوهاب خلاف بجواز عقد التأمين على الحياة على أنه عقد مضاربة، لأن عقد المضاربة في الشريعة هو عقد شركة في الربح بمال من طرف وعمل من طرف آخر، وفي التأمين -كما يقول الأستاذ خلاف- المال من جانب المشتركين الذين يدفعون الأقساط، والعمل من جانب الشركة التي تستغل هذه الأموال، والربح للمشتركين والشركة حسب التعاقد(5).
وقد أورد الأستاذ خلاف نفسه اعتراضاً على هذا القياس هو أن شرط صحة المضاربة أن يكون الربح بين صاحب المال والقائم بالعمل شائعاً بالنسبة، وفي التأمين يُشترط للمشترك قدر معين في الربح 3% أو 4% فالمضاربة غير صحيحة.
وأجاب عنه بالآتي:
أولا: بما جاء في تفسير آيات الربا في سورة البقرة للشيخ محمد عبده وهو: "لا يدخل في الربا المحرم بالنص الذي لا شك في تحريمه من يعطي آخر مالا يستغله، ويجعل له من كسبه حظّاً معيناً، لأن مخالفة أقوال الفقهاء في اشتراط أن يكون الربح نسبيّاً لاقتضاء المصلحة ذلك لا شيء فيه، وهذه المعاملة نافعة لرب المال والعامل معاً".
ثانيا: بأن اشتراط أن يكون الربح نسبيّاً لا قدراً معيناً خالف فيه بعض المجتهدين من الفقهاء، وليس حكماً مجمعاً عليه"(6).
وانتهى الشيخ خلاف إلى القول بأن عقد التأمين على الحياة عقد صحيح نافع للمشتركين وللشركة وللمجتمع، وليس فيه إضرار بأحد، ولا أكل مال أحد بغير حق، وهو ادخار وتعاون وتوفير لمصلحة المشترك، حين تتقدم سنه، و لمصلحة ورثته حين تفاجئه منيته، والشريعة إنما تحرم الضار، أو ما ضرره أكبر من نفعه(7).
والذي أراه أنه ليس هناك صورة من صور عقد التأمين على الحياة يمكن قياسها على عقد المضاربة حتى لو تجاوزنا عن كون الربح في المضاربة يشترط فيه أن يكون قدراً شائعاً بالنسبة، وذلك للأسباب الآتية:(5/9)
أ- المبلغ الذي يدفعه رب المال للعامل في المضاربة يظل ملكاً لصاحبه، ولا يدخل في ملك العامل، وذلك بخلاف التأمين فإن القسط يدخل في ملك الشركة تتصرف فيه تصرف المالك في ملكه.
ب- في حالة موت رب المال في المضاربة يستحق ورثته المال الذي دفعه مع ربحه إن كان فيه ربح، أما في عقد التأمين على الحياة فإن الورثة يستحقون عند موت المؤمن له المبلغ الذي اتفق عليه المؤمن له مع الشركة بالغاً ما بلغ، فلو أن شخصاً أمن على حياته بمبلغ ألف دولار ثم مات بعد ما دفع للشركة قسطاً واحداً مائة دولار، فإن ورثته يستحقون الألف كاملة، فكيف يقاس هذا العقد على عقد المضاربة؟.
ولا يصح أن يقال إن الشركة تتبرع بالزائدة على ما دفعه المؤمن له، لأن من خصائص عقد التأمين على الحياة أنه عقد معاوضة، الشركة ملزمة فيه بدفع المبلغ المتفق عليه إذا وفى المؤمن له بالتزامه في دفع الأقساط.
ج- في حال موت صاحب المال في عقد المضاربة يكون المبلغ الذي في يد المضارب من ضمن تركة المتوفى يجري فيه ما يجري في سائر أموال التركة.
أما في عقد التأمين فإن المال المستحق قد لا يذهب إلى الورثة مطلقاً، وذلك في حالة ما إذا عين المؤمن له مستفيداً -وهذا من حقه- فإن جميع المال يذهب لهذا المستفيد، ولو لم يكن للمتوفى مال غيره، ولا حق للورثة في الاعتراض.
وهذا زيادة على ما فيه من مخالفة لعقد المضاربة، فإن فيه مخالفة لأحكام الميراث التي تقضي بأن يذهب هذا المال للورثة، أو يتوقف الزائد على ثلث التركة على إجازتهم لو اعتبرنا المستفيد موصى له.
6-رأي الشيخ محمد بخيت المطيعي:
يرى بعض المانعين للتأمين أنه من القمار، منهم الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية حيث يقول: عقد التأمين عقد فاسد شرعاً، وذلك لأنه معلق على خطر، تارة يقع، وتارة لا يقع فهو قمار معنى(8).
7- ومنهم الشيخ أحمد إبراهيم:
يقول الشيخ أحمد إبراهيم عن التأمين على الحياة:(5/10)
أما إذا مات المؤمن له قبل إيفاء جميع الأقساط، وقد يموت بعد دفع قسط واحد فقط، وقد يكون الباقي مبلغاً عظيماً جدَاً، لأن مبلغ التأمين على الحياة موكول تقديره إلى طرفي العقد، على ما هو معلوم، فإذا أدت الشركة المبلغ المتفق عليه كاملا لورثته أو لمن جعل له المؤمن ولاية قبض ما التزمت به الشركة بعد موته ففي مقابل أي شيء دفعت الشركة هذا المبلغ؟ أليس هذا مخاطرة ومقامرة، وإذا لم يكن هذا من صميم المقامرة ففي أي شيء تكون المقامرة إذن؟ على أن المقامرة حاصلة أيضاً من ناحية أخرى، فإن المؤمن له بعد أن يوفى جميع ما التزمه من الأقساط يكون له كذا، وإن مات قبل أن يوفيها كلها يكون لورثته كذا، أليس هذا قماراً ومخاطرة، حيث لا علم له ولا للشركة بما سيكون من الأمرين على التعيين .
ولا أوافق هذين العالمين الكبيرين على أن التأمين قمار، أو في معنى القمار، لأن حقيقة التأمين تختلف اختلافاً كبيراً عن حقيقة القمار الذي منه الميسر الذي حرمه الله في القرآن(10).
8- رأيى في التأمين:
رأيي في التأمين هو عدم جواز التأمين التجاري، وجواز التأمين التعاوني الإسلامي، قلت هذا الرأي أول مرة في أسبوع الفقه الإسلامي ومهرجان الإمام ابن تيمية سنة 1380هـ - 1961م، واقترحت العمل بالتأمين التعاوني الإسلامي بديلاً للتأمين التجاري، ثم طبقته عمليّاً عند انشاء شركة التأمين الإسلامية في بنك فيصل الإسلامي السوداني 1977م كما سيأتي.
ودليلي على عدم جواز التأمين التجاري هو أنه عقد غرر منهي عنه بالحديث الصحيح الذي ينهى عن بيع الغرر(11).
وقد اعترض الاستاذان الكبيران الشيخ مصطفى الزرقا، والشيخ على الخفيف على هذا الدليل، فلم يسلم الشيخ الزرقا بأن التأمين عقد غرر، وسلم الشيخ الخفيف بأن في التأمين غررا، ولكنه غرر خفيف، وغير مؤثر في صحة العقد، ورددت عليهما في كتابي الغرر وأثره في العقود فليراجع(12).
9- رأي المؤتمرات والمجامع الفقهية:(5/11)
لعل أول دراسة جماعية لعقد التأمين هي التي كانت في أسبوع الفقه الإسلامي ومهرجان الإمام ابن تيمية الذي عقده المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية بمدينة دمشق في المدة من 16-21 من شوال 1380هـ - 1-6 ابريل 1961م.
قدم في ذلك الاسبوع أربعة بحوث عن حكم عقد التأمين من وجهة النظر الشرعية، أجاز بحثان منها التأمين بنوعيه التعاوني والتجاري، هما بحث الاستاذ مصطفى الزرقا وبحث الأستاذ عبد الرحمن عيسى، ومنعه بحث واحد هو بحث الأستاذ عبد الله القلقيلي من غير أن يفرق صراحة بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني، ولكن حديثه يدل على أن المقصود هو التأمين التجاري، وأجاز بحث واحد التأمين التعاوني، ومنع التأمين التجاري، هو بحث الأستاذ الصديق محمد الأمين الضرير، وأيد هذا الاتجاه الأستاذ محمد أبو زهرة في تعقيب طويل منشور مع البحوث في كتاب اسبوع الفقه الإسلامي.
ويظهر من هذا ان ا لبحوث اتفقت على جواز التأمين التعاوني، واختلفت في التأمين التجاري -التأمين بقسط ثابت- فأجازه بحثان، ومنعه بحثان مضافاً إليهما تعقيب الأستاذ أبوزهرة.
ولعل من المناسب أن أنقل إليكم خلاصة ما جاء في بحثي عن حكم عقد التأمين التعاوني، وعقد التأمين التجاري: قلت:
التأمين التعاوني لا أعتقد أن هنالك اختلافاً في جوزاه، بل هو عمل تدعو إليه الشريعة، ويثاب فاعله إن شاء الله، لأنه من التعاون على البر والتقوى، وقد أمرنا الله به، فإن كل مشترك في هذه العملية يدفع شيئا من ماله عن رضاً وطيب نفس ليكون منه رأس مال للشركة، يعان منه من يحتاج إلى المعونة من المشتركين في الشركة، وكل مشترك هو في الواقع متبرع باشتراكه لمن يحتاج له من سائر المشتركين حسب الطريقة التي يتفق عيها المشتركون، وسواء أكان هذا النوع من التأمين في صورة تأمين بحري، أو بري، أو تأمين على الحياة، أو تأمين من الاضرار، فهو جائز شرعاً.(5/12)
أما التأمين التجاري فقد قلت عنه بعد ما بينت وجود الحاجة إلى التأمين:
ورغم كل هذا فاني لا أري اباحة عقد التأمين بوضعه الحالي، لأنه لا يصح أن نلجأ إلى استخدام الضرورة أو الحاجة إلا إذا لم نجد سبيلاً غيرهما. وفي موضوعنا هذا من الممكن أن نحتفظ بعقد التأمين في جوهره ونستفيد بكل مزاياه مع التمسك بقواعد الفقه الإسلامي، وذلك يكون في نظري بإخراج التأمين من عقد المعاوضات، وإدخاله في عقود التبرعات، والطريق إلى هذا ان نبعد الوسيط الذي يسعى إلى الربح بأن نجعل التأمين كله تأميناً تعاونيّاً يديره المشتركون أنفسهم إن أمكن، أو تشرف عليه الحكومات، فتعين له موظفين يتولون إدارة الشركات بأجر كسائر الموظفين، وينص صراحة في عقد التأمين على أن الأقساط التي يدفعها المشترك تكون تبرعاً منه للشركة تدفع لمن يحتاج إليها من المشتركين حسب النظام المتفق عليه، من غير أن تتحمل الحكومة أية مسئولية مالية نحو المشتركين، وبهذه الطريقة يصبح التأمين تعاوناً حقيقيّاً على البر، يستفيد منه المشترك في دنياه، وينال به الثواب في آخرته(13).
هذا ما قلته قبل أكثر من أربعين عاماً، وسأزيده إيضاحاً فيما بعد عند الكلام عن شركة التأمين الإسلامية.
وهذا البديل للتأمين التجاري هو في الواقع رجوع بالتأمين إلى أصله، فقد نشأ التأمين أول مرة تأميناً تعاونيّاً خالصاً، لا يبتغى أحد ربحاً من ورائه، ثم جاءت فئة من الناس همها الربح المادي، فحولت التأمين إلى عمل تجاري، وأصبح التأمين تجارة تدر على القائمين به أرباحاً طائلة، ولهذا تذكر القوانين أن عقد التأمين عقد معاوضة أحد طرفيه المؤمن "الشركة"، والآخر المؤمن له، يلتزم فيه المؤمن بدفع عوض مالي عند وقوع الحادث، نظير التزام المؤمن له بدفع قسط مالي.
10- استمرت الدراسات لعقد التأمين بعد اسبوع الفقه الإسلامي في عدد من المجامع والمؤتمرات أذكر منها:(5/13)
أ. مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، فقد بحث هذا الموضوع في مؤتمره الثاني عام 1985-1965 ومؤتمره الثالث عام 1386-1966، وقرر فيهما جواز التأمين التعاوني، والاستمرار في دراسة مختلف أنواع التأمين لدى الشركات، والوقوف على آراء علماء المسلمين في الأقطار الإسلامية، وقد كان أمام المجمع في مؤتمره السابع 1392هـ - 1972 زهاء ثمانين رأياً من آراء علماء المسلمين في التأمين التجاري، بعضها أجازه بجميع أنواعه، وبعضها منعه بجميع أنواعه، وبعضها منع التأمين على الحياة وأجاز أنواع التأمين الأخرى، ولم يصدر المجمع قراراً في الموضوع.
ب. المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي بمكة المكرمة 21-26 صفر 1396 هـ 21-26 فبراير 1976 فقد جاء في قراراته:
يرى المؤتمر أن التأمين التجاري الذي تمارسه شركات التأمين التجارية في هذا العصر لا يحقق الصيغة الشرعية للتعاون والتضامن، لأنه لم تتوافر فيه الشروط الشرعية التي تقتضي حله.
ويقترح المؤتمر تأليف لجنة من ذوي الاختصاص من علماء الشريعة وعلماء الاقتصاد لاقتراح صيغة للتأمين خالية من الربا والغرر، وتحقق التعاون المنشود بالطريقة الشرعية بدلا من التأمين التجاري.
ج- مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، جاء في قراره رقم 55 بتاريخ 4/4/1397 ما يلي :
"بعد الدراسة والمناقشة وتداول الرأي قرر المجلس جوازه - التأمين التعاوني- وإمكان الاكتفاء به عن التأمين التجاري في تحقيق ما تحتاجه الأمة من التعاون على وفق قواعد الشريعة الإسلامية.....".
د. مجلس المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي الدورة الأولى شعبان 1398 هـ مكة المكرمة، جاء في قراره ما يأتي:(5/14)
"بعد الدراسة الوافية وتداول الرأي في ذلك قرر المجلس بالأكثرية تحريم التأمين بجميع أنواعه سواء كان على النفس، او البضائع التجارية، أو غير ذلك من الأموال، كما قرر المجلس بالإجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء من جواز التأمين التعاوني بدلا من التأمين التجاري المحرم...".
هـ. مجمع الفقه الإسلامي بحده في دورته الثانية 1406هـ- 1985 حيث اصدر المجتمعون القرار التالي:
قرار رقم (2)
بشأن التأمين وإعادة التأمين
أما بعد : فإن مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10-16 ربيع الثاني 1406هـ 22-28 ديسمبر 1985م.
بعد أن تابع العروض المقدمة من العلماء المشاركين في الدورة حول موضوع التأمين، وإعادة التأمين.
وبعد ان ناقش الدراسات المقدمة.
وبعد تعميق البحث في سائر صوره وأنواعه، والمبادئ التي يقوم عليها، والغايات التي يهدف إليها.
وبعد النظر فيما صدر عن المجامع الفقهية، والهيئات العلمية بهذا الشأن قرر:
1- أن عقد التأمين التجاري ذا القسط الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري عقد فيه غرر كثير مفسد للعقد، ولهذا فهو حرام شرعاً.
2- أن العقد البديل الذي يحترم أصول التعامل الإسلامي هو عقد التأمين التعاوني، القائم على أساس التبرع والتعاون، وكذلك الحال بالنسبة لإعادة التأمين القائم على أساس التأمين التعاوني.
3- دعوة الدول الإسلامية للعمل على إقامة مؤسسات التأمين التعاوني، وكذلك مؤسسات تعاونية لإعادة التأمين حتى يتحرر الاقتصاد الاسلامي من الاستغلال، ومن مخالفة النظام الذي يرضاه الله لهذه الأمة.(5/15)
وما أظن اننا في حاجة بعد هذه القرارات إلى مزيد من الدراسة لبيان حكم عقد التأمين، وإنما نحن في حاجة إلى إنشاء مزيد من شركات التأمين، وشركات إعادة التأمين التعاونية الإسلامية، ودراسة ما تسير عليه شركات التأمين التعاونية الإسلامية القائمة بقصد تطويرها، وتقويم المعوج منها.
11- ولهذا سأنتقل إلى الجزء الثاني من البحث المطلوب الحديث عنه وهو:
ثانيا- تقويم المؤسسات التطبيقية للاقتصاد الإسلامي (شركات التأمين الإسلامية)
سيكون حديثي خاصاً بشركات التأمين في السودان، وسأبدأ ببيان الأسس التي قامت عليها شركة التأمين الإسلامية- أول شركة تأمين تعاونية اسلامية في العالم التي أنشأها بنك فيصل الإسلامي السوداني بناء على فتوى هيئة رقابته الشرعية التي أتشرف برئاستها.
كانت تلك الفتوى سنة 1977م وقد جاء فيها:
ترى الهيئة أن التأمين التجاري غير جائز شرعاً - وهذا هو رأي أكثر الفقهاء الذين بحثوا هذا الموضوع- ولكن هؤلاء الفقهاء المانعين قد اختلفوا في علة المنع، وجملة العلل هي الغرر- والربا- والقمار، فمن الفقهاء من يرى أن جميع هذه المحظورات موجودة في التأمين التجاري- ومنهم من يرى وجود بعضها فقط، وترى الهيئة ان المانع من جواز التأمين التجاري هو الغرر، وهذا هو المحظور المتفق على تحققه في عقد التأمين التجاري عند القائلين بالمنع.
وأصل المنع من عقود الغرر ورد في حديث صحيح رواه الثقات عن جمع من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، وقد وضع الفقهاء المجتهدون شروطاً للغرر المفسد للعقد، أكثرها متفق فيه، وبعضها مختلف عليه، وترى الهيئة أن الشروط التي يجب أن تتوافر في الغرر ليكون مؤثراً ومفسداً للعقد هي:
1. أن يكون الغرر في عقد من عقود المعاوضات المالية.
2. أن يكون كثيراً.
3. أن يكون في المعقود عليه أصالة.
4. الا تدعو إلى العقد حاجة.(5/16)
وهذه الشروط متفق عليها بين المذاهب الأربعة ما عدا الشرط الأول، فهو مأخوذ من مذهب المالكية، أما المذاهب الثلاثة فلا توافق على هذا الشرط، لأن الغرر عندهم يؤثر في عقود التبرعات أيضاً.
وترى الهيئة ان ثلاثة الشروط الأولى متحققة في عقد التأمين التجاري، فهو عقد معاوضة مالية، والغرر فيه كثير، وفي المعقود عليه أصالة، أما الشرط الرابع فغير متحقق فيه، لأن الناس في جميع البلاد في حاجة إلى الخدمات التي تقدمها هذه الشركات، وقد تعامل كثير منهم معها تلبية لهذه الحاجة.
والحاجة إلى العقد هي ان يصل الناس إلى حالة بحيث لو لم يباشروا ذلك العقد يكونون في جهد ومشقة، لفوات مصلحة من المصالح المعتبرة شرعاً.
ويشترط في الحاجة التي تجعل الغرر غير مؤثر في العقد شرطان:
1- أن تكون الحاجة عامة أو خاصة- فالحاجة العامة هي ما يكون الاحتياج فيها شاملا لجميع الناس- والحاجة الخاصة هي ما يكون فيها الاحتياج خاصّاً بطائفة من الناس كأهل بلد، أو حرفة.
2- أن تكون متعينة- ومعنى تعينها أن تنسد جميع الطرق المشروعة للوصول إلى الغرض سوى ذلك العقد الذي فيه الغرر- لأنه لو أمكن الوصول إلى الغرض عن طريق عقد آخر لا غرر فيه، أو فيه غرر مغتفر، فإن الحاجة إلى العقد الذي فيه غرر مؤثر لا تكون موجودة في الواقع.
فإذا توافر هذان الشرطان جازت مباشرة العقد الذي فيه غرر، لكن يجب أن يقتصر على القدر الذي يزيل الحاجة فقط، عملا بالقاعدة المعروفة (الحاجة تقدر بقدرها).
وتطبيقاً لهذه الضوابط فإن الهيئة ترى أنه لا يجوز للبنك أن يقوم بالتأمين على أمواله لدى شركات التأمين التجارية، لأن الحاجة إلى التأمين لدى تلك الشركات غير متعينة، لأن البنك يمكنه أن يؤمن على أمواله لدى شركة التأمين التعاوني التي اقترح انشاءها في استفساره رقم (3) ووافقت الهيئة عليه- وأصبحت في حكم الشركة القائمة.(5/17)
12- تم الاتفاق بعد دراسات ومناقشات على أن ينشئ البنك شركة تأمين تؤدي جميع الخدمات التي تؤديها شركات التأمين التجارية، مع تجنب كل المحظورات الشرعية التي في التأمين التجاري، والاستفادة بما توصلت إليه تلك الشركات في الجوانب الفنية والعلمية، فقامت شركة التأمين الإسلامية المحدودة على الأسس التالية:
1. أن يكون التأمين تأميناً تعاونيّاً بين المشتركين الغاية منه نفع المشتركين، ولا يبتغي المؤسسون -أصحاب رأس المال- ربحا من عملية التأمين، وقد نص على هذا صراحة في النظام الأساسي فجاءت المادة (5) منه على النحو التالي:
"لا يتقاضى المساهمون في هذه الشركة أي أرباح عن أسهمهم من أي فائض قد تحققه الشركة من أقساط التأمين، التي يدفعها المشتركون، أو عائد استثماراتها.
وهذا من الفروق الأساسية بين شركة التأمين التعاونية، وشركة التأمين التجارية، ففي التأمين التجاري يسعى مؤسسو الشركة إلى تحقيق ربح من الفائض الذي تحققه الشركة من أقساط التأمين أما في التأمين التعاوني فإن هذا الفائض ليس حقا للمؤسسين-المساهمين-، وإنما هو حق للمشتركين جميعاً، يحتفظ به كله أو بعضه كاحتياطي، ويوزع ما زاد عن الاحتياطي على المشتركين، وقد جاء هذا أيضاً في النظام الأساسي في المادتين 59-60 وهذا نصهما:
المادة 59: "يجوز لمجلس الإدارة أن يخصص كل الفائض أو جزءاً منه كاحتياطي عام، أو أي احتياطيات أخرى، ويعتبر ما يخصص تبرعاً من المشتركين".
المادة 60: " في حالة عدم تخصيص كل الفائض كاحتياطيات، تدفع الشركة ما تبقى من الفائض للمشتركين بنسبة أقساطهم".(5/18)
والمعمول به في شركة التأمين الإسلامية أن الفائض يوزع على جميع المشتركين بنسبة اقساطهم من غير تفرقة بين مشترك نزلت به مصيبة فأخذ تعويضاً من الشركة، وآخر لم يأخذ تعويضاً، وهذا المسلك أولى عندي مما تسلكه بعض الشركات من خصم التعويض من اشتراك العضو الذي أخذ تعويضاً، ومحاسبته على الباقي إن وجد، وحرمانه من الفائض إذا زاد التعويض عما دفعه من أقساط أو ساواه، وذلك لأن الفائض حق المشتركين جميعاً، فكل مشترك متبرع للآخرين بما تحتاج إليه الشركة لدفع التعويضات، والتعويض حق من تحققت فيه شروط استحقاقه، فلا وجه لتأثير هذا الحق على ذاك.
2. أن يكون ما يدفعه المشترك قسطاً مقدماً ومحدداً:
هذا الأساس لا يختلف عن المعمول به في شركات التأمين التجارية بالنسبة لدفع القسط مقدماً، وبالنسبة لكيفية تحديده بالأساليب الفنية، ولكنه يختلف عنه بالنسبة للفائض من الأقساط، ففي التأمين التعاوني الفائض حق للمشتركين، وفي التأمين التجاري الفائض حق للمؤسسين كما قلنا، وهذا يجعل قسط التأمين التعاوني أقل منه في التأمين التجاري في الواقع، وإن كان مساوياً له في البداية.
ويختلف عنه أيضا بالنسبة لصفته فالقسط في التأمين التجاري يدفع مقابل العوض المالي الذي تلتزم الشركة بدفعه للمؤمن له، عند وقوع الخطر، وإذا لم يقع الخطر لا تدفع له شيئا، مع تملكها للقسط كاملا، فالتأمين التجاري عقد معاوضة محضة أحد العوضين محدد، وهو القسط الذي يدفعه المؤمن له، والعوض الآخر مجهول حصوله، ومجهول مقداره، ومن هنا دخله الغرر فأفسده.
أما القسط في التأمين التعاوني فيدفعه المشترك متبرعاً به، كله او بعضه، لمن تحل به مصيبة من المشتركين، وهو واحد منهم، فالتأمين التعاوني، عقد تبرع في حقيقته، وإن كان المتبرع قد يحصل على عوض نظير تبرعه، ولكونه عقد تبرع لم يؤثر فيه الغرر، عملا بمذهب الماليكة.(5/19)
3. أن يكون للمشتركين نصيب في إدارة الشركة، ليشعرهم بالتعاون المتبادل، ويمكنهم من رعاية مصالحهم في الشركة، وقد تقرر هذا بالنص في النظام الأساسي على تكوين "هيئة المشتركين" وعلى تمثيل المشتركين في مجلس الإدارة، وذلك في المواد 20 و 21و 24 على النحو التالي:
المادة 20: "تتكون هيئة من المشتركين الذين لا تقل اقساط التأمين التي دفعها كل منهم خلال السنة عن ألف جنيه، أو ما يعادل ذلك بأي عملة أخرى".
المادة 21: "يعرض على هذه الهيئة الحساب الختامي للشركة والتقرير السنوي لمجلس الإدارة قبل مدةلا تقل عن شهر من اجتماع الجمعية العمومية".
المادة 24: "يتكون مجلس الإدارة من عدد لا يزيد عن سبعة أشخاص على أن يكون واحد منهم على الأقل ممثلا للمشتركين".
وهذا النظام لا وجود له في شركات التأمين التجارية، وهو الذي يجعل التعاون حقيقة ملموسة، ويشعر المشتركين بأنهم هم أصحاب الشركة الحقيقيون فينبغي الاهتمام به.
4. أن تكون للشركة هيئة رقابية شرعية تشترك مع المسئولين في الشركة في وضع نماذج وثائق التأمين، وتراجع عمليات الشركة للتأكد من مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية، وقد نص النظام الأساسي على هذا في المواد 64-68.
5. أن تخضع جميع معاملات الشركة في مجال التأمين وغيره لما تفرضه أحكام الشريعة الإسلامية.
وهذا هو أهم الأسس والمهيمن عليها، ولهذا نص عليه في عقد التأسيس المادة 3، ومن أجله انشئت هيئة الرقابة الشرعية، وجاء في النظام الأساسي أنه لا يجوز بأي حال للجمعية العمومية تعديل هذا النص المادة 19-و.
13- نشأت بعد شركة التأمين الإسلامية شركات تأمين تعاونية إسلامية في داخل السودان وخارجه، وظلت شركات التأمين الإسلامية في السودان تعمل بجانب الشركات التجارية التي كانت موجودة قبلها إلى 1992 السنة التي صدر فيها قانون الإشراف والرقابة على أعمال التأمين 1992 الذي نصت المادة 26 منه على الآتي:(5/20)
يشترط لمنح الترخيص بمزاولة أعمال التأمين أن يقدم طلب الترخيص مصحوباً بالمستندات الآتية:
(خامسا) تقديم ما يثبت بأن الشركة لديها هيئة رقابة شرعية تتم الموافقة عليها بواسطة مجلس الافتاء الشرعي .
(سادسا) نسخة من عقد تأسيس الشركة ونظامها الأساسي على أن يكون ذلك وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
(3) تمنح الشركات العاملة في مجال التأمين قبل العمل بهذا القانون مدة يحددها الوزير بموجب أمر منه للوفاء بالالتزامات المنصوص عليها في هذا القانون.
ترتب على هذا القانون تحول جميع شركات التأمين التجارية العاملة في السودان إلى شركات تأمين تعاونية إسلامية في كل منها هيئة رقابة شرعية .
وأوجبت المادة 50 (1) من القانون على كل شركة ان تقدم للهيئة حسابات مراجعة عن كل سنة مالية مدعمة بشهادة من مراجع قانوني، وهيئة الرقابة الشرعية.
14. التأمين الذي تمارسه الشركات
تمارس كل شركات التأمين في السودان التأمين على الأشياء باسم التأمين العام، وقد بين قانون الإشراف والرقابة على أعمال التأمين لسنة 1992م أنواعه وهي : 1- التأمين ضد الحريق 2- التأمين على السيارات 3- التأمين ضد الحوادث المتنوعة 4- التأمين ضد المسئولية المدنية 5-التأمين ضد مسئولية المخدمين6- التأمين ضد أخطار النقل البحري والجوي والبري 7- خيانة الأمانة 8- عمليات التأمين المتنوعة: يشمل هذا النوع أي عمليات تأمين لم تضمن في أي نوع من الأنواع المتقدم ذكرها بعد إجازة هيئة الرقابة الشرعية.
وتمارس بعض شركات التأمين التأمين على الأشخاص باسم التكافل وقد عرفه قانون الاشراف والرقابة على أعمال التأمين بأنه يشمل أنواع التكافل التي تتعلق بالحياة البشرية والأخطار التي تتعرض لها أو تطرأ عليها كالوفاة والعجز والشيخوخة.(5/21)
والأساس الشرعي الذي يقوم عليها التكافل - البديل للتأمين على الأشخاص- هو نفس الأساس الذي يقوم عليه التأمين العام- التأمين على الأشياء- ولكن استحسن تسميته بالتكافل بدلا من التأمين.
15. الهيئة العليا للرقابة الشرعية على أعمال التأمين
صدر بموجب المادة السابعة من قانون الإشراف والرقابة على أعمال التأمين لسنة 1992 م القرار الوزاري رقم (219) لسنة 1992 بإنشاء الهيئة العليا للرقابة الشرعية على أعمال التأمين.
وفيما يلي نص القرار:
قرار وزاري رقم (219) لسنة 1992م
بإنشاء الهيئة العليا للرقابة الشرعية
على أعمال التأمين
استناداً على أحكام المادة السابعة من قانون الإشراف والرقابة على أعمال التأمين لسنة 1992م، وتمشيّاً مع القرارات الصادرة بإلغاء الصيغة الربوية في معاملات الدولة المالية والاقتصادية، وفي إطار أسلمة قطاع التأمين في السودان اصدر وزير المالية والتخطيط الاقتصادي القرار الآتي نصه:-
اسم القرار وبدء العمل به
1- يسمى هذا القرار (قرار بإنشاء الهيئة العليا للرقابة الشرعية على أعمال التأمين) ويعمل به من تاريخ التوقيع عليه.
إنشاء الهيئة
2- تنشأ هيئة عليا للرقابة الشرعية للهيئة العامة للإشراف والرقابة على أعمال التأمين يكون لها الأهداف والاختصاصات والسلطات الواردة بهذا القرار.
أهداف الهيئة
3- تكون للهيئة الأهداف التالية:-
أ. إصدار الفتاوى الشرعية في كل الأمور والموضوعات التي ترفعها الهيئة العامة للإشراف والرقابة على أعمال التأمين.
ب. تنقية نظام التأمين من كل أشكال المعاملات غير الإسلامية .
ج- …توحيد الرؤية الفقهية لهيئات الرقابة الشرعية لشركات التأمين فيما يختص بالمعاملات التأمينية والمالية والاقتصادية .
اختصاصات وسلطات الهيئة
5- تكون للهيئة في سبيل تحقيق أهدافها الاختصاصات والسلطات التالية :(5/22)
أ- الاشتراك مع المسئولين في الهيئة العامة للإشراف والرقابة على أعمال التأمين والمختصين في قطاع التأمين في مراجعة نماذج عقود التأمين للتأكد من خلوها من المحظورات الشرعية.
ب- إقرار الصيغ الشرعية للمعاملات، والمعاملات الفنية لعمليات التأمين.
ج- إبداء الرأي والمشورة فيما يعهد إليها من الهيئة العامة للإشراف والرقابة على أعمال التأمين.
د- دراسة المشاكل الشرعية التي تواجه قطاع التأمين.
ه- إصدار الفتاوى الشرعية في الموضوعات التي يطلب في شأنها فتوى شرعية.
و- مراجعة القوانين واللوائح والمنشورات التي تنظم أعمال التأمين بغرض إزالة ما بها من تعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وذلك بالتنسيق مع الجهات المختلفة.
ز- مراقبة مراعاة التزام وتقيد كل قطاع التأمين بالجوانب الشرعية في جميع أعمال التأمين، وأعمال الاستثمار والمضاربات الاستثمارية.
ح- مساعدة إدارة الهيئة في وضع برامج تدريب للعاملين بالهيئة وقطاع التأمين بما يؤدي إلى استيعاب الصيغ الإسلامية والجوانب الفقهية في مجال التأمين.
ط- إعداد البحوث والدراسات التي تؤدي إلى إثراء اتباع النهج الإسلامي في مجال التأمين.
ي- تقديم تقرير سنوي لوزير المالية والتخطيط الاقتصادي عن السلامة الشرعية للمعاملات التأمينية لقطاع التأمين .
ك- يكون لها الراي النهائي في حالة اختلاف الآراء الفقهية حول أي موضوع خاص بقطاع التأمين .
ل- أي اختصاصات اخرى تراها الهيئة الشرعية لازمة لتحقيق أهدافها.
م- إصدار لائحة لتنظيم أعمالها وتحديد اجتماعاتها.
سلطات الهيئة:
6- يكون للهيئة في سبيل تحقيق الاختصاصات المنصوص عليها في المادة
(5) من هذا القرار السلطات الآتية:-(5/23)
أ- الاطلاع على أي مستندات أو وثائق أو سجلاتها أو عقود او مكاتبات، سواء كانت خاصة بالهيئة العامة للإشراف والرقابة على أعمال التأمين، أو خاصة بأي جهة خاضعة لقانون الإشراف والرقابة على أعمال التأمين ترى أنها لازمة وضرورية لتمكينها من أداء مهامها.
ب- تفتيش أعمال شركات التأمين والجهات الخاضعة لقانون الإشراف والرقابة على أعمال التأمين لعام 1992م بغرض التأكد من سلامة تطبيق الجوانب الشرعية في أعمالها .
إلزامية الفتوى
7- تكون الفتوى الصادرة من الهيئة في المسائل الشرعية ملزمة.
16- بدأت الهيئة عملها بمراجعة عقود التأسيس والنظم الأساسية لشركات التأمين، ووضعت منها ومن القرار الوزاري عقد تأسيس ونظام أساسي نموذجي للعمل به في جميع شركات التأمين .
نص في المادة (3) من عقد التأسيس على الآتي:
تلتزم الشركة في كل تصرفاتها، وتضبط كل معاملاتها بأحكام الشريعة الإسلامية، وتعمل على مراجعة نظمها ولوائحها ووثائقها وعقودها لتتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية .
ونصت المادة (63-67) من النظام الأساسي على الآتي :
(63)- تكون للشركة هيئة رقابة شرعية تختارها الجمعية العمومية بترشيح من مجلس الإدارة، وتحدد مكافآت أعضائها، على أن تكون من ثلاثة أعضاء على الأقل من علماء الشريعة الإسلامية، ويجوز أن يكون واحد منهم من رجال القانون له إلمام بأحكام الشريعة الإسلامية .
(64)- تشترك هيئة الرقابة الشرعية مع إدارة الشركة في وضع نماذج وثائق التأمين والنماذج الأخرى .
(65)- لهيئة الرقابة الشرعية الحق في مراجعة عمليات الشركة للتأكد من مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية .
(66)- يجوز لهيئة الرقابة الشرعية حضور الاجتماعات العامة للشركة وإبداء أي رأي .
(67)- يجوز لرئيس هيئة الرقابة الشرعية أو من يمثلها طلب حضور اجتماعات مجلس الإدارة لطرح أي موضوع .(5/24)
صارت شركات التأمين بعد صدور هذا النموذج من عقد التأسيس والنظام الأساسي تسير كلها على نسق واحد تحت إشراف الهيئة العامة للإشراف والرقابة على التامين .
17- أثر تحول شركات التأمين التجاري إلى شركات تأمين تعاوني إسلامي:
كان لتحول شركات التأمين التجاري في السودان إلى شركات تأمين تعاوني إسلامي أثر واضح في الإقبال على الاشتراك في شركات التأمين، يظهر هذا من الزيادة المتتالية في جملة الاشتراكات كما هو مبين في الجدول التالي:
إجمالي الأقساط المكتتبة بالدينار السوداني
العام
الأقساط
الزيادة
1991
76976
قبل التحول
1992
274084
197108
سنة التحول
1993
603620
329536
بعد التحول
1994
1086733
483113
1995
1902892
816159
1996
3505618
1602726
1997
4818037
1312419
1998
6297713
1479676
1999
7644157
1346444
2000
10387668
2743511
2001
13442955
3055287
المصدر: هيئة الرقابة على التأمين
وبهذا تكون تجربة التأمين التعاوني الإسلامي فى السودان قد نجحت نجاحاً لا تشوبه شائبة سوى ما سأذكره عن إعادة التأمين .
18- إعادة التامين
يري خبراء التامين أن شركات التأمين لا يمكن ان تستمر في أداء خدماتها إلا إذا أعادت التأمين في شركات إعادة التأمين .
وقد كان من أهم المسائل التي عرضت على هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي عندما شرع البنك في إنشاء شركة التأمين الإسلامية هي مسألة إعادة التأمين في شركات التأمين التجارية .(5/25)
درست الهيئة هذه المسألة وأفتت بأنه يجوز لشركة التأمين أن تعيد التأمين لدى شركات إعادة التأمين التجارية، وبنت فتواها على نفس الأساس الذي أفتت بمقتضاه البنك بعدم جواز تأمين ممتلكاته لدى شركات التأمين التجارية، وهو "وجود الحاجة المتعينة التي تجعل الغرر غير مؤثر في العقد"، فقد اقتنعت الهيئة بأن حاجة البنك إلى التأمين على أمواله في شركات التأمين التجارية غير متعينة، لان في إمكانه أن ينشئ شركة تأمين تعاونية إسلامية، فأفتت بعدم الجواز، واقتنعت الهيئة بأن الحاجة لإعادة التأمين لدى شركات إعادة التأمين التجارية عندما تقوم شركة التأمين الإسلامية حاجة متعينة، لعدم وجود شركات إعادة تأمين إسلامية، وعدم استطاعة البنك إنشاء شركة إعادة تأمين إسلامية، فأفتت بجواز إعادة التأمين لدى شركات إعادة التأمين التجارية بالقيود التالية:
تقليل النسبة التي تدفع من الأقساط لشركات إعادة التأمين التجارية الى أدنى حد ممكن - القدر الذي يزيل الحاجة - عملاً بالقاعدة الفقهية "الحاجة تقدر بقدرها" .
عدم تقاضى عمولة من شركة إعادة التأمين التجارية:
الأسلوب المتبع في التعامل بين شركات التأمين التجارية وشركات إعادة التأمين التجارية هو أن شركة التأمين تدفع إلى شركة إعادة التأمين مجموع الأقساط المتفق عليها، وتدفع شركة إعادة التأمين إلى شركة التأمين عمولة إعادة التأمين بالنسب التي يتفق عليها مشاركة منها في مصروفات إدارة شركة التأمين .(5/26)
هذا الأسلوب غير سليم بالنسبة لشركة التأمين الإسلامية، لأن شركة التأمين الإسلامية تؤدى خدماتها للمشتركين، وتأخذ مصروفاتها الإدارية منهم، وليس عن طريق شركة إعادة التأمين، ولان أخذ هذه العمولة يجعل شركة التأمين الإسلامية بمثابة المنتج لشركة إعادة التأمين التجارية، والمفروض أن يكون التعامل محصوراً بين شركة التأمين الإسلامية وشركة إعادة التأمين التجارية بعقد مستقل، ولا يكون للمشتركين في شركة التأمين الإسلامية صلة مع شركة إعادة التأمين التجارية .
ولهذا فان شركة التأمين الإسلامية تعقد اتفاقيات إعادة التأمين على أساس صافى الأقساط، ولا تأخذ عمولة من شركة إعادة التأمين التجارية .
إلا تدفع شركة التأمين الإسلامية فائدة على الاحتياطات التي تحتفظ بها:
جرى العرف في التأمين التجاري أن تحتجز شركة التأمين جزءاً من الأقساط المستحقة لشركة إعادة التأمين لمقابلة الأخطار غير المنتهية، وتدفع عنها فائدة لشركة إعادة التأمين، وقد تجنبت شركة التأمين الإسلامية السودانية هذه المعاملة فلم تحتفظ باحتياطات أول الأمر، ثم وافقت بعض شركات إعادة التأمين للشركة الإسلامية بالاحتفاظ من غير أن تدفع عنها فائدة، ثم تم الاتفاق مع شركة إعادة التامين على أن تستثمر الشركة هذه الاحتياطات بالطرق المشروعة، وتدفع لها نسبة من الربح .
عدم تدخل شركة التامين الإسلامية في طريقة استثمار شركة إعادة التأمين لأقساط التأمين المدفوعة لها، وعدم المطالبة بنصيب في عائد استثماراتها، وعدم المسئولية عن الخسارة التي تتعرض لها .
أن يكون الاتفاق مع شركة إعادة التأمين لأقصر مدة ممكنة، وان ترجع شركة التأمين الإسلامية إلى هيئة الرقابة الشرعية كلما أرادت تجديد الاتفاقية مع شركات إعادة التأمين التجارية .
تحث الهيئة البنك أن يعمل منذ الآن (1977) على إنشاء شركة إعادة تأمين تعاوني تغنيه عن التعامل مع شركات إعادة التامين التجاري .(5/27)
صدر توجيه من الهيئة العليا للرقابة الشرعية على أعمال التأمين بان الأولوية في إعادة التأمين على النحو التالي:
أ. شركة إعادة التأمين الوطنية - السودان - المحدودة .
ب. شركات إعادة التأمين الإسلامية خارج السودان .
ج. شركات إعادة التأمين التعاونية خارج السودان .
د. شركات إعادة التأمين التجارية .
وكنا نأمل ألا يطول أمد استعمال الرخصة في التعامل مع شركات إعادة التأمين التجارية، وأن يستجاب للنداءات المتكررة بإنشاء شركات إعادة تأمين إسلامية تزيل الحاجة إلى شركات إعادة التأمين التجارية، وتجعل التأمين كله تأميناً تعاونيّاً خالصاً .
ونسأل الله أن يوفق مؤتمركم هذا إلى اتخاذ خطوات عملية للقيام بهذا الواجب .
والله الموفق والهادي إلى الصراط المستقيم.
الهوامش
رد المحتار- كتاب الجهاد باب المستأمن 3/345 توفي ابن عابدين 1252هـ.
الجزء الخامس - ص 75 - مؤلف الكتاب هو احمد بن يحيي بن المرتضى بن مفضل بن منصور الحسني المتوفى سنة 840هـ .
التأمين - للدكتور البدراوى 267 .
المحاماة (5) رقم 460 - ص 563 .
مجلة لواء الإسلام - العدد الحادي عشر - السنة الثامنة - رجب 1374هـ .
1. المصدر السابق .
2. المصدر السابق .
3. رسالة السوكرتاه - ص 64 .
4. مجلة الشباب المسلمين السنة (13) العدد (3) في 7/نوفمبر/ 1941م .
5. انظر بحثي عن التأمين في كتاب أسبوع الفقه الإسلامي ومهرجان الإمام ابن تيمية - ص459-461 .
6. انظر ص 17 من هذا البحث، وانظر كتاب الفقه الإسلامي ومهرجان الأمام ابن تيمية - ص 461 .
7. انظر ص 647-656 .
8. كتاب أسبوع الفقه الإسلامي ومهرجان الإمام ابن تيمية 464 .
??
??
??
??
20 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي /جامعة أم القرى
التأمين تقويم المسيرة النظرية والتطبيقية 19(5/28)
التجارة الإلكترونية في الدول الإسلامية
( الواقع - التحديات - الآمال )
الدكتور/ عابد بن عابد العبدلي
أستاذ مساعد- قسم الاقتصاد الإسلامي
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية- جامعة أم القرى
مقدم
للمؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي
الذي تنظمه كلية الشريعة - جامعة أم القرى
مكة المكرمة
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث:
تسعى هذه الدراسة إلى معرفة مدى أهمية ظاهرة التجارة الإلكترونية وتقنية المعلومات والاتصالات على نواحي الحياة المعاصرة لاسيما الجوانب الاقتصادية منها، مع التركيز على تحليل واقع الدول الإسلامية، أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي، وكذلك مناقشة أبرز التحديات والمعوقات التي تواجهها في تطبيق هذه التقنيات، واستعراض أهم المجالات التي يؤمل من البلدان الإسلامية أن تستفيد من تطبيقات التجارة الإلكترونية فيها. وقد أظهرت نتائج الدراسة الأهمية البالغة لهذه الثورة المعلوماتية وتطورها السريع، وآثارها المستقبلية المحتملة على إعادة تشكيل الهياكل الاقتصادية التقليدية. كما أشارت البيانات والإحصاءات إلى مدى تأخر الدول الإسلامية في هذا المجال، وذلك من خلال استعراض المؤشرات ذات العلاقة بتقنية المعلومات والتجارة الإلكترونية مقارنة مع نظيراتها من الدول النامية أو مقارنة بالمعايير الدولية. وقد أوضحت الدراسة العديد من المعوقات والتحديات أمام هذه الدول والتي ينبغي العمل على تذليلها في سبيل الإفادة من تطبيقات التجارة الإلكترونية لما لها من الآثار الايجابية على مختلف قطاعاتها الاقتصادية. كما أشارت الدراسة إلى العديد من المجالات والقطاعات المختلفة التي يمكن للدول الإسلامية أن توظف تقنية المعلومات والتجارة الإلكترونية فيها لتفعيلها وتطويرها.
1. مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا وإمامنا محمد بن عبدالله وآله وصحبه أجمعين وبعد:(6/1)
فإن الإسلام كدين سماوي من لدن عزيز حكيم، وشريعة ربانية لكافة البشرية، جاء بكل ما فيه صلاح للناس في معاشهم في الحياة الدنيا ونجاتهم في آخرتهم. ولأهمية صلاح الإنسان وكسب معاشه في الدنيا، فقد اهتم الإسلام بذلك اهتماما عظيما وحث الإنسان على عمارة الأرض والتدبر والتفكر في آياته الكونية، والبحث عن الوسائل والأسباب التي تسهم في تطوير حياته ومعاشه الدنيوي، قال سبحانه وتعالى:{قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} (101) سورة يونس. ولأهمية العلم في تطوير حياة الإنسان، وكونه وسيلة لاكتشاف أسرار العلوم والمعارف في مختلف المجالات، فقد وهب الله عز وجل الإنسان العقل وميزه عن سائر المخلوقات ليتدبر في آيات الله سبحانه وتعالى وملكوته قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (70) سورة الإسراء، كما اعتنى الإسلام بالعلم والعلماء أيما اعتناء ورفع مكانتهم وفضلهم على غيرهم قال تعالى {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (9) سورة الزمر، وما ذاك الاهتمام إلا لشرف فضل العلم وعلو قدره في الإسلام، بل إن أول خطاب وجهه الله تعالى لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم هو قوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (1) سورة العلق ، مما يدل على أن الإسلام دين يحث على العلم والمعرفة، لأنهما الطريقان لمعرفة الله سبحانه وتعالى وخشيته، وكذا معرفة ما أوجبه عليهم من عباداته ومعرفة ما نهاهم عنه وحذرهم منه، يقول تعالى:(6/2)
{وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأنعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28) سورة فاطر.
لذلك فإن ما من شي فيه صلاح للفرد والمجتمع في حياتهم الدنيوية وآخرتهم إلا وحثهم الإسلام على اكتسابه والإفادة منه، وما من شي فيه ضرر في حياتهم الدنيا أو فساد في آخرتهم إلا حذرهم منه ونهاهم عنه.
ولا ريب أن ما يشهده العالم اليوم من تقدم في العلوم المختلفة ومن اكتشافات واختراعات معرفية لاسيما ما حدث من تقدم في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أو ما يعرف بالثورة المعلوماتية لهو حقا تقدم علمي وإنجاز حضاري يحسب في تاريخ الإنسانية ودليل على التقدم العلمي الذي وصل إليه الإنسان في هذا العصر. إن هذا التقدم التكنولوجي في وسائل الاتصالات قد أحدث ثورة معلوماتية، أسماه البعض الثورة الصناعية الثالثة، ونقلة نوعية في وسائل الاتصالات وسرعة المعلومات، وأصبح العالم المترامي الأطراف قرية كونية صغيرة تتناقل فيها المعلومات إلكترونيا وبسرعة فائقة عبر شبكة الإنترنت، وقد أسهم ذلك في توسيع دائرة حجم التبادل التجاري بين دول العالم، وأضحى العالم في سوق إلكترونية تنافسية واسعة لمختلف السلع والخدمات، وأصبحت مجالا خصبا أمام الدول للإفادة منها كوسيلة حديثة لزيادة حجم تجارتها الخارجية وتحقيق معدلات نمو أعلى في اقتصادياتها.(6/3)
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها الدول الإسلامية أضحت التجارة الإلكترونية بالنسبة لها ضرورة ملحة ومتطلبا تنمويا لزيادة إسهامها في التجارة الخارجية وكذلك تطوير قطاعاتها الإنتاجية المحلية والتسويقية وتوفير فرص واسعة لرفع نموها الاقتصادي. ولكن لكي تحقق الدول الإسلامية الاستفادة من التجارة الإلكترونية فإنه من الضروري أن تعمل على تذليل العقبات التي تواجه استخدام هذه التكنولوجيا فيها، وكذلك توفير متطلباتها الضرورية من البنى التكنولوجية التحتية والتنظيمات والتشريعات المتعلقة بتطبيقاتها.
1/1. أهمية الدراسة:
تكمن أهمية هذه الدراسة في أن التجارة الإلكترونية أصبحت عاملا مؤثرا في نمو اقتصاديات الدول وتعزيز تجارتها الخارجية، وقد غدت وسيلة هامة في زيادة المقدرة التنافسية من تسويق للمنتجات وتوفير المعلومات والخدمات الفورية للمتعاملين، إضافة إلى تمكين المستهلك أينما كان من الطلب الفوري للسلع والخدمات. ولذلك اعتنت الدول المتقدمة وغيرها من الدول بتهيئة اقتصادياتها وبيئتها ومؤسساتها للتحول إلى الاقتصاد الرقمي (Digital Economy) من خلال تطبيق التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت والعمل على الاستفادة القصوى منها. وتعد الدول الإسلامية من الدول المتأخرة في هذا المجال، وهي تعمل جاهدة على توظيف تقنية المعلومات والإفادة من التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت للنهوض باقتصادياتها واللحاق بالدول التي سبقتها في هذا المجال.
1/2. أهداف الدراسة:
يهدف البحث عموما إلى تحليل ظاهرة التجارة الإلكترونية ودراسة واقع الدول الإسلامية إزاء هذه الظاهرة ومدى الإفادة منها، وتحديدا سوف نركز على النقاط التالية:
1- استعراض مفهوم التجارة الإلكترونية وأنواعها ومجالاتها وتطورها والمتطلبات اللازمة لها وآثارها الاقتصادية.(6/4)
2- دراسة تحليلية موضوعية لواقع الدول الإسلامية، أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي، في مجال تقنية المعلومات والاتصالات وأنشطة التجارة الإلكترونية.
3- تحديد ومعرفة أهم التحديات والعقبات التي تواجه الدول الإسلامية في استخدام التجارة الإلكترونية.
4- إبراز أهم المجالات والقطاعات في الدول الإسلامية التي يمكن أن يستفاد فيها من تطبيقات التجارة الإلكترونية.
1/3 خطة ومنهج الدراسة:
في سبيل تحقيق أهداف الدراسة سوف نتناول موضوعات البحث في ثمانية أجزاء. الجزء الأول يتضمن مقدمة للبحث وتشتمل على أهمية البحث وأهدافه وخطة الدراسة. وفي الجزء الثاني نسلط الضوء على مفهوم التجارة الإلكترونية، ثم يليه استعراض المتطلبات الأساسية لقيام التجارة الإلكترونية في الجزء الثالث، وفي الجزء الرابع بيان أهم آثارها على الاقتصاد. أما الأجزاء المتبقية سوف تركز على الدول الإسلامية، حيث نتناول في الجزء الخامس واقع الدول الإسلامية في مجال تقنية المعلومات والاتصالات، ثم استعراض أهم التحديات والعقبات التي تواجهها في استخدام التجارة الإلكترونية في الجزء السادس، يلي ذلك تحديد أبرز مجالات التجارة الإلكترونية وإمكان إفادة الدول الإسلامية منها في الجزء السابع. وأخيرا في الجزء الثامن نختتم البحث بأهم النتائج والتوصيات المقترحة. وتعتمد منهجية الدراسة على استخدام أسلوب التحليل الوصفي لظاهرة التجارة الإلكترونية وواقع الدول الإسلامية، وتوظيف بعض مقاييس ومؤشرات التجارة الإلكترونية وتقنية المعلومات، المتعارف عليها في هذا المجال، للوصول إلى النتائج والتوصيات المطلوبة.
2. مفهوم التجارة الإلكترونية:(6/5)
في هذا القسم سوف نتناول مفهوم التجارة الإلكترونية من خلال استعراض تعريفات التجارة الإلكترونية المتداولة والشائعة، ثم مجالاتها المختلفة وتقسيماتها السوقية حسب الأطراف المتعاملة فيها، يلي ذلك التطور الرقمي لحجم التجارة الإلكترونية منذ بداياتها، وأخيرا نستعرض طرق وأساليب قياس حجم التجارة الإلكترونية.
2/1. تعريف التجارة الإلكترونية:
تعد ظاهرة التجارة الإلكترونية عبر شبكات الإنترنت (E-Commerce)، وما تنطوي عليه من تطبيقات، ظاهرة حديثة كانت بداياتها في أوائل التسعينيات من القرن الماضي(1). وقد ظهر عدة تعريفات يحاول كل منها أن يصف ويحدد طبيعة هذه التجارة الإلكترونية وما يتعلق بها من ممارسات وأنشطة. وربما يرجع تعدد هذه التعريفات إلى أن تطبيقات التجارة الإلكترونية تشتمل على عدة مكونات أساسية لابد من توفرها لتنفيذ عمليات التجارة الإلكترونية، مثل استخدام الحواسب الآلية وتقنية الاتصالات ونظم المعلومات والبرمجيات وغيرها. ومفهوم التجارة الإلكترونية بعامة يندرج تحت مفهوم أوسع يسمى بالاقتصاد الرقمي (Digital Economy) حيث يشمل الأخير التجارة الإلكترونية والقطاعات المنتجة والمستخدمة لتقنية المعلومات، وأجهزة الاتصالات، وقطاعات خدمات الاتصالات(2). ومن تعريفات التجارة الإلكترونية المتداولة في أدبيات هذه الظاهرة أنها " ممارسة تجارة السلع والخدمات بمساعدة أدوات الاتصال وغيرها من الوسائل ذات العلاقة بالاتصالات(3). ويعرفها آخرون بأنها " إتمام أي عملية تجارية عبر شبكات الحاسب الآلي الوسيطة والتي تتضمن تحويل أو نقل ملكية أو حقوق استخدام السلع والخدمات(4)، حيث تعقد العملية التجارية ضمن آلية إلكترونية معينة مثل عملية البيع والشراء، وتتحقق العملية عندما يتم الاتفاق بين الطرفين أي البائع والمشتري على نقل ملكية أو حق استخدام السلع أو الخدمات عبر شبكات الحاسب الآلي الوسيطة، وتعد الموافقة الإلكترونية أو(6/6)
الرضاء بين البائع والمشتري على عقد عملية البيع أو الشراء عنصرا أساسا في تحديد مفهوم التجارة الإلكترونية. لذلك فإن العمليات المجانية مثل تحميل البرامج المجانية (Downloading Free software) المتاحة في الإنترنت تستثنى من مفهوم التجارة الإلكترونية(5). وهناك من يعرف التجارة الإلكترونية وفقاً لمكوناتها أو الأطراف المشاركة فيها، فمن وجهة نظر خبراء الاتصالات تمثل التجارة الإلكترونية وسيلة من أجل إيصال المعلومات أو الخدمات أو المنتجات عبر خطوط الهاتف أو عبر الشبكات العنكبوتية أو عبر أي وسيلة تقنية. ومن وجهة نظر أصحاب الأعمال التجارية هي عملية تطبيق التقنية من أجل جعل المعاملات التجارية تسير بصورة تلقائية وسريعة، في حين أنها من جانب الخدمات تعرف بأنها أداة من أجل تلبية رغبات الشركات والمستهلكين والمدراء في خفض تكلفة الخدمة والرفع من كفاءتها والعمل على تسريع إيصال الخدمة. و أخيرا يصفها خبراء الإنترنت بأنها التجارة التي تفتح المجال من أجل بيع وشراء المنتجات والخدمات والمعلومات عبر الإنترنت(6).
2/2. مجال التجارة الإلكترونية:
تعد التجارة الإلكترونية مفهوما واسعاً يشمل أي نشاط أو تعاملات تجارية تتحقق بين أطراف متعددة عبر الوسائل الإلكترونية وأهمها شبكة الإنترنت، لذلك فإن أي نموذج للتجارة الإلكترونية يشتمل على الأطراف الأساسية المعنية بالتعامل التجاري (انظر شكل 3)، وعليه يمكن تقسيم التجارية الإلكترونية حسب طبيعة وهوية الأطراف الأساسية المعنية بالتعامل التجاري كالآتي:(6/7)
أ. التعامل بين شركة تجارية وشركة تجارية أخرى - Business to Business) B2B) - وهذا النوع من التجارة الإلكترونية تتم فيه المعاملات من بيع وشراء وتبادل للمعلومات في مساحة سوقية إلكترونية(7) ( Market space ) بين الشركات التجارية. ويشكل هذا النوع من المعاملات التجارية بين قطاعات الأعمال (B2B) أغلب معاملات التجارة الإلكترونية حيث تستحوذ على ما يقارب 80 % من إجمالي حجم التجارة الإلكترونية في العالم(8). وتشير بعض مراكز الأبحاث إلى أنه من المتوقع أن يبلغ حجم عوائد التجارة الإلكترونية بين القطاعات التجارية على مستوى العالم إلى نحو 7.2 تريليون دولار بحلول عام 2004م، ويعزى هذا التوقع في ارتفاع حجم التجارة بين القطاعات التجارية إلى تحول هذه القطاعات إلى وسائل إلكترونية لإنجاز معاملاتها عوضا عن وسائلها التقليدية، حيث إن استخدام تقنية المعلومات في التعاملات التجارية أثبت مقدرته في تخفيض التكاليف وتسريع إنجاز معاملاتها(9)، إضافة إلى ذلك فإن القطاعات التجارية الكبيرة لديها خبرة في التعاملات الإلكترونية باستخدام تقنية التبادل الإلكتروني للبيانات(10) - Electronic Data Interchange (EDI) - لأغراض المبادلات التجارية فيما بينها بشكل آمن عبر ما يسمى بشبكات القيمة المضافة - Value added network (VAN).(6/8)
ب. التعامل بين الشركة أو المؤسسة التجارية والمستهلك Business to Consumer (B2C) وهذا النوع من التجارة الإلكترونية يتم فيه التعامل من بيع وشراء بين المؤسسات التجارية والأفراد أو المستهلكين، ويشمل هذا السوق قطاعات التجزئة التي تبيع المنتجات والخدمات للمستهلكين عبر شبكة الإنترنت. ويتم التعامل بين الشركة والأفراد سواء على مستوى السوق المحلي أو الدولي، حيث يقوم المستهلك بطلب السلعة أو الخدمة من موقع الشركة في الإنترنت ويدفع ثمنها بالبطاقة مثلا ثم بعد ذلك يحصل على السلعة أو الخدمة مباشرة إذا كانت منتجاً رقمياً أو عن طريق البريد التقليدي إذا كان غير قابل للتسليم إلكترونيا(11). وبالرغم أن هذا المجال من التجارة الإلكترونية لا يزال محدودا مقارنة بالتجارة الإلكترونية بين مؤسسات الأعمال التجارية (B2B)، إلا أن الاهتمام والخطط الاستراتيجية للشركات التجارية تتجه نحو الاستفادة من قطاع الأفراد والمستهلكين، سيما وأن الشركات الكبيرة ذات السمعة التجارية الحسنة تستطيع أن تكسب التعامل الإلكتروني على مستوى الأفراد في كافة أنحاء العالم(12). وقد بلغ حجم التجارة الإلكترونية بين المؤسسات التجارية والمستهلكين في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها نحو 20 مليار دولار في عام 1999م ، ويتوقع أن يصل إلى 2000 مليار دولار في عام 2004م (13). ويشمل هذا التعامل التجاري أيضا الاتجاه المعاكس بين المستهلك والمؤسسة التجارية، عندما يقوم الأفراد والمستهلكون ببيع خدماتهم للمؤسسات أو الشركات التجارية، وإن كان حجم هذا التعامل ضئيلاً جدا.(6/9)
ج. التعامل بين المؤسسة التجارية والحكومة - Business to Government (B2G) - وهذا الجانب من التجارة الإلكترونية لا يزال في مراحله الأولية في معظم الدول، كما أن أغلب هذا النشاط يتركز على التفاعل الإلكتروني بين المؤسسات التجارية والمؤسسات الحكومية مثل عمليات إثباتات ومدفوعات الضرائب ومدفوعات التراخيص التجارية ورسوم الجمارك وتخليص الواردات من البضائع منها، بالإضافة إلى ما تقوم به المؤسسات الحكومية من مشتريات من المؤسسات التجارية إلكترونيا(14).
د. هناك فئات من التعاملات التجارية الإلكترونية الأخرى مثل التعامل بين المستهلك والمستهلك Consumer to Consumer (C2C) حيث يكون التعامل التجاري الإلكتروني بين الأفراد المستهلكين أنفسهم، وفيه تكون عملية البيع والشراء بين مستهلك و مستهلك آخر من خلال وضع إعلانات على المواقع الشخصية في الإنترنت بهدف بيع الأغراض الشخصية أو بيع الخبرات للآخرين، ويشمل ذلك المزادات الإلكترونية التي تتم فيها التعاملات التجارية بين الأفراد(15). وهناك أيضا تعاملات إلكترونية بين الأفراد والمؤسسات الحكومية، وهذا يشمل التفاعل الإلكتروني في مجال الخدمات والمعاملات الرسمية بين الأفراد والحكومة. ويمكن اعتبار التعامل ما بين المؤسسات الحكومية من جهة والأفراد والمؤسسات التجارية من جهة أخرى جزء من مفهوم الحكومة الإلكترونية (Electronic Government)(16).
2/3. تطور التجارة الإلكترونية:(6/10)
أدى التطور المستمر في تقنية المعلومات والاتصالات (ICT) إلى ظهور شبكة الإنترنت، في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وانتشارها بشكل سريع في جميع دول العالم حيث أصبحت وسيلة هامة لإنجاز المعاملات بأساليب إلكترونية. ومع الازدياد المتنامي لعدد مستخدمي الإنترنت على مستوى العالم تنوعت استخدامات شبكة الإنترنت والاستفادة منها في مختلف مناحي الحياة، ومن بينها مجال التجارة الإلكترونية في مختلف القطاعات الاقتصادية السلعية منها والخدمية من بيع أو شراء وتسويق وترويج و إعلان وغيره.
ويشير الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) إلى أن أعداد المستخدمين للإنترنت في تزايد مستمر، حيث كانت 4.5 مليون مستخدم في 1991م ثم تضاعفت حتى بلغت 60 مليون في عام 1996م ، وتوقع أن يصل عدد مستخدمي الإنترنت في عام 2006م إلى 600 مليون مستخدم(17)، وتشير الإحصائيات التي أوردتها (Emarketr) أن عدد المستخدمين للإنترنت بلغ 445.9 مليون مستخدم ، وتوقعت أن يصل إلى 709.1 مليون في عام 2004م، وأشار (Computer Industry Almanac) إلى أن أعداد المستخدمين بلغ 533 مليون وتوقع أن يتجاوز المليار مستخدم بحلول عام 2006م(18).
جدول 1: نمو حجم التجارة الإلكترونية عبر الإنترنت في العالم حسب مصادر مختلفة (مليار دولار أمريكي)(19).
المصدر
2000
2001
2002
2003
2004
2005
2006
Forrester
-
-
2293.50
3878.80
6201.10
9240.60
12837.30
IDC
354.90
615.30
-
-
-
-
-
Emarketer
B2B only
278.19
474.32
823.48
1408.57
2367.47
-
-(6/11)
وقد صاحب هذا التطور في أعداد المستخدمين للإنترنت نموًّ في حجم التجارة الإلكترونية في قطاعات مختلفة، حيث قدرت بعض المصادر أن التسوق عبر شبكة الإنترنت في عام 1999م يمثل نحو 13% من إجمالي حجم تسوق المستهلكين، كما توقعت أن تتضاعف إلى 26% بحلول عام 2007م(20). ويشير جدول 13 إلى النمو الكمي لتطور التجارة الإلكترونية بين قطاعات الأعمال (B2B) وكذلك بين الأعمال والمستهلكين (B2C) منذ عام 2000م بحسب المناطق الجغرافية المختلفة، ويوضح أن إجمالي حجم التجارة الإلكترونية يتضاعف تقريباً كل عام، وقدر بنحو 6.8 تريليون دولار بحلول عام 2004م وبما يعادل 8.6 % من إجمالي حجم التجارة في العام نفسه. وتوقعت مصادر أخرى (انظر جدول 1) أن حجم التجارة سيبلغ نحو 9.3 تريليون في عام 2005م وإلى نحو 12.9 تريليون في عام 2006م. وكذلك أوردت (ActivMedia) نمو التجارة عبر الإنترنت في سلسلة زمنية ممتدة من 1994م إلى 2002م، حيث تظهر نمو أسياً لحجم التجارة الإلكترونية منذ مطلع التسعينات حتى عام 2002م (انظر: شكل 4 وجدول 2). ومن ناحية أخرى، نلاحظ في جدول 13 أن هناك اختلافا واضحاً في أنصبة الدول والمناطق الجغرافية من التجارة عبر الإنترنت، حيث تستحوذ دول أمريكا الشمالية على نحو 50.9 % ، يمثل نصيب الولايات المتحدة الأمريكية وحدها نحو 47%، بينما تبلغ أنصبة دول آسيا والباسيفيك وأوربا الغربية وأمريكا اللاتينية على 24.3% و 22.6% و 1.2% على التوالي. ويشير الجدول أيضا إلى أن هيمنة التجارة الإلكترونية المتوقعة في عام 2004م قدرت بنحو 13% في الولايات المتحدة الأمريكية وبنسبة 16.4% في كل من استراليا وكوريا، وربما يعزى ذلك إلى النمو السريع في استخدام الإنترنت وتفضيل المشتركين والقطاعات التجارية إجراء العمليات التجارية عبر شبكة الإنترنت في تلك الدولتين.(6/12)
وبالنسبة للمقارنة بين حجم التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت وحجم التجارة عبر الوسائل الأخرى، نلاحظ أنه في حين أن التجارة عبر الإنترنت تتنامى بشكل أسرع وخلال فترة قياسية، نجد أن حجم التجارة عبر القنوات الأخرى في انخفاض ملحوظ، فمن شكل 5 نلاحظ أن حجم التجارة عبر شبكة الإنترنت كان في عام 1997م لا يتجاوز 15%، إلا انه في عام 2000م تضاعف حتى بلغ نحو 42% من إجمالي التجارة. ومن جهة أخرى، انخفضت حجم التجارة التي تعقد عبر وسائل أخرى، مثل الهاتف والفاكس والبريد أو المعاملات التجارية المباشرة، من 75% في عام 1997م إلى نحو 58% في عام 2000م مما يدل على تنامي الاهتمام بشبكة الإنترنت كوسيلة لعقد العمليات التجارية محل الوسائل أو القنوات التقليدية السابقة. ويؤكد هذا النمو المستمر في التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت بعض المصادر ومراكز الأبحاث المختلفة، حيث قدرت حجم التجارة الإلكترونية بأكثر من700 مليار دولار في عام 2001م في حين أنها لم تتجاوز حاجز 3 مليار دولار في عام 1996م (انظر جدول 2).
جدول 2 : حجم التجارة الإلكترونية في العالم خلال الفترة 1994- 2002 م. (مليار دولار أمريكي)(21).
السنة
1994
1995
1996
1997
1998
1999
2000
2001
2002
العوائد
0.008
0.436
2.9
21.8
73.9
180
377
717
1234
ومن ناحية التوزيع الجغرافي لحجم التجارة الإلكترونية، نلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية تستحوذ على النصيب الأوفر منها عن بقية الدول الأخرى، حيث تشير بعض مراكز الأبحاث أن نحو 85 % من إجمالي حجم التجارة عبر شبكة الإنترنت خلال عام 96/1997م كان من نصيب الولايات المتحدة الأمريكية(22).
2/4. أساليب قياس حجم التجارة الإلكترونية:(6/13)
تمثل صعوبة قياس حجم التجارة الإلكترونية أحد التحديات المصاحبة لهذه الظاهرة والتي تواجه كل من صانعي السياسات الاقتصادية على مستوى الحكومات، ومتخذي قرارات الاستثمار على مستوى أصحاب الأعمال والقطاعات الخاصة، وكذلك تشكل تحديا فنيا على مستوى مصالح ومراكز الإحصاءات المعنية بقياس وتقدير حجم مؤشرات التجارة الإلكترونية. ويبرز هذا التحدي مع النمو المستمر في أعداد القطاعات والمؤسسات التي تستخدم الإنترنت في معاملاتها التجارية، وكذلك مع تنوع وتعدد السلع والخدمات التي تدخل في مجال التجارة الإلكترونية(23). وترجع صعوبة قياس التجارة الإلكترونية إلى عدة عوامل، منها ما يتعلق بتحديد مفهوم التجارة الإلكترونية ومكوناتها، وكذلك سرعة نموها والتطور التكنولوجي المصاحب لها، بالإضافة إلى أن العديد من المؤسسات التجارية تقوم بالتجارة الإلكترونية والتجارة التقليدية في آن واحد. وبسبب هذه العوامل وغيرها، فإن أساليب قياس حجم التجارة الإلكترونية سواء من حيث الأرقام الفعلية أو التقديرية ستظل تفتقر إلى الدقة والموثوقية(24). ولذلك فإن إحصاءات التجارة الإلكترونية التي تنشرها بعض مراكز البحوث والقطاعات الخاصة تظهر متباينة، وإلى حد كبير أحيانا(25). وبالرغم من القصور في أساليب قياس التجارة الإلكترونية، إلا أن الدول وكذلك القطاعات الخاصة تعمل على إنشاء برامج قياس لإيجاد مؤشرات تعكس طبيعة وتطور أنشطة التجارة الإلكترونية، وذلك بهدف قياس أثرها على القطاعات الاقتصادية، وقياس نموها، ومقارنتها بين مختلف الدول. ومن الأساليب المتبعة في قياس حجم التجارة الإلكترونية:
أ. جمع البيانات الرقمية عن استخدام تقنية المعلومات والاتصالات واستخدام الإنترنت، ويتميز هذا الأسلوب بسهولة تحصيله من مصادر مختلفة، وبالتالي توفر عنصر الثقة والدقة في مثل هذه الأرقام، ومن ثم تستخدم هذه الأرقام في معرفة أو تقدير حجم الأنشطة التجارية عبر الإنترنت.(6/14)
ب. جمع بعض الإحصاءات ذات العلاقة بأنشطة التجارة الإلكترونية، مثل معرفة مؤشرات الاستعداد الإلكتروني (Electronic Readiness) في المجتمعات، وذلك بحصر المؤسسات والقطاعات التجارية التي لديها أجهزة حاسب آلي وتوفر إمكانية استخدامها للإنترنت. وكذلك معرفة مؤشرات الكثافة، أي تلك المؤسسات التجارية التي تستقبل طلبات العملاء والمدفوعات عبر شبكة الإنترنت. وهذا الأسلوب يتناسب مع كثير من البلدان النامية التي لا تزال في المراحل الأولى في استخدام الإنترنت(26).
ج. إجراء المسح الميداني على مستوى المؤسسات التجارية، سواء في قطاع الجملة أو قطاع التجزئة، وذلك لمعرفة حجم أنشطتها عبر شبكة الإنترنت(27). ويجري هذا المسح سنويا أو ربع سنويا حتى يغطي الأنشطة التجارية المتجددة عبر الإنترنت.
د. إجراء المسح الميداني على مستوى الأفراد والأسر (قطاع المستهلكين) لمعرفة توفر أجهزة الحاسب الآلي، وكذلك معرفة إمكانية الدخول إلى الإنترنت وحجم إنفاقهم على التجارة الإلكترونية(28).
3- متطلبات التجارة الإلكترونية:
لكي تصبح التجارة عبر شبكة الإنترنت متاحة في أي مجتمع فإنه لابد من توفر البيئة المناسبة لها وكذلك المتطلبات اللازمة لتحقيقها. وفي هذا القسم سوف نتناول، بإيجاز، هذه المتطلبات وفق التقسيمات التالية:(6/15)
أ. البنية التحتية الإلكترونية، وتشمل البنى التحتية الداعمة للتجارة الإلكترونية وعقد التعاملات التجارية عبر شبكة الإنترنت. ومن أبرز مكونات هذه البنية قطاع تقنية المعلومات والاتصالات (ICT) وتشمل شبكات الاتصال السلكي واللاسلكي وأجهزة الاتصالات من فاكس وهواتف ثابتة ومتنقلة، وكذلك الحواسب الآلية وبرامج التطبيقات والتشغيل، وخدمات الدعم الفنية، ورأس المال البشري المستخدم في الأعمال والتجارة الإلكترونية، إضافة إلى توفر القطاعات المنتجة لتقنية المعلومات. فهذه المكونات توفر البيئة التحتية الإلكترونية التي تساعد على انتشار استخدام الإنترنت وتهيئ البيئة المناسبة للتجارة الإلكترونية. ويعتبر انتشار الإنترنت عاملا رئيسا في الدخول للتجارة الإلكترونية، لأنها بمثابة القناة الإلكترونية أو السوق الإلكتروني الذي تتم من خلاله المعاملات والتبادلات التجارية. كما أن انتشار الإنترنت يعتمد على توفر عناصر أساسية منها توفر أجهزة الحاسب الآلي الشخصية والهواتف والحاسبات المضيفة، وإمكانية الدخول إلى الإنترنت من خلال معرفة عدد المستخدمين والمشتركين والمستخدمين المحتملين للإنترنت(29).(6/16)
ب. التشريعات والأنظمة للتجارة الإلكترونية: وتشمل التشريعات والقوانين والقواعد التي تتلاءم مع طبيعة التجارة عبر شبكة الإنترنت. وتمثل هذه التشريعات الإطار القانوني والتنظيمي الذي يضمن استمرار التجارة الإلكترونية وحماية حقوق الأطراف المتعاملة فيها. كما يتكفل هذا الإطار القانوني بإيجاد الأدوات القانونية التي تتناسب والتعاملات الإلكترونية مثل وسائل التعاقد عبر شبكة الإنترنت أو عبر البريد الإلكتروني، والشروط اللازمة لذلك، وفض النزاعات التجارية الإلكترونية سواء كانت في داخل المجتمع أم كانت بين أطراف في دول مختلفة، وكذلك التعامل مع وسائل الإثبات للأطراف المتنازعة تجاريا عبر شبكة الإنترنت. وتشمل أيضا هذه التشريعات القضايا المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية، والجرائم الإلكترونية وتحديد مفهوم الضرر والإتلاف الناجم عن تلك الجرائم، والتعامل مع التوقيعات الإلكترونية وما هي صيغة الإيجاب والقبول الكترونيا.
ج. توفر الكوادر البشرية: ويمثل هذا الجانب أحد مقومات نجاح التجارة الإلكترونية في أي مجتمع، وتشمل هذه الكوادر البشرية المتخصصين في قطاع تقنية المعلومات وشبكات الاتصال والإنترنت والبرامج التطبيقية ذات العلاقة بالتجارة عبر الإنترنت. ومن ناحية أخرى تتطلب التجارة الإلكترونية ما يسمى بالاستعداد الإلكتروني (E-Readiness) أي المجتمع القادر والذي لدية الرغبة في استخدام وممارسة التجارة عبر شبكة الإنترنت. ويرتفع معدل الاستعداد الإلكتروني لأي مجتمع من خلال تطوير نوعية الأنظمة التعليمية وتوسيع دائرة الفرص لأفراد المجتمع للاستفادة منها حتى يصبح مجتمعا ذا معرفة وثقافة تكنولوجية، بالإضافة إلى توفير الفرص للمؤسسات والمعاهد التعليمية والمدارس لأستخدم تقنية المعلومات والاتصالات، وتكييف المناهج التعليمية مع المعارف التقنية.(30)
4- آثار التجارة الإلكترونية على الاقتصاد:(6/17)
أحدث التطور التكنولوجي الذي شهده العالم، مع دخوله القرن الحادي والعشرين، ثورة معلوماتية، أطلق عليها الثورة الصناعية الثالثة أو الموجة البشرية الثالثة، بعد الموجة الزراعية والصناعية التي مرت بهما البشرية في تاريخها الطويل. ويتوقع أن تقود هذه الثورة المعلوماتية إلى قيام اقتصاد جديد يطلق عليه اقتصاد المعلومات (Information Economics) يختلف في نوعيته وبنيته وآلياته ونظرياته عن الاقتصاد التقليدي، مما يؤدي إلى إضافة قطاع اقتصادي جديد بجانب القطاعات الاقتصادية التقليدية: الزراعية والصناعية والخدمية. وتوقعت دراسات قامت بها منظمة التعاون الاقتصادي أن يهيمن هذا الاقتصاد الجديد (اقتصاد المعلومات) على نحو 80% من حجم النشاط الاقتصادي الإجمالي بحلول عام 2012م(31).
وفي ظل التوقعات المتفائلة لهذا التحول، من الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد جديد، فإن ثمة دلائل وإشارات تؤيد هذه التوقعات، يمكن بيانها من خلال استعراض بعض الآثار والفوائد لتطبيقات التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت والتي أضحت القوة الدافعة لاقتصاد المعلومات الجديد. وفي هذا القسم سوف نجمل هذه الآثار والفوائد المتحصلة من التجارة عبر شبكة الإنترنت على مستوى قطاعات الأعمال ومستوى الأفراد (المستهلكين) والمستوى القومي أو الكلي.
4/1. الآثار الاقتصادية للتجارة الإلكترونية على مستوى قطاع الأعمال.
تتلخص أبرز الفوائد الاقتصادية للتجارة الإلكترونية المتحصلة على مستوى المؤسسات والشركات التجارية في الآتي:(6/18)
أ- توسيع نطاق السوق: حيث تعمل التجارة الإلكترونية على توسيع دائرة السوق المحلي وكذلك النفاذ إلى الأسواق العالمية وخلق أسواق جديدة كان من المتعذر إيجادها في ظل التجارة التقليدية، لأن ممارسة التجارة عبر شبكة الإنترنت تجعل المنتجات من السلع والخدمات متاحة لأكبر عدد ممكن من المستهلكين. وهذا يتيح حتى للمنشآت الصغيرة والمتوسطة الحضور في الأسواق المحلية والدولية الأمر الذي يمنح فرصة أكبر للمستهلك للاختيار من بين المنتجات المعروضة(32). ويعد الدخول اليسير والفعال إلى الأسواق المحلية والدولية لمؤسسات الأعمال أحد الفوائد المباشرة للتجارة الإلكترونية التي تعتمد على الإنترنت. ولذلك فإنه بإمكان أي فرد أن يصبح تاجرا على الإنترنت بتكاليف منخفضة جدا. وعلاوة على إمكان الوصول إلى الأسواق العالمية، فإن الشركات التي تبنت التجارة الإلكترونية تؤكد وجود فوائد ومنافع أخرى لهذه التجارة مثل تقليص أوقات أو فترات التوريد، واختصار أوقات دورات الإنتاج، وتبسيط عمليات وإجراءات الشراء، بالإضافة إلى إنقاص المخزون، لأن المنتجين والمستهلكين يصبحون قريبين جدا من بعضهم البعض من خلال الاتصال المباشر فيما بينهم، دون تدخل الوسطاء التقليديين مثل الموردين والمصدرين وتجار الجملة والتجزئة(33).(6/19)
ب- تفعيل مفهوم المنافسة الكاملة في السوق: حيث تعمل التجارة الإلكترونية على تقليص المسافات بين المنتجين والمستهلكين مما يتيح التواجد الإلكتروني القريب بين البائع والمشتري الأمر الذي يؤدي إلى تحسين مستوى ونوعية المنتج عن طريق خدمات ما قبل وبعد البيع، وتوفر المعلومات عن طبيعة المنتجات وأسعارها ومنتجيها في الأسواق، وكذلك الاستجابة السريعة لطلبات السوق مما يؤدي في نهاية الأمر إلى تحسين درجة التنافسية في الأسواق الإلكترونية(34). كما أن انخفاض تكاليف العمليات التجارية وانخفاض عوائق الدخول في الأسواق من شأنه تقليل بعض الاختلافات في الأسواق التجارية، وتحريك الأنشطة الاقتصادية والوصول بها إلى أن يكون اقتصادا يعتمد على المنافسة الكاملة(35).(6/20)
ج- انخفاض تكاليف العمليات التجارية: تمثل تكاليف الصفقات التجارية المتمثلة في جمع المعلومات والتفاوض وأتعاب السمسرة وعمولات المبيعات والإجراءات الإدارية وغيرها جزء مهما في سعر المنتج. وتلعب التجارة الإلكترونية دورا بارزا في تخفيض هذه التكاليف من خلال تحسين وتدفق المعلومات وزيادة تنسيق الأعمال، وكذلك انخفاض تكاليف البحث عن المعلومات المتعلقة بالمشترين المحتملين والبائعين في السوق(36). كما تمكن التجارة الإلكترونية مؤسسات الأعمال من تنسيق استراتيجياتها ومواردها ومهاراتها بتكوين علاقات طويلة المدى، لا سيما تلك المؤسسات أو الشركات التكنولوجية كثيفة المعلومات، وذلك من خلال الشبكات الإلكترونية التي تتيح تقاسم المعلومات. ويعتقد بعض الباحثين أن صور هذه الشبكات التي تنظم التجارة الإلكترونية سوف تسود في المستقبل القريب وتصبح هي الهيكل التنظيمي لكل التعاملات الاجتماعية بين الناس(37). ومن ناحية أخرى تسهم التجارة الإلكترونية في خفض التكاليف الإدارية لدى مؤسسات الأعمال في توزيع وحفظ واسترجاع المعلومات الورقية، وقد يصل خفض التكاليف الإدارية لعمليات الشراء إلى 85%(38)، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض أسعار المنتجات(39).(6/21)
د- تحكم أفضل في إدارة المخزون: تسهم التجارة الإلكترونية في خفض المخزون عن طريق استعمال عملية السحب في نظام إدارة سلسلة التوريد، حيث تبدأ العملية بالحصول على الطلب التجاري من المشتري وتزويده بطلبه من خلال التصنيع الوقتي المناسب(40)، وهذا من شأنه العمل على تقليص الدورة التجارية بدرجة كبيرة حيث يتم شحن المنتج مباشرة من المصنع إلى المشتري النهائي. ويظهر ذلك بشكل كبير في المنتجات الرقمية، أي السلع والخدمات التي يتم تسليمها إلكترونيا(41). وبذلك تصبح التجارة الإلكترونية أداة مهمة في إدارة المخزون وانخفاض تكاليف التخزين، وهذا له آثار اقتصادية على المستوى الكلي إذا علمنا أن 10% من التقلب ربع السنوي في معدلات نمو الإنتاج تعود نتيجة للتقلب في الاستثمار في المخزون. فإذا كانت التجارة الإلكترونية تعمل على تخفيض المخزون إلى حده الأدنى، فإنه من المتوقع أن يكون أحد آثار التجارة الإلكترونية هو تخفيف آثار الدورة التجارية الناجمة عن التغير في المخزون. ومع تطور تقنية المعلومات والاتصالات وتدفق المعلومات بشكل أفضل فإنه من المتوقع أن ينخفض أثر المخزون على الدورة التجارية إلى حده الأدنى بل ربما ينعدم(42).
4/2. الآثار الاقتصادية للتجارة الإلكترونية على مستوى المستهلكين.
بجانب الفوائد والمزايا المتحصلة لقطاع الأعمال من استخدام التجارة الإلكترونية، فإن المستهلك له أيضا نصيب من التجارة الإلكترونية إذا كان مستهلكا إلكترونيا عبر شبكة الإنترنت. وتتمثل أبرز هذه الفوائد في الآتي:(6/22)
أ- سرعة وسهولة التسوق: حيث يكون لدى المستهلك نطاقا أوسع للتسوق عبر شبكة الإنترنت، وعلى مدار الساعة، وفي أي يوم يريد، وأي مكان على سطح الأرض. فأي شخص لديه حاسب آلي ومتصل بالإنترنت فإن بإمكانه أن يصبح مستهلكا عالميا، وهو في منزله، وما عليه إلا أن يتعامل مع أزرار الحاسب الآلي، وتصفح المواقع التجارية الإلكترونية المفتوحة عبر الإنترنت.
ب- تعدد الخيارات: توفر التجارة الإلكترونية العديد من الخيارات للمستهلك نتيجة لإمكان الوصول إلى منتجات ومراكز تسوق لم تكن متوفرة بالقرب من المستهلك. فمع دخول المستهلك إلى التجارة الإلكترونية فإن الفرصة متاحة له بأن يبحث عن سلعته المفضلة أو التي يبحث عنها عبر المواقع التجارية في الإنترنت. بينما في حالة التسوق التقليدي فإن المستهلك ليس أمامه إلا المنتجات المعروضة في الأسواق التقليدية، ويتعذر علية البحث في أسواق أخرى لعدم توفر المعلومات لديه عن الأسواق الأخرى وكذلك لارتفاع تكاليف البحث والحصول على المنتج.(6/23)
ج- انخفاض الأسعار وسرعة الحصول على المنتج: في ظل تعدد وتنوع المنتجات في المواقع التجارية الإلكترونية فإن المستهلك سوف يبحث عن المنتج الأقل سعرا والأفضل جودة، وذلك من خلال مقارنة أسعار ونوعيات المنتجات بسهولة وسرعة فائقة مما يمكن المستهلك في نهاية الأمر اختيار أفضل العروض. في حين أن الأمر أصعب في حالة التجارة التقليدية لأنه يتطلب زيارة كل موقع جغرافي من أجل مقارنة أسعار ونوعيات المنتجات(43). إضافة إلى ذلك، فإن أسعار المنتجات في التجارة الإلكترونية تكون أقل عن مثيلاتها في التجارة التقليدية نتيجة لانخفاض التكاليف الإدارية التي يتحملها المنتجون، وهذا من شأنه خفض أسعار المنتجات المعروضة في المواقع التجارية في الإنترنت(44). ومن ناحية أخرى، يتميز المستهلك الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت بسرعة حصوله على المنتج الذي قام بطلبه وشرائه إلكترونيا، لاسيما إذا كانت منتجات خدمية أو منتجات قابلة للتحويل إلى منتجات رقمية مثل الكتب والأبحاث والمجلات وبرامج الحاسب الآلي والمواد الصوتية والفوتوغرافية وغيرها، حيث يتم الحصول على هذه المنتجات خلال ثوان بعد إتمام عملية الشراء من الموقع. كذلك فإن الحصول على المنتجات غير الرقمية يتم بطريقة أسرع مما لو تم الطلب بالطرق التقليدية، لأن عملية الطلب والمدفوعات وكافة المعلومات المتعلقة بالطلب تتم بطريقة إلكترونية مما يمكن المنتج من إرسال الطلب بسرعة وسهولة إلى المشتري، بينما يستغرق الأمر أسابيع وربما أشهر إذا تم الطلب تقليديا.(6/24)
د- سرعة وسهولة تبادل المعلومات بين المستهلكين: حيث توفر الإنترنت إمكانية تبادل المعلومات والآراء وتجارب المستهلكين المتعلقة بالمنتجات والخدمات عبر مجتمعات إلكترونية مثل المنتديات وغيرها(45)، الأمر الذي يوفر البيانات والمعلومات لدى المجتمع عن المنتجات الاقتصادية، ويرفع مستوى الثقافة والوعي الاستهلاكي لدى جمهور المستهلكين، في حين أن هذا قد يكون متعذرا أو يتطلب وقتا وجهدا أطول في عالم التجارة التقليدي.
4/3. الآثار الاقتصادية للتجارة الإلكترونية على المستوى القومي.
يمكن إبراز الفوائد المتحصلة من التجارة الإلكترونية على المستوى القومي في الآتي:
أ- دعم التجارة الخارجية: توفر التجارة الإلكترونية فرص زيادة معدلات الصادرات، وذلك من خلال سهولة الوصول إلى مراكز الاستهلاك الرئيسة، وإمكانية التسوق للسلع والخدمات عالميا وبتكلفة محدودة، والقدرة على سرعة عقد وإنهاء الصفقات التجارية، وكذلك القدرة على تحليل الأسواق والاستجابة لتغير متطلبات المستهلكين(46). ويظهر أثر التجارة الإلكترونية أكثر وضوحا في تجارة الخدمات بين الدول مما يؤدي بدوره إلى رفع درجة الانفتاح الاقتصادي في هذا المجال، حيث يمثل قطاع الخدمات نسبة مهمة تقدر بنحو 60 % من إجمالي الإنتاج العالمي، وبالرغم من ذلك فإن حجمه لا يتجاوز 20% من التجارة الدولية، وربما يعود ذلك إلى أن أداء كثير من الخدمات يتطلب وسيلة اتصال وكذلك القرب الجغرافي بين المستهلكين والمنتجين. ولكن مع ظهور تقنية المعلومات الحديثة فقد هيأت التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت وسيلة الاتصال المفقودة بين المستهلك والمنتج، وبذلك ساهمت في زوال العقبات الجغرافية لكثير من الخدمات. وقد أثبتت إحدى الدراسات القياسية أن الزيادة في استخدام الإنترنت بمقدار 10% في الدول الأجنبية يؤدي إلى نمو صادرات وواردات الولايات المتحدة الأمريكية بمقدار 1.7% و 1.1% على التوالي(47).(6/25)
ب- دعم التنمية الاقتصادية: تمثل المشروعات المتوسطة والصغيرة محورا أساسا في التنمية الاقتصادية، وتعاني هذه المشروعات من غياب الموارد الاقتصادية اللازمة للوصول إلى الأسواق العالمية. وتعد التجارة الإلكترونية واحدة من الأدوات التي تحقق للمشروعات الصغيرة ومتوسطة الحجم القدرة على المشاركة في حركة التجارة الدولية بفاعلية وكفاءة بما تقدمه من خفض تكاليف التسويق والدعاية والإعلان، وتوفير الوقت والمكان اللازمين لتحقيق المعاملات التجارية. وهذا ينعكس إيجابا على تفعيل نشاطات هذه المشروعات الأمر الذي يدفع عجلة التنمية الاقتصادية(48). كما يشير أحد الاقتصاديين إلى أن انخفاض تكاليف العمليات التجارية عبر التجارة الإلكترونية فيما بين قطاعات الأعمال يمكن أن يؤدي إلى زيادة دائمة في مستوى الناتج بمتوسط 5 % في اقتصاديات الدول المتقدمة على مدى السنوات العشر القادمة، مما يعني زيادة في نمو الناتج القومي الإجمالي بنسبة 0.25 % في السنة(49). وتذكر وزارة التجارة الأمريكية أن التجارة الإلكترونية وقطاع تقنية المعلومات كليهما قد أسهما بحوالي 30 % من نمو الناتج المحلى الإجمالي خلال الفترة 1995-1998م(50).(6/26)
ج- دعم التوظيف: تقدم التجارة الإلكترونية فرصا جديدة للتوظيف، حيث تتيح إقامة مشاريع تجارية صغيرة ومتوسطة للأفراد وربطها بالأسواق العالمية بأقل التكاليف الاستثمارية، لا سيما تجارة الخدمات التي توفر فيها التجارة الإلكترونية آلية للأفراد المتخصصين لتقديم خدماتهم على المستوى الإقليمي والعالمي دون الحاجة للانتقال، مما يفتح المجال لهم للانطلاق في الأعمال الحرة(51). ومن ناحية أخرى، توفر التجارة الإلكترونية فرصا وظيفية في العديد من المجالات المختلفة ذات الصلة بتطبيقات التجارة الإلكترونية، مثل المتخصصين في إنشاء المواقع التجارية الإلكترونية، و العاملين والإداريين والفنيين في المتاجر الإلكترونية. بالإضافة إلى توفير الفرص الوظيفية في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات، التي تعتمد عليها التجارة الإلكترونية، من مهندسي الشبكات والبرامج اللازمة لتطبيقات التجارة الإلكترونية وغيرها.
د- دعم القطاعات التكنولوجية: يتيح انتشار التجارة الإلكترونية على المستوى القومي خلق بيئة ومناخ ملائم لظهور قطاعات متخصصة في تقنية المعلومات والاتصالات، وذلك لدعم البنية التحتية الإلكترونية لتطبيقات التجارة عبر شبكة الإنترنت(52). ومع تطور ونمو التجارة الإلكترونية وانتشار استخدامها في التعاملات التجارية، يصبح هناك فرصا استثمارية لتوجيه رؤوس الأموال للاستثمار في تطوير وتحسين وتحديث البنى التحتية الإلكترونية، والاستثمار في الخدمات المصاحبة لقطاع تقنية المعلومات والاتصالات، الأمر الذي يؤدي إلى خلق أو توطين قطاعات تكنولوجية متقدمة تدعم الاقتصاد القومي(53).
5. واقع الدول الإسلامية في مجال تقنية المعلومات والاتصالات:(6/27)
سنتناول في هذا القسم عرض وتحليل واقع الدول الإسلامية (أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي) في مجال تقنية المعلومات والاتصالات حيث إنها تمثل مؤشرات البنية التحتية الإلكترونية (Electronic Infrastructure) لتطبيقات التجارة الإلكترونية. وبما أن الدول الإسلامية متباينة في اقتصادياتها، فإن تحليلها كمجموعة متجانسة ربما يشكل صعوبة بل قد يخفي بعض المؤشرات المهمة لبعض الدول أو قد يؤدي إلى نتائج مضللة بسبب التباين في هياكلها الاقتصادية. ولهذا السبب من المفيد أن نقسم الدول الإسلامية إلى أربع مجموعات(54)، وذلك من أجل تقديم فكرة واضحة عن واقع هذه الدول الإسلامية. والمجموعات هي (1) الدول الإسلامية الأقل نمو (2) الدول الإسلامية متوسطة الدخل (3) الدول الإسلامية المصدرة للبترول (4) الدول الانتقالية (لمعرفة الدول في كل مجموعة انظر ملحق ( ب) . وللأغراض التحليلية سوف نقارن هذه الدول مع بعضها البعض وكذلك مقارنة الدول الإسلامية ككل مع الدول النامية الأخرى والدول المتقدمة*.
5/1. الصادرات التكنولوجية:
تمثل الصادرات التكنولوجية ذات الكثافة العالية بعنصري البحوث والتطوير، مثل الحاسبات الآلية والأدوات العلمية والآلات الإلكترونية ومثلها، مؤشرا مهما للمقدرة التكنولوجية للقطاعات الإنتاجية لأي مجتمع. وقد أكدت بعض الدراسات على أهمية الدور الذي تلعبه في تعزيز المقدرة التنافسية للدولة في الأسواق العالمية(55). ولا تزال المنتجات ذات المحتوى التكنولوجي تمثل أهم الصادرات في التجارة العالمية منذ بدايات الثمانينيات، حيث لوحظ وجود علاقة ارتباطية بين المحتوى التكنولوجي وديناميكية الصادرات(56). ولذلك فإن معظم الدراسات التي تهتم بتحليل اتجاهات الصادرات الصناعية تركز غالبا على المستوى التكنولوجي كمؤشر للمقدرة التنافسية للقطاعات(57).(6/28)
وفي هذا الجانب يظهر أن الدول الإسلامية متأخرة مقارنة بمجموعات الدول الأخرى (انظر جدول 3)، حيث لا تتجاوز نسبة صادراتها التكنولوجية من إجمالي الصادرات الصناعية (في المتوسط) 2.34 %، وهذا يقل عن المعدل العالمي، الذي يمثل تقريبا 20 %، أي بما يعادل نحو تسعة أضعاف، بينما يمثل ذلك في الدول النامية الأخرى أكثر من 7 % ، ونحو 23 % في الدول المتقدمة. وبالرغم من انخفاض هذا المؤشر لمجموعة الدول الإسلامية إلا أن هناك، إلى حد ما، تباينا فيما بين مجموعات الدول الإسلامية، حيث نجد أن الدول الإسلامية الانتقالية تستحوذ على أعلى نسبة (3.95) تليها الدول المصدرة للبترول (3.31) ثم الدول متوسطة الدخل (3.02) ، ثم الدول الإسلامية الأقل نمو حيث تمثل أقل نسبة (0.74). وفيما بين الدول الإسلامية في كل مجموعة، هناك تباين كبير في نسب ما تمثله الصادرات التكنولوجية من الصادرات الصناعية كما يوضحه الانحراف المعياري ومعامل الاختلاف، حيث تتقلب النسب في مجموعة الدول الأقل نمو بنحو 354 %، وفي مجموعة متوسطة الدخل 563 %، والدول البترولية 279 %، والدول الانتقالية 97 %، وإجمالا في الدول الإسلامية كمجموعة واحدة نحو 488 %. وهذه التقلبات الكبيرة تشير إلى عدم تجانس الدول سواء داخل مجموعات أو بين الدول الإسلامية كافة، مما يعني أن نسبة الصادرات التكنولوجية إلى الصادرات الصناعية تختلف بشكل ملحوظ من دولة إلى دولة أخرى. وعلى أية حال، مقارنة بمجموعات الدول النامية والمتقدمة أو بالمعدل العالمي، يظهر أن إسهام المنتجات التكنولوجية في صادرات الدول الإسلامية تعد إسهاما متواضعا مقارنة بالدول الأخرى. وربما يعزى ذلك إلى أن طبيعة صادرات الدول الإسلامية تتركز أساسا في المنتجات الأولية والزراعية، الأمر الذي يقتضي ضرورة تبني سياسات واستراتيجيات لتنويع القاعدة الإنتاجية في هذه الدول، وتوجيه الاستثمارات المحلية والأجنبية في قطاعات الصادرات(6/29)
التكنولوجية.
جدول 3: نسبة الصادرات التكنولوجية من الصادرات الصناعية حسب مجموعات الدول(58).
مجموعة الدول
% الصادرات التكنولوجية من الصادرات الصناعية
الانحراف المعياري
معامل الاختلاف
الدول الإسلامية الأقل نمو
0.74
2.62
3.54
الدول الإسلامية متوسطة الدخل
3.02
17.02
5.63
الدول الإسلامية المصدرة للبترول
3.31
9.26
2.79
الدول الإسلامية الانتقالية
3.95
3.84
0.97
الدول الإسلامية كافة
2.34
11.42
4.88
الدول النامية الأخرى
7.05
الدول المتقدمة
22.81
العالم
19.98
5/2. تقنية المعلومات (Information technology):
تشمل تقنية المعلومات الإنفاق الخارجي والداخلي لقطاع الأعمال والقطاع العائلي والحكومي على شراء منتجات وخدمات متعلقة بتقنية المعلومات (IT)، وهو يعكس مدى انتشار استخدام وسائل تقنية المعلومات بين أفراد وقطاعات المجتمع في الدولة. كما يشكل قطاع تقنية المعلومات البنية التحتية اللازمة والعمود الفقري لتطبيقات التجارة الإلكترونية، لأن هذا القطاع لا يشتمل فقط على أقراص الحاسبات الصلبة والمرنة وإنما يشمل أيضا الهواتف الثابتة والنقالة وأجهزة اتصالات اللاسلكية الأخرى(59). وكلما توفر مثل هذه الأجهزة التقنية كلما ارتفعت فرصة الربط الالكتروني ودخول الإنترنت ومن ثم توفر فرص التجارة الإلكترونية(60). وجدول 4 يعرض حجم الإنفاق على تقنية المعلومات ونسبته من الناتج المحلي ومتوسط الإنفاق الفردي على تقنية المعلومات في الدول الإسلامية.
جدول 4: الإنفاق على تقنية المعلومات حسب مجموعات الدول (61) .
مجموعة الدول
حجم الإنفاق على تقنية المعلومات (مليار $)
%
من الناتج المحلي
متوسط الإنفاق الفردي على تقنية المعلومات
الدول الإسلامية الأقل نمو
-
-
-
الدول الإسلامية متوسطة الدخل
18.20*
3.90
111.24
الدول الإسلامية المصدرة للبترول
3.54 **
2.20
16.60
الدول الإسلامية الانتقالية
-
-
-
الدول الإسلامية كافة
21.560
2.93
69.14(6/30)
الدول النامية الأخرى
-
-
-
الدول المتقدمة
-
-
-
العالم
-
-
-
* ثلاث دول فقط (مصر، ماليزيا، تركيا) ** دولة واحدة فقط (اندونيسيا) (-) غير متوفر
وبالرغم من عدم توفر تلك البيانات عن معظم الدول الإسلامية وكذلك مجموعة الدول النامية والمتقدمة والمعدل العالمي، إلا أن البيانات المتاحة عن بعض الدول الإسلامية تعكس المستوى المتدني لمؤشر تقنية المعلومات فيها، حيث لم يتجاوز إجمالي ما تنفقه الدول الإسلامية (أربعة دول فقط: مصر وتركيا وماليزيا واندونيسيا) على تقنية المعلومات، بحسب البيانات المتاحة خلال الفترة 96-2001م، 21.5 مليار دولار، تمثل حصة الدول الإسلامية متوسطة الدخل، تحديدا مصر وماليزيا وتركيا، ما يقارب 85 % ، والدول الإسلامية المصدرة للبترول، دولة واحدة فقط وهي اندونيسيا، حوالي 15 % . ويشكل ذلك كنسبة من الناتج المحلي 3.9 % في الدول متوسطة الدخل و2.20 % في الدول البترولية. وإجمالا لا يتجاوز هذا الإنفاق في المتوسط 4 % من إجمالي الناتج المحلي في الدول الإسلامية ككل. ويبلغ متوسط الإنفاق الفردي على تقنية المعلومات في الدول الإسلامية ما يعادل 69.14 دولار في المتوسط، منها 111.24 دولار في الدول متوسطة الدخل و16.60 دولار فقط للدول البترولية. ولتعزيز دور قطاع تقنية المعلومات في الدول الإسلامية فإن ذلك يتطلب وضع السياسات اللازمة لتوجيه إنفاقاتها الاستثماري في هذا القطاع الهام، وتوفير الحوافز لجذب الاستثمارات الأجنبية في تقنية المعلومات. وتشير إحدى الدراسات الاستطلاعية التي قام بها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية(62) على كبرى شركات تقنية المعلومات إلى أن استثماراتها المستقبلية في قطاع تقنية المعلومات تتجه بحسب الأهمية إلى دول جنوب شرق أسيا والدول النامية الأخرى في آسيا (69.70 %) و أوربا الشرقية (66.67 %) ودول الشرق الأوسط (57.58 %) ودول أمريكا اللاتينية (45.45 %) وأخيرا أفريقيا (42.42(6/31)
%). ومن الملاحظ أن أبرز عوامل جذب هذه الاستثمارات وفقا لآراء الشركات كانت بحسب الترتيب: سهولة الدخول في السوق (18.9 %) والتي تشمل حجم السوق ومدى قربة من الأسواق الكبيرة، وكونه ضمن مناطق حرة، يليه عامل البيئة السياسة العامة (18.2 %) وتشمل الاستقرار السياسي والسياسة التجارية وسياسة الضرائب، ثم عوامل تكلفة الإنتاج وكفاءة الأيدي العاملة في استخدام التقنية ومستوي تحصيلها العلمي وحوافز الاستثمار 18 %، 16.3 %، 15 %، 13.6 % بحسب الترتيب (شكل 1). لذلك الحاجة ملحة على الدول الإسلامية أن تهتم بتهيئة أسواقها لجذب الاستثمارات الخارجية في هذا القطاع من خلال إزالة العقبات والقيود والإجراءات التي تحد من الدخول في السوق، والعمل على الدخول في تكتلات اقتصادية إقليمية أو مناطق تجارية حرة. وكذلك العمل على توفير البيئة السياسة العامة من خلال وضع سياسة ضرائب وسياسات تجارية ملائمة تهدف إلى جذب الاستثمارات الخارجية.
شكل 1: عوامل جذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع تقنية المعلومات بحسب الأهمية النسبية (63).
ومن جانب آخر فإن حكومات الدول الإسلامية ينبغي أن تتبنى استراتيجيات وطنية للرفع من مستوى الوعي التكنولوجي واستخداماته بين أفراد المجتمع عبر المؤسسات التعليمية والتدريبية والمهنية، حيث أثبتت دراسات عديدة دور التعليم الهام في نشر استخدم تقنية المعلومات، وأن توفر الأيدي العاملة ذات المهارة العالية تقود المجتمع إلى تسريع تبني واستخدام تقنية المعلومات(64).
5/3. استخدام الحاسب الآلي:(6/32)
يشكل مؤشر الحاسب الآلي والهواتف أهم المكونات الأساس اللازمة للدخول في الإنترنت، وبالتالي يمثل عنصرا هاما في تكوين البنية التحتية لتطبيقات التجارة الإلكترونية في أي مجتمع. ولأهمية الحاسب الآلي كوسيلة للدخول في الإنترنت، فقد شهدت الحاسبات انتشارا ونمو كبيرا في مختلف بلدان العالم، حيث نمت أعدادها من 98 مليون حاسب آلي في عام 1990م إلى 222 مليون في عام 1995م ثم أكثر من 500 مليون حاسب بحلول 2003م، . وتستحوذ أكبر 15 دولة في قطاع الحاسبات على ما يقارب 79 % من إجمالي عدد الحاسبات على مستوى العالم، ويبلغ نصيب الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2003م وحدها 35.4 % (65).
وفي هذا الصدد لا تزال الدول الإسلامية متأخرة حيث لم يتجاوز نصيبها في المتوسط 11 حاسب آلي لكل ألف فرد، وهذا يمثل مؤشرا منخفضا جدا إذا ما قورن بالدول النامية والمتقدمة والمتوسط العالمي، والذي يبلغ نصيب كل ألف فرد في كل منها: 21.6 و 416.3 و 86.5 على التوالي (جدول 5). وتستحوذ الدول البترولية على النصيب الأوفر من بين الدول الإسلامية، حيث يبلغ فيها متوسط نصيب كل ألف نسمة على 33.06 حاسبا، يليها مباشرة الدول متوسطة الدخل بمتوسط يبلغ 22.12 حاسبا لكل ألف نسمة، وهذا ربما يعكس أفضلية المستوى الاقتصادي للأفراد في هذه الدول على نظرائهم في الدول الأقل نمو والدول الانتقالية، والذي بلغ متوسط نصيب كل ألف فرد في كل منهما 3.02 و 6.39 حاسبا آليا على التوالي. وهذا يشير إلى مدى تدني مؤشر انتشار الحاسبات الآلية في الدول الإسلامية الأقل نمو والانتقالية، مما يعكس ضعف إمكانية الدخول للإنترنت وبالتالي الاستفادة من التجارة الإلكترونية(66). وإجمالا فإن هناك نمو ملحوظ في تطور أعداد الحاسبات الآلية في الدول الإسلامية، حيث كان 15.8 % في عام 2000م ثم ارتفع إلى 16.3 % في عام 2001م(67).
جدول 5 : الحاسبات الآلية بحسب مجموعات الدول (68).
مجموعة الدول(6/33)
الحاسب الآلي الشخصي
لكل ألف نسمة (2001م)
الدول الإسلامية الأقل نمو
3.02
الدول الإسلامية متوسطة الدخل
22.12
الدول الإسلامية المصدرة للبترول
33.06
الدول الإسلامية الانتقالية
6.39*
الدول الإسلامية كافة
10.89
الدول النامية الأخرى
21.6
الدول المتقدمة
416.3
العالم
86.5
* دولة واحدة فقط (ألبانيا)
5/4. استخدام الإنترنت:
يعد مؤشر "حجم استخدام الإنترنت"(69) مقياسا مباشرا في معرفة حجم دخول المجتمع إلى الإنترنت، وبالتالي مؤشرا مهما في الاستدلال على انتشار التجارة الإلكترونية في المجتمعات(70). وتعتمد بعض مراكز الأبحاث والتسويق في تقديرها وتوقعها لأعداد مستخدمي الإنترنت على مؤشر انتشار الحاسبات الشخصية بجانب مؤشرات أخرى، وذلك باعتبار أن حجم استخدام الإنترنت هو دالة في انتشار الحاسبات الشخصية بجانب العوامل الأخرى(71). وقد بلغ إجمالي مستخدمي الإنترنت في العالم أكثر من 500 مليون مستخدم بحلول عام 2001م (انظر جدول 6) وبمعدل نمو نحو 26 % مقارنة بعام 2000م(72)، ويتوقع أن تبلغ 717 مليون بحلول عام 2005م(73).
جدول 6: الإنترنت بحسب مجموعات الدول(74).
مجموعة الدول
مستخدمو الإنترنت
(الآلف)*
2001م
مضيف الإنترنت لكل 100000 فرد
(2000م)
مزودو خدمة الإنترنت
2000م
الدول الإسلامية الأقل نمو
339
2.227
43
الدول الإسلامية متوسطة الدخل
7161
15.285
151
الدول الإسلامية المصدرة للبترول
3720
27.620
98
الدول الإسلامية الانتقالية
245
9.739
51
الدول الإسلامية كافة
11465
9.782
343
الدول النامية الأخرى
112591
-
843
الدول المتقدمة
388888
4963.522
9864
العالم
501478
-
10350
* الأرقام مقربة.(6/34)
وكما نلاحظ في جدول 6، أن إجمالي مستخدمي الإنترنت في الدول الإسلامية بلغ نحو 11.5 مليون مستخدم، بالرغم أن بعض الإحصاءات تشير إلى أنها نحو 22 مليون مستخدم(75)، وبمتوسط حوالي 273 ألف مستخدم في كل دولة إسلامية (42 دولة). وهذا يبين مدى تأخر الدول الإسلامية عن غيرها في انتشار استخدام الإنترنت، حيث لا يمثل هذا الرقم إلا 10.2 % من حجم الإنترنت في الدول النامية، وأقل من 3 % مقارنة بالدول المتقدمة، وبما يعادل 2.3 % من إجمالي مستخدمي الإنترنت على مستوى العالم. وبمقارنة الدول الإسلامية فيما بينها نلاحظ أن أكثر أعداد مستخدمي الإنترنت يكون في الدول متوسطة الدخل (12 دولة) بنحو 7 ملايين مستخدم، أي بمتوسط حوالي 597 ألف مستخدم في كل دولة، ثم الدول البترولية (10 دول) بنحو 4 ملايين مستخدم، ومتوسط حوالي 372 ألف مستخدم، ، ويليها الدول الانتقالية (6 دول) بنحو 245 ألف مستخدم، ومتوسط حوالي 41 ألف مستخدم، وأخيرا الدول الأقل نمو (14 دولة) بنحو 340 ألف مستخدم، ومتوسط 24 ألف مستخدم في كل دولة. وبالرغم من انخفاض متوسط مستخدمي الإنترنت في الدول الإسلامية، إلا أن هناك دول تميزت بارتفاع ملحوظ في عدد مستخدمي الإنترنت، وهي ماليزيا (3.700 مليون مستخدم) وتركيا (2 مليون مستخدم) و اندونيسيا (2 مليون مستخدم) والإمارات العربية المتحدة (735 ألف مستخدم)، الأمر الذي يعكس تقدم قطاع تقنية المعلومات وانتشار استخدام التكنولوجيا في هذه الدول. ومن المؤشرات ذات العلاقة بقياس انتشار الإنترنت وبالتالي التجارة الإلكترونية في المجتمعات، مؤشر " معدل استخدام الإنترنت "، ويقاس بنسبة عدد مستخدمي الإنترنت إلى العدد الإجمالي للسكان. وهذا المعدل أقل من 5 % في 24 دولة إسلامية، وأقل من 1 % في 28 دولة، مما يشير إلى تدني مستوى البنى التحتية الإلكترونية وانخفاض معدل الدخول في الإنترنت وبالتالي قلة فرص الإفادة من التجارة الإلكترونية(76)،(6/35)
بينما يمثل هذا المؤشر 50.1 % في الولايات المتحدة الأمريكية، و 45.5 % في اليابان، و40 % في المملكة المتحدة(77). وفيما يتعلق بمؤشري "مضيف الإنترنت" (Internet hosts)(78) و "مزودي خدمة الإنترنت" (ISPs)(79)، واللذين يمثلان أحد المقاييس لمقدرة المجتمع على الدخول في، واستخدام الإنترنت(80)، فإنهما يعكسان المستوى المتدني لحجم استخدام الإنترنت في الدول الإسلامية. فكما يوضح جدول 6 فإن عدد مضيفات الإنترنت في الدول الإسلامية لا تتجاوز في المتوسط 10 مضيفات لكل 100 ألف فرد بينما يبلغ نحو 5 آلاف في الدول المتقدمة. وتستحوذ الدول البترولية على النصيب الأكبر حيث بلغ نحو 28 مضيف، يليها الدول متوسطة الدخل (15.3) ثم الدول الانتقالية (9.7)، وتأتي الدول الأقل نمو في المؤخرة، حيث لا يتجاوز هذا المؤشر 3 مضيفات لكل 100 ألف نسمة، الأمر الذي يظهر تفاوتا واضحا في هذا المجال بين منظومة الدول الإسلامية. و فيما يتعلق بمؤشر "مزودو خدمة الإنترنت (ISPs) نلاحظ أن الإجمالي في الدول الإسلامية كافة بلغ 343 مزود، أي بمتوسط قدره 7.15 لكل دولة (48 دولة )، وإن كان قريبا من متوسط الدول النامية الذي بلغ 10.67 لكل دولة (79 دولة) إلا أنه أقل من المتوسط العالمي (61.17) لكل دولة والدول المتقدمة (428.87) لكل دولة. وعلى مستوى مجموعات الدول سلامية تأتي الدول الانتقالية في المقدمة حيث بلغ المتوسط 17 مزود لكل دولة، ثم متوسطة الدخل 11.61 (13 دولة) ثم الدول البترولية 7.54 (13 دولة) وأخيرا الدول الأقل نمو 2.26 لكل دولة (19دولة). وهذا المؤشر المتدني في الدول الإسلامية مقارنة بغيرها من الدول يستدعي ضرورة العمل على خلق البيئة المناسبة لزيادة أعداد الشركات المقدمة لخدمة الإنترنت من خلال تخصيص هذه الخدمة وفتح باب المنافسة بينهم لكي تنتشر ثقافة استخدام الإنترنت وكذلك الوصول إلى أسعار تنافسية لخدمة الإنترنت.
5/5 البحوث والتطوير:(6/36)
يلعب عامل البحث والتطوير(Research and development) دورا مركزيا في التقدم العلمي والتوطين التكنولوجي، وبناء بيئة الإبداع والابتكار المعرفي لدى الشعوب. ولم يعد الفرق بين تقدم الدول وتخلفها يعزى إلى ما تمتلكه من خامات وموارد اقتصادية، وإنما بقدر ما تملكه من قدرات وطاقات إبداع وابتكار مبني على أساس متين لمناخ البحث والتطوير. ونظرا لأهمية دور البحث العلمي والتطوير في اقتناء وإنتاج المعرفة التكنولوجية وتقنية المعلومات والتي بدورها تشكل متطلبا ضروريا لانتشار الثقافة التقنية والاستفادة من التجارة الإلكترونية، سوف نستعرض واقع الدول الإسلامية في مجال البحوث والتطوير من خلال بعض المؤشرات المتاحة التالية:
أ. الإنفاق على البحوث والتطوير:
يعرف الإنفاق على البحوث والتطوير بالأنفاق الاستثماري على الأنشطة العلمية والبحثية والإبداعية التي تهدف إلى زيادة المخزون المعرفي، وتشمل كذلك البحوث التطبيقية وأعمال التطوير التجريبية التي تقود إلى اختراع وسائل أو منتجات أو عمليات صناعية جديدة. ومن خلال البيانات المتاحة عن بعض الدول الإسلامية، نجد أن ما تنفقه على البحوث والتطوير بحسب إحصاءات 2001م لا يتجاوز 0.4 % من الدخل القومي، أي ما يعادل نحو سبع متوسط ما تنفقه الدول المتقدمة (2.61 %) وبنحو سدس متوسط الإنفاق العالمي (انظر(6/37)
جدول 7)، وهذا يوضح مدى إهمال الدول الإسلامية بعامة جوانب البحث والتطوير في إجمالي نفقاتها، الأمر الذي يؤكد ضرورة الاهتمام بتفعيل مجال البحوث والتطوير ولاسيما البحوث التطبيقية وتخصيص النفقات اللازمة لها. ولعل الملفت للنظر أن مؤشر الإنفاق على البحوث والتطوير في مجموعات الدول الإسلامية وكذلك الدول النامية لم يتجاوز الحد الأدنى الموصى به دوليا (1 %) من الدخل القومي، بالرغم أن هذه الدول قد التزمت في المؤتمر الذي عقد في جنيف عام 1979م، حينما أقرت الالتزام بتخصيص نحو 1% كحد أدنى من دخلها القومي لشؤون البحث والتطوير وكذلك في حقلي العلوم والتكنولوجي، وهو الأمر الذي لم ينفذ تماما. ولذا بقيت الدول التي لم تنفذ هذه التوصية متأخرة، أما الدول التي نفذت هذه التوصية - مثل ماليزيا وسنغافورا وكوريا الجنوبية - فقد أحرزت تقدما كبيرا(81).
جدول 7 : البحوث والتطوير بحسب مجموعات الدول عام 2001م (82).
مجموعة الدول
الإنفاق على البحوث والتطوير
(% من الدخل القومي)
المتخصصون في البحوث والتطوير
(لكل مليون نسمة)
الدول الإسلامية الأقل نمو
-
32.01
الدول الإسلامية متوسطة الدخل
0.73 *
21.74
الدول الإسلامية المصدرة للبترول
0.18 **
177.58
الدول الإسلامية الانتقالية
0.33 ***
239.48
الدول الإسلامية كافة
0.40
73.76
الدول النامية الأخرى
0.57
201.31
الدول المتقدمة
2.61
1028
العالم
2.38
-
* ثلاث دول فقط (مصر، ماليزيا، تركيا). ** دولتان (اندونيسيا وإيران). *** دولة واحدة فقط (كازاخستان)
ب. المتخصصون في البحوث والتطوير:
يقصد بالمتخصصين في البحوث والتطوير الأفراد المشتغلين في أنشطة مهنية في مجال البحوث والتطوير بعد حصولهم على تدريب تقني ومهني في فروع المعرفة والتكنولوجيا. ومعظم هذه الوظائف تتطلب ثلاث سنوات بعد إنهاء المرحلة الأولى من التعليم الثانوي. وكما يوضح(6/38)
جدول 7 فإن متوسط أعداد المتخصصين في مجال البحوث والتطوير في الدول الإسلامية يبلغ نحو 73.76 فرد لكل مليون نسمة، وهي نسبة منخفضة جدا مقارنة بنظيراتها في بقية الدول النامية (201.31) أو في الدول المتقدمة (1028)، ولعل هذا يعكس حجم إنفاق الدولة المتدني على البحوث العلمية والتطوير كما أشرنا إليه. وتظهر البيانات أيضا تفاوتا فيما بين الدول الإسلامية نفسها حيث تعد الدول الانتقالية الأفضل بمتوسط قدره 239.48 لكل مليون نسمة، يليها الدول البترولية (177.58) ثم الدول الأقل نمو (32.01) وأخيرا الدول متوسطة الدخل (21.74 فرد لكل مليون نسمة).
ج. الطلاب والبحوث والعلماء في مجال البحوث والتطوير:(6/39)
بالإضافة إلى مؤشرات البحث والتطوير السابقة هناك مؤشرات أخرى تتمثل في أعداد طلاب الهندسة والعلوم المسجلين في المؤسسات العلمية، وحجم الإنتاج العلمي من بحوث وغيرها في مجال تقنية المعلومات، وأعداد العلماء والمهندسين في مجال البحوث والتطوير. وهذه المؤشرات مهمة لأنها تعكس واقع المجتمع ومدى درجته ومكانته بين المجتمعات المعلوماتية (Informative societies). وبحسب إحصاءات البنك الدولي (انظر جدول 8) نلاحظ أن معدل عدد الطلاب في حقول الهندسة والعلوم الطبيعية والرياضيات والحاسب الآلي والعلوم الاجتماعية، كنسبة من طلاب الجامعات تبلغ 24.23 طالب، وهو يقل عن المعدل العالمي الذي يبلغ نحو 35 %، وان كان هذا المؤشر لا يختلف كثيرا عن نظيره في الدول المتقدمة (25.79%) إلا أن هناك اختلافا في نوعية هذه المخرجات التعليمية وطبيعة السياسات والمناهج التعليمية التي تتبناها المؤسسات العلمية في الدول المتقدمة، إضافة إلى مدى ربط مخرجاتها باحتياجات سوق العمل. وفيما يتعلق بالعدد المطلق للإنتاج العلمي في مجال تقنية المعلومات نلاحظ أيضا مدى اتساع الفجوة في هذا المجال بين الدول الإسلامية وكل من مجموعة الدول النامية والدول المتقدمة، حيث لا يمثل الإنتاج العلمي لكافة الدول الإسلامية سوى 1.4 % من إجمالي الإنتاج العلمي على مستوى العالم، ونحو 1.6 % من إنتاج الدول المتقدمة، ومقارنة مع الدول النامية الأخرى فإن إنتاجها لا يعادل سوى 9.7 % مما تنتجه الدول النامية. وتعد الدول الإسلامية متوسطة الدخل الأفضل من بين الدول الإسلامية حيث بلغ إنتاجها العلمي ما يعادل 62 % من إجمالي إنتاج الدول الإسلامية، يليها الدول البترولية بنسبة 27 %، ثم الدول الانتقالية والدول الأقل نمو بنسبة 7 % و 4 % على التوالي. وبمقارنة حجم الإنتاجية العلمية للدول الإسلامية وفقا للمعايير الدولية نلاحظ أن متوسط الإنتاج العلمي متدني ولا يتجاوز 139.3 لكل دولة(6/40)
إسلامية، بينما ينبغي أن يكون متوسط إنتاج كل دولة ما بين 400 إلى 800 بحث علمي(83). وبالنسبة للكوادر البشرية كالعلماء والمهندسين والأفراد المدربين للعمل في أي ميدان في مجال العلوم والذين يعملون في أنشطة مهنية في مجال البحوث والتطوير، نلحظ أيضا مدى تأخر الدول الإسلامية عن بقية مجموعات الدول الأخرى. فكما نلاحظ في جدول 8 يبلغ متوسط أعداد العلماء والمهندسين في مجال البحوث والتطوير في الدول الإسلامية 159.84 عالم لكل مليون فرد، وهو أقل من ربع معدل الدول النامية الأخرى (778)، وأقل من 5 % من معدل الدول المتقدمة. وتظهر الدول الانتقالية الأفضل على الإطلاق في داخل مجموعة الدول الإسلامية الأخرى، حيث بلغ متوسط المؤشر نحو 1468.6 عالم لكل مليون فرد، يليها الدول البترولية (357.4) ثم الدول متوسطة الدخل (75.9) وأخيرا الدول الأقل نمو حيث بلغ 44.3 عالم لكل مليون فرد. ويمكننا الاستنتاج من هذا المؤشر أن هناك فجوة كبيرة، من حيث أعداد وتأهيل الكوادر البشرية المتخصصة في البحوث والتطوير في حقول العلوم والتكنولوجيا، تفصل بين مجموعة الدول الإسلامية وبين كل من الدول الأخرى والدول المتقدمة، مما يتطلب اهتمام الدول الإسلامية بتبني استراتيجيات وأنظمة تعليمية حديثة وإنشاء مؤسسات أكاديمية ومراكز تدريب وتأهيل تهدف إلى إعداد وتأهيل كوادر بشرية متخصصة في حقول العلوم والكنولوجيا.
جدول 8 : الطلاب والمهنيون وعدد الأبحاث في مجال البحوث والتطوير بحسب مجموعات الدول(84).
مجموعة الدول
طلاب الهندسة والعلوم
% من طلاب الجامعة
عدد البحوث في مجال
تقنية المعلومات
عدد العلماء والمهندسين في مجال البحوث والتطوير
(لكل مليون فرد)
الدول الإسلامية الأقل نمو
20.13
283
44.26
الدول الإسلامية متوسطة الدخل
29.38
4694
75.87
الدول الإسلامية المصدرة للبترول
26.30
2049
357.43
الدول الإسلامية الانتقالية
22.14
496
1468.61
الدول الإسلامية كافة(6/41)
24.23
7522
159.84
الدول النامية الأخرى
-
76785
778
الدول المتقدمة
25.79
451842
3282
العالم
34.54
528627
-
* البيانات لأحدث سنة خلال 1990-2000م
5/6 الاتصالات:
تعد مؤشرات الاتصالات، مثل توفر خطوط الهواتف الثابتة والجوال وتكلفة المكالمات وقوائم الانتظار للحصول على خدمات الهاتف، من المؤشرات التي تعكس مدى استعداد المجتمع للدخول في شبكة الإنترنت وبالتالي إمكانية الاستفادة من التجارة الإلكترونية. وتشير بعض الإحصاءات إلى أن توفر وتطور قطع الاتصالات يرتبط طرديا مع استخدام الإنترنت مما يجعله متطلبا ضروريا وأحد مكونات البنى التحتية لتطبيقات التجارة الإلكترونية(85). ومن خلال جدول 9 نلاحظ أن متوسط تكلفة الاتصال المحلي في الدول الإسلامية كافة تبلغ 0,04 دولار، وهي لاشك تكلفة منخفضة مقارنة مع الدول المتقدمة والنامية، وكذلك أقل من المعدل العالمي، إلا أنها تظهر مرتفعة جدا في مجموعة الدول الإسلامية الأقل نمو حيث تبلغ 0.08 دولار، وربما يعزى ذلك إلى ضعف السوق التنافسية في هذه الدول نتيجة امتلاك الدولة لمعظم خدمات قطاع الاتصالات. وتبرز أهمية كلفة الاتصالات في أنها عامل رئيس في تحديد انتشار استخدام الإنترنت بين أفراد المجتمع لاسيما إذا كان معظمهم من ذوي الدخول المنخفضة. وتظهر هذه المشكلة بشكل أكبر في مجموعة الدول الإسلامية الأقل نمو البالغ عددها 21 دولة من بين 54 دولة، والتي تعاني من انخفاض كبير في متوسط دخول أفرادها، حيث لم يمثل مجموع الدخل القومي لهذه الدول في عام 1998م سوى 6.7 % من إجمالي دخل الدول الإسلامية البالغ 1375 مليار دولار(86). ولأهمية خدمة الهاتف في استخدام الإنترنت، نلاحظ أن مؤشر انتشار خطوط الهاتف في الدول الإسلامية في المتوسط يعادل 35.78 خط هاتف لكل ألف فرد، وان كان يفوق متوسط الدول النامية (25.98) إلا أنه أقل من المعدل العالمي الذي يبلغ 171.4 لكل ألف نسمة، مما يفيد بأن انتشار(6/42)
خدمة الهاتف في أقطار الدول الإسلامية يعتبر محدودا على فئة صغيرة بينما الغالبية من أفراد المجتمع محرومة منها، وبالتالي انخفاض فرص استخدام الإنترنت. وبالرغم من أهمية مؤشر توفر الخطوط الهاتفية في المدن الكبرى والمراكز الحضرية ذات الكثافة السكانية نجد أنه في الدول الإسلامية في المتوسط يبلغ 107.1 خط هاتف لكل ألف نسمة، وهو معدل منخفض جدا، أقل من نظيره في الدول النامية (130.4) واقل أيضا من المعدل العالمي البالغ 296.1. وعلى ذلك يتبين أن المدن الكبرى في الدول الإسلامية تفتقر إلى خدمات اتصالات كافية والتي تعد عنصرا أساسيا في البنية التحتية المساعدة لانتشار الإنترنت (انظر جدول 9). وهذا ينطبق أيضا على مؤشر توزيع خطوط الهاتف لكل ألف موظف، حيث نلاحظ في جدول 9 أن معدل الخطوط لكل ألف موظف في الدول الإسلامية لا يتجاوز 62 خط هاتف، وهو لا يمثل سوى ثلث المعدل العالمي (227)، ويقل أيضا عن المعدل في الدول النامية الأخرى الذي بلغ 93 خط لكل ألف موظف، مما يفيد أن الموظفين سواء في القطاع العام أو الخاص لا يتمتعون بخدمة الاتصالات التي تؤهلهم للدخول في الإنترنت. وفي الواقع هذه المؤشرات المتدنية في الدول الإسلامية تشير إلى ضعف قطاع الاتصالات واحتكار المؤسسات الحكومية في معظم الدول الإسلامية إدارة وتشغيل خدمات الاتصالات، وعدم إشراك القطاع الخاص لتطوير هذا القطاع. ولذلك نلاحظ من الجدول نفسه قوائم ومدة الانتظار الطويلة للحصول على خدمة الهاتف، حيث يبلغ في الدول الإسلامية أكثر من 202 ألف فرد، وتبلغ فترة الانتظار حوالي 3 سنوات في المتوسط، مما يدل على قصور عرض هذه الخدمات أمام الطلب عليها، بينما المعدل العالمي يبلغ تقريبا 39.7 ألف فرد ومدة الانتظار 1.1 سنة.
جدول 9 : قطاع الاتصالات حسب مجموعات الدول عام 2001م (87).
مجموعة الدول
متوسط تكلفة الاتصال المحلي لكل 3 دقائق
(دولار أمريكي)
خطوط الهاتف لكل
ألف نسمة(6/43)
خطوط الهاتف في اكبر المدن لكل ألف نسمة
خطوط الهاتف لكل
ألف موظف
قائمة الانتظار (بآلاف)
قائمة الانتظار (سنوات)
الدول الإسلامية الأقل نمو
0.08
5.12
22.51
32.02
76645
3.47
الدول الإسلامية متوسطة الدخل
0.04
72.02
114.54
101.11
491351
2.49
الدول الإسلامية البترولية
0.04
66.71
117.85
66.36
284035
1.86
الدول الإسلامية الانتقالية
0.03
66.65
173.47
48.51
156313
4.39
الدول الإسلامية كافة
0.04
35.78
107.1
62
202214
2.90
الدول النامية الأخرى
0.05
25.98
130.44
93.13
36626
4.2
الدول المتقدمة
0.09
596.8
576.93
243.71
64
00
العالم
0.06
171.4
296.13
226.96
39704
1.10(6/44)
وبالنسبة لمؤشري انتشار الهواتف الجوالة، بصفتها إحدى وسائل انتشار ودعم التجارة الإلكترونية، وحجم الاستثمار في قطاعات الاتصالات، يشير جدول 10 إلى تدني معدل المشتركين في خدمة الهواتف الجوالة في كافة الدول الإسلامية حيث بلغ في المتوسط 28 مشترك لكل ألف نسمة، وهو أقل من المعدل العالمي (158)، والدول النامية (72)، والدول المتقدمة (609). وبالرغم من انخفاض هذا المؤشر على مستوى الدول الإسلامية إلا أنه على مستوى مجموعات الدول الإسلامية نلاحظ أن الدول متوسطة الدخل يبلغ فيها 78 مشترك لكل ألف نسمة، تليها الدول البترولية بمعدل 56.2 مشترك لكل ألف فرد، وهذا ربما يدل على المحاولات التي تتبناها هذه الدول لتطوير قطاع الاتصالات فيها. وفيما يتعلق بحجم الإنفاق الرأسمالي العام والخاص في المشروعات ذات العلاقة بتقنية المعلومات، نجده على مستوى الدول الإسلامية في المتوسط لم يبلغ سوى 289 مليون دولار خلال 3 سنوات، بينما بلغ متوسط الاستثمار في الدول النامية نحو 4 مليار دولار في نفس الفترة، وفي الدول المتقدمة أكثر من 15 مليار دولار. ونلاحظ أيضا أن الدول الإسلامية الانتقالية تعاني من انخفاض حجم الاستثمارات التي لم تتجاوز 77 مليون دولار، بينما في الدول البترولية بلغ 1.1 مليار دولار، يليها الدول متوسطة الدخل 870 مليون، ثم الدول الأقل نمو نحو 92 مليون دولار (انظر جدول 10).
جدول 10 : المشتركون في الهاتف الجوال وحجم الاستثمارات في قطاع الاتصالات حسب مجموعات الدول خلال الفترة 1999م - 2001م(88).
مجموعة الدول
المشتركون في الهاتف الجوال
لكل 1000 نسمة *
حجم الاستثمار في قطاع الاتصالات خلال 3 سنوات ماضية
(مليون دولار) **
الدول الإسلامية الأقل نمو
8.51
92.40
الدول الإسلامية متوسطة الدخل
78.08
870.11
الدول الإسلامية المصدرة للبترول
56.21
1132.33
الدول الإسلامية الانتقالية
16.52
76.83
الدول الإسلامية كافة
28.03
289.20(6/45)
الدول النامية الأخرى
72
3818
الدول المتقدمة
609
15024
العالم
158
-
* المشتركون في الهاتف (الوسط الهندسي) ** حجم الاستثمار (المتوسط البسيط)
6. تحديات وعقبات التجارة الإلكترونية في الدول الإسلامية:
تواجه الدول الإسلامية كغيرها من الدول النامية العديد من العقبات والتحديات في سبيل استخدامها للتجارة الإلكترونية. ويمكن تلخيص أبرز هذه التحديات حسب التقسيمات التالية:
6/1. التحديات التقنية والتكنولوجية:
تتمثل التحديات ذات العلاقة بمجال التقنية والتكنولوجيا في الآتي:
أ. ضعف البنى التحتية الإلكترونية، مثل نوعية وسرعة وسائل الاتصالات ونقل المعلومات والربط الالكتروني ومدى توفر قطع تقنية المعلومات مثل الحاسبات والأقراص الصلبة والمرنة وأجهزة الهواتف الرقمية وغيرها، والتي تعد من الوسائل الأساس للدخول في الإنترنت وللقيام بأي تعامل تجاري إلكتروني. وقد لاحظنا بعض هذه المؤشرات خلال استعراضنا لواقع الدول الإسلامية في مجال تقنية المعلومات، وتبين مدى تأخر الدول الإسلامية في هذا المجال سواء مقارنة مع مجموعات الدول الأخرى أو مقارنة بالمعدل العالمي. وعلى أية حال فإن المشكلة التكنولوجية التي تواجه الدول الإسلامية لا سيما في حقل تقنية المعلومات والاتصالات تختلف في حدتها من دولة إسلامية إلى أخرى، فبعض الدول تعاني أساسا من انعدام القاعدة التكنولوجية والبنية التعليمية اللازمة لها، إضافة إلى عدم وجود الاستثمارات الكافية، بينما تعاني دول أخرى من قصور الإطار والهيكل القانوني والمالي والإداري المرتبط بقطاع تقنية المعلومات(89).(6/46)
ب. ضعف الثقافة التقنية والوعي الإلكتروني بين أفراد المجتمع، حيث تلعب الثقافة والمعرفة بالتجارة الإلكترونية دورا هاما في انتشارها وتطورها لا سيما بين المؤسسات التجارية والقطاعات الإنتاجية. ويعد مستوى ونوعية التعليم في أي بلد وسيلة مهمة في نشر الثقافة والاستخدام الالكتروني. وفي هذا الصدد تشير نتائج بعض الدراسات إلى أن انتشار الحاسبات الآلية، وبالتالي فرص الدخول في الإنترنت، في المؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها في الدول الإسلامية تعد محدودة وفي بعض البلدان الأخرى معدومة تماما(90).
ج. قصور الكوادر البشرية المدربة والمؤهلة في مجال تقنية المعلومات وتطبيقات التجارة الإلكترونية، حيث يمثل العنصر البشري ركيزة أساسية في تسخير تقنية المعلومات لخدمة اقتصاد المجتمع وبالتالي تطوير التجارة الإلكترونية. وتتطلب التجارة الإلكترونية الأيدي العاملة المدربة في مجالات عدة مثل تطوير المواقع على الإنترنت (Websites) ومهارات البرمجة في لغات (Java, Perl, XML, HTML)، وخبراء في قواعد البيانات (Databases) وأنظمة التشغيل، بالإضافة إلى مختصين في تصميم مواقع التجارة الإلكترونية وقوائم الكتالوجات ونظم الدفع الإلكترونية وغيرها(91).
6/2. عقبات تجارية:(6/47)
إن التحول من بيئة التجارة التقليدية إلى أنماط التجارة إلكترونية، تتم من خلالها التبادلات والأعمال والأنشطة التجارية عبر بيانات رقمية، يمثل تحديا حقيقيا أمام المؤسسات والمشروعات التجارية في الدول الإسلامية، حيث تفتقر غالبيتها قابلية التحول الجذري إلى مؤسسات الكترونية. فكثير من الشركات التجارية في البلدان الإسلامية مرتبطة ارتباطا وثيقا منذ نشأتها بأنماط التجارة التقليدية في عملياتها التجارية محليا وخارجيا، وعدم استيعابها بعد بشكل كاف لمفهوم الأعمال الإلكترونية الجديد، الأمر الذي يجعل التحول إلى التجارة الإلكترونية يتطلب أولا قناعتها بأهمية وفائدة التجارة عبر الإنترنت ومن ثم تبني سياسات ووضع استراتيجيات مرحلية للتحول إلى التجارة الإلكترونية. ويمكن تلخيص أهم العقبات التجارية في الآتي:
أ. ضعف الخبرات التجارية والمساعدات الفنية في البلدان الإسلامية اللازمة لتحويل الأعمال التجارية إلى أعمال إلكترونية(92).
ب. محدودية حجم التجارة الإلكترونية سواء بين الشركات التجارية نفسها، أو بينها وبين مورديها المحليين أو حتى بينها وبين المستهلكين محليا. كما أن كثيرا من المتاجر العربية الإلكترونية على سبيل المثال هي متاجر إلكترونية بصورة غير كاملة أي أنها إما أن تقوم بعمليات العرض والإعلان فقط، أو أن عمليات الدفع والتحصيل تتم بوسائل أخرى(93).
ج. قصور أسواق رأس المال في معظم الدول الإسلامية لدعم مشروعات التجارة الإلكترونية، لأنه في ظل غياب رؤوس الأموال يصعب على الأفراد الذين لديهم الأفكار والإبداعات من الحصول على الفرص للانطلاق في مشروعاتهم التجارية الإلكترونية(94).
6/3. عقبات حكومية:(6/48)
تتمثل التحديات الحكومية في طبيعة السياسات التي تتبناها بعض الحكومات، والتي لها تأثير مباشر أو غير مباشر على انتشار التجارة الإلكترونية. ومن هذه السياسات إصرار كثير من حكومات الدول الإسلامية على مباشرة إدارة البنى التحتية التجارية مثل الموانئ التجارية البرية والبحرية والجوية مما يجعلها متدنية الكفاءة ومرتفعة التكاليف بشكل غير مبرر، والتي لا تتناسب وبنية التجارة الإلكترونية (95). بالإضافة إلى عجز الاستراتيجيات الحكومية لدعم المشروعات التجارية الوطنية للمنافسة مع نظيراتها العالمية، وبالتالي حتى إذا كانت هذه المؤسسات التجارية مرتبطة بشبكة الإنترنت فإنها لن تحقق أي نجاح في المنافسة الدولية. ومن ناحية أخرى، وجود الأنظمة البيروقراطية في إجراءات التصدير والاستيراد وطول فترات إتمام وتخليص العمليات الجمركية بجانب القيود المفروضة على الصادرات والواردات مثل التراخيص ونظام الحصص والتي تمثل تحديا أمام أنشطة التجارة الإلكترونية التي تتصف بالكفاءة والسرعة.
6/4. عقبات اجتماعية:(6/49)
تشكل الجوانب الاجتماعية والثقافية لبعض الأمم عوائق أمام انتشار التجارة الإلكترونية. وقد أظهرت بعض الدراسات أنه من الأسباب الرئيسة وراء تأخر بعض المشروعات التجارية الصغيرة والمتوسطة في بعض البلدان الأوربية، باستثناء البعض، وكذلك اليابانية عن نظيراتها في الولايات المتحدة الأمريكية يعود إلى أسباب اجتماعية وثقافية(96). وتظهر هذه العوائق الاجتماعية أكثر حدة إذا ما أخذنا الدول الإسلامية في عين الاعتبار، حيث تتميز هذه البلدان بخصائص اجتماعية وثقافية تلعب دورا كبيرا في مناحي حياتها. ومن بين هذه التحديات عامل اللغة، حيث أن اللغة الشائعة والمستخدمة في الإنترنت بعامة على مستوى العالم هي اللغة الإنجليزية، أي بما يعادل 80% (97)، ونظرا لارتفاع معدلات الأمية ورداءة النظم التعليمية في الدول الإسلامية، فإن نسبة من يستخدم الإنترنت لأغراض تجارية تظل منخفضة ومحصورة في الطبقات المثقفة. كما أن النظرة السائدة في بعض المجتمعات الإسلامية إزاء الانفتاح على العالم الخارجي وما ينطوي عليه من غزو ثقافي وفكري وأخلاقي مثل ترويج السلع المحرمة إسلاميا أو ما يلقي بالشك على الدور التقليدي للمرأة في مجتمعاتها، قد يشكل عائقا وتحديا أمام انتشار استخدام التجارة الإلكترونية في هذه المجتمعات(98). ومن ناحية أخرى، فإن الشكوك حول أمن المعلومات وغياب الثقة لدى بعض المجتمعات الإسلامية كما هو الحال في الدول النامية، لاسيما في عمليات البيع والشراء ودفع الثمن عبر الإنترنت يعد عائقا آخر لانتشار التجارة الإلكترونية. وقد أشارت بعض الدراسات التطبيقية على الدول النامية بما فيها الدول الإسلامية أن 26 % من هذه الدول صنفت عامل عدم الثقة أو التأقلم مع التجارة الإلكترونية كأحد أهم العوامل التي تحد من انتشار التجارة الإلكترونية(99).
6/5. عقبات تشريعية وقانونية:(6/50)
تشكل التشريعات والقوانين المتعلقة بتنظيم التجارة الإلكترونية أحد أهم البنى التحتية لقيام ونمو التجارة الإلكترونية، وتواجه دول العالم سواء المتقدمة منها أو النامية تحديا حقيقيا في وضع التشريعات والضوابط القانونية التي تتلاءم و أنماط العمليات التجارية الإلكترونية الحديثة، سيما في ظل حداثة ظاهرة التجارة الإلكترونية وتباين أطر الأنظمة التشريعية المحلية لدول العالم. و يمكن إيجاز التحديات القانونية في بيئة التعاملات الإلكترونية وفق مراحل إتمام العملية التجارية الإلكترونية. ففي المرحلة الأولى التي تسبق عملية التعاقد، تظهر عقبات وتحديات أبرزها مدى توثق المشتري أو الزبون من حقيقة وجود الموقع والسلعة أو الخدمة المعروضة، ومشروعية ما يقدم في الموقع من حيث ملكية مواده ذات الطبيعة المعنوية ( مشكلة الملكية الفكرية )، وحماية المستهلك من عمليات الاحتيال سواء على الخط أو عبر المواقع الوهمية أو المحتوى غير المشروع للمنتجات المعروضة، وكذلك آلية احتساب الضرائب على عوائد التجارة الإلكترونية(100). وفي المرحلة التالية المتمثلة في إبرام العقد حيث يتلاقى الإيجاب والقبول في العقود الإلكترونية سواء في الموقع على الويب أو عبر مراسلات البريد الالكتروني. وهنا تظهر مشكلتان: أولها مدى توثق كل طرف من صفة وشخص ووجود الطرف الآخر، أي سلامة صفة المتعاقد، وهنا تظهر ضرورة وجود طرف محايد يتوسط بين المتعاقدين ويقوم بعملية التوثق والتأكد من صفة وحقيقة كل طرف. وثانيها مدي حجية العقد الإلكتروني ومدى قبوله في الإثبات، ومن هنا ظهرت فكرة التوقيع الرقمي (Digital Signature) ليقوم بدور التوقيع العادي. أما المرحلة الثالثة والمتمثلة في إنفاذ التزامات المتعاقدين من تسليم السلعة أو الخدمة، والوفاء بالثمن، فمن ناحية تسليم السلعة فتثور مشكلة التأخير أو الإخلال بمواصفات الاتفاق، ومن ناحية الوفاء بالثمن فإن التحدي يظهر في وسائل(6/51)
الدفع التقنية مثل السداد بالبطاقات الائتمانية أو تزويد بيانات البطاقة عبر الهاتف. وهذه التحديات ترتبط بمشكلة أمن المعلومات عبر شبكة الإنترنت. ويضاف إلى ذلك، تحديات أخرى مثل حماية الأنشطة التجارية من تطفل مخترقي نظم الكومبيوتر والشبكات أو ما يعرف بجرائم الإنترنت، وكذلك تحدي الاختصاص القضائي في فض النزاعات التي تحدث بين الأطراف المتعاقدة سواء على المستوى المحلي أو الدولي.
وبأخذ الدول الإسلامية في عين الاعتبار، نجد أنها تواجه تحديا حقيقيا في التعامل مع مثل هذه الإشكاليات القانونية المتعلقة بتنظيم التجارة الإلكترونية، حيث أشارت إحدى الدراسات التطبيقية حول مدى توفر بيئة الاستعداد الإلكتروني لدى الدول، أن جميع الدول الإسلامية لا تزال في مرحلة الخطر في مجال البيئة القانونية والتشريعية للتجارة الإلكترونية، فيما عدا كل من الإمارات العربية المتحدة وماليزيا واللتان ظهرتا أكثر استعدادا وأقل خطورة(101). وفي مواجهة هذه التحديات القانونية والتشريعية وفي سبيل توفير بيئة آمنة وبناء الثقة بين الأطراف في فضاء التجارة الإلكترونية، فإن على الدول الإسلامية وضع إستراتيجية لبناء الإطار القانوني لتشمل إبرام العقود الإلكترونية، والاختصاص والولاية القضائية باعتبار أن التجارة الإلكترونية تجارة بلا حدود، وحماية الملكية الفردية للمنتجات الرقمية ومحتوى المواقع، والتوقيع الالكتروني كإثبات قانوني، وأنظمة الدفع الالكتروني في الوفاء بثمن المشتريات الإلكترونية، والمسئولية القانونية للشركات الوسيطة في التجارة الإلكترونية مثل مزودي خدمة الإنترنت وتلك التي تقوم بتسليم أو توصيل المبيعات، والقواعد والتشريعات التي تنظم الضرائب الجمركية في بيئة التجارة الإلكترونية. ويمكن في هذا الإطار الاستفادة من القانون النموذجي للتجارة الإلكترونية التي أصدرتها لجنة اليونسترال (UNICITRAL) التابعة للأمم المتحدة.(6/52)
ومن ناحية أخرى، فإنه يجدر الإشارة إلى ضرورة قيام علماء المسلمين من فقهاء وباحثين بدراسة ظاهرة التجارة الإلكترونية وتقديم الرؤى الفقهية والشرعية لطبيعة التعاملات التي تتم عبر شبكة الإنترنت، وتأصيلها الشرعي وبيان أحكامها(102)، ومدى تحقق القواعد الشرعية في التعاملات التجارية عبر الإنترنت، مثل مفهوم الغرر والجهالة في مواصفات السلعة أو الخدمة المباعة، أو وقوع الظلم على أحد المتعاقدين بعد إتمام البيع وغيرها(103).
7. مجالات التجارة الإلكترونية وإمكانية استفادة الدول الإسلامية منها:
أدى التقدم السريع لتقنية المعلومات وانتشار استخدام الإنترنت الواسع على نطاق دول العالم، إلى تحويل كثير من الأنماط التقليدية للتجارة والأعمال وغيرها من الأنشطة الاقتصادية إلى أنماط إلكترونية عبر شبكة الإنترنت. وتقدم الإنترنت فرصا متعددة للدول الإسلامية لتطبيق التجارة الإلكترونية في العديد من القطاعات التجارية والاقتصادية سواء على المستوى المحلي أو فيما بينها وبين العالم الخارجي. وسنتناول في هذا القسم بعضا من هذه المجالات في الدول الإسلامية والمتاحة للاستفادة من تطبيقات التجارة الإلكترونية.
7/1. قطاع الخدمات المصرفية:
تقدم تقنية الإنترنت مجالا واسعا وواعدا لقطاع الخدمات التمويلية والمصرفية في البلدان الإسلامية، حيث لعبت هذه التقنية دورا جوهريا في البلدان المتقدمة في إعادة هيكلة مستقبل القطاعات البنكية فيها(104). وبالرغم من أن القطاعات المصرفية في الدول الإسلامية بعامة هي أكثر القطاعات استخداما للتكنولوجيا وتقنية المعلومات إلا أن انتشار الإنترنت وما تتيحه من فرص وإمكانيات غير مسبوقة، يفتح المجال أمامها لمواكبة هذه الثورة المعلوماتية والاستفادة من الفرص المتاحة في تطوير خدماتها المصرفية وتعزيز قدراتها التنافسية وفتح قنوات جديدة للعبور إلى الأسواق الإقليمية والعالمية.(6/53)
وقد أصبح توظيف تكنولوجيا الإنترنت في الخدمات المصرفية ضرورة ملحة ينبغي على كافة الدول الإسلامية العمل على إعداد وتطوير الاستراتيجيات الملائمة التي تمكنها من تطبيقها والتأقلم مع المتغيرات المصرفية العالمية والاستفادة منها بما يحقق مصالحها. ومن أبرز مزايا الصيرفة الإلكترونية تقديم الخدمات المصرفية مثل إدارة الحسابات الشخصية وغيرها من الخدمات إلى العملاء بدلا من ذهابهم إلى المصارف وفق الطريقة التقليدية. إضافة إلى تمكين المصارف من اجتذاب عملاء جدد نتيجة لسهولة الوصول وسرعة التعامل مع المصارف في مواقعها على الإنترنت، وزيادة الكفاءة وانخفاض التكاليف الإدارية من خلال توفير الخدمات على مدار الساعة، وكذلك الاستغناء عن إنشاء فروع إضافية للمصرف أو تحويل بعض الفروع القائمة إلى فروع إلكترونية بدون موظفين(105). كما تتيح الإنترنت للمصارف في البلدان الإسلامية فرصة للانتشار ووسيلة لتسويق خدماتها المصرفية والتمويلية للأفراد والمؤسسات محليا ودوليا، إذ أنها تملك إمكانات وقدرات تؤهلها لتحقيق مزايا تنافسية في مجالات لا تقدمها بنوك أخرى مثل الصيرفة الإسلامية. وعلى مستوى التعامل بين الدول الإسلامية، توفر الصيرفة الإلكترونية فرصة تطوير العلاقات التجارية فيما بينها، وتوحيد شبكة معلومات المصارف مما يسهل عملية ربط حسابات ومعلومات الشركات التجارية والأفراد الذين يتعاملون في هذه الدول.
ومن ناحية أخري، يسهم تبني المصارف التقليدية في البلدان الإسلامية للأعمال الإلكترونية في إنجاح التجارة الإلكترونية، حيث إنها تلعب دور الوسيط بين البائعين والمشترين لتسهيل وإنجاز العمليات الإلكترونية والوفاء بالالتزامات الناشئة عن التعاقدات الإلكترونية. فالمصارف هي جهات موثوق بها في التعاملات المالية مما يزيد من ثقة المتعاملين، وبالتالي زيادة حجم المعاملات المصرفية وعوائد المصارف(106).
7/2. قطاع الصادرات:(6/54)
يعد قطاع التجارة الخارجية أكثر القطاعات الاقتصادية تأثرا بتقنية المعلومات والاتصالات (ICT) والتجارة الإلكترونية (E-Commerce). وكما ذكرنا سابقا (انظر ص22) تؤدي تطبيقات التجارة الإلكترونية في قطاع الصادرات إلى زيادة حجم التجارة وتعزيز القدرة التنافسية للدولة في الأسواق الدولية، وذلك نظرا لسهولة الوصول إلى مصادر الطلب في أي مكان في العالم، وسرعة إتمام الصفقات عبر الحدود الجغرافية والجمركية. كما أن التجارة الإلكترونية لها تأثير جوهري خصوصا على قطاع الصادرات الخدمية (الصادرات غير المنظورة) التي يمكن تحويلها إلى منتجات رقمية (Digital Products) وإتمام عملية بيعها وتسليمها عبر شبكة الإنترنت(107).
وفي هذا المجال بإمكان البلدان الإسلامية الإفادة من تطبيقات التجارة الإلكترونية لدعم تجارتها الخارجية وتعزيز مكانتها ومقدرتها التنافسية في الأسواق الدولية. ويمتلك العالم الإسلامي من المقومات والعوامل التي تؤهله أن يكون له نصيب من التجارة الدولية. فمن ناحية المقومات البشرية والثقل السكاني فهو يمتلك ما يعادل أكثر من خمس سكان العالم، وأكثر من ربع سكان العالم النامي. وجغرافيا يمتلك مساحات شاسعة تعادل سدس مساحة العالم، تمتد فوق أربع قارات من ألبانيا في أوربا شمالا إلى موزنبيق في أفريقيا جنوبا، وغربا من قيانا في أمريكا اللاتينية إلى أندونيسيا في آسيا شرقا(108).(6/55)
وبالرغم من امتلاك الدول الإسلامية هذه المقومات إلا أن حجم صادراتها لا يزال متدنيا مقارنة ببعض الدول الأخرى. كما أن صادراتها تتركز غالبا في الصادرات السلعية وتحديدا المواد الأساس مثل المنتجات الزراعية والنفط الخام والمنتجات النفطية. وهذا يتطلب من هذه الدول العمل على تنويع هيكل صادراتها وتبني برامج دعم قطاعات التصدير والإفادة من التجارة الإلكترونية في تسويق منتجاتها في الأسواق الدولية. أما فيما يتعلق بصادراتها الخدمية فهي لا تزال دون المأمول مقارنة ببعض الدول، فكما تشير البيانات في جدول 11 تحتل دول إسلامية مثل تركيا وماليزيا ومصر واندونيسيا مراتب متأخرة ( ما بين مرتبة 26 إلى 40) في التصنيف الدولي للصادرات الخدمية على مستوى العالم، حيث لم تمثل نسب صادراتهم الخدمية من إجمالي صادرات العالم سوى (1.1) ، (0.7) ، (0.6) ، (0.4) على التوالي. بينما دولا مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة والهند وتايلاند تتقدم عليها في حجم صادراتها الخدمية. وهذا الأمر يوضح مدى تأخر الدول الإسلامية في هذا المجال مما يتطلب ضرورة الاهتمام بقطاعات الصادرات الخدمية والاستفادة من قنوات التجارة الإلكترونية في الوصول إلى الأسواق الدولية.
جدول 11: ترتيب دول اسلامية مختارة بحسب صادرات الخدمات مقارنة مع دول اخرى 2004م (109).
معدل النمو
% من صادرات العالم
الترتيب
الدولة
16
1.7
17
كوريا الجنوبية
3
1.7
18
سنغافورة
7
1.4
21
الهند
7
1.3
23
تايلاند
دول إسلامية مختارة
29
1.1
26
تركيا
- 9
0.7
29
ماليزيا
19
0.6
34
مصر
-
0.4
40
اندونيسيا
ومن ناحية أخرى فإنه بإمكان الدول الإسلامية الإفادة من التجارة الإلكترونية في تعزيز حجم التجارة البينية، حيث لا يزال التبادل التجاري فيما بين الدول الإسلامية يتراوح بين 8 - 11 % خلال الفترة 1997م-2000م، مما يعني أن ما يقارب 90% من صادراتها يذهب إلى دول غير أعضاء وبخاصة الدول الصناعية(110).(6/56)
7/3. قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة:
تقدم تطبيقات التجارة الإلكترونية مجالا واسعا ورحبا لقطاع المنشآت التجارية المتوسطة والصغيرة في البلدان الإسلامية في تحويل أنماطها التجارية التقليدية إلى وسائل الكترونية سريعة. واقتصاديا يكتسب هذا القطاع أهمية متزايدة في معظم بلدان العالم لما يقدمه من فرص عمل جديدة وزيادة متنامية في حجم الاستثمار وما تحققه من تعظيم للقيمة المضافة، وزيادة في حجم المبيعات. إضافة إلى دورها في تحقيق التكامل بين الأنشطة الاقتصادية على اختلاف مستوياتها وأحجامها. وتبرز أهمية تطبيق التجارة الإلكترونية في هذه المنشآت في كون الدول الإسلامية كغيرها من البلدان النامية تعج بالمنشآت الصغيرة ومتوسطة الحجم. ففي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال تشير الإحصائيات، في منتصف 1422هـ، إلى وجود أكثر من 500 ألف منشأة تمثل المؤسسات الفردية منها نحو 94.8 %، وتبلغ المصانع المتوسطة، التي يتراوح رأس مالها 1-5 مليون، أكثر من 2465 مصنعا، وإذا أخذنا المنشآت المسجلة في البلديات فإن نسبة المنشآت المتوسطة والصغيرة تتجاوز 90 % من إجمالي عدد المنشآت التجارية في المملكة(111). ومن خلال تبني هذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتقنيات التجارة الإلكترونية سوف يفتح أمامها المجال في الدخول إلى نطاق أوسع في السوق المحلي والأسواق الدولية متخطية بذلك عقبة الحدود الجغرافية، مما يمكنها من التعامل مع أعداد كبيرة من المستهلكين الجدد وكذلك يمكنها من التعامل مع عدد كبير من المنشآت الأخرى في قطاع التوريد عوضا عن ارتباطها مع منشآت محددة في ظل تجارتها التقليدية. ولكي تتمكن مثل هذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم من الاستفادة من تقنيات التجارة الإلكترونية وتحويل عملياتها التجارية التقليدية إلى أساليب إلكترونية في كافة مراحل عملياتها التجارية، فإنها تحتاج إلى الدعم المالي والكوادر المؤهلة لهذه البيئة والتخطيط(6/57)
الاستراتيجي المنظم. وهنا يمكن للحكومات والمؤسسات الرسمية ذات العلاقة بقطاع التكنولوجيا وتقنية المعلومات أن تلعب دورا بارزا في ذلك.
7/4. قطاع النشر:
قطاع النشر من القطاعات الأخرى المتاحة لتطبيق التجارة الإلكترونية في الدول الإسلامية، والذي يتمثل في إنتاج وتوزيع الأعمال الأدبية المكتوبة أو المطبوعة مثل الكتب والصحف والدوريات العلمية وغيرها من المطبوعات. ويعد قطاع النشر من القطاعات الهامة التي لها أبعاد اقتصادية وذلك عن طريق الفوائد التي يتحصل عليها الأفراد والمجتمع من خلال اكتساب المعارف ونقل التكنولوجيا والتقدم في العلوم والصناعة، إضافة إلى ما ينتج عنه من إيجاد فرص عمل جديدة وتطوير الخدمات الاجتماعية، الأمر الذي ينعكس في نهاية المطاف على النمو الاقتصادي في المجتمع(112). ومن أبرز مزايا تحويل قطاع النشر من نمطه التقليدي إلى قطاع نشر إلكتروني (E-publishing) انخفاض تكاليف إنتاج وتوزيع المطبوعات مما يمنح الأفراد والمنشآت الصغيرة فرصة المساهمة في هذا القطاع، وبالتالي إيجاد أسواق تنافسية مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار ومضاعفة حجم إنتاج النشر في المجتمع. وبالنظر إلى مكانة هذا القطاع في الدول الإسلامية نلاحظ أنه لا يزال متأخرا مقارنة مع دول نامية أخرى إذا ما أخذنا بعض المؤشرات المتاحة لحجم قطاع النشر فيها.
جدول 12: دور النشر في بعض الدول الإسلامية ودول نامية أخرى عام 1999م(113).
عدد دور النشر
دول نامية أخرى
عدد دور النشر
دول إسلامية مختارة
116
الأرجنتين
6
أفغانستان
220
البرازيل
3
الجزائر
262
الهند
1
بروناى
31
تايلأند
5
الكامرون
44
سنغافورة
3
إيران
47
الفلبين
1
ليبيا
56
كولومبيا
2
سوريا
16
كوبا
2
أوزبكستان(6/58)
فكما نلاحظ في جدول 12مدى الفجوة بين قطاع النشر في الدول الإسلامية وتلك التي في بعض الدول النامية، وهذا يعني زيادة حجم واردات الدول الإسلامية من منتجات النشر عن صادراتها وبالتالي زيادة حجم عجزها التجاري في هذا القطاع. لذلك فإن توظيف تقنيات الإنترنت في هذا القطاع سيدفع عجلة النمو في قطاع النشر المحلي لدى الدول الإسلامية من حيث تطوير هيكل القطاع والارتقاء بنوعية وجودة مواد النشر واتساع أسواقها وانخفاض تكاليف إنتاجها، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن تكلفة إنتاج وتوزيع المجلات العلمية إلكترونيا (E-journal)، على سبيل المثال تقل عن تكلفتها التقليدية بنحو 28% إلى 48%(114).
7/5. التجارة الإلكترونية ودور المرأة:(6/59)
أدت ثورة تقنية المعلومات والاتصالات (ICT) وتطبيقات التجارة الإلكترونية (E-commerce) إلى اتساع مجال أعمال أفراد المجتمع بما في ذلك الأعمال التي تقوم بها المرأة سواء على المستوى الإداري أو الاجتماعي أو الاقتصادي. ولذلك فإن تقنية المعلومات والاتصالات تقدم العديد من الفرص الوظيفية والاستثمارية للمرأة في المجتمعات الإسلامية أسوة بالرجل، بل إن أهميتها للمرأة المسلمة قد تفوق نظيرتها في المجتمعات غير الإسلامية، وذلك لعدة عوامل من أبرزها أن المرأة في الدول الإسلامية تواجه عدة عقبات اجتماعية وثقافية من الانخراط في ممارسة الأعمال كما هو حال الرجل. ومن أبرز الاستخدامات التي تقدمها ثورة المعلومات للمرأة هو أولا: إمكانية إقامة أعمال أو مشروعات اقتصادية صغيرة في مجالات متعددة مثل الحرف اليدوية والهدايا والمنتجات الغذائية أو غيرها من الأنشطة التجارية المنزلية، واستغلال التجارة الإلكترونية في تسويقها وتطويرها. وثانيا: إمكانية المرأة العمل في القطاعات التي تستخدم تقنية المعلومات في أعمالها دون اضطرارها للخروج والحضور في مكاتب عمل معينة، وإنما تقوم بكافة الأعمال الموكلة إليها عبر الشبكة الإلكترونية. وهذه الأعمال التي تتم عبر شبكة الإنترنت تعفي المرأة من الوقوع في المحاذير الشرعية مثل خروج المرأة واختلاطها مع الرجال في أماكن العمل. ولكن لكي تصبح المرأة في البلدان الإسلامية قادرة على استثمار هذه التقنية، فإنه لابد أن يسبق ذلك مراحل متعددة يتم من خلالها القضاء على الأمية المنتشرة في الدول الإسلامية فضلا عن أمية التكنولوجيا وتقنية المعلومات، ومن ثم تبني برامج التعليم والتدريب في مجال تقنية المعلومات واستغلال الإنترنت.(6/60)
فكما نلاحظ من خلال بعض المؤشرات المتعلقة بالمرأة في الدول الإسلامية (انظر شكل 2) نجد أن متوسط معدل الأمية بلغ نحو 35 % وفي الدول الإسلامية الأقل نمو تجاوز 60 %. كما أن الأمية منتشرة في الفئات العمرية (15-24سنة) بنحو 21 %، وهذه الفئة هي الطبقة المستهدفة للتوعية واستخدام الإنترنت. وعلى ضوء هذه المؤشرات السلبية ينبغي على الحكومات في هذه البلدان أن تتبنى استراتيجيات تهدف إلى استغلال هذه الطاقات البشرية من الإناث لاسيما وان نسبة الإناث في هذه المجتمعات تمثل تقريبا نصف سكانها.
شكل 2 : مؤشرات مختارة للإناث في الدول الإسلامية حسب المجموعة خلال الفترة 1990-2000م(115).
8. الخاتمة:
على ضوء الدراسة التي تناولنا فيها ظاهرة تقنية المعلومات والتجارة الإلكترونية ومدي إفادة الدول الإسلامية منها وما تضمنتها من استعراض وتحليل لأوضاع الدول الإسلامية في هذا المجال، يمكن الخروج ببعض النتائج الهامة وكذلك أهم التوصيات المقترحة، وهي كالآتي:
8/1. النتائج:
1. بروز ثورة تقنية المعلومات والاتصالات وظاهرة التجارة الإلكترونية كأحد أبرز المنجزات في تاريخ البشرية مع دخوله الألفية الثالثة، واعتبارها أداة مهمة في تغير أنماط الحياة اليومية لاسيما الاقتصادية سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات أو الأمم، والدخول بها في عصر الاقتصاد الجديد أو ما يطلق عليه الاقتصاد الرقمي (Digital Economy).
2. تنامي الاهتمام بتطبيقات التجارة الإلكترونية واتساع مجالات استخدامها لتشمل كافة مستويات التعاملات الاقتصادية بين مختلف الوحدات والقطاعات الاقتصادية.
3. الارتباط الوثيق بين انتشار ونمو التجارة الإلكترونية وتوفر القاعدة التكنولوجية لتقنية المعلومات والاتصالات (Information & Telecommunication Technology) بصفتها البنية التحتية اللازمة لها.(6/61)
4. بالرغم من صعوبة قياس كافة أنشطة التجارة الإلكترونية إلا أنه من الأهمية بمكان استحداث طرق وأساليب لقياس حجمها لما له من أهمية بالغة لصناع السياسات الاقتصادية ومتخذي قرارات الاستثمار.
5. أهمية توفر المتطلبات الأساس لقيام التجارة الإلكترونية وأهمها: البنية التحتية الإلكترونية والمتمثلة في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات من شبكات الاتصال وأجهزة الاتصالات والهواتف الثابتة والنقالة والحواسب الآلية وبرامج التطبيقات، وانتشار استخدام الإنترنت والحاسبات المضيفة ومزودي خدمات الإنترنت. إضافة إلى ضرورة سن التشريعات والأنظمة المناسبة للتعاملات عبر شبكة الإنترنت وحقوق الملكية الفكرية. وكذلك أهمية توفر الكوادر البشرية المؤهلة للتعامل مع تقنية المعلومات.
6. تأثير التجارة الإلكترونية على الاقتصاد بكافة قطاعاته سواء على مستوى قطاعات الأعمال أو القطاع الاستهلاكي أو على مستوى الاقتصاد القومي ككل.
7. تدني نسبة المحتوى التكنولوجي في صادرات الدول الإسلامية والذي يعد مؤشرا مهما في المقدرة التكنولوجية لاقتصادياتها. وهذا يشير إلى انخفاض إسهام عنصري البحث والتطوير في القطاعات الإنتاجية لدى الدول الإسلامية.
8. ضعف انتشار واستخدام تقنية المعلومات في معظم الدول الإسلامية نتيجة لتدني نسبة الإنفاق على تقنية المعلومات من الناتج المحلي وغياب الاستثمارات المخصصة في قطاع تقنية المعلومات. وهذا كان له أثره في محدودية انتشار استخدام الحاسبات الآلية في المجتمعات الإسلامية وبالتالي انخفاض فرص الدخول في الإنترنت والتي تعد وسيلة للتجارة الإلكترونية.(6/62)
9. بالرغم من أهمية دور البحث والتطوير في التقدم والتوطين التكنولوجي، إلا أن الدول الإسلامية من خلال مؤشرات البحوث والتطوير لم تظهر اهتماما بها يتناسب مع أهميتها كأحد المتطلبات لبناء مجتمعات ذات ثقافة ومعرفة تكنولوجية. ويظهر ذلك من خلال المؤشرات المتدنية عن الإنفاق على البحوث والتطوير وتوفر المتخصصين والطلاب والعلماء في المجالات الهندسية والتطبيقية.
10. ضعف مؤشر الاتصالات، مثل الخطوط الهاتفية الثابتة والنقالة وتكلفة الاتصال وفترات الانتظار للحصول على خدمات هاتفية، في كثير من الدول الإسلامية لاسيما الدول الأقل نمو، رغم أهميته في دعم تطور التجارة الإلكترونية. كما أن كثيرا من الدول الإسلامية تفتقر إلى أسواق تنافسية في هذا القطاع نتيجة لامتلاك واحتكار الحكومات تقديم هذه الخدمات.
11. تواجه الدول الإسلامية تحديات مهمة في استخدام التجارة الإلكترونية، ومن أبرز هذه التحديات عدم توفر البنى التحتية اللازمة لقيام التجارة الإلكترونية، ضعف الثقافة والوعي التقني والالكتروني بين عامة أفراد المجتمع، قصور الطاقات البشرية المدربة والمؤهلة في مجال تطبيقات التجارة الإلكترونية، ضعف إمكانية وقدرات المؤسسات التجارية في الدول الإسلامية للتحول إلى الأنماط الإلكترونية، ضعف الدور الحكومي الرسمي لتهيئة قطاعات المجتمع للدخول في عصر تقنية المعلومات. إضافة إلى تحديات اجتماعية وثقافية في بعض البلدان الإسلامية مثل الخوف من الغزو الثقافي والفكري والانفتاح على العالم الخارجي. وعقبات تشريعية تتمثل في غياب الأنظمة والتشريعات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية.(6/63)
12. هناك مجالات عديدة تستطيع الدول الإسلامية استغلالها في تطبيق التجارة الإلكترونية. وتشمل هذه المجالات قطاعات الخدمات المصرفية والتمويلية والتي تعد أكثر القطاعات استخداما لتقنية المعلومات. وكذلك قطاع الصادرات من السلع والخدمات أو القطاعات الإنتاجية ذات النزعة التصديرية، وذلك للوصول إلى الأسواق الدولية بأقل التكاليف. إضافة إلى قطاعات المنشآت الصغيرة والمتوسطة نظرا لكبر حجمها في الدول الإسلامية. وكذلك قطاع النشر والمطبوعات لأهميته في نشر المعرفة ونقل تكنولوجيا العلوم والصناعة. وبجانب ذلك المجال الواسع الذي تقدمه الإنترنت للمرأة المسلمة سواء في إنشاء المشروعات الصغيرة عبر شبكة الإنترنت أو الإفادة والانخراط في الوظائف المصاحبة لتقنية المعلومات.
8/1. التوصيات:
بالرغم من وجود الكثير من الصعوبات لدى الدول الإسلامية في سبيل الإفادة من التجارة الإلكترونية، إلا أن هناك أمل كبير في تخطي هذه العقبات واللحاق بركب الدول الأخرى في هذا المجال. ولكن لن يتحقق ذلك إلا بوضع وتفعيل استراتيجيات بعيدة ومتوسطة المدى وعلى المستويين القومي والإقليمي لتطوير قطاع تقنية المعلومات والتجارة الإلكترونية. ومن هذه التوصيات التي ينبغي الاهتمام بها:
1. إعطاء الأولوية لقطاع العلوم وتقنية المعلومات في إعداد وصياغة برامج وخطط التعليم القومية.
2. إنشاء مراكز وهيئات وطنية في مجال تقنية المعلومات والاتصالات، ودعمها بالإمكانيات المادية والمعنوية بغرض تطوير القاعدة التكنولوجية والعلمية وتعزيز دور البحوث والتطوير في البلاد.
3. تبني سياسة التثقيف التكنولوجي واستخدام تقنية المعلومات بين أفراد المجتمع، وذلك من خلال برامج التدريب والتعليم في المؤسسات المهنية والإدارية، مع الاهتمام بنشر الوعي التقني في المؤسسات التعليمية والأكاديمية وتحديث مناهج التعليم بما يتناسب والبيئة التكنولوجية.(6/64)
4. توجيه وتخصيص الاستثمارات المحلية وجذب رؤوس الأموال الأجنبية في مجال قطاع تقنية المعلومات والاتصالات.
5. تحرير قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات من الإدارة الحكومية وتبني سياسة تخصيص هذه القطاعات في أسواق تنافسية حرة، وهذا في سبيل تطوير نوعية وجودة خدماتها بأسعار تنافسية.
6. سن التشريعات القانونية وتحديد الأطر التنظيمية لحماية مستخدمي تقنية المعلومات والحفاظ على حقوق المستهلكين والبائعين في بيئة التجارة الإلكترونية.
7. تعزيز ودعم دور المصارف التجارية في المعاملات التجارية الإلكترونية من خلال تسهيل إتمام وتحصيل المدفوعات والحفاظ على حقوق الأطراف المتعاملين .
8. دعم برامج التعاون فيما بين الدول الإسلامية في مجال التكنولوجيا وتقنية المعلومات والاستعانة بخبرات الدول الأخرى في هذا المجال.
9. استغلال تطبيقات التجارة الإلكترونية في مختلف القطاعات الاقتصادية في كل دولة، مع الاهتمام باستثمار ذلك في دعم التبادل التجاري الإلكتروني فيما بين الدول الإسلامية.
ملحق ( أ) الجداول
جدول 13: نمو التجارة الإلكترونية الدولية (مليار دولار أمريكي).
% من إجمالي التجارة في عام 2004م
2004
2003
2002
2001
2000
الدولة
12.8 %
3456.4
2339
1498.2
908.6
509.3
أمريكا الشمالية:
13.3 %
3189
2187.2
1411.3
864.6
488.7
الولايات المتحدة
9.2 %
160.3
109.6
68
38
17.4
كندا
8.4 %
107
42.3
15.9
6.6
3.2
المكسيك
8 %
1649.8
724.2
286.6
117.2
53.7
آسيا والباسيفيك:
8.4 %
880.3
363.6
146.8
64.4
31.9
اليابان
16.4 %
207.6
96.7
36.9
14
5.6
استراليا
16.4 %
205.7
100.5
39.3
14.1
5.6
كوريا
6 %
1533.2
853.3
422.1
194.8
87.4
أوربا الغربية:
6.5 %
1533.2
853.3
422.1
194.8
87.4
ألمانيا
7.1 %
288.8
165.6
83.2
38.5
17.2
المملكة المتحدة
5 %
206.4
104.8
49.1
22.1
9.9
فرنسا
4.3 %
142.4
71.4
33.8
15.6
7.2
ايطاليا
9.2 %
98.3
59.5
30.7
14.4(6/65)
6.5
هولندا
2.4 %
81.8
31.8
13.7
6.8
3.6
أمريكا اللاتينية
8.6 %
6789.8
3979.7
2231.2
1233.6
675
الإجمالي
المصدر: Forrester Research, Inc. via: (http://glreach.com/eng/ed/art/2004.ecommerce.php3)
ملحق ( ب): الدول الإسلامية حسب المجموعات.
تصنيف الدول الإسلامية كما ورد في: Annual Economic Report on the OIC Countries: 1998
الدول الإسلامية الانتقالية
الدول الإسلامية المصدرة للبترول
الدول الإسلامية متوسطة الدخل
الدول الإسلامية
الأقل نمو
48- ألبانيا
35- الجزائر
22- مملكة البحرين
1- أفغانستان
49- أذربيجان
36- بر وناي
23- كامرون
2- بنجلادش
50- كازاخستان
37- الغابون
24- مصر
3- بنين
51- قيرقيزستان
38- اندونيسيا
25- الأردن
4- بوركينا فاسو
52- طاجيكستان
39- إيران
26- لبنان
5- تشاد
53- تركمنستان
40- العراق
27- ماليزيا
6- كومورس
54- أوزبكستان
41- الكويت
28- المغرب
7- جيبوتي
42- ليبيا
29- باكستان
8- غامبيا
43- نيجيريا
30- السنغال
9- غينيا
44- عمان
31- سورينام
10- غينيا بيساو
45- قطر
32- سوريا
11- مالديف
46- المملكة العربية السعودية
33- تونس
12- مالي
47- الإمارات العربية المتحدة
34- تركيا
13- موريتانيا
14- موزنبيق
15- النيجر
16- سيراليون
17- الصومال
18- السودان
19- توغو
20- أوغندا
21- اليمن
7 دول
13 دولة
13 دولة
21 دولة
ملحق (ج) الأشكال البيانية
شكل 3 : نموذج الأطراف الأساسية المعنية بالتعامل التجاري في التجارة الإلكترونية.
شكل
شكل
شكل 4 : حجم التجارة الإلكترونية في العالم عبر الإنترنت 1994-2002م.
شكل 5: نسبة النمو للتجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت وعبر الوسائل الأخرى.
المراجع:
المراجع العربية:
1- القران الكريم.(6/66)
2- إدارة البحوث والدراسات الاقتصادية، التجارة الإلكترونية والاتصالات، مجلس الغرف التجارية والصناعية السعودية، بحث مقدم في المؤتمر الثالث لرجال الأعمال السعوديين والمصريين، لإسكندرية 10-12 شعبان 1421هـ.
3- باسل الجبر، التجارة الإلكترونية: منطقة تجارة عالمية حرة خلال الإنترنت، وزارة التجارة، المملكة العربية السعودية. متاح في: (http://www.commerce.gov.sa/ecomm/art1.asp))
4- البنك الإسلامي للتنمية، التقرير السنوي (1421هـ) 2000 - 2001م، دار العلم، جدة،.
5- خالد الطويل، الاقتصاد الجديد صحيفة الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفية 2000م، (24/10/2001م)، متاح في: (http://www.writers.alriyadh.com.sa)
6- رأفت رضوان، عالم التجارة الإلكترونية، القاهرة: المنظمة العربية للتنمية الإدارية، 1999م.
7- طارق عبد العال حماد، التجارة الإلكترونية: المفاهيم - التجارب - التحديات - الأبعاد التكنولوجية والمالية والتسويقية والقانونية، الإسكندرية، الدار الجامعية، 2002/2003م.
8- مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية، أساليب جديدة لتنمية وتطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ورقة عمل مقدمة إلى مؤتمر الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي حتى عام 1440هـ، 1423هـ.
9- منصور فرح، التجارة الإلكترونية في الوطن العربي: الوضع الراهن والآفاق المستقبلية، بحث مقدم لندوة العلوم والتكنولوجيا في الوطن العربي: الواقع والطموح، عمان 20-21/10/2001م، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ، الطبعة العربية الأولى، 2002م.
10-الموسوعة العربية للكومبيوتر والإنترنت: (http//:www.c4arab.com/showac.php?acid=120)
11- وزارة التجارة ، المملكة العربية السعودية، التجارة الإلكترونية ... أهمية متزايدة، متاح في:
(http://www.commerce.gov.sa/ecomm/book.asp)
المراجع الأجنبية:
1- Activmedia, available at (http://www.activmedia.com)(6/67)
2- Barbara M. et al "Government Statistics: E-Commerce and Electronic Economy" a paper prepared for presentation to the Federal Economic Statistic, Advisory Committee (FESAC), June 15, 2000.
3- Bhattacharyya (2000)
4- Caroline Freund and Diana Weinhold , The Internet and International Trade in Services, American Economic Association (Papers and Proceedings), May 2002.
5- Computer Industry Almanac, available at (http://www.c-i-a.com/199908iu.htm)
6-Cyberatlas, available at: (http://cyberatlas.internet.com/ big_picture /geographics/ print/0,1323,5911_1511,00.html)
7- DG Mike Moore, "Opening Remarks, E-Commerce Conference, ITC", WTO/news-speech, 31 October 2000. Document No: 4. Available at:
(http://www.wto.org/wto/english/tratop_e/devel_e/33_e.htm)
8- Financial Times, September 3, 1997.
9- Hyunbae, Information Technology and the Demand for Educated Workers: Disentangling the Impact of the Adoption Versus Use, The Review Of Economics and Statistics, The MIT Press Journal, 85:1, (Feb. 2003), 1-7.
10- IDB (2001)
11- International Telecommunication Union (ITU), Internet Indicators: Users and PCs, 1999-2001, 2002. (also available at: http://www.itu.org)
12- ITU, "Challenges to Network" ,1997a, via World Trade Organization "Special Studies2: Electronic Commerce and the Role of the WOT", 1998.
13- J. Bradford Delong, Macroeconomics Implication of the "New Economy", May 2000. Available at (http://www.j-bradford-delong.net/ OpEd/virtual /ne_macro.html)
14 - Journal of Economic Cooperation Among Islamic Countries 19, 4 (1998) 1-57, Annual Economic Report on the OIC Countries: 1998.(6/68)
15- Lall (200)
16- Lall and Wignaraja (1998)
17- Larry Press, The State of the Internet: Growth and Gaps, California State University, Dominguez Hills, p. 5. (available at: http://www.isoc.org)
18- Mahmood (1999)
19- McConnell International, Ready? Net. Go!: Partnerships Leading the Global Economy, McConnell International in collaboration with WITSA, May 2001. Also available at: (http://www.mcconnellinternational.com)
20- Michael MINGES, Counting the Net: Internet Access Indicators, International Telecommunication Union, Switzerland. Also available at (http://www.isoc.org./isoc/conference/inet/00/cdproceedings/8e/8e_1htm)
21- OECD (1992).
22- OECD (1998).
23- OECD, Measuring Electronic Commerce: Main points, available from: (http://www.oecd.../0,3371,EN-document-29-nodirectorate-no-1-10230-29---,00.htm)
24- Roger Clarke "Electronic Commerce Definitions" Department of Computer Science, Australian National University, 2000.
25- Roger Clarke "Electronic Data Interchange (EDI): An introduction" Department of Computer Science, Australian National University, October 2001.
26- SESRTCIC, Annual Economic Report on the OIC Countries:1998 , Journal of Economic Cooperation Among Islamic Countries 19, 4 (1998) 1-57.
27- SESRTCIC/ Ankara Centre, Impact of E-commerce and use of informations and communications technology on promotion and development of intra-oic trade, a workshop in Tunis, Republic of Tunisia, 10-12 June 2003, Statistical, Economic and Social Research and Training Centre for Islamic Countries (SESRTCIC/ Ankara Centre),2003.(6/69)
28- Shaun Lake "E-Commerce and LDCs Challenges for enterprises and governments" a paper prepared for UNCTAD Regional meeting on electronic commerce and development, Kathmandu, Nepal 30-31 May 200.
29- The Economist, May 10, 1997.
30- The World Bank, World Development Indicators, The World Bank, 2003.
31- UNCTAD (1997).
32 UNCTAD, E-Finance and Small and Medium-Size Enterprises (SMEs) in Developing and Transition Economies, 2001, Brussels, p.4.
33- UNCTAD (2002), E-commerce Development Report 2002.
34- United Nation Conference on Trade and Development, Handbook of Statistics, available at : ( http://stats.unctad.org/ restricted/eng/ TableViewer/ wdsview/print.asp), The World Bank, 2003.
35- United Nation Conference on Trade and Development, Handbook Statistics, available at: (http://stats.unctad. org/restricted/eng/ TableViewer/ wdsview/print.asp)
36- United Nation, E-commerce and Development Report 2001,: Trends and Executive Summary, Internet version prepared by UNCTAD secretariat, United Nation, New York, 2001.
37- WITSA, International Survey of E-Commerce 2000, sponsored by CSSA. available from: (www.cssa.co.uk)
38- World Bank, World Development Indicators, 2003, (WDI CD-ROM).
39- World Trade Organization "Special Studies 2: Electronic Commerce and the Role of the WOT", 1998.
40- WTO - official ministerial website - about the ministerial - e- commerce, available at: (http://www.wto.org/wto/english/thewto_e/minst_e/min99_e/english/abo.../20ecom_e.ht)
* تم استخدام المتوسط الهندسي (GM) لحساب متوسط القيم لمجموعات الدول في حالة النسب والمعدلات وفقا للصيغ التالية:
، ،(6/70)
حيث = نسبة الدولة، n = عدد الدول
وتم استخدام المتوسط البسيط (Mean) في حالة البيانات المطلقة لمجموعات الدول وفقا للصيغة التالية:
حيث = قيمة متغير الدولة، n = عدد الدول
الهوامش والتعليقات
1 - ظهرت تطبيقات التجارة الإلكترونية منذ السبعينات من القرن الماضي واشهرها تطبيق التحويلات الإلكترونية للأموال (Electronic Fund transfers) وكان سائدا بين الشركات العملاقة، ثم تم تطوير التبادل الإلكتروني للبيانات (EDI) والذي وسع تطبيق التجارة الإلكترونية من مجرد معاملات مالية إلى معاملات أخرى مما زاد استخدام هذه التقنية في الشركات المساهمة وغيرها. وكذلك من التطبيقات التي ظهرت في السابق تطبيقات الاتصالات السلكية واللاسلكية المستخدمة في بيع الأسهم وتذاكر السفر على شبكات خاصة. وبظهور شبكة الإنترنت في التسعينات من القرن الماضي وانتشارها ونموها إلى الملايين من البشر، ظهرت التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت وتم تطوير تطبيقاتها بشكل كبير. (انظر الموسوعة العربية للكومبيوتر والإنترنت على:
http://www.c4arab.com/showac.php?acid=120
2 - Barbara M. et al "Government Statistics: E-Commerce and Electronic Economy" a paper prepared for presentation to the Federal Economic Statistic, Advisory Committee (FESAC), June 15, 2000. p.2.
3 - Roger Clarke "Electronic Commerce Definitions" Department of Computer Science, Australian National University, 2000. p.2.
4 - Barbara et al, op cit. p.3.
5 - Ibid. p.3.
6- انظر الموسوعة العربية للكومبيوتر والإنترنت، مرجع سابق.
7- مفهوم المساحة السوقية (Market space) يستخدم للتميز بين "المكان السوقي الالكتروني" والذي يتم فيه التعامل بالتجارة الإلكترونية، ومفهوم المكان السوقي التقليدي (physical marketplaces) الذي يتم فيه التعامل بالتجارة التقليدية.(6/71)
8- إدارة البحوث والدراسات الاقتصادية، التجارة الإلكترونية والاتصالات، مجلس الغرف التجارية والصناعية السعودية، بحث مقدم في المؤتمر الثالث لرجال الأعمال السعوديين والمصريين، الإسكندرية، 10-12 شعبان 1421هـ. ص.1.
9 - وزارة التجارة ، المملكة العربية السعودية، التجارة الإلكترونية ... أهمية متزايدة، متاح في:
(http://www.commerce.gov.sa/ecomm/book.asp)
10- يعود أول ظهور لتقنية التبادل الإلكتروني (EDI) بين الشركات العملاقة إلى عام 1948م بهدف تسهيل التعاملات بين الشركات التجارية من خلال إحلال أوامر الشراء والبيع الورقية بالأساليب الإلكترونية، وتعرف هذه التقنية بأنها "تبادل الأوراق والوثائق التجارية بأساليب إلكترونية معيارية بين المؤسسات التجارية وبطريق آلية، انظر على سبيل المثال:
Roger Clarke "Electronic Data Interchange (EDI): An introduction" Department of Computer Science, Australian National University, October 2001, p.1.
11 - Shaun Lake "E-Commerce and LDCs Challenges for enterprises and governments" a paper prepared for UNCTAD Regional meeting on electronic commerce and development, Kathmandu, Nepal 30-31 May 200, p.9.
12 - إدارة البحوث والدراسات الاقتصادية، مجلس الغرف التجارية والصناعية السعودية، مرجع سابق، ص1-2.
13 - منصور فرح،التجارة الإلكترونية في الوطن العربي: الوضع الراهن والآفاق المستقبلية، بحث مقدم لندوة العلوم والتكنولوجيا في الوطن العربي: الواقع والطموح (387-403) عمان 20-21/10/2001م، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ، الطبعة العربية الأولى، 2002م، ص390.
14- Shaun Lake, op cit, p.9.
15- الموسوعة العربية للكومبيوتر والإنترنت، مرجع سابق.
16- د. منصور فرح، التجارة الإلكترونية في الوطن العربي: الواقع والطموح، مرجع سابق، ص390.(6/72)
17 - ITU, "Challenges to Network" ,1997a, via World Trade Organization "Special Studies2: Electronic Commerce and the Role of the WOT", 1998, p.13.
18 - متاح في: (http:/www.cyberatals.internet.com)
19 - UNCTAD, E-commerce and Development Report 2002 (internet version prepared by the UNCTAD secretariat), United Nation, New York and Geneva, 2001, p19.
20 - Financial Times, September 3, 1997; The Economist, May 10, 1997.
21 - Activmedia, available at (http://www.activmedia.com).
22- Activmedia, available at (http://www.activmedia.com).
23 - Barbara M. et al, op cit.
24 - OECD, Measuring Electronic Commerce: Main points, available from:
(http://www.oecd.../0,3371,EN-document-29-nodirectorate-no-1-10230-29---,00.htm)
25 - United Nation, E-commerce and Development Report 2001,: Trends and Executive Summary, Internet version prepared by UNCTAD secretariat, United Nation, New York, 2001, p. xxvi.
26 - Ibid.
27 - Barbara et al, Government Statistics: E-commerce and Electronic Economy, op cit.
28 - Ibid
29 - Michael Minges, Counting the Net: Internet Access Indicators, International Telecommunication Union, Switzerland. Also available at (http://www.isoc.org./isoc/conference/inet/00/cdproceedings/8e/8e_1htm)
30 - McConnell International, Ready? Net. Go!: Partnerships Leading the Global Economy, McConnell International in collaboration with WITSA, May 2001. p.18. Also available at: (http://www.mcconnellinternational.com)
31 - خالد الطويل، الاقتصاد الجديد، صحيفة الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفية 2000م، (24/10/2001م)، متاح في:
(http://www.writers.alriyadh.com.sa)(6/73)
32 - رأفت رضوان، عالم التجارة الإلكترونية، القاهرة, المنظمة العربية للتنمية الإدارية، 1999م، ص 41.
33 - باسل الجبر، التجارة الإلكترونية: منطقة تجارة عالمية حرة خلال الإنترنت، وزارة التجارة، المملكة العربية السعودية. متاح في:
(http://www.commerce.gov.sa/ecomm/art1.asp))
34 - رأفت رضوان، عالم التجارة الإلكترونية، مرجع سابق، ص 41.
35 - باسل الجبر، التجارة الإلكترونية: منطقة تجارة عالمية حرة خلال الإنترنت، مرجع سابق.
36 - طارق عبد العال حماد، التجارة الإلكترونية: المفاهيم - التجارب - التحديات - الأبعاد التكنولوجية والمالية والتسويقية والقانونية، (الإسكندرية، الدار الجامعية، 2002/2003م)، ص 48.
37 - المرجع نفسه، ص 49-50.
38 - الموسوعة العربية للكومبيوتر والإنترنت، مرجع سابق.
39 - رأفت رضوان، عالم التجارة الإلكترونية، مرجع سابق، ص 41.
40 - الموسوعة العربية للكومبيوتر والإنترنت، مرجع سابق.
41 - رأفت رضوان، عالم التجارة الإلكترونية، مرجع سابق، ص 41.
42 - J. Bradford Delong, Macroeconomics Implication of the "New Economy", May 2000. Available at (http://www.j-bradford-delong.net/OpEd/virtual/ne_macro.html)
43 - الموسوعة العربية للكومبيوتر والإنترنت، مرجع سابق.
44 - رأفت رضوان، عالم التجارة الإلكترونية، مرجع سابق، ص 41.
45 - الموسوعة العربية للكومبيوتر والإنترنت، مرجع سابق.
46 - رأفت رضوان، عالم التجارة الإلكترونية، مرجع سابق، ص 37.
47 - Caroline Freund and Diana Weinhold , The Internet and International Trade in Services, American Economic Association (Papers and Proceedings), May 2002. pp. 236-240.
48 - رأفت رضوان، عالم التجارة الإلكترونية، مرجع سابق، ص 37.(6/74)
49 - طارق عبد العال حماد، التجارة الإلكترونية: المفاهيم - التجارب - التحديات - الأبعاد التكنولوجية والمالية والتسويقية والقانونية، مرجع سابق، ص 444.
50- WITSA, International Survey of E-Commerce 2000, sponsored by CSSA. p. 8. available from: (www.cssa.co.uk)
51 - رأفت رضوان، عالم التجارة الإلكترونية، مرجع سابق، ص 37-38.
52 - المرجع نفسه، ص 39.
53 - World Trade Organization "Special Studies 2: Electronic Commerce and the Role of the WOT", 1998, op cit, p. 27
54 - See: SESRTCIC (a), Annual Economic Report on the OIC Countries:1998 , Journal of Economic Cooperation Among Islamic Countries 19, 4 (1998) 1-57.
55 - See for example: Lall and Wignaraja (1998), OECD (1992), UNCTAD (1997), Lall (200), Mahmood (1999), Bhattacharyya (2000), IDB (2001) and OECD (1998).
56 - UNCTAD (2002), E-commerce Development Report 2002, p. 248.
57 - Ibid, p. 248.
58 - World Bank (WDI CD-ROM). البيانات لعامي 2000 و 2001م.
59 - UNCTAD, E-commerce and development Report 2002, p.109.
60 - Ibid. p. 109.
61 - World Bank (WDI CD-ROM). البيانات لفترات مختلفة خلال 96-2001م حسب توفرها.
62 - UNCTAD, E-commerce and development Report 2002, op cit. pp.119-120.
63 - المرجع نفسه، ص121. تم حساب النسب بتصرف.
64 - انظر على سبيل المثال:
- Hyunbae, Information Technology and the Demand for Educated Workers: Disentangling the Impact of the Adoption Versus Use, The Review Of Economics and Statistics, The MIT Press Journal, 85:1, (Feb. 2003), 1-7.
64 - Computer Industry Almanac, available at (http://www.c-i-a.com/199908iu.htm)
64 - Michael Minges, op cit.(6/75)
64 - Ankara Centre, SESRTCIC (b), Impact of E-commerce and use of informations and communications technology on promotion and development of intra-oic trade, a workshop in Tunis, Republic of Tunisia, 10-12 June 2003, Statistical, Economic and Social Research and Training Centre for Islamic Countries (SESRTCIC/ Ankara Centre),2003, p 31.
65 - Computer Industry Almanac, available at (http://www.c-i-a.com/199908iu.htm).
66 - Michael Minges, op cit.
67 - Ankara Centre, SESRTCIC (b), Impact of E-commerce and use of informations and communications technology on promotion and development of intra-oic trade, a workshop in Tunis, Republic of Tunisia, 10-12 June 2003, Statistical, Economic and Social Research and Training Centre for Islamic Countries (SESRTCIC/ Ankara Centre),2003, p 31.
68 - Source of raw data:
- World Bank (WDI CD-ROM) 2001.
- The World Bank, World Development Indicators, The World Bank, 2003, pp.298-300.
69 - مستخدمو الإنترنت (Internet users) هم الأفراد الذين يتمكنون من الدخول في شبكة الإنترنت.
70 - Michael Minges, op cit. p. 4.
71 - Larry Press, The State of the Internet: Growth and Gaps, California State University, Dominguez Hills, p. 5. (available at: http://www.isoc.org)
72 - International Telecommunication Union (ITU), Internet Indicators: Users and PCs, 1999-2001, 2002. (also available at: http://www.itu.org)
73- Larry Press, op cit. p 5.
74 - Sources:
-The World Bank, 2003, op cit. pp.298-300.
- United Nation Conference on Trade and Development, Handbook Statistics, available at: (http://stats.unctad.org/restricted/eng /TableViewer/ wdsview/print .asp)(6/76)
- Cyberatlas, available at: (http://cyberatlas.internet.com/ big_picture/ geographics/ print /0,1323,5911_1511,00.html)
75 - Ankara Centre, SESRTCIC (b), op cit, p.4.
76 - Ibid. p.4.
77 - Ibid. p.4.
78 - مضيف الإنترنت (Internet hosts) هو اسم نطاق له عنوان الكتروني على شبكة الإنترنت أو نظام حاسب آلي متصل بالإنترنت.
79 - مزودو خدمة الإنترنت (Internet Service Providers) أي الشركات التي تزود المشتركين بخدمة الإنترنت.
80 - Minges, op cit, p.3.
81 - عدنان بدران، العلوم والتكنولوجيا: نظرة إلى الواقع العربي، بحث مقدم لندوة العلوم والتكنولوجيا في الوطن العربي: الواقع والطموح، مرجع سابق (107-116). ص 114.
82 - World Bank (WDI CD-ROM) 2001.
83 - عبد الرحيم الحنيطي، واقع العلوم والتكنولوجيا في الأردن، المرجع نفسه (125-153). ص 136-137.
84 - Ibid, also: The World Bank, 2003, op cit, pp.298-300.
85 - UNCTAD, E-commerce and development Report 2002, op cit, p.109.
86 - Journal of Economic Cooperation Among Islamic Countries 19, 4 (1998) 1-57, Annual Economic Report on the OIC Countries: 1998, p. 11.
87 - World Bank (WDI CD-ROM) 2001.
88 - United Nation Conference on Trade and Development, Handbook of Statistics, available at:( http://stats.unctad.org/restricted/eng/ TableViewer/ wdsview/ print. asp), The World Bank, 2003, op cit, pp. 294-296.
89 - Ankara Centre, SESRTCIC (b), op cit. p.19.
90 - Ibid. pp.8.9.
91 - WITSA, International Survey of E-Commerce 2000, op cit, pp. 19-20.
92 - Shaun Lake, op cit. p. 17.
93 - يوسف أبو فارة "واقع الإنترنت في الوطن العربي"، متاح على (http://www.yusuf-abufara.net)
94 - Shaun Lake, op cit. p. 17.
95 - Ibid. p.16.
96 - Ibid. p.18.(6/77)
97 - طارق عبد العال حماد، التجارة الإلكترونية: المفاهيم - التجارب - التحديات - الأبعاد التكنولوجية والمالية والتسويقية والقانونية، مرجع سابق، ص 632.
98 - نفس المرجع ، ص 640.
99 - WITSA, International Survey of E-Commerce 2000, sponsored by CSSA. Op cit. p. 10.
100 - UNCTAD, E-commerce and development Report 2002, op cit, p. 75.
101- McConnell International, Ready? Net. Go!: Partnerships Leading the Global Economy, McConnell International in collaboration with WITSA,op cit. p.13.
102 - خالد الطويل، تطورات تشريعية، صحيفة الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفية 2000م، (16/1/2002 م) متاح في:
(http://www.writers.alriyadh.com.sa)
103 - د/ محمد عبد الحليم عمر، التجارة الإلكترونية بين المباح والمحرم، الموسوعة العربية للكومبيوتر والإنترنت، مرجع سابق.
104 - UNCTAD, E-Finance and Small and Medium-Size Enterprises (SMEs) in Developing and Transition Economies, 2001, Brussels, p.4.
105 - عصام الشيخ، العلوم والتكنولوجيا: نظرة إلى الواقع العربي، بحث مقدم لندوة العلوم والتكنولوجيا في الوطن العربي: الواقع والطموح، مرجع سابق (405-416). ص409.
106 - نفس المرجع. ص 411.
107 - UNCTAD, E-commerce and development Report 2002, op cit, p. 219.
108 - Ankara Centre, SESRTCIC (b), op cit. p.19.
109 - WTO, International Trade Statistics 2004.
110 - البنك الإسلامي للتنمية، التقرير السنوي (1421هـ) 2000 - 2001م، دار العلم، جدة، ص ص 101-102.(6/78)
111- مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية، أساليب جديدة لتنمية وتطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ورقة عمل مقدمة إلى مؤتمر الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي حتى عام 1440هـ، 1423هـ، ص4. أيضا باسل الجبر ، الاستفادة من تقنيات التجارة الإلكترونية في المنشآت المتوسطة والصغيرة، مجلة المستثمرون، عدد 26. متوفر على:
http://www.mosgcc.com/topics/current/print.php?ID=415&issue=26.
112 - UNCTAD, E-commerce and development Report 2002, op cit, p. 159.
113 - Ibid. p. 187.
114 - Ibid. p. 166.
115 - World Bank (WDI CD-ROM) 2001.
??
??
التجارة الالكترونية في الدول الإسلامية ( الواقع - التحديات - الآمال ) 5
16 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي /جامعة أم القرى
التجارة الالكترونية في الدول الإسلامية ( الواقع - التحديات - الآمال ) 17(6/79)
التجارة الالكترونية
ومدى استفادة العالم الإسلامي منها
د. عطية عبد الواحد
أستاذ الاقتصاد العام
وعميد كلية التجارة - جامعة بيروت العربية
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
يقصد بالتجارة الإلكترونية إتمام الصفقات والمعاملات بوسائل إلكترونية .والتجارة الإلكترونية عبارة عن الصفقات والتدفقات المعلوماتية الخاصة بتبادل السلع والخدمات.
وتعتمد التجارة الإلكترونية على وسائل متعددة بعضها كان معروفا من قبل واستخدم منذ زمن طويل مثل التلفون والتلفزيون والفاكس, وبعضها أكثر حداثة وتطورا مثل أجهزة الحاسب الآلي والشبابيك الإلكترونية وشبكة الإنترنت. وكل هذه الأدوات الحديثة ظهرت بفضل الثورة العلمية الهائلة التي حدثت في السنوات الأخيرة.
فبفضل هذه الأدوات المتعددة أصبحت توجد معاملات متطورة وحديثة, فنسمع الآن عن التجارة الصوتية وغيرها من صور المعاملات التجارية الحديثة.
وهناك مجالات متعددة يمكن أن تمارس من خلال التجار الإلكترونية من أهمها:
-الخدمات المصرفية الإلكترونية
- خدمة الاتصالات
- الخدمات المتخصصة مثل: الاستشارات والخدمات الطبية والتعليمية والمحاسبية..
- إتمام الكثير من الصفقات التجارية.
وتحتل التجارة الإلكترونية الدولية في الخدمات مساحات كبيرة جدا عبر الوسائل الإلكترونية, وهى مساحات آخذة في التزايد يوما بعد يوم.
فبفضل الثورة العلمية الهائلة في مجال تكنولوجيا الحاسبات الآلية أصبح كثير من الخدمات قابل للتجارة بعد أن كان غير قابل للتجارة من قبل, ويشكل كل ذلك عاملا هاما في نمو التجارة الدولية.
لقد تيسرت - بفضل التجارة الإلكترونية- التجارة عبر الحدود وبصورة كبيرة .وذلك بفضل توافر وسائل التسليم الإلكترونية وسهولة تحول المنتجات الخدمية إلى معلومات رقمية.(7/1)
وباستقراء المجالات المتعددة التي تعمل فيها التجارة الإلكترونية, فإن دول العالم الإسلامي تستطيع الإفادة من كافة مزايا التجارة الإلكترونية بصفة عامة بالإضافة إلى المجالات التالية علي مستوى دول العالم الإسلامى:
أولا: المساعدة في توجيه الاستثمارات بين دول العالم الإسلامى
ثانيا: تسهيل وتنشيط التجارة البينية بين دول العالم الإسلامى.
ثالثا: تسهيل إتخاذ القرارات الاقتصادية والمالية.
رابعا: تنشيط الأسواق المالية في دول العالم الإسلامى.
خامسا: تسهيل إتمام المعاملات المصرفية والمالية بين دول العالم الإسلامى.
سادسا: التعريف بالإسلام عالميا على نحو يظهر جمال الإسلام وسماحته.
وهكذا يتضح أن الاهتمام بالتجارة الإلكترونية يعد أمرا لازما لتحقيق ضرورات التنمية الحقيقية ورفع مستوى معيشة الأفراد, وزيادة الدخل القومى للدول.
* * *
مقدمة
مع بداية القرن الحادى والعشرين وبداية الألفية الثالثة استرعى انتباه الجميع -بجلاء شديد- التقدم العلمي المذهل الذى ظهر علي الساحة الدولية, وهو بلاشك ثمرة تطور طويل .
لذلك يدور الحديث الآن عن ثورة صناعية جديدة قوامها المعلوماتية بكافة عناصرها, لذلك يسميها البعض بالثورة الصناعية الثالثة (1) ويسميها البعض الآخر (2) بالثورة الإلكترونية .
ولاغرو فإن التجارة الإلكترونية تعد ثمرة حقيقية من ثمار هذا التقدم العلمى المذهل.
إن السمة الرئيسية التي تميز كل العصور هى دور الاختراعات والاكتشافات العلمية. إنها- وبصفة أساسية- مكاسب (3) إنتاجية والمسئولة حتى يومنا هذا عن النمو الاقتصادى.
لذلك يلاحظ أن الدول التى قطعت شوطا في النمو الاقتصادى كأمريكا ودول أوربا واليابان, تجد أساس نموها في هذا الجانب.
إن عمليات الابتكار والإبداع - في كل المجالات- هى المسئولة اليوم بصورة أكبر مما حدث في نهاية القرن التاسع عشر.(7/2)
ومن المشاهد أن دول عالمنا المعاصر لا تعيش بمعزل عن بعضها البعض بل ترتبط فيما بينها بعلاقات اقتصادية ومالية وسياسية واجتماعية وثقافية متعددة.
والملاحظ أن العلاقات الاقتصادية المتبادلة بين الدول في نمو مطرد سواء أكان ذلك بسبب الكميات الهائلة من السلع والخدمات التى يتم تبادلها بين الدول من خلال التجارة الدولية, أم بسبب الأصول المالية المتداولة بين الدول, أم بسبب النشاط المتعاظم للشركات الدولية متعددة الجنسيات.
ولاغرو فإن التجارة الدولية للسلع والخدمات ومايترتب عليها تعد مظهرا حقيقيا للارتباطات التي تنشأ بين النظم الاقتصادية لدول العالم المختلفة.
ويترتب على وجود التجارة الدولية بهذا الحجم الهائل, ضرورة وجود تنظيمات وسسياسات معينة تسهل القيام بالتجارة الخارجية والمدفوعات الدولية التي تنشأ بمناسبتها . ويجب أن تكون هذه المؤسسات من المرونة التي يهئ لها التكيف مع التغييرات المستمرة في العلاقات الاقتصادية الدولية.
ومن العوامل التي ينتظر أن تؤدى دورا هاما في نمو وازدهار التجارة الدولية دخول شبكة الانترنت في مجال التجارة الدولية ,إذ يتوقع أن تؤدى إلى آثار إيجابية متعددة في مجال التجارة الدولية.
ومن المسلم به أن التجارة الإلكترونية سيكون لها آثار متعددة علي التجارة في الدول المتقدمة والدول النامية, وكذلك علي دول العالم الإسلامى.
ومن المنتظر أن تؤدى التجارة الإلكترونية خدمات متعددة في مجالات مختلفة من المأمول أن تكون لها آثار إيجابية علي دول العالم أجمع.
وعلى هدى ما تقدم جاءت خطة البحث علي النحو التالى:
المبحث الأول: التعريف بالتجارة الإلكترونية وأدواتها.
المبحث الثانى: مجالات التجارة الإلكترونية .
المبحث الثالث: آثار التجارة الإلكترونية.
المبحث الرابع: مدى توافر مقومات التجارة الإلكترونية فى العالم الإسلامى.
المبحث الخامس: مدى استفادة العالم الإسلامى من التجارة الإلكترونية.(7/3)
المبحث الأول
التعريف بالتجارة الإلكترونية وأدواتها
تمثل التجارة الإلكترونية أهمية كبيرة في العلاقات الاقتصادية والمالية سواء أكان ذلك علي المستوى القومى أم الدولى, لدرجة قيل معها(4) أن التجارة الإلكترونية ستكون أهم حدث اقتصادى مع بداية القرن الحادى والعشرين.
وسنتناول في هذا المبحث التعريف بالتجارة الإلكترونية وأهم أدواتها وذلك فى مطلبين:
المطلب الأول: التعريف بالتجارة الإلكترونية
المطلب الثانى: أدوات التجارة الإلكترونية
المطلب الأول :التعريف بالتجارة الإلكترونية
لم تعد التجارة الإلكترونية شيئا جديدا, وذلك بعد أن زادت المبادلات الإلكترونية زيادة كبيرة في السنوات الأخيرة لاسيما في الدول المتقدمة.
ويقصد بالتجارة الالكترونية (5) - في مفهومها الواسع- المبادلات التجارية التي تتم عن طريق وسائل إلكترونية.
وعلي ذلك تشمل التجارة الإلكترونية جميع المبادلات الإلكترونية المتعلقة بالتجارة. بعبارة أخرى (6) الصفقات والتدفقات المعلوماتية الخاصة بالسلع والخدمات. وبالتالي فهى تشمل العلاقات بين الشركات المختلفة, وبين الشركات والوزارات والإدارات الحكومية, وبين الشركات والأفراد... وذلك باستخدام الأشكال المتعددة للإرسال والاتصال الإلكتروني مثل: الهاتف و التلفزيون و شبكات الحاسب الآلي و الانترنت.
وتشمل التجارة الإلكترونية ثلاثة أنواع مختلفة من الصفقات هي(7):
أ- تقديم خدمات الانترنت نفسها, أى تقديم طرق الوصول لهذه الشبكة بالنسبة لرجال الأعمال والمستهلكين0
ب- التسليم الالكتروني للخدمات , بما يعني تسليم صفقات المنتجات الخدمية للمستهلك في شكل معلومات رقمية0
جـ - استخدام الانترنت كقناة لتوزيع الخدمات, وعن طريقها يتم شراء السلع عبر الشبكة, ولكن يتم تسليمها بعد ذلك للمستهلك في شكل غير الكتروني0(7/4)
وهكذا تساعد التجارة الإلكترونية على إمكانية إتمام الصفقات التجارية دون حاجة إلى انتقال الطرفين والتقائهما في مكان معين, وإن لم يتم إتمام الصفقة فيكفي أن يتم التعريف بها تعريفا كاملا وذلك من خلال أجهزة الحاسب الآلي, وبذلك يتوفر الكثير من الجهد والوقت والمال(8)0
وبعبارة أخرى فإنه بفضل أجهزة الحاسب الآلي لن تكون سوق التجارة الخارجية مقصورة على منطقة جغرافية معينة, بل ستمتد وتتسع لتغطى السوق كافة أنحاء المعمورة0وهكذا تصبح التجارة الإلكترونية أداة(9) جديدة للتوزيع .
والملاحظ الآن أن هناك موجة هائلة من التطور التكنولوجي تجتاح جميع الدول المتقدمة تكنولوجيا وتنسحب بآثارها كذلك على الدول الساعية للنمو, وكل هذا يقطع بمولد نظام اقتصادي جديد يشهد العالم بوادره ويؤثر على مجتمعاته0
لذلك تعد المعلوماتية اليوم في ظل التغيرات التكنولوجية المتطورة أساس الاقتصاد الحديث وعماده0
فالتطورات العلمية الحديثة ترتبط ارتباطا وثيقا بأنظمة المعلوماتية والاتصالات0 وتعتمد المعلوماتية في انتشارها على أنظمة المعلومات, فكلما تقدمت هذه الأنظمة وارتقت, أتتيح للمجتمع أن ينمو ويتطور ويتقدم0 وأصبح من المسلم به الآن أن برامج المعلومات تعد قيمة غير تقليدية نظرا لاستعمالاتها المتعددة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصناعية0
ولاشك فى أن المعلوماتية تتكلف مبالغ كبيرة لإنتاجها (10) , إلا أنها تستخدم استخدامات عديدة وفي مجالات مختلفة مما يؤدى إلى تعويض ماينفق عليها وبزيادة كبيرة.
وهذه القيمة المتميزة لبرامج المعلومات تجعلها محلا للتداول(11) في سوق يدور فيها الصراع حول مبالغ هائلة(12)0
وترجع أهمية سوق المعلوماتية إلي تنوع التطبيقات المعلوماتية المنتشرة في كافة المجالات ذات البعد الاقتصادي والمالي , فهي تستخدم الآن في مجال المعاملات التجارية والأعمال المصرفية وإدارة المرافق القومية الكبرى0(7/5)
وفي تصوير رائع لآثار المعلوماتية يقول "Angus J.Kennedy (13) إنه بفضل الإنترنت فإنه يتوافر أمامك 100 مليون مستشار يكونون تحت تصرفك, بل إنك تستطيع ان تجد الإجابة عن كل سؤال يراودك , إنك تستطيع أن ترسل رسائلك إلى كل العالم وتستقبلها في ومضة 0 كذلك فإنه يمكنك أن تقرأ وتكتب وتسمع الموسيقى وتزور ما يروق لك من معارض فنية في أنحاء المعمورة 000 وبالجملة فإنك تستطيع أن تقف على كل أخبار العالم بكل اللغات, بل تستطيع أن تقابل أناسا كثيرين من كل دول العالم000
وأمام هذا التعاظم لدورالمعلوماتية, فإن الدول توليها اهتماما كبيرا, لذلك قيل- وبحق- أن المعلوماتية ستعيد تشكيل حياة الإنسان في القرن القادم في مجالات عديدة منها التجارة الإلكترونية0 وبعبارة مختصرة ستكون المعلوماتية هي الحاكمة في حضارة القرن الحادي والعشرين.
المطلب الثاني: الأدوات الرئيسية للتجارة الإلكترونية
باستقراء تعريف التجارة الإلكترونية يتضح أنها تتم عن طريق وسائط إلكترونية . وهذه الوسائط تتمثل فى أدوات متعددة بعضها معروف من قبل واستخدم منذ زمن طويل مثل التلفون والتلفزيون والفاكس, وبعضها أكثر حداثة وتطورا مثل أجهزة الحاسب الآلي والشبابيك الإلكترونية في البنوك والإنترنت, وكل هذه الأدوات ظهرت بفضل الثورة العلمية الهائلة التي حدثت في السنوات الأخيرة. وبفضل هذه الأدوات المتعددة أصبحت توجد معاملات متطورة , فنسمح الآن عن الشراء (14) عن طريق التلفون ويسمى بالتجارة الصوتية Telechat)و (Voice commerce وغيرها من المعاملات التجارية الحديثة.
ورغم تعدد الأدوات الرئيسية التي تعتمد عليها التجارة الإلكترونية فإنه يمكن القول بأن هناك ست أدوات رئيسية تعتمد عليها التجارة الإلكترونية تتمثل في :
1- التلفون
2- الفاكس
3- التلفزيون
4- نظم الدفع والتحويل الإلكترونى
5- أجهزة الإرسال الإلكتروني
6- الانترنت(7/6)
ونوضح فيمايلى طبيعة الدور الذى تؤديه كل أداة فى مجال التجارة الإلكترونية وذلك علي النحو التالى:
أولا: التلفون:
يعد التلفون من الأدوات المستخدمة منذ زمن طويل (15) ويعد هو الأداة الأكثر استخداما في مجال التجارة الإلكترونية. ويقدر عدد المشتركين بحوالي(16) مليار خط واشتراك في التلفون في العالم.
ويسمح التلفون بعمل دعاية لكثير من السلع والخدمات لاسيما أنه يتمتع بميزة الاستعمال الميسور للكثير من الأفراد.
ورغم الأهمية التي يحتلها التلفون في مجال التجارة الإلكترونية إلا أنه لايصلح للاستخدام أحيانا في إتمام المبادلات التي تستلزم تسليم مستندات معينة, مما يحتم الاعتماد على أدوات أخرى مثل الفاكس.
ثانيا: الفاكس:
يهيئ الفاكس حلا سريعا بوصفه طريقة لنقل المستندات بالنسبة لرجال الأعمال, وتتمثل الميزة الأولي للفاكس في أن هذه الآلة تحل محل خدمات البوسطة التقليدية في إمكانية توصيل المستندات بسرعة كبيرة. كما أن الفاكس به إمكانية الاحتفاظ بالمراسلات التجارية.
ويمكن عن طريق الفاكس إتمام الكثير من المبادلات والإعلانات وتبادل أوامر الدفع وبعض الصور الخاصة بالمبادلات.
ثالثا: التلفزيون:
يلعب التلفزيون دورا جوهريا في مجال التجارة الإلكترونية . ويقدر البعض (17) بأنه يوجد حوالي مليار مشاهد يتعرفون على مشترواتهم عبر التلفزيون, ولكن يبقى أن التلفزيون وسيلة مشاهدة فقط. وعلى الرغم أن التلفزيون يعتبر أكثر انتشارا من التلفون , إلا أن أحد القيود التي ترد علي التلفزيون- بوصفه وسيلة تتعلق بالتجارة الإلكترونية- هو أن إتمام الصفقات من خلاله يحتاج لمراحل متعددة.
رابعا: نظم الدفع الإلكترونى:(7/7)
يترتب علي استخدام نظم الدفع الإلكترونى في مجال التجارة الإلكترونية حث التجارة الإلكترونية علي التقدم والازدهار بشكل كبير. ويترتب علي ذلك بالتبعية نمو سوق البطاقات الإلكترونية . إن نظم الدفع الإلكترونية ودفع النقود عبر الشبابيك الإلكترونية في البنوك, وبطاقات الائتمان والبطاقات الذكية كلها تشكل جانبا من التجارة الإلكترونية.
ولاتستخدم نظم الدفع الإلكترونى فى الإرسال والاستقبال فقط, ولكنها تستخدم حاليا كأدوات رئيسية سواء في التجارة الإلكترونية أم التقليدية.
والملاحظ في السنوات الأخيرة أن البطاقات أصبح لها قدرات هائلة على تخزين المعلومات , وبصفة خاصة البطاقات المسماة بالبطاقات الذكية. وأصبحت هذه البطاقات منتشرة بصورة كبيرة في الدول المتقدمة مثل أوربا والولايات المتحدة الأمريكية. إذ يشيع الآن استخدام مثل هذه البطاقات في البيع والشراء وهى مزودة بحد أقصى لايمكن الشراء بعده وذلك حتى تتوفر الثقة في مثل هذه الأدوات وتنتشر البطاقات كذلك في مجالات كثيرة مثل بطاقات الهاتف وغيرها.
خامسا: نظام الإرسال الالكترونى:
يؤدى نظام الإرسال الإلكتروني إلى تسهيل تبادل المراسلات وسرعتها, وبالتالى يسهل إتمام المعاملات التجارية بين المشروعات بعضها البعض, وتكون محصلة كل ذلك توسع التجارة وازدهارها عبر الإنترنت. ويعد الإرسال الإلكتروني- الآن- أحد الأدوات الرئيسية للتجارة الإلكترونية.
ويسمح هذا النظام لأجهزة الحاسب الآلي الموجودة في مشروعات مختلفة بتبادل الوثائق والمستندات والمعلومات دون تدخل من جانب الإنسان. ويترتب على استخدام هذه الأداة تقليل النفقات عموما, وفى المقابل سرعة إتمام العرض, والتسجيل, وطلب البضاعة...(7/8)
ويترتب على استخدام نظم الإرسال الإلكتروني تخفيض النفقات(18) من 5 إلي 20% وكسب 50% من الوقت المخصص لإتمام الإجراءات وقد أمكن تعميم هذا النظام في قطاعات متعددة مثل إدارات الجمارك مما أدى إلى تسهيل التجارة الدولية.
سادسا: الإنترنت
الإنترنت (19): شبكة عالمية (على نطاق عالمى) من الشبكات الحاسوبية المختلفة المتصل بعضها ببعض بواسطة وصلات اتصالات بعيدة. وهذه الشبكة مكونة من منظمات ومؤسسات متنوعة تشمل الدوائر الحكومية والجامعات والشركات التجارية التى قررت السماح للآخرين بالاتصال بحواسبها ومشاركتهم المعلومات. ويعود إلى كل منظمة أو مؤسسة أمر تجديد أسس عرض هذه المعلومات. مقابل ذلك يمكن لهذه المؤسسات استعمال معلومات مؤسسات ومنظمات أخرى. ولايوجد مالك حصرى للإنترنت , وأقرب مايمكن أن يوصف بالهيئة الحاكمة للإنترنت هو العديد من المنظمات الطوعية مثل جمعية الإنترنت أو الفريق الهندسى المساند للإنترنت.
ونظرا لأن الإنترنت يلعب دورا هاما في مجالات متعددة للتجارة الإلكترونية, فإن غالبية الدراسات (20) المتعلقة بالتجارة الإلكترونية تهتم بدراسة تطور الإنترنت ووظائفة وأثره علي التنمية الاقتصادية.
لقد بدأت أهمية الإنترنت في التزايد منذ الستينيات حيث بدأ كوسيلة أساسية في الاتصالات (21), ويرجع الفضل للعالم Paul Paran في اكتشافه عام 1962, وفي عام 1969 (22) وجدت شبكة باسم : ARRANET(Advanced Research project Agency Network) تأسست بين أربع جامعات أمريكية بمساعدة وزارة الدفاع. ومن بعدها استطاع الكثير من المستخدمين استعمال الشبكة . وبعد ذلك ذاع استخدام الإنترنت في العالم, ففي (23) عام 1997 اتضح أن أكثر من 110 دولة في العالم تستخدم شبكة الإنترنت.(7/9)
وفى عام 1998 قدر عدد المستخدمين للإنترنت بحوالي 147 مليون مستخدم علي مستوى العالم, وقد زاد هذا العدد ليكون في عام 2000 حوالي(24) 300 مليون مستخدم علي المستوى الدولى. وسيترتب علي شيوع استخدام الإنترنت نمو التجارة الإلكترونية وازدهارها , ومن المتوقع أن يصل حجمها إلي 2 أو 3% عام 2001 وستشكل حوالي 14 % من كل نفقات الاستهلاك عام 2007.
وعلي ذلك يمكن القول - بحق- أن الإنترنت سيكون أداة فعالة متعددة الاستخدامات لإتمام العمليات التجارية. انه يسمح بإتمام الكثير من العمليات عبر الشبكة سواء كانت بين المنتجين أم المستهلكين وكذلك بين الدول بعضها وبعض. فعلي سبيل المثال بعد رؤية للشخص لإعلان ما عبر الإنترنت فإن المستهلك فى أية دولة يستطيع أن يطلبه فورا عبر الإنترنت.
وقدر عدد المستخدمين للإنترنت لشراء منتجات في فرنسا عام 1994 بحوالي مليون شخص وفي المقابل كان هناك أكثر من 000ر8000 شخص في أمريكا (25) وفي تقدير تم لحجم استخدام الإنترنت تبين أن فرنسا (26) قد حصلت على 20 درجة من 200 , بينما حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على120 درجة في هذا المجال.
وبالإضافة إلى ما سبق فإن استعمال الإنترنت في مجالات معينة يعد أرخص من غيره من الوسائل , فضلا عن أنه يعد أداة تسلية للكثير من الناس(27).
وأمام الأهمية المتعاظمة للإنترنت فإن الاتجاهات العلمية الحديثة تسعى نحو تحسينه وتقليل تكاليف إنتاجه واستخدامه , فضلا عن وضع الأطر القانونية الكفيلة بحسن استخدامه وحمايته.
وفي النهاية تجدر الإشارة إلي أن كل أدوات التجارة الإلكترونية مستمرة في التطور والنمو والازدهار.
المبحث الثانى
مجالات التجارة الإلكترونية
بفضل الأدوات المتقدمة والمتعددة التي أصبحت متاحة للاستخدام فى مجال التجارة الإلكترونية فإنه أصبح من الممكن أن توجد مجالات متعددة يمكن أن تمارس من خلال التجارة الإلكترونية, من أهمها (28).(7/10)
الخدمات المصرفية الإلكترونية:
يعد إتمام الخدمات المصرفية إلكترونيا من أقدم المجالات التي تتم فيها التجارة الإلكترونية, وهي تتقدم بشكل متزايد, ويتم إتمام معظم الصفقات المالية الكترونيا0 والملاحظ أن قلة من البنوك العالمية الرئيسية هي التي تقدم الخدمات المصرفية بصورة مباشرة, ولكن من المتوقع ألا يستمر ذلك الوضع كثيرا, حيث أن تكلفة إتمام الصفقة بالطريقة التقليدية إنما تقدر بأكثر من مائة ضعف تكلفة استخدام الإنترنت0
وفي هذا الإطار فإنه يتم تعديل كثير من الاستشارات المالية والخدمات الشخصية بحيث تتلاءم مع التسليم الإلكتروني0
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية من أكبر الدول التي يتم فيها الاعتماد على الكروت الإلكترونية في إتمام الصفقات عموما, لقد وصل متوسط عدد الحالات التي تمت بذلك إلى حوالي 370 بليون حالة في السنة0
الخدمات المالية الإلكترونية:
كذلك تساهم المعلوماتية بدور كبير في مجال الخدمات المالية0 فالخدمات المالية توجد من أجل حماية الأموال واستثمارها وإدارتها, ومدى الخدمات المالية كبير من البنك الشخصي لإدارة الاستثمارات الدولية المعقدة0 وتقوم أنظمة الدفع بنقل المال من المشترين إلى البائعين , وابسط نظام هو التبادل المادي للنقد, ولكن حجم وتعقد الصفقات - حتى على المستوى الشخصي-له طرق متعددة لنقل الأموال للأغراض التجارية في الشبكات والديون المباشرة وكروت الائتمان والصناديق الإلكترونية وغيرها الكثير0(7/11)
ويلاحظ ان معظم الأمور المتعلقة بالأنظمة المالية وأنظمة الدفع تتشابك مع المجالات الهامة لسياسة الحكومة, والنظم واللوائح , لاسيما المتعلقة بتدفق العملة ومخاطر العميل0 وتثير التجارة الإلكترونية(29) الكثير من الأمور الجديدة في هذا الصدد حيث إنها لا تتطلب فقط طرقا جديدة للأنشطة المالية التي سبق تنظيمها من قبل والتي توجد السياسات من أجلها, ولكنها تحدد عددا من المواقف والحالات التي لا يوجد لها حاليا نظام مراقبة إلا بشكل تطوعي0 وفي بعض الحالات قد تفضل الصناعة اتخاذ المراقبة الداخلية , ولكن في حالات أخرى, خاصة عندما يكون ضروريا زرع الثقة بين الكثير من المصالح, قد يكون التنظيم الخارجي أمرا مطلوبا, وسوف تصبح متطلبات التنظيم الخارجي واضحة اكثر من ذي قبل مع اكتساب الخبرة التنافسية في السوق الالكتروني0
وفي بيئة التجارة الإلكترونية , يمكن الحصول على الخدمات المالية والمنتجات المالية (الصرافة, التأمين الاستثمار 00 الخ) من أى مكان , ويمكن أن يكون من الصعب على مستخدم هذه الخدمات أن يضمن أن الموردين قانونيون ورسميون, أو انه يقيم مستوى المخاطر التي قد تكون هناك0 وفي السوق الإلكتروني قد يعتقد العميل انه اشترى منتجا من شركة مسجلة في بلده (وبالتالي تخضع لقوانينها ولوائحها), ولكنه يكتشف ان المنتج جاء من الخارج ويحمل علامة الشركة ولكن يخضع لنظام مختلف من الرقابة ولا توجد ضمانة له, وتتفاوت اللوائح المالية كثيرا من بلد إلى آخر ولكن الحقوق والالتزامات لا تقبل التحويل من بلد إلى آخر, وهذا الوضع لا يوحد فقط المخاطر للعميل, ولكنه أيضا يحد من فرص شركات الخدمات المالية لتطوير الأسواق العالمية باستخدام التجارة الإلكترونية0(7/12)
ومع أن هناك أمثلة بدأت بالفعل في الظهور لاستخدام العملات الإلكترونية التي يطلق عليها cyber cash"أو "e- cach اى النقود الإلكترونية - لتسوية الحسابات, إلا أن قيام المؤسسات المالية من القطاع العام والخاص بعمل واحد متفق عليه قد يكون ضروريا لأمن أنظمة التسوية الإلكترونية بحيث يكون للمشترين والبائعين ثقة في بعضهم البعض0 وعلى أحد المستويات يكون نظام الدفع مشكلة لأمن الشبكة حيث يجب أن يثق الأطراف المتعاقدة في أن انتقال الأموال لن يتحول لمسار آخر وأن المبلغ المستلم سيكون هو المبلغ المتفق عليه, وربما يمكن استخدام الكتابة بالشفرة لزيادة امن الدفع, ولكن أنظمة الدفع تخضع لمزيد من الإجراءات الاقتصادية والقانونية0
والمسألة الجوهرية بالنسبة للصفقات الاستهلاكية هي مشكلة القدرة على تنسيق المبالغ المالية مع اكثر طرق الدفع التي تراعي التكلفة, أن جميع أنظمة الدفع تشمل التكاليف التي يجب استعادتها بطريقة ما, وبالنسبة لصناعة كروت الائتمان , كانت هناك دائما موائمة بين أرباح الائتمان وتكاليف الصفقات بما يمكن الكارت نفسه من استخدامه في الصفقات الكبيرة والصغيرة, ومع ذلك فالتكاليف اكبر نسبيا من المبالغ الصغيرة من المبالغ الأكبر, وحيث إن متطلبات الدفع للتجارة الإلكترونية أصبحت متنوعة ومعقدة , فإن هناك حاجة لطرق جديدة للوفاء بتكاليف أنظمة الدفع, وخدمات الدفع الإلكتروني متاحة بالفعل لتقليل التكاليف الإدارية لتناول المدفوعات الإلكترونية الصغيرة0(7/13)
ومع أن أنظمة الدفع يمكن ان تحتفظ بدرجة كبيرة من السرية , إلا أنه لا يوجد نظام حالي يوفر السرية الكاملة, وهناك متطلبات قانونية وتجارية لمراجعة أنظمة الدفع - مثل ضمان إمكانية تحديد المصدر والمسار وجهة كل مبلغ مالي , وهناك قلق متزايد من ان التجارة الإلكترونية يمكن أن تزيد من فرص الإجرام, في انتقال الأموال بطريقة غير قانونية من مكان إلى مكان والاشتراك في غسل الأموال, وتتزايد هذه المخاوف من سماح بعض التكنولوجيات الجديدة وتكنولوجيا العملة الإلكترونية التي تعتمد على الكارت بإجراء صفقات سرية تماما, ويخاف البائعون من أن مشكلات الأمن في أنظمة الدفع السري قد تمنع نموهم0
ويعتقد الكثيرون حاليا ان الدفع بالعملة الإلكترونية التي تعتمد على الكارت بشكل سري لن يستخدم إلا في الصفقات الصغيرة , واكثر من هذا فمن خلال تكنولوجيا الكارت الذكي قد تضع بعض الحكومات قيودا ثابتة على المبالغ المسموح بصرفها في الكروت النقدية وعلى المبالغ التي يسمح بعبورها الحدود, وإحدى النتائج العملية المعلنة فيما يتعلق بالدمج الحديث لما ستر كارت(30) ومودنكس (شركة مالية إلكترونية), هو أن دمج أنظمة الدفع الفوري والمدين قد يزيد من المراجعة المالية للصفقات الصغيرة وفقا للحدود التي يضعها المشرعون القوميون0
والأهم من كل هذا , هو أن وضع هذه المفاهيم الجديدة الخاصة بالدفع والمتعلقة بالنظام المالي القائم حاليا غير واضحة, والمضمون الاقتصادي والقانوني الأكثر اتساعا, والذي قد يعمل (ولو جزئيا) خارج نظام الصرف ليس واضحا تماما كذلك, وهما لهما أهمية كبرى للسياسات المالية والنقدية وتحديد القرارات المالية0
- الخدمات المتخصصة:(7/14)
وتشمل جميع أنواع الاستشارات والخدمات الطبية والتعليمية والمحاسبية000 فكل هذه الخدمات أصبحت متاحة وبشكل كبير عبر الإنترنت0 وأى خدمة تعتمد عموما على المعلومات من المحتمل أن تلحق نفسها بالخدمة الإلكترونية, فضلا عن ان وصول الإنترنت للأفراد والشركات الصغيرة من المحتمل أن يزيد من قدرتها وسيساعد الأعمال التجارية الصغيرة على المنافسة في الأسواق العالمية0
وهناك منتجات يمكن تسليمها إلكترونيا ومثالها الخدمات الطبية والتعليمية حيث يتم طلبها ودفع ثمنها على الخط000 وهناك سلع وخدمات لا يمكن تسليمها إلكترونيا, ولكنها تسلم للمستهلك بشكل ملموس0 وتعد المرحلة الإلكترونية لهذه الصفقات نوعا من خدمات التوزيع 0 وينصب الجزء الأكبر من هذا النوع على الأعمال التجارية0 فالشركات تبيع وتشتري بصورة متزايدة باستخدام الخط, لكن التسويق الإلكتروني بواسطة المستهلك العادي يتزايد أيضا0
ومن الناحية القانونية:
فإن شراء السلع بهذه الطريقة لا يختلف عن طلب السلع ودفع ثمنها بالتليفون او البريد , واذا كانت السلع المطلوبة يتم استيرادها, فإن الاستيراد يخضع للتعريفات المفروضة والالتزامات الأخرى التي تفرضها الجات(31)0
الخدمات التي لا تسلم إلكترونيا:
وهي تتم على الإنترنت بصورة كبيرة, ومثالها : حجز تذاكر السفر وحجز الفنادق, والملاحظ ان بيع وتسويق خدمات النقل الجوي وخدمات نظام الحجز بالكمبيوتر هما نوعان من القطاعات الفرعية لصناعة النقل الجوي التي تغطيها الجات, وهي تعتمد بصورة كبيرة على الوصول للإنترنت 0
خدمات الاتصالات:
تعد خدمة الاتصالات جزءًا أساسيًا من أسس التجارة الإلكترونية وتزداد أهميتها مع التقدم المذهل الحاصل فيها وتوسع مجالاتها.
ومن المنتظر أن تمتد التجارة الإلكترونية لمجالات متعددة مثل مجال الصحافة والمجال السياحى وغيرها من المجالات.(7/15)
ومن الملاحظ أن تجارة الخدمات تزداد بصورة كبيرة على المستوى الدولي, فهي تمثل ربع التجارة العالمية (32) , وتزداد بشكل ثابت كنسبة من النشاط الاقتصادي , حيث بلغت الآن اكثر من 60% من إجمال الناتج القومي في الدول المتقدمة وحوالي ثلثي التوظيف الكلي0
وتحتل التجارة الإلكترونية الدولية في الخدمات مساحات كبيرا جدا عبر الوسائل الإلكترونية وهي مساحات آخذة في التزايد يوما بعد يوم0 فبفضل الثورة العلمية الهائلة في مجال تكنولوجيا الحاسبات الآلية اصبح كثير من الخدمات قابلا للتجارة بعد ان كان غير قابل للتجارة من قبل, ويشكل كل ذلك عاملا هاما في نمو التجارة والتنمية العالمية0
ولقد تيسرت التجارة عبر الحدود بصورة كبيرة وذلك بفضل توافر وسائل التسليم الإلكترونية وسهولة تحول المنتجات الخدمية إلى معلومات رقمية0
إن التجارة الإلكترونية تعد وسيلة متميزة للوصول إلى الأسواق العالمية بسرعة مذهلة وبنفقات قليلة0
كما أنها تعين على توفير فرص وإمكانيات لعرض السلع والخدمات لم تكن موجودة من قبل0 ان التقدم المذهل في مجال الحاسبات الآلية وبرامج المعلومات يساعد على ازدهار التجارة الإلكترونية بصورة مستمرة0
وبالجملة فإن الاهتمام بالتجارة الإلكترونية يعد أمرا لازما لتحقيق ضرورات التنمية الحقيقية ورفع مستوى معيشة الأفراد, وزيادة الدخل القومي للدول0
أهمية التجارة الإلكترونية للقطاع الحكومي:(7/16)
من الملاحظ ان الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا الإلكترونية سيكون له تأثير هام على مشتريات القطاع الحكومي0 فالاستخدام المتزايد للتكنولوجيا الإلكترونية سيغير (33) من إجراءات الشراء الحكومي , حيث أن الطريق سيكون مفتوحا للإعلان الإلكتروني والتأهل والعطاءات والاختيار0 والدفع 000 وفي حالات معينة التسليم0 وبصرف النظر عن إجراءات الشراء الحكومية التقليدية, فإن الوسائل الإلكترونية قد تفتح طرقا جديدة للقيام بعملية الشراء من خلال إجراءات التأهيل الإلكترونية التي يمكن أن تسهل من العطاءات واختيار المنتجات من الكتالوجات الإلكترونية0
وينبغى التأكيد علي دور الحكومة في مجال التجارة الإلكترونية إذ سيظل للحكومات دورا مهما تؤديه في هذا المجال, فعلي الحكومات (34) أن تقوم بإعداد البنية الأساسية اللازمة, ودعم المبادرات الفردية, وتحمل المسئوليات تجاه المستهلكين والعمل على المحافظة علي مواردها المتحققة فى هذا المجال.
المبحث الثالث
آثار التجارة الإلكترونية
تعد التجارة الإلكترونية مثالا ملموسا للظاهرة التى تتعدد جوانبها وآثارها, فتستطيع التجارة الإلكترونية أن تساعد على تحقيق آثار اقتصادية مرغوبة, كذلك من المنتظر أن تؤدى التجارة الإلكترونية إلى تسهيل التجارة الدولية بصورة كبيرة , فضلا عن الجوانب السياسية للتجارة الإلكترونية:
ونتناول فيمايلى توضيح آثار التجارة الإلكترونية وذلك علي النحو التالى:
المطلب الأول: الآثار الاقتصادية للتجارة الإلكترونية
المطلب الثانى: الجوانب السياسية للتجارة الإلكترونية
المطلب الثالث: العلاقة بين التجارة الدولية والتجارة الإلكترونية
المطلب الأول: الآثار الاقتصادية للتجارة الإلكترونية(7/17)
من المنتظر أن تفتح التجارة الإلكترونية آفاقا متعددة ومجالات كثيرة من أهمها المجال الاقتصادي. ومن المأمول أن يكون للتجارة الإلكترونية آثار متعددة ومرغوبة على جوانب اقتصادية متعددة. ويكفى في هذا الصدد الإشارة إلى أنه بفضل التقدم العلمى المذهل في هذا المجال استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية (35) أن تحقق معدل نمو سنوى يزيد عن 4%.
ولتقييم الأهمية الاقتصادية للتجارة الإلكترونية علي نحو صحيح, ينبغى أن يتحدد المقصود بها علي نحو دقيق, لأنه لو كان مقصودًا بها الدفع من خلال بطاقات الائتمان الإلكترونية فقط لأمكن القول أنها قد توسعت بشكل كبير, ولكن من المعروف - من خلال استقراء أدوات التجارة الإلكترونية - أن ذلك لايشكل سوى جانبا من جوانب التجارة الإلكترونية.
ويضاف إلى ماسبق- وهو مهم أيضا- أن إتمام الصفقات أصبح يتم بطريقة إلكترونية والمرصود بالفعل أن الإنترنت يسمح الآن وبطريقة إلكترونية بإتمام كافة مراحل المبادلات التجارية, أو علي حد تعبير البعض(36) يستطيع القيام بمجموعة متكاملة من الخدمات.
التجارة الإلكترونية كأداة لتسهيل المبادلات التجارية:
ظهرت فى الآونة الأخيرة أدوات متعددة ومتطورة في مجال التجارة الإلكترونية, ومن شأن هذه الأدوات تسهيل المعاملات التجارية سواء أكان ذلك علي المستوى القومى أم الدولى. وبفضل هذه الأدوات المتطورة يسهل اتصال المشروعات بعضها ببعض مقللة بذلك- إلي حد كبير- تكاليف النقل والتحويل وغيرها. كما أن هذه الأدوات المتطورة تساعد كثيرا في عمل الحكومات لاسيما في تقدير الضرائب والرسوم الجمركية وغيرها من الحقوق المستحقة للدولة.(7/18)
ويبذل في هذا المجال مجهودات متعددة على المستوى الدولي (37) وهى مجهودات تغطى مجالات متعددة مثل: الجمارك , التحويل الإلكتروني , الإجراءات الإدارية, المواصلات, البنوك ووسائل الدفع , التأمين والمعلومات التجارية وغيرها, وكل ذلك فى سبيل التوصل إلى قواعد موحدة تحكم مثل هذه المسائل على المستوى الدولي.
ولاغرو فإن التبادل الإلكتروني للمعاملات والإنترنت يلعبان دورا جوهريا في تسهيل المعاملات التجارية مهيأة بذلك شبكة من الاتصالات بين المتعاملين والمشروعات والمنظمات العامة المهتمة بمثل هذه الموضوعات.
ومنذ مايزيد علي ثلاثين عاما هناك منظمات متعددة حكومية وغير حكومية مثل المجلس الاقتصادى الأوربى, المنظمة الدولية للجمارك وغرفة التجارة الدولية, وهى تجتهد فى تبسيط وتنسيق إجراءات التجارة الدولية.
وكان أول إجراء تم فى هذا المجال منذ عدة سنوات سابقة هو وضع مستندات وصيغ متطابقة مع الصيغ التي وضعتها الأمم المتحدة للمستندات التجارية والتي تنظم الإجراءات في مجال المستندات التجارية.
وقد تم اختبار ومناقشة المسائل المرتبطة بتبسيط الإجراءات الجمركية وتطابقها وذلك فى مؤتمر كيتو. وبعده تم الانطلاق نحو اختبار القواعد والإجراءات الجمركية لتكون متطابقة على المستوى الدولى , وبذلك يتيسر على الإدارات الجمركية القومية أن تعمل وفقا لطرق إلكترونية متماثلة.
والملاحظ فى السنوات الأخيرة أن تبادل المستندات بين المتعاملين وإدارات الجمارك, والمؤسسات العاملة بالطريق الإلكتروني من شأنه أن يقتصد كثيرا في النفقات وذلك لأن المستندات يتم تبادلها بصورة مباشرة عبر الإنترنت ولاحاجة لطبعها أو إعادة طبعها يدويا مرات عديدة. ويترتب علي ماسبق أيضا توفير الوقت الكثير , فضلا عن تقليل نسب الخطأ بصورة كبيرة.(7/19)
وكانت سنغافورة أولي الدول التى أسست نظاما متكاملا لمعاملاتها التجارية مؤسسا على تكنولوجيا المعلوماتية ونظام التبادل الإلكتروني. ومنذ عام 1989م أسست شبكة سميت باسم (Trade Net) شركة تجارية للتفاوض والنقل والإرسال. ودخلت فيها عشرون مؤسسة عامة بغرض التصدير والاستيراد, وبفضل هذه المؤسسة يمكن إتمام حلقة الاتصال بين الشركات والمؤسسات العامة خلال مدة من 15 دقيقة إلي 30 دقيقة, بينما كانت تتم مثل هذه العمليات قبل إنشاء الشبكة فى خلال مدة يومين أو ثلاثة أيام. والآن يتم أكثر من 98% من المستندات والتقارير التجارية في سنغافورة بالنظام نفسه, ويسمح كل هذا بتخفيض التكاليف والنفقات إلى حوالى
50% وقد انتشر أسلوب التبادل الإلكتروني للمستندات التجارية في دول أخرى عديدة مثل : الولايات المتحدة, وكندا وكثير من دول الاتحاد الأوربى, وأصبح أكثر من
90% من المستندات الجمركية تتم بطريقة إلكترونية , ومن المأمول أن يقوم الإنترنت أيضا بتسهيل أكبر للمستخلصات الإلكترونية , لأن برامج المعلوماتية قطعت شوطا كبيرا في التطور والتحسن لدرجة أنها يمكن أن تغطى كافة المراحل بدءا بإعداد المستخلصات الجمركية.
التجارة الإلكترونية ستنمو وتتطور بسبب تقليل نفقات التحويل والنقل والتسليم:
إن توسع التجارة الإلكترونية عبر الإنترنت لايرجع فقط إلى التطور الحادث في مجال البنية الأساسية, وإنما يعتمد كذلك علي إتمام المبادلات بطريقة مربحة. وفى المجال التجارى يوفر الإنترنت إمكانيات هائلة ومتطورة بدءا من الإنتاج حتى التوزيع, فعناصر أية عملية يمكن أن تتم عبر الإنترنت, كذلك يوفر الإنترنت خدمات تتكامل مع الوسائل الأخرى مثل التلفون والفاكس وكذلك يقلل من النفقات بصورة ملحوظة.
الإنترنت يسمح بتقليل نفقات التحويل:(7/20)
من الآثار الملموسة للتجارة الإلكترونية بالنسبة للصناعات المستخدمة أثرها علي الوسطاء , لاسيما بعد التدخل فى سلسلة العرض, منذ مرحلة الإنتاج حتى البيع النهائى للمستهلك.
أما الأثر الثانى للتجارة الإلكترونية علي الصناعة فيتمثل فى أثرها على هيكل السوق. فالمأمول أن يؤدى الإنترنت دورا كبيرا فى المساواة بين المشروعات الصغيرة والكبيرة, حيث يسمح للمشروعات الصغيرة بأن تقارن نفسها وتتبارى مع المشروعات الكبيرة وهذا من شأنه تقوية المنافسة في نهاية المطاف.
ويفسر الأثران السابقان بأنه بفضل الإنترنت (37) ستكون نفقات التحويل أقل, كما أن نقل المعلوماتية و إتمام المبادلات ستكون أسرع وأقل تكلفة.
كذلك يسمح الإنترنت بالنسبة لكثير من المشروعات باستعمال مواد أقل في تكلفتها(38). وأمام ماسبق ستكون الفعالية هى ثمرة التحسينات فى إدارة الإنترنت للمشروعات وبفضل تقوية المنافسة للموردين فى هذا المجال. ويوفر الإنترنت كذلك إمكانيات هائلة تساعد علي تحسين أداء الخدمات, فهو يعمل علي موازنة العرض مع التطورات السريعة في الطلب, آخذا في الحسبان التقدم الملحوظ الذى يتم فى المنتجات وبالتالي فهو يستطيع أن يقيس اتجاهات السوق ومسارها.
التجارة الإلكترونية يمكن أن تغير من تركيبة المشروعات والقطاعات الاقتصادية والانتاج (39) عموما:(7/21)
بالإضافة إلى الآثار السابقة للتجارة الإلكترونية , يلاحظ أن أثرها على المستوى الرأسى بالنسبة للمشروعات ذو أهمية كبيرة. فمن المعروف أن كل منتج هو عبارة عن توليفة من مجموعة من السلع والخدمات. فالكتاب الذى نقرأه في المكتبة- علي سبيل المثال- يحتوى على أفكار للمؤلف , وأوراق طبع عليها, وخدمات التجميع والتغليف, ثم تأتى عملية تسويق الكتاب ونقله إلى أماكن توزيعه. فكل هذه السلع والخدمات المتعلقة بإنتاج الكتاب يمكن أن تتم كلها بواسطة مشروع واحد يتكفل بتداول هذا المنتج بين المؤلف والقارئ وكل ذلك بفضل مشروعات متخصصة . وهكذا يظهر أن التوسع الرأسى هو درجة من التكامل بين السلع والخدمات في نفس المشروع.
ويترتب علي ماسبق أثر إيجابي للتجارة الإلكترونية يتمثل فى انخفاض تكاليف المبادلات ونقل المعلوماتية. وهكذا أصبحت تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات شرطا جوهريا فى إتمام العمل في الاقتصاد الحديث.
كذلك يلاحظ أن من شأن عمل التجارة الإلكترونية أن تجعل (40) الصفقات تتم علي نحو أسرع , ومن شأن كل ذلك أن تزيد إنتاجية دوران رأس المال.
التجارة الإلكترونية تسهل الدخول المربح للمشروعات المتوسطة والصغيرة:
يرى كثير من الاقتصاديين أن التجارة الإلكترونية ستعدل من درجة تركز السوق وستقوى المنافسة, وذلك من خلال تسهيلها ظهور منافسين جدد فى هذا المجال. وهذه الظاهرة ستكون محمودة في أثرها بالنسبة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وذلك لعدة أسباب منها (41):
1- أن الاستثمار, أى مقدارالمبلغ الضرورى لفتح موقع تجارى على الإنترنت سيكون قليلا بالنسبة للاستثمار الضرورى اللازم لفتح محل تجارى بالطريقة التقليدية.
2- أنه يسهل عمل سمعة تجارية بصورة قوية وبتكاليف أقل عما يحدث في المحل التجارى الذى سبق تأسيسه .
التجارة الإلكترونية ستزيد من المبادلات التجارية لأنها تقلل من نفقات التحويل والتسليم والنقل:(7/22)
لامندوحة فى أن الطلب على السلع والخدمات المقدمة بواسطة أدوات التجارة الإلكترونية ستتحمل آثار نجاح الإنترنت, ويرجع ذلك إلي أن شبكة الإنترنت تسمح بتخفيض تكاليف البحث وإعادة البحث بالمقارنة بأدوات التجارة الإلكترونية الأخرى أو الوسائل التقليدية.
ومن المعروف أن المستهلك عادة مايحفل بمعرفة سعر السلع التي يقبل علي شرائها وجودتها, ولاشك أن تحقيق ذلك يحقق مزايا متعددة للمستهلك. وبملاحظة أدوات التجارة الإلكترونية يلاحظ أنها لاتسعف المستهلك بطريقة كاملة في هذا المجال, سواء تمثل ذلك في إعلانات عن السلع في الصحف, أم استخدام التلفون وغير ذلك من الوسائل, وهنا تظهر ميزة جوهرية للإنترنت إذ يسهل عرض السلع بطريقة متقدمة للغاية مما يمكن للمستهلك الاطلاع على السلعة بكافة تفاصيلها والإحاطة بمدى جودتها واتفاقها مع مايريد شراءه.
ولاغرو فإن قيام الإنترنت بتحقيق المزايا السابقة لاسيما خفض نفقات المبادلات التجارية من شأنه أن يحث المنافسة سواء أكان ذلك علي المستوى القومى أم الدولى وذلك بإتاحة التجارة الإلكترونية للسلع والخدمات بطريقة متنوعة وبإظهار جودة السلع على نحو واضح وكل ذلك بأسعار أقل من الطرق التقليدية.
وأمام كل ماسبق يمكن القول -وبحق- أن (42) الإنترنت هو ثورة في عالم الشبكات.
أثر التجارة الإلكترونية علي عرض السلع والخدمات وطلبها:(7/23)
بفضل الإنترنت أصبحت الحدود والفواصل بين المنتج والمستهلك - فى أغلب الأحيان-غير موجودة تقريبا . ففي أحيان كثيرة يظهر المستخدم لخدمات (43)الإنترنت وكأنه منتج لها. فعلي سبيل المثال هناك برامج ونصوص متعددة على الإنترنت تتيح للمستخدم التعديل والتغيير المباشر للمنتج, وفي مثل هذه الحالات يصبح المستخدم وكأنه منتج. انه يوجد الآن فى الإنترنت بعض المواقع التي تسمح للمستخدم بأن يختار بين بدائل متعددة. وفي بعض الصحف الأمريكية تحرر بعض الصفحات من خلال الإنترنت عن طريق القراء, بحيث يصبح القارئ محررا في نفس الوقت.
وعلي المستوى الكلى , فإن شيوع استخدام التكنولوجيا المتطورة ساهم في انخفاض الأسعار بصورة كبيرة. فالملاحظ(44)أن أسعار أجهزة الحاسب الآلى, والتلفون المحمول, وقطع غيار الإنترنت في انخفاض مستمر.
وحتى تعم الفائدة الاقتصادية وتستمر فينبغى تطوير (45) الاستخدام الاقتصادى والتجارى لأدوات التجارة الإلكترونية لاسيما الإنترنت.
إن التطوير المستمر لأدوات التجارة الإلكترونية من شأنه أن يحث تطوير الكثير من الخدمات الجديدة.
الطلب علي خدمات الإنترنت يعتمد علي سعر هذه الخدمات , وعلي سعر السلع والخدمات البديلة أو المكملة:
وفقا للقاعدة العامة في نظرية العرض والطلب فإن مسار الطلب على خدمات الإنترنت إنما يتوقف علي سعر هذه الخدمات , وكذلك على سعر السلع والخدمات المرتبطة بذلك سواء أكانت سلع وخدمات بديلة أم مكملة(46). وكقاعدة عامة فإن سعر خدمات الإنترنت يعد عاملا رئيسيا في تحديد الطلب.(7/24)
وفي بداية استعمال الإنترنت كانت خدمات الإنترنت تقدم مجانا لغالبية المستخدمين , لأنهم كانوا يتلقون الخدمات إما عن طريق هيئات عامة أو الجامعات, ولكن هذا الموقف سرعان ماتغير , وظهر عدد كبير من المستخدمين الخصوصيين لخدمات الإنترنت وكذلك عدد كبير من الشركات التجارية التي أصبحت ملتزمة بالدفع في مقابل الإفادة من خدمات الإنترنت. ولامراء في أن هؤلاء المستخدمين سيسعون لتخفيض السعر قدر الاستطاعة, وتساعد حرية الأسواق فى مجال الاتصالات بتخفيض الأسعار في هذا القطاع , وسيشجع ذلك بدوره على زيادة الطلب على خدمات الإنترنت. ففى أوربا - علي سبيل المثال- فإن الشركات التي كانت تحتكر قطاع الإنترنت تقول أنها كانت مجبرة علي ذلك من قبل السلطات العامة, أما الآن فإنها تحدد أسعارا علي نحو يعكس الأسعار الحقيقية.
وتجدر الإشارة إلى أن التكلفة الإجمالية لخدمات الإنترنت واستعمالها لاتتكون فقط من النفقات المتصلة بالتمويل المحلى لخدمات الإنترنت والاتصالات التلفونية وإنما تشمل أيضا المعدات المكملة في مجال المعلوماتية. كذلك فإن الدخول علي الإنترنت يتطلب استخدام الحاسب الآلي الشخصى, والذى لاتزال تكلفته مرتفعة.(7/25)
كذلك فإن الطلب علي خدمات الإنترنت يتوقف علي سعر الخدمات البديلة. فمنذ فترة طويلة , تستخدم الشبكة- بصفة أساسية- للمراسلة الإلكترونية. وهذه الوسيلة حلت محل التلفون والفاكس والبريد العادى, ولكنها مازالت متصلة بكل هذه الوسائل . وأمام هذا الارتباط بين هذه الوسائل, فإنه إذا ماصارت الاتصالات إلكترونية مجانية , فإنه لن يوجد مجال لوسائل أخرى يمكن أن تحل محلها. وإن النجاح فى إتمام الاتصالات من خلال الإنترنت إنما يرجع إلي اختلاف أسعارها عن أسعار الوسائل البديلة الأخرى. وهكذا يظهر بوضوح أن الطلب على خدمات الإنترنت إنما يتوقف علي سعر هذه الخدمات وكذلك علي سعر السلع والخدمات المرتبطة بها سواء أكانت مكملة لها أم بديلة عنها.
ذيوع استخدام أدوات التجارة الإلكترونية يشير إلى أن النفقات الحدية ستكون قليلة جدا:
من الملاحظ أن هناك تزايد كبيرا فى الطلب علي خدمات الإنترنت , كما أن هناك ضرورة لزيادة طاقة الإتنرنت وإزالة كافة العقبات فى هذا وأمام ذلك تعتبر طريقة تحديد أسعار الخدمات على الإنترنت عاملا جوهريا من بين العوامل الأخرى التى من شأنها أن تفعل من دورالإنترنت ووظائفه, ويتطلب ذلك - بالتالى- طاقات إضافية لتحقق الطلب الكافي علي الإنترنت.
وهناك عوامل متعددة ينبغى مراعاتها في هذا المجال من أهمها:(47).
أولا: ينبغى علي المستخدمين الرئيسيين لشبكة الإنترنت التفاهم فيما بينهم علي سعر يحترم بالنسبة للمبادلات التجارية.
ثانيا: يجب عليهم تحديد السعر المطلوب بالنسبة للوسطاء التجاريين حتى يمكنهم الاتصال بالشبكة الرئيسية بواسطة خطوط مستأجرة أو خاصة.
ثالثا: على الوسطاء التجاريين أن يحددوا السعر المطلوب لاستغلال الشبكة المستأجرة لأولئك الذين يستطيعون تطوير أعمالهم الضرورية.(7/26)
رابعا وأخيرا: على الموردين لشبكة الإنترنت أن يسعروا خدماتهم للمستخدمين, لاسيما أولئك الذين لايحتاجون إلى خطوط خاصة لتحقيق اتصالهم بشبكة الإنترنت, وهذه الطائفة تختلف - بالطبع- عن المشروعات الكبيرة التي تطلب خطوطًا لفترات طويلة.
وعلى الرغم من ضرورة توافر الاعتبارات السابقة, فقد لوحظ في الوقت الحالي لأسباب مرتبطة بالتطور الحادث في شبكة الإنترنت, أن التنظيمات المتعلقة بموضوع تحديد الأسعار بين الموردين للخدمات عبر الإنترنت كانت مؤسسة علي مبدأ ؛ أن المرسل هو الذى يرعى كل شئ" "L'expéditeur garde tout"
التنافس في مجال البنية الأساسية ومعدات الإنترنت سوف يحث التطور في هذا المجال:
من الثابت أن المنافسة هى (48) محور قوة الرأسمالية, إذ يرى فيها كل طرف نفسه, والمنافسة, في التحليل الأخير تعنى محاولة التفوق ويتفق الاقتصاديون - بصفة عامة- علي أن المنافسة تساهم في تخفيض الحد الأقصى للتكلفة, وتلك تمثل ميزة- بلاشك- للمستهلك.
ولاغرو فإن درجة المنافسة بين المستغلين والموردين وطبيعتها في مجال خدمات الإنترنت ستتغير من دولة لأخرى. ففي الولايات المتحدة (49) - علي سبيل المثال- فإن المنافسة قوية بين نوعين من الموردين لخدمات الإنترنت . لقد بلغ عدد الشركات ثلاثين شركة هى التى تمون كل خدمات الإنترنت في الدولة بكاملها.
وفى المقابل فإن عدد الموردين- في كثير من الدول- يعد محدودا للغاية سواء أكانت خاصة أم مملوكة للقطاع العام , مما يمكن للشركات العاملة في هذا المجال من خلق سوق احتكارية أو سوق احتكار القلة في هذا المجال.
وفي هذا الصدد فإنه من الملائم والمفيد للغاية الأخذ بالأساليب والمعايير التي تقوى المنافسة , والعمل علي تحديد الأسعار عند مستوى المنافسة.(7/27)
ويرجع غياب المنافسة في مجال عرض البنية الأساسية في مجال الإنترنت لعوامل تاريخية , لأن الموردين للبنية الأساسية كانوا فى موقف احتكارى طبيعى. إن عدد الشركات التى بدأت العمل في هذا المجال كانت قليلة للغاية. ولعل هذا مادعا إلي رفع دعوى قضائية على أبرز العاملين في هذا المجال- وهو المستثمر الأمريكى المعروف بيل جيتس- بدعوى أنه يمارس سلوك احتكارى لا ترتضيه الرأسمالية.
وأمام ماسبق , ظهرت المنافسة سريعا في هذا المجال, فظهرت أسواق متعددة لهذا المجال في الولايات المتحدة الأمريكية , كذلك شهدت دول الاتحاد الأوربى نموا ملحوظا في هذا المجال منذ عام 1998, وهو نمو يضارع - إلى حد كبير- التطور الحادث في الولايات المتحدة الأمريكية.
وهكذا تطورت المنافسة في مجالات تطبيقية متعددة في مجال الاتصالات والمعلوماتية, ويتجه عدد الشركات العاملة في هذا المجال إلى التزايد المستمر.
المطلب الثانى : الجوانب السياسية للتجارة الإلكترونية
من الملاحظ علي مستوى الدول الصناعية الكبيرة أن التجارة الإلكترونية تنمو وتتطور بسرعة وحجم كبير. ومن المنتظر أن تؤدى التجارة الإلكترونية إلى تسهيل التجارة الدولية بصورة كبيرة. ومن شأن كل ذلك ظهور ارتباطات قوية بين النظم الاقتصادية والسياسية على المستوى الدولى فالمشاهد على الساحة الدولية أن السياسية الاقتصادية لدولة ما تؤثر على الدول الأخرى, فعلي سبيل المثال عندما (50) رفعت ألمانيا الضرائب ومعدلات الفائدة عام 1981 أدى ذلك إلى عموم حالة الركود في أوربا كلها.(7/28)
إن اختلاف الأهداف بين الدول يؤدى - فى الغالب- إلى تعارض في المصالح, وحتى عندما تتشابه أهداف الدول, فقد تتضرر هذه الدول إذا لم يتم تنسيق السياسات فيما بينها. وتظل المشكلة الأساسية قائمة على المستوى الدولى وتتمثل في كيفية الوصول إلى تناغم مقبول بين السياسات المختلفة على المستوى الدولي دون وجود مؤسسة أو منظمة دولية تحدد ما يجب عمله.
وعلي ذلك فإن أية دولة لا تستطيع أن تتجاهل السياسات التى تنتهجها الدول الأخرى, لقد أدت زيادة الإنتاج علي المستوى الدولي إلي زيادة التأثيرات المتبادلة بين الدول, لذلك تهتم الدول اهتماما كبيرا بسياسات بعضها البعض.
ولامندوحة فى أن انفتاح الأسواق يعد عاملا أساسيا لتطور التجارة الإلكترونية. وعادة ما تحرص النظم الحرة علي تشجيع التقدم العلمي والفنى وتهيئٍ له كافة التطبيقات الممكنة. لذلك يكون ضروريا في بعض الأحيان أن تكمل الدولة والسلطات العامة أوجه القصور التي تنتج عن قوى السوق, إذ يتصور ألا تؤدى قوانين السوق إلى ولوج مجالات معينة, وبالتالي يكون ضروريا أن تذهب الدولة لتغطى هذه الجوانب لاسيما إن كانت ضرورية للمنفعة العامة, ومثال ذلك وضع (51) البنية الأساسية في مجال الاتصالات الدولية.
كذلك على الدولة أن تقوم بوضع الأطر القانونية والتنظيمية التي تعمل على احترام العقود وحقوق الملكية في مجال التجارة الإلكترونية.
وفي المجال الضريبى ينبغى على الدولة أن تضع نظاما ضريبيا يوضح ماهية الأنشطة التي تفرض عليها والأنشطة المعفاة منها.(7/29)
ولاغرو فإن مثل المسائل السابقة ليست بجديدة عموما, فالمشكلات المتعلقة بالبنية الأساسية , ومشكلة الأمن والثقة في المعاملات , والمشكلات المتعلقة بالمفاهيم, والمشكلات الضريبية وغيرها كلها مشكلات مثارة في فروع قانونية متعددة, ولكن ماينبغى علي الدولة عمله هو إعادة صياغة هذه القواعد ووضعها على نحو يتوافق ويتلاءم مع طبيعة التجارة الإلكترونية وأدواتها المتطورة.
ومع ملاحظة التطور السريع الحادث فى مجال التجارة الإلكترونية فينبغى ألا تتخلف التنظيمات الحاكمة للتجارة الإلكترونية عن ملاحقة هذا التطور والمستجدات التي تظهر في هذا المجال. وعلي ذلك يكون منوطا بالدولة (52) القيام بدور جوهرى فى تشجيع الابداع والابتكار والتجديد في مجال التجارة الإلكترونية.
وعلي المستوى الدولى, وفي ظل عالم الأعمال المفتوح دوليا, فإنه قد تم معالجة الكثير من المشكلات السابقة, ولكن يبقى أن هناك الكثير من المشكلات التي تحتاج للتنسيق بين الدول والمنظمات الدولية.
مجال البنية الأساسية:
من الملاحظ أن البنية الأساسية الدولية تسمح بتسهيل تبادل تدفق المبادلات بتكلفة أقل, كما أن هذه البنية الأساسية تحث على تقوية المنافسة فى هذا السياق.
إن التجارة الإلكترونية بكل أشكالها , لاسيما التجارة عبر الإنترنت, لايمكن أن توجد إلا إذا تم إعداد بنية أساسية متكاملة فى مجال الاتصالات, وبطاقة كافية دون إعاقة المبادلات التجارية, لأن إعاقة إتمام المبادلات التجارية عبر الإنترنت أصبحت من المشكلات الحقيقية أمام التجارة الإلكترونية.
وحلاً للمشكلات السابقة ينبغى زيادة طاقة البنية الأساسية بإضافة كابلات وخطوط جديدة, كذلك ينبغى إضافة شبكات جديدة.
مشكلة تحديد الأسعار:(7/30)
من المشكلات التي تثار فى مجال التجارة الإلكترونية مشكلة تحديد الأسعار, إذ يسود فى مجال التجارة الإلكترونية سياسات غير ملائمة فى مجال تحديد الأسعار. فاستعمال وسائل الاتصال والتجارة الإلكترونية لاتتشجع بسبب التكلفة المرتفعة لوسائل الاتصال والتي لاتعكس-بالضرورة- فكرة الندرة النسبية فى مجال البنية الأساسية.
فعلى سبيل المثال فإن تكلفة الاتصال التلفونى أو استئجار خط خاص فى أوربا يزيد بكثير عن تكلفته فى الولايات المتحدة الأمريكية .
ولعل ماسبق يثير مشكلة هامة للغاية وهى ما إذا كان من الأفضل ترك مجال البنية الأساسية في مجال الاتصالات للقطاع الخاص أم للدولة.
ويتصل بذلك أيضا مشكلة تحديد الأسعار فى هذا المجال وهل تترك لقوى السوق, أم ينبغى أن تقوم الدولة بتحديدها؟
لقد ظهر اتجاه فى دراسات اقتصادية متعددة (53) يدعو إلى ضرورة افساح المجال للقطاع الخاص لقيادة هذا المجال على أن يستكمل بتنظيم حكومى ولعل هذا الاتجاه يفسح المجال للسعر الذى سيتحدد بأن يغطى تكاليف البنية الأساسية ونفقات الاستثمار في ذلك المجال.
وفى المقابل ينبغى عدم ممارسة أسلوب الاحتكار عند تحديد الأسعار فى ذلك المجال, لأن منافذ الإنترنت ستتأثر بذلك, بل إن مستخدمى الإنترنت قد يفقدون القدرة على المنافسة في ذلك المجال.
بالإضافة إلي ماسبق(54), فإن مستخدمى الإنترنت ينبغى أن تتوفر لهم إمكانية الدخول على الشبكة سواء أكان ذلك من منازلهم أم من أماكن عملهم, وهذا التعميم في الاستخدام يحتم توفير المزيد من الخطوط والمنافذ لمستخدمى الإنترنت, وينبغى أن تكون الأسعار مسألة موضوعة فى الاعتبار أثناء تحقيق ذلك.(7/31)
لقد لوحظ أنه فى الدول التي تغيب فيها المنافسة فإن متوسط التكلفة يزيد مرتين عن الدول الأخرى , كذلك فإن المستخدمين للإنترنت يقلون بمقدار خمس مرات عن الدول الأخرى, وعلى ذلك فإن إدخال المنافسة بين المستثمرين فى البنية الأساسية والمستخدمين للخدمات من شأنه أن يقوى الاستثمار في هذا المجال وكذلك تشجيع استخدام الشبكة.
وتجدر الإشارة إلى أن التجارة الإلكترونية سيكون من شأنها تنمية(55) العلاقات عموما بين الدول لاسيما العلاقات السياسية.
المطلب الثالث :العلاقة بين التجارة الإلكترونية والتجارة الدولية
يرجع الفضل في تسهيل المبادلات التجارية الدولية - في السنوات الأخيرة- إلي تطور أدوات الاتصال الإلكترونية بصورة كبيرة.
وتحتل التجارة الإلكترونية على المستوى الدولي أهمية كبيرة, لأن الكثير من الخدمات التي تتم علي المستوى الدولي أصبح من الميسور للغاية أن تتم من خلال التجارة الإلكترونية. لقد تيسرت التجارة عبر الدول بصورة كبيرة وذلك بفضل توافر وسائل متعددة أمام التجارة الإلكترونية لاسيما أجهزة الإرسال الإلكتروني والإنترنت .. وغيرها.
فباستقراء تعريف التجارة الإلكترونية والأدوات التي تعتمد عليها, يتضح أن هناك فوائد محققة من استخدام أساليب التجارة الإلكترونية في مجال التجارة الدولية. ان استخدام أدوات التجارة الإلكترونية وإتاحة امكانية تسليم الكثير من المنتجات بصورة إلكترونية سوف يسهل بصورة كبيرة التجارة الدولية(56).
وهناك عوامل متعددة تؤكد أن التجارة الإلكترونية سوف تسهل التجارة الدولية, وتساعد علي نموها وازدهارها . فالتلفون والفاكس يساهمان بصورة كبيرة في إتمام المبادلات التجارية بين أطراف تجارية تقيم في دول عديدة.
ويساهم الإنترنت أيضا في تسهيل العمليات التجارية وذلك من خلال تقديم خدمة الاتصال السريع للغاية وبنفقات قليلة أيضا.(7/32)
كذلك هناك بعض المنتجات التي يمكن أن تسلم بالطريق الإلكتروني , ومحصلة كل ذلك هى كسب المزيد من الوقت واقتصاد الكثير من نفقات الشحن.
ومن المأمول أن تشهد التجارة الدولية للسلع والخدمات فى صورة إلكترونية نموا وتوسعا كبيرا. إن المنتجات المعلوماتية مثل الكيانات المنطقية (برامج المعلومات) و الخدمات المساعدة لها سوف تساعد في ذلك المجال بصورة كبيرة لدرجة أنها ستجعل التجارة الدولية وكأنها تتم داخل دولة واحدة.
كذلك فإن التجارة الدولية في الخدمات المتصلة بأعمال التسلية مثل الموسيقى والفيديو وغيرها من أعمال التسلية ستشهد نموا ملحوظا. وفى المجال المالى فإن المؤسسات المالية متفائلة للغاية بخصوص هذه الثروة الدولية في مجال الخدمات المالية عن طريق الإنترنت, إذ سيكون 60% من البنوك غير أمريكية وستحتل مكانتها علي الصعيد الدولي, أما في أمريكا فإن هذه النسبة لن تزيد عن18 % بين البنوك الأمريكية.
وتستطيع التجارة الإلكترونية والإنترنت أن تسهل الكثير من جوانب التجارة الدولية, فمثلا يترتب على شيوع استخدام أدوات التجارة الإلكترونية في إدارات الجمارك (57) علي المستوى الدولى تسهيل علميات التجارة الدولية بشكل كبير. فأدوات التجارة الإلكترونية تسهل عمليات تقدير الرسوم الجمركية التي تصل إلى مبالغ ضخمة علي المستوى الدولي, حيث وصلت (58) عام 1996 إلى حوالى 350 مليار دولار.
ولاغرو فإن تقدير الرسوم الجمركية يحتاج إلى كثير من الوثائق والإدارات وكل ذلك أمكن أن يتيسر بصورة كبيرة عن طريق أدوات التجارة الإلكترونية.
كذلك تساعد تكنولوجيا المعلومات المتقدمة علي تدعيم مراقبة الجمارك وتحديثها وتبسيط إجراءاتها بما في ذلك استخدام أساليب تقديم الاخطارات التي تسمح بالفحص الاختياري للإرساليات, وغيرها من الإجراءات الضريبية0(7/33)
كذلك استطاعت المعلوماتية في الدول المتقدمة ان تقدم كتالوجًا(59) الكترونيًا يستطيع حساب كافة العمليات التي تتم عبر التجارة الإلكترونية, ثم كيفية حساب مقدار الضرائب المقررة0 لاسيما أنه من المعروف في الدول المتقدمة أن كل فرد يستطيع تقريبا أن يحسب مقدار الضرائب المقررة عليه.
كذلك تعين التجارة الإلكترونية علي سرعة الوصول إلي الأسواق العالمية بسرعة هائلة وبنفقات قليلة. وعلى حد تعبير البعض (60) فانك تستطيع أن ترسل رسائلك إلي كل العالم وتستقبلها في لحظات.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن الولايات المتحدة (61) الأمريكية مازالت تحتل مكان الصدارة في إنتاج الإنترنت وأدواته وملحقاته المختلفة , وبالتالى يتحقق لها دخول كبيرة من هذا المجال, ولاغرو أن لذلك أثر إيجابي علي الدخل القومى الأمريكى .ومن المتوقع أن يستمر تطور هذا المجال في صالح الولايات المتحدة الأمريكية.
ويتوقع أن يصل حجم التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت عام2001 (62) إلى60 مليار دولار عام2001 .
ويبقى التأكيد علي أن نجاح الإنترنت كأداة للتجارة الداخلية والدولية سيعتمد على وضع حلول لتنظيم مختلف المشكلات الفنية والقانونية.
وهكذا يظهر كيف يمكن أن تساهم المعلوماتية عموما والتجارة الإلكترونية بصفة خاصة في النمو الاقتصادى عموما, وازدهار التجارة الدولية بصفة خاصة. وبالتالى أصبحنا نقرأ الكثير من المؤلفات(63) التي تتحدث عن اقتصاديات الابتكار والإبداع وماشابه ذلك.
ضرورة التنسيق علي المستوى الدولي:
يلزم علي المستوى الدولى وجود اتفاقيات لمعالجة المسائل التي تثار في مجال التجارة الإلكترونية, وتتواصل الجهود في هذا المجال بصورة كبيرة تحت رعاية المنظمات الدولية المتخصصة. وتم بالفعل تشكيل مجموعات عمل في هذا المجال وذلك فى إطار المنظمة الدولية للجمارك وكان الهدف من كل ذلك هو وضع توصيات قابلة للتطبيق العملي في هذا المجال(64).
المبحث الرابع(7/34)
مدى توافر مقومات التجارة الإلكترونية في دول العالم الإسلامي:
يتوافر في دول العالم الإسلامى الكثير من مقومات التجارة الإلكترونية والتي من شأنها أن تهيئ سبل نجاح التجارة الإلكترونية وقيامها بالدور المنوط بها.
ومن أهم هذه المقومات:
أولا: اتساع وعمق سوق دول العالم الإسلامى:
فيميز الأمة العربية والإسلامية عن سائر الأمم أنه يتوافر لها كل مقومات الأمة الواحدة من : وحدة الدين واللغة والتاريخ والمكان والمصالح والعادات والتقاليد.. والثابت أن الإسلام كله دعوة للتضامن بين أبناء المجتمع والمساندة فيما بينهم سواء أكانوا أفرادا أم جماعات, حكاما أم محكومين, على مستوى الدولة الواحدة أم على المستوى الدولى, ويدفعهم لذلك شعور وجدانى عميق ينبع من أصل العقيدة الاسلامية , ليعيش الفرد فى كفالة الجماعة , وتعيش الدولة فى كفالة المجتمع الدولي ويتعاون الجميع ويتضامنون لإيجاد المجتمع الإنساني الأفضل.
يقول سبحانه وتعالي مبينا طبيعة الأمة الإسلامية: (65).
( ان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون(
ويقول سبحانه (66)( إنما المؤمنون إخوة" ويقول جل فى علاه (67) " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض(.
ويقول سبحانه (68) "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم " فالأية دعوة للرحمة بين المسلمين وليس العكس كما نرى فى الواقع المعاصر.
ويقول سبحانه (69) ( والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض فى كتاب الله, ان الله بكل شئ عليم(.
ويقول صلى الله عليه وسلم مؤكدا على طبيعة هذه الأمة (70) "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا".(7/35)
ويقول صلى الله عليه وسلم (71) : " من كان عنده فضل ظهرفليعد به على من لاظهر له, ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لازاد له . قال أبو سعيد فذكر رسول الله من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لاحق لأحد منا فى فضل ". وإجمالا يمكن القول بأن هذا الدين الحنيف كله دعوة للتضامن والترابط والوحدة.
والملاحظ -بوضوح وجلاء - على المستوى الدولي أن معظم الدول ترتبط فيما بينها بعلاقات متعددة اقتصادية ومالية واجتماعية وثقافية ...... وهى دول قد لايتوافر فيما بينها مقومات الأمة الواحدة . لذلك فالأولى بالدول العربية والإسلامية -أمام ذلك - وهى دول تدين بدين واحد ويتوافر لها كل مقومات الأمة الواحدة أن توثق علاقاتها الاقتصادية والمالية ...... وغيرها على نحو أكثر فعالية حتى يتهيأ لها أن تقوم بالدور المنشود لها فى ريادة العالم. ان الإسلام دائم النداء للأمة الإسلامية يذكرها بالقيم التى ينبغى أن تحرص عليها, وتضحى من أجلها, ويهيب بها الالتزام والسيرعلى هدي مبادئه الكريمة القويمة .
وباستقراء واقع دول العالم الإسلامى يلاحظ أنه يتوافر للأمة العربية والإسلامية كل مقومات قيام السوق المالية ناجحة . فيتوافر فى هذه الدول : كميات كبيرة من رؤوس الأموال القابلة للإقراض , ويتوافر فيه أيضا إمكانيات استخدام رؤوس الأموال , أى توافر الفرص الاستثمارية الكافية, كذلك يتوافرلها الحوافز الكافية لتشجيع مالكى رؤوس الأموال لتوجيهها للاستثمار فى نطاق هذه الدول.
ولكن وبالرغم من توافر المقومات السابقة, فانه - وللأسف الشديد- لم توجد حتى اليوم سوق مالية قوية على المستوى العربى والإسلامي على غرار سوق العملات الأوروبية مثلا, كذلك مازالت التجارة البينية بين دول العالم الإسلامي تتم في نطاق ضيق للغاية.
وتستطيع التجارة الإلكترونية بأداوتها المتعددة أن تنشط من هذه السوق وتفعل من دورها على نحو يحقق أهداف دول العالم الإسلامي.(7/36)
وأمام ماسبق يلزم اتخاذ الاجراءات اللازمة لإتاحة دراسات فرص الاستثمار فى الدول العربية بجميع وسائل التجارة الإلكترونية. وإقامة مركز لتجميع المعلومات المصرفية والنقدية لدول العالم الإسلامى, ومركز للبحوث والدراسات المصرفية تكون فيه الدول العربية والإسلامية جميعا أعضاء وتعطى له جميع التسهيلات اللازمة التي تمكنه من تطوير السوق المالية والنقدية فى البلاد العربية والإسلامية , وعمل الدراسات اللازمة لذلك واقتراح التشريعات والتنظيمات المشجعة علي ذلك بما فيها المعاملة التفضيلية لاستخدام الأموال العربية فى الدول العربية على نطاق واسع. والعمل على التنسيق بين هياكل السياسات المالية والاستثمارية بين الدول العربية. ومما يساعد أيضا وجود الوسائل الكفيلة بضمان سرعة الاتصالات وضمان عمل الترتيبات علي أساس متبادل بين الدول العربية جميعا. وفي هذا , يصبح الاختيار لتحديد الأوليات للخطوات القادمة من الأساسيات.
ثانيا: المقومات البشرية:
يتوفر فى معظم دول العالم الإسلامى عنصر بشرى معقول حاصل علي درجات مختلفة من التعليم, ويمكن صقل هذا العنصر البشرى عن طريق التدريب المستمر على كل التقنيات المتطورة اللازمة للعمل في مجال التجارة الإلكترونية.
ثالثا: المقومات الاقتصادية:
بالنظر إلي السلع والخدمات التى يمكن أن تدخل مجال التجارة الإلكترونية, يلاحظ أن دول العا لم الإسلامي لديها إمكانيات كبيرة في تنويع منتجاتها وخدماتها التى تدخل التجارة الخارجية.
لقد وصلت بعض دول العالم الإسلامي مثل مصر (72) في بعض الصناعات إلى المستويات العالمية وعلى الخصوص صناعة الملابس الجاهزة, والمنتجات الزراعية, والأغذية المصنعة, وتقوم بتصدير هذه المنتجات بنجاح.
وفضلا عن ذلك فإن مصر تستطيع أن تدخل التجارة الإلكترونية بسعر تنافسى يكفل لها التفوق على الأسعار المنافسة نظرًا لظروف الاقتصاد المصرى.(7/37)
وتجدر الإشارة إلي أن النجاح فى إدخال سلعة معينة أو خدمة ما في مجال التجارة الإلكترونية سيكون بمثابة القاطرة للعديد من الصناعات المغذية للسلعة أو الصناعة أو الخدمة محل التجارة الخارجية.
كذلك فإن نجاح دول العالم الإسلامى في دخول مجال التجارة الإلكترونية سيساعد فى خلق فرص عمل متعددة, لاسيما في مجال البيع والتسويق كما سيساعد في خلق كوادر متميزة للتصدير للدول المحيطة بنا, حيث ينتظر ازدياد الطلب علي هذه الكوادر المتميزة كنتيجة طبيعية لتطور الاحتياجات التكنولوجية لهذه الدول.
رابعًا: الرصيد الحضارى العربى والإسلامى:
من المعروف أن الجانب الأكبر من التجارة الخارجية التى تتم عبر الإنترنت إنما تنصب علي مجال الخدمات.
ومن الثابت أن دول العالم الإسلامى لديها رصيد حضارى ثرى وضخم يهيئ لها أن تحتل مكانا متميزا في هذا المضمار , لذلك فإن المجال السياحى يعد من المجالات الخصيبة التى يمكن أن تحتل به دول العالم الإسلامى مكانا هاما عبر الإنترنت, والذى يمكن أن يعود بفوائد جمة لو أحسن تسويقه عبر الإنترنت.
إن الاستثمار الحقيقى للإمكانيات السابقة سيعود بالفوائد الكثيرة علي دول العالم الإسلامى, بل إن نمو التجارة الخارجية سيكون عاملا حقيقيا في نهضة العالم الإسلامى .
ولاغرو فإن نجاح دول العالم الإسلامى في دخول مجال التجارة الإلكترونية سيحقق مزايا اقتصادية واجتماعية وسياسية.
فمن الناحية الاقتصادية:
فإنه يترتب علي الدخول في مجال التجارة الإلكترونية خلق فرص عمل متعددة لكثير من الفئات, وفضلا عن ذلك يمكن توفير كوادر مدربة يمكن تصديرها للدول الأخرى.
ومن الناحية الاجتماعية :
يترتب علي توفير فرص عمل متعددة المساهمة الحقيقية في حل مشكلة البطالة فى دول العالم الإسلامى , وكل ذلك من شأنه أن يحقق مزايا متعددة تتمثل في سيادة السلام الاجتماعى.
ومن الناحية السياسية:(7/38)
فلاغرو أن مساهمة دول العالم الإسلامى في مجال التجارة الإلكترونية سيترتب عليه وجود هذه الدول وظهورها علي المسرح التجارى الدولى بالمظهر اللائق بها والمكانة الحضارية التى تحتلها منذ قديم الزمان.
إن عصر التجارة الإلكترونية سوف يفتح أمام دول العالم الإسلامى آفاقا هائلة للانطلاق بمنتجاتها المتعددة إلي الأسواق العالمية . وفي المقابل فإنه سيتاح للشركات العالمية الأخرى أن تنافس منتجات دول العالم الإسلامى , وكل ذلك يحتم التطوير المستمر لهذه المنتجات حتى تصبح قادرة علي الوقوف في وجه المنافسة الأجنبية.
المبحث الخامس
مدى استفادة العالم الإسلامي من التجارة الإلكترونية
ووسائل تعظيم ذلك
تعمل التجارة الإلكترونية الآن في مجالات متعددة مثل: الخدمات المصرفية الإلكترونية, والخدمات المالية الإلكترونية, وخدمة الاتصالات , وإتمام الكثير من الصفقات التجارية, وغير ذلك من الخدمات المتخصصة,
وتستطيع دول العالم الإسلامى - نظرا لخصائصها المتميزة- أن تستفيد من التجارة الإلكترونية وأدواتها في مجالات متعددة.
وفي المقابل يجدر بدول العالم الإسلامى أن تتبنى سياسات من شأنها تفعيل دور التجارة الإلكترونية في تنشيط التجارة البينية بينها.
وتوضح فيما يلى مدى إمكانية إستفادة دول العالم الإسلامى من التجارة الإلكترونية وذلك على النحو التالى:
المطلب الأول :مدى استفادة العالم الإسلامى من التجارة الالكترونية.
المطلب الثانى: إطار استراتيجية لحفز التجارة الإلكترونية وتنميتها في العالم الإسلامى.
المطلب الأول : مدى استفادة دول العالم الإسلامى من التجارة الإلكترونية
تستطيع دول العالم الإسلامى الاستفادة من كافة المزايا التى تحققها التجارة الإلكترونية, فبالإضافة إلى المجالات العامة التي تعمل فيها التجارة الإلكترونية , فإن دول العالم الإسلامى تستطيع أن تستفيد من التجارة الإلكترونية في مجالات متعددة من أهمها:(7/39)
أولا: المساعدة في توجيه الاستثمارات بين دول العالم الإسلامى:
الثابت أن بعض دول العالم الإسلامى تمتلك ثروات كبيرة, ولكنها حتى الآن لاتجد مجالا رحبا لها للإستثمار فى المنطقة, ومازالت توجد دول فى العالم الإسلامى يتجمع لديها موارد مالية كبيرة تحتاج لاستثمارها . وفى المقابل هناك بعض دول العالم الإسلامى تعانى من نقص كبير فى رؤوس الأموال, وهنا تتجلي وظيفة مهمة للتجارة الإلكترونية .
فعن طريق أدوات التجارة الإلكترونية يمكن التعرف على مجالات الاستثمارات المتاحة فى دول العالم الإسلامى, وبذلك تستطيع التجارة الإلكترونية أن تساهم في توجيه الاستثمارات وتوظيفها أفضل استخدام في دول العالم الإسلامى.
وتجدر الإشارة إلى أفضلية الاستثمار فى دول العالم الإسلامى لأن هناك مخاطر متعددة تحيط بالأموال العربية فى الخارج لاسيما المخاطر المتعلقة بأسعار الصرف وتقلب أسعار الفائدة , وتأرجح معدلات التضخم. كذلك فأن الاستثمارات فى الدول الصناعية لاتتمتع (73) بحرية مطلقة فى توجهها, أو حجمها أو مجال أنشطتها . اذ تنظم التشريعات فى تلك الدول مجالات الاستثمار والأنشطة المسموح بها, والأنشطة الأخرى المقيدة . وتضع تلك الدول قيودا متعددة بهذا الشأن . كما تتصف بعض تشريعاتها بابقاء مرونة كبيرة للسلطات التنفيذية فى اتخاذ الاجراءات التى تراها مناسبة تجاه الاستثمارات الأجنبية وتوجيهها.
ففى أمريكا -على سبيل المثال- تفرض القوانين قيودا شديدة على الاستثمار فى قطاعات الاتصالات السلكية واللاسلكية , والنشر , والمواصلات , والطاقة والتعدين.
وفى اليابان فان قوانين الاستثمار توصد الباب أمام الاستثمارات الأجنبية عدا قطاعات محددة , ولاتعطى تلك القوانين مزايا استثنائية لرؤوس الأموال الأجنبية, بل تفرض قيودا تحد من دخول الاستثمارات الأجنبية لبعض القطاعات كالاتصالات والنقل والطاقة.(7/40)
وأمام كل هذه المخاطر ومايترتب عليها من مشكلات يبقى التأكيد على أن عودة الأموال العربية للاستثمار فى البيئة العربية والإسلامية سيظل أكثر أمانا بكثير, لاسيما في ظل استشعار كل معانى الأخوة والوحدة العربية والإسلامية , وهذه الاعتبارات ليست هينة في تفكير المسلم اذ ينبغى عليه التعالي عن مصالحه الشخصية من أجل مصالح أمته ومن أجل دواعي عقيدته.
ثانيا: تسهيل وتنشيط التجارة البينية بين دول العالم الإسلامى:
تؤدى التجارة الإلكترونية إلى تسهيل التجارة الدولية عموما. وبالتالى فإنها تستطيع أن تلعب دورا كبيرا فى تيسير التجارة الخارجية بين دول العالم الإسلامى. لاسيما أن حجم التجارة البينية بين دول العالم الإسلامى ضئيل للغاية, (حوالى 4% فقط) , وهوبلاشك حجم لايتناسب مع الإمكانيات المتاحة لدول العالم الإسلامى, لاسيما إذا قورن بحجم تجارتها الخارجية مع الدول الأخرى.
كذلك لايستقيم مع خصائص الأمة الإسلامية أن تكون جل معاملاتها الخارجية مع دول غير إسلامية وفى المقابل هناك دول العالم الإسلامى بحاجة ماسة إلى من ينشط تجارتها ويقبل علي صادرتها.
ثالثا: تسهيل إتخاذ القرارات الاقتصادية والمالية:
تستطيع أدوات التجارة الإلكترونية أن تساعد على تسهيل اتخاذ القرارات المالية والاقتصادية على مستوى العالم الإسلامى , لأن أدوات التجارة الإلكترونية تستطيع أن توفر معلومات وفيرة عن كافة المجالات الاقتصادية والمالية المتاحة , فضلا عن توفير قدر كبير من النفقات التى تنفق على الطرق التقليدية فى دراسات الجدوى الاقتصادية والمالية.
وباستخدام أدوات التجارة الإلكترونية في توفير المعلومات الكافية عن الثروات المتاحة لدول العالم الإسلامى , يمكن إعمال نظريات التجارة الدولية على نحو يحقق الفائدة لدول العالم الإسلامى.(7/41)
لأن كل دولة تستطيع أن تتخصص فى إنتاج وتصدير السلعة التي تتمتع فيها بميزة نسبية أكبر من الدول الأخرى, وتتخصص في إنتاج السلعة التي تتمتع فيها بفوة في عوامل إنتاجها , ويترتب علي ذلك أن تنتج السلع بأكبر كفاءة ممكنة وبكميات كبيرة, وفي المقابل تستطيع أن تحصل على حاجتها من السلع الأخرى من الدولة التي تنتج بأعلى كفاءة وبأقل نفقة ممكنة.
وتستطيع التجارة الإلكترونية بأدواتها المتعددة أن تقدم خدمات كبيرة فى هذا المجال عن طريق التعريف بالإمكانيات المتاحة لكل دولة من دول العالم الإسلامى, علي نحو يسهل ويعين كل دولة علي التخصص في السلعة التي تتمتع فيها بميزة نسبية وتحصل على حاجتها من السلع الأخرى من الدولة المسلمة التي تنتجها بنفقة نسبية أقل. وفي كل هذا الخير الكثير لدول العالم الإسلامى.
رابعا : تنشيط الأسواق المالية في دول العالم الإسلامى:
من الثابت أن التدفقات المالية التي تتم داخل الأسواق المالية الدولية تشكل جانبا مهما من جوانب العلاقات الاقتصادية الدولية. وتعد التحركات الدولية لرأس المال مظهرا حقيقيا لازدهار العلاقات الاقتصادية الدولية. وبالتالى فإن خلق نظام جيد للأسواق المالية يعد من المكونات الأساسية لأى نظام اقتصادى كفء, إذ يعين على تخصيص المدخرات لاستثمارات ذات عائد مرتفع. ويؤكد ذلك التطور الاقتصادى الدولي الذى يشهد بأن الدول ذات النظم المالية المتطورة والأسواق المالية الكبيرة تنمو بمعدلات أسرع وإتساق أكبر من الدول ذات النظم والأسواق المالية الضعيفة.(7/42)
وباستقراء واقع دول العالم الإسلامى يتضح بجلاء أنه يتوافر لها كل مقومات الأسواق المالية الناجحة , فيتوافر فيها كميات كبيرة من رٍؤوس الأموال القابلة للإقراض ,فقد جاء في تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 95/1996. والذى أصدرته المؤسسة العربية لضمان الاستثمار-أن حجم الاستثمارات العربية فى الخارج يبلغ 750 مليار دولار حتى عام 1995 (74), بينما لاتمثل الاستثمارات العريية فى الداخل سوى نسبة 1% من هذه الأموال المهاجرة وهى نسبة ضئيلة جدا رغم تحسن مناخ الاستثمار فى الدول العربية بشكل ملحوظ.
ويتوفر للدول العربية والإسلامية أيضا الركن الثانى وهو وجود إمكانات استخدام رؤوس الأموال, أى توافر فرص استثمارية كافية فى الدول العربية والإسلامية. فهناك مجال كبير للاستثمار الزراعى فى السودان ,كما أن هناك فرصا كثيرة للاستثمار الصناعى فى مصر ودول المغرب العربى, كذلك فهناك فرص للاستثمار فى المجال السياحى فى العديد من الدول العربية.
ويضاف لما سبق وجود الحوافز الكافية لتشجيع مالكي رؤوس المال فى الدول الأولي (المصدرة أو المقرضة لرأس المال ) على استثماره فى الدول الثانية (المستقبلة أو المقترضة لرأس المال).
وفي هذا المجال تستطيع التجارة الإلكترونية بأدواتها المتعددة أن تساهم في تنشيط الأسواق المالية بين دول العالم الإسلامي على نحو كبير, لاسيما أن الحديث يدور الآن عن العولمة المالية وآثارها على الدول الأخرى. وبالتالى فإنه أحرى بدول العالم الإسلامى لاسيما أنها قد أخذت بزمام السيطرة على ثرواتها الاقتصادية وأصبح بإمكانها تنفيذ سياسة مالية واقتصادية وطنية تأخذ على عاتقها تنمية الوطن العربى ورفع مستوى دخل المواطن فيه. كما تساهم فى تقديم المساعدات لدول العالم الثالث فتدعم اقتصادها واستقلاها.
خامسا: تسهيل إتمام المعاملات المصرفية والمالية بين دول العالم الإسلامى:(7/43)
من المجالات المهمة التي يمكن أن تعمل فيها التجارة الإلكترونية مجال الخدمات المصرفية الإلكترونية , ويعتبر هذا المجال من أقدم المجالات التي عملت فيها التجارة الإلكترونية. وتحقق التجارة الإلكترونية في هذا المجال ميزة عظيمة إذ تستطيع أن تخفض نفقات إتمام الصفقات المصرفية الإلكترونية بدرجات كبيرة قدرت بمائة ضعف عن إتمامها بالطرق التقليدية.
كذلك تساهم التجارة الإلكترونية بدور كبير في مجال الخدمات المالية الإلكترونية, إذ يمكن عن طريق أدواتها المتعددة أن تساعد فى إدارة الأموال وحمايتها على نحو فعال.
وفي مجال التجارة الإلكترونية يمكن الحصول على الخدمات المالية والمنتجات المالية (الصرافة- التأمين - الاستثمار...) من أى مكان فى العالم.
سادسا: التعريف بالإسلام عالميا علي نحو صحيح وعلي نحو يتفق مع مبادئه السامية:
من الملاحظ فى الآونة الأخيرة أن الإسلام يتعرض في الغرب لهجمات شرسة , وهناك خلط كبير فى أذهان غير المسلمين عن حقائق الإسلام السامية ومبادئه السمحة. وأمام كل ذلك يلزم المسلمون التعريف بالإسلام في هذه الدول تعريفا يظهر به جمال الإسلام وسماته وسماحته ,ويدفعون بشبه الأعداء إلى صدورهم.
وتفيد أدوات التجارة الإلكترونية فى تحقيق الهدف السابق بطريقة متقدمة, إذ يمكن إنشاء مواقع متنوعة على شبكة الإنترنت لشرح الإسلام وبيان مبادئه وأسسه بصورة واضحة حتى يزول كل لبس تكون لدى الغرب عن الإسلام. ولعل ماسبق يندرج تحت مفهوم الجهاد بمفهومه العام لأن الجهاد - كما يقول فضيلة الشيخ يوسف القرضاوى (75)- قد يكون بالقلم واللسان, كما يكون بالسيف والسنان, ويكون الجهاد أيضا فكريا أو تربويا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا كما يكون عسكريا.(7/44)
كذلك يمكن الإفادة من أدوات التجارة الإلكترونية في تيسير إجراءات فريضة الحج , إذ يمكن إنشاد موقع متخصص علي شبكة الإنترنت يبين كيفية أداء المناسك والمواقيت وغير ذلك مما يلزمه أن يعرفه الحاج لاسيما المسلمون الذين يقيمون في الغرب, كما تيسر أدوات التجارة الإلكترونية تحديد أعداد الحجاج من كل دولة وإنهاء الإجراءات الخاصة بهم بطريقة سهلة وميسورة.
المطلب الثانى: إطار استراتيجية حفز التجارة الإلكترونية وتنميتها في دول العالم الإسلامى
يمكن حفز التجارة الإلكترونية وتنميتها في دول العالم الإسلامى وذلك من خلال تبنى استراتيجية تقوم علي العناصر التالية:
1. ضرورة إصدار التشريعات اللازمة لضبط التعامل داخل مجال التجارة الإلكترونية , وذلك لمنع التدليس والغش ومنع الاحتكار وحماية الأسرار الخاصة للمنتجين والمستهلكين. ويؤدى كل ذلك إلي توفير الثقة والطمأنينة لكل المتعاملين في مجال التجارة الإلكترونية.
2. ضرورة إحكام الرقابة على المعاملات التجارية التى تتم عبر التجارة الإلكترونية وذلك بتدريب الكوادر اللازمة والقادرة على العمل في هذا المجال.
3. ضرورة توفير المعدات والآليات الحديثة اللازمة لخوض مجال التجارة الإلكترونية.
4. ضرورة ضبط مواصفات السلع ومستوى أداء الخدمات مع المواصفات الدولية اتساقا مع أحكام اتفاقية منظمة التجارة العالمية, وحتى يمكنها الصمود أمام منافسة السلع والخدمات الأجنبية.
5. الاهتمام بنشر التقدم الفنى والتكنولوجى وأحدث الطرق الفنية للانتاج والخبرات الإدارية المتقدمة, بدءا من مستوى التعليم الجامعى والمراحل التي تليه حتى يمكن توفير العناصر البشرية القادرة علي استيعاب المستجدات التكنولوجية الحديثة, و الابداع فيها.
6. يجب وضع استراتيجية للدخول في مجال التجارة الإلكترونية بمستوى يدانى المستويات العالمية السائدة فى هذا المجال حتى نتمكن من وجود مكان ملائم لنا علي الساحة الدولية.(7/45)
7. ينبغى صياغة وتنسيق السياسات الضريبية في دول العالم الإسلامى على نحو يمنع الازدواج الضريبى, ويحث التجارة الإلكترونية على النمو والازدهار.
8. منح حوافز ضريبية لتشجيع التجارة الإلكترونية: تقدم دول كثيرة حوافز ضريبية عديدة لتطوير البرامج0 وهذه الحوافز تعد جزءا من خطط عامة لتسجيل البحوث والتنمية أو انشاء مشروعات ذات تقنية عالية, وفى بعض الحالات تحمل على صناعة الحاسبات الآلية والبرامج المرتبطة بها0 وحيث أن الحوافز تمنح بشكل عام بموجب تشريعات خاصة, وغالبا ما تتضمن موافقات من وكالات حكومية ومالية, فليس مدهشا أن نجد فى هذا المجال تركيزا أكثر على طبيعة أنشطة البرامج من وجهة نظر معايير البحوث والتنمية0
وتقدم الحوافز فى أشكال كثيرة ومختلفة تتلاءم مع ظروف كل دولة0
ففى استراليا(76) يجوز للشركات المكونة محليا خصم 150% من أصل الأجور والمرتبات ونفقات العمالة الأخرى التى تخصص بصورة مطلقة لأنشطة البحوث والتنمية والبرامج التى تطور للتسويق, أو كجزء من مشروع بحوث وتنمية تستحق هذا الخصم0 ولا يتمتع بذلك التطوير الروتينى أو تطوير البرامج للاستخدام الداخلى.
وفى البرازيل, تستطيع شركات الكمبيوتر الوطنية خصم 200% من النفقات على تحديث البرامج وتنميتها, وتعفى من ضريبة الدخل على إيرادات البرامج, بناء على موافقة الحكومة على المشروعات والشروط التى تحددها الوكالة الحكومية المسئولة0
وتمنح فرنسا إعفاء ضريبيا للنفقات المتزايدة للبحوث الأساسية والتطبيقية والتنمية التجريبية التى تؤدى فى فرنسا0
وتمنح اليابان إعفاءًا ضريبيًا على النفقات المتزايدة الرئيسية بتصنيع منتجات أو تطويرات صناعية.(7/46)
ويقدم قانون الضرائب الأمريكى إعفاء ضريبيا للنفقات المتزايدة على أنشطة البحوث والتنمية0 والنفقات المستحقة مقصورة على الأجور والمرتبات ومستلزمات الانتاج0 وينص التشريع الأمريكى لعام 1986 على ضرورة معاملة تكاليف تطوير البرامج بنفس الطريقة كنفقات تطوير أى منتج آخر, باستبعاد كل البرامج التى تطور للاستخدام الداخلى0
وفى كثير من الدول مثل: الأرجنتبين والمكسيك وأورجواى, يمكن أن يعفى مطور البرامج كلية من ضرائب الدخل بشرط توافر عدة شروط,0 وتبنى هذه الإعفاءات بدرجة كبيرة على أساس تشابه الدخل هنا بالدخل الذى يتحقق من حقوق التأليف أو الأنشطة الفكرية الشخصية.
وبالنظر لماسبق يجدر بدول العالم الإسلامى أن تمنح هى الأخرى حوافز ضريبية ومالية لمن يعمل في مجال تطوير برامج التجارة الإلكترونية وتحديثها.
وتجدر الإشارة في النهاية إلى أن الدول العربية والإسلامية لا تمتلك حتى الآن المهارات التقنية اللازم توافرها في هذا المجال علي غرار ماهو موجود في الدول المتقدمة, ولذلك عليها الانتباه لهذه الحقيقة وإعداد العناصر والكوادر والقيادات اللازمة لقيادة هذا المجال حتى لاتكون هى التى فرضت على نفسها الوصاية في هذا المجال من قبل الدول المتقدمة صناعيا.
نتائج البحث
لقد توصل البحث إلى عدة نتائج من أهمها :
(1) …أنه ينبغي تضافر كل الجهود لتنمية التجارة الإلكترونية وازدهارها, وسواء أكان ذلك على المستوى المحلي أم الدولي, وسواء أكان ذلك على مستوى المنظمات الحكومية أم غير الحكومية0
(2) ينبغي إزالة كل المعوقات التي تؤدي إلى وجود أسواق دولية مغلقة أمام التجارة الإلكترونية, حتي لا يقلل ذلك من مزايا التجارة الإلكترونية0
(3) ضرورة توافر أطر قانونية كافية توفر الثقة والحماية لكل المتعاملين في التجارة الإلكترونية0(7/47)
(4)…علي دول العالم الإسلامى أن تولي التجارة الإلكترونية الاهتمام الكافي حتى تستطيع مسايرة الدول المتقدمة في هذا المجال, وحتى يمكنها الإفادة من مزايا التجارة الدولية0
(5) …ينبغي الاهتمام بتنمية الوعي بأهمية التجارة الإلكترونية ومزاياها, وكذلك ترقية المناهج الدراسية بما يتناسب مع ذلك0
(6) …أفضلية عدم فرض ضرائب تمييزية على السلع والخدمات التي تدخل مجال التجارة الإلكترونية, حتى لا يكون ذلك عائقا أمام نموها وازدهارها0
(7)…إجراء تعديل في الاتفاقيات الضريبية المبرمة على المستوى الدولي بحيث يمكن تبادل المعلومات علي نطاق واسع بشأن الصفقات التي تتم من خلال التجارة الإلكترونية وتجنيب الازدواج الضريبى قدر الإمكان, ومن باب أولي ينبغى أن يتم ذلك علي مستوى دول العالم الإسلامى .
الهوامش والمراجع
(1)…Mayére (Anne) :Pour une Economie de l'information, edition du centre national de la recherche scientifique, Paris, 1990,p.195.
(2)…Goulvestre (Jean-Paul): Economie des Télécoms, Hermes, 1997, p.25.
(3)…Niveau (Mourice), Crozet (Yves): Histoire des faits économiques contemporains, Quadrige PUF, 2000, pp.834 - 835.
(4)…Huet (Frédéric): La Fiscalité du commerce électronique , Litec, 2000, p.XII.
(5)…Ministére de l'Economie, des Finances, et de l'industrie: Technologies et société de l'information , Paris 1999, p.40.
(6)…Ministére de l'Economie, des Finances, et de l'industrie France, 1/10/1998, p.1.
(7) World Trade organisation , General Council, 15 Jully 1998, p.1.
(8)…Yesil (Magdalena): Creating the virtual store, John wiley & sons, Inc, 1997,pp.42-44.
(9)…Faragg(Benjamin): Commerce électronique et moyens de paiement, Dunod, 1998, p.19.(7/48)
(10)…Shapiro (Carl ), Varian (Hal): Economie de L'information, De Boek université, 1999, p.27.
(11) Bertin (G.), et Lamberterie (I.): La protection du logiciel, enjeux juridique et économique, LGDJ, 1985, p. 37.
(12) قدرت هذه المبالغ على المستوى العالمي ب-64 مليار فرنك فرنسي عام 1980 و4 مليار فرنك على مستوى فرنسا , وثلاثة مليارات فرنك سويسرى ,عام 1984وهذه المبالغ مستمرة في الزيادة.
-Toubol (F.): Le Logiciel, Fedducl , Paris, 1986, p. 19
-Les Logiciels et le droit, Publiciation (CEDIDAC) 4, Lausanne, 1986 , p. 11.
(13) Kennedy (Angus J.): The internet , the Rough Guide, 1999, p. 11.
(14) Technologies et sociéte de l'information , op.cit.,p.40.……
(15) Goulveste: Economie des télécoms, op.cit., p.419.………
(16)Organisation Mondiale Du Commerce: Le Commerce electronique et le role de l'omc,p.5
(17) Ibid,p.5. ……………
(18) O.M.C.: Le Commerce éléctronique, op.cit.,p.9.…… …
(19) نورتون (بوب) ,سميث(كاث : (التجارة على الإنترنت) ترجمة مركز التعريب والبرمجة , الدار العربية للعلوم, 1997,ص9-10.
(20)…Boinet (Guillaume Lecompte): L'impact incertain de l'internet sur la croissance , problemes économiques, N.2. 697, 24 Janvier 2001, p.3.
(21) Germain (Michel):L'intanet l'intranet , Economica, 1998, p.26.
(22) O.M.C.: Le Commerce éléctronique, op.cit.,p.11.
(23)Technologies et Sociéte de l'information, op.cit.,p.37.
(24)O.M.C.: Le Commerce éléctronique, op.cit.,p.10.………
(25)Technologies et Sociéte de l'information, op.cit.,p.41.
(26)Kannara: Le Commerce électronique..., op.cit.,p.7.………
(27)Kennedy (Angus J.): The Internet, the Rough Guide , 1999, p.11.(7/49)
(28) Yesil: Creating the virtual store, op. cit., pp. 162- 163.
Kennedy : The Internet, op. cit., pp. 44- 47.
World Trade Organisation, General Council, pp. 3-4.
(29) ISSUES &Opportunities in the implementation of Electronic commerce, pp. 5-6.
(30) Yesil: Creating the virtual store, op. cit., pp. 162- 163.
(31)…لمزيد من التفصيل حول هذه المجالات انظر:
Bochurberg (Lionel): Internet et Commerce électronique, Delmas, 1999, p.107.
(32) Brown (w.) Hogendorn (J.): International Economics, op. cit., p. 183
(33) World Trade Organization, op.cit.,p.9.…… ……
(34) Ministére de l'economie, des finances, et de l'industrie, France, 1998, p.4.
(35) Politique économique 2001, Ropport economique , social et financiér du Gouvernment Francais, 2001, p.13.
(36) Germain (Michel): L'intanet l'intranet, Economica, 1998, p..8.
(37) O.M.C.: Le Commerce electronique et le role de l' O.M.C, op.cit.,p.36.
(38) Hart (Robert), Ruffell (Robin) : Moins d'heures pour plus d'emplois, Economie internationale, No 85, 2000, p.35.
(39) O.M.C.: Le Commerce electronique, op.cit.,p.22.…… …
(40) Mayére (Anne) : Pour une economie de l'information, edition du CNRS, 1990, p.217.
(41) Lorentz: New opportunities in electronic Commerc, op.cit.,p.3.
(42) Ministére de l'economie, des finances, et de l'industrie, 1998, p.1.
O.M.C.: Le Commerce electronique ..., op.cit.,p.23.
(43) Germain (M.): L'intanet l'intranet, op.cit.,p.1.………
(44)L'innovation Dans les services, association National de la recherche technique, Economica, 1999, p.20.
(45)La nouvelle Donne du commerce électronique , op.cit.,p.14.…(7/50)
(46)Lipsey (Richard), Steiner (Peter) and purvis (Douglas): Economics, New York, 1984, pp. 62 -68.
(47)O.M.C.: Le Commerce electronique ..., op.cit.,p.21.
(48) سليه (فرنسوا) : "الأخلاق والحياة الاقتصادية "ترجمة د.عادل العوا, منشورات عويدات باريس 1989,ص601.
(49)O.M.C.: Le Commerce electronique ..., op.cit.,p.20.
(50)Krugman (Paul R.),.Obstfeld (Maurice) : Economie international , De Boek université 1995, p.8.
(51) O.M.C.: Le Commerce electronique et le role de l'O.M.C., op.cit.,p.39.
(52) Politique économique 2001, op.cit.,p.36.…………
(53) O.M.C.: Le Commerce electronique ., op.cit.,p.39.………
(54) O.M.C.: Le Commerce ... ., op.cit.,p.40.…… …
(55) Bochurberg : Internet et Commerce électronique, op.cit., pp.199- 200.…
(56)O.M.C: Le Commerce éléctronique..., op.cit.,p.35.…
(57)O.M.C: Le Commerce éléctronique..., op.cit.,p.35.………
(58)Ibid,p.35.………………… ……
(59)Yesil: Creating the virtual store, op. cit., p. 218.
(60) Kennedy: The Internet , op.cit.,p.11.
(61) O.M.C: Le Commerce éléctronique..., op.cit.,p.35.… ……
(62) Ibid,p.36.………………
(63) Innovation et Croissance, Ropport: Robert Boyer et Michel Didier, 1998,p.11 et s.
Germain (Michel): L'intanet L'inranet,Economica, 1998, p.13 ets.
(64) La Nouvelle Donne Du Commerce électronique, op.cit.,p.48.………
(65) سورة الأنبياء:92.
(66) سورة الحجرات:10.
(67) سورة التوبة :71.
(68) سورة الفتح :29.
(69) سورة الانفال :75.
(70) النووى: رياض الصالحين , مكتبة الكليات الأزهرية جـ1,ص153(الحديث متفق عليه).
(71) رواه مسلم , المرجع السابق جـ1,ص92.
(72) د.منى قاسم : الاصلاح الاقتصادى في مصر , الدار المصرية اللبنانية,1998,ص171.(7/51)
(73) ندوة إعادة تدوير الأصول العربية المستثمرة في الخارج ,ندوة عقدت بالكويت خلال الفترة 1-3 أبريل 1989, الكويت 1990, ص231.
(74) يقدر البعض الأموال المصرية -فقط- بالخارج بحد أدنى 40 مليار دولار وبحد أعلى 100 مليار دولار . جاء هذا في تعقيب د. محمود الامام -وزيرالتخطيط السابق-على محاضرة أ. عبد الوهاب على التمار في ندوة إعادة تدوير الأموال العربية المستثمرة في الخارج مرجع سابق,77.
(75) يوسف القرضاوى:"فقه الزكاة ", مؤسسة الرسالة,1977,جـ2,ص756.
(76) Cahiers De Droit Fiscal International ,studies on International Fiscal law,vol LXX III b, Deuxieme sujet, library of Congress, 1988,p.20 et s.
??
??
22 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
التجارة الإلكترونية ومدى استفادة العالم الإسلامي منها 21(7/52)
الثورة والثروة في خصخصة القطاع العام
لدولة الكويت
ورقة عمل تتناول بالتحليل والنقد والتقويم قضية خصخصة المشروعات العامة في العالم العربي
(الكويت كنموذج )
مقدمة إلى المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي
الذي تعقده جامعة أم القرى - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
في مكة المكرمة- المملكة العربية السعودية
المستشار / ناصر محمد المصري
دولة الكويت
(طبعة تمهيدية)
مخلص البحث
تعتبر ظاهرة خصخصة القطاع العام من أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني خاصة والمجتمع عامة نظراً للآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عن تلك الظاهرة التي تشهدها العديد من البلدان ومنها دولة الكويت .
وتكمن أهمية هذه الورقة في إنها تستهدف دراسة ظاهرة الخصخصة في دولة الكويت بشكل معمق ينفذ إلى حقيقة الظاهرة محدداً شروط تطبيقها، مستعجلاً نتائجها حرصاً من الباحث على حماية الأغلبية الساحقة من المواطنين الذين قد لا يستفيدون من إيجابيات الخصخصة بقدر ما تستفيد منها القلة التي تمتلك .
وسوف يستعرض الباحث عدداً من المشروعات التي يرى خصخصتها بالطريقة التي يرجع عائدها على الأغلبية من المواطنين والمقيمين الذين سيتملكون المشروع مع الموظفين والعاملين في تلك المشروعات وغيرهم بحيث تبقى أغلبية الأسهم لصالحهم إن لم تكن كلها.
ومن هذه المشروعات (خصخصة المدارس الحكومية، وخصخصة المستشفيات والمراكز الصحية، وخصخصة كليات جامعة الكويت ومراكزها العلمية، والهيئة العامة للتعليم التطبيقي، وخصخصة مراكز الشباب والأندية الرياضية، وخصخصة محطات الوقود وخصخصة معهد الكويت للأبحاث العلمية ) بهدف التخفيف من معاناة المواطنين، مما ينعكس أثره إيجاباً على الاقتصاد الوطني بصفة خاصة والمجتمع الكويتي في حاضره ومستقبله .(8/1)
وانطلاقاً من مشكلة الدراسة ( الثورة والثروة في خصخصة القطاع العام لدولة الكويت )فإن الباحث يطرح عدداً من التساؤلات حول طبيعة الخصخصة التي ينشدها، والعوامل التي دفعته للتأكيد على هذا الشكل من الخصخصة والذي يتناقض مع تجربة الخصخصة التي تشهدها العديد من الدول والتي يخشى الباحث أن تنزلق الكويت إليها فتنتقل مشروعات القطاع العام من الحكومة إلى يد القلة التي تملك على حساب الأمة التي لا تملك !! .
أخيراً فإن هذا البحث يستهدف بيع القطاع العام إلى الموظفين العاملين في وزارات الدولة المختلفة وهيئاتها الحكومية، بحيث يباع القطاع الحكومي أولاً للعاملين فيه ولنقاباتهم المهنية ثم للاتحاد العام لعمال الكويت فإتحاد الجمعيات التعاونية ثم لجمعيات النفع العام ومؤسسات المجتمع المدني ثم الاكتتاب العام فالمستثمر الأجنبي وعلى مراحل قد تصل إلى 15 عاماً بحيث تبدأ الحكومة الكويتية بالتخلص التدريجي من فائض الموظفين فيها إلى أن تصل تقريباً إلى 25% منهم أو إلى العدد المناسب لأداء العمل الحكومي في بعض الوزارات بيسر وسهولة وهو أمر تحدده دراسات الجدوى والعائد من تلك الخدمات .(8/2)
وبالتالي فإن هذا البحث يدعو إلى بيع القطاع الحكومي للعاملين فيه مستهدفاً الخفض التدريجي في أعداد الموظفين الكويتيين والمقيمين في القطاع الحكومي، والتخلص أيضاً من عبئهم المالي على المال العام، وإعادة النظر في سياسات الأجور المتبعة حالياً في القطاعين العام والخاص بحيث يخفض الأول رواتبه وامتيازاته، ويزيد الثاني رواتبه وامتيازاته وضماناته، بناءً على قدرات الموظف وإنتاجيته وليس على أساس جنسيته .حيث بلغت أعداد الموظفين والموظفات في وزارات وهيئات ومؤسسات الدولة التي تدعو هذه الدراسة إلى تخصيصها عن طريق بيعها التدريجي للعاملين فيها ولنقاباتهم المهنية ثم للاتحاد العام لعمال الكويت فاتحاد الجمعيات التعاونية ثم لجمعيات النفع العام ومؤسسات المجتمع المدني ثم الاكتتاب العام فالمستثمر الأجنبي إلى 105535 ( مائة وخمسة آلاف وخمسمائة وخمسة وثلاثون ) موظفاً وموظفة دون الأعداد المتوقع دخولها من العاملين في محطات البنزين وجهات حكومية وشبه حكومية أخرى، قد تصل بالرقم المتوقع لأعداد الموظفين إلى حوالي 170 ألف موظف وموظفة وهو رقم يساوي أكثر من 50% من أعداد الموظفين الحكوميين . أي أن نصف ميزانية الدولة التي تتراوح بين 5 إلى 7 مليارات دولار سنوياً يمكن توفيرها عندما يتم تحويل أولئك الموظفين للقطاع الخاص أو التعاوني أو التطوعي ....إلخ .(1)
وينتهي الباحث من خلال خصخصة كل مشروع إلى عدد من النتائج والمقترحات التي يراها مناسبة لترشيد القرار في دولة الكويت بحيث لايتخذ أي قرار في مجال الخصخصة إلا إذا كان يضمن مصلحة الأغلبية الساحقة من المواطنين حماية لهم من الاحتكار و سيطرة القلة التي تملك، مؤكداً على أن الصراحة والوضوح والغيرة على مصلحة الوطن، فضلاً عن الاستفادة من وقائع التاريخ هي التي دفعته لطرح هذه الحلول العملية التي تثري التنمية وتقوي الاقتصاد وتحمي المجتمع في حاضره ومستقبله بإذن الله .
( ( ((8/3)
أولاً : مقدمة
حظي مصطلح الخصخصة بحديث كثير من بعض أصحاب المصالح الذين يدعون إلى ضرورة نزع ملكية القطاع العام وأيلولته إليهم باسم المصلحة العامة حيث لا معنى على الإطلاق من بيع مشروع عام إذا كان المشروع ناجحاً ومدراً مالياً ويدار على أساس اقتصادي سليم حيث ستخسر الدولة تلك الفوائض التي كانت تتدفق سنوياً من تلك المشاريع العامة الناجحة . بل أن تلك الأرباح التي خسرتها هي، وربحها المستثمرون الجدد أصبحت معفاة من الضرائب لفترات زمنية طويلة باسم تشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي وبالتالي ستفقد الخزينة العامة الضرائب المتوقعة من تلك الأرباح.
ولقد تبين لكل عاقل رشيد من خلال الاطلاع على بعض تجارب الخصخصة العربية والدولية أن العديد من الوعود كانت سراباً، وكانت بعض مشروعات الخصخصة ضارة بالقدرات المالية والاقتصادية للمواطنين وأدت إلى زيادة الفروق الطبقية بوجود فئة قليلة تملك على حساب من لا يملك!!.
إن بيع القطاع الحكومي هكذا وبدون خطة واضحة تستهدف استثمار أموال التخصيص وإيجاد فرص عمل لأبنائنا سيولد عجزاً إضافياً في الميزانية العامة للدولة، حيث ستفقد الأرباح والعوائد الضريبية، إضافة إلى زيادة هائلة في أعداد المسرحين والعاطلين عن العمل بكل أشكالهم، المطرودين قسرياً أو المتفاهم معهم مقابل مبلغ ما ليتركوا وظائفهم .(8/4)
وكذلك سيولد بيع القطاع الحكومي زيادة في أسعار السلع والخدمات، وسقوطاً لبرامج حماية المستهلك على مستوى الدولة، وظهوراً للاحتكارات الخاصة الفئوية، وربما عودة لتملك الأجنبي لقدرات الدولة وإمكاناتها وللثروة الوطنية والعائد منها . وما سيصاحب ذلك من سيطرة على الدخل القومي، وإملاءً للشروط على المجتمع الكويتي حكومة وشعباً. إضافة إلى أن بيع القطاع الحكومي بدون ضوابط متفق عليها هو تكوين للثروات غير المشروعة من جراء التحكم في الأسعار أو بشراء الذمم من جانب، وانتشارٌ لظاهرة الفساد الإداري من جانب آخر .
فإذا كانت الخصخصة تعني عند من يريدها الكفاءة في الإدارة والتشغيل والتخلص من البيروقراطية، أو كانت تعني إدارة للمشاريع الحكومية من قبل القطاع الخاص، أو كانت تعني تأجير وحدات الإنتاج على أن يتم تقاسم الأرباح، أو كانت تعني الغلق وتصفية المشاريع الحكومية الفاشلة وبيع أصولها، أو كانت تعني المشاركة، أو كانت تعني تنفيذ الخدمات العامة، فإنها بالنسبة للباحث على الأقل ولكل عاقل رشيد تعني تمكين القلة من مقدرات الكثرة، وتعني القضاء على مصالح الأمة، وتعني ظهور دولة الأغنياء داخل دولة الفقراء . وإذا كانت الخصخصة تعني كل تلك التعريفات بخيرها وشرها، فإن الأولى أن تُسلم أو تؤجر أو تباع تلك المنشآت على أصحابها الحقيقيين، (من العامة والموظفين والنقابيين) ولا تمنع الخاصة من الاستثمار فيها (شريطة ألا تكون لهم الغلبة )حيث يستطيعون شراء ما يشاءون من أسهم ويستطيعون استثمار ما يشاءون من أموال إلا أنهم لن يمتلكوا إلا صوتاً واحداً فقط مهما تعددت أموالهم وأسهمهم أو أن لهم سقفاً أعلى من الأسهم لا يمكن تجاوزه ولا يمكنهم عن طريقه السيطرة به على المنشأة، ولهم العائد الكامل من ربح أسهمهم وأموالهم، شأنهم في هذه المشاريع شأن المساهمين في الجمعيات التعاونية .(8/5)
إن الخصخصة القادمة تعني تدهور معيشة الأغلبية الساحقة من أهل الكويت وارتفاع معدلات التضخم وزيادة البطالة وتعطيل الطاقات البشرية والاقتصادية والمالية للدولة وتوقف برامج الاستثمار الحقيقي وتدهور معدلات النمو الاقتصادي وتعرض الكويت لقلاقل واضطرابات سياسية وأمنية، وسينتهي الحال إلى انتقال صناعة القرار من الأمة إلى القلة ثم من الدولة إلى الأجنبي .
فخصخصة المشاريع العامة في دولة الكويت ما هي إلا جهدٌ يقوم على اختلال كبير بين مستثمرين اقتصاديين منظمين، وقوى اقتصادية صغيرة، هزيلة، ضعيفة، غير منظمة ومبعثرة مختلفة المشارب والأهواء . الأمر الذي سيجعل من (التخصيص بالرغم من مبادئه السامية والأهداف الحقيقية منه ) مرآة تعكس وربما تكرس الانقسام الطبقي في المجتمع الكويتي، بين قلة ثرية تملك وتزداد ثراءً، و كثرة فقيرة أو متوسطة الدخل لا تملك وستزداد فقراً وبؤساً وتشرذماً .
ويجزم الباحث بأن تلك القلة الثرية القوية ستجد من السبل والإمكانات والوسائل والذرائع والحجج خصوصاً باسم ما يسمى بالمصلحة العامة، ما يجعلها ويمكنها من التنصل من التزاماتها. وستفرغ تلك المبادئ من مضامينها وفقاً لمصالحها، وسيتم الضغط على تلك الكثرة من الضعفاء المبعثرين وتهديدهم لتنفيذ ما يترتب عليهم من التزامات، وما الأزمات المتلاحقة كأزمتي المناخ الأولى والثانية وأزمة المديونيات الصعبة ببعيدة عن ذاكرة المواطنين الكويتيين .
ثانياُ : تحليل الموضوع ( تشخيص المشكلة أسباباً وعلاجاً )(8/6)
إن الباحث لا يرى في برنامج التخصيص المزمع تطبيقه - حسب أوضاع دولة الكويت الحالية، وبدون أي تغيير، يمكّن الكثرة من إدارة ممتلكاتها وأموالها بطريقة أفضل، تتمتع فيها بالحقوق واحترام الواجبات -، إلا عملية ذات عائد سلبي اقتصادياً واجتماعياً ومالياً وسياسياً وقانونياً ساحقاً ضد الطبقة الوسطى، بالذات وبقية أفراد المجتمع الكويتي من ذوي الدخل المحدود ( فمن يمتلك المال والسطوة السياسية يمتلك كل شيء ومن لا يمتلك اقتصاد الحرب فلن يستطيع شنها أو الاستمرار فيها ) . وليس أمامنا إلا القبول بسياسة الأمر الواقع، الذي تحاول أن تصوره لنا بعض القوى السياسية والفعاليات الاقتصادية بأنه حقيقي وواقعي، ولا بد من الاعتراف بالواقع المرير والقبول به والقبول بخدمة أولئك المستثمرين وتطوير قدراتنا لخدمتهم هم ومجموعاتهم . وليس لخدمة قدراتنا ومجموعاتنا والعيش دائماً على الهامش وعلى الكفاف.(8/7)
وكنتيجة طبيعية لتعثر سياسات التنمية وتجاربها في دولة الكويت، والتي أدت إلى زيادة حدة البطالة بشقيها السافرة والمستترة، وأخرجت قدرات بشرية ( في معظمها ) لا تستطيع الدخول في المنافسة الدولية ولا التوافق مع اشتراطات العولمة والتجارة العالمية، وعمقت الفقر، وخلخلت الطبقة الوسطى،فإن الباحث يدعو إلى نموذج مختلف عما هو مطروح باسم التخصيص ويحقق متطلبات التنمية والمنافسة المشروعة ويهدف إلى زيادة الخيارات المتاحة للمواطنين والمقيمين، بحيث تقوم عملية التنمية على أسس المشاركة والعدالة المستدامة، وتمكين لقدرات وحريات المساهمين في برامج التخصيص . واضعين بعين الاعتبار أن البطالة شيء طبيعي ومتوقع في حياة البشر وأن هدفنا كمجتمع حكومة وشعباً هو الوصول إلى مرحلة التشغيل الكامل وأن مبدأنا هو التكافل بحيث يعطي الغني حق الفقير ويعيل العامل العاطل إلى أن يعمل وهكذا . ولا نتوقع من قطاع خاص صغير في مجتمع محدود كالكويت أن يولد فرص عمل للذين يعملون في القطاع الحكومي أو حتى توفيره لفرص عمل للشباب الذين يدخلون سوق العمل لأول مرة، فضلاً عن أن البطالة في مجتمعنا هي انعكاس لضعف التأهيل العلمي والتقني مما يعني أنه بقدر ما توجد أنظمة لحماية العاطلين اجتماعياً توفر الحد الأدنى لمعيشتهم في بلدان العالم المتقدمة، فإنه يوجد لدينا أيضاً في دولة الكويت أنظمة توفر الحياة الكريمة للمتعطلين الحقيقيين تنبع من إرساء مبادئ التكافل الاجتماعي والزكاة والوقف والصدقات والهبات والمعاشات الاجتماعية لغير القادرين والمأخوذة أصلاً من المال العام ومن الضرائب المفروضة على القادرين ومن زكاة وأوقاف المسلمين .(8/8)
وبمعنى آخر أنه في سبيل المحافظة على هذا الوطن لا يمكننا إخضاع السوق المحلية والمصالح الوطنية والحقوق الاجتماعية للمواطنين والمقيمين لمصلحة قلة تملك أو شركات أجنبية متعددة الجنسيات عن طريق وكلائها في الكويت، بل يجب أن يخضع الجميع مواطنين ومقيمين، حكاماً ومحكومين، قلة وكثرة، لنداء العقل والمصلحة الوطنية وسيادة القانون والدستور ومبادئ الشريعة الإسلامية واحترام حقوق الإنسان .
وإذا أردنا الحديث عن تطوير البناء الاقتصادي لدولة الكويت فلا بد من إعادة هيكلة الموارد البشرية والمالية الموظفة فيها، وبالتالي بدلاً من الاستغناء عن فائض العمالة الوطنية والمقيمة فإنه يمكننا إعادة تمليك المنشآت الحكومية بطرق مختلفة عن ما يسمى بالخصخصة والتي تعنى بالنسبة للباحث على الأقل(القلة الممتلئة مالياً مقابل الكثرة التي تملك أكثر لكنها غير منظمة)، بحيث تتحول ملكية المنشآت الحكومية القائمة إلى ملكية مشتركة بين الحكومة والباقي للعاملين فيها ونقاباتهم المهنية والاتحاد العام لعمال الكويت واتحاد الجمعيات التعاونية وجمعيات النفع العام ومؤسسات المجتمع المدني بالتعاون مع الشريك الأجنبي الذي يمتلك التكنولوجيا القابلة للنقل والتوطين في دولة الكويت .
فالباحث يُقر من حيث المبدأ أن معظم القدرات البشرية الكويتية غير مؤهلة تأهيلاً علمياً وتدريبياً جيداً . ولا تستطيع أن تنافس بسهوله، ويُقر أيضاً بأن تجربة القطاع الحكومي في سياسة التوظيف كانت غير ملائمة حيث رواتب تدفع إلى أشخاص لا نحتاجهم مقابل عمل لا يؤدى . ويُقر أيضاً بأن العمل في القطاع الخاص يحتاج إلى جلد وصبر والتزام نفتقده، فلم نعد كما كان آباؤنا الأولون الذين خاضوا البحار والصحارى بحثاً عن لقمة العيش . وقد حذرنا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال بما معناه " إخشوشنوا فإن الترف يزيل النعم " .(8/9)
فبالرغم من الحديث المكرر والمعاد عن وجوبية ( الخصخصة ) التي لا يجد لها الباحث معنى في هذه المرحلة بالذات من تاريخ الكويت إلا ( السيطرة والاحتكار والجشع والطمع ) فإن كل معطيات الواقع تقول أن القاعدة الشعبية ليست بقادرة على الاستفادة من تجربة الخصخصة وشراء أسهم الشركات الحكومية المطروحة للبيع بسبب قلة السيولة المالية، باعتبارها الوسيلة الأساسية للاستثمار، إضافة إلى أن المردود من التخصيص لم يتجه إلى التغيير الحقيقي في البنية الاقتصادية الكويتية لتصبح الغلبة فيه للكثرة ويسود مبدأ التكافل والاستثمار التعاوني في دولة الكويت.
وبالتالي فإن الطريق لإنقاذ الكويت هو توزيع الثروة بطريقة عادلة يتساوى فيها الجميع، بحيث يتملك الموظفون والعمال الذين شيدوا القطاع العام بعرقهم وجهدهم وتعبهم ودمهم على مدى سنوات طوال جزءاً كبيراً من هذه الثروة، وذلك على شكل أقساط شهرية تدفع من رواتبهم لشراء أسهم تلك المؤسسات الحكومية، إضافة إلى استخدام اشتراكاتهم الشهرية الموجودة في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ومدخراتهم لدى البنوك لشراء أسهم مؤسسات القطاع العام .
كذلك لا بد من توسيع قاعدة الملكية باعتبارها الضمانة الحقيقية لنجاح برنامج الخصخصة ولإمداد بورصة الكويت للأوراق المالية بروافد استثمارية جديدة تجذب شرائح من المتعاملين كانوا في يوم من الأيام بعيدين كل البعد عن هذا المجال، وذلك للانخراط في آليات ذلك السوق بعد إعدادهم وتجهيزهم وتدريبهم حتى لا يقعوا ضحايا للمضاربة، وليصبحوا بمثابة صناع لسوق الأسهم وبالذات أسهم مؤسساتهم المخصصة ليعززوا بذلك قدرة أسهمهم على المناورة والصمود أمام تقلبات عمليات التداول .(8/10)
وفكرة الباحث في التخصيص هي نقل ملكية جميع وزارات ومؤسسات ومنشآت الدولة العامة إلى موظفيها أولاً، ثم نقاباتهم المهنية واتحاداتهم العمالية فالجمعيات التعاونية، ثم إلى بقية أفراد المجتمع الكويتي مواطنين ومقيمين، ثم إلى المستثمر الأجنبي، بحيث يبدأ الموظفون أولاً بشراء أسهم تلك المؤسسات الحكومية بسعر أقل من سعرها الحقيقي وعلى أقساط شهرية قد تمتد إلى سنوات تتراوح بين عشر إلى 15 عاماً، إضافة إلى تمويل ذلك التحويل - لو احتاج الأمر إلى ذلك - مقابل فوائد بسيطة تتراوح بين 3 إلى 5% ترجع إلى صندوق دعم مشروعات القوى العاملة الوطنية والذي يجب أن يتحول إلى مصدر مالي هام جداً لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة داخل الكويت وخارجها حتى لا نقع مرة أخرى في شرك وجوبية توفير الوظيفة للمواطن فقط بسبب أنه كويتي .
وبذلك يتحول الموظفون والعمال إلى ملاك حقيقيين لوزاراتهم ومنشآتهم التي كانوا يعملون بها من تاريخ موافقتهم على شراء تلك المؤسسات مقابل تدخل الدولة في مساعدتهم وتدريبهم وتعليمهم على فنون الإدارة ونقل التكنولوجيا وتوطينها عن طريق الاستفادة من وجود الشريك الأجنبي .شريطة إعطاء أولئك الموظفين المساهمين حق بيع أسهمهم فور اً وبدون أي مانع حتى لا يفقد السهم أهم خاصية له وهي خاصية التداول .(8/11)
ولمنع أي احتكار أو مضاربة تأتي من القلة التي تملك فيمكننا أن نحدد لحامل الأسهم بغض النظر عن عددها صوتاً واحداً فقط أو سقفاً أعلى لعدد الأسهم لا يمكن تجاوزه إضافة إلى أن أي عملية بيع تتم لتلك الأسهم يدفع عنها رسوم للحكومة تفرض على شكل ضريبة دخل مستمرة ومتصاعدة مع عمليات البيع، شريطة أن تدخل تلك الرسوم والضرائب المتأتية من عملية البيع في صندوق دعم مشروعات القوى الوطنية العاملة .كذلك فإنه يجب تشجيع عملية الانتماء لدى العاملين في المنشآت التي ترغب الحكومة الكويتية بتخصيصها عن طريق ربطها بالفائدة التي سترجع على العاملين من عملية البيع والتخصيص .
وعند قراءة الإصدار العشرون للسمات الأساسية للسكان والقوى العاملة الصادر من وزارة التخطيط / اكتوبر2002 الجدول رقم (15-1) قوة العمل الكويتية (15 سنة فأكثر حسب قطاع العمل والحالة التعليمية والنوع في 30/6/2002 سنجد أن :-
1) 76.17% من إجمالي العاملين الكويتيين في القطاع الحكومي وعددهم 236270 ألف موظف وموظفة بدون مؤهلات أو حملة مؤهلات دنيا (الشهادة الابتدائية المتوسطة) أو مؤهلات متوسطة (الثانوية العامة ) .
2) 69.58% من إجمالي العاملين الكويتيين في القطاع الخاص وعددهم 14502موظف وموظفة بدون مؤهلات أو حملة مؤهلات دنيا أو متوسطة .
3) 54.47% من إجمالي الكويتين في القطاع المشترك وعددهم 459موظف وموظفة بدون مؤهلات أو حملة مؤهلات دنيا أو متوسطة .
4) 92.32% من إجمالي العاطلين الكويتيين وعددهم 7214 عاطل هم بدون مؤهلات أو حملة مؤهلات دنيا أو متوسطة .
5) 76.22 % من إجمالي قوة العمل الكويتية وعددها 258480 ألفاً بدون مؤهلات أو حملة مؤهلات دنيا أو مؤهلات متوسطة .
كذلك سنجد أن : -
1- إجمالي نسبة قوة العمل الوطنية البالغة (258540 ) فرداً إلى إجمالي قوة العمل في دولة الكويت البالغة (1320156) هي 19.58% .(2)(8/12)
2- نسبة قوة العمل الوطنية في القطاع الخاص البالغة (14511) فرداً من إجمالي قوة العمل فيه البالغة (653859) فرداً هي 2.22% .(3)
3- نسبه قوة العمل الوطنية في القطاع الحكومي تبلغ 91.40% من إجمالي القوى العاملة ولا تزال في تزايد مستمر بمعدل نمو قدره (5.5% )سنوياً حيث ارتفع عدد الكويتيين والكويتيات العاملين في القطاع الحكومي من 217285 ثم 229203 فرداً إلى 236307 موظفاً وموظفة (4) ووصلت جملة قوة العمل في القطاع الحكومي (كويتيين وغير كويتيين ) إلى 326907 موظفاً وموظفة.
4- تُشكل قوة العمل الوطنية في القطاع المشترك والبالغة 460 فرداً نسبة 14.30% من إجمالي قوة العمل البالغة 3216 فرداً .
5- لم يستوعب القطاع الخاص سوى 5.6% من جملة قوى العمل الوطنية خلال الفترة من ديسمبر 2000 إلى ديسمبر 2001 بينما ستبدأ هذه النسبة في الارتفاع بعد تطبيق قرار مجلس الوزراء الكويتي بشأن تحديد نسب العاملين الكويتيين في القطاع الخاص .(5)
6- يشكل الكويتيون فيه 37.43% بينما يشكل غير الكويتيين ( العرب والأجانب وغير المحددي الجنسية ) فيه 62.57% من الوزن النسبي لعدد السكان في دولة الكويت البالغ في 30/6/2002 ( 2363325) منهم 884550 كويتييونو 1478775غير كويتيين .(6)(8/13)
وبالتالي فإن العاطلين وحتى العاملين من الكويتيين لا يملكون المؤهلات اللازمة للحصول على فرصة عمل، وبالتالي كان من المنطقي أولاً حصولهم على مؤهل علمي قبل قيامهم بالبحث عن عمل . وهذا يعني أن كل برامج التعليم والتدريب التي قامت بها دولة الكويت خلال 42 عاماً من إنشائها، وصرفت عليها مليارات الدنانير، لم تفلح بإعداد جيل قادر بمؤهلاته العلمية وقدراته التدريبية أن يحصل على فرصة عمل، وبالتالي وجب إعدادهم مرة أخرى، وتأهيلهم لمتطلبات العمل والعولمة والمنافسة المحلية والدولية قبل دخولهم سوق العمل، وهذا معناه المزيد من الصرف من المال العام، الذي يجب أن يقابله التزام مادي ومعنوي من المواطن أمام دولته، الأمر الذي يدفعنا إلى إعادة النظر في تعريف البطالة فالبطالة في نظر الباحث هي :- ( وجود شخص مؤهل تأهيلاً علمياً وتدريبياً جيداً وفق متطلبات السوق المحلية يبحث عن عمل ولا يجده )، أما غير ذلك فلا يعتبره الباحث عاطلاً بل هو عالة على المجتمع، تسببت الدولة وأنظمة التعليم والتوظيف الحكومية في وجوده، وتسبب هو أيضاً في ذلك شخصياً، وبالتالي وجب عليه إكمال مؤهلاته بما يتناسب واحتياجات السوق المحلي والإقليمي و متطلبات العولمة والمنافسة الدولية.(8/14)
أما الحديث عن إيجاد فرص عمل للكويتيين في القطاع الخاص فهو حديث ذو شجون، فلا حجم ولا واقع ولا مواصفات ولا قدرات ولا متطلبات القطاع الخاص، في ظل الأوضاع الحالية ، تستطيع استيعاب كل هذه الأعداد من الكويتيين المتخصصين أصحاب المؤهلات العليا، فما بالكم بالكويتيين الذين لا يمتلكون مؤهلات أصلاً أو مؤهلات غير متناسبة واحتياجات القطاع الخاص، وبالتالي فإن جميع ما يطرح من أحلام وآمال لاستيعاب الكويتيين في القطاع الخاص هو طرح غير واقعي وغير صحيح . وما محاولة بيع القطاع العام للقطاع الخاص، باسم المصلحة العامة، إلا محاولة جديدة لإهدار المال العام، فلا القطاع الخاص مؤهل ولا هو بقادر على استيعاب العمالة الكويتية، ولا العمالة الكويتية في معظمها قادرة على العمل في القطاع الخاص أو مؤهلة للعمل به أو حتى ترغب في العمل فيه .
فالكويت بحاجة إلى ثورة حقيقية في المالية العامة، تستهدف الارتقاء بمستوى معيشة الناس، وتحقيق مهمات التنمية الاقتصادية . صحيح أن هنالك إنفاقاً عاماً، لكنه غير واضح الهدف، تقابله إيرادات عامة لا تساوي ثمن الخدمات المؤداة، وبالتالي فإن الباحث من أنصار الداعين إلى نمو الإنفاق العام، الواعي والمدرك لقدرات وإمكانات الدولة وتوجهاتها العامة، وبرامجها في استثمار أموال الإنفاق من جهة، وضرورة نمو الإيرادات العامة من الخدمات المقدمة لأفراد المجتمع الكويتي مواطنين ومقيمين من جهة أخرى .
فالإنفاق العام يجب أن يكون هو المضخة الأساسية في التنمية، وهو الوسيلة لتحقيق الرفاه الاجتماعي والعدالة الإنسانية والاستقرار السياسي والإنماء الاقتصادي، والدفع باتجاه رفع معدلات نمو الإنتاج، والدخل القومي، والتوظيف، وتجنب مشكلات البطالة، وحالات الإفلاس والركود التضخمي ( تعاصر الكساد والبطالة والتضخم في آن واحد في إطار الركود الاقتصادي وجمع ناتجهم من خلال مؤشر الاضطراب الاقتصادي (Discomfort -Index) .(8/15)
وتتعدد الأسباب الكامنة وراء العجز المتفاقم في الموازنة العامة لدولة الكويت ويذكر الباحث منها على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر :-
1- توسع الجهاز الإداري الحكومي، وما واكب ذلك من نمو في حجم العمالة الحكومية الكويتية وغير الكويتية، لا تحتاجها الدولة حقيقة، والأجور المبالغ فيها والمدفوعة لها مقابل أعمال لا تؤدى.
فعند إخضاع القطاع الحكومي لتشريح دقيق سنجده يعمل على تشغيل ما يقرب من 326867 ألف موظف وموظفة كويتيين وعرب وأجانب (7) ، والعدد لايزال في ازدياد، خصوصاً في ما يتعلق بتشغيل الكويتيين والكويتيات . مع العلم أن القطاع الحكومي لا يحتاج إلى هذا الكم الهائل من الموظفين والموظفات، بالإضافة إلى تأثير تلك التعيينات على المال العام، حيث يصل مجموع تكلفة رواتبهم إلى ما يقرب من 5 مليارات دولار، ومتوقع وصوله إلى 7 مليارات دولار سنوياً خلال السنوات القليلة القادمة .(8)
فلا زال القطاع الحكومي الكويتي يقوم بدور فعال في الاقتصاد الكويتي فيما يتعلق بسوق العمل، فهو يستوعب حوالي 25.7% من إجمالي قوة العمل وحوالي 93.8% من قوة العمل الكويتية كما أن الرواتب والأجور تشكل 28.3% من جملة الإنفاق الحكومي، وذلك وفقاً لقاعدة المعلومات الاقتصادية والمالية للمصرفيين الصادرة من معهد الدراسات المصرفية / في دولة الكويت / وحدة البحوث لعام 2002 ص 120 - جدول 12 - Table 3 - التصنيف الاقتصادي للإنفاق الجاري بميزانية دولة الكويت، وكذلك وفقاً للميزانية العامة لدولة الكويت لعام 2003 / 2004 والمنشورة في صحيفة القبس الكويتية ص 22 .(8/16)
حيث تدفع تلك الأجور لعمالة في معظمها فائضة لا يحتاجها القطاع الحكومي، ومقابل عمل في معظمه لا يؤدى، إضافة إلى أن تلك الأجور أصلاً مبالغ ٌ فيها إذا ما قورنت بالقطاع الخاص، حيث لا توجد علاقة بين الأجر وبين الخصائص والقدرات الشخصية للموظف كالتعلم والخبرة والقدرة .. إلخ ) ذات الصلة بالإنتاجية، ولا علاقة لقوى السوق (العرض والطلب) في تحديد مستويات الأجور في القطاع الحكومي.
وبالتالي فإن تلك الأجور المبالغ فيها وتلك الأعداد الفائضة من الموظفين وتلك الإنتاجية المتدنية تساهم في تضخيم الأجور والمرتبات والبدلات المؤدية إلى العجز في الموازنة العامة للدولة .
نخلص إلى أن سياسات المغالاة في أجر الموظف الحكومي، أدت إلى سوء توزيع القدرات والموارد البشرية الوطنية والمقيمة فازدادت أعداد المواطنين في القطاع الحكومي، وأعداد الوافدين، من عرب وأجانب في القطاع الخاص، بسبب سياسات التفرقة في الأجور والتعيين والمعاملة والترقية بين الكويتي وغير الكويتي .
2- تزايد النفقات العسكرية خصوصاً بعد تحرير الكويت من براثن الغزو العراقي، حيث اعتمد مجلس الوزراء ومجلس الأمة ميزانية إضافية، سُميت بميزانية التعزيز العسكري بمبلغ 12 مليار دولار لمدة 10 أعوام من 91 - 2001 ولازالت مستمرة، وذلك بالإضافة إلى ميزانية وزارة الدفاع أصلاً، وما سيصاحبها من تجديد مستمر للإنفاق العسكري، باسم الدفاع عن دولة الكويت والتي بلغت في ميزانية 2003/2004 625 ( مليون دينار ) (9) و310 مليون دينار لميزانية التعزيز العسكري .
3- تمويل الخدمات الاجتماعية والضمان الاجتماعي وإعانة البطالة وذوي الدخل المحدود، ودعم الماء والكهرباء، والخدمات العامة الأخرى والمحروقات والغذاء ...إلخ و التي تقدر بمئات الملايين من الدنانير سنوياً منها 551.4 مليون دينار مساهمة الخزانة العامة في التأمينات الاجتماعية من الباب الخامس في الميزانية المقترحة لعام 2003 / 2004 .(8/17)
4- لم يواكب ذلك التوسع الهائل في الإنفاق العام، وبالقدر نفسه وربما كان يجب أن يكون أكبر، نمو موازٍ في الإيرادات العامة للدولة كالضرائب والزكاة والرسوم.
5- ظهور حالات من الفساد وسوء الإدارة وإهدار المال العام،وتهميش مناطق معينة مقابل استئثار مناطق أخرى بمقدرات الدولة واهتمامها، وتراكم الثروات غير المشروعة، وازدياد التوترات الاجتماعية والسياسية والأمنية .(10)
6- الصدمات الخارجية الكثيرة، كانهيار أسعار البترول المصدر الحقيقي للدخل في دولة الكويت، والاحتلال العراقي لدولة الكويت وإرهاصاته الاجتماعية والسياسية والتهديدات الأمنية المستمرة للكويت من العراق . إضافة إلى تحديات العولمة والمنافسة الدولية، وتأثيرات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة على سعر الدولار، وعلى قيمة استثمارات دولة الكويت الخارجية، والعوائد المتوقعة منها، وتقلبات أسعار الصرف، والصراع بين الدولار واليورو، وهبوط الطلب العالمي على المواد الخام، وبالذات البترول، وارتفاع أسعار الواردات، وارتفاع أو انخفاض أسعار الفائدة في الأسواق العالمية، وتدهور شروط التبادل التجاري في ظل العولمة كنتيجة طبيعية لاقتصاد محكوم بالنمو والتوسع أو بالانكماش،تابع للاقتصاد الغربي خصوصاً والعالمي عموماً، وقائم على العلاقة بين الفعل
و ردات الفعل بين التابع والمتبوع .
7-الإنفاق المظهري الحكومي وهو ما يتمثل في الهدر غير المبرر والصرف غير الرشيد على بناء المباني الحكومية وشراء الأثاث الفاخر والديكورات والسيارات الحكومية وبدلات السفر والحفلات ...إلخ .(8/18)
وبالتالي فالقضية ليست قضية بطالة، بل القضية قضية توظيف وتوجيه وإدارة واستغلال لقدرات دولة الكويت المالية والنفطية والاقتصادية والإدارية والسياسية والجغرافية وغيرها لخدمة المواطن فيها أولاً، ثم المقيم، لما فيه مصلحة الوطن والأمة والحاكم . ولن يتأتى ذلك إلا بخروجنا من قمقم الكويت وانفتاحنا نحو دول الخليج والعالمين العربي والإسلامي وإعداد أبنائنا وبناتنا لمواجهة متطلبات العولمة والمنافسة الدولية التي تعني التعليم الجيد و التدريب المتميز والمستمر مدى الحياة . وتعنى التأقلم وإعادة التأهيل والإعداد الدائم والمتحرك والنشط .وتعني الجد والاجتهاد والمثابرة وتعني المنافسة الشريفة وتعني وضع الشخص المناسب في المكان المناسب في التوقيت المناسب . وتعني دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة . وتعني دعم المبدعين والمبتكرين والمخترعين وتعني إيجاد فرص عمل لأبنائنا في المشروعات التي تمولها دولة الكويت والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية والصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والبنك الإسلامي للتنمية وبيت الزكاة والأمانة العامة للأوقاف ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي واتحاد الجمعيات التعاونية وجمعيات النفع العام ومؤسسات المجتمع المدني الوطنية والإقليمية والعربية والإسلامية والدولية وغيرهم الكثير الكثير وتعني إيجاد فرص عمل لأبنائنا في المنظمات الدولية المنضمة إليها دولة الكويت وتعني إيجاد فرص عمل لأبنائنا في الأسواق الخليجية والعربية والإسلامية والدولية بأموال دولة الكويت وخبراتها وعلاقاتها المتزنة .(8/19)
ونظراً لاتجاه الدولة ممثلة بالحكومة الكويتية ومجلس الأمة للخصخصة وما سيتبعها من تأثيرات اجتماعية وسياسية واقتصادية ومالية خطيرة على مصلحة البلاد، حيث يتوقع الباحث أن يباع القطاع العام للقلة التي تملك أو للشركات الأجنبية العابرة للقارات باسم المصلحة العامة، فإن مشروع قانون التخصيص سيعاني من مشكلة رئيسية تكمن بين رغبة الحكومة في الاتجاه نحو القطاع الخاص للتخلص من العمالة الزائدة لديها والناتجة من سياسات توظيف خاطئة ومعدلات أجور مرتفعة، وذلك بإلقائها على القطاع الخاص إذا رغب في شراء التخصيص، وبالتالي سيبتلى القطاع الخاص بهذه الأعداد الفائضة عن حاجته والمكلفة مادياً لفترة تتراوح بين 5 و 8 سنوات ثم ستبدأ عمليات التسريح الجماعي والتخلص منهم ليبدأ القطاع الخاص بجني أرباحه وتعويض خسائره، إضافة إلى انشغال الحكومة الكويتية مرة أخرى بإيجاد فرص عمل للكويتيين العاطلين عن العمل .(8/20)
كذلك فإن الكساد الاقتصادي القائم في دولة الكويت، وضعف القدرة الشرائية لدى غالبية المواطنين والمقيمين بسبب ارتفاع تكاليف الحياة عموماً عن مقدراتهم ومداخيلهم المالية، يعني أنه لا توجد سيولة أو وفرة مالية لديهم تمكنهم من الشراء ( شراء أراضي أو عقارات أو أجهزة ومعدات أو حتى شراء الأسهم والسندات في حالة الاكتتاب العام لأي مشروع حكومي سيخصص )، وهذا ما يجب أن تعرفه حكومة دولة الكويت والبنك المركزي، فلا بد من خفض الفوائد ولا بد من الاتفاق على كيفية احتساب سعر الفائدة على الأصل المتناقص مع البنوك الوطنية والشركات المالية . ولا بد من استغلال أموال المواطنين الموجودة في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ودينارهم التقاعدي، والأموال الموجودة لدى الحكومة، لدعمهم مادياً بحيث يتمكنون من شراء التخصيص، ومن أجل توفير مبالغ مالية في أيدي المواطنين والمقيمين لتمكينهم من القدرة على الشراء والإنفاق، الأمر الذي سيساعد في إنعاش الاقتصاد الكويتي وازدهار حركة السوق وعودة النشاط للاقتصاد الكويتي .
ثالثاً : النتائج والتوصيات
أ- النتائج :-
يلفت الباحث نظر السادة متخذي القرار في الحكومة الكويتية ومجلس الأمة الكويتي إلى الأمور التالية :-
1- خطورة نقل تجارب الخصخصة نقلاً نمطياً وعشوائياً بالشكل الذي يجعل المشروعات العامة بين يدي القلة التي تملك على حساب الكثرة التي لا تملك .
2- إن تخصيص هذه المشروعات العامة لصالح الأغلبية الساحقة سوف يقف عائقاً ضد الاحتكار وسيطرة رأس المال .
ب - التوصيات :-
1- ضرورة الدخول إلى عالم الخصخصة برؤية عميقة ودراسات مستفيضة وشروط تعمل لصالح الأغلبية الساحقة من المواطنين الذين لا يملكون.
2- الشكل المفضل والأكثر نفعاً من أشكال الخصخصة والذي نؤكده هو (عملية بيع القطاع العام للمواطنين والعاملين فيه والنقابات ومن في حكمهم ).(8/21)
3- إن بيع مشروعات القطاع العام كالتعليم والجامعة والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والمستشفيات ومراكز الشباب والأندية الرياضية ومحطات الوقود وما في حكمها إلى العاملين فيها أولاً ومن في حكمهم سيخفف العبء على الدولة ويؤدي إلى زيادة الإنتاجية.
4- يأمل الباحث أن يقوم خبراء الاقتصاد والباحثون والمهتمون بتجارب الخصخصة بالإكثار من الدراسات العلمية والأبحاث الاجتماعية المعمقة المرتبطة بالخصخصة، فضلاً عن الاستفادة من التجارب الإيجابية الناجحة ( إن وجدت ) في هذا المجال وذلك بهدف الوصول إلى أفضل شكل وأكمل تطبيق لهذه التجربة الهامة ذات الأثر في حياة الشعوب وبناء المجتمعات شريطة أن يضعوا نصب أعينهم غاية أساسية واحدة تتمثل في أن تستهدف تجربة الخصخصة المصلحة العامة أولاً حتى لا يتغلغل المحتكرون والقلة التي تملك إلى تلك التجربة فتستولي على زبدتها وتمتص رحيقها بحيث تتحول تجربة الخصخصة إلى شكل أكثر منه مضموناً، وإلى مظهر أكثر منه جوهراً .
وبالله التوفيق
المنشآت والهيئات الحكومية المقترح تخصيصها
1- مدارس دولة الكويت الحكومية .
2- مستشفيات وزارة الصحة الحكومية .
3- كليات ومراكز جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب.
4- منشآت الهيئة العامة للشباب والرياضة .
5- محطات الوقود الحكومية .
6- معهد الكويت للأبحاث العلمية .
الهوامش
1. المصدر السابق الجدول المرفق رقم (8) الصادر من وزارة التخطيط ( السمات الأساسية للسكان والقوى العاملة ) .
2. المصدر : جدول رقم (15-4) إجمالي قوة العمل حسب القطاع والجنسية ونسبة الكويتيين في 30/6/2002 وزارة التخطيط / قطاع التخطيط والمتابعة / إدارة التنمية البشرية - السمات الأساسية للسكان والقوى العاملة في 30/6/2002 الإصدار العشرون أكتوبر 2002 .
3. المصدر السابق.
4. المصدر السابق .(8/22)
5. إحصائيات إدارة أبحاث سوق العمل في برنامج إعادة هيكلة القوى العاملة والجهاز التنفيذي للدولة يوليو 2003 .
6. المصدر ( جدول رقم 1-أ ) حجم وهيكل المجتمع السكاني حسب الجنسية والنوع في
30/6/2002 وزارة التخطيط / قطاع التخطيط والمتابعة / إدارة التنمية البشرية - السمات الأساسية للسكان والقوى العاملة في 30/6/2002 الإصدار العشرون أكتوبر 2002 .
7. المصدر جدول رقم (15-3 ) إجمالي قوة العمل ( 15 سنة فأكثر ) حسب قطاع العمل والحالة التعليمية والنوع في 30/6/2002 صـ48 - الإصدار العشرون - السمات الأساسية للسكان والقوى العاملة - أكتوبر 2002 وزارة التخطيط / قطاع التخطيط والمتابعة / إدارة التنمية البشرية .
8. تأكيداً لهذه التوقعات فلقد دعا الشيخ الدكتور محمد الصباح وزير الدولة للشئون الخارجية ووزير المالية والتخطيط بالوكالة إلى تنوع مصادر الدخل القومي والحد من التهام الأجور والرواتب لمخصصات موازنة الدولة حيث ذكر في تصريحه لوكالة الأنباء الكويتية ( كونا ) أن مجلس الوزراء الكويتي ناقش يوم الأحد 2/2/2003 موازنة الدولة لعام 2003/2004 ، أن الباب الأول / الموازنة الخاصة بالأجور والرواتب يلتهم نحو 80 % من عوائد الدولة من النفط الذي يعتبر المصدر التمويلي الرئيسي للدولة ، حيث ذكر تقرير مالي أسبوعي صادر عن بنك الكويت الوطني أن جملة الإيرادات النفطية الافتراضية التي يمكن أن تتحقق في الموازنة المالية تقدر بنحو 3843 مليون دينار بينما ذكرت وزارة المالية في تقريرها المنشور في جريدة القبس 3/2/2003 ص 22 إن الإيرادات قد تصل إلى 3555 مليون دينار والمصروفات ستصل إلى 5828 مليون دينار وأن تقديرات الباب الأول - الأجور والرواتب ستصل إلى 1649 مليون دينار .
9. المصدر الميزانية العامة لدولة الكويت لعام 2002 /2003 المنشورة في جريدة القبس بتاريخ(8/23)
3/2/2003 ص 22 ويسوق الباحث ما ذكره تقرير مكتب الشال الصادر في 1/2/2003 والمنشور في صحيفة القبس - الصفحة الاقتصادية رقم 20 (( يبدو أن صدمات الداخل لم توقظ المنطقة ...... فقد أهدر ما يقدر بـ 708 مليار دولار خلال 12 عاماً من 84 - 95 على العسكرة في دول مجلس التعاون والعراق وإيران .... وكان بإمكان تلك الموارد المالية التي أهدرت أن تصنع منها دولاً مستقرة ونموذجاً يحتذي .... (وتابع ) ونحن على شفا مواجهة رئيسية ثالثة ولا نعلم إذا كانت الصدمة من الخارج قد تنجح في ما فشلت فيه صدمات الداخل ، وشواهد الأمور تقول أن تلك المواجهة قد تكون أولى وليس آخر الصدمات من الخارج إذا لم نستيقظ بما يكفي لتغيير جوهري في سلوكياتنا السياسية والاقتصادية .
10. انشأ أخيراً جهاز خدمة المواطنين وتقييم أداء الجهات الحكومية برئاسة الشيخ محمد العبد الله المبارك الصباح لمواجهة مظاهر الفساد الإداري في أجهزة الدولة المختلفة / المصدر : جريدة الرأي العام العدد 12987 - الجمعة 10 / يناير / 2003 ص 6 .
??
??
20 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
الثورة والثروة في خصخصة القطاع العام لدولة الكويت 19(8/24)
الحاجة إلى تحديث المؤسسة الوقفية
بما يخدم أغراض التنمية الاقتصادية
بحث معد خصيصاً لفعاليات المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي المنعقد بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة أم القرى
محرم 1424هـ - مارس 2003مـ
الدكتور محمد بوجلال
أستاذ محاضر بكلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير -جامعة فرحات عباس ، سطيف- الجزائر
مستشار مالي - سابقا- بالأمانة العامة للوقف - الكويت
ملخص البحث
…إن الأوقاف بشكلها التقليدي - الثابت والمنقول - لا يمكن أن تكتسب دوراً بارزاً في العملية التنموية لأنها لا تلبي شروط النماء الاقتصادي كما عرفها أهل الاختصاص ، ويهدف هذا البحث إلى سد هذه الحلقة المفقودة بالدعوة إلى تحديث المؤسسة الوقفية وتمكينها من مواكبة التطورات الجديدة التي تميز الحياة الاقتصادية المعاصرة في عالم تعددت فيه المنتجات المالية سواء تعلق الأمر بتعبئة الموارد أو بتوظيفها. يقترح هذا البحث صيغة وقفية جديدة تخدم أغراض التنمية من حيث تراكم رأس المال في المنبع وكذلك في المصب . وقد أسمينا هذه الصيغة الجديدة بالوقف النامي الذي يقتضي إرساء مفاهيم جديدة للعمل الوقفي بما يتفق مع الأحكام الشرعية ومتطلبات التنمية بمفهومها المعاصر.
…ومن هذا المنطلق يأخذ الوقف النامي شكل المؤسسة المالية الوسيطة التي تسعى إلى التقريب بين جمهور الواقفين من جهة ووحدات العجز من جهة أخرى ... ويمضي البحث في إيضاح الأبعاد المؤسسية للوقف النامي من حيث تعبئة الموارد الوقفية وتوظفيها بما يخدم أغراض التنمية الاقتصادية وكذلك طبيعة العلاقة التي تربط بين الواقفين ووحدات العجز.
ولم يهمل البحث الأشكال الوقفية الأخرى سواء العقارية منها أو الخدمية التي بها يكتمل الهيكل التنظيمي للقطاع الوقفي في ثوبه الجديد.
Abstract(9/1)
Waqf endowments need to be upgraded so as to make them more appropriate to contribute to economic development. There is an urgent need to allow the waqf institution to benefit from recent development of financial products as regards to mobilization as well as utilization of financial resources. The paper proposes a new institutional setting which we have called "the increasing waqf " (al_waqf al_nami).
It takes the form of a financial intermediary that mobilizes philanthropic resources and use them in profitable projects through the islamic modes of finance in the same way islamic financial institutions proceed.
Other waqf properties such as real estate endowments or specific purpose projects have also been treated in the paper, which contains an organization chart of the waqf sector in its new form.
المقدمة:(9/2)
…إن طريق العودة إلى الحياة الإسلامية أمر مرغوب لكنه محفوف بالمخاطر والصعاب التي تستدعي شد الهمم وتسخير القدرات العلمية لتعبيد هذا الطريق قبل الخوض فيه . وبعيداً عن العراقيل السياسية التي سرعان ما يشار إليها عند تناول هذا الموضوع ، فمن واجبنا كمسلمين يتطلعون إلى مكانة بين الأمم في وقت تدخل البشرية القرن الواحد والعشرين الميلادي شعارها التكتل من أجل السيطرة على الأسواق العالمية ، أقول من واجبنا أن نستدرك العجز التنظيري الذي نعاني منه بعد غياب عن المسرح العالمي لفترة طويلة ، بل أن الموروث من التراث لا يجدي نفعاً إذا نحن لم نتمكن من استيعاب ما يدور من حولنا في عالم يشهد الكثير من التطورات و بخاصة في المجال الاقتصادي . فعملية التنظير هذه ليست من اليسر بمكان إذ تتطلب دراية ثاقبة بمقاصد الشريعة الإسلامية من جهة ، واطلاع واسع على ما أنجزه الفكر البشري بمختلف مدارسه ومذاهبه . فالاضطلاع بمهمة ربط الفقه الشرعي بفقه الواقع تمثل لب التحدي الذي يجب التنبيه إليه عند الدعوة لأي بناء مؤسسي في إطار إسلامي .
…وهكذا فإن عملية التنظير تلامس بعدين مهمين هما : الأحكام الشرعية من جهة والواقع المعاش من جهة أخرى . وإذ شهد العقدان الماضيان مساهمات طيبة في هذا الاتجاه ، خاصة في المجال الاقتصادي بعد انتشار المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية بشكل ملفت للنظر ، فإن مؤسسة الوقف ظلت منسية1 من قبل الباحثين المسلمين رغم أهميتها في البناء المؤسسي للاقتصاد الإسلامي ، ولا يجدي نفعاً أن نظل نثني على الدور الكبير الذي قام به الوقف قديماً ومساهمته في بناء الحضارة الإسلامية المجيدة ، بل يجب أن نسعى لجعل هذه المؤسسة المرموقة واقعاً معاشا مدعمة بتأصيل شرعي سليم وتنظير علمي متين .(9/3)
…وإذ نريد لمؤسسة الوقف أن تقوم بدور متميز في تنمية المجتمع المسلم ، فإنه لابد من الإشارة إلى أن مصطلح "تنمية" ليس كلمة عابرة تقال في كل مناسبة، بل هو خزان من المفاهيم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تفرعت عنها مدارس فكرية متعددة . وإذ نحاول في بحثنا هذا معالجة هذه المسألة الحساسة المتمثلة في تحديث المؤسسة الوقفية وربطها بالتنمية ، فإننا سنركز على الجانب الاقتصادي بحكم الاختصاص ، ونترك الجوانب الأخرى لأصحابها تحرياً للدقة العلمية.
…إن الحديث عن المؤسسة الوقفية يقتضي التعرف على أهمية القطاع الثالث في البناء الاقتصادي في المجتمعات المعاصرة ، ذلك أن الكثير من الدارسين لعلم الاقتصاد اليوم يغفلون عن الدور الكبير الذي تقوم به الجمعيات الخيرية والمؤسسات التطوعية في دعم المجهود التنموي الذي تقوم به الدولة. كما أن القطاع المؤسساتي في الدول الحديثة عرف تطورات هامة تستدعي الوقوف عليها لتحديد مكانة القطاع الثالث في البناء المؤسسي للدول الحديثة.
1 - مكونات القطاع المؤسساتي في الدول الحديثة
…يتشكل القطاع المؤسساتي للدول الحديثة من مجموعة من الوحدات المؤسساتية (unités institutionnelles) والتي تعرف أيضا بالوكلاء الاقتصاديين
(agents économiques). وإذا استثنينا التعامل مع العالم الخارجي، فإنه يمكن تجميع هذه الوحدات في ستة قطاعات مؤسساتية هي:
1- الشركات الإنتاجية التي تقوم بإنتاج سلع وخدمات (غير مالية) بغرض تحقيق الربح، وتشمل الشركات العامة والشركات الخاصة.
2- مؤسسات الإقراض أو المؤسسات المالية التي تقوم بدور الوساطة المالية بتعبئتها للمدخرات وتقديم التمويل للمؤسسات الإنتاجية، وهذه المؤسسات تشمل البنوك بجميع أنواعها وغيرها من المؤسسات المالية غير النقدية. وتشمل بالطبع البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية التي تهدف إلى تحقيق الربح.(9/4)
3- شركات التأمين التي تقوم بتأمين الأشخاص والممتلكات ضد قائمة محددة من الأخطار في حالة حدوثها، وذلك نظير أقساط محددة يدفعها العميل على وجه الخيار عموما والإلزام أحيانا.
4- الإدارة العامة المتمثلة أساسا في مؤسسات الدولة والإدارات المحلية التي تقدم خدمات مجانية مثل التعليم والصحة والأمن وخدمات الحالة المدنية، والجباية، الخ...
5- التنظيمات الخاصة التي لا تهدف إلى تحقيق الربح مثل النقابات العمالية والجمعيات المدنية ، الخ...
6- الأسر (Ménages - Households ) : وتشمل جميع الوحدات الاستهلاكية المتمثلة أساسا في أصغر خلية في المجتمع وهي الأسرة. وفي بعض الدول مثل فرنسا، فإن الأسرة تشمل حتى المؤسسات الفردية مثل صغار التجار والحرفيين لأنهم بالأساس يقومون باستهلاك جملة من السلع حتى وإن كانت لأغراض إنتاجية محدودة.
وتتفرع عن التقسيم السابق وحدات مؤسساتية ذات سلوك اقتصادي متشابه، أو بعبارة أخرى فإن القطاع المؤسساتي يتشكل من مجموعة من الوحدات المؤسساتية التي تقوم بالوظائف الأساسية التالية:
? إنتاج سلع وخدمات (غير مالية).
? إنتاج خدمات لا يقصد من ورائها تحقيق الربح.
? الاستهلاك، خدمات التمويل والتأمين.
? إعادة توزيع الدخل.
2 - التقسيم القطاعي للاقتصاد الحديث
وبالنظر إلى تداخل النشاط الاقتصادي وتعقيداته المتزايدة فإن الاقتصاديين دأبوا على تقسيم الاقتصادات الحديثة إلى ثلاثة قطاعات رئيسية وهي:
1- القطاع العام بشقيه الربحي وغير الربحي
2- القطاع الخاص وهو قطاع ربحي بالأساس
3- القطاع الثالث وهو القطاع الخيري الذي يختلف عن القطاعين السابقين لأنه لا يهدف نظريا إلى تحقيق الربح كما أنه يقوم على سبيل التطوع من قبل المتبرعين وذوي الإحسان والصلاح من أفراد المجتمع.(9/5)
إن الملفت للنظر أن القطاع الثالث (الذي هو محل اهتمامنا في هذا العرض) الذي لم يكن يحض باهتمام الاقتصاديين أصبح يشكل رقما هاما في المعادلة الاقتصادية في الكثير من الدول الصناعية. ففي دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية فإن الإحصائيات2 الخاصة ببداية التسعينات من القرن العشرين تشير إلى أن القطاع الثالث كان يمثل :
- 6,8 % من الناتج المحلي الإجمالي بمداخيل تقدر بـ 315,9 مليار دولار.
- يشغل أكثر من 9,3 مليون شخص بصفة دائمة أي ما يعادل 6,7 % من مجموع العمالة الأمريكية.
-أنفق على الأجور مبلغ122,20 مليار دولار أو ما يعادل 5,2 % من مجموع الأجور الأمريكية.
-النسبة الكبيرة من هذه العوائد المحصلة في هذا القطاع أنفقت على الصحة، التعليم، الثقافة والفن وبعض المشاريع الاجتماعية والمدنية.
إن هذه الأرقام توضح بجلاء مدى مساهمة القطاع الخيري والتطوعي في تعزيز اقتصاد أكبر دولة في العالم من حيث الدخل القومي والذي سيشهد اختلالات خطيرة في غياب هذه المساهمة إذا ما تصورنا مثلا أن اليد العاملة المشغلة من قبل القطاع الثالث ستحال على البطالة. حينها سنقول أن الاقتصاد الأمريكي يعرف ركودا كبيرا بسبب ارتفاع نسبة البطالة التي أصبحت المؤشر الأساسي للحكم على سلامة أي اقتصاد قومي.3
3 - أهمية القطاع الثالث في الاقتصاديات المعاصرة
من المتوقع أن يزداد دور القطاع الثالث حتى في الاقتصاديات المتقدمة، (ناهيك عن الاقتصاديات الضعيفة التي تعيش حالة من الانحطاط على جميع المستويات) ولعل تصريح الوزير الأول الفرنسي -الأسبق- ادوارد بلادور (Eduard Balladur) عندما سئل عن المشردين الذين قضوا من شدة البرد في شوارع باريس سنة 1993، قال بالحرف الواحد، معبرا عن عجز الدولة في التكفل بكل المشاكل الاجتماعية: "إن التضامن الطبيعي بين الناس يجب أن يغلب على تدخل الدولة".4(9/6)
ولتأكيد الدور الكبير المنتظر من القطاع الثالث، فإن الكاتب الأمريكي جيريمي ريفكن Jeremy Rifkin لا يرى حلا للاختلالات التي أفرزها ولا يزال النظام اللبرالي المهيمن على معظم دول العالم إلا بتشجيع التضامن بين الناس وإعادة الاعتبار للقطاع الثالث بما يضمن التكفل بضحايا البطالة والمهمشين من أفراد المجتمع، لأنه لا الدولة ولا القطاع الخاص قادرين على تقديم الحلول للإفرازات الخطيرة الناشئة عن المحاولات المستميتة من أجل " لبرلة "العالم على النمط الأمريكي الذي فشل بالتكفل بما لا يقل عن 35مليون من مواطنيه الذين يعيشون دون حد الفقر حسب تصنيف المنظمات العالمية.5
وبالنظر إلى التصنيف الاقتصادي الحديث فإن الوقف يدخل لا محالة ضمن القطاع الثالث لأنه في أصله عمل خيري في صورة صدقة جارية يسعى صاحبها إلى حبس الأصل وتسبيل الثمرة. ولذلك فإنه من الأهمية بمكان الاهتمام بالقطاع الوقفي كمؤسسة تخدم المجتمع المسلم وتخفف الأعباء عن الدولة بالتكفل بفئات عريضة وتساهم في إعادة توزيع الدخل بما يخدم أهداف العدالة الاجتماعية التي ينشدها المجتمع المسلم.
ومن أجل إدماج مؤسسة الوقف في عملية التنمية والنهوض بالمجتمعات الإسلامية ، فإنه يجب -في تقديرنا- توفير جملة من الشروط من بينها :
4 - الحاجة إلى مأسسة النظارة :(9/7)
الملاحظ في الوقف أن فيه القليل من النصوص الشرعية والكثير من الاجتهادات الفقهية، وبالنظر إلى التطور الهائل الذي عرفته البشرية في مختلف المجالات خلال العقود الماضية، فإنه من المناسب إعادة النظر في النظارة الفردية(أي التي تسند إلى الأشخاص).فإن كان من شروط صحة الوقف التأبيد كما هو الحال عند الأحناف، فإن أفضل صيغة لإدارة شئونه هو"المؤسسة" لأنها تتصف بالديمومة والاستمرارية بخلاف الأشخاص الذين يزولون بزوال الأعمار. ثم أن العصر الذي نعيش فيه هو عصر المؤسسات، فما اتصل بها دام وازدهر وما انفصل عنها زال وانقطع. كم من وقف انقطعت صلته وزال بزوال النظار أو المستفيدين؟ لذلك أدعو إلى ضرورة مأسسة النظارة (institutionalisation of nazara) إذا ما أردنا للأوقاف ألا ترتبط بالأشخاص فيكون مآلها الضياع والاندثار.ثم أن من ميزات "مأسسة النظارة" إمكانية إدارة الممتلكات الوقفية وما تدره من ريع بما يخدم الأغراض التنموية حسب الظرف الذي تعيشه كل دولة، فمثلا قد يكون من المجدي توجيه جزء كبير من الموارد الوقفية إلى التعليم في حالة تدني نسبة المتعلمين وعجز الدولة عن توفير مقاعد دراسية كافية أو تخصيصها في قطاعات أخرى إذا كان التعليم لا يحتاج إلى موارد إضافية وهكذا ...معنى ذلك أن "مؤسسة النظارة " ستشكل آلية مناسبة في يد السلطات العمومية لاستخدام الأموال الوقفية استخداما عقلانيا لا تضارب فيه مع السياسة المالية العامة للدولة. وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال ترك المجال مفتوحا للناظر"المؤسسة" يتصرف في أموال الوقف كيفما يشاء، بل يجب استحداث هيئات رقابية يشارك فيها الواقفون أو حتى أولوا الرأي السديد والعقل الراجح من أبناء البلد.(9/8)
وتكتسب "النظارة-المؤسسة" أهمية بالغة في حالة الوقف النامي الذي أفردنا له بحثا مستقلا ووضحنا فيه طبيعة العلاقات المؤسسية التي تربط جمهور الواقفين بمؤسسة الوقف من جهة ومؤسسة الوقف بوحدات العجز(أي الشركات المنتجة التي تهدف إلى تحقيق الربح) من جهة أخرى.
وبالطبع فإن من شروط نجاح "النظارة- المؤسسة" الاهتمام بالعنصر البشري وتأهيله مهنيا عن طريق الندوات و التربصات والدورات التدريبية من أجل تزويد العاملين بالقطاع الوقفي بأحدث الأساليب الإدارية وطرق التسيير العقلاني للموارد المتاحة، بل يمكن ربط مكافآتهم بمدى تحقيقهم للأهداف المرجوة مما يشكل لديهم حافزا قويا للسعي المستمر نحو تحسين الأداء والمحافظة على الأعيان الموقوفة. فبدون هذه النقلة النوعية في كيفية إدارة الممتلكات الوقفية سيتكرر لا محالة سيناريو" الشركاء النائمون"6 وستطفو إلى السطح من جديد أخطاء الماضي التي يجب أن نتفاداها إذا ما أردنا أن نكون أكثر فعالية في إحياء رسالة الوقف وفقا لمتطلبات العصر ودون أن نسمح مرة أخرى بضياع الممتلكات الوقفية كما حدث في الماضي في الكثير من الدول الإسلامية.
5 - الحاجة إلى نقدنة (monetisation) الأصول الوقفية :
…يلاحظ أنه منذ اكتشاف الإنسان للنقود كوسيلة للتبادل ووحدة حساب (أو مقياس للقيمة) ومخزن للقيمة فلقد نتج عن ذلك تيسير كبير في الحياة اليومية للإنسان مما مكن من زيادة مطردة في حجم المبادلات التجارية وغير من عادات الناس الاستهلاكية حيث أصبح من اليسر بمكان الحصول على ما نريد من السلع -قلت أو كثرت- بالقدر الذي نريد وفي الوقت الذي نريد.(9/9)
…و بالنظر إلى القطاع الوقفي، فإنه يلاحظ أن وقفيات المسلمين عبر العصور تركزت أساسا حول الممتلكات العقارية. وفي هذا الصدد نشير إلى الدراسة القيمة التي قامت الأكاديمية Ruth Roded والتي شملت مسحا ل 104 وقفية على امتداد ستة قرون (1340-1947) في كل من مصر وسوريا وفلسطين وتركيا وبلاد الأناضول حيث كانت النتائج على النحو التالي7:8
* 58% من الممتلكات الوقفية كانت متمركزة بالمدن الكبرى وتتمثل أساسا في المحلات التجارية و مرابط الراحة للمسافرين وعابري السبيل والشقق والبيت السكنية.
* 35% كانت موجودة بالقرى والأرياف وتتمثل أساسا في الأراضي الزراعية و البساتين والضيع
* 7% المتبقية كانت عبارة عن أشكال أخرى من الأوقاف حيث أن 5.5% كانت عبارة عن أوقاف نقدية.
يتبين لنا من خلال هذه الأرقام أن الممتلكات العقارية تمثل 93% من مجموع الأموال الوقفية وهذا ما يفسر لنا تطور صيغ التثمير كالإجارة والإجارتان والمرصد والخلو والإبدال والاستبدال،الخ...9 وهي كلها عبارة عن صيغ تستعمل لتثمير واستغلال الممتلكات الوقفية العقارية.
و بالرغم من أهمية هذه الأشكال من الوقفيات في المجتمع إلا أن مقتضيات التنمية المعاصرة تتطلب تنويع الأصول الوقفية وتطوير صيغ جديدة لتثميرها وتوظيفها بما يمكن من تعظيم منافعها. وأفضل وسيلة تمكن من تحقيق هذا الهدف هو نقدنة الأصول الوقفية بما يمكن من توظيفها في مشاريع مربحة تزيد من ريع الأوقاف. ولأن مفهوم التنمية ليس كلمة عابرة ذات مدلول محدود فإننا نرى من الضروري في هذا البحث أن نبحث مسألة ربط التنمية بالوقف وأن نعرج على بعض الشروط الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية كما يراها أهل الاختصاص.
6 - التنمية والوقف :(9/10)
…إن القول بضرورة ربط الوقف بالتنمية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية يحتاج إلى تأصيل شرعي وإلى تنظير علمي يحدد الإطار السليم الذي يتحقق فيه هذا الهدف النبيل . فمن الناحية الشرعية يجب أن تراعى في الأوقاف التي يراد لها أن تخدم التنمية شروط الواقفين ، ولذلك يحتاج الأمر إلى توضيح الصورة لدى هؤلاء حتى لا تكون شروطهم حجر عثرة أمام تحقيق هدف التنمية بمفهومها الحديث. ومن الناحية التطبيقية فإن ترجمة الطموح إلى واقع ملموس يجب أن تدعم بمجهود تنظيري يحدد معالم العمل الوقفي في ثوبه الجديد بما يخدم أغراض التنمية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية للشعوب الإسلامية .
…ولتحقيق هذه النقلة النوعية في العمل الوقفي وتفعيل دوره الاقتصادي ، فإنه يتعين علينا الإحاطة بشروط تحقيق النماء الاقتصادي كما حددها الاقتصاديون ، والتي على ضوءها يسترشد الواقفون في وضع شروطهم بما يتفق وأهداف التنمية المنشودة امتثالا للقول المأثور "شرط الواقف كنص الشارع".
7 - شروط تحقيق النماء الاقتصادي :
…الواقع أن هنالك اختلافا كبيرا وجدلا حادا بين المدارس الاقتصادية حول تحديد أسباب التخلف ، لكن الفجوة تتقلص عندما يتعلق الأمر بتحديد شروط تحقيق التنمية. وبدون أن نخوض في أسباب التخلف كما ناقشها الباحثون بمختلف مشاربهم الفكرية10 ، فإن الذي يهمنا هو الوقوف على الحد الأدنى من الشروط التي يجب توافرها لتحقيق التنمية.
أ - زيادة مستمرة في الناتج القومي و تحسن في مستوى المعيشة :(9/11)
…حيث يجب أن تكون هذه الزيارة ناتجة عن تغير في ظروف الإنتاج يضمن استمرارية في تدفق الإنتاج السلعي بغض النظر عن العوامل الاستثنائية مثل ارتفاع مفاجئ في أسعار المواد الأولية بالنسبة للدول المصدرة لها أو تحسن طارئ في الظروف المناخية، ولذلك فإنه من الخطأ الحديث عن نمو في حالة زيادة الناتج الوطني المترتبة عن ظروف مناخية ملاءمة تختفي باختفاء هذه الظروف . فالتنمية بمفهومها الشامل يجب أن يصاحبها ظهور صناعات جديدة ، فهي إذاً عملية مستديمة وطويلة الأجل تمس مجمل الهياكل الاقتصادية وتؤدي في نهاية الأمر إلى تحسن في مستوى المعيشة ومقدرة على المنافسة في الأسواق الدولية .
ب - توفر يد عاملة مدربة : -
…ويرتبط هذا العنصر بالنظام التعليمي بصفته الممول الأساسي لسوق العمل حيث يجب التوفيق بين التكوين النظري والتكوين التقني والتطبيقي . ولنا في دولة كوريا الجنوبية عبرة حيث ركزت منذ السنوات الأولى من استقلالها على قطاع التعليم وأعطت أهمية قصوى للتعليم في مراحله الأولى مما ساعد في تخريج أجيال قادرة على استيعاب التقنيات الجديدة التي تشكل في مجملها القاعدة المتينة للنجاح الكوري في المجال الصناعي . ولذلك وجب على القائمين على المؤسسة الوقفية ضرورة الاهتمام بالقطاع التعليمي وإعطاءه أهمية خاصة إلى جانب ما تقوم به الدولة في هذا المجال.
جـ - تراكم الثروة لزيادة الاستثمارات : -(9/12)
…إن زيادة الدخل القومي لن تخدم أغراض التنمية الاقتصادية إلا إذا تحول هذا الفائض إلى رأس مال تراكمي يوجه لتعزيز الاستثمارات الوطنية . ولذلك فإن الوقف بشكله التقليدي11 لن تكون له آثاراً تنموية إلا إذا قبل الواقفون باقتطاع جزء من الإيرادات لتوجيهها للاستثمار على نطاق واسع، أي بمعنى أنه لا يكفي أن يتبنى هذا الطرح الجديد عدد محدود من الواقفين في حين تظل الغالبية متمسكة بالطرح القديم الذي يرى في الوقف وسيلة لإعادة توزيع بعض المنافع دون المساهمة في إيجادها.
…وبما أن التنمية تقتضي توفر الإمكانات المادية ، فإن أموال الوقف لن تتحول إلى مدخلات ذات أهمية في العملية التنموية إلا إذا إلا شكلت في مجموعها رأسمال كبير يستغل لتمويل أنشطة إنتاجية ، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه اسم التراكم الأول أو "التراكم في النبع" ، تليه الخطوة الأخرى المتمثلة في اقتطاع جزء من إيرادات الأوقاف النامية في صورة احتياطي لتمويل الاستثمارات التوسعية وهي ما يمكن تسميته بالتراكم الثاني أي التراكم التشغيلي أو "التراكم في المصب" وهذا ما نعتقد أنه سيتحقق من خلال صيغة "الوقف النامي" الذي اقترحناه في بحث سابق لنا.12
د - تنمية المبادلات : -(9/13)
…إن تحقيق التنمية في وقتنا الحاضر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتعامل مع العالم الخارجي وتبادل السلع والخدمات معه . وبالنظر إلى التجارة الخارجية فيما بين الدول الإسلامية التي تربو عن الخمسين دولة ، فإنها لا تزال ضعيفة رغم ما تقوم به بعض المؤسسات مثل البنك الإسلامي للتنمية من جهود مضنية في هذا الاتجاه. ولئن قُدِّر للمؤسسة الوقفية أن تتبنى الطرح الجديد المتمثل في الأوقاف النامية، فإنها ستساهم لا محالة في زيادة حجم المبادلات التجارية بين الدول الإسلامية ، خاصة إذا تبنت المؤسسة الوقفية سياسة تطوير ودعم الصناعات التي تخدم المصالح الأساسية لهذه الدول بعيداً عن الإنفاق في المنتجات الكمالية أو غير الضرورية.
…وهكذا نلاحظ أن أفضل وسيلة لتفعيل الدور التنموي للوقف هو التركيز على الأوقاف النقدية حيث يمكن الاستفادة من تجربة المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في توظيف الأموال المعبأة توظيفا مجديا من الناحية الاقتصادية وسليما من الناحية الشرعية. ولأن تحديث المؤسسة الوقفية على النحو الذي أوردناه في ثنايا هذا البحث يقتضي إيجاد علاقات مؤسسية من نوع جديد، فإننا نقترح أن تكون هذه العلاقات على الشكل التالي.
8 - العلاقات المؤسسية لمؤسسة الوقف النامي : -(9/14)
…يمكن القول أن مؤسسة الوقف النامي هي عبارة عن مؤسسة من نوع خاص تؤدي وظيفة الوساطة المالية بين جمهور الواقفين ومجموعة من المؤسسات الإنتاجية أو الخدمية والتي هي بحاجة إلى الأموال المجمعة في إطار ما أسميناه بالتراكم في المنبع. ونتيجة لذلك ستنشأ علاقات بين المؤسسة الوقفية ووحدات الفائض الممثلة في جمهور الواقفين من جهة ، وبين هذه المؤسسة ووحدات العجز الممثلة في الشركات التي تبحث عن مصادر تمويل مناسبة . سنحاول في هذه الفقرة استكشاف طبيعة العلاقات المؤسسية هذه مستعينين بما توصلت إليه المؤسسات المالية القائمة من صيغ تمويلية تتماشى ومتطلبات النشاط الاقتصادي المعاصر دون أن تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية .
1.8 - العلاقة بين المؤسسة الوقفية وجمهور الواقفين.
…لاشك أن وظيفة مؤسسة الوقف النامي تختلف عن وظيفة الناظر التقليدية . فهي مطالبة بتوظيف الأوقاف النقدية التي ترد إليها توظيفاً سليماً يدر عوائد مجزية لأن الواقفين يتطلعون إلى التدفقات النقدية ( cash flows ) الإضافية التي ستنجم عن الجهد الاستثماري للمؤسسة الوقفية.(9/15)
…ولذلك فإننا لا نستبعد أن تكون العلاقة بين الطرفين علاقة مضاربة يمثل فيها الطرف الأول (أي جمهور الواقفين) "رب المال" المنصوص عليه في عقد المضاربة الشرعية ، بينما تكون المؤسسة الوقفية بمثابة "المضارب"الذي يسعى إلى توظيف الموارد المتاحة في أوجه الاستثمار المختلفة . ونظراً لأن جمهور الواقفين في هذه الحالة يختلفون عن الممولين العاديين الذين يسعون لتحقيق أرباح تعود إليهم بالدرجة الأولى، أقول نظراً لهذه الخصوصية التي يتميز بها الوقف النامي، فإننا نقترح تسمية هذه الصيغة الجديدة بـ : "المضاربة الوقفية" التي يفهم منها أن الأرباح التي من المفترض أن تعود إلى الواقفين ستوزع على أوجه البر التي يحددها هؤلاء . فالمضاربة الوقفية بهذا المفهوم ستكون منسجمة مع مبدأ "المغنم بالمغرم" من جهة ، كما ستؤدي الغرض من تأسيس الوقف ألا وهو "حبس المال وتسبيل المنفعة"* .
…وإلى جانب صيغة المضاربة الوقفية هذه ، يمكن أن تنشأ علاقات أخرى كعلاقة الأجير بين جمهور الواقفين والمؤسسة الوقفية (بصفتها ناظراً على الأموال النامية) بحيث تقوم هذه الأخيرة باستقطاع أجر معين يمثل مكافأة على إدارتها للأموال وللأتعاب التي تحملتها ولكن لن يكون لها الحق في الاستفادة من ريع الأوقاف المستثمرة .
…يلاحظ عن علاقة " الأجير " هذه أن المؤسسة الوقفية ومع مرور الوقت قد لا يكون لها من الحوافز ما يدفعها للاستغلال الأمثل للموارد المتاحة لديها لأن أجرها محدد مسبقاً ولن تستفيد من أي تدفقات نقدية إضافية ، لذلك فإن صيغة المضاربة الوقفية تبدو أكثر ملاءمة لأنها تمكن المؤسسة الوقفية من الاستفادة من الزيادة في العوائد الناتجة عن الاستثمارات الوقفية ولذلك فلن تدخر جهداً في البحث عن أفضل الفرص الاستثمارية الممكنة ، وهذا من شأنه أن يكون حافزاً قوياً نحو الاستغلال الأمثل للموارد الوقفية .
2.8 - العلاقة بين المؤسسة الوقفية ووحدات العجز.(9/16)
…في هذه الحالة تكون المؤسسة الوقفية بمثابة "رب المال" الذي يسعى لإيجاد أفضل الفرص الاستثمارية الممكنة . ونظراً لأن التعامل هنا سيكون مع وحدات اقتصادية غير منسجمة وتمثل مختلف القطاعات الإنتاجية والتجارية والخدمية ، لذلك فالعلاقة مع هذه الوحدات ستتأثر بطبيعة النشاط لكل وحدة اقتصادية ، ففي النشاط التجاري يمكن استعمال صيغة المرابحة وما شابهها من صيغ تمويلية ، وفي النشاط الإنتاجي يمكن استعمال صيغة المشاركة المطلقة أو المشاركة المتناقصة ، أو الإجارة والإجارة المنتهية بالتمليك ، وهكذا ... وفي النشاط الحرفي يمكن استعمال صيغة الإستصناع أو الإجارة المنتهية بالتمليك ، وبالنسبة للدول التي يغلب عليه الطابع الزراعي ، فإنه يمكن استعمال صيغة المزارعة أو السلم أو المساقاة وهكذا ...
…إذاً ، في علاقة المؤسسة الوقفية بوحدات العجز، نلاحظ تعدد الصيغ بتعدد النشاط الاقتصادي ، عكس العلاقة الأولى حيث يوجد انسجام بين جمهور الواقفين فيما يخص الأموال الموقوفة التي ترد في صورة نقود ، وبذلك يمكن أن يتم التعامل بين الطرفين على أساس "المضاربة الوقفية" التي أشرنا إليه فيما سبق .(9/17)
…وعلى كل حال فإن المؤسسة الوقفية ، وبصفتها مؤسسة مالية وسيطة على النحو الذي أوضحناه في ثنايا هذا البحث ، يمكنها أن تستفيد من التعاملات التي تقوم بها المؤسسات المالية الإسلامية ، بل يمكن أن تنافسها في استحداث صيغ أخرى لم يتوصل إليها بعد ولا نرى في ذلك أي عائق طالما أن الواقفين استوعبوا المفهوم الجديد للوقف النامي . ولئن قُدِّر لهذه المؤسسة المالية الوقفية أن تأخذ مكانتها بين المؤسسات المالية الإسلامية القائمة ، فإنه لا محالة ستواجه نفس التحديات التي تواجهها "زميلاتها في المهنة" ، وحينها ستكون مطالبة برفع التحدي بتطوير وظيفتها والابتكار من أدوات التمويل ما يضمن لها استمراريتها ومساهمتها في التنمية الوطنية للبلدان الإسلامية بالأخذ بأساليب الاستثمار الحديثة والمجدية في نفس الوقت.
…ولمزيد من الإيضاح نلخص ما ورد في هذه الفقرة في شكل رسم مبسط على النحو التالي:
رسم يبين العلاقات المؤسسية للمؤسسة الوقفية مع جمهور الواقفين
من جهة و وحدات العجز من جهة أخرى مع مراعاة لمبدأ المغنم بالمغرم.
…وقبل أن نختم هذا البحث لا بد من أن نتناول بالتحليل كيفية إدارة المؤسسة الوقفية في ثوبها الجديد دون أن تكون بالضرورة بديلا للمؤسسة الوقفية بشكلها التقليدي والموروث عن اجتهادات السابقين الذين أغنوا التجربة في عصرهم مثلما نحن مطالبون اليوم بإثراء الموضوع بتصورات ومفاهيم تتماشى وأساليب الإدارة الحديثة.
9 - إدارة المؤسسة الوقفية في ثوبها الجديد
…لاشك أن إدارة الوقف المؤسسة الوقفية بالشكل الذي اقترحناه تثير بعض التساؤلات حول الأسلوب الذي يتوجب اتباعه لضمان المحافظة على الأصول الوقفية وترقيتها وتنميتها بكفاءة . ونظراً لأننا اقترحنا صيغة المضاربة الوقفية في العلاقة التي تربط جمهور الواقفين بالمؤسسة الوقفية بصفتها ناظراً ومديراً على الوقف النامي ، فإنه بالإمكان أن يكون هنالك نوعان من التمثيل للواقفين .(9/18)
أ - تمثيل على مستوى الجمعية العمومية :
…ويتم ذلك عبر تنظيم الواقفين في شكل تكتلات (pools) تحدد على أساس قيمة رأس المال الموقوف وينص عليها في النظام الأساسي للمؤسسة الوقفية . فمثلاً يمكن أن يكون لكل 100000 دينار إسلامي* ممثل في الجمعية العمومية ، فإذا اشترك في هذا المبلغ مجموعة من الواقفين، يعيِّن هؤلاء ممثلا عنهم في الجمعية المذكورة. أما الأشخاص الذين يوقفون 100000 دينار أو أكثر ، فلهم الحق في كامل العضوية دون الحاجة إلى إقامة تكتلات على النحو الذي ذكرناه . وقد يكون من مهام الجمعية العمومية المصادقة على التوجهات العامة للمؤسسة الوقفية فيما يخص الاستراتيجية الاستثمارية أو سياسات توزيع الأرباح أو غيرها من المواضيع الهامة التي تعرض عليها . كما تشكل الجمعية العمومية نوع من المراقبة على نشاط المؤسسية الوقفية بما يخدم أهداف التنمية وإعادة توزيع الدخل على النحو الذي يحدده عقد "المضاربة الوقفية" .
ب - تمثيل على مستوى مجلس الإدارة :
…ويتم ذلك عبر تنظيم ثاني للواقفين في شكل تكتلات تحدد على أساس حصص وقفية معينة ، ويلاحظ هنا أن الحصة الواحدة يجب أن تكون مرتفعة القيمة حتى تتم السيطرة على عدد الأعضاء لأن مجلس الإدارة لا يحتمل التوسع الكبير كما هو معروف . ومن المستحسن أن تخصص مقاعد في مجلس الإدارة للوزارات التي لها علاقة بموضوع الوقف كوزارة الأوقاف ووزارة المالية ووزارة الشئون الاجتماعية لضمان توجيه وتأطير العمل الوقفي بما لا يتعارض مع الخطة الاقتصادية للدولة ، كما أن هذا التمثيل سيكون بمثابة نوع من الإدارة المختلطة التي تجمع بين الجهات الحكومية والجهات الأهلية بحيث يساهم كل طرف في إثراء تجربة الوقف النامي دون أن يكون هنالك تضارب في المصالح طالما أن الكل يسعى إلى تفعيل الدور التنموي للوقف وتعبئة المزيد من الموارد التكافلية.
10 - الوقف النامي وتحفظ الأحناف على صيغة الأوقاف المنقولة: -(9/19)
…من المعروف أن الأحناف لا يجيزون وقف المنقول لأنه في نظرهم غير دائم والتأبيد عندهم شرط أساسي من شروط الوقف ، غير أن الوقف النامي بالصيغة التي اقترحناها يمكن النظر إليه على أنه وقف دائم حتى وإن تجسد في صورة أسهم شركات تباع وتشتري في السوق المالية حيث أنه من المتعارف عليه عند الاقتصاديين أن المساهمة في رأسمال الشركات هي شكل من أشكال الاستثمار المباشر طويل الأجل.
…و من ناحية أخرى فإن صيغة الوقف النامي تحقق جملة من الشروط كالمشاركة في الوقف والرجوع عنه حيث يمكن لأي واقف أن يسترد ماله في أية لحظة كما تفعل البنوك بالنسبة للودائع . وهكذا نلاحظ قمة المرونة التي يتمتع بها الوقف النامي من حيث الاستجابة لشروط الوقف التي حددها الفقهاء أو الاستفادة من الابتكارات في أدوات التوظيف التي أنجزتها المؤسسات والأسواق المالية والتي لا تتعارض وأحكام الشريعة الإسلامية. ولعل تأسيس أول سوق إسلامية للأوراق المالية بمملكة البحرين مؤخرا سيساهم في تحفيز المواطنين على الإقدام على هذا النوع الجديد من الأصول الوقفية لتعظيم الريع وتعميم الفائدة.
…بقي الآن أن نتصور التنظيم الجديد للقطاع الوقفي على ضوء ما هو موروث من أصول وقفية عينية وما استجد أو سيستجد من مشاريع وقفية. وفي تقديرنا يمكن أن نصنف الأصول الوقفية في ثلاث مجموعات هي : العقارات والأصول النقدية أو السائلة وأخيرا المشاريع ذات الطابع الخاص (التعليمي أو التثقيفي أو الدعوي).
11 - التنظيم الجديد للقطاع الوقفي
…على ضوء ما تقدم ، فإن القطاع الوقفي سيشتمل على ثلاث أقسام
أو إدارات مركزية هي:
أ - إدارة الأصول العقارية
ب- إدارة الأوقاف النامية (النقدية)
جـ-إدارة المشاريع ذات الرسالة المحددة.
1.11 - إدارة الأصول العقارية(9/20)
…يقصد بالأصول العقارية مجموع الممتلكات الثابتة مثل الأراضي والبساتين والضيع والبيوت السكنية والعمارات والمحلات التجارية ، الخ... يجب أن تسند إدارة هذه الأصول إلى هيئة متخصصة مثلما هو الحال بالأمانة العامة للوقف بالكويت التي أنشأت لهذا الغرض -وبالاشتراك مع شركة ألمانية متخصصة في إدارة الأصول العقارية- وحدة خاصة بإدارة ومتابعة المشاريع القائمة وكذا تشييد مشاريع عقارية جديدة واستغلالها من أجل زيادة الإيرادات التي تنتج عن عمليات التأجير التي تعرف رواجا كبيرا في هذه المنطقة من شبه الجزيرة العربية. وبالنظر إلى مجالات التخصص الناتجة عن عملية تقسيم العمل الذي لا يكاد يستثني نشاطا اقتصاديا واحدا ، فإن إسناد إدارة الأصول العقارية إلى هيئة متخصصة سيزيد من فعالية هذه الأصول و يحقق للقطاع الوقفي وفورات لن تتحقق في ظل التسيير التقليدي الذي لا يراعي مبدأ التخصص ولا مبدأ الاستغلال العقلاني للموارد المتاحة.
…ومن ناحية أخرى فإن التحكم في إدارة الأصول العقارية والتسيير الحسن لها سيشجع المواطنين على الإقدام على وقف ممتلكاتهم مما يعزز من الدور الاجتماعي للوقف في وقت تعجز فيه الكثير من الدول الإسلامية التغلب على مشكلة السكن.
…ولن تكتفي هذه الإدارة بتسيير الأصول العينية فقط بل ستعزز بوحدات تسند لها مهمة توثيق الحجج الوقفية وتسجيلها ومتابعة التدفقات المالية إيرادا ومحاسبة ومراجعة بالإضافة إلى الاستشارات القانونية لأن النشاط العقاري يكتنفه الكثير من اللوائح التنظيمية والإجرائية التي لا يعرف خباياها إلا المتخصصون. كما يجب أن تسجل العمليات المتعلقة بالنشاط العقاري والريع الذي ينتج عنه في حسابات منفصلة عن النشاطات الأخرى التي سنتعرض لها في الفقرتين التاليتين.
2.11 - إدارة الأوقاف النامية(9/21)
…لقد تعرضنا بكثير من التفصيل إلى صيغة الوقف النامي الذي يؤهل القطاع الوقفي لمساهمة أكثر نجاعة وأكثر فعالية في التنمية الاقتصادية للبلدان الإسلامية. فالوقف النامي سيقوم بدوره التنموي من خلال ما أسميناه بعملية التراكم في المنبع والتراكم في المصب على النحو الذي أوضحناه سالفا.
…إن إدارة الأصول النقدية يجب أن تسند لأشخاص متخصصين في التوظيفات المالية والذين يتوفرون على دراية كبيرة بأساليب الاستثمار الحديثة التي طورتها المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية من خلال تجربتها الرائدة في هذا المجال منذ أكثر من عقدين من الزمن. إن هذا النوع من التطعيم المؤسساتي بين مختلف المؤسسات الإسلامية مرعوب ومحمود في وقت أصبح تبادل المعلومات ومحاكاة التجارب الناجحة من الإنجازات المفيدة بين المجتمعات. وإلى أن تنشأ مؤسسة الوقف النامي وتقوم بإدارة الأصول النقدية على النحو الذي أوضحناه في الفقرات السابقة، فإنه بالإمكان أن تقوم البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية بهذا الدور بصفة مؤقتة.13
…ومثلما هو الحال مع إدارة الممتلكات العقارية ، فإن إدارة الأوقاف النامية ستعزز بوحدات إسناد على النحو الذي أوردناه في الفقرة السابقة بحيث تضل حسابات هذه الإدارة منفصلة عن بقية النشاطات الأخرى.
3.11 -: إدارة المشاريع الخاصة(9/22)
…هنالك نوع خاص من المشاريع الوقفية ذات الطابع الخدمي لم تكن معروفة في السابق مثل التعريف بالإسلام من خلال شبكة الإنترنت أو تطوير برامج كمبيوتر في خدمة الثقافة الإسلامية ، الخ... وفي ظل الثورة في نظم المعلومات التي يشهدها العالم اليوم ، فإنه من الواجب على المسلمين أن يأخذوا نصيبهم من التقدم العلمي والتكنولوجي وأن يسخروا ما أنجزه العقل البشري لخدمة دينهم وقضاياهم العادلة. فمن الممكن إذا الدعوة إلى مشاريع وقفية لنشر الثقافة الإسلامية ورد الشبهات التي تحاك ضد الإسلام والمسلمين والتعريف بديننا الحنيف في وقت كثرت فيه الدعوات الهدامة لكل ما هو إسلامي. إن إقامة مثل هذه المشاريع تحتاج إلى متابعة وإلى جهد متواصل ولذلك لا بد من أن يأخذ هذا النوع من النشاط ذو الطابع الوقفي مكانته في الهيكل التنظيمي للقطاع الوقفي وأن تنشأ له إدارة خاصة تقوم بالدعوة لهذه المشاريع ومتابعتها وتجديدها كلما اقتضى الأمر ذلك.
…إضافة لما سبق ، فإنه يجب تعزيز القطاع الوقفي بهيئات رقابية شرعية وقانونية تقوّم مسيرته وتساهم في الحفاظ على الممتلكات الوقفية وعلى حقوق المستفيدين، الخواص منهم والعوام.
…وبذلك فإن الهيكل التنظيمي للقطاع الوقفي سيكون على الشكل التالي:
الخاتمة : -(9/23)
…لقد حاولنا من خلال هذا البحث تسليط الضوء على موضوع الوقف وكيفية ربطه بالتنمية وهو في الحقيقة موضوع الساعة على طريق العودة إلى الحياة الإسلامية وما يميزها من مؤسسات اقتصادية واجتماعية تنهل من مبادئ الإسلام السامية وتستفيد من الإنجازات التي حققتها الحضارة الإنسانية على مر العصور . وإذ نقترح تحديث المؤسسة الوقفية في إطار ما أسميناه بالوقف النامي14 كأسلوب متميز لربط الوقف بالتنمية، فإننا لمسنا من خلال هذه الورقة الأبعاد المؤسسية لهذا المقترح من حيث العلاقة بين جمهور الواقفين والمؤسسة الوقفية من جهة ، والمؤسسة الوقفية ووحدات العجز من جهة أخرى . وبهذا المفهوم تتحول مؤسسة الوقف النامي إلى مؤسسة مالية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، وحينها ستتوفر فيها شروط المساهمة في التنمية عبر ما أسميناه بالتراكم في المنبع والتراكم في المصب . كما أن الدعوة لاستحداث مؤسسة الوقف النامي لا تعني التخلي عن الأشكال الأخرى من الوقف كالعقارات وغيرها بل هي تطوير وتنويع للأصول الوقفية بما يخدم التنمية الاقتصادية للبلدان الإسلامية مع الاستفادة بما أنجزه الفكر البشري من أساليب جديدة لزيادة الثروة الوطنية وتعزيز القدرات الإنتاجية للأمة.
ولذلك تطرقنا في خلال هذه الورقة إلى هذه الأشكال والمتمثلة أساسا في الأوقاف العقارية والأوقاف على المشاريع الخاصة ذات الطابع الخدمي كما هو مبين في ثنايا هذا البحث.(9/24)
…هنالك ملاحظة أخيرة نختم بها ألا وهي : إذا أردنا فعلاً لمؤسسة الوقف النامي أن تلعب الدور التنموي المنتظر منها ، فإنه لابد من العمل على توعية الناس بالمفهوم الجديد للوقف على النحو الذي أوضحناه بحيث يقتنع كل فرد مسلم بأن الأموال التي يوقفها ستكون بمثابة دعم للمركز المالي للمؤسسة الوقفية لزيادة رأسمالها وتمكينها من توسيع استثماراتها وتنويع إيراداتها وأن تسبيل المنفعة لن يكون إلا بعد أن يتعرض المال الموقوف لعملية التقليب على النحو الذي أوضحناه في هذه الورقة.
الهوامش
1 ليس من المستغرب أن يوجه رئيس البنك الإسلامي للتنمية الدكتور أحمد محمد علي دعوة عاجلة للجهات الرسمية والأكاديمية للاهتمام بمؤسسة الوقف . انظر يومية الشرق الأوسط 2/9/1996 "الأوقاف : مؤسسة إسلامية يجب مشاركة الجميع في تحديثها"
2 انظر D.R Young & Steinberg , Economics for nonprofit Managers, The foundation center, U.S.A, 1995
3 من المؤسف أن أصبح القطاع الثالث -على ضعفه-في البلدان الإسلامية يحارب حربا شعواء ويتهم عن باطل من قبل أكبر قوة عالمية في وقت تبقى الشعوب الإسلامية في أمس الحاجة إلى العمل الخيري والتطوعي لمؤازرة المجهودات الحكومية في التغلب على التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الأمة من المحيط إلى الخليج. لاشك أن ذلك يشكل وجها من وجوه الصراع الحضاري المفروض على الأمة.
4 تصريح الوزير الأول الفرنسي Eduard Balladur في القناة الفرنسية الأولى في برنامج 7/7 يوم 17-10-1993.
5Jeremy Rifkin , The Post-trade Society or the end of work , Best seller , U.S.A , 1996
6 استعمل هذا المصطلح "الشركاء النائمون" ( sleeping partners ) الأستاذ أنور قرشي عند معالجته لبعض أسباب اندثار الممتلكات الوقفية خاصة أيام الدولة العثمانية. انظر :(9/25)
Anwar Iqbal Qureshi, Fiscal System of Islam, Chapter V -The Institution of Waqf, Institute of Islamic Culture, printed by Zahid Iqbal Printing Press, Lahore, Pakistan, 1967.
7 Ruth Roded, Quantitative Analysis of Waqf Endowment Deeds, The Journal of Ottoman Studies, volume 1, pp. 51-76.
9- لمعرفة تفاصيل أكثر عن هذه الصيغ يرجى مراجعة البحث القيم التالي : د. فداد العياشي ومهدي محمود "الاتجاهات الحديثة في تطوير الاستثمار الوقفي"، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، جدة- م.ع.السعودية، 1997.
10 …أصحاب الفكر الاشتراكي يركزون على عامل الاستعمار ودور الشركات الاحتكارية في تخلف العالم الثالث ، أما أصحاب الفكر اللبرالي فيشيرون بأصابع الاتهام إلى العوامل الذاتية وإلى تقاعس الشعوب الفقيرة في اللحاق بركب الدول المتقدمة
11 الواقع أن مؤسسة الوقف لعبت دورا كبيرا عبر التاريخ الإسلامي الطويل. فبأوقاف المسلمين شيدت المساجد والمدارس ودور العلم والمستشفيات وتوفرت لطلبة العلم والأيتام والأرامل الرعاية والمؤونة ...(للتعرف على نماذج من تطبيقات الوقف في الماضي انظر : يحيى محمود بن جنيد السعاتي "الوقف والمجتمع"، كتاب الرياض العدد 39، مارس 1997، مؤسسة اليمامة الصحفية، 1417هـ المملكة العربية السعودية). غير أن ذلك لايكفي اليوم إذا ما أردنا أن نجدد رسالة الوقف ونضاعف من دوره التنموي لأن ميكانيزمات التنمية الاقتصادية تطورت بشكل كبير ولا بد من تمكين المؤسسة الوقفية من الاستفادة منها -وذاك هو موضوع بحثنا هذا. وحسنا ما فعل الدكتور أحمد محمد علي عندما ناشد المسلمين ليس بإحياء مؤسسة الوقف فحسب بل بتحديثها.(9/26)
12 انظر بحثنا "نحو صياغة مؤسسية للدور التنموي للوقف: الوقف النامي" مجلة دراسات اقتصادية إسلامية - المجلد الخامس، العدد الأول، رجب 1418هـ/ 1997م، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، جدة - المملكة العربية السعودية.
* استنادا إلى بعض الآراء الفقهية فإنه بالامكان للواقف نفسه أن يستفيد من ريع وقفه مما يساهم في تشجيع الناس على الوقف.
* يستعمل الدينار الإسلامي كوحدة حساب بالبنك الإسلامي للتنمية الذي يوجد مقره الرئيسي بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية وهو يساوي وحدة نقد من حقوق السحب الخاصة المستعملة من قبل صندوق النقد الدولي ويساوي ? 1.36 دولار أمريكي.
13 لمزيد من التفصيل في هذا الموضوع ، انظر بحثنا حول "دور المؤسسات المالية الإسلامية في النهوض بالوقف في العصر الحديث" بحث مقدم للندوة العلمية الدولية التي نظمتها شركة البركة للاستثمار والتنمية بدمشق -الجمهورية العربية السورية- أيام 4-5 أكتوبر 2000
14 ميزة الوقف النامي أنه يرفع الحرج الشرعي حول تصرفات الناظر فيما يخص استقطاع الإهتلاك والاحتياطي وباقي المخصصات من ريع الأصول الموقوفة . ولمزيد من الإيضاح أوردنا في ملحق البحث نموذج للحجة الوقفية المتعلقة بصيغة الوقف النامي نرجو أن تحض باهتمام فقهاءنا الأجلاء لنستفيد من آرائهم النيرة وإن كنا لا نرى فيها أية مخالفة شرعية استنادا إلى القاعدة المشار إليها في بداية هذا البحث والتي مفادها أن "شرط الواقف كنص الشارع".
المراجع
1- د. محمد بوجلال "نحو صياغة مؤسسية للدور التنموي للوقف : الوقف النامي" مجلة دراسات اقتصادية إسلامية - المجلد الخامس، العدد الأول، رجب 1418هـ/ 1997م، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، جدة المملكة العربية السعودية.(9/27)
2- ـــــــــ "إحياء سنة الوقف في الدول والمجتمعات الإسلامية : المبررات و شروط النجاح" بحث (باللغة الإنجليزية) قدم في الندوة الدولية حول "الوقف والتنمية الاقتصادية" المنعقدة بكوالا لمبور-ماليزيا، 2-4 مارس 1998.
3- ـــــــــ "الحاجة إلى اقتراب جديد للدور التنموي -الاجتماعي والاقتصادي- للوقف في القرن الواحد والعشرين" بحث (باللغة الإنجليزية) قدم في المؤتمر العالمي للاقتصاد الإسلامي في القرن ال21 المنعقد بكوالا لمبور-ماليزيا، 9-12 أغسطس 1999.
4- ــــــــــ" دور المؤسسات المالية الإسلامية في النهوض بالوقف في العصر الحديث" بحث قدم في الندوة العلمية الدولية التي نظمتها شركة البركة للاستثمار والتنمية بدمشق -الجمهورية العربية السورية- أيام 4-5 أكتوبر 2000.
5- د. أحمد محمد علي "الأوقاف : مؤسسة إسلامية يجب مشاركة الجميع في تحديثها" يومية الشرق الأوسط 2/9/1996 .
6- D.R Young & Steinberg , Economics for Nonprofit Managers, The Foundation Center, U.S.A, 1995
7- Jeremy Rifkin , The Post-trade Society or The End of Work , Best seller , U.S.A , 1996
8- Ruth Roded, Quantitative Analysis of Waqf Endowment Deeds, The Journal of Ottoman Studies, volume 1
9- د. فداد العياشي ومهدي محمود "الاتجاهات الحديثة في تطوير الاستثمار الوقفي"، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، جدة- م.ع.السعودية، 1997.
10- إدارة وتثمير ممتلكات الأوقاف، وقائع الحلقة الدراسية التي عقدت بجدة من 24-12-1983 إلى 5-1-1984، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، جدة م.ع.السعودية، الطبعة الأولى1989.
11- د. منذر قحف، صور مستجدة في الوقف، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، جدة، م.ع.السعودية، 1997.(9/28)
12- نحو دور تنموي للوقف، وقائع الندوة العلمية التي أقيمت بدولة الكويت، 1-3/5/1993، تحت رعاية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
13- Anwar Iqbal Qureshi, Fiscal System of Islam, Chapter V- The Institution of Waqf-, Institute of Islamic Culture, printed by Zahid Iqbal Printing Press, Lahore, Pakistan, 1967.
يحيى محمود بن جنيد السعاتي "الوقف والمجتمع"، كتاب الرياض العدد 39، مارس 1997، مؤسسة اليمامة الصحفية، 1417هـ المملكة العربية السعودية.
??
??
16 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
الحاجة إلى تحديث المؤسسة الوقفية بما يخدم أغراض التنمية الاقتصادية 17
30 الحاجة إلى تحديث المؤسسة الوقفية بما يخدم أغراض التنمية الاقتصادية
المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى 29(9/29)
الخصخصة وتقليص دور القطاع العام
موقف الاقتصاد الإسلامي
إعداد أ.د شوقي دنيا
استاذ الإقتصاد وعميد كلية التجارة
جامعة الأزهر
مقدم
للمؤتمر العالمي الثالث للإقتصاد الإسلامي
الذي تنظمه كلية الشريعة - جامعة أم القري
مكة المكرمة مارس 2003
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
منذ أمد ليس بالقصير ظهر بوضوح تحول فكرى وعملي حيال موضوع دور الدولة والقطاع الخاص في المجال الاقتصادى.مبتعداً بسرعة عن مركز وهيمنة دور الدولة متجهاً نحو القطاع الخاص ليحل محل الدولة فيما كان لها من دور فى هذا المجال.
واحتل قمة الإهتمامات الفكرية موضوع الخصخصة وتقليص دور القطاع العام، ولم يقف الأمر عند الصعيد النظري بل تعداه وبسرعة فائقة إلى التطبيق العملى فعم العالم من أقصاه إلي ؟ أقصاه هذا التيار الجارف بغض النظر عن نوعية المذاهب ومستوي وحالة الأوضاع . لقد غطت موجة الخصخصة رقعة البلاد الرأسمالية المتقدمة والبلاد النامية والبلاد الإشتراكية.
ووراء ذلك التحول دوافع ومقاصد . يمكن إجمالها أو معظمها في النهوض بالوضع الاقتصادي وتخفيف الأعباء عن الحكومات، من منطلق أن القطاع الخاص أكفأ فى أداء النشاط الاقتصادى، ومهما بدا من دوافع واعتبارات اقتصادية وراء هذا التيار الجارف فهناك عوامل مذهبية رأسمالية .ولم تسلم الدول الإسلامية من هذا التيار فأخذت بدورها تطبق منهج الخصخصة.(10/1)
وإذا كانت الأنظمة الاقتصادية الوضعية وخاصة منها النظام الرأسمالى تبدى تفهماً وتوافقاً مع هذا التيار فإن النظام الاقتصادى الإسلامي بحكم ماله من خصائص ومقومات قد يكون له موقف آخر وهذه الورقة تستعرض البعد الوضعى نظرياً وعملياً لهذا التيار ثم تتناول بالبحث والدراسة موقف الاقتصاد الإسلامي منها من خلال ما يحمله للدولة من مهام ومسؤليات ومايقوم عليه من تنظيم معين للملكية ولاستغلالها ولسلطة الدولة حيالها. من خلال استعراض هذه المسائل يتبين أن الاقتصاد الإسلامي لايرفض من حيث المبدأ وبشكل مطلق عملية الخصخصة، لكنه يقبل منها أموراً ويرفض أخرى، وقد صادق الفكر الإقتصادى المعاصر الرشيد على مبدأ عدم الإستغراق في الخصخصة ومن ثم تهميش دور الدولة وإنما الأمر المهم هو إعادة توزيع للأدوار بحيث يقوم كل من الدولة والقطاع الخاص بدوره الحقيقى في المجال الاقتصادى الذى لايستغنى صلاحه عنهما.وهذا ما سبق أن نادى به الاقتصاد الإسلامي.
هذه الورقة تتناول موضوع الخصخصة، وتقليص دور القطاع الخاص، وموقف الاقتصاد الإسلامي منها.ومن الواضح أن بحثاً في هذا الموضوع يتطلب التعرض الاجمالي له في الفكر الاقتصادى الوضعي، والتطبيق المعاصر .ويلي ذلك محاولة التعرف علي موقف الاقتصاد الإٌسلامى من هذا الموضوع. وقد رأينا أن ذلك يمكن أن يتحقق من خلال معرفة موقف الاقتصاد الإسلامي من عدة قضايا هي :
وظائف الدولة - نظام الملكية - نظام استغلال الممتلكات العامة - حدود تصرف الدولة في الممتلكات العامة - رؤية إسلامية فيما يجري حالياً من خصخصة في الدول الإسلامية .
وفي ضوء هذا الإطار العام ينقسم البحث إلى الفرعين التاليين :
الفرع الأول : الخصخصة في واقعنا المعاصر.
1. المصطلح والمفهوم.
2. نبذة تاريخية.
3. الدوافع والأهداف.
4. الأساليب.
5. دروس مستفادة.
الفرع الثاني : الاقتصاد الإسلامي والخصخصة.
1. وظائف الدولة.
2. نظام الملكية.(10/2)
3. نظام استغلال الممتلكات العامة.
4. ترشيد إسلامي لما يجري حالياً من خصخصة في الدول الإسلامية.…
خاتمة.
حواشى.
مراجع.
الفرع الأول
الخصخصة في واقعنا المعاصر.
1- المصطلح والمفهوم :
…منذ عدة سنوات وحتي الآن شاعت لفظة انجليزية هي "Privatization " فى الأدبيات السياسية والاقتصادية وأصبحت مصطلحاً علي نهج معين في المجال الاقتصادى بخاصة والمجال الإحتماعى والسياسى بعامة.
وقد ترجم هذا اللفظ إلى اللغة العربية بألفاظ متعددة متفاوته الحظ فى الاستخدام والشيوع، أكثرها شيوعاً لفظ الخصخصة، وهناك ألفاظ أخري منها التخصيص والتخصيصية والخوصصة والخاصخصة ..الخ.ومن المفارقات في هذا الشأن أن اللفظ الشائع عربياً، وهو الخصخصة لانصيب له من الصحة اللغوية، فما وجدنا - فيما اطلعنا عليه - من معاجم وقواميس لهذا اللفظ ولا لفعله " خصخص " أثراً فى تلك المصادر . وعلي عكس ذلك وجدنا للفظ خصص وتخصيص وتخصيصية وجوداً عربياً واضحاً . وبالتالي فهو الأولي بالإستخدام والتداول في المحافل العلمية . وحبذا _ فى ضوء ذلك _ استبدال مصطلح التخصيصية بالخصخصة، مع الوعي بإمكانية الإبقاء علي هذا المصطلح في الإستخدام " الخصخصة " من باب أنه خطأ شائع لكنه معمول به ومتعارف عليه. والأمر في الأول والأخير أمر مصطلح إقتصادي، ولا مشاحة في الإصطلاح, طالما كان المعنى المقصود واضحاً في أفئدة السامعين له والمتعاملين معه .(10/3)
ولهذا المصطلح العديد من المفاهيم، يرجع تعددها وتنوعها إلى ما لهذا الموضوع لدي المهتمين من رؤيتين، رؤية موسعة ورؤية مضيقة. ومعني ذلك أن هناك زاويتين ؛ زاوية منفرجة وزاوية حادة " بالتعبير الهندسى " . فهناك من ينظر فيه ويتعامل معه علي انه نهج اقتصادي كامل وشامل يحيل النظام الاقتصادي القائم من تصنيف لتصنيف آخر . وهناك من ينظر فيه علي أنه نهج اقتصادي جزئى يتعلق بتعديل وتغير بعض جزيئات الهيكل الاقتصادي القائم والنظام الاقتصادي المهيمن دون أن يترتب عليه أو ينجم عنه تغير للهيكل وللنظام ككل.(1)
فى الإطار الواسع تطالعنا المفاهيم التالية " الخصخصة هى مجموعة السياسات والإجراءات المتكاملة التى تستهدف الاعتماد الأكبر علي نظام السوق وآلياته فى تحقيق التنمية والعدالة".(2) ومعني هذا التعريف أننا بإزاء الخصخصة أمام إعادة نظر شاملة للاقتصاد القومي وأدواته ومؤسساته، وخاصة فيما يتعلق بدور كل من الدولة والسوق في تسيير شؤنه.
وهى"جزء من عملية الإصلاحات الهيكلية للقطاع العام في البنيان الاقتصادي، تستهدف رفع معدل النمو الاقتصادى، من خلال تحسين وكفاءة المؤسسات والأداء السياسى".(3) وفي الإطار الضيق نجد هذه المفاهيم " هى تحويل بعض المشروعات العامة الى مشروعات خاصة من ةحيث الملكية أو من حيث الإدارة " وهى إدارة المنشأة على أساس تجاري من خلال نقل ملكيتها كلها أو بعضها للقطاع الخاص، أو تأجير خدمات محترفة تضطلح بمهمة تسير المنشأة على هذا الطريق ".(4)
ومن الناحية الواقعية نجد المفهومين يسيران سويأً، فتجري عملية تحويل بعض المشروعات العامة ألى مشروعات خاصة فى ركاب عملية واسعة تستهدف تغير المسار الكلي للاقتصاد وتعديل النظام الحاكم له. ولم نجد - فيما أطلعنا عليه من تجارب- من يقف عند حد تحويل بعض المشروعات العامة إلى مشروعات خاصة، ودونما تغيير جوهري هيكلي في بنيان الاقتصاد ونظامه.(10/4)
…وهكذا نجد النظرات متفاوته ضيقاً واتساعاً. والوعي بهذا التمييز مهم في التعرف الدقيق على جوانب الموضوع، وبخاصة ما يتعلق بتقويمه على الصعيد الاقتصادي وعلى الصعيد الشرعي. إذن نحن أمام ظاهرة محلية وعالمية تقوم على تحويل للمشروعات العامة أو بعضها إلى مشروعات خاصة، ملكية أو إدارة. وتقوم كذلك على اعادة رسم الخريطة الاقتصادية بحيث يكون الفاعل الرئيسي فيها هو نظام السوق بدلاً من الدولة ونظام التخطيط.
2- التخصيصية - نبذة تاريخية:
…ما إن بدأ القرن العشرون في البزوغ إلا وجدت عوامل متنوعة عملت على إيجاد دور بارز ومؤثر للدولة في المجال الاقتصادي، ويوماً بعد يوم قويت هذه العوامل ونمت، ومن ثم تضخم الدور الاقتصادي للدولة؛ ولم يقف الحال في هذا الأمر عند حد الدول الاشتراكية بل تجاوزه إلى الدول النامية، حيث أخذت فيها الحكومات زمام قيادة الاقتصاد لتحقيق التنمية الاقتصادية، باعتقاد أن هذا العمل الشاق والمجهود الضخم لا ينهض به إلا الدولة بكل مالها من صلاحيات وما تمتلكه من سلطات ومؤسسات. كما تجاوزه إلى الدول الرأسمالية المتقدمة، حيث أخذت الحكومات على عاتقها عبء القيام باصلاح ما أفرزه نظام السوق من مثالب اجتماعية واقتصادية، تتعلق بالاستقرار الاقتصادي، وبالتوازن الاجتماعي، وبالكفاءة الاقتصادية.(10/5)
وما إن دخلنا في منتصف القرن العشرين وسرنا فيه حتى بدت عوامل التحول من هذا النهج إلى نهج مغاير، رويداً رويداً. من جراء ظهور متغيرات ومستجدات اقتصادية واجتماعية وسياسية. وأخذ القطاع الخاص يحتل مكانه شيئاً فشيئاً إلى أن دخلنا في الربع الأخير من هذا القرن، حيث كان التحول قد وصل إلى ذورته، فأخذ الفكر وفي ركابه التطبيق ينادي بسيادة وسيطرة وهيمنة القطاع الخاص، وانحسار دور القطاع العام، وكف الدولة يدها عن الكثير مما كانت في الماضي تبسطها عليه. وبدت العملية كما لو كانت مقابلة بين دورين أو بين فاعلين، إذا قوى أحدهما ضعف الآخر. والمسألة سجال بين القطاع العام والقطاع الخاص، وقد آن الأوان أن ينزل القطاع العام من على عرش الهيمنة والقيادة ويسلمه للقطاع الخاص.
وسيطر على الفكر والتطبيق مصطلح الخصخصة، كما سيطر من قبل مصطلح التأميم، وساد جهاز السوق كما ساد من قبل جهاز التخطيط، والأيام دول حتى بين الأنظمة والمصطلحات.(5)
ومن الطبيعي أن يكون وراء هذه التحولات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى العديد من العوامل والاعتبارات والملابسات. فمنذ حوالي عقدين تعرض الاقتصاد العالمي في عديد من الدول لبعض الاختلالات الكبيرة الداخلية والخارجية، فهناك عجز متزايد في الموازنات العامة وعجز متزايد في موازين المدفوعات، وارتفاع في معدلات البطالة ومعدلات التضخم، وتزايد كبير في حجم الديون المحلية والأجنبية.(6) وعلى ساحة الدول الرأسمالية المتقدمة تولدت رغبة قوية لدى بعض حكامها في توسيع قاعدة الملكية، وكذلك في رفع الكفاءة الاقتصادية ومن ثم رفع مستوى المعيشة وتعزيز القدرات التنافسية، في سوق يسير بسرعة نحو العالمية. وتحقيق ذلك إنما يكون من خلال تقليل النفقات والتكاليف، والمزيد من التجديد والتحديث في المعدات والأدوات ونظم الإدارة.(7)(10/6)
وقد كانت هذه الدول الرأسمالية سباقة في تبني هذا التوجه الذي مثلت فيه الخصخصة محوراً رئيساً، وعلى رأس هذه الدول انجلترا، ففي عام 1977 عرضت شركة البترول البريطانية للبيع ثم شركة الطيران ثم شركات المياه والكهرباء وغيرها.(8) وتبع انجلترا في ذلك العديد من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، حتى لقد أصبح بمثاية موجة غطت مختلف بلدان العالم. وقد قام كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بتحفيز الدول وترغيبها في سلوك هذا المسلك، وطبقاً لتقارير البنك الدولي فقد تم خلال الثمانينات من القرن العشرين خصخصة ما يزيد على 6800 مشروع عام، وخلال التسعينات تم خصخصة ما تزيد قيمته على 19 مليار دولار أمريكي من المشروعات في ربوع البلاد النامية وحدها.(9)
3- الدوافع والأهداف(10)
دفعت إلى هذا التوجه الكاسح نحو التخصيصية عوامل متعددة يمكن الإشارة إلى بعضها فيما يلي:
1- رفع الكفاءة الاقتصادية للاقتصاد القومي. فقد تبين أن قدرات وإمكانات القطاع العام متواضعة على المستوى الإداري وعلى المستوى الفني، ومن ثم فهو عاجز عن تقديم السلعة أو الخدمة ذات النوعية العالية، يضاف إلى ذلك ما يتحمله هذا القطاع من خسائر متزايدة ناجمة عن ارتفاع التكاليف وتدني الإيرادات. وبالتالي فقد بات عبئاً على الموازنات العامة للدول بدلاً من أن يكون مصدراً من مصادر إيراداتها. وليس بخاف على أحد ما أصبح يسببه القطاع من مشكلات مالية للدول ومن اختلالات متضخمة في موازناتها. إضافة إلى ما يمارسه من هدر للكثير من الموارد والطاقات، إن الخصخصة تقلل من النفقات العامة وتزيد من الإيرادات العامة.(10/7)
2- واجهت الدول على إختلافها مشكلات حادة للبطالة، وبعد أن كان القطاع العام ملاذاً فسيحاً لتشغيل المزيد من أفراد القوة العاملة أصبح عاجزاً عن القيام بذلك، بل أصبح مأوى للبطالة المقنعة التي لا تقل وطأتها الاقتصادية عن البطالة السافرة. ومن المعتقد أن الخصخصة سوف تسهم، من جهات متعددة في مواجهة هذه المشكلة. بيد أن الواقع لا يقدم تأييداً لهذا الاعتقاد، بل قد يشير ويفيد عكسه.
3- توفير نوعية عالية من السلع والخدمات من قبل القطاع الخاص تستطيع التنافس مع المنتجات الأجنبية، وبالتالي تحسين وضعية موازين المدفوعات.
4- تسهم الخصخصة في توسيع قاعدة الملكية، كما أنها تجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتغري بالعودة رؤوس الأموال الوطنية.
5- إعادة تحديد دور الدولة بما يؤهلها للقيام بوظيفتها الكبرى المتمثلة في التحكم والانضباط والإشراف والرقابة بعد أن شغلت عن هذه الوظيفة الأولى بممارسة النشاط الاقتصادي. الذي لا يتواءم وطبيعتها. فالدولة خلفت للسلطة والحكم والقيادة ولم تخلق لتمارس الأنشطة الاقتصادية مع الممارسين لها من الأفراد. وإلا خلت الساحة من الحكم.
6- تفعيل المدخرات المحلية ودعم الوعي الأدخاري لدى الأفراد من خلال فتح الباب أمامهم لامتلاك حصص أو أسهم في هذه المشروعات.
7- وهناك دافع قد لا يقل أهمية عن الدوافع الأخرى وهو الدافع الأيديولوجي، فهناك رغبة عارمة لدى دول النظام الرأسمالي بتعميم كل مبادئه وتنظيماته على كل دول العالم ، سواء كان ذلك في صالح هذه الدول أو في غير صالحها.(10/8)
ولهذا الدافع رصيد كبير من الصحة والمصداقية، وغير خاف ما هنالك من صلة وارتباط بن الخصخصة والعولمة، وبخاصة الشركات العالمية، فهناك تحريض قوي مباشر وغير مباشر وأحياناً يصل إلى درجة الحمل والضغط على قيام الدول النامية بالمزيد من الخصخصة، لأن ذلك يتيح الاستحواز على العديد من الشركات والمؤسسات الوطنية أو المشاركة فيها غير عابئة بما يكون لذلك من أثر على الاقتصاد القومي.
وتجد الإشارة إلى أن تحقق هذه الأهداف متوقف على العديد من العوامل المنوطة بالدولة من جهة وبالقطاع الخاص من جهة أخرى.
4- الأساليب والصور(11)
لخصخصة المشروعات العامة العديد من الصور والأساليب. وبوجه عام يوجد شكلان أو أسلوبان للخصخصة: خصخصة الملكية و خصخصة الإدارة.
1- خصخصة الملكية : ومؤداها تحويل ملكية المشروع كلياً أو جزئياً إلى ملكية خاصة ويمكن أن يتم ذلك من خلال البورصة أو المزايدة أو إلى العاملين فيه، كما يمكن أن يتم من خلال بيع المشروع أو جزء منه كأصول. وبالطبع فإن بعض هذه الصور لا تصلح لخصخصة ملكية كل المشروعات، وإنما قد يصلح هذا الأسلوب لمشروع ولا يصلح لمشروع آخر. واختيار الأسلوب المناسب ويقلل من التحديات الكبيرة أمام نجاح الخصخصة.(10/9)
2- خصخصة الإدارة : ومؤداها عدم طروء أي تغيير في نمط ملكية المشروع، فيظل المشروع مملوكاً ملكية عامة لكن الذي يحدث تغيير أسلوب ونمط إدارته. وهناك صور عديدة لخصخصة الإدارة. منها عقود الإدارة، وبمقتضاها تحتفظ الدولة بالملكية وتوكل إدارة المشروع إلى القطاع الخاص على أن توفر له كل الأموال اللازمة. وذلك نظير عائد محدد. وأكثر ما يكون ذلك في المشروعات الخدمية. ومنها عقود التأجير. حيث تبقى ملكية المشروع للدولة ويؤجر للقطاع الخاص، والفرق بين هذه الصورة وسابقتها أنه في حال التأجير يدفع المستأجر الإيجار. بغض النظر عن نتيجة المشروع. ويستخدم ذلك بكثرة في المشروعات ذات الطبيعة الخاصة ومنها عقود الإنشاء والتشغيل والتحويل والمعروفة باسم (Bot). ويعد هذا الأسلوب أو هذه الصورة من أكثر الصور شيوعاً في عمليات الخصخصة، لما يتميز به من البساطة وجذب الاستثمارات الخارجية. وكثيراً ما يستخدم في مشروعات البنية الأساسية مثل شبكات الطرق ومحطات الكهرباء والمياه والمطارات والموانى.....إلخ، ومؤدى هذه الصورة قيام المستثمر ببناء المشروع وتشغيله لمدة محددة يعود بعدها إلى الحكومة. وبرغم ما لهذا الأسلوب من ميزات فإن له الكثير من المثالب التي يمكن التقليل منها إذا ما كانت هناك حكومة قوية رشيدة. وكانت بنود الإتفاق واضحة محددة، مراعية ما يحقق أكبر قدر ممكن من المصلحة العامة.
ومنها عقود الامتياز. حيث تمنح الحكومة إحدى الجهات امتيازاً خاصاً لإنتاج أو توريد جزء من خدمة معينة. وبرغم قدم هذا الأسلوب فإن استخدامه الآن في البلاد النامية محدود لحساسيته الزائدة تجاه المخاطر الاقتصادية والسياسية.
5- دروس مستفادة: (12)(10/10)
بالنظر في التجارب والبرامج التي طبقتها الدول المختلفة لإنجاز عملية الخصخصة نجد أن نتائج عملية الخصخصة تفاوتت بشكل كبير إيجاباً وسلباً من دولة لأخرى. وبوجه عام نجد أن الخصخصة قد حققت نتائج إيجابية في الدول المتقدمة بيد، أن نتائجها في الدول النامية كانت في جملتها مخيبة للأمال، حيث لم تحقق الكثير من أهدافها، بل إنها في حالات كثيرة جاءت بنقيض مقصودها، وذلك على صعيد الكفاءة والعدالة والعمالة وعلاج الاختلالات في الموازنات العامة وموازين المدفوعات. ففي الكثير من البرامج زاد حجم البطالة ولم ينكمش، وارتفعت الأسعار، ولم تتحسن بشكل ملحوظ موازنات الدول وموازين مدفوعاتها. بل وبددت أصول المجتمع الإنتاجية الثابتة من خلال عدم الرشد في استخدام حصيلة بيعها، كما أن التقويم شابه في حالات عديدة الفساد، وأسهمت في توسيع نطاق الاحتكار. وتملك الأجانب كثيراً من الأصول الإنتاجية المهمة.
والتساؤل المثار هو: لم كان هذا الحصاد المر؟ والجواب عن ذلك أن الخصخصة ليست مسألة نظرية فكرية يتقرر من خلال الورق صلاحها من عدمه، وإنما هي مسألة عملية ونهج تطبيقي، ومن ثم فهي في حاجة ماسة إلى توافر العديد من المقومات حتى تحقق مقصودها، ومن ذلك:
1- توفير البيئة الملائمة من النواحي التشريعية والقانونية
2- توفير القناعة لدى العاملين في المشروع حتى لا يعرقلوا سير العملية
3- وجود جهاز قومى أمين وكفء يتولى القيام بعملية الخصخصة.
4- وجود توافق قومي صريح حول كل خطوات عملية الخصخصة وحتى التصرف في حصيلتها.
وبعبارة جامعة توفير قاعدة المشروعية لهذه العملية.(13) حتى تحقق أقصى قدر ممكن من المصلحة العامة، تلك التي ترتكز على ركيزتى الكفاءة والعدالة معاً. ومما يؤسف له أن العديد من برامج الخصخصة في الدول المختلفة وخاصة الدول النامية قد أخفق في توفير معظم هذه المتطلبات.
( ( (
الفرع الثاني
الاقتصاد الإسلامي والخصخصة(10/11)
يمكن التعرف على موقف الاقتصاد الإسلامي من عملية الخصخصة وتقليص دور القطاع العام من خلال دراسة المسائل التالية:
1- وظائف الدولة:
موضوع الخصخصة هو عنصر في موضوع أكبر وهو وظائف الدولة أو دور الدولة في المجتمع، وخاصة في المجال الاقتصادي. فكثيراً ما نطالع أثناء نظرنا في موضوع الخصخصة إشارات واضحة إلى انعكاس ذلك على دور الدولة أو وظائف الدولة. ومن الإشارات ما يفيد أن الخصخصة إن هي إلا تهميش لدور الدولة، واختزال لوظائفها، ومنها ما يفيد أن المسألة لا تعدو أن تكون إعادة هيكلة لهذا الدور ولتلك الوظائف دون أن يكون لها علاقة بقوة وضعف، وحجم هذا الدور، بل إن البعض ليذهب إلى أن الخصخصة هي في الحقيقة مزيد من التفعيل والتقوية لدور الدولة، حيث تباعد بينها وبين الانشغال والاستنزاف في أعمال وأدوار لا تمثل قمة الدور أو الوظائف المنوطة بها، وانشغالها بذلك. فيه المزيد من الإنهاك والضغط وعدم وجود الفرصة أو القدرة على ممارسة أهم وظائفها.(14) وأيا كان الأمر فالذي لا شك فيه أن هناك ارتباطا وثيقا بين هذا وذاك. ومن ثم بات التعرف على وظائف الدولة في الاقتصاد الاسلامي مطلباً ضرورياً للتعرف ولو الجزئي على موقف الاقتصاد الاسلامي من الخصخصة.(10/12)
في ظل الاقتصاد الوضعي تتحدد وظائف الدولة ومالها من دور من قبل المجتمع، في ضوء ما هو عليه من ثقافة وقيم، وما يعايشه من ظروف وملابسات، وأوضاع الاقتصادية. ولكون هذه المحددات متغيرة من زمان لزمان ومن مكان لمكان فإن وظيفة الدولة بدورها متغيرة، فنراها في الاقتصاد الاشتراكي مختلفة عنها في الاقتصاد الرأسمالي، بل نراها في داخل المجتمع الواحد والنظام الاقتصادي الواحد متغيرة من آن لآن، ولذلك وجدنا الدولة الحارسة ووجدنا الدولة المتدخلة ووجدنا الدولة المنتجة ووجدنا دولة الرفاهة.وكل دولة من هذه الدول ذات طبيعة ووظيفة مغايرة للأخرى. فإحياناً يخف الدور ويقل حتى لا يكاد يذكر كما هو الحال في الدولة الحارسة، وأحياناً يقوى الدور ويكبر حتى يكاد يبتلع ما عداه كلية، كما هو الحال في الدولة المنتجة التي أخذت على عاتقها مهمة القيام بالنشاط الاقصادي، وأحيانا نجد الدور معتدلا متوسطا، كما هو الحال في الدولة المتدخلة ودولة الرفاهة.
وفي ضوء هذا التبدل والتطور في دور الدولة ووظائفها لا نجد في ظاهرة الخصخصة ما يثير الاهتمام بشكل مكثف في ظل الاقتصاد الوضعي، فما هي في النهاية إلا دورة من دورات التاريخ أو موجة من موجاته. فهل الأمر في الاقتصاد الاسلامي على هذا النحو أم له منحى مغاير؟
إن الاقتصاد الاسلامي إلهي المصدر وإلهي المبادئ والقواعد يرتكز على النصوص الشرعية واجتهادات علماء المسلمين، واستقراء تلك المصادر وتدبرها يجعل الإجابة على السؤال المطروح بأن الأمر في الإسلام مغاير لما عليه في الاقتصاد الوضعي مغايرة تكاد تكون كلية في هذا الشأن.(10/13)
ومنشأ هذه المغايرة اختلاف الركائز والمنطلقات، فهي هناك بشرية محضة، وهي هنا إلهية محضة، فلم يحدد المسلمون من عند أنفسهم وظائف ومهام الدولة الحاكمة لمجتمعهم، وإنما تم ذلك من قبل الاسلام، وما على المسلمين إلا الفهم والاستنباط ثم الصياغة في صورة مقولات فنية. فإذا قال الاقتصاديون الاسلاميون إن كفالة الحد الإدنى من المعيشة لكل أفراد المجتمع الاسلامي من وظائف الدولة ومهامها الأساسية فإنهم لم يبتدعوا ذلك من عندياتهم، وإنما هو الاهتداء والفهم والاستنباط من النصوص الشرعية؛ القرآنية والنبوية، وقس على هذا بقية الوظائف والمهام.(10/14)
وحيث إن الأمر في الاقتصاد الاسلامي في هذه المسألة على هذا النحو فإن القضية لا تخضع للظروف والملابسات ولا للأهواء والتوجهات، وبالتالي تتبدل وتتغير من حين لآخر. وخاصة من حيث الحجم والقوة. وإن تطورت من حيث الشكل والصورة. وقد غاب عن البعض الفهم الدقيق لهذا الأمر نذهب إلى أن دور الدولة في الاقتصاد الاسلامي يعتريه التغير والتبدل من حيث النطاق والحجم والقوة والضعف، تبعاً لظروف وأوضاع المجتمع. إن مهمة الدولة في الإسلام تتجسد في أمر واحد هو رعاية المجتمع "فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته" والرعاية كما هو بارز في اسمها وكما فهمها العلماء هي منتهى الحفظ والصيانة، وتحقيق أكبر مصلحة ممكنة. ومعنى ذلك أنها لا تقل في حالات وتزيد في أخرى، ولا تضعف في حالات ولا تقوى في حالات.(15) وقد تناول علماء المسلمين قديماً وحديثاً هذه الوظيفة الجامعة بالتحليل والدراسة والتفصيل فأشتقوا منها، عملاً بالنصوص، العديد من الوظائف النوعية. والمطلع على هذه الدراسات القديمة والحديثة يجدها كلها داخلة في إطار الرعاية . كما يجد التنوع في التقسيم والتفريع، وربما في الأولويات. فهناك من ينوع هذه الوظائف بشكل كبير يتجاوز بها السبع أو العشر، وهناك من يجمل ويدمج، وهناك من يبدأ بكذا ومن يبدأ بكذا. والكل منطلقه واحد، هوالاسلام بنصوصه وقواعده.
وفي ضوء هذا التمهيد الذي قد يبدو أنه طال نوعاً ما يمكن الاشارة إلى ما نراه من وظائف للدولة في ظل الاقتصاد الاسلامي. وكما ذكرنا سلفاً فإن دراسة هذه المسألة ليست ذاتية، وانما هي مشتقة أو منبثقة من موضوعنا الذاتي الأصيل وهو موقف الاسلام أو بالأحرى موقف الإقتصاد الاسلامي من قضية الخصخصة .
ولذا فلن نطيل القول فيها.(16) وترتيبنا لهذه الوظائف لا يعنى من قريب أو بعيد أنه يعكس الأهمية النسبية .(10/15)
(1) توفير الخدمات الأساسية للمجتمع، وعلى رأسها الدفاع والأمن والعدل، وتمتد لتشمل مختلف المرافق العامة ذات الخدمات الضرورية للعامة مثل الطرق والجسور والمواصلات والمياه والكهرباء، وغير ذلك من كل ما تمس حاجة المجتمع اليه، مثل التعليم الأساسي والصحة العامة. وقد أقسم عمر لعلي رضي الله عنهما على أنه لو ذهبت عناق بشاطئ الفرات لأخذ بها عمر يوم القيامة(17)
(2) تأمين الحد الأدني من المعيشة لكل فرد في المجتمع عجز عن توفيره بنفسه أو من خلال من تلزمه نفقته، بغض النظر عن عقيدته . أذ لا يتحقق مفهوم الرعاية مع عدم توفر ذلك المستوى المعيشى لكل فرد، والنصوص والتطبيقات الشرعية في ذلك عديدة . وتوفير ذلك يتطلب أن يكون لدى الدولة من الأموال مايكفى لتغطية هذا الأمر . وقد وفر الإسلام للدولة الأدوات والأساليب التي تؤمن لها ذلك.
(3) وضع الإطار الملائم للنشاط الإقتصادى . فالدولة مسؤولة عن رعاية مصالح العامة والحفاظ على مقاصد الشريعة . وتحقيق ذلك إنما يكون من خلال العديد من السياسات الاقتصادية وغيرها، مثل السياسة المالية والسياسة النقدية والسياسة التجارية والسياسة الدخلية . وكذلك ما يتعلق بوضع التشريعات التي تكفل حماية الحقوق لأصحابها وفض المنازعات،وكذلك توفير المعلومات والبيانات وكل ما من شأنه إقامة نشاط اقتصادى جيد، وبالإختصار إن الدولة مسؤولة عن توفير المناخ الصحي لإقامة نشاط اقتصادى كفء, لأنها مأمورة برعاية مصالح الناس التي هي حقوق للناس عليها بتعبير الإمام على رضى الله عنه ( ولكل علي الوالى حق بقدر مايصلحه) . ومن الأمثلة الفذة على ذلك ما فعله عمر مع راعى الغنم عندما رآه يرعى فى أرض أقل خصوبة فصاح عليه قائلاً: إنى قد مررت بمكان هو أخصب من مكانك، وإن كل راع مسؤل عن رعيته.(18)(10/16)
(4) الإشراف على القطاع الخاص ومداومة النظر في شئونه,(19) ومهمتها هنا تتلخص فى كلمتين لاثالث لهما، الإعانة والتقويم . فعليها إعانته لينهض بدوره على الوجة الأمثل، ولها في سبيل ذلك العديد من الادوات والصلاحيات المالية والتجارية وغيرها، وعليها من الناحية الاخري أن تقومه وتجبره علي سلوك الجادة والحيلولة بينه وبين الحاقه ضرراً بالغير . ويدخل في ذلك الربا والغش والاحتكار وكل أساليب اختلال التعامل والاستثمار والتوزيع والتصدير والاستيراد وتقديم خدمات علي غير وجهها. وقد أفاضت كتب الحسبة وغيرها في ذلك.ومعني هذا يوضوح أن ترك الحبل علي الغارب للقطاع الخاص، يفعل ما يحلو له، وترك ما يريد، هو أمر مرفوض في الاسلام، فالقطاع الخاص قائم ولة صلاحياته وحقوقه، ولكنه في الوقت ذاته محاط بعيون الدولة وتحت إشرافها تعينه وتدعمه من جهة، وتقويه وتأخذ علي يدة من جهة ثانية. فالاعتراف بالقطاع الخاص وحريته وحقوقة لايتعارض مع الاعتراف للدولة حياله من إشراف ورقابة وتنظيم، تحقيقاً للإعانة والتقويم.
(5) ضمان تشغيل الموارد والطاقات والعمل علي تنميتها وعدم تبديدها.(20) إن الاسلام ينهي عن إضاعة المال، وينهي عن الاسراف والتبذير، ويكف يد السفيه عن التصرف في ماله ويعتبر حفظ المال أحد مقاصده الكبري، وإذا كانت هذ التكليفات والاوامر والنواهي تنصرف إلي الاشخاص فهي تنصرف كذلك إلي الدولة والقائمين علي أمور الامة، فليس من الرعاية المأمورة بها وجود موارد معطلة أو مهدرة، لأن ذلك يحول دون تحقيق الكثير من العبادات،كما أنه يعد معصيه لله سبحانه وتعالي. وتحقيقا لذلك قامت الدوله في صدر الآسلام بإحياء الموات، والاقطاع، ودفع الناس إلي ممارسة النشاط الاقتصادى، وحاربت البطالة(10/17)
(6) تحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي. فإذا كان تأمين الحد الادني من المعيشة وظيفة للدولة الاسلامية فإن تحقيق التوازن بين الافراد اجتماعيا واقتصاديا هو وظيفة أخرى للدولة. وتتضمن هذة الوظيفة عدالة التوزيع، ووضع ظوابط للتفاوت في الدخول والثروات وتقليل حدة التفاوت بينها . وكذلك ضرورة مراعاة الاجيال القادمة وحماية حقوقها في مصادر الثروة. فالتوازن المطلوب شرعا هو توازن أفقي وتوازن رأسي، أي هو توازن علي مستوي الجيل الحاضر وتوازن علي مستوي الاجيال، فلا يطغي جيل علي أخر. وخير برهان علي ذلك ما تفعله الدولة الاسلامية في أرض الفتوح زمن سيدنا عمر رضي الله عنه، حيث راعت في سياستها ومناهجها كل الاجيال المقبلة وحتي قيام الساعة.(21)(10/18)
هذه بعض مهام ووظائف الدولة في ظل الاقتصاد الاسلامي . ومن الواضح أن تحميل الاسلام للدولة للقيام بهذه الوظائف يتعارض تماما وفكرة الخصخصة بمفهومها الواسع الذي يمتد في نظر الكثير من المفكرين إلي تهميش دور الدولة في المجال الاقتصادى، وتخليها عن الكثير من مهامها إلي القطاع الخاص، والعودة بها إلي مفهوم الدولة الحارسة، بل إلي ما هو أبعد من ذلك ناهيك عن بقية الخدمات العامة. والقول بذلك لاينافى القول بأن الاسلام يؤيد ويقر ما في الخصخصة من دعوة وعمل علي تعديل وتطوير الدور الاقتصادي للدولة، مع الابقاء عليه فعالا وقويا، بل العمل علي المزيد من تفعيله وتقويته، بحعله يقتصر علي المهام الحقيقية وترك المهام المصطنعة، والتي كانت وبالا علي الدولة وعلي قيامها بوظيفتها في القيادة والاشراف والتوجيه والتنظيم وضبط الامور والايقاعات، والانشغال بأمور ليست من اختصاصاتها بل هي من شئون الافراد والقطاع الخاص، مثل الممارسات المباشرة للانشطة الاقتصادية العادية، من زراعة وتجارة وصناعة وخدمات، يمكن للافراد ان يقوموا بها من جهة ولديهم الرغبة في ذلك من جهة اخري. خلاصة القول إن دراسة متأنية لوظائف الدولة في الاقتصاد الاسلامي تؤدي بنا إلى التحفظ القوي ،بل الرفض الصريح لبعض مضامين المفهوم الواسع للخصخصة، وبالذات ما يتعلق بتهميش دور الدولة في المجال الاقتصادي خاصة، والمجال الاجتماعي عامة. أما عن موقف الاسلام من الخصخصة بالمفهوم الضيق فإنه يتطلب دراسة مسائل أخري مثل نظام الملكية، ونظام استغلال الممتلكات العامة، وهذ ما نعرضه في الفقرات التالية
2- نظام الملكية:(10/19)
من المعروف ان نظام الملكية من الاسس الكبري لاي نظام اقتصادي، وهو أحد المعايير الاساسية للتمييز بين الانظمة الاقتصادية. وقد أصبح من المعارف البدهية لدي دارسي الاقتصاد الاسلامي والباحثين فيه ان نظام الملكية فيه هو النظام المزدوج، الذي يجمع بين الملكية العامة والملكية الخاصة، وليس هناك أى خلاف بين الجميع علي ذلك، وإن بدى الخلاف فيما بعد ذلك حول طبيعة كل منها ونطاقها. ولتحقيق مقصود ورقتنا هذه يكفي الاشارة إلي بعض محاور الملكية العامة.(22)
المحور الاول: الاموال العامة متنوعة الطبائع، فمنها ماهو مصادر وموارد للثروة مثل الاراضي والمياه والمعادن ومصادر الطاقة ..الخ، ومنها ما هو ثروة منتجة في شكل سلع نهائية ومنها ماهو في شكل نقود. مثل أموال الخراج واموالالزكاة وغيرها(10/20)
المحور الثاني: هذة الاموال الخاضعة للملكية العامة هي كلها تحت إشراف الحكومة وهي المسئولة عن التصرف فيها بالشكل الذي يحافظ عليها من جهة، ويجعلها تحقق أهدافها من جهة أخري . وبالبحث والتحري في المصادر الاسلامية يتضح أن هذه الاموال تنقسم قسمين من حيث مدي حرية الدولة أو الحكومة في التصرف فيها، ونطاق هذا التصرف، فبعضها يمتد نطاق التصرف فيه من قبل الدولة إلي كل جوانب التصرف الممنوحة للمالك علي ملكه من بيع واستغلال وتبرع ..الخ، وبعضها يقف حق التصرف المعطي للدولة فيها إلي حد معين، أقل من الحدود السالفة، فلا يحق لها مثلا أن تبيعها أو تمنحها. وقد حمل هذا التمييز بعض الباحثين إلي القول بأن الملكية العامة، أو بالأحرى الملكية غير الخاصة هي نوعان ؛ ملكية عامة أو جماعية وملكية الدولة أو بيت المال. الاولي هي حق لكل أفراد المجتمع، ومن ثم لايتجاوز دور الدولة حيالها الاشراف والادارة دون التصرف في رقابها بما يفوت علي أي فرد حصته في ملكيتها وفى ذلك يقول الإمام الطحاوى : "ولا ينبغى للإمام أن يقطع مالاغنى بالمسلمين عنه، كالبحار التى يشربون منها، وكالملح الذى يمتارون منه، وماأشبه ذلك مما لاغني بهم عنه " (23) ويقول الكسانى : " وأرض الملح والقار والنفط ونحوها مما لايستغنى عنها المسلمون لايجوز للإمامأن يقطعها أحد، لأنها حق لعامة المسلمين، وفى إقطاعها إبطال حقهم، وهذا لايجوز ". ويقول ابن قدامه : " إن المعادن الظاهرة وهى التى يتوصل إلى مافيها من غير مؤونة ينتابها الناس وينتفعون بها كالملح والماء والكبريت والقير والمومياء والنفط والكحل والياقوت وأشباه ذلك لاتملك بالإحياء، ولايجوز إقطاعها لأحد من الناس، ولاإحتجازها دون المسلمين، لأن فيه ضرراً بالمسلمين وتضييقاً عليهم....وهذا مذهب الشافعى، ولاأعلم فيه مخالفاً" (25) أما الثانية فهي وإن كانت في النهاية ملكا للامة مثل السابقة لكنها أكثر خضوعا للدولة، حتي(10/21)
ليقال عنها إنها ملكية الدولة أو بيت المال، وبالتالي فإن حق تصرف الحكومة فيها يمتد ليشمل كل الوان التصرفات التي للمالك علي ماله بما فيها التصرفات في رقبتها بيعا وتبرعا، فهي من هذه الزاوية تعد ملكية خاصة، لكن المالك لها هو الدولة بصفتها هئية حاكمة. وليس معني ذلك أن الدولة مطلقة التصرف فيها دونما ضوابط أو قيود، فتصرف الدولة فيها مفتوح في ظل المصلحة العامة الحقيقية التي حددت معالمها الشريعة. إن كلا من الملكية الجماعية وملكية الدولة يخضع تصرف الدولة فيها لضابط المصلحة العامة المنضبطة والمقننة شرعا، وكل ما هنالك من تمييز بينها فإنه يرجع إلي حدود وحجم وجوانب هذا التصرف، فهذا ذو حدود ضيقة، وذاك أوسع حدوداً أو نطاقا. وهذا التمييز يخدمنا كثيرا في التعرف علي موقف الاقتصاد الاسلامي من نوعي الخصخصة، فهناك أموال عامة لاتقبل خصخصة الملكية لكنها قد تقبل خصخصة الادارة والتأجير، وهناك اموال عامة ترد عليها الخصخصة بنوعيها.
وليس من اليسير قيام تحديد دقيق لمفردات كل نوع من هاتين الملكيتين بشكل يحظي باتفاق العلماء، لكن ذلك لايمنع من وجود أمثلة بارزة واضحة لكل منهما لا تحتمل الجدال والخلاف، فهناك الطرق والانهار والمناجم والغابات وبعض الاراضي تدخل تحت النوع الاول بغير خلاف يذكر، وهناك بعض الاراضي، مثل أراضي الصوافي والاراضي التي آلت إلي بيت المال علي سبيل الميراث وانواع من الايرادات العامة يمكن، ان ندرجها تحت النوع الثاني...
يتضح مما سبق أن النظام الإسلامي للملكية يقرر وجود الملكية العامة كركيزة يقوم عليها النظام الإقتصادي فى الإسلام، كما يقوم على ركيزة الملكية الخاصة. وأن هذا النظام يرفض خصخصة ملكية بعض الأموال العامة، ويجيزها في البعض الآخر . أما خصخصة الإدارة فلايمكن التعرف على موقف الاقتصاد الإسلامى منه دون التعرض لمسألة نظام إستغلال الممتلكات العامة. وهذا مانعرض له فى الفقرة التالية :(10/22)
3- نظام استغلال الممتلكات العامة:
(أ) الأموال المتجمعة فى بيت المال، مثل مال الخراج، والأموال الأخري التي توجه للإنفاق فى المصالح العامة الأصل فيها أن توجه مباشرة للإنفاق علي هذه المصالح، فتشيد بها السدود والقناطر وتعبد بها الطرق وتبنى بها المدارس والمستشفيات ومختلف المرافق وتدفع منها الأجور والمرتبات ..الخ. ومعني ذلك أن الشأن فيها هو الإستخدام والإنفاق وليس الاستغلال والحصول منها على غلة أو عائد . ومع ذلك فلنفرض أن هناك فائضاً في هذه الأموال, وقلنا بإدخاره للمستقبل، كما نص على ذلك الكثير من الفقهاء وخاصة الأحناف. فهل هناك ما يمنع من استثمار هذه الأموال واستغلالها في اقامة مشروعات اقتصادية؟ ليس هناك ما يمنع ذلك، بل إن ذلك هو النهج السليم، وإلا تحولت إلى مكتنزات. طالما انها لم تستغل استغلالاً اقتصادياً جيداً. وهناك إشارات فقهية تفيدنا في ذلك، فقد ورد في المبسوط إن المروزى نقل عن محمد بن الحسن قوله " فإن اشترى الإمام بمال الخراج غنماً سائمة للتجارة وحال عليها الحول فعليه فيها الزكاة "(26) والشاهد هنا الاعتراف الفقهى بقيام الدولة باستثمار واستغلال مال الخراج، وذلك بتحويله إلى أصول نامية يتحقق منها ربح. وقد تمثل ذلك في عهده فى شراء غنم ترعى وتنمو وتتكاثر وتباع, بدلاً من الاحتفاظ بأموال الخراج في شكل نقدي لاينمو على مدار الوقت . وقياساً على ذلك، للدولة القيام بإستغلال هذه الأموال بالأسلوب الذى تراه أكثر صلاحية . وقد يتمثل ذلك فى اقامة مشروعات اقتصادية تنتج سلعاً وخدمات بقصد الربح . ومعني ذلك قيام مايعرف حالياً بالقطاع الاقتصادى العام.(27)
وهنا يرد تساؤل : هل يحق للدولة في ظل ظروف معينة أن تخصص هذه المشروعات ؟ وما هي صور هذه الخصخصة ؟ .(10/23)
أعتقد - والله أعلم - أنه طالما أن أصل ومصدر هذه المشروعات هي أموال مملوكة لبيت المال فإنه من حق الدولة أن تخصص هذه المشروعات خصخصه ملكية وإدارة معا، شريطة أن يخضع ذلك للضوابط الشرعية الحاكمة للدولة فى تصرفاتها فى الأموال العامة.ً
(ب) الممتلكات العامة الإنتاجية المتمثلة فى موارد الثروة مثل الأراضي والمناجم والغابات والمياه ومصادر الطاقة ..الخ
هذه الموارد تحتاج إلى لستغلال وتنمية حتى لاتترك معطلة . ومعنى ذلك أقامة المشروعات الزراعية والصناعية والتجارية والخدمية . مثل محطات توليد الطاقة ومشروعات إستخراج المعادن وتصنيعها، والمشروعات الزراعية ...الخ.ومثل هذه المشروعات تتطلب مشروعات تتولى تصريف هذه السلع والخدمات . فهل من حق الدولة إقامة مثل هذه المشروعات الإقتصادية العامة؟ أو بعبارة أخري هل من حقها إقامة قطاع عام يمارس أنشطة اقتصادية متنوعة؟
من الناحية النظرية نعم من حقها ذلك، بل قد يكون من واجبها إقامة هذه المشروعات لإنها مسؤلة عن إستغلال وإستثمار هذه الموارد حتى سستفيد منها كل الناس.
وقد لا يتأتى ذلك إلا من خلال إقامة هذه المشروعات العامة.(10/24)
ومن الناحية العملية التطبيقية قد قامت الدولة في صدر الإسلام بشىء من هذا القبيل(،28) حيث ثبت أن الدولة فى عهد عمر رضي الله عنه إستغلت أرض الصوافي بنفسها، أى أقامت مايمكن إعتباره مشروعات زراعية عامة .كما ثبت لدى البخارى أنه عندما أجلى عمر رضى الله عنه اليهود من خيبر قامت الدولة بأستغلال حصتها فى هذه الاراضى، و خيرت أصحاب الحصص الاخرى فى أن يقوموا هم بأستغلالها او أن تقوم الدولة بأستغلالها لهم نظير جزء من الناتج. وتفيد هذه الواقعة قيام الاستغلال العام "القطاع العام" على الممتلكات العامة . وكذلك قيام القطاع العام على ممتلكات خاصة بهدف إستغلالها من قبيل ما يمكن تسميتة " عمعمة الادارة " على غرار خصخصة الادارة . وقدم الفقه تنظيراً فقهيا لاستغلال هذه الممتلكات الانتاجية العامة . موضحا ان أمام الحاكم اسلوبين لاستغلال هذة الاموال، الإسلوب العام " القطاع العام " و الإسلوب الخاص " الاستغلال من قبل القطاع الخاص " وعلى الحاكم ان يختار احسن الاسلوبين . يقول الدسوقى : ".. أما المعدن من حيث هو فيمكن أستغلاله بأحدى طريقتين : إقطاعه لمن يستغله فى نظير شىء لبيت المال، وهو إقطاع إنتفاع لا إقطاع تمليك، وان يجعل للمسلمين،بأن يقيم الوالى فيه من يعمل للمسلمين بأجرة. (29) ويقول ابن رشد :" فإن كانت المعادن فى أرض حرة او فى أرض العنوة أو فى الفيافى التى هى غير ممتلكة كان أمرها الى الامام، يقطعها لمن يعمل فيها، أو يعامل الناس على العمل فيها لجماعة المسلمين على ما يجوز له " (30) ويقول يحيى بن أدم : " وكل ارض لم يكن فيها أحد تمسح عليه ولم يوضع عليها الخراج، قال حسن : فذلك للمسلمين، وهو إلى الإمام، إن شاء أنفق عليها من بيت مال المسلمين وأستأجر من يقوم فيها، ويكون فضلها للمسلمين، وإن شاء أقطعها رجلا ممن له غناء عن المسلمين ".(31)(10/25)
أما عن الاسلوب الثانى للاستغلال وهو الاستغلال الخاص، من قبل القطاع الخاص فله هو الاخر ركيزته التطبيقية . فقد ثبت ان الرسول صلى الله علية وسلم دفع ارض خيبر لليهود ليقوموا بأستغلالها نظير جزء من الناتج عندما رآى أنهم أقدر على زراعتها . كما ثبت أن عمر رضى الله عنه دفع أراضى الفتوح الاسلامية و التى أصبحت ملكية عامة لاصحابها السابقين ليقوموا باستغلالها نظير جزء من الناتج،. وفى الحالتين لم تقم الدولة باستغلال هذه الموارد من خلال القطاع العام . كذالك ثبت أن عثمان رضى الله عنه حول إستغلال أراضى الصوافىمن القطاع العام إلى القطاع الخاص عندما تبين له أن الثاني أكفاْ من الاول، إذ لم يزد العائد على الدولة من خلال الاسلوب العام عن تسعة ملايين، درهم بينما وصل فى الأسلوب الخاص الى خمسين مليون درهم (32)(10/26)
وعندما جاء عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه امر باْن تستغل أراضى الصافية من قبل القطاع الخاص طالما كان ذالك ممكناٌ، وإلا يتم إستغلالها من قبل القطاع العام.(33) ومن ذلك يتضح أن أصول الإقتصاد الإسلامى لا تمنع من وجود مايعرف بالقطاع العام، سواء كان منبعه ومبعثه وجود موارد عامة إنتاجية تحتاج الى إستغلال أو كان مبعثه وجود أموال عامة سائلة تحول إلى استثمارات بدلاٌ من تركها بحالتها النقدية معطلة . ولا نحب أن نترك هذه المساْله دون الإشارة إلى ما هو مدون ومعروف عن بعض علماء الإسلام من إستهجائهم بل ورفضهم لقيام الدولة باقامة مشروعات زراعية أو صناعية أو تجارية، وما قد ينجم عن ذلك من تعارض مع ما سبق طرحه. وقد استهجن كل من الماوردى وابن خلدون والدشقى قيام الدولة بممارسة النشاط الإقتصادى، أى بعبارة أخرى وجود قطاع عام إقتصادى. وكانت مبرراتهم فى ذلك ما فيه من منافسة وتضييق على القطاع الخاص، إضافة الى ماهنالك من عجز وقصور فى أداء المشروعات العامة، وكذلك ما يضيع على الدولة من الإيرادات العامة التى كان لها الحصول عليها من المشروعات الخاصة . وبالاختصار كان هؤلاء العلماء رواداٌ حقيقيين للفكر الإقتصادى المعاصر الذى ينادى بكف يد الدولة عن ممارسة النشاط الإقتصادى لما يجلبه ذلك من مضار جسيمة على الإقتصاد القومى .ومن المفيد للقارىْ أن نضع أمامه فقرات من أقوال هؤلاء العلماء .(10/27)
يقول الماوروى : (وعليه-يعنى السلطان- ألا يعارض صنفاٌ من الرعايا فى مطلبه وألا يشاركه فى مكسبه، وربما كان للسلطان رأى الاستئثار من أحد الأصناف فيتمثل إليه من لم يألفه، فيختل النظام بهم فيما نقلوا إليه، لأن تميزهم بإلهام الطابع أعدل فى إئتلافهم من التصنع لها، وربما ضن السلطان بمكاسبهم فتعرض لهم وشاركهم فيها، فتاجر مع التجار وزرع مع الزراع، وهذا وهن فى حقوق السياسة وقدح فى شروط الرياسة من جهتين : أحدهما أنه أذا تعرض لامر قصرت فيه يد من عداه فإن تورك عليه لم ينهض به وإن شورك فيه ضاق على أهله، وفد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال [ ماعدل وال أتجر فى رعيته]، والثانى أن الملوك أشرف الناس منصبا، فخصوا بمواد السلطنة لأنها أشرف المواد مكسبا فإن زاحموا العامة فى إدراك مكاسبهم أوهنوا الرعايا ودنسوا الممالك، فاختل نظامها وأعتل مرادها]، وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال :( إذا اتجر الراعى هلكت الرعية ) (34)(10/28)
ويقول ابن خلدون " فصل فى إن التجارة من السلطان مضرة بالرعايا مفسدة للجبايه. اعلم ان الدولة إذا ضاقت جبايتها بما قدمناه من الترف وكثرة العوائد والنفقات، وقصر الحاصل من جبايتها على الوفاء بحاجتها ونفقاتها وإحتاجت الى المزيدمن المال والجباية، فتارة توضع المكوس على بيعات الرعايا وأسواقهم، وتارة بمقاسمة الوالى والجباه وإمتكاك عظامهم، لمايرون أنهم قد حصلوا على شيئ طائل من أموال الجبايه لا يظهره الحسبان، وتاره باستحداث التجارة والفلاحه للسلطان، لما يرون التجار والفلاحين يحصلون على الفوائد والغلات مع يسارة أموالهم وأن الأرباح تكون على نسبة رؤس الأموال، فيأخذون فىإكتساب الحيوان والنبات لاستغلاله فى شراء البضائع والتعرض بها لحوالة الأسواق, ويحسبون ذلك إدراراً للجباية وتكثيراً للفوائد، وهو غلط عظيم وإدخال الضرر على الرعايا من وجوه متعددة، فأولاً مضايقة الفلاحين والتجار فى شراء الحيوان والبضائع وتيسير اسباب ذلك، فإن الرعايا متكافؤن في اليسار متقاربون، ومزاحمة بعضهم بعضاً تنتهى إلى غاية موجودهم أو تقرب، وإذا رافقهم السلطان فى ذلك، وما له أعظم كثيراً منهم فلا يكاد أحد منهم يحصل على غرضه فى شييء من حاجاته ....."(36)(10/29)
قد يبدو ان هناك شيئاً من التعارض بين هذه الأقوال وما سبق تقريره حيال المشروعات العامة . ودرءاً لهذا التعارض ذهب بعض الباحثين إلى أن مقصود هؤلاء العلماء ليس قيام الدولة كجهاز حاكم بإقامة هذه المشروعات، وإنما قيام الحكام بذلك لأنفسهم ولمصلحنهم هم وليس من أجل المصلحة العامة . وأرى أن هذا التأويل فيه بعد. ونحن فى سعة من القول به, ويمكن القول بأن ماقاله هؤلاء العلماء صحيح وسليم فى ظل الفروض والواقع الذى شاهدوه، فهم يتحدثون عن منافسة الحكومة للقطاع الخاص، ودخولها معهم في حلبة النشاط الاقتصادي وكأنها مثلهم، تمارس هذه الأنشطة كما يمارسونها،وبالطبع فإنه في ظل هذه الفرضية فإن كل ما تخوفوا منه صحيح، ومن ثم كان موقفهم صحيحاً اقتصاديا وأيضاً شرعيا . لأن الدولة بذلك تضر ولاتصلح، وهي إنما جاءت لرعاية المصالح وحمايتها.
بيد أن نطاق القطاع العام في ضوء التصوير المتقدم لا يقوم على المنافسة والمضايقة واقتطاع حصة مما يدخل للقطاع الخاص، وإنما هو أسلوب لاستغلال الموارد العامة يمكن اتباعه إذا ما تبين بالدراسة العلمية الدقيقة أنه أمثل وأفضل من الأسلوب البديل؟ إن فكرة مزاحمة الأفراد في الفرص المتاحة وفي أنشطتهم من قبل الدولة مرفوضة إسلامياً، وقدنص الفقهاء على أنه لا يجوز للدولة أن تحمي من الأراضي ما يضيق الفرص أمام الأفراد للاستفادة منها(36)، فما بالنا بإقحام الدولة نفسها في مجالات يقوم بها القطاع الخاص على وجه سليم،
وفى النهاية نعود إلى لب موضوعنا ونطرح هذا التساؤل: إذا ما كان هناك قطاع عام ذو صبغة شرعية فهل من حق الدولة أن تخصصه؟ نقول إن كان تخصيص إدارة فالإجابة بنعم، بغير خلاف، حيال كل المشروعات العامة، شريطة أن يكون ذلك هو الأسلوب الأمثل. وشريطة ألا يترتب عليه تفويت حق لأي فرد كان له في ظل المشروع العام في المجتمع. وقد فعل ذلك عثمان رضي الله عنه في أرض الصوافي كما طالب بفعله عمر بن عبد العزيز.(10/30)
أما إن كان تخصيص ملكية. بأن تصبح هذه المشروعات ذات الملكية العامة مملوكة ملكية خاصة فإن الجواب بالإمكانية أو عدمها ليس سهلاً، ولا ينبغي التعميم والإطلاق. ومرجع ذلك ما سبقت الإشارة إليه من تنوع الممتلكات العامة ما بين ملكيات جماعية أو مشتركة لكل الناس، وبين ملكية للدولة أو لبيت المال. وما نجم عن ذلك من ضوابط شرعية على حدود ونطاق تصرف الدولة في هذه الأموال. وسبقت الإشارة إلى أن هناك من الأموال العامة ما لا يحق للدولة أن تغير ملكيتها أو تعدل منها بتحويلها كلاً أو جزءاًإلى ملكيات خاصة. بيد أن هناك أموالاً عامة تقبل هذا التحويل. ومعنى ذلك أن المشروعات العامة المرتكزة على ملكية للدولة أو لبيت المال تقبل خصخصة الملكية، شريطة أن يكون في ذلك مصلحة أكبر للناس. أما المشروعات العامة المرتكزة على ملكية جماعية أو مشتركة لكل أفراد المجتمع فأعتقد أنها لا تقبل خصخصة الملكية، اتساقاً مع عدم قبول الموارد التي كانت عليها لهذه الخصخصة. والأمر هنا في حاجة إلى مزيد بحث ودراسة وتحرير للمسائل.
وقد يرد هنا تساؤل مفاده إذا ما اتضح أن خصخصة بعض المشروعات العامة هي الأسلوب الأفضل، ومنعنا الدولة من ذلك على سبيل خصخصة الملكية ألا يعد ذلك تبديدا وإضاعة للأموال العامة؟ والجواب عن ذلك إن الإسلام يرفض تماماً كل إضاعة وتبديد لأي مال، وبخاصة الأموال العامة والتي تعامل معاملة مال اليتيم. لكن ذلك لا يعني التخلص من هذه الأموال العامة التي هي ملك لكل الناس. وإنما هناك بدائل أخرى، مثل خصخصة الإدارة، ومثل تحسين وإصلاح هذه المشروعات. وبذلك تحافظ الدولة للناس على حقوقهم وملكياتهم، وفي الوقت ذاته تتلافى التبديد والإهدار والضياع.
4- الاقتصاد الإسلامي وما يجري حالياً من خصخصة في دول العالم الإسلامي:(10/31)
ليس من السهل ولا من الصواب تعميم القول في ذلك، لأن أوضاع الدول الاسلامية متنوعة متفاوتة، وإن كان يغلفها كلها ستار التخلف الاقتصادي، لكنها مع ذلك تتفاوت في درجات النمو، أو بالأحرى درجات التخلف، وكذلك في الملابسات المحيطة. ومعنى ذلك أنه قد لا يكون من الصواب أن يقال عن دول هذا العالم الإسلامي كلها إن مصلحتها كذا أو كذا. ومع ذلك يمكن القول إن التوجه نحو الخصخصة بمفهمومها الجزئي الضيق قد يكون جيداً بوجه عام، شريطة أن يتم ذلك في ضوء ضوابط حاسمة وأسس واضحة. نذكر منها مايلى:
(أ) أن يكون ذلك هو الحل الأمثل. مثل أن يكون صلاح المشروع العام متعذراً أو أن صلاحه لا يحقق العائد من ورائه، وهو في الوقت ذاته لا يمثل أهمية قومية لكل المجتمع من حيث الأمن أو الاقتصاد أو الاجتماع ......إلخ
والمشاهد في العديد من الدول الاسلامية المعاصرة أنها في فترة سابقة اندفعت نحو إقامة المزيد من المشروعات العامة بحق وبغير حق*، وعليها اليوم إسلامياً واقتصادياً أن تبادر بتصحيح هذه الأوضاع متخلية عما لم يكن لها من البداية الحق في إقامته. وما يتبقى من مشروعات تطبق عليها التوجيهات التي يقرها الإسلام، مع التأكيد على أنه لا يصح التفريط في ملكية وأحياناً في إدارة بعض المشروعات السلعية والخدمية.
ومن المهم إزالة لبس يقع فيه كثير من الناس وهو الربط الإيجابي بين دور الدولة أو وظائفها وبين القطاع العام، بمعنى أن قوة هذا معناها قوة ذاك، والعكس بالعكس، بل إن الأمر ليصل عند البعض إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث يرى إنهما مترادفان، مفادهما واحد، وكل ذلك غير صحيح.(37) فالقطاع العام ليس هو الدولة وليس هو كل دور أو وظائف الدولة، وإنما هو مجرد مشروعات عامة تقيمها الدولة أو لا تقيمها، توسع فيها أو تقلل منها. وقد يكون توسع الدولة فيها على حساب قوة الدولة ومتانة دورها، وقد يكون في تقليل الدولة منه مزيداً من القوة والفعالية للدولة.(10/32)
والأمثلة المعاصرة على ذلك لا تحتاج إلى بيان، والأمثلة التاريخية ظاهرة بارزة، فأين كانت قوة وضخامة حجم القطاع العام إبان الدولة الإسلامية في عهد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أو عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، أو عهد المنصور أو الرشيد، ومع ذلك كانت هذه الدول من القوة والفعالية بمكان. نخلص من ذلك إلى أنه يمكن تقليص القطاع العام دون أن يكون في ذلك مساس بدور الدولة وفعاليتها وقوتها.
(ب) أن تتم الخصخصة بالأسلوب الأمثل. من حيث التقويم وأسلوب التصرف وإتاحة الفرصة أمام الجميع، وعدم وجود شائبة محاباة أو رشاوي أو هدايا، فهي أموال عامة وهي أموال الناس كافة وما الدولة فيها إلا وكيلة عنهم، كما قال بحق ابن تيمية رحمه الله.(38)
(جـ) أن يتم التصرف في الأموال الناتجة عن الخصخصة بأقصى درجة من الرشادة المرتكزة على الكفاءة والعدالة معاً.
(د) ألا يترتب عليها تضييع حق للأمة في الحاضر أو المستقبل. وألا يتولد عنها وضع اقتصادي مناف لمبادئ الاقتصاد الاسلامي، مثل قيام احتكارات أو تفاوت واسع في التوزيع، أو سيطرة الأجانب على مواردها، أو غير ذلك مما يهدد مصالح الأمة، فالخصخصة في الأول والأخير ليست هدفاً أو غاية، وإنما هي وسيلة أو أسلوب لتحقيق هدف، يتمثل في توفير مصالح الأمة.
إن هذه الضوابط وغيرها تستهدف جعل عملية الخصخصة تحوز المشروعية الشرعية والاقتصادية والاجتماعية، كما تحوز القبول العام من قبل أفراد المجتمع، حتى لا يتعرض المجتمع لهزات عنيفة تقوض استقراره الاجتماعي والاقتصادي، بل والسياسي. ولعل هذا يذكرنا بما جره سوء فهم بعض الفئات لما قام به سيدنا عثمان من اقطاعات لبعض الأفراد من ويلات جسام على المجتمع الاسلامي ومسيرته الحضارية.(10/33)
أما الخصخصة بمفهومها الواسع والذي يفيد، كما سبق، التحول إلى نظام السوق، بحيث يكون السوق هو المهيمن على الحياة الاقتصادية، وقد يمتد إلى نواحي أخرى، وفي الوقت ذاته تهميش دور الدولة وتقليص وظائفها فإن ذلك مغاير للنهج الاسلامي، ومتعارض مع أصول النظام الاقتصادي الإسلامي، كما أنه ليس من صالح الدولة الإسلامية المعاصرة انسحاب حكوماتها من الحياة الاقتصادية تاركة إياها للقطاع الخاص، فهناك تحديات كبار لا يتأتى للقطاع الخاص مواجهتها في غيبة دولة قوية ذات دور بارز، هناك تحديات العولمة، وهناك تحديات التنمية، وهناك تحديات البيئة، وهناك التحديات الاجتماعية والسياسية. وهناك تحديات تتعلق بقدرات القطاع الخاص في هذه الدول وسلوكاته، وكل ذلك يحتم بقاء الدولة بقاء فعالاً في الساحة الاقتصادية لقيادة المجتمع القيادة السليمة نحو تحقيق أهدافه، وإلا كانت الأمة كسفينة وسط خضم لجى تتقاذفها عواصف وأمواج عاتية دونما ربان قوي ماهر، لا تلبث أن تفتك بها تلك الأنواء.
( ( (
الخاتمة:
نختم هذه الدراسة بهذا التقرير الأخير
إن الاقتصاد الاسلامي يؤمن بأن الدولة القوية الفعالة هي متطلب أساس لوجود قطاع خاص قوي وفعال ورشيد، كما يؤمن بأن وجود هذا القطاع الخاص القوي هو ركيزة أساسية من ركائز وجود الدولة القوية.
ويترتب على ذلك ضرورة وجود الطرفين معاً وبهذه المواصفات. مع تمييز دقيق وصريح وحاسم بين دور الدولة ودور القطاع الخاص. إن دور الدولة هو الحكم والسلطة والاشراف والتنظيم وضبط الايقاع وتهيئة المناخ والرقابة والمتابعة والدعم والتقويم، ودور القطاع الخاص هو الممارسة والتنفيذ للأنشطة الاقتصادية في ظل هذه الرعاية وذاك التقويم من قبل الدولة.
وأي نهج يغاير ذلك هو نهج غير مقبول من قبل الاقتصاد الاسلامي
………………والله أعلم
الهوامش
1) رابح رتيب،مستقبل الخصخصة، مؤسسة الأهرام، كتاب الأهرام الاقتصادى، أغسطس 1997، ص9 ومابعدها.(10/34)
2) بنك مصر،النشرة الاقتصادية، العدد الثاني، السنة الثالثة والأربعون،ص41، د.صديق عفيفى، التخصيصية وأصلاح الأقتصاد المصرى، مؤسسة الأهرام، مركز الدراسات الإقتصادية، سبتمبر 1991 .
3) نفسه ص 43، الأمم المتحدة، اللجنة الاقتصادية و الاجتماعية لغربى أسيا، تقييم برامج الخصخصة فى منطقة الإسكوا، د. محسن الخضيرى، الخاصخصة - منهج أقتصادى متكامل ..، القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية، ص 19 .
4) د. منير هندى، أساليب و طرق خصخصة المشروعات العامة - خلاصة الخبرات العالمية، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، 1995، ص 45، بنك مصر، مرجع سابق، ص 39 .
5) لا طلاع شيق على حوار فكرى قيم بين أنصار القطاع الخاص و أنصار القطاع العام يراجع تشارلز وولف، السوق و الحكومات - الاختيار بين بدائل غير مثالية، ترجمة د. على حسين حجاج، عمان : دار البشير، 1996 .
6) Perotti,Enrico "credipt privatization, The Americon Economic
7) Review ، Sep . 1995،P . 849
8) د. عبد القادر عطية،أتجاهات حديثة فى التنمية، الاسكندرية : الدار الجامعية للنشر، 1999، ص 315 .
9) بنك مصر، مرجع سابق، ص 40 .
10) نفسه .
11) صالح كامل، مفهوم وأهداف وسياسات عملية التخصيص، ضمن " دور المصاريف العربية فى التخصيصية و تطوير الاسواق المالية،بيروت، 1993، ص 40 وما بعدها، د. رابح رتيب، مرجع سابق . د. سعيد النجار، التخصيصية و التصحيحات الهيكلية فى البلاد العربية، صندوق النقد العربى، أبو ظبى، ديسمبر 1998، د. محمد صالح الحناوى، الخصخصة بين النظرية والتطبيق ، الاسكندرية، الدار الجامعية للطباعة و النشر، 1995، ص 13 وما بعدها .
12) بنك مصر مرجع سابق، ص50 وما بعدها .(10/35)
13) بنك الاسكندرية، التخصيصية و الاصلاح الاقتصادى، د. كريمة كريم (محرر) الاقتصاد المصرى : التحديات و السياسات من المنظور الاسلامى و الوضعى، 1997، بدون ناشر، ص76 . د. رابح رتيب، مرجع سلبق، ص 28 وما بعدها .
14) د . حازم الببلاوى، دور الولة فى الاقتصاد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1999، ص126 .
15) نفس المصدر، ص 9 .
16) د . شوقى دنيا، الدولة و الاقتصاد فى الفكر الاسلامى، المؤتمر العلمى السنوى الحادى و العشرين للاقتصادين المصرين، القاهرة، أكتوبر 1999 . وممن قال بتغير نطاق وظائف الدولة الاسلامية طبقاً للظروف . د . منذر قحف، القطاع العام ودوره فى توليد إيرادات التنمية، ندوة موارد الدولة المالية فى المجتمع الاسلامى من وجهة النظر الاسلامية، المعهد الاسلامى للبحوث و التدريب، 1989، 123 .
17) الماوردى، الاحكام السلطانية، القاهرة : مكتبة الحلبى، ص 15 وما بعدها، الجوينى، غياث الامم، الدوحة، الشئون الدينية، ص263 وما بعدها، المودودى، الخلافة والملك، الكويت : دار العلم، ص 26، د . عبد الله الثمالى، الحرية الاقتصادية وتدخل الدولة فى النشاط الاقتصادى فى الاسلام، دكتوراه، جامعة أم القرى، 1405، ص 340 وما بعدها، محمد المبارك، نظام الاسلام : الاقتصاد، بيروت : دار الفكر، 1980، ص 106 وما بعدها .
18) ابن الجوزى، سيرة عمر، ص 140 .
19) ابن سعد، الطبقات الكبرى، ص3, ص209 .
20) الماوردى، الاحكام، مرجع سابق، ص 193، وما بعدها، قوانين الوزارة، الاسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة، 1978 .
21) د .محمد بلتاجى، أثر تطبيق النظام الاقتصادى الاسلامى فى المجتمع، مؤتمر الفقه الاسلامى، جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية، 1404هـ، ص433 وما بعدها.
22) لمعرفة أوسع يراجع د. شوقى دنيا، الاسلام و التنمية الاقتصادية، القاهرة: دار الفكر العربى 1979 ص وما بعدها .(10/36)
23) لمزيدمن المعرفة يراجع د . عبد السلام العبادى، الملكية فى الشريعة الاسلامية، عمان : مكتبة الأقصى 1974، البهى الخولى، الثروة فى ظل الاسلام، 1971، ص 101، وما بعدها، محمد المبارك، مرجع سابق، ص 103 وما بعدها، د. عبد الوهاب حواس، الإقطاع فى الفقه الإسلامى، القاهرة : دار النهضة العربية ص 34 وما بعدها
24) الطحاوى، مختصر الطحاوى، القاهرة : بدون ناشر، 1370 هـ، ص 35
25) الكاسانى . بدائع الصنائع ، بيروت : دار الكتاب العربي، جـ3 ص52
26) ابن قدامه، المغنى، الرياض : مكتبة الرياض الحديثة، ج5 ص 572، وقد فصل القول فى ذلك تفصيلاً طيباً د. عبد الوهاب حواس، مرجع سابق، ص 65 وما بعدها
27) السرحى، البسوط، بيروت : دار المعرفة، ج3 ص52
28) د. عيسى عبده, النظم المالية، فى الاسلام، القاهرة : معهد الدراسات الاسلامية، 1965، ص 74 وما بعدها، د. إبراهيم أباظة، الاقتصاد الاسلامى 200 بيروت : دارلسان العرب ص 138وما بعدها د. ابراهيم أباظة، الاقتصاد الإسلامى بيروت : دار لسان العرب، ص 138 ومابعدها .
29) الماوردى، الاحكام السلطانية،، مرجع سابق، ص 193، دانيل دينيت، الجزية و الاسلام، ترجمة د. فوزى فهيم،، بيروت : مكتبة الحياة، ص 59 .
30) يحيى ابن آدم، الخراج، بيروت: دار المعرفة.
31) الدسوقى، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير، بيروت : دار الفكر، جـ1 ص 486، الماوردى، الاحكام، ص 193 .
32) ابن رشد ( الجد) المقدمات : بيروت : دار صادر، ص 225 . وفى نفس الصفحة ينص على جواز التأجير .
33) يحيى بن آدم، الخراج، دار المعرفة، بيروت ، ص 22، محمد باقر الصدر، اقتصادنا، بيروت : دار الفكر، 1969، ص 450 وما بعدها .
34) الماوردى، الأحكام، مرجع سابق، ص 193
35) يحيى بن آدم، مرجع سابق، ص 62
36) قوانين الوزارة، مرجع سابق، ص 67 .
37) مقدمة بن خلدون، بيروت : دار القلم، ص181 .
38) الماوردى، الاحكام، ص 185، قارن ابن قدامة، المغنى، جـ5 ص 570 .(10/37)
39) د. جواد العنانى، دور القطاع العام و القطاع الخاص الإقتصاديين فى التنمية من منظور إسلامى، ندوة التنمية من منظور إسلامى، عمان : المجمع الملكى لبحوث الحضارة الإسلامية، 1994، جـ2 ص 841 .
40) ابن تيمية، السياسة الشرعية، المطبعة السلفية، ص 17 .
المراجع
1- د.رابح رتيب، مستقبل الخصخصة، كتاب الأهرام الاقتصادي
(105) أغسطس 1997
2- بنك مصر، النشرة الاقتصادية، السنة الثالثة والأربعون، العدد الثاني، 2000م
3- د. صديق عفيفي، التخصيصية والاصلاح الاقتصادي المصري، مركز الدراسات الاقتصادية، الأهرام،1991
4- الأمم المتحدة، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، تقييم برامج الخصخصة في منطقة الإسكوا
5- د. محسن الخضيري، الخاصخصية...، القاهرة: مكتبة نجلو المصرية
6- د. منيري هندي، أساليب وطرق خصخصة المشروعات العامة- الخبرات العالمية، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، 1995
7- د. عبد القادر عطية، اتجاهات حديثة في التنمية، الاسكندرية، الدار الجامعية لنشر والتوزيع 1991
8- صالح كامل، مفهوم وأهداف وسياسات عملية الخصخصة، ندوة المصارف العربية ودورها في التخصيصية وتطوير الأسواق المالية، بيروت:1993
9- د. سعيد النجار، التخصيصية والتصحيحات الهيكلية في البلاد العربية، صندوق النقد العربي، أبو ظبي، 1998
10- د.محمد الحناوي، د. أحمد ماهر، الخصخصة بين النظرية والتطبيق المصري، الإسكندرية، الدار الجامعية للطباعة والنشر 1995
11- بنك الاسكندرية، التحصيصية والاصلاح الاقتصادي، مؤتمر"الاقتصاد المصري: التحديات والسياسات من المنظورين الاسلامي والوصفي" تحرير د.كريمة كريم 1997
12- د. حازم البلادي، دور الدولة في الاقتصاد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1999
13- د. شوقي دنيا، الدولة والاقتصاد في الفكر الاسلامي، المؤتمر العلمي السنوي الحادي والعشرون للاقتصاديين المصريين، الجمعية المصرية للإقتصاد السياسي والاحصاء والتشريع،1999(10/38)
14- د. منذر قحف، القطاع العام ودوره في توليد ايرادات التنمية، ندوة موارد الدولة المالية في المجتمع الإسلامي من وجهة النظر الاسلامية، المعهد الاسلامي للبحوث والتدريب، 1989
15- الماوردي، الأحكام السلطانية، القاهرة: مكتبة الحلبي
16- د. عبد الله الثمالي، الحرية وتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي في الاسلام، رسالة دكتوراه، جامعة أم القرى 1405
17- الماوردي، قوانين الوزارة، الاسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة للنشر والتوزيع.
18- د. شوقي دنيا، الإسلام والتنمية الاقتصادية، القاهرة: دار الفكر العربي، 1979
19- د. عبد السلام العبادي، الملكية في الشريعة الاسلامية، عمان: مكتبة الأقصى، 1974
20- البهي الخولي، الثروة في ظل الاسلام، القاهرة بدون ناشر 1971
21- د. عبد الوهاب حواس، الإقطاع فى الفقه الإسلامى، القاهرة : دار النهضة العربية.
22- الكاساني، بدائع الصنائع، بيروت: دار الكتاب العربي.
23- ابن قدامة، المغني، الرياض : مكتبة الرياض الحديثة
24- د. شوقي دنيا، تمويل التنمية في الاقتصاد الاسلامي، بيروت: مؤسسة الرسالة،1984
25- السرخسي، المبسوط، بيروت: دار المعرفة
26- د. عيسى عبده، النظم المالية في الاسلام، القاهرة: معهد الدراسات الإسلامية، 1965
27- دانيل دينيت، الجزية والاسلام، ترجمة د. فوزي فهيم، بيروت : مكتبة الحياة
28- الدسوقي، حاشبة الدسوقي على الشرح الكبير، بيروت: دار الفكر
29- ابن رشد، المقدمات، بيروت: دار صادر
30- يحيى بن آدم، الخراج، بيروت: دار المعرفة
31- محمد باقر الصدر، اقتصادنا، بيروت: دار الفكر
32- ابن خلدون، المقدمة، بيروت: دار القلم، 1986
33- ابن تيمية، السياسة الشرعية، القاهرة، المطبعة السلفية.
* ليس من الميسور هنا تقديم دراسة موسعة عن حجم المشروعات الاقتصادية العامة في البلاد الاسلامية المتعددة.
??
??
??
??
20 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي /جامعة أم القرى(10/39)
الخصخصة وتقليص دور القطاع العام وموقف الاقتصاد الإسلامي 19(10/40)
الرقابة الشرعية الفعالة
في المؤسسات المالية الإسلامية
أ . د. عبد الحميد محمود البعل
أستاذ الفقه والمقارنة - ورئيس قسم الاقتصاد بكلية الشريعة
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
المستشار باللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق الأحكام الشرعية الإسلامية بالديوان الأميري- الكويت
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
الهيئة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية اسمها مشتق من طبيعة عملها تضيف إلى الفكر الإداري والتنظيمي الوضعي منظومة شرعية جديدة تثريه وتؤثر فيه إيجابياً وتحقق المقصد الضروري العام في التشريع وهو مقصد "حفظ المال" بتكثيره ومنع الفساد فيه. وأن جوهر الدور الذي تقوم به الهيئة الشرعية هو: "الإفتاء والرقابة الشرعية" بما يستلزمانه من أعمال وإجراءات. وأن الفتوى في خصوصية عمل المؤسسات المالية الإسلامية تتوافر لها الأسباب الشرعية التي تجعلها ملزمة لتلك المؤسسات باختيارها لذلك ابتداء. وأن الرقابة الشرعية يجتمع فيها ثلاثة أمور متكاملة هي:
حق الرقابة الشرعية الذي يخول الهيئة الشرعية سلطة المنع من عمل ما، أو إتيان عمل ما، وما يستلزمه تنفيذ هذا وذاك من إجراءات معينة بنفسها وعن طريق "أجهزتها المعاونة" من التدقيق والمراجعة بقصد تحقيق أهداف المؤسسة المالية وفقاً لمبادئ وأحكام الشرعية الإسلامية. وأن التفرد والانفراد في جوهر عمل الهيئة الشرعية يُضفي طابع الاستقلال للهيئة الشرعية ويجعل عملها "ولائياً تنظيمياً". ولائي تستمد الحق فيه من أصول الشرع. وتنظيمي لما يجب أن يوضع في إطار الهيكل أو البناء التنظيمي للمؤسسة المالية، وما يجب أن يوضع له من "نظم ولوائح" تحدد الشروط والمواصفات الخاصة في أعضاء الهيئة، شرعية ومهنية، وكيفية ممارستها لعملها، ووضع تقاريرها، ومسئوليتها، وكل ما يتعلق بالهيئة الشرعية على ضوء الأصول الشرعية المرعية.(11/1)
وقرر البحث الحاجة الماسة إلى تفعيل دور الهيئة الشرعية من خلال وضع معايير الرقابة الشرعية يتم تبنيها من الهيئات الشرعية وتنفيذها واعتمادها وتعميم تطبيقها من الجهات الرقابية والإشرافية على المؤسسات المالية الإسلامية.
كما يستلزم أمر تفعيل الهيئات الشرعية وجود هيئة عليا للفتوى والرقابة الشرعية تمثل فيها الهيئات الفرعية تؤكد الاجتهاد الجماعي المعاصر. وتعمل على التنسيق والتقارب بين الهيئات الشرعية الفرعية، ولاشك أن الرقابة الشرعية الفعالة تنعكس آثارها إيجابياً على المؤسسات المالية الإسلامية في أمور كثيرة ونواحي عدة من أهمها/ الاطمئنان إلى سلامة التطبيق ودعم الثقة في أعمال ونشاطات تلك المؤسسات، مما يحدث ردود فعل إيجابية كثيرة في الأداء في النواحي المالية والاقتصادية، ومن ثم إمكانية إحداث تطوير جذري في أداء تلك المؤسسات، وتذليل الكثير من الصعوبات والمساعدة على بلورة رؤية واضحة لمؤشر إسلامي بديل عن مؤشر سعر الفائدة الربوية، لما تمليه الحاجة والضرورات العملية من وجود هذا المؤشر مع ما يقوم عليه من مرتكزات شرعية تفرضه وتوجبه، وما يتمتع به من معالم ومزايا تعمل على انبعاثه دون إبطاء، والأهم هو: انبعاث بلورة الأحكام الفقهية في المصرفية والتمويل والاستثمار والتجارة في الخطاب المحلي والعالمي بما يبرز خصائص المنهج الإسلامي للعالمين وبرنامجه للإصلاح، والمساهمة في إحداث تكامل حقيقي وتعاون فعلي بين المؤسسات المالية الإسلامية انطلاقاً من وحدة المنهج وتكامله الطبيعي الموضوعي. مما يؤكد تأصيل الشفافية في عالم المال والأعمال ومن ثم عدم ضياع المسئولية، وتحديدها وسهولة التقييم والتطوير، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
Abstract(11/2)
The Shari'a Control Committee (SCC) in Islamic financial institutions has a name derived from its functions. It adds a new organic structure to the traditional organizational administrative system, thus enriching and positively affecting it, which in turn achieves the general and imperative purpose of Shari'a, namely, "saving money" by developing it and avoiding its corruption. The fundamental role of SCC consists of "giving Fatwa and practicing Islamic control" along with all their implications and requirements. The application of Fatwo within Islamic financial institutions is mandatory since the institution has chosen the committee. The study shows that Shari'a Control (SC) has three complementary issues: The right of SC which gives SCC the authority to forbid or permit any transaction and procedures through SCC itself or by its "assisting systems", i.e. editing and reviewing, in order to achieve the financial institute purposes in conformity with Shari'a rules. The unique and authoritative nature of SCC work makes it independent and makes its job "authoritative and organizationally structured because SCC has a special position, regulations, and systems in the institution's framework. These regulations dictate special specifications and conditions for the SCC members including: Lawfulness (approved by Shari'a's laws), proessionalism, their reports, liability conditions, and all related issues should be in conformity with Shari'a's terms.(11/3)
Furthermore, the study concludes that there is an urge for activating SCC by fixing standards for Shari'a control. These standards should be adopted and executed by all controlling the Islamic financial institutions. The presence of a Supreme SCC including SCC representatives reveals itself necessary for the activation of SCC. The existence of such an entity confirms the necessity of contemporary collective Ijtihad, and insures approximation and coordination between Shari'a Control Committees.(11/4)
There is no doubt that active SC has positive effects on the Islamic financial institutions regarding many aspects. Giving confidence in the implementation of Shari'a in Islamic institutions is one aspect. Another aspect involves the reinforcement of trust in the activities of these institutions, which in turn, has positive effects on their economic and monetary performance. This leads to palpable development in their performance, solving, thus, many difficulties. Moreover, active SC helps in crystallizing a clear vision of and Islamic index, alternative to the interest index rate. The creation of the Islamic index is of a practical necessity considering its basis (Shari'a fundamentals) and advantages. Even more important issues include the reactivation of the Shari'a's juris prudence in banking, finance, investment and trade, locally and internationally, to project the characteristics of the Islamic system worldwide and its rehabilitation program; as well as the participation in the creation of a real integration and cooperation between Islamic financial institutions; and integration possible due to the objective unity and integrity of Shari'a's methodology (Manhaj). This latter confirms the transparency in business world, insures and determines the liability, and makes development and performance easier.
أهمية البحث:
تأتي أهمية هذا البحث في وقت تعاظمت فيه المؤسسات المالية الإسلامية من مصارف وشركات المال والاستثمار بأنواعها المختلفة وشركات التأمين وتعاظم حجم أنشطتها في مختلف أرجاء المعمورة.(11/5)
وتعتبر هيئات الرقابة الشرعية أهم جهاز مستحدث في بناء الهيكل التنظيمي لهذه المؤسسات، فعليه يدور جوهر نشاط وأعمال المؤسسات المالية الإسلامية ومن ثم فهو -أي هذا الجهاز- أعظم إنجاز حققه الفكر الشرعي في القرنين العشرين والواحد والعشرين. ولهذا وذاك تأتي الأهمية الفائقة لهذا البحث حين اختار أحدث وأهم إنجاز قدمه الفكر الشرعي للناس وهو الهيئة الشرعية التي تمارس أعمال الفتوى والرقابة في هذه المؤسسات ومن ناحية أخرى فإن كل تطوير لهذا الجهاز الشرعي يعني بالضرورة ومن باب اللزوم إحداث تطوير حقيقي في تلك المؤسسات وهو ما نحاول أن نجمع أطرافه في هذا البحث المختصر بإذن الله تعالى وقد قسمناه إلى ثلاثة مباحث هي:
المبحث الأول: الهيئة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية (مسماها - أساس وجودها ومشروعيتها- تأصيل اختصاصاتها).
المبحث الثاني: متطلبات الرقابة الشرعية الفعالة.
المبحث الثالث: آثار نظام الرقابة الشرعية الفعالة.
هذا وبالله التوفيق
المبحث الأول
الهيئة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية
الفرع الأول: مسمى الهيئة:
اسم الهيئة مشتق من طبيعة عملها:
تستمد الهيئة الشرعية اسمها من طبيعة عملها وهو أساساً العمل على تطبيق أو/ مراعاة تطبيق أحكام الشرعية الإسلامية على أعمال ونشاطات المؤسسة المالية المعنية.
ويتبلور عمل الهيئة الشرعية على هذا الأساس في اختصاصين جوهرين هما الأصل في عمل الهيئة الشرعية وما سواهما متفرع عنهما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وهذان الاختصاصان هما:
(1) الفتوى.………(2) الرقابة الشرعية.(11/6)
وما يتطلبانه ويستلزمانه من أعمال ونشاطات وإجراءات ، ويتحدد نطاق كل اختصاص بحسبه فى ذاته من ناحيته ، وبحسب الأهداف والأغراض التي تسعى المؤسسة المالية الإسلامية إلى تحقيقها ، والنصوص عليها وجوبا في عقد تأسيسها ونظامها الأساسي ، إذ إن تحديد الأهداف والأغراض التي قامت من اجلها المؤسسة المالية مطلب نظامي/ قانوني يتم على أساسه مراقبتها من قبيل الأجهزة الرقابية، ومحاسبتها، واتخاذ الإجراءات المناسبة حيالها في حالة الخروج على أي من هذه الأهداف والأغراض المنصوص عليها.
الفرع الثاني: أشكال المؤسسات المالية الإسلامية وانعكاسها على عمل الهيئة الشرعية:
الهيئة الشرعية على هذا الأساس جهاز مستحدث في المؤسسات المالية الإسلامية يتعين أن يتحدد موقعه الصحيح في "البناء التنظيمي" أو "الهيكل التنظيمي" للمؤسسة المالية.
ومن استقراء النظم والواقع يتبين أن المؤسسات المالية الإسلامية تتنوع في الغالب الأعم إلى ثلاثة أقسام رئيسة هي:
أولاً: المصارف.
ثانياً: الشركات المالية والاستثمارية.
ثالثاً: شركات التأمين التعاوني/ التكافلي الإسلامي.
والأولى هي التي تمارس المهنة المصرفية وفق فنونها وأساليبها المصرفية ونظمها الشرعية وتتقبل الودائع من الناس، ونعرفها بأنها: مؤسسة مالية مصرفية تتقبل الأموال وفقاً لقاعدتي "الخراج بالضمان" و"الغرم بالغنم" وتوظيفها في وجوه التجارة والاستثمار طبقاً لمقاصد الشريعة الإسلامية وأحكامها التفصيلية. وتميزها مجموعة الخصائص والفروق الجوهرية التي تفرق بينها وبين البنوك -التقليد- يوضحها الجدول التالي الذي صممناه لهذا الغرض.
جدول
أهم الفروق الجوهرية بين
البنك التقليدي والبنك الإسلامي
م
عنصر المقارنة
البنك التقليدي
البنك الإسلامي
1
النشأة
نزعة فردية مادية للتجار في النقود وتعظيم الثروة.
أصل شرعي لتطهير العمل المصرفي من الفوائد الربوية والمخالفات الشرعية الأخرى.
2
المفهوم(11/7)
أحد مؤسسات السوق النقدي التي تتعامل في الائتمان النقدي وعمله الأساسي والذي يمارسه عادة قبول الودائع لاستعمالها في عمليات مصرفية كخصم الأوراق التجارية وشرائها وبيعها ومنح القروض وغير ذلك من عمليات الائتمان.
مؤسسة مالية مصرفية تتقبل الأموال على أساس قاعدتي "الخراج بالضمان" و"الغرم بالغنم" للاتجار بها واستثمارها وفق مقاصد الشريعة وأحكامها التفصيلية.
3
طبيعة الدور
مؤسسة مالية وسيطة بين المدخرين/المودعين والمستثمرين
لا يتسم دوره بحيادية الوسيط بل يمارس المهنة المصرفية والوساطة المالية بأدوات استثمارية وتجارية يكون فيها بائعاً ومشترياً وشريكاً.. الخ.
4
أساس التمويل
يقوم على أساس القاعدة الإقراضية بسعر فائدة.
يقوم على أساس القاعدة الإنتاجية وفقاً لمبدأ الربح والخسارة.
5
صفة المتعامل معه
مودع ومدخر فهو مقرض ودائن أو مقترض ومدين وكلاهما على أساس الفائدة.
مستأجر لبعض الخدمات المصرفية كصناديق الأمانات.
صاحب حساب جاري على أساس "القرض الحسن" و"الخراج بالضمان".
صاحب حساب استثماري فهو رب مال.
مشتري/بائع في جميع أنواع البيوع الحلال.
شريك.
6
المحظور والجائز
* الأصل أنّه يحظر عليه ممارسة التجارة أو الصناعة أو أن يمتلك البضائع إلا سداداً لدين له على الغير عل أن يبيعه خلال مدة معينة.
* يحظر عليه شراء عقارات غير التي يحتاج إليها لممارسة أعماله، أو أن يتملكها سداداً لدين له على أن يبيعها خلال مدة معينة.
* يجوز له أن يشتري لحسابه الخاص أسهم الشركات التجارية الأخرى في حدود نسبة محددة من أمواله الخاصة أو بناء على موافقة مسبقة من البنك المركزي.
الأصل أنه يجوز له ممارسة التجارة والصناعة وتملك البضائع وشراء العقارات والتعامل في أسهم الشركات التجارية بالضوابط الشرعية.
7
الموارد المالية الذاتية
* يستطيع إصدار أسهم ممتازة.
لا يستطيع ذلك لوجود معنى الربا فيها.
8
الموارد المالية الخارجية(11/8)
* الودائع والقروض على أساس الفائدة.
- لا يقرض ولا يقترض بفائدة ويوجد به حسابان للاستثمار:
- ح.ث. العام، و ح.ث. الخاص، ويؤسس الأول على قواعد المضاربة المطلقة ويؤسس الثاني على قواعد المضاربة المقيدة.
9
الاحتياطي العام
* يستقطع من صافي ربح البنك.
- يستقطع من صافي الربح الذي يخص المساهمين فقط.
10
استخدامات الأموال
* الجزء الأكبر من الأموال يستخدم في الإقراض بفائدة.
- الجزء الأكبر من الأموال يتم توظيفه على أساس صيغ التمويل الاستثمار الإسلامية من البيوع والمشاركات والمضاربات وغيرها.
11
الوظيفة الرئيسية
* يقوم بصفة أساسية ومعتادة بقبول الودائع وتقديم القروض للغير على أساس الفائدة.
- مضارب في مضاربة مطلقة باعتبار المودعين في مجموعهم رب مال، وللمضارب أي البنك أن يضارب فيكون رب مال وأصحاب العمل (المستثمرون) هم المضارب.
- وكيل استثمار بأجر معلوم.
12
الادخار وتنمية الوعي الادخاري
* طبقاً للنظرية الوضعية الادخار هو الفائض من الدخل بعد الاستهلاك، لذلك يبحث البنك التقليدي عن الأموال لدى الأغنياء.
* لذلك يهتم بكبار أصحاب الأموال على حساب تنمية الوعي الادخاري لدى الأفراد عموماً.
- الادخار تأجيل اتفاق عاجل إلى آجل فهو عملية سلوكية ابتداء لذلك يبحث البنك الإسلامي عن الأموال لدى جميع الأفراد أغنياء وفقراء.
- لكل فئة من فئات المجتمع دوافعها الادخارية ولذلك تتنوع هذه الدوافع ومن هنا يهتم البنك الإسلامي بتنمية الوعي الادخاري لدى الجميع تحقيقاً لدوافعهم الخاصة.
13
المتاجرة على الملكية
* تغطي الملكية إجمالي الأموال التي يستطيع البنك التجاري بناء عليها أن يحصل على القروض، واستخدام الأموال المقترضة على أساس سعر الفائدة لتحقيق أكبر عائد لأصحاب البنك.(11/9)
- لا يعتمد على المتاجرة على الملكية ومن ثم على الفرق بين الفائدة الربوية الدائنة والمدينة، وإنما يعتمد على استثمار الأموال والاتجار بها وفق الصيغ والأدوات الشرعية.
14
الربح
* يتحقق من الفرق بين الفائدة الدائنة والمدينة في عمليات البنك.
- يتحقق بأسبابه الشرعية من: المال - العمل - الضمان - وفق الأساليب الشرعية المحددة لكل سبب.
15
الخسارة
* يتحملها المقترض وحده حتى ولو كانت لأسباب لا دخل له فيها.
- يتحملها البنك إذا كان رب مال في مضاربة، وفي البيوع إذا حدثت حوالة الأسواق، وبقدر رأس المال دائماً في المشاركات.
16
عناصر الـ 5C'S:
CAPITAL
COLLATERAL CAPACITY CHARACTER CONDITION
* الأهمية النسبية للضمانات أكثر.
* الاهتمام برأس المال وبالقدرة الإيرادية أكثر.
- الأهمية النسبية لشخصية المتعامل وأخلاقياته أكثر.
- الاهتمام بالقدرة الإيرادية أكثر.
- والمهم أن الوزن النسبي لهذه العناصر الخمسة يختلف عن البنك التجاري بحسب طبيعة كل منهما المختلفة وكذلك طبعية أعماله ونشاطاته التي يقوم بها وآلياتها في الممارسة العملية.
17
الخدمات المصرفية
* تؤدي مقابل ما يسمى عمولة تعتبر مصدراً من مصادر الإيراد لا تتقيد بـ طبيعة الخدمة ولا بالحلال والحرام.
- تؤدي نظير التكاليف الفعلية لهذه الخدمة وتتقيد بالحلال والحرام.
18
طريقة احتساب الفائدة
* تحتسب الفائدة ضمن عناصر تكلفة رأس المال ومن ثم تؤثر على الربح.
- الربح أو الخسارة بعد خصم المصروفات والنفقات فقط ولا وجود للفائدة فيها، والربح وقاية لرأس المال وجابر له من الخسران.
19
الرقابة
* نوعان من الرقابة: من قبل الجمعية العمومية، والسلطات النقدية.
- ثلاثة أنواع من الرقابة: الرقابة الشرعية، ومن قبل الجمعية العمومية، والسلطات النقدية.
20
إعسار المدين
* إذا كان غير مماطل فلا يسمح له بمهلة سداد، ويلتزم بفوائد تأخير.(11/10)
* وإذا كان مماطلاً فبالإضافة إلى ما تقدم تكون المقاضاة.
- إذا كان غير مماطل يعطى مهلة سداد (فنظرة إلى ميسرة) ولا يلتزم بأي زيادة على الدين، وقد يعفى من الدين في حالة الإعسار الكامل وضآلة المبلغ.
- وإذا كان موسراً مماطلاً تكون المقاضاة والعقوبة.
21
صندوق الزكاة
* لا مكان له فيه.
- أحد الركائز في تطبيق المنهج الاقتصادي الإسلامي، ولتحقيق التكافل الاجتماعي فهو أحد المزايا التنافسية القوية .. الخ.
22
مقاصد الشريعة وأولوياتها
* ليس لها مكان فيه وإن حصل بعض التوافق فهو جزئي.
- من أهم محددات آلية العمل وممارسة النشاط.
والثانية هي التي تمارس الأعمال الاستثمارية وفق نظم الشركات الشرعية والتي لا تتبع الأساليب المصرفية، وتعرف الشركة: بأنها اتفاق بين اثنين أو أكثر على خلط ماليهما وعملهما أو التزاميهما في الذمة بقصد الاسترباح.(1)
أما الثالثة فهي شركات التأمين: ويقصد بها الشركات التي تمارس نشاط التأمين التعاوني/التكافلي الإسلامي، والتي يميزها مجموعة من الخصائص والفروق الجوهرية التي تفرق بينها وبين شركات التأمين التجاري التقليدية يوضحها الجدول التالي الذي صممناه لهذا الغرض.
جدول أساسيات وعناصر المناظرة
بين التأمين التجاري والتعاوني الإسلامي
م
عنصر المقارنة
التأمين التجاري
التأمين التعاوني الإسلامي
1
المعنى
عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد مبلغاً من المال أو إيراداً مرتباً أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد، وذلك في نظير مقابل نقدي يؤديه المؤمن له للمؤمن، فهو عقد معاوضة مالية احتمالي.(11/11)
عقد تبرع بين مجموعة من الأشخاص للتعاون على تفتيت الأخطار المبينة في العقد والاشتراك في تعويض الأضرار الفعلية التي تصيب أحد المشتركين والناجمة عن وقوع الخطر المؤمن منه وذلك وفقاً للقواعد التي ينص عليها نظام شركة التأمين والشروط التي تتضمنها وثائق التأمين وبما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.
2
الأساس الفقهي والقانوني
المعاوضة بين قسط التأمين ومبلغ التأمين.
التبرع بقسط التأمين لهيئة المشتركين.
3
ملكية الأقساط
لشركة التأمين أي المؤمن وحده.
لهيئة المشتركين في التأمين التعاوني في مجموعهم.
4
الأطراف
المؤمن والمؤمن له.
كل طرف مشترك يعتبر مؤمناً ومؤمناً له.
5
حساب القسط
يدخل فيه ربح شركة التأمين وسعر الفائدة كأساس في الحساب.
لا يعتبر الربح هو المقصد والهدف ولا وجود لسعر الفائدة فيه.
6
الربح
* مقصود أساسي وتنفرد به شركة التأمين.
* يتحمله المؤمن لهم كعنصر من عناصر القسط.
تبع لا قصد. إذا حصل ربح أو فائض تأميني يستفيد منه المشتركون في التأمين وأنه تابع لنتائج استثمار أموال التأمين وليس مقصوداً ابتداء في العلاقة بين الاشتراك ومبلغ التأمين.
7
سعر الفائدة
جزء من حقيقته سواء في ذلك ربا النسيئة وربا الفضل.
لا وجود فيه لسعر الفائدة.
8
الغرر
* كثير مؤثر في عقد التأمين القائم على المعاوضة.
- الغرر لا يؤثر في عقود التبرعات فهو مغتفر.
9
طبيعة العقد
يربط بين مصالح ليست من طبيعة واحدة وتوصف بأنها متعارضة.
- يربط بين مصالح من طبيعة واحدة ومتوافقة وليست متعارضة. مصلحة هيئة المشتركين.
10
الخطر المؤمن منه
يراعى فيه معطيات قانون الاحتمالات وقانون الأعداد الكبيرة والكثيرة، ومن ثم تحقيق مصلحة شركة التأمين أولاً وأخيراً إذ تعمل شركات التأمين وفق مبدأ تعظيم الربح.(11/12)
يراعى فيه أساساً تفتيت الأخطار والتعاون في تحمل الأضرار الناجمة عنها والمترتبة عليها لأي عضو في هيئة المشتركين في التأمين ومن ثم تحقيق مصلحته أولاً أي مصلحة الأعضاء فيه.
11
الغاية (الهدف الكلي العام)
التعاون والأمن والاحتياط للمستقبل.
التعاون والأمن والاحتياط للمستقبل.
12
مبلغ التأمين
قد يكون أقل أو أكثر من الضرر الحاصل.
يكون دائماً لجبر الضرر الحاصل.
13
استثمار الأموال
لا يراعى فيه أحكام الحلال والحرام.
- يجب أن يتم وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
14
الأشباه والنظائر
ليست له أشباه أو نظائر في الفقه إلا على رأي من أجازوه ومردودة كلها.
له أشباه ونظائر في الفقه منها:
- إجماع السلف وفقهاء الأمصار على القسامة ووجوب الدية على العاقلة في القتل الخطأ.
- إجماع الفقهاء على جواز الكفالة.
وكلاهما قائم على التبرع الملزم.
15
الحكم الشرعي
حرام باتفاق أكثر المجامع الفقهية والغالبية العظمى من الفقهاء.
حلال باتفاق المجامع الفقهية والغالبية العظمى من الفقهاء.
الفرع الثالث: أساس وجود الهيئة الشرعية ومشروعيتها:
تستمد الهيئة الشرعية أساس وجودها وسبب مشروعيتها -في نظرنا- من ثلاثة أوجه هي:
أولاً: النظام الأساسي وعقد التأسيس:
فالنظام الأساسي وعقد التأسيس الصادران بإنشاء المؤسسة المالية الإسلامية يجب أن يتضمنا النص صراحة على الهيئة الشرعية وإلزامية وجودها وطريقة عملها وكيفية تشكيلها وإلزامية قراراتها ويأتي هذا النص في الغالب استناداً إلى إلزام المؤسسة المالية نفسها بتحريم التعامل بالفوائد الربوية أخذاً وإعطاء أو النص الخاص بالتزام المؤسسة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء.
ثانياً: النظام القانوني: إن وجد- المنظم للمؤسسات المالية الإسلامية في إنشائها طريقة عملها ومزاولتها لأنشطتها والمحظور عليها منها، والمرخص به لها، وإجراءات القيد والشطب والجزاءات التي توقع عليها.. الخ.(11/13)
ثالثاً: لائحة الهيئة الشرعية ذاتها : التي تضعها الهيئة لنفسها ويصدرها مجلس الإدارة كإحدى الوثائق الأساسية في المؤسسة المالية حيث تتضمن: نظام عمل الهيئة الشرعية واختصاصاتها ومسئولياتها واستقلاليتها وتنظيم علاقتها بسائر إدارات وأقسام المؤسسة في الهيكل التنظيمي وتقرير الهيئة السنوي الشامل.
ولاشك أن وجود هذه الوثائق الأساسية السابقة يعتبر الأساس الأول في:
(أ) تكييف/تخريج علاقة الهيئة الشرعية بالمؤسسة المالية واستقلاليتها.
(ب) تحديد طبيعة عملها ونطاقه.
(ج) بيان اختصاصاتها وإلزامية قراراتها كما سيأتي سرده تفصيلاً مما يعتبر تجديداً وتطويراً في صلب الهيكل التنظيمي للمؤسسات المالية الإسلامية ونظامها الإداري والفني. وهو ما يوضحه الرسم التوضيحي التالي(2):
شكل رقم (1)
شكل رقم (2)
الفرع الرابع: اختصاصات الهيئة الشرعية وتأصيلها:
مما يسعفنا في تأصيل واستيعاب اختصاصات الهيئة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية ما ذكره الإمام الشاطبي -رحمه الله- قال(3):
تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام: ضرورية وحاجية وتحسينية.
فأما الضرورية (ومنها مقصد حفظ المال) الحفظ لها يكون بأمرين:
(أحدهما) ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود أي بفعل ما به قيامها وثباتها.
(والثاني) ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم أي ترك ما به تنعدم.
ولا شك أن ما يقيم أركان مقصد حفظ المال ويثبت قواعده هو بيان لمصالح المعاملات وسائر التصرفات ليسعى العباد (المؤسسات) في تحصيلها(4) وهذا هو مراعاة جانب الوجود كما يقول الشاطبي.
وأن ما يدرأ عنه (مقصد حفظ المال) الاختلال الواقع أو المتوقع فيها هو بيان المخالفات ليسعى العباد (المؤسسات) في درئها(5).(11/14)
والشر كله في المخالفات ولذلك جاء القرآن بالحث على الطاعات دقها وجلها قليلها وكثيرها جليلها وحقيرها والزجر عن المخالفات دقها وجلها قليلها وكثيرها جليلها وحقيرها.
والخلاصة:
أن الحفظ للمال يكون من جانب الوجود ببيان مصالح المعاملات وسائر التصرفات، ومن جانب العدم ببيان المخالفات لدرء الاختلال الواقع أو المتوقع فيها.
ولاشك أن بينهما ارتباطاً وثيقاً بين المصالح وجلبها، وبيان المخالفات ودرئها.
المخالفات الشرعية على دربين:
ولكن الأهم في عرف أعمال هيئة الرقابة الشرعية هو المخالفات الشرعية الواقعة أو المتوقعة مما يجعلنا نقول إن المخالفات الشرعية في الممارسات العملية للمؤسسات المالية الإسلامية على دربين:
الدرب الأول: مخالفات شرعية بالإتيان أو بالفعل، بمعنى حصول أمر يخالف الشرع من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس الصحيح وهو ما تضطلع ببيانه هيئات الفتوى والرقابة الشرعية.
الدرب الثاني: مخالفات شرعية بالترك بمعنى عدم إعمال الحكم الشرعي إذ لم تشتمل عليه الأعمال والنشاطات التي تقوم بها المؤسسة المالية، وهنا أيضاً نكون بصدد مخالفة شرعية إذ لم يتضمن العمل والنشاط ما كان يجب أن يتضمنه من أحكام شرعية دل عليها الدليل الشرعي الصحيح فالأحكام الشرعية يجب صيانتها من ناحية وقوع ما يخالفها وكذلك من ناحية عدم إعمالها أو إهمالها.
على هذا الأساس نستطيع القول مطمئنين أن الاختصاص الأصيل والجامع في عمل الهيئة الشرعية يكمن في: "الفتوى والرقابة الشرعية" فهما جوهر دور الهيئة الشرعية وما يستلزمه كل منهما من أعمال ونشاطات وإجراءات وهو ما نتناوله بشيء من البيان فيما يلي:
أولاً: الفتوى:
1- الفتوى اصطلاحاً:
تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأل عنه(6) وهذا يشمل السؤال في الوقائع وغيرها. فالفتوى إخبار عن الحكم الشرعي وعن دليله، والمفتي في حكم من يخبر عن الشرع بما لا اختصاص له بشخص(7).(11/15)
2- الحكم التكليفي (فرض على الكفاية):
الفتوى فرض على الكفاية إذ لابد للمسلمين ممن يبين لهم أحكام دينهم فيما يقع لهم ولا يحسن ذلك كل أحد فوجب أن يقوم من لديه القدرة(8)، ومما يدل على فرضيتها قول الله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه( آل عمران/187.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سئل عن علم ثم كتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار"(9).
3- التزام الفتوى وعدم إلزامها:
(أ) من سئل عن الحكم الشرعي من أهل الفتوى يتعين عليه الجواب بشروط:
…أ- أن لا يوجد في الناحية غيره ممن يتمكن من الإجابة.
…ب- أن يكون المسؤول عالماً بالحكم.
…ج- أن لا يمنع من وجوب الجواب مانع(10).
(ب) الأصل في فتوى المفتي لا يرتبط بها إلزام بخلاف القاضي(11) إذ لا يجب على المستفتي العمل بقول المغني لمجرد إفتائه إلا بالتزامه(12) قاله السمعاني وقال: ويجوز أن يقال: إنه يلزمه إذا أخذ في العمل به. وقيل: يلزمه إذا وقع في نفسه صحته وحقيته. وهذا أولى الأوجه(13).
قال ابن الصلاح لم يجد هذا لغير السمعاني وقد حكى هو بعد ذلك (السمعاني) عن بعض الأصوليين: أنه إذا أفتاه بما هو مختلف فيه خيره بين أن يقبل منه أو من غيره. ثم اختار هو: أنه يلزمه الاجتهاد في أعيان المفتين، ويلزمه الأخذ بفتيا من اختاره باجتهاده ولا يجب تخييره.
ويعقب ابن الصلاح على قول السمعاني بقوله:(11/16)
والذي تقتضيه القواعد أن نفصل فنقول: إذا أفتاه المفتي نظر فإن لم يوجد مفت آخر لزمه الأخذ بفتياه ولا يتوقف على التزامه لا بالأخذ به في العمل به ولا بغيره، ولا يتوقف أيضاً على سكون نفسه إلى صحته في نفس الأمر فإن فرضه التقليد كما عرف وإن وجد مفت آخر فإن استبان له أن الذي أفتاه هو الأعلم الأوثق لزمه ما أفتاه به بناء على الأصح في تعيينه كما سبق وإن لم يستبن ذلك لم يلزمه ما أفتاه به بمجرد إفتائه إذ يجوز له استفتاء غيره وتقليده ولا يعلم اتفاقهما في الفتوى فإن وجد الاتفاق أو حكم به عليه حاكم لزمه حينئذ.
وقد ذكر الخطيب البغدادي(14) أوصاف المفتي الذي يلزم قبول فتواه من أن يكون عدلاً ثقة عالماً بالأحكام الشرعية.. الخ وأورد عن الشعراني قوله: للرجل أن يفتي إذا كان بصيراً بالرأي بصيراً بالأثر.
وقال الخطيب البغدادي إذا لم يكن بالموضع الذي هو فيه مفت سواه لزمه فتوى من استفتاه لقوله تعالى: "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون". البقرة/ 159.
وقوله تعالى: ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون(. آل عمران/187.
الخلاصة: ونخلص من ذلك إلى:
أولاً: أن الفتوى واجبة على المفتي إذا سئل لم يوجد مفتٍ آخر.
ثانياً: وأن المستفتي لا يلتزم بفتوى المفتي وجوابه إلا:
(1) إذا ألزم نفسه.
(2) إذا أخذ في العمل بقول المفتي وجوابه.
(3) إذا وقع في نفسه صحته وحقيته وهذا أولى الأوجه عند من يراه.
(4) إذا اختار المفتي.
(5) أن لم يكن بالموضع الذي هو فيه مفت سواه.
(6) إذا استبان للمستفتي أن الذي أفتاه هو الأعلم الأوثق(15).
(7) إذا اتفق قول من وجده منهم أو حكم بقول المفتي حاكم(16).
(8) أن يفتيه بقول مجمع عليه لعدم جواز مخالفة الإجماع(17).(11/17)
(9) إذا استفتى المتنازعان في حق فقيهاً والتزما العمل بفتياه فيجب العمل بما أفتاهما.
4- ما يفتى فيه:
- يدخل الإفتاء في الأحكام الاعتقادية.
- ويدخل في الأحكام العملية جميعها ويدخل في الأحكام التكليفية كلها وهي: الواجبات والمحرمات والمندوبات والمكروهات والمباحات.
- ويدخل الإفتاء في الأحكام الوضعية كالإفتاء بصحة التصرفات وبطلانها(18).
وهذا يستلزم:
أن يعلم المفتي انطباق الحكم على الواقعة المسؤول عنها ولكل واقعة معينة خصوصية ليست في غيرها وليست الأوصاف التي في الوقائع معتبرة في الحكم كلها ولا هي طردية كلها وهو ما يتطلب من المفتي أن يحقق وجود الحكم في الوقائع فإذا حقق وجوده فيها أجراه عليها وهذا اجتهاد لابد منه، وهذا النوع من الاجتهاد هو المسمى بتحقيق المناط لأن كل صورة من صور النازلة نازلة مستأنفة في نفسها وإن فرضنا أنه تقدم لها نظير فلابد من النظر في تحقيق كونها مثلها أولاً وهو نظر اجتهاد(19).
ثانياً: الرقابة الشرعية(20):
1- معناها:
استعمالات مادة (ر ق ب) في اللغة كثيرة ردها ابن فارس إلى أصل واحد فقال: الراء والقاف والباء أصل واحد مطرد يدل على "انتصاب لمراعاة شيء" ومن ذلك الرقيب وهو الحافظ(21).
وذلك بهدف التأكد من أن الأنشطة التي تقوم بها المؤسسة لا تخالف الشريعة ويتطلب تحقيق هذا الهدف أن يكون تطبيق أحكام الشريعة ملزماً للمؤسسة.
وكذلك بهدف التأكد من التزام المؤسسة بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية حسبما جاء في الفتاوى والقرارات والإرشادات الصادرة عن هيئة الرقابة الشرعية للمؤسسة المالية المعنية.
هذا وقد تعددت تعريفات الرقابة الشرعية وكان لنا سبق بيان ارتباطها بأهداف المؤسسة المالية التي يتعين النص عليها قانوناً في عقد التأسيس والنظام الأساسي ومن ثم تدور معها بحسبها، وبناء عليه قلنا إن الرقابة الشرعية أحد أجهزة البنك الإسلامي المستحدثة التي تعاونه في تحقيق أهدافه(22).(11/18)
ويمكننا القول بأن تعاريف الرقابة تتميز بثلاثة اتجاهات متكاملة هي:
الاتجاه الأول: يهتم بالجانب الوظيفي للرقابة ويركز على الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها.
الاتجاه الثاني: يهتم بالرقابة من حيث كونها إجراءات ويركز على الخطوات التي يتعين إجراؤها للقيام بعملية الرقابة.
الاتجاه الثالث: يهتم بالأجهزة التي تقوم بالرقابة وتتولى المراجعة والفحص والمتابعة وجمع المعلومات وتحليل النتائج.
2- مهمة الرقابة على ضوء الأصول الشرعية السابقة ومستلزماتها العملية:
تأسيساً على ما تقدم في معنى الرقابة الشرعية وعلى الواقع العملي نقول:
إنه إذا كان المعنى اللغوي هو الحفظ والانتصاب لمراعاة الشيء فإن هذا الشيء هنا هو مقصد حفظ المال في الشرع ومراعاته إنما تكون من ناحيتي الوجود (أي بيان مصالح المعاملات وسائر التصرفات) والعدم (أي بيان المخالفات الواقعة والمتوقعة) وأن المخالفات على دربين: مخالفات بالإتيان ومخالفات بالترك.
ومما لا جدال فيه أن القيام بمهمة الرقابة وفق هذه الأصول الشرعية يتسع لما لا حصر له من الأعمال والواجبات مثل:
* فحص العقود والاتفاقيات والسياسات والمنتجات والمعاملات وعقود التأسيس والنظم الأساسية والقوائم المالية وتقارير المراجعة الداخلية وتقارير عمليات التفتيش والتعاميم.
* وإصدار القرارات والإرشادات والإجراءات اللازمة لتصحيح مسيرة العمل ووضع الضوابط والقواعد اللازمة للأنشطة كافة.
* وإبداء الرأي والمشورة والمناقشة والمعاونة في تحسين الأداء وأولويات الاستثمار وكيفية توزيع الزكاة.
* ومتابعة ومراجعة العمليات للتحقق من خلوها من أي محظور شرعي.
* وضع نماذج العقود والخدمات وتعديلها وتطويرها عند الاقتضاء.
3- مستويات الرقابة الشرعية:
يقول ابن القيم "المفتي محتاج إلى قوة في العلم وقوة في التنفيذ"(23).
ويقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) "فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له"(24).(11/19)
ومن هنا نقول إن الهيئة الشرعية لا يقتصر دورها على إصدار الفتاوى للمؤسسة المالية وإنما معاونتها في تحقيق أهدافها المنوطة بها في نظامها الأساسي وعقد تأسيسها(25) ومن ثم فإن تحقيق هذا الهدف يستتبع قيام الهيئة بالرقابة الشرعية ومنها متابعة وتدقيق وفحص دقة تنفيذ الفتاوى وتطبيقها على الوجه السليم وبخاصة أن هناك العديد من المشاكل التي تثور عند التنفيذ وهذا وذاك يجعلنا نقول إن الرقابة الشرعية تكون على مستويين على الأقل هما:
الرقابة السابقة والمتمثلة على وجه أخص في الإفتاء وإبداء الرأي الشرعي ابتداء.
الرقابة اللاحقة للسابقة والمتمثلة في كل ما تتضمنه الرقابة الشرعية على نحو ما سبق تفصيله.
4- خلاصات: مما سبق سرده في الرقابة الشرعية من ناحية معناها وتأصيلها الشرعي وتحديد مهمتها ومستوياتها نستطيع القول:
أ- الرقابة الشرعية حق شرعي للهيئة: فالرقابة الشرعية من ناحية تعلقها بأصول الشرع في حفظ المال من ناحيتي الوجود والعدم ومنع المخالفات بأنواعها فيه هي حق شرعي للهيئة الشرعية.
ب- الرقابة الشرعية سلطة يخولها إياها حقها الشرعي: فالرقابة الشرعية من ناحية وجودها في المؤسسة المالية المعنية تمارس مهمة وظيفية ذاتية يمكن تسميتها بأنها سلطة يخولها إياها حقها الشرعي في الرقابة وتصدر بمقتضاها القرارات اللازمة والمناسبة لتحقيق غرضها سواء كان بالمنع أو الإتيان أي المنع من عمل معين أو إتيان عمل معين ترك وما يستلزمه تنفيذ هذا وذاك من إجراءات معينة وهذا هو التعريف الذي نرتضيه ونقول به.
ج- إن حق الهيئة الشرعية في الرقابة وما يخوله لها من سلطة المنع من عمل ما أو إتيان عمل ما، يتم بتنفيذه ومتابعته وتدقيقه عن طريق أجهزتها المعاونة، والتي أيضاً تقدم لها المعلومات وتحلل النتائج.
إذن الرقابة الشرعية في أدق وأبسط معانيها -من وجهة نظرنا- هي:(11/20)
حق شرعي يخول الهيئة الشرعية سلطة معينة تمارسها بنفسها وعن طريق أجهزتها المعاونة بهدف تحقيق أهداف المؤسسة المالية وفقاً لمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية.
المبحث الثاني
متطلبات الرقابة الشرعية الفعالة
الفرع الأول : وضع الهيئة الشرعية في البناء التنظيمي للمؤسسة المالية
الهيئة الشرعية جهاز مستحدث متفرد في عمله:
(1) الهيئة(26):
الهيئة -على ضوء ما سبق- تعني الجماعة المنوط بها الفتوى والرقابة الشرعية وما يستلزمانه من أعمال ونشاطات وإجراءات، وقد جاء في المعجم الوسيط في معاني الهيئة: الجماعة من الناس يعهد إليها بعمل خاص، يقال: هيئة الأمم المتحدة، وهيئة مجلس الإدارة وجاء المجلس بكامل هيئته، الجمع هيئات.
ومن ثم فالهيئة الشرعية الجماعة من الفقهاء على اختلاف تخصصاتهم التي يعهد إليها بالإفتاء والرقابة الشرعية.
(2) جهاز مستحدث مستقل:
وعلى ضوء ما سبق فلنتفق على أن الهيئة الشرعية كجهاز مستحدث مستقل(27) في بناء الهيكل التنظيمي للمؤسسات المالية الإسلامية والتي تمارس أعمالها تتبلور مهمتها الرئيسية حول: الفتوى والرقابة الشرعية بالمعنى الفني واللغوي والاصطلاحي الدقيق لهذين المصطلحين وما يستتبعه كل منهما ويستلزمه لزوم اقتضاء من أعمال وإجراءات حتى تتمكن الهيئة الشرعية من القيام بهذه المهمة على خير وجه يرضي الله ورسوله والناس.
على هذا الأساس تنفرد الهيئة الشرعية بالفتوى والرقابة الشرعية باعتبارهما جوهر عملها وإن كانتا تستلزمان وتستتبعان الكثير من الأعمال والنشاطات التي لا تدخل تحت حصر بحسب طبيعة المؤسسات المالية وما تقوم عليه من أغراض وأهداف وفقاً لعقود تأسيسها ونظمها الأساسية.
وهذا التفرد والانفراد في عمل الهيئة الشرعية يشكل الأساس الأول لما يجب أن تكون عليه الهيئة من الاستقلال على غرار ما تضفيه طبيعة العمل من استقلال على هيئات نظيره أخرى مثل: الهيئة التشريعية، والهيئة القضائية وغيرهما.(11/21)
الفرع الثاني: استقلالية الهيئة الشرعية
ماذا يعني استقلالية الهيئة الشرعية؟:
أولاً: من الناحية التنظيمية والإدارية:
أ - هل يعني أنها تعمل خارج إطار الهيكل التنظيمي للمؤسسة المالية؟
ب- هل يعني أن أعضاءها ليسوا من العاملين في المؤسسة المالية الذين يخضعون لقوانين ولوائح نظم الدولة؟
ج- هل يعني أنها على ما هي عليه لا تخضع للقرارات واللوائح الإدارية الداخلية للمؤسسات المالية؟
للإجابة عن هذه التساؤلات ومناقشتها يتعين القول:
بأن السادة أعضاء الهيئة الشرعية هم أعضاء فيها بصفاتهم وليسوا بذواتهم وأشخاصهم ومن ثم فلا فصل بين الهيئة وأعضائها.
وبنا عليه:
أ - فالهيئة الشرعية لا تعمل خارج إطار الهيكل التنظيمي للمؤسسة المالية إذ أن هذا غير متصور تنظيمياً، بل إن التزام المؤسسة المالية في نظامها الأساسي وعقد تأسيسها بتطبيق مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية يجعل من المتعين على هذه المؤسسات أن تراعي وجود هذا الجهاز ضمن منظومة هيكلها التنظيمي كما هو الحال في الوضع التنظيمي لجميع أجهزة المؤسسة المالية من الجمعية العمومية ومجلس الإدارة.. الخ.
ب - ولكن وضع الهيئة كجهاز من أجهزة المؤسسة المالية في الهيكل التنظيمي لا يعني أن أعضاء الهيئة يكونون من العاملين في المؤسسة المالية الذين تسري عليهم عقود العمل واللوائح والقرارات الإدارية الخاصة بهذه المؤسسة بل إن وضعهم في الهيئة الشرعية يستمد من طبيعة عمل الهيئة الشرعية وما يتمتع به من خصوصية على نحو ما سبق وهذه الخصوصية مستمدة من التزام المؤسسة المالية ذاتها بتطبيق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية في نظمها الأساسية وعقود تأسيسها.
إذا كان وضع أعضاء الهيئة الشرعية في المؤسسة المالية لا يخضع للوائح القرارات الإدارية الداخلية فإنما يتطلب ذلك:
أولاً: إصدار قانون خاص بالهيئات الشرعية ينظم أمورها كافة.(11/22)
ثانياً: حتى يتم إصدار هذا القانون يتعين أن تضع الهيئة الشرعية لنفسها لائحة خاصة تنظم أمورها كافة يتم التصديق عليها وإصدارها من المؤسسة المالية ذاتها لتصبح أحد لوائحها الداخلية الخاصة بالهيئة الشرعية للمؤسسة.
ثانياً: من الناحية اللغوية الاصطلاحية العرفية:
أ - من معاني الاستقلال التي وردت في معاجم اللغة العربية، الاعتماد على النفس الاستبداد بالأمر(28) والانفراد به.
ب - إذا كان ذلك فإن المعنى اللغوي مطرد في المعنى الاصطلاحي والعرفي في الواقع العملي بخصوص تحديد طبيعة عمل الهيئة الشرعية.
(2) وسائل وأدوات تحقيق استقلالية الهيئة الشرعية:
إن ضمانات استقلالية الهيئة الشرعية متعددة ويتعين الحرص عليها والعمل على توفيرها ومن هنا فإن استقلالية الهيئة الشرعية منوطة بعدة أمور مجتمعة هي:
أولاً: التكييف/التخريج الصحيح لعمل الهيئة الشرعية -من وجهة نظرنا- ولائي تنظيمي":
إن التكييف الصحيح من وجهة نظرنا لعمل الهيئة الشرعية هو عمل "ولائي تنظيمي": أي من قبيل الولاية الشرعية التي تنص عليها الوثائق الأساسية للمؤسسة من عقد التأسيس والنظام الأساسي.
ومن ثم تجد الهيئة حتماً موقعها في الهيكل أو البناء التنظيمي للمؤسسة.
ومما يؤكد هذا الفهم السائغ ويوضحه أن أعضاء الهيئة الشرعية لا يرتبطون بعقود عمل مع المؤسسة/ومن ثم فإنهم ليسوا من الذين تطبق عليه نظم الخدمة المدنية والعمل في القطاع الخاص أو العام وما تتضمنه من أحكام تفصيلية في التعيين وتقييم الكفاءة والعلاوات والترقية والنقل والندب والإعارة والإجازات والتأديب وانتهاء الخدمة وساعات العمل والجزاءات وإصابات العمل وأمراض المهنة والتحكيم في منازعات العمل وغير ذلك مما لا يسوغ العمل به في شأن أعضاء الهيئة الشرعية.(11/23)
وخلاصة القول إن القول بالعلاقة الوظيفية بالمعنى القانوني يعني بالقطع "التبعية" الإدارية والوظيفية للمؤسسة ومن ثم الالتزام بلوائحها ونظمها وعدم مخالفتها وهو ما يتعارض مع طبيعة عمل الهيئة الشرعية كشخص (جماعة) فني مستقل وخبير مهني محايد لا يخضع للسلطان القانوني للسلطة الإدارية للمؤسسة.
ثانياً: الشروط والمواصفات الخاصة في أعضاء الهيئة الشرعية:
يشترط فيمن يختار لعضوية الهيئة الشرعية مواصفات شرعية خاصة تفرضها في الأساس طبيعة عمل الهيئة على النحو السابق تحديده وهذه المواصفات تعتبر من أهم ضمانات تحقيق استقلالية الهيئة الشرعية.
وهذه المواصفات الخاصة مصدرها الشرع فيمن يتصدى للفتيا وإبداء الرأي الشرعي فضلاً عن الرقابة الشرعية هذا بالإضافة إلى "المواصفات المهنية" التي تتطلبها طبيعة عمل المؤسسات المالية الإسلامية وهذه المواصفات المهنية تتعلق بضرورة التعمق في مهنية ممارسة هذه المؤسسات المصرفية والتجارية والاستثمارية إن لم يكن التخصص الفقهي الدقيق في هذه الشئون.
وهذه المواصفات الشرعية المهنية يعز النص عليها في النظم والقوانين السارية ومن ثم تشكل ضمانة من أهم ضمانات استقلالية الهيئة الشرعية في المؤسسة المعنية.
ثالثاً: إلزامية فتاوى ورقابة الهيئة الشرعية وما تستلزمانه من قرارات:
(أ)- إذا كان قد سبق القول بأن الأصل في الفتوى أنها غير ملزمة للمستفتي إلا أن الأحوال التي يجب فيها على المستفتي الالتزام بقول المفتي وجوابه، تنطبق على الهيئة الشرعية والمؤسسات المالية التي توجد فيها وذلك على النحو التالي:
1- إن المؤسسات المالية إنما تأخذ نفسها بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في وثائقها الأساسية ومن ثم العمل بما تنتهي إليه هيئة الفتوى والرقابة الشرعية وهذا وجه من وجوه إلزام الفتوى ومن ثم يستوجب النص عليه -الإلزام- في عقد التأسيس والنظام الأساسي للمؤسسة المالية.(11/24)
2- لاشك أن المؤسسة المالية وهي بصدد تشكيل هيئة الفتوى والرقابة الشرعية إنما تراعي الشروط والمواصفات المتطلبة في أعضائها وقد يكون هناك إلزام بهذه الشروط والمواصفات من الجهات الرقابية لهذه المؤسسات ومن ثم فإن ما يصدر من الهيئة الشرعية يقع في المؤسسة المالية صحته وحقيته، كما أنها أي المؤسسة المالية التي تختار أعضاء الهيئة الشرعية وهذا أو ذاك وجه من وجوه إلزام الفتوى أيضاً.
ج- وغير ذلك من الوجوه التي تفرضها "الطبيعة الخاصة" لعمل المؤسسات المالية الإسلامية وما توجبه من القول بإلزام الفتوى.
(ب) إذا كان ذلك كذلك فيما يتعلق بفتاوى الهيئة الشرعية من ناحية وجوب الالتزام بها في الأعمال ونشاطات المؤسسة المالية فإنه يكون آكد ومن باب أولى فيما يتعلق بنشاط الرقابة الشرعية التي تقوم به الهيئة الشرعية وما يستلزمه من أعمال وإجراءات متعددة ومتنوعة ومتجددة على التفصيل السابق.
(ج) إذا كان من المقرر أنه لا إلزام بغير جزاء فإنه يجب النص في النظم والقوانين الخاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية على أن عدم الالتزام هذه المؤسسات في أعمالها ونشاطاتها بأحكام الشريعة الإسلامية يكون ذلك سبباً من أسباب إلغاء القيد أو الشطب، وهو ما نص عليه فعلاً المشروع المقدم من اللجنة الاستشارية العليا بشأن المصارف والشركات الاستثمارية والمالية الخاضعة لأحكام الشرعية(29).
رابعاً: طريقة تعيين/اختيار أعضاء الهيئة الشرعية وتحديد مكافآتهم ومدة عملهم وعزلهم:
(1) إن مجلس الإدارة فور أول تشكيل له بحكم إنه يسبق أول اجتماع للجمعية العامة للمساهمين يعين أعضاء هيئة الرقابة الشرعية لمدة لا تقل عن مدة مجلس الإدارة نفسه. ويعرض هذا التعيين على الجمعية العمومية العادية لإقراره ثم تستقل الجمعية العمومية العادية بعد ذلك بتعيين أعضاء هيئة الرقابة الشرعية بعد ذلك بناء على توصية من مجلس الإدارة.(11/25)
ومن ثم تستمد هيئة الرقابة الشرعية قوتها واستقلالها من الطريقة العادية لتعيين أعضائها وهي الجمعية العمومية العادية للمؤسسة المالية (30).
(2) يشتمل قرار التعيين لأعضاء هيئة الرقابة الشرعية على تحديد مكافآتهم ويجوز للجمعية العمومية أن تفوض مجلس الإدارة في ذلك.
(3) ولكنني أعتنق رأياً سابقاً لي إبداؤه في كتابي الرقابة الشرعية(31) مؤداه أن استقلال الهيئة الشرعية وتعيين أعضائها عن طريق الجمعية العمومية للمساهمين لا يتعارض مع حق الهيئة في التمثيل في مجلس الإدارة وحضور جلساته حتى ولو لم تكن ذات صوت معدود عند التصويت على القرارات. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن استقلال الهيئة الشرعية لا يقلل منه إن لم يدعمه أن يأتي ترشيح أعضائها للجمعية العمومية بناء على توصية من مجلس الإدارة وذلك حرصاً على تماسك الهيكل التنظيمي للمؤسسة المالية من خلال احتفاظ مجلس الإدارة بنوع من السلطة التي تتمثل في التوصية بالترشيح للجمعية العمومية كوسيلة أساسية للتنسيق المطلوب بين مجلس الإدارة والهيئة الشرعية، وانعكاس ذلك إيجابياً على طريقة العمل بينهما وعلى أداء المؤسسة المالية عموماً.
(4) كما لا يجوز الاستغناء عن خدمات (عزل) أعضاء هيئة الرقابة الشرعية إلا بناء على قرار يصدر من مجلس الإدارة بأغلبية ثلثي أعضائه على الأقل ولا يكون هذا القرار نافذاً إلا بعد إقراره من الجمعية العمومية العادية للمؤسسة المالية.
(5) ولاشك أن طريقة تعيين أعضاء هيئة الرقابة الشرعية وتحديد مكافآتهم ومدة عملهم والاستغناء عن خدماتهم (عزلهم) على النحو الفائت من أهم وأقوى وسائل وأدوات استقلالية الهيئة الشرعية.
خامساً: مساهمتهم في المؤسسة المالية:
لاشك أن المساهمة -بصفة عامة- بنسبة معينة تؤثر على الرأي وتوجهه، أمر وارد عملاً وإن كان غير لازم شرعاً:(11/26)
* وارداً عملاً بحكم الوضع القانوني الذي ينظم عملية التصويت وربطها بعدد الأسهم التي يملكها صاحبها.
* وغير لازم شرعاً أي ذلك الربط بين نسبة المساهمة وتوجه الرأي لسببين هما:
1-الشروط والمواصفات التي يتعين مراعاتها في اختيار عضو الهيئة الشرعية وقد سبق التأكيد على أنها أحد العوامل المهمة في تحقيق استقلالية الهيئة الشرعية وضمان موضوعيتها وحيادها.
2- عدد أعضاء الهيئة وأن لا يقل عن ثلاثة(32) يضمن أغلبية التصويت الصحيح على القرار الصحيح والله المستعان.
هذا الذي سبق إذا كان أحد الأعضاء فقط مساهماً بنسبة مؤثرة على القرار، أما إذا كان هناك أكثر من عضو من أعضاء الهيئة بما يشكل أغلبية عددية بين أعضاء الهيئة الشرعية فهنا تبدو وجاهة وأهمية شرط المساهمة في المؤسسة المالية المعنية بنسبة معينة، إذ الاحتياط النظامي في عمل الهيئة وضرورة إبعادها عن الشبهات يقتضيان وضع نسبة للمساهمة نقول إنها النسبة فقط التي تكون مؤثرة في اتخاذ القرارات فإذا تحقق ذلك تعين هذا الشرط.
سادساً: لائحة الهيئة الشرعية:
1- تضع الهيئة الشرعية لنفسها لائحة عملها تتضمن على وجه الخصوص والخلوص منهجيتها في مباشرة عملها سواء في ذلك:
أ- منهجيتها في الافتاء والرقابة الشرعية ومن ثم تحديد اختصاصاتها.
ب- كما تتضمن تلك اللائحة نظام جلساتها ومن تستعين بهم عند اللزوم وتسجيل محاضرها.
ج- وكذلك تنظيم علاقاتها بسائر إدارات وأقسام المؤسسة المالية المعنية.
د- كما تتضمن اللائحة نظام "المراجعة والتدقيق الشرعي الداخلي" الكفيل بتحقيق التأكد من أن معاملات المؤسسة المالية واستثماراتها وأنشطتها والعقود التي تبرمها وفقاً لمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية والفتاوى والآراء الشرعية التي تصدرها هيئة الرقابة الشرعية.
هـ - وتتضمن اللائحة كيفية إعداد التقارير الدورية التي تقدم لجهة الإدارة التقرير السنوي الذي يقدم للجمعية العمومية ومكونات هذه التقارير.(11/27)
2- يعتمد مجلس الإدارة هذه اللائحة ويصدرها لتكون وثيقة أساسية من وثائق المؤسسة المالية وهذا الإجراء (الاعتماد) يحقق هدفين جوهريين هما:
أ - إلزامية التنسيق بين الهيئة وأجهزة الإدارة في المؤسسة المالية.
ب - إلزامية اللائحة أيضاً لأجهزة الإدارة.
3- إن النص في عقد التأسيس والنظام الأساسي على هيئة الرقابة الشرعية وتحديد اختصاصها ومدة عملها ومكافآت أعضائها واستقلال هذه الهيئة بوضع لائحة عملها جعلنا نقول إن التكييف الصحيح لعلاقة هيئة الرقابة الشرعية بالمؤسسة المالية إنما هو وضع ولائي تنظيمي على نحو ما سبق.
سابعاً: التلائم بين اختصاصات الهيئة الشرعية ومسؤوليتها:
4- ينبغي أن تكون اختصاصات الهيئة متلائمة مع مسؤوليتها وعلى مستوى تلك المسؤولية في ضوء كونها أحد الأجهزة المستحدثة في المؤسسة المالية والمعاونة لها في تحقيق أهدافها التي توجب القوانين النص عليها صراحة وتفصيلاً في عقد التأسيس والنظام الأساسي، ومن ثم فإن كل ما يتطلبه تحقيق هذه الأهداف من "سياسات" تتبعها المؤسسة المالية وما يستلزمه تطبيق وتنفيذ تلك السياسات من أعمال ونشاطات وما يواكب تلك الأعمال والنشاطات من مشورة، وفتاوى وآراء شرعية، وما يتبعها من رقابة شرعية بكل متطلباتها وإجراءاتها.
والهيئة الشرعية إذ تنفرد بهذا الدور الذي لا يشاركها فيه غيرها داخل المؤسسة المالية ومن ثم فهي مستقلة به تتحمل مسؤوليته وتبعاته، وهذا هو أساس الإلزام في قراراتها وفتاواها.
1- مسؤولية الهيئة الشرعية: هل تضمن بالمال إذا بان خطؤها؟:
الهيئة الشرعية يتعلق عملها كله بأعمال ونشاطات المؤسسات المالية الإسلامية في الأموال، ومن ثم يتعلق الأمر هنا بالمال، فماذا إذا عمل المستفتي بفتيا مفت في مال ثم بان خطؤه؟(11/28)
قال أبو إسحاق الاسفرائيني من الشافعية: يضمن المفتي إن كان أهلاً للفتوى وخالف القاطع، وإن لم يكن أهلاً فلا ضمان عليه، لأن المستفتي قصّر في استفتائه وتقليده ووافقه على ذلك أبو عبدالله بن حمدان في كتاب "آداب المفتي والمستفتي" له. ولم أعرف هذا لأحد قبله من الأصحاب ثم حكى وجهاً آخر في تضمين من ليس بأهل قال: لأنه تصدى لما ليس له بأهل وغر من استفتاه بتصديه لذلك.
وقال ابن القيم(33): خطأ المفتي كخطأ الحاكم والشاهد. وخطأ الحاكم في المال إذ حكم بحق ثم بان كفر الشهود أو فسقهم نقض حكمه ثم رجع المحكوم عليه ببدل المال على المحكوم له.
وإن عمل المستفتي بفتواه (المفتي) من غير حكم حاكم ولا إمام فأتلف مالاً: فإن كان المفتي أهلاً فلا ضمان عليه والضمان على المستفتي ، وإن لم يكن أ÷لاً فعليه الضمان. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من تطبب ولم يعرف منه طب فهو ضامن". وهذا يدل على أنه إذا عرف منه طب وأخطأ لم يضمن، والمفتي أولى بعدم الضمان من الحاكم والإمام".
ولنا أنه بناء على ما سبق من أن التزام المؤسسات المالية بفتاوى الهيئة الشرعية إنما يقوم على الأحوال التي تلتزم فيها تلك المؤسسات بالفتاوى في كل حالة بسببها بسبب ما تفرضه عقود تأسيسها ونظمها الأساسية وما يفرضه هيكلها التنظيمي وأوضاعها الإدارية من استقلالية للهيئة الشرعية.
ومن ثم فإن إلزام المؤسسات المالية نفسها بفتاوى وقرارات الهيئة الشرعية يجعلها تتحمل مسؤولية تطبيق تلك الفتاوى والقرارات، وبخاصة إذا كان توافر أهلية الفتوى في الهيئة الشرعية يخضع لضوابط ومعايير محددة وواضحة وتم الالتزام بها ومراعاتها.
الفرع الثالث : معايير الرقابة الشرعية وشمولها للمراجعة والتدقيق الشرعي
الحاجة إلى معايير للرقابة الشرعية:(11/29)
وذلك حتى نتجنب كارثة من جنس أزمة الكساد الكبير في الولايات المتحدة الأمريكية وفي العالم في أوائل القرن العشرين 1929-1933، أو أزمة سوق المناخ في الكويت أو أزمة شركة إنرون ENRON الأمريكية العملاقة للطاقة بسبب سوء الرقابة؛ فإن الأشباه تحلق بأشباهها والنظير بنظيره، ومن ثم فإننا نحذر من أن غياب أو عدم وجود معايير للرقابة الشرعية في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية يهدد بخطر عظيم، بعد أن اتسع نشاطها وعم جميع بلدان العالم تقريباً. وتتمثل تلك المعايير في:
أولاً: تعديل النظم الأساسية وعقود التأسيس لتتضمن النص صراحة على:
1- استقلال الهيئة الشرعية.
2- إلزام قراراتها.
3- تعيين أعضائها عن طريق الجمعية العمومية للمساهمين ومدة عضويتهم وتحديد مكافآتهم أو تفويض مجلس الإدارة في ذلك.
ثانياً: ضرورة وجود تدقيق شرعي داخلي تحت إشراف ومسؤولية الهيئة الشرعية وتنميط عملية التدقيق على وجه مفصل ودقيق.
ثالثاً: ضرورة الاتفاق على وضع معايير محددة وواضحة تحدد:
- مستوى التأهيل المطلوب لأعضاء الهيئة الشرعية.
- تؤكد على استقلاليتها.
- وتحدد الأعمال المطلوبة منها واختصاصاتها على وجه الدقة والتفصيل وبخاصة حق القيام بعمليات التفتيش والفحص والتدقيق لجميع الأعمال، وإيقاف أي عمليات مخالفة لمقررات الهيئة وأحكام الشريعة الإسلامية، وذلك لتلافي رقابة ما يعرض فقط على الهيئة من عقود ومعاملات، وأيضاً لتلافي أن لا تفتي إلا فيما تستفتي فيه.
- وذلك كي تكون هذه المعايير بمثابة الإطار الشامل الذي يوحد المفاهيم ويقتبس ما هو مناسب من الفكر النظير المعاصر في مجال الرقابة وبما يلائم الرقابة الشرعية.
رابعاً: شيوع تقارير الهيئة الشرعية:(11/30)
تقارير الهيئة الشرعية وما تتضمنه من بيان الرأي الشرعي في مدى التزام المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية بتطبيق أحكام الشريعة الإسلام وقد ألزمت نفسها بذلك واتخذت منه لواء لها، يجب أن توزع على المستثمرين المتعاملين تلك المؤسسات وليس فقط على المساهمين، وأن يسمح لهم بحضور مناقشة تقرير الهيئة الشرعية أمام الجمعية العمومية للمساهمين.
خامساً: التدريب المالي والمحاسبي:
يجب تدريب أعضاء الهيئة الشرعية على مبادئ المحاسبة وتدقيق الحسابات والقوائم المالية والميزانية العمومية وحساب الأرباح والخسائر وحسابات الاستثمار والادخار والتوفير، وما يستلزمه كل ذلك من إعطائهم كامل الحق للاطلاع على المعلومات والسجلات والمستندات وبخاصة أن هذه الوثائق يعتمد عليها عملاء المؤسسة المالية، والدائنون، والمستثمرون، والمساهمون والمؤسسات الحكومية.
خلاصة القول:
إن الاستقلال يجب أن يكون في الشكل والمضمون والحقيقة، وإلا سيؤثر ذلك على جدوى الهيئة الشرعية، وبالتالي فإن نقص استقلاليتها سيقلل من أهمية تقريرها النهائي، وأن النتائج المتوقعة منه لن تتحقق إذاً.
الغرض النهائي من التقرير هو:
توصيل نتائج الرقابة الشرعية للمستفيدين من نتائج يهمهم الاطلاع عليها والاطمئنان بها من قبل المؤسسات، ويكون التقرير ومحتوياتها من قبل الالتزام الديني والأخلاقي والنظامي تجاه الناس والمجتمع بعد المؤسسة المالية المعنية ذاتها.
مما يجدر ذكره والنص عليه أن الأبحاث والدراسات الميدانية في المؤسسات المالية الإسلامية أثبتت أن هناك علاقة طردية بين أنشطة الرقابة الشرعية وبين زيادة نسبة المعاملات الحلال وزيادة نسبة الأرباح أيضاً.
معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية(34):
لقد أقرت الهيئة عدداً من معايير الضبط للمؤسسات المالية الإسلامية فيما يتعلق بـ:
* تعيين هيئة الرقابة الشرعية وتكوينها وتقريرها:(11/31)
- تعيين هيئة الرقابة الشرعية وتحديد مكافآتها عن طريق الجمعية العمومية بناء على توصية مجلس الإدارة، وكذلك الاستغناء عن خدمات عضو الهيئة.
- أن يتضمن تقرير الهيئة مجموعة العناصر الأساسية من أهمها نطاق عمل الهيئة وصف طبيعة العمل الذي تم أداؤه، ومسئولية الإدارة، ورأي الهيئة فيما يتعلق بالتزام المؤسسة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.
* الهدف من الرقابة الشرعية ومسئولية الالتزام بالشريعة، وإجراءات الرقابة الشرعية.
* الرقابة الشرعية الداخلية والإتقان المهني نطاق العمل.
الفرع الرابع: ضرورة وجود هيئة عليا للفتوى والرقابة الشرعية
من النصوص الشرعية:
* يقول الله تعالى: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون( يونس/59.
* عن علي رضي الله عنه قال: "يا رسول الله إن نزل بنا أمر ليس فيه بيان أمر ولا نهي فما تأمرني؟. قال شاورا فيه الفقهاء والعابدين ولا تمضوا فيه برأي خاص"(35).
* عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"(36).
(أ) طرائق ثلاث في قوانين ولوائح المؤسسات المالية لوجود الهيئة الشرعية:
ونستطيع أن نصنف هذه القوانين والنظم إلى ثلاثة أنماط أو طرائق:
الطريقة الأولى: أكتفت بالنص على عدم جواز التعامل بنظام الفائدة أخذاً أو عطاء. ومؤدى ذلك أنها لا تلزم نفسها بما سوى ذلك من معطيات التطبيق العملي في منهج الاقتصاد الإسلامي.
الطريقة الثانية: تكتفي بالنص على أنها تقوم بجميع أعمالها طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية دون أن تلزم نفسها بشكل معين أو تنظيم خاص لهيئة الفتوى.
الطريقة الثالثة: حرصت على النص على كل حسنات ومزايا الطرق السابقة فنصت على أمرين جوهرين هما:
1- أنها تعمل طبقاً لقواعد وأحكام الشريعة الإسلامية.(11/32)
2- كيفية تشكيل هيئة الرقابة الشرعية بل ونص بعضها على طريقة عمل الهيئة.
ولاشك أن كل طريقة من الطرائق السابقة تعكس الواقع العملي بما يجب أن يصبو إليه ويستكمل بنيانه الفني الدقيق والبعد عن المسالب وأوجه القصور.
المبحث الثالث
آثار الرقابة الشرعية الفعال
أولاً: الاطمئنان إلى سلامة التطبيق ودعم الثقة في أعمال ونشاطات المؤسسات المالية والإسلامية عن طريق الدور الخطير الذي يجب أن يؤديه تقرير الهيئة الشرعية وما يتضمنه من عناصر جوهرية وأساسية حول نشاط المؤسسة الفعلي ومدى قدرتها على النمو في المستقبل والاستمرار، وذلك بهدف توفير معلومات تفيد في اتخاذ القرارات الاقتصادية مثل:
اتخاذ قرار يتعلق بتوقيت شراء أو الاحتفاظ باستثمارات في حقوق الملكية أو بيعها.
- تقييم أداء الإدارة ومدى وفائها بمسئولياتها تجاه المساهمين.
- تقييم درجة الأمان المتعلقة بالأموال المقدمة للمؤسسة.
- تحديد الأرباح القابلة للتوزيع ومقدار توزيعات الأرباح.
ثانياً: إمكانية تطوير الأداء في المؤسسات المالية وتنميط التشغيل:
1- الحاجة إلى تصميم نموذج تشغيلي:
وذلك يتطلب إعداد نموذج تشغيلي يتضمن الصيغ والأدوات التمويلية والاستثمارية والخدمات المختلفة وإجراءاتها في الممارسة والتشغيل الفعلي.
وكذلك إعداد نموذج تشغيلي للمراجعة والتدقيق الشرعي للعمليات التي تقوم بها المؤسسة المالية والأخذ في الاعتبار ما انتهت إليه أصول وأساليب المراجعة الدولية وبما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية، وعلى وجه الخصوص ما يلي:
المعوقات والصعوبات العملية والتي تتنوع إلى:
أ - معوقات ترجع إلى التنظيم وإلى كفاءة جهاز العاملين في المؤسسات المالية الإسلامية.
ب - معوقات ترجع إلى أجهزة الرقابة القائمة.
ج- معوقات ترجع إلى النظام القانوني الذي تعمل المؤسسات المالية الإسلامية في إطاره.
د- معوقات ترجع إلى طبيعة النشاط المالي والاستثماري ذاته.(11/33)
هـ- معوقات ترجع إلى الظروف العامة المحيطة محلياً ودولياً.
2- الحاجة إلى تصميم مؤشر إسلامي بديلاً عن مؤشر الفائدة الربوية:
* الواقع العملي وضرورة المؤشر:
المؤشر أداة قياس معيارية تستخدم في:
- تحديد الأسعار في المعاملات الآجلة.
- وفي قياس تكلفة رأس المال.
- وفي دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروعات الاستثمارية. Feasibility study
- وفي تقويم أداء إدارة الاستثمار. Measuring Portfolio Performance)
وهكذا تبدو الحاجة الماسة في الواقع العملي إلى أداة معيارية لقياس الأداء والقدرة على التوقع والتنبؤ بما "يستبصرون" من البصيرة والتمكن من التدبر(37) في الأمور. وللأسف فإن المؤشر السائد اليوم هو مؤشر "الفائدةبس" الربوية، ويعد الليبور (London Interbank Rate) المؤشر المستخدم في اتفاقيات الإقراض قصيرة الأجل بين بنوك لندن أكثر المؤشرات وأوسعها استخداماً، ويوجد السيبور (Sibor) وهو سعر الفائدة بين البنوك في سوق القاهرة، والكيبور الكيويتي، وتتخذ هذه المؤشرات من سعر الفائدة العالمي مرجعاً لها.
* مؤشر الربحية هو البديل:
لاشك أن اعتماد المؤشر يعد أمراً ضرورياً لتحديد كفاءة الأداء وقياس نسب نجاحه أو فشله، والمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية أصبحت في حاجة ماسة إلى معيار لتقويم كفاءتها وقياس أدائها، وللأسف الشديد أصبح الاستئناس إن لم الاستخدام لمؤشر سعر الفائدة أمراً معتاداً في تسعير منتجات المؤسسات المصرفية والمالية الإسلامية وإن كان ذلك لضرورة الواقع العملي واعتبارات السوق التي لا يمكن بحال تجاهلها، ولهذا جاءت توصية مجمع الفقه الإسلامي في ندوة مشاكل البنوك الإسلامية 1413هـ/1993م بضرورة الإسراع بإيجاد المؤشر المقبول إسلامياً الذي يكون بديلاً عن مراعاة سعر الفائدة الربوية في تحديد هامش الربح في المعاملات.(11/34)
ولاشك أن هذا المؤشر البديل يقوم على أسس موضوعية وشرعية تتفق مع مبادئ الاقتصاد في الإسلام، وقواعد الصيرفة الإسلامية، وممارسة المهنة وفقاً لأحكام شريعته، ألا وهو مؤشر الربحية لقياس المعاملات المالية الآجلة، وضرورة استنباط الأحكام التفصيلية التي يعتمد عليها هذا المؤشر الإسلامي المنشود، وما يستلزمه هذا المؤشر من بناء فني دقيق، واستخدام الأساليب الرياضية فيه، وما يستلزمه من إيجاد أسواق الأوراق المالية على مستوى عالٍ من الكفاءة والشفافية.
* مؤشر الفائدة منتقد في ذاته مدمر في آثاره:
بخاصة وأن مؤشر الفائدة الربوية منتقد في ذاته مدمر في آثاره، مما جعل الخبير الاقتصادي العالمي آلان بلايند (Alans, Blinder) يدعو إلى إصلاح النظام المالي العالمي الحالي بعد أن فشل فشلاً ذريعاً في حماية البشر من مخاطره الضارية، وأن الانهيارات المالية قد باتت متكررة ومدمرة ومستشرية.
ولا أدل على أن مؤشر الفائدة منتقد في ذاته أنه يحمل عامل فساده في بنائه، وما يحدثه من خلل نقدي ومالي واقتصادي، إذ كيف يعاير الثمن نفسه؟! وهو ما يفهم من كلام ابن تيمية وغيره من أن المقصود من الأثمان أن تكون معياراً للأموال يتوسل بها إلى معرفة مقادير الأموال ومن ثم لا يجوز أن تستخدم فيما يناقض مقصودها وهو الثمنية(39).
ولا أدل على ذلك أيضاً أن نظريات سعر الفائدة لدى علماء الاقتصاد الوضعي منذ عصر السير سان توماس الإكويني(40) (Saint Thamas Aquinas) ليست لتفسير الفائدة، وإنما لتبريرها. وشتان بين أساس التفسير للفائدة ووسائل تبرير أخذ الفائدة، وما قيل بشأنه من أنها -أي الفائدة- ثمن استعمال النقود، أو المنفعة المتحصلة منها، أو الانتظار، أو الفرصة البديلة، أو المخاطرة، أو نصيب المقرض من العائد الذي يحصل عليه المقترض- وهكذا.
* معالم ومرتكزات مؤشر الربحية الإسلامي كبديل لمؤشر الفائدة الربوية:(11/35)
من المعلوم سلفاً وما يجب التنبيه إليه أن الحكم الشرعي في دائرة المعاملات المالية له متطلبات فنية، تشغيلية، يتعين النهوض بها، حتى يؤتي ذلك الحكم أكله وتظهر ثماره العملية وتحقق المصلحة الشرعية العملية من تطبيقه، وسنرصد هنا بإيجاز شديد عدداً من المعالم والمرتكزات لمؤشر الربحية الإسلامي كبديل لمؤشر الفائدة وذلك على النحو التالي:
(1) مؤشر الربح نص عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين" البقرة/16، ومن ثم كان الربح كمؤشر هو الفارق بين الهدى والضلال.
(2) إن قاعدة الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية هي: الغرم (الخسارة) بالغنم (الربح)(41) (Profit & Loss Sharing-Based Banking).
(3) ألا ترى أن اقتسام الربح والاشتراك فيه يمثل قمة العدل في عملية التمويل والاستثمار في المنهج الإسلامي، وأن الفائدة تمثل قمة الظلم في التعامل لأنها تكون مؤكدة لحساب طرف، والربح محتمل، وقد يكون منعدماً بالنسبة للطرف الآخر.
(4) في المضاربة الربح المتحصل منها هو محل عقد المضاربة عند كثير من الفقهاء، والاشتراك هدف طرفيها ومقصدهما بحيث لا يختص به أحدهما دون الآخر.
(5) الربح وقاية لرأس المال وجابر له من الخسران كما يقول الفقهاء(42).
(6) من شروط المضاربة أن تكون حصة كل من المتعاقدين في الربح جزءاً معلوماً شائعاً، وأن حصة كل من المتعاقدين في الربح الناتج من تقليب رأس المال يشترط فيها ما يلي:
- أن تكون معلومة.
- أن تكون حصة شائعة في جملة الربح.
فلا يصح أن يكون الربح لكل من المتعاقدين مجهولاً، أو محدوداً كعشرة مثلاً، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء.
(7) أليس نموذج المرابحة عنواناً على الربح(43) ولكنه هنا متفق على مقداره أو على نسبته عند التعاقد مضاف إلى ثمن السلعة والتكاليف.(11/36)
(8) الربح المحدود بحدود الغبن والاستغلال في الفقه الإسلامي كعيوب تلحق العقد في بنائه على إرادة معيبة، وللقاضي أن يرده إلى الحد المعقول الذي يحقق العدل بين أطراف العقد.
(9) للمالكية كلام قوي ومفيد في كيفية الحساب في المرابحة وبخاصة في حساب التكاليف إذ يقسمونها ثلاثة أقسام(44).
مما يقدم نموذجاً عملياً دقيقاً في كيفية حساب الربح في المرابحات.
(10) إذا كان الربح محدوداً بحدود الغبن والاستغلال كما سبق إلا أنه في ذاته من باب التسعير في الفقه الإسلامي، والأصل فيه عدم الجواز إلا بسبب شرعي صحيح، وما يفيده ذلك من حرية السوق ومنع التدخل في حركته إلا لضرورة.
وهنا نقول أليست هذه هي العالمية الشرعية أو العالمية الإسلامية الرشيدة وليست العولمة أو الهيمنة البغيضة.
(11) إن من موجبات اعتماد مؤشر الربح بديلاً عن مؤشر الفائدة يؤكده ذلك الربط القرآني بين الربا وعدم الزيادة في المال، وبين الزكاة ومضاعفة الزيادة في المال في قوله تعالى:( وما أتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون( الروم/39.
(12) إذا كان الربح من النماء والزيادة فإنه هو المعيار الذي يحدد استراتيجية المعاملات، ويحدد أيضاً هدف المشروع الاقتصادي ويحقق كذلك مقصد الشرع، لأنه بدون الربح ومؤشر الربح لا يكون المال (المشروع) قادراً على إشباع حاجات الناس وكافة إشباعها.
(13) إذا كان الربح من الزيادة والنماء فإن مؤشره يرتبط بسلم الأولويات الشرعية في التمويل والاستثمار من الضروريات والحاجيات والتحسينات.
(14) إن مؤشر الربح فيه جانب تحليلي وفيه بعد إيماني أيضاً:
ويتمثل الجانب التحليلي في كل ما يجب أن يكون عليه من معلومية، ونسبة، وطبيعة العملية أو المشروع، ومن التراضي بين الطرفين، ودرجة الأولوية ودرجة المخاطرة، وغير ذلك ونحوه.(11/37)
أما البعد الإيماني فيتمثل في الربط بين الربح وما يرزق الله به من مال حلال وما فيه من حقوق لله سبحانه.
(15) إن القوانين الوضعية تسوى بين الربح والخسارة في كيفية التوزيع بحسب الاتفاق، وهي بذلك تسوي بين العدل والظلم، والقاعدة الشرعية المجمع عليها إن الخسارة بحسب رأس المال دائماً وأن اشتراط غير ذلك، من الشروط الفاسدة التي لا يقتضيها العقد وتؤدي إلى النزاع.
(16) إن مؤشر الربحية يقدم حلولاً شرعية لمشكلات أو إشكاليات عملية في تطبيق بعض الأحكام الشرعية مثل:
"نظرة الميسرة" للمدين المعسر الذي يمر بضائقة مالية عارضة، دون عنت أو مشقة أو إرهاق من الدائن.
وبناء على كل ذلك أنه قد آن الأوان لتبني مؤشر عادل وسليم في ذاته وعادل أيضاً في أثاره وأنه هو مؤشر الربحية وأن الاقتصاد الإسلامي وحده هو المؤهل لتقديم هذا المؤشر لقوله تعالى: (منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون( المائدة 66
وأن الأمة المخولة بإقامة النظام الاقتصادي العادل هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم لامتلاكها لمقومات هذا النظام في منهجها التشريعي بعد أن أثبت الواقع عجز النظم الاقتصادية الوضعية عن كفالة وإشباع حاجات الناس بل وأنها -أي تلك النظم الوضعية- تصدر الأزمات للعالم وتزيد من الحلقات الجهنمية للفقر والجوع في حياة الناس.
ولكننا في نفس الوقت ندرك صعوبة بناء هذا المؤشر الإسلامي البديل وبلورته، وندرك احتياجات الفنية والمهنية من استخدام أدوات التحليل المالي والأسلوب الرياضي كي يأتي بنيانه سليماً، ولكنه أصبح واجباً شرعياً متعيناً لا يجب أن يطمئن أو يهدأ العلماء حتى يخرجوه للناس.
ثالثاً: انبعاث بلورة الأحكام الفقهية في الخطاب المحلي والعالمي وإبراز خصائص المنهج الإسلامي:
1- يتمثل ذلك جلياً في ضرورة تنظيم العلاقة بين المؤسسات المالية الإسلامية والجهات الرقابية والإشرافية في الدولة(45) مع الأخذ في الاعتبار ما يلي:(11/38)
- إن المؤسسات الإسلامية لا تعمل بالفوائد المصرفية الربوية وتجتنب سائر المحظورات الشرعية.
- إن المؤسسات الإسلامية تتقبل الأموال وفقاً لمبدأ: "الغرم بالغنم"
أو للوكالة للاستثمار وفقاً لمبدأ مقابلة العمل بالأجر.
- إن علاقة المؤسسات المالية الإسلامية بأصحاب حسابات الاستثمار علاقة مضاربة أو وكالة.
- إن النشاط المصرفي والمالي للمؤسسات المالية الإسلامية يستند إلى عقود شرعية تتطلب ملكية المؤسسات للموجودات لغاية متنوعة.
2- كل ذلك يتطلب إعمال وسائل وقواعد رقابة وإشراف مناسبة فيما يتعلق بما يلي:
- الاحتياطي النقدي.
- نسب السيولة.
- نسب كفاية رأس المال.
- سقوف الائتمان.
- تأمين مخاطر الاستثمار.
- المسعف الأخير بالسيولة.
3- تنظيم العلاقة بين المؤسسات المالية الإسلامية والبنوك التقليدية وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية وخصوصاً فيما يتعلق بما يلي:
- الحسابات الجارية لدى البنوك التقليدية.
- انكشاف الحساب لدى البنوك التقليدية.
- كيفية التصرف في الفوائد المصرفية التي تضاف إلى حساب المؤسسات المالية الإسلامية.
- التعاون في عمليات الاستثمار المشترك.
- التمويل المجمع.
رابعاً: المساهمة في إحداث تكامل حقيقي وتعاون فعلي بين المؤسسات المالية الإسلامية انطلاقاً من وحدة المنهج وتكامله الطبيعي الموضوعي:
وذلك لتوفر عناصر التكامل الذاتي في النظام المصرفي الإسلامي(46) آية ذلك ما يلي:
أ - خصوصية المنهج المتمثلة في: ترتيب الأولويات وفقاً لمقاصد الشريعة الإسلامية في كل مكونات العملية الاقتصادية.
وفي الأحكام الشرعية العملية التفصيلية الضابطة لكافة العمليات المصرفية.
ب - خصوصية المصرفية الإسلامية المتمثلة في أن النقود رؤوس أموال يتجر بها لا فيها. أي بذاتها فيخرج الصرف وهو بيع النقود بغير جنسها يداً بيد، وما يرتبط بذلك من قاعدة "الغرم بالغنم" وما يترتب عليها من أحكام تفصيلية عملية.(11/39)
ج- التكامل في النموذج الأمثل للمصرفية الإسلامية وحفظ المال كمقصد ضروري من مقاصد الشرع باتفاق الأمة.
د- المصرفية الإسلامية تتبنى برنامج الإصلاح الاقتصادي القائم على أربع ركائز رئيسة هي:
1- تحفيز الإنتاج من قوله تعالى "تزرعون سبع سنين دأباً".
2- تشجيع الادخار من قوله تعالى "فذروه في سنبله".
3- ترشيد الاستهلاك في قوله تعالى "إلا قليلاً مما تأكلون".
4- المدة الزمنية اللازمة والكافية.
وهذا البرنامج الإصلاحي الماكرو macro economic يعمل في إطاره الخطة الإصلاحية الهيكلية المكرو macro economic والتي تقوم على المرتكزات الأساسية الآتية:
1- تصحيح وظيفة النقود إذ النقود رؤوس أموال يتجر بها لا فيها كما سلف.
2- تعدد قاعدة الملكية وتنوعها على ضوء الحاجة العملية والمصلحة الاقتصادية.
3- تعظيم العنصر البشري والتكافل الاجتماعي وتفعيل دور الزكاة كأساس للإصلاح الاقتصادي أيضاً.
4- تفعيل آلية العمل المصرفي الإسلامي وأخلاقياته الشرعية وما تقوم عليه من:
- قاعدة "الخراج بالضمان.
- قاعدة "الغرم بالغنم".
- مباشرة التجارة والاستثمار.
فهي مؤسسات مالية مصرفية تحسن إنفاق المال على وجوهه الصحيحة كما أمر صاحب الشرع في قوله تعالى: ( "آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه( الحديد/7.
فالاتفاق في المنهج الإسلامي يتنوع إلى أربع أنواع رئيسة هي:
1- الاتفاق التجاري/الجاري: يقول الله تعالى بعد آيات الربا وآية التداين: ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون( البقرة/254.
2- الإنفاق الاستثماري بالمعنى الاصطلاحي بمعنى: إنشاء مشروعات جديدة أو استكمال مشروعات قائمة أو إحلال وتحديث أصول متقاربة. ويتعدى ذلك ليشمل توظيف الأموال في الأصول المتداولة ولا يتحدد بالمنافع أو المكاسب المادية فقط فيمكن أن تكون- المنافع معنوية أيضاً.(11/40)
3- الإنفاق التصدقي بشقيه الفريضة والتطوعي.
4- الإنفاق الاستهلاكي الرشيد.
5- خصوصية الأدوات والصيغ التمويلية والمصرفية في ذاتها وقيامها على العقود المشتقة من معانيها وتكاملها فيما بينها.
كل ذلك يفرض تكاملاً طبيعياً وحتمياً للمؤسسات المالية الإسلامية والتي إن حادت عنه أو تنكبت جادته تكون قد وقعت في دائرة المسئولية الشرعية بتركها أمراً ضرورياً يعينها على تحقيق رسالتها وأهدافها الشرعية، وهو ما يجب أن تؤدي فيه الهيئات الشرعية دوراً حاسماً وفعالاً وملموساً.
خامساً: الشفافية والمساءلة:
(أ) الشفافية: تؤدي تقارير الهيئة الشرعية دوراً غاية في الأهمية يتمثل في إمكانية الاعتماد أو الوثوق في أعمال ونشاطات المؤسسة المالية وما تقدمه من معلومات إذا أقرها تقرير الهيئة الشرعية إذ تعتبر هذه المعلومات وبخاصة المالية موثوقة في الحالات الآتية:
1- إذا كانت خالية من الأخطار.
2- صدق تمثيل الظواهر، أي أن المعلومات تمثل بصدق العمليات والأحداث التي تمثلها وبخاصة التي ينتج عنها أصول وخصوم وحقوق مالية للمنشأة والتي تستوفي معايير التحقق.
3- تغليب الجوهر على الشكل كي تمثل المعلومات بصدق العمليات وغيرها من الأحداث التي تمثلها طبقاً لجوهرها وواقعها الاقتصادي وليس فقط طبقاً لشكلها القانوني.
4- الحيادية: أي خالية من التحيز وتعتبر القوائم غير حيادية إذا كانت تؤثر عن طريق اختيار أو عرض المعلومات في عملية اتخاذ قرار بهدف الوصول إلى نتيجة محددة سلفاً.
(ب) المساءلة: يؤدي تقرير الهيئة الشرعية دوراً بالغاً في تحقيق المساءلة في المؤسسة المالية الإسلامية على أساس ما يلفت الانتباه إليه من عدم مراعاة قواعد الحيطة والحذر في مواجهة حالات عدم التأكد.
في مواجهة حالات عدم التأكد مثل:
- الديون المشكوك فيها.
- عدد حالات المطالبات المتوقع حدوثها عن الكفالات والضمانات.(11/41)
ومراعاة درجة معقولة من الحذر عند ممارسة السلطات التقديرية بحيث لا يكون هناك مبالغة في:
- تقدير قيم الأصول.
- أو الدخل.
- أو تقدير الخصوم والمصروفات بأقل مما يجب.
وما قد يؤدي إليه ذلك من:
* خلق احتياطيات سرية.
* أو مخصصات بأكثر مما يجب.
* أو التخفيض المتعمد للأصول والدخل.
* أو التضخيم المتعمد للأصول والمصروفات.
إذ يؤدي ذلك إلى عدم الحيادية للقوائم المالية وفقدانها لخاصية الوثوق بها وإمكانية الاعتماد عليها.
تقرير الهيئة الشرعية وما يجب أن يوفره من معلومات دقيقة وصحيحة شرعاً عن كافة أنشطة المؤسسات المالية مبوبة كما يلي:
أ - الأنشطة التشغيلية الرئيسة المولدة لإيرادات المؤسسة المالية.
ب - الأنشطة الاستثمارية المتعلقة بالحصول على أصول طويلة الأجل بالإضافة إلى الاستثمارات الأخرى التي لا تعتبر نقدية معادلة.
ج- …الأنشطة التمويلية التي ينتج عنها تغييرات في حجم ومكونات حقوق الملكية.
المستخدمون لتقرير الهيئة الشرعية ودورهم في المساءلة:
1- فئة المستثمرين: ويتركز اهتمامهم بالمخاطر/ والعوائد المتعلقة باستثماراتهم، ومن ثم القدرة على اتخاذ قرار يتعلق بشراء أو الاحتفاظ أو بيع الاستثمارات وتقييم قدرة المنشأة على إجراء توزيعات الأرباح.
2- فئة العاملين: وتعلقهم بالمعلومات الخاصة بربحية المنشأة واستقرارها وقدرة المنشأة على توفير المكافآت ومنافع التقاعد وفرص التوظيف.
3- فئة الدائنون التجاريين: ويهتمون بالمعلومات التي تمكنهم من معرفة قدرة المنشأة على سداد ديونها في مواعيدها.
4- فئة المتعاملين: يهتمون بالمعلومات المتعلقة باستمرارية المنشأة.
5- الجهات الحكومية: وتهتم بالمعلومات التي توفرها القوائم المالية لاستخدامها في تنظيم أنشطة المنشآت وكأساس للإحصاءات المتعلقة بالدخل القومي وما يمثلها.(11/42)
6- الجمهور العام: إذ تقدم المنشأة مساهمة فعالة في الاقتصاد المحلي عن طريق توفير فرص عمل واستبيان اتجاهات أنشطة المنشأة وفرص ازدهارها.
سادساً: دور الهيئة الشرعية في قيادة التغيير في المؤسسات المالية الإسلامية وبلورة رؤية لإدارة المستقبل:
إن الحاجة إلى التغيير في حدها الأدنى مرتبطة بالخوف من الفشل سواء تمثل ذلك التغيير في:
* إعادة هندسة نظم العمل (الندرة) أو إعادة هيكلة المؤسسة.
* أو برنامجاً طموحاً ومستمراً للجودة والإتقان.
* أو برنامج تجديد ثقافة المؤسسة.
وبذلك تتمكن المؤسسة من تحديد رؤية لإدارة المستقبل، ويتم ذلك بوضع المبادئ الشرعية للتغيير وتوصيل رؤية التغيير للآخرين بكل طرق الاتصال الجادة، وما يتطلبه التغيير من:
(1) تعاون بين كافة الوظائف المختلفة في الهيكل التنظيمي.
(2) بلورة المهارات الشرعية وإكسابها للعاملين في المؤسسة عن طريق التدريب.
(3) إن النتائج التي يحتويها تقرير الهيئة الشرعية وما يقوم عليه من المعلومات المالية والإدارية يمكن المؤسسة المالية من تحسين أدائها في مجالات:
- التخطيط.
- الرقابة.
- اتخاذ القرار.
- تقييم نتائج كفاءة الإدارة في القيام بواجباتها.
- تقييم الأنشطة الاستثمارية والتمويلية والتشغيلية.
وتتم عملية التقييم باعتماد مجموعة من المعايير هي:
- المعيار المالي: معيار العائد على الاستثمار ومعيار القيمة المضافة.
- معيار التسويق: يعكس نصيب المؤسسة من السوق ودرجة رضا المتعاملين معها.
- معيار الأداء: يعكس الجودة وتكاليف التشغيل ودرجة التطوير والابتكار وتكيف العاملين وفعاليتهم ويعتمد ذلك على المستوى التعليمي ومستوى الخبرة ودرجة الابتكار وأساليب الإدارة.
- معيار النمو.(11/43)
وفي تصوير عام إن المؤسسة تعتمد على الموارد فما هي؟ ومن أين تأتي؟ كما تعتمد على استخدام هذه الموارد فكيف يتم ذلك باستخدام معيار الأداء بأبعاده المتعددة والمتنوعة، والمعيار الشرعي معيار مشترك ومشتبك مع كل المعايير التي تقوم عليها الموارد المالية والاستخدامات بما تشتمل عليه من معيار الأداء وما يتضمنه من إدارة الموارد البشرية.
الهوامش
(1) انظر معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومعيار الشركات.
(2) الاستثمار والرقابة الشرعية في المؤسسات المالية والإسلامية د. عبد الحميد البعلي ط. مكتبة وهبة القاهرة.
(3) الموافقات في أصول الشريعة للشاطبي ج4 - ص8.
(4) انظر أيضاً قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام ج1 ص10، 11 بمراجعة طه عبد الرؤوف سعد. ط. أم القرى للطباعة والنشر-القاهرة.
(5) المرجع السابق - ص20.
(6) شرح المنتهى 3/456 ط. أنصار السنة بالقاهرة.
(7) أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح ص106 بتحقيق د. موفق عبد القادر ط عالم الكتب- بيروت.
(8) الموسوعة الفقهية الكويتية ج32 ص22.
(9) أخرجه الترمذي (5/29) من حديث أبي هريرة وقال: حديث حسن صحيح.
(10) الموافقات للشاطبي 4/313.
(11) أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح مرجع سابق.
(12) قاله أبو المظفر السمعاني -رحمه الله- وأورده ابن الصلاح - مرجع سابق ص166 وما بعدها.
(13) الفقيه والمتفقه ص156، 182. ط. دار الكتب العلمية -بيروت.
(14) الفقيه والمتفقه ص156، 182. ط. دار الكتب العلمية -بيروت.
(15) أيضاً المجموع للنووي 1/56.
(16) شرح المنتهى 3/458 - البحر المحيط 6/316.
(17) البحر المحيط 6/316 انظر أيضاً الموسوعة الفقهية الكويتية ج32 ص 50.
(18) الفروق للقرافي 4/48، 54.
(19) الموافقات للشاطبي 4/89، 95.(11/44)
(20) عند كتابة كتابنا الاستثمار والرقابة الشرعية لأول مرة منذ زمن ليس بالقليل حيث كان يدرّس في المعهد الدولي للبنوك والاقتصاد الإسلامي بجمهورية قبرص التركية قبل طباعته كتاباً وضعنا الرقابة الشرعية كعنوان ولكننا اقتصرنا في الشرح على الفتوى والمتابعة الشرعية وعللنا ذلك بأسباب منها: أن الرقابة من الرؤية اللاحقة للعمل بعد التطبيق ثم التنفيذ لفتاوى الهيئة الشرعية واعتبرنا المتابعة جوهر عملية الرقابة ص214، 215، 218 واليوم نتحدث عن الرقابة مباشرة بعد أن اشتد عود المؤسسات المالية الإسلامية وذاع انتشارها وما يستوجبه ذلك من استقلاليتها بكل ما يتطلبه ذلك الاستقلال من أمور سنسردها في هذا البحث.
(21) معجم مقاييس اللغة لابن فارس 2/427 ، لسان العرب لابن منظور 5/279 تاج العروس للزبيدي 2/515 ، مختار الصحاح للفيومي ص221، القاموس المحيط للفيروز آبادي 1/74-75، المعجم الوسيط 1/363، التعريفات للجرجاني، مشار إليها في بحث رياض الخليفي الرقابة الشرعية ص1.
(22) انظر في التعريفات المختلفة: كتابي الاستثمار والرقابة الشرعية ص213 - وكتابي المدخل لفقه البنوك الإسلامية ص153 ط المعهد الدولي للبنوك والاقتصاد الإسلامي ، فارس أبو معمر ، أثر الرقابة الشرعية واستقلاليتها على معاملات البنك الإسلامي ص4.
- معايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية الإسلامية سنة 1422هـ- المراجعة ص15- وما بعدها.
- د. محمد عبد الحكيم زعير ، دور الرقابة الشرعية في تطوير الأعمال المصرفية- ح1- ص44.
- د. محمد أبو شادي - دور البنوك الإسلامية في تحقيق التنمية الاقتصادي دراسة تحليلية - ص627.
- د. عبد الستار أبو غده في بحثه ص 44.(11/45)
- د. عوف الكفراوي - النقود والمصارف في النظام الإسلامي ص327 وما بعدها- ط. دار الجامعات المصرية- د. السيد خليل هيكل - الرقابة على المؤسسات العامة الإنتاجية والاستهلاكية - ص172 وما بعدها- ط. منشأة المعارف سنة 1970م.
(23) إعلام الموقعين 4/204 بتحقيق محي الدين عبد الحميد. ط. المكتبة العصرية. بيروت.
(24) إعلام الموقعين 1/85 من كتاب عمر في القضاء إلى أبي موسى الأشعري.
(25) انظر في تفصيل ذلك كتابنا الاستثمار والرقابة الشرعية مرجع سابق ص210 وما بعدها.
(26) مختار الصحاح ، تاج العروس، لسان العرب- ج2 ص1043 حرف الهاء. ط مكتبة النوري ، دمشق.
(27) كنا أول من استعمل هذا المصطلح في أول بحث عن الرقابة الشرعية في كتابي الاستثمار والرقابة الشرعية. ط. مكتبة وهبة القاهرة 1983.
(28) مختار الصحاح ، تاج العروس، لسان العرب.
(29) انظر المادة 23 ج من المشروع.
(30) كان لي رأي سابق تبنيته في كتابي الاستثمار والرقابة الشرعية ص270 مؤداه أن يأتي اختيار أعضاء الهيئة الشرعية على وجه الخصوص بالانتخاب الحر المباشر من قبل الجمعية العمومية دون أن يكون لأي مساهم سوى صوت واحد بصرف النظر عن عدد أسهمه وإن جاز القول بغير ذلك في غير ذلك من الأمور وذلك بالنسبة للهيئة فقط كنوع ضمانة شرعية قوية في اختيار أعضائها.
(31) الاستثمار والرقابة الشرعية ص269 ط. مكتبة وهبة القاهرة.
(32) انظر في مبررات تحديد هذا العدد كتابنا الاستثمار والرقابة الشرعية ص218، 219.
(33) إعلام الموقعين 4/226 بتحقيق محي الدين عبد الحميد. ط. المكتبة العصرية. بيروت.
(34) معايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية الإسلامية -ط. 1422هـ/2001م- هيئة المحاسبة- مرجع سابق.
(35) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثوقون من أهل الصحيح - مجمع الزوائد 1/178.
(36) رواه مسلم- لفظ جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي - ص319 - رقم 34- ط. دار المعرفة - بيروت.(11/46)
(37) هذا المعنى مأخوذ من قوله تعالى (وكانوا مستبصرين( العنكبوت/38. قال ابن عباس ومجاهد والضحاك معناه: لهم بصيرة.. وقيل: لهم بصيرة أن الرسالات حق والآيات حق ولكنهم مع ذلك يكفرون عناداً- انظر تفسير ابن عطية ح11 ص390 ط قطر.
(38) أستاذ اقتصاد بجامعة برينستون ونائب رئيس مجلس محافظي بنك الاحتياط الفيدرالي في الفترة من 94/1996م في دراسة نشرتها مجلة "فورين أفيرز" Foreign Affairs وتأسيس نظام مالي جديد في العالم هو ما دعا إليه أيضاً د. وليام لارالدي- مدير مجموعة الـ24 في واشنطن - انظر الاقتصاد في أسبوع العدد رقم 158 بتاريخ 27/10- 2/11/1969م يصدرها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية.
(39) انظر في هذا المعنى الفتاوى ج29/ 471 ،472 و ج 19/251- 252.
(40) ولد عام 1225م وتوفي عام 1274م في إيطاليا وتلقى جزءاً من تعليمه في باريس وكان من أبرز من كانوا يمثلون فكر "المدرسين" Scholastics من رجال الكنيسة الكاثوليكية الذين كانوا يدرسون الفلسفة والقانون في أوروبا منذ بداية النصف الثاني من العصور الوسطى ولكنهم ينتهجون منهجاً فكرياً خاصاً يغلب عليه الطابع الديني بما في ذلك النشاط والفكر الاقتصادي-انظر د. حسين عمر- تطور الفكر الاقتصادي ح1 ص68.
(41) انظر م. (87) مجلة الأحكام العدلية وشرحها للبستاني.
(42) انظر المادتين رقمي (1427)، (1428) من مجلة الأحكام العدلية المادة (462) من مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان إعداد مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.
(43) يقول الرملي "وأسماء العقود المشتقة من المعاني لابد من تحقق تلك المعاني فيها"- حاشية الرملي على أسنى المطالب 2/122.
(44) انظر كتابنا فقه المرابحة في التطبيق الاقتصادي المعاصر ط. مكتبة وهبة.(11/47)
(45) انظر بحثنا المقدم إلى هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بعنوان: تنظيم العلاقة بين المؤسسات المالية الإسلامية والجهات الرقابية والبنوك النقدية.
(46) انظر بحثنا -تكامل النظام المصرفي الإسلامي وآثاره التنموية المقدم إلى المؤتمر الخامس نحو نظام مصرفي إسلامي متكامل- الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية - عمان - الأردن 12-14/10/2002م.
المراجع
معاجم اللغة العربية:
- معجم مقاييس اللغة لابن فارس.
- لسان العرب لابن منظور.
- تاج العروس للزبيدي.
- مختار الصحاح للفيومي.
- القاموس المحيط للفيروز آبادي.
- المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
- البحر المحيط.
كتب التفسير:
- تفسير القرطبي.
- تفسير ابن كثير.
كتب الفقه:
1- المدخل لفقه البنوك الإسلامية ، د. عبد الحميد البعلي ط مكتبة وهبة بالقاهرة.
2- أساسيات العمل المصرفي الإسلامي ، د. عبد الحميد البعلي ، ط. مكتبة وهبة بالقاهرة.
3- الاستثمار والرقابة الشرعية ، د. عبد الحميد البعلي ، ط. مكتبة وهبة بالقاهرة.
4- مقاصد الشريعة ، طاهر بن عاشور ، ط الشركة التونسية للتوزيع.
5- الموافقات للشاطبي ، ط. دار المعرفة بيروت.
6- شرح منتهى الإرادات للبهوتي ط ،أنصار السنة بالقاهرة.
7- أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح بتحقيق د. موفق عبد القادر ط عالم الكتب بيروت.
8- الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي ط دار الكتب العلمية بيروت.
9- المجموع للنووي.
10- الفروق للقرافي.
11- أثر الرقابة الشرعية واستقلاليتها على معاملات البنك الإسلامي د. فارس أبو معمر.
12- دور الرقابة الشرعية في تطوير الأعمال المصرفي د. محمد عبد الحكيم زعير.
13- دور البنوك الإسلامية في تحقيق التنمية الاقتصادية ، محمد أبو شادي.
14- النقود والمصارف في النظام الإسلامي د. عوف الكفراوي ط دار الجامعات المصرية.(11/48)
15- هيكل الرقابة على المؤسسات العامة الإنتاجية والاستهلاكية د. السيد خليل ط منشأة المعارف الإسكندرية.
16- قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام بمراجعة عبد الرؤوف ط أم القرى للطباعة والنشر بالقاهرة.
17- إعلام الموقعين لابن القيم بتحقيق محي الدين عبد الحميد ط المكتبة العصرية بيروت.
18- الموسوعة الفقهية الكويتية.
19- مشروع قانون بشأن المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الخاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية المقدم من اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية - الديوان الأميري - الكويت.
??
??
??
??
12 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
الرقابة الشرعية الفعالة 11(11/49)
الرقابة الشريعة
وأثرها في المصارف الإسلامية
د. أحمد محمد السعد
كلية الشريعة - جامعة اليرموك - الأردن
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، الحمد لله الذي جعل حفظ المال وحمايته مقصداً من مقاصد شرعه، فدعا المسلم إلى كسبه من الحلال وإنفاقه في الحلال. فنظم المعاملات بين الناس، وأنزل الأحكام الشرعية- متمثلة بنصوص القرآن والسنة النبوية- التي تبين للناس ما يحرم من التعامل، وما يحل منه. وجعل الأصل في المعاملات الحل، والتحريم يحتاج إلى دليل، وجعل الإنسان رقيباً على نفسه من خلال استشعار رقابة خالقه عليه سبحانه وتعالى، إلا أن النفس البشرية أمارة وميالة للمخالفة، فدل خلقه إلى تنظيمات تضبط سلوك الإنسان ابتداء من الحاكم وانتهاء بالمحتسب. وجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية عامة تتحملها الأمة موزعة على قطاعاتها المختلفة. ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر (. فكل نشاط من أنشطة الإنسان يقوم به فرد أو جماعة، يخضع لرقابة تمنع من وقوع المخالفات.
والمؤسسات المالية نشاط اقتصادي فردي أو جماعي، لابد من وجود مراقبة عليها، لأن المال قد يغري النفس، فلا يلتفت المرء إلى مصدره؛ أهو حلال أم حرام. ومن هذه المؤسسات المصارف الإسلامية التي تعد في ظل الظروف المعاصرة ضرورة من ضرورات الحياة. ومع ظهور المصارف الإسلامية اقترنت بها الرقابة الشرعية؛ إما في إطار قانوني أو من خلال النظام المصرفي، أو من خلال أصحاب الأموال (الهيئة العمومية للمصرف) أو بطلب من مجلس الإدارة، أو وظيفة من وظائف المصرف. فكيف يمكن أن تؤدي الرقابة الشرعية دورها ؟ وما أثر غيابها في بعض المؤسسات المالية ؟ وماذا نعني بالرقابة الشرعية ؟ وما مهامها وواجباتها وأنماطها ؟ هذه الأسئلة تمثل مشكلة بحثي، والتي سأبينها من خلال العناوين التي يتكون منها البحث.(12/1)
التمهيد : يتناول تحديد مفهوم المصرف الإسلامي، ومفهوم الرقابة الشرعية.
أما المصرف الإسلامي : فهو مؤسسة مالية، تعمل على تجميع فوائض الأموال لدى الأشخاص، وتوجيهها في الاستثمار لصالح الفرد والجماعة، لتحقيق التنمية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، ومقاصدها.
فمن خلال التعريف تتركز وظيفة البنك الإسلامي في تجميع المدخرات، ثم توجيهها في أوجه الاستثمار الإنمائية. لتسهم في تحقيق تنمية تعود فائدتها على الفرد والمجتمع والدولة.
فالبنك الإسلامي يعود الناس على سلوك اقتصادي إسلامي، يحفظ لهم أموالهم وينميها، فيوجهه، كيف ينفق، وكيف يدخر، وكيف يستثمر.
فإذا وجد المسلم مؤسسة تحفظ له رأس ماله، ثم تجني له ربحاً أيضاً، وتأكد من ذلك، فإنه يتجه للادخار، ثم إيداعها في المصرف، كمثل المؤمن الذي لا تسلم له نوافله إلا إذا سلمت له عزائمه، فالتاجر لا يسلم له غرائمه حتى يسلم له رأس ماله.
وعندما نقول إن البنك الإسلامي يعمل طبقاً لأحكام الشريعة، فهذه ترتكز على عدة أمور هي:
1 - تطبيق الأحكام الشرعية.
أ - من حيث التكوين والتأسيس والتنظيم.
ب - من حيث الطاقة البشرية العاملة.
جـ - من حيث الممارسة الفعلية لنشاطات البنك، والتي يجب أن تتسم :
- بالسلوك الشخصي في التعامل وفي المظهر.
- بأداء العمل المنوط بالفرد.
2 - المتابعة والرقابة من خلال :
أ - هيئات شرعية داخلية.
ب - هيئات شرعية خارجية (الهيئة العليا للرقابة الشرعية).
جـ - هيئات شرعية عامة (جهات الإفتاء والمؤتمرات الفقهية)
3 - كيفية الرقابة وآلياتها :
ومن هنا أنتقل لبيان مفهوم الشق الثاني من عنون البحث، وهو الرقابة الشرعية، فالرقابة الشرعية: أحد أجهزة المصرف الإسلامي التي تحميه من مخالفة أحكم الشرع الإسلامي من خلال ممارساته لأعماله، وتقدم له الحلول الشرعية بما يضفي عليها الصبغة الشرعية.(12/2)
لذلك لا يقتصر عملها على المراقبة، بل لها دور في التطبيق بداية ومراقبة أثناء التنفيذ ومتابعة. هي هيئة فتوى، تقدم الفتاوى في المسائل المالية للمصرف، ثم تتابع تنفيذها وتطبيقها على الوجه السليم.
وهنا لابد من توافر ذوي الكفاءة كأعضاء في هذه الهيئة. فالمفتي يحتاج إلى قوة في العلم، وقوة في التنفيذ، فإذا لم تتحقق له الكفاية مضغة الناس؛ فلا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له.
وحتى يتحقق ذلك ينبغي توفر مجموعة شروط في أعضاء هيئة الفتوى والرقابة الشرعية، بحثها الفقهاء في باب شروط المجتهد؛ من علم باللغة العربية وبالقرآن وناسخه ومنسوخه وبالنسبة ناسخها ومنسوخها، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، ومعرفة بمواطن الإجماع وموضع الخلاف، ومعرفة بالقياس، لأنه قاعدة الاجتهاد والموصل إلى تفاصيل الأحكام التي لا حصر لها، وله معرفة بمقاصد الحكام. فوضع الشرائع إنما هو لصالح العباد في العاجل والآجل معاً، والشريعة وضعت لتحقيق هذه المصالح لقوله تعالى : ( رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل (.
وتكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق. والمقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام : ضرورة، وحاجة، وتكميل. أما الضرورة : مالا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الآخرة فوت النجاة والنعيم. فالعبادات راجعة إلى حفظ الدين من جانب من الوجود، والعادات راجعة إلى حفظ النفس والعقل من جانب الوجود أيضاً.
والحاجة : وهي المفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى المشقة اللاحقة بفوت المطلوب. فإذا لم تراع وقع المكلفون في الحرج والمشقة. والتكميل (التحسينات) : الأخذ بما يليق من محاسن العادات، ويجمعها مكارم الأخلاق.(12/3)
هذه الشروط السابقة، تؤكد على وجوب توفر أهلية الإفتاء والاجتهاد في أفراد هيئة الرقابة الشرعية، وخاصة أن المعاملات فيها مستجدات متتالية نظراً للتطور التقني والتكنولوجي. لهذا لابد من اختيار المشهور لهم بالكفاءة الفقهية، ولا نلتفت إلى الشهرة ولا إلى المفتين الرسميين إلا إذا كانوا ممن تتوافر فيهم الشروط التي أشرت إليها سابقاً.
لأن هؤلاء مهمتهم رقابة الأعمال والأنشطة في المؤسسات المالية، والرقابة تعني : ضبط المعاملات المصرفية في ضوء الأدلة الشرعية والقواعد الفقهية للتأكد من صحة التطبيق. ومتابعة وتحليل كافة الأعمال والتصرفات والسلوكيات والقرارات التي تقوم بها المؤسسات، والتأكد من موافقتها لأحكام الشريعة الإسلامية باستخدام الوسائل والأساليب الملائمة المشروعة، وبيان المخالفات والأخطاء وتصويبها فوراً، وتقديم التقارير إلى الجهات المعنية متضمنة الملاحظات والإرشادات وسبل التطوير إلى الأفضل.
فالمؤسسات المالية الإسلامية بحملها هذا الاسم، فإن مسئوليتها عظيمة بعظم هذا الدين. ولهذا ينبغي أن يكون واقعها موافقاً لما يحتويه اسمها من أحكام وأخلاق وسلوك وتعامل. ومن هنا تظهر أهمية الرقابة الشرعية في نشاط هذه المؤسسات. وتستمد الرقابة الشرعية دورها من قوله تعالى : (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ( وقوله سبحانه : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون (. وقوله عز وجل : ( فلولا نفر من كل فرقة طائفة منهم ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (.(12/4)
ويجب على كل فرد أو مؤسسة ألا يقدموا على أي تعامل أو نشاط إلا بعد سؤال أهل العلم من ذوي الكفاءة والاختصاص، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب. لذلك يلزم كل مؤسسة مالية، الاستعانة بهيئة رقابة شرعية تقوم على التأكد من موافقة الأنشطة للأحكام والضوابط الشرعية. فالأحكام الشرعية معروفة لأهل العلم، وأما الضوابط الشرعية فهي كل العناصر التي يتحقق بها ضبط مسيرة المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية. بجميع الأساليب والإجراءات المتبعة.
وهيئة الرقابة الشرعية تستمد مشروعيتها من الأدلة السابقة، لكي ترعى خطوات الإنشاء، وتراجع أولاً بأول إجراءات قيام ذلك الكيان وتدعو إليه بين الناس، وتضبطه بأحكام الشريعة.
ففكرة إنشاء أي مؤسسة مالية إسلامية لا تنجح ولا تحقق المقصود منها إلا بوضعها تحت رقابة وإشراف هيئة شرعية تراجع أعمالها وتبدي الرأي في أساليب التنفيذ من الوجهة الشرعية.
ويتحدد دور الرقابة الشرعية في المؤسسة حسب المهمة المنوطة بها، ودرجة تداخلها في نظام عمل المصرف، من رقابة وقائية (سابقة للتنفيذ)، ورقابة علاجية (أثناء التنفيذ)، ورقابة متابعة (بعد التنفيذ).
الإطار القانوني لهيئة الرقابة الشرعية :
كثيراً ما تنص المؤسسات المالية الإسلامية عند إنشائها على ضرورة الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية، وعلى ضرورة وجود رقابة شرعية. ومن المؤسسات ما تقتصر على النص فقط بالالتزام بالأحكام الشرعية.
وبعض المؤسسات ما تذكر في نظامها الأساسي أو عقد التأسيس، أو في قانون إنشائها على النص بوجوب التزام أحكام الشرع الإسلامي، دون الإشارة إلى الأسلوب أو الطريق الذي يحقق هذا الالتزام، وهو وجود هيئة رقابة شرعية تحرص على تفعيل هذا النص وتطبيقه، وكان من الواجب وجود الرقابة الشرعية لأنها تؤدي إلى الاطمئنان على عمل هذه المؤسسة، وبالتالي مزيد من الثقة عند الناس.(12/5)
ولقد اختلفت المصارف الإسلامية، في مدى تحقيق هذا المطلب، ودون تحديد أسماء المصارف، ويمكن أن أصنفها إلى مجموعات، دون ذكر الأسماء :
الأولى : نصت على ضرورة وجود مراقب أو مستشار شرعي.
الثانية : نصت على ضرورة وجود هيئة رقابة شرعية.
الثالثة : ضرورة تفرغ عناصر شرعية في المصرف، إضافة إلى وجود هيئة.
الرابعة : النص على وجود هيئة رقابة شرعية على مستوى الدولة.
وهنا ينبغي الالتفات إلى وجود مراقب شرعي مؤهل وكفء، متواجد في المؤسسة، يطلع على العقود والمعاملات قبل المباشرة بها، ثم يتابع حتى يتم التنفيذ. أما أن يكون المراقب الشرعي أو المستشار، لا يتواجد في المؤسسة، ويكتفي في نهاية العام المالي، بالنص على شرعية المعاملات دون تفحص وتدقيق، أو يطلع على نزر يسير من المعاملات، ثم يعطي تقريره بشرعية المعاملات في ضوء ما اطلع. فهذا لا يكون قد أدى واجبه، ولا أدى الأمانة بحقها.
والشكل القانوني لهيئة الرقابة الشرعية يعتمد في إلزاميته لما يقدمه من آراء، على كيفية تشكيلها وتعيينها وموقعها من أجهزة المؤسسة، فكلما كان تشكيلها منبثقاً عن الهيئة العمومية، وإلى عدد المساهمين لا إلى عدد الأسهم، فيكون دورها فعالاً ومؤثراً، لثقة المساهمين والمتعاملين في أعضائها. وهذا ما يجب أن تحرص عليه البنوك الإسلامية، دفعاً للتهم وقطعاً للشك.
أما إن كان من قبل مجلس الإدارة، فتأثيرها أقل من سابقتها، وإن كانت أفضل من أن تكون من قبل المدير العام أو مدير شؤون الموظفين، لأنها ستكون وظيفة عادية ولا تؤدي الهدف المنشود، ولا تكتسب الثقة من المساهمين والمتعاملين.(12/6)
والعدد أيضاً له دور في تأثير هذه الرقابة على المؤسسات المالية الإسلامية، لأن تعدد الآراء والمناقشات مع أعمال قواعد الترجيح، يطمئن القائمين على المؤسسة ويطمئن المتعاملين، لأن معظم الأحكام اجتهادية، والحكم الاجتهادي ظني، لهذا لابد من تنوع الاختصاصات، واستشارة من له دراية في الجانب التطبيقي لأي معاملة من المعاملات، وهنا ينبغي وجود المختص الشرعي والاقتصادي والمالي والمصرفي والقانوني.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن عدد أعضاء هيئة الرقابة الشرعية، لا يصح أن يقل بحال عن ثلاثة أعضاء ليتناسب مع عدد أعضاء مجلس الإدارة، أو يزيد وهذا العدد محكوم بعدة اعتبارات :
1 - موقعها من الهيكل التنظيمي للمؤسسة.
2 - الاختصاصات والمهام المنوطة بها.
3 - تواجدها في مواقع العمل لتحقيق هدفين :
أ - الاطلاع على حقيقة ما يجري من عقود ومعاملات وتصرفات.
ب - الاطمئنان على سلامة التطبيق والتنفيذ، ومعالجة ما يجد من مشكلات، منعاً من مجاوزة الحكم الشرعي، أو إساءة في التطبيق.
ومن هنا لابد من بيان الواجبات الوظيفية التي تتولاها هذه الهيئة، وهنا أذكر الواجبات من خلال إطلاعي عليها أثناء علمي في بيت التمويل الكويتي مراقباً شرعياً، وهذه الواجبات تم تحديدها عند إعداد الوصف الوظيفي لجميع الوظائف التي يشتمل عليها بيت المال الكويتي، وهذه الواجبات والمهام هي :
1 - دراسة مجالات العمل والعقود وصياغتها بحيث تتفق مع أحكام الفقه.
2 - متابعة تنفيذ العقود والمعاملات للتأكد من التزام الموظفين بتنفيذها دون مخالفة للضوابط الشرعية.
3 - دراسة ما يقدم لها من أسئلة للاستفادة وبيان الرأي الشرعي فيها. كذلك دراسة مشروعية العقود قبل التوقيع عليها للتأكد من عدم وجود أي بند فيها يتعارض مع أحكام فقه المعاملات.(12/7)
4 - دراسة تقارير وملاحظات المراقب الشرعي المتفرغ على الممارسات التنفيذية في الجوانب الشرعية لمسيرة الأعمال اليومية والتوصية بما يلزم بشأنها.
5 - تحديد القضايا أو الأنشطة التي تتطلب عناية خاصة من المراقب الشرعي المتفرغ. وطلب إعداد الدراسات التفصيلية التي ترى الهيئة أهميتها.
6 - وضع تقرير سنوي من الهيئة يبين به رأيها بأن أعمال المصرف الإسلامي خلال السنة الماضية تتفق وأحكام الشريعة الإسلامية ولم يتبين للهيئة ما يخالف ذلك.
7 - الإشراف على تجميع الفتاوى وتنظيم عملية الرجوع إليها. وتعتبر الفتاوى التي يتم نشرها مرجعاً شرعياً ومستنداً رسمياً يتعين على المصرف الإسلامي التقيد بها وعدم مخالفة شيء منها إلا ما يتم الرجوع عنه من الهيئة.
8 - المشاركة في المؤتمرات الشرعية وإعداد برامج تثقيف العاملين وتقديم المحاضرات والندوات اللازمة لهم ومتابعتها.
9 - إعداد الردود الخاصة بالجوانب الشرعية والتي قد تثار حول الأمور الفقهية لأعمال المصارف الإسلامية.
هيئة الرقابة الشرعية :
أسست هيئات الرقابة الشرعية لتواكب تجربة تأسيس المصارف الإسلامية وتطويرها التماساً للملاءمة الشرعية بين العقود الحديثة في المعاملات المصرفية والأصول الفقهية التي استنبطها الفقهاء وتوافقوا عليها بحيث يكون نتاج هذه الملاءمة الشرعية استحداث تكييف شرعي للمعاملات المصرفية المعاصرة تحقيقاً لأهداف البنوك الإسلامية في تسخير مزايا العلم المصرفي في تنمية وترقية الحياة الاقتصادية عير المؤسسة المالية مع الاحتفاظ لها بنطاق تأصيلي ينأى بها عن المعاملات المصرفية البينة الحرمة (كالربا) والاحتكار وما شابهها.(12/8)
وقد أدت هيئات الرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية وظيفتها أداء لا بأس به (في إطار البيئة التي نشأت فيها)، إلا أن هنالك عدة قضايا أظهرتها التجربة التطبيقية مما يقتضي إعادة النظر وتقييم التجربة بجد، وقد أدى بناء التجربة في مراحلها الأولى إلى انصراف القائمين عليها والمشتغلين بالقضايا الإسلامية إلى تثبيت نجاح التجربة واقعياً وبحماس بالغ بحسبانها تجربة في نطاق الشرائع الإسلامية في الحياة المعاصرة، ومن هنا وجدت دعماً معنوياً ومادياً يحسه كل من اتصل بهذه التجربة، أو تتبع تاريخها، وهذا الدعم المؤثر يتعدى أولئك الذين تربطهم مصالحهم الوقتية بهذه المؤسسات إلى دعم معنوي من عامة الناس بدافع عقيدتهم وحماسهم الديني وعواطفهم الإسلامية الجياشة، كان هذا الحماس ضرورياً في مراحل البناء الأولى كما كان طبيعياً وعفوياً. إلا أن هذا الحماس لم يتح في هذه المرحلة الحالية لبناء البنوك تقييم التجربة موضوعياً، ونقدها وإثراء البحث العلمي في مجالاتها المتعددة: " المالية والإدارية والقانونية والفقهية "، بل إنه أدى في جانب منه إلى نظرة معادية لمن يتصدى لمعالجة التجربة نقدياً، أو يتناول القضايا المتعلقة بها بروح البحث العلمي الحر. وقادت هذه النظرة إلى رؤية متعنتة تحاول أن تسترسل (القدسية) على هذه التجربة. فكأنها تنزيل من التنزيل أو قبس من نور الذكر الحكيم، وهذا الاتجاه غذته - من حيث لم تقصد - تأثيرات الاتجاهات المناوئة للفكر الإسلامي والتي تصدت لهذه التجربة بروح معادية ظاهرة الغرض، مما عزز اتجاه المتحمسين لمعاداة كل من يتعرض للتجربة بالتقييم أو النقد الموضوعي، وهذا بدوره انعكس سلباً على أولئك المؤمنين بالفكرة والمخلصين لها والذين يعتقدون أن إعادة تقييمها المرة بعد المرة وتحديد أخطائها بشجاعة ونقد أوجه القصور فيها، وتحليل مكتسباتها من منظور علمي نقدي محض، سيثري التجربة ويصحح مسارها، ويقودها نحو فتح جديد، وذلك(12/9)
خشية أن يتطاول عليهم البعض (سفهاء القوم) فيجدوا فيهم مطعناً لولائهم، لا سيما أن في مجتمعنا ظواهر كالحة لاختلاط النظر للقضايا الموضوعية ممتزجة برؤية ممعنة في الذاتية وميل البعض لتصفية حساباتهم الشخصية في أتون معارك فكرية يفترض فيها تحرير النية لمحض الحق، وبتأسيس الوصول فيها إلى الحقيقة من خلال معلم أخلاقي نبيل هو "التجرد".
ومهما يكن فإن هذه مقدمة أجدها ضرورية وأنا بصدد تناول تجربة هيئة الرقابة الشرعية بالتقييم العام، لأن وظيفة هيئة الرقابة الشرعية للبنك جد خطيرة، وذلك لطبيعتها القانونية والتي تنبثق من أنها (الهيئة التشريعية) الموكول إليها وظيفة التأصيل الفقهي لمعاملات البنك الإسلامي، وحيث إن معاملات البنوك الإسلامية تقع (كلياً أو جزئياً) خارج إطار الإلزام القانوني العام، تتأكد خطورة المهمة الملقاة على عواتق هؤلاء العلماء الأجلاء، ولا أراني مضطراً أن أقول إنه لم تفنن إلى الآن المعاملات المصرفية الإسلامية، كما لم يستحدث قانون للبنوك (إسلامي)، - حسب علمي فإن ذلك ينطبق على مختلف دول العالم الإسلامي وبالذات دول المؤتمر الإسلامي، فيما عدا الباكستان وإيران والسودان جزئياً - وأهمية هذه القوانين تتمثل في أنها تضفي على ممارسات هذه البنوك طابعاً إلزامياً قائماً على تكييف شرعي أصيل وصياغة قانونية معاصرة، ورعاية للظروف والعرف في نطاق الشريعة، ويلاحظ هنا أن عقود تأسيس هذه البنوك أو نظامها الأساسي أو القوانين الخاصة التي تأسست بناء عليها لا تغطي هذه الثغرة، ومن هنا انتقل العبء التشريعي على هيئة الرقابة الشرعية، وتأكد جسامة وخطر مسؤوليتها.
فهل استطاعت هذه الهيئات الرقابية أن تقوم بوظيفتها ؟ وتؤدي المهام المنوطة بها ؟
الوضع الراهن لهيئة الرقابة الشرعية :
يمكن لنا دراسة مسيرة الرقابة الشرعية معتمدين البحث في الكلي دون الجزئي ليتوفر على بحث التفاصيل آخرون :(12/10)
أ - الطبيعة القانونية لهيئة الرقابة الشرعية :
إن أول أوجه القصور في البنية القانونية لهيئة الرقابة الشرعية هي في طبيعتها القانونية، فهذه الطبيعة يكتنفها الغموض، فهيئة الرقابة الشرعية هي (رقابة) لكنها لا تراقب إلا ما يعرض عليها من عقود أو معاملات، ولا تفتي إلا فيما تستفتى فيه، إذن فإدارة البنوك هي التي تحدد (عملياً) نطاق أعمال هيئة الرقابة الشرعية، وقد تتدخل الهيئة إذا ما تسامعت أو وقفت على ما يستدعي تدخلها، أو قد تتدخل بناءً على شكوى أو التماس، ولكن هذه الوسائل تفتقر للفعالية الإدارية، وهي وسائل (غير رسمية) لا يمكن التعويل عليها في جهاز رقابي موكول إليه رقابة النظام والتطبيق على الممارسة اليومية لآلاف العمليات والمعاملات والعقود التي يزخر بها العمل المصرفي. فإذا انتقلنا للبحث عن (آثار) هذا التحجيم نراه واضحاً في الشهادة الرقابية التي تصدرها الهيئة (سنوياً) جوار إفادة المرجع القانوني، ففي هذه الشهادة صياغة دقيقة لهذا الحال نراه مضمناً في عباراتها المتحفظة والتي تقول (عادة) :
" وراجعت - أي الهيئة (كذا) من العقود ووجدتها صحيحة ومتفقة مع النماذج المجازة ما عدا بعض العقود التي أبدت عليها ملحوظات ووجهت بتصحيحها "
وتبني على ذلك حكمها بأن (البنك ملتزم في جميع معاملاته التي اطلعت عليها بأحكام الشريعة الإسلامية).
فهذا الإقرار ليس عاماً وإنما (محدود) بالعقود التي اطلعت عليها الهيئة - فعلاً - وقد ثبت مراراً أن قرارات تصدر على مستوى إداري معين، لا تخضع للرقابة الشرعية بل تجتاز طريقها للتنفيذ دون عرضها على القناة الشرعية.(12/11)
أما في نطاق العقود النموذجية وهي عقود نمطية إطارها العام ثابت فتجيزها الرقابة الشرعية، ومن ثم تصبح عقوداً نموذجية لا حاجة لعرضها مرة أخرى، وإنما هي عقود صالحة للتنفيذ. أما العقود التي تلبي حاجات خاصة فيفترض عرضها على الهيئة لإجازتها ومراجعة الصياغة وتكييف أساسها الفقهي حتى تنفذ، والواقع أن العقود النموذجية لا تعني إنها موافقة للشريعة إلا (شكلاً) وقد يختلف أمر تنفيذها فما هي وظيفة المراقب أو الهيئة حينئذ ؟ ... إن الرقابة هنا يصبح لها معنيان :
* معنى حاضر : وهو إمضاء صحة معنى العقد النموذجي.
* معنى غائب : وهو ضمان سلامة التنفيذ على النحو المعتمد في نصوص العقد.
لعل هيئات الرقابة الشرعية لو استقبلت من أمرها ما استدبرت لنسخت كل بيوع المرابحة التي يتضح يوماً بعد يوم إنها صارت مطية للربويين، مع أن هذا العقد لا لبس فيه ولا تعقيد من الوجهة الشرعية، ولكن كيف يتم تنفيذه ؟ هذا هو المركب الخطر، هنا لا ألتمس الأمثلة فما قلت فيه كفاية للتعبير عن ضعف فعالية الرقابة الشرعية وفقاً للنظام المعمول به حالياً في البنوك الإسلامية.
ب - الرقابة (ابتداء) أم (بقاء) :
ثم ماذا بعد ؟(12/12)
إن العقود تخضع للتنفيذ، وتخفق أو تحقق النتائج المرجوة منها في إطار خطة البنك، ثم يحتفظ البنك بها في (دوسيهاته) وتنحسر الرقابة الشرعية. فليست هناك وظائف رقابية للهيئة تتعلق بمراجعة أعمال هذه البنوك من الوجهة الشرعية، إن الوضع هنا يمثل مفارقة كبيرة خاصة إذا ما قارناه بالجهد الذي يبذل في مراجعة الحسابات الختامية من خلال المراجعة الداخلية أو الخارجية (من قبل مرجع عام أو خاص) بحيث يكون تقرير المراجع أساساً وسنداً لإثبات الوضع المالي الحقيقي للبنك. بينما تتغيب هنا أيضاً وظيفة هيئة الرقابة الشرعية فهذه الهيئة غير معنية بمراجعة أعمال البنوك الإسلامية لضمان أنها نفذت فعلاً وفقاً للشريعة الإسلامية ولتوجيهات الهيئة الرقابية، أو وفقاً للعقود المجازة من قبل الهيئة (بافتراض أن كل العقود تعرض عليها إلزاماً).
إن الحد من الرقابة الشرعية بحيث لا يشمل المراجعة الختامية بعد التنفيذ يقلل كثيراً من احتمال نجاح هذه الهيئات في أداء وظيفتها الرقابية والتثقيفية أيضاً، ولا أرى حاجة لأن أقول إن المراجعة الداخلية والخارجية غير مختصة في تقييم أعمال البنك فقهياً، وليست مؤهلة كذلك لمثل هذه الوظيفة، فقصارى جهدها أن تحدد صحة الأرقام وانطباقها على واقع المؤسسة محاسبياً، وهذا النوع من المراجعة يقوم في المؤسسة المصرفية، ربوية كانت أم غير ربوية. (ويلاحظ هنا مصطلح (المراجعة) - مصطلح مأخوذ عن المؤسسة المصرفية التقليدية - الربوية - لأنها ليست مراجعة مطلقة ولكنها مراجعة محاسبية - إدارية ولا تختص بالملاءمة الشرعية. وأقول إننا بحاجة إلى (مراجعة شرعية) لأعمال المصرف عقب حساباته الختامية، وقبل إمضائها من قبل الجمعية العامة للمساهمين، يهم المساهمين مثل هذه المراجعة كما يهم ذلك المودعين والمستثمرين والدولة والمجتمع العام أيضاً، يجب أن تكون هيئة الرقابة الشرعية رقابة ابتداء، وبقاء وانتهاء.
جـ - الفتوى والقرار الإداري :(12/13)
ما هو وزن (فتوى) هيئة الرقابة الشرعية مقارنة بالقرار الإداري في المؤسسة المصرفية ؟ من البين أن وزن فتوى الهيئة يؤول إلى الصفر فيما إذا ما قارناه بالقرارات الإدارية العادية النابعة من إدارة المصرف نفسه (مع تعدد مستويات القرار)، بمعنى أن الطبيعة القانونية للرقابة الشرعية لا يعتبر (وجهة نظرها أو اجتهاداتها أو قراراتها من حيث التكييف القانوني)، (قرارات ملزمة للكافة) في المؤسسة، ومن هنا تمخض عن هذا (عملياً) توقف فعالية جهود الهيئة على مدى التجاوب الإداري بحيث ينقل هذه الفتاوى إلى حيز القرار الإداري الملزم، وحتى لو تم هذا التجاوب فهذه قرينة تؤكد أن القرار الإداري هو المتحكم أولاً وأخيراً في نفاذ (الفتوى) أو الاجتهاد الشرعي للهيئة، وأن المدير هنا ينفخ في الروح الهامدة لهذه الفتاوى، ليمدها بالقوى الإدارية التي تكفل لها حسن الأداء والتنفيذ، وبمعنى آخر فإن الموظف في المصرف الإسلامي يمتنع عليه تطبيق فتاوى الهيئة أو آرائها الصادرة لها، لأن هناك شرط معلق للنفاذ، وهو مدى التجاوب الإداري مع هذه الفتاوى، ويتضح هنا أن قرارات الهيئة الشرعية لا تماثل في الحجة والإلزام مستويات الإدارة التنظيمية الأخرى (التخطيط، التنفيذ، الرقابة، التنسيق)، ولا تتسق مع هذه الآليات الإدارية ذات الفعالية التنظيمية المستقرة، وفي هذا المجال تواجه الهيئة الرقابية أزمة فعلية، لأن الوضع التنظيمي للهيئة مبهم وهزيل ويتحدد بالفعالية الفردية لأعضاء الهيئة، وغيرتهم على تحقيق أهداف الهيئة.
هيئة الرقابة الشرعية التي نريد :
على ضوء ما أثرناه من مشكلات يمكن أن نعرض - إجمالاً - لآفاق المثالية التي نرجوها لهيئة الرقابة الشرعية :
أولاً : يجب العمل على استصدار قوانين تنظيم العمل المصرفي وقوانين أخرى للمعاملات المصرفية وفقاً للشريعة الإسلامية وهذا هو الضمان الوحيد لمستقبل العمل المصرفي الإسلامي.(12/14)
ثانياً : يجب اعتبار هيئة الرقابة الشرعية هيئة تأسيسية بمعنى أنها مستشار شرعي للبنك في تأسيس أوضاعه المالية والإدارية والمصرفية عامة، ولا يتوقف عمل هذه الهيئة على مجرد الفتوى. ويلاحظ هنا أن جوانب العمل المصرفي لم تستحدث فيها اجتهادات فقهية، إذ تركزت الجهود الرائدة في مجال التشغيل ونفي الربا كأداة مصرفية، بينما ظلت مختلف الحقول الإدارية والتنظيمية بعيدة عن دائرة البحث والاجتهاد الفقهي، وهذا بدوره يقتضي أن يتسع أفق العلماء والفقهاء لتتكامل الجهود بين علماء الشريعة وأندادهم من علماء الإدارة العامة وإدارة الأعمال، والقانون، والاقتصاد والمحاسبة وغيرهم من الباحثين في حقول المعرفة المصرفية المتنوعة.
ثالثاً : يجب إعلان الاستقلال المالي لهذه الهيئة وأن يقدر لها ميزانية سنوية يدخل في اعتبارها إنشاء هيكل تنظيمي مواكب لأعمالها، من أمانة عامة وباحثين وكتبة، ويقدر لها ما يتطلبه العمل الفقهي من مواكبة لحركة البحث والإصدار والمكتبات والتوثيق، وملاحقة المؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية، وتقدر هذه الميزانية وتصرف دون تدخل الإدارة التنفيذية أو مجلس الإدارة وإنما تعتمد من قبل هيئة المساهمين مباشرة.
رابعاً : وفقاً للبند (أولاً) يضم للهيئة أعضاء يمثلون حقول المعرفة المختلفة من اقتصاد وإدارة وتدريب وقانون ... الخ، وذلك حتى يتهيأ لهذه الهيئة مراعاة التكامل بين العلوم الشرعية البحتة والعلوم والخبرات المعاصرة، وحتى يتهيأ لأن تؤتي هذه المحاورات بين أطرافها إغناءً جديداً للتجربة وتبادلاً للمعارف.(12/15)
خامساً : تتكون هيئة رقابة شرعية عليا مستقلة، وأن يتم تكوينها بقانون وأن يراعى تنوع تخصصاتها مع الالتزام بمراعاة التوجه الفقهي في أعضائها وتوفرهم على البحث في العلوم الشرعية، إضافة إلى خبراتهم التخصصية، وأن تستمر في ظل هذه الهيئة العليا، هيئات فرعية تمثل، جمعية عمومية، للهيئة العليا وينظم القانون العلاقة بين الهيئات الفرعية والعليا.
عمل الرقابة الشرعية :
يبتدئ دور الهيئة الشرعية منذ فكرة إنشاء المصرف أو المؤسسة من وضع الأسس العامة التي يجب أن ينبني عليها أي نشاط اقتصادي أو مالي ثم صياغة العقود اللازمة، ثم متابعة التطبيق ميدانياً، ثم مراقبة التنفيذ، حتى تسلم المعاملة من أي خلل شرعي وسيلةً وغايةً، فحكم الوسيلة والغاية مرتبطان معاً.
فمن خلال ملاحظاتي واطلاعي على معظم الهيئات الشرعية في المؤسسات المالية، لم أر لها وجوداً ميدانياً إلا ما رحم ربي. بل غالبيتها توقع على ميزانية المؤسسة في نهاية العام، وتلتقي بالجمعية العمومية لتعلن بأن نشاط المؤسسة ومعاملاتها واستثماراتها خالية من المخالفات الشرعية. وبمراجعة سريعة للتقرير السنوي للمؤسسة نجد عبارة : في ضوء ما اطلعت عليه اللجنة الشرعية أو المستشار الشرعي - من معاملات - لا توجد مخالفات شرعية. لكن ما حجم هذه المعاملات ؟ وكيف اطلع عليها ؟ وفي أي مرحلة ؟ الله أعلم. وهل تستمع اللجنة لصوت المتعاملين ؟ وهل تستمع لتظلمات العاملين ؟وهل تراقب تصرفات المسؤولين ونفقاتهم ومهماتهم وسلوكياتهم ؟ فهم القدوة. وكم زيارة ميدانية قام بها المستشار الشرعي، أو المراقب الشرعي للمؤسسة ؟ وكم سؤال أجاب عنه ؟ وكم مرة اجتمعت اللجنة الشرعية ؟ وكم مرة طلبت من الإدارة اللقاء بالموظفين التنفيذيين وسمعت منهم مشكلات العمل، وما يدور من شبهات حول بعض المعاملات وحول تسلط بعض المسؤولين وتحكمهم ؟ كل ما سبق سمعته وأسمعه من المتعاملين والعاملين.(12/16)
وكم من أرصدة تهرب من بعض المؤسسات لسوء الإدارة وانعزالها عن الواقع الذي تعمل فيه المؤسسة وعدم وجود الانتماء من قبل العاملين للظلم الذي يحسون به، والتفاوت العجيب بينهم في التعامل.
لا أقول بأن اللجنة يجب أن تتواجد دائماً، بل يكفي أن يعين في المؤسسة مكتب تنسيق من تخصصات مختلفة مهمته إعداد تقرير شهري أو ربع سنوي عن سير العمليات المصرفية والاستثمارية وبقية الأنشطة، وتقوم اللجنة بدراسته، أو المستشار الشرعي. ثم يقدم تقريراً إلى مجلس الإدارة، وفي نهاية العام تلخص جميع التقارير وتوضع بين يدي الجمعية العمومية.
وحتى يكون للرقابة الشرعية الدور الفعال في ضبط العمل في المؤسسة، يمكن أن يكون موقعها في المؤسسة على النحو الذي يبينه الشكل رقم (1)،
أو الشكل رقم (2).
شكل رقم (1)
شكل رقم (2)
ثم أقدم نماذج متنوعة تبين موقع هيئة الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية، ومن ثم نموذجاً مقترحاً على المستوى المحلي والعالمي.
انظر الشكل رقم (3) و (4) و (5) و (6) و (7).
( نموذج بنك التنمية الإسلامي في جدة )
( نموذج أ / 2 عدم وجود رقابة شرعية بالمصرف )
( نموذج أ / 3 التبعية لمجلس الإدارة )
( نموذج أ / 4 التبعية للجمعية العمومية )
( النموذج المقترح للهيكل التنظيمي للرقابة الشرعية على كافة المستويات المحلية والعالمية )
والذي أريد أن أؤكد عليه بأن جميع هيئات الرقابة الشرعية لم تبحث مسألة إدارية تتعلق بالموظفين، وكم من موظف ظلم باسم مصلحة المؤسسة وباسم النظام الإداري، وبأن الهيئة لا علاقة لها بالشؤون الإدارية، بل بعض الإدارات تعد ذلك تدخلاً في عملها، وليس من اختصاص الشرعيين، فالمراقب الشرعي لا يقتصر عمله على مراجعة العقود والنشاط الاستثماري والمصرفي فحسب، بل يجب أن يشمل كل إدارات المؤسسة.(12/17)
وهذا الأمر يعتمد على، من اختار الهيئة أو المراقب الشرعي ؟ فإن كان الذي اختاره المدير العام، فتكون هيمنة الإدارة واضحة على قرارات وأداء المراقب الشرعي. وإن كان مجلس الإدارة هو الذي اختاره، فيكون لمجلس الإدارة تأثير على المراقب الشرعي. أما إذا كان المراقب الشرعي مختاراً من الهيئة العمومية أو من الدولة، ويكون مسؤولاً حتى عن الإدارة وعن مجلس الإدارة فالصورة تختلف.
والذي يجري حالياً هو تحديد دور هيئات الرقابة الشرعية وتضييق اختصاصاتها، ويقتصر دورها على الفتوى والإرشاد، حتى إن بعض الهيئات لا تقدم فتوى واحدة خلال العام، ولا تجتمع ولا تناقش، وتلتقي فقط بالهيئة العمومية، وأحياناً يعتذر بعضهم عن الحضور، ويكتفي بالتوقيع على التقرير السنوي.
ولا أريد هنا أن أذكر أمثلة من المؤسسات التي لا يوجد أي دور لهيئة الرقابة الشرعية فيها، وإن كانت ذكرت في النظام الأساسي للمؤسسة أو عقد التأسيس. ومن المؤسسات ما يوجد فيها هيئات رقابة شرعية ولكن ليس لها صلاحيات سوى الإفتاء في بعض المسائل التي تطلب منها الإدارة بحثها، حتى إنها لا يجوز لها الإدلاء بأي معلومات عن المؤسسة.
وهنا لابد من بحث موضوع هو في غاية الأهمية وهو غياب الرقابة الشرعية عن المؤسسات المالية الإسلامية، والذي هو صلب بحثي هذا.
غياب الرقابة الشرعية وأثره في المؤسسات :(12/18)
الإنسان بطبعه يخطئ إما قصداً وإما من غير قصد، والمال له سيطرة على النفس البشرية، وصاحبه يجب أن ينمو ماله بأي وسيلة كانت، إلا أن المسلم لا يقبل أن ينمو ماله إلا في حلال ومباح. والله سبحانه وتعالى عندما خلق البشر أوجد بينهم التفاوت في الفهم والعقل والرزق وغير ذلك، ثم يسر كل مخلوق لما خلق له. ومن هنا ظهر الاختصاص والتنوع بين بني البشر. فلا يستطيع المسلم أن يستوعب كل العلوم والمعارف ويعلمها ويفهمها، لذلك وجد الاقتصادي والشرعي والقانوني والمصرفي والمالي و ... الخ. وتتكامل خبرات الناس فيما بينهم، فيصلوا إلى ما يحقق السعادة البشرية.
لكن الملاحظ أحياناً كثيرة من يتجرأ على الدين والحكم الشرعي، فيفتي لنفسه أو لغيره عن غير علم، ولا يدري أين أودت به هذه الفتوى، هل إلى جنة أم إلى نار ؟؟ ومن هنا لما بدأ التفكير عند المعاصرين من المسلمين الذين رفضوا استيراد الأنظمة التي تخالف شريعتنا ولا تصلح لمجتمعنا، وباشروا بإنشاء المؤسسات المالية الإسلامية، قرروا ضرورة وجود هيئة شرعية في كل مؤسسة تعمل على ضبط التعامل شرعياً، وتجنبهم المخالفات الشرعية. إلا أن بعض المؤسسات غاب فيها أو عنها وجود مثل هذه الهيئة، وإن وجدت فيها اسماً لا عملاً، وجزءً من إدارات المؤسسة التي تم حصر مهمتها في الإرشاد والتوجيه والفتوى في مسائل تهم العاملين في حياتهم الاجتماعية والأسرية، بل إن بعض هذه الهيئات لا تمارس حتى دور الإرشاد والتوجيه.
فماذا ينتج عن هذا الأمر ؟ ففي تصوري ينتج أن تقوم المؤسسة بمعاملات وأنشطة لا تعرف هل هي حلال أم حرام ؟ يترتب على ذلك اختلاط أموالهم الحلال بمال حرام، بل وينصرف ذلك على المتعاملين فيدخل في حصتهم من الأرباح جزء من الحرام.(12/19)
وقد تصدر المؤسسة قرارات يقع فيها ظلم على العاملين، فتضيع حقوقهم ولا يجد العامل من يحصل له حقه. ومن هنا ينعدم التعاون بين العاملين والمراقب الشرعي، وخاصة أن المراقب الشرعي لا يستطيع الإلمام بكل ما يجري، فتزيد المخالفات ويزداد الأمر تعقيداً وصعوبة.
وغياب الرقابة الشرعية أيضاً يجعل مسألة اختيار العاملين لا تقوم على أساس الدين والخلق، بل الكفاءة الفنية والمعرفية في مجال العمل. فيزداد عدد العاملين غير الملتزمين شرعياً، فيخف الوازع الديني في المؤسسة، ويبدأ الانحراف الاقتصادي الذي يفقد ثقة المساهمين والمودعين والمتعاملين، لما يلحظوه من مخالفات شرعية وعدم التزام لشرع الله سبحانه، فتتأثر المؤسسة وتبدأ بالتراجع، وقد ينتهي الأمر إلى خسارة المؤسسة لا سمح الله.
ويمكن حصر الآثار فيما يلي :
من خلال تقرير قدمته لجنة شكلت لتقويم وضع هيئات الرقابة الشرعي في المصارف الإسلامية أظهرت الدراسة ما يلي :
1 - وجود سلبيات تتعلق باختصاصات الرقابة الشرعية.
2 - ضعف الرقابة الشرعية على الاستثمارات المحلية خارج المصرف.
3 - قصور الضبط الشرعي في التعامل مع البنوك غير الإسلامية.
4 - اهتزاز الثقة بالرقابة الشرعية في بعض المصارف.
هذه الأمور تؤدي إلى نتائج يمكن إجمالها بما يلي :
1 - ظهور مخالفات شرعية في بعض المعاملات.
2 - وجود شروط في العقود، لا يصح اشتراطها. لأن الشروط المقترنة بالعقد منها ما يجوز اشتراطه، ومنها مالا يصح اشتراطه.(12/20)
وأضرب مثالاً على ذلك. اطلعت على أحد العقود لبنك إسلامي ينص فيه على سقوط حق المودع في الأرباح إذا سحب وديعته قبل نهاية العام ولو بأسبوع حتى ولو بيوم. في نفس العقد يوجد شرط، ويحق للبنك أن يلاحق المودع الذي سحب وديعته قبل نهاية مدة الأجل، بالخسارة إن وجدت. والقاعدة المعروفة " الغرم بالغنم ". فلو طبقنا هذه القاعدة نصل إلى نتيجة بأنه إذا سقط الربح سقطت الخسارة. فمن حق البنك أن يتمسك بالعقد، ولكن إذا وافق على سحب الوديعة أصبحت المسألة إقالة، ولا يجوز له أن يطالب بالخسارة.
كذلك اطلعت على بعض العقود في البنوك، وجدت فيها إلزامية التأمين التعاوني. أي كأن البنك يقول للمتعامل، لا أوافق على التعامل معك إلا إذا رضيت بشرط التأمين التعاوني، فهل هذا الشرط يصح اقترانه بعقد البيع ؟؟
3 - تصبح الرقابة الشرعية في المؤسسات رقابة شكلية تكميلية هامشية، وبهذا تشبه المؤسسات الإسلامية، إلى المؤسسات الأخرى التي لا أثر لأحكام الشرع عليها أو في تعاملاتها أو سلوكياتها.
4 - وصلت بعض البنوك إلى الاعتماد على غير ذوي الاختصاص بالفقه، أو على بعض المختصين غير المؤهلين الذين لا يعرفون عن المؤسسة الإسلامية إلا اسمها فتصدر فتاوى هزيلة، أو فتاوى غير دقيقة، مما يوقع المؤسسات في مخالفات شرعية، فتفقد ثقة الناس بها، وقد يؤدي الأمر إلى قطع التعامل معها عند فئة ليست بالقليلة من المتعاملين.
5 - ضياع بعض حقوق العاملين أو المتعاملين، لأن غياب الشرع انفلات لسلوك الإنسان، لأنه بطبعه يميل إلى المخالفة. ومن هنا لابد من رقيب يضبط تعاملات وعقود هذه المؤسسات. فالرقابة الشرعية تتدرج من الرقابة العامة على كل الخلق (رقابة الله عز وجل)، ورقابة (الرسول صلى الله عليه وسلم) ويمثله بعده ولي الأمر (الحاكم)، (رقابة المؤمنين) وهذه تمثلها قوانين وتنظيمات إدارية.(12/21)
وهذه الرقابة تأخذ أشكالاً ثلاثة، الرقابة الشرعية، الرقابة المالية، الرقابة الشعبية - رقابة الناس المتمثلة بالحق العام والمصلحة العامة - وهذه تكون حسبة لله تعالى، فشهادة الخلق لسان الحق. وإذا كثرت الشكوى من الناس على المؤسسة، فيعني هذا وجود مخالفات لا يرضى عنها الناس.
والذي يهمنا هنا هو الرقابة الشرعية، التي تعد من أهل الاختصاص وأهل الذكر في هذا المجال. وتكون على علم تام بفنيات عمل المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، ومتطلباته المتنوعة والمتعددة، وليس فقط ذات إلمام عام بالكليات والعموميات.
وتخصص هذه الرقابة يقوم على معرفة أمور ثلاثة :
1 - طبيعة النشاط، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
2 - المناخ الذي تباشر فيه المؤسسات أعمالها، والذي تسيطر عليه القوانين والأنظمة الوضعية. وهذا يفرض صعوبات على هذه الهيئات، مما يتطلب تخصصاً ومهارة فنية دقيقة.
3 - البعد العالمي في النشاط المصرفي والمالي، بطريق مباشر أو غير مباشر من خلال التعامل مع المؤسسات في السوق العالمية.
ومن هنا يبدأ عمل الرقابة الشرعية من صياغة النظام الأساسي وعقد التأسيس فتحرص هذه الهيئة على استخدام المفردات الشرعية، وتؤكد على تعامل المصرف وفق الشريعة الإسلامية. ثم صياغة العقود التي يجوز للمصرف استخدامها، بما يحفظ حقوق المساهمين وحقوق المودعين، كما للهيئة الشرعية حق اختيار الموظفين وتعيينهم، أو وضع مواصفات وواجبات وظيفية. ليستطيع المصرف الاطمئنان إلى التطبيق السليم. ولهيئة الرقابة الشرعية التدقيق على الاتفاقات التي ينشئها المصرف مع المؤسسات المحلية والعالمية، وتشرف على كيفية توزيع الأرباح، وتوزيع أموال الزكاة والصدقات، وتتابع تنفيذ العقود والمعاملات يومياً.(12/22)
وهذا الأمر يعتمد على طريقة الرقابة الشرعية، فقد تكون هذه الرقابة من عالم واحد متخصص في الشريعة ويسأل فقط من قبل إدارة البنك في عدم التأكد من عقدها، دون أن يتوجه إلى ميدان العمل ويتأكد كيف يتم هذا العقد، فهذا الأسلوب غير كاف للتأكد من شرعية المعاملات.
وتقرير الرقابة الشرعية يقتصر فقط على نماذج العقود التي عرضت عليه، بينما يجب أن يكون تقريرها موضحاً لكل العمليات والعقود والأنشطة قد تمت وفق الشريعة الإسلامية.
ومن المصارف ما تتخذ لجنة فتوى ومنها يسمى المستشار الشرعي، ولا تجتمع هذه اللجنة إلا مرة في العام، ولا دور لها إلا في المسائل التي يطلب المستشار الشرعي تحويلها عليها لبحثها وإعطاء الرأي الشرعي فيها.
ومن المصارف ما تتخذ مكتباً للتنسيق من داخل المصرف، يتولى مراقبة أنشطة البنك ثم يقدم تقريراً للمستشار الشرعي أو لجنة الفتوى. وفي ضوء هذا التقرير تعد الرقابة الشرعية تقريرها عن عمليات وأنشطة المصرف.
ومن المصارف ما تتخذ مراقباً شرعياً فقهياً، يتولى الزيارات الميدانية لأقسام وإدارات وفروع المؤسسة، ويسجل ملاحظاته ثم يقدمها لهيئة الرقابة الشرعية، والتي تتكون على الأقل من ثلاثة أعضاء، ويتم دراسة هذه الملاحظات أسبوعياً، أو كل أسبوعين على الأكثر فتكون الهيئة الشرعية قد اطلعت طوال العام على عمليات وأنشطة المصرف، ثم تقدمها في ضوء ذلك أمام الهيئة العمومية.
وحتى تتم الاستفادة من الرقابة الشرعية، يجب أن تكون مستقلة ولا يكون المدقق عاملاً في أي نشاط أو إدارة يريد المراجعة عليه وتدقيقه. وعلمية التدقيق يجب ألا تكون محدودة، وتعطي الصلاحيات للمدقق بالاطلاع على المعلومات والسجلات والمستندات والأصول والالتقاء بالعاملين، ويجب أن يحصل على المعلومات، والتفسيرات التي يراها مناسبة لإنجاز عملية التدقيق بصورة سليمة.(12/23)
فكلما ضعفت الرقابة الشرعية، كلما أثر ذلك على ثقة الناس بالمؤسسة فتتأثر أسهمها في السوق المالي. وهذا ما نلاحظه على بعض البنوك الإسلامية فسهمها في هبوط مستمر. بينما نرى بيت التمويل الكويتي في نمو مستمر بل وتتفرع عنه مؤسسات عدة وشركات تابعة لها. وذلك لثقة الناس بهيئة الرقابة الشرعية التي تتولى تدقيق معاملاته والكفاءة العلمية التي يتمتع بها أعضاء هيئة الرقابة الشرعية.
والذي يؤثر على عمل هيئة الرقابة الشرعية ويغيبها عن بعض أنشطة المؤسسة، احتجاج القائمين على المؤسسة بأن هناك أموراً سرية لا يستطيع أن نطلع عليها أحد، وخطوطاً حمراء لا يجوز تجاوزها حتى من المراقب الشرعي. إذن فماذا يراقب وماذا يدقق ؟ وإذا وثقت المؤسسة بدينه وحملته مسؤولية الفتوى لها، فهل تخشى من اطلاعه على كل ما يتعلق من نشاط فيها، ليعطي تقريراً واضحاً شافياً وافياً، ويكون مطمئناً لما يقرره ؟
وسأعرض تجربتي كمراقب شرعي في بيت التمويل الكويتي خلال ثلاث سنوات (87 - 1990م) :(12/24)
عندما بدأت العمل كمراقب شرعي في عام 1987م، فقبل أن أبدأ بالتعاون مع هيئة الرقابة الشرعية، عملت مسحاً ميدانياً لكل أقسام وإدارات وفروع المؤسسة، وتعرفت مباشرة على سير كل معاملة، وأثناء الزيارات الميدانية شككت في بعض المعاملات. ثم رفعت تقريري لهيئة الرقابة الشرعية. ونوقشت مواطن الشك فكان بعضها فيه خطأ شرعي، وبعضها عدم فهمي لها فهماً صحيحاً. فما ثبت مخالفة للشرع تم تصحيحه من قبل هيئة الرقابة الشرعية، وهكذا استمر عملي بزيارات ميدانية متواصلة، وتقدم أسئلة العاملين بواسطتي إلى أمانة سر الهيئة الشرعية. وطلب مني رئيس مجلس الإدارة حضور اجتماعات الهيئة. ثم كان لا يتم تعيين أي موظف إلا بعد لقائي معه للتعرف على تقبله لفكرة البنوك الإسلامية، ومعلوماته الشرعية في المعاملات المصرفية، وفي ضوئها يحدد له دورة شرعية عن المعاملات التي يجريها البنك مع التركيز على معاملات الدائرة التي سيعمل فيها. وخلال العمل تعد للموظفين الجدد دورة متكاملة ودورات متخصصة عن أعمال وأنشطة بيت التمويل الكويتي. وكذلك تصل للمراقب الشرعي بعض التظلمات من العاملين ويتم دراستها شرعياً ثم إدارياً، ويتخذ فيها قرار يحدد موقف الإدارة وما يترتب على العامل، إما تأكيد الجزاء أو رده أو تخفيفه.
كما أن المراقب الشرعي يقع على عاتقه مسؤولية تسويق فكرة المصارف الإسلامية، لأنه هو أقدر الناس على إقناع المجتمع بشرعية معاملات المصرف. وكان هذا يتم فعلاً بالتنسيق مع إدارة الإعلام، عدا عن المناظرات العلمية التي تتم بين أهل العلم الشرعي والمراقب الشرعي، أو أحد أعضاء هيئة الرقابة الشرعية حسب فراغهم. وإذا طرح أثناء التسويق أو المناظرات إشكاليات صعب إقناع الناس بها، يتم طرحها على هيئة الرقابة الشرعية، وتناقش حتى تصل الهيئة إلى قرار أو جواب شرعي مؤيد بالأدلة، ويتم بعد ذلك عرضها على الناس.(12/25)
وما بين فترة وأخرى يقوم المراقب الشرعي بجولة على الأقسام والإدارات والفروع، ويطلع على الوثائق والمعاملات، ويسأل العاملين عن إجراءات العمل، ثم يلتقي بالمتعاملين ويسمع منهم، ويقدم تقريراً موجزاً للهيئة الشرعية، هذا عدا عن الأسئلة التي ترد إليه من العاملين وقت تنفيذ المعاملات إذا استشكل الأمر عليهم، كما ترد إليه أسئلة من المتعاملين أيضاً. وإذا توقف في الإجابة عن سؤال، يقدمه إلى الهيئة الشرعية ليحصل على جواب السائل.
فالمراقب الشرعي في حركة دائمة، وفي تواصل مستمر مع المتعاملين والعاملين والإدارة ومجلس الإدارة والهيئة الشرعية. ويمكن أن يترجم هذا العمل إلى وريقات توزع على العاملين والمتعاملين عن بعض العمليات وخاصة المتكررة، كالمرابحة والمضاربة والمشاركة والفوائد وحكمها ... وغير ذلك.
??
??
??
??
34 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي / جامعة أم القرى
الرقابة الشرعية وأثرها في المصارف الاسلامية 5(12/26)
الرقابة الشرعية
على المصارف والشركات المالية الإسلامية
الأستاذ الدكتور/ محمد عبد الغفار الشريف
عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية سابقا
جامعة الكويت
(طبعة تمهيدية)
المقدمة:
الحمد لله أهل الحمد ومستحقه، حمداً لا نهاية لحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد ...
1 - فإن المصارف الإسلامية - رغم قصر عمرها الزمني(1) - قد حققت نجاحاً لا يستهان به، فقد استطاعت خلال السنوات الماضية تحقيق معدلات أرباح جيدة(2)، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على رغبة الناس بالرزق الحلال، حيث إن المصرف الإسلامي مؤسسة تلتزم في جميع معاملاتها، ونشاطها الاستثماري، وإداراتها لجميع أعمالها بالشريعة الإسلامية ومقاصدها، وكذلك بأهداف المجتمع الإسلامي - داخلياً وخارجياً(3).
ولضمان التزام المصارف الإسلامية بأحكام الشريعة يجب أن تكون هناك جهة رقابية شرعية، تتابع أعمال هذه المصارف، للتأكد من مشروعيتها، ولتقويم الخاطئ منها، وتقديم البديل الشرعي عنها.
يقول الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي - حفظه الله - :
لا يخفى أن الرقابة الشرعية ضرورة حيوية للمصارف الإسلامية، لتعرف منها ما يحل لها وما يحرم عليها من المعاملات، وفق أحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها، وحتى يطمئن المسلمون المتعاملون معها أنها تطبق المبدأ الذي قامت على أساسه على وجه مرض شرعاً.
ذلك أن الأساس الذي قامت عليه المصارف الإسلامية : أنها تقدم البديل الشرعي للبنوك الربوية التقليدية، التي أقامت الاستعمار في البلاد الإسلامية أيام حكمه لها وتسلطه عليها، بوصفها جزءً من النظام الرأسمالي الوضعي الغربي الذي حل محل الشريعة الإسلامية في أوطان المسلمين.(13/1)
وتكون وظيفة هذه الهيئة الشرعية الفتوى والفصل في أعمال المصرف الإسلامي، ولا سيما في صياغة العقود الجديدة صياغة شرعية محكمة وتنقية العقود القائمة من الشوائب المخالفة للأحكام الشرعية، ووضع الضوابط اللازمة لسير العمل المصرفي وفق توجيهات الشريعة وأحكامها. وهنا نجد أن ثقافة (الإلمام الشرعي) لا تكفي لحل المشكلات التي تطرأ باستمرار على المصرف، والإجابة عن التساؤلات التي تطرحها الوقائع المتجددة. وبخاصة أن هناك معاملات جديدة شائكة ومعقدة اختلف فيها المتخصصون من أهل الفقه، فكيف بغيرهم ؟ لهذا كان لابد من الرجوع إلى أهل الذكر والخبرة. كما قال تعالى : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ((1)، وقال سبحانه : ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ((2).
وهذا بحث " الرقابة الشرعية على المصارف والشركات المالية الإسلامية " كنت قد شاركت به كتعقيب على بحثي الأستاذين الجليلين؛ الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور أحمد علي عبد الله، بعنوان " تفعيل آليات الرقابة على العمل المصرفي "، وقد نال - بحمد الله وفضله - إعجاب المشاركين - خصوصاً المصرفيين منهم - بندوة البركة التاسعة عشر للاقتصاد الإسلامي، التي عقدت بمكة المكرمة في الفترة من 7 - 8 من رمضان لسنة 1421هـ. ثم رأيت أن أطور البحث وأهذبه وأحكمه لعلي أستفيد من ملاحظات المحكمين الكرام والقراء الفضلاء، ثم أقدمه كمشروع قانون إلى الجهات المختصة.
وقد قسمت البحث إلى تمهيد، ومقدمة تاريخية عن الرقابة الشرعية، ثم بينت مهمة هيئات الرقابة الشرعية، وضرورة تمهين(3) هذه الرقابة، ثم عرضت مشروع قانون الرقابة الشرعية، وأخيراً ختمت بالنتائج والتوصيات، وبيان المراجع التي اعتمدت عليها.(13/2)
وقد استفدت في إعداد مشروع القانون من قانون مهنة تدقيق الحسابات الأردني، الصادر في 1985م، ومرسوم بقانون مزاولة مهنة مدقق الحسابات الكويتي، الصادر في سنة 1981م، وضوابط هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، الصادرة في سنة 1999م.
2 - مقدمة تاريخية عن الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية :
بدأت الرقابة الشرعية بشكل مستشار شرعي في بنك دبي الإسلامي، وبيت التمويل الكويتي، وكان المستشار يختار من العلماء المعروفين، دون التدقيق في تخصصه في فقه المعاملات وما يليه من علوم مساعدة أصولية وفرعية، وما زالت بعض المصارف الإسلامية كذلك.
ومن خلال التجربة نشأت الحاجة إلى تفضيل المتخصصين في فقه المعاملات مع الإلمام بالعمل المصرفي، باعتبار أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره. وأن الفتوى كما تحتاج لمعرفة الحكم الشرعي تحتاج لفقه الواقعة. ومن هنا نشأت الحاجة إلى تعيين أفراد ذوي تخصصات قانونية أو اقتصادية ممن لهم إلمام بالشريعة الإسلامية في هيئات الرقابة، حتى يتكامل العلم الشرعي مع فقه الواقع.
وهذا التزاوج أوضح ما يكون في التجربة السودانية على مستوى هيئات الرقابة الشرعية الفرعية، وعلى مستوى الهيئة العليا للرقابة الشرعية للجهاز المصرفي والمؤسسات المالية، ثم جاءت هيئة معايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية الإسلامية فنصت في معيار الضبط للمؤسسات المالية الإسلامية رقم (1) تحت عنوان تعيين هيئة الرقابة الشرعية وتكوينها وتقريرها على ما يلي :
أ - هيئة الرقابة الشرعية جهاز مستقل من الفقهاء المتخصصين في فقه المعاملات. ويجوز أن يكون أحد الأعضاء من غير الفقهاء على أن يكون من المتخصصين في مجال المؤسسات المالية الإسلامية، وله إلمام بفقه المعاملات.(13/3)
ب - يجب أن تكون هيئة الرقابة الشرعية من أعضاء لا يقل عددهم عن ثلاثة، ولهيئة الرقابة الشرعية الاستعانة بمختصين في إدارة الأعمال و / أو الاقتصاد و / أو القانون و / أو المحاسبة وغيرهم(1).
وتجربة إدارة الفتوى والبحوث وهي في صورتها المستقلة تعتبر تجربة سودانية وقد يكون من المفيد أن نثبتها كما وردت في وثائق المؤسسة التي أخذت بها، وهي بنك التضامن الإسلامي بالخرطوم، والفلسفة الأساسية من وراء إنشاء مؤسسة للفتوى على هذا النحو هو محاولة بناء الجسور لتصل الفجوة بين فقه الحكم الشرعي الذي بعد عن التطبيق العملي في مجال الاقتصاد، وبين الواقع الاقتصادي عموماً، والمصرفي منه على وجه الخصوص، الذي مضى في ركاب الحضارة الغربية وبعد عن الإسلام، ورؤي أن يتم ذلك عن طريق عملية بحث واجتهاد في شعب العلوم ذات الصلة وهي الشريعة والاقتصاد والقانون.
تعتبر هذه المدرسة من الرقابة الشرعية رائدة في مجال التجربة السودانية إذ مثلت حضوراً كثيفاً على المستويات الإدارية كافة في البنك، وظلت تمثل مرجعاً سهلاً لكل المصارف الإسلامية وحتى للبنك المركزي في الفترة السابقة لإنشاء الهيئة العليا للرقابة الشرعية، كما طرحت على بساط البحث الكثير من القضايا المصرفية العملية، أشركت فيها جل أصحاب الشأن وما زال عطاؤها متجدداً.
ويؤخذ على هذه المؤسسة أنها لا تتمتع بالاستقلالية التي نجدها - على الأقل من الناحية القانونية - لدى هيئات الرقابة الشرعية، وإن كان القانون قد اجتهد لتوفير الحماية لها بأن نص على تعيين مديرها من قبل مجلس الإدارة بأغلبية معينة هي ذات الطريقة التي يتم بها تعيين رئيس مجلس الإدارة والمدير العام ونائبه.(13/4)
ومن التطورات الإيجابية في الرقابة الشرعية إحساس المؤسسات المالية الإسلامية بالحاجة إلى رقابة مركزية، تمثل درجة أعلى ومرجعية متخصصة لتوحيد نمط العمل المصرفي سواء في كل قطر على حدة، أو على المستوى العام، وتحول هذا الإحساس إلى سعي جاد أنتج أنماطاً من الرقابة المركزية؛ منها الهيئة العليا للرقابة الشرعية للاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية. وكان الهدف منها تجميع الخبرات التي تكونت لدى المصارف الإسلامية، التي انتشرت سريعاً بدعم إيجابياتها وتفادي سلبياتها، وبغرض توحيد الخيارات الفقهية كلما كان ذلك ممكناً، وتنسيق الجهود لتطوير الفقه المصرفي وتفعيله في صورة صيغ تمويلية وأدوات مالية، تلبي المصالح المشروعة للأمة الإسلامية.
وكان تكوينها واجتماعها التمهيدي باستضافة من بنك دبي الإسلامي في 12 - 13/4/1983م، وتلاه الاجتماع الثاني بعد عام في 22 - 24/ 3/ 1984م بإسلام آباد - باكستان، والثالث بالقاهرة في آخر عام 1984م، ثم تباعدت اجتماعاتها حتى توقفت.
وبدأت هذه الهيئة بمناقشة قضايا عملية غاية في الأهمية، وأصدرت عدداً من الفتاوى فيما عرض عليها من الأعمال، ووضعت لائحة إجرائية لاجتماعاتها وتنظيم إصدار قراراتها، غير أن النجاح الأكبر في مثل هذه الأعمال يقتضي الاستمرارية والمتابعة للأعمال الشيء الذي لم يكن يتوافر لهذه الهيئة.
ثم ظهرت الهيئة الشرعية الموحدة للبركة، ولهذه الهيئة أمانة عامة موسعة، تجمع إلى جانب التخصصات الشرعية التخصصات الاقتصادية والمصرفية، وهي من أنشط الأمانات العامة من حيث عقد المؤتمرات والندوات والمناشط المصرفية الأخرى التي تتناول القضايا المصرفية العملية الملحة في المصارف الإسلامية، وهي من أنشط الأمانات الأخرى إنتاجاً في الفتاوى والقرارات والدراسات والأبحاث، ومن أكثرها نشراً، فهي مثال يحتذى في هذا الخصوص.(13/5)
ثم أنشئ المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية. وقد بدأت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بلجنة شرعية تقوم بمراجعة وإجازة الدراسات الشرعية الممهدة لإصدار معايير المراجعة والمحاسبة والأخلاقيات، كما تعمل على مراجعة هذه المعايير عند إعدادها بوساطة مجلس المعايير ولجانه. وفي عام 1999م تم رفع هذه اللجنة إلى مجلس شرعي يوازي مجلس المعايير، ويقوم المجلس بذات الأغراض التي كانت تقوم بها اللجنة الشرعية ولكن من مؤسسة ذات عضوية أكبر، وللمجلس ثلاث لجان متخصصة تمهد له الدراسات المطلوبة، وتمثل الأمانة العامة لهيئة معايير المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية أمانة المجلس الشرعي، وقد عين فقيه في الأمانة العامة ليتولى الإشراف على أعمال المجلس الشرعي.
يظهر من هذا أن نظام الرقابة الشرعية شهد تطوراً وتنوعاً في الخبرات والأشكال والدرجات وأفرز هذا التطور بدوره تنوعاً في منتجات هذه الهيئات .. وتبودلت التجارب والخبرات عبر المناشط المتنوعة والمتعددة، التي ظلت تجمع أعضاء هذه الهيئات مع العاملين في المؤسسات المصرفية الإسلامية وبعض مجالس إداراتها، ومن ذلك المؤتمرات الجامعية والمتخصصة، والندوات المتخصصة في القضايا العملية، وورش العمل والمحاضرات، ونتج عن ذلك حشد من الدراسات والبحوث والإصدارات واسعة الانتشار، وبعض المواقع على شبكة الإنترنت، والمجلات المتخصصة، كما نظمت دورات للتأهيل والتدريب على المستوى المؤسسي والقطري، والإقليمي والعالمي(1).
3 - واجبات وحقوق الرقيب الشرعي :
هذه الواجبات والحقوق للرقيب الشرعي - سواء كان عضواً بالهيئة الشرعية أو مراقباً أو مستشاراً شرعياً - أخذت من القوانين واللوائح والنظم الأساسية التي صدرت عند إنشاء المصارف الإسلامية. وهذه الواجبات والحقوق ليست موحدة في كل المصارف الإسلامية.
أ - الواجبات :
1 - وجود منهج شرعي واضح؛(13/6)
حددت بعض المصارف الإسلامية عند إنشائها الآراء الفقهية المعتمدة، ومعاني الربا والودائع الحسابية وبعض صيغ التمويل الإسلامية ومثال لذلك : البنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار، والبنك الإسلامي القطري. فقد ورد في قانون إنشاء البنكين في المادة الثانية ما يلي :
يكون للكلمات والمصطلحات الواردة في هذا القانون المعاني المحددة لها أدناه، إلا إذا دلت القرينة على خلاف ذلك :
الآراء الفقهية المعتمدة : الأحكام الفقهية التي يلتزم بها البنك حسب قانونه ولوائحه المطبقة، وذلك على أساس الاختيار بين سائر المذاهب الإسلامية، وفقاً للمصلحة الشرعية الراجحة، ودون التقيد بمذهب معين.
الربا :
..........................
الخ.
الأعمال المصرفية غير الربوية :
..........................
الخ.
الودائع الحسابية :
..........................
الخ.
سندات المقارضة :
..........................
الخ.
المضاربة المشتركة :
..........................
الخ.
التمويل بالمضاربة :
..........................
الخ.
المشاركة المتناقضة :
..........................
الخ.
بيع المرابحة للآمر بالشراء :
..........................
الخ.
2 - المشاركة في وضع نظم المصرف الإسلامي :
ويشتمل ذلك على المشاركة في وضع التعليمات واللوائح، ونماذج العقود الشرعية للمعاملات، ومراجعتها وتصحيحها وإقرارها. وفيما يلي بعض الأمثلة : ما جاء في الفصل الثامن (الرقابة الشرعية) ضمن المادة رقم (28) من مشروع قانون البنك الإسلامي القطري :
يشتمل عمل المراقبين الشرعيين على إجراء الدراسة الشاملة لتعليمات العمل، ولوائحه، وشروطه، ونماذج العقود؛ للتحقق من عدم احتوائها على ما يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وورد في النظام الأساسي لبنك فيصل الإسلامي تحت عنوان : (هيئة الرقابة الشرعية ضمن البند رقم (2) من المادة رقم (69) ما يلي :(13/7)
يعهد لهيئة الرقابة بالاشتراك مع المسئولين بالبنك وضع نماذج العقود والاتفاقات والعمليات العائدة لجميع معاملات البنك مع المساهمين والمستثمرين والغير، وتعديل وتطوير النماذج المذكورة عند الاقتضاء، وإعداد العقود والاتفاقات التي يزمع البنك إبرامها مما ليس له نماذج موضوعة من قبل. وذلك كله بقصد التأكد من خلو العقود والاتفاقات والعمليات المذكورة من المحظورات الشرعية(1).
3 - الرقابة :
إن من أهم واجبات وأغراض وجود هيئة رقابة شرعية، أو مستشار، أو رقيب شرعي مراقبة أعمال المصرف الإسلامي للتأكد من مطابقة أعماله لأحكام الشريعة الإسلامية، ولذا نصت كثير من اللوائح والقوانين الخاصة بإنشاء المصارف الإسلامية والنظم الأساسية على ذلك صراحة، كما يتم التأكيد على ذلك في التقارير المقدمة للجمعيات العمومية، ونمثل لذلك بما ورد في تقرير هيئة الرقابة لبنك فيصل الإسلامي المصري :
... بعد التدقيق والمراجعة ... وبعد استعراض الهيئة ما قامت به من أعمال وإنجازات وقرارات طوال العام المذكر، واستعراض الهيئة كذلك ما ارتبط به البنك وفروعه من أعمال استثمارية وخدمات مصرفية على أساس ما رسمته الهيئة من قواعد فقهية وأحكام شرعية.
4 - الرد على الأسئلة والاستفسارات الفقهية :
وهي التي ترد إلى الهيئة الشرعية، أو المستشار الشرعي طوال العام من كل من لهم صلات أو اهتمام بأعمال المصرف الإسلامي، سواء من العاملين بالمصرف، أو المتعاملين معه، وكذلك الأسئلة التي ترد بعد نهاية السنة المالية من المساهمين، ويتم الرد عليها أمام الجمعية العمومية.
ويتم عادة إصدار مطبوعات خاصة بالفتاوى الصادرة من هيئات الرقابة الشرعية تشمل الأسئلة الواردة إليها من مختلف الفئات وإجاباتها.
5 - توعية العاملين والمتعاملين مع المصرف الإسلامي :(13/8)
العاملون بالمصرف الإسلامي لهم وضع حساس في المجتمع، فيجب أن يكونوا قدوة عملية، تبعث بالثقة في التعامل مع المصرف؛ ولذا يجب توعيتهم أو تثقيفهم ثقافة تؤهلهم للقيام بواجباتهم.
كما أن كثيراً من المتعاملين مع المصرف لديهم استفسارات وشبهات يحتاجون إلى من يجليها ويبين حكمها الشرعي.
6 - الشهادة أمام الجمعية العمومية :
يقوم المستشار، أو الرقيب الشرعي، أو رئيس وأعضاء هيئة الرقابة الشرعية بتقديم تقرير سنوي إلى الجمعية العمومية للمساهمين يبين مشروعية المصرف من الناحية، مع بيان ما قامت به الرقابة الشرعية وأساليب متابعتها ورقابتها للنواحي الشرعية، وأهم ملاحظاتها، وبيان مدى تجاوب الإدارة والعاملين لتوجيهاتها وقراراتها ... الخ.
وقد صار ذلك عرفاً معمولاً به في معظم المصارف الإسلامية، حتى ولو لم ينص على ذلك القانون.
ب - الحقوق :
1 - حقوق مالية :
يقوم الرقيب الشرعي بواجبه في الرقابة والتوجيه حسبه لله عز وجل، ولكنه يقتطع جزءاً من وقته للقيام بالرد على استفسارات البنك وعملائه؛ ولبيان مدى جواز أخذه الأجر على عمله لابد من آراء العلماء لمعرفة مدى مشروعية ذلك اتفق العلماء على أن :
الأولى للمفتي أن يكون متبرعاً بعمله، ولا يأخذ عليه شيئاً, لكنه إن تفرغ للإفتاء فله أن يأخذ عليه رزقاً من بيت المال على الصحيح عند الشافعية، وهو مذهب الحنابلة، واشترط الفريقان لجواز ذلك شرطين :
الأول : أن لا يكون له كفاية.
والثاني : أن لا يتعين عليه. فإن تعين عليه، بأن لم يكن بالبلد عالم يقوم مقامه، أو كان له كفاية لم يجز(1).(13/9)
وألحق الخطيب البغدادي والصميري بذلك : أن يحتاج أهل بلد إلى من يتفرغ لفتاويهم، ويجعلوا له رزقاً من أموالهم، فيجوز. ولا يصح ذلك إن كان له رزق من بيت المال. قال الخطيب : وعلى الإمام أن يفرض لمن نصب نفسه للفتوى في الأحكام ما يغنيه عن الاحتراف، ويكون ذلك من بيت المال. ثم روى بإسناده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعطى كل رجل ممن هذه صفته مائة دينار في السنة(1).
وأما الأجرة، فلا يجوز أخذها من أعيان المستفتين على الأصح عند الشافعية، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، قال الحنابلة : لأن الفتيا عمل يختص فاعله بأن يكون من أهل القربة، ولأنه منصب تبليغ عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تجوز المعاوضة عليه، كما لو قال له : لا أعلمك الإسلام أو الوضوء أو الصلاة إلا بأجرة؛ قالوا : فهذا حرام قطعاً، وعليه رد العوض، ولا يملكه، قالوا: وتلزمه الإجابة مجاناً لله بلفظه أو خطه إن طلب المستفتي الجواب كتابة، لكن لا يلزمه الورق والحبر.
وأجاز الحنفية وبعض الشافعية أخذ المفتي الأجرة على الكتابة، لأنه كالنسخ(2).
وقال المالكية : يجوز للمفتي أخذ الأجرة على الفتوى إن لم تتعين عليه(3).
مما سبق يتبين لنا أنه لا بأس بأخذ أعضاء هيئة الرقابة الشرعية مكافأة على قيامهم بعملهم في المصارف الإسلامية، لأنهم قد اقتطعوا جزءاً من وقتهم للقيام بعمل يخص هذه المصارف؛ لأن الفتوى لم تتعين عليهم، لوجود غيرهم.
2 - إلزامية قرار الرقيب :
إن الرقيب الشرعي تم اختياره بناء على شروط معينة، وأن له دوراً هاماً في قيام المصرف الإسلامي بأعماله وفقاً للشريعة الإسلامية، ولن يؤدي الرقيب الشرعي دوره ما لم تكن قراراته ملزمة واجبة التنفيذ؛ ولذا فإن من حقوق الرقيب الشرعي الهامة أن تكون قراراته ملزمة للجميع، حتى ولو لم ينص على ذلك قانوناً.
3 - الآثار القانونية لتقصير الرقيب الشرعي أو خطئه :(13/10)
مما لا شك فيه أن تقصير الرقيب الشرعي أو خطأه تترتب عليه آثار خطيرة، فقد ينتج عن ذلك اختلاط الأموال بالربا، أو ضياع حقوق لأي طرف - سواء المصرف أو المساهمون أو المودعون أو المستثمرون -.
وقد لا يقتصر وقوع الضرر على هؤلاء فقط، بل قد يمتد ليقع على المجتمع المسلم الذي يوجد به المصرف الإسلامي، وقد يؤثر تأثيراً سلبياً على العمل بأحكام الشريعة الإسلامية في المجتمع؛ لأنه مصرف إسلامي يرفع الإسلام شعاراً له ويعلن محاربة الربا والغرر، وأكل أموال الناس بالباطل، ويدعي أنه مثال للتطبيق العملي لأحكام الشريعة الإسلامية في المجال الاقتصادي، ثم لا يفعل ما يقول، ولا يلتزم التزاماً تاماً بأحكام الشريعة. وذلك كله يسيء إلى التجربة، وقد يؤدي إلى شعور كثير من أفراد المجتمع ببعض الإحباط في إمكانية النجاح في محاربة والعمل بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء.
وبمراجعة العديد من النظم الأساسية واللوائح والقوانين الخاصة بالمصارف الإسلامية لم نقف على نصوص قانونية خاصة بالآثار القانونية المترتبة على خطأ أو تقصير الرقيب الشرعي، سوى بعض النصوص الخاصة بعزل الرقيب الشرعي عن طريق الجهات التي عينته مثل الجمعية العمومية أو مجلس الإدارة. ويرى الباحث أن الرقيب الشرعي تقع عليه الالتزامات القانونية التي تقع على مراقب الحسابات، طالما أن له سلطة وحقوق مراقب الحسابات. وذلك كحد أدنى من الالتزام القانوني أمام المتضررين. ويمكن اللجوء إلى المحاكم العادية المختصة بمثل هذه الأمور؛ لأن النصوص القانونية المتعلقة بالمسئولية التقصيرية نصوص عامة، وتوجب التعويض على كل من تسبب في الضرر بغيره، سواء كان المتسبب عامداً أو مهملاً.
ونقترح أن ينص عند التعاقد مع الرقيب الشرعي على تحمله مسئولية تعمده الخطأ أو التقصير، وإذا لم يثبت تعمده الخطأ أو التقصير يتحمل المصرف مسئولية خطئه أو تقصيره(1).
4 - إيجابيات هيئات الرقابة الشرعية الحالية :(13/11)
أ - إلزامية قرارات الهيئة في بعض المصارف :
اتضح من تقارير الرقابة الشرعية السنوية للعديد من المصارف الإسلامية، أنه يوجد التزام بتنفيذ قرارات الرقابة الشرعية في معظم المصارف الإسلامية. وتلتزم معظم المصارف الإسلامية بضرورة مراجعة الرقابة الشرعية للعقود من الناحية الشرعية، وصياغتها بما يتفق مع الحكم الشرعي، والالتزام بما تقرره الرقابة الشرعية.
ب - الصراحة والوضوح في تقارير الرقابة الشرعية :
مما لا شك فيه أن صراحة ووضوح التقارير السنوية للرقابة الشرعية تطمئن جمهور المساهمين والمتعاملين مع المصرف والعاملين به، وتزيد الثقة بالرقابة الشرعية، ومثال للتقارير الصريحة الواضحة؛ التقارير التي قدمها المستشار الشرعي للمصرف الإسلامي الدولي بالدانمرك، وفيما يلي نموذج من هذه التقارير :
ورد ضمن التقرير المقدم عن عام 1984م ما يلي :
( ... سوف يستبعد المصرف بعض الممارسات التي هي من المشتبهات غير المتضح أمرها للكثير من الناس .. لقد تمكن بفضل العقود المصرفية الشرعية الجديدة من أن يستثمر 82% من مجموع أصوله كما في آخر 1984م في أنشطة مطابقة للشريعة الإسلامية. وأمكن أن تستوعب هذه الاستثمارات الإسلامية جميع الودائع الإسلامية في المصرف. وعوائد الاستثمارات الإسلامية مفصولة دائماً في سجلات الصرف، لقد بلغ مجموع العائد لعام 1984م من هذه الأنشطة 54% من الدخل الإجمالي للمصرف، بينما بلغ العائد من الاستثمارات غير الإسلامية 46%، وهذه الاستثمارات قد تم تحويلها من رأس مال المصرف الذي خصص منذ البداية لتطوير الخطوات اللازمة لحماية قاعدة المصرف في الدانمرك ... ).
جـ - القيام بالتوعية والرد على الاستفسارات وإصدار الفتاوى :(13/12)
تقوم الرقابة الشرعية في بعض المصارف الإسلامية بتوعية العاملين بالمصرف، والاشتراك في الدورات التدريبية التي تعقد لهم، وتقوم أيضاً بتوعية جمهور المتعاملين بإصدار نشرات وكتيبات ومقالات ... الخ، بالرد على الاستفسارات والأسئلة التي تقدم طوال العام من مختلف الفئات، والأسئلة التي يتقدم بها المساهمون في الجمعيات العمومية، والرد على ما يرد من استفسارات ومناقشات للمساهمين. وتصدر المطبوعات الخاصة بفتاوى الرقابة الشرعية بالمصرف(1).
د - مراجعة الخسائر في بعض المصارف :
تقوم الرقابة الشرعية في بعض المصارف بمراجعة الخسائر التي تتم في المصرف، وذلك للتثبت من وقوع الخسائر، وتحديد مدى مسئولية الإدارة عنها، لما يترتب على ذلك من أحقية تحمل المودعين للخسائر كلها أو بعضها أو عدم تحمل شي منها.
ومثال ذلك : البنك الإسلامي الأردني، حيث نصت المادة (23) من قانون البنك على ما يلي:
يقوم المستشار الشرعي المعين حسب أحكام هذا القانون بالتحقق من وجود السند الفقهي المؤيد لتحميل البنك أية خسارة في نطاق عمليات الاستثمار المشترك.
وكذلك البنك الإسلامي القطري، حيث نصت المادة (22) بند (ا) من قانون إنشاء البنك على ما يلي :
تخضع الخسارة الواقعة في عمليات التمويل الداخلة في المضاربة المشتركة لفحص خاص من قبل لجنة مؤلفة من المراقبين الشرعيين، وعضوين من مجلس الإدارة، ومن ممثل فاحصي حسابات البنك، وذلك لإجراء التحقيق فعلاً في وقوع الخسارة، وبيان الأسباب المؤدية لوقوعها.
هـ - المساهمة في حل بعض المنازعات :(13/13)
تقوم بعض هيئات الرقابة الشرعية بالمساهمة في حل المنازعات بين المصرف والآخرين - ولو بدور محدود؛ ومثال ذلك بنك فيصل الإسلامي المصري، حيث ورد في المادة (18) من النظام الأساسي للبنك بخصوص هيئة التحكيم في النزاع بين البنك وأحد المستثمرين أو المساهمين، أو بين البنك والحكومة، أو أحد الشخصيات الاعتبارية العامة، أو إحدى شركات القطاع العام أو الخاص، أو الأفراد ما يلي :
في حالة نكول أحد الطرفين عن اختيار محكمة، أو في حالة عدم الاتفاق على اختيار المحكم المرجح، أو لرئيس هيئة التحكيم في المدد المحددة في الفقرة السابقة يعرض الأمر على هيئة الرقابة الشرعية لتختار المحكم أو الحكم المرجح أو الرئيس حسب الأحوال(1).
5 - سلبيات هيئات الرقابة الشرعية الحالية :
أ - سلبيات تتعلق باختصاصات الرقابة الشرعية في بعض المصارف :
وهي سليبات تتضح من الاطلاع على اللوائح والقوانين، وتقارير مجلس الإدارة في كثير من المصارف الإسلامية، وبالإطلاع - أيضاً - على تقرير لجنة تقويم الدور الشرعي بالمصارف الإسلامية بالمعهد العالي للفكر الإسلامي بالقاهرة عام 1993م، وقد تم حصرها بما يلي :
1 - عدم مشاركة الهيئة في وضع نظام اختيار العاملين؛ حيث أظهرت الدراسة أن الهيئة ليس لها دور بنسبة 89.3%، وأن لها دوراً بنسبة 5%، وغير معلوم دورها في 5.7% من مجتمع الدراسة(2).
2 - عدم القيام بدورها في مراجعة ورقابة ما يتعلق بالزكاة والقرض الحسن.
أظهرت الدراسة أن الهيئة ليس لها دور في الزكاة بنسبة 53%، ولها دور بنسبة 38%، وغير معلوم دورها بنسبة 9% تقريباً من مجتمع الدراسة(3).
- وأظهرت الدراسة - بالنسبة للقرض الحسن - أن الهيئة لها دور في التعامل بالقرض الحسن بنسبة 11.9%، وليس لها دور بنسبة 42.5%، وغير معلوم دورها بنسبة 45.6% من مجتمع الدراسة(4).(13/14)
3 - عدم المشاركة في وضع التعليمات التنفيذية الخاصة بالتشغيل داخل البنك أظهرت الدراسة أن الهيئة ليس لها دور في هذا الخصوص بنسبة 51.4%، ولها دور بنسبة 7.8%، وغير معلوم دورها بنسبة 40.8% من مجتمع الدراسة(1).
4 - عدم إبداء الرأي في الضمانات المقدمة من المتعاملين بالمصرف، أظهرت الدراسة أن الهيئة ليس لها دور في هذا الموضوع بنسبة 40%، وأن لها دوراً بنسبة 8.6%، وغير معلوم دورها بنسبة 51.6% من مجتمع الدراسة(2).
5 - عدم مشاركة الهيئة للإدارة في المشروعات والأنشطة ودراسات الجدوى وإبرام العقود، أظهرت الدراسة أن الهيئة ليس لها دور بنسبة 57.2%، ولها دور بنسبة 22%، وغير معلوم دورها بنسبة 20.8% من مجتمع الدراسة(3).
6 - عدم إبداء الرأي في الديون المتأخرة، وتحديد ما إذا كان المتعامل مع المصرف معسراً أو مماطلاً قادراً على الدفع وما يترتب على ذلك، أظهرت الدراسة أن الهيئة ليس لها دور في هذا الخصوص بنسبة 32% تقريباً، ولها دور بنسبة 17% تقريباً، وغير معلوم دورها بنسبة 51% من مجتمع الدراسة(4).
ب - ضعف الرقابة الشرعية على الاستثمارات المحلية خارج المصرف :
عندما تدخل بعض المصارف الإسلامية في عمليات استثمارية مع الغير مثل المساهمة في إنشاء مشروع أو الدخول في مشاركة أو مضاربة مع بعض المتعاملين مع المصرف، فإنه غالباً ما تكتفي الرقابة الشرعية بمراجعة العقود والرد على الاستفسارات فقط، ثم لا توجد متابعة بعد ذلك ومراقبة للتأكد من شرعية تنفيذ هذه الاستثمارات، وينطبق ذلك أيضاً على توظيف الأموال بالأساليب الشرعية لدى بعض الجهات الرسمية، ومثال ذلك ما يلي :(13/15)
أن بنك فيصل الإسلامي يوظف أكثر من 30% من إجمالي الاستخدامات في مضاربات لدى البنك المركزي المصري. وهي نسبة كبيرة تستوجب ضرورة مراقبة هيئة الرقابة الشرعية، للتأكد من شرعية تنفيذ البنك المركزي المصري للمضاربات وفقاً للعقود المبرمة بينه وبين بنك فيصل الإسلامي المصري، وأن لا تكتفي بمراجعة العقود، وما يرد من البنك المركزي من إشعارات.
جـ - قصور الضبط الشرعي في التعامل مع البنوك الخارجية غير الإسلامية بصفتها (مراسلين أو وكلاء) من خلال معاملات التجارة الدولية والاعتمادات المستندية، حيث إن نظم هذه البنوك غير إسلامية، وموظفيها غير مسلمين، وبالتالي ينقصهم الحد الأدنى من معرفة أحكام الشريعة الإسلامية في المعاملات المالية، وينقصهم - أيضاً - الحس الإسلامي العام الذي يشعر به الموظف المسلم، مما يؤدي معه إلى احتمال كبير في حدوث أخطاء شرعية في التنفيذ على الرغم من شرعية العقود، ولا يمكن الاطمئنان تماماً إلى ما يصدر عن هذه البنوك من بيانات وإشعارات ونماذج.
وعلى الرغم من أن نسبة التوظيف الخارجي عن طريق البنوك غير الإسلامية مرتفعة لدى معظم المصارف الإسلامية، فإنه يوجد قصور بالنسبة لمعظم هيئات الرقابة الشرعية بالمصارف الإسلامية في تتبع ومراقبة شرعية هذه المعاملات على أرض الواقع بالخارج، باستثناء بعض هيئات الرقابة الشرعية التي حاولت التأكد من شرعية المعاملات الخارجية التي يجريها وكيل المصرف، ومثال ذلك : ما ذكره بنك دبي الإسلامي عن دور الوكيل في معاملات المرابحة الدولية ونصه :(13/16)
يعتمد البنك على وكيله في الخارج في شراء البضائع نقداً من البائع الأصلي، وبيعها للمشتري أو التعامل نيابة عن البنك بالأجل في السوق الدولية. والمتبع أن يقوم البنك الوكيل بتزويدنا بالمستندات الثبوتية الدالة على تملكه البضائع وصوراً من عقود الشراء أو الفواتير التجارية. وأن تسافر لجنة من إدارة البنك والرقابة الشرعية للتدقيق على هذه المعاملات من وقت لآخر والتحقق منها(1).
د - اهتزاز الثقة بالرقابة الشرعية في بعض المصارف :
عندما تحدث أخطاء شرعية في مصرف إسلامي، فإن ذلك يسبب اهتزاز الثقة في الرقابة الشرعية في هذا المصرف أو فقدها، ومثال ذلك ما جرى من تجاوزات شرعية في عمليات مرابحة للآمر الشراء في بعض المصارف الإسلامية، مما دفع ببعض الاقتصاديين المهتمين بتجربة المصارف الإسلامية إلى أن يصف عملية بيع المرابحة بأنها حيلة بنكية(2).
6 - تمهين الرقابة الشرعية :
أدركت بعض المصارف الإسلامية أوجه الشبه بين وظيفة الرقابة الشرعية ووظيفة المراجعة الخارجية، ولذا نرى الاقتباس من مهنة المراجعة الخارجية الوسائل والاختصاصات بعد تحويرها بما يتلاءم وفكرة الرقابة الشرعية؛ لأن مهنة المراجعة الخارجية قد قطعت شوطاً طويلاً في مجال التطوير وإرساء القواعد.
ونرى أن عدم وجود معايير للرقابة الشرعية قد يؤدي إلى أخطاء فادحة. تهز ثقة الناس بالنظام الاقتصادي الإسلامي. وأن هذه الاحتمالات واردة في ظل غياب معايير تحدد مستوى التأهيل المطلوب لمن يقوم بالمراجعة الشرعية، وتؤكد على استقلاليته عن إدارة الجهات التي يقوم بمراجعتها، وتحدد الأعمال المطلوبة منه كي يستطيع إبداء رأيه بثقة، وبناءً على أدلة إثبات. ويجب أن تحدد هذه المعايير كيفية توصيل نتائج المراجعة الشرعية للمستفيدين من نتائجها، الذين يهمهم الاطلاع والاطمئنان على التزام هذه المصارف والمؤسسات الإسلامية بالشريعة الإسلامية.(13/17)
ولكي ندرك أهمية وجود معايير للمراجعة الخارجية لعل من المستحسن إلقاء بعض الضوء على التطور التاريخي لمهنة المراجعة الخارجية. فقد بدأت مهنة المراجعة الخارجية تاريخياً لخدمة التاجر الفرد وبالتالي كان نطاقها محدوداً.
ثم تطورت مهنة مراجعة الحسابات الخارجية بظهور شركات المساهمة، إلى أن أصبحت في الوقت الحاضر تؤدي وظيفة اجتماعية في غاية الأهمية، ولا يمكن أن نتصور قيام أي اقتصاد حر في الوقت الحاضر من غير المراجع الخارجي.
ولقد مر هذا التطور بمراحل حرجة كادت أن تفقد جمهور المتعاملين الثقة بهذه المهنة، بل بالنظام الاقتصادي الرأسمالي ككل، لولا تدارك الدول المعنية وأرباب المهنة للأمر، وإعادة تنظيم وظيفة المراجعة ووضع ضوابط ومعايير لها. ولعل أزمة الكساد الكبير التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية في أوائل القرن الماضي عام 1929 - 1932 هي أهم حدث أثر تأثيراً كبيراً على مهنة المراجعة. فقد كان من أهم أسباب تلك الأزمة ضعف مهنة المراجعة الخارجية، وعدم وجود معايير محددة، واضحة تحكم وتنظم عمل المراجع، وتحدد طبيعة مهمته، وحدود الرأي الذي يتوصل إليه؛ الأمر الذي مكن بعض مديري الشركات من التلاعب في الحسابات، وإظهار نتائج الأعمال والمركز المالي بصورة مغايرة للواقع؛ بهدف التأثير على أسعار الأسهم. وقد حدث ذلك فعلاً فارتفعت أسعار أسهم العديد من الشركات الوهمية بصورة غير مبررة، وكان من الطبيعي أن يتم اكتشاف حالات التلاعب والغش هذه ولكن بعد فوات الأوان، فلما حدث الانهيار في سوق الأسهم تأثرت كافة الشركات، سواء تلك التي كانت عرضة للتلاعب والغش أو غيرها، الأمر الذي أدى إلى فقد المستثمرين ثقتهم بسوق الأوراق المالية، وفقد ثقتهم في مهنة مراجعة الحسابات الخارجية.(13/18)
وبعد هذه الأزمة قام المختصون في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول التي تسير على النظام الرأسمالي بدراسة أوجه الخلل، التي أدت إلى هذه الكارثة، وبالتالي إدخال الإصلاحات على مهنة المراجعة الخارجية. ومنها ما قام به معهد المحاسبين الأمريكي؛ بناءً على دراسات مستفيضة من قبل العديد من مفكري المحاسبة، والمهتمين بالمهنة من وضع معايير للمراجعة مثلت أول وأشهر معايير للمراجعة، وتبعتها العديد من الدول بعد ذلك.
وتتكون هذه المعايير من عشرة أجزاء تم تقسيمها إلى ثلاث مجموعات : المجموعة الأولى تحتوي على ثلاثة معايير، أطلق عليها المعايير العامة أو الشخصية، وهي تتعلق بالصفات المطلوبة فيمن يقوم بمهمة المراجعة الخارجية. المجموعة الثانية تحتوي على ثلاثة معايير، سميت معايير العمل الميداني، وهي خاصة بمتطلبات تنفيذ عملية المراجعة. واحتوت المجموعة الأخيرة على أربعة معايير خاصة بتوصيل نتائج المراجعة إلى المستفيدين، وأطلق عليها معايير التقرير(1).
7 - نحو مشروع قانون للرقابة الشرعية في المصارف وشركات الأموال الإسلامية :
لضمان استقلالية هيئات الرقابة الشرعية استقلالاً تاماً عن إدارة المصارف، ولضمان حيادها تماماً - وإن لم نشهد خلال عملنا الطويل مع مصارف وشركات عديدة ما يستدرك على هيئاتها من محاباة، والحمد لله - نرى أن يتم عمل هيئات الرقابة الشرعية من خلال مكاتب تدقيق شرعي كمكاتب تدقيق الحسابات. وتعتمد هذه المكاتب من قبل المصرف المركزي، أو وزارة التجارة أو وزارة المالية - كل بحسب اختصاصه -، وتعمل وفق معايير منضبطة، ولتكن معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية؛ لذا نقترح مشروعاً لقانون الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية.
مادة (1) : تعريف مكتب التدقيق الشرعي :(13/19)
هو مؤسسة فنية تنشأ وفقاً لقانون خاص يصدر بشأنها، ينظم عملها في مراقبة أعمال المصارف والشركات المالية الإسلامية من الناحية الشرعية. وتعتمد تقاريرها من قبل الهيئات الرسمية.
مادة (2) : تكوين مكتب التدقيق الشرعي :
يتكون المكتب من مختصين في فقه المعاملات الشرعية - خصوصاً فقه المصارف -، ومن محاسبين قانونيين كما يشترط وجود مستشار قانوني أو أكثر. ويشترط في العاملين خبرة عملية في هذا المجال لا تقل عن خمس سنوات، ويصدر قرار من محافظ المصرف المركزي بتحديد المؤهلات والشروط المطلوبة.
مادة (3) : تعيين مكتب التدقيق الشرعي :
تعيين الجمعية العمومية لكل مصرف أو شركة مالية إسلامية مكتب التدقيق الشرعي، الذي يرتضيه المساهمون لتدقيق الأعمال الشرعية في مؤسستهم في اجتماعها السنوي، كما تحدد المكافأة السنوية للمكتب مراعية أسعار السوق. ولا يجوز مباشرة المؤسسة لعملها دون تعيين لمكتب التدقيق الشرعي.
مادة (4) : الاستغناء عن خدمة مكتب التدقيق الشرعي :
يتم ذلك إما بانتهاء العقد الموقع مع المكتب، وعدم رغبة أحد طرفي العقد بتجديده. وفي حال الاستغناء عن خدمات المكتب لإساءته، يرفع تقرير بذلك إلى الجهة المركزية المختصة.
مادة (5) : تقرير مكتب التدقيق الشرعي :
يجب أن يحتوي التقرير على العناصر التالية :
أ - العقود والعمليات التي تم فحصها والاطلاع عليها.
ب - الجهات المسؤولة في المصرف أو المؤسسة عن إجراء العمليات التي تم فحصها، ومراحل إنجازها.
جـ - القواعد المرجعية لتلك العقود والعمليات.
د - المخالفات الشرعية - إن وجدت - سواء في العقود أو في تنفيذ العمليات، وكيفية التخلص منها، ومدة التخلص المقترحة.
هـ - البدائل الشرعية لتلك المخالفات.
و - تاريخ الزيارات التدقيقية، ونتائجها.
ز - توقيع المدقق، ومسؤول المكتب.
مادة (6) : يجب نشر تقرير مكتب التدقيق الشرعي ضمن التقرير السنوي للشركة.(13/20)
مادة (7) : لا يجوز أن يكون عضو الرقابة الشرعية رئيساً لمجلس إدارة شركة مساهمة أو عضواً منتدباً فيها أو عضواً بمجلس إدارتها أو موظفاً فيها.
مادة (8) : لا يجوز أن يكون عضو الرقابة الشرعية :
أ - شريكاً في الشركة أو قائماً بأي عمل إداري فيها.
ب - شريكاً أو موظفاً لدى أحد ممن ذكروا في المادة (7) أو في الفقرة السابقة.
جـ - قريباً حتى الدرجة الرابعة لمن يشرف على إدارة الشركة أو حساباتها.
مادة (9) : لمحافظ المصرف المركزي أن يحيل عضو الرقابة الشرعية إلى لجنة التأديب إذا نسبت إليه مخالفة أحكام هذا القانون، أو أصول المهنة، أو ارتكاب إهمال جسيم، أو فعل مخل بالشرف أو الأمانة، أو تبين فقده لشرط من الشروط المنصوص عليها في هذا القانون.
وإذا تبين للمحافظ أن الواقعة المنسوبة إلى عضو الرقابة الشرعية تكون جريمة جزائية أحال الأوراق إلى النيابة العامة.
مادة (10) : المكتب الشرعي المركزي :
ينشأ في المصرف المركزي مكتب شرعي مركزي، يكون من مهامه مراقبة عمل مكاتب التدقيق الشرعي، وترفع إليه تقارير هذه المكاتب للنظر فيها، وفق المعايير المعتمدة من قبل المكتب المركزي. كما يقوم بالتفتيش الدوري على هذه المكاتب للتأكد من كفاءتها، ومؤهلات العاملين فيها، والتزامها بالشروط القانونية المطلوبة.
نتائج البحث
(1) المصارف الإسلامية والشركات المالية الإسلامية حاجة أساسية للمسلمين لاستثمار أموالهم استثماراً شرعياً صحيحاً.
(2) هيئات الرقابة الشرعية أداة رقابية على أعمال المصارف والشركات الإسلامية، لتحقيق حسن سير عملياتها وفقاً للقواعد الشرعية.
(3) رقابة الهيئات سابقة بالتأكد من صحة العقود وإجراءاتها، ولاحقة للتأكد من حسن تطبيق شروط العقود، واتباع تعليمات الهيئة.
(4) ضرورة إلمام أعضاء الهيئة بالقواعد الاقتصادية والمالية علاوة على تمكنهم من فقه المعاملات.(13/21)
(5) ضرورة قيام أعضاء الهيئة بتدريب موظفي المؤسسات المالية الإسلامية على مبادئ وأسس المعاملات الشرعية.
(6) ضرورة استقلال الهيئة الشرعية عن مجالس إدارات المؤسسات المالية؛ لتمكنها من الرقابة التامة الصحيحة.
(7) لضبط عمليات الرقابة ضرورة إيجاد رقابة شرعية داخلية وأخرى خارجية تتمثل في مكاتب التدقيق الشرعي، أسوة بمكاتب تدقيق الحسابات.
(8) المسارعة بإصدار قانون ينظم عمل مكاتب التدقيق الشرعي.
…والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المراجع
(1) حيث بدأ نشاط المصارف الإسلامية الفعلي عام 1977م [انظر نقود وبنوك للدكتور باشا 75].
(2) انظر [التنمية في المصارف الإسلامية - المجلة العلمية لكلية الشريعة والقانون بطنطا 1420هـ].
(3) التنمية في المصارف الإسلامية للشريف 518.
(4) النحل آية 43.
(5) النساء آية 83، تفعيل آليات الرقابة على العمل المصرفي للدكتور القرضاوي - باختصار - ندوة البركة التاسعة عشرة، مكة المكرمة 1421هـ.
(6) أي جعلها مهنة أي صنعة [انظر المعجم الوسيط 2/ 890].
(7) معايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية الإسلامية المادة
(2)، والمادة (7) من الضوابط.
(8) تفعيل آليات الرقابة على العمل المصرفي للدكتور أحمد عبد الله بتصرف، وانظر (تفعيل آليات الرقابة للقرضاوي 3 وما بعدها، الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية لداود 18 وما بعدها).
(9) انظر القانون رقم (13) لسنة 1978م (قانون البنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار)، وأيضاً مواد مشروع قانون البنك الإسلامي القطري ص 2 - 4.
(10) النظام الأساسي لبنك فيصل الإسلامي السوداني ص 16.
(11) المجموع للنووي 1/ 46، وشرح المنتهى 3/ 462.
(12) المجموع 1/ 46.
(13) حاشية ابن عابدين 4/ 311، وإعلام الموقعين 4/ 232، وشرح المنتهى
3/ 462.
(14) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/ 20.(13/22)
(15) الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية حسن داود 21، نحو معايير للرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية د. محمد بهجت 17 - مجلة بحوث الاقتصاد الإسلامي، الضوابط الشرعية لمسيرة المصارف الإسلامية د. أبو غدة 431 - ضمن بحوث في المعاملات والأساليب المصرفية الإسلامية.
(16) انظر [فتاوى هيئة الرقابة الشرعية ببنك فيصل الإسلامي المصري، فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني، والفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية " بيت التمويل الكويتي "، فتاوى شرعية في الأعمال المصرفية " ببنك دبي الإسلامي "، دليل الفتاوى الشرعية في الأعمال المصرفية " مركز الاقتصاد الإسلامي، المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية، القاهرة "].
(17) انظر (الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية 43 وما بعدها، نحو معايير للرقابة في البنوك الإسلامية 15 وما بعدها، الضوابط الشرعية لمسيرة المصارف الإسلامية 431).
(18) انظر تقرير لجنة تقويم الدور الشرعي بالمصارف الإسلامية، 99، 98.
(19) المرجع السابق.
(20) المرجع السابق.
(21) المرجع السابق.
(22) المرجع السابق.
(23) المرجع السابق.
(24) المرجع السابق.
(25) تجربة بنك دبي الإسلامي، دراسة مقدمة إلى ندوة تقييم البنوك الإسلامية، القاهرة 27 - 28 شعبان 1420هـ، ص 11.
(26) يوسف كمال، مجلة الدعوة، القاهرة، إبريل 1980م، الرقابة الشرعية للمصارف الإسلامية 39 وما بعدها.
(27) نحو معايير للرقابة الشرعية 36، أساسيات التدقيق في ظل المعايير الأمريكية والدولية للقاضي ودحدوح.
??
??
??
??
20 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/جامعة أم القرى
الرقابة الشرعية على المصارف والشركات المالية الإسلامية 19(13/23)
الرقابة الشرعية
والتحديات المعاصرة للبنوك الإسلامية
د. عطية السيد السيد فياض
أستاذ الفقه المقارن المشارك - كلية الشريعة وأصول الدين
جامعة الملك خالد بأبها
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
تواجه البنوك الإسلامية عديدا من التحديات المعاصرة التى أفرزتها الأحداث الدولية، والتحولات العالمية، ومحاولة التضييق على نمو واتساع البنوك الإسلامية وامتداد مظلتها على العالم كله،وكذا الأخطاء والتجاوزات الشرعية والمصرفية التى وقعت فيها بعض البنوك الإسلامية .
وهذا الوضع يحتم على كافة المعنيين العمل على مواجهته، وفي مقدمتهم أعضاء هيئة الرقابة الشرعية لدى تلك البنوك، فعليهم تعقد الآمال لتطوير العمل المصرفي الإسلامي وتقوية ساقه ليقف في مواجهة تلك التحديات العاصفة، ولو تجنبوا السلبيات التى رصدها كثير من المراقبين عليهم من شرعيين ومصرفيين وطوروا من وظيفتهم البحثية والرقابية والاجتهادية فبوسعهم تقديم الكثير في هذا الشأن .
ومما ينبغي عليهم القيام به :1- الضبط الشرعي الصحيح لمعاملات البنوك الإسلامية بعدما لاحظ الكثيرون خفة هذا الضبط، واتجاه الهيئات الشرعية لتلمس المشروعية لأعمال البنك في الآراء الضعيفة والشاذة وتتبع رخص المذاهب، والبعد عن الأصول والقواعد المتفق عليه بين أهل العلم . 2- تطوير الأداء وذلك بالعمل على ابتكار أدوات جديدة وصيغ استثمارية منضبطة شرعا لتساعد البنوك الإسلامية على استيعاب السوق الواسعة ومواجهة تحديات العولمة والمنافسة الشرسة .
3- مراعاة المقاصد العامة للشريعة الإسلامية وربط الفروع بالأصول والجزئيات بالكليات وذلك باستلهام أهداف ومقاصد الشريعة الإسلامية في استثمار الأموال واستفادة المجتمع المسلم من أمواله .
4- تقنين أعمال المصارف الإسلامية .
5- التدريب والتثقيف الشرعي المستمر للعاملين في المصارف الإسلامية ليكونوا أداة ضبط ومساعدة لهيئات الرقابة الشرعية في أداء عملهم .
مقدمة(14/1)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد ....
فالمراقب لتاريخ البنوك الإسلامية، والمتتبع لحركتها يستطيع أن يرصد بسهولة النمو والتطور والنجاح الذي حققته تلك البنوك رغم عمرها القصير، وتجربتها المحدودة، والمنافسة الشرسة من قبل البنوك الربوية والمؤسسات المناظرة، وانعدام المناخ الملائم، والتشويش المستمر عليها، وتأليب الأنظمة والحكومات عليها تارة بتمويل ما يسمى بالإرهاب، وأخرى بتأثيرها السلبي على البنوك التابعة للدولة وغير ذلك.
ومظاهر ما ذكرناه من نجاح للمصارف الإسلامية يتمثل في عدد البنوك الإسلامية وفروعها المنتشرة في معظم الدول الإسلامية وغير الإسلامية، حيث وصل عددها الآن إلى أكثر من مائتي مصرف ومؤسسة يبلغ حجم تعاملاتها أكثر من مائة وعشرين مليار دولار، وكذا عدد البنوك الربوية التى تحولت إلى النظام المصرفي الإسلامي، واضطرار كثير من البنوك الربوية العتيقة إلى فتح منافذ للعمل المصرفي الإسلامي من خلالها، ولولا أثر هذه البنوك وقناعة الكثيرين بجدوى ما تقدمه ما انتشرت هذا الانتشار .
وعلى صعيد الأدوات المالية المستخدمة في تلك البنوك والمؤسسات نجد أنها تقدم الخدمات المالية، والتمويل، والاستثمار فهي مصارف متنوعة الوظائف وبذلك تتفوق على البنوك الربوية بتنوع أنشطتها وخدماتها مع الالتزام بالأحكام الشرعية وفق قرارات هيئات الرقابة الشرعية لديها، ومن خلال تلك الأدوات المالية كان لها أثر كبير في المجتمع سواء في جانب توظيف الأيدي العاملة أو إقامة مشروعات في شتى المجالات المختلفة تعود بالنفع على المجتمع، وعلى المودعين والمستثمرين يعرفها كل من له أدنى صلة بالمصرفية الإسلامية .(14/2)
وعلى الصعيد المؤسسي شكلت البنوك الإسلامية اتحادا فيما بينها له صفة الإشراف والرقابة عليها، وهيئة للمحاسبة والمراجعة خاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية،وأسست عديدا من الشركات والمؤسسات المالية المساندة والمتعاونة مع تلك البنوك، كما شهدت المصرفية الإسلامية الآن ميلاد مؤسسة مالية إسلامية دولية مسئولة عن تطوير وتنظيم السوق المالية الإسلامية الدولية، وكذا إيجاد جهة تكون مسئولة عن المصادقة على شرعية ونظامية الأدوات المالية الإسلامية حتى تكون مقبولة للتداول بين المؤسسات والأفراد في السوق العالمية.
وفي الجانب التنظيري والفكري برهنت البنوك الإسلامية وبصورة عملية على خطأ كثير من المعتقدات السائدة فى العمل المصرفي والاقتصادي مثل " لا اقتصاد بلا بنوك، ولا بنوك بلا ربا " ومعتقد سلامة النظام الاقتصادي الرأسمالي ( اقتصاد السوق ) بكل ما فيه، وقدمت البرهان العملي على جدوى تطبيق الشريعة الإسلامية وملاءمتها لكافة العصور، وتعتبر إحدى الخطوات العملية الموفقة لترجمة المبادئ والنظريات إلى برامج، وأوجدت الطرق الشرعية لنشاط المسلم الاقتصادي بعيدا عن المؤسسات الربوية . .
كما أثرت البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية -عن طريق هيئات الرقابة الشرعية لديها، والمؤتمرات والندوات الشرعية - الفقه الإسلامي بالبحوث الفقهية والاقتصادية والمالية، مما شجع على الاجتهاد الشرعي بصوره المختلفة، ومواكبة المستجدات في المجال الاقتصادي والمالي .(14/3)
ولئن أسديت تلك النجاحات التي حققتها البنوك الإسلامية بعد الله تعالى إلى أصحاب رؤوس الأموال من مودعين ومستثمرين،والإداريين المضطلعين بمهمة التوظيف والاستثمار فهناك دور كبير يجب أن يذكر ويسجل لهيئات الرقابة الشرعية العاملة في هذه البنوك حيث قامت بدور التنظير والتأصيل والمراقبة الشرعية لكافة عمليات البنوك ضمانا لمطابقتها للشريعة الإسلامية، ولفت نظر من حاد منها عن الأسس الشرعية، وقدمت كثيرا من الأدوات المالية التى تستخدمها البنوك الإسلامية الآن بنجاح ـ أيا كان القول في تقييمها اقتصاديا- .
ومع الإقرار بما تقدم للمصارف الإسلامية، والدور الذي تضطلع به في مجال الاستثمارات الموافقة للشريعة الإسلامية ودور هيئات الرقابة الشرعية لديها فهناك جملة من التحديات والمشكلات تواجه البنوك الإسلامية ـ فضلا عن غيرها - بعضها وجد مع ميلاد المصرفية الإسلامية، وبعضها استجد مع المتغيرات العالمية والأحداث الدولية الراهنة، وهذه التحديات توجب على القائمين على البنوك الإسلامية والغيورين من العلماء الشرعيين والاقتصاديين وأصحاب روؤس الأموال الذين يهمهم نجاح الفكرة وسلامة التجربة التصدي لها والبحث عن حلول ومخارج،وعلى هيئات الرقابة الشرعية تطوير وظيفتها الرقابية والبحثية والاجتهادية لتتكيف مع هذه المستجدات، وتساعد البنوك الإسلامية على تخطي واجتياز تلك العقبات- كما سنبين في هذه الورقة- .
وفي هذه الورقة نعرض بإيجاز لأهم هذه التحديات وأثرها في تعويق دور البنوك الإسلامية الاستثماري والتنموي ، ثم نعرض لأهمية تطوير دور هيئات الرقابة الشرعية وتفعيل عملها للتغلب على هذه المصاعب وذلك في مبحثين .
رب اشرح لي صدري . ويسر لي أمري . واحلل عقدة من لساني . يفقهوا قولي .
( ( (
المبحث الأول
التحديات المعاصرة للمصرفية الإسلامية
التحدي في اللغة معناه : التنازع، والتنافس من أجل غلبة الآخر والتفوق عليه.(14/4)
قال ابن منظور :" تحديت فلانا إذا باريته في فعل، ونازعته الغلبة . ابن سيده : وتحدى الرجل : تعمده، وتحداه : باراه ونازعه "(1)
والمراد هنا : جملة الأمور التى تواجه البنوك الإسلامية وتعيقها عن أداء وظائفها على الوجه الأكمل.
وباستقراء تلك التحديات نجد منها ما هو داخلي -أي من قبل البنوك الإسلامية نفسها- ومنها ما هو خارجي، منها ماله صبغة شرعية ومنها ماله صبغة إدارية أو قانونية أو استثمارية .
ونتناول تلك التحديات بشيء من الإيضاح :
أولا : الفتاوى الفقهية المبيحة للفوائد المحددة المصرفية .
وهذه من أخطر التحديات التى تواجه البنوك الإسلامية ؛ لأنها قامت - فى الأساس - كبديل عن البنوك الربوية التى تتعامل بالربا المحرم شرعا فى إقراضها واقتراضها، ولبت حاجة جموع المسلمين الراغبين فى استثمار أموالهم استثمارا طيبا وفق ما شرع الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ودَعَّم موقف البنوك الإسلامية فى ذلك اتفاق علماء الأمة سلفها وخلفها على حرمة الإقراض أو الاقتراض بالفائدة، وهو ما ثبت عليه علماء المسلمين المعاصرين فى مؤتمراتهم ومجامعهم وفتاويهم الرسمية منها وغير الرسمية، ومن ذلك ما صدر عن المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية فى مصر عام 1965م :" الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق فى ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمى بالقرض الإنتاجي ؛ لأن نصوص الكتاب والسنة فى مجموعها قاطعة بتحريم النوعين، وكثير الربا فى ذلك وقليله حرام .
والإقراض بالربا محرم، لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا حرام كذلك، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة، وكل امرئ متروك لدينه فى تقدير ضرورته ..." (2)
ولم يؤثر فى هذا الاتفاق بعض الأصوات من هنا وهناك التى أباحت الفوائد على بعض أنواع القروض بناء على اعتبارات وتخريجات فقهية أجهضها علماء الأمة فى حينها .(14/5)
لكن الأمر اختلف في هذه الآونة الأخيرة وعلت أصوات القائلين بالإباحة ودعم موقفهم بعض الفتاوى الصادرة من العلماء الشرعيين - وخاصة ممن يتبوءون ولاية الإفتاء الشرعي - حيث أفتي بأن الفوائد المحددة التى تمنحها البنوك "الربوية " جائزة شرعا، وأن معاملات البنوك التى كانت تسمى " البنوك الربوية" هي الأقرب للإسلام من معاملات البنوك الإسلامية، وأن الأوفق شرعا في حالة ما إذا قننت أعمال البنوك أن تحدد الفوائد (3).
وقيل بأن الإيداع في البنوك الربوية يخرج على أحكام المضاربة أو الوكالة المطلقة،وأن تلك البنوك تستثمر أموال المودعين فى مشروعات نافعة للأمة فكيَّفت المسألة على أنها نوع مضاربة، وأن عدم تحديد الفوائد ليس عليه نص وإنما من باب المصالح المرسلة، والمصلحة تقتضي فى هذا الزمن التحديد (4) وأن هذا التحديد إنما يتم بناء على دراسات واعية دقيقة تمنع معه الخسائر أو ظلم أحد الطرفين، وقد حدا هذا ببعض العلماء إلى إفتائه البنوك بفتوى تختلف عن فتواه لعموم الأفراد .
وازداد الأمر خطورة عندما استطاع أنصار هذا التيار أخيرا استصدار قرار من مجمع البحوث الإسلامية المصري يؤكد الفتاوى الفردية السابقة .
ولم يقف الأمر عند حدود إباحة الفوائد على القروض المصرفية وإنما تعدى ذلك إلى معاملات أخرى كالتأمين الذي ظل المسلمون ردحا من الزمن يعتبرونه من المعاملات المحرمة وقد تراجع كثير من أهل الفتوى في القول بحرمته .
وقد نقضت هذه الفتاوى وتلك الأقوال الأساس الذي قامت عليه البنوك الإسلامية،بل والعمل المالي الإسلامي المؤسسي، وهي أنها لا تتعامل بما تتعامل به البنوك الربوية من الإقراض أو الاقتراض بالربا المحرم شرعا ؛ لأنه إذا لم تكن هناك حرمة فى التعامل مع البنوك الربوية، فلماذا تؤسس بنوك أخرى تنسب نفسها إلى الإسلام، وتعتبر أن تميزها هو فى تطبيقها لأحكام الكتاب والسنة ومنها حرمة الربا ؟!(14/6)
ولسنا في مقام مناقشة الفتوى، وإنما نظهر هنا أنه كان لهذه الفتوى - فيما أرى - أثر سلبي كبير على البنوك الإسلامية معنويا وماديا، فمن الناحية المعنوية : أفقد البنوك الإسلامية تميزها حيث استوت بذلك مع البنوك الأخرى إذ لا فرق، وأزال الحرج الشرعي عمن يتعامل مع البنوك التقليدية - في زعمه - فاطمأنت نفسه، وإن لم يطمئن فلسان حاله يقول " ضعها في رقبة عالم واخرج منها سالم "، كما أضعفت موقف المناهضين للبنوك الربوية، وخفت صوتهم، وأغلقت المنافذ الإعلامية أمامهم، بل منهم من جرم وحوكم بسبب موقفه ذلك، كما أعطت قوة جدالية لأنصار الاقتصاد الربوي فاحتجوا وحاجوا بها.
أما أثرها المادي على البنوك الإسلامية فغير خاف، فرغم الإقبال الذي تشهده البنوك الإسلامية، وكثرة المتعاملين معها، وتحول مؤسسات كبيرة إلى النظام الإسلامي، أو فتح فروع إسلامية تتبع مؤسسات ربوية عريقة، لكني أرى أنها ربما أدت إلى تحول نفر ممن كانوا يتعاملون معها إلى البنوك الأخرى، كما منعت آخرين يريدون التحول من البنوك الربوية إليها، ورغم أنه لا يتوافر إحصاء بهذا، لكن رؤية الواقع تدل عليه .
نعم ثار في مواجهة هذه الفتاوى علماء كثر، وعقدوا مؤتمرات، وأصدروا بيانات، وألفوا كتبا لدحض هذه الفتوى وبيان بطلانها،سواء أكانت لهم علاقة بالبنوك الإسلامية أم ليست لهم علاقة،كما أن جماهير غفيرة من عامة المسلمين تشككت وارتابت في هذه الفتاوى، لكن كما هي طبيعة الأعمال لها شرة تعقبها فترة وسكون، فقد هدأت ثورة العلماء أو أسكتوا قصدا، فى الوقت الذي لا يفتأ أنصار هذه الفتوى على ترديدها وتقريظها مما يضعف من شأن البنوك الإسلامية ويوهن من أمرها .
ثانيا : العولمة .(14/7)
من التحديات الضخمة التى تواجه البنوك الإسلامية تزايد الاتجاه نحو عولمة المال والاقتصاد، وتحرير تدفقات التجارة والأموال، وهذا يعنى تدويل الأسواق القطرية وزيادة المنافسة ليس فقط مع البنوك الربوية المحلية وإنما منافسة شديدة وشرسة مع البنوك العالمية التى ستنتقل بخدماتها ورؤوس أموالها داخل الدول الإسلامية بعد انضمامها لمنظمة التجارة العالمية وفتح تجارة الخدمات مع حلول عام 2010م، ولاشك أن هذه البنوك العالمية تتمتع بإمكانات مالية وتقنية هائلة .
كما يواجه البنوك الإسلامية تحديا آخر مرتبطا بالعولمة وهو التطور الهائل في تقنيات الاتصال والمعلوماتية وشبكة الانترنت، فهذه الشبكة مكنت البنوك من مختلف أنحاء العالم من نقل خدماتها المصرفية إلى بيوت ومكاتب العملاء في مختلف أنحاء المعمورة دون أن تنقل مبانيها إلى مختلف البلدان وهذا ما سهل من انتقال الأموال بين نقطة وأخرى في العالم في ثوان معدودة، وهذا ما يضيف ويفرض مسئولية كبيرة على عاتق البنوك الإسلامية من ضرورة وجودها بشكل نشط وفعال على هذه الشبكة.
وقد أقيمت عدة مؤتمرات وندوات لدراسة سبل المواجهة والتكيف مع هذا الأوضاع الجديدة وانتهت تلك المؤتمرات إلى إصدار توصيات عديدة في مجال الإدارة والاستثمار، ونأمل أن ترى تلك التوصيات سبيلها للتطبيق .(5)
ثالثا : النمو المتزايد للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية .
في السبعينات من القرن المنصرم كان هناك عدد محدود من البنوك الإسلامية على مستوى العالم لا يزيد عن خمسة بنوك، وكانت أنشطتها تتركز على تقديم خدمات مالية تتفق مع الشريعة الإسلامية، وقد أدى الإقبال طوال السنوات الماضية على مثل هذه الخدمات - رغم التضييق والتشويش المستمر عليها - إلى حدوث نمو سريع في أعداد البنوك الإسلامية يتراوح ما بين 10-15% ليصل عددها الآن إلى أكثر من مائتي مصرف تبلغ أصولها نحو 120 مليار دولار، واستثماراتها حوالي 150 مليار دولار .(14/8)
وقد أدى هذا النمو والإقبال المتزايد على المصرفية الإسلامية إلى اضطرار كثير من البنوك الربوية المحلية إلى فتح منافذ للعمل المصرفي الإسلامي، كما أعلنت كثير من البنوك العالمية في أمريكا وأوربا إلى فتح فروع لها في اوربا وفي العالم الإسلامي تتعامل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، فقد افتتح مصرف نوريبا بنك
(BSC) التابع لبنك (UBS) من أكبر البنوك السويسرية فرعا له في البحرين في سبتمبر الماضي يتعامل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن أحد المسئولين في البنك ( كريستوف ميير ) قوله إنه أول وجود محلي للبنك في المنطقة من خلال بنك مكرس تكريسا كاملا إدارة الثروات وفقا لأحكام الشريعة "
وليس بنك نوريبا هو الوحيد الذي أقدم على مثل هذه الخطوة،فقد وقع بنك باريبا الفرنسي مع بيت التمويل الكويتي في 22/5/2001 م مذكرة تفاهم لإنشاء صندوق لسوق مالية إسلامية بقسمة ملياري دولار، وتنص المذكرة على ان يقدم البنك الأصول ويتولى بيت التمويل هيكلتها حسب الشريعة الإسلامية قبل أن تسوق في دول الخليج، ومن قبل كانت مجموعة ( HSBC) البريطانية الكبرى من المجموعات الأوربية التى بادرت من قبل إلى الاهتمام بنشاط الاستثمارات التى تراعى فيها أحكام الشريعة الإسلامية وأعدت فرعا لها في دبي وغير ذلك كثير .
ويضاف إلى ذلك وجود عدد كبير من البنوك الأجنبية التى أنشأت لديها محافظ وصناديق استثمار موافقة لأحكام الشريعة الإسلامية، وشاركت مصارف غربية من الدرجة الأولى في تلك النشطة، مثل : مؤسسة " هونج كونج " " شنجهاي " " سيتي جروب " " دويتش بنك " " إيه بي إن إمرو" " جي بيه مورجان تشيس "
هذا بخلاف تطوير مؤشرات أسهم إسلامية من قبل مؤسسات معروفة مثل " داو جونز " " فايننشال تايمز " وغيرهما .(14/9)
ومن الغريب أن نعتبر هذا تحديا يواجه البنوك الإسلامية، والأولى أن نعتبره إنجازا ودليل نجاح للمصرفية الإسلامية، وهو كذلك في الحقيقة لكن هذا الإقبال المتزايد على المعاملات الإسلامية، سواء أكان ذلك عن عقيدة تدفع المقبلين إلى استثمار أموالهم وفق الشريعة الإسلامية أم سببها عاطفة، أو الحرص على أعلى عائد متوقع فإن ذلك يحتم على البنوك الإسلامية تطوير نفسها وتقديم مزيد من الابتكارات في مجال تقديم الخدمات والفرص الاستثمارية، وتعاظم دورها التنموي في البلاد الإسلامية ؛ لأن هذا النمو والتزايد المستمر في الإقبال على البنوك الإسلامية قد يفتر مع الوقت إن لم يلمس العملاء والمجتمع أثرا ظاهرا لهذه البنوك وقدرة تنافسية عالية مع المصرفية الأخرى.(6)
وثمت تحد آخر يفرضه هذا النمو المتزايد للبنوك الإسلامية وفتح فروع ومنافذ للعمل المصرفي الإسلامي في بنوك ربوية عريقة وهي ما يحدث من خلل شرعي في كثير من هذه المنافذ، فيسجل الفرع على أنه إسلامي وفي حقيقة الأمر قد لا يكون له من الإسلام إلا الاسم .(7)
ويتشكك الكثيرون في هذه الفروع ويعتبرونها مجرد لافتة فقط لجذب أموال المودعين والمدخرين وأنها في الحقيقة تصب في وعاء البنك الربوي الأساسي، فضلا عن أن هذه الفروع لا يشرف عليها هيئات رقابة شرعية على غرار ما هو كائن بالمصارف الإسلامية الخالصة وربما تستعين بمستشار شرعي خارجي، وهذا في الحقيقة غير كاف .(14/10)
كما يحمل البعض هذه الفروع المسئولية عن كثير من التجاوزات التى تنسب للعمل المصرفي الإسلامي وأدت إلى التشويش عليه من قبل العامة والخاصة وهذا بدوره يؤدي إلى فقد المصداقية في التجربة الإسلامية في المجال المصرفي لدى الشارع المسلم، فالبنوك الربوية لم تفتح منفذا للمعاملات الإسلامية لقناعة منها بحرمة العمل الربوي وإنما لغرض تجاري بحت فتتنافس مع غيرها في اجتذاب أموال المسلمين الملتزمين وتتظاهر في أنها تطبق الأحكام الشرعية ولا يكون تطبيقها إلا من باب الصور والشكليات فتجهض العمل المصرفي الإسلامي من روحه ومقاصده وجديته .
ومن هنا تصبح مثل هذه الفروع تحديا خطيرا للمصرفية الإسلامية كيف تحافظ على نفسها من الدخلاء، وتعمل على تنقية صفها ممن يحسبون عليها ويشوهون مسيرتها، وأمام المصارف الإسلامية خيارات متعددة تستطيع من خلالها ضبط مسيرة العمل المصرفي الإسلامي .(8)
رابعا : الحملة الدولية لمكافحة "الإرهاب" بعد أحداث 11سبتمبر .
يعد قطاع البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية من أكثر القطاعات الاقتصادية تأثرا في العالم من جراء التداعيات السلبية لأحداث 11 سبتمبر لا سيما بعدما تعرض لحملات تشكيك واتهامات باطلة تدعي تورطه في تمويل الأنشطة الإرهابية وغسيل الأموال الأمر الذي يضع مستقبل العمل المصرفي الإسلامي أمام تحديات بالغة الخطورة.
وتستهدف الحملة الدولية على البنوك الإسلامية - كما تزعم - تجفيف المنابع المالية لشبكات الإرهاب الدولي التى تتخذ من البنوك الإسلامية ملاذات آمنة لها، ولذلك سارعت الإدارة الأمريكية بإعداد قوائم ولوائح اتهام لعدد من البنوك والمؤسسات المالية بذريعة علاقتها بالإرهاب، لكن الحملة الآن تتصاعد لتشمل جميع البنوك الإسلامية بدون تمييز وذلك تزامنا مع اتساع دائرة الاشتباه ووضع منظمات وجمعيات خيرية وأفراد وحركات مقاومة على قائمة الإرهاب .(14/11)
ويرى المراقبون أن ثمت أهدافا خفية لهذه الحملة غير المعلن منها :
ـ أن ارتفاع تكاليف الحرب الدولية ضد الإرهاب يعد دافعا مهما للقائمين عليها للجوء إلى أساليب تجميد أو مصادرة أموال البنوك الإسلامية أو المودعين بحجة مكافحة الإرهاب مما يمنع أصحابها من الاستفادة منها ومن ثم تئول حرية التصرف فيها لهم التى قد تستغلها في حربها، وتقدم منها تعويضات للمتضررين من الأحداث .
ـ أن اتهام البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية جاءت في وقت احتلت فيه تلك البنوك والمؤسسات مكانة مرموقة في الأسواق المالية المحلية والدولية، وبذلك تهدف تلك الحملة إلى الحد من قدرة تلك البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية على التوسع والاستمرار في النمو ؛ لأن من شأن ذلك تقييد أنشطتها خشية أن تطولها تلك الحملات وحرصا على أموالها من التجميد والمصادرة .
وقد أدت تلك الحملات بالفعل إلى آثار غير حميدة على النشاط المصرفي الإسلامي وذلك بعد قيام أمريكا بتجميد أموال بعض البنوك والشركات والتهديد بإيقاف وإغلاق أي بنك أو شركة صرافة تتعامل مع أي شخص أو منظمة ورد اسمها في قائمة الحسابات الإرهابية مما دفع بالكثيرين إلى سحب أموالهم من تلك البنوك واكتنازها أو توظيفها في صورة عقارات أو اقتناء ذهب، وجعلت كثيرا من البنوك التجارية التى اتخذت قرارا بفتح فروع ومنافذ إسلامية أن تتمهل في تنفيذ تلك القرارات خشية من تعرضها للبطش الأمريكي وغيره .
ـ التأثير سلبا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لبلدان العالم الإسلامي ؛ لأنه بتعويق البنوك الإسلامية والحد من قدراتها والاتجاه نحو الاكتناز سيحرم المجتمع من تلك الثروات التى يحرص أصحابها على عدم استثمارها استثمارا ربويا، وهذه الثروات تقدر بحوالي 200مليار دولار .(14/12)
ويرى البعض أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد أفادت منها البنوك الإسلامية حيث ارتفع حجم الودائع في الأشهر الثلاثة التى تلت الهجمات، كما أن حركة سحب أموال المسلمين المستثمرة في أمريكا والغرب والتى تصل إلى تريليون دولار خشية تجميدها قد تجد لها طريقا إلى البنوك الإسلامية، وما تقدم قد يكون حقيقة لكن يبقى سيف الاتهام بالإرهاب مسلطا على البنوك الإسلامية عليها أن تتدارك وتحذر وتبعد عن نفسها تلك الشبهات .(9)
خامسا : الأعراف المصرفية الربوية .
يثور جدل كبير في أوساط المصرفيين والشرعيين حول طبيعة وماهية المصرف الإسلامي هل ينبغي أن يمارس نفس الدور الذي يقوم به المصرف الربوي أي دور الوساطة المالية فقط مع أسلمة هذا الدور بقدر الإمكان وهنا تعتريه نقائص كثيرة وسلبيات عديدة، أم عليه أن يتخلى عن هذا الدور وينشئ عرفا مصرفيا جديدا ويمارس كافة المعاملات المالية من مضاربة ومشاركة ومساقاة ومزارعة فضلا عن البيوع بأنواعها وتقديم الخدمات المصرفية المختلفة حسب ما تسمح به الشريعة الإسلامية وفي هذه الحالة لا يكون مصرفا بالمعنى الاصطلاحي للمصارف .
وهنا يبرز التساؤل هل يستطيع المصرف الإسلامي أن يجمع بين دور الوساطة المالية حسب المنهج الإسلامي وبين تحقيق أهداف الاقتصاد الإسلامي ككل، وقيامه بكافة المعاملات الشرعية من تجارة ومضاربة ومشاركة وغيرها ؟
يرى البعض أن واقع المصرفية المعاصرة لا يمكن المصرف الإسلامي من ذلك فالمصرف الإسلامي بين خيارين : أحدهما : إما أن يتمسك بمصرفيته ويضحي بمشروعيته، وإذا ما تاجر بالسلع فإن تجارته هذه تكون صورية . الثاني : وإما أن يتمسك بمشروعيته ويضحي بمصرفيته وتكون عندئذ تجارته بالسلع تجارة حقيقية .(10)(14/13)
وحول هذه الإشكالية انقسم رأي المختصين ففريق يرى أنه على المصرف الإسلامي أن ينشئ أعرافا مصرفية جديدة ولا يتقيد بالأعراف المصرفية حتى ولو لم يطلق عليه مصرف بالمعنى الاصطلاحي، وأن على المصرف استلهام أهداف ومقاصد الاقتصاد الإسلامي في خططه وبرامجه وكافة أعماله وأن يرى المتعاملون معه ثمار هذا التطبيق، وأن ينعم المجتمع المسلم ككل بجني هذه الثمار، حتى ولو كلفه ذلك قلة الأرباح والعوائد فالعائد الاجتماعي أعظم من العائد المالي .
ويرى أنصار هذا الرأي :" ما يرمي له الإسلام هو تعظيم العائد الاجتماعي مع تحقيق أرباح معقولة، فالفرق هنا بين التفكير الغربي وهو تعظيم الأرباح وما يرمي له الإسلام وهو تحقيق أكبر قدر من العائد الاجتماعي مع السعي لتحقيق قدر من الأرباح وهذه غاية شرعية وحتى لا يكون دولة بين الأغنياء ولكي لا يزداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا لذلك يجب على المصارف الإسلامية أن تفكر في استنباط وسائل تمكنها من توسيع قاعدة تمويلها حتى تنهض بقطاعات أوسع من المجتمع لإخراجهم من دائرة الفقر الذي غطى معظم شعوب الدول الإسلامية إلى دائرة الكفاف، كما يجب استنهاض العلماء والمفكرين والباحثين لبلورة فكر تطبيقي حقيقي ينزع إلى الاهتمام بالأصول الحقيقية لا القشور التى تجاوزناها والانعتاق بصدق من هيمنة الاقتصاد الغربي الذي ترسخ في عقولنا ومؤسساتنا لا سيما المصرفية، فالمصارف الإسلامية هي واجهة نظامنا الاقتصادي الإسلامي " (11)(14/14)
وفي مقابل هذا الرأي يرى فريق آخر إن المهمة الأساسية لأي مصرف حتى ولو كان إسلاميا هي قيامه بدور الوساطة المالية وأن قيام المصرف الإسلامي بذلك ضرورة بما تعنيه الكلمة من مدلول فقهي، يقول محمد نجاة الله صديقي " في عالم المنافسة الاقتصادية تصبح الوساطة المالية في الاقتصاد الإسلامي واجب لا بد منه، وبلوغ اقتصاد سريع النمو لا يمكن تخيله دون وسائط مالية، ليس من المبالغة إن قلت إن مصير المجتمع الذي يبطل الوساطة المالية ليس أفضل من مصير مجتمع يبطل استخدام النقود، دعنا نفترض قيام اقتصاد إسلامي معاصر ليس به وسائط مالية فالمواطنون يدخرون والمصارف الإسلامية تأخذ تلك المدخرات لاستثمارها سواء مباشرة أو عن طريق مشاركة رجال الأعمال، سيترتب على ذلك شيئان :
أولا : ستتعرض المصارف الإسلامية لكل مخاطر العمل التجاري ..........
ثانيا : قد يصعب على المبدعين ورجال الأعمال تمويل مشروعاتهم ..........
نعتقد أن الوساطة المالية أضحت ضرورة بكل ما يعني المصطلح الفقهي من دلائل .."(12)
وعلى أي وضع فإن أمام المصرف الإسلامي تحد كبير متمثل في صياغته لدور اقتصادي ومالي يراعى فيه مطابقته للشريعة وتلبيته لاحتياجات المسلم والمجتمع المعاصرة .
سادسا : التميز والتفرد عن البنوك الربوية .
الأصل أن البنوك الإسلامية تختلف اختلافا كليا عن البنوك الربوية لا في الاسم فقط ولكن في المفهوم والمضمون والمنهج والمقصد والمصدر .
فتعتمد البنوك الإسلامية الشريعة الإسلامية مصدرا ومنهجا لها وهي تتسم بصلاحيتها لكل زمان وكل مكان، ولا تضيق ذرعا بالمستجدات ففيها من المرونة ما يستوعب كل هذا وينظمه، وفيها من الثبات ما يحافظ عليها وعلى أصالتها فلا تذوب وتتميع مع كل جديد .(14/15)
وبذلك تتميز البنوك الإسلامية عن البنوك الربوية بتحقيقها لمنهج الإسلام في الاستثمار، واستيعاب كافة مفردات هذا المنهج من أصول وفروع، أهداف ووسائل، وتنزل بهذا المنهج إلى الواقع العملي وتثبت صلاحيته للتطبيق، وترد به على من يشكك فى صلاحية الشريعة للواقع المعاصر .
وبتتبع مسيرة البنوك الإسلامية نجد أنها قد بدأت بداية صحيحة فى تطبيقها للمنهج الشرعي فى الاستثمار واستوعبت أدواته كلها من مضاربة، ومشاركة، وقرض حسن وغير ذلك، وكان مبدأ التوظيف بالمشاركة في الأرباح والخسائر هو القاعدة الأساسية للنمط المصرفي الجديد الذي دعت إليه، ولكنها سرعان ما وجدته غير قادر على تلبية كل متطلبات الحياة الاقتصادية من الأموال، ولا يحقق لها المردودية التى كانت تتوقعها فضلا عن المشاكل التى عاقت استعماله بفعالية، فشرعت تبحث عن أدوات أخرى أكثر ربحية، وأقل مخاطرة، وأسهل تطبيقا فلجأت إلى أدوات التمويل بالهامش الربحي كبيع المرابحة، والإجارة التمويلية والتورق وغيرها، وطغت هذه العمليات على غيرها حتى ذكرت بعض الإحصاءات أن صيغة التمويل بالمرابحة وصلت فى بعض البنوك إلى حوالي 90% من مجمل عملياته المصرفية، وكإحصائية عامة عن حجمها فى البنوك تدور ما بين 40% إلى 75% .
وقد أثار هذا التحول كثيرا من الانتقادات على البنوك الإسلامية بعضها متعلق بالشبهات الشرعية المتعلقة بتطبيق هذه العمليات، والبعض الآخر متعلق بعدم جدوى هذه العمليات فى بيان معالم الاقتصاد الإسلامي، وخدمة الاقتصاد القومي فضلا عن أنها قربت بين البنوك الإسلامية والربوية من حيث اعتماد الأخيرة على المعاملات الائتمانية، مما شجع على تأسيس مؤسسات مالية تنسب نفسها إلى الإسلام، وليس لها منه إلا الإعلان مما أساء إلى العمل المصرفي الإسلامي كله .(14/16)
ومما ذكر في بيان آثار هذا التحول من البنوك الإسلامية ما قاله الأستاذ يوسف كمال: " ولقد اعترضت من أول لحظة على عقد بيع المرابحة الذي نفذ ابتداء في بنك دبي ثم السودان ثم مصر، وحذرت من خطورته في مرحلة مبكرة لدى رؤساء مجالس إدارة البنوك الإسلامية فى مصر، وأمين اتحاد البنوك الإسلامية، ولما يئست من الاستجابة نشرت مقالا بمجلة الدعوة فى أبريل 1980بينت فيه مدى الخطر الذي يحيق بالتجربة وحذرت من أنه سيطغى على كل الاستخدامات، وينحرف بمسار المصرفية الإسلامية ويزيح كل جهد لتأصيل عرف مصرفي إسلامي، وتوطين أدوات مصرفية إسلامية ولكن لم يلتفت من بيده القرار إلى ذلك، ودعم هذا الانحراف - للأسف - من شرعيين، وكان لهذه المعاملة جاذبيتها من المصرفيين ذوي الخبرة الربوية لاتفاقها مع نمط المعاملات الرئيسي فى البنوك الربوية " ويقول :" ولقد أضرت المرابحة بالاقتصاد الوطني ضررا شديدا لاتجاهها غالبا إلى أنشطة اكتنازية، أو لإشباع رغبة كمالية عن طريق الاستيراد أو التجارة فى المواد الضرورية أو المضاربة فى العملة، وهذه الأنشطة فى البلاد النامية تزيد من حدة التضخم، وتؤدي إلى تراكم التخلف، وذلك لأنها تعوق الاستثمار الحقيقي " 0(13)(14/17)
ويقول د . حاتم القرنشاوي بعد ذكره لبعض الصور التى تقرب تنفيذ البنوك الإسلامية من عمل البنوك الربوية :" وقد أدى ذلك كله إلى أن يتضاءل نشاط البنوك الإسلامية أو ينعدم فى مجال تمويل المضاربات إضافة إلى تمويل المشاركات الدائمة أو المتناقصة، فتحول هيكل الموارد تدريجيا إلى موارد قصيرة الأجل فى المقام الأول، وتعرضت مجموعة من البنوك الإسلامية فى البلاد التى تعاني مشاكل فى موازينها التجارية إلى عدد من المخاطر غير المحسوبة، نشأت نتيجة وضع قيود على عمليات الاستيراد أو بسبب تقلبات الأسعار مما أدى إلى عجز المدينين عن السداد، أو نتيجة تزايد الديون المعدومة التى ترتبت على اندفاع عدد من البنوك الإسلامية إلى القيام بعمليات المرابحة من دون دراسة دقيقة مسبقة .......والأهم من ذلك كله : هو تدني الأثر الكلي لنشاط البنوك الإٍسلامية فى الاقتصاد القومي حيث انصرف ذلك النشاط إلى تمويل التجارة - وهو نشاط مشروع مطلوب - ولكن على حساب الأنشطة الأخرى، ولما لم يكن ذلك مطلوبا فى المجتمعات التى تعاني فى المقام الأول من قصور فى هياكلها الإنتاجية ومن حاجتها إلى إيجاد فرص عمل منتجة لمواطنيها، ولا شك في أن مثل ذلك الأثر السلبي لسيطرة توظيفات المرابحة سيتفاوت حسب طبيعة المجتمع وتكوينه، والأهمية النسبية لقطاعاته الاقتصادية ومدى التوازن بينها وفرص الاستثمار المتاحة فيه"(14) ويقول النجار :" إن المرابحة أكبر حل إجرامي فى التاريخ الإسلامي فهو سعر فائدة ولكنه مضمون 100% " (15) وقريب منه أو أشد ما قاله الشطي فى وصفه للمصارف الإسلامية بأنها مؤسسات لا ربوية وليست إسلامية .(16)(14/18)
وفي محاضرة للشيخ صالح كامل في بنك التنمية الإسلامي يقول :" ....إننا لم نكتف باختيار اسم البنك فقط ولكن أخذنا مفهومه الأساسي ..وبالتالي لم نستطع أن نوجد لمؤسساتنا المالية مفهوما ونمطا يتجاوز مسألة الوساطة المالية والذي حصل أن الصيغ الاستثمارية المفضلة لدى البنوك الإسلامية أصبحت هجينا بين القرض والاستثمار وهو هجين يحمل معظم سمات القرض الربوي وعيوب النظام الرأسمالي الغربي ويعجز عن إبراز معالم الاستثمار الإسلامي المبني على المخاطرة وعلى الاستثمار الحقيقي ولا يعترف بضمان رأس المال أو عائده، ومما يدل على عمق المسألة واستمراريتها أن الهياكل التنظيمية لبنوكنا والتى استقيناها من البنوك التقليدية لا تعير اهتماما الاستثمار لا في حجمها ولا في تخصصاتها، بحيث تستوعب جميع ضروب النشاط الاقتصادي المنتج ........" (17)(14/19)
وتدافع البنوك الإسلامية عن نفسها بشأن تحولها الكبير هذا إلى وجود مخاطر عالية فى توظيفات المضاربات والمشاركات، ومشاكل فى التطبيق، ففيما يتعلق بالمضاربات لا تتوفر على أغلب المعايير الضرورية في أي مشروع طالب للتمويل، وأهمها : المعرفة الكاملة بالمتعاملين من حيث الملاءة، والوضعية في السوق، وأخلاقيات التعامل المالي، فضلا عن مخاطر التنفيذ والتى قد تصل إلى 100%، أما فى التوظيف بالمشاركة، فهناك صعوبات تواجه الإدارة والمتمثلة فى الإشراف على المشروعات التى تمولها بالمشاركة، ومتابعة تنفيذها مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف إنجاز العمليات محل التمويل، وأخرى تواجه المتعاملين وهي الأكثر خطورة وتتمثل فى عدم توفر أغلب المتعاملين على الكفاءة المهنية المفروضة، وتحايلهم على المصرف من حيث امتناعهم عن الإعلان عن الأوضاع الفعلية للمشروعات، أو الإعلان عنها بشكل غير صحيح، أو التصريح بخسائر وهمية، وذلك بهدف الاحتفاظ بأعلى نسبة ممكنة من الأرباح من جهة وتحميل المصرف الخسارة التى تجبر من نصيبه في رأس المال من جهة أخرى(18)، كما أن كثيرا من المتعاملين لا يرغبون في مشاركة أحد ، وثالثة تواجه المودعين وأصحاب رؤوس الأموال الذين يقدمون أموالهم للمصارف لتمول بها على المدى القصير فعندما ينطبق عليهم نظام المشاركة بشكل قطعي وكامل فإن ذلك يؤدي إلى عدم تطابق الآجال التى اختاروها وآجال تنفيذ المشروعات التى مولتها البنوك بأموالهم مشاركة.
ونحن إن كنا لا نتفق مع كثير من الأوجه التى ذكرها المنتقدون على البنوك ويريدون أن يحملوها مسئولية دولة عن أمة وعن مجتمع، حيث هي في النهاية مجرد شركات تقوم باستثمار أموال الغير في مناخ غير ملائم ووفق أنظمة لا دخل لها فيها .(14/20)
لكني أرى أن كثيرا مما ذكر من مشكلات ومعوقات لتطبيق المضاربات والمشاركات، وكذا التحول عن ضروب النشاط الاقتصادي المنتج، والانتقال بأموال المسلمين لبلدان غير إسلامية لا يعفي البنوك الإسلامية من المسئولية عن التطبيق الصحيح لمبادئ وقواعد الاقتصاد الإسلامي، وخاصة منهجه فى استثمار الأموال، وعليها أن تبتكر أدوات استثمارية حديثة ومتطورة ومتناسبة مع روح العصر ومتوافقة مع الشريعة الإسلامية حقيقة وصورة .
سابعا : المناخ التشريعي والاقتصادي والرقابي غير الملائم .
إن المناخ الذي تعمل فيه البنوك الإسلامية في كثير من البلاد هو مناخ مناسب للمصارف الربوية فالتشريعات المالية والاقتصادية وأجهزة الرقابة الموجودة فيها صنعت خصيصا لتلك البنوك لا للبنوك الإسلامية، ولا توجد في معظم دول العالم الإسلامي تشريعات خاصة بالمصرفية الإسلامية وأجهزة رقابة خاصة بها تتفهم طبيعة البنوك الإسلامية فضلا عن أن كثيرا من دول العالم الإسلامي تحكمه أنظمة وضعية في مجالاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبذلك تفقد البنوك الإسلامية البيئة الملائمة لها .(14/21)
وعلى صعيد التشريعات المتعلقة بالمال والاقتصاد يتوجب على البنوك الإسلامية التكيف مع التشريعات المناسبة للمصارف الربوية في الوقت الذي لا تتعامل هي بالربا، فيجب عليها مثلا إيداع احتياطي نقدي لها بالبنك المركزي يصل إلى حوالي 25% من الودائع ولا تتقاضى عليها فوائد من البنك المركزي لأن نظامها يمنعها من ذلك، كما أنها لا تستفيد من خدمات البنك المركزي الذي يعد المقرض الأخير للبنوك رغم حاجة البنوك الإسلامية الماسة للتمتع بهذه الميزة التى تتوفر لغيرها من البنوك فإنها لا تستطيع شرعا الاستفادة من تسهيلات البنك المركزي لأنها تقدم على أساس ربوي، ولو أضفنا لذلك وجوب احتفاظ البنك بنسبة سيولة تصل أيضا إلى حوالي 25% من الودائع دون عائد لمواجهة الطلب اليومي لأدركنا حجم الأموال المعطلة في البنك الإسلامي .
وهناك مشكلة أخرى متمثلة في طبيعة الودائع التي تستثمرها لصالح المودعين فهي ذات آجال قصيرة في حين أن تمويل المشروعات في حاجة إلى أموال طويلة الأجل مما ينتج عنه صعوبات بالغة للمواءمة بين آجال الالتزامات واحتياجات التمويل .
ومع هذا القصور التشريعي فهناك غياب للإطار المؤسسي والتنظيمي الخاص بتكامل العمل المصرفي الإسلامي سواء من حيث وجود السوق الثانوية للمصارف الإسلامية أو توفير أسواق رأس المال الإسلامي بأدواتها وتنظيماتها المختلفة .
ثامنا : الالتزام بالضوابط الشرعية في مجال الاقتصاد الإسلامي والمعاملات المالية(14/22)
البنوك الإسلامية ليست مجرد مؤسسات تجارية أو استثمارية تستهدف الربح، وإنما هي - فى المقام الأول - مؤسسات صاحبة رسالة، وإن لم يكن العاملون بها متمثلين لهذه الرسالة التى تضطلع بها هذه البنوك لتحقيقها، ومتفاعلين مع أهدافها، وتتوافر فيهم الرغبة فى العمل بالطرق الإسلامية، وثقتهم فى العمل المصرفي الإسلامي فضلا عن كفاءتهم العلمية والعملية،ويحسن انتقاؤهم لهذا العمل فلن تستطيع تلك البنوك الوصول إلى أغراضها أو تحقيق غاياتها .
وقد لوحظ خلل في شأن الالتزام بالضوابط الشرعية من بعض العاملين في البنوك الإسلامية يشوهون صورتها ويروجون حولها الشائعات فضلا عن قيامهم بكثير من التجاوزات الشرعية في إبرامهم للمعاملات مع العملاء، وكثير من هؤلاء من أصحاب التكوين الاقتصادي والقانوني الحديث، ولا علم لهم بقواعد الاقتصاد الإسلامي التى تعمل بها البنوك الإسلامية، ولا فقه المعاملات المالية فى الإسلام، فربما نظروا فى كثير من معاملات البنوك الإسلامية فلم يظهر لهم فرق بينها وبين المعاملات التى تقوم بها البنوك الربوية، وكثير منهم يذكر لعموم المتعاملين معه أن الكل سواء.(19)
وقد أدى ما سبق إلى آثار سلبية تعوق عمل ونهضة البنوك الإسلامية لا سيما فى مجال تقدير جدوى المشروعات، فقد نجحت البنوك الإسلامية فى اجتذاب المدخرات لكنها لم تنجح فى توظيفها مما قلص من حجم عطائها، فتكوين العامل لا يسمح له بتفهم ولا استيعاب المعاملات المشروعة فى الإسلام، فضلا عن أن يطور ويبتكر فى مجال عمله، وقد أدى هذا - أيضا - إلى سلبية أخرى وهي كثرة الأخطاء الشرعية التى يقع فيها العاملون مما شوه صورة البنوك الإسلامية أمام الرأي العام وتصويرها بأنها تتاجر بالإسلام، وتخدع بالإعلان .(20)(14/23)
وهناك من يعذر البنوك الإسلامية فى هذه المسألة لعدم توافر المؤهلين علميا ومهنيا الذين يجمعون بين الفقه الشرعي والفقه المصرفي والاقتصادي، فالواقع أن أصحاب التكوين الاقتصادي والمصرفي الحديث لا علم لهم بالفقه الإسلامي ولا بقواعد الاقتصاد الإسلامي، وأصحاب التكوين الفقهي الإسلامي لا علاقة لهم بالجانب الاقتصادي والقانوني والفني والتقني الضروري لسير عمليات المصرف، فى الوقت الذي لا توجد فيه معاهد علمية خاصة بالاقتصاد الإسلامي، والصيرفة الإسلامية ضمن الهياكل الجامعية وحتى إن وجدت فحجمها ضئيل إذا قورن بحجم الكليات والمعاهد الأخرى، كما أن وجود كثير من المؤسسات المالية الإسلامية فى بلاد غير المسلمين تضطرهم إلى توظيف غير المسلمين أحيانا التزاما برخصة العمل،أو الحاجة إلى تخصصات فى المجال المصرفي والاستثماري .(21)
وإضافة إلى الآثار الاقتصادية المذكورة فهناك آثار أخرى متمثلة في الدعاية المضادة عن البنوك الإسلامية حيث ترمى بالمتاجرة بالشعار كما قال البعض في مقال له بعنوان " بنوك إسلامية كأن الأخرى كافرة : الخداع بالإعلان " وآخر يقول " طلاء إسلامي لواقع غير إسلامي " وأدى ببعض رجال الأعمال إلى عدم إطلاق أسماء إسلامية على مؤسساته .(22)
وهذه الدعاية المضادة تفقد البنوك الإسلامية كثيرا من الموارد والأنصار والعملاء وتعطي الذريعة للمؤسسات الربوية في إثبات تفوقها على البنوك الإسلامية.
وما تقدم ذكره من تحديات يحتم على البنوك الإسلامية بأجهزتها المختلفة وإداراتها المتنوعة أن تتصدى لها وتعمل التقليل من آثارها .
وفي المبحث التالي نورد دور هيئات الرقابة الشرعية في مواجهة تلك التحديات .
المبحث الثاني
دور هيئات الرقابة الشرعية في مواجهة تحديات العمل المصرفي
تمهيد(14/24)
تعتبر الرقابة الشرعية من الهيئات الجديدة التى أحدثتها المصارف الإسلامية لتصبح جزءا من هياكل المصارف الإسلامية، وتستمد وجودها من الأنظمة الأساسية لهذه المصارف لتمارس عليها سلطة الرقابة والتوجيه والإشراف فيما يختص بمشروعية ما يقدم عليه المصرف من أعمال، فتنظر فيما يعرض على المصرف من عقود وأعمال للتأكد من موافقتها مع الشريعة الإسلامية، أو وضع عقود أخرى، أو إعادة صياغتها كما تتابع حسن تنفيذ القرارات التى تتخذها، وتقوم بدور استشاري قبل ممارسة المصرف لأي عمل، وبالجملة هي مكلفة بتوجيه وتصحيح مسار المصرف من الناحية الشرعية .
وقد جاء في منشور بنك السودان تعريفا لهيئة الرقابة الشرعية واختصاصاتها :" هيئة الرقابة الشرعية هي جهاز مستقل من الفقهاء المتخصصين في فقه المعاملات، ويجوز أن يكون أحد الأعضاء من غير الفقهاء على أن يكون من المتخصصين في مجال المؤسسات المالية الإسلامية وله إلمام بفقه المعاملات، ويعهد لهيئة الرقابة الشرعية توجيه نشاطات البنك ومراقبتها والإشراف عليها للتأكد من التزامها بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وتكون فتواها وقراراتها ملزمة للبنك "
ويكاد ما جاء في منشور بنك السودان هو نفسه الموجود في هيئات الرقابة لدى البنوك الإسلامية الأخرى وإن اختلفت التشكيل من حيث العدد والتخصص والعلاقة مع الإدارة والمودعين .
وتختلف المصارف الإسلامية فيما بينها فى تكوين هيئة الرقابة الشرعية لديها،فيلاحظ أن بعض أنظمة المصارف تشترط أن يكون عددهم خمسة على الأكثر، وأن يكونوا من علماء الشرع وفقهاء القانون المقارن المؤمنين بفكرة المصرف الإسلامي وحددت أخرى حدا أدنى هو ثلاثة أعضاء وحدا أقصى سبعة، وفى بعض المصارف اقتصر قانونها على مستشار شرعي واحد .(23)(14/25)
وإذا كانت كل هيئة تملك سلطة الحكم على أي تصرف للمصرف الذي تنتمي إليه من حيث تناسبه مع الشريعة الإسلامية أو عدم تناسبه معها دون أن يراقبها أحد داخل المصرف فإنها مع ذلك تخضع مبدئيا لنوع من الرقابة تمارسه عليها الهيئة العليا للرقابة الشرعية التى نصت على إنشائها المادة 16 من اتفاقية إنشاء الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية المبرمة سنة 1977، وقد أدخلت تعديلات على هذه المادة، ففى البداية نصت على أن تشكل الهيئة من رؤساء الهيئة الشرعية لكل بنك مع حق مجلس إدارة الاتحاد إضافة أي شخص يراه ملائما للعمل بها، ثم عدلت المادة المذكورة لينص التعديل على أن يعطى لمجلس إدارة الاتحاد حق اختيار أعضاء هذه الهيئة على أن يكون عددهم سبعة مضافا إليهم ممثلون للهيئات التابعة لكل بنك عضو فى الاتحاد، وفي عام 1982 أعيدت هيكلة الهيئة وأصبحت تابعة لأمانة الاتحاد ومكونة من خمسة عشر عضوا منهم عشرة من رؤساء الهيئات التابعة للمصارف الإسلامية، وخمسة معينين من مجلس إدارة الاتحاد .
وتتحدد اختصاصات الهيئة العليا فى النظر فى الفتاوى والآراء الصادرة عن مختلف هيئات الرقابة الشرعية التابعة لكل مصرف إسلامي عضو فى الاتحاد، وذلك للتأكد من موافقتها للأحكام الشرعية، كما لها الحق فى مراقبة مختلف عمليات هذه المصارف ولفت نظر من حاد منها عن الأسس الشرعية، ولها من أجل ذلك حق الاطلاع على قوانين ولوائح البنوك والمؤسسات المالية الأعضاء وعلى نماذج العقود، كما لها أيضا إصدار الفتاوى فى القضايا التى ترفع إليها والبت فى المشاكل البنكية والمالية التى تطرح عليها وإبداء الرأي فى مستجدات الحياة الاقتصادية التى ترتبط بها مصالح المجتمع الإسلامي .(24)
مهام هيئة الرقابة الشرعية في الأنظمة الأساسية للبنوك الإسلامية .
تتحدد مهام هيئة الرقابة الشرعية في نوعين من المهام :(14/26)
الأولى : مهام معنوية تتمثل في اطمئنان العملاء مع البنوك الإسلامية إلى مشروعية كافة الأعمال التى تقدمها البنوك الإسلامية، وتحرص البنوك على تعيين المشتهرين من أهل العلم والحائزين على الثقة لدى جمهور الناس لزيادة الاطمئنان لديهم.
الثانية : مهام عملية متمثلة في أمور ثلاثة :
الأول : مهمة الإفتاء الشرعي فيما يعرضه عليها البنك من عقود وأعمال أو وضع عقود أخرى أو إعادة صياغتها، وتعتبر هذه المهمة هي جوهر عمل الهيئة وأصل وجودها، وتقوم الهيئة بنشر فتاويها تلك للجمهور .
الثاني : مهمة استشارية إذ تقوم بدور المستشار الشرعي للبنك قبل ممارسته لأي عمل .
الثالث : مهمة إدارية إذ يجوز لها أن تطالب بعقد مجلس إدارة البنك إذا ارتأت ذلك ضروريا، وغالبا ما يكون الغرض بحث مسائل شرعية مع مجلس الإدارة، كما تطالب بتقديم تقارير دورية لكل من مجلس الإدارة وللجمعية العمومية لتأكيد مطابقة أعمال البنك للشريعة الإسلامية لكل من الجهتين .
الرابع : مهمة رقابية فعليها التدقيق في كل أعمال البنك، وإعطاء التعليمات التصحيحية بالنسبة لما لا يتطابق معها .(14/27)
وتتفاوت هذه المهمة من بنك لآخر، وتختلف صلاحيات وسلطات الهيئة في هذا المجال، بل هناك من ينكر على الهيئة قيامها بهذا الدور ويرى قصر وظيفتها على مهمة الإفتاء الشرعي فيما يعرض عليها من مسائل دون الفصل فيما لم يعرض عليها، ويدعم هذا الفريق وجهة نظره تلك بما قامت به السلطات البريطانية حيث أغلقت الباب أمام العمل المصرفي الإسلامي وكان من أهم مسوغات رفضها الاعتراض على السلطات الواسعة الممنوحة لهيئة الرقابة الشرعية والتى تمنحه حق التدخل في الجوانب الفنية وتؤثر على القرارات المتخذة في مجال التوظيف والاستثمار، ويرى أنصار هذا الرأي أن ذلك يخلق تداخلا في الاختصاصات والمهام، وقد صرح محافظ البنك المركزي البريطاني قائلا :...فنحن نجد في البنك أشخاصا لا علاقة هم بمهمة المصارف يتدخلون في اتخاذ قرارات ذات طابع مصرفي .." (25)
تقدير عمل هيئات الرقابة الشرعية :
لوحظ على عمل بعض هيئات الرقابة الشرعية عدة ملاحظات يرجع بعضها إلى الهيئة نفسها ويرجع الآخر منها إلى إدارة البنك، وكان لهذه الملاحظات أثر سلبي على مسيرة البنوك الإسلامية، فضلا عن قدرة البنوك الإسلامية على مواجهة التحديات المعاصرة للعمل المصرفي الإسلامي، كما أن لها آثارها على هيئات الرقابة الشرعية نفسها، ومن ذلك :
1- تتبع رخص المذاهب، وزلات العلماء، والأقوال المرجوحة، والحيل الفقهية، وتقليد من لا يجوز تقليده لمخالفته النص أو الإجماع أو القياس الجلي .
والمراد برخص المذاهب هنا : الأخذ من كل مذهب ما هو الأهون والأيسر فيما يقع من المسائل بلا دليل ولكن باتباع الهوى .(14/28)
وقد ذكر الشاطبي جملة من المفاسد مترتبة على تتبع رخص المذاهب فقال :" وأذكر جملة مما في اتباع رخص المذاهب سوى ما تقدم ذكره في تضاعيف المسألة :كالانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف، وكالاستهانة بالدين إذ يصير بهذا الاتباع سيلا لا ينضبط، وكترك ما هو معلوم إلى ما ليس بمعلوم .....وكانخرام قانون السياسة الشرعية بترك الانضباط إلى أمر معروف، وكإفضائه إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم وغير ذلك من المفاسد التى يكثر تعدادها "
والواقع أن بعض الهيئات تكتفي بمجرد وجود سند لقوله في كتاب فقهي بغض النظر عما إذا كان هذا القول مهدرا أم معتبرا رجع عنه صاحبه أم لم يرجع مخالفا لما اتفقت عليه الأمة وتلقته بالقبول أم لا .
وهذا الصنيع إضافة لما سبق نقله عن الشاطبي في مفاسد تتبع الرخص يفقد الثقة بمشروعية المصارف الإسلامية إذ يؤدي مثل هذا إلى اضطراب الأحكام الشرعية، فنفس الهيئة قد تعرض عليها المسألة فتخرجها على قول إذا كان هذا القول في مصلحة البنك، وقد تخرجها على قول آخر مضاد للأول إذا كان المصلحة فيه للبنك أيضا، في الوقت الذي لا يلتفت فيه لأصحاب المصالح الأخرى .
ولذا استنكره بعض المصرفيين إذ قال " إننا عندما نرفع شعار تطبيق الإسلام في المعاملات المصرفية نكون قد ألقينا على عاتقنا التزاما بأن ننهض بمقتضيات ذلك الشعار وأن لا نهن ولا نضعف، وأن لا نركن للتبريرات والحيل والرخص ...."(26)
ونشير هنا - كما سنبينه فيما بعد - أنه ليس معنى إنكار تتبع رخص العلماء القول بإلزام الهيئات مذهبا بعينه وألا تنتقل منه لغيره، أو إنكار تغير الفتوى بتغير الأحوال، لكن المنكر هنا اتباع الهوى وعدم وجود قواعد ضابطة وأصول للفتوى وعدم مراعاة كافة المصالح سواء أكانت مصلحة البنك أم مصلحة العميل أم مصلحة المجتمع .
2 -النظر في بيان الحكم الشرعي إلى الجزئيات دون الكليات وإلى الفروع دون المقاصد.(14/29)
من المهم - كما قال بعض المصرفيين - " أن تبدو الفوارق واضحة ملموسة بين ثمرة تطبيق النظام المصرفي الإسلامي وبين نتائج العمل المصرفي الربوي " ويظهر ذلك في التطبيق الصحيح للاقتصاد الإسلامي واستلهام أهدافه ومقاصده، ولا تقف البنوك الإسلامية عند الحدود الشكلية للمعاملات الإسلامية .
وكثيرا ما لا تفطن بعض هيئات الرقابة الشرعية للمقاصد والأمور الكلية في الاقتصاد الإسلامي، ويصبح كل ما يقوم به البنك الإسلامي عبارة عن عمليات لا تقدم ولا تؤخر في مسيرة التنمية الاقتصادية للأمة وحل مشكلاتها الاقتصادية والتنموية .
3- اكتفاء بعض المصارف الإسلامية بمراقب شرعي واحد، وأحيانا تنحصر مهمته في إعطاء استشارات شرعية للبنك دون قيامه بشكل فعال في ضبط العمل المصرفي والتأكد من مطابقته للشريعة الإسلامية .
وأحسب أن المراقب الفرد مهما كانت قدراته وعمق تخصصه، فلا أحسب أنه يكفي لضبط العمل المصرفي ومراقبة سير العمليات فى المصرف لتكون مطابقة للشريعة الإسلامية .
فكثير من المسائل المصرفية معقدة ومتشابكة وتحتاج إلى فهم عميق دقيق لمفرداتها حتى يخرج الناظر فيها بالرأي الشرعي الصحيح، ولا شك أن رأي الجماعة أقرب إلى الصواب من رأي الفرد، والشيطان مع الفرد أقرب ومن الجماعة أبعد، وإن كان الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك، لكن الجماعة هنا مطلوبة لالتماس الحق والصواب .(14/30)
4- تبعية هيئات الرقابة الشرعية للمؤسسات التى يعملون بها، فأعضاء الهيئات الشرعية يتقاضون أجورهم من ذات المؤسسة التى يراقبونها، وبعض أعضائها تجاوز وضعيته كمراقب شرعي إلى شريك فى عمليات المصرف، وربما أثر ما تقدم فى عمل الهيئة وصحة الفتاوى الصادرة منها، ومصداقيتها لدى عملاء المصرف، فقد تجهد الهيئة نفسها لإصباغ المشروعية على كل أعمال المصرف مرة بتتبع الرخص، وأخرى بتخريجات خاطئة متكلفة، أو بإقرار حيلة ما، وهكذا، كما أن الأجور التى يتقاضونها تؤدى إلى فتح باب التنافس بين العلماء من أجل تقديم خدماتهم لمن يدفع أكثر.(27)،وقد ترتب على هذا اتهام كثير من العلماء بأنهم علماء بنوك في مقابل علماء سلطة .
وإن كنا لا نطعن في ذمة أحد ولكن يوضع فى الاعتبار أن الجميع بشر يتفاوتون فى درجات الضعف والقوة، ولذا فالواجب يقتضي سد الذريعة والعمل على استقلال الهيئة الشرعية عن أي مؤثرات سواء أكانت مالية أو إدارية، فيجب أن تنفصل عن المصارف بمعنى ألا تكون مصلحة من مصالحها، وذلك أدعى لحيدتها وآمن لأعضائها من القيل والقال، ولمحيط الفقهاء عامة من اللغط الذي يتجدد كل فترة وأخرى ويبالغ فيه أكثر مما ينبغي، وقد اقترح البعض تكوين هيئة للرقابة خاصة ومستقلة كأن تكون هيئة مركزية على غرار البنك المركزي، أو أن تكون تابعة لجهة رسمية أخرى كوزارة الاقتصاد أو المالية أو وزارة العدل أو الأزهر الشريف، أو منظمة شرعية مستقلة يوكل إليها هذه المهمة ....(28)
5- تعدد الهيئات الشرعية وتضاربها في الأقوال والفتاوى في القطر الواحد، فلكل بنك هيئته الشرعية الخاصة به، والمنقطعة العلاقة - في الأغلب - بالهيئات الشرعية للبنوك الأخرى .(14/31)
وكثيرا ما نجد هيئة شرعية لبنك أفتت مثلا بجواز الإلزام بالوعد في المرابحة، وجواز تحصيل غرامة تأخير على المماطل في دفع الأقساط، وجواز التأمين التبادلي بأنواعه وربما وجدنا هيئات أخرى تمنع ذلك أو بعضه، ويؤدي هذا بدوره إلى التشتت والاضطراب خاصة على مستوى العملاء، فإذا ما تم توحيد الهيئات الشرعية أو تكوين هيئة عليا للرقابة الشرعية في كل دولة لكان أجدى وأضمن من حدوث كثير من السلبيات، ومنعا من التأثير المباشر على الهيأة من قبل مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية للمساهمين .
وقد سعت بعض الدول إلى تكوين هيئة عليا للرقابة الشرعية داخلها كالإمارات والسودان إذ تنص المادة (5) من قانون المؤسسات المالية الإسلامية في دولة الإمارات العربية على أن " يصدر مجلس الوزراء قرارا بتكوين هيأة رقابة شرعية عليا تابعة لوزارة الشئون الإسلامية والأوقاف تتألف من أعضاء مختصين في الفقه الإسلامي والقانون والبنوك لتراقب أعمال المؤسسات الإسلامية وتتأكد من مطابقتها لقواعد الشريعة وتقدم الاستشارات فيما تعرضه عليها هذه المؤسسات من مشاكل ويجب على هذه الأخيرة أن تلتزم بالقرارات التى تصدرها الهيأة "وفي السودان تأسست الهيئة العليا عام 1992م بقرار إداري من وزير المالية وهي هيئة مستقلة وحاكمة على جميع البنوك في السودان .
ولو تم تفعيل الهيئة العليا التابعة لاتحاد البنوك الإسلامية لكان أولى وأثمر .
6- ضعف التقارير الرقابية المقدمة من هيئات الرقابة الشرعية .
تقدم هيئات الرقابة الشرعية تقارير دورية لكل من مجلس الإدارة وللجمعية العمومية، وقد لوحظ على كثير من التقارير أنها مجملة ومتشابهة على مدار السنين وفحواها أن جميع أعمال البنك مطابقة للشريعة الإسلامية، في الوقت الذي يسجل المراقبون للأعمال المصرفية الإسلامية كثيرا من التجاوزات الشرعية في كثير من البنوك الإسلامية في المرابحات وفي التورق والمضاربات وغير ذلك .(14/32)
فكثيرا ما نجد في التقارير المقدمة إلى الجمعية العمومية أو مجلس الإدارة أن جميع أعمال البنك مطابقة للشريعة الإسلامية بصورة إجمالية دون تفصيل وتدقيق .
وربما يرجع مثل هذا الضعف المرصود إلى عدم تفرغ كثير من أعضاء هيئات الرقابة الشرعية للمراقبة والتدقيق في أعمال البنك، أو لعدم تمكين البنك إياهم من ممارسة أعمالهم على الوجه المطلوب وربما غير ذلك .
لكن يسجل لهيئات الرقابة الشرعية تقديم الأبحاث الفقهية والاقتصادية والمالية، وتدوين ونشر الفتاوى العديدة في المجالات المذكورة، وإن كنا نأمل أن يكون لهذه الهيئات دور في نشر الثقافة الفقهية لعموم المتعاملين مع البنوك الإسلامية، والعمل على تقنين أعمال المصارف الإسلامية كما سنبينه فيما بعد .
تعميق دورهيئات الرقابة الشرعية لمواجهة التحديات المعاصرة .
أمام التحديات المعاصرة للبنوك الإسلامية التي رصدنا بعضها فيما تقدم وتلافيا للملاحظات التى أبداها الكثيرون على طبيعة ودور هيئات الرقابة الشرعية ينبغي تطوير وتعميق وظيفة تلك الهيئات وذلك على النحو التالي :
أولا : الضبط الشرعي الصحيح لمعاملات البنوك الإسلامية .
وهذا الواجب وتلك الوظيفة هي أهم ما يجب أن تقوم به هيئات الرقابة الشرعية، وما وجدت إلا للقيام بذلك، وهذا ما نصت عليه لوائح تعيينها، والكثير منها يقوم بهذه المهمة خير قيام، ولكننا ننبه على - كما سبق على تلافي سلبيات القيام بهذه المهمة والتى رصدها كثير من الشرعيين والمصرفيين على السواء، ومنها : تتبع رخص المذاهب، والتحايل لإضفاء المشروعية على جميع أعمال البنك مما أدى إلى شن البعض هجوما عنيفا على البنوك الإسلامية وهيئات رقابتها .(14/33)
يقول د . رفيق المصري :" ... ومن المؤسف أن بعض الفقهاء على استعداد إباحة الفائدة المصرفية، وعلى استعداد لمسايرة المصارف الإسلامية في الاتجاهات التحايلية، وكأن مجتمعنا الإسلامي يفضل الربا التحايلي على الربا الصريح، ويخشون من التصريح له بحقيقة مواقفهم ......ويقول أيضا : "نشأت عندنا طبقة من العلماء أو الفقهاء تفلسف ثراء الأثرياء وفقر الفقراء وتيسر على الأقوياء وتشدد على الضعفاء، وكأن الأثرياء والأقوياء أحوج إلى أن يدافع عنهم من الفقراء والضعفاء، وإذا رأوا نصا يوافقهم سارعوا إليه وإذا رأوا أو أسمعوا نصوصا لا تعجبهم أعرضوا عنها ولم يفهموها ( ادعوا أنها غير مفهومة ولا يعول عليها ) وتشددوا في قبولها، وإذا أخذوا بها أولوها على مذهبهم ومرادهم ..."(29) ويقول الشيخ صالح كامل " من الأمور الشديدة الأهمية أن تسعى البنوك الإسلامية لاستكمال إطارها الشرعي وصيانته ... وأن لا تفرط في حرمته ... وأن تستند الفتاوى إلى الأصل وليس الاستثناء وإلى العزائم وليس الرخص"(30)
وإن كنا لا نتفق مع مثل هذه الحدة في النصيحة والنقد حيث تزخر هيئات الرقابة الشرعية بمن لهم دور محمود في ضبط وتأصيل العمل المصرفي الإسلامي والنأي به عن الوقوع في براثن الحيل وزلات العملاء، لكن هذا لا يمنع من بذل النصح اللازم في هذه المسألة ليتبوأ العمل المصرفي الإسلامي مكانته اللائقة به وعلى هيئات الرقابة الشرعية مراعاة ما يلي :
1- لا يجوز تقليد الأقوال الشاذة والمرجوحة والمرجوع عنها في أي مذهب، وإن كان ثمت اجتهاد جديد في المسألة بضوابطه الشرعية فلا بأس به .
قال ابن عابدين في حاشيته :" الحكم والفتيا بالقول المرجوح جهل وخرق للإجماع، وأن الحكم الملفق باطل بالإجماع "ويقول:"ومذهب الحنفية المنع عن المرجوح حتى لنفسه لكون المرجوح صار منسوخا"(31)(14/34)
ويقول الدسوقي :" والفتوى إنام تكون بالقول المشهور أو الراجح من المذهب، وأما القول الشاذ والمرجوح أي الضعيف فلا يفتى بهما، وهو كذلك فلا يجوز الإفتاء بواحد منهما ولا الحكم به ولا يجوز العمل به في خاصة النفس .." (32)
ويقول المحلي :" وحيث أقول النص فهو نص الشافعي - رحمه الله - ويكون هناك أي مقابله وجه ضعيف أو قول مخرج من نص له في نظير المسألة لا يعمل به " ويقول القليوبي " ولا يجوز نسبته للإمام الشافعي إلا مقيدا " (33) ويقول ابن القيم :" ليحذر المفتي الذي يخاف مقامه بين يدي الله - سبحانه - أن يفتي السائل بمذهبه الذي يقلده وهو يعلم أن مذهب غيره في تلك المسألة أرجح من مذهبه وأصح دليلا " (34)
2- لا يجوز الانتقال من مذهب إلى مذهب إلا بمراعاة الضوابط الشرعية التى تعصم من مجافاة روح الشريعة ومخالفة المقاصد والقواعد الشرعية وهي كما يلي :
الأول : أن لا يجتمع من ذلك حقيقة مركبة ممتنعة بالإجماع، وذلك كمن تزوج بلا ولي، ولا شهود لا عند العقد ولا عند الدخول، فهذه الصورة تخالف إجماع المسلمين، فإذا ترتب على تتبع الرخص مثل تلك الصور الملفقة فهي باطلة إجماعا.
الثاني : أن لا يعتقد حكم الشيء حلالا أو حراما حسب مصلحته ، أو اتباعا لهواه، أو تلاعبا بأحكام الدين .
كالحنفي -مثلا - يدعي بشفعة الجوار فيأخذها بمذهب أبي حنيفة ثم تستحق عليه فيريد أن يقلد الشافعي، أو كالمفتي يفتى الغير بقول، ويفتى أقاربه وأصدقاءه أو نفسه بقول آخر، فهذا ممتنع .
قال الشاطبي :" وقد أدى إغفال هذا الأصل _ منع تتبع الرخص - إلى أن صار كثير من مقلدة الفقهاء يفتي قريبه أو صديقه بما لايفتي به غيره من الأقوال اتباعا لغرضه وشهوته أو لغرض ذلك القريب وذلك الصديق، ولقد وجد هذا فى الأزمنة السالفة فضلا عن زماننا كما وجد فيه تتبع الرخص اتباعا للغرض والشهوة "(14/35)
ونقل الشاطبي عن ابن المواز :" لا ينبغي للقاضي أن يجتهد فى اختلاف الأقاويل . وقد كره مالك ذلك ولم يجوزه لأحد، وذلك عندي : أن يقضي بقضاء بعض من مضى ثم يقضي فى ذلك الوجه بعينه على آخر بخلافه، وهو أيضا من قول من مضى وهو فى أمر واحد، ولو جاز ذلك لأحد لم يشأ أن يقضي على هذا بفتيا قوم ويقضى فى مثله بعينه على قوم بخلافه بفتيا قوم آخرين إلا فعل، فهذا قد عابه من مضى وكرهه مالك ولم يره صوابا ."
وعلق الشاطبي على قول ابن المواز بقوله :"وما قاله صواب فإن القصد من نصب الحكام رفع التشاجر والخصام على وجه لا يلحق فيه أحد الخصمين ضرر مع عدم تطرق التهم للحاكم، وهذا النوع من التخيير فى الأقوال مضاد لهذا كله " (35)
وقال ابن تيمية :" وقد نص الإمام أحمد وغيره على أنه ليس لأحد أن يعتقد الشيء واجبا أو حراما ثم يعتقده غير واجب أو محرم بمجرد هواه " (36)
وقال القرافي :" لا ينبغي إذا كان في المسألة قولان أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تخفيف أن يفتي العامة بالتشديد والخواص من ولاة الأمور بالتخفيف، وذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين والتلاعب بالمسلمين، وذلك دليل على فراغ القلب من تعظيم الله تعالى وإجلاله وتقواه وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقرب للخلق دون الخالق فنعوذ بالله من صفات الغافلين :" (37)
الثالث : أن لا يجعل اتباع الرخص ديدنا، وإنما يكتفى بموضع الحاجة فقط.(14/36)
وينقل عن الإمام أحمد قوله : "لو أن رجلا عمل بكل رخصة بقول أهل الكوفة في النبيذ , وأهل المدينة في السماع , وأهل مكة في المتعة كان فاسقا."(38) وفي سنن البيهقي قال : وأخبرنا الحاكم قال أخبرنا أبو الوليد يقول : سمعت ابن سريج يقول : سمعت إسماعيل القاضي قال : دخلت على المعتضد فدفع إلي كتابا نظرت فيه وقد جمع فيه الرخص من زلل العلماء وما احتج به كل منهم , فقلت : مصنف هذا زنديق , فقال : لم تصح هذه الأحاديث ؟ قلت : الأحاديث على ما رويت ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة , ومن أباح المتعة لم يبح المسكر , وما من عالم إلا وله زلة , ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه , فأمر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب ."(39)
وقال أبو إسحاق الشاطبي :"متى خيرنا المقلدين فى مذاهب الأئمة لينتقوا منها أطيبها عندهم لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات فى الاختيار وهذا مناقض لمقصد وضع الشريعة فلا يصح القول بالتخيير على حال "(40)
وقال عليش : أما التقليد في الرخصة من غير تتبع بل عند الحاجة إليها في بعض الأحوال خوف فتنة ونحوها فله ذلك." (41)
الرابع : ألا يكون ما قلد فيه الغير مما ينقض فيه الحكم لو وقع به .وذلك فى حالة ما إذا كان التقليد لقول يخالف قطعيا كنص كتاب أو سنة متواترة أو إجماع، أو ظنيا واضح الدلالة كخبر الواحد والقياس الجلي .
وحصرها المالكية فى أربعة :" ما خالف الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس الجلي " وهو معنى قول القرافي " ولا نريد بالرخص ما فيه سهولة على المكلف, بل ما ضعف مدركه بحيث ينقض فيه الحكم , وهو ما خالف الإجماع أو النص أو القياس الجلي , أو خالف القواعد " (42)(14/37)
الخامس : انشراح الصدر للتقليد المذكور، ودليل اعتبار هذا الشرط ما رواه مسلم عن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال:{البر حسن الخلق، والإثم ماحاك فى نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس } (43) وعند أحمد والدارمي بإسناد حسن عن وابصة بن معبد قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال :" جئت تسأل عن البر والإثم ؟ قلت : نعم . قال : " استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك فى النفس، وتردد فى الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك " (44) فهذا تصريح بأن ما حاك في نفسك ففعله إثم.
وقيد ابن أمير الحاج هذا القيد بقوله :" وأما انشراح صدره للتقليد فليس على إطلاقه .. ..لأن هذا إنما يكون إذا كان صاحبه ممن شرح صدره بالإيمان وكان المفتي له يفتي بمجرد ظن أو ميل إلى هوى من غير دليل شرعي . فأما ما كان مع المفتى به دليل شرعي فالواجب على المستفتي الرجوع إليه , وإن لم ينشرح له صدره وهذا كالرخص الشرعية مثل الفطر في السفر والمرض وقصر الصلاة ونحو ذلك مما لا ينشرح به صدر كثير من الجهال فهذا لا عبرة به , وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم -أحيانا يأمر أصحابه بما لا ينشرح به صدر بعضهم فيمتنعون من فعله فيغضب من ذلك كما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة فكرهه من كرهه منهم، وكما أمرهم بنحر هديهم، والتحلل من عمرة الحديبية فكرهوه، وكرهوا مقاضاته لقريش على أن يرجع من عامه وعلى أن من أتاه منهم يرده إليهم .(14/38)
وفي الجملة فما ورد النص به فليس للمؤمن إلا طاعة الله ورسوله كما قال تعالى ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ( الأحزاب (36) وينبغي أن يتلقى ذلك بانشراح الصدر والرضا فإن ما شرعه الله ورسوله يجب الرضا والإيمان به والتسليم له كما قال - تعالى - : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (النساء (65) وأما ما ليس فيه نص عن الله ورسوله ولا عمن يقتدى بقوله من الصحابة وسلف الأمة فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين منه شيء , وحاك في صدره لشبهة موجودة ولم يجد من يفتي فيه بالرخصة إلا من يخبر عن رأيه وهو ممن لا يوثق بعلمه وبدينه بل هو معروف باتباع الهوى فهنا يرجع المؤمن إلى ما حاك في صدره , وإن أفتاه هؤلاء المفتون وقد نص الإمام أحمد على مثل هذا "(45)
السادس : أن يعتقد فيمن يقلده الفضل من حيث علمه وعمله، ويتجنب الأميين، ومدعي العلم،والرؤوس الجهال التى تفتي بغير علم فتضِل وتُضِل، والأصل أن المسلم يجل كافة العلماء ويوقرهم.
فإذا توافرت القيود المذكورة جاز الانتقال من قول إلى قول، وعليه يحمل قول من قال بإباحة تتبع الرخص استدلالا بعموم النصوص الداعية إلى التيسير والترفق .
3- البعد عن التحايل والعقود الصورية المستهدف منها الوصول إلى التمويل الربوي بغير وسيلة ربوية .
إن الشريعة الإسلامية حرمت الربا بكافة صوره وأشكاله وألوانه، وحرمت كل ذريعة ووسيلة وطريق يؤدي إلى الربا، ومما استقر عند أهل الفقه من قواعد أن ما يوصل إلى الحرام فهو حرام .
وقد شاع وانتشر عن كثير من البنوك الإسلامية أنها تحايلت على الربا ووصلت إليه، وكان المتهم الرئيس في ذلك هم هيئات الرقابة الشرعية .(14/39)
وقد لعن الله أقواما تحايلوا على الحرام بصور شتى، وأشكال مختلفة، فاستحلوا الربا باسم البيع، والزنا باسم النكاح، والخمر بتسميتها بغير اسمها، والقتل بالسياسة، ولأهل العلم كلام نفيس في ذم الحيل والمحتالين .
وقد أغنتنا الشريعة الإسلامية بأصولها وقواعدها وفروعها، وفيها من السعة والمرونة ما تستوعب معه حاجات العصور المختلفة، فلا حاجة للتحيل على الحرام، أو اتباع الآراء الشاذة أو الضعيفة .
ثانيا : العمل على تطوير العمل المصرفي الإسلامي وتقديم الابتكارات في مجال الأدوات المالية التى تستوعب رؤوس الأموال الإسلامية .
إن الحاجة إلى تجديد وتطوير العمل المصرفي الإسلامي وتقديم المزيد من الابتكارات في هذا المجال هو فرض الوقت بالنسبة لهيئات الرقابة الشرعية والجهات المعنية بهذا الأمر، فالوقوف بقوة في مواحهة تحديات العولمة والمنافسة الشرسة التى تشهدها الساحة الاقتصادية محليا وعالميا، والاستفادة من رؤوس الأموال العائدة من الغرب بسبب الخوف من مخاطر التجميد والمصادرة تحتاج إلى ثورة فقهية اجتهادية في مجال استنباط وابتكار أدوات مالية مناسبة، وهيئات الرقابة الشرعية هم أول المعنيين بهذا الأمر .
لقد رصد كثير من المراقبين للمصرفية الإسلامية ضعف الابتكار والتجديد، وأن البنوك الإسلامية تفوقت في جذب المدخرات لكنها لم تتفوق في مجال استثمار تلك الأموال، وضعف دورها في تمويل المشروعات التنموية .
وينتقد بعض الباحثين الدراسات الشرعية المعنية بالصيرفة الإسلامية المنشورة من أنها :
- تشكل دراسات تعليمية أكثر منها بحثية .
- لا تعتني بتطوير الصيغ الفقهية للمعاملات المالية التى تطبقها المصارف الإسلامية أو استحداث صيغ جديدة.
- لا يوجد اهتمام بالدراسات التى تبحث النواحي الفقهية مقرونة بتطور نظام الصيرفة العالمية .(14/40)
- عدم الاهتمام بالدراسات التى توضح كيفية استغلال التمويل المصرفي الإسلامي في معالجة المشكلات الاقتصادية للأمة كالبطالة والفقر ....
وتنتهي هذه الدراسة إلى نتيجة مفادها :" المصارف الإسلامية مهيأة الآن لتلعب دورا كبيرا وأساسيا في التطور الاقتصادي واجتذاب فرص الاستثمار ولكن هذا لا يتم إلا باستحداث خدمات جديدة وتطوير استراتيجي لهذه المصارف ..."(46)
والكلام عن التطوير والتجديد في مجال الصيرفة الإسلامية تسنده ثروة فقهية هائلة، وخصائص للمعاملات المالية تجعل التجديد والابتكار في هذا المجال ميسورا .
إن ما يتسم به فقه المعاملات المالية جمعه بين خاصيتي الثبات والمرونة، وهي خاصية تتيح للمصارف الإسلامية العمل بحرية، ومواكبة المتغيرات الجديدة، والمنافسة بقوة في السوق المصرفية، وتقديم أعراف مصرفية جديدة تقوم على الأصالة الشرعية والمعاصرة دون خروج على الثوابت الشرعية والمتمثلة في تحريم الربا والغرر والغش وغيره مما نص على تحريمه .
وقد استنبط الفقهاء من خلال النصوص الشرعية الحاكمة للمعاملات المالية قاعدة " الأصل في المعاملات الإباحة " وهي قاعدة تمد العمل المصرفي بالقوة اللازمة لمواجهة أي تحديات .
ومن هنا يتوجب على هيئات الرقابة الشرعية" أن تطور نفسها لتصبح أجهزة فنية للدراسات الاقتصادية والشرعية المعززة بالأدلة والبراهين ولا تكتفي بمجرد الفتوى والقول : هذا حلال وهذا حرام ...."
ولكي نصل بالعمل المصرفي الإسلامي إلى مثل هذه الدرجة ينبغي ما يلي :
1- إعادة النظر في تشكيل هيئة الرقابة الشرعية،وتبعيتها المالية والإدارية، لتشمل مع الشرعيين علماء اقتصاد ومالية وصيرفة وقانون لهم اهتمام بالدراسات الاقتصادية الإسلامية، وأن يكون لها الاستقلال الكامل في إبداء آرائها دون ممارسة ضغط من أي جهة.
2- تفرغ هيئات الرقابة الشرعية لعملها، وليكن ذلك بطريق الإعارة من أعمالهم الأصلية أو الانتداب الكامل وغيره .(14/41)
3- إعادة النظر في اختيار وتعيين أعضاء تلك الهيئات بحيث يختار لها الكفء المؤهل شرعا القادر على القيام بهذه المهمة، وفي الجملة أن يتوافر شروط المفتي أو المجتهد في أقل درجاته وهو الاجتهاد الجزئي .
يقول الإمام أحمد :" لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال : أولها : أن يكون له نية، فإن لم تكن له نية لم يكن عليه نور، ولا على كلامه نور . الثانية : أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة . الثالثة : أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته . الرابعة :الكفاية وإلا مضغه الناس . الخامسة : معرفة الناس ."(47)
ويقول النووي :" شرط المفتي : كونه مكلفا، ثقة، مأمونا، منزها عن أسباب الفسق وخوارم المروءة، عفيف النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح التصرف والاستنباط، متيقظا " (48)
ومن هنا فمن يعين في هيئة الرقابة الشرعية لشهرته الواسعة الإعلامية وحضوره المتميز في وسائل الإعلام، أو لكونه من أهل الحظوة والقرب من الساسة،
أو طالبا لأجر دون أن يكون له رصيد علمي معتبر فلن يصلح للقيام بمثل هذه الوظيفة ويفقد العمل المصرفي الإسلامي تميزه وأصالته وقدرته على البقاء في عالم المنافسة الشرسة .
4- التواصل والتنسيق بين المصارف الإسلامية والمؤسسات الشرعية والاقتصادية والمالية في الجامعات، والمجمعات، والمراكز البحثية، ودور الإفتاء، وبهذا يتسنى للمصارف الإسلامية الاستفادة من الدراسات التى تقوم بها تلك الجهات وفق الآليات المعروفة مثل التى تقوم بها المؤسسات المالية الغربية مع المؤسسات البحثية والأكاديمية .
5- الإكثار من عقد المؤتمرات والندوات العلمية التى تعتني بالتطوير والابتكار والتجديد، وتنفيذ توصياتها وقراراتها.
ثالثا : مراعاة المقاصد العامة للشريعة الإسلامية في مجال الاستثمار والتنمية .(14/42)
كثيرا ما ينحصر دور هيئة الرقابة الشرعية في إضفاء الشرعية على عمليات البنك متلمسين تخريجا معينا لها دون ربط الجزئيات بالكليات، والفروع بالمقاصد، وأدى بهذا بدوره- كما أسلفنا - إلى خلل عظيم، وعدم مشاركة البنوك الإسلامية في مشاكل الأمة مع أنها تستثمر أموال المسلمين، والأصل أن ينتفع المسلمون بأموالهم .
ويسهل على أي مراقب رصد هذا الخلل من خلال مراجعة إحصاءات أداة المرابحة للآمر بالشراء، والتوسع في عمليات التورق، والكم الهائل من أموال المسلمين المستثمرة في الدول الأجنبية بما يعود بالرفاه على تلك الدول بينما يوجد قطاع عريض من المسلمين في فقر مدقع، وبطالة، وأمية، وغير ذلك من مظاهر التخلف الموجود في الدول الإسلامية .
لا نقول بتحمل البنوك الإسلامية المسئولية الكاملة عن هذا الأمر، حيث لا يوجد مناخ استثماري مناسب يستوعب هذه الأموال، فضلا عن اضطهاد كثير من أصحاب رؤوس الأموال لأسباب سياسية، والضغط عليهم مما أدى إلى هروبهم ، وما يقال عن رأس المال الهارب في جزر الهاواي وبنما وغيرها يقال أيضا عن العقول المسلمة المهاجرة أيضا هنا وهناك التى تركت بلادها وديارها تبتغي أمنا على نفسها وأهلها، كما أنها لا تمتلك إمكانات دولة سياسيا واقتصاديا، فهي تعمل بأموال مساهمين ومودعين يرجون ربحا في آخر العام، ولا بد أن تفي لهم به، كما أنها مراقبة من قبل المؤسسات الرقابية المختلفة في الدولة والتى لا تفرق بينها وبين البنوك الربوية في المساءلة، وتحديد الاحتياطي، ونسب الاستثمار المباشر، وتوزيع نسب التمويل ...
ومع هذا الاعتذار لكن هذا لا يسوغ أن تقف البنوك الإسلامية المسجلة في البلاد الإسلامية مكتوفة الأيدي أمام مشكلات المجتمع المختلفة، ويتعاظم عندها الاستثمار الترفي والكمالي، وتصبح نسخة من العمل المصرفي الربوي مع اختلاف في الشكل واتفاق في الجوهر، وتكثر العقود الصورية.(14/43)
ولذا يتساءل الكثيرون عن موقع تمويل الإسكان المتوسط، ودعم الصناعات الصغيرة، والحرفيين، والمدارس، والمستشفيات، والمواصلات، وتيسير الزواج، واستصلاح الأراضي، والإعلام الهادف المتميز في خريطة البنوك الإسلامية التمويلية والاستثمارية...
ويطرح هذا الموضوع قضية تحتاج إلى مناقشة مستفيضة من المجامع الفقهية وهي هل يحكم بحرمة الشيء أو بطلانه إذا استوفى المتطلبات الفقهية لإباحته ولكنه خالف مقصدا من مقاصد الشريعة الإسلامية، أو أن نعتبر موافقة الفعل للمقاصد الشرعية شرطا لصحته، بعد تحرير المراد بالمقاصد، وما يعد مقصدا وما لايعد ؟
فمثلا : لو تقدم المصرف لهيئة رقابته الشرعية باستثمار جزء من أمواله في أسهم شركات غير إسلامية، وهذه الشركات تعمل في النشاط المباح شرعا، أو يتقدم المصرف بطلب الرأي الشرعي في تمويل استيراد صفقة آيس كريم من الخارج، في الوقت الذي لا يتوافر التمويل الكافي للحاجات الأساسية لأبناء الأم ، وفي أمس الحاجة إلى ما يسمى بالعملة الصعبة، ولإيجاد التوازن في سعر صرف العملة المحلية أمام تلك العملة الأجنبية، فهل تفتى الهيئة بعدم الجواز لمخالفة هذا العمل مقاصد الشريعة في أهمية استفادة المسلمين من ثرواتهم، وتقديم الحاجات الأصلية على الكماليات والترفيات، وتقديم الاستثمار المنتج على الاستثمار الاستهلاكي ؟(14/44)
لقد أبطل جمهور الفقهاء كثيرا من العقود والمعاملات مع استيفائها الشروط والأركان الجزئية لكنها في جملتها مخالفة لمقاصد الشريعة أو لأصل كلي من الأصول الشرعية، فذهب جمهور الفقهاء إلى حرمة بيع العينة مع أن كل عقد بمفرده استوفى شرائط المشروعية، وذهبوا إلى حرمة نكاح التحليل وإبطال العقد مع استيفاء النكاح فيه شروطه وأركانه، كما ذهب بعض المعاصرين إلى إفساد صوم من تناول موادا مغذية في جسمه بإبرة في وريد أو عضل لمخالفة ذلك مقصد الصيام وهو الجوع والعطش، وأمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أهل مكة أن يحرموا بالحج إذا أهل هلال ذي الحجة لتحقيق مقصد الحج، وليستووا مع بقية الحجاج الذين يحرمون من قبل هلال ذي الحجة مع أن أهل مكة لو أهلوا بالحج يوم التروية لأجزأ بل هو المستحب عند البعض، روى مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : يا أهل مكة ما بال الناس يأتون شعثا , وأنتم مدهنون ؟ أهلوا إذا رأيتم الهلال " وعنده عن هشام بن عروة " أن عبد الله بن الزبير أقام بمكة تسع سنين وهو يهل بالحج لهلال ذي الحجة وعروة بن الزبير معه يفعل ذلك ) .)49(
كما أفتى كثير من أهل العلم المعاصرين بوجوب مقاطعة المنتجات الصهيونية والأمريكية، ومنها الاستثمارات بالدول المعادية .
وما بين القديم والحديث يتبين لنا أن مقاصد الإسلام لها دور كبير في بيان الحكم الشرعي لهذه الأمور التى ذكرناها، والأمر يحتاج إلى مزيد بيان وتفصيل ليس هذا موضعه، لكن المهم هو وجوب مراعاة مقاصد الشريعة الإسلامية في مجال استثمار الأموال مع استيفاء المعاملة لشروطها الشرعية المعتبرة وفق الأدلة التفصيلية .(14/45)
إن المجتمع المسلم ينتظر من البنوك الإسلامية المزيد من الاستثمارات في هذه المجالات وعندها ستقف الأمة وراءها مؤازرة ومدافعة عنها من أن تمتد إليها يد العابثين، وترد البنوك الإسلامية بذلك عن نفسها كل فرية توصف بها من قبل قوى المكر والبغي .
وبما أن البنوك الإسلامية تستمد قوتها من هيئاتها الشرعية وبالتالي فعلى هذه الهيئات حمل البنوك الإسلامية على تصحيح المسار والعمل على تحقيق أهداف النظام الاقتصادي الإسلامي .
رابعا : تقنين العمل المصرفي الإسلامي .
والمقصود من ذلك : أن تكون أعمال البنوك الإسلامية محكومة بقانون وتشريعات محددة وصادرة من الجهات الرسمية في الدولة، ويتناول هذا القانون كل ما يتعلق بالبنوك الإسلامية من أحكام .
وقد قامت بعض الدول بسن مثل تلك القوانين لكن ما زال الكثير من البنوك الإسلامية ليس له تشريع يخصه ويحتكم في شأنه إلى القوانين المنظمة للعمل المصرفي ككل، ويؤدي هذا الوضع إلى كثير من الإشكالات في الرقابة والإشراف ومعايير المحاسبة والمراجعة والعلاقة مع المؤسسات ذات العلاقة .
ولئن كان التقنين هو من عمل الدولة، لكن يقع على عاتق هيئات الرقابة الشرعية وكافة المعنيين بالمصرفية الإسلامية إعداد هذا التقنين وطرحه للمناقشة من قبل المختصين حتى يكون صالحا عند عرضه على الجهات النظامية في الدولة .
ويحقق مثل هذا التقنين مصلحة كافة الأطراف ذات العلاقة بالبنوك الإسلامية، بل ومصلحة المجتمع ككل .
خامسا : التدريب والتثقيف الشرعي المستمر للعاملين بالمصارف الإسلامية .(14/46)
يسهم وعي العاملين بالمصارف الإسلامية ومعرفتهم الكاملة لأصول المعاملات المالية في الإسلام، والتأصيل الشرعي الصحيح لصيغ الاستثمار، والخدمات المالية في إزالة كثير من العثرات والخلل الذي يصيب كثيرا من البنوك الإسلامية، ويجهض الحملات المكثفة التى تريد النيل من البنوك الإسلامية وفي الغالب يكون مدخلها هو البعد الشرعي في عمل تلك المؤسسات .
وكثيرا ما يتندر البعض بحكايات ومواقف سمعها أو رآها أن موظفا ما يشغل وظيفة مرموقة في بنك إسلامي يذكر أنه لا فرق في التعامل بين البنوك الربوية والبنوك الإسلامية، وتعود هذه الشائعات أو الحقائق على البنوك الإسلامية بالسلب .
ويؤدي قيام الهيئة الشرعية بذلك مع العاملين لتوفير جهدها في مراقبة وضبط عمليات البنك، حيث يقوم العامل بأداء عمله وفق الضوابط التى يعرفها .
ومع أهمية قيام الهيئة بذلك لكن يقع على عاتق إداريي المصارف الإسلامية واجبات متعلقة بهذا الأمر، منها : حسن الانتقاء في تعيين موظفي المصرف . ومنها : تمكين أعضاء الرقابة من القيام بمثل هذا الواجب .
ونتمنى أن يأتي اليوم الذي تسير فيه البنوك الإسلامية دون حاجة لهيئة رقابة شرعية، ويكفي وجود العاملين المخلصين لعملهم والمستوعبين لرسالة هذه البنوك إضافة إلى رقابة أصحاب الشأن من المودعين والمساهمين الذين يهمهم قبل زيادة الأرباح الانضباط الشرعي للمؤسسة التى تستثمر لهم أموالهم .
هذا والله أسأل أن يجعل هذا العمل صالحا ولوجهه خالصا، وأن يحفظ بلادنا ومؤسساتنا من كل مكروه وسوء، وأن يمكن لها، ولا يمكن منها، إنه نعم المولى ونعم النصير .
الهوامش
1 - ابن منظور : لسان العرب ـ 14/168 دار صادر بيروت -ط 1 مختار الصحاح ـ 1/54 - مكتبة لبنان .(14/47)
2 - ومن ذلك أيضا : ما انتهى إليه المؤتمر الثاني لمجلس المجمع الفقهي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي من 10-16ربيع الثاني 1406هـ، وكذا المؤتمر السادس لمجمع الفقه الإسلامي بجدة 1410 هـ فى القرار رقم 62/11/6 بشأن السندات، وفتوى فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق مفتى مصر الأسبق وشيخ أزهرها السابق فى 14/3/1979، وغير ذلك من الفتاوى الجماعية .
3 - د. محمد سيد طنطاوي - معاملات البنوك وأحكامها الشرعية - 133 وما بعدها - مطبعة السعادة - ط 8 -1993، مقالة لفضيلته فى جريدة اخبار اليوم فى 15/2/1997 بعنوان " معاملات البنوك التقليدية هي الأقرب إلى الإسلام "
4 - د . محمد سيد طنطاوي - معاملات البنوك وأحكامها الشرعية - 133 وما بعدها.
5 - يراجع في هذا الصدد : وقائع الملتقى الذي نظمته الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية والبنك الإسلامي الأردني للاستثمار بعمان في الفترة من 19- 21مايو 2001 " المصارف الإسلامية وتحديات العولمة " ودارت الندوة حول ثلاثة محاور : مفاهيم العولمة - الاقتصاد الإسلامي وحل المشكلات الاقتصادية المعاصرة - العولمة والمصارف الإسلامية " وقد أوصى المشاركون في الندوة بقيام المصارف الإسلامية بعقد تحالفات استراتيجية فيما بينها لتحقيق التعاون في المجالات المختلفة، وأكدوا على أهمية تطوير أدائها وتوسيع دائرة معاملاتها والتنسيق بينها وبين البنوك التقليدية ... موقع إسلام أون لاين في 14/6/2001، وكذا المؤتمر الذي عقدته كلية الشريعة والدراسات الإٍسلامية بجامعة الشارقة في الفترة من 9-10مايو 2002وكان موضوعه " دور المؤسسات المصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية " جريدة البيان الإماراتية في 10/5/2002 وغيرهما من المؤتمرات .(14/48)
ويراجع :أ/ أحمد حسين - المصارف الإسلامية - الاندماج قبل الضياع - مقال بموقع إسلام أون لاين بتاريخ 12/4/2001، د . حسن محمد حسن محجوب - المصرفية الإسلامية بوابة الاقتصاد الإنساني إلى العالم - موقع إسلام آي كيو، د. حسن محجوب - المصرفية الإسلامية سبيلنا لمواجهة تحديات العولمة - الموقع السابق .
6 - يراجع : د . محمد شريف بشير - "المصارف الإسلامية - الحلم يتحقق " مقال بموقع إسلام أون لاين بتاريخ 18/3/2001، د. حسن محمد حسن محجوب - " نمو المعاملات المصرفية الإسلامية - الحالة السعودية " مقال بموقع إسلام آي كيو " د. محمد القري في محاضرة له بعنوان :" نظام المصارف الإسلامية وتميزها عن المصارف التقليدية " خلال الندوة النقاشية التى نظمها بنك أبو ظبي الإسلامي في يونيو 2000، تقرير وكالة موديز انفستورز سيرفيس للتصنيف الائتماني نشرته جريدة الشرق الأوسط في 25/1/2002، تقرير موقع الجزيرة نت بتاريخ 28/2/1422 عن توقيع بنك باريبا الفرنسي مذكرة لإنشاء صندوق إسلامي بقيمة ملياري دولار ، تقرير وكالة رويترز نشرته الجزيرة نت بتاريخ 20/5/1423ه بعنوان " الأموال الإسلامية تجتذب بنكا سويسريا للبحرين، أ / حسان التليلي - سباق أوربي لفتح مصارف إسلامية في الخليج - مقالة بجريدة الرياض عدد 12474.
7 - د . عطية فياض - التحديات الداخلية للمصارف الإسلامية وأثرها في تعويق دورها الاستثماري والتنموي- مؤتمر " الشباب والانفتاح العالمي الذي نظمته الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الفترة من 23-26/8/1423ه
8 - د . عطية فياض - مرجع سابق(14/49)
9 - يراجع : دراسة مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية بلندن نشرتها جريدة الوطن السعودية بتاريخ 2/7/1423، تقرير وكالة الأنباء الفرنسية بعنوان " هجمات سبتمبر أفادت المصارف الإسلامية " نشره موقع الجزيرة نت بتاريخ 17/1423هـ، التحالف ضد البنوك الإسلامية تقرير نشره موقع السلطة الوطنية الفلسطينية - الدائرة السياسية، تقرير نشره موقع إسلام آي كيو بتاريخ 11/1/2002 بعنوان أكاذيب غربية حول المصارف الإسلامية والجمعيات الخيرية .
10 - د . رفيق المصري - بحوث في المصارف الإسلامية - 15- دار المكتبي - ط 1- 1421-2001م
11 - د . حسن محمد حسن محجوب - المصارف الإسلامية .. تعظيم الأرباح أم تعظيم العائد الاجتماعي - موقع إسلام آي كيو .
12 - الأستاذ محمد نجاة الله صديقي - المصارف الإسلامية : المبدأ والتصور والمستقبل- إسلام آي كيو
13 - أ . يوسف كمال - المصرفية الإسلامية - الأزمة والمخرج -دار النشر للجامعات المصرية - الطبعة الثانية .
14 د . حاتم القرنشاوي - الجوانب الاجتماعية والاقتصادية لتطبيق عقد المرابحة - بحث مقدم إلى ندوة خطة الاستثمار فى البنوك الإسلامية التى انعقدت في عمان من 20-25 شوال 1407- جامع أعمال المؤتمر طبع مؤسسة آل البيت - ص 327
15 - د . أحمد النجار - حديث حول البنوك الإسلامية - جريدة الشرق الأوسط في 17/8/1993 ص 11
16 - إسماعيل الشطي -جريدة الشرق الأوسط في 9/4/2001 م
17 - الشيخ صالح كامل في محاضرته التى ألقاها في بنك التنمية الإسلامي بمناسبة منحه جائزة البنك نقلا عن الشيخ صالح الحصين في ورقته غير المنشورة بعنوان " الهيئات الشرعية : الواقع وطريق التحول لمستقبل أفضل " ص2(14/50)
18 - وجه أحد الموظفين في بعض الشركات سؤالا لمجلة البحوث الفقهية التى تصدر في الرياض فى عددها رقم 52 من أن مدير الشركة يكلف بعض مراقبي الحسابات بعمل ميزانية للشركة تظهر فيها أرباح قليلة وضعف المركز المالي للشركة لتقديمها لمصلحة الزكاة والدخل، ويكلف مراقبا آخر بعمل ميزانية تظهر فيها أرباح كثيرة وقوة المركز المالي للشركة لتقديمها إلى البنوك والمؤسسات المقرضة حتى يبين لهم ملاءة الشركة ويحصل على القروض المطلوبة، فهذا نوع من الخداع والتحايل تقوم به المؤسسات والأفراد على السواء مما يعرض البنوك لمخاطر كبيرة .
19 - انظر : صالح الحديدي " البنوك الإسلامية والتصحيح المطلوب " مجلة الأهرام الاقتصادي، العدد 1078،ص 80، في 11/9/1989 وانظر : استراتيجية البنوك الإسلامية " بحث قدم فى المؤتمر العام الثاني للبنوك الإسلامية بالخرطوم فى الفترة من 25إلى 27-10-1988، إعداد : إدارة البحوث الاقتصادية ببنك فيصل الإسلامي المصري - مطبوعات بحوث المؤتمر ص4
20 - د . عائشة الشرقاوي المالقي - البنوك الإسلامية - التجربة بين الفقه والقانون والتطبيق - 112 - المركز الثقافي العربي - بيروت والدار البيضاء - الطبعة الأولى - 2000
21 - د . عائشة الشرقاوي المالقي - مرجع سابق -112- د. حسين حسين شحاته : "نحو منهج للدعوة إلى مفاهيم البنوك الإسلامية وتسويق خدماتها " بحث للمؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي ( الكويت من 21إلى 23مارس 1983م .
22 - حسين علي راشد - البنوك الاسلربوية ( طلاء إسلامي لواقع غير إسلامي - جريدة الشرق الأوسط في 4/2/1984ص 13، فهمي هويدي - المال الإسلامي يريد حلا - جريدة الأهرام - في 29/11/1988، د . يسري مصطفى - بنوك إسلامية كأن الأخرى كافرة - جريدة أخبار اليوم في 1/3/1997.(14/51)
23 - من أمثلة المصارف التى نصت على تعيين خمسة مختصين، هو بنك فيصل الإسلامي المصري، أما الأنموذج الثاني فهو بنك فيصل الإسلامي السوداني، وبنك التنمية التعاوني الإسلامي السوداني، والبنوك الإسلامية فى دولة الإمارات العربية المتحدة لكنها حصرتها فى ثلاثة دون وجود حدود دنيا وحدود قصوى، أما النمط الثالث فأبرز مثال له البنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار . والطريقة الأولى هي الأسلم والأفضل، فالفتوى الجماعية والرأي الجماعي أسلم وأدق من رأي الفرد، فضلا عن وجود المختصين فى الدراسات المقارنة سواء أكانوا قانونيين أم اقتصاديين وماليين يعزز من تصور المسائل لدى المختصين فى علوم الشريعة .
24 - عائشة الشرقاوي - مرجع سابق - 160
25 - عائشة الشرقاوي - مرجع سابق - 171
26 - الشيخ صالح كامل في محاضرته المشار إليها آنفا .
27- انظر : فهمي هويدي - التدين المنقوص - ص 156- مركز الأهرام للترجمة والنشر، مؤسسة الأهرام 1987 .
28 - د . عبد الصبور مرزوق " مداخلة قدمت فى ندوة المصارف الإسلامية بين الواقع والمستقبل " الحلقة الثالثة - جريدة الأهرام ص 10، فهمي هويدي " فض الاشتباك الفقهي " جريدة الأهرام فى 2/10/1989 .
29 - د . رفيق المصري - مرجع سابق - ص 354- 355
30 - الشيخ صالح كامل - مرجع سابق .
31 - ابن عابدين - حاشية رد المحتار على شرح الدر المختار - 1/74 دار الفكر
32- شمس الدين محمد عرفة الدسوقي - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير - 1/20 - دار إحياء الكتب العربية .
33- جلال الدين المحلي، والقليوبي _ شرح المحلي على المنهاج - 1/13دار إحياء الكتب العربية .
34 - ابن قيم الجوزية - إعلام الموقعين عن رب العالمين - 4/154
35 - أبو إسحاق الشاطبي - الموافقات - 4/73-74
36- ابن تيمية - الفتاوى الكبرى - 5/95- دار الكتب العلمية(14/52)
37- يراجع : ابن فرحون اليعمري - تبصرة الحكام -4/74- دار الكتب العلمية، الحطاب - مواهب الجليل - 1/32
38- الرحيباني - مطالب أولى النهى شرح غاية المنتهى - 6/617 - المكتب الإسلامي .
39 - سنن البيهقي الكبرى - باب ما تجوزبه شهادة أهل الأهواء - 10/210دار الباز - مكة المكرمة .
40- الشاطبي - مرجع سابق - 4/73.
41 - الشيخ عليش - فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك - 1/60- دار المعرفة .
42 - ابن فرحون - مرجع سابق - 1/78
43- الحديث رواه مسلم - كتاب البر والصلة باب تفسير البر والإثم - رقم 2553، والترمذي - كتاب الزهد - باب ما جاء في البر والإثم - رقم 2389- وأحمد في المسند - مسند الشاميين - حديث النواس بن سمعان - رقم 17179
44- الحديث رواه أحمد - مسند الشاميين - حديث وابصة بن معبد رقم 17545، وعند الدارمي - كتاب البيوع - باب دع ما يريبك إلى ما يريبك - رقم 2533.
45 - ابن أمير الحاج - التقرير والتحبير - 3/330- دار الكتب العلمية .
46- د . بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم - مدير مركز البحوث والاستشارات - الكلية الحديثة للتجارة والعلوم - سلطنة عمان - مقال بموقع إسلام آي كيو بعنوان " ضرورة التطوير العلمي في الصيرفة الإسلامية "
47 - ابن القيم - إعلام الموقعين عن رب العالمين - 4/173
48 - الإمام محيي الدين زكريا بن شرف النووي - المجموع شرح المهذب - 1/41
49- الحديث رواه مالك في الموطأ- كتاب الحج - باب إهلال أهل مكة ومن بها من غيرهم - رقم 760.
??
??
20 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي/ جامعة أم القرى
الرقابة الشرعية والتحديات المعاصرة للبنوك الإسلامية 19(14/53)
الرقابة الشرعية الفعالة في المصارف الإسلامية
د. محمد أمين علي القطان
بحث مقدم إلى المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي
جامعة أم القرى
1425هـ
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث:
لأجهزة الرقابة الشرعية في المؤسسات والشركات المالية والاستثمارية التي تتعامل وفق الضوابط الشرعية مكانة ذات طبيعة خاصة ومؤثرة, فهي مع كونها أحد الفوارق الجوهرية بين هذه المؤسسات وبين تلك المؤسسات التقليدية, إلا أنها ذات مكانة خاصة في مفهوم الشرع الحنيف.
وتظهر التصرفات المختلفة والمتناقضة أحياناً في التعامل مع هذه الهيئات, ولا عجب فهي أجهزة جديدة على قطاعي المال والأعمال, وهي كذلك أيضاً على الساحة المالية بشكل عام. ومن هنا كان البحث والتأصيل والتنظير ومن ثم التنفيذ والمتابعة والتطوير لهذه الهيئات مطلباً شرعياً وفنياً. وبالتالي كان هذا البحث الذي نود فيه ذكر التأصيل الدقيق لأفضل هيكلية نراها لرقابة شرعية تناسب المصارف الإسلامية, والتي تعتبر الشكل الأهم في صناعة الخدمات المالية الإسلامية المباركة.
وفي ثنايا ذلك نشير إلى أوجه القصور في بعض الرقابات الشرعية المتواجدة على الساحة المحلية والإقليمية والدولية, منوهين بأن كل ذلك لا ينقص من قدر هؤلاء العلماء الأجلاء, وأن هذه المؤسسات المالية لا يمكنها بأي حال من الأحوال النجاح بدون الاعتماد على خبراء يفصلون لها فقه المعاملات, ويأصلون لها الحلال من الأعمال العصرية.
وفي معرض ذلك ستذكر الورقة التفصيلات الخاصة بمسميات هذه الهيئات, وأشكالها, وأنواعها, وعدد أعضاءها, والصفات المطلوبة في هؤلاء الأعضاء, والأعمال المنوطة بهم, والقوة القانونية لهذه الهيئات الشرعية, وإلزامية قراراتها, وإمكانية عزلها أو توقيفها, والصعوبات التي تواجهها.
1- مقدمة:(15/1)
تتعدد أنواع الرقابة في الإسلام, فمنها ما يعرف بالرقابة العليا, وهي رقابة الله عز وجل على خلقه, قال تعالى: إن الله كان عليكم رقيبا(1). ومنها رقابة الإنسان على الإنسان, وهي نظام الحسبة, ورقابة الولاة والأئمة والمسؤولين, ورقابة ولاية المظالم (على الولاة), ورقابة مجموع المسلمين أو الرقابة المجتمعة أو الشعبية. ومنها رقابة الإنسان على نفسه وهي ما يعرف بالرقابة الذاتية.
أما الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية فإنها تدخل في أكثر من نوع من هذه الرقابات, فعضو الرقابة الشرعية هو المخبر عن الحكم الشرعي لكل مسألة وبالتالي فهو المخبر عن حكم الله في ذلك.
يقول الحنبلي:
المفتي هو المخبر بحكم الله لمعرفته بدليله (أي لمعرفة المفتي بالحكم عن طريق الدليل). أو هو المخبر عن الله بحكمه(2).
ويقول ابن القيم عن فقهاء الإسلام ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام:
وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله ولا يجهل قدره فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات(3).
وللرقابة الشرعية أيضاً علاقة وشبه بعمل أهل الحسبة, فهي امتداد لوظيفة المحتسب, والذي يقوم بالتأكد من أداء الأمانات ومنع المنكرات ويشهد فيما يسأل عنه في النواحي المحاسبية.
2- أهمية الرقابة الشرعية:
تعتبر الرقابة الشرعية من أهم الأجهزة الرقابية المستحدثة في مؤسسات هذه الصناعة, فهي تدخل في أكثر من نوع من أنواع الرقابات في الشرع الإسلامي, وهي الأساس الذي يعتمد عليه الكثير من المتعاملين مع هذه المؤسسات لمعرفة مدى التزام تلك المؤسسات بالأحكام الشرعية. كما أنها تعتبر من أحد الفوارق الأساسية بين المصارف الإسلامية والتقليدية. وقد أدت هذه الهيئات دوراً ملموساً في هذا المضمار مما يجعل من غير المستغرب القول بأن المصارف الإسلامية مدينة لهذه الهيئات إلى حد كبير. يقول حسني:(15/2)
يلعب المجلس الشرعي في البنك الإسلامي دوراً ريادياً غير ملموس لدى الآخرين, فهو المكتشف لصيغ جديدة لا حصر لها من المعاملات المالية الحديثة والتي تختبر ذكاء أعضاء هذا المجلس. إن البنوك الإسلامية لتدين بجز كبير من مصادر نشأتها إلى الأفكار النيرة من العلماء الشرعيين.(4)
ومن جانب آخر تظهر أهمية هذه الهيئات من خلال دورها الذي تقوم فيه تطبيقاً لما ذكرناه من الرقابة الشعبية الواجبة على كل مسلم بأن يقوم بالاعتراض على ما يراه في هذه المؤسسات الإسلامية من خلل شرعي - إن وجد - والتحري عن جدوى الأساليب وتحقيقها لأن من نتائج صحة التطبيق الشرعي للمعاملات المصرفية وسلامتها إدارياً إظهار محاسن الشريعة وإثبات كمالها وتمامها. وكذلك فهي تقوم بعملها تطبيقاً لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ولغاية نشر العلم الشرعي المتمثل بفقه المعاملات(5), ولإحياء الكثير من السنن والعمل على منع المحرم والمنكر من المعاملات(6), وامتثالاً للفرض الكفائي بإفتاء الناس. كما أن أعضاء هذه الهيئات يتحملون عبء تحري الطابع الإسلامي لهذه المصارف في الجوهر والمضمون من خلال تبيين الحلال من الحرام من المعاملات الاقتصادية وكشف المشتبه وإزالة الغامض ودرء الشبه عن التطبيق الاقتصادي الراشد.
3- مسميات الرقابة الشرعية:(15/3)
تتعدد مسميات الجهات المسؤولة عن الرأي الشرعي في المصارف الإسلامية, وذلك تبعاً للاختلاف في أشكالها وفي مفهومها وأهدافها, وكذلك تبعاً لوزنها ومكانتها القانونية في المصرف, ومن الملاحظ أن أكثر التسميات شيوعاً للجهات المسؤولة عن الرأي الشرعي في المصارف الإسلامية هي: هيئة الرقابة الشرعية, المستشار الشرعي, لجنة الرقابة الشرعية, المراقب الشرعي, المجلس الشرعي, اللجنة الدينية, الهيئة الشرعية, جهاز الرقابة الشرعية, وقد تكون هذه التسمية هي الأنسب حيث تشمل كل تخصصات أعضاء الرقابة الشرعية في المصرف الإسلامي من مفتين ومستشارين ودعاة وأمين سر وباحثين وغير ذلك. كما وردت التسمية بالرقابة الشرعية, والجهاز الشرعي, وهيئة الفتوى والمتابعة الشرعية, ووحدة الفتوى والمتابعة الشرعية, وإدارة الفتوى والبحوث.
4- تعريف الرقابة الشرعية:
الرقابة بمعناها اللغوي هي المحافظة, لقوله تعالى: إن الله كان عليكم رقيباً(7). والانتظار, لقوله تعالى: فخرج منها خائفاً يترقب(8). والمقصود من الرقابة عموماً: الرعاية والحفظ والانتظار(9). والتعريف القانوني للرقابة يقصد به:
حق يخول صاحبه سلطة إصدار القرارات اللازمة لإنجاح المشروعات. كما قد تحمل معنى الوصاية من جانب سلطة أعلى لفرض حدود وقيود معينة تؤدي إلى أهداف التنظيم الإداري الذي يتطلبه المشروع(10).
أما تعريف الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية فمن الملاحظ عدم وجود اتفاق على تعريف دقيق لمفهوم الرقابة الشرعية. فقد عرفها أبو معمر بقوله : الرقابة الشرعية هي جميع العناصر والأنشطة الرقابية التي تستخدم للتأكد من مطابقة أعمال البنك الإسلامي للشريعة(11).
وهو تعريف شامل للرقابة الشرعية. كما عرفها البعلي بتعريف أعم حيث يقول : هي أحد أجهزة البنك الإسلامي المستحدثة لمعاونته في تحقيق أهدافه (12).
5- أهداف الرقابة الشرعية:(15/4)
تهدف الرقابة الشرعية إلى بيان المعاملات والأنشطة الحلال التي تقام بالمصرف وإقرارها, وبيان المعاملات والأنشطة الحرام, أو التي فيها شبه شرعية مانعة من تداولها, وذلك لاجتنابها أو الانتهاء منها إن كانت قائمة وإيجاد البديل الشرعي لها. بالإضافة إلى القيام بدور الرقابة نيابة عن المودعين في هذه المصارف.
6- أشكال الرقابة الشرعية:
تتعدد أشكال الرقابة الشرعية وتختلف من بلد لآخر, بل وحتى من مصرف لآخر, وذلك بسبب حداثة تجربة المصارف الإسلامية عموماً, والرقابة الشرعية على الخصوص, وتبعاً لدرجة قناعة الإدارات والمسؤولين في المصارف بأهميتها وبدورها, ولذلك نجد أن منهم من اكتفى بمراقب شرعي يعول عليه بكل النواحي الشرعية, ومنهم من يصرح بحاجته إلى جهاز شرعي متكامل للقيام بهذا الغرض. وبشكل عام فهي لا تخرج عن أحد الأشكال التالية:
أ - هيئة رقابة شرعية داخل البنك المركزي, تكون مسؤولة عن كل ما يتعلق بالمصارف الإسلامية على أن لا تخضع هذه الهيئة لإدارة البنك المركزي, فهي التي تحاسب البنك المركزي وليس العكس. ولها سلطة الرقابة الشرعية المستمرة على عمليات هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية. ومثل ذلك المجلس الإشرافي الشرعي في البنك المركزي الماليزي
(13).
ب - هيئة أو جهاز رقابة شرعية مستقل غير تابع لأي من المصارف الإسلامية, يتابع كل ما يتعلق بالمصارف الإسلامية, ومنفصل عن البنك المركزي. ومن ذلك قيام الهيئة العليا للفتوى والرقابة الشرعية في الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية(14). وكالهيئة العليا التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف في دولة الإمارات العربية المتحدة(15).
ت - جهاز رقابة شرعية مستقل - ومنفصل عن البنك المركزي- تابع لمجموعة من المصارف الإسلامية, كالهيئة الشرعية الموحدة لمجموعة دلة البركة(16).(15/5)
ث - جهة استشارية مركزية داخل المصرف أو خارجه, تفتي بالمسائل المعروضة عليها فقط ولا صلة لها بمراجعة الأعمال المنفذة. وتعتبر إدارة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية مثالاً على ذلك.
ج - هيئة رقابية شرعية مستقلة داخل المصرف تابعة للجمعية العمومية للمساهمين وتمارس الدور المتكامل للرقابة والإفتاء. كما ورد في النظام الأساسي لبنك فيصل الإسلامي السوداني(17).
ح - جهاز رقابي شرعي متكامل لا يتبع الجمعية العمومية للمساهمين, يحوي أعضاء للإفتاء, وآخرين كمستشارين, وغيرهم للتدقيق والمراجعة, وآخرين للرقابة والمتابعة, بالإضافة إلى رئيس الهيئة ومقررها والدعاة. وأقرب ما يكون من هذا الشكل هو هيئة الفتوى والرقابة الشرعية في بيت التمويل الكويتي, إلا أنها لم تخصص من يقوم بعمليات التدقيق والمراجعة(18).
خ - إدارة للرقابة الشرعية, أو كجز من إحدى الإدارات. وغالباً ما تكون تابعة لإدارة المراجعة الداخلية أو كإدارة مستقلة تسمى إدارة المراجعة الشرعية الداخلية(19). ويقترح زعير أن تكون الرقابة الداخلية في المصارف الإسلامية شاملة للرقابة المحاسبية والإدارية والشرعية(20). كما جاء في النظام الأساسي لبنك التضامن الإسلامي على إنشاء إدارة في المصرف متخصصة تسمى إدارة الفتوى والبحوث مكونة من ثلاثة أقسام: الشريعة والقانون والاقتصاد(21).
د - مستشار شرعي يستشار في بعض المعاملات ولا علاقة له بالتنفيذ ولا بكيفيته. ومثل ذلك البنك الإسلامي الأردني(22), ونظام المصارف الإسلامية في ماليزيا(23).
ذ - عضو رقابة شرعية في كل إدارة وقسم, كبنك التضامن السوداني فقد عين عضو رقابة شرعية في كل إدارة وقسم في المصرف(24).
ر - مراقب شرعي واحد للمصرف. كبنك التمويل المصري السعودي(25).
ز - مدقق شرعي واحد للمصرف. كالبنك الإسلامي في الدانمارك الذي عين مدققاً شرعياً داخلياً على غرار الخارجي(26).
7- أعضاء الرقابة الشرعية:
أ- عددهم:(15/6)
يختلف عدد أعضاء الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية تبعاً لاختلاف أشكالها, كما تختلف وجهات نظر الباحثين والعاملين في الرقابة الشرعية في العدد النموذجي المفروض للقيام بمهام الرقابة الشرعية على الوجه الكامل.
ويمكن التأكيد على أن العدد النموذجي لأعضاء الرقابة الشرعية لا يمكن معرفته إلا بمعرفة حجم المصرف الإسلامي وأعماله وأنشطته وفروعه. أما الحد الأدنى فهو مراقب شرعي واحد للمصرف كبديل للضرورة وبشكل مؤقت إلى أن تتكون الهيئة ذات العدد المطلوب.
وقد علل بيت التمويل الكويتي ضرورة أن لا يقل عدد الأعضاء عن ثلاثة وذلك لضمان حسن النظر في المسائل المطروحة وتمحيص الآراء فيها(27). ويعلل البعلي أيضاً بقوله: لمنع تواطؤهم لا سمح الله(28), ولأن موقع الهيئة في البناء التنظيمي للبنك يفرض هذا العدد لإيجاد نوع من التناسب بين عدد أعضاءها وعدد أعضاء مجلس الإدارة. ولخصوصية المهام المنوطة بالهيئة وخاصة المسائل الشرعية ذات المسائل الاجتهادية. ولضمان تنوع الاختصاصات فيهم, بالإضافة إلى ضرورة تواجد الهيئة في مواقع العمل المختلفة(29), ولتحقيق المشورة وتعديد وجهات النظر(30).
أما قانون بنك الكويت المركزي فيحدد الحد الأدنى بخمسة أعضاء, وذلك لنفس الأسباب المذكورة أعلاه, ويضيف:
ولضمان توافر نصاب ملائم في اتخاذ القرارات في اجتماع الهيئة في مواجهة أي حالات تغيب للأعضاء(31).(15/7)
ومن جانب آخر لا يصح كون العضو رقابة في أكثر من مؤسسة لما في ذلك من صعوبة الحفاظ على سرية المعلومات لكل مصرف. ولأن بعض المصارف تأخذ برأي فقهي معين لمسألة معينة, في حين أن هذا الرأي مستبعد لدى مصارف أخرى, وبالتالي تكون صورة العضو أمام الناس غير سوية. ولكن الحاجة ماسة إلى توافر عدد كاف من الأعضاء الشرعيين لكل مؤسسة مصرفية إسلامية وهو غير متوفر, ومن الممكن الاستعانة بأحد العلماء لاستشارته في مسألة ما وعرضها عليه وبالتالي يكون الرأي المتفق عليه في الهيئة هو رأي الهيئة وليس رأي الضيف, وهذا لظرف طارئ أو مؤقت وليس له حكم دائم. ومن الممكن الاستعانة بأعضاء من خارج البلد, أو الاستعانة بعضوات وفقاً للشروط الشرعية(32), أو على الأقل تخصيصهن بأقسام النساء في المصارف الإسلامية.
ب- تخصصاتهم وشروطهم:
يتعرض عضو الرقابة الشرعية خلال عمله بالرقابة إلى مسائل اقتصادية وقانونية ومحاسبية بالإضافة إلى القضايا الشرعية بالدرجة الأولى, ولذلك وجب عليه أن يلم بكل هذه الأمور. إلا أن الواقع العملي يظهر أن الكثير من علماء الشريعة العاملين في المصارف الإسلامية تنقصهم الدراية بالعلوم المتصلة, وبالمقابل فإن علماء الاقتصاد يعانون من نفس المشكلة بالنسبة إلى العلوم الشرعية, يقول عبد السلام العبادي:(15/8)
يتطلب من الذين يكتبون في الاقتصاد الإسلامي ليعرضوا معالجات الإسلام لمشكلات الحياة الاقتصادية من أن يدركوا تماماً حقيقة الفقه وأصوله وأن يكونوا على معرفة تامة بحقيقة الاجتهاد وقواعده وشروطه. ولابد من القول أيضاً بضرورة معرفة الفقيه بطبيعة الحياة الاقتصادية ومشكلاتها وتضاريسها معرفة صحيحة ليكون نظره في هذه المسائل سليماً واجتهاده في معرفة حكمها صحيحاً ومن المعلوم أن إدراك الحياة الاقتصادية إدراكاً سليماً يتطلب الإلمام بقواعد علم الاقتصاد إلماماً يمكن الفقيه من تحليل القضية أو المسألة المطروحة لفهمها بشكل دقيق لتتم بعد ذلك عملية الاجتهاد لمعرفة حكمها على أسس سليمة وأمينة.(33)
فإن كان هذا متعذراً - في الوقت الحاضر على الأقل - لذلك وجب أن تحوي الرقابة الشرعية أجهزة فنية مساعدة ومتخصصين في الاقتصاد والقانون المقارن والمحاسبة والشريعة. بالإضافة إلى الاستمرار بتدريبهم وصقلهم من قبل مدربين متخصصين في الشريعة.
ومن جانب آخر وبما أن طبيعة الرقابة الشرعية هي الإفتاء فلابد أن تتوافر في الأعضاء صفات المفتي(34) ومن بينها: أن يكون مسلماً عدلاً(35 مكلفاً فقيهاً مجتهداً(36) يقظاً صحيح الذهن والفكر والتصرف في الفقه وما يتعلق به(37). بالإضافة إلى أن يكون على درجة من الورع. فالأورع مقدم في الاستفتاء على الأعلم(38), أو يُقدمُ الأورع من العلماء والأعلم من الورعين
(39). وهناك شروط أخرى يجب توافرها في المفتي وهي أن يكون على قدر كاف من اليقظة وجودة الذهن والمعرفة بأحوال الناس ومكرهم وخداعهم حتى لا يقع في كل هذا وأن يكون صلباً في دينه لا تأخذه في الحق لومة لائم(15/9)
(40) وأن لا يتأثر بوعد أو وعيد وأن يكون على قدر كبير من الورع والزهد ومخافة الله تعالى, وأن لا يتأثر بوعد أو وعيد وأن يكون على قدر كبير من الورع والزهد ومخافة الله تعالى, وأن يعرف أعراف البلد وعاداته ليعرف قصد المستفتي(41), وأن يبذل أقصى جهده في أداء عمله فيتحرى الدقة وعدم الإهمال(42), وألا يوافق على أمر إلا إذا اقتنع بصحته وإذا لم يحصل على الشواهد الكافية فلا يعطي رأياً, أو يشير إلى قلة الشواهد على المسألة(43). كما يجب أن تتوفر في عضو الرقابة الشرعية السمعة الحسنة بين الناس(44) ولا يجامل أحداً كائناً من كان.
ومن الواضح فإن هذه الشروط والصفات يصعب توافرها في شخص في هذا الزمن ولهذا كان من المحتم أن يكون الاجتهاد جماعياً لأن الجمع يكمل بعضهم بعضاً, ومشكلات العصر لا تحل باجتهاد فردي ومن أجل هذا أنشأت ثلاثة مجامع إسلامية عالمية, وهي: مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر, والمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي, ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي. ولقد جاء في توصيات مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية:
أن السبيل لمراعاة المصالح ومواجهة الحوادث المتجددة هي أن يتخير المفتي من أحكام المذاهب الفقهية ما يفي بذلك فإن لم يكن في أحكامها ما يفي به فبالاجتهاد الجماعي المذهبي فإن لم يف كان الاجتهاد الجماعي المطلق(45).
جـ- تعيينهم:
تختلف جهة تعيين أعضاء الرقابة الشرعية من مصرف لآخر, كما إن كثيراً من المصارف الإسلامية لم تحدد في نظمها الأساسية طريقة تعيين أعضاء الرقابة الشرعية لديها(46), وكلا الأمرين يرجع إلى مكانتها ووزنها القانوني في المصرف. وفي الغالب فطرق تعيين أعضاء الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية لا تخرج عما يلي:
1- من قبل الجمعية العمومية للمساهمين, أو من ينوب عن المساهمين. كبنك فيصل الإسلامي المصري, وبنك البركة الموريتاني الإسلامي.(15/10)
2- من قبل الجمعية العمومية للمساهمين وبناء على ترشيح من مجلس الإدارة. كالبنك الإسلامي لغرب السودان.
3- بالتعيين من مجلس الإدارة. كبنك التمويل المصري السعودي, وبيت التمويل السعودي التونسي.
4- من قبل جهة خارجية. كبنك البحرين الإسلامي حيث يعينون من قبل وزير العدل(47).
ويقترح الشمري أن يكون للبنوك المركزية دور في اختيار وتعيين أعضاء الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية(48). كما يقترح سويلم أن يشارك المودعون أو من يمثلهم في اختيار أعضاء الرقابة الشرعية(49). لأن المودع في المصارف الإسلامية إنما هو شريك بشكل أو بآخر.
أما مدة التعيين فقد يكون من المناسب تحديد المدة بخمس سنوات قابلة للتجديد وذلك لأن طبيعة العمل في المصارف الإسلامية أنها ذات آجال طويلة يحتاج فيها عضو الرقابة الشرعية إلى أكبر مدة ممكنة ليعايش تلك المشاريع ويتفهم طبيعتها ونتائجها مما يجعله مواكباً لواقع هذه الأعمال.
د- المقابل:
من المقرر في الفقه الإسلامي أن الأولى للمفتى أن يتبرع بالفتيا ولكن له أخذ المقابل على ذلك(50), وهذا إذا ما كان له دخل آخر. أما من أقعدته الفتيا عن اكتساب المال فله المطالبة بذلك لحفظ ماء وجهه. يقول ابن القيم شارحاً قول الشافعي: "أن يكون للمفتي كفاية وإلا مضغه الناس":
فإنه إن لم يكن له كفاية احتاج إلى الناس وإلى الأخذ مما في أيديهم. فالعالم إذا منح غناء فقد عين على تنفيذ علمه وإذا احتاج إلى الناس فقد مات علمه وهو ينظر(51).
وتتعهد الجهات المحددة للمقابل كما تتعدد وجهات النظر في ذلك, فقد يكون من قبل الجمعية العمومية للمساهمين كمصر قطر الإسلامي أو من قبل مجلس الإدارة, كالبنك الإسلامي السوداني(52).(15/11)
كما اقترحت لجنة المعايير المحاسبية أن تقوم الجمعية العمومية بتعيين أعضاء الرقابة الشرعية كل ثلاث سنوات وتحدد مكافآتهم بناء على اقتراح مجلس الإدارة(53) وهو الأولى. وهناك من يقترح أن يعطوا من أموال الأوقاف العامة أو من قبل البنك الإسلامي للتنمية(54). في حين أن ويلسون يقترح أن تكون المكافآت من قبل الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية(55). أما الشمري فيؤكد على أن يكون للبنوك المركزية دور في تحديد مكافآت أعضاء الرقابة الشرعية(56).
هـ- جمعهم مع عضوية مجلس الإدارة:
يؤكد الكفراوي على أنه يجب أن تتوافر لأعضاء هيئة الرقابة الشرعية حرية إبداء الرأي, ويتأتى ذلك من ألا يكونوا من العاملين في هذه المؤسسات ولا أعضاء في مجالس إدارتها ضماناً لاستقلالهم وعدم التأثير عليهم(57).
بينما نجد البعلي يعتبر تواجد الهيئة في مجلس الإدارة من الضروريات, ولا يوجد تعارض في ذلك. حيث إنه من اختصاصات الهيئة المشاركة الفعلية في صنع القرار وفي إبداء الرأي الشرعي فيه وفي متابعة تنفيذه حتى تمام التنفيذ
(58). ويعلل هذه الضرورة بقوله:
من فوائد وجود عضو لجنة في مجلس الإدارة هو تحويل بعض الأسئلة إلى اللجنة الشرعية وقد لا ترى الإدارة حاجة إلى تحويل هذا السؤال. ولخروج قرار المشروع مستوفي, فإذا كان هناك سؤال أو حاجة إلى بحث تحول إلى الهيئة الشرعية, وكذلك فإن الأمر يوفر وقت وجهد ومال وتعطي أعضاء مجلس الإدارة بعداً شرعياً. وقد طبقت هذه الفكرة في بنك فيصل الإسلامي في قبرص وشعرنا بالفوائد الكثيرة لهذه الفكرة(59).
و- مساهمتهم في المصرف:
في عام 1934 أصدرت الهيئة الفيدرالية لتنظيم تداول الأوراق المالية (SEC) بالولايات المتحدة الأمريكية قراراً يقضي بألا تكون للمراجع أي مصلحة في المنشأة التي يقوم بمراجعتها(60).(15/12)
وقد يكون من العسير تطبيق هذا الشرط على أعضاء الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية, بل من غير العدل منعهم من المساهمة في تلك المصارف خاصة إذا ما عرفنا أن هذه المصارف ما تزال قليلة العدد وهؤلاء الأعضاء من المفترض أنهم أحرص من غيرهم على تحري المعاملات الحلال لنفسهم ولغيرهم. وإذا ما عرفنا أن هؤلاء الأعضاء وبسبب قلتهم منهم من عيمل في أكثر من مصرف إسلامي فمن غير العدل منعه من المساهمة في كل تلك المصارف التي يعمل فيها. أما القول بأنه قد تؤثر مساهمته في المصرف على قراره, فمن المفترض أن يكون اختياره بالأساس من أهل التقوى والورع.
فإذا قلنا بجواز المساهمة في رأس مال المصرف يبقى السؤال عن نسبة المساهمة. ولم أجد فيما اطلعت عليه من مصادر ومراجع من ناقش هذا الموضوع بشكل كامل, إلا أن دراسة معهد الفكر العالمي قد حددتها بنسبة 1%(61).
ز- عزلهم أو وقفهم:
يتبين لنا مما سبق ذكره في أهمية الرقابة الشرعية وكما سيأتي كذلك في أعمال الرقابة الشرعية أن لهذه الهيئات مكانة حساسة جداً وذات طبيعة خاصة بين كل من له اتصال بالمصارف الإسلامية. وتنبع هذه المكانة الخاصة من كون أعضاء هذه الهيئات الرقابية من علماء الدين وبالتالي فمن الواجب أن لا يخضعوا لقرارات (من مجلس الإدارة أو من غيره) تأديبية أو بالفصل أو الطرف أو العزل, إنما من الممكن أن يحال أمر أحدهم إلى الجمعية العمومية للمساهمين أو المودعين - إن وجدت - بناء على توصية من باقي أعضاء الهيئة الذين قد أسدوا إليه النصيحة والتنبيه من قبل. وقد جاء في النظام الأساسي لبنك دبي الإسلامي: مادة 83 ما يلي:
لا يجوز وقف أي من أعضاء الهيئة عن العمل أو عزله إلا بقرار من مجلس الإدارة بناء على أسباب موجبة لمثل هذا الإجراء وتعرض هذه الأسباب على العضو ويرفع قرار العزل المسبب مع رد العضو إلى الهيئة العليا للفتوى والرقابة الشرعية بالاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية(62).(15/13)
كما جاء في مشروع قانون اللجنة الاستشارية ما يلي:
ولا يجوز عزل أعضاء هذه الهيئة إلا بناء على قرار يصدر من الجلس بأغلبية ثلثي أعضاءه على الأقل ولا يكون قرار المجلس بالعزل نافذاً إلا بعد إقراره من الجمعية العمومية العادية(63).
تبقى ملاحظة فيما لو لم تقم الرقابة الشرعية بواجبها على الشكل المطلوب أو قصرت هيئة الرقابة الشرعية أو أحد أعضاءها بتأدية المهام الملقاة عليها.
فمن الممكن القول أولاً إنه من المقرر شرعاً التجاوز عما أخطأ به الإنسان دون قصد أو عمد. فإثم الخطأ موضوع إذا كان قد وضع الاجتهاد موضعه. فمن القواعد الفقهية: ما لا يمكن الاحتراز عنه لا ضمان فيه.(64)
كما أنه من المستبعد إجماع الهيئة على عمل مشين كالغش أو الكذب أو تدليس أو شهادة الزور لأنها من الكبائر(65) ومن المفترض أنهم من أهل الصلاح والتقى كما ذكرنا في صفات المفتي سابقاً. ويمنع من حدوث ذلك كونهم على الأقل ثلاثة أعضاء, بالإضافة إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"لا تجتمع أمتي على ضلال"(66).
وإذا حصل - فرضاً - هذا التقصير فيكون السبب الرئيسي هو سوء اختيار الأعضاء. لكنه من الممكن أن يحدث تقصير من الأعضاء جميعاً. وقد يصل إلى التفريط المؤدي إلى مضرة البعض من خلال الوثوق بأقوالهم. فهل يجري تعذير أو عقاب ما على أعضاء الهيئة؟ فإذا قامت الهيئة الشرعية:
- بالتوقيع على التقرير السنوي, ولم يكن اطلاعها عليه دقيقاً, أو لم تبين ملاحظاتها عليه, أو على الأعمال التي اطلعت عليها, أو نصت على شرعية كل أعمال المصرف ولم تطلع على كل الأعمال.
- أو قامت بالتصديق على الأرباح السنوية, ولم تدقق بالبيانات والحسابات, أو لم تبلغ عن أي تقصير رأته في التوزيع.
- أو قامت بإخفاء أو إغفال المعاملات المحرمة التي اطلعت عليها في المصرف.
- أو أهملت بتحديد وعاء الزكاة, (إن كان مدرجاً في مهامها).(15/14)
- أو قامت بإخفاء أي نوع من التقصير في تطبيق المعاملات الشرعية أو السلوكيات الإسلامية داخل المصرف والتي تؤثر على شرعية عمليات المصرف.
- أو قصرة بالاطلاع على التقارير والملفات المرفوعة إليها أو الأسئلة المطروحة عليها.
- أو أقرت عملاً فيه مخالفة شرعية أو شبهة شرعية ولم تنبه لها.
- أو قبلت موظفاً ولم يكن على مستوى العمل المطلوب في المصرف الإسلامي.
- أو كثر تعذرها وغيابها أو عدم اتفاقها على رأي معين.
فإذا ما قامت الرقابة الشرعية بشيء من هذا أو ببعضه كانت في عداد المقصرين في أداء مهامها, أو مخلة بالأمانة الملقاة على عاتقها. والإخلال بالمهن ولا سيما ما كان منها قائماً على الثقة والأمانة فيه اعتداء على المصلحة العامة وهو ما يعبر به الفقهاء بحق الله أي حق المجتمع, وهو من الضرر الذي تجب إزالته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ضر ولا ضرار"(67).
وإقامة مثل هذه التعزيرات متوقفة على ولي الأمر وليست على طلب المجني عليه. لتعدي ضررها إلى الكافة ولو وقعت لشخص معين.
ومن العقوبات الممكن اتخاذها في هذا المجال: العقوبات السالبة للحرية, كالحبس: أي تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه. والعقوبات المالية: كالغرامة أو المصادرة. وعقوبات نفسية: كالتشهير والعزل والحرمان من العمل والوعظ والتوبيخ: أي لفت النظر, والتهديد: أي الإنذار, والهجر: أي المقاطعة وعدم التعامل(68). كما ذهب أبو حنيفة إلى الحجر على المفتي الماجن, وهو الذي يتساهل في الفتوى بما يخرج عن المشروع لمصالح دنيوية. والمقصود بالحجر المنع الحسي عن التعامل مع الناس من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا يفسد الدين وقد جاءت الشريعة بحفظه(69).
وإذا كان من ضرورة للقيام بقانون ليحاسب المقصر من أعضاء هيئات الرقابة الشرعية فمن المفترض أن تقوم الهيئة العليا للرقابة الشريعة في الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية باستصدار قانون لمثل ذلك.(15/15)
8- القوة القانونية للرقابة الشرعية:
تتمثل قوة الرقابة الشرعية من خلال موقعها في الهرم التنظيمي للمصرف, والجهة التي تتبعها وتأخذ السلطة منها. وتأخذ هيئات الرقابة الشرعية سلطتها على أساس الاعتبارات التالية:
أ - الرقابة الشرعية تأتي من أصل الرقابات المختلفة في الإسلام, كالرقابة الذاتية والمالية ومراقبة الله, والتي تفهم من بين مقاصد الشريعة الخمسة. الدين والنفس والنسل والعقل والمال.
ب - بما أنه يجب أن يكون النظام الأساسي واللائحة العامة في المصرف الإسلامي ناصان على الالتزام بالشريعة حصراً واستبعاد كل ما يعارضها واعتباره باطلاً, وأن يكون النص ا لملزم للمصرف باتبع الأوامر الشرعية محفوظاً عن التعديل والحذف, فيصرح بأن المواد ا لمتعلقة بذلك يتعذر تعديلها أو حذفها وأنها تولد مع المصرف وتعاصر حياته مهما طالت, وبما أن أحكام الشريعة الإسلامية هي التي تحد من صلاحيات مجلس إدارة المصرف الإسلامي, فإن هذا الدور الشرعي الثابت الذي تقوم به الرقابة الشرعية هو الذي يعطيها المكانة والقوة القانونية في المصرف الإسلامي.
ت - تلزم بعض القوانين التشريعية للمصارف الإسلامية بأن ينص نظامها الأساسي على تكوين الرقابة الشرعية, وكيفية تكوين هذه الهيئة وأسلوب عملها وصلاحياتها. كقرار مجمع رابطة العالم الإسلامي والقانون الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة(70).
ث - تعتبر الهيئة من وجهة نظر القانون هي الجهاز التشريعي والتأسيسي للمصرف, حيث إن كل أو معظم معاملات المصارف الإسلامية تقع خارج إطار الإلزام القانوني العام.
ج - بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الهيئات تستمد قوة سلطتها أيضاً من الجمعية العمومية للمساهمين. وعلى الجمعية العمومية أيضاً أن تناقض تقرير هذه الهيئات حول أعمال المصرف خلال عام منصرم.(15/16)
ح - يتأثر المودعون في المصارف الإسلامية بنتائج أعمال المصرف ربحاً أو خسارة وعدم مشاركتهم في اختيار مجلس الإدارة ومراقب الحسابات يجعلهم بمنأى عن رقابة العمل الذي يشاركون في نتائجه ومن هنا كان من الضروري أن تشكل الرقابة الشرعية الممثل الفعلي لرقابة المودعين وذلك إن لم يكن للمودعين ممثل عنهم في الرقابة على المصرف(71). وإذا ما قامت الرقابة الشرعية بذلك الدور صار لها مستند قوة من قبل المودعين أيضاً بالإضافة إلى المساهمين.
خ - على القول بأنه من المفترض أن تشارك الرقابة الشرعية بممثل في مجلس الإدارة فإن هذا مما يعطيها السند القانوني والعملي داخل المصرف.
د - مما يطالب به مراقب الحسابات أن يوضح مدى التزام المصرف باللوائح والقرارات المتخذة داخل المصرف, وكذا قرارات هيئة الرقابة الشرعية بالمصرف. وبالتالي فإن قرارات هيئة الرقابة الشرعية ذات أثر فعال على تقرير مراقب الحسابات المعتمد من قبل السلطات التشريعية(72).
ذ - مما يستوجب من الرقابة الشرعية القيام بعمليات المراجعة للأعمال والعمليات, والقيام بمثل هذه المهمات تستوجب أن يكون للمراجع حياد يبعده عن أي تأثير للأشخاص الذين يراجع أعمالهم, وبالتالي يجب أن يكون لهؤلاء الأعضاء اتجاه فكري وعقلي محايد ومستقل في كل الأمور المتعلقة بعملية الفحص والمراجعة. وبالتالي تكون لديهم استقلالية بالقرار والرأي مما يعطيهم الثقل القانوني والسلطة القوية داخل المصرف.
ومما سبق يتبين أنه من غير الصواب القول بأن هذه الهيئات تتبع أحد الإدارات أو المدراء أو تستمد سلطتها من غير الجمعية العمومية, حيث إن هذه النتيجة تؤدي حتماً إلى اعتبار أن قرارات الرقابة الشرعية غير ملزمة ولا تؤخذ مأخذ القرارات التشريعية. كما إنها ستؤدي لا محالة إلى ضعف هذه الهيئات وتمنعها عن تحقيق أهدافها. يقول أبو معمر:(15/17)
من الواقع العملي فإن هذه اللجان لا تتمتع بالقوة لتحقيق أهدافها. وبعض هذه اللجان لها الحق في إصدار الفتوى وليس لها الحق في التفتيش أو التأكد من التنفيذ.(73)
9- إلزامية الرقابة الشرعية:
تعتمد درجة إلزامية قرارات الرقابة الشرعية على مكانتها في البناء التنظيمي للمصرف, وعلى كيفية تطبيق القرار داخل المصرف بشكل عام, وعلى درجة قوة الأعضاء الشخصية من خلال تمسكهم بآرائهم وفرضها على الإدارة.
فقد يكون الوضع القانوني للرقابة الشرعية في أعلى مستويات التنظيم الإداري, ولكن إذا كان القرار الإداري هو الذي يحكم بإلزامية قرار الهيئة فالقرار الإداري إذن هو الذي يتحكم بالرقابة الشرعية.
ومما يجب أخذه بالاعتبار أنه يجب أن تكون قرارات الهيئة ملزمة -سواء كانت بالإجماع أم بالأغلبية المطلقة(74) وبغض النظر عن وضعها في البناء التنظيمي للمصرف- لأن الفتوى الصادرة منها هي حكم شرعي واجب الاتباع شرعاً. ويجب أن ينص على هذا في النظام الأساسي للمصرف(75).
10- أعمال ومهام الرقابة الشرعية:
تتحمل الرقابة الشرعية على عاتقها عدداً كبيراً من المهام, وتجدر هنا ملاحظة أن سلامة التطبيق الشرعي ليست مسؤولية الرقابة الشرعية لوحدها, بل جميع العاملين في المصرف مسؤولين عن ذلك أيضاً, سواء من ناحية الممارسة الفعلية للنشاط أو ناحية السلوك الشخصي في التعامل وفي المظهر وفي الأداء المنوط بالشخص.
ومن الممكن القول أن عمل الرقابة الشرعية بشكل عام هو الرقابة والإفتاء, حيث تشمل الرقابة كلاً من الرقابة السابقة والآتية واللاحقة. وتكون الرقابة الشرعية في المصرف بكامل أعضائها ومستشاريها وموظفيها وكامل أجهزتها مسؤولين بشكل متضامن على القيام بالمهام التالية:
1- الإفتاء:(15/18)
وهي تمثل طبيعة الرقابة الشرعية. ومن الضروري وضع منهج لها, فعلى قدر منهجها في التيسير أو التشديد وفي الأخذ بالعزيمة أم بالترخيص تكون فاعليتها. ولا تدرس الورقة طريقة الاجتهاد عند عرض السؤال على الهيئة لأن لكل هيئة طريقة تنتهجها. فبعض الهيئات يتبع ما دون في الفقه وبعضهم يتبع المتفق عليه فقط والبعض يجتهد في كل حادثة.
وتدخل ضمن عملية الإفتاء قيام الهيئة بوضع منهجية للإفتاء والرد على التساؤلات, وإذا تعلقت أمور بالمسألة أو هناك محاذير أخرى ولم يسأل عنها المستفتي يحسن بيانها. وكذلك يزيد المفتي على الجواب في السؤال المذكور بما له به تعلق ويحتاج إلى التنبيه عليه. يقول ابن القيم:
من فقه المفتي ونصحه إذا سأله المستفتي عن شيء فمنعه منه وكانت حاجته تدعوه إليه أن يدله على ما هو له منه فيسد عليه باب المحظور ويفتح له باب المباح وهذا لا يتأتى إلا من عالم ناصح مشفق قد تاجر الله وعامله بعلمه فمثاله في العلماء مثال الطبيب الناصح في الأطباء عما يضره ويصف له ما ينفعه فهذا شأن أطباء الأديان والأبدان.(76)
2- تجميع الفتاوى.
3- متابعة تنفيذ فتاوى وتوصيات الهيئة
4- مراقبة الأعمال المزمع القيام بها: أي قبل البدء في العمل وهو ما يعرف بالرقابة السابقة وأثناء العمل وهو ما يعرف بالرقابة المتزامنة وبعد انتهاء العمل وهو ما يعرف بالرقابة السابقة.
5- وضع خطة لتدقيق المستندات والنماذج والإجراءات اللازمة للتدقيق والتنفيذ بشكل يتلاءم مع المتطلبات الشرعية, وبحيث يشمل كافة الأنشطة بنسبة 100%(77).
6- الاجتماعات: تجتمع بعض هيئات الرقابة الشرعية بكامل أعضائها بشكل أسبوعي, أو كل ثلاثة أشهر, أو كل ستة أشهر. ولا يجب أن تحدد مدة الاجتماع, فبعض المسائل قد تأخذ ساعات طويلة من النقاش. كما يمكنها عقد اجتماعات استثنائية.(15/19)
7- القيام بعمليات المراجعة: تعتبر عمليات المراجعة من أهم ما تقوم به هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية, وتعرف بعمليات الرقابة اللاحقة, وهي تشمل مراجعة كل الأعمال والعمليات والعقود والملفات والنظم واللوائح والتعليمات. كما تشمل تدقيق الميزانية ومراجعة الحسابات الختامية ومراجعة الفتاوى السابقة(78). وتهدف عملية المراجعة لأعمال المصرف ومعاملاته وسائر أنشطته التحقق من أمرين:
1) أن ما قامت إدارة المصرف بتنفيذه من أعمال لم يسبق عرضها على الرقابة الشرعية يوافق أحكام الشريعة الإسلامية.
2) أن ما قامت به إدارة المصرف من أعمال سبق عرضها على الهيئة قد تم تنفيذها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
ولا تكتمل عمليات المراجعة إلا بظهور تقرير عن نتائج المراجعة والتدقيق في الأعمال.
8- رفع واستقبال التقارير الدورية ثم مناقشتها: تقوم الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية بإصدار تقارير عن العمليات التي قامت بها, حيث تحتوي هذه التقارير على العمل الذي دققته أو راجعته بدرجة كافية من الإفصاح(79). وأن تفصح عن تلك المكاسب أو المصارف التي تحققت أو صرفت للمصرف أو المؤسسة من مصادر أو بطرق تحرمها الشريعة الإسلامية, سواء حدث ذلك من اجتهادات خاطئة أو أخطاء عرضية أو نتيجة لظروف خارجة عن إرادة إدارة المصرف أو المؤسسة.
9- تحديد مقادير الزكاة وتوجيه صرفها.
10- وضع المبادئ الشرعية لاختيار العاملين.
11- إعداد خطط تثقيفية (ندوات ومؤتمرات ودورات وبرامج) للعاملين والعملاء.
12- الزيارات الميدانية على المستوى الداخلي والخارجي.
13- تحديد نسبة المعاملات الشرعية في المؤسسة.
14- إلغاء أو وقف أي نشاط للمصرف في حالة اعتقادهم مخالفته للشريعة.
15- التعاون مع الجهات المماثلة.
16- التعاون مع الرقابة الداخلية.
17- إيجاد البدائل للعمليات الممنوعة شرعاً.
18- تقديم المبادرات المستمدة من مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية.(15/20)
19- عمل لائحة للرقابة الشرعية ومعاونيها.
20- محاسبة من يتعمد الإخلال أو الإهمال أو المخالفة.
21- العناية بالاقتصاد الإسلامي.
22- إجراء البحوث والدراسات المتصلة.
23- المشاركة في الجمعية العمومية للمساهمين.
24- المشاركة في اجتماعات مجلس إدارة المؤسسة.
25- المشاركة في وضع النظام الأساسي للمصرف.
26- دورها بالنسبة للمجتمع: تقوم الهيئة بتبادل المعلومات وتعميم المعرفة المتعلقتين بأعمال المؤسسات المالية الإسلامية على المستوى العام لكافة الناس للفائدة, والعمل على تحريك الطاقات الكامنة في المجتمع ابتداء من تغيير عقلية الفرد مما علق بها أو داخلها من أفكار غير صحيحة في التعاملات وانتهاء بطبعهم على أخلاقيات وسلوكيات فاضلة في تعاملاتهم. كما يجب أن تعمل الرقابة الشرعية جاهدة في نصح المؤسسات غير الإسلامية للتحول إلى إسلامية(80).
27- وضع دليل عمل للعاملين في المؤسسة.
28- المشاركة في وضع قوانين لصيغ الاستثمار الإسلامية (المضاربة مثلاً).
29- تحديد الأخطاء المحتملة في العمل.
30- المشاركة في حل النزاعات والدعاوى من وعلى المؤسسة.
31- الاضطلاع بدور الممثل عن المودعين.
وبشكل عام يمكن القول بأن هيئة الفتوى تختص بمراجعة الأعمال المستجدة والإجابة عن استفسارات العاملين والمتعاملين مع المصرف وأن تعمل على إيجاد صيغ شرعية جديدة للمعاملات المخالفة للأحكام الإسلامية والتحقق من الحسابات الختامية والتأكد من نسب توزيع الأرباح وحجز الاحتياطيات والمخصصات وتقدير الزكاة المستحقة. أما الرقابة الشرعية فمهمتها هي متابعة التنفيذ.
- صعوبات تواجه الرقابة الشرعية:
تواجه هيئات الرقابة الشرعية عدداً من الصعوبات التي تعيق عملها, منها ما هو من داخل المصرف ومنها ما يتعلق بجهات عدة خارج المصرف, ومن هذه الصعوبات:(15/21)
أ - ندرة المتخصصين بفقه المعاملات في الشريعة الإسلامية بشكل عام, ومن يجمع مع فقه المعاملات الدراية بالعلوم المصرفية والبنكية بشكل أخص, وليس من السهل إيجاد أفراد يحسنونه من خلال برامج تدريب مهما طالت.
ب - عدم تفرغ أعضاء هيئات الرقابة الشرعية للعمل في المصارف الإسلامية.
ت - الاتصال بأعضاء الهيئات في كثير من الأوقات متعذر.
ث - لا تتوفر إجابات مباشرة للأسئلة فيما كتبه الفقهاء السابقين مما يؤدي إلى ضرورة الاجتهاد في معظم هذه المستحدثات الكثيرة.
ج - يلاحظ أن معظم موظفي المصارف الإسلامية ممن هاجروا من المصارف الربوية.
ح - غياب تفهم البنوك المركزية للعمل المصرفي الإسلامي وعدم الاستعانة بأعضاء رقابة شرعية مما يجعل ساحة عمل المصارف الإسلامية ضيقة إلى حد الاختناق.
خ - إن بعض هيئات الرقابة الشرعية لا تتمتع بالقوة القانونية لتحقيق أهدافها.
د - هناك اختلافات كبيرة في مفهوم الرقابة الشرعية وبالتالي في العمل الذي تقوم به الجهات التي تقوم بالرقابة الشرعية.
ذ - وانبنى على النقطة السابقة أن الأعمال الفنية لهيئات الرقابة الشرعية أصبحت غير متسقة, فليس هناك اتفاق على مفهوم مراجعة العمليات مثلاً.
ر - عدم تضمين تقرير الرقابة الشرعية التصريح بالاطلاع على كل أعمال المصرف.
ز - تواجه الرقابة الشرعية أنواعاً من التعاملات السيئة بين الناس, وندرة تعامل هؤلاء بطرق التعامل الإسلامية.
س - على الرغم من أهمية وندرة هذه الهيئات وتشابه وتشابك أعمالها إلا أنه ما زالت آليات التنسيق بين هذه الهيئات محدودة.
ش - كثير من المخالفات الشرعية في المصارف الإسلامية تسببها الإدارات, وليس الموظفين ولا الرقابة الشرعية.(15/22)
ومن الممكن القول وبشكل عام أن الرقابة من قبل العلماء إنما هي مراقبة مساعدة لأنظمة الرقابة المختلفة الأخرى, كما إنها تمثل جهاز تذكير للرقابة الأصلية المتواجدة في النفوس بالأساس كما إن من أعمالها تعليم وتنشيط. وتحفيز الوازع الإيماني لدى الموظفين وتنمية الرقابة الذاتية فيهم. وبجانب أهميتها بالنسبة للعملاء ومكانتها من حيث الأمر الشرعي بتواجدها فإنها وبشكل عام لن تحسب على أنها تكلفة إضافية على المؤسسة بل عنصر جذب للأموال من خلال إقناع العملاء بسلامة وشرعية المؤسسة. بالإضافة إلى عنصر البركة في الرزق الحلال.
المصادر والمراجع
1- القرآن الكريم (4/1).
2- صفة الفتوى والمفتي والمستفتي, الإمام أحمدالحراني الحنبلي, المكتب الإسلامي, بيروت, 1977م, ص4.
3- إعلام الموقعين عن رب العالمين, ابن القيم الجوزية, دار الجيل, لبنان, 1973, ج1ص9.
4- Hosny, M. "The Role of Religious Board", (in: Encyclopedia of Islamic Banking London, Institute of Islamic Banking and Insurance, 1995), pp. 97, 98.
5- كان عمر بن الخطاب يطوف بالأسواق ويضرب بعض التجار بالدرة ويقول: لا يبيع في سوقنا إلا من يفقه وإلا أكل الربا شاء أم أبى. رواه الترمذي, باب الوتر, حديث 21. وانظر: ضرورة توعية التجار الوسطاء بأمور دينهم, أنس عبد الهادي, مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي, جامعة الأزهر, القاهرة, السنة الأولى, العدد3, 1997,ص251.
6- تكثر التجاوزات فيمن يحترفون مهنة التجارة والوساطة فأغلبهم يضعون نصب أعينهم مصلحتهم المادية فقط في صورة تحقيق أكبر قدر من الأرباح مما قد يدفعهم إلى استخدام أساليب ترويجية وتسويقية غير مشروعة. انظر: ضرورة توعية التجار الوسطاء, أنس عبد الهادي, مرجع سابق, ص249. ومن هنا فمن الواجب على هذه الهيئات وضع أخلاقيات وشروط لمزاولة تلك المهن.
7- القرآن الكريم (4/1).
8- القرآن الكريم (28/21).(15/23)
9- إدارة المصارف التقليدية والمصارف الإسلامية, محمد سويلم, بدون ناشر, القاهرة, 1987, ص458.
10- النقود والمصارف في النظام الإسلامي, عوف الكفراوي, دار الجامعات المصرية, 1977, ص227.
11- أثر الرقابة الشرعية واستقلاليتها على معاملات البنك الإسلامي, فارس أبو معمر, البنك الإسلامي الأردني, 1994, ص4.
12- المدخل لفقه البنوك الإسلامية, عبد الحميد البعلي, الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية, القاهرة, 1983, ص153.
13- دور البنك المركزي في تحديد سياسات ونظم العمل المصرفي في ماليزيا والإطار الرقابي له, محمد عبد القادر, مؤتمر التجربة الماليزية في العمل المصرفي الإسلامي, اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية, الديوان الأميري, الكويت, 9-12/3/1996, ص73.
14- الضوابط الشرعية لمسيرة المصارف الإسلامية, بيت التمويل الكويتي, المؤتمر الثالث للبنوك الإسلامية, دبي, 23-25/10/1985, ص14.
15- ففي القانون الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم6 لعام 1985 في مادته 5 نص على تشكيل - بقرار من مجلس الوزراء- هيئة عليا شرعية تضم عناصر شرعية وقانونية ومصرفية تتولى الرقابة العليا على المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية للتحقق من مشروعية معاملاتها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية كذلك لإبداء الرأي فيما يعرض على هذه الجهات من مسائل أثناء ممارستها لنشاطها ويكون رأي الهيئة العليا ملزماً للجهات المذكورة, وتلحق هذه الهيئة بوزارة الشئون الإسلامية والأوقاف. انظر: مجلة الاقتصاد الإسلامي, العدد 134, يوليو 1992, ص50.
16- تصريح, صالح ملائكة الرئيس التنفيذي لقطاع الأموال بمجموعة دلة البركة, مجلة الشريعة, مجموعة دلة البركة, جدة, العدد الأول, 1996.
17- فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني, ص14.(15/24)
18- هيئة الفتوى ركن أصيل في بيت التمويل الكويتي, أحمد بزيع الياسين, مجلة النور, بيت التمويل الكويتي, العدد 149, 1997, ص25.
19- نحو معايير للرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية, محمد ضياء الدين بهجت, مجلة الاقتصاد الإسلامي, المؤسسة الإسلامية, لستر, بريطانيا, المجلد3, العدد2, 1994, ص29.
20- الفتوى والرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية, محمد عبد الحكيم زعير, دورة البنوك الإسلامية, معهد الإمارات للتدريب المصرفي, 18-23/4/1987, ص7. ويوافقه في هذا الرأي شحاته في بحثه المقدم لنفس الدورة بعنوان "أساسيات منهج الرقابة الداخلية الشاملة".
21- مشروع تقويم أداء البنوك الإسلامية, المعهد العالمي للفكر الإسلامي, القاهرة, 1992.
22- Shallah, R. "Jordan: The Experience of the Jordan Islamic bank", (in: R. Wilson"ed"), Islamic Financial Market, London, Routledge, 1990), p. 103.
23- من السمات الأساسية للقواعد المنظمة للنظام المصرفي الإسلامي في ماليزيا والتي أدخلت ضمن مشروع ISLAMIC BANKING SCHEM عام 1993 ما يلي: يطلب من بنوك ISB تعيين فرد أو أكثر مستشاراً للشريعة لكي يفتي ISLAMIC BANKING UNIT في المسائل المتعلقة بالشريعة. انظر: دور البنك المركزي في تحديد سياسات ونظم العمل المصرفي في ماليزيا والإطار الرقابي له, محمد عبد القادر, مرجع سابق, ص68.
24- أثر الرقابة الشرعية واستقلاليتها على معاملات البنك الإسلامي, فارس أبو معمر, مرجع سابق, ص6.
25- مشروع تقويم أداء البنوك الإسلامية, المعهد العالمي للفكر الإسلامي, مرجع سابق.
26- نفسه.
27- الضوابط الشرعية لمسيرة المصارف الإسلامية, بيت التمويل الكويتي, مرجع سابق, ص8.
28- المدخل لفقه البنوك الإسلامية, عبد الحميد البعلي, مرجع سابق, ص157.
29- أساسيات العمل المصرفي الإسلامي الواقع والآفاق, عبد الحميد البعلي, مكتبة وهبة, القاهرة, الطبعة الأولى, 1990, ص63.(15/25)
30- الاستثمار والرقابة الشرعية في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية, عبد الحميد البعلي, مكتبة وهبة, القاهرة, 1991, ص218.
31- المذكرة الإيضاحية لقانون بنك الكويت المركزي بشأن البنوك والمؤسسات المالية الاستثمارية الخاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية, مادة 91.
32- صفة الفتوى والمفتي والمستفتي, الإمام أحمد الحراني الحنبلي, مرجع سابق, ص29.
33- تعقيب على محاضرة راضي البدور, اقتصاديات عقود المشاركة بالأرباح, ندوة خطة الاستثمار في البنوك الإسلامية, مؤسسة آل البيت, عمان, الأردن, 1987, ص194.
34- الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية, البنك الإسلامي اليمني, المؤتمر الدولي للبنوك الإسلامية, صنعاء, 16-18/12/1996, ص5. والمفتي هو المخبر عن الله بحكمه. أو هو المتمكن من معرفة أحكام الوقائع شرعاً بالدليل مع حفظه لأكثر الفقه. انظر: صفة الفتوى والمفتي والمستفتي, الإمام أحمد الحراني الحنبلي, مرجع سابق, ص4.
35- والعدل من استمر على فعل الواجبات والمندوبات والصدق وترك الحرام والمكروه والكذب مع حفظ مروءته ومجانية الريب والتهم. انظر: صفة الفتوى والمفتي والمستفتي, الإمام أحمد الحراني الحنبلي, مرجع سابق, ص13.(15/26)
36- المدخل لفقه البنوك الإسلامية, عبد الحميد البعلي, مرجع سابق, ص57. والمجتهد هو من قامت فيه أهلية معرفة الأحكام الشرعية ا لتفصيلية من أدلتها المعتبرة عن طريق البحث والاستنباط مع إحاطته بالأمور الضرورية للاجتهاد. وشروط المجتهد: 1) حفظ وفهم أكثر الفقه وأصوله وأدلته. 2) المعرفة الجيدة بالكتاب والسنة وما ورد فيهما مما يتعلق بالأحكام. 3) معرفة الأدلة الشرعية من مجمل ومفصل والأمر والنهي والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ والعام والمقيد. 4) الإحاطة بالحديث وعلومه. 5) معرفة ما أجمع عليه الفقهاء. 6) معرفة القياس وأدلته وشروطه. 7) المعرفة الكاملة باللغة العربية وأساليبها ونحوها وصرفها. انظر: الفتوى والرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية, محمد عبد الحكيم زعير, مرجع سابق, ص ص4-5.
37- صفة الفتوى والمفتي والمستفتي, الإمام أحمد الحراني الحنبلي, مرجع سابق, ص13.
38- الفتوى والرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية, محمد عبد الحكيم زعير, مرجع سابق, ص3.
39- صفة الفتوى والمفتي والمستفتي, الإمام أحمد الحراني الحنبلي, مرجع سابق, ص70.
40- الضوابط الشرعية لمسيرة المصارف الإسلامية, بيت التمويل الكويتي, مرجع سابق, ص2.
41- الفتوى والرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية, محمد عبد الحكيم زعير, مرجع سابق, ص5.
42- الصفات الشخصية لمراقب الحسابات في الإسلام, بكر محمد نور قوته, مجلة الاقتصاد والإدارة, كلية الاقتصاد والإدارة, جامعة الملك عبد العزيز, جدة, العدد 18, سبتمبر 1993, ص43.(15/27)
43- روي الدارمي عن عبد الله بن أبي جعفر مرسلاً: "أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار". انظر: سنن الدارمي, عبد الله عبد الرحمن الدارمي, بيروت, ط1, 1996, المقدمة, ص20. قال المناوي في شرحه فيض القدير: لأن المفتي مبين عن الله حكمه, فإذا أفتى على جهل أو بغير ما علمه أو تهاون في تحريره أواستنباطه فقد تسبب في إدخال نفسه النار لجرأته على المجازفة في أحكام الجبار. انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير, محمد عبد الرؤوف المناوي, دار المعرفة, بيروت, بدون تاريخ.
44- Wilson, R. "Focusing on the Details of Creating Investment Vehicles", in: Reaping the Benefits of New Opportunities in Islamic Banking and Finance< London, IIR Conference, London, (21-22/3/1995), p.6.
45- أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار, علي أحمد السالوس, دار الاعتصام, القاهرة, 1990, ص36.
46- كالبنك الإسلامي للتنمية, ومصرف فيصل الإسلامي البحريني, وبنك البركة الإسلامي للاستثمار, وبنك التضامن الإسلامي. انظر: مشروع تقويم أداء البنوك الإسلامية, المعهد العالمي للفكر الإسلامي, مرجع سابق.
47- مشروع تقويم أداء البنوك الإسلامية, المعهد العالمي للفكر الإسلامي, مرجع سابق.
48- علاقة البنك المركزي بالبنوك الإسلامية, طعمة الشمري, مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية, جامعة الكويت, المجلد 11, العدد 28, أبريل 1996, ص ص160-161.
49- إدارة المصارف التقليدية والمصارف الإسلامية, محمد سويلم, مرجع سابق, ص ص472-473.
50- صفة الفتوى والمفتي والمستفتي, الإمام أحمد الحراني الحنبلي, مرجع سابق, ص35.
51- إعلام الموقعين عن رب العالمين, ابن القيم الجوزية, مرجع سابق, ج4, ص119.
52- أثر الرقابة الشرعية واستقلاليتها على معاملات البنك الإسلامي, فارس أبو معمر, مرجع سابق, ص18.(15/28)
53- مشروع معيار العرض والإفصاح العام في القوائم المالية والمؤسسات المالية الإسلامية, هيئة المحاسبة المالية للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية, المعيار: 3/6/2, ص10.
54- أثر الرقابة الشرعية واستقلاليتها على معاملات البنك الإسلامي, فارس أبو معمر, مرجع سابق, ص18.
55- Wilson, R. "Retail Development and Wholesale Possibilities", in: R. Wilson, Islamic Financial Market, London, Routedge, 1990, pp. 7-10.
56- علاقة البنك المركزي بالبنوك الإسلامية, طعمة الشمري, مرجع سابق, ص ص160-161.
57- النقود والمصارف في النظام الإسلامي, عوف الكفراوي, مرجع سابق, ص260.
58- أساسيات العمل المصرفي الإسلامي الواقع والآفاق, عبد الحميد البعلي, مرجع سابق, ص62.
59- مقابلة مع عبد الحميد البعلي, الكويت, اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية, الديوان الأميري, الكويت, 5/10/96.
60- التكييف العلمي والمهني لحيادية مراقب الحسابات الذي يقدم خدمات المراجعة الداخلية, علي إبراهيم طلبه, مجلة الإداري, معهد الإدارة العامة, سلطنة عمان, العدد 67, 1996, ص37.
61- مشروع تقويم أداء البنوك الإسلامية, المعهد العالمي للفكر الإسلامي, مرجع سابق.
62- النظام الأساسي لبنك دبي الإسلامي.
63- مشروع قانون بشأن المصارف والشركات الاستثمارية والمالية الخاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية, اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية, الديوان الأميري, الكويت, 1997, مادة 15.
64- مسئولية المراجع في ضوء القواعد الفقهية, عبد الستار أبو غدة, مجلة الاقتصاد الإسلامي, بنك دبي الإسلامي, الأعداد 200-202, 1997, ص21.(15/29)
65- وفي شهادة الزور العقاب بالتشهير عند جميع الفقهاء. وبشكل عام ليس لشهادة الزور تقدير شرعي, وعقابها متروك للحاكم. انظر: مسئولية المراجع في ضوء القواعد الفقهية, عبد الستار أبو رغدة, مرجع سابق, ص32.
66- رواه ابن ماجة بلفظ: "إن أمتي لا تجتمع على ضلالة" باب الفتن الحديث الثامن. وجاء في المسند: "فإن الله .. لن يجمع أمتي إلا على هدى" انظر: المسند لأحمد بن حنبل الحديث الخامس والحديث 145. ورواه الترمذي في باب الفتن الحديث السابع.
67- حديث حسن. رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسنداً, ورواه الإمام مالك في الموطأ مرسلاً. انظر: الإمام يحيى بن شرف الدين النووي, الأربعين نووية, دار القرآن الكريم, لبنان, الطعبة 15, 1990, ص106.
68- مسئولية المراجع في ضوء القواعد الفقهية, عبد الستار أبو غدة, مرجع سابق, ص29.
69- نفسه, ص33.
70- انظر البند الثاني من القرار السادس لمجمع رابطة العالم الإسلامي مكة المكرمة 1406هـ: يعني مجلس رابطة العالم الإسلامي بالمصارف الإسلامية كل مصرف ينص نظامه الأساسي على وجوب الإلتزام بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء في جميع معاملاته ويلزم إدارته بوجوب وجود رقابة شرعية ملزمة. حكم ودائع البنوك وشهادات الاستثمار في الفقه الإسلامي, علي أحمد السالوس, مجلة الأزهر, جامعة الأزهر, القاهرة, 1990, 134. كما نص القانون الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم6 لعام 1985 في مادته 6 على: يتعين النص في عقد التأسيس المصرف أو المؤسسة المالية أو الشركة الاستثمارية الإسلامية وفي النظام الأساسي لكل منها على تشكيل هيئة للرقابة الشرعية لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة تتولى مطابقة معاملاتها وتصرفاتها لأحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها ويحدد النظام الأساسي لكل منها كيفية تشكيل هذه الهيئة وأسلوب ممارستها لعملها واختصاصاتها الأخرى. انظر: مجلة الاقتصاد الإسلامي, العدد 134, يوليو 1992, ص50.(15/30)
71- سمح القانون الباكستاني المعدل في 26/6/1980 لحملة شهادات Participation Tem Certificate أن يعينوا أميناً مهمته التأكد من حسن إدارة العمل الذي تستثمر فيه أموال هذه الشهادات وله في سبيل ذلك حق التفتيش على السجلات وطلب المعلومات وزيارة مكان العمل. انظر: إدارة المصارف التقليدية والمصارف الإسلامية, محمد سويلم, مرجع سابق, ص ص471-472.
72- انظر على سبيل المثال: المذكرة الإيضاحية لقانون بنك الكويت المركزي, مرجع سابق, المادتين, 99-100. كما تقوم الرقابة الشرعية في شركة الراجحي المصرفية للاستثمار بالإشارة إلى العمل الذي قامت به على شكل ملاحظة على القوائم المالية ويقوم مراجع الحسابات الخارجية بلفت انتباه القارئ على هذه الملاحظات. نحو معايير للرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية, محمد ضياء الدين بهجت, مرجع سابق, ص22.
73- أثر الرقابة الشرعية واستقلاليتها على معاملات البنك الإسلامي, فارس أبو معمر, مرجع سابق, ص20.
74- المدخل لفقه البنوك الإسلامية, عبد الحميد البعلي, مرجع سابق, ص171. وانظر: هيئة الفتوى ركن أصيل في بيت التمويل الكويتي, أحمد بزيع الياسين, مرجع سابق, ص24. وانظر: ومشروع معيار العرض والإفصاح العام في القوائم المالية والمؤسسات المالية الإسلامية, هيئة المحاسبة المالية للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية, المعيار: 3/6/2, ص10. وانظر كذلك: مادة78, من النظام الأساسي لبنك دبي الإسلامي.
75- انظر على سبيل المثال: النظام الأساسي لبنك دبي الإسلامي, المواد: 63-78-79.
76- إعلام الموقعين عن رب العالمين, ابن القيم الجوزية, مرجع سابق, ج4, ص159.(15/31)
77- تقوم بمثل ذلك إدارة التدقيق الشرعي بمصرف قطر الإسلامي. انظر: التدقيق الشرعي في المصارف الإسلامية, محمود عبد الباري, مجلة الاقتصاد الإسلامي, بنك دبي الإسلامي, العدد188, ديسمبر 1996, ص45. وانظر: الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية, المؤتمر الدولي للبنوك الإسلامية, مرجع سابق, ص9.
78- في دراسة أبو معمر كانت 61.9% من العينة للرقابة الشرعية يقومون بالرقابة اللاحقة. انظر: أثر الرقابة الشرعية واستقلاليتها على معاملات البنك الإسلامي, فارس أبو معمر, مرجع سابق, ص ص25-31.
79- وجاء في دراسة بهجت أيضاً أن 67% من العينة تحتوي تقاريرها على فقرة تشير إلى نطاق العمل. و63% تحتوي على فقرة تشير إلى الرأي حول الالتزام بالشريعة الإسلامية. بينما 17% يحتوي التقرير على شكر الإدارة. و13% يحتوي على شكر جمهور المتعاملين. وفقط 8% احتوت على تحفظات حول الالتزام بالشريعة. انظر: نحو معايير للرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية, محمد ضياء الدين بهجت, مرجع سابق, ص23.
80- مقابلات مع الشيخ محمد عبد الحكيم زعير, المراقب الشرعي, بنك دبي الإسلامي, (بيت التمويل الكويتي, 1/11/1995, دبي, 21/8/1996, دبي, 24/8/1996).
??
??
??
??
20 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي -جامعة أم القرى
19
الرقابة الشرعية الفعالة في المصارف الإسلامية(15/32)
الرقابة الشرعية : الواقع والمثال
الأستاذ/ فيصل عبد العزيز فرح
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
إن تجربة البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية تعتبر تجربة حديثة نسبياً وقد جاءت هذه التجربة بعد أكثر من قرن من نشوء المصارف في العالم بمعناها الحديث عقب النهضة الصناعية للغرب ورغم ذلك أثبتت تقدماً يرجع إلى حد كبير إلى السلامة العقائدية التى أسست عليها هذه الحركة وبدأت نماذج الرقابة الشرعية متزامنة مع نشأة المصارف الإسلامية في العقد السابع من القرن الماضي ـ أي القرن العشرين . وواكبت هيئات الرقابة الشرعية نمو وتطور حركة المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية وأدت دور الفتوى والرقابة الشرعية مع تفاوت البيئات المصرفية والقانونية والفقهية التى كابدتها هذه الحركة .
وعقيب استقرار التجربة وتطورها استجدت الحاجة إلى هياكل جديدة للرقابة الشرعية على مستوى قطري و/أو إقليمي و/أو دولي .
ولا ينكر أحد مساهمة هيئة الرقابة الشرعية في مراحل تأسيس هذه المصارف والمؤسسات أو مساهمتها في التأسيس والتطوير الشرعي لأعمالها ونشاطاتها في هذا المجال جد مقدرة وإنجازاتها جلية واضحة .
ولكن مع ذلك فإن هيئة الرقابة الشرعية يجرى عليها ما يجري على غيرها من النظم والهياكل ذلك أنها لم تزل في طور النمو والتحديث وهناك عدة متطلبات وإشكاليات في حاجة للمزيد من البحث، وهناك مجال واسع للتغيير والتطوير يستأثر باهتمام العلماء والمفكرين، والممارسين، وأصحاب المصالح، والمؤسسات العلمية والمهنية الإسلامية والعالمية . وهيئات الرقابة الشرعية معنية بذلك بل أنها تسهم في دراسة وبلورة اتجاهات المستقبل لهذه الحركة المصرفية والمالية في إطار الاقتصاد الإسلامي بمعناه الشامل والذي يمثل هو الآخر نظاماً فرعياً في نطاق الحضارة الإسلامية والدعوة الى استئنافها في الحياة المعاصرة .(16/1)
لا ريب ان هذه الدراسة إسهاماً متواضعاً إذا ما قسناه بالجهد المطلوب والعمل المرتقب، وإذا أفلحت هذه الدراسة في إعادة تبويب وطرح الأولويات وإثارتها فهذا ما تصبو إليه .
تمهيد:
انبثقت منظومة المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية لتحقق الوجود العملي للاقتصاد الإسلامي وتكون إحدى أدواته الفعّالة من الوجهة النقدية والمالية، ولرعاية خطى هذه المنظومة كان لابد من ناظم شرعي يكفل لها المشروعية، وصحة المسار، وسلامة الغايات والوسائل والأدوات فجاءت : هيئة الرقابة الشرعية لتقوم مقام هذه الوظائف الحيوية الجليلة.
ورغم أن عمر المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية يعتبر نذراً يسيراً مقارنة بالعمر الزمني للنظام المصرفي في العالم ـ القائم على الفلسفة المادية من ربا وغيره ـ إلا أنّ مرور عقوداً عديدة على تأسيس وتطور نماذج هيئة الرقابة الشرعية المؤسسية من خلال محك العمل والممارسة ولّد الكثير من القضايا والمستجدات وأثار العديد من الدراسات النقدية البناءة لا سيما أن رائد التجربة : تقديم مثال نموذجي للمجتمع الاقتصادي الإسلامي بصفة محددة، والمجتمع الاقتصادي العالمي في بعض جوانبه الرئيسة بصفة عامة .
وحتى نستحث الخطى ونقدح زناد الفكر قدمنا هذا البحث ليكون تعبيراً علمياً عن إمكانات الواقع وتجاربه، وتطلعات المثال وطموحه مما يكشف المجالات المتسعة والطاقات الكامنة التى من شأنها أن ترفد هذا النظام المالي والمصرفي وتغذيه بدفق ٍجديد من الفكر والعمل وروح التجديد صعداً في مواجهة التحديات والفرص في ظل عالم متغير ومستقبل واعد ـ بإذن الله وفضله .
Abstract:(16/2)
It is important, here to identify that the experience of the banks and Islamic financial institutions shall be considered as a modern system which arising out after more than one century from the establishing of traditional banks in the world in its recent meaning particularly after the great western industrial revaluation.
Despite that the Islamic banks manager to atten the greater part of success that after to the willingness of good ethics and believes.
The model of Sharia control has grown up simultaneously with the establishment of the Islamic banks in the seventh decade from the last century - mainly the 20th century.
The Sharia boards and its fatawa played a significant role in spite of the diverse environment of banking and laws, regulation, jurisprudentially issues, which incurred.
The distinctive factor that participation of Sharia boards controls in developing its activities and researchers in the field of Islamic banking is undeniable but there is still a need to a dramatic change in providing new categories and specific means and measures to Sharia control in country, regional, and international levels.
The system and the Sharia boards control need further elaboration and studies not only the qualifications but also to build a professional practice according to an obvious view in order to reach the goals in its mainframe of the banking system which represent a branch system in the frame of the Islamic civilization and an invitation to appeal in the contemporary life.(16/3)
No doubt that this study represent a modest contribution and attempt to cover the shortage along this direction in anonlge to required efforts and expected tremendous task if so, at least in preparing the priorities and the intended achievement.
The research will be touching following issues:
1- The legal foundation.
- Independence and legal argumentative.
- The legal platform to establish Sharia boards.
- The formability of Sharia board decision.
- The status of Sharia board in the general framework of the financial institution as a source of independence.
2- jurisprudential references.
3- Independent patrimony.
4- Membership construction.
5- Duties of the work of Sharia control.
6- Recommendations.
هيكل البحث :
ويشتمل هيكل البحث على الموضوعات التالية :
(1) التأسيس القانوني :
( الاستقلالية والحجية القانونية ) : السند القانوني لإنشاء الهيئة .
…………: المسمى التنظيمي للهيئة .
…………: مدى إلزامية قرارات الهيئة .
… : اختيار الهيئة في التراتب التنظيمي باعتباره مصدراً للاستقلالية .
(2) المرجعية الفقهية .
(3) الاستقلالية المالية .
(4) هيكلة العضوية ……: العضوية من حيث العدد .
: العضوية من حيث التركيبة التخصصية .
: مدة العضوية وتجديدها (دورة التعاقب ) .
: الاستعفاء والإعفاء من العضوية .
: الأهلية والخبرة .
(5) نطاق أعمال الرقابة الشرعية .
وينتهي البحث بتوصيات .
( ( (
الفصل الأول
مفهوم الرقابة الشرعية
يمكن أن نقول أن مفهوم الرقابة الشرعية ظلّ يدور في إطارين مؤثرين :
الأول : أنه يعبر عن التجربة التاريخية للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية وتطورها في كل مرحلة زمنية منذ التأسيس .(16/4)
الثاني : أنه مفهوم لم يتبلور بعد وفق صياغة علمية متفق عليها ـ عموماً إن لم يكن إجماعاً ـ ومرد ذلك انه يرتبط بالتأسيس الشرعي للرقابة وهو ما لم يجد الدراسة العلمية المنهجية الكافية الى اليوم حسب علمنا .
ويظهر تأثير هذين الإطارين في نشوء مفهوم الرقابة الشرعية ولا أقول التأسيس الشرعي لها ـ مستنداً على درجة من العمومية والتعبيرات الفضفاضة حمّالة الوجوه :
فقد بدأ التعبير عنها مفهومياً بأنها : " جميع العناصر والأنشطة الرقابية التي تستخدم للتأكد من مطابقة أعمال البنك الإسلامي للشريعة ".1
أو أن : " الرقابة الشرعية في المصرف إسلامي هي معرفة الإطار العام للشريعة وضوابطها والاستثمار أو زيادة رأس المال بما يتفق معها " .2
أو إنها : " .. متابعة وفحص وتحليل كافة الأعمال والتصرفات والسلوكيات التى يقوم بها الأفراد والجماعات والمؤسسات والوحدات وغيرها للتأكد من أنها تتم وفقاً لأحكام وقواعد الشريعة الإسلامية وذلك باستخدام الوسائل والأساليب الملائمة المشروعة وبيان المخالفات والأخطاء وتصويبها فوراً وتقديم التقارير الى الجهات المعنية متضمنة الملاحظات والنصائح والإرشادات وسبل التطوير الى الأفضل .3
وكذلك أنها : " كل العناصر التى يتحقق بها ضبط المسيرة الشرعية للمصارف الإسلامية .4
ولكن بمضي التجربة في الرقابة الشرعية قدماً واستقرار وهيكلة الرقابة الشرعية أخذت تلوح شيئاً فشيئاً تعريفات الرقابة الشرعية مرتبطة بهيكلها "أي المؤسسية التى تستند إليها الرقابة الشرعية " .(16/5)
ومن التعريفات في هذه المرحلة تعريف د. أبو غدة : ".. إنها هي متابعة وفحص وتحليل الأنشطة والأعمال والتصرفات والعمليات التى تقوم بها المؤسسة للتأكد من أنها تتم وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية وذلك باستخدامها الوسائل والأساليب الملائمة المشروعة، مع بيان المخالفات والأخطاء وتصويبها ووضع البدائل المشروعة لها، وتقديم التقارير الى الجهات المعنية متضمنة إبداء الرأي الشرعي والقرارات والتوصيات والإرشادات لمراعاتها في الحاضر لتحقيق الكسب الحلال وكذلك في المستقبل بغرض التطوير الى الأفضل .5
وعرّف معيار الضبط للمؤسسات المالية والإسلامية رقم (1) بشأن تعيين هيئة الرقابة الشرعية وتكوينها وتقريرها بأن الهيئة هي : جهاز مستقل من الفقهاء المتخصصين في فقه المعاملات ويجوز ان يكون أحد الأعضاء من غير الفقهاء على ان يكون من المتخصصين في مجال المؤسسات المالية وله إلمام بفقه المعاملات . ويعهد لهيئة الرقابة الشرعية توجيه نشاطات المؤسسة ومراجعتها والإشراف عليها للتأكد من التزاماتها بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وتكون فتاواها وقراراتها ملزمة للمؤسسة .
وعرّف معيار الضبط رقم (2) ـ الرقابة الشرعي ـ كما يلي نصه :6
الرقابة الشرعية هي عبارة عن فحص مدى التزام المؤسسة بالشريعة في جميع أنشطتها، ويشمل الفحص العقود، والاتفاقيات، والسياسات، والمنتجات، والمعاملات، وعقود التأسيس، والنظم الأساسية، والتقارير وخاصة تقارير المراجعة الداخلية وتقارير عمليات التفتيش التى يقوم بها البنك المركزي، والتعاميم ...إلخ .(16/6)
ويلاحظ البون الشاسع بين تعريف معيار الضبط (2) ومعيار الضبط (1) فبقدر ما كان التعريف في معيار الضبط (1) تعريفاً واسع الأفق قاطع النص تستمد هيئة الرقابة الشرعية منه القوة والحجة الملزمة إزاء الجهات المختلفة جاء التعريف في معيار الضبط (2) وهو التعريف الذي ينصب على معنى الرقابة الشرعية ذاتها جاء قاصراً هشاً لا يحتمل في نطاقه إلا العمليات والمستندات والسياسات والمنتجات ...الخ المنفذة فعلياً فهو تعبير عن رقابة لاحقة وهي نوع من الرقابة مهما تكن أهميته فأثره محدود في توجيه أو تطوير المؤسسة المالية أو تقويمها أو تصحيح مسارها، ولربما كان معياري الضبط (1) و(2) ما زالا في طور المشروع ويغلب على ظني أيضاً أن هذا التعريف الوارد في معيار الضبط رقم (2) يأتي متصلاً بمهام الرقابة الشرعية الداخلية ولكن وحتى في ظل هذا الافتراض يظل التحفظ قائماً بدرجة أقل .
ويلاحظ أيضاً تناقض واختلاف التعريفيين عن بعضهما الأمر الذي يتطلب مراجعة دقيقة تجريها هيئة المحاسبة والمراجعة لهذين التعريفين وما انبنى عليهما من معايير وتفاصيل وذلك يعتبر أمراً هاماً حيث يمثل المجلس الشرعي للهيئة رأي العديد من الهيئات والمؤسسات وثلة من العلماء الإجلاء، ويعتبر تعريف الرقابة الشرعية وهيئة الرقابة الشرعية باتفاق هذا المجلس أو أغلبية أعضائه تطوراً جديداً ومعتبراً في سياق التجربة التاريخية لنماذج الرقابة الشرعية لاسيما أن بعض البنوك المركزية في الدول الإسلامية بادرت بتبني هذه المعايير وإصدارها في شكل تعليمات أو توجيهات للمصارف الإسلامية كأحد عناصر ومعايير الضبط في هذه المؤسسات .
( ( (
الفصل الثاني
أهداف ومهام هيئة الرقابة الشرعية
تعرضت العديد من أدبيات المصارف الإسلامية، والخبراء في هيئات الرقابة الشرعية لأهداف ومهام هيئة الرقابة الشرعية :
ويرى د. أبو غدة7إن أهداف الهيئة تتمثل في :(16/7)
1- تحقيق التزام المصرف والمؤسسة بالأحكام والمبادئ الشرعية .
2- إيجاد الصيغ والعقود والنماذج المعتمدة شرعاً، بتطوير تلك المتبعة في مجال المصارف أو تقديم البدائل الشرعية لها كلما أمكن ذلك .
3- إثراء فقه المعاملات المالية بتطوير الصيغ المعروفة واستحداث صيغ ومنتجات جديدة وتطوير البحث في الاقتصاد الإسلامي والعمل المصرفي الإسلامي .
4- التزام العاملين في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية بالأحكام الشرعية الواجب مراعاتها في النشاط المصرفي الإسلامي .
5- طمأنة الجمهور من المتعاملين مع المصرف وغيرهم على شرعية النشاط الذي تقوم به المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية.
وقد أضاف د. أبو غدة لها هدفاً سادساً8 وهو :
- المساعدة في تأهيل العاملين وتدريبهم، وتطوير البحث في الاقتصاد الإسلامي والعمل المصرفي الإسلامي .
ويضيف د. فارس9 من الأهداف التالي :
- التأكد من تصميم النماذج والنظم والسجلات طبقاً للشريعة الإسلامية .
ودمجت هيئة الرقابة الشرعية ببنك فيصل الإسلامي السوداني بين الأهداف والمهام حيث ذكرت لائحتها التاسيسية المادة (2) : يعهد لهيئة الرقابة بالمهام الآتية :
(أ ) الاشتراك مع المسئولين بالبنك في وضع نماذج العقود والاتفاقات والعمليات العائدة لجميع معاملات البنك مع المساهمين والمستثمرين والغير ـ وفي تعديل وتطوير النماذج المذكورة عند الاقتضاء، وفي إعداد العقود التى يزمع البنك إبرامها مما ليس له نماذج موضوعة ممن قبل وذلك كله بقصد التأكد من خلو العقود والاتفاقات والعمليات المذكورة من المحظورات الشرعية .
(ب ) إبداء الرأي من الناحية الشرعية فيما يحيله إليها مجلس الإدارة أو المدير العام من معاملات البنك .
(ج) تقديم ما تراه مناسباً من المشورة الشرعية الى مجلس الإدارة في أي أمر من الأمور العائدة لمعاملات البنك .(16/8)
(د) مراجعة عمليات البنك من الناحية الشرعية للتحقق من تنفيذ مقتضى ما جاء في البنود ( أ، ب، ج ) السابقة .
(3) تقدم هيئة الرقابة الشرعية دورياً وكلما اقتضى الأمر تقاريرها وملاحظاتها الى كل من المدير العام ومجلس الإدارة .
(4) تقدم هيئة الرقابة الشرعية للجمعية العمومية للمساهمين تقريراً سنوياً مشتملاً على رأيها في مدى تمشي البنك في معاملاته مع أحكام الشرع، وما قد يكون لديها من الملاحظات في هذا الخصوص .
(5) تباشر هيئة الرقابة عملها وفقاً للائحة تقترحها ويصدر بمقتضاها قرار من الجمعية العمومية للمساهمين . ولرئيس الهيئة أو نائبه حق حضور اجتماعات الجمعية العمومية للمساهمين وللهيئة كذلك طلب إدراج أي موضوع في جدول اجتماع أي جمعية عمومية ومناقشته في الاجتماع والاشتراك بخصوصه في المداولات بدون أي يكون لها صوت عند إصدار القرارات .
وليس من شأن هذا البحث تحليل الجوانب القانونية والفنية لهذه الأهداف والمهام ولكن من البين أنّ البنود (3) و(4) بنوداً إجرائية وأقصى ما يمكن أن يتم إيرادها ضمن وسائل الهيئة لتحقيق الأهداف المنوطة بها، ولربما كان غياب التجارب الحقيقية للرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية في ذلك الحين أثره في ضعف وهشاشة هذه الفقرات ولكن مما يدعو للاستغراب إنها ما زالت سارية المفعول !!.
أما هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية فإنها حددت الهدف من الرقابة الشرعية في نص واحد وهو :
تهدف الرقابة الشرعية الى التأكد من أن الأنشطة التي تقوم بها المؤسسة لا تخالف الشريعة الإسلامية ويتطلب تحقيق هذا الهدف أن تكون الشريعة ملزمة للمؤسسة .10(16/9)
ويمكن في هذه العجالة القول بأن هذا النص يختزل الرقابة الشرعية في الأعمال التى يتوازى دورها فيها ووظيفة المراجع القانوني من الناحية الفنية والإجرائية البحتة وهذا المفهوم يرتد بأهمية الرقابة الشرعية لوقت ميلادها الأول ويلف مستقبلها بالغموض والضباب .
ولعل أفضل وأكثر الأهداف بياناً ما تبنته مجموعة البركة المصرفية وقد أورده ملحق قرار إداري رقم (3) لعام 2002 بعنوان ( اللائحة الداخلية لهيئة الرقابة الشرعية الموحدة لمجموعة دلة البركة المصرفية ) مع أنها أيضاً جمعت بين المهام والأهداف . ونعني بذلك الفقرة (ثالثاً) : مهام واختصاصات الهيئة :
1- إبداء الرأي الشرعي في الأنظمة ولوائح العمل والعقود والتطبيقات للتأكد من خلوها من أي محظور شرعي، وكل ما يتطلبه أداء ذلك من رقابة وتدقيق ومتابعة .
2- إصدار الفتاوى الشرعية والتوصيات والمشورة لتوحيد الأسس والأحكام الشرعية التى يبنى عليها النشاط المصرفي والمالي والتجاري في المجموعة .
3- مراقبة سياسات وأداء وحدات المجموعة المختلفة ونشاطاتها بغرض إخضاعها لأحكام وقيم الشرعية الإسلامية ومبادئ الاقتصاد والصيرفة الإسلامية .
4- تنقية أنظمة ولوائح وحدات المجموعة ونشاطها من المعاملات الربوية وحيلها الظاهرة والخفية وكل ما من شأنه أن يؤدي الى كل أموال الناس بالباطل .
5- العمل على وضع صيغ المعاملات الإسلامية موضع التنفيذ واستنباط الصيغ التي تناسب كل احتياجات التمويل وتطوير أدوات تمويل مناسبة .
6- إبداء الرأي الشرعي في المعاملات واستفسارات الوحدات التى تحال إلي الهيئة من إدارات الوحدات أو مستشاريها الشرعيين أو هيئاتها الشرعية .
7- تقديم ما تراه مناسباً من مبادرات واقتراح وابتكار صيغ أو منتجات الى رئيس مجلس الإدارة للدراسة أو الإحالة للوحدات المختصة .(16/10)
8- ترتيب زيارات ميدانية للوحدات بالداخل والخارج بهدف التدعيم والتطوير والتنسيق فيما يتعلق بالجوانب الشرعية والتنسيق .
9- تقديم تقرير سنوي شامل لرئيس مجلس الإدارة ولمجالس الإدارات يبين خلاصة ما تم عرضه من حالات وما جرى بيانه من آراء في المعاملات المنفذة، حسب اللوائح والتعليمات المطبقة .
10- مراجعة العقود ( النمطية ) والمزمع إبرامها للتأكد من مطابقتها للضوابط الشرعية .
11- المشاركة في تعميم وتطوير مختلف الصيغ والأدوات المقترحة وما يتعلق بالصناديق الاستثمارية والإصدارات والتأكد من التزامها بالأحكام الشرعية .
12- تفعيل آليات المراقبة والتدقيق الشرعي بإنشاء إدارة للتدقيق الشرعي الداخلي ومراقبة بعض العمليات بالانتقاء أو بطلب الجهة المعنية .
ويلاحظ أن الهيئة الشرعية الموحدة تعمل في مجال واسع النطاق بحسبان أنها تنتمي لمجموعة مصرفية دولية .
أما في مستوى الهيئات الشرعية المركزية والتي تشرف علي البنوك الإسلامية فان الأهداف تبقى كما هي ولكن مع توسع نطاق أعمال الهيئة حيث يشمل نشاطها البنك المركزي نفسه .
أما من حيث الاختصاصات فقد ورد ما يأتي :11
19- تكون للهيئة الاختصاصات التالية :
أ - النظر وإبداء الرأي في المسائل التى تعرض عليها من الوزير او المحافظ او مديري المصارف او المتعاملين مع المصارف أو المتعاملين مع المصارف والمؤسسات المالية وإصدار الفتاوى والتوصيات والمشورة .
ب- معاونة أجهزة الرقابة الفنية في البنك والمصارف والمؤسسات المالية على أداء مهامها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية .
ج- مساعدة البنك والمصارف والمؤسسات المالية في وضع وتنفيذ برامج التأهيل والتدريب بما يمكن هذه الجهات من الوصول بالعاملين فيها لمرتبة الصيرفي الفقيه .
د - معاونة إدارات وأقسام البحوث على تطوير البحث العلمي وتشجيع النشر بما يخدم الأهداف والاختصاصات .(16/11)
هـ- النظر في الخلافات الشرعية التى تنشأ بين الجهات الخاضعة لأحكام هذا القانون والمتعاملين معها وإصدار الفتاوى والتوصيات بشأنها .
و- أي اختصاصات أخرى تراها الهيئة لازمة لتحقيق أهدافها بشرط موافقة الوزير عليها .
ويمكن القول أنه وبشكل عام فإن النص على الهيئة العليا للرقابة الشرعية لهو خطوة ملموسة في نطاق التشريع السوداني حيث أنشئت هذه الهيئة بقرار وزاري بالرقم 184/1992 بتاريخ 28 رمضان 1412هـ ـ 2 مارس 1992م .
ولا شك أيضاً أن أهداف ومهام مثل هذه الهيئة تختلف نوعياً عما عداها من هيئات رقابة، إذ تعتبر تنظيمياً وهيكلياً بمثابة جهاز أعلى داخل القطر ولكن هذا مالا احسه من خلال نصوص هذا المشروع . بل أن العلاقة التنظيمية والعملية بين الهيئة العليا وهيئات الرقابة الشرعية في البنوك السودانية لم ترد في هذا القانون إلا إذا اعتبرنا أن هيئات الرقابة الشرعية منفردة أو متضامنة في المنظومة المصرفية الوطنية تعامل كأحد أجهزة الرقابة الفنية الواردة في الفقرة (ب) فهل عنى المشرع ذلك ؟! وهل قصد المشرع الاستغناء عن هيئات الرقابة الشرعية في البنوك في الحاضر أو المستقبل ؟! .
أما لائحة الهيئة العليا للفتوى والرقابة الشرعية للاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية فقد نصت في المادة (3) من الباب الثاني على أغراض (أهداف ) الهيئة كما يلي :
أ - توفير الثقة لدى المتعاملين مع البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية بأن معاملاتها تتفق وأحكام الشريعة الإسلامية .
ب- تحقيق الانسجام بين ما يصدر عن أجهزة الفتوى والرقابة الشرعية في مختلف البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية لتلافي ما قد يكون بينها من تضارب في هذا المجال .(16/12)
ج- العمل على استنباط المزيد من الأدوات والسياسات المالية التى تتفق وأحكام الشريعة الإسلامية وتغطي احتياجات العصر ومتطلبات التطور وتقديمها الى البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية عملاً على تطوير الأساليب والخدمات المصرفية .
كما نصت المادة (4) من هذا الفصل على ما يلي :
: وفي سبيل تحقيق الهيئة للأغراض الموكولة إليها تختص بالآتي بصفة رئيسة :
أ - إبداء الرأي الشرعي فيما يعرض عليها من مسائل من جانب أمانة الاتحاد أو أجهزة الفتوى بالبنوك والمؤسسات الأعضاء أو غيرها .
ب - بحث ملائمة الممارسة العملية التى تقوم البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية بتطبيقها مع الشريعة الإسلامية .
ج- نشر الآراء الشرعية فيما يجري من معاملات في الأسواق المالية، والتصدي لما يتم من معاملات غير متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية سواء في الصحف أو الدوريات المختصة أو بإصدار النشرات والكتيبات والمراجع اللازمة .
د- تغذية البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية أولاً بأول بما يتفق عليه من آراء حول المعاملات المصرفية التى تقوم بها هذه المؤسسات .
هـ - البت فيما قد يثور من خلاف في التطبيق بين البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية الأعضاء بالاتحاد .
و- النظر في التطبيقات العملية التى يظن أنها وقعت مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية .
ز- السعي نحو اتخاذ فكر شرعي موحد حول صور وأشكال المعاملات .
س - التصدي لبيان الأحكام الشرعية حول المسائل الاقتصادية التى جدت أو تجد وتقوم عليها مصالح ضرورية في البلاد الإسلامية .
ش- إصدار البحوث الشرعية بما يمكن من دعم الحركة الفكرية التى تهدف الى صياغة النظرية الإسلامية في المال والاقتصاد
ورغم انه يبدو واضحاً تأثير الأوضاع المحيطة بهذه اللائحة في إعدادها وصياغتها على هذا الوجه فإنها اشتملت على ثلاثة أقسام من الأهداف :
(1) أهداف واختصاصات توجيهية .
(2) أهداف واختصاصات تنسيقية .(16/13)
(3) أهداف واختصاصات الفتوى الصادرة من الهيئة العليا تلقائياً، أو باعتبارها محكماً بين أطراف أخرى .
وقد جاءت هذه الأهداف والاختصاصات ملائمة لهيئة رقابة دولية ما تزال تلتمس الطريق الى إبداع فكر شرعي موحد كما جاء بحق في أحد بنود اللائحة .
( ( (
الفصل الثالث
هيئة الرقابة الشرعية المؤسسية :
ونعني بهيئة الرقابة الشرعية المؤسسية، هيئة الرقابة داخل البنوك أو المؤسسات المالية الإسلامية باعتبارها مفردات للنظام أو المنظومة المصرفية والمالية الإسلامية، وباعتبار ان البنك / المؤسسة هو الوحدة المالية / في قاعدة النظام .
وسنعرض لدراسة هيئة الشرعية المؤسسية من خلال العناوين التالية :
(1) التأسيس القانوني ويعني (الاستقلالية والحجية القانونية) :
أ/ السند القانوني لإنشاء الهيئة .
ب/ المسمى التنظيمي للهيئة .
ج/ مدى إلزامية قرارات الهيئة .
د/ اختيار الهيكلة في التراتب التنظيمي باعتباره مصدراً للاستقلالية .
(2) المرجعية الفقهية .
(3) الاستقلالية المالية .
(4) هيكلة العضوية :
أ/ العضوية من حيث العدد .
ب/ العضوية من حيث التركيبة التخصصية .
ج/ مدة العضوية وتحديدها (دورة التعاقب ) .
د/الاستعفاء والإعفاء من العضوية .
هـ/ الأهلية والخبرة .
(5) نطاق أعمال الرقابة الشرعية .
(1)
التأسيس القانوني
( الاستقلالية والحجية القانونية )
(1)-(أ) :
السند القانوني لإنشاء الهيئة :
هناك عدة نماذج للتأسيس القانوني للهيئة الشرعية نوجزها كما يلي :
- الإلزام القانوني بالنص عليه في التشريع .
- الإلزام القانوني بالنص عليه بقانون خاص .
- الإلزام القانوني بالنص في النظام الأساسي للبنك /المؤسسة المالية .
- السكوت عنه .
ومن نماذج الإلزام القانوني بالنص عليه في تشريع عام :(16/14)
- ما ورد في قانون اتحادي رقم (6) لسنة 1985م بشأن : المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية الصادر في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث أورد التشريع في المادة (6):
يتعين النص في عقد تأسيس المصرف أو المؤسسة المالية أو الشركة الاستثمارية الإسلامية وفي النظام الأساسي لكل منها على تشكيل هيئة للرقابة الشرعية لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة وتعرض أسماء هيئة الرقابة الشرعية على الهيئة العليا المنصوص عليها في المادة السابقة لإجازتها قبل صدور قرار التشكيل .
ومن نماذج الإلزام القانوني بالنص عليه بقانون خاص ما أورده القانون رقم
(28) لسنة 1977 إنشاء بنك فيصل الإسلامي المصري ـ المادة (3) ونصها :
تشكل بالبنك هيئة للرقابة الشرعية تتولى مطابقة معاملاته وتصرفاته لأحكام وقواعد الشريعة الإسلامي للبنك،ويحدد النظام الأساسي للبنك كيفية تشكيلها وممارستها لعملها واختصاصاتها الأخرى .
ومن نماذج الإلزام القانوني بالنص النظام أو اللائحة التاسيسية للبنك / المؤسسة المالية ما نص عليه النظام الأساسي لبنك فيصل الإسلامي السوداني :
(1) تشكيل هيئة الرقابة الشرعية من ثلاثة أعضاء على الأقل وسبعة على الأكثر من علماء الشرع تعينهم الجمعية العمومية للمساهمين لثلاث سنوات وتحدد أتعابهم في قرار
التعيين . ويجوز إعادة تعيين من انتهت عضويته منهم . وفي حالة خلو منصب أحد الأعضاء قبل نهاية مدته يعين مجلس الإدارة من يحل محله لنهاية المدة المذكورة .
ومن النماذج التى سكتت عن إيراد إلزامية تأسيس هيئة رقابة شرعية :
مرسوم بتأسيس بنك دبي الإسلامي بينما أشار عقد التأسيس الى المرجعية الشرعية :
تلتزم الشركة بصفة أساسية بان تقوم بجميع أعمالها طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية أخذاً وعطاء .(16/15)
كما سكت عن ذلك مرسوم بالقانون رقم 72 لسنة 1977 بالترخيص في تأسيس شركة مساهمة كويتية باسم بيت التمويل الكويتي واكتفت المذكرة الإيضاحية للمرسوم بالإشارة الى مبدأ استلهام مبادئ الشريعة الإسلامية وجعلها مصدراً أساسياً في التشريع وسبق الدستور الكويتي لتقنين هذا الاتجاه .
لاحقاً أقرت الجمعية العمومية غير العادية ببنك دبي الإسلامي والتى انعقدت في 10 ديسمبر 1990 مشروع النظام الأساسي المعدل حيث تم إضافة باب خاص بتشكيل هيئة فتوى والرقابة الشرعية يتضمن قيامها بواجبها إزاء مراقبة أعمال البنك بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية .
وفي دراسة تطبيقية للرقابة الشرعية بالمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية من خلال دراسة وتحليل الأنظمة الأساسية لعينة عشوائية منها توصل الباحث محمد فداء الدين بهجت الى الجدول التالي(12)
النسبة
عدد
8%
2
إلزام بنص قانوني
56%
14
إلزام بنص في النظام الأساسي
36%
9
عدم وجود إلزام
100%
25
ويلاحظ ان النسبة الكبرى تشير الى ان عدداً كبيراً من البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية تأسست هيئاتها الشرعية بناء على نص في النظام الأساسي للبنك/ المؤسسة .
والنسبة الأقل هي تلك التى تأسست على هدى تشريع صادر من هيئة تشريعية أو بقانون ولكن قد يرتبط ذلك بنشأة هذه البنوك والمؤسسات المالية،إذ أن هنالك اتجاهاً متصاعداً لتقنين أعمال المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية ومن ثم النص في هذه التشريعات على مشروعية وتكوين هيئة الرقابة الشرعية وهناك تشريعات متوقعة بذلك في عدة دول من بينها دولة الكويت، وجمهورية لبنان .
ويرى د. البعلي(13) أن هيئة الرقابة الشرعية تستمد مشروعيتها وسبب وجودها من ثلاثة أوجه :
(أ) النظام الأساسي للبنك الإسلامي:(16/16)
فالنظام الصادر بإنشاء البنك يتضمن نصاً خاصاً بالهيئة الشرعية ينظم عادة طريقة عملها . ويأتي ذلك النص في الغالب استناداً الى النص الخاص بتحريم التعامل بالربا، أو الفائدة أخذاً أو عطاءً.
(ب) تستمد الهيئة مشروعيتها من مباشرتها لاختصاصاتها :
فإذا باشرت الهيئة اختصاصاتها وأدت عملها على النحو الذي يتلاءم ونشاط البنك ويحقق الفلسفة التى يقوم عليها والأهداف التى ينشدها ويصبو إليها على نحو ما ألمحنا إذا قامت الهيئة بذلك أكدت مشروعيتها وإذا تقاعست أو قصرت فقدت مشروعيتها ومبرر وجودها .
(ج) تستمد الهيئة مشروعيتها من مجرد التفكير في إنشاء البنك الإسلامي .وذلك كي ترعي خطوات إنشاء البنك وتراجع أولاً بأول إجراءات قيام ذلك الكيان الجديد وتسهر على نظمه التى من خلالها يمارس نشاطاته .
وقد سبق ان عرضنا للتأسيس القانوني لهيئة الرقابة الشرعية ومستويات هذا التأسيس. أما رأي د. البعلي بأن الهيئة تستمد مشروعيتها من مباشرة اختصاصاتها فهو من باب الحسبة المنوطة بالعلماء وأولوا الرأي، أما فيما يتعلق بالهيئة التى تنشأ مع ميلاد فكرة البنك الإسلامي فيمكن أن نسمي هذه الهيئة
( هيئة الرقابة الشرعية التأسيسية ) وتتولى مهام التأسيس الشرعي للبنك /المؤسسة كنظام موازي ومتكامل لمجلس الإدارة التأسيسي الذي يفوضه المساهمون لإنشاء وتأسيس البنك/ المؤسسة حسب القوانين والنظم المتبعة وهذه الهيئة مطلوبة في حالة تأسيس بنك/ مؤسسة جديدة أو تحويل مؤسسة تقليدية الى مؤسسة إسلامية والذي اسميه اصطلاحاً ( إعادة الهيكلة الشرعية ).
وإذا كنت ممن يؤيدون التأصيل اشرعي والقانوني لهيئة الرقابة الشرعية على أعلى مستوى وهو التشريع فإن عيوباً جوهرية شابت النصوص المضطردة والمتشابهة في أكثر التشريعات والقوانين والأنظمة التأسيسية للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ونكتفي هنا بأبرز هذه العيوب :(16/17)
(1) حظرت هذه المرجعيات التشريعية والقانونية الربا ولم تنص على حظر الكثير من المعاملات الأخرى مثل الغرر والاستغلال وأكل أموال الناس بالباطل وأنواع الكسب الخبيث الأخرى .
(2) نصت هذه المرجعيات على إبطال الباطل ولم تنص على إحقاق الحق مثل إقامة جوهر ومبادئ الاقتصاد الإسلامي، وتطبيقه، وتطويره في الحياة الإنسانية المعاصرة وإبراز النماذج الاقتصادية الإنسانية المتكاملة في مواجهة النظام الرأسمالي والفلسفة المادية .
(3) لم تنص هذه المرجعيات على سمو المواد المتعلقة بإنفاذ أحكام الشريعة الإسلامية وعدم قابليتها للتعديل الميكانيكي من خلال 75% أو 2/3 أعضاء الجمعية أو الهيئة التشريعية .
والإشارة الوحيدة ما نص عليه قرار رقم 77 لسنة 1977 بإصدار النظام الأساسي لبنك فيصل الإسلامي المصري في المادة (2) والتى تقرأ :
" يجوز بقرار من الجمعية العمومية للبنك في اجتماع غير عادي تعديل أحكام النظام الأساسي المرافق وذلك فيما عدا غرض البنك وكونه مصرفاً إسلامياً أو زيادة التزامات المساهمين " .
1-(ب) :
المسمى التنظيمي للهيئة :
يوضح الجدول 14ـ حسب دراسة ود. محمد فداء الدين المشار اليها سابقاً مدى تداول المسميات التنظيمية لهيئة الرقابة الشرعية :
جدول رقم (4)
مسمى الجهة التى تقوم بالرقابة الشرعية
النسبة
العدد
المسمى
47%
9
هيئة الرقابة الشرعية
16%
3
المستشار الشرعي
11%
2
لجنة الرقابة الشرعية
11%
2
المراقب الشرعي
5%
1
المجلس الشرعي
5%
1
اللجنة الدينية
5%
1
الهيئة الشرعية
100%
19
: وهناك تسميات نادرة الاستخدام مثل 15:
(أ ) هيئة الفتوى والرقابة الشرعية ( بيت التمويل الكويتي) .
(ب ) مجلس الرقابة الشرعية .
(ج) المجلس الشرعي .
ومنها أيضاً :(16/18)
إدارة الفتوى والبحوث : وتمثل واحدة من إدارات البنك الرئيسة . وتتكون من شعبة للشريعة الإسلامية وشعبة للدراسات الاقتصادية وشعبة قانونية وتعمل الشعب الثلاث في إجراء الدراسات وإصدار الفتوى والقرارات .
ويتميز بهذا الأنموذج من الرقابة الشرعية بنك التضامن الإسلامي ( السودان ) ويتبعه في ذلك بدرجات متفاوتة بنك الخرطوم، ومجموعة بنك النيليين، وبنك أمد رمان الوطني 16.
هذه التسميات تأتى على مستوى الهيئات المصرفية/المالية في القاعدة أما على المستوى الأعلى درجة من التنظيم فتتباين الأسماء فيها .
1-(ح) :
مدى إلزامية قرار الهيئة :
رغم أن العديد من القوانين والأنظمة الأساسية للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية قد الزم بالنص بتكوين جهة الرقابة الشرعية بأي مسمى كان فإن نشأة وتطور هيئة الرقابة الشرعية في هذه المؤسسات وطبيعة دورها، وعلاقتها الوظيفية بأعمال وأوضاع المؤسسات لم تكن على درجة كافية من الوضوح بحيث تمكن هذه المؤسسات وروادها الخبراء والمستشارين فيها من تحديد الحاجة لإلزامية قرار الهيئة أو مدى إلزاميته .
ومن جانب آخر كان هناك تصوراً بأن النص على مبدأ الامتناع عن الربا أخذاً وعطاءً، أو النص بحاكمية الشريعة الإسلامية على البنك /المؤسسة يكفي عند البحث في سؤال : إلزامية قرار الهيئة ومداه ؟ ومن البين ان هذا التصور لا يستند على قاعدة علمية أو عملية حقيقية .(16/19)
ولعل العامل الأهم في رأي أولي الرأي والقادة في هذه المؤسسات لتناول هذا الجانب ان تجربة البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية قد ارتكزت على إعادة النظر في المؤسسة القائمة وذلك بإعادة تركيبها لتناسب مقتضى حرمة الربا أخذاً وإعطاءً فإذا نجح هذا المسعى وتكّون أمامنا نموذجاً عملياً بدأنا نستشعر قضاياه، وعوائقه في الممارسة والعمل، وأخذنا نرقيه ونطوره شيئاً فشيئاً . ولذا أخذت المؤسسة / البنك بالأوضاع التقليدية كما هي، ولما مسّت الحاجة لهيئة الرقابة الشرعية حار البعض في ملاءمتها قانوناً وتنظيماً في هيكل المؤسسة التقليدية، فأرجئت الأسئلة المتعلقة بقوة قرار الهيئة واستقلاليتها الموضوعية حتى تتبدى مستقبلاً ومن خلال الحركة والتدافع والممارسة إجابات جلية عن هذا المسار .
ومما يؤكد ذلك أن البعض قد ربط ـ وما زال ـ بين وظيفة هيئة الرقابة الشرعية ووظيفة المراجع القانوني ومن أولى بوادر هذا الربط المادة ب(40) من النظام الأساسي لبنك فيصل الإسلامي المصري ونصها :
تشكل هيئة الرقابة من خمسة أعضاء على الأكثر يختارون من علماء الشرع كل ثلاث سنوات وتحدد مكافآتهم بناء على اقتراح مجلس الإدارة .
وتكون مهمة هيئة الرقابة تقديم المشورة والمراجعة فيما يتعلق بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية . ويكون لها في هذا الصدد ما لمراقبي الحسابات من وسائل واختصاصات .
وبهذا فإن قرار هيئة الرقابة الشرعية لم يتجاوز في هذه المرحلة أن يكون قراراً استشارياً .
ورغم ما أشرنا إليه فإن هنالك بعض الاستثناءات :
فقد نص النظام الأساسي لبنك التقوى المادة 95 ( لعام 1991 ) على أن للهيئة ( وقف أو رفض أي تصرف أو تعامل يثبت أنه مخالف للشرع وإبطال أي اثر ترتب عليه ).
كما نص النظام الأساسي لبنك التضامن الإسلامي ـ السودان ـ ( المواد 55،60،63) على أن قرارات إدارة الفتوى والبحوث غير خاضعة من الناحية الشرعية لمراجعة الإدارة 17.(16/20)
ويلاحظ أن قرار الهيئة في الحالتين الاستثنائيتين تشوبهما بعض العيوب :
فنص بنك التقوى أخذ المنحى السلبي لقرار الهيئة، ولم ينص على إلزامية القرارات الإيجابية مما يحد من مدى إلزامية قرار الهيئة ويعطل من جوانب الرقابة الوقائية : والرقابة الابتكارية .
أما نص بنك التضامن فهو يصبغ قرار إدارة الفتوى بحصانة من المراجعة الإدارية، ولا يلزم الإدارة بتطبيق قرار إدارة الفتوى والبون بين الأمرين شاسع .
ورغم ذلك فإن هذا المفهوم في ذلك الحين إذا نظرنا اليه في سياق المرحلة التاريخية لنشأة وتطور هيئة الرقابة الشرعية كان مفهوماً متقدماً .
وأخيراً يعتبر معيار الضبط للمؤسسات المالية الإسلامية رقم (1) : تعيين هيئة الرقابة الشرعية وتكوينها وتقريرها بمثابة منطلق تقنين إلزامية قرارات هيئة الرقابة الشرعية إذ نص هذا المعيار على أن : تكون فتاواها وقراراتها ملزمة للمؤسسة .
1-(د) :
اختيار الهيئة في التراتب التنظيمي باعتباره مصدراً للاستقلالية :
حسب إحصاء محمد فداء الدين بهجت18 فإن الجدول أدناه يوضح الجهة التى تتولى اختيار أعضاء الرقابة الشرعية :
النسبة
العدد
الجهة
44%
7
الجمعية العمومية
31%
5
مجلس الإدارة
25%
4
غير محدد
100%
16
ويبدو واضحاً أن الاتجاه الغالب في ذلك الحين هو ان يتم اختيار أعضاء هيئة الرقابة الشرعية من خلال الجمعية العمومية للمساهمين مباشرة، إلا ان هذه النسبة قد تكون أكثر مما هو في الجدول لان بعض الجمعيات العمومية تفوض صلاحياتها في هذا النطاق لمجلس الإدارة لاختيار أعضاء الهيئة ولذا نتحفظ على هذه النسبة الواردة في هذا الجدول .
إلا ان هذا المنحى قد اخذ يغلب على اتجاهات المؤسسات طبقاً للأنظمة الأساسية فقد نص النظام الأساسي لبنك فيصل الإسلامي المصري الى انه :(16/21)
تشكل هيئة الرقابة من خمسة أعضاء مع الأكثر يختارون من علماء الشرع وفقهاء القانون المقارن المؤمنين بفكرة البنك الإسلامي تعينهم الجمعية العمومية كل ثلاثة سنوات ......
ونص النظام الأساسي لبنك فيصل الإسلامي السوداني على :
1- تشكيل هيئة الرقابة الشرعية من ثلاثة أعضاء على الأقل وسبعة على الأكثر من علماء الشرع، تعينهم الجمعية العمومية للمساهمين لثلاث سنوات وتحدد أتعابهم في قرار التعيين . ويجوز إعادة تعيين من انتهت عضويته منهم . وفي حالة خلو منصب أحد الأعضاء قبل نهاية مدته يعين مجلس الإدارة من يحل محله لنهاية المدة المذكورة .
وقد أشارت دراسة د. فارس محمود أبو(19) معمر الى ان 78% ممن يرون انهم مستقلون يستمد معظمهم السلطة المباشرة من المساهمين في الجمعية العمومية .
وفي دار المال الإسلامي تعتبر هيئة الرقابة الشرعية أعلى سلطة في المؤسسة(20) . وهو وضع استقلالي فريد لا نجد له مثيلاً في المصارف والمؤسسات المالية النظيرة .
ويرى د.أبو غدة(21) أن هذه الاستقلالية تمنحها :
(... القوة والنفوذ للقيام بعمليات الفحص والتدقيق دون تدخل إداري للتأكد من مطابقة جميع الأعمال للشريعة الإسلامية وإيقاف أو تعديل المسار أو آثار أي عملية أو صفقة مخالفة لأحكام الشريعة ومبادئها .
ويستند مبدأ الاستقلالية في مثل هذه الوظيفة الى طبيعة مهامها التى تمت بصلة شديدة إلي الشهادة، والحسبة والتحكيم، فضلاً عن الإفتاء، وهي مهام لا تتم إلا بتجرد القائمين بها وانتفاء أي ضغط أو تأثير عليهم واخلاصهم في الإبانة عن الحقائق التى تظهر لهم ) .
ومع ذلك فإن من المتفق عليه أن فعالية هيئة الرقابة الشرعية ترتبط بتطوير علاقة تنسيقية مع الإدارة التنفيذية للمؤسسة /المصرف وعلى مستوى مجلس الإدارة كأعلى مستوى إداري في نطاق المؤسسة .(16/22)
إضافة الى ذلك فإن هنالك استقلالية معنوية ذاتية تنبع من شعور أعضاء هيئات الرقابة الشرعية ( بأن لهم الحق الكامل في وقف أو إلغاء أي نشاط للمصرف في حالة اعتقادهم بعدم مطابقته للشريعة الإسلامية وهذه النتيجة يدعمها موقف إدارة المصرف من أن الإدارة لا تمتلك الاعتراض على قرارات هيئة الرقابة الشرعية )(22)
وقد أكد منحى الاستقلالية معيار الضبط للمؤسسات المالية الإسلامية رقم (1) إذ أبان أنّه :
3- يجب أن يكون لكل مؤسسة هيئة رقابة شرعية يعينها المساهمون في الاجتماع السنوي للجمعية العمومية وذلك بناء على توصية من مجلس الإدارة مع مراعاة القوانين والأنظمة المحلية .
ويحق للمساهمين تفويض مجلس الإدارة بتحديد المكافأة لهيئة الرقابة الشرعية .
(2)
المنهجية الفقهية
لربما آن الأوان للبحث عن : المنهجية الفقهية لهيئة الرقابة الشرعية وذلك أنّ إطار مطابقة أعمال المؤسسة / البنك لأحكام الشريعة الإسلامية كان إطاراً فضفاضاً، ثم بدأ الأمر أكثر وضوحاً بتحديد مهام واختصاصات الهيئة رغم ان الاجتهاد هو الطابع العام لهذا التحديد مع تفاوت التجارب .
ولذا وددت أن أثير بعض محاور هذا الموضوع : المنهجية الفقهية والذي سيترتب على طرحه الكثير من الآراء والتفاعلات الجادة والتى ستتمخض في رأيي عن ولادة مرحلة جديدة وأساسية في تطور هيئة الرقابة الشرعية ومستقبلها .
إن المحاور التى أتطرق إليها محاور نقاشية ولم أتوصل فيها الى تحليل أو نتائج علمية مرجحة، كما أنها المحاور التى أراها ذات خطر، وهناك محاور اقل أولوية في النوع والدرجة طويت عنها كشحاً :
- المحور الأول :
- وظيفة الهيئة :
ما هي الوظيفة الجوهرية للهيئة هل هي الوظائف التى تنشأ عند : مطابقة أعمال المؤسسة/البنك لأحكام الشريعة الإسلامية أم هي وظائف محددة سلفاً وما طبيعة هذا الوظيفة ؟
- هل هي التأكد من خلو العقود والاتفاقات والعمليات من المحظورات الشرعية ؟(16/23)
- أم مجرد إبداء الرأي من الناحية الشرعية فيما يحال إليها من جهة ذات اختصاص ؟
- أم تقديم المشورة الشرعية المجرّدة ؟
- أم كل ذلك، واستثناء ما عداه، أم كل ذلك وكل ما يتعلق بالمؤسسة / البنك ؟
مع اعتبار أن كل هذه الوظائف / أو المهام أو المصطلحات واردة بلفظ أو بآخر في الأدبيات الموثقة للمؤسسات المالية والبنوك الإسلامية وفي تطبيقاتها العملية الممارسة .
- المحور الثاني :
حكم قيام الهيئة :
لم تتم الى الآن ـ حسب علمي ـ الأخذ بصياغة علمية محددة للحكم الشرعي على قيام هيئة الرقابة الشرعية ذاتها ؟
رغم أن هناك إشارات في بعض أقوال بعض المسئولين في هذه الهيئات:
يرى د. احمد على عبد الله(23) أن .. ( تكوين هيئات الرقابة الشرعية من البدع الحسنة التى صاحبت المصارف الإسلامية .).
ويدعم ذلك بحجة أن ( مسئولية الرقابة الشرعية لا تختلف كثيراً عن مسئولية المستشار القانوني والاقتصادي والهندسي ومن في حكمهم إذ تكون قاصرة على تقديم المشورة المتخصصة ويتحمل صاحب العمل من بعد مسئولية اتخاذ القرار وتحمل تبعاته مباشرة ..
رغم ان د.احمد على عبد الله(24) قد أورد نصاً للإمام الغزالي في نفس المقال يذكر فيه :
... اعلم ان تحصيل علم هذا الباب واجب على كل مسلم مكتسب ... كما " أشار الى ان عمر رضي الله عنه كان يطوف السوق ويضرب بعض التجار بالدّره ويقول:
لا يبيع في سوقنا إلا من يفقه، وإلا أكل الربا شاء أم أبى .
- المحور الثالث:
- المنهجية الفقهية :
تطرق بعض العلماء الى المنهجية الفقهية التى يختارونها لتكون مرجعاً لهيئة الرقابة الشرعية فمن أول من تطرق الى ذلك د. أبو غدة(25) :(16/24)
" إن المهمة التى يقوم عضو هيئة الرقابة الشرعية في مصرف ما تجمع بين الإفتاء وأسلوب الحكيم والحسبة، والخبرة . ذلك أنه يقوم بالإخبار عن حكم الله تعالى . ولئن كان هذا الإخبار يقتصر على نقل المعرفة الى من ليست عنده فإنه في معظم الأحيان يستلزم تدخلاً من المفتي بما لدية من أهلية، لتنزيل الأحكام على الأحوال المسئول عنها ويتطلب هذا تأملاً في الحالة من حيث تصورها والتطابق بينها وبين الحكم وتحقق الشروط وانتفاء الموانع . وفي مجال المصارف الإسلامية لا يكفي أن يصنف الأحوال الى مأذون بها شرعاً أو منهي عنها بل عليه أن يقدم البدائل لما تتبين منافاته للشرع . كما أن عليه أن يستبق الأمور فيضع في الميدان العملي صيغاً ووسائل تثري نشاط المصرف وفضلاً عن هذا وذاك عليه أن ينهض بعبء المحتسب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسعي لإزالته .
وفي موضع آخر من نفس البحث أشار د. أبو غدة(26) الى ما أسماه : الضوابط الشرعية لاستحداث بدائل إسلامية لمعاملات البنوك وذكر أنه ينبغي الاهتمام بما يلي :
( أ ) التزام النصوص الخاصة بالموضوع مهما كانت طريقة دلالتها .
(ب) التزام النصوص العامة ولا سيما في الزمرة التى ينتمي اليها الموضوع لمنع التداخل أو التكرار في الماهيات والأغراض .(16/25)
(ج) مراعاة القواعد العامة في الشريعة ـ وهي عبارة عن كليات من نصوص بأعيانها أو تعابير مستوحاة بدقة من عدة نصوص ـ وهذه القواعد الشرعية أحياناً تكون مصوغة على شكل مبادئ . وأحياناً تظل أفكاراً كثيرة التداول بين الفقهاء وموضع تسليم منهم مطلقاً . أو مع بعض الاستثناءات لا يقدمون عليها إلا باستدلال قوي يستوجب إخراجها لتدخل في قواعد أخرى . ومراعاة القواعد الشرعية يغفلها أكثر المعاصرين المشتغلين بمجال الاجتهاد الجزئي . لأنهم في الغالب لم تتوافر لديهم مؤهلات الاجتهاد العام وأهمها مراعاة هذا النوع في حين لم يغفله أحد من المجتهدين المطلقين أو المقيدين أو المختارين . وكذلك من زاول صورة من صور الاجتهاد تحت اسم التخريح أو الترجيح، وأحياناً الاجتهاد في مسألة واحدة ( الاجتهاد الجزئي ) .
ولعل الحرص على مراعاة ذلك هو الذي يدفع الى البحث عن موقف الفقهاء السابقين في القضايا المستجدة . مع الحذر من إهمال التفرقة بين ما هو رأي شرعي لهم تواردوا عليه صراحة أو ضمناً . وبين ما هو حكم مستند الى العرف . وأعطى صفة الشرعية لأنه ما دام عرفاً فهو كذلك . فإذا تغير انتهت شرعيته وربما كانت حينئذ عكسه .
ثم أنّه ذكر من التحفظات التى من الضروري التحرز عنها : عدم السعي الى الموافقة المطلقة ولا الى المخالفة المقصودة للأوضاع المتعامل بها مهما غلبت وانتشرت وارتبطت بها مصالح ما لم تكن قد بلغت التنسيق والتعاون بين هيئات الرقابة الشرعية) .
أما د. احمد على عبد الله (27) فإنه تناول المنهجية الفقهية من خلال بحثه حول : فرص تطوير معايير موحدة للرقابة الشرعية وسماه " الأساس الذي يتم عليه التوحيد " وقال :
ليست هناك طريقة أو مدرسة واحدة للتقنين، وإنما يمكن ان يتحقق هذا الهدف بخيارات متعددة تستجيب لأحوال الناس المتنوعة .(16/26)
أولاً : الخيار الأول هو أن تنظر الجهة المشرعة الى مادة الفقه الإسلامي بكل مذاهبه وأصوله باعتبارها وحدة متكاملة . واختيار المادة التشريعية منع على أسس أهمها :
أ/ قوة الدليل لإثبات المشروعية .
ب/ والمناسبة مع الواقع .
ج/ والمرونة .
ويناسب هذا الخيار بالضرورة الجهات التى تشرع على مستوى عالمي أو على مستوى واسع يتجاوز القطر الواحد وسيادة المذهب الواحد .
ويمثل د. احمد لهذا الخيار في مجال التطبيق بالتشريعات الصادرة عن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وإصدارات هيئة المحاسبة والمراجعة للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية والتى تشمل إصدار : متطلبات شرعية لصيغ التمويل والاستثمار والخدمات المصرفية .
أما الخيار الثاني فيقول عنه د. احمد :
أن تنظر الجهة المشرعة في المذهب الفقهي الذي يسود في القطر أو الإقليم الخاضع لولايتها وأن تختار وفقاً للقواعد أعلاه :
أ/ الراجح من المذهب الفقهي .
ب/و ما عليه العمل في المذهب الفقهي المحدد .
ج/ وأن تعتمد الراجح أو ما عليه العمل ما لم تر أن ذلك يخالف الأسس السابقة فتثبت مكانه غيره على سبيل الاستثناء .
د/ أو أن تختار من جملة ما جاء في المذهب فتصوغ منه مادتها التشريعية دون التقيد بما ورد في (أ)،(ب)، (ج) أعلاه .
ثم يعلق على الخيارين بالقول :
" وإذا كان الخيار الأول يتميز بالسعة والمرونة .. ويعيد المشرعين والمطبقين للمادة التشريعية والخاضعين لها الى جملة الفقه الإسلامي، فإن الخيار الثاني يتميز بدرجة من القبول أكبر ولا تؤدي الى خروج الناس عن مألوفهم الفقهي في كثير.
ثم يسرد د. احمد على(28) جملة من المسائل تدور حول معنى يريد تأكيده وإثباته وهو أن :
تقنين الأحكام الفقهية، وتوحيدها وإلزام الناس بها لا يؤدي بالضرورة الى تجميد الفقه الإسلامي كما لا يمنع من النزعة الاجتهادية فيه .(16/27)
وعند بحثه في نهاية المطاف عن فرص تطوير متطلبات شرعية لصيغ الاستثمار التمويل يعود فيقول :
من أجل تامين هذه المتطلبات في وجه ما يمكن ان يثور حولها ـ بسبب التقنين والتوحيد وإلزام المؤسسات المالية بهذه المتطلبات ـ ينبغي علينا ان نراعي في إصدارها المبادئ التى قررناها سابقاً بحسب ترتيبها وهي :
أ/ اختيار الحكم الفقهي وفقاً لقوة دليله ومضاء حجته . وذلك حتى يكتسب مشروعية من ناحية وحتى يؤمن موضوعياً ضد أي نقد غير مبرر من قبل المعارضين .
ب/وان يكون الحكم المختار مناسباً مع الواقع المعاش .
ج/ وأن يكون مرناً بحيث يستوعب المستجدات التى تطرأ من حيث الزمان والمكان .
أما على مستوى المؤسسات الشرعية ( هيئات الرقابة الشرعية أو المجامع الفقهية ) فلم نعثر على اعتبارات منهجية مسّبقة عدا إشارتان هامتان :
الأولى :
جاء في المادة (11) في لائحة هيئة الرقابة الشرعية ببنك فيصل الإسلامي السوداني الآتي :
أ/ تدرس الهيئة الموضوع المستفسر عنه دراسة وافية للوقوف على حقيقته مستعينة بمقدم الاستفسار وبمن ترى حاجة الى الاستعانة به من المتخصصين .
ب/ تبحث الهيئة عن الحكم الشرعي للموضوع المستفسر عنه مستعينة بما دونه العلماء من الأحكام الفقهية الفرعية، وما دونوه في أصول التشريع من قواعد لاستنباط الأحكام.
ج/ إذا كان الموضوع المستفسر عنه فيه حكم متفق عليه بين الفقهاء بالجواز أو المنع أفتت الهيئة به وإذا اختلفت آراء الفقهاء في الموضوع أفتت بما ترجحه منها أو ما تراه أكثر تحقيقاً للمصلحة . وإذا لم يكن في الموضوع حكم للمتقدمين من الفقهاء أفتت الهيئة فيه باجتهادها مراعية في ذلك قاعدة : الأصل في المعاملات الجواز إذا كانت برضاء الطرفين إلا ما ورد فيه نص بالمنع .(16/28)
د/ ليس من خطة الهيئة تطوير أحكام الشريعة الإسلامية لتساير ما عليه العمل في المصارف القائمة، وإنما خطتها تطوير الأعمال المصرفية لتساير الشريعة الإسلامية فشريعة الله حاكمة لا محكومة، فما يوافق الشريعة من أعمال المصارف تقره الهيئة وما يخالفها تعدله إذا كان قابلاً للتعديل وترفضه كلية إذا لم يقبل التعديل وتبحث عن بديل إسلامي للعمل المرفوض إذا كان وسيلة الى مصلحة حقيقية .
هـ/ مراعاة عمليات البنك من الناحية الشرعية للتحقق من تنفيذ مقتضى ما جاء في البنود (أ،ب،ج) السابقة وسنرى أن هذه الخطة قد قننت في إطار لائحة تنظيم أعمال الهيئة العليا للرقابة الشرعية ( بنك السودان ) .
الثانية :
ما ورد في نص المادة (1) من الباب الأول من لائحة الهيئة العليا للفتوى والرقابة الشرعية للاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية والتى تقرأ :
وترجع الهيئة فيما تصدره من فتاوى وقرارات الى المقاصد العامة الشرعية وقواعدها الكلية وأحكامها الجزئية المستمدة من الكتاب والسنة دون التقيد بمذهب معين .
إلا أن المادة (11) من الباب الرابع من هذه اللائحة قيد ذلك بإجماع الهيئة العليا ونصها :
تكون قرارات الهيئة نافذة وملزمة إذا تم إقرارها من قبل أعضائها بالإجماع، أما في حالة عدم الإجماع في إصدار الفتوى في أمر جوهري لا يحتمل الخلاف فتنشر الآراء المختلفة على أوسع نطاق، ويدعي علماء المسلمين من غير المشاركين في الهيئة للإدلاء بآرائهم ـ وتجمع هذه الآراء ويعرض الأمر مرة أخرى على الهيئة وذلك لتصفية الخلاف على ضوء آراء علماء المسلمين .
أما إذا كان الخلاف في أمر يحتمل الخلاف فيمكن لكل بنك أو مؤسسة مالية عضو أن يتبع تصوره المبني على رأيه واجتهاده الذي له سند شرعي .
ثم عدلت هذه المادة لتكون كما يلي :(16/29)
تكون فتاوى الهيئة نافذة وملزمة إذا تم إقرارها من قبل أعضائها بإجماع الحاضرين وفي حالة عدم الإجماع في إصدار الفتوى يمكن لكل بنك أو مؤسسة مالية عضو أن يتبع ما تقرره هيئة الرقابة الشرعية ثم يحال الموضوع على مجمع الفقه الإسلامي لينظر فيه بمشاركة الهيئة العليا للفتوى والرقابة الشرعية للاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية .
وما يصدر فيه من قرار في هذه الحالة يكون ملزماً لجميع البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية الأعضاء .
ما أريد أن نخلص اليه أن هيئة الرقابة الشرعية بحاجة الى منهجية فقهية جديدة . ومتفق عليها لتكون هادياً لها في سبيل تحقيق مهامها ووظائفها، وفي إطار كلي أكثر اتساعاً وهو الاقتصاد الإسلامي الكلي في عالم متغير .
(3)
الاستقلالية المالية
أظهرت نتائج إحصاء د. فارس أبو معمر29 أن 75% من عينة البحث ( من هيئات الرقابة الشرعية ) تتقاضى مكافآتها عن طريق المساهمين، و 15.6% من قبل مجلس الإدارة و 9,4% عن طريق إدارة البنك .
وفي دراسة أخرى أن : (ست حالات) تحدد المكافآت فيها الجمعية العامة للمساهمين وعدم وجود تحديد لذلك (خمسة حالات) وبواسطة مجلس الإدارة
( أربعة حالات )30 .
وفي معظم الحالات يحصل من يقوم بالرقابة الشرعية على أتعاب مجزية يرى البعض أنها تكون في كثير من الأحيان أكبر بكثير من مصادر دخلهم الأخرى31 .
وينادي محمد فداء الدين32 بأنه :
لابد من وضع ضوابط بحيث يكون الأجر أو الأتعاب متناسبة مع الجهد المبذول ومع مستويات الدخول السائدة في المجتمع .
ويرى د. عبد الستار أبو غدة أنه33 :
لابد من توفير المكافآت المناسبة لهيئات الرقابة الشرعية لتقوم بدورها كاملاً لإشعارها بأنها لا تؤدي هذا العمل تبرعاً فيقتصر أعضاؤها على ما يفيض من وقتهم ولتعلم المؤسسات بتكلفة هذه الهيئات فيهيئوا لها المكان والأجهزة والوسائل المعينة لأداء واجباتها ثم ليحاسبوها على هذه المسئولية كما يحاسبون غيرها .(16/30)
ويرى د. فارس أبو معمر34 :
أن عملية تحديد مكافآت لجنة الرقابة الشرعية بواسطة مجلس الإدارة أو إدارة البنك قد يؤثر على دورها وأنشطتها ويجعلها تقترب أكثر من مجلس الإدارة أو إدارة البنك الأمر الذي يتعارض مباشرة مع قوانين تدقيق الحسابات .
ويقترح د. فارس أبو معمر لضمان الاستقلالية للرقابة الشرعية أن يتم تحديد ـ مستحقات لجنة الرقابة الشرعية عن طريق الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية أو عن طريق البنك الإسلامي للتنمية بجدة . ورغم أن العلاقة الطردية بين فعالية هيئة الرقابة الشرعية واستقلاليتها القانونية والمالية تتطلب دراسة متخصصة إلا أنني لا أجد في التجارب العملية لمسار هذه الهيئات أن هناك علاقة طردية حاكمة لهذين المتغيرين ولكن يلاحظ أيضاً أهمية الاستقلال " وهو ذلكم الإحساس الداخلي بالمسئولية أمام الله تعالى، وينهض بتكاليفه أولئك الذين يعظمون أمر الله ولا تكون لهم الخيرة فوق اختياره، ولا يخشون أحداً فوق خشيته .. فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً35 .
(4)
هيكلة العضوية
(4) - (أ)
العضوية من حيث العدد :
في مقتبل التجربة ارتأت بعض البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ان تقتصر على مستشار شرعي واحد ( تجربة البنك الإسلامي الأردني، وبنك البركة السوداني ...) وقد فطن النظام الأساسي لبنك البركة السوداني لهذه الحاجة للتطور فنص على الآتي :
" يكون للبنك هيئة رقابة شرعية تتكون من مراقب أو أكثر تختص بالنظر في المسائل الشرعية التى تخص أعمال البنك " ( المادة 43) :
ولاحقاً استدرك المراقب الشرعي " وهو أستاذنا الضرير " أنه لابد من تعيين هيئة رقابة شرعية من ثلاثة أشخاص وكانت حيثياته كالآتي :
1/ توسع البنك وكثرة فروعه ـ والحاجة الى مراجعة العقود التى تنفذها الفروع .
2/ فتوى الثلاثة أفضل وأسلم للبنك من فتوى الواحد .(16/31)
3/ هيئات الرقابة في جميع البنوك الإسلامية في السودان وخارجه تتكون من ثلاثة أشخاص على الأقل ـ وفي بعض البنوك وصل العدد الى سبعة .
وعلى هذا الغرار فإن نص تكوين هيئة الرقابة الشرعية قد انتقل من المرونة ـ كما أوردنا في حالة بنك البركة السوداني ـ الى التحديد، وقد ينص على الحد الأدنى لعضوية الهيئة وفي أحايين أخرى ينص على الحد الأعلى .
وعند محمد فداء الدين36 :
" ..وقد تفاوتت النصوص المتعلقة بالعدد كالآتي :
عضو واحد .
من واحد الى ثلاثة .
من ثلاثة الى سبعة .
ثلاثة فأكثر .
خمسة على الأكثر .
خمسة .
أما معيار الضبط للمؤسسات المالية الإسلامية رقم (1) : تعيين هيئة الرقابة الشرعية وتكوينها وتقريرها فقد نص في المادة (7) : تكوين هيئة الرقابة الشرعية على الآتي :
( يجب أن تتكون هيئة الرقابة الشرعية من أعضاء لا يقل عددهم عن ثلاثة ... )
(4) - (ب) :
العضوية من حيث التركيبة التخصصية :
…بطبيعة اختصاصات الهيئة فإن التخصص الشرعي أو الفقه المقارن هو الأصل في التركيبة التخصصية للهيئة الشرعية مع بدو اجتهادات متعددة وإضافية لهذه التركيبة . وذلك بالإلمام بالاقتصاد الإسلامي و / أو العلوم المالية و/ أو القانون .
ويرى د. احمد على عبد الله أنه37 :
1- في المرحلة الأولى كان تكوين هيئة الرقابة الشرعية قاصراً على عدد من علماء الشريعة. يستعينون على تكييف وفهم الواقع العملي على إدارة المصرف العليا وإداراته المتخصصة . وبناء على تكييف الواقع العملي تصدر الهيئة فتواها وقراراتها وتوجيهاتها. كما تضع نماذج العقود في المجالات المختلفة لنشاط المصرف.
2- وفي مرحلة لاحقة أدخل على عضوية الهيئة خبرة قانونية لها إلمام بأحكام الشريعة الإسلامية لضبط المعاملات من الناحية القانونية وللتنسيق بين المعاملات المصرفية والقوانين السارية في البلاد .(16/32)
3- وكان تكوين الهيئة العليا للرقابة الشرعية للجهاز المصرفي والمؤسسات المالية يمثل المرحلة الثالثة في تطوير هيئة الرقابة الشرعية . إذ جاء تكوينها :
4- من عدد من المتخصصين في الشريعة بخبرة في المعاملات المصرفية والخبرة القانونية.
5- ومن عدد المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي مع الاهتمام بالدراسات الإسلامية في مجال تخصصهم .
(ج) وبخبرة مصرفية متخصصة .
(د) وبأمانة عامة متفرغة لإعداد البحوث والدراسات وتقديم الأعمال أمام الهيئة ومتابعة قراراتها وتوصياتها والبت في المسائل العاجلة التى تعرض عليها والتنسيق مع الجهات المختلفة في الجهاز المصرفي .
(هـ) وأن تكون رقابة مركزية على كل الجهاز المصرفي بما فيه البنك المركزي .
(و) وأن تنظر الى الرقابة الشرعية نظرة كلية ما كانت تتيسر لهيئات الرقابة الفرعية ...
أما مذهب معيار الضبط للمؤسسات المالية الإسلامية رقم (1) فقد نص على ما يلي :
2- هيئة الرقابة الشرعية هي جهاز مستقل من الفقهاء المتخصصين في فقه المعاملات ويجوز ان يكون أحد الأعضاء من غير الفقهاء على أن يكون من المتخصصين في مجال المؤسسات المالية الإسلامية وله إلمام بفقه المعاملات .
ويبدو أن هذا النص الذي ورد في التعريف يفتقر لشيء من الضبط في العبارة والصياغة . فالمعاملات هنا يقصد بها الفقه إجمالاً والمعاملات المالية بوجه خاص، كما أن المؤسسات المالية الإسلامية ليست تخصصاً علمياً بالمعنى الدقيق لذلك ويبدو أن النص يقصد الخبرة في حقل المؤسسات المالية الإسلامية وليس التخصص فيها تحديداً .
وقد نصت المادة (7) على أن للهيئة الاستعانة بمتخصصين في إدارة الأعمال و / أو الاقتصاد و/أو القانون و/أو المحاسبة وغيرهم .(16/33)
وهو نص جوازي بمعنى أن للهيئة ان تستعين بهم أو بأي منهم متى رأت ذلك وفي المسائل التى ترى فيها حاجة للاستعانة بهؤلاء المختصين أو بأحدهم ولها أن تستغني عن ذلك ولا أعلم الحكمة من تحديد اختصاص الهيئة ( أي تركيبتها المتخصصة ) في التعريف دون النص بذلك في تكوين الهيئة واختيار أعضائها وهل قصد مشروع الهيئة ذلك قصداً أم جاء ضربة لازب .
(5) - ح- الاستعفاء والإعفاء وتجديد العضوية
( دورات التعاقب ) :
رغم أن الكثير من الأنظمة الأساسية واللوائح الداخلية للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية قد نص على مدة العضوية للهيئة الشرعية، والكثير منها قد حدد لها مدة ثلاثة سنوات إلا أنه وللأسف لم تنظم دورة التعاقب من حيث جواز التجديد، وكون هذا التجديد يتم تلقائياً أو لا يتم، وإجراءات الاستعفاء
( طلب الإعفاء من العضوية ) والإعفاء ( أي إلغاء العضوية ) والرجوع لمصادر اقل درجة لتحديد ذلك من قبيل : النظام العام، أو العرف والتقليد قد لا يسعف في وقت يثور فيه الجدال، أو النزاع .
نجد ان معايير الضبط للمؤسسات المالية الإسلامية رقم (1) - المادة (8) - قد نص على أنه :
يتم الاستغناء عن خدمات عضو هيئة الرقابة الشرعية بموجب توصية من مجلس الإدارة يعتمدها المساهمون في اجتماع الجمعية العمومية .
وهي بداية لتنظيم دورات التعاقب من خلال أطر ومعايير محددة وصولاً الى تقنين ذلك لاحقاً في صلب القوانين أو النظم أو اللوائح السائدة، والعيب الجلي في هذا النص هو استخدام : لفظ الاستغناء وهو عادة يجري مجرى العمل العادي عند إسقاط أو معاقبة أو إنهاء خدمة المستخدمين في المؤسسة ( العاملين ) وليس من الحكمة في شيء استخدام هذا المصطلح في هذا المقام وقد اقترح اصطلاح الاستعفاء والإعفاء بديلاً للاستغناء، كما يمكن أن يقيد الإعفاء بقيود صوناً لاستقلالية الهيئة الشرعية، نأياً بها عن الخلافات التى قد تعصف(16/34)
أحياناً بالمؤسسات والمصارف الإسلامية وحفاظاً على دورها الحيادي الملتزم.
(6) ـ ح ـ
الأهلية والخبرة :
لا يجد الباحث في أدبيات المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية أو إصدارات هيئة الرقابة الشرعية ما يشفي غليله في مضمار تحديد الأهلية والخبرة اللازمة لأعضاء هيئة الرقابة الشرعية ولربما يعود السبب في ذلك للآتي :
1- أن مفهوم هيئة الإفتاء كان مسيطراً على هذه المؤسسات لأول وهلة ولزمن مديد مما لم يستدع البحث عن متطلبات الأهلية والخبرة لأعضاء هيئات الرقابة الشرعية فأخذ بما ينطبق على منصب الفتوى عادة من شروط تتصف بالعموم .
2- ان مهام واختصاصات هيئة الرقابة الشرعية لم تتبلور عندئذ ويرتبط بها البحث عن الأهلية والخبرة في هذا المجال باعتبار ان وظيفة الرقابة الشرعية هي وظيفة شرعية أولاً وهي وظيفة متخصصة بالمعنى الدقيق للتخصص في المقام الثاني .
3- تولى رئاسة وعضوية الهيئة في أجيالها الأولى علماء وفقهاء مشهود لهم بالنبوغ والكفاءة وهم ملء السمع والبصر مما صرف النظر عن البحث في ذلك الوقت عن موضوع الأهلية لأن هؤلاء قلة ذائعة الصيت .
ومع ذلك فإن هذا الموضوع ورغم أهميته القصوى مع امتداد عمر هذه المؤسسات وتراكم تجاربها، وظهور إيجابيات وسلبيات هذه التجارب لم يحظى بالبحث والدراسة المطلوبة، وفي حالة إثارته يبحث موضوع الأهلية في إطار منصب الفتوى والفقيه المطلق وفي المفهوم الأول تضييق وفي الثاني توسيع وكلاهما غير محمود العواقب وعلى ندرة هذه الأبحاث في هذا المجال نجد د.أبو غدة38 افصح من تكلم عن هذا الجانب :
ففي البحث العام عن التأهيل الشرعي لأعضاء الهيئة ذكر ما يلي :(16/35)
تتطلب مهام الرقابة الشرعية ان يتوافر في عضو الهيئة التأهيل العلمي والعملي، وذلك بان يكون متعمقاً في فقه المعاملات المالية، لا سيما ما يتصل بأنشطة المصارف الإسلامية، كما يجب أن تتوافر لديه المقدرة على جمع أدلة إثبات المشروعية أو عدمها لتلك الأنشطة بعد دراستها وتحليلها للتوصل الى نتائج صحيحة حول التزام المؤسسة المالية بالشريعة، ولذا لابد للعضو من الإلمام الجيد بالجوانب الفنية " المسائل التى ينظر فيها لبيان حكمها الشرعي، حتى لا يكون معتمداً كلياً على التصورات التى تقدم إليه على وجه مجمل أو خاطئ .
وفي مضمار البحث الخاص عن التأهيل الشرعي لأعضاء الهيئة يقول
د. أبو غدة39 أيضاً :
(... أنه لابد من : وجود أهلية الإفتاء، بل الاجتهاد ولو جزئياً لكثرة المسائل المستجدة التى تعترض طريقه وأهلية الإفتاء ـ بعد الإسلام والتكليف ـ العدالة والفطانة ( أو فقه النفس بتعبير السبكي)، والدراية الكافية بالفقه، ولا تحصل إلا بالجمع بين العلم بالكتاب والسنة، وبين العلم باللغة العربية، وبين العلم بأصول الفقه والأدلة وتوابع ذلك من استحضار مسائل الإجماع والمشهور من مسائل الخلاف، قال الشافعي : لا يحل لأحد أن يفتى في دين الله إلا رجلاً عارفاً بكتاب الله بصيراً بحديث رسول الله . ويكون مع هذا مشرفاً على اختلاف أهل الأمصار وتكون له قريحة وقادة . فإذا كان هكذا فله أن يفتي في الحلال والحرام . وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي .)(16/36)
ومجمل القول أنه من باب الأمثل أن يكون لعضو هيئة الرقابة الشرعية معياراً يمثل الحد الأدنى المطلوب لتسنم منصب الهيئة لاسيما أن نطاق أعمال الرقابة الشرعية واختصاصاتها ووظائفها متعددة، ومتنوعة كما تتطلب الى ذلك عمقاً وحذقاً وتمرساً، ووجود هذا المعيار يمكّن هيئة الإشراف والرقابة من ترقية أداء الرقابة الشرعية، تنمية تأثيرها الإيجابي المنشود على سلامة وتطور أعمال المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، كما تضع هذه المعايير سياجاً يمنع المتقحمين ممن تعوزهم المؤهلات ولا يسأمون أن يتزلفون لبعض ذوي السطوة والنفوذ لبلوغ مرتبة تشق عليهم أن يبلغوها بالجدارة والتأهيل .
(5)
نطاق أعمال الرقابة الشرعية :
رأيت أن أقسم هذا النطاق ـ ليسع جل الوظائف المنوطة بالهيئة ضمن نطاق الرقابة :
6-أ- من حيث الوظيفة الرقابية .
6-ب- من حيث العلاقات الرأسية أو الأفقية مع جهات الاختصاص .
6-ح- من حيث المستفيدين من أعمال الرقابة .
6-أ- من حيث الوظيفة الرقابية
…وهذه بدورها قسمان :
القسم الأول : الوظيفة الرقابية الموضوعية :
وتشتمل على أربعة أبعاد :
- البعد الرقابي الوقائي .
- البعد الرقابي العلاجي .
- البعد الرقابي التجديدي ( الابتكاري ) .
- البعد الرقابي التوجيهي .
القسم الثاني : الوظيفة الرقابية الإجرائية :
وتشتمل على ثلاثة أبعاد :
- الرقابة السابقة على التنفيذ : ( الرقابة ابتداء ).
- الرقابة الاثنائية ( أي المتزامنة مع التنفيذ ) : ( الرقابة بقاء )
- الرقابة اللاحقة للتنفيذ : ( الرقابة انتهاء ) .(16/37)
وفي ظني فإن الوظيفة الرقابية الموضوعية هي التى تعطي الرقابة الشرعية طابعها في المؤسسة / البنك لاشتمالها على المرونة المطلوبة والتى تحفظ للهيئة حرية حركتها، واستقلاليتها، وفعاليتها من ثّم، أما الوظيفة الرقابية الإجرائية فهي وظيفة تابعة، وتعتبر وسائل عمل وأدوات تثُبت وتأكُد للتوصل الى الاعتماد الشرعي للعمل والعمليات والسياسات والاتفاقات والعقود في المؤسسات والمصارف المالية الإسلامية، وينبغي ان نقول أنه في حالة العمل بمعيار الرقابة الشرعية الداخلية فإن جُل الوظائف العملية لهذا القسم ( أي الوظيفة الرقابية الإجرائية ) سيؤول للرقابة الشرعية الداخلية وتحتفظ هيئة الرقابة الشرعية بدور إشرافي على هذا النوع من الرقابة الداخلية دون أن تقحم نفسها في التفاصيل، هذا كله بشكل عام ومجمل مع ضرورة التنويه بمعالجة ذلك بدراسة مستقلة أو بسمنارات عمل مستقلة .
6- ب - من حيث العلاقات الرأسية أو الأفقية مع جهات الاختصاص :
لأداء الهيئة وظيفتها أداء كفء ولضمان فعاليتها وتحقيق الوظائف والاختصاصات الموكولة لها لابد لها من علاقات أفقية وراسية مع جهات الاختصاص المختلفة وتبعاً للهياكل التنظيمية والوظيفية والقوانين واللوائح التى تحكمها في بيئات عمل متباينة ومتنوعة ونتطرق الى هذه العلاقات من باب الإشارة إليها دون تفصيل :
(1) العلاقة مع إدارة البنك / المؤسسة المالية :
ويشمل ذلك العلاقات مع الإدارة التنفيذية القائمة على العمل اليومي، ومجلس الإدارة وجمعية المساهمين في أعلى الخريطة التنظيمية للبنك .
ومن الناحية الكمية فإن العمل مع الإدارة التنفيذية يأخذ جل جهود الهيئة ويتضمن ذلك ما يلي :
المساهمة في صياغة واعتماد عقود التأسيس، والأنظمة التأسيسية، واللوائح والنماذج والسياسات التأسيسية واعتمادها من الوجهة العلمية الشرعية .
- النظر في الاتفاقيات والعقود واعتمادها من الوجهة العلمية الشرعية .(16/38)
- الاطلاع على المنتجات والخدمات المصرفية و/أو المالية واعتمادها من الوجهة العلمية الشرعية .
- التثبت من شرعية العمليات والمنتجات المنفذة .
- طرح الإشكاليات والمتطلبات التى تثور أما المصرف / المؤسسة المالية وتقديم حلول و /أو بدائل شرعية للأخذ بها .
- تولي مهمة تثقيف القوى العاملة في المستويات الإدارية المختلفة وتوجيهها علمياً .
- التنسيق والمتابعة لتحقيق الأهداف المنوطة بالهيئة من خلال الإدارات الفنية المختصة وعلى مستوى نوعي خاص مع إدارات : المراجعة الداخلية والشئون القانونية والاستثمار والتمويل والتدريب .
- الإشراف العلمي والشرعي على الرقابة الشرعية الداخلية في حالة الأخذ بهذا النظام .
(2) العلاقة مع مجلس الإدارة / الجمعية العامة للمساهمين :
يتضمن ذلك :
- التنسيق مع المراجع القانوني للبنك خاصة فيما يتصل بالبيانات المالية الختامية وقائمة الدخل وحساب الزكاة .
- تقديم التقارير الشرعية لمجلس الإدارة والجمعية العامة للمساهمين فيما يتصل بالتثبت من شرعية نشاطات البنك/المؤسسة المالية ومدى مطابقتها للمعايير المعتمدة لدى الهيئة وملاحظاتها وتوصياتها وتحفظاتها ـ إذا وجدت ـ
(3) العلاقة مع البنك المركزي :
تنسق الهيئة أعمالها بحيث تلائم السياسات والتعليمات الصادرة من البنك المركزي وتتوثق العلائق في حالة وجود وحدة للملاءمة الشرعية بالبنك المركزي وتتوثق أكثر في حالة وجود هيئة عليا للرقابة الشرعية في البنك المركزي (أي وجود رقابة شرعية قطرية ) .
(4) العلاقة مع هيئات الرقابة الشرعية المماثلة :(16/39)
يكون هناك نوعاً من التنسيق ومبادلة الرأي فيما بين هيئات الرقابة الشرعية مباشرة أو بتوسيط الهيئة العليا للرقابة الشرعية القطرية أو وحدة الملاءمة الشرعية بالبنك المركزي . ويلاحظ أن معظم الحالات التى درستها لا تظهر علاقة مؤسسية منظمة لهذا التنسيق وهو في أغلب الأحوال ينبني على مستوى التعاون والفعالية والمبادرة دون الحاجة الى تقنين هذه العلاقة .
(5) العلاقة مع هيئة الإفتاء:
يلاحظ أنه يكاد تنعدم علاقات التنسيق بين هيئات الفتوى الرسمية وبين هيئة و/أو هيئات الرقابة الشرعية باعتبار تباين الاختصاص، وقد تتطلب هذه العلائق مراجعة وبعد نظر في المستقبل .
(6) العلاقة مع السلطة القضائية :
كانت السلطة القضائية ولا تزال رافداً يغذي هيئات الرقابة الشرعية بالفقهاء والرقباء الشرعيين كما بدأت هذه الهيئات بدورها تغذي أدب المنازعات والمرافعات أمام القضاء لا سيما إذا كانت الشريعة الإسلامية هي مرجع القضاء، أو كانت القانون واجب التطبيق في حالة النزاع في الاتفاقيات والعقود التجارية، وما تزال هذه العلاقة تتطلب المزيد من البحث .
(7) العلاقة مع النيابة و/أو وزارة العدل ( مستشار الدولة ) :
لم تزل العلائق بين دواوين الدولة الاستشارية وهيئات الرقابة الشرعية يصبغها طابع القصور والضعف على الرغم من أهمية هذه العلاقة خاصة فيما يتصل بتطوير التشريعات لتتواءم مع مبدأ سمو الشريعة الإسلامية لاسيما في الحقل المصرفي والمالي على وجه العموم، ويلاحظ هنا أن قوانين الشركات لم تستوعب الى اليوم تنظيم هيئات الرقابة الشرعية .
- ح - من حيث المستفيدين من أعمال الرقابة :
ونجمل ذلك فيما يلي :
1- العلاقة مع المالكين :
للمالكين علاقة وثقي بالهيئة يحكمها نص القانون و/أو النظام الأساسي، وتقارير الهيئة الشرعية أمام جمعيتهم العامة فهى علاقة عضوية تتصف بالاستمرار والديمومة في ظل مبدأ الشرعية وهو عماد البنك/ المؤسسة المالية وجوهر وجودها .(16/40)
2- العلاقة مع العملاء (الحرفاء):
وهذه العلاقة وإن لم تكن محكومة بقانون أو هياكل إلا أن الهدف المشترك للهيئة والعملاء وهو الكسب الشرعي يربط الطرفين برباط عقائدي صميم، وتمثل الهيئة ضمانة أساسية للعملاء في اعتماد شرعية العقود وتنفيذها والتحكيم و /أو الحكم في النزاعات بينهم وإدارة البنك / الفرع .
3- العلاقة مع المستثمرين في حسابات المضاربة والمحافظ والصناديق الاستثمارية :
الغالب أن تحكم العلاقة بين البنك / والمؤسسة المالية والمستثمرين بصفة مؤقتة أو ثابتة علاقة تعاقدية مثل عقد المضاربة، ويكون وجود وفعالية الهيئة ضماناً لشرعية المعاملات والعقود، وضماناً إضافياً لحقوق المستثمرين .
4- العلاقة مع المودعين :
العقود التى يبرمها البنك مع المودعين لا تكون لها حجية ما لم تعتمد من الهيئة الشرعية، كما تنظر الهيئة في المنازعات بين المودعين والبنك/المؤسسة المالية فيما إذا عرضت عليها من أي من الطرفين أو اعتبرت محكّمِاً في النزاع، وأحياناً تكون الهيئة مفوضة في إخراج الزكاة نيابة عن بعض المودعين في بعض أنواع الحسابات .
5- العلاقة مع الدائنين :
فضلاً عن أن المودعين يمثلون نوعاً من الدائنين ـ أنظر للفقرة أعلاه ـ فإن الدائنين الآخرين تتعزز ثقتهم في البنك / المؤسسة المالية في حالة وجود هيئة شرعية عاملة ولكونها تصدر شهادات موثوقية معتمدة تضمن التزام البنك/ المؤسسة المالية بالقانون والنظام الأساسي الداخلي باعتبار أن وجود الهيئة وفعاليتها يمثل ضمانة ضد التعدي على حقوق الغير وهذه الضمانة قائمة مهما كانت ديانة الدائنين لآن من مصلحتهم المشتركة توفر المصداقية والموثوقية لا الجانب التعبدي الذي يهم المسلم دون غيره من أصحاب الملل الأخرى، ولعل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية قد ضمنت هيئة الرقابة الشرعية في إطار معايير الضبط لهذا السبب .
6- العلاقة مع العاملين :(16/41)
فضلاً عن تطلع العاملين للعمل بمبدأ السلامة الشرعية البنك/المؤسسة المالية فإن عملهم يقوم الى حدٍ كبير بتوفر قدر مناسب من العلاقة العلمية والعملية بالهيئة الشرعية والتى تتولى الرد على استيضاحاتهم وأسئلتهم، وتقوم على تدربيهم وتعليمهم بالقدر الذي يحقق الكفاءة الشرعية في أداء العمل وتنفيذ صيغ وعقود الاستثمار والتمويل وغيرها على الوجه المطلوب علماً وعملاً وتقنيناً .
كما يتوجب على العاملين المثول أمام الهيئة الشرعية متى ما استدعتهم، والإجابة على أسئلتها واستيضاحاتها للتوصل الى حكم مناسب للمعاملات والعقود والاتفاقيات وإصدار قرار بشأنها، كما عليهم أيضاً إبراز المستندات و الوثائق وغيرها من المعلومات التى تيسر مهمة الهيئة في سبيل تكييف المعاملات و/أو العقود و/أو الاتفاقيات والبت فيها، وفي ظل النظام غير المستندي ((NONVOUCHING SYSTEM بمعنى إحلال المعاملات الإلكترونية محل النظام التقليدي يجب الاتفاق على كيفية عرض وتقديم واعتماد المعاملات بالتنسيق مع الهيئة .
كما يتوجب عليهم الالتزام بقرارات الهيئة الشرعية ووضعها موضع العمل والتنفيذ .
7- العلاقة مع المجتمع الاقتصادي :
للهيئة علاقة لا تنفصم عن المجتمع الاقتصادي للدولة وذلك :
أنها صمام الأمان لإنفاذ القوانين والسياسات الكلية بشرط عدم مخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها أحد عناصر الضبط والرقابة العامة .
أنها تتولى ولاية شرعية عامة تحمي بها وتصون أموال المجتمع من ان تتعرض للانحراف أو التعدي أو التبديد أوغيرها من المخاطر .
أنها تنظر للمصلحة العامة /المعتبرة في الشريعة عند تكييف الحكم او الواقعة وإصدار قرارها بذلك مما يجعلها جزء لا يتجزأ من القرار الاقتصادي الكلي بحسبان السياسة الكلية هي سياسة شرعية بالضرورة .(16/42)
أنها تساهم في إقامة مجتمع التكافل والتعاون من خلال الزكاة والتبرعات وأموال البر المختلفة التى تكون طرفاً فيها أو ضابطاً لمشروعيتها .
أنها تقود حركة الوعي والتثقيف في أوساط الإداريين والعاملين وأصحاب الأعمال وتسهم في ترقية فكر المجتمع الاقتصادي وضمان تقدمه .
توصيات:
إن جاز لي فإنني أوصي بما يلي :
(1) كفالة الاستقلالية القانونية لهيئة الرقابة الشرعية بالنص على ذلك في قوانين الشركات و/ أو القانون الخاص لتأسيس البنك / المؤسسة المالية حسب مقتضى الحال .
(2) النص في قانون إنشاء البنك أو نظامه الأساسي باستثناء تعديل المواد التى تؤكد سمو أحكام الشريعة الإسلامية ومرجعيتها من التعديل مهما كانت نسبته المطلوبة باعتبار أن مبدأ أساس المشروعية لا تعديل له (أي بمعنى آخر عدم إخضاع هذه المواد والنصوص للتعديل ) .وكذلك فيما يتعلق بمبدأ تعيين هيئة الرقابة الشرعية واختصاصها الشرعي باعتبارها ضمانة مبدأ المشروعية .
(3) تفويض هيئة مصرفية دولية بالتنسيق مع المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية والبنوك المركزية لعقد ندوة متخصصة بدراسة وتقييم تجارب ونماذج هيئات الرقابة الشرعية باعتبارها أحد مكونات الرقابة والإشراف المصرفي قطرياً ودولياً .
(4) الدعوة الى إحياء الهيئة الدولية للرقابة الشرعية وذلك لتمثل أعلى الهرم لمنظومة هيئات الرقابة الشرعية في البنوك المركزية وفي قاعدة المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية والدعوة الى تبني المجلس العام للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية لهذه التوصية بالتنسيق مع مجمع الفقه الإسلامي ( جدة ) والبنوك المركزية، ومجلس الخدمات المالية الإسلامية (كوالالامبور ) .(16/43)
(5) الدعوة إلي تكوين لجنة خبراء على مستوى عالٍ من الأهلية والكفاءة والخبرة بدعم من البنك الإسلامي للتنمية ( جدة ) ومجلس الخدمات المالية الإسلامية والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وهيئة المحاسبة والمراجعة للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية لإعداد دراسة مرجعية، وصياغة دليل عمل للتدقيق الشرعي الداخلي، وتعميمها للمؤسسات والمصارف المالية الإسلامية والبنوك المركزية .
(6) دعوة هيئات الرقابة الشرعية لاتخاذ منهجية فقهية موحدة لتكون أساساً لتوحيد صيغ وعقود ومعاملات الاستثمار والتمويل والخدمات المصرفية في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، وتقديم بدائل ونماذج مختلفة معتمدة في حالة الاختلافات الفقهية ويترك البت فيها لهيئة الرقابة الشرعية في القطر / المؤسسة المعينة وذلك تمهيداً لصياغة وإصدار نظام دولي لصيغ وعقود الاستثمار والتمويل والأدوات المالية الإسلامية وتمهيداً لتوحيد المناهج الدراسية والتدريبية لهذا المجال .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الهوامش
1/أثر الرقابة الشرعية واستقلاليتها على معاملات البنك الإسلامي ، فارس محمود أبو معمر ، الجامعة الإسلامية غزة ، 1994 ، ص 4 .
2/الفتوى والرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية ودورها في تطوير وضبط مسيرتها ، محمد النجار ، مجلة المصارف الإسلامية ، القاهرة ، العدد 48، يونيو 1986 ، ص 11.
3/ اختصاصات هيئة الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية ، حسين شحاتة ، مجلة الاقتصاد الإسلامي ، بنك دبي الإسلامي ، عدد 116 فبراير 1991 ، ص 42 .(16/44)
1/الضوابط الشرعية لمسيرة المصارف الإسلامية ، د. أبو غدة مجلة المعاملات الإسلامية ، مركز الشيخ صالح كامل ـ القاهرة ـ العدد الأول ، ص 31 وقد طور د. أبو غدة هذا البحث تحت مسمى : الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية : انظر حولية البركة ـ العدد الأول رمضان 1420هـ ، ديسمبر 1999 ص 94 ـ 122 .
2/الأسس الفنية للرقابة الشرعية وعلاقتها بالتدقيق الشرعي في المؤسسات المالية الإسلامية، د.عبد الستار أبو غدة ، حولية البركة ـ العدد الرابع رمضان 1423هـ نوفمبر 2002م ، ص (8).
3/معايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية الإسلامية 1423هـ ـ 2002م صفر 1423 ـ أبريل 2002 ، معيار الضبط رقم (1) - تعيين هيئة الرقابة الشرعية وتكوينها وتقريرها . ص (5) .
4/ نفس المصدر ـ معيار الضبط رقم (2) : الرقابة الشرعية ـ ص (16) .
1/الأسس الفنية للرقابة الشرعية وعلاقاتها بالتدقيق الشرعي في المصارف الإسلامية ، د. عبد الستار أبو غدة ـ حولية البركة ـ العدد الرابع ـ رمضان 1423هـ ـ نوفمبر (تشرين ثان )2002م .ص (9) .
2/الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية ـ د.عبد الستار أبو غدة ـ حولية البركة العدد الأول ـ رمضان 1420هـ ـ ديسمبر 1999.
3/ المصدر السابق ـ ص (5) .
1/ هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ـ معيار الضبط للمؤسسات المالية الإسلامية رقم (2) ـ الرقابة الشرعية ـ صفر 1423هـ ـ أبريل2002 . ص (16) .
1/مشروع قانون تنظيم العمل المصرفي لعام 2002، الفصل الثالث ( الهيئة العليا للرقابة الشرعية ) ، المواد 18-19 .
1/مجلة بحوث الاقتصاد الإسلامي ـ المجلد الثالث ـ العدد الثاني ـ 1415هـ ـ 1994 ، نحو معايير للرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية محمد فداء الدين عبد المعطي بهجت ، ص 15 .
1/المرابحة وتطبيقاتها في البنوك الإسلامية ، د.عبد الحميد البعلي ، ص 155.
1/نفس المصدر ، ص 20.(16/45)
2/الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية ،د.عبد الستار أبو غدة ، نفس المصدر ، ص 100 .
1/ الرقابة الشرعية : ودورها في إسلام الجهاز المصرفي وفي سياسات التمويل ، د. احمد على عبدالله ، ص2 ، وأنظر أيضاً بعض ملامح المصرف الإسلامي د: احمد على عبدالله (ورقة نقاش) ص (17- 18) ، وأيضاً تفعيل الرقابة الشرعية على العمل المصرفي د. احمد على عبدالله حولية البركة ـ العدد الثالث رمضان 1422 هـ ـ نوفمبر 2001 ، ص ( 42) .
1/بعض ملامح المصرف الإسلامي ، ورقة منتدى ـ د. احمد على عبد الله ـ ص (18) .
1/ نفس المصدر ، ص (21) .
2/نفس المصدر ، ص (11) .
1/ نفس المصدر ، ص (14) .
1/الأسس الفنية للرقابة الشرعية وعلاقتها بالتدقيق الشرعي في المصارف الإسلامية ، د. عبد الستار أبو غدة ـ حولية البركة ، العدد الرابع ، رمضان 1423هـ ـ نوفمبر 2002 ، ص (26) - (27) .
2/نفس المصدر ، ص (27) .
1/ تفعيل الرقابة الشرعية بالمصارف الإسلامية ـ د.احمد على عبد الله ـ حولية البركة ـ العدد الثالث رمضان 1422هـ ـ نوفمبر 2001 ، ص 39ـ40 .
2/ نفس المصدر .
3/ الضوابط الشرعية لمسيرة المصارف الإسلامية ، د.عبد الستار أبو غدة ، مجلة المعاملات الإسلامية ( مركز الشيخ صالح كامل ) ، ص 35.
1/نفس المصدر ، ص 36 ـ 37 .
2/فرص تطوير معايير موحدة للرقابة الشرعية للمصارف الإسلامية ، د. احمد على عبد الله ـ الأمين العام للهيئة العليا للرقابة الشرعية (بنك السودان ) ، مقدمة لندوة الإشراف والرقابة على المصارف الإسلامية : الوضع الراهن والتطورات المستقبلية 24-26 أبريل 2001 ـ الخرطوم ـ ص 11 -12 - نشر البحث أيضاً في مجلة دراسات مصرفية ومالية ، العدد الخامس ، ربيع أول وثان / يونيو 2001 ، ص 9-24 .
1/نفس المصدر ، ص 14 .
1/المصدر السابق ص 18-19 .
2/المصدر السابق ـ ص 21 .(16/46)
3/ الترشيد الشرعي للبنوك القائمة ، مجلة البنوك الإسلامية ، العدد رقم 38 ، ص 53 ، (1984) د.محمد شوقي الفنجري .
4/ المصدر السابق ، ص 22 .
5/ الأسس الفنية للرقابة الشرعية ـ المصدر السابق ، ص (28) .
6/ المصدر السابق ، ص(19) .
1/ تفعيل الرقابة الشرعية بالمصارف الإسلامية ، د. احمد على عبد الله حولية البركة العدد الثالث رمضان 1422هـ ـ نوفمبر 2001م ، ص 46 .
1/ المصدر السابق ، ص 21.
1/ورقة بعض ملامح المصرف الإسلامي ـ د. احمد على عبد الله ـ ص (17) ـ ورقة نقاشية .
1/ الأسس الفنية للرقابة الشرعية وعلاقتها بالتدقيق الشرعي في المصارف الإسلامية ـ د.عبد الستار أبو غدة ـ حولية البركة ـ العدد الرابع 1423هـ ـ نوفمبر 2002 ، ص 25-26 .
1/ الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية ـ د. عبد الستار أبو غدة ـ حولية البركة ـ العدد الأول ـ رمضان 1420هـ ـ ديسمبر 1999 ،
وكذلك له :
الضوابط الشرعية لمسيرة المصارف الإسلامية ـ المصدر السابق ـ ص 35 .
المصادر والمراجع
1/…أثر الرقابة الشرعية واستقلاليتها على معاملات البنك الإسلامي، فارس محمود
أبو معمر، الجامعة الإسلامية غزة، 1994 .
2/…الفتوى والرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية ودورها في تطوير وضبط مسيرتها ، محمد النجار، مجلة المصارف الإسلامية، القاهرة، العدد 48، يونيو 1986.
3/…الضوابط الشرعية لمسيرة المصارف الإسلامية، د. أبو غدة مجلة المعاملات الإسلامية، مركز الشيخ صالح كامل ـ القاهرة ـ العدد الأول .
4/…الأسس الفنية للرقابة الشرعية وعلاقتها بالتدقيق الشرعي في المؤسسات المالية الإسلامية، د.عبد الستار أبو غدة، حولية البركة ـ العدد الرابع رمضان 1423هـ نوفمبر 2002م.
5/…معايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية الإسلامية 1423هـ ـ 2002م صفر 1423 ـ أبريل 2002، معيار الضبط رقم (1) - تعيين هيئة الرقابة الشرعية وتكوينها وتقريرها .(16/47)
6/ الأسس الفقهية للرقابة الشرعية وعلاقاتها بالتوثيق الشرعي في المصارف الإسلامية، د. عبد الستار أبو غدة ـ حولية البركة ـ العدد الرابع ـ رمضان 1423هـ ـ نوفمبر (تشرين )2002م .
7/…الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية ـ د.عبد الستار أبو غدة ـ حولية البركة العدد الأول ـ رمضان 1420هـ ـ ديسمبر 1999.
8/ هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ـ معيار الضبط للمؤسسات المالية الإسلامية رقم (2) ـ الرقابة الشرعية ـ صفر 1423هـ ـ أبريل2002 .
9/ مشروع قانون تنظيم العمل المصرفي لعام 2002، الفصل الثالث ( الهيئة العليا للرقابة الشرعية)، المواد 18-19 .
10/ مجلة بحوث الاقتصاد الإسلامي ـ المجلد الثالث ـ العدد الثاني ـ 1415هـ،1994، نحو معايير للرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية محمد فداء الدين عبد المعطي بهجت .
11/ المرابحة وتطبيقاتها في البنوك الإسلامية، د.عبد الحميد البعلي، (بدون تاريخ ) .
12/ الرقابة الشرعية: ودورها في إسلام الجهاز المصرفي وفي سياسات التمويل، د. احمد على عبد الله، حولية البركة ـ العدد الثالث رمضان 1422 هـ ـ نوفمبر 2001 .
13/ بعض ملامح المصرف الإسلامي، ورقة منتدى ـ د. احمد على عبد الله .
14/ تفعيل الرقابة الشرعية بالمصارف الإسلامية ـ د.احمد على عبد الله ـ حولية البركة ـ العدد الثالث رمضان 1422هـ ـ نوفمبر 2001 .
15 / فرص تطوير معايير موحدة للرقابة الشرعية للمصارف الإسلامية، د. احمد على
عبد الله ـ الأمين العام للهيئة العليا للرقابة الشرعية (بنك السودان )، مقدمة لندوة الإشراف والرقابة على المصارف الإسلامية : الوضع الراهن والتطورات المستقبلية 24-26 أبريل 2001 ـ الخرطوم ـ نشر البحث أيضاً في مجلة دراسات مصرفية ومالية، العدد الخامس، ربيع أول وثان / يونيو 2001 .
16 / الترشيد الشرعي للبنوك القائمة، مجلة البنوك الإسلامية، العدد رقم 38، (1984) د.محمد شوقي الفنجري .
??(16/48)
??
22 المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي /جامعة أم القرى
الرقابة الشرعية - الواقع والمثال 21(16/49)
الفجوة التقنية
وآثارها الاقتصادية في الدول الإسلامية
أ. د. عطية بن عبد الحليم صقر
أستاذ بقسم الاقتصاد الإسلامي
كلية الشريعة - جامعة أم القرى
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
يبدأ البحث بتحديد المشكلة التي يتصدى لعلاجها وفرضيته وإطاره, ثم ينتقل إلى التعريف بالتقنية وبيان علاقتها بالعلم والاختراع والابتكار
وفي تحليله الاقتصادي للتقنية ودورها في الإنتاج والتنمية يقرر أن القدرة التكنولوجية لمجتمع ما هي المصدر الحقيقي لثروته والركيزة الأساسية لتقدمه وأن العلم والتكنولوجيا والإنتاج مكونات ثلاث تؤثر وتتأثر مباشرة بسياسات وخطط التنمية, وأن التقنية الحديثة هي الرافد الحقيقي الذي يغذي عناصر الإنتاج ومرافقه التقليدية بالمعرفة والقدرة على التجويد والتطوير والمنافسة
ثم يقسم البحث عوامل اتساع الفجوة التقنية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة إلى داخلية وخارجية مع تقسيم كل منها إلى عوامل مادية وغير مادية مع ذكر العوامل المكونة لكل نوع من هذه التقسيمات الأربعة. وتسليط الضوء على اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية كواحدة من أبرز العوامل الخارجية المادية التي يمكن أن ينتج عنها تكريس الفجوة التقنية الماثلة.
وفي تحليله الاقتصادي لأثر اتساع الفجوة التقنية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة, يقدم البحث تحليلا لخمس معطيات ذات مردود اقتصادي مترتب مباشرة على هذه الفجوة.
وفي تصوره لطرق/ أساليب مواجهة مشكلته يقترح البحث حزمة من السياسات العلمية والاقتصادية والسياسية على الأصعدة الداخلية والبينية والدولية للعلاقات الاقتصادية في الدول الإسلامية.
ثم ينتهي البحث في مبحثه السادس والأخير باقتراح عدة حلول لسد الفجوة التقنية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة يمكن اعتبارها توصيات ختامية للبحث, ثم يقدم البحث قائمة بأهم مراجعه وبياناً بمحتوياته.
المقدمة:(17/1)
تشرفت بترشيح اللجنة العلمية للمؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي, المزمع عقده بمشيئة الله تعالى في رحاب كلية الشريعة جامعة أم القرى بمكة المكرمة, للكتابة في موضوع (الفجوة التقنية) كواحدة من أبرز المشكلات ذات البعد الاقتصادي, التي تواجه الأمة الإسلامية في طريقها نحو التنمية, وأدعو الله سبحانه وتعالى أن أكون أهلا لهذه الثقة الغالية من اللجنة الموقرة.
أهمية الدراسة:
تعاني الدول الإسلامية ـ إلا النزر اليسير منها ـ من فجوة تقنية, تتبلور في تخلف فنونها الإنتاجية, وتجعل منتاجاتها عاجزة عن المنافسة في الأسواق العالمية, بما من مقتضاه, انعكاس هذه الفجوة سلبياً على برامج التنميتين الاقتصادية والاجتماعية فيها , ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة في استشراف أسباب وآثار هذه الفجوة, وأساليب سدها, حتى تمكن للدول الإسلامية النهوض من مقاعد المستهلكين لمنتجات الغير, إلى صفوف المعتمدين على الذات في استهلاك ما ينتجون ثم التطلع إلى المنافسة.
مشكلة البحث:
تكمن المشكلة الرئيسية التي نتطلع إلى علاجها من خلال هذا البحث في ستة جوانب أساسية هي:
1. بروز التقنية/ التكنولوجيا, في تحليلها , كواحد من أهم وأخطر عناصر/ عوامل الإنتاج التجاري الكبير.
2. احتكار الدول الصناعية المتقدمة للتكنولوجيا, وتمسكها بموجب حقوق الملكية الفكرية بعدم توطينها في الدول الإسلامية إلا بشروطها.
3. ضآلة إنفاق الدول الإسلامية على صناعة البحث العلمي التكنولوجي.
4. هجرة العقول الإسلامية القادرة على صنع وتوطين التكنولوجيا من أوطانها إلى الخارج.
5. انعدام وجود قانون اقتصادي دولي منظم لعقود نقل وتوطين التكنولوجيا خارج أوطانها الأصلية.
6. الارتباط الوثيق بين التكنولوجيا والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
فرضية البحث:
تنهض فرضية البحث على دعامتين هما:
- اقتراح تصورات فاعلة للتغلب على جوانب مشكلته.
- اقتراح نمط تقني مناسب للدول الإسلامية.(17/2)
إطار البحث وخطته:
البحث ذو طابع وصفي تحليلي ترتبط خطته عضوياً بمشكلته وفرضيته ويتحدد إطار الدراسة فيه على النحو التالي:
1- البدء بمدخل تعريفي للتقنية, ومعايير التمييز بينها وبين العلم والاختراع والابتكار.
2- التحليل الاقتصادي للتقنية ودورها في الإنتاج والتنمية.
3- عوامل اتساع الفجوة التقنية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة.
4- التحليل الاقتصادي لأثر اتساع هذه الفجوة.
5- تصورات البحث في طرق/ أساليب مواجهة مشكلته.
6- الحلول المقترحة.
المبحث الأول
مدخل تعريفي للتقنية / التكنولوجيا
وردت مادة (تقن) في مختار الصحاح للرازي, بمعنى: إتقان الأمر وإحكامه, ومنه قوله تعالى: (صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون( (النمل آية:88), وقد اعتمد مجمع اللغة العربية بالقاهرة في ألفاظ الحضارة من معجمه الكبير كلمة تقنية كمرادف للتكنولوجيا باعتبار أن التقنية مشتقة من الإتقان وقائمة عليه (1)وذلك بما يعني أن التقنية تعريب لمصطلح تكنولوجيا غير العربي الأصيل.
إذا يرجع أصل لفظة تكنولوجيا إلى اللغة اليونانية وهو مكون فيها من كلمتين هما: techno وتعني الفن أو الصناعة, logos وتعني الدراسة أو العلم, ويمزج الكلمتين في بعضهما فإن المصطلح يعني في أصله الإغريقي علوم أو دراسات الصنائع أو فنونها, وهو معنى لا يختلف كثيراً عن معناه في اللغة الإنجليزية Technology (2).(17/3)
وليس من اليسير وضع تعريف جامع مانع للتكنولوجيا نظراً لتعدد مجالاتها, فهناك على سبيل المثال: تكنولوجيا المعلومات وهي في ذاتها تتنوع إلى ثلاثة أنواع: تكنولوجيا الإلكترونيات الدقيقة وتكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا نظم المعلومات والمعرفة, وهناك تكنولوجيا المواد الجديدة (التخليقية) وتكنولوجيا الفضاء والتكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية وتكنولوجيا صناعة الدواء, والصناعات البترولية والكيماوية, وتكنولوجيا الطاقة النووية والتكنولوجيا العسكرية وتكنولوجيا المحركات وغيرها الكثير بما يسمح أن تكون لكل صناعة تقنيتها المستقلة.
ولكن على الرغم من صعوبة وضع تعريف جامع مانع للتكنولوجيا إلا أنها من وجهة التحليل الاقتصادي باعتبارها مورداً أو مدخلاً للإنتاج فإنه يمكن تعريفها بأنها: "مجموعة المعارف والمهارات والخبرات الجديدة التي يمكن تحويلها إلى طرق إنتاج أو استعمالها في إنتاج سلع وخدمات وتسويقها وتوزيعها, أو استخدامها في توليد هياكل تنظيمية إنتاجية" وذلك بما يعني:
أن التكنولوجيا ليست هي المصنع وليست هي المنتج الذي يخرج من هذا المصنع, ولكنها مجموعة المعارف والمهارات التي بها أنشأ المصنع والتي على أساسها يتم الإنتاج المجود فيه عن طريق منظومة عمالية وإدارية ذات كفاءة ومقدرة على أحداث التطوير والتخطيط له وتنفيذه(3) وبعبارة أخرى: فإن التقنية هي: المعرفة العلمية بدقائق الأنشطة التنموية وبتفاصيل فنونها, والقدرة على توظيف كل المعارف والكفاءات المتاحة من أجل زيادة الإنتاج وتحسينه, ورواج التجارة ونجاحها.(17/4)
كما يمكن تعريفها بأنها: مجموعة المعارف والأساليب المتاحة واللازمة للإنتاج والتنمية, وبأنها: المعرفة العلمية والهندسية والإدارية التي يمكن بواسطتها تصور وتعميم وإنتاج وتطوير وتوزيع المنتجات والخدمات المختلفة, وبأنها: القدرة على اختراع آلة أو مجموعة من الآلات, أو تطوير مهارة أو مجموعة من المهارات, أو إتقان معلومة أو مجموعة من المعلومات المنظمة والمتناسقة أو إجادة عملية أو مجموعة متتالية من العمليات, أو تكوين الفعالية المنظمة لمجموعة اجتماعية, لها هدف القيام بنشاط معين, والجوانب الإدارية والتنظيمية اللازمة لكل ذلك(4).
العلم والتكنولوجيا: هما على حد تعبير البعض مرحلتان متميزتان ومتكاملتان لتحقيق المعرفة, من حيث إن غاية العلم هي البحث عن كنه الأشياء وحقيقتها والكشف عن عناصرها وخصائصها وصولا إلى قانون كل شيء ونظريته, أما التكنولوجيا فهي المرحلة التالية لاكتشاف قانون الأشياء, إنها التطبيق العملي لنتائج قانون الشيء, إنها ابتكار أسرع وأيسر الطرق لاستعمال قانون الأشياء في الإنتاج, إنها ثمرة العلم(5).
أو بعبارة أخرى فإن رافدي المعرفة البشرية المعاصرة (العلم والتقنية) يرتبطان برباط وثيق لا تستطيع التقنية فيه أن تنفصل عن العلم ولا يستطيع العلم فيه أن يتقدم بغير تقنيات دائمة التطور, وذلك في ظل إدارة عصرية منضبطة وتنظيم دقيق لجمع المعلومات وتوثيقها فيما يعرف الآن بثورة المعلومات(6).
فالتكنولوجيا عند البعض "هي معرفة الوسيلة في حين أن العلم هو معرفة العلة وذلك بما يعني أن التكنولوجيا هي التطبيق العملي للاكتشافات العلمية والاختراعات التي يتمخض عنها البحث العلمي(7).(17/5)
العلم إذن هو أساس التكنولوجيا, غير أنه لا يؤدي بذاته إليها, كما أن التطور العلمي لا يؤدي تلقائيا إلى تطور تكنولوجي, إنما هو فقط شرط لإمكانية هذا التطور, التطور التكنولوجي يأتي نتيجة التفاعل والترابط بين ما يتوصل إليه البحث العلمي من نتائج وقوانين, وبين التطبيق الفوري والسريع لهذه النتائج في المؤسسات الإنتاجية القائمة, أي الترجمة الفورية للقوانين والمكتشفات العلمية إلى سلع وخدمات وهياكل تنظيمية وإنتاجية(8).
إن هذا التفاعل والترابط بين المؤسسات العلمية والبحثية والمؤسسات الإنتاجية هو الذي يخلق الملاحقة التكنولوجية والتطور التكنولوجي, بل والوثوب التكنولوجي, فأشد ما يعاني منه العلماء والباحثون أن تظل نتائج بحوثهم حبيسة الأدراج ورفوف المكتبات العامة والخاصة, في الوقت الذي تكون فيه المؤسسات الإنتاجية بمنعزل عنهم, إما مكتفية بأساليب إنتاجية عتيقة أو لاهثة وراء تكنولوجيا مستوردة, كما هو الشأن في غالبية الدول الإسلامية.
التكنولوجيا والاختراع:
هما من الناحية الفنية وجهان لعملة واحدة إذ يعبران عن التطبيق العملي للقوانين والمكتشفات والنظريات العلمية التي تم التوصل إليها من خلال البحث العلمي: فاللفظتان متطابقتان من حيث كونهما ثمرة المعرفة وغايتها, ولكنهما مختلفتان من حيث السرية ونطاق الحماية القانونية والاحتكار, فالمؤسسات الإنتاجية الكبرى الممولة للبحث العلمي تحرص على إحاطة ابتكاراتها التكنولوجية بالسرية التامة حتى يمكنها احتكارها لأطول فترة ممكنة, ومن ثم فإنها لا تتمتع عند سرقتها أو تقليدها بالحماية المقررة للملكية الفكرية, سواء على المستوى المحلي أو الدولي)9((17/6)
خلافاً للابتكار الذي يحصل صاحبه على براءة الاختراع ويكشف عن جميع أسراره, فإنه وفي مقابل إفادة البشرية منه يحصل على احتكار استغلال اختراعه لمدة محددة بموجب قانونه الوطني واتفاقية التجارة المتصلة بحقوق الملكية الفكرية, فحق الاختراع إذن مشمول بالحماية القانونية عند اقترانه بالحصول على براءة الاختراع ويقرر البعض بأن اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية (التريبس) لم تحدد ماهية الاختراع وهذا لا يعد ثغرة فيها بل يعني الافتقار لمفهوم وحيد لما يعد اختراعا, كما يقرر أن الاتجاه العام في معظم القوانين الوطنية هو تجنب ذلك, لكي تترك مساحة من المرونة في ظل مناخ يتسم بالتغير العلمي والتكنولوجي, راجع كارلوس م ـ كوريا ـ حقوق الملكية الفكرية (اتفاق التربس وخيارات السياسات) (10).
( ( (
المبحث الثاني
التحليل الاقتصادي للتقنية ودورها في الإنتاج والتنمية
لا شك في أن التقدم العلمي والتقني في العصر الحاضر, يشكل أهم العوامل المسئولة عن النمو الاقتصادي والاجتماعي والعسكري إذ لا يمكن الفصل بين التقدم العلمي التقني وبين عملية النمو والتقدم في المجالات المشار إليها ويرجع ذلك إلى الاعتبارات التالية:
1- ارتباط إنتاجية العامل في جميع ميادين النشاط الاقتصادي بما يوفره له التقدم العلمي والتقني من معلومات ومعارف ومهارات واختراعات وعدد وآلات ومواد جديدة, وذلك بما يعكس العلاقة الوطيدة بين التكنولوجيا وعنصر العمل في عمليات الإنتاج.
2- الدور الفاعل للبحث العلمي والتطور التكنولوجي في زيادة وتحسين إنتاجية الموارد الطبيعية الموجودة, سواء عن طريق اكتشاف المزيد منها, أو عن طريق اكتشاف استخدامات جديدة لها, أو عن طريق زيادة إنتاجها, وذلك بما يعكس أيضاً العلاقة الوطيدة بين التكنولوجيا وبين الموارد الطبيعية باعتبارها أحد عناصر الإنتاج.(17/7)
3- الارتباط الوثيق بين التكنولوجيا وبين الاستخدام الأمثل لرأس المال في الحصول على إنتاج مجود ذي قدرة تنافسية, فإن مجرد وجود مخزون طبيعي هائل من الثروات في دولة ما, أو امتلاكها لأرصدة مالية ضخمة, أو كوادر بشرية حاصلة على أعلى الدرجات العلمية أو أقامتها للمئات من المنشآت الاقتصادية, كل ذلك لا يكفي لانطلاقة هذه الدولة نحو النمو والتقدم, إذ لابد من اقترانه بمسايرة مستمرة في الإلمام بكل المعارف الجديدة والمكتسبة وحسن توظيفها في إحداث التنمية المنشودة.
ولقد باتت الشركات الصناعية الكبرى مهددة بشكل مستمر من السبق التكنولوجي لها, وإخراجها من سوق المنافسة العالمية من جانب المنتجين الجدد الذين يحملون معهم أفكاراً إنتاجية جديدة, وهي الأكثر إدراكاً أن استمرارها وبقاءها مرهون بالبحث العلمي الجاد لإدخال تطويرات جوهرية مستمرة على منتجاتها, وذلك بما يعكس كما قلنا الصلة الوثيقة بين التكنولوجيا ورأس المال باعتباره عنصراً من عناصر الإنتاج.
4- وإذا كانت التكنولوجيا ذات صلات قوية ووثيقة بالعناصر المادية للإنتاج متمثلة في العمل ورأس المال والموارد الطبيعية, فإن ارتباطها يتزايد وباستمرار بالمنظومة الإدارية التي تنهض بعمليات المزج بين عناصر الإنتاج المشار إليها من أجل إخراج المنتج النهائي للمشروع حيث تعني التكنولوجيا في بعض جوانبها المعرفية, رفع كفاءة المنظومة الإدارية للمشروع وزيادة قدرتها على إحداث التطوير والتخطيط له وتنفيذه, واستثمار الوقت بأقل تكلفة باستخدام المعارف الجديدة وذلك بما يمكن معه القول:(17/8)
إن المنافسة لم تعد تعتمد على وفرة المصادر الطبيعية أو العمالة الرخيصة أو مصادر التمويل, بل أصبحت القدرة التنافسية تكتسب من خلال إنتاج سلع جديدة أو التحسين السريع والمستمر في المنتجات وطرق التصنيع, والدخول بها إلى السوق بطريقة أكثر تأثيراً, وهو الأمر الذي يتطلب إدارة متطورة تلتقط إشارات السوق وتستجيب لها بل وتتفاعل معها. إدارة ذات حس مرهف قادر على التنبؤ والتقييم والاختيار وتعبئة الموارد والتنفيذ والترشيد والتطوير والمنافسة الدولية(11).
خلاصة القول إذن هي أن القدرة التكنولوجية المتوفرة لمجتمع ما, هي المصدر الحقيقي للثروة فيه, والركيزة الأساسية التي تأخذ بيد هذا المجتمع نحو التقدم والرقي, وأن العلم والتكنولوجيا والإنتاج مكونات ثلاث تؤثر وتتأثر مباشرة وكلية بسياسات وخطط التنمية, فالعلم هو أساس التكنولوجيا, والتكنولوجيا هي الركيزة الأساسية للإنتاج والإنتاج هو عصب التنمية, وسياسة التنمية هي التي تحدد مسبقاً دور كل مكون من هذه المكونات ونطاق مشاركته في جهود التنمية الشاملة, كما تقتضي التنمية الشاملة التطوير التكنولوجي المستمر الذي يعجل بمعدلاتها, بينما يتدعم هو بمنجزاتها(12).
لقد كانت عوامل الإنتاج في ظل الاقتصاد الكلاسيكي تنحصر في أربعة عوامل مجردة هي:(17/9)
الطبيعية والعمل ورأس المال والتنظيم, وقد اختلف الكلاسيكيون في أي من هذه العوامل يلعب دوراً في الإنتاج ومع زيادة التكنولوجيا, وظهور الإنتاج العلمي المصاحب لها بما يستهدفه من تخفيض نفقات الإنتاج وزيادة غلته عن طريق فقد أقل ما يستطاع من الجهود والمواد, فقد فقدت عوامل الإنتاج المجردة عن التكنولوجيا قدرتها على إيجاد إنتاج كبير أو منافس, وأصبح مجرد امتلاك مجتمع ما لعنصر أو أكثر من عناصر الإنتاج الكلاسيكية مجرداً عن التكنولوجيا, لا يعني بالضرورة قدرة هذا المجتمع على الإنتاج الكبير أو المنافس, نعم قد يستطيع الإنتاج بشكل ما, لكنه لا يستطيع النفاذ بمنتجاته إلى الأسواق الخارجية إلا من خلال الإبداع, ولا يعرف سبيل للإبداع إلا من خلال التعليم المجود والتدريب المستمر, اللذين يمثلان المدخل الطبيعي للبحث العلمي المنتهي إلى الابتكار والاختراع والتطور التكنولوجي.
لا غرو إذن إذا انتهينا إلى أن التكنولوجيا هي الرافد الحقيقي الذي يغذي عناصر الإنتاج ومرافقه التقليدية بالمعرفة والقدرة على التجويد والتطوير, واستشعار توجهات العصر, والتقاط إشارات السوق العالمية والاستجابة لها, واثبات الوجود والتنافس في الأسواق العالمية(13).
ولا تقتصر وظيفة التكنولوجيا فقط على تنمية القدرة على استغلال الموارد الطبيعية للثروة الاقتصادية الاستغلال الأمثل, بل تلعب دوراً أكبر من ذلك, في مجالات أكثر حيوية وخطورة منها:
ضمان أمن المجتمع وهزيمة أعدائه, تقريب المسافات الشاسعة, سهولة الاتصال الثقافي والحضاري, تخزين ونقل المعلومات ونشر الأفكار والأيدلوجيات, المحافظة على النظام واكتشاف الجريمة(14).
المبحث الثالث
عوامل اتساع الفجوة التقنية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة(17/10)
إن من الدعاوى التي لا تحتاج إلى دليل أن الغالبية الساحقة من زهاء خمسين دولة إسلامية, أصبح يفصل بينها وبين الدول المتقدمة فجوة أو هوة شاسعة في مجال العلوم والتقنية.
والمفارقة التي تبلغ مداها في حقيقة مريرة هي: أن الدول المتقدمة علمياً وتقنياً دول كافرة بالله, منكرة لرسالته الخاتمة, جاحدة للحق مستعلية عليه, مناهضة للإسلام والمسلمين, أغراها تفوقها التقني وقوتها المادية على التجبر والاستعلاء في الأرض, أصبحت ترى في أي تقدم علمي أو تقني للمسلمين خطراً يهددها, وباتت تفرض حظراً تقنياً على المسلمين في عدد غير قليل من مجالات البحث العلمي فعلوم الذرة والفضاء والبيولوجيا والكيماويات وصناعة السلاح معارف علمية غير مسموح بنقلها أو تداولها خاصة بين المسلمين بعد امتلاك الدول المتقدمة لزمامها وبعد أن كان العلم فيها ميداناً مفتوحاً للجميع.
والأدهى من ذلك والأمر أن هذا الخطر قد أصبح إحدى قواعد الشرعية الدولية, التي تسوغ للدول المتقدمة توقيع أقسى ألوان العقاب على أية دولة إسلامية مارقة عليه, إن الأمر جد خطير, خاصة وأن الفجوة التقنية تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة.
ولعل من أسباب/ عوامل اتساع هذه الفجوة يمكن ردها إلى طائفتين من العوامل داخلية وخارجية, وكل طائفة منها تتنوع بدورها إلى عوامل مادية وغير مادية, وسوف نعني الآن ببحث هذه الطوائف الأربع وذلك من باب تشخيص الداء طلباً لمعرفة الدواء.
أولاً العوامل الداخلية غير المادية:
1- القصور الواضح في إدراك مسلمي العصر للخطاب القرآني والنبوي الكريم الداعي إلى العلم وإلى توظيفه لبناء دولة إسلامية قوية بل والتقاعس عن الاستجابة لمتطلبات هذا الإدراك إن وجد أحياناً, وهو الأمر الذي جعل العصر الحاضر من حياة المسلمين امتداداً لعدة قرون خلت من الركود والتخلف والتقليد.(17/11)
إن الخطاب القرآني النبوي الكريم في دعوته للمسلمين إلى العلم غير محصور فقط في دراسات العقيدة والشريعة والآداب والفنون وإنما يمتد إلى وجوب دراسات العلوم البحتة والتطبيقية الموصلة إلى معارف وحقائق الكون وقوانينه ومظاهره في عمليات متنامية وصولاً إلى منتهى الحقيقة المطلوبة في هذا الوجود وهي توحيد الله عز وجل, الواردة في قوله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله( (محمد آية 19), ومن ثم توظيف التخصص العلمي أياً كان مجاله لخدمة العقيدة والدعوة إلى الله.
فهل يدرك مسلمو العصر حقيقة أبعاد الخطاب القرآني النبوي في الدعوة إلى العلم؟ إن أكثر الإجابات تهذيباً ترى أن هناك قصوراً واضحاً في هذا المضمار, بل وتقاعساً عن الاستجابة لمتطلبات هذا الإدراك إن وجد أحياناً وذلك على المستويين الفردي والحكومي في غالبية الدول الإسلامية, أما على المستوى الفردي فإن الغالبية العظمى من متعلمي الشعوب الإسلامية لا يبتغون من تعليمهم إلا البناء الذاتي لأنفسهم, حيث ينحصر جل اهتمامهم في الحصول على شهادة أو درجة علمية إما لمجرد استكمال الوجاهة, أو الحصول على فرصة عمل مناسبة, وحيث تنحصر خدمة العقيدة والدعوة عندهم على مجرد الوعظ والإرشاد والتفسير والإفتاء, وربما تركوا مواقعهم الحقيقية واشتغلوا بأعمال إدارية استكمالاً لوجاهتهم الاجتماعية.
أما طريق البحث العلمي في مجال الفوتونات والمكونات الهندسية الوراثية والتكنولوجيا الحيوية والطاقة النووية والطاقات المتجددة والمواد الجديدة وغيرها من معارف العلوم والبحوث البحتة والتطبيقية والصناعية والعسكرية فإنها عند هذا الفريق من المسلمين واجب كفائي, إذا قام به غيرهم فقد سقطت عنهم مطالبتهم به.(17/12)
حتى النخبة الممتازة من العقول المسلمة التي تتجه إلى البحث العلمي في المجالات التقنية المشار إليها فإنهم ومعهم بعض العذر يتوجهون إلى الهجرة من أوطانهم الإسلامية, لكي يشكلوا مساحة في آلية التقدم العلمي والتقني في الدول المتقدمة غير الإسلامية ويوسعوا من مساحة التخلف وتعميق الفجوة التقنية بين مواطنهم الإسلامية وبلاد مهجرهم, وتشاركهم حكومات أوطانهم الإسلامية هذا الجرم من حيث إنها تحولهم بعد سنوات الاغتراب والإبداع والخبرة إلى موظفين يجلسون خلف المكاتب لتوقيع بعض الأوراق, أو إلى مجرد محاضرين يلقون بعض المحاضرات النظرية, وعلى أحسن الفروض تحولهم إلى خبراء أو مستشارين لا يفعلون شيئاً أحياناً, وذلك مما يلغي عقولهم ويئد إبداعاتهم.
ويستمر نزيف العقول الإسلامية وتتوالى عمليات تفريغ الأمة من مفكريها ومبدعيها وكفاءاتها العلمية وتتجه الأمة في مسيرتها إلى الوراء ليزداد تخلفها وضياعها مع قصورها عن إدراك الخطاب القرآني النبوي لها بطلب العلم وجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة.
2- غياب الإدراك عند المسلمين فرادى ودولاً لأبعاد التخلف التقني الذي وصلوا إليه, والقصور الواضح في الجهود الرامية إلى تغيير المناخ الذي أدى إلى هذا التخلف أو معالجة أسبابه.(17/13)
أما على المستوى الفردي فإن المرء ليقطر قلبه دماً عندما يسمع من بعض مترفي المسلمين أنهم يحمدون الله عز وجل أن هيأ لهم على حد قولهم من الكفار من يصنع لهم المركبات والآلات والأدوات التي يستخدمونها, وأن أفاض عليهم من واسع رزقه ما يستوردون به مستلزمات ترفهم, وهم على هذه الحال سعداء بحياتهم لا يعنيهم أمر غيرهم من المسلمين في شيء, ويا للحسرة عندما يكون أمثال هؤلاء في مواقع صنع القرار الإسلامي أو اتخاذه, وإذا كان هذا هو حال من يفترض فيهم ومنهم الغيرة والحمية على الإسلام والمسلمين فإن للكادحين وراء لقمة العيش, الذين أثقل الفقر كاهلهم العذر في عدم إدراك أبعاد التخلف التقني الذي وصلت إليه أمتهم الإسلامية.
وأما على مستوى الشعوب والدول فإن المسلمين مع مطلع العقد الثالث من القرن الخامس عشر الهجري قد فرضت عليهم حربان صليبيتان كان الحسم فيهما لتكنولوجيا القنابل الذكية والصواريخ الموجهة بأشعة الليزر والأقمار الصناعية, ويا لهوان المسلمين عندما لا تملك زهاء خمسين دولة إسلامية لأشقائهم المصطلين بنيران هاتين الحربين, إلا الدعاء على تخوف وخفية, وأنى يستجاب لهم بعد أن تركوا الأسباب.
ثانيا: العوامل الداخلية المادية لاتساع الفجوة التقنية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة:
تتعدد هذه العوامل إلى الحد الذي يلزم لاستقصائها وبيانها مجلداً ضخماً, وانطلاقاً من هذا فإن البحث سوف يقتصر على الإشارة إلى رءوس هذه العوامل التي يقع في مقدمتها:(17/14)
1- يرى البعض أن الفقر الذي يضرب بإطنابه في غالبية الدول الإسلامية واحداٌ من العوامل الرئيسية في تخلفها التقني, بل وانتشار الأمية فيها بين الكبار, إذ إنه ووفقاً لتصنيف الأمم المتحدة لدول العالم إلى دول متقدمة (غنية) ودول نامية (فقيرة) ودول أقل نمواً (معدمة) فإن غالبية دول العالم الإسلامي تقع في مجموعتي الدول النامية والأقل نموا وفقاً لمعيار نصيب الفرد من الدخل القومي, غير أني لا أميل إلى اعتبار الفقر عاملاً رئيسياً للتخلف التقني في البلدان الإسلامية بل أقول:
إن غياب الإرادة السياسية لإحداث التنمية لدى حكومات هذه الدول هو العامل الرئيسي في تخلفها التقني وفقرها المادي وانتشار الأمية فيها, وليس أدل على ذلك مما يلي:
أ - امتلاك هذه الدول فرادى ومجتمعة لرصيد معقول وكاف لإحداث التقدم من الموارد الطبيعية والبشرية والعقول القادرة على نقل وتوطين التكنولوجيا في بلادها.
ب - أن الفقر في هذه الدول لا يحول بينها وبين الكثير من مظاهر السرف والترف في احتفالاتها ومهرجاناتها الفنية والكروية.
ج - أن لدينا نماذج معاصرة لدول نامية فقيرة استطاعت أن تعبر الفجوة التقنية بقدر كبير من النجاح, ولم يمنعها حاجز الفقر من تحقيق الإرادة السياسية لحكوماتها في إحداث التنمية الشاملة ومن هذه الدول: الصين الشعبية, والهند, وكوريا الجنوبية, والباكستان ودول النمور الأسيوية.(17/15)
2-غياب السياسات الاقتصادية المستقرة والأهداف الإستراتيجية التنموية بعيدة المدى, إذ الملاحظ في غالبية الدول الإسلامية أن سياسات الدولة واستراتيجياتها مرتبطة بأشخاص معينين وتتغير مع كل تغيير لهؤلاء الأشخاص, بحيث يهدم الخلف ما أقامه السلف ويبدأ من جديد, حيث لا يجد الخلف غالباً سياسات مستقرة أو أهدافاً إستراتيجية واضحة المعالم, وإنما هي كلها أفكار وخطط ارتجالية وقتية مرحلية, ذات نتيجة واحدة هي تشتت وتبعثر جهود الدولة وطاقاتها وسنوات بنائها الماضية, فإذا انضم إلى ذلك بعض المعطيات الأخرى مثل:
- إذكاء الدول الكبرى لروح الفتن والصراعات بين طوائف وعرقيات الدول الإسلامية, وسعيها الدائم نحو منع تمتعها بالاستقرار السياسي والأمني.
- عدم اكتمال البنية الأساسية للاقتصاد القومي.
- انعدام أو ضآلة الحوافز المادية والمعنوية للباحثين والموهوبين.
- عدم توافر وسائل البحث العلمي والتقني, والقوى الفنية المساندة من مراكز الأبحاث والخدمات المكتبية والتوثيقية المتطورة.
- اليأس والإحباط الذي يصيب الكفاءات العلمية الإسلامية من جراء الروتين والإهمال الحكومي لهم بما يدفعهم إلى الهجرة حيث بلاد النور والعلم من دول العالم المتقدمة.
- ضيق المساحة بل وهامش الحرية السياسية والفكرية بما يستوعب المستوى العقلي والإبداعي للموهوبين والعلماء وبما يوفر لهم الحد الأدنى من مناخ الفكر والحوار والمناقشة وتبادل الرأي للقيام بالتجارب والدراسة و البحث.
ضآلة بل وانعدام حجم الإنفاق العام على عمليات توظيف البحث العلمي من أجل التنمية في الدول الإسلامية على الرغم من ضآلة دخولها القومية حيث لا يتعدى وفق أفضل الإحصائيات نسبة 3% (15)
ونقول: إنه إذا انضمت هذه المعطيات إلى غياب السياسات والإستراتيجيات فماذا ننتظر إلا أن تكون الفجوة التقنية بين الدول الإسلامية والدول المتقدمة أوسع وأعمق مما هي عليه الآن.(17/16)
إن العلم بعد أن علم الله سبحانه وتعالى آدم الأسماء كلها لم يعد يكتسب من فراغ, والتقنية إنما هي حصاد وتوظيف لكل المعارف الإنسانية لتحقيق احتياجات الإنسان لتحقيق احتياجات الإنسان وتنمية ذاته ومجتمعه في عمليات مطردة ذات طبيعة تراكمية ولا حصاد بدون زرع.
2- عدم الجدية في تأسيس قواعد ذاتية راسخة للبحث العلمي وتطبيقاته في دول العالم الإسلامي ولعل من أبرز مظاهر هذا العامل ما يلي:…
أ -انعدام الربط بين المؤسسات الإنتاجية ومراكز البحث العلمي.
ب -قلة المعامل والمختبرات اللازمة للدراسات العلمية والتقنية بما تتطلبه من تجهيزات وأجهزة ومعدات حديثة وقوى فنية مساندة.
ج - احتلال الدراسات النظرية لمساحة واسعة على خريطة الجامعات والمعاهد العليا في الدول الإسلامية على حساب دراسات العلوم والتقنية.
د - عجز الجامعات والمعاهد العليا ومراكز البحث العلمي في دول العالم الإسلامي عن تحقيق نهضة علمية تقنية حقيقية لأسباب سياسية ومادية في الغالب الأعم.
هـ - استمرار الاعتماد في تكوين الطاقات العلمية المسلمة على عملية الابتعاث أو الإيفاد إلى الجامعات الأجنبية, بما أدى إلى تغريب هذه الطاقات وانسلاخها عن واقع أوطانها وتعاليم دينها.
و - ضعف التخطيط والتنسيق والتعاون بين المؤسسات العلمية والتقنية في دول العالم الإسلامي بما أدى إلى تفتيت الجهود وتكرارها في خطوط متوازنة, وبما أعاق انطلاقها جميعاً وفقاً لتخطيط واحد ولتحقيق هدف محدد تتكامل جميعها في تحقيقه.(17/17)