بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
... الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الصادق الامين ، الذي بعثه الله على حين فترة من الرسل رحمة للعالمين ، ففتح الله به اعينا عميا ، وقلوباً غلفا واذاناً صما .
... فصل يا رب على خير الورى ما صدحت قمرية على الذرى
... والال والازواج والاصحاب والتابعين من اولى الالباب
... كان ولا يزال كتاب الله نبعاً صافياً ، وثمراً دانياً ، وحبلاً وثيقاً ، فطرف بيد الله وطرف بايدينا ، اعجز بعجيب نظمه الاولين وتقاصر عن الارتقاء الى بلاغته ذوو الافهام من الاخرين ، فلا تنقضي عجائبه ، ولا تنتهي غرائبه .
... واني اذ قصدت اشرف كتاب واعذب بحر اخوض في لججه وانتقي من درره ، في روضة من رياضه ، وهي ايات مباركات من قصة سيدنا ابراهيم ( عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ) اتقلب بين افيائها ، ثناء الله عليه ، وثنائه على الله ، واستشعر فرحة الواثق بوعد الله في بشرى الله تعالى له ، واحمل النفس على كل ما يسمو بها سمو المؤمن الصابر على دينه الداعي اليه المطمئن الى نصر الله ولو بعد
حين في دعوة ابراهيم لقومه ، اذ كان كما قال تعالى { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ/ النحل 120 } ، فكذا يجب ان نكون بايماننا .
... ولقد راودتني مثل هذه المعاني في ايام الدراسة الاولية فحاولت ان اكتب شيئا في هذا الموضوع الى ان فتح الله علي ووفقني للكتابة فيه بعد موافقة قسم اللغة العربية واستاذي الكريمين اللذين اشرفا على هذا البحث حتى اكتمل وصار كتابا بين يدي القارىء ، وقد انتظم هذا البحث في مقدمة وتميهد وفصلين وخاتمة .(1/1)
فقد تضمن التمهيد تعريفا بالفاظ الدعوة ، والبشرى ، والثناء ، وعرضا لاسلوب القصص القراني وظاهرة التكرار فيها وبعدها في الحث على الصبر والجهاد والثبات على الحق والتسرية والتطمين لرسولنا الكريم واصحابه . وايضا تضمن العلاقة بين البلاغة والدلالة.
اما الفصل الاول فقد تضمن الدراسة البلاغية وقد قسمته على ثلاثة مباحث هي : ... ... المبحث الاول : علم المعاني .
... المبحث الثاني : علم البيان .
... ... المبحث الثالث : علم البديع .
... وهذه الثلاثة هي المحاور التي يدور عليها علم البلاغة ، متناولا في كل مبحث ايات الدعوة والبشرى والثناء وحسب تعلقها بعنوان المبحث ، مستعرضا اراء العلماء من اهل البلاغة في كل مسالة بلاغية لها علاقة بموضوع البحث ، ثم اذكر المسال المتعلقة بكل اية من اقوال العلماء وتعليقاتهم عليها بلاغيا ، وهكذا الى نهاية المبحث . سائرا على المنهج نفسه في المبحثين الاخرين .
اما الفصل الثاني فقد تضمن الدراسة الدلالية ، وقد قسمته على مبحثين هما :
... المبحث الاول : الدلالة المعجمية .
... المبحث الثاني : الدلالة النحوية .
... وهذان المبحثان هما ركنا الدلالة السياقية التي اتبعتها في بحثي في تفسير ايات الدعوة والبشرى والثناء ، وصولا الى الهدف المرجو من البحث الا وهو توضيح العمق الدلالي لهذه الايات التي جاءت في قصة كريمة تمثل ثاني اطول قصة في الكتاب العزيز بعد قصة سيدنا موسى ( عليه وعلى نبينا افضل الصلاة وازكى التسليم ) ، محتكما في كل هذا الى امهات مصادر الدراسات القرآنية من تفاسير وكتب معاني القرآن وكتب البلاغة والمعاجم العربية بما زخرت به المكتبة الاسلامية العامرة التي وجدت بين طياتها ما كنت ابغي الحصول عليه من اجل خدمة هذه اللغة الشريفة وكتابها العزيز من خلال هذا البحث الذي كتبته لهذا الغرض .(1/2)
... وقد اقتضت طبيعة البحث في الوقوف على مصادر تبحث هذا الموضوع بحثا دقيقا ، فقد وقفت على امهات التفاسير التي يسرت لي سبيل البحث وايفاء الموضوع حقه ، كتفسير سفيان الثوري محققا ، وتفسير البحر المحيط محققا ايضا ، وكذلك كتاب معاني القران واعرابه للزجاج محققا ، فضلا عن بقية التفاسير وكتب البلاغة واللغة التي ذكرتها في هوامش البحث ومصادره .
... وفي ختام كلامي هذا اقول : انني لاادعي الاستيعاب الشامل لهذا البحث ، فالكمال صفة لله تعالى وحده ، فمن وجد هفوة سها عنها القلم ، او زلة وقع فيها القدم فليدرأ بالحسنة السيئة ، فان الانسان لا يخلو من التقصير او النسيان ، فما انا الا طالب علم مبتدئ قد تكثر كبواته في مطاوي الطريق ، ولكن اقول: عسى ان يكون هذه البحث خطوة في مسيرة الدراسات القرانية انفع به وانتفع ، ( يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم ) .
... فان وفقت الى ذلك فالفضل لله تعالى ثم للاساتذة الذين ارشدوني وخففوا عني وعورة مسالكه ، وان كانت الاخرى فان لي من سلامة القصد خير ما اعتذر به ، والعذر قد يكون عند كرام الناس مقبولا .
... وهنا لابد من وقفة مع استاذي الكريمين مشرفي هذه الرسالة لتقديم الشكر والعرفان لهما ، فكل التقدير والاحترام لاستاذي الفاضل الدكتور احمد حمد محسن لما ابداه من نصح وارشاد ، وكل التقدير والشكر لاستاذي الفاضل الدكتور شهاب احمد ابراهيم ، اذ كانا بحق صاحبي فضل كبيرعلي في انجاز هذه الرسالة التي لاتخلو صفحاتها من لمساتهما القيمة ، فبارك الله فيهما وجزاهما خير الجزاء .
... وكذلك اتقدم بالشكر والعرفان الى كل من كانت له يد فضل علي في انجاز هذا العمل.
... واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم . ... ... ... ... ... ... ...
محمد خليل
التمهيد
اولا: تعريف بالفاظ ( الدعوة ، والبشرى ، والثناء )
الدعوة(1/3)
... الداعية مصدر كالعافية والعاقبة ، ومنه كتاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الى هرقل : ادعوك بدعاية الاسلام ، أي : بدعوته ، وهي كلمة الشهادة التي يدعى اليها اهل الملل الكافرة ، ودعا الرجل دعوا : اذا ناداه ، والاسم الدعوة .(1)
... تمثل الدعوة الى دين الله – عز وجل – وكد جميع الانبياء والمرسلين فهي ركن من اركان النبوة والرسالة اذا انها الوسلية الوحيدة التي تيسر وصول الفكرة الى الناس .
... وللدعوة اساليب وهيئات اهمها واشهرها الدعوة باللسان اذ ان اللسان ترجمان البنان ، فكل ما وقر في القلب صدقه اللسان .
... وعند تدبر ايات الله الكريمات في كتابه العزيز نلحظ ان اغلب ما ذكر من قصص الانبياء (عليهم السلام ) كان دعوة لدين الله – عز وجل – ، فكان لاسلوب الدعوة في قصة ابراهيم ( عليه السلام ) الجانب الكبير في قصته – عليه السلام - ، فتارة كان يدعو اباه ، وقومه وبنيه تارة اخرى فكان عليه السلام يدعو قومه بالنصية والارشاد وتسفيه ما يعبد قومه ومحاربتهم علنا تارة وبالتعريض تارة اخرى ، فكان اسلوبه – عليه السلام – منهجا رصينا فعالا اقتدى به الانبياء من بعده ومن ثم دعاة الاسلام من الرجال الصالحين العاملين ، فصلى الله عليه وعلى نبينا وسلم تسليما كثيرا .
البشرى
... البشرى والبشارة واحد ، يقال : ابشرته بمولود فابشر ابشارا أي : سر ، ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر لسان العرب مادة ( دعا ) 1/ 986 .
واتاني امر بشرت به أي : سررت به .(1) والبشارة تكون بالخير والشر ، فان كانت البشارة مطلقة فلا تكون الا بالخير ، وان كانت مقيدة فهي بشارة بالشر كقوله تعالى ( فبشرهم بعذاب اليم / ال عمران 21 ) . (2)
... فقد بشر الله – سبحانه وتعالى – خليله بالبشرى المطلقة وهي البشرى بالخير ، اذ وهبه الله – عز وجل - الولد وهو اسحاق فبشره به قبل ان تحمله امه .(1/4)
وقد جاءت اغلب المواضع التي ذكرت فيها قصة الهبة بلفظ ( البشرى ) وذلك ليدخل السرور الى نفس سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) قبل معرفته مضمون الخبر ،اذ انه كان شيخا كبيرا والانسان في مثل هذه الحال يكون يائسا من انجاب الولد ، فكان هذا الخبر – أي صيغة البشرى – سارا لنفسه ، فناسب كل لفظ موضعه ، فتبارك الله الحكيم الخبير .
الثناء
...
الثناء : وهو ما اتصف به الانسان من مدح ، يقال : اثنيت عليه ، ويقال للرجل الذي يبدأ بذكره في مسعاة او محمدة او علم : فلان تثنى الخناصر أي : تحنى في اول من يعد ويذكر ، واثنى عليه خيرا . (3)
... فالثناء امر محمود يلقى على من اجتمعت فيه خصال الخير ، فكيف اذا كان نبيا مرسلا فقد اثنى الله عز وجل على خليله اعظم ثناء فقال في حقه ( الاواه ، والخليل ، والقانت ، والامة ، والحنيف ، والشاكر ، والصديق ) ، وهذا خلق الانبياء والمرسلين .
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الصحاح مادة ( بشر ) .
(2) ينظر مقاييس اللغة ، ولسان العرب مادة ( بشر ) 1/ 216 ، 217 .
(3) ينظر لسان العرب مادة ( ثني ) 1/ 381 .
... وقد كان لجانب الثناء من قصة سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) اهمية خاصة اذ انقسم الثناء في القصة على قسمين :
الاول : ثناء ابراهيم ( عليه السلام ) على ربه بالفاظ مثل ( انك غفور رحيم ) .
والقسم الثاني : ثناء الله – عز وجل – على خليله بذكر صفات في حقه كما اسلفت انفا .
الأسلوب في القصة القرآنية
...(1/5)
قد جاءت القصة القرآنية بأسلوب بليغ يمتزج فيه الاعجاز بالدقة ، والوضوح في الأداء ، مع نقل دخائل النفس البشرية لشخصيات القصة وحوارهم الداخلي مع أنفسهم ، فيحول الأعماق الى واقع حي للأحداث ، ثم يجسدها زماناً ومكاناً ، ويظهرها كأنما تراها لتوك في وقت النزول ، وفي ساعة ميلادها ، لا يختلف يومها عن أمسها،ولا يفقد من يشاهدها اليوم شيئاً مما شهده منها المشاهدون بالامس ، وهذا هو الاعجاز القصصي في القرآن الكريم.(1)
... إذن فالقرآن الكريم ينقل صورة حية متحركة بكامل جزيئاتها كأنها أمام عين الناظر إليها فلذلك جاءت الآيات الكريمة في القرآن الكريم تؤيد هذه الصورة، وكأنك تراها بعينيك منها قوله تعالى { أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ / الفجر 6 } ، { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ ربك باصحاب الْفِيلِ / الفيل 1 } ، فكأن السامع يرى ذلك ، وهو الاعجاز القرآني الحق والبلاغة العالية التي لا تجاريها بلاغة أبداً .
ـــــــــــــــــــــ
(1) ينظرالقصص القرآني في منطوقه ومفهومه لعبد الكريم الخطيب 9 .
... يقول سيد قطب رحمه الله: ((ان التعبير القرآني يتناول القصة بريشة التصوير المبدعة التي يتناول بها جميع المشاهد والمناظر التي يعرضها ، فتستحيل القصة حادثاً يقع ، ومشهداً يجري ، لا قصة تروى ولا حادثاً قد مضى))، (1) أي ان ((من أسرار جمال التعبير القرآني قوة تصويره للمعاني اعتمادا على التصوير الحسي ، لإدراك المعاني المعدومة ، وغير المعهودة للناس مما لا يقع في دائرة العقل البشري ، والتصوير تقوية لهذه المعاني ، وتثبيت لها في النفس)). (2)(1/6)
... وهكذا فإن التعبير القرآني بلغ المستوى الرفيع في السمو المتناهي في جمال اللفظ ودقة الصياغة ، وروعة التعبير والتصوير فإنه ((يهز القلوب ويخاطب النفس خطاب العارف بخفاياها ، فيبلغ في التعبير مبلغ الروعة إذ يكلم الغرائز وينادي الطبائع ، ويستخرج منها دفائنها ومكنوناتها ، فهو يقصد منها استخلاص العبرة والموعظة ، وفي سبيل هذه الغاية تجري العبارات وعوامل التأثير التي تزخر بها متتابعة حتى تبلغها فتبلغ بها ذروة التعبير)). (3)
التكرار في القصة القرآنية
... تعد ظاهرة التكرار في القصة القرآنية من مظاهر الاعجاز التي وقف عندها الدارسون والباحثون على مر العصور وحتى الآن . وسأذكر بعضاً من آرائهم بعيداً عن الاطالة والتفصيل .
... قال الزركشي (ت794هـ)عن التكرار: ((وفائدته العظمى التقرير ، وقد قيل: الكلام إذا تكرر تقرر)) . (4)
ـــــــــــــــــــــ
(1) التصوير الفني في القرآن لسيد قطب 154 .
(2) أثر القرآن في تطور النقد العربي للدكتور محمود زغلول سلام 252 .
(3) المصدر نفسه 109 .
(4) البرهان في علوم القران 3/13 .
... ومن المحدثين الدكتور التهامي نقرة قال : ((تكرار القصة في القرآن الكريم وثيق الصلة بمنهجه القصصي . إذ هو يخدم غرضين في آن واحد: غرضاً فنياً يتمثل في تجدد اسلوبها إيراداً وتصويراً ، والتفنن في عرضها إيجازاً واطناباً ، والتنوع في أدائها لفظاً ومعنى . وغرضاً نفسياً بما له من تأثير في النفوس ، لأن المكرر ينطبع في تجاديف الملكات اللاشعورية التي تختمر فيها أسباب أفعال الانسان ودوافعها كما هو مقرر في علم النفس)) . (1)(1/7)
... ويشير الصابوني الى الإعجاز القرآني في ظاهرة التكرار فيقول: ((قد ذكرت قصص الأنبياء في سور عديدة فجاءت مكررة – حسب الظاهر – ولكن هذا التكرار له حكمته البليغة وإشارته الدقيقة ، فإنه يدل على إعجاز القرآن الكريم ، وعلى أنه حقاً كتاب منزل من عند الله فإن أبلغ البلغاء ، وأفصح الفصحاء يستحيل عليه إذا كتب قصة مرة واحدة أن يكتبها مرة أخرى بألفاظ غير الاولى مع المحافظة على متانة الاسلوب وفصاحة الألفاظ وبلاغة التعبير ، ولا بد أن يرى الفرق بين الاسلوبين واضحاً كل الوضوح ... أما القرآن الكريم فقد تفنن في سرد القصص بنفس الفصاحة والبيان والروعة والاتقان فجاءت القصة فيه مكررة معبرة عن معنى واحد ، ولكن بألفاظ أخرى وعبارات مختلفة)). (2)
... ويؤكد الدكتور عبد الكريم الخطيب هذه النظرة الى ظاهرة التكرار في الاعجاز القصصي في القرآن الكريم فيقول: ((ان تكرار الاحداث القصصية في القرآن هو اعجاز من إعجاز القرآن ، تتجلى فيه روعة الكلمة وجلالها ، بحيث لا يرى لها وجهة في أية لغة ، وفي أية سورة من صور البيان يقارب هذا الوجه في جلاله وروعته وسطوته)).(3)
وزيادة على ان تكرار القصة القرآنية يعد من مظاهر الاعجاز نجد ان له دلالات ــــــــــــــــــــــ
(1) سيكولوجية القصة في القرآن 115 -116
(2) النبوة والانياء 112 – 113 .
(3) القصص القرآني في منطوقه ومفهومه 65 .
ومقاصد أخرى مثل: ترهيب الجاحدين وبيان وحدة الأديان في أصل العقيدة . (1)
وقال الشاطبي ( ت 790هـ) في بيان بعض تلك المقاصد: ((وبالجملة فحيث ذكر قصص الأنبياء (عليهم السلام) ... فإنما ذلك تسلية لمحمد (عليه الصلاة والسلام) وتثبيت لفؤاده ، لما كان يلقى من عناد الكفار وتكذيبهم له على أنواع مختلفة ، فتذكر القصة على النحو الذي يقع له مثله ، وبذلك اختلف مساق القصة الواحدة بحسب اختلاف الأحوال ... )).(2)(1/8)
... وأخيراً فقد تطرق الدكتور محمود شيخون إلى أسرار التكرار في قصص القرآن الكريم بشكل موسع ومفصل يمكن استنباط بعض النقاط منها :
1. تحدي العرب بالإتيان بمثله .
2. كثرة التكرار يبعد الناس عن الوقوع في العصيان .
3. تظهر بلاغة أداء المعنى الواحد وفصاحته بعدة مرات .
4. تكرار اللفظة يجعلها أكثر وضوحاً .
5. تكرار القصة كان فيه فائدة للتسرية عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) واستقرارها في نفوس الناس .
6. إخراج المعنى على صور مختلفة من أجل استلذاذ سماعها . (3)
وبعد سرد تلك الآراء والأقوال عن ظاهرة التكرار في القصة القرآنية يبقى
الإعجاز القرآني فوق جميع الآراء والأفكار ويبقى القرآن الكريم محافظاً على جوهره المكنون والنفيس ويبقى الباحثون على طريق استخلاص عبره وإظهار إعجازه ولكل رأيه وفكره وكل من يدلي بدلوه يجد في القرآن الكريم ما يسر النفس ويطيب الخاطر ويبقى العقل البشري في قصوره والأعجاز القرآني في عليائه ،
ــــــــــــــــــــ
(1) ينظر سيكولوجية القصة في القرآن 131 - 132 .
(2) الموافقات في أصول الشريعة 3/419 .
(3) ينظر أسرار التكرار في لغة القرآن للدكتور محمود السسيد شيخون 75 ، 78 .
وليس لنا إلا أن نقف خاضعين متيقنين عند قوله تعالى { قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا / الإسراء 88 } .
ثانيا: العلاقة بين البلاغة والدلالة
... لقد تداخلت العلاقة بين اللغة والبلاغة في مستوياتها الانشائية والنظرية فقد عد الكلام البليغ فنا لغويا ، فهو – اذن – جانب من الجوانب الانجازية للغة يتقيد باصولها ولكنه ينحرف في مستوياتها الاسلوبية والتعبيرية ، فالبلاغة بوصفها ملكة في اللسان تقوم بصياغة عناصر اللغة لكي تنتظم .(1/9)
... ان التداخل اللغوي البلاغي لم يكن محصورا في المجال الادبي ، بل انه على صلة بجوانب تاريخية ومعرفية وثقافية . فقد كان الفكر اللغوي والبلاغي من العناصر المهمة الداخلة في تكوين الفكر العربي ، فالالسنية المعاصرة تعتقد ان (( منظومة لغوية ما – الشيء الذي يعني ليس فقط مفرداتها بل ايضا نحوها وتراكيبها – تؤثر في طريقة رؤية اهلها للعالم وفي كيفية نظرتهم له ، وبالتالي في طريقة تفكيرهم )) . (1)
... والبلاغة ترتبط باللغة بعلاقات انشائية – كانشاء نص بليغ – ونظرية – كتوظيف طرائق اللغة في تحليل الكلام – والاثنان يعدان وجها من وجوه النظام المعرفي لان الجدل الفكري قد جرى بهما وفيهما .
... فاذا كانت (( القواعد والاصول التي وضعها او رتبها اللغويون والنحاة والفقهاء والمتكلمون والبلاغيون في عصر التدوين قد انتقلت بـ( البيان ) كنظام معرفي من حالة اللاوعي – حالة العفوية اللغوية – ان صح التعبير الى حالة الوعي ، حالة التفكير المنظم الخاضع لقوانين والمحدود بحدود فان استمرار المجادلات في الثقافة العربية الاسلامية سواء بين البيانيين انفسهم او بينهم وبين العرفانيين من
ــــــــــــــــــــــــ
(1) بنية العقل العربي للدكتور محمد عابد الجابري 51 .
متصوفة وباطنية واشراقيين من جهة ، او بينهم وبين البرهانيين من مناطقة وفلاسفة من جهة ثانية قد زاد من تعميق الوعي بخصوصية البيان العربي منهجا ورؤية ، سواء لدى البيانيين انفسهم او لدى خصومهم من العرفانيين والبرهانيين )).(1)(1/10)
... وعلى هذا فان اللغة والبلاغة على صلة قوية بالثقافة العربية ، فقد وضعت اللغة على المستوى التاريخي موضعا خاصا حتم عليها ان تكون مثار جدل واسع ، فقد كانت تؤدي في الجاهلية وظائف متعددة ، فمرة تؤدي وظيفة دينية وذلك باللجوء الى طريقة خاصة في توصيل المعتقد الديني ، فكانت تؤدي ذلك عن طريق استغلال طاقة اللغة السحرية باللجوء الى احد اساليبها التي تاسر القلوب وتهيمن على العواطف ، ومرة تؤدي وظيفة تاريخية وذلك بحفظ علوم العرب ومعتقداتهم وعاداتهم وافكارهم ومعاركهم وتفاصيل اخرى عن طريق استغلال التوافقات الصوتية في اللغة لتميكن الذاكرة من حفظ هذه التفاصيل فكان ذلك احد وظائف القافية الشعرية ، ومرة تؤدي وظيفة جمالية تتجلى فيها البراعة والفن المتمثل في الصياغة البيانية العالية فقد كان العرب بسجيتهم يتقصدون التانق في كلامهم فياتونه من المنافذ الفريدة وبسسب نبوغهم في فن القول ، فقد جاء تحدي القران الكريم لهم من هذا السبيل الذي جودوا واتقنوا صنعته ، وهذا هو العامل التاريخي الاخر الذي وضعت اللغة فيه موضعا خاصا . (2)
... لقد كانت مرحلة القران الكريم هي مرحلة العمل على كشف المكونات اللغوية للخطاب اللساني ، فكان الدرس اللغوي يقوم بدراسة علمية للجوانب الوصفية والوظيفية فكان ذلك تمهيدا لظهور الدرس البلاغي .
ـــــــــــــــــــ
(1) بنية العقل العربي 10 .
(2) ينظر المصدر نفسه 11 .
توطئة
... ارتبطت نشاة البلاغة بالملاحظات النقدية المبكرة التي اتسمت بالانطباعية والتلقائية في حكمها على جزئيات القصيدة ومفرداتها ، فقد كانت اسواق العرب هي ميدان الشعر والشعراء وهي في الوقت نفسه ميدان النقد ، وظلت الحال تعتمد على الذوق الواعي طوال عصر ما قبل الاسلام .(1/11)
... وفي العصر الاسلامي اخذت العناية بالاساليب والفصاحة والبلاغة تتبلور ملامحها الاصطلاحية بدوافع المداومة على قراءة القران والاستماع الى احاديث النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم) (1) ، اذ احس العرب منذ نزول القران بان هذا الكتاب قد اعطى اللغة طاقات اخرى مكنها من التعبير عن الفكر الذي جاء به الاسلام (2) ، وبذلك اصبح للقران الكريم اثر كبير في اساليب التعبير البلاغي عند العرب في فن الخطابة والرسائل ومن ثم الشعر، واصبحت اياته حجة وشاهدا بلاغيا رفيعا للفنون البلاغية والنقدية .
... ويعد كتاب ( مجاز القران ) لابي عبيدة معمر بن المثنى ( ت 210 هـ) بداية التاريخ الموضوعي للبلاغة العربية والاساس الذي بنى عليه البلاغيون نظرتهم الى التعبير القراني بوصفه تفردا عن السياقات اللغوية المألوفة ، ولو انه لم يرد بالمجاز الوصف الذي استقر عليه المصطلح في الدراسات البلاغية (3) ، والذي هو قسيم الحقيقة . وبذلك ظلت البلاغة طوال العصر الاسلامي مرتبطة بدراسة اساليب التعبير في القران الكريم واحاديث الرسول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
... ثم اتى بعد ذلك الجاحظ ( ت 255 هـ) فالف كتابه ( البيان والتبيين ) ، فقد رصد في هذا الكتاب الملاحظات البلاغية التي اتسمت بالوصفية التي تجلي بيان
ـــــــــــــــــــ
(1) ينظر فن البلاغة للدكتور عبد القادر حسين 21.
(2) ينظر المدخل الى دراسة البلاغة العربية للسيد احمد خليل 79 .
(3) ينظر علوم البلاغة لاحمد مصطفى المراغي 6 .
القران الكريم ، اذ تعد كتابات الجاحظ النواة الاولى للبلاغة العربية وعنها صدرت جميع الدراسات البلاغية التي جاءت بعده . (1)
... وقد عد الجاحظ مؤسسا للبيان العربي ، اذا قال الدكتور طه حسين : (( العرب لم يخطئوا حيث عدوا الجاحظ مؤسس البيان العربي ))(2) ، ويعني بذلك ان الجاحظ اول من وضع الملاحظات البلاغية في سياقها الموضوعي لخدمة الادب.(1/12)
... ثم اتى بعد الجاحظ ابن قتيبة ( ت 276 هـ) فالف ( تاويل مشكل القران ) و ( الشعر والشعراء ) ، فقد بحث في الكتاب الاول موضوعات البلاغة وحددها تحديدا ادبيا ، فتكلم على القول في المجاز والاستعارة ، والمقلوب ، والحذف والاختصار، والكناية والتعريض ، والنظم ، والمثل . (3) وتكلم في الكتاب الثاني عن التشبيه الذي عده اساس المفاضلة بين الشعراء .(4)
... ثم جاء بعد ابن قتيبة المبرد ( ت 285 هـ) اذ الف كتاب ( الكامل في اللغة والادب ) تحدث فيه عن وجوه التشبيه والتشبيهات الحسنة ، والتشبيه المصيب وغير ذلك . (5)
... ثم جاء القرن الرابع الهجري فكان امام علمائه ملاحظات سابقيهم ، فاخذوا بها واضافوا اليها فتركوا لنا تراثا قيما في النقد والبلاغة مما ادى الى النهوض بالبلاغة العربية ودفعها اشواطا بعيدة الى الامام ، وكان اهم علماء هذا القرن ابن طباطبا العلوي ( ت 322 هـ) الذي الف كتابه ( عيار الشعر ) والذي تحدث فيه عن ضروب التشبيه . (6)
ـــــــــــــــــــــ
(1) ينظر التراث النقدي والبلاغي للمعتزلة حتى نهاية القرن السادس الهجري للدكتور وليد القصاب61 (2) مقدمة في البيان العربي من الجاحظ الى عبد القاهر في مقدمة نقد النثر لقدامة بن جعفر 7
(3) ينظر فخر الدين الرازي بلاغيا للدكتور ماهر مهدي هلال 19- 20 .
(4) ينظر التفكير البلاغي عند العرب اسسه وتطوره حتى القرن السادس لحمادي صمود 325.
(5) ينظر الكامل في اللغة والادب للمبرد 2/40 وما بعدها .
(6) ينظر عيار الشعر لابن طباطبا العلوي 56 وما بعدها .
... ثم ياتي بعد ذلك قدامة بن جعفر ( ت 337 هـ) بكتابه ( نقد الشعر ) ، اذ يعد هذا الكتاب من الكتب المهمة في تاريخ النقد والبلاغة العربية على السواء حيث امتزجت فيه الثقافة اليونانية بالثقافة العربية . (1)(1/13)
... وكان لظاهرة الاعجاز البلاغي اثرها في تطور الدرس البلاغي ، وقد ظلت هذه الظاهرة تزدهر وتثمر طوال القرن الرابع والقرون التالية فافاد منها النقد والبلاغة والادب أيما فائدة (2) ، فقد لمعت اسماء كبيرة في هذا المجال كان لها اثرها ومكانها المهم في الدرس البلاغي ، ومن هذه الاسماء علي بن عيسى الرماني ( ت 386 هـ) ، اذ الف رسالة ( النكت في اعجاز القران ) ، وقد قسم فيها البلاغة على عشرة اقسام هي : الايجاز ، والتشبيه ، والاستعارة ، والتلاؤم ، والفواصل ، والتجانس ، والتصريف ، والتضمين ، والمبالغة ، وحسن البيان .(3)
... والف ابو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ( ت 403هـ) كتاب ( اعجاز القران ) ذكر فيه جملة من وجوه الاعجاز ، كما استعمل البديع في مفهومه العام الذي كان شائعا في عصره ، فالبديع يشمل كل الوجوه البلاغية ، أي انه يظم فنونا من علوم البلاغة الثلاثة التي لم تكن محددة حتى ذلك الحين ، وهي : المعاني ،
والبيان ، والبديع . (4)
... ويستمر البحث البلاغي في تطوره عبر القرون ، فعندما جاء القرن الخامس الهجري برز اعلام كثيرون في هذا المجال منهم : ابو علي الحسن بن رشيق القيرواني (ت 463 هـ) صاحب كتاب ( العمدة في محاسن الشعر وادابه ونقده ) ، اذ يعد كتابه صورة حية لما وصلت اليه البلاغة في القرن الخامس الهجري اذ حوى
مسائل بلاغية كثيرة منها : المجاز ، والاستعارة ، والكناية ، والتمثيل ، والتشبيه ،
ـــــــــــــــــــــ
(1) ينظر البلاغة تطور وتاريخ للدكتور شوقي ضيف 74 .
(2) ينظر التعبير الفني في القران للدكتور بكري الشيخ امين 164 .
(3) ينظر النكت في اعجاز القران 70 .
(4) ينظر البلاغة العربية تاريخها ، مصادرها ، مناهجها للدكتور علي عشري زايد 52 .
والايجاز ، والتجنيس ، والاستطراد ، والتخليص ، والتصدير ، والترديد ، والمطابقة ، والمقابلة وغير ذلك . (1)(1/14)
... وقد ظهر في هذا القرن عالم اخر هو ابن سنان الخفاجي ( ت 466 هـ) صاحب كتاب ( سر الفصاحة ) الذي تضمن بعض فنون البيان والبديع . (2)
... وتصدر هذا القرن في الدراسات البلاغية عالم كبير هو الامام عبد القاهر الجرجاني ( ت 471 هـ) اذ صارت مؤلفاته البلاغية وما ضمنه في كتابيه ( اسرار البلاغة ) ، و ( دلائل الاعجاز ) عمدة البلاغة العربية في الاصول والحدود والشواهد . وبذلك عد الجرجاني امام البلاغة العربية . وقد سار على نهجه رجال البلاغة من بعده فاتموا البنيان الذي رسم حدوده ومعالمه وارسى قواعده واركانه .(3)
... ومن اشهر المتاثرين به من رجال القرن السادس ابو القاسم محمود بن عمر الزمخشري ( ت 538هـ) الذي استوعب في تفسيره ( الكشاف ) ما جاء به الجرجاني في كتابيه وتشبع بروحه واتجاهه البلاغي . ويعد ( الكشاف ) تطبيقا لكل ما اهتدى اليه عبد القاهر الجرجاني من قواعد المعاني والبيان . (4)
... وهكذا بقيت البلاغة تهتدي بافكار الجرجاني الى ان جاء ابو يعقوب السكاكي ( ت 626 هـ) فاخضع البلاغة الى صيغة منهجية حولت السمة التحليلية عند عبد القاهر الى سمة تقريرية فقيدت المصطلح البلاغي وحددت ابعاده الادبية فبدات البلاغة به منهجها المدرسي الذي اوصلها الى يومنا ، فقد هضم السكاكي زبدتها وجمع ما تفرق منها في الكتب والمصنفات والتفاسير ، وجعلها في بابين كبيرين هما : علم المعاني ، وعلم البيان ، والحقهما بتذييل للمحسنات المعنوية واللفظية .
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر العمدة لابن رشيق القيرواني 1/ 241 وما بعدها .
(2) ينظر البلاغة العربية تاريخها، مصادرها ، مناهجها 236 .
(3) ينظر المصدر نفسه 245 .
(4) ينظر البلاغة تطور وتاريخ 219 .(1/15)
... وهكذا مضى الدرس البلاغي منذ عهد السكاكي الى يومنا هذا فنضجت فيه موضوعات واضيفت اشياء الى المفردات التي ذكرها السيوطي ( ت 911 هـ) و اتضحت مفردات اخرى احاط بها شيء من الغموض ، اذ تناولها العلماء بالشرح والتفصيل فغدا الدرس البلاغي علما مستقلا من علوم العربية منذ ذلك التاريخ .
المبحث الاول
علم المعاني
الخبر والانشاء
اولا : الخبر
...
ذكر العلماء المتقدمون الخبر وتحدثوا عنه في مؤلفاتهم ، واختلفوا في تعريفهم له .(1) ولعل الخطيب القزويني ( ت 739 هـ) خير من حسم الموقف في هذا الخلاف حين اخذ برأي الجمهور وترك رأي السابقين ، فقال : ( اختلف الناس في انحصار الخبر في الصادق والكاذب ، فذهب الجمهور الى انه منحصر فيهما ثم اختلفوا فقال الاكثر منهم : صدقه مطابقة حكمه للواقع . وكذبه عدم مطابقة حكمه . وهذا هو المشهور وعليه التعويل )) .(2)
... وتبعه في ذلك شراح التلخيص واهل البلاغة المتاخرون . (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر المقتضب للمبرد 3/ 89،
والبرهان في وجوه البيان لاسامة بن منقذ 113 ، والصاحبي لابن فارس 179،
ونهاية الايجاز للفخر الرازي 71 .
(2) الايضاح للقزويني 1/86 .
(3) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر المطول للتفتازاني 38 ، والطراز للعلوي 1/ 61 ،
والبرهان في علوم القران للزركشي 2/ 330 ، والاتقان في علوم القران للسيوطي 2/76.
اضرب الخبر
ذكر العلماء للخبر ثلاثة اضرب وهي : (1)
1. الخبر الابتدائي : وهو ما كان الخبر فيه خاليا من المؤكدات لخلو ذهن المخاطب من الحكم الذي تضمنه الخبر ، كقولك : جاء زيد .
2. الخبر الطلبي : وهو الخبر الذي يكون فيه مؤكد واحد لان المخاطب يكون مترددا في الحكم طالبا ان يصل الى اليقين في معرفته ، فيلزم توكيده باحدى ادوات التوكيد ، كقولك : لزيد ناجح .(1/16)
3. الخبر الانكاري : وهو الخبر الذي ينكره المخاطب انكارا يحتاج معه الى توكيده باكثر من مؤكد ، كقولك : ان زيدا لناجح .
اغراض الخبر
... للخبر عند العلماء غرضان اصليان(2) ، يكون مجيء الخبر لواحد منهما :
1. فائدة الخبر : ويقصد بها افادة المخاطب الحكم الذي قد تضمنته الجملة او الكلام.
2. لازم الفائدة : وهو لاياتي بجديد للمخاطب ، وانما يفيده بان المتكلم عالم بالحكم .
الاغراض الحقيقية للخبر في ايات الدعوة والبشرى والثناء
... ليس الغرض هنا عرض كل الاخبار الحقيقية في الايات( موضوعة البحث ) ، وانما نورد قسما منها للتمثيل والتطبيق تمهيدا للدخول في الاغراض المجازية للاخبار لانها هي التي اهتم بها اهل البلاغة لما فيها من تفنن في القول وسعة في المعنى ودقة في التعبير ووصول الى الغرض تجوزا وتوسعا لا تحقيقا .
1. الابتدائي : ومنه قوله تعالى { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ / البقرة 132 } ، فجملة ( ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب )
خبر ابتدائي خلا من المؤكدات ، والغرض من هذا الخبر هو اعلام المخاطبين –
ــــــــــــــــــ
(1) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر مفتاح العلوم للسكاكي 348 ، والايضاح 1/92 .
(2) ينظر مفتاح العلوم 348 ، والايضاح 1/92 .
اعني امة سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) – بفائدة الخبر .
وقوله تعالى { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ / ال عمران 67 } ، فكل من الجمل الثلاث ( ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ) ، و
( ولكن كان حنيفا مسلما ) ، و ( وما كان من المشركين ) اخبار ابتدائية حقيقية الغرض منها اعلام المخاطبين بفائدة الخبر .(1/17)
وقوله تعالى { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ / الانعام 76 } ، فجملة ( فلما جن عليه الليل رأى كوكبا ) خبر ابتدائي حقيقي خال من المؤكدات .
2. الطلبي : ومنه قوله تعالى { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ / الانعام 74 } ، فجملة ( اني اراك وقومك في ضلال مبين ) خبر
طلبي حقيقي اكد بمؤكد واحد وهو ( ان ) ، وقد جيء بهذا الاسلوب لغرض توكيد هذا الامر وهو كونهم في ضلال وقد اكد الخبر بـ( ان ) لغرض توثيق ذلك لابيه ، لانه – عليه السلام – وجد اباه مترددا فاقتضى ذلك ان يلقي الخبر الى الاب طلبيا لغرض دفع التردد في قبول الخبر ، وهو من ابلغ الاساليب في القاء الخبر بما يناسب مقتضى الحال .
3. الانكاري : ومنه قوله تعالى { فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي
رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ / الانعام 77 } ، فجملة ( قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من قوم الضالين ) خبر انكاري حقيقي اكد بمؤكدين هما : القسم واللام .
... وغيرها من الاخبار الحقيقة وردت كثيرا في ايات الدعوة والبشرى والثناء.
الاغراض المجازية للخبر في ايات الدعوة والبشرى والثناء
... وقد لاحظت ان الاخبار في هذه الايات قد خرجت من المعاني الحقيقية الى معان مجازية اذكرها كما ياتي :
1. المدح : ومنه قوله تعالى { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ / البقرة 127 } ، فجملة ( انك انت السميع العليم ) خبر خرج عن(1/18)
معناه الحقيقي الى معنى مجازي وهو المدح بالسمع والعلم ، ففي صيغة ( فعيل ) من المبالغة في معنى السمع والعلم ما لايجري في غيرها من الصيغ ، فـ( عليم ) تدل على كثرة علمه ، وهو ابلغ من ( عالم ) ، ففي ( عليم ) ان صفة العلم مبالغ في اضافتها اليه تعالى لغرض المدح ، في حين ان ( عالم ) تدل على العلم الاعتيادي ولا يرقى الى ( عليم) في هذا الموضع .
... فقد جاء في الخصائص : (( قال سيبويه : يقولها من لا يقول ( عليم ) لكنه لما كان العلم انما يكون الوصف به المزاولة له وطول الملابسة صار كانه غريزة ولم يكن على اول دخوله فيه ولو كان كذلك لكان معلما لا عالما )) .(1)
وقوله تعالى { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ / الانعام 80 } ، فجملة ( وسع ربي كل
شيء علما )خبر يفيد المدح والثناء على الله –عز وجل– وانه احاط بكل شيء علما.
وقوله تعالى { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ / هود 75 } ، و ( الحليم ) هو المتاني غير العجول في الانتقام من المسيء اليه .(2) و ( الاواه ) هو الرحيم .(3) و ( المنيب ) هو الراجع الى الله – عز وجل – في كل الامور .(4) فهذه الجملة جاءت بصيغة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الخصائص لابن جني 1/ 382 .
(2) ينظر الكشاف للزمخشري 2/ 282 ، وفتح القدير للشوكاني 2/ 512 .
(3) ينظر الدر المنثور للسيوطي 4/ 455 . (4) ينظر تفسير البيضاوي 3/115.
الخبر الانكاري الذي يفيد مدح ابراهيم ( عليه السلام ) بهذه الصفات ( الحلم ،والرحمة بالناس ، والانابة الى الله ) ، ومجيء الخبر بهذا الاسلوب – الانكاري – لتاكيد هذه الصفات عنده – عليه السلام - .(1/19)
وقوله تعالى { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ / ابراهيم 39 } ، فقوله ( ان ربي لسميع الدعاء ) خبر انكاري يفيد مدح الله –
عز وجل – بصفة السمع ، وهو من ابنية المبالغة . (1)
... وقوله تعالى { شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ / النحل 121 } ،
ولفظ ( انعم ) جمع قلة ، ونعم الله تعالى على ابراهيم كانت كثيرة ، وقد علل لها – أي لورود جمع القلة في حقه عليه السلام – العلماء بان سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) كان شاكرا لكل نعم الله ان كانت قليلة ، فكيف الكثيرة . (2) وهذه الجملة – ( شاكرا لانعمه ) – خبر ابتدائي خلا من المؤكدات افاد المدح ، لان الشكر على النعمة امر ممدوح ومطلوب .
وقوله تعالى { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا / مريم 41 } ، قال
الزجاج ( ت 311 هـ) : (( الصديق : اسم للمبالغة في الصدق ، ويقال لكل من صدق بتوحيد الله وانبيائه وعمل بما يصدق صديقا ، ومن ذلك سمي ابو بكرالصديق )) . (3) وقد جاءت هذه الجملة – ( انه كان صديقا نبيا ) – بطريقة الخبر الطلبي مفيدا مدحه – عليه السلام – بصفة الصدق والنبوة .
2. التكريم والتشريف : ومنه قوله تعالى { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
ـــــــــــــــــــــ
(1) ينظر روح المعاني للالوسي 13/242 .
(2) ينظر التفسير الكبير للفخر الرازي 20/ 135 ، وفتح القدير 3/ 202 .
(3) معاني القران واعرابه للزجاج 3/ 331 .
فقد آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا / النساء 54 } ، فجملة ( فقد
اتينا ال ابراهيم الكتاب والحكمة ) خبر طلبي يفيد التكريم والتشريف بايتاء ال ابراهيم الكتاب والحكمة ، وليس الغرض من هذا الخبر افادة المخاطبين بمضمونه.(1/20)
وقوله تعالى { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا / النساء 125 } ، و ( الخليل ) هو المحب الذي ليس في
محبته خلل ، وسمي – عليه السلام – بالخليل لانه الذي احبه الله واصطفاه محبة تامة كاملة (1) ، وقد جاء هذا الخبر بطريقة الخبر الابتدائي الذي افاد هذه التشريف من الله – عز وجل – لسيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) بان جعله خليله .
... وقوله تعالى { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ
حَكِيمٌ عَلِيمٌ / الانعام 83 } ، فجملة ( نرفع درجات من نشاء ) خبر ابتدائي يفيد التكريم والتشريف برفعه – عليه السلام – الى اعلى الدرجات من عند الله – عز وجل - ، لان الدرجة : هي المرتبة(2) ، فرفعه درجات أي مراتب هي اعظم تكريم وتشريف له من الله تعالى .
... وقوله تعالى { فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا/ مريم 49 } ، فجملة ( وكلا جعلنا نبيا ) خبر يفيد التكريم والتشريف بالنبوة
لذريته – عليه السلام – وليس الغرض من هذا الخبر افادة المخاطب بمضمونه فقط ، وانما هو لبيان شدة حب الله – عز وجل – لخليله بان وهبه ذرية انبياء صالحين .
3. التطمين : ومنه قوله تعالى { إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ
ـــــــــــــــــــــ
(1) ينظر معاني القران واعرابه 2/ 112 ، والكشاف 1/ 566 .
(2) ينظر جامع البيان للطبري 7/171 .
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ / ال عمران 68 } ، فمعنى ( ولي المؤمنين ) : أي(1/21)
ناصرهم باعظم نبي وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) (1) ، فجملة ( والله ولي المؤمنين ) جاءت بطريقة الخبر الابتدائي الذي يفيد التطمين بان المؤمن يتولاه الله بنصره ومحبته ، فلا يستطيع احد ان يضره ولو اجتمعت الانس والجن على ذلك الا ان يشاء الله .
... وقوله تعالى { قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ / الحجر 55 } ، فجملة ( قالو بشرناك بالحق ) خبر ابتدائي يفيد التطمين ، لانه – عليه السلام – كان خائفا من مقدمهم ونزولهم – أي الملائكة – عنده فالقي الخبر عليه ليطمئن قلبه .
4. الدعاء : ومنه قوله تعالى { رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ /هود 73 } ، قيل في معنى ( الرحمة) هي التي وسعت كل شيء ، و ( البركات ) النمو
والزيادة (2) وقيل : ( الرحمة) النبوة ، و ( البركات ) الاسباط من بني اسرائيل.(3) وسواء كانت الرحمة النبوة ام غيرها ، والبركات النمو والزيادة ، فقد القي الخبر بطريقة الخبر الابتدائي الذي يفيد الدعاء بهذه الرحمة والبركات . التي لم تعط لاحد من الناس الا من علت مكانته عند ربه واجتباه لنفسه .
وقوله تعالى { قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا/مريم 47 } ، فجملة ( قال سلام عليك ) خبر والمراد به الدعاء له فهو مثل قول القائل : خير بين يديك.(4)
ــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر جامع البيان 3/ 218 ، والجامع لاحكام القران للقرطبي 4/ 109 .
(2) ينظر فتح القدير 2/511 .
(3) ينظر الكشاف 2/ 281 .
(4) ينظر المصدر نفسه 2/ 512 ، واعراب القران المنسوب للزجاج 1/208 .(1/22)
5. التنبيه والتذكير : ومنه قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا/ العنكبوت 17 } ، فهذه الجملة خبر والمراد به التنبيه والتذكير لان الاصنام التي يعبدها قوم سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) لا تملك نفعا ولا ضرا .
... وقوله تعالى { وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ / العنكبوت 25 } ،
فقوله ( ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ) خبر والمراد به التذكير اوالتخويف مما سيحصل يوم القيامة ، وهكذا بقية الاخبار ( ويلعن بعضكم بعضا ) ، ( ومأواكم النار ) ، ( وما لكم من ناصرين ) ، فكل هذه الاخبار تبين ما يحصل للكفار يوم القيامة .
6.التحذير : ومنه قوله تعالى { وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ/ العنكبوت /18 } ، فجملة ( وان تكذبوا فقد كذب امم من قبلكم ) خبر
والمراد به التحذير من عاقبة التكذيب والاعراض ، فان من كان قبلكم ممن كذبوا اهلكوا بعنادهم فاحذروا ان تكونوا بعنادهم وكفرهم وتكذيبهم لانبيائهم .
7. الاعتبار : ومنه قوله تعالى { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ / العنكبوت 24 } ، فجملة ( ان في ذلك لايات لقوم
يؤمنون ) خبر يفيد الاعتبار والعظة على ان الله – عز وجل – منجي عباده المخلصين من اسوأ عذاب في الدنيا الا وهو التحريق .(1/23)
... وقوله تعالى { فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الْأَسْفَلِينَ / الصافات 98 } ، والاسفيلن أي : الاذلين والمغلوبين بالحجة بان جعل الله النار بردا وسلاما على ابراهيم .(1) فهذه الاية خبر المراد به الاعتبار والتيقن بان الله سبحانه هو الذي
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر جامع البيان 23 / 48 .
يتصرف في الامور لا اصنام الكفار واكابرهم .
8. التهديد والوعيد : ومنه قوله تعالى { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ / الانبياء 57 } ، فهذا الخبر اريد به التهديد والوعيد بتكسير الاصنام وليس فقط الاخبار .
9. التبكيت : ومنه قوله تعالى { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا/ الانبياء 63 } ، فظاهر اللفظ خبر والمراد به التبكيت او تقبيح عبادة ما لا يستحق العبادة .(1)
10. الترغيب : ومنه قوله تعالى { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ / الانعام 82 } ، فقوله ( اولئك لهم الامن ) ، و( وهم مهتدون ) خبران المراد
بهما الترغيب وبعث الامل في النفوس والرجاء بان من امن ايمانا صادقا خالصا لله لا زيف فيه آمنه الله وهداه في الدنيا والاخرة .
11. التضجر والتاذي : ومنه قوله تعالى { أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ / الانبياء 67 } ، فظاهر اللفظ خبر والمراد به التضجر ، لان ( اف ) اسم فعل اذا
صوت به علم ان صاحبه متضجر من شيء وكاره له . (2) ومعناه : قبحا لكم وللالهة . (3)
ـــــــــــــــــــــ
(1) ينظر المصباح المنير للرافع الفيومي مادة ( بكت ) .
(2) ينظر الكشاف 2/577 ، واعراب القران للنحاس 1/156 ،
والتبيان في اعراب القران للعكبري 2/817 .
(3) ينظر جامع البيان 17/ 32 .
ثانيا : الانشاء
... ...(1/24)
تحدث القزويني على الانشاء وفصل بينه وبين الخبر فقال : (( ووجه الحصر ان الكلام اما خبر او انشاء ؛ لانه اما ان يكون لنسبته خارج تطابقه او لاتطابقه ، او لا يكون لها خارج ، الاول : الخبر ، والثاني : الانشاء )) (1) ، وذهب البلاغيون المتاخرون الى ما ذهب اليه القزرويني .(2)
اقسام الانشاء
...
الانشاء عند العلماء ينقسم على قسمين : طلبي وغير طلبي ،(3) والذي يهمنا هو الانشاء الطلبي ، فقد عرفه القزويني بقوله : (( والطلب ما يستدعي مطلوبا غير حاصل وقت الطلب ، لامتناع تحصيل الحاصل )) (4) ، وينقسم هذا النوع على خمسة انواع هي : التمني ، والاستفهام ، والامر ، والنهي ، والنداء . (5)
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) الايضاح 1/85 .
(2) ينظر الطراز 1/61، وشروح التلخيص 2/334 ، والمطول 24 ، والاتقان 2/75-76.
(3) ينظر التلخيص للخطيب القزويني 151 ، والايضاح 1/ 227 .
(4) الايضاح 1/ 227 .
(5) ينظر الايضاح 1/227 وما بعدها ، والاتقان 2/ 79 وما بعدها .
وهذه الانواع بحثها البلاغيون وذكروها في مصنفاتهم وتحدثوا عنها ، وادخلوها ضمن مباحث الانشاء ، وذلك لانها تتفاوت في التعبير ، ولخروجها عن الاغراض الحقيقة لتؤدي معاني جديدة لطيفة للكاتب والاديب ، فضلا عن ذلك كله فان منها تصرفا كبيرا . (1)
اساليب الانشاء الطلبي
اولا : الامر
... ...
يرى البلاغيون ان الامر هو طلب الفعل على وجه الاستعلاء والالزام . (2)
... وللامر صيغ اربع هي : فعل الامر ، والفعل المضارع المقرون بلام الامر ، واسم فعل الامر ، والمصدر النائب عن فعل الامر .(3)
... ويخرج الامر الى معان مجازية كثيرة غير المعاني الاصلية التي وضعت من اجلها هذه الصيغ الاربع .(4) وساذكر هذه الاغراض المجازية التي خرجت اليها صيغ الامر في ايات الدعوة والبشرى والثناء ، موثقا اياها باقوال العلماء وهي :
الاغراض المجازية التي خرجت اليها صيغ الامر في ايات الدعوة والبشرى والثناء(1/25)
... ساعرض هنا الاغراض المجازية التي خرج اليها اسلوب الامر بايجاز موثقا اياها باقوال العلماء وهي :
ــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر معجم المصطلحات البلاغية 1/332 .
(2) ينظر مفتاح العلوم 543 ، والايضاح 1/ 241 ، والاتقان 2/81 ،
ومعجم المصطلحات البلاغية 1/313 .
(3) ينظر معجم المصطلحات البلاغية 1/ 313 .
(4) ينظر الايضاح 1/241 ، والاتقان 2/81
1. الدعاء : وهو الطلب على سبيل التضرع (1) ، وقد ورد منه في الايات الاتية : قال تعالى { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(127)رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(128)رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ/ البقرة 129 }
...
فالافعال ( تقبل ، واجعلنا ، وارنا ، وتب ، وابعث ) ظاهرها الامر ومعناها الدعاء على سبيل التضرع والتوسل الى الرب الكريم بالتقبل منه ومن ولده اسماعيل (عليهما السلام ) وبجعلهم مسلمين ، وان يريهم ويعلمهم امور مناسكهم ، وبان يتوب عليهم ، وان يبعث في امتهم رسولا منهم ، فيلاحظ تكرير لفظ ( ربنا ) وذلك مبالغة في التضرع .
وقوله تعالى { رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ / الممتحنة 5 } ، فالفعل ( واغفر ) ظاهره الامر ومعناه الدعاء على سبيل التضرع
والتوسل ، فان ابراهيم ( عليه السلام ) يدعو ربه بان يستر ذنوبه عن غيره – جل جلاله – وان يعف عنها – الذنوب – فيما بينهم وبين ربه . (2)(1/26)
2. الاستهزاء : ومنه قوله تعالى على لسان سيدنا ابراهيم ( عليه السلام) في دعوته لقومه { فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ / الانبياء 63 } ، فالفعل ( اسألوهم ) جاء بصيغة الامر لكن المراد الاستهزاء بهم والتنبيه على فساد عقولهم واعتقادهم لانهم يعبدون اصناما لا تنفع ولا تدفع عن نفسها اذى فكيف تحمي او تدفع عن غيرها. (3)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الايضاح 1/ 243 .
(2) ينظر تفسير القران العظيم لابن كثير 4/ 348 .
(3) ينظر البرهان في علوم القران 2/ 325 .
ثانيا : النهي
... وهو طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء والالزام.(1)
صيغة النهي الحقيقية
...
للنهي صيغة واحدة وهي المضارع المقرون بـ( لا ) الناهية الجازمة (2) ، كقوله تعالى ( ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا / الحجرات 12 ) .
... وهذه الصيغة – صيغة النهي – تخرج عن معناها الحقيقي الى معان مجازية كثيرة وساذكر منها ما جاء في ايات الدعوة والبشرى والثناء .(3)
...
الاغراض المجازية التي خرج اليها النهي في ايات الدعوة والبشرى والثناء
1.الدعاء : ورد هذا الغرض في اية واحدة وهي قوله تعالى { رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا / الممتحنة 5 } ، فالفعل ( لاتجعلنا ) جاء بصيغة النهي والمراد به الدعاء لا الالزام والوجوب لانه صادر من العبد– ابراهيم –الى ربه يطلب منه ذلك ويرجوه.
2. النصح والارشاد : ومنه قوله تعالى { ياأَبَتِ لَا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيًّا / مريم 44 } ، فالفعل ( لا تعبد ) لا يمكن حمله على معنى طلب الكف عن
ــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر مفتاح العلوم 545 ، والايضاح 1/244 ، والاتقان 2/82 .
(2) ينظر مفتاح العلوم 545 ، والايضاح 1/244 ، ومغني اللبيب لابن هشام 1/323 ،
والاتقان 2/82 .
(3) ينظر مفتاح العلوم 545 ، والتلخيص 170 ، والايضاح 1/ 244 ،
ومعجم المصطلحات البلاغية 3/ 344 .(1/27)
العبادة على وجه الاستعلاء والالزام ، وانما هو على جهة النصح والارشاد .(1)
... وقوله تعالى على لسان الملائكة في قصة البشرى { قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ / الحجر 55 } ، فالفعل ( لاتكن ) صادر من الملائكة المرسلين الى
نبي الله وخليله ابراهيم ، لكن المراد به النصح والارشاد والتعليم بعدم القنوط من رحمة الله ، وهذا النصح والارشاد موجه لعباد الله اجمعين كي لا يقنطوا من رحمة الله – عز وجل .
ثالثا: الاستفهام
...
عرفه السكاكي بقوله : (( والاستفهام لطلب حصول في الذهن والمطلوب حصوله في الذهن ، اما ان يكون حكما لشيء او لايكون . والاول هو التصديق ويمتنع انفكاكه من تصور الطرفين . والثاني هو التصور ولا يمتنع انفكاكه من التصديق )) .(2)
وتبع السكاكي العلماء من اهل البلاغة في عدم خروجهم عن تعريفه للاستفهام . (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر اساليب المجاز في القران الكريم ، رسالة دكتوراه ، احمد حمد محسن 544 .
(2) مفتاح العلوم 524 .
(3) ينظر التلخيص 153 ، والطراز 3/ 286 ،
والفوائد المشوق الى علوم القران لابن قيم الجوزية 160،
والبرهان في علوم القران 2/339
... ويخرج الاستفهام عن المعنى الحقيقي ليفيد معاني مجازية كثيرة (1) ، ساذكر منها ما ورد في ايات الدعوة والبشرى والثناء .
الاغراض المجازية التي خرج اليها الاستفهام في ايات الدعوة والبشرى والثناء
1. الخبر : وهو على نوعين :
أ. الانكار : وهو الاستفهام الذي يطلب به انكار المخاطب ، والمعنى به على ان ما بعد الاداة منفي لذلك تصحبه ( الا ) احيانا ، ويعطف عليه منفي احيانا اخرى .(2)
ومن امثلته في ايات الدعوة والبشرى والثناء قوله تعالى { وَمَنْ يَرْغبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ / البقرة 130 } ، فـ
((1/28)
من ) هنا استفهامية خرجت الى معنى الانكار الذي يفيد النفي ، والمعنى انه لا يوجد احد يرغب عن ملة ابراهيم الا هذا الفريق (3) الضال الجاهل الذي اهلك نفسه بالرغبة عن دين خليل الله ومنهجه وملته .
... وقوله تعالى { ام يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ / النساء 54 } ،
فالاستقهام المتمثل بـ( ام ) خرج الى الانكار الذي يفيد النفي ، والمعنى : لا ينبغي
ــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الايضاح 1/ 234 ، والبرهان في علوم القران 2/ 340 ، والاتقان 2/79 .
(2) ينظر البرهان في علوم القران 2/341 ، والاتقان 2/79 .
(3) ينظر الكشاف 1/312 ، والتفسير الكبير 4/ 70، والاستغناء في احكام الاستثناء 387.
ذلك(1) الحسد لمن احبه الله واتاه من فضله ، فان كان حاسدا فليتق الله حق تقاته ويعمل الصالحات ويترك الخبائث .
... وقوله تعالى { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ / الانعام 80 } ، والمعنى : انه – عليه السلام – انكر عليهم محاجتهم في الله – عز وجل - ، فالاستفهام افاد الانكار. (2)
... وقوله تعالى { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ / مريم 42 } ، فقد انكر الابن – ابراهيم – على ابيه عبادة ما لا يسمع ولا يبصر ، فهو استفهام انكار .(3)
... وقوله تعالى { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْراهِيمُ / مريم 46 } ، فقد استعمل ابو سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) الاستفهام الانكاري مع ابنه (( لرغبته عن الهته وان الهته ما ينبغي ان يرغب عنها احد )) (4) ، ولو كانت الجملة ( أأنت راغب عنها ) ما افادت زيادة الانكار على ابراهيم ( عليه السلام ) (5) ، بل ان اباه اراد زيادة الانكار من موقف ابراهيم من الالهة .(1/29)
... وقوله تعالى { قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ / الانبياء 66 } ، فقد انكر ابراهيم ( عليه السلام ) على قومه عبادة الاصنام بعد اعترافهم بانها جمادات لا تضر ولا تنفع (6)- بقولهم ( ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ــــــــــــــــــــ
(1) ينظر حاشية الجمل على تفسير الجلالين 1/ 391 .
(2) ينظر روح المعاني 3/ 204 .
(3) ينظر فتح القدير 3/ 335 .
(4) الكشاف 2/ 511 .
(5) ينظر البرهان في علوم القران 3/ 320 . (6) ينظر تفسير البيضاوي 4/ 43 .
ينطقون / الانبياء 65 ) - فذلك ينافي الالوهية .
ب. التقرير : وهو الذي يطلب به اقرار المخاطب واعترافه بامر قد استقر عنده.(1) ومن امثلته في ايات الدعوة والبشرى والثناء :
... قوله تعالى { قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ / الانبياء 62 } ، فالاستفهام هنا للتقرير (2) ، قال الطيبي ( ت 743 هـ) : (( ويحذى به حذو الاثبات ( قالوا أأنت فعلت هذا بالهتنا ) ولم يقولوا لان يقر بان كسر الاصنام قد كان ولكن بانه منه )) .(3) لانه – عليه السلام – قد توعد بتكسير الاصنام فكانوا شبه واثقين من ان سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) هو فاعل ذلك العمل العظيم .
... وقوله تعالى { أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ / الشعراء 73 } ، فالاستفهام في هذه الاية خرج الى معنى التقرير ، لتقرير الحجة عليهم . (4)
... وقوله تعالى { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ / الذاريات 24 } ،
فقد ذكر قسم من العلماء ان الاستفهام في هذه الاية خرج الى معنى التقرير . (5) وذهب الصاوي ( ت 1241 هـ) الى انه خرج الى معنى التشويق . (6) كي ينتبه السامع الى ما سياتي بعد هذا الاستفهام .
2. الاستفهام المجازي الذي هو بمعنى الانشاء ، وتخرج الى اغراض مجازية كثيرة ساذكر منها ما ورد في ايات الدعوة والبشرى والثناء .(1/30)
ــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر البرهان في علوم القران 2/ 344 .
(2) ينظر تحرير التحبير لابي الاصبع المصري 136 ، ومغني اللبيب 1/26 .
(3) التبيان في علم المعاني والبديع والبيان للطيبي 166 .
(4) ينظر الجامع لاحكام القران 13/ 109 ، وفتح القدير 4/ 104 .
(5) ينظر الكشاف 4/17،والبحر المحيط لابي حيان 8/137،ومعترك الاقران لليسوطي3/249
(6) ينظر حاشية الصاوي 4/ 125 .
أ. التوبيخ : فقد ورد في ايات الدعوة والبشرى والثناء امثلة من هذا الغرض منها
قوله تعالى { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ / البقرة 130 } ، ومعنى الاية الكريمة يحتمل ان يكون فيها الاستفهام خرج الى معنى التوبيخ (1) ، لمن يعرض عن ملة سيدنا ابراهيم ( عليه السلام) .
... وقوله تعالى { قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنْ الظَّالِمِينَ / الانبياء 59 } ، فاستفهام الكفار خرج الى معنى التوبيخ لمن فعل التكسير في اصنامهم . (2) كانه استعظام لهذا العمل ، كانه اكبر مما تتصوره عقولهم ان يمس احد الاصنام بسوء .
... وقوله تعالى { أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ / الصافات 86 } ، فسال – عليه السلام – قومه بطريقة التوبيخ على عبادة غير الله . (3)
... وقوله تعالى { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ / الصافات 96 } ، فقد ذهب الشوكاني ( ت 1250هـ) الى ان ( ما ) في هذه الاية افادت الاستفهام الذي يفيد معنى التوبيخ ، والمعنى : أي شيء تعملون . (4) وقسم من العلماء ذهب الى ان الاستفهام افاد التحقير لعمل الكفار والتصغير له . (5)
ب. التعجب : ومنه قوله تعالى على لسان ابراهيم ( عليه السلام ) { وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ / الانعام 81 } ، فقد وجه نبي الله ابراهيم سؤاله
ــــــــــــــــــــــــــ
((1/31)
1) ينظر معاني القران واعرابه 1/ 209، وتفسير القران الكريم ( بحر العلوم ) 1/484.
(2) ينظر فتح القدير 3/ 914 .
(3) ينظر مغني اللبيب 1/ 25 . ... ... ... (4) ينظر فتح القدير 4/ 402 .
(5) ينظر البيان في غريب اعراب القران 2/ 306 ، والتبيان في اعراب القران 2/1091.
متعجبا من فساد عقول قومه لما يعبدونه من الاصنام وغيرها . (1)
... وقوله تعالى على لسان امرأة ابراهيم ( عليه السلام ) { قَالَتْ يَاوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ / هود 72 } ، فالاستفهام في الاية الكريمة
خرج الى معنى التعجب (2) ، ودليله – أي التعجب – اخر الاية ( ان هذا لشيء عجيب ) ، ودليل اخر وهو قول الملائكة لها ( اتعجبين من امر الله / هود 73 ).
... وقوله تعالى { قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ / الحجر 54 } ، ففي الاية الكريمة استفهامان( ابشرتموني )، (فبم تبشرون ) ، وفي كلا الموضعين خرج الاستفهام الى معنى التعجب ، فقوله ( ابشرتموني ) دل على انه –عليه السلام – كان مظهرا للتعجب ارادة تحقيق الامر وتاكيده (3) ، والمعنى : ان الولادة امر عجيب مستنكر في العادة مع الكبر(4) ، واكد هذا التعجب بالاستفهام الثاني بقوله ( فبم تبشرون ) (5) ، والمعنى : كانه قال : فباي اعجوبة تبشروني .(6)
... وقوله تعالى { فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ(91)مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ / الصافات 92 } ، فقد ذكر النحاس (ت 338 هـ) ان الاستفهام في كلا الموضعين خرج الى معنى التعجب (7) ، أي : انه – عليه السلام – تعجب من عدم اكل الاصنام وعدم نطقها
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الجامع لاحكام القران 7/30 ، والبحر المحيط 4/ 175 .
(2) ينظر البحر المحيط 5/ 244 ، والجامع لاحكام القران 9 / 69 .
(3) ينظر نظم الدر للبقاعي 11/ 66.
((1/32)
4) ينظر الكشاف 2/ 392 ، وتفسير البيضاوي 3/ 171 .
(5) ينظر التحرير والتنوير لابن عاشور 14/ 59 .
(6) ينظر الكشاف 2/ 392 ، والجامع لاحكام القران 10/ 35 .
(7) ينظر اعراب القران 2/ 757 .
عند تقديمه الطعام لها ، وهذا بعيد عندي ، لانه – عليه السلام – لو كان متعجبا منها لكان قد شك في عدم نفعها وضرها ، وهذا اشراك بالله ، والانبياء معصومون من الشرك ، و الله اعلم .
ج. التحقير : ومنه قوله تعالى { قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ / الانبياء 52 } ، فالاستفهام في الاية الكريمة خرج الى معنى التحقير(1) ، فقد
تجاهل سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) اباه وقومه ليحقر الهتهم ويصغر شانها مع علمه بتعظيم قومه واجلالهم لها . وهذا من اروع الاساليب البلاغية التي تصور هذا المعنى .
... وقوله تعالى على لسان ابراهيم { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ / الصافات96 } ، فالاستفهام في الاية الكريمة خرج الى معنى التحقير لعمل الكفار . (2)
د. التهديد الوعيد او التحذير : ومنه قوله تعالى { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا/ مريم 46 } ، فقد ذكر الدكتور احمد حمد محسن الجبوري
ان الاستفهام في هذا الموضع خرج عن موضوعه الى معنى التحذير والتهديد ، لدليل قوله تعالى ( لئن لم تنته لارجمنك واهجرني مليا ) . (3)
... وقوله تعالى { فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ / الصافات 87 } ، فالاستفهام خرج الى معنى التحذير والوعيد ، والمعنى : أي شيء ظنكم بمن هو يستحق لان تعبدوه اذ هو رب العالمين حتى تركتم عبادته وعدلتم به الى عبادة الاصنام التي لا تنفع ولا تضر .(4)
ــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الكشاف 2/ 757 ، وتفسير البيضاوي 4/ 42 .
(2) ينظر البيان في غريب اعراب القران 2/ 306 .
((1/33)
3) ينظر اساليب المجاز في القران الكريم 580 . (4) ينظر البحر المحيط 7/350.
هـ.النهي : ومنه قوله تعالى { قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ / هود 73 } ، فالاستفهام خرج الى معنى النهي بدليل انكار الملائكة لقول امرأة سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) ( أألد وانا عجوز وهذا بعلي شيخا / هود 72 ) (1) ،والمعنى:لا تعجبي من امر الله.
و. الاستهزاء : ومنه قوله تعالى { فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ(91)مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ / الصافات 92 } ، فالاستفهام في كلا الايتين – ( الا تاكلون ) ، ( ما لكم لا تنطقون )
– خرج الى معنى الاستهزاء (2) ، اذ انه – عليه السلام – استهزأ باصنام قومه في عدم نفعها نفسها وغيرها وعدم نطقها .
رابعا : النداء
وهو التصويت بالمنادى ليقبل ، او هو (( طلب اقبال المدعو بحرف نائب مناب ( ادعو ) )) . (3)
احرف النداء
... ... وللنداء احرف هي :
1. الهمزة ( أ ) وتستعمل لنداء القريب . (4)
2. آ : وتستعمل لنداء البعيد . (5)
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الجامع لاحكام القران 9/70 .
(2) ينظر الكشاف 3/ 345 ، وتفسير البيضاوي 5/8 .
(3) الاتقان 2/ 82 .
(4) ينظر رصف المباني للمالقي 51 ، والجنى الداني 100 ،
ومغني اللبيب 1/17.
(5) ينظر الجنى الداني 249 ، ومغني اللبيب 1/29 .
3.ايا : وتستعمل لنداء البعيد . (1) وقيل هي مستعملة لنداء القريب والبعيد .(2)
4. أي : وتستعمل لنداء البعيد او القريب او المتوسط . (3)
5. آي : وتستعمل لنداء البعيد . (4)
6. هيا : وتستعمل لنداء البعيد ، والهاء بدل من الهمزة في ( أيا) . (5)
7. وا : وتستعمل لنداء البعيد . (6)(1/34)
7. يا: وهي (( حرف موضوع لنداء البعيد حقيقة او حكما ، وقد ينادى بها القريب توكيدا ، وقيل : هي مشتركة بين القريب والبعيد ، وقيل : بينهما وبين المتوسط ، وهي اكثر حروف النداء استعمالا )) (7) ، او هي على قول المالقي ( ت 702 هـ) : (( ام حروف النداء )) (8) ، وقول المرادي ( ت 749 هـ) : (( ام باب النداء )) . (9)
احرف النداء المستعملة في القران الكريم
... تجدر الاشارة الى ان المستعمل من احرف النداء في القران الكريم هو حرف واحد ، وهو حرف ( يا ) دون غيره . (10 )
... وبناء على كون الحرف ( يا ) اكثر حروف النداء استعمالا ، وخلو القران
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر رصف المباني 136 ، والجنى الداني 399، ومغني اللبيب 1/29 .
(2) ينظر مغني اللبيب 1/ 29 ، فقد نسب ابن هشام هذا القول الى الجوهري صاحب صحاح اللغة .
(3) ينظر رصف المباني 135 ، والجنى الداني 250 ، ومغني اللبيب 1/107 .
(4) ينظر رصف المباني 135 ، والجنى الداني 398 .
(5) ينظر رصف المباني 408 ، والجنى الداني 470 ، ومغني اللبيب 1/ 29 .
(6) ينظر رصف المباني 441 ، والجنى الداني 2/ 482 .
(7) مغني اللبيب 1/488 .
(8) رصف المباني 452 .
(9) الجنى الداني 349 .
(10) ينظر مغني اللبيب 1/18 ، فان ابن هشام هو الذي نبه على ذلك .
الكريم من غير هذا الحرف في النداء فقد ذهب العلماء الى انه لا يقدر – عند الحذف – سوى هذا الحرف (1) ، قال المرادي : (( ولكثرة استعمالها نقول : انها هي المحذوفة في النداء ، نحو ( يوسف اعرض عن هذا / يوسف 29 ) )) .(2) واضاف ابن هشام ( ت 761 هـ) : (( ولا ينادى اسم الله – عز وجل - ، والاسم المستغاث ، وايها ، وايتها الا بها ، ولا المندوب الا بها او بـ( وا ) )) .(3)
الاغراض المجازية التي خرج اليها النداء في ايات الدعوة والبشرى والثناء(1/35)
... تخرج اداة النداء ( يا ) عما وضعت له في اللغة الى اغراض مجازية معينة في القران الكريم . وعند استقصائي للايات لم اقف الا على غرض واحد وهو :
الاختصاص : ومنه قوله تعالى على لسان الملائكة في قصة البشرى وهم يخاطبون امرأة ابراهيم { قَالُوا أَتَعجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ / هود 73 } ، قال النحاس : (( اهل البيت منصوب على النداء ويسميه سيبويه
تخصيصا )) (4) وقال ابو حيان ( ت 754 هـ) : (( ونصب ( اهل البيت ) على الاختصاص )) . (5) والى هذا المعنى ذهب السيوطي ( ت 911 هـ) (6) ، فدل على ان المراد باسلوب النداء في الاية الكريمة معنى الاختصاص ، والله اعلم .
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الجنى الداني 349 ، ومغني اللبيب 2/488 .
(2) الجنى الداني 349 .
(3) مغني اللبيب 2/488.
(4) اعراب القران 2/103 .
(5) البحر المحيط 5/245 .
(6) ينظر الاتقان 2/ 82 .
القصر
...
تحدث البلاغيون عن القصر كثيرا وتناولوه بحثا ودراسة ، وتبويبا وكان من اشهرهم السكاكي ، فقد تكلم عليه قائلا : (( وحاصل معنى القصر راجع الى تخصيص الموصوف عند السامع بوصف دون ثان كقولك : زيد شاعر لا منجم ، لمن يعتقده شاعرا ومنجما )) . (1)
... ولم تخرج تعريفات البلاغيين المتاخرين عن هذا التعريف . (2)
اقسام القصر
...
للقصر اقسام متعددة ، لان له اعتبارات مختلفة وحثيثيات متنوعة ، فمن حيث طرفا القصر له تقسيم ، ومن حيث الحقيقة والواقع له تقسيم ثان . (3)
1. تقسيم القصر من حيث طرفاه : ينقسم القصر من حيث طرفاه – المقصور والمقصور عليه – على قسمين (4) :
أ.قصر موصوف على صفة:كقولك:(ما زيد الا كاتب )،قصر زيد على صفة الكتابة
ب. قصر صفة على موصوف : كقولك ( ما كاتب الا زيد ) ، قصرت الكتابة ( الصفة ) على زيد ( الموصوف ) .
ــــــــــــــــــــــــ
(1) مفتاح العلوم 507 .
((1/36)
2) ينظر الاتقان 2/49 ، وشروح التلخيص 2/166 ، والمطول 204 .
(3) ينظر مفتاح العلوم 507 ، والايضاح 1/ 213 وما بعدها .
(4) ينظر مفتاح العلوم 507 ، 508 ، والايضاح 1/213 ، والاتقان 2/49 .
2. تقسيم القصر باعتبار الواقع : ينقسم القصر باعتبار الواقع على (1) :
أ. قصر حقيقي ، كقولنا : ما خاتم الانبياء الا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
ب. قصر غير حقيقي ( اضافي ) ، كقولنا : ما المتنبي الا شاعر .
3. تقسيم القصر من حيث المخاطبون : ينقسم القصر من حيث المخاطبون على ثلاثة اقسام (2) :
أ. قصر افراد : وهو القصر الذي يخاطب به من يعتقد الشركة كقولك : (ما شاعر الا زيد ) لمن يعتقد زيدا شاعرا ، لكن يدعي شاعرا اخر . (3)
ب. قصر قلب : ويخاطب به من يعتقد اثبات الحكم لغير من اثبته المتكلم له نحو قولك : ( ما شاعر الا زيد ) لمن يعتقد ان شاعرا في قبيلة معينة او طرف معين لكنه يقول ( ما زيد هناك بشاعر ) . (4)
ج. قصر تعيين : ويخاطب به من تساوى عنده الامران فلم يحكم باثبات الصفة لواحد بعينه ولا لواحد باحدى الصفتين بعينها . (5)
طرق القصر
... للقصر طرق اربعة مشهورة هي : القصر بـ( انما ) ، والقصر بالنفي والاثبات ، والقصر بالعطف ، والقصر بالتقديم والتاخير .(6)
امثلة القصر في ايات الدعوة والبشرى والثناء
1. القصر بـ( انما ) : ومنه قوله تعالى على لسان سيدنا ابراهيم ( عليه السلام )
{ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا / العنكبوت 17 } ، قال صاحب التحرير
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الايضاح 1/213 ، والاتقان 2/49 .
(2) ينظر مفتاح العلوم 507 ، والايضاح 1/ 213 ، 214 ، والاتقان 2/49 .
(3) ينظر مفتاح العلوم 507 ، والايضاح 1/ 214 ، والاتقان 2/49 .
(4) ينظر مفتاح العلوم 507 ، والايضاح 1/ 214 ، والاتقان 2/49 .
(5) ينظر الايضاح 1/ 214 ، والاتقان 2/49.
((1/37)
6) ينظر مفتاح العلوم 507 ، والايضاح 1/ 215 وما بعدها ، والاتقان 2/49 .
والتنوير : (( فالقصر منصب على عبادتهم الموصوفة بالوثنية ، أي : ما تعبدون الا صورا لا ادراك لها )) (1) ، ثم اضاف الى ان هذا القصر هو قصر قلب لابطال اعتقاد قوم سيدنا ابراهيم بالهية تلك الصور .(2)
2. القصر بالعطف : ومنه قوله تعالى في ثنائه على خليله ابراهيم ( عليه السلام ) { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ/ال عمران67
، فالمقصور عليه ما بعد الاداة – لكن - ، قال صاحب التحرير والتنوير : (( افاد الاستدراك بعد نفي الضد حصرا لحال ابراهيم فيما يوافق اصول الاسلام ولذلك بين حنيفا بقوله ( مسلما ) لانهم يعرفون معنى الحنيفية ولا يؤمنون بالاسلام ، فاعلمهم ان الاسلام هو الحنيفية )) . (3)
3. القصر بالنفي والاثبات : ومنه قوله تعالى في ثنائه على خليله – عليه السلام – ايضا { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ / التوبة 114 } ، فقصر استغفار ابراهيم ( عليه السلام ) على الموعدة التي وعدها لابيه ، وهو قصر موصوف على صفة ، وهذا يدل على وجوب الايفاء بالوعد حتى ولو كان باللسان دون تاييد القلب له .
4. القصر بتقديم ما حقه التاخير : ومنه قوله تعالى في قصة البشرى التي بشر بها خليله { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا / الانعام 84 } ، فـ( كلا ) مفعول به مقدم لما بعده للقصر(4) ، ويعني ان الله – عز وجل – قصرهم على الهداية والرشاد و
ــــــــــــــــــــــــ
(1) التحرير والتنوير 20/ 224 - 225 .
(2) ينظر المصدر نفسه 20/ 225 .
(3) المصدر نفسه 3/ 275 .
(4) ينظر فتح القدير 2/ 136 ، وروح المعاني 7/211 .
الفلاح في الدنيا والاخرة ، فهذا اعظم ثناء منه – تعالى – لعباده الصالحين .(1/38)
... وقوله تعالى { رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ /الممتحنة 4 } ، قال الشوكاني : (( وتقديم الجار والمجرور لقصر التوكل والانابة والمصير على الله )) .(1) وهذا سبيل كل مؤمن بالله تعالى توكل عليه واسلم له ، فهو تعليم لنا وتفهيم للتوكل على الله – عز وجل- في كل امورنا في الحياة الدنيا .
الوصل والفصل
الوصل
...
وهو عطف جملة على اخرى بالواو . (2)
مواضع الوصل
الوصل بين الجملتين يقع في :
1. اذ اتحدت جملتان خبرا وانشاء ، وكان بينهما مناسبة تامة في المعنى ، فمثال الخبريتين قوله تعالى ( ان الابرار لفي نعيم (13) وان الفجار لفي جحيم / الانفطار 14 ) ، ومثال الانشائيتين قوله تعالى ( كلوا واشربوا ولا تسرفوا / الاعراف 31 ) . (3)
2. اذا اختلفت الجملتان خبرا وانشاء واوهم الفصل خلاف المقصود فيجب الوصل
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر دلائل الاعجاز للجرجاني 146 ، ومفتاح العلوم 459 ،
والايضاح 1/246.
(2) ينظر الايضاح 1/ 260 .
لازالة الوهم كقول البلغاء : لا وايدك الله . (1)
3. اذا قصد اشتراك الجملتين في الحكم الاعرابي ، نحو : زيد يقول ويفعل .(2)
امثلة الوصل في ايات الدعوة والبشرى والثناء
... ورد في ايات الدعوة والبشرى والثناء عدد من مواضع الوصل بين الجمل منها قوله تعالى { وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ / البقرة 130 } ، فقد عطف الجملة الثانية ( وانه في الاخرة لمن الصالحين ) على الجملة الاولى ( ولقد اصطفيناه ) بالواو لاتفاقهما في الخبرية .
... وقوله تعالى { رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ / ابراهيم 38 } ، فجملة ( وما يخفى على الله ) عطفت على الجملة الاولى ( ربنا انك تعلم ) بالواو لاتفاقهما في الخبرية ايضا .(1/39)
وقوله تعالى { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ / الحديد 26 } ، فعطفت الجملة الثانية ( وجعلنا في ذريتهما ) على الجملة الاولى ( ولقد ارسلنا نوحا ) لاتفاقهما في الخبرية ايضا .
الفصل
الفصل وهو ترك عطف بعض الجمل على بعض .(3)
مواضع الفصل
...
يجب الفصل بين الجملتين في :
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر مفتاح العلوم 470، والايضاح 1/ 260 .
(2) ينظر دلائل الاعجاز 146 ، والايضاح 1/ 247 ، والبرهان في علوم القران 4/120.
(3) ينظر دلائل الاعجاز 146 ، ومفتاح العلوم 459 ، والايضاح 1/246.
1. ان يكون بين الجملتين اتحاد تام وذلك (1) :
أ. ان تكون الجملة الثانية توكيدا للاولى توكيدا لفظيا او معنويا ، فمثال التوكيد المعنوي قوله تعالى ( الم ذلك الكتاب لاريب فيه / البقرة 2 ) .(2) ومثال التوكيد اللفظي قوله تعالى ( سواء عليهم أأنذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون / البقرة 6 ) .(3)
ب. ان تكون الجملة الثانية بيانا او ايضاحا للجملة الاولى كقوله تعالى ( فوسوس اليه الشيطان قال ياادم هل ادلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى / طه 120 ) . (4)
ج. ان تكون الجملة الثانية بدلا من الجملة الاولى ، كقوله تعالى ( امدكم بما تعلمون (132) امدكم بانعام وبنين وجنات وعيون / الشعراء 133 ) . (5)
2. ان يكون هناك انقطاع بين الجملتين (6) :
أ.ان تختلف الجملتان خبرا وانشاء(7) كقولك : حضر الامير حفظه الله .(8)
ب. ان لا تكون بين الجملتين مناسبة في المعنى ولا ارتباط . (9) كقولك : علي كاتب - الحمام طائر . (10)(1/40)
3. ان تكون الجملة الثانية جوابا عن سؤال يفهم من الجملة الاولى كقوله تعالى ( هل انبئكم على ما تنزل الشياطين ( 221 ) تنزل على كل افاك اثيم / الشعراء 222) ، فقد فصل ( تنزل على كل افاك ) عن الجملة الاولى ، ليقع جوابا للسؤال الذي يفرض على الجملة وهو أي : والله نبئنا على أي مخلوق تتنزل .(11)
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الايضاح 1/ 250 .
(2) ينظر مفتاح العلوم 481 ، والبرهان الكاشف عن اعجاز القران لابن الزملكاني 277،
والايضاح 1/250 .
(3) ينظر مفتاح العلوم 482 ، والايضاح 1/ 252 . ... ... (4) ينظر الايضاح 1/ 253 .
(5) ينظر مفتاح العلوم 480 ، والايضاح 1/252 .
(6) ينظر الايضاح 1/ 254 .
(7) ينظر مفتاح العلوم 484 . ... ... ... ... (8) ينظر جواهر البلاغة 207 .
(9) ينظر الايضاح 1/ 254 . ... ... ... ... (10) ينظر جواهر البلاغة 208 .
(11) ينظر مفتاح العلوم 479،والبرهان الكاشف عن اعجاز القران 279 ، والايضاح 1/255.
امثلة الفصل في ايات الدعوة والبشرى والثناء
ومنه قوله تعالى { وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ(71)قَالَتْ يَاوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ / هود 72 } ، فقد جاءت الجملة الثانية – ( قالت
ياويلتا ) – مستأنفة سؤال مقدر ، كانه قيل : فماذا قالت ؟ (1) ، فالمانع من العطف في هذا الموضع وجود الرابطة القوية بين الجملتين ، واشبهت حالة اتحاد الجملتين ولهذا وجب الفصل ، والله اعلم .
... وقوله تعالى { إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ / الذاريات 25 } ، فقد فصل بين الجملتين – ( فقالوا سلاما ) ، و ( قال سلام ) – ولم يصل بينهما ، لان التقدير ان سؤالا قد القي بعد قوله ( فقالوا سلاما ) ، فقيل : فماذا قال لهم ؟ ،قال سلام . (2)(1/41)
... وقوله تعالى { فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ / الذاريات 27 } ، فقد فصل بين الجملتين – ( فقربه اليهم ) ، و ( قال الا تاكلون ) – لان التقدير ان سؤالا القي بعد قوله ( فقربه اليهم ) ، فما قال حين وضع الطعام بين ايديهم ؟ ، فاتى قوله ( قال الا تاكلون ) جوابا عن ذلك .(3) فيا لروعة الاعجاز القراني بصياغة الجمل والكلمات .
... ومن الامثلة التي تكون فيها الجملة الثانية توكيدا للاولى قوله تعالى في ثنائه على خليله { إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ / النحل 120 } ، فجاءت جملة ( ان ابراهيم كان امة ) مفصولة عن جملة ( قانتا لله حنيفا ) ، والسبب
في هذا الفصل ان الجملة الثانية اتت توكيدا للجملة الاولى في معنى الثناء علىسيدنا
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر فتح القدير 2/ 511 .
(2) ينظر نحو المعاني للجواري 102 .
(3) ينظر دلائل الاعجاز 158.
ابراهيم ( عليه السلام ) لانه قد استحق الثناء من ربه – عز وجل – على ما لاقاه من قومه وابيه ، والله اعلم .
... وايضا فان الاية التالية لهذه الاية - التي هي في ثناء الله تعالى على خليله ايضا – وهي قوله تعالى { شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ/ النحل 121 } ، جاءت مفصولة عنها ايضا ، والسبب في الفصل ان جملة ( شاكرا لانعمه ) جاءت توكيدا للاية السابقة لها . (1) وهذا زيادة في الثناء عليه ( عليه السلام ) .
... ومن الامثلة التي تكون فيها الجملة الثانية بيانا لابهام في الجملة الاولى قوله تعالى { وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ(83)إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ / الصافات 84 } ، فالاية الاولى جاءت مفصولة عن الثانية ، والسبب ان الاية الثانية جاءت بيانا وتفسيرا للاولى ،و الله اعلم .
الايجاز والاطناب
اولا : الايجاز(1/42)
... الايجاز لغة : وهو التقصير ، تقول : اوجزت الكلام ، أي : قصرته ، وكلام موجز ووجيز ، أي : قصير وخفيف . (2)
... الايجاز اصطلاحا : قال الجاحظ في تعريفه : (( الايجاز هو الجمع للمعاني الكثيرة بالالفاظ القليلة )) .(3) ولم يخرج العلماء الذين لحقوه عن هذا التعريف .(4)
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر التفسير الكبير 20/ 135 ، وتفسير البيضاوي 3/ 194 ، وفتح القدير 3/302 .
(2) ينظر مقاييس اللغة مادة ( وجز ) ، ولسان العرب مادة ( وجز ) 3/ 881 .
(3) الحيوان للجاحظ 3/86 .
(4) ينظر النكت في اعجاز القران 73 – 74 ، وسر الفصاحة لابن سنان الخفاجي 248،
ومفتاح العلوم 493 ، والايضاح 1/ 281 .
اقسام الايجاز
... اجمع اهل البلاغة على ان الايجاز – بوجه عام – ينقسم على قسمين : ايجاز قصر ، وايجاز حذف . (1)
1. ايجاز القصر : وهو تقليل الالفاظ وتكثير المعاني . (2) وقال ابن الاثير ( ت 637 هـ) : (( وهو الذي لا يمكن التعبير عن معناه بالفاظ اخرى مثلها وفي عدتها ، وهو اعلى طبقات الايجاز مكانا واعوزها امكانا )) . (3) وكان الجاحظ قد اكد مثل هذا المعنى من قبل . (4)
امثلة ايجاز القصر في ايات الدعوة والبشرى والثناء
... وعند استقصائي لهذه الايات وقفت على موضع واحد من هذا النوع – ايجاز القصر – وهو قوله تعالى في ثنائه على خليله { وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ(104)قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ/ الصافات 104 } ، فقوله ( انا كذلك نجزي
المحسنين ) يعني : كالذي جازينا به ابراهيم ( عليه السلام ) نجزي الذين احسنوا في طاعتنا وعملوا في رضانا ، بالخلاص من الشدائد في الدنيا والاخرة (5) ، فهذا الكلام الطويل في بيان معنى هذا الجملة – انا كذلك نجزي المحسنين – جاء باقل الالفاظ واكثر المعاني ، وهو من احسن مواضع الايجاز ، والله اعلم .(1/43)
2. ايجاز الحذف : وهذا هو القسم الثاني من الايجاز ، وقد تكلم العلماء في حده ، قال الرماني : (( الحذف اسقاط كلمة للاجتزاء عنها بدلالة غيرها من الحال او
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر النكت في اعجاز اقران 70 ، وكتاب الصناعتين لابي هلال العسكري 181،
والايضاح 1/ 287 الى 291 ، وعروس الافراح لابن عبد الكافي 3/ 183 .
(2) ينظر سر الفصاحة 243 .
(3) المثل السائر لابن الاثير 2/ 125 – 126.
(4) ينظر البيان والتبيين للجاحظ 2/ 53 .
(5) ينظر جامع البيان 23/ 51 ، والجامع لاحكام القران 15/ 106 ،
وتفسير القران العظيم 4/ 16 .
فحوى الكلام )) (1) ، ثم ذكر عدة امثلة من القران الكريم فيها انواع من المحذوفات لم يعين نوع المحذوف فيها واكتفى بالاشارة الى ان هذه الايات تتضمن حذفا .
... واكتفى العلماء اللاحقون للرماني بذكر وجوه الحذف وانواعه . (2) وياتي الزركشي فيوقفنا على تقسيمات بديعة وجديدة لانواع الحذف في القران الكريم . (3) وقد نقل السيوطي هذه الاقسام وسماها انواع الحذف . (4) واختصر السيوطي التقسيمات التي وضعها الزركشي للحذف الى اربعة انواع وهي : الاقتطاع ، والاكتفاء ، والاحتباك ، والاختزال .(5)
... الا اني ساذكر نوعين من هذه الاربعة لتعلقهما بموضوع الدراسة .
أ. الاقتطاع : وهو حذف بعض حروف الكلمة اما لحب الاستخفاف و اما لرعاية الفاصلة ، فقد قال الزركشي في حده : (( وهو حذف حرف من الكلمة واثبات الباقي )) . (6)
امثلة حذف الاقتطاع في ايات الدعوة والبشرى والثناء
1. حذف الياء : ومنه قوله تعالى { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ / ابراهيم 36 } ، فقوله ( رب ) الاصل فيه ( ربي ) فحذفت منه ياء المتكلم تخفيفا .(7) وذلك من حسن الادب مع الله – تعالى – عند التضرع له ودعائه والطلب منه ، ولو كان
ــــــــــــــــــــــــ
(1) النكت في اعجاز القران 70.
(2) ينظر كتاب الصناعتين 187 ، وسر الفصاحة 247 ،(1/44)
والبرهان الكاشف عن اعجاز القران 239 ، والطراز 3 / 317 ،
والفوائد المشوق الى علوم القران 71 .
(3) ينظر البرهان في علوم القران 3/ 132 وما بعدها .
(4) ينظر الاتقان 2/ 61 .
(5) ينظر المصدر نفسه 2/ 61 .
(6) البرهان في علوم القران 3/ 132 .
(7) ينظر التحرير والتنوير 13/ 238 .
(ربي )- وان صح - لما دل على حسن الادب والتذلل لله – عز وجل - .
... وقوله تعالى على لسان خليله { الذي خلقني فهو يهدين (78 ) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ(79)وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ(80)وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ / الشعراء 81 }
، فالكلمات ( يهدين ، ويسقين ، ويشفين ، ويحيين ) محذوفة الياء للتخفيف ورعاية الفواصل . (1) وهذا ايضا من حسن الخلق والادب مع الله تعالى .
... وقوله تعالى { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ / الانعام 80 } ، فكلمة ( هدان ) اصلها ( هداني ) فحذفت فيها ياء المتكلم تخفيفا .(2)
2. حذف النون : ومنه قوله تعالى في ثنائه على خليله ابراهيم ( عليه السلام ) { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ / النحل 120 } ، فكلمة ( يك ) اصلها ( يكن ) وحذفت النون فيها لكثرة الاستعمال(3) ، والذي يبدو لي ان القران الكريم استعمل ( يك ) دون ( يكن ) دلالة في الاختصار على نفي الشرك عن قلب سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) ، والله اعلم .
ب. الاختزال : وهذا النوع يشتمل على حذف المفردات والجمل في القران الكريم ، والتسمية للزركشي اذ يقول : (( الاختزال : وهو الافتعال ، من خزله : قطع وسطه ثم نقل في الاصطلاح الى حذف كلمة او اكثر ، وهي اما اسم او فعل او حرف )).(4) وقد اخذ السيوطي التسمية نفسها. (5)
فيظهر مما تقدم ان الاختزال نوع من انواع الحذف ، ينقسم المحذوف فيه
ــــــــــــــــــــــــــ
((1/45)
1) ينظر اعراب القران 2/ 492 ، والجامع لاحكام القران 13/111 ، وفتح القدير 4/ 105.
(2) ينظر البحر المحيط 4/ 174 .
(3) ينظر اعراب القران 2/ 113 .
(4) البرهان في علوم القران 3/150 .
(5) ينظر الاتقان 2/62 .
على قسمين : حذف المفردات ، وحذف الجمل .
امثلة حذف الاختزال في ايات الدعوة والبشرى والثناء
سبقت الاشارة الى ان هذا النوع من الحذف ينقسم على قسمين : حذف مفردات ، وحذف الجمل ، وساذكر ماورد في ايات الدعوة والبشرى والثناء بخصوص هذا النوع .
حذف المفردات
1. حذف الاسم
أ. حذف المبتدأ : ويحذف المبتدأ في القران الكريم كثيرا .(1) ولا يكون حذفه الا مفردا . (2) ومنه قوله تعالى { قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ / الانبياء 60 } ، فقد ذكر العلماء ان ( ابراهيم ) يجوز ان يكون مرفوعا على انه خبر ، ومبتدؤه محذوف ، والتقدير : هو ابراهيم .(3) فقد رد قوم سيدنا ابراهيم بهذه الصيغة – حذف المبتدأ – لسرعة جوابهم واهتمامهم بمن فعل التكسير بالهتهم ، فالمقام هنا ليس مقام تاني واطالة ، والله اعلم .
وقوله تعالى { فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ / الذاريات 29 } ، فقد ذهب العلماء ان جملة ( عجوز عقيم ) يجوز ان تكون خبرا لمبتدأ محذوف تقديره : انا عجوز عقيم فكيف الد ؟ .(4) وهذا رد المتعجب المتلهف لسماع جواب لسؤاله .
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الخصائص 2/ 362 ، والاشارة الى الايجاز للعز بن عبد السلام 23 .
(2) ينظر المثل السائر 2/ 110 .
(3) ينظر اعراب القران 2/ 376 ، ومشكل اعراب القران لمكي بن ابي طالب 2/ 480 ،
والبيان في غريب اعراب القران 2/162 .
(4) ينظر معاني القران واعرابه 5/ 55 ، وتفسير البيضاوي 5/ 97 .(1/46)
ب. حذف الخبر : ويحذف الخبر تفخيما ، واستغناءا بعلم المخاطب .(1) ومنه قوله تعالى { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ / البقرة 132 } ، فقد ذكر الالوسي ( ت 1270هـ) ان ( يعقوب ) مرفوع على الابتداء وخبره محذوف ، والتقدير : يعقوب كذلك . (2)
... وقوله تعالى { وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ / هود 69 } ، فقول ابراهيم ( سلام ) يجوز ان يكون مبتدا وخبره محذوف تقديره : سلام عليكم . (3)
ج. حذف المفعول : يحذف المفعول كثيرا في القران الكريم وفصيح الكلام . (4) ومنه قوله تعالى { قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ / الحجر 54 } ، قال ابن الانباري ( ت 577 هـ) في فتح نون ( تبشرون ) : (( ومن قرأ بفتح النون مخففة فانما كانت مفتوحة لانها نون الجمع قياسا على فتحها في جمع الاسم نحو ( الزيدون ... والمفعول على هذه القراءة محذوف لان ( تبشرون ) فعل متعد )) . (5)
... وقوله تعالى { فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ / الذاريات 26 } ، والتقدير : فجاء اضيافه بعجل سمين ، فحذف المفعول ( اضيافه ) . (6) وحذف المفعول – اضيافه – في الاية الكريمة دلالة على سرعته – عليه السلام – بتعجيل القرى
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر البرهان الكاشف عن اعجاز القران 241، والفوائد المشوق الى علوم القران 78.
(2) ينظر ورح المعاني 1/ 89 .
(3) ينظر اعراب القران 2/100 .
(4) ينظر الخصائص 2/ 372 .
(5) البيان في غريب اعراب القران 2/70 .
(6) ينظر اعراب القران 3/ 237 .
لاضيافه ، فناسب كل لفظ مكانه ، ولو انه ذكر المفعول في الاية لما كان تصوير الموقف بهذه الطريقة الرائعة ، طريقة سرعة تقديم الطعام .(1/47)
د. حذف المضاف : وقد ورد حذف المضاف في القران الكريم كثيرا (1) ، وذهب العلماء الى ان حذف المضاف يقصد به الايجاز (2) ، ومنه قوله تعالى في ثنائه على خليله { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ / البقرة 130 } ، فقد قدر القرافي ( ت 682 هـ) حذف مضاف والتقدير : الا من جهل شان نفسه ، فحذف المضاف ( شان ) واقيم المضاف اليه ( نفسه ) مقامه . (3) فكان الذي يرغب عن ملة ابي الانبياء ويعرض عنها اهلك نفسه كلها قالبا وروحا ، وساقها الى نار لا مخرج منها الا من رحم ربي .
... وقوله تعالى { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً / الانعام 74 } ، فقد قدر قسم من العلماء مضافا تقديره : عابد ازر . (4) فحذف المضاف واقام المضاف اليه مقامه . فكان ازر ( الصنم ) اصبح صفة لابي ابراهيم يسمى باسمه لشدة حبه له وعكوفه على عبادته .
... وقوله تعالى { وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ / الحجر / 51 } ، والتقدير : اصحاب ضيف ابراهيم .(5)
... وقوله تعالى { قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ / الانبياء61 } ، قال ابن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر البرهان في علوم القران 3/ 165 .
(2) ينظر البرهان الكاشف عن اعجاز القران 241 .
(3) ينظر الاستغناء في احكام الاستثناء 387 .
(4) ينظر الكشاف 2/30 ، وفتح القدير 2/ 133.
(5) ينظر اعراب القران 2/ 196 ، وحاشية الجمل على تفسير الجلالين 2/548 .
الانباري : (( تقديره : على رؤية اعين الناس ، فحذف المضاف واقيم المضاف اليه مقامه )) . (1)(1/48)
... وقوله تعالى { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ/ الشعراء 72 } ، على تقدير : هل يسمعون دعاءكم،فحذف المضاف واقيم المضاف اليه مقامه لدلالة( تدعون )عليه. (2) فالقارىء للاية الكريمة يلحظ دقة التعبير في اختيار الكلمات واستعمالها ، فكان سيدنا ابراهيم ، (عليه السلام ) اراد ليس فقط سماع الدعاء وانما قصد : هل تسمع الاصنام كل اقوالكم وتفعلها .
... وقوله تعالى { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ / الصافات 112 } ، والتقدير : بوجود اسحاق نبيا .(3) وكان نبي الله اسحاق ( عليه السلام ) قد خلق ووجد قبل التبشر ، وذلك ليس على الله ببعيد فهو خالق كل شيء وهو الحكيم القدير.
2. حذف الفعل
... يرد حذف الفعل كثيرا في كلام العرب والقران الكريم ، وهو امر مشهور عند العلماء . (4)
أ. ومنه قوله تعالى { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ/ البقرة 127 } ، والتقدير : اذكر اذ يرفع ابراهيم ، فحذف الفعل ( اذكر ) مع فاعله استغناء بدلالة المذكور من القصة او الحديث او دلالة المقام ، والله اعلم .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البيان في غريب اعراب القران 2/ 163 .
(2) ينظر شرح المقدمة المحسبة للبابشاذ 2/ 366 ، والبيان في غريب اعراب القران 2/ 214
(3) ينظر الكشاف 3/ 351 .
(4) ينظر الكتاب 1/ 280 ، 281 ، وادب الكاتب لابن قتيبة 1/ 143.
... وقوله تعالى { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً / الانعام 74 } ، فحذف الفعل ( اذكر ) ، والتقدير : اذكر اذ قال .(1)
... وقوله تعالى { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ / مريم 42 } ، قال ابن الانباري : (( وتقديره : واذكر اذ قال لابيه )) . (2)(1/49)
ب. وقد يحذف الفعل اذا كان قولا . ومن الجدير بالذكر ان ابن هشام نقل عن ابي علي الفارسي قوله : (( حذف القول من حديث البحر قل و لا حرج )) .( 3) ومنه قوله تعالى { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا / البقرة 127 } ، أي : يقولان ربنا تقبل منا . (4) فحذف فعل القول استغناء بذكر المقول طلبا للاختصار ولوضوح الدلالة عليه ولكثرته ايضا . وهذا هو الاعجاز الذي زين ايات الدعوة والبشرى والثناء .
... وقوله تعالى { ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنطِقُونَ / الانبياء 65 } ، والتقدير : قالوا لقد علمت . (5) فحذف فعل القول ، وكان الله – عز وجل – اراد سرعة ذكر جواب قوم ابراهيم كي يبين كيفية نصره لخليله - عليه السلام – باقامة الكفار الحجة على انفسهم من خلال جوابهم ، فتبارك الله العزيز الحكيم .
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر فتح القدير 2/133 .
(2) البيان في غريب اعراب القران 2/ 127 .
(3) مغني اللبيب 2/ 827 .
(4) ينظر معاني القران للفراء 1/ 78 ، والانصاف في مسائل الخلاف للانباري 1/ 114،
والاشباه والنظائر للسيوطي 4/ 173 .
(5) ينظر تفسير غريب القران لابن قتيبة 287 .
ج. حذف الشرط وجوابه
1. حذف الشرط : وهذا الحذف يطرد بعد الطلب(1) ، أي يكون في حالتين هما: الامر والدعاء . (2)
... اما الامر فمنه قوله تعالى { فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا / مريم 43 } ، والتقدير : فان تتبعني اهدك(3) ، و اما الدعاء فلم اقف على مثال له .
2.حذف جواب الشرط : وهو كثير الورود في القران الكريم ، ومنه قوله تعالى
{(1/50)
وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ/ العنكبوت 18 } ، قال الصاوي : (( قوله ( وان تكذبوا ) شرط حذف جوابه ، تقديره : فلا يضرني تكذيبكم وانما تضرون انفسكم ، وقوله ( فقد كذب امم من قبلكم )دليل الجواب)). (4)
... فقد ذكر سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) لقومه حال من سبقهم من الامم التي كذبت انبياءها ورسلها فانزل الله بها اشد العذاب ، ولم يذكر جواب الشرط لهم لئلا يطيل الكلام فيملوا منه ، وانما ذكر لهم عاقبة من قبلهم من الامم تلوينا باسلوب الدعوة والتحذير والتخويف من سوء العاقبة .
3. حذف الحروف : والمقصود بالحروف هي حروف المعاني ومنها :
أ. حذف همزة الاستفهام : ومنه قوله تعالى { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ(76)فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ(77)فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ / الانعام 78 } ، فقوله ( هذا ربي ) – في جميع المواضع – تقديره :
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر مغني اللبيب 2/ 847 . ... ... (2) ينظر الاشارة الى الايجاز 20.
(3) ينظر المصدر نفسه 20، ومغني اللبيب 2/847 .
(4) حاشية الصاوي 3/ 234 .
أهذا ربي (1) ، فحذف همزة الاستفهام في هذه المواضع تجعل الكفار يصدقون بان سيدنا ابراهيم ( عليه السلام) لا يعرف ربه ، فهو ينظر في نجوم السماء وكواكبها ليهتدي الى رب يعبده ، وهذا من اروع الاساليب في الدعوة ليبين صدق ما يدعو له ويبطل معتقداتهم واراءهم .
ب. حذف حرف النداء : ومنه قوله تعالى على لسان الملائكة المبشرين بالولد
{(1/51)
قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ/ هود 73 } ، فقوله ( اهل ) منصوب على حذف حرف النداء ، وتقديره : يا اهل البيت . (2)
... وقوله تعالى على لسان خليله { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ / ابراهيم 36 } ، فقوله ( رب ) منادى محذوف منه حرف النداء ، والتقدير : يارب (3) ، وهذا من حسن الادب مع الله – عزوجل – عند مناداته ، اذ لا يكون النداء عليه – تعالى – الا برقة وتلطف وهدوء وسكون ، لان الانسان ينادى ، والله تعالى يناجى .
... وقوله تعالى { قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ / الانبياء 60 } ، فارتفع ة ( ابراهيم ) على النداء ، والتقدير : يقال له يا ابراهيم (4) ، فحذفت فيه اداة النداء ، وكان الكفار ارادوا تصغير شان من كسر الهتهم وتحقيرها بقولهم هذا دون ( يا ابراهيم ) الذي يدل على التعظيم ، والله اعلم .
ج. حذف النون : ومنه قوله تعالى { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ / الانعام 80 } ، فقوله ( اتحاجوني ) حذفت فيه نون الوقاية ، وبقيت نون
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر التفسير الكبير 3/ 49 ، والبرهان في علوم القران 3/ 250 .
(2) ينظر التبيان في اعراب القران 2/ 708 .
(3) ينظر التحرير والتنوير 13/ 238 .
(4) ينظر معاني القران واعرابه 3/ 396 ، وشرح جمل الزجاجي لابن عصفور 2/ 463.
الرفع (1) ، لان اصله ( اتحاجونني ) .
د. حذف حرف الجر : ومنه قوله تعالى { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ / البقرة 130 } ، قال ابن الانباري في نصب ( سفه ) : (( على تقدير حذف حرف
الجر فاتصل الفعل بالاسم فنصبه )) .(2) فيكون التقدير : الا من سفه من نفسه ، والله اعلم .(1/52)
... وقوله تعالى { وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ / البقرة 135 } ، ذكر الشوكاني في نصب ( ملة ) انه على تقدير حذف
حرف الجر ، فيكون التقدير : بل نهتدي بملة ابراهيم ، فلما حذف حرف الجر صار منصوبا .(3)
وقوله تعالى { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ / الانعام 83 } ، ذهب كل من القرطبي ( ت 671 هـ) وابن الانباري في
احد قوليه الى ان ( درجات ) منصوبة على تقدير حذف حرف الجر ، والتقدير : ونرفع من نشاء الى درجات ، ثم حذفت ( الى ) .(4)
... وقوله تعالى في قصة البشرى { وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ / هود 69 } ، فقد ذكر قسم من العلماء ان في( ان )
اوجه منها : انها في موضع نصب على تقدير حذف حرف الجر ، والتقدير : فما لبث عن ان جاء . (5)
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر مشكل اعراب القران 1/ 258 ، ومغني اللبيب 2/ 808 .
(2) البيان في غريب اعراب القران 1/ 123 .
(3) ينظر فتح القدير 1/ 146 .
(4) ينظر الجامع لاحكام القران 7/ 31 ، والبيان في غريب اعراب القران 1/ 329 .
(5) ينظر معاني القران للفراء 2/ 21، وتنوير الاذهان للبروسي 2/187 .
... وقوله تعالى في قصة البشرى ايضا { وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ / هود 71 } ، فقد ذهب كل من الاخفش ( ت 215 هـ) ومكي
ابن ابي طالب ( ت 437 هـ) في فتح ( يعقوب ) على انه مجرور بحرف الجر المحذوف والتقدير : ومن وراء اسحاق بيعقوب ، ولكنه لا ينصرف . (1)(1/53)
وقوله تعالى { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ / الشعراء 72 } ، والتقدير : هل يسمعون لكم ، فحذف حرف الجر ( اللام) . (2)
وقوله تعالى { وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ / الشعراء 82 } ، والتقدير : والذي اطمع بان يغفر لي ، فحذف حرف الجر ( الباء ) . (3)
حذف الجملة او الجمل
... هذا النوع من الحذف له اهمية خاصة ، اذ ان حذف جملة بكاملها من الكلام والاستغناء عنها بدلالة غيرها لا يتهيأ الا لمن اوتي حظا من البلاغة والبيان ، لما يترتب على هذا اللون من الحذف من دقة التعبير ومعرفة باساليب الايجاز .
... ومن امثلة هذا الحذف في ايات الدعوة والبشرى والثناء قوله تعالى على لسان ابي ابراهيم { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْراهِيمُ / مريم 46 } ، فقد حذف سؤال نشأ من صدر الكلام ، كانه قيل : فماذا قال ابوه عندما سمع منه – عليه السلام – هذه النصائح الواجبة القبول ؟ ، فقيل : اراغب ... الخ .(4)
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر معاني القران للاخفش 2/355 ، ومشكل اعراب القران 1/ 369 .
(2) ينظر تاويل مشكل القران لابن قتيبة 177، والاشارة الى الايجاز 24.
(3) ينظر مغني اللبيب 2/ 838 .
(4) ينظر روح المعاني 16/ 98 .
... وقوله تعالى { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ / ابراهيم 36 } ،ففي هذه الاية الكريمة حذف جملة،والتقدير:ومن عصاني فلا
ادعو عليه فانك ... الخ . (1) فنبي الله ابراهيم ( عليه السلام ) جعل امر من عصاه بيد الله – عز وجل - ، ان شاء غفر له – وهذا ما اراده عليه السلام لانه ذكر من صفات الله انه ( الغفور الرحيم ) - ، وان شاء عذبه عذابا شديدا ، فهذا هو سبيل كل داعية الى الله لا يمل ولا ينتقم الا لله .(1/54)
وقوله تعالى { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ / العنكبوت24 } ، ففي هذه الاية حذف جملة ايضا تقديره : فحرقوه او فقذفوه في النار فانجاه الله . (2) وهذا الحذف لابد منه لبيان سرعة انجاء الله – عز وجل – لخليله من كيد الكفار ، وايضا لتطمين المؤمنين بان الله – عز وجل – ينصر عباده المخلصين بسرعة كبيرة قولا وفعلا ، والله اعلم .
... وقوله تعالى { قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ / الشعراء 74 } ، ففي الاية كلام محذوف استغني عنه لدلالة ما ذكر ، وتقديره : لا يسمعوننا اذا دعوناهم ، ولا ينفعوننا ولا يضرون ، ويدل على ذلك ما اجابوا به وهو ( بل وجدنا ) (3) لانه – عليه السلام – سالهم قبل ذلك ( قال هل يسمعونكم اذ تدعون (72) او ينفعونكم او يضرون / الشعراء 73 ) .
... وقوله تعالى { فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ / الصافات 91 } ، ففي الاية الكريمة حذف جملة ،تقديره:فقرب ابراهيم( عليه السلام )الى الاصنام طعاما فلم يرها تاكل ،
ــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر ورح المعاني 13/235 .
(2) ينظر معاني القران واعرابه 4/ 166،والبحر المحيط 7/ 144 ، وحاشية الصاوي 3/234
(3) ينظر جامع البيان 19/53 .
فقال : الا تاكلون (1) ، وكانه – عليه السلام – عجل تقريبه الطعام للاصنام خشية قدوم قومه من عيدهم الى بيت الالهة فيرونه مع الاصنام ، فناسب كل لفظ موقعه وفعله ، والله اعلم .
ثانيا : الاطناب
...
تحدث اهل البلاغة عن الاطناب كثيرا وذكروا له تعريفات وتعليقات وكان تعريف السكاكي من اهمها واشهرها ، فقد قال عنه : (( هو اداؤه باكثر من عباراتهم سواء كانت القلة او الكثرة راجعة الى الجمل او الى غير الجمل )) . (2)(1/55)
... وكان القزويني قد تبع السكاكي فيما ذهب اليه ونقل تعريفه وعلق عليه ثم قال : (( والاقرب ان يقال : المقبول من طرق التعبير عن المعنى هو تأدية اصل المراد بلفظ مساو له ، او ناقص عنه واف ، او زائد عليه لفائدة )) . (3)
... وتبع شراح التلخيص القزويني والسكاكي في ما ذهبا اليه .(4)
انواع الاطناب في ايات الدعوة والبشرى والثناء
... ان للاطناب في القران الكريم انواعا وتفصيلات كثيرة اهتم بها البلاغيون واشبعوها بحثا ودراسة . (5)
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر جامع البيان 23/46 . ... ... ...
(2) مفتاح العلوم 493 . ... ... ...
(3) الايضاح 1/280 – 281 .
(4) ينظر شروح التلخيص 3/ 159 ، والمطول 282.
(5) ينظر الايضاح 1/ 301 الى 321 ، والتلخيص 209 ، وشروح التلخيص 3/ 159 ،
ومعجم المصطلحات البلاغية 1/ 227 الى 241 ، فقد احصى الدكتور احمد مطلوب
جهود العلماء في ذلك ، وبلاغة الاطناب دراسة تطبيقية في القران الكريم 33 الى 34 ، رسالة ماجستير ، شكر محمود مهوس .
وساذكر من هذه الانواع ما وقفت عليه في ايات الدعوة والبشرى والثناء :
1. الايضاح بعد الابهام : والمقصود به الاتيان بالمعنى مبهما مجملا ثم يتم تفصيله وايضاحه فيما بعده من الكلام (( ويفعل ذلك لتفخيم المبهم واعظامه لانه هو الذي يطرق السمع اولا فيذهب السامع كل مذهب )) (1) ، وقد عرفه ابن ابي الاصبع المصري ( ت 654 هـ) بقوله : (( وهو ان يذكر المتكلم كلاما في ظاهره لبس ثم يوضحه في بقية كلامه )) (2) ، وهو نوع يؤتى به – كما قال القزويني- : (( ليرى المعنى في صورتين مختلفتين ، او ليتمكن في النفس فضل تمكن فان المعنى اذا القي على سبيل الاجمال والابهام تشوقت نفس السامع الى معرفته على سبيل التفصيل والايضاح فتتوجه الى ما يرد بعد ذلك فاذا القي كذلك تمكن فيها فضل تمكن وكان شعورها به اتم )) (3) ، وقد اكد العلوي ( ت 749 هـ ) هذا المعنى حينما عرض لهذا النوع من الاطناب .(4)(1/56)
... ومنه قوله تعالى { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ / البقرة 127 } ، قال الزمخشري : (( فان قلت : هلا قيل قواعد البيت واي فرق بين العبارتين ؟ قلت : ابهام القواعد وتبيينها ما ليس في اضافتها لما في الايضاح بعد الابهام من تفخيم لشان البيت )) . (5)
2. الاعتراض : وهو كما قال القزويني : (( ان يؤتى في اثناء الكلام او بين كلامين متصلين معنى بجملة او اكثر لا محل لها من الاعراب لنكتة )) (6) ، وقد اشار الزركشي الى هذا التعريف و نسبه الى قدامة بن جعفر .(7)
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجامع الكبير لابن الاثير 172 .
(2) تحرير التحبير 3/559 .
(3) الايضاح 1/ 301 .
(4) ينظر الطراز 2/ 78 .
(5) الكشاف 1/311 .
(6) التلخيص 231 . (7) ينظر البرهان في علوم القران 3/62 .
ويخرج هذا النوع من الاطناب الى اغراض مجازية كثيرة منها :
أ . زيادة التاكيد : ومنه قوله تعالى { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا /النساء 125 } ، قال الزمخشري في جملة
( واتخذ الله ابراهيم خليلا ) : (( اعتراضية لا محل لها من الاعراب كنحو ما يجيء في الشعر من قولهم : (الحوادث جمة ) ، فائدتها تاكيد وجوب اتباع ملته ))(1) ، - عليه السلام – وايضا تاكيد ثناء الله – عز وجل – عليه .(1/57)
ب. زيادة اليقين والتحدي : ويفيد الاعتراض زيادة اليقين عند المسلم وزيادة تحديه للكافر والمشرك واليهودي ولغيره من اعداء الله ، ومنه قوله تعالى في ثنائه على خليله { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ / الانعام 75 } ، فهذه الجملة - أي الاية – معترضة بين المعطوف – وهو قوله ( فلما جن عليه الليل / الانعام 76 ) – والمعطوف عليه – وهو قوله ( واذ قال ابراهيم / الانعام 74 ) (2) - ، وهذا الاعتراض انما جيء به لغرض زيادة يقين المسلمين بان خليل الله ابراهيم ( عليه السلام ) لم يعبد الاصنام منذ صغره ، وان موقف رؤيا الكواكب انما هو موقف مناظرة مع الكفار وليس موقف نظر ، والله اعلم .
3. التكرار : وهو ان ياتي المتكلم بلفظ ثم يعيده بعينه سواء اكان اللفظ متفق المعنى ام مختلفا او ياتي بمعنى ثم يعيده . (3)
... ويخرج التكرار الى اغراض مجازية كثيرة منها :
أ. تعدد المتعلق : يراد في كثير من الاحيان من التكرير اعطاء اهمية لامر معين فتتكرر الجملة مع كل نعمة تذكيرا للعباد بنعم الله - عز و جل - عليهم وطلبا للشكر عليها ، ومنه قوله تعالى على لسان ابراهيم ( عليه السلام ) في دعوته لقومه
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكشاف 1/ 566 .
(2) ينظر المصدر نفسه 2/30 ، وفتح القدير 2/ 133 ، وروح المعاني 7/ 198 .
(3) ينظر المثل السائر 2/ 358 ، والجامع الكبير 204 .
{ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ(78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ(79) ... وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ(81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ / الشعراء 82 } ، اذ انه – عليه السلام – كرر لفظة
((1/58)
الذي ) في المواضع الاربع ، والغرض من هذا التكرار تذكير العباد بنعم الله تعالى عليهم ، وهو كقوله تعالى ( فباي الاء ربكما تكذبان/ الرحمن 13 وما بعدها ) ، يقول ابو هلال العسكري ( ت 395 هـ) في الغرض من تكرار هذه الاية : (( وذلك انه عدد فيهما نعمائه واذكر عباده الاءه ، ونبههم على قدرها ، وقدرته عليها ، ولطفه فيها ، وجعلها فاصلة بين كل نعمة ليعرف موضع ما اسداه اليهم منها )) . (1)
ب. زيادة التنبيه والترغيب في قبول النصح : ومنه قوله تعالى { قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا(42)يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا(43)يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيًّا(44)يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَانِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا / مريم 45 } ، فقد كرر سيدنا ابراهيم ( عليه
السلام ) نداءه لابيه بصيغة ( ياابت ) في هذه المواضع ، والغرض من هذا التكرار زيادة النصح والاستعطاف لابيه وطلبا لايمانه وتوحيده (2) وخوفا عليه من سوء العاقبة ، فهذا الاسلوب من اروع الاساليب في الدعوة الى الله تعالى ، اخذا بقوله تعالى ( وادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة /
ج. المبالغة : ومنه قوله تعالى على لسان سيدنا ابراهيم { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(36)رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ(1/59)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب الصناعتين 200 .
(2) ينظر بلاغة الاطناب دراسة تطبيقية في القران الكريم 67.
يَشْكُرُونَ(37)رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ / ابراهيم 38 } ، اذ انه – عليه السلام – كرر نداءه في دعائه ربه للمبالغة في
التضرع واللجوء اليه – عز وجل – . (1) وهذا منهج كل مؤمن بالله اخلص له ، فان كثرة الدعاء عبادة ، والله اعلم .
التقديم والتاخير
...
تكلم العلماء المتقدمون في موضوع التقديم والتاخير واشبعوه بحثا ودراسة .(2) ولا يتسع المقام لذكر كل اقوالهم وانما استطيع تلخيص ما قالوه :
... ان الجملة العربية لا تكون تامة الا اذا استوفت ركنين اساسيين هما : المسند ، والمسند اليه ، واذا حذف احدهما فان النحاة يلجأون الى التقدير ليستقيم الكلام ، وعلى هذا فان نظام الجملة العربية وترتيب الكلام فيها يكون :
1. ان يتقدم المبتدأ على الخبر .
2. ان يتقدم الفاعل على المفاعيل والحال والظرف بنوعيه – الزماني والمكاني – والجار والمجرور .
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر تفسير البيضاوي 3/ 162 .
(2) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر مجاز القران لابي عبيدة 105 ،
ومعاني القران للفراء 1/ 219 ، والخصائص 2/ 360 ، ودلائل الاعجاز 72 ، ومفتاح العلوم 421 ، والايضاح 1/ 204 ، والبرهان في علوم القران 3/ 273.
3. ان يتقدم الفعل على الفاعل والمفاعيل والحال والظرف والجار والمجرور .
... فاذا حصل في تركيب الجملة العربية خلاف ذلك فانما يحصل لاغراض بلاغية يستنبطها اللبيب من سياق الكلام وقرائن الاحوال ، او يرجع الى مصنفات اهل البلاغة واللغة ليستدل بما ذكروا عن اسباب التقديم والتاخير على غير مقتضى الاصل .(1/60)
اولا: المسند اليه : وهو المحكوم عليه ، او المخبر عنه . (1) وقد ياتي المسند اليه في الجملة العربية في مواقع منها : ان يكون فاعلا للفعل التام وشبهه ، او يكون نائب فاعل ، او يكون مبتدأ له خبر ، او يكون اسما لـ( كان ) واخواتها ، او يكون اسما لـ( ان ) واخواتها ، او يكون المفعول الاول لـ( ظن ) واخواتها ، او يكون المفعول الثاني لـ( ارى ) واخواتها . (2)
ثانيا: المسند : وهو المحكوم به ، او المخبر به . (3) وياتي المسند في الجملة العربية في مواقع منها : الفعل التام ، واسم الفعل ، وخبر المبتدأ ، والمبتدأ الذي ليس له خبر ، وخبر ( كان ) واخواتها ، وخبر( ان ) واخواتها ، والمفعول الثاني لـ( ظن ) واخواتها ، والمفعول الثالث للافعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل ، والمصدر النائب عن فعل الامر . (4)
تقديم المسند في ايات الدعوة والبشرى والثناء
... ومنه قوله تعالى { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا/ مريم 46 } ، فـ( راغب ) خبر مقدم – وهو المسند – قدم لزيادة الانكار ، قال الزركشي : (( ولو قال : ( أأنت راغب عنها ) ما افادت زيادة الانكار
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر مفتاح العلوم 348 .
(2) ينظر التقديم والتاخير في القران الكريم لحميد العامري 57 ، 58 .
(3) ينظر مفتاح العلوم 348 .
(4) ينظر التقديم والتاخير في القران الكريم 92 ، 93 .
على ابراهيم )) .(1) ولو لم يقدم المسند في هذا الموضع لكان قد افاد ان هناك من يرغب عن الهتهم غير ابراهيم ( عليه السلام ) ولم يكن هو اولهم .
ثالثا : تقديم متعلقات الفعل : وهو المفعول وظرف الزمان والمكان والجار والمجرور والحال .
تقديم متعلقات الفعل في ايات الدعوة والبشرى والثناء(1/61)
1. تقديم المفعول به : ومنه قوله تعالى { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ / الانعام 84 } ،اذ ان الجملة فيها مفعولان مقدمان على فعلهما ، وهما
( كلا ، ونوحا ) ، فـ( كلا ) مفعول به مقدم على الفعل ( هدينا ) للقصر(2) ، وكذلك( نوحا ) . (3)
... وقوله تعالى { أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ / الصافات 86 } ، فلفظة ( الهة ) مفعول به لـ( تريدون ) قدم عليه للاختصاص والعناية (4) ، وذلك لمن ذهب الى ان ( افكا ) مفعول لاجله ، أي : اتريدون الهة لاجل الافك ، ولو لم يقدم المفعول لكان يحتمل انه – عليه السلام – انكر عليهم عبادة الاصنام فقط وليعبدوا ما يشاؤون غيرها .
2. تقديم الظرف : ومنه قوله تعالى { فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ / العنكبوت 17 } ، فقدم الظرف – عند الله – على المفعول لانه ابلغ في الحصر ، أي : فاطلبوا عند الله الرزق لا عند غيره فان غيره لا يملك شيئا (5)
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) البرهان في علوم القران 3/ 320 .
(2) ينظر فتح القدير 2/ 136 ، وروح المعاني 7/ 211 .
(3) ينظر مشكل اعراب القران 1/ 259 ، والجامع لاحكام القران 7/ 31 .
(4) ينظر الكشاف 3/ 344 ، وتفسير البيضاوي 5/7 .
(5) ينظر تفسير القران العظيم 3/ 407 ، 408 .
3. تقديم الجار والمجرور : ومنه قوله تعالى في قصة البشرى { فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ / الذاريات 28 } ، فقدم الجار والمجرور – منهم –(1/62)
على المفعول ( خيفة ) ، قال الدكتور فاضل السامرائي : (( وهذا التقديم يفيد الاختصاص والحصر ، أي ان الخوف كان منهم لا من غيرهم ، ولو قال ( فاوجس خيفة منهم ) لكان اخبر انه خاف منهم ولم يخبر انه لم يخف من غيرهم بل ربما كان ثمة خوف اخر من غيرهم ، فان التعبير الوارد في الاية جعل الضيف وحدهم سبب الخوف وقصر ذلك عليهم ، واما التعبير الاخر ( فاوجس خيفة منهم ) فلا يقصر الخوف عليهم بل ربما هناك سبب اخر معهم )) .(1)
... وقوله تعالى { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ / الممتحنة 4 } ، فتقديم الجار والمجرور ( عليك ، واليك ) في الاية الكريمة جاء لقصر التوكل والانابة والمصير على الله – عز وجل -(2) دون غيره.
ــــــــــــــــــــــــ
(1) لمسات بيانية في نصوص من التنزيل للدكتور فاضل السامرائي 66 .
(2) ينظر فتح القدير 5/ 212 .
الالتفات
الالتفات لغة : قال الخليل : (( اللفت : لي الشيء عن جهته كما تقبض على عنق انسان فتلفته ، ولفت فلانا عن رأيه : أي صرفته عنه ))(1) ، والى هذا المعنى ذهب اهل اللغة في تعريف الالتفات .(2)
الالتفات اصطلاحا : عرض المتقدمون الى هذا المصطلح البلاغي(3) فمنهم من اشار اليه دون ان يسميه ومنهم من جعل له تسمية اخرى ، فهذا ابن وهب ( ت 335 هـ) اطلق عليه اسم ( الصرف ) .(4)(1/63)
وتحدث عن هذا المصطلح الفخر الرازي فقال : (( العدول عن الغيبة الى الخطاب وبالعكس ))(5) ، ولما جاء السكاكي وضعه في علم المعاني وعرفه بقوله : (( ان هذا النوع – اعني نقل الكلام عن الحكاية الى الغيبة – لايخص المسند اليه ولا هذا القدر بل الحكاية والخطاب ، والغيبة ثلاثتها بنقل كل واحد منها الى الاخر ، ويسمى هذا النقل : التفاتا عند علماء المعاني ، والعرب يستكثرون منه ويرون الكلام اذا انتقل من اسلوب الى اسلوب ادخل في القبول عند السامع واحسن تطرية لتمثاله واملأ باستدرار اصغائه )) .(6)
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) العين مادة ( لفت ) .
(2) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر مقاييس اللغة ، واساس البلاغة مادة ( لفت ) ،
ولسان العرب مادة ( لفت ) 3/ 379 .
(3) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر معاني القران للفراء 1/ 660 ، ومجاز القران 2/139،
وادب الكاتب 232 .
(4) ينظر البرهان في وجوه البيان 152 .
(5) نهاية الايجاز 146 . ... ... ... ... (6) مفتاح العلوم 395 .
...
وقد جعله القزويني في علم المعاني ايضا وتبعه شراح التلخيص .(1)
... والعلماء الذين لم يتبعوا السكاكي بحثوا الالتفات في باب مستقل ولم يخرجوا على الاتجاه العام الذي ساد عند من سبقهم من العلماء .(2)
الالتفات في ايات الدعوة والبشرى والثناء
... تنوعت اساليب الالتفات في ايات الدعوة والبشرى والثناء فجاءت على وفق الاساليب الاتية :
1. الالتفات من الغيبة الى الخطاب : ومنه قوله تعالى في ثنائه على خليله ( عليه السلام ) { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ / الانعام 83 } ، ذكر ابو حيان ان في هذه الاية التفاتا فقال : (( ( ان ربك حكيم(1/64)
عليم ) ... يحتمل ان يكون الخطاب في ( ان ربك ) للرسول ، ويحتمل ان يكون المراد به ابراهيم فيكون من باب الالتفات والخروج من ضمير الغيبة الى ضمير الخطاب على سبيل التشريف بالخطاب )) .(3)
... وقوله تعالى حكاية عن خليله ابراهيم في دعوته لابيه { قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا / مريم 47 } ، اذ بدأت الاية باسلوب الغياب لان المقام
يقتضيه ، اذ هو خبر عن سيدنا ابراهيم (عليه السلام ) وهو يحاور اباه ويناقشه ( قال سلام عليك ) فنرى ان ( قال ) يعني هو ، فهذا اسلوب الغياب ، ثم انتقلت الاية الى اسلوب الخطاب بقوله ( سلام عليك ) وهو يخاطب اباه بالطف خطاب ، فهذا من اعجاز القران الذي اعجز به الاولين والاخرين ، فالانتقال من الغيبة الى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر التلخيص 94 ، والايضاح 1/ 157 ، والمطول 130 .
(2) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر الطراز 2/ 131 ،
والبرهان الكاشف عن اعجاز القران 313 ، والبرهان في علوم القران 3/361،
والاتقان 2/ 85 .
(3) البحر المحيط 4/176 .
الخطاب والعكس في القران الكريم يخلو من الضجر الذي يسببه أي كتاب يعيد قراءته الانسان العادي ، ثم ان هذا الانتقال من لون الى اخر في الكلام مما يزيد نشاط السامع والقارىء ويرفع عنه الثقل الذي يحسه من جراء السير على وتيرة واحدة في الكلام وليبقى الكلام طريا متجددا عذبا سهلا مستساغا خاليا من التكرار والمنهج الواحد في الصياغة والتعبير ، فتبارك الله الحكيم العليم .(1/65)
2. الالتفات من الغيبة الى التكلم : ومنهم قوله تعالى { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(127)رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(128)رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ /البقرة 129 }
في هذه الايات الكريمات التي خصت ثناء سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) على ربه – عز وجل – نلاحظ الالتفات واضحا ، اذ ان الاية الاولى بدأت باسلوب الغيبة حسب ما اقتضاه المقام ، اذ ان بداية الاية خبر عن ابراهيم ( عليه السلام ) فاقتضى ذلك ان يكون باسلوب الغياب ( واذ يرفع ابراهيم القواعد مون البيت واسماعيل ) ثم اقتضى هذا المقام ان يمزج بين اسلوب الغيبة واسلوب التكلم بعد هذه الجملة ، اذ اخبر القران عما قاله ابراهيم واسماعيل ( عليهما السلام ) ( ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم ) واستمر هذا الاسلوب – أي التكلم – ممزوجا متحركا ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم ) ، نرى ان الاية مزجت لونا من الالتفات ، فقد عرضت الكلام ضمن مجال التثنية ( ابراهيم ، واسماعيل ) ، ( واجعلنا مسلمين ) ، لكنها جاءت باللون الاخر وهو الجمع ( ومن ذريتنا امة مسلمة لك ) ، ثم خطاب المفرد ( لك ) ، ثم عادت الاية الى اسلوب الجمع ( وارنا مناسكنا وتب علينا ... الخ ) .
وعجائب القران لاتنتهي ، فنرى انه سار بهذه الطريقة ، فمن اسلوب الغياب الى الخطاب الى التكلم ، ومن المفرد الى المثنى الى الجمع مرة مفردا ومرة(1/66)
مجموعا ممزوجا بين هذه الالوان ، فتبارك الله رب العالمين .
... وقوله تعالى وهو يثني على خليله { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(120)شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(121)وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ / النحل 122 } ، لو امعنا النظر في هذه الايات
الكريمات للحظنا اسلوب الالتفات من اسلوب الغيبة الى اسلوب التكلم ولا سيما الاية الاخيرة ، اذ بدأت الاية الاولى بالاخبار عن سيدنا ابراهيم وعن مكانته العالية بصيغة الغيبة ( ان ابراهيم كان امة ... ولم يك من المشركين ) ، وايضا الخبر في الاية الثانية جاء بصيغة الغيبة ( شاكرا لانعمه اجتباه وهداه ) ، ثم اقتضى المقام بالانتقال من الغيبة الى التكلم في الاية الثالثة في قوله ( واتيناه ) ، قال صاحب التحرير والتنوير : (( ضمير ( اتينا ) التفات من الغيبة الى التكلم تفننا في الاسلوب لتوالي ثلاثة ضمائر غيبة ))(1) ، والضمائر هي في ( لانعمه ، واجتباه ، وهداه ) فانتقل من صيغة الغيبة بذكر الله – عز وجل – الى صيغة التكلم ، فتبارك الله العلي الكبير .
3. الالتفات من الجملة الفعلية الى الجملة الاسمية : ومنه قوله تعالى في قصة البشرى { إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ / الذاريات 25 } ، فلو امعنا النظر في الاية الكريمة لرأينا الالتفات الواضح في الجملة وهو الالتفات من نصب ( سلاما ) الاولى الى الرفع في الثانية ، قال الزمخشري : (( واما ( سلام ) فمعدول به الى الرفع على الابتداء ... ومعناه : سلام للدلالة على ثبات السلام )).(2) فالغرض اذن من الالتفات في الجملة هو الثبات والدوام على الشيء ، لان الجملة الاسمية تدل على الثبات والدوام ، وقد جاء في شرح ابن يعيش ( ت 643 هـ) :(1/67)
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) التحرير والتنوير 14/ 317 .
(2) الكشاف 4/17 .
(( الفرق بين النصب والرفع انك اذا رفعتها فكانك ابتدأت شيئا قد ثبت عندك واستقر ، وفيها ذلك المعنى ... واذا نصب كنت ترجاه في حال حديثك وتعمل في اثباته )).(1)
... وقوله تعالى في قصة البشرى ايضا { فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ / الذاريات 29 } ، فالنظار الى الاية الكريمة يلحظ فيها الالتفات
واضحا ، اذ انتقل الكلام من الجملة الفعلية ( فاقبلت ... فصكت وجهها ... وقالت ) الى الجملة الاسمية ( عجوز عقيم ) ، فقد اول العلماء رفع الجملة – عجوز عقيم – على ان تكون خبرا لمبتدأ محذوف تقديره : انا عجوز عقيم . (2) فعدل بالجملة من الفعلية الى الاسمية للدلالة على الثبات والدوام .
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح المفضل 1/ 122 .
(2) ينظر معاني القران واعرابه 5/ 55 ، ومشكل اعراب القران 2/ 689 ،
وتفسير البيضاوي 5/97 ، وروح المعاني 27 /13 .
المبحث الثاني
علم البيان
التشبيه
...
اهتم العلماء المتقدمون بالتشبيه كثيرا وبحثوا فيه وتكلموا عليه بما لا يتسع المجال لذكره هنا ولكن نشير الى بعض ما قالوا فيه ، فقد ذهب الرماني الى ان التشبيه ما كان بين شيئين سد احدهما الاخر . (1)
... ويرى ابو هلال العسكري ان التشبيه ما كان بين وصفين ينوب احدهما عن الاخر(2) ، اما السكاكي فقد قال : (( ان التشبيه مستدع طرفين مشبها ومشبها به واشتركا بينهما من وجه وافترقا من اخر )) (3) ، وقال القزويني : (( التشبيه : الدلالة على مشاركة امر لاخر في معنى )) .(4)
... ولم تخرج تعريفات البلاغيين المتاخريين عن هذا المعنى الذي جرى عند المتقدمين من اهل البلاغة . (5)
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر النكت في اعجاز القران 74 .
(2) كتاب الصناعتين 239 .
(3) مفتاح العلوم 558 .
(4) الايضاح 2/ 328 .
((1/68)
5) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر الطراز 1/ 263 ، والبرهان في علوم القران3/ 472.
اركان التشبيه
... ذكر العلماء ان للتشبيه اركانا اربعة هي :(1) المشبه ، والمشبه به ، ويسميان طرفا التشبيه ، ووجه الشبه ، واداة التشبيه .
... واداة التشبيه ثلاثة انواع : (2)
1. اسماء : وهي ( مثل ، وشبه ، وشبيه ، ومثل ) ، وغيرها .
2. افعال : وهي ( حسب ، خال ، ظن ، يشبه ، يشابه ) ، وغيرها .
3. حروف : وهي ( الكاف ، وكأن ) .
التشبيه في ايات الدعوة والبشرى والثناء
... وقد ورد في ايات الدعوة والبشرى والثناء في قصة سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) من التشبيه قوله تعالى { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ/ ابراهيم 36 } ، فجملة ( فمن تبعني فانه مني ) فيها تشبيه ان جعلت ( من ) تبعيضية ، أي : فانه كبعضي في عدم الانفكاك . (3)
... وقوله تعالى في ثنائه على خليله { وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ(104)قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ / الصافات 105 } ، فجملة ( انا كذلك نجزي المحسنين )
تشبيه أي : كالذي جازينا به ابراهيم ( عليه السلام ) نجزي الذين احسنوا في طاعتنا وعملوا في رضانا بالخلاص من الشدائد في الدنيا والاخرة(4) ، فهو تشبيه مفصل مرسل ، فـ( نجزي ) مشبه ، والكاف اداة ، و ( ذلك – أي الجزاء المشار اليه - ) مشبه به ، ووجه الشبه انجاء المؤمنين المصدقين بايات الله من الشدائد في الدنيا والاخرة ، فهو من اجمل التشبيهات التي حوت كل جوانب المعنى وفصلته ايما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر مفتاح العلوم 558 ، والايضاح 2/335 ، والاتقان 2/ 42 .
(2) ينظر البرهان في علوم القران 3/ 473 ، 474 .
(3) ينظر روح المعاني 13/ 235 .
(4) ينظر جامع البيان 23/ 51 ، والجامع لاحكام القران 15 / 106 ،(1/69)
وتفسير القران العظيم 4/16 .
تفصيل ، وبيان احسن وبينه بعبارة وجيزة بليغة جاءت في غاية البيان وحسن السبك وجودة المعنى ، وهو – كما اسلفت – من التشبيهات الرائعة التي اريد بها بيان حسن او عظمة الجزاء الذي يجازى به المحسنون ، وانه مماثل للجزاء الذي جوزي به سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) .
المجاز
... المجاز لغة : قال الخليل : (( جزت الطريق جوازا ومجازا ... وجاوزته جوازا : في معنى جزته ، والمجاز المصدر والموضع )) (1) ، والى هذا المعنى ذهب اهل اللغة في تعريفهم المجاز . (2)
... المجاز اصطلاحا : قال عبد القاهرالجرجاني في تعريفه للمجاز : (( واما المجاز فكل كلمة اريد بها غير ما وقعت له في وضع واضعها لملاحظة بين الثاني والاول فهي مجاز )).(3)
... وقال السكاكي : (( المجاز هو الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له بالتحقيق استعمالا في الغير بالنسبة الى نوع حقيقتها مع قرينة مانعة من ارادة معناها في ذلك النوع )) .(4)
ولم تخرج تعريفات العلماء اللاحقين عن التعريفات التي اوردناها انفا .(5)
اقسام المجاز
... تحدث العلماء عن اقسام المجاز وتناولوه بحثا ودراسة وقسموه على قسمين رئيسيين هما : (6)
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) العين مادة ( جوز ) .
(2) ينظر مقاييس اللغة ، واساس البلاغة مادة ( جوز ) ، ولسان العرب مادة ( جوز ) 1/531
(3) اسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني 325 .
(4) مفتاح العلوم 586 .
(5) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر البرهان الكاشف عن اعجاز القران 99 ،
والاشارة الى الايجاز 28 ، والتلخيص 292 ، والايضاح 2/ 392 ، والاتقان 2/ 36.
(6) ينظر اسرار البلاغة 376 ، ومفتاح العلوم 586 ، والايضاح 2/ 395 ، والاتقان 2/36.
اولا : المجاز اللغوي .
ثانيا : المجاز العقلي .
اولا : المجاز اللغوي : وينقسم على قسمين : (1)
1. ما كانت العلاقة فيه بين المنقول منه والمنقول اليه المشابهة ، فهو الاستعارة .(1/70)
2. ما كانت العلاقة بين المنقول منه والمنقول اليه نوع صلة او ملابسة ، فهو المجاز المرسل .
1. الاستعارة
...
قال الجرجاني : (( الاستعارة : ان تريد تشبيه الشيء بالشيء فتدع ان تفصح بالتشبيه وتظهره وتجيء باسم المشبه به فتعيره المشبه وتجريه عليه )) .(2)
... ولم تخرج تعريفات العلماء للاستعارة عن تعريف الجرجاني . (3)
... وتنقسم الاستعارة باعتبار وجود المشبه به او عدمه على : (4)
أ. استعارة تصريحية ( مصرحة ) : وهي ان يكون الطرف المذكور من طرفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر اسرار البلاغة 376 .
(2) دلائل الاعجاز 45 .
(3) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر نهاية الايجاز 115 ، ومفتاح العلوم 600 ،
والمثل السائر 2/ 365 ، والبرهان الكاشف عن اعجاز القران 110 ،
والبرهان في علوم القران 3/ 489 ، والاتقان 2/ 43 .
(4) ينظر مفتاح العلوم 604 .
التشبيه هو المشبه به . (1)
ب. استعارة مكنية : ان يكون الطرف المذكور هو المشبه . (2)
... وتنقسم الاستعارة باعتبار اللفظ المستعار على : (3)
1. استعارة اصلية : وهي الاستعارة التي تجري في اسماء الاجناس ، كرجل واسد.(4)
2. استعارة تبعية : وهي الاستعارة التي تجري في المشتقات ، كالافعال والصفات المشتقة منها الحروف .(5)
الاستعارة في ايات الدعوة والبشرى والثناء
ورد في ايات الدعوة والبشرى والثناء من الاستعارة قوله تعالى في ثنائه على خليله { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ/ النحل 123 }
، والاتباع : اقتفاء السير على سير اخر ، وهو هنا مستعار للعمل بمثل عمل الاخر(6) ، فشبه اقتفاء السير بالاتباع واشتق من الاتباع ( اتبع ) على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية .(1/71)
وقوله تعالى { وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ(83)إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ / الصافات 84 } الكلام استعارة تصريحية تبعية اذ شبه توجه ابراهيم( عليه السلام )بقلبه مخلصا لربه بالمجيء(7)،واشتق من المجيء(جاء)بمعنى(توجه)،فالمشبه به موجود وهو(المجيء)
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر مفتاح العلوم 604 .
(2) ينظر المصدر نفسه 604 .
(3) ينظ المصدر نفسه604، والبرهان الكاشف عن اعجاز القران 112 ، والايضاح 2/429 .
(4) ينظر مفتاح العلوم 610 ، والبرهان الكاشف عن اعجاز القران 112 ، والايضاح 2/429.
(5) ينظر مفتاح العلوم 610 – 611 ، والايضاح 2/ 429 .
(6) ينظر التحرير والتنوير 14/ 318 .
(7) ينظر حاشية الصاوي 3/340 .
وكون الاستعارة جرت في الفعل فهي استعارة تصريحية تبعية .
2. المجاز المرسل
... تكلم عبد القاهر الجرجاني على هذا النوع البلاغي ،وكانت نظرته قد انمازت بالوضوح والدقة ، واشار الى ان هذا النوع من اساليب الكلام مجاز فضلا عن ذلك ان التجوز به من خلال اللغة لا من خلال العقل ، واوضح انه مجاز في المفرد ، وقد عنى بقوله هذا انه يكون في المثبت لا في الاثبات ، اما نقل اللفظ فيه فيكون من موضعه الاول الى الثاني لاجل ملابسة او نوع صلة لا للمشابهة . ويفهم من قوله انه فصل هذا المجاز عن الاستعارة ، ولم يطلق عليه هذه التسمية . (1)
علاقات المجاز المرسل في ايات الدعوة والبشرى والثناء
... للمجاز المرسل علاقات تحدث عنها العلماء وفصلوا فيها القول(2) ، ولا يتسع المقام لعرض تلك العلاقات ، وانما ساعرض العلاقات التي وردت في ايات الدعوة والبشرى والثناء :
1. اطلاق لفظ الجمع على المفرد : ومنه قوله تعالى { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا / النساء 54 } ،(1/72)
فلفظ ( الناس ) يعني به النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، (( وانما جاز ان يقع عليه لفظ الجمع وهو واحد لانه اجتمع عنده من خصال الخير ما لايحصل الا متفرقا في الجمع العظيم )) .(3)
وقوله تعالى { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ / النحل 120 }
، فلفظ ( الامة ) يعني انه – عليه السلام – كان وحده امة من الامم لكماله في جميع
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر اسرار البلاغة 344 . (2) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر الايضاح 2/ 399
الى 403 ، والبرهان الكاشف عن اعجاز القران 102 الى 104 ، والاتقان 2/ 36، 37
، واساليب المجاز في القران الكريم 270 وما بعدها .
(3) التفسير الكبير 10/ 139 .
صفات الخير . (1)
... وقوله تعالى { قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ / الانبياء 60 } ، فقد ذكر
القرطبي ان لفظ ( قالوا ) يحتمل ان يعود على واحد من قوم ابراهيم (2) ، وتابعه الشوكاني (3) ، فاطلق لفظ الجمع على المفرد تجوزا .
... وقوله تعالى { قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ / الانبياء 68 } ،
فلفظ ( قالوا ) يرجع الى واحد من قومه – عليه السلام - ، قال البيضاوي : (( القائل فيهم رجل من اكراد فارس اسمه هيون ))(4) ، وقال الصاوي : (( القائل ذلك النمروذ بن كنعان بن سنحاريب )) .(5)
... وسواء كان القائل النمروذ ام رجل من اكراد فارس ، فوجه التجوز كائن باطلاق لفظ الجمع على المفرد ، وهو مجاز لغوي مفرد مرسل كما هو عند اهل البلاغة ، والتعبير به ابلغ لانه وان كان القائل واحد لكن الجميع او الاكثرية كانوا موافقين على تحريق سيدنا ابراهيم ، فجاء تركيب القران بهذا الاسلوب للاشارة الى ذلك ، والله اعلم .(1/73)
... ومثله قوله تعالى { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ / العنكبوت 24 } ، فلفظ ( قالوا ) يعود على احدهم ايضا .
2. اطلاق لفظ المفرد على الجمع : ومنه قوله تعالى على لسان سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ / الشعراء 77 } ،فقد جاء لفظ
( العدو ) في الاية الكريمة بصيغة مفرد مرادا به الجمع (6) – مجازا – لغرض الايجاز والاختصار ، اذ انه اكد وابلغ واخف .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الكشاف 2/ 434 ، والتفسير الكبير 20/ 134 ، وتنوير الاذهان 3/325.
(2) ينظر الجامع لاحكام القران 11/ 98 . ... ... (3) ينظر فتح القدير 3/914 .
(4) تفسير البيضاوي 4/ 43 . (5) حاشية الصاوي 3/81 .
(6) ينظر اعراب القران 2/ 492 ، والمسائل المشكلة (البغداديات ) لابي علي النحوي 422.
... وقوله تعالى { وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ / الشعراء 82 } ، فقد ورد لفظ ( الخطيئة )في الاية الكريمة بصيغة المفرد مرادا به الجمع بمعنى(خطاياي ).(1)
وقوله تعالى { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ / الحديد 26 }
، فـ( الكتاب ) يعني كتب التي انزلت على الانبياء ، وهي التوراة والانجيل والزبور والفرقان ، وسائر الكتب المعروفة (2) ، وقد استعمل اللفظ المفرد لكونه اكد وابلغ في تخصيص كل نبي منهم .
3. السببية : وهو ان يذكر السبب ويراد المسبب ، وهذا النوع يتفرع الى اللوان اخرى في التعبير عن المسبب بذكر السبب منها :
أ. التعبير باليد عن القدرة والتصرف : ومنه قوله تعالى في ثنائه على خليله
{(1/74)
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ / ص 45 } ، ويعني اولي القوة على عبادة الله وطاعته (3) ، والبصائر في الدين .(4) وهو من اجمل التعابير في تادية المعنى ، اذ عبر باليد عن القوة في الطاعة وشدة التذلل لله تعالى .
ب. التعبير بلفظ الاب عن الجد : ومنه قوله تعالى على لسان ابراهيم في دعوته لقومه { قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ(75)أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْأَقْدَمُونَ / الشعراء 76 } ، فمعنى ( اباؤكم ) مجاز يراد اجدادكم ، وتؤكد هذا المعنى القرينة وهي ( الاقدمون ) ، لان معنى الاقدمين هم الاولون الذين كان - عليه السلام- يدعوهم قبل قومه هؤلاء .(5)
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر اعراب القران 2/ 492 .
(2) ينظر جامع البيان 27 /137 ، وتفسير الجلالين للسيوطي 768 .
(3) ينظر معاني القران للفراء 2/ 406 ، وجامع البيان 23 / 109 .
(4) ينظر تفسير الجلالين 603 . ... ... ... (5) ينظر جامع البيان 19/ 53 .
وقد يراد بفلظ (الاباء ) الحقيقة والمجاز معا ، ومنه قوله تعالى على لسان خليله في دعوته لقومه { قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ / الانبياء 54 } ، ففي الاية الكريمة اريد بلفظ ( الاباء) الحقيقة والمجاز معا في موضع واحد ، أي الاباء الحقيقيين والاجداد . (1)
... وقد يراد بلفظ ( الاباء ) الحقيقة فقط ، ومنه قوله تعالى على لسان قوم سيدنا ابراهيم { قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ / الانبياء 53 } ، { قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ / الشعراء 74 } ، فقد حمل لفظ ( الاباء ) في هاتين الايتين على الحقيقة دون
المجاز ، أي الاباء الحقيقيين ، ويؤكد هذا المعنى قوله ( وجدنا ) ، والله اعلم .(1/75)
4. تسمية الشيء باسم ما يؤول اليه : ومنه قوله تعالى على لسان الملائكة في قصة البشرى { قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ / الحجر 53 } ، ومعنى ( بغلام عليم ) أي : انه يصير عليما اذا بلغ (2) ، والتعبير بهذا الطريق – المجاز المرسل – من ابلغ الاساليب لتنزيل الموصوف منزلة من يكون له علم في المستقبل ، ولتحصل البشارة والسرور به من الان – يعني من ساعة البشرى – لان غاية ما يحرص عليه الانبياء هو انجاح الدعوة وايصالها الى الناس وتسليم مهمة الدعوة من بعدهم الى من هو كفء لها .
... ومثله قوله تعالى { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ / الصافات 101 } ، فمعنى ( الحليم ) أي يكون حليما في كبره(3) اما في طفولته وصغره فان الانسان لا يوصف بذلك.(4)
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر اساليب المجاز في القران الكريم 326 .
(2) ينظر التفسير الكبير 19/ 196 ، وتفسير البيضاوي 3/ 171 .
(3) ينظر معاني القران للفراء 2/ 389 ، واعراب القران 2/ 760 .
(4) ينظر جامع البيان 23/ 48 ، والجامع لاحكام القران 15/98.
... وقوله تعالى { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ / الصافات 112 } ، والمعنى:بشرناه بولد يولد له ويصير نبيا بعد ان يبلغ السن التي يتاهل فيها لذلك .(1)
... وقوله تعالى { فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ / الذاريات 28 } ، والمعنى : انه يكون عليما اذا بلغ وكبر . (2)
ومن الواضح ان النصوص المتقدمة خصت البشرى التي بشر بها سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) بالولد ، وذلك لتاكيد هذه البشرى في نفسه وتوثيقها ، والله اعلم .(1/76)
5. تذكير المؤنث : وهذا النوع من المجاز وارد في القران الكريم او اصله ان يعبر بلفظ المؤنث عن المؤنث او يشار اليه او يخبر عنه ، لكن الوارد في ايات الذكر الحكيم انه قد اخبر عن المؤنث بلفظ المذكر ، او اشير بلفظ المذكر الى المؤنث حملا لمعناه على معنى اخر ، وهذا وجه التجوز فيه .
... ومنه قوله تعالى { فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ / الانعام 78 ... } ،
فالشمس مؤنثة ، لكنه اشار اليها بلفظ المذكر- هذا ربي - مجازا ، ووجه التجوز بينه العلماء بقولهم : انه – عليه السلام – قال كذلك على تقدير : هذا الطالع ربي ، او هذا المرئي ، او هذا الشاخص . (3)
6. التغليب : لعل اشهر تعريف لهذا النوع من المجاز ما ذكره الزركشي ، اذ قال : (( وحقيقته اعطاء الشيء حكم غيره . وقيل : ترجيح احد المغلوبين على الاخر ، او اطلاق لفظه عليهما ، اجراء للمختلفين مجرى المتفقين )) .(4)
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر فتح القدير 4/ 405 .
(2) ينظر معاني القران للفراء 3/86 ، ومعاني القران واعرابه 5/55 .
(3) ينظر معاني القران للاخفش 2/ 280 ، والبرهان في علوم القران 3/ 412 ،
والاشباه و النظائر 1/ 158 .
(4) البرهان في علوم القران 3/ 348 .
... وقد ورد في ايات الدعوة والبشرى والثناء نوعين من التغليب هما :
أ. تغليب الموجود على مالم يوجد : ومنه قوله تعالى في ثنائه على خليله ( عليه السلام ) { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا / مريم 41 } ، فقد ذكر – عز وجل – لفظ ( الكتاب ) – تجوزا – تغليبا للموجود على ما لم يوجد ، او تغليبا للنازل من الايات على ما لم ينزل ، لان ما لم ينزل بعد من الايات كان مترقبا ، فجعل كانه نزل كله وانتهى نزوله (1) ، فان القران الكريم في تلك الفترة لم يكن منزلا كله لذلك لا يمكن ان يقال للشيء غير الكامل كاملا ، وانما جاء هنا بهذه الصيغة تجوزا .(1/77)
ب. تغليب ما وقع بوجه مخصوص على ما وقع بغير هذا الوجه : من المعلوم ان افعال الانسان التي يجازى عليها – ثوابا او عقابا – اما ان يباشرها بيده او بلسانه او بفمه او برجله او غيرها ، واما ان تكون غير مباشرة ، يعني بامره وهذه مجمل الالات التي بها يفعل الانسان ما يريد (2)، فاذا عبر عن فعل بغير الالة المختصة به فهذا يعد من التغليب عند العلماء(3) ، كذكر الايدي في القران الكريم مثل قوله تعالى ( ذلك بما قدمت ايدكم / ال عمران 182 ) ، قال الزركشي : (( ذكر الايدي لان اكثر الاعمال يزاول بها ، فحصل الجمع بالواقع بالايدي تغليبا )) .(4)
... وفي ذلك قوله تعالى في ثنائه على خليله وعلى انبيائه ( عليهم السلام ) :
{ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ /ص 45 } ، فقد عبر – عز وجل – بالايدي للتغليب ، اذ ان الايدي هنا ليست هي الوحيدة التي اتصف بها انبياء
الله ، وانما هو من باب تغليب الايدي على بقية اعضاء الجسم – لان اكثر الاعمال
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر اساليب المجاز في القران الكريم 492 .
(2) ينظر المصدر نفسه 493 .
(3) ينظر البرهان في علوم القران 3/ 358 . ... ... (4) المصدر نفسه 3 /358 .
انما يؤدى بالايدي – لغرض الاختصار والايجاز ، والله اعلم .
7. التضمين : ومعناه ان العرب ((قد يشربون لفظا معنى لفظ فيعطونه حكمه)). (1) او هو اعطاء الشيء معنى الشيء(2) ، ويكون هذا التضمين في الاسماء والافعال والحروف(3) ، او في الاسماء والافعال فقط .(4)
... وهذا النوع من المجاز ينطوي على فوائد كثيرة واشارات لطيفة ، وهو اسلوب من اساليب الاختصار في الكتاب العزيز(5) ، لان تضمين الاسم معنى اسم اخر هو افادة لمعنى الاسمين بلفظ واحد .
... وقد ورد في ايات الدعوة والبشرى والثناء من التضمين ما ياتي :(1/78)
أ. التضمين في الاسماء : ومنه قوله تعالى { إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ / ال عمران 68 } ، اذ ضمن ( اولى ) معنى الاتصال فعدي بـ( الباء) ، والتقدير : ان اخص الناس بابراهيم واقربهم منه ... الخ .(6)
وقوله تعالى { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ / الانبياء 52 } ،
اذ ضمن ( العكوف ) معنى ( العبادة ) ، فعدي بـ( اللام ) لانه لايقال : عكف لها ، لكن لما كان بمعنى العبادة ساغ ذلك (7) ، وهذه هي النكتة في المجاز مع الاختصار لافادته معنى الاسمين .
ب. التضمين في الافعال : ومنه قوله تعالى { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مغني اللبيب 2/ 897 .
(2) ينظر البرهان في علوم القران 3/ 388 .
(3) ينظر المصدر نفسه 3/ 388 .
(4) ينظر المصدر نفسه 3/ 388 .
(5) ينظر الايجاز في القران الكريم ، رسالة ماجستير ، احمد حمد محسن الجبوري 99 .
(6) ينظر التحرير والتنوير 3/ 276 .
(7) ينظر الجامع لاحكام القران 11 / 296 ، وفتح القدير 3/ 411 .
نَفْسَهُ / البقرة 130 } ، فقد ضمن ( سفه ) معنى ( جهل ) لافادة المعنيين(1) ، ولهذا عدي الفعل ( سفه ) الى المفعول تعدية الفعل ( جهل ).(2)
... وقد ذكر ابن هشام ان الفعل ( سفه ) تضمن معنى خاف ، و امتهن ، واهلك.(3)
... وقوله تعالى { قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنْ الظَّالِمِينَ(59)قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ / الانبياء 60 } ، فقد ضمن الفعل ( يقال ) معنى ( ينادي ) لافادة المعنيين .(4)(1/79)
... وقوله تعالى { فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ / الذاريات 29 } ، فقد ضمن الفعل ( اقبلت ) معنى ( اخذت ) ، فعدي بـ( في )(5)
، لانه لا يقال : اقبل في ، لكن لما كان بمعنى الاخذ ساغ ذلك لافادة المعنيين باخصر الطرق والطفها .
ثانيا : المجاز العقلي
... يعد عبد القاهر الجرجاني اول من حدد هذا اللون البلاغي بتسميته ، فقد سماه مجازا عقليا ، ومجازا حكميا ، ومجازا في الاثبات ، واسنادا مجازيا(6) ، وفي حده قال : (( وحده ان كل جملة اخرجت الحكم المفاد بها عن موضعه من العقل لضرب من التاول فهي مجاز )) .(7)
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الاشارة الى الايجاز 76 .
(2) ينظر لسان العرب مادة ( سفه ) 2/ 160 .
(3) ينظر مغني اللبيب 2/ 680 . ... (4) ينظر البرهان في علوم القران 3/ 393 .
(5) ينظر معاني القران للفراء 3/ 83 ، والكشاف 4/ 18 ، وتفسير البيضاوي 5/79.
(6) ينظر اساليب المجاز في القران الكريم 147 ، وما بعدها ، ويقارن دلائل الاعجاز 193
، واسرار البلاغة 344 .
(7) اسرار البلاغة 356 .
... وقد تابع السكاكي الجرجاني في تعريفه وتسميته للمجاز العقلي(1) ، اما القزويني فقد عد المجاز العقلي مجازا في الاسناد لكن اخرجه من علم البيان وادخله في علم المعاني . (2)
علاقات المجاز العقلي
... للمجاز العقلي علاقات كثيرة ذكرها ابن عبد السلام ( ت 660 هـ) ، والقزويني وهي : (3) الفاعلية ، والمفعولية ، والزمانية ، والمكانية ، والسببية ، والمصدرية .
علاقات المجاز العقلي في ايات الدعوة والبشرى والثناء
... عند استقصائي لايات الدعوة والبشرى والثناء في قصة سيدنا ابراهيم لم اقف لعلاقات المجاز العقلي الا على علاقة واحدة وهي :(1/80)
السببية : وهي ما بني للفاعل واسند الى السبب ، ومنه قوله تعالى على لسان خليله { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ / ابراهيم 36 } ، فقد اسند الاضلال الى الاصنام ، أي : انهم ضلوا بسببها ، لان الاصنام جمادات لا تعقل ولا تفعل شيئا(4) ، فهي – الاصنام – سببب في الضلال ، فهو مجاز عقلي علاقته السببية .
... وقوله تعالى { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ/ الزخرف 28 } ، فقد اسند الفعل ( جعل ) الى ابراهيم ( عليه السلام ) لتسببه الى فعلها بايصائه بها(5) ، والحقيقة ان جعل كلمة التوحيد وابقاءها في ابنائه امر يعود الى الله – عز وجل –
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر مفتاح العلوم 627 .
(2) ينظر الايضاح 1/ 97 .
(3) ينظر الاشارة الى الايجاز 59 الى 64 ، والايضاح 1/98 .
(4) ينظر معاني القران واعرابه 3/ 164، والتفسير الكبير 19 / 133 ، وفتح القدير 3/112.
(5) ينظر الكشاف 3/ 484 ، والاشارة الى الايجاز 61 .
لكن اسند الفعل الى غير ما هو له على الحقيقة لغرض الايجاز والاختصار ، وكونه ابلغ وافخم ، والله اعلم .
الكناية
... الكناية لغة : عرف العلماء من اهل اللغة الكناية ، فقد عرفها الخليل بقوله : (( كنى فلان يكني عن كذا ، وعن اسم كذا اذا تكلم بغيره مما يستدل به عليه ، نحو الجماع ، و الغائط ، والرفث ونحوه )) (1) ، ولم تخرج تعريفات العلماء اللاحقين للخليل عما ذهب اليه .(2)
... الكناية اصطلاحا : تكلم العلماء على الكناية كثيرا ومثلوا لها ، فقد قال السكاكي في تعريفها : (( هي ترك التصريح بذكر الشيء الى ذكر ماهو ملزومه لينتقل من المذكور الى المتروك ))(3) ، ولم تخرج تعريفات اهل البلاغة اللاحقين للسكاكي وتقسيماتهم عما ذهب اليه .(4)
اقسام الكناية
... للكناية اقسام ثلاثة اشار اليها العلماء وتكلموا فيها وهي : (5)(1/81)
1.الكناية المطلوب بها نفس الموصوف،وهي ما تسمى بـ(الكناية عن موصوف ).
2.الكناية المطلوب بها نفس الصفة ، وهي ما تسمى بـ(الكناية عن صفة ) .
3. الكناية المطلوب بها تخصيص الصفة بالموصوف ، وهي ما تسمى بـ( الكناية عن نسبة ) .
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) العين مادة ( كني ) .
(2) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر مقاييس اللغة ، واساس البلاغة مادة ( كني ) ،
ولسان العرب مادة (كني) 3/ 306 .
(3) مفتاح العلوم 637 .
(4) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر المثل السائر 2/194 ، والجامع الكبير 156 ،
والايضاح 2/ 456 ، والطراز 1/ 373، والبرهان في علوم القران 2/ 313 ،
والاتقان 2/ 47 .
(5) ينظر مفتاح العلوم 638 ، والايضاح 2/ 457 .
انواع الكناية في ايات الدعوة والبشرى والثناء
... عند استقصائي لهذه الايات وقفت على نوعين للكناية ، وهما :
1. الكناية عن موصوف : ومنه قوله تعالى في قصة البشرى { وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ / هود 71 } ، فقوله ( فضحكت )
كناية عن الحيض ، من قولهم : ضحكت الارنب اذا حاضت(1) ، وهي من اجمل الكنايات في التعبير عن المعنى الذي يستحى منه بلفظ اجمل واوقر .
2. الكناية عن صفة : ومنه قوله تعالى في قصة البشرى ايضا { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ / هود 70 } ، فقوله
(لا تصل اليه ) يريد : ان ايدي الملائكة لا تصل الى الطعام .(2) او انه – عليه السلام – رآهم لا ياكلون(3) ، فهي كناية عن عدم الاكل .(4)
... وقوله تعالى في ثنائه على خليله { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ / هود 75 } ، فمعنى ( الاواه ) كثير التاوه ، والتوجع على الناس ، فهو كناية عن شدة اهتمامه بهموم الناس .(5)(1/82)
... وقوله تعالى { ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنطِقُونَ / الانبياء65 } ، قال الزجاج في معناها : أي : انهم ادركتهم حيرة ))(6) ، فهي كناية عن الحيرة ،
ــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر تفسير غريب القران 205 ، والتبيان في اعراب القران 2/ 706 ،
والفوائد المشوق الى علوم القران 127 ، والدر المنثور 4/451.
(2) ينظر معاني القران للفراء 2/21 .
(3) ينظر تفسير غريب القران 205 .
(4) ينظر روح المعاني 12/94 .
(5) ينظر تفسير البيضاوي 3/ 115 ، والتحريروالتنوير 12/123 .
(6) معاني القران واعرابه 3/ 397 .
وقال الزمخشري : (( أي : استقاموا حين رجعوا الى انفسهم وجاءوا بالفكرة الصالحة ثم انتكسوا وانقلبوا عن تلك الحالة فاخذوا في المجادلة بالباطل والمكابرة ))(1) ، فهو كناية عن الرجوع عن الحق الى الباطل .
التعريض
... التعريض لغة : قال ابن منظور : (( التعريض : خلاف التصريح . والمعاريض التوريا بالشيء عن الشيء ... والتعريض في خطبة المرأة في عدتها : ان يتكلم بكلام يشبه خطبتها ولا يصرح به ، وهو ان يقول لها : انك جميلة )).(2)
... التعريض اصطلاحا: يعد التعريض اسلوبا من اساليب العربية العريقة ، وقد استعمل هذا اللون البلاغي الكثير من الشعراء ، وذكره المتقدمون واشاروا اليه ، مثلما ذكره المتاخرون .
... فقد ذكر الفراء هذا الفن دون ان يطلق عليه تسمية ، وانما كان يقول عنه : (( وهذا من معاريض الكلام ))(3) ، وذكره ابن قتيبة ، اذ عقد له وللكناية بابا .(4) وذكره السكاكي عند تقسيمه للكناية قائلا : (( ان الكناية تتنوع الى تعريض وتلويح ورمز وايماء واشارة ))(5) ، ثم قال : (( متى كانت الكناية عرضية كان اطلاق اسم التعريض عليها مناسبا )) .(6) وقد تبع السكاكي العلماء المتاخرون عنه في تعريفاتهم للتعريض .(7)
امثلة التعريض في ايات الدعوة والبشرى والثناء(1/83)
... لقد ورد هذا اللون البلاغي كثيرا في ايات الدعوة والبشرى والثناء ومنه قوله تعالى { وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــ
(1) الكشاف 2/ 577 .
(2) لسان العرب مادة ( عرض ) 2/ 743 – 744 .
(3) معاني القران للفراء 2/ 362 . ... ... (4) ينظر عيون الاخبار لابن قتيبة 2/ 197 .
(5) مفتاح العلوم 647 . ... ... (6) المصدر نفسه 647 .
(7) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر الايضاح 1/327 ، والمثل السائر 2/ 198 ،
والجامع الكبير 157 ، والبرهان في علوم القران 2/ 325 ، والاتقان 2/ 48 .
الْمُشْرِكِينَ / البقرة 135 } ، فقوله ( وما كان من المشركين ) تعريض باهل
الكتاب وغيرهم ، لان اليهود كانوا يقولون : عزير بن الله ، والنصارى يقولون : المسيح بن الله ، أي : ان ابراهيم ( عليه السلام ) ما كان على هذه الحالة التي انتم – يعني اهل الكتاب – عليها من الشرك بالله – فكيف تدعون عليه انه كان على اليهودية او النصرانية .(1)
... وقوله تعالى { قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ / ال عمران 95 } ، فقوله ( صدق الله ) تعريض بكذب الكفار ، كقوله تعالى ( ذلك
جزيناهم ببغيهم وانا لصادقون / الانعام 146) ، أي : ثبت ان الله صادق فيما انزل وانتم الكاذبون .(2)
... وقوله تعالى { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ / الشعراء 77 } ، فجملة ( فانهم عدو لي ) تعريض ، قال الصاوي : (( انه اسند العداوة لنفسه تعريضا بهم ، وهذا ابلغ في النصيحة من التصريح بان يقول : فانهم عدو لكم ))(3) ، واشعارا بانها نصيحة فبدأ بها نفسه ليكون ادعى الى القبول .(4)(1/84)
... وقوله تعالى { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ / الصافات 88 } ، فنظر سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) في النجوم تعريض ، فقد قال الالوسي في تفسيره لهذه الاية : (( والظاهر بعد اعتبار الابهام انه ابهام التفكير في احكام الطالع ولادته – عليه السلام – وما يدل عليه بزعمهم ما تجدد من الاوضاع في ذلك الوقت وهذا من معاريض
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الكشاف 1/ 314 ، وتفسير البيضاوي 1/192 .
(2) ينظر الكشاف 1/ 446 ، والتحرير والتنوير 4/11 .
(3) حاشية الصاوي 3/174 .
(4) ينظر تفسير البيضاوي 4/ 105 .
الافعال ، نظير ما وقع في قصة يوسف ( عليه السلام ) من تفتيش اوعية اخوته)).(1)
... وقوله تعالى { فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ/ الصافات 89 } ، فقد اختلف العلماء في قوله – عليه السلام – هذا القول اهو حقيقي ام على سبيل التعريض ، فقد ذكر قسم من العلماء انه – عليه السلام – قصد من قوله هذا انه مريض بالطاعون لانه غلب على اسقام قومه(2) ، وذهب غيرهم انه قال ذلك على سبيل التعريض ، لان كل انسان لابد من ان يسقم ويموت وان كان معافى ، لقوله تعالى ( انك ميت وانهم ميتون / الزمر 30 )(3) ، ويؤكد هذا الرأي قول رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم ) : (( لم يكذب ابراهيم غير ثلاث : ثنتين في ذات الله ، قوله ( اني سقيم ) ، وقوله ( بل فعله كبيرهم هذا ) ، وقوله في سارة : هي اختي )).(4)
... فقد قال ابن كثير ( ت 774 هـ) : (( فهو حديث مخرج في الصحاح والسنن من طرق ولكن ليس هذا من باب الكذب الحقيقي الذي يذم فاعله ... وانما اطلق الكذب على هذا تجوزا ، وانما هو من المعاريض في الكلام لمقصد شرعي)).(5)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) روح المعاني 23 / 101 .
(2) ينظر جامع البيان 23 / 45 ، ومعاني القران واعرابه 4/ 308 .
(3) ينظر معاني القران للفراء 2/ 388، ومعترك الاقران 3/82 ، وروح المعاني 23/101.
(4) تاريخ الرسل والملوك للطبري 1/ 246 .
((1/85)
5) تفسير القران العظيم 4/ 13.
المبحث الثالث
علم البديع
السجع / الفاصلة
... السجع لغة : السجع الكلام المقفى ، والجمع اسجاع واساجيع ، وسجع تسجيعا : تكلم بكلام له فواصل كفواصل الشعر من غير وزن ، وهو من الاستواء والاستقامة والاشتباه كان كل كلمة تشبه صاحبتها .(1)
السجع اصطلاحا : تكلم اهل البلاغة في السجع ، وافردوه ضمن مباحث علم البديع(2) ، ثم اختلفوا في وقوعه في القران الكريم او عدم وقوعه ، فمنهم من يرى انه لايقع الا في النثر من كلام العرب وانه مذموم لا يجوز وقوعه في كتاب الله العزيز ، وغيرهم جوز وقوعه في الكتاب العزيز .
فقد ذكر الامام عبد القاهر الجرجاني في كتابه اسرار البلاغة اقوالا للقدماء
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر لسان العرب مادة ( سجع ) 2/ 101 .
(2) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر مفتاح العلوم 672 ، والايضاح 2/ 547 ،
والفوائد المشوق الى علوم القران 626 ، والاتقان 2/104 .
في السجع ضاربا امثلة عليها من كلام العرب – النثر – والحديث الشريف(1) ، الا انه لم يجعل له تعريفا خاصا ولم يشر الى وقوعه في الكتاب العزيز او عدمه .
ثم جاء السكاكي بعده فعرف السجع بقوله : (( ومن جهات الحسن والاسجاع : وهي الكلام في النثر كما في القوافي في الشعر )).(2) الا ان هذا التعريف غير واضح الاطراف ، ثم اشار الى وقوعه في القران الكريم بقوله : (( ومن جهاته : الفواصل القرانية والكلام في ذلك ظاهر )) (3) ، فسماه ( الفواصل ) بدلا من تسمية ( سجع ) ، وقد ضرب عليه امثلة من القران الكريم .
وبعد السكاكي جاء القزويني ليضع تعريفا دقيقا للسجع فقال : (( ومنه السجع وهو تواطؤ الفاصلتين من النثر على حرف واحد )) (4) ، ثم ضرب امثلة من القران الكريم عليه .
وقد تكلم العلماء الذين جاءوا بعد القزويني على السجع ولم يخرجوا في تعريفاتهم وتقسيماتهم عما ذهب اليه القزويني .(5)
اقسام السجع(1/86)
عندما استعرض العلماء هذا النوع من المحسنات اللفظية وجدوا انه ياتي على انواع عدة هي : (6)
1. المتوازي : وهو ما اتفقت فيه الفقرتان في الوزن والتقفية ، ومنه قوله تعالى
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر اسرار البلاغة 11 .
(2) مفتاح العلوم 672 .
(3) المصدر نفسه 672.
(4) الايضاح 2/ 547 .
(5) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر الفوائد المشوق الى علوم القران 226 ،
والبرهان في علوم القران 1/ 88 ، والاتقان 2/ 104 .
(6) ينظر الايضاح 2/ 547 ، والفوائد المشوق الى علوم القران 226 ، والاتقان 2/104،
ومعجم المصطلحات البلاغية 2/ 147 .
( فيها سرر مرفوعة (13) واكواب موضوعة / الغاشية 14 ) .(1)
2. التسجيع المطرف : وهو ان تتفق الكلمتان الاخيرتان في الحرف الاخير – أي في القافية – وتختلف في الوزن ، كقوله تعالى ( مالكم لا ترجون لله وقارا (13) وقد خلقكم اطوارا / نوح 14 ) .(2)
3. التسجيع المرصع : وهو ان تكون الالفاظ متفقة وزنا وقافية ، كقوله تعالى ( ان الابرار لفي نعيم (13) وان الفجار لفي جحيم / الانفطار 14 ) .(3)
4. التسجيع العاطل : وهو ان تقابل اللفظة اختها ولا تجمع بينهما القافية ، كقول القائل : قل اهل الدين والامانة فالى من يسكن وعلى من يعول ، فقال : ( يعول ) في قبالة ( يسكن ) فلو شاء قال : يظهر ويبطن او فيما يسر ويعلن .(4)
5. التسجيع المتماثل : وهو ان يتساويا في الوزن ويختلفا في القافية ، ويكون افراد الاولى مقابلة لما في الثانية ، كقوله تعالى ( واتيناهما الكتاب المستبين ( 117 ) وهديناهما الصراط المستقيم / الصافات 118) ، فالكتاب ، والصراط متوازنان ، وكذلك المستبين ، والمستقيم ، واختلفا في الحرف الاخير .(5)
التسجيع في ايات الدعوة والبشرى والثناء
... لقد ورد في ايات الدعوة والبشرى والثناء كثير من الاسجاع التي زينت بها الالفاظ ومنها :(1/87)
1. التسجيع المتوازي : ومنه قوله تعالى في ثنائه على خليله { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ(67)إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الايضاح 2/ 547 .
(2) ينظر الفوائد المشوق الى علوم القران 226- 227 .
(3) ينظر الاتقان 2/ 104 .
(4) ينظر معجم المصطلحات البلاغية 2/ 151 .
(5) ينظر المصدر نفسه 2/ 151 .
النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ / ال عمران68 } ، فقوله ( المشركين ) و ( المؤمنين ) متفقان في الوزن والقافية .
... وقوله تعالى حكاية عن ابراهيم ( عليه السلام ) في دعوته لابيه { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا(42)يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا(43)يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيًّا(44)يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَانِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا(45)قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا / مريم 46 } .
... لو امعن النظر في الايات الكريمات وفواصلها لرأينا هذه الايات قد اختتمت بكلمات متفقة في الوزن والقافية ( سويا ، عصيا ، وليا ، مليا ) ، وهذا من الاعجاز القراني الذي يطمئن النفس ويدفعها للقبول بالنصح والارشاد .(1/88)
... وقوله تعالى على لسان ابراهيم وهو يدعو اباه وقومه { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ(72)أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ(73)قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ / الشعراء 74 } ، فلو
رأينا الفاصلتين للايتين الاخيرتين لرأيناهما متفقتين في الوزن والقافية وهذا ما يسمى بالتسجيع المتوازي .
... وقوله تعالى حكاية عن تبشير سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) بالولد { فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ(28)فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ(29)قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ / الذاريات 30 } ، فالكلمات ( عليم ، وعقيم ، والعليم ) متفقة في الوزن والقافية .(1/89)
2. التسجيع المطرف : ومنه قوله تعالى حكاية عن سدينا ابراهيم في دعوته لقومه { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ(76)فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ(77)فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ(78) ... وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ(80)وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ / الانعام 82 } .
... عند النظر الى الايات الكريمات -ولا سيما نهاية كل اية- وبالمقارنة بينها نجد ان هذا اللون من السجع وهومن السجع المطرف ، فالاتفاق هنا جرى في الحرف الاخير لنهاية كل كلمة ( الافلين ، الضالين ، تشركون ، تتذكرون ، تعلمون ،مهتدون ) ، فالاتفاق جرى في حرف النون ، وهذا مايسمى بالتسجيع المطرف .(1/90)
وقوله تعالى على لسان خليله في دعوته لابيه وقومه { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ(52)قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ(53)قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(54)قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنْ اللَّاعِبِينَ(55)قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ(56)وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ / الانبياء 57 } .
عند النظر الى الايات الكريمات وبالمقارنة بين كل ايتين نجد اتفاق الكلمتين الاخيرتين في الحرف الاخير او في القافية دون الوزن ، فقوله ( عاكفون ، وعابدين ) اتفقت الكلمتان في القافية دون الوزن ، لان الوزن ( فاعلون ، وفاعلين ) ، وايضا ( مبين ، واللاعبين ) ، و ( الشاهدين ، ومدبرين ) فكل كلمتين اتفقتا في الحرف الاخير فقط دون الوزن يسمى التسجيع المطرف .
وقوله تعالى على لسان خليله ايضا في دعوته لابيه وقومه { قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ
َتعْبُدُونَ(75)أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْأَقْدَمُونَ / الشعراء 76 } ، فالكلمتان ( تعبدون ، والاقدمون ) متفقتان في القافية دون الوزن .
3. التسجيع العاطل : ومنه قوله تعالى في ثنائه على خليله { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(120)شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ / النحل 121 } ، لو نظرنا الى الكلمتين الاخيرتين في الايتين الاولى والثانية
لرأيناهما غير متفقتين في القافية ( المشركين ، والمستقيم ) ، فالاية يتم التاكيد فيها على المعنى وليس على اللفظ .(1/91)
وقوله تعالى على لسان خليله ايضا في الدعوة { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ(69)إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ(70)قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ(71)قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ / الشعراء 72 } ، فلو قارنا بين كل كلمتين اخيرتين في الايات الكريمات
(ابراهيم ، وتعبدون ) ، و ( عاكفين ، وتدعون ) لرأينا عدم الاتفاق في القافية ، وعدم اتفاق اللفظ ، انما يتم التاكيد على المعنى دون اللفظ .
... وقوله تعالى { وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ(104)قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ / الصافات 105 } ، فالكلمتان ( ابراهيم ، والمحسنين ) غير متفقتين لفظا وقافية .
4. التسجيع المتماثل : ومنه قوله تعالى في ثنائه على خليله { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا(53)أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا / النساء 54 } ، فالكلمتان الاخيرتان في الايتين الكريمتين
( نقيرا ، وعظيما ) متساويتان في الوزن وهو ( فعيلا ) الا انهما مختلفتان في القافية ( الراء والميم ) ، فلهذا هي من التسجيع المتماثل .
توطئة(1/92)
... اهتم العلماء الاوائل بعلم الدلالة اهتماما لا يقل عن غيره من العلوم العقلية والنقلية التي زينوا بها كتبهم واناروا بها عقول من لحقهم وفتحوا بها اسرار العربية وكنوزها ، فقد تناول اهل اللغة في معاجمهم مادة ( دلل ) واختلفت تعريفاتهم لمعنى هذه اللفظة تارة واتفقت تارة اخرى ، ومن هذه التعريفات التي تقترب من مفهوم الدلالة تعريف الراغب الاصفهاني ( ت 502 هـ) اذ يقول : (( الدلالة ما يتوصل به الى معرفة الشيء ، كدلالة الالفاظ على المعنى ودلالة الاشارات والرموز والكتابة والعقود والحساب )).(1)
... اما الاصوليون فقد شاركوا علماء اللغة في بحث كثير من المسائل اللغوية المهمة ولا سيما علم الدلالة ، ذلك لوجود علاقة وثيقة بين اللغة وعلم الاصول لما يترتب على ذلك من الوصول الى الاحكام الشرعية الصحيحة .
... فقد اهتم الاصوليون بالالفاظ وعلاقتها بالمعنى لان ذلك يترتب عليه حكم شرعي . فقد عرفوا الدلالة بقولهم : (( الدلالة : فعل الدال ، وقد تضاف الى الدليل على المجاز والدليل قد يكون برهانا وقد يكون اسما يعرف به المسمى ، وعبارة يتبين بها المراد كرجل ذلك على طريق تريد قصده ، فذلك اللفظ الذي خاطبك به هو دليل على ما طلبت ، وقد يسمى المرء الدال دليلا ايضا . والدال : هو المعروف بحقيقة وقد يكون انسانا معلما وقد يعبر به عن الباري – تعالى – الذي علمنا كل ما نعلم ، وقد يسمى الدليل دالا على المجاز ، ويسمى الدال دليلا ايضا كذلك في اللغة العربية )) .(2)
... وهكذا اهتم العلماء بمعاني هذه اللفظة اهتماما كبيرا الى ان جاء العلماء في الوقت الحاضر فجعلوا للدلالة انواعا هي : الدلالة الصوتية ، والدلالة الصرفية ، ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المفردات في غريب القران للراغب الاصفهاني 170 .
(2) الاحكام في اصول الاحكام لابن حزم الاندلسي 1/ 37 .(1/93)
والدلالة النحوية ، والدلالة المعجمية (1) ، وقد وقفت في هذا الفصل على نوعين من هذه الانواع وهي : الدلالة المعجمية ، والدلالة النحوية لمساس هذين النوعين بمادة بحثي ولكونهما يشكلان السياق اللغوي للجملة (2) ، ولان اغلب ايات الدعوة والبشرى والثناء فيها من الالفاظ التي تحتاج الى وقفة لمعرفة الدلالة اللغوية لها بالاضافة الى الدلالة النحوية ، اذ يتسع المجال بالوقوف على هاتين الدلالتين لاعطاء معنى الاية حقه من البيان وابراز الجانب الاعجازي في اسلوب القران الكريم وكونه جاء باعذب الالفاظ في احسن وجوه التركيب متضمنا اصح المعاني .
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر التطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القران لعودة خليل ابو عودة 73 .
(2) ينظر المصدر نفسه 74 .
المبحث الاول
الدلالة المعجمية
تناول هذا المبحث الالفاظ الواردة في ايات الدعوة والبشرى والثناء التي رايت وجوب الوقوف عندها لبيان دلالالتها المعجمية ، مستعرضا اياها تباعا كما في كتاب الله العزيز ، واقفا عند اقوال اهل اللغة في معاجمهم للكشف عن معاني تلك الالفاظ ومستعرضا – في بعض المواضع – اراء المفسرين والعلماء فيها ايضا معتمدا تقديم اقوال اهل اللغة ومن ثم اقوال اهل التفسير والعلماء ان ذكروا للفظة معنى جديدا في الاية يختلف عما وضع له في اللغة .
اولا : الفاظ ايات الدعوة
1. ( جن )
... قال تعالى { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي / الانعام 76 } ،
فلفظة(جن ) تدل على ظلمة الليل ، قال الخليل : (( يقال : اجنه الليل وجن عليه الليل اذا اظلم حتى يستره بظلمته )) .(1)
... والى ذلك المعنى ذهب الجوهري ( ت 393 هـ) (2) ، وقال ابن منظور : (( وجنه الليل يجنه جنا وجنونا ، وجن عليه يجن ( بالضم ) جنونا ، واجنه : ستره ... ومنه يسمى الجنين لاستتاره في بطن امه )) .(3)(1/94)
فاقوال اهل اللغة في دلالة ( جن ) قريبة جدا من اقوال اهل التفسير(4) في
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) العين مادة ( جن ) .
(2) ينظر الصحاح مادة ( جن ) .
(3) لسان العرب مادة ( جن ) 1/ 515 .
(4) ينظر تفسير غريب القران 156 ، وجامع البيان 7/ 162 .
تفسير معنى الاية ، اذ استعمل القران الكريم هذه اللفظة في هذا المعنى فجاءت في مكانها الذي يليق بها في هذا الموضع اذ ان الانسان الذي يشغله امر من الامور – كما هو حال سيدنا ابراهيم عليه السلام – عندما يستره الليل يبدأ يتطلع في السماء ويتفكر في هذه الكواكب المنيرة لان كل ما حوله ظلام بالاضافة الى الظلام او الحيرة التي في نفس سيدنا ابراهيم ، فجاءت لفظة ( جن ) لترسم لنا هذه الصورة وتعطي هذا المعنى اذ انه في تلك الساعة يعيش حالة من الانفراد ومن غير ان تراه عين او يراقبه احد فهو يتنقل من فكرة الى فكرة ويتامل ويسأل عن الرب الخالق المدبر لهذا الكون ، فيرى كوكبا فيقول : اهذا ربي ؟ ، فجاءت لفظة ( جن ) لترسم لنا هذه الصورة من الوحدة والانفراد والتفكر والتامل الذي كان عليه سيدنا ابراهيم (عليه السلام ) ، والله اعلم .
2. ( بزغ )
... قال تعالى { فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي ... (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي / الانعام 78 } .
والبزوغ : الطلوع ، وبزغت الشمس : بدا منها طلوع او طلعت وشرقت ، وبزغ النجم والقمر : ابتدأ طلوعهما . (1)
... وايضا فان اهل التفسير لم ياتوا بمعنى اخر للبزوغ ، فهو عندهم كما ورد في معاجم اللغة . (2)
... فقد استعملت هذه اللفظة في القران الكريم بصيغة ( اسم الفاعل ) لتدل على الوضوح والظهور الكاملين بالاضافة الى الاستمرارية في البزوغ وجيء بهذه اللفظة ( بازغا ) لتدل على ان سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) كان يترقب ظهور أي كوكب منير في السماء او اي شيء مثير فيها لان من معاني البزوغ ابتداء الطلوع ،(1/95)
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر العين ، والصحاح مادة ( بزغ ) ، ولسان العرب مادة ( بزغ ) 1/ 208 .
(2) ينظر جامع البيان 7/ 164 ، والجامع لاحكام القران 7/ 27 .
والدليل على انه كان يترقب طلوعهما هو ( لما ) الحينية ، لذا ترى ان القران قد انتقى – اذا جاز التعبير – هذه الكلمة لتدل على هذا المعنى وتشير اليه بابلغ دلالة ، والله اعلم .
3. ( الحجة )
... قال تعالى { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ / الانعام 80 }
... الحجة : الظفر عند الخصومة (1) ، او ان الحجة: البرهان ، تقول : حاجه محجة : أي غلبه بالحجة . (2) والتحاج : التخاصم ؛ وجمع الحجة : حجج وحجاج ، وحاجه محاجة وحجاجا : نازعه الحجة . (3)
... وقال ابو حيان : (( والمحاجة : من اثنين مختلفين في حكمين يدلي كل منهما بحجته على صحة دعواه )) .(4) فعلى هذا يكون معنى ( الحجة ) في الاية الكريمة مطابقا لمعناها في المعجم . فنرى ان القران الكريم قد استعمل لهذا الموضع لفظة ( وحاجه ) ليرسم لنا صورة قوة المحاجة والتخاصم الذي كان عليه قوم سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) معه ، اذ ان المحاجة تعني المنازعة الشديدة والادلاء بالبرهان لدحض الخصم ، واستعمال لفظة ( وحاجه ) في هذا الموضع ابلغ وادل مما لو استعمل القران لفظة ( وخاصمه ، او ونازعه ) او ما يرادف هذا المعنى لان لفظة ( وحاجه ) قد جمعت بين هاتيك المعاني جميعها فجاءت في مكان بحيث لا يتطلب سواها ولا يتقبل غيرها ، وعجائب القران لا منتهى لها .
4. ( سويا)
... قال تعالى على لسان خليله { يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا/ مريم 43 } ، لقد وردت لفظة( سوي ) في معاجم اللغة تدل على اعتدال
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر العين مادة ( حج ) . ... ... ... (2) ينظر الصحاح مادة (حج ) .
((1/96)
3) ينظر لسان العرب مادة ( حج ) 1/ 570. (4) البحر المحيط 4/174 .
الشيء ، فقد قال الجوهري : (( السواء : العدل ... وسواء الشيء .. وسطه ... واستوى الشيء : اعتدل )) .(1) والى هذا المعنى ذهب ابن منظور.(2)
... اما معنى ( سويا ) في الاية الكريمة عند المفسرين فيقترب من هذا المدلول اللغوي فيكون التفسير عندهم : ارشدك الى الطريق المستقيم والدين الذي فيه النجاة من كل مكروه .(3) فحملت هذه اللفظة عندهم – أي عند المفسرين – دلالة اوسع مما هي عليه عند اهل اللغة . واستعملها القران الكريم بهذا المعنى الواسع الدقيق ليرسم لنا الغاية التي ارادها سيدنا ابراهيم من جراء دعوته لابيه لانه ارد ان يبين له ان ما فتحه الله عليه وما ارشده اليه من الحق والمنهج المستقيم هو خير مما هم سائرون عليه من الضلال وعبادة الاوثان والاصنام لذا قال ( فاتبعني اهدك صراطا سويا ) اي واضحا عدلا مستويا مستقيما لا عوج فيه ولا غموض ولا حيرة ولاضلال ، واستعمال لفظة ( سويا ) جاء في مكانه ليدل على هذا المعنى الواسع من جهة البليغ الدقيق من جهة اخرى ، والله اعلم .
5. ( الرجم )
قال تعالى { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا / مريم 46 }
... ( الرجم ) في اللغة : القتل (4) ، قال ابن منظور : (( وانما قيل للقتل رجم لانهم كانوا اذا قتلوا رجلا رموه بالحجارة حتى يقتلوه ، ثم قيل لكل قتل رجم )).(5)
... اما المفسرون فقد ذهبوا الى معنى اخر للرجم قريب من الرمي المحسوس بالحجارة وهو الرمي المعنوي أي : القذف باللسان والسب والشتم والقول القبيح.(6)
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) الصحاح مادة ( سوا ) .
(2) ينظر لسان العرب مادة ( سوا ) 2/ 46 .
(3) ينظر معاني القران واعرابه 3/ 332 ، والجامع لاحكام القران 11/ 111،
وفتح القدير 3/ 336.
((1/97)
4) ينظر الصحاح مادة ( رجم ) . ... ... (5) لسان العرب مادة ( رجم ) 1/1136.
(6) ينظر معاني القران للفراء 2/ 169 ، وتفسير غريب القران 274 ، وجامع البيان 16/68.
وهو كما يبدو اقرب الى النفس اذ ان هذا المعنى يرشد اليه اخر الاية ( واهجرني مليا ) أي : اتركني او فارقني زمنا طويلا فيكون معنى الاية ( لئن لم تنته عن كلامك هذا ومناقشتك اياي في ابطال ما انا عليه وابائي لاقذفنك واخزينك باسوأ الكلام واقذعه ، ولكن من الاحسن ان تفارقني وتتركني وما انا عليه ، فاستعمال ( لارجمنك ) بمعناه العقلي عند اهل التفسير اقرب ولكن ربما اراد القران المعنيين المحسوس والعقلي ليترك النفس تجول في توجيه معنى الاية ويتسع الكلام في احتمال المراد من معناها ولا ينحصر الكلام في وجه واحد وهذا المعنى الواسع لا تحمله لفظة اخرى مثل ما حملته لفظة ( لارجمنك ) فهذا التركيب من صور الاعجاز القراني البليغ ، والله اعلم .
6. ( تماثيل ) ، ( اصنام ) ، ( اوثان )
... قال تعالى على لسان خليله في دعوته لابيه وقومه { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ
التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ / الانبياء 52 }
وردت لفظة ( تمثال ) في المعاجم لتدل على الشيء الممثل المصور على
خلقة غيره .(1) واصله : مثلت الشيء بالشيء اذا قدرته على قدره ، ويكون تمثيل الشيء بالشيء تشبيها به ، واتم ذلك الممثل تمثال .(2)
والمراد في هذه الاية الكريمة الاصنام التي كان قوم سيدنا ابراهيم ( عليه السلام) يعبدونها ، فقد ورد لفظ ( صنم ) ، و ( وثن ) في مواضع اخرى من ايات الدعوة والبشرى والثناء في دعوة سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) لقومه ايضا ومنها
قوله تعالى { قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ/ الشعراء 71 } ، { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا / العنكبوت 17 }(1/98)
فرق قسم من علماء اللغة بين ( الوثن ) و ( الصنم ) ، فالوثن كما ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر العين ، والصحاح مادة ( مثل ) .
(2) ينظر لسان العرب مادة ( مثل ) 3/ 438.
ذكره ابن فارس : (( الواو والثاء والنون : كلمة واحدة هي الوثن واحد الاوثان : حجارة كانت تعبد )) .(1) و ( الصنم ) – كما ذكره ايضا - : (( الصاد والنون والميم كلمة واحدة لا فرع لها ، وهي صنم . وكان شيئا يتخذ من خشب او فضة او نحاس فيعبد )) .(2) وقد ذكر ابن منظور قولا في الفرق بينهما فقال : (( فالصنم : ما كان له جسم او صورة ، فان لم يكن له جسم او صورة فهو وثن )) .(3)
... والذي يبدو لي ان ( التمثال ) و ( الصنم ) شيء واحد لان التمثال – كما مر انفا – الشيء الممثل والمصور على خلقة غيره ، والصنم ما كان له جسم وصورة . اما الوثن فلا صورة له ولا شكل وانما هو عبارة عن شيء واحد كقطعة حجارة او غيرها . فنرى ان القران الكريم انما استعمل هذه الالفاظ مرادا بها المعنى الموضوع من اجلها ليميز لنا الفرق بين اشكال المعبودات عند اهل الضلال وقد استعمل كل لفظة منها في مكانها المناسب لها وحسب ما كانوا يسمونه انذاك ، فان التماثيل والاصنام اشكال من المعبودات كان لها جسم وصورة ، اما الاوثان فهي من المعبودات التي ليس لها شكل ثابت فقد تكون حجارة صغيرة او كبيرة او قطعة من حجر او مايشبه ذلك فجاء استعمال القران لهذه الالفاظ في ادق التعابير عن كل معنى من هذه المعاني ولم يستعمل لفظة في موضع اخرى وهذا المعنى القراني لا يفطن له الا من اوتي حظه من العلم وبعدا في النظر وسعة في الادراك ، والله اعلم.
7. ( فطر )
... قال تعالى على لسان خليله { قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ / الانبياء 56 }
...
فلفظ ( فطرهن ) في معاجم اللغة تدل على شق الشيء الواحد ، فالفطر :(1/99)
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) مقاييس اللغة مادة ( وثن ) . ... ... ...
(2) المصدر نفسه مادة ( صنم ) .
(3) لسان العرب مادة ( صنم ) 2/ 484 .
الشق وجمعه فطور ، وتفطر الشيء تشقق .(1) وكان السماوات والارض كانتا قطعة واحدة ففطرتا وانشقتا الى نصفين ، وهذا ما اثبته العلم الحديث .
... و ( فطر ) عند المفسرين تعني ( خلق ) (2) ، أي : الذي خلقهن او شقهن فهو – سبحانه – خالق كل شيء ومنشؤه من العدم الى الوجود فمعنى اللفظة عندهم – اهل التفسير – اقرب الى المعنى اللغوي المعجمي .
... فاستعمال القران لهذا المعنى كان ابلغ وادل على معنى الخلق والانشاء او الخالق والمنشىء الاول اذ انه تعالى هو الذي خلقهن او ابتدأ خلقهن ولا خالق غيره او قبله ، وقد جاء استعمال القران لهذه الكلمة لتحمل لنا حقيقة هذا المعنى لان الفطر : الشق ، فكان السماوات والارض كانتا عدما ثم خلقهن القادر الحكيم فخرجتا كما يخرج الزرع من الارض عندما تنشق او تنفطر فيظهر من خلال شقوقها وفطورها النبات ، فاستعمال القران لكلمة ( فطرهن ) ادل وابلغ مما لو قيل : خلقهن ، برأهن ، سواهن ... وغيرها ، لان ( فطرهن ) اضافة الى دلالتها على هذه المعاني فانها تدل على معنى الخالق الاول ، والله اعلم .
8. ( ظل )
... قال تعالى { قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ / الشعراء 71 }
... لقد اجاب قوم سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) بافتخار وابتهاج على عبادة الاصنام فذكروا لفظة ( نظل ) دون غيرها ، يقول اهل اللغة في هذه اللفظة : ظل نهاره يفعل كذا وكذا يظل ظلا وظلولا ، ولا يقال ذلك الا في النهار .(3)
... فظاهر هذا اللفظ انهم – أي قوم ابراهيم – يعبدون اصنامهم ويعكفون على عبادتها في النهار دون الليل ، الا ان قسما من المفسرين ذكروا ان لفظة ( ظل ) في
ــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الصحاح مادة ( فطر ) ، ولسان العرب مادة ( فطر ) 2/ 1158.
(2) ينظر البحر المحيط 6/ 300 .
((1/100)
3) ينظر الصحاح مادة ( ظلل ) ، ولسان العرب مادة ( ظلل ) 2/ 647 .
هذا الموضع انما تدل على الدوام والاستمرار بالعبادة ليلا ونهارا (1) ، وانهم اطالوا الجواب افتخارا وابتهاجا بعبادتها (2) ، ولا يكون الافتخار بالشيء الا بدوام فعله والاستمرار عليه . فاستعمال القران الكريم لهذه اللفظة جاء في مكانه المناسب ليحمل هذا المعنى – معنى الدوام والبقاء والاستمرار – على عبادة الاصنام ، وهو ادل وابلغ مما لو قيل : ( فنستمر ، ونبقى ، ونداوم على عبادتها ) لان في الظلول معنى الثبوت في العبادة مع الاستمرارية والدوام ، والله اعلم .
9. ( الافك )
قال تعالى على لسان خليله { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا / العنكبوت 17 }
... ذكر اهل اللغة في معاجمهم ان ( الافك ) هو الكذب ، ويقال : افك الناس كذبهم وحدثهم بالباطل .(3) فظاهر اللفظ يدل على الكذب باللسان .
... اما اهل التفسير فقد رأوا ان هذه اللفظة في الاية الكريمة تدل على الاصنام وكيفية صناعتها ونحتها ، وهي من باب المجاز عن صناعة الاصنام ونحتها .(4)
10.( نجى) ، ( انجى )
... قال تعالى { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ / العنكبوت 24 }
ان لفظة ( نجى ) من النجاة ، والنجاة : الخلاص من الشيء ، نجا ينجو نجوا ونجاء واستنجى منه حاجته : تخلصها .(5)
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر معاني القران واعرابه 4/ 93 ، والجامع لاحكام القران 13/ 109 ،
وتفسير القران العظيم 3/ 337 .
(2) ينظر البرهان في علوم القران 2/ 53 .
(3) ينظر العين ، والصحاح ، ومقاييس اللغة مادة ( افك ) ، ولسان العرب مادة ( افك )1/75.
(4) ينظر معاني القران واعرابه 4/ 165،وتفسير البيضاوي 4/136،ومعترك الاقران 2/112
((1/101)
5) ينظر الصحاح مادة ( نجا ) ، ولسان العرب مادة ( نجا ) 3/591 .
... وقد تاتي لفظة ( نجى ) بصيغة ( انجى ) وهي ما ذكرت في هذه الاية ، وثمة فرق بينهما – أي بين ( نجى ، وانجى ) – اذ استعمل في هذه الاية ( انجى ) بدل ( نجى ) ، ويعللها الدكتور فاضل السامرائي بقوله : (( ان ( انجى ) اسرع من ( نجى ) في التخلص من شدة الكرب ... فمن ذلك قوله تعالى ( واذ نجيناكم من ال فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون ابناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ( 49 ) واذ فرقنا بكم البحر فانجيناكم واغرقنا ال فرعون وانتم تنظرون / البقرة 50 ) فانه لما كان النجاة من البحر لم تستغرق وقتا طويلا ولا مكثا استعمل ( انجى ) بخلاف البقاء مع ال فرعون فانه استغرق وقتا طويلا ومكثا فاستعمل ( نجى ) )) . (1)
11. ( نجم )
... قال تعالى { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجومِ / الصافات 88 }
... قال ابن فارس في معنى ( نجم ) : (( النون والجيم والميم اصل صحيح يدل على طلوع وظهور . ونجم النجم : طلع . ونجم السن والقرن : طلعا . والنجم : الثريا اسم لها )).(2) وذهب الى هذا المعنى ابن منظور .(3) أي ان النجم ياتي اسما للكوكب ، وجمعه نجوم . اما فيما يتعلق بالاية الكريمة فيحتمل ان يراد بالنجوم فيها نجوم السماء كما فسرها قسم من العلماء من ان سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) تدبر في النجوم وعلمها ليجد له عذرا للامتناع عن الخروج مع قومه ، وذلك لانهم – اي قومه – كانوا يعملون بعلم النجوم والتنجيم فاتاهم من الجهة التي يؤمنون بها ويعملون بها . (4)
ــــــــــــــــــــــــ
(1) بلاغة الكلمة في التعبير القراني للدكتور فاضل السامرائي 57 - 58 .
(2) مقاييس اللغة مادة ( نجم ) .
(3) ينظر لسان العرب مادة ( نجم ) 3 / 591 .
(4) ينظر الكشاف 3 / 344 ، والبحر المحيط 7 / 350 ، وحاشية الصاوي 3/ 341.(1/102)
... ومن العلماء من فسر هذه النجوم بانه – عليه السلام – نظر فيما نجم له من الرأي ، وليست نجوم الكواكب . (1) وغيرهم فسرها بانه نظر فيما ينجم من حاله معهم ، وليست نجوم السماء ايضا .(2)
... وكل هذه المعاني ربما تحتملها الاية ولكنني في قوله ( فنظر نظرة في النجوم ) اميل الى معنى : نظر نظرة في الكواكب الناجمة ( الطالعة ) أي نظر في الاشياء التي نجمت في السماء ليجد حجة يتخلص بها ويعتذر من الذهاب مع قومه في عيدهم ، لانه كما اشرنا سابقا انه كان في حيرة فكان ينظر الى السماء عندما يجن عليه الليل ويحيطه بظلامه ليجد مخرجا مما هو فيه من حيرة .وقد جاء تعبير القران بلفظة تعطي معنى اوسع واشمل وابلغ في التعبير عن هذا المعنى والله اعلم .
12. ( راغ )
... قال تعالى { فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ / الصافات 91 }
... تدل كلمة ( راغ ) في اللغة على الميل ، ومنه راغ فلان الى فلان : مال اليه سرا .(3)
... وقد ذكر الطبري ( ت 310 هـ) في تفسيره ان المراد بالروغ في الاية الكريمة من قولهم : راغ فلان عن فلان : اذا حاد عنه ، فيكون معنى الاية : انه – عليه السلام – راغ عن قومه والخروج معهم الى الهتهم لينفرد بها .(4) وليس المراد عند الطبري من انه – عليه السلام – راغ الى الالهة .
فراغ معناه : الميل بسرعة الى جهة سرا لغرض تنفيذ امر ما منفردا ومن غير ان يطلع عليه احد وهذا هو المراد من اللفظة في هذه الاية ، والله اعلم . اذ
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر اعراب القران 2/ 757 ، والجامع لاحكام القران 15/ 92.
(2) ينظر معترك الاقران 3/ 82 .
(3) ينظر العين ، والصحاح مادة ( روغ ) ، ولسان العرب مادة ( روغ ) 1/1257.
(4) ينظر جامع البيان 23/ 46 .
استعمل القران الكريم هذه اللفظة لتعطي هذا المعنى الدقيق البليغ الدال على المراد(1/103)
اكثر من غيره لان من معاني ( راغ ) ايضا الميل الى جهة بخفاء وانتهاز فرصة ومن غير ان يشعر به احد ، وهذا هو السياق الذي تدل عليه مجموع الفاظ الاية .
13. ( زف )
... قال تعالى { فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ / الصافات 94 }
... الزفيف : السريع ، ومنه القوم يزفون في مشيهم : اذا اسرعوا في سكون (1) ، مع تقارب الخطو ، ومنه زفت العروس الى زوجها .(2) وقال الزجاج : (( واصله من زفيف النعام ، وهو ابتداء عدوها ، يقال : زف النعام يزف )) .(3)
... والذي يبدو لي ان الله – عز وجل – اراد بهذه اللفظة في الاية الكريمة السخرية والتحقير لقوم سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) لخوفهم على اصنامهم فاستعمل لفظة ( يزفون ) التي هي – كما ذكر الزجاج – من زفيف النعام ومشيه ، والله اعلم .
14. ( نحت )
... قال تعالى { قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ / الصافات 95 }
... النحت : هو البري ، ونحته ينحته نحتا أي : براه .(4) والنحت : النجر ، وهي كلمة تدل على نجر شيء وتسويته بحديدة .ونحت النجار الخشبة ينحتها نحتا .(5) ونحت الجبل ينحته : قطعه ، ومنه قوله تعالى ( وتنحتون من الجبال بيوتا امنين / الشعراء 149 ) .(6)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر العين مادة ( زف ) .
(2) ينظر مقاييس اللغة مادة ( زف ) ، ولسان العرب مادة ( زف ) 2 / 32.
(3) معاني القران واعرابه 4/ 309. ... ...
(4) ينظر الصحاح مادة ( نحت ) .
(5) ينظر مقاييس اللغة مادة ( نحت ) . (6) ينظر لسان العرب مادة ( نحت ) 3/ 594 .(1/104)
... والنحت عمل شاق ودقيق واستعمال القران الكريم لهذه اللفظة بليغ جدا اذ انه تذكير للمخاطبين وتوعية لهم على ضلالهم أي : اتعبدون اشياء انتم تنحتونها بايدكم؟ وتتعبون في ابراز شكلها وصناعتها بالطريقة التي تصل اليها امزجتكم وقناعاتكم ، ام ان المعبود يجب ان يكون اجل واسمى من هذا الذي تعبدون ؟ ، فتعبير القران ادل وابلغ مما لو استعمل غير هذه الكلمة من المرادفات ، والله اعلم .
15. ( سفل )
... قال تعالى { فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الْأَسْفَلِينَ / الصافات 98 }
... جاء في اللسان : (( السفل والسفل والسفول والسفال والسفالة بالضم : نقيض العلو ، والعلو والعلو والعلاء والعلاوة ... والسافل : نقيض العالي )) .(1)
... اما دلالة هذه اللفظة في الاية الكريمة فجاءت اوسع من معناها اللغوي فمعنى ( فجعلناهم الاسفلين ) يريد : فجعلناهم الاذلين والمغلوبين بالحجة ، بان جعل الله النار بردا وسلاما على ابراهيم .(2)
... وتعبير القران ابلغ وادل لان دلالة ( الاسفلين ) على الذلة والغلبة امر معلوم من السياق فضلا عن الدلالة المحسوسة وهي السفول والدنو والانخفاض لانهم ارادوا كيدا فجعلهم ادنى واسفل واخفض مما طمعوا في الوصول اليه والارتقاء اليه وبلوغه ، والله اعلم .
16. ( براء ) ، و ( بريء )
... قال تعالى { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ / الزخرف 26 }
... وقال تعالى { فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ / الانعام 78 }
... قال ابن منظور : (( ابرأته مما لي عليه وبرأته تبرئة ... وانا بريء من ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لسان العرب مادة ( سفل ) 2/ 159 .
(2) ينظر جامع البيان 23/ 48 ، وتفسير البيضاوي 5/ 8 .
وبراء ، والجمع براء مثل كريم وكرام )) .(1) و ( البراء ) مصدر وضع في موضع الصفة ، وهو يقال للواحد والمثنى والجمع ، وللمؤنث والمذكر .(2)(1/105)
... اما في الايتين الكريمتين فنرى انه – عز وجل – استعمل مرة ( بريء ) واخرى ( براء ) ، وقد علل الدكتور فاضل السامرائي لذلك بقوله : (( ان البراءة في اية الزخرف اشد وقد جاء بها على صيغة المصدر ، وهو المناسب لزيادة النون بخلاف الاولى )) .(3) فجاء تعبير القران الكريم بلفظ ( براء ، و بريء ) ابلغ وادل على المعنى الذي يقتضيه سياق الاية ، والله اعلم .
ثانيا : الفاظ ايات البشرى
1. ( وهب )
... قال تعالى حكاية عن البشرى التي بشرى بها سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا / الانعام 84 }
... قال الخليل : (( وهب الله الشيء يهب هبة ، وتواهبه الناس بينهم ، والموهوب الولد ، ويجوز ان يكون ما يوهب لك )) .(4) وقال ابن منظور : (( والهبة : العطية الخالية عن الاعواض والاغراض ، فاذا كثرت سمي صاحبها وهابا )) .(5)
... والوهاب صفة من صفات الله تعالى ، فوهب ابراهيم ( عليه السلام ) الولد وولد الولد وهما اسحاق ويعقوب ( عليهما السلام ) ، فلفظة ( وهب ) في الاية الكريمة تدل على العطية ايضا (6) ، فدلالتها في الاية الكريمة كدلالتها في المعجم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لسان العرب مادة ( برأ ) 1/ 182 .
(2) ينظر معاني القران للفراء 3/ 30 ، وجامع البيان 25 / 38 ، واعراب القران 3/ 85.
(3) معاني النحو للدكتور فاضل السامرائي 1/ 388 .
(4) العين مادة ( وهب ) .
(5) لسان العرب مادة ( وهب ) 3/ 990 .
(6) ينظر البحر المحيط 4/ 177 .(1/106)
ولكنها جاءت باستعمالها لفظة ( وهبنا ) اية في البلاغة والدلالة على المعنى المراد وهو العطية الخالية من الاعواض والاغراض لان لهذه اللفظة مرادفات كثيرة كـ ( اعطى ، رزق ، منح ، وغيرها ) ولكن القران استعمل لفظة ( وهب ) لتدل بالاضافة الى معنى العطاء معنى الخلو من ارادة العوض او الغرض حتى يكون العطاء خالصا من كل شائبة وهو اكثر قبولا في النفوس واكثر تاثيرا فيها،والله اعلم
2. ( البشرى )
... قال تعالى { وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ / هود 69 }
البشرى والبشارة واحدا ، يقال : بشرته بمولود فابشر ابشارا أي : سر واتاني امر بشرت به أي : سررت به (1) والبشارة تكون بالخير والشر ، فان كانت البشارة مطلقة فلا تكون الا بالخير ، وان كانت مقيدة فهي بشارة بالشر ، كقوله تعالى ( فبشرهم بعذاب اليم / ال عمران 21 ) .(2)
وانما بشر سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) بالولد وهو اسحاق ( عليه السلام ) ، وهذا ما ذهب اليه اغلب المفسرين .(3)
فنرى ان القران الكريم استعمل لفظ ( البشرى ) ولم يقل ( جاءته بخبر ولادة اسحاق ) ليدخل السرور الى النفس قبل معرفة مضمون الخبر ، لان ابراهيم ( عليه السلام ) كان شيخا كبيرا والانسان في مثل هذه الحال يكون يائسا من انجاب الولد فكان هذا الخبر سارا لنفسه كما لو يبشر الانسان بشيء يسره ، وفي الذاريات ( وبشروه بغلام عليم ) ولم يقل : واخبروه لان الخبر السار يسمى بشارة كما هو عند اهل اللغة فقد جمعت لفظة ( البشرى ) بين كونها خبرا وبين كونها شيئا يسر المخبر فهو نوع من اختصارات القران الكريم العجيبة ، والله اعلم .
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الصحاح مادة ( بشر ) .
(2) ينظر مقاييس اللغة مادة ( بشر ) ، ولسان العرب مادة ( بشر ) 1/ 216 ، 217 .
((1/107)
3) ينظر الكشاف 2/ 280 ، وتفسير القران العظيم 2/ 451 ، وفتح القدير 2/509.
3. ( حنيذ )
... قال تعالى { وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ / هود 69 }
تكلم اهل اللغة على الحنيذ فقال الخليل : (( الحنذ : اشتواء اللحم المحنوذ بالحجارة المسخنة ، تقول : انا احنذه حنذا )) . (1) وقال الجوهري : (( حنذت الشاة احنذها حنذا : أي شويتها وجعلت فوقها حجارة محماة لتنضجها فهي حنيذ ... والحنذ : شدة الحر واحراقه ، يقال : حنذته الشمس : أي احرقته )) .(2) وقال ابن منظور : (( حنذ الجدي وغيره حنذا : شواه فقط ، وقيل سمطه )) .(3)
فكل هذه الاقوال تصب في معنى واحد وهو ان الحنيذ اللحم المشوي ، الا ان ابا حيان ذكر في تفسيره قولا زاد على هذا المعنى فقال : (( وقال الحسن : نضيج مشوي سمين يقطر ودكا )) .(4)
وهذا من كرم نبي الله ابراهيم ( عليه السلام ) لاضيافه وتعجيله بالقرى ، وهذا من ادب الضيافة التي وصف بها - عليه السلام - .
4. ( اوجس )
قال تعالى { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً / هود 70 }
قال الخليل : (( الوجس : فزعة القلب ، يقال : اوجس القلب فزعا )) .(5) وقال ابن فارس : (( الواو والجيم والسين : كلمة تدل على احساس بشيء وتسمع له. توجس الشيء : احس به فتسمع له )) .(6)
وقد فسر قسم من العلماء ( الوجس ) في هذه الاية بانه اضمار الخوف في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) العين مادة ( حنذ ) . ... ... ... ... (2) الصحاح مادة ( حنذ ) .
(3) لسان العرب مادة ( حنذ ) 1/ 736 . ... ... (4) البحر المحيط 5/ 242.
(5) العين مادة ( وجس ) . ... ... ... (6) مقاييس اللغة مادة ( وجس )(1/108)
النفس (1) ، أي ان سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) اضمر في نفسه خوفا ولم يبده لاضيافه ، وتعبير القران ابلغ وادل من ان يقال ( اضمر او اخفى او ما شابهها ) لان حرف ( السين ) من الحروف المهموسة وهو يدل على الاخفاء ولكن بدون ان يظهر على وجهه اثر الاستغراب او الوجل ، والله اعلم .
5. ( ضحك )
قال تعالى { وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ / هود 71 }
... قال ابن منظور : (( الضحك : معروف ، ضحك يضحك ضحكا وضحكا ، وضحكا وضحكا اربع لغات ... وامرأة مضحاك كثيرة الضحك )) .(2)
... اما قوله تعالى في الاية الكريمة ( ضحكت ) فان قسم من العلماء لم يحمل الضحك على معناه الحقيقي وانما جعلوه من باب الكنايات ، فهو عندهم : يعني انها حاضت من قولهم : ضحكت الارنب اذا حاضت .(3) وهذا التعبير يعد من الطف وابلغ الاساليب في التعبير عن معنى هذه البشرى بولادة اسحاق ، فان لفظ ( الحيض ) مما يكنى عنه توقيرا واستباعدا للفظ القبيح وتنزيها للقران عنه اذ ان التعبير عن هذا المعنى بلفظ ( ضحكت ) الطف وانزه مما لو قيل ( فحاضت فبشرناها باسحاق ) ، وهذا اذا حمل المعنى على الكناية .
واذا حمل معنى الاية على نوع اخر من الكناية هو زوال الروع عنها فالمعنى يحتمله لان الكناية واسطة بين الحقيقة والمجاز ، فالحقيقة مرادة والمجاز مراد ايضا ، فالحقيقة مرادة لانها يتوصل بها الى المعنى المجازي لانها انتقال من الملزوم الى اللازم فقوله ( فضحكت ) الضحك هنا مراد ولكن يتوصل منه الى
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر تفسير غريب القران 205 ، ومعاني القران و اعرابه 3/ 61 .
(2) لسان العرب مادة (ضحك ) 2/ 514 .
(3) ينظر تفسير غريب القران 205 ، والتبيان في اعراب القران 2/ 706 ،
والفوائد المشوق الى علوم القران 127 ، والدر المنثور 4/451.
السرور بزوال الروع عنها او زوال العجب ، والله اعلم .(1/109)
6 ( الروع )
قال تعالى { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ / هود 74 }
... الروع وهو الفزع ، تقول : راعني هذا الامر يروعني أي : افزعني .(1) والروع الذي استقر في قلب نبي الله ابراهيم ( عليه السلام ) هو نتيجة عدم معرفته باضيافه ودخولهم عليه بغير اذن وعدم اكلهم من العجل الذي قدمه اليهم .(2) فيكون معنى (الروع ) في الاية الكريمة مطابقا لمعناه في المعجم .
7. ( يجادل )
قال تعالى { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ / هود 74 }
... قال ابن فارس : (( جدل : الجيم والدال واللام اصل واحد ، وهو من باب استحكام الشيء في استرسال يكون فيه ، وامتداداًُ لخصومه ومراجعة الكلام )) .(3) والجدال : شدة الخصام ، والجدل : مقابلة الحجة بالحجة .(4)
... الا ان قوله تعالى في الاية الكريمة ( يجادلنا ) فهي ليست مجادلة خوصمة واعتراض على امر الله وقضائه ، انما المراد من هذه المجادلة هي طلب سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) في تاخير العذاب عن قوم لوط .(5) وقيل : (( هي سؤاله العذاب واقع بهم لا محالة ام على سبيل الاضافة ليرجعوا الى الطاعة ؟ )).(6)
... فنرى ان القران الكريم استعمل ادق الالفاظ في التعبير عن هذا المعنى لابراز المراد من سؤال ابراهيم ( عليه السلام ) واكثاره من الاستفسار عن حال قوم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر العين ، والصحاح مادة ( روع ) ، ولسان العرب مادة ( روع ) 1/ 1256 .
(2) ينظر معاني القران واعرابه 3/ 64 . ... ... (3) مقاييس اللغة مادة ( جدل ) .
(4) ينظر لسان العرب مادة ( جدل ) 1/ 420 . (5) ينظر التفسير الكبير 18/ 29 .
(6) البحر المحيط 5 / 245 .(1/110)
لوط ، ولو قيل ( يخاصمنا ، يشاققنا ، يبارزنا ، ينازعنا ) وغيرها لما افادت المعنى المراد الذي عبرت عنه الاية اذ ليس المقصود من المجادلة : المخاصمة والمنازعة ، وانما المراد الطلب في تاخير العذاب عنهم ، والله اعلم .
8. ( المس )
قال تعالى على لسان خليله { قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ / الحجر 54 }
... المس : اللمس ، ومسسته بالكسر ، امسه مسا ومسيسا : لمسته ، وماس الشيء الشيء مماسة ومساسا : لقيه بذاته ، وتماس الجرمان : مس احدهما الاخر .(1)
... وقد استعمل هذه اللفظ – مسني – في الاية الكريمة على لسان سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) متعجبا من امر البشرى ، فعامل الكبر على انه شيء له ذات وجسم فاصابه ، وقد ذكر المفسرون ان المراد من قوله ( على ان مسني الكبر ) أي : حالة الكبر ، والتقدير : ابشرتموني كبيرا .(2)
فان الانسان اذا كبر وبلغ الشيخوخة يكون قد ايس من الانجاب ولكن الله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ، فجاء تعبير القران في غاية الدقة عن هذا المعنى اذ قال ( مسني الكبر ) ليدل بلفظ المس على الصورة المحسوس التي تراها العين عندما يمس جسم جسما اخر ، فالمعنى هنا يقترب كثيرا ويتضح جدا عندما نقرأ ( على ان مسني الكبر ) لان معنى المس هنا بلوغ الشيء الى حد المماسة او التماس ولهذا حمل العلماء معنى الاية على تقدير : ابشرتموني كبيرا كما ورد انفا . وهو ابلغ تعبير وادقه في اختيار هذه اللفظة للدلالة على هذا المعنى .
9. ( النافلة )
قال تعالى { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ / الانبياء 72 }
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الصحاح مادة ( مسس ) ، ولسان العرب مادة ( مسس ) 3 / 483 .
(2) ينظر التفسير الكبير 19/ 196 ، والبحر المحيط 5/ 446 ، وفتح القدير 3/ 134.
...
النافلة والتنفل : التطوع(1) ، والنفل بالسكون : الزيادة .(2)(1/111)
... وقد فسر اغلب العلماء ( النافلة ) في الاية الكريمة على انها خاصة بيعقوب ، فكان يعقوب ( عليه السلام ) زيادة من الله – عز وجل – بلا دعاء ، وكان اسحاق فرض من الله على خليله .(3) اما الفخر الرازي فيرى ان النافلة اريد بها العطية ايضا الا انها شملت الاثنين – اسحاق ويعقوب – ( عليهما السلام )(4) ، والعطية غير الزيادة ، لان العطية تكون بعد السؤال ، اذ سأل ابراهيم ( عليه السلام ) ربه فقال ( رب هب لي من الصالحين / الصافات 100 ) فبشره الله تعالى باسحاق لسؤاله ، والزيادة بدون سؤال ، والله اعلم .
10. ( الصلاح )
... قال تعالى { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ / الانبياء 72 }
... قال ابن منظور : (( الصلاح ضد الفساد ... ورجل صالح في نفسه من قوم صلحاء ومصلح في اعماله واموره )) .(5)
... اما الصلاح في الاية الكريمة فقد اريد به النبوة والرسالة(6) ، او اريد بالصلاح الكمال .(7)
... والذي يبدو لي ان المراد بالصلاح في الاية الكريمة هو النبوة ، لان الله – عز وجل – قد ذكر ذلك في اية اخرى وهي ( فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له اسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا / مريم 49 ) ، وايضا فان النبي لا يكون نبيا الا بعد ان يكون صالحا بعمله عاملا بطاعة ربه – عز وجل - ، والله اعلم .
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر العين ، والصحاح مادة ( نفل ) .
(2) ينظر لسان العرب مادة ( نفل ) 3/ 694 .
(3) ينظر تفسير غريب القران 287 ،وغريب القران للسجستاني 11،ومعترك الاقران 2/548
(4) ينظر التفسير الكبير 22/ 190 .
(5) لسان العرب مادة ( صلح ) 2/ 462 .
(6) ينظر التفسير الكبير 22/ 191 ، وفتح القدير 3/ 416. (7) ينظر تفسير البيضاوي 4/43
11. ( الاهل )(1/112)
... قال تعالى { وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ / العنكبوت 31 }
الاهل في اللغة : العشيرة ، قال ابن منظور : (( الاهل : اهل الرجل ، واهل الدار ... واهل الرجل : عشيرته ، وذوو قرباه ، والجمع : اهلون واهال واهلان واهلات )) .(1)
وقد ذكر الالوسي قولا في ( اهل ) التي وردت في الاية الكريمة فقال : (( وقال سبحانه ( ان اهلها ) دون ( انهم ) مع انه اظهر واخصر تنصيصا على اتفاقهم على الفساد ... قال بعض المدققين : ان ذلك للدلالة على ان منشأ فساد جبلتهم خبث طينتهم ، ففيه اشارة خفيفة الى ان المراد من ( اهل القرية ) من نشأ فيها ، فلا يتناول لوطا ( عليه السلام ) )) .(2) ويعني ان ( اهل ) لم تدل – في هذه الاية – على القرابة والعشيرة ، وانما دلت على كل من سكن تلك القرية ونشأ فيها وان لم يكن بينه وبين عشيرتها قرابة .
فجاء تعبير الاية ابلغ وادل على المعنى اذ استعمل لفظة ( اهل ) لتشير الى هذا المعنى وتدل عليه ثم ليخرج من الحساب والعذاب من لم يكن من اهلها في الدلالة اللغوية التفسيرية لعبارة الاهل ، وهذا من اختصارات القران العجيبة اذ دلت اللفظة على المعنى المراد واستخرج بسببها من لم يكن من اهل هذه القرية بلفظة واحدة وهو ما لا يقدر غير القران في التعبير عنه ، والله اعلم .
12. ( العليم )
... قال تعالى { فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ / الذاريات 28 }
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لسان العرب مادة ( اهل ) 1 / 134 .
(2) روح المعاني 20 / 154 .
... قال ابن منظور : (( من صفات الله – عز وجل – العليم والعالم والعلام ... ويجوز ان يقال للانسان الذي علمه الله علما من العلوم : عليم ... والعلم : نقيض الجهل ، علم علما ... ورجل عالم وعليم )) .(1)(1/113)
... وقد ذكر الزمخشري في تفسيره لـ( العليم ) – في هذه الاية – قولا بان معنى العليم في الاية : نبي . (2)
... فقد استعمل القران صيغة ( فعيل ) وهي من صيغ المبالغة لتدل على كثرة العلم صفة ثابتة في المولود المبشر به وهو اسحاق ( عليه السلام ) فاستعمل هذه الصيغة للدلالة على هذا المعنى وهو تعبير اوجز من ان يجاء الى التعبير عنه بالفاظ وعبارات طويلة ما دام ان هذه الصيغة تفي بالدلالة على المعنى ، والله اعلم .
13. ( الصرة )
قال تعالى { فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ / الذاريات 29 }
... الصرة في اللغة : شدة الصياح ، والضجة ، من كرب وغيره .(3) أي ان امرأة سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) صاحت وصرخت وهي مقبلة على ابراهيم وضيفه . الا ان النحاس ذكر ان قوله ( صرة ) في الاية الكريمة دل على شدة الاهتمام .(4)
... وجاء تعبير القران الكريم بلفظ ( في صرة ) ليدل او ليجمع بين المعنيين الصياح و الاهتمام ، وهو تعبير دقيق عن معنى الاية ودلالة السياق فيها لا تقبل غيره .
14. ( الصك )
قال تعالى { فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ / الذاريات 29 }
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لسان العرب مادة ( علم ) 2 / 870 . ... ... ... (2) ينظر الكشاف 4/ 18 .
(3) ينظر العين ، والصحاح مادة ( صرر ) ، ولسان العرب مادة ( صرر ) 2/ 428 .
(4) ينظر شرح القصائد التسع للنحاس 1/ 181 .
... الصك في اللغة : ضرب الشيء بالشيء العريض ، وقيل : هو الضرب عامة باي شيء كان . (1)(1/114)
... فقيل : ان معنى ( صكت وجهها ) أي : لطمت وجهها بيدها(2)، وقيل : أي ضربت بجميع اصابعها جبهتها .(3) فيالروعة التعبير واختيار الالفاظ ودلالتها ، قال عودة خليل ابو عودة في دقة اختيار الالفاظ وقوة التعبير في الاية : (( انني اكاد اسمع صوت تلك الكلمات واشاهد تلك الحركة المفاجئة من زوجة ابراهيم ( عليه السلام ) عندما بشروها بانها ستلد بعد ان تقدم بها السن وياست منذ فترة طويلة من المحيض ، والى جانب هذا فاننا على يقين من ان أي كلمة اخرى في اللغة لا تقوم مقام كلمة ( صكت ) في هذا السياق المعبر )) .(4) فسبحان الله عما يصفون .
15. ( عقيم )
قال تعالى { فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عقِيمٌ / الذاريات 29 }
قال الخليل : (( عقمت الرحم عقما . وذلك هزمة تقع فيها فلا تقبل الولد .وكذلك عقمت المرأة فيها معقومة وعقيم . ورجل عقيم ورجال عقماء )) .(5)
فالعقيم صفة تاتي للذكر والانثى . وقد فسر الزمخشري قوله ( عقيم ) بان امراة سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) لم تقصد نفسها بل قصدت زوجها .(6) وقال غيره انها قصدت بها نفسها ، والتقدير : انا عجوز عقيم فكيف الد .(7)
والحاصل ان تعبير القران جاء في غاية الدلالة على المعنى ، اذ جاءت لفظة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر العين مادة ( صك ) ، ولسان العرب مادة ( صك ) 2/ 459 .
(2) ينظر معاني القران واعرابه 5/ 55 ، والبحر المحيط 8/ 138 .
(3) ينظر معاني القران للفراء 3/87 ، وتفسير غريب القران 421 .
(4) التطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القران 83 .
(5) اليعن مادة ( عقم ) .
(6) ينظر الكشاف 4/ 18 .
(7) ينظر اعراب القران 3/ 238 .
((1/115)
عقيم ) ايغالا في بيان هذا المعنى ، والايغال من اغراض الاطناب . وهو ان يؤتى بلفظة يتم المعنى بدونها ولكن يؤتى بها لغرض او لنكتة قصدا للايغال في بيان المعنى وتقريره في ذهن السامع(1) ، فنرى ان تعبير القران الكريم جاء غاية البلاغة والدلالة على هذا المعنى اذ ان لفظة ( عجوز ) صيغة من صيغ المبالغة في العجز ، والعجز وحده كاف في الدلالة على عدم الانجاب فكيف اذا بولغ فيه ؟ وكيف اذا اوغل في بيان معناه بان تلحقه لفظة اخرى زائدة على المعنى وهي لفظة ( عقيم ) .
ثالثا : الفاظ ايات الثناء
1. ( المناسك )
... قال تعالى { رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ / البقرة 128 }
النسك في اللغة : العبادة والطاعة ، ورجل ناسك : عابد ، والنسك : كل ما تقرب به الى الله – عز وجل - .(2)
اما قوله في الاية الكريمة ( مناسكنا ) فقد اختلف اهل التفسير في دلالة هذه اللفظة على اقوال : فمنهم من حملها على معناها الاصلي – اللغوي – والتقدير : ارنا متعبداتنا . (3) ومنهم من خصص دلالتها فكان التقدير عنده : ارنا معالم الحج.(4) فقد قيد معناها بمعالم الحج فقط دون غيرها ، ومنهم من قيد دلالة هذه اللفظة اكثر وهو سفيان الثوري ( ت 161 هـ) - رحمه الله – اذ ذكر رواية عن (( سفين عن ابن جريج عن عطاء في قوله ( وارنا مناسكنا ) ، قال : ذبايحنا )).(5) فقيد المناسك بالذبح فقط .
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الايضاح 1/ 305 .
(2) ينظر العين ، والصحاح مادة ( نسك ) ، ولسان العرب مادة ( نسك ) 3/ 628 .
(3) ينظر معاني القران واعرابه 1/ 209 .
(4) ينظر البحر المحيط 1/ 560 .
(5) تفسير سفيان الثوري 49 .(1/116)
... والذي يبدو لي ان المراد من (المناسك) في الاية الكريمة هو : معالم الحج ، لان هذا المعنى اشمل وابلغ ، اذ يحوي على التوجيهات الاخرى ، فمعناه: علمنا معالم الحج وامور العبادة وعرفنا بها ، والله أعلم .
2. ( سفه )
... قال تعالى { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ / البقرة 130 }
السفه والسفاهة في اللغة: خفة الحلم ، وقيل: نقيض الحلم ، وسفه فلان بالضم سفاهاً ، وسفاهةً ، وسفه بالكسر سفهاً ، لغتان أي : صار سفيهاً .(1)
أما دلالة هذه الكلمة في الاية الكريمة فقد فسرها قسم من العلماء بانها حملت وتضمنت معنى (جهل) ، فيكون التقدير : الا من جهل شأن نفسه . (2)
وقد جاء تعبير القرآن الكريم باختيار هذه اللفظة ووصفها في محلها لتدل ابلغ دلالة على هذا المعنى لان الانسان لا يفقد عقله تماماً وانما تصيبه خفة في الحلم والنظر الى الاشياء والتمييز بينها كما يميز الانسان بين الحق والباطل في بعض الامور ، فجاء تعبير القرآن ليدل بعبارة الاستفهام المجازية التي تدل على النفي بانه لا يوجد احد سوي يرغب عن ملة ابراهيم الا من اصابه طيش او سفاهة في الحلم ، أي خفة في الحلم تطيش به عن الوصول الى الحق والتمسك به ، فعبارة القرآن في غاية الدلالة والبلاغة على هذا المعنى .
3. ( الحنيف )
... قال تعالى في ثنائه على خليله { وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ / البقرة 135 }
... قال ابن فارس: (( الحاء والنون والفاء أصل مستقيم ، وهو الميل . يقال للذي يمشي على ظهور قدميه : احنف . وقال قوم – واراه الاصح – ان الحنف اعوجاج
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الصحاح مادة (سفه) .
(2) ينظر الإشارة إلى الإيجاز 76 ، والاستغناء في احكام الاستثناء 387 .
في الرجل الى داخل . ورجل احنف ، أي مائل الرجلين )) . (1)(1/117)
... اما الحنيف في الاية الكريمة فيراد به المائل عن الاديان كلها الى دين الله – عز وجل - ، او هو المسلم المخلص المستقيم . (2) وقد خص الله – عز وجل – خليله ابراهيم (عليه السلام ) بهذه الصفة دون غيره من الانبياء والمرسلين وان كانوا كلهم مائلين الى الحق عاملين بامر الله وطاعته ، وقد علل ابو حيان ذلك بقوله: ((لان الله اختص ابراهيم بالامامة لما سنه من مناسك الحج والختان وغير ذلك من شرائع الاسلام مما يقتدى به الى قيام الساعة )) . (3)
4. ( الناس ) .
... قال تعالى { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا / النساء 54 }
... الناس في اللغة: جمع انسان ، ولفظه مذكر ، وقد يؤنث على معنى القبيلة او الطائفة ، ومنه : جاءتك الناس ، ومعناه : جاءتك القبيلة او القطعة . (4)
... اما لفظ (الناس) في الاية الكريمة فقد جعله العلماء على قولين : فمنهم من قال انه لفظ اريد به الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) واصحابه(5) ، وهو موافق لما اريد به في اللغة ، ومنهم من قال انه – أي لفظ الناس – دل على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) فقط . (6) فيدخل ضمن الاساليب البلاغية وهو ما يسمى بالمجاز المرسل وذلك باطلاق لفظ العام على الخاص .
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) مقاييس اللغة مادة ( حنف ) .
(2) ينظر البحر المحيط 1/578 .
(3) المصدر نفسه 1/578 .
(4) ينظر لسان العرب مادة ( أنس ) 1/112 .
(5) ينظر التفسير الكبير 10/139 .
(6) ينظر البرهان في علوم القرآن 3/7 .
5. ( الاواه )
... قال تعالى { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ / هود 75 }
... الاواه في اللغة : الرجل الكثير الحزن ، والتأوه والتوجع على الناس(1) ، قال المثقب العبدي : (2)
اذا ما قمت ارحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين(1/118)
... وقد أريد بـ( الاواه ) في الاية الكريمة شدة اهتمام سيدنا ابراهيم (عليه السلام) بهموم الناس ، فهو كناية عند اهل البلاغة . (3)
6. ( الامة )
قال تعالى { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ / النحل 120 }
... قال الجوهري : (( الامة : الجماعة ... والامة : الطريقة والدين . يقال : فلان لا أمة له : أي لا دين له )) . (4)
... اما دلالة ( الامة ) في الاية الكريمة فقد اختلف العلماء فيها على اقوال : الاول : وتعني انه – عليه السلام – معلم للخير . (5) والثاني : وتعني انه رجل جامع للخير يقتدى به . (6) والثالث : وتعني انه الرجل الذي يؤتم به . (7)
... وتعبير القرآن هنا جاء في غاية البلاغة اذ ان اشتمال لفظ ( أمة ) على هذه
ـــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر مقاييس اللغة مادة ( أوه ) ، ولسان العرب مادة ( أوه ) 1/136 .
(2) ينظر شعر المثقب العبدي 39 .
(3) ينظر التحرير والتنوير 12/123 .
(4) الصحاح مادة ( امم ) .
(5) ينظر معاني القرآن للفراء 2/114 ، وتفسير غريب القرآن 249 .
(6) ينظر معترك الاقران 2/29 ، وغريب القرآن 27 .
(7) ينظر اتفاق المباني وافتراق المعاني للدقيقي 234 ، وتفسير القرآن العظيم 2/590 ، والوجوه والنظائر لهارون بن موسى 65 .
المعاني خير من ان تختار لفظة ينحصر المراد منها في معنى واحد ، لان اشتمال هذه اللفظة على تلك الاحتمالات من المعاني مما يجعل النفس تتصور وتتخيل هذه المعاني جميعها ويدفعها للنشاط في البحث عن المعنى المراد ، والله أعلم .
7. ( الحسنة )
... قال تعالى { وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ / النحل 122 }
... الحسنة : ضد السيئة ، وجمعها : حسنات . (1)(1/119)
... أما معنى الحسنة في الاية الكريمة فقد اختلف العلماء فيها على اقوال : الاول : قال الفخر الرازي : (( قال قتادة ان الله حببه الى كل الخلق فكل أهل الأديان يقرون به ، أما المسلمون واليهود والنصارى فظاهر ، واما كفار قريش وسائر العرب فلا فخر لهم إلا به )) . (2) والثاني : قيل في معناها : ان الصلاة عليه – على سيدنا إبراهيم – مقرونه بالصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في التشهد . (3) والثالث : ومعناها ان الله – عز وجل – قد جمع له كل ما يحتاج إليه المؤمن في حياته الطيبة . (4) والرابع : قيل ان المراد بالحسنة : الولد الصالح الطيب . (5)
... والذي يبدو لي ان الوجه الثالث اقرب إلى الصواب لانه يشمل كل ما قيل في معنى الحسنة من ولد وذكر طيب بين الناس وغير ذلك ، فهذا كله يحتاج اليه المؤمن في حياته ، والله اعلم .
8. ( الرشد )
... قال تعالى { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ / الأنبياء 51 }
ــــــــــــــــــــ
(1) ينظر لسان العرب مادة ( حسن ) 1/638 .
(2) التفسير الكبير 20/135 .
(3) ينظر الجامع لأحكام القرآن 10/198 .
(4) ينظر تفسير القرآن العظيم 2/591 .
(5) ينظر تفسير البيضاوي 3/194 .
... الرشاد خلاف الضلال ، قال الخليل : (( رشد فلان اذا اصاب وجه الامر والطريق ، والارشاد : الدلالة والهداية )) . (1)
... وقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره ان معنى ( رشده ) في الاية الكريمة دلت على النبوة فقال : (( واحتجوا عليه بقوله ( وكنا به عالمين ) ، قالوا لانه – تعالى – انما يخص بالنبوة من يعلم من حاله انه في المستقبل يقوم بحقها ويجتنب ما لا يليق بها )) . (2)
9. ( الشيعة )
... قال تعالى { وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ / الصافات 83 }(1/120)
... قال الخليل : (( المشايعة : متابعتك انساناً على امر ... والشيعة : قوم يتشيعون ، أي : يهوون اهواء قوم ويتابعونهم . وشيعة الرجل : اصحابه ، واتباعه . وكل قوم اجتمعوا على امر فهم شيعة )) . (3) والى هذا المعنى ذهب بقية اهل اللغة في معاجمهم . (4)
... والمراد بقوله – في الاية الكريمة – ( ان من شيعته لإبراهيم ) ، قال البيضاوي : (( ممن شايعه في الايمان واصول الشريعة )) . (5) وقال الشوكاني : (( أي من اهل دينه وممن شايعه ووافقه على الدعاء الى الله والى توحيده )) . (6)
10. ( السليم )
... قال تعالى { وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ(83)إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ / الصافات 84 }
ــــــــــــــــــــــــ
(1) العين مادة ( رشد ) .
(2) التفسير الكبير 22/179 –180 .
(3) العين مادة ( شيع ) .
(4) ينظر الصحاح ، ومقاييس اللغة مادة ( شيع ) ، ولسان العرب مادة ( شيع ) 2/393 .
(5) تفسير البيضاوي 5/7 .
(6) فتح القدير 4/401 .
... السليم : السالم ، وسلم فلان من الآفات سلامة ، وقلب سليم : أي سالم . (1)
... اما معنى (القلب السليم ) في الاية الكريمة ، فقد ذهب العلماء في دلالتها الى اقوال : الاول : ما ذكره النحاس بقوله : (( قال عوف الاعرابي : سألت محمد بن سيرين ما القلب السليم ؟ فقال : الناصح لله في خلقه )) . (2) والثاني : أي سليم من جميع أمراض القلوب وافاته . (3) وهذا الوجه أقرب الى المعنى اللغوي . والثالث : أي انه سالم من الشرك بالله مخلص له التوحيد . (4)
... والذي يبدو لي ان معنى ( القلب السليم ) شمل كل ما قاله العلماء ، وذلك لانه يجب ان تجتمع هذه الصفات كلها في النبي كي يكون نبياً ، فكيف اذن بسيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) وهو ابو الانبياء .
11. ( وفى )
... قال تعالى { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى / النجم 37 }
... الوفاء : ضد الغدر ، ووفى فلان بعهده واوفى بمعنى واحد ، ورجل وفي وميفاء : أي ذو وفاء .(5)(1/121)
... اما قوله – عز وجل – في ثنائه على خليله ( وفى ) فعند العلماء على اوجه : الاول : ويعني انه بلغ . (6) و الثاني : انه (( وفى جميع شرائع الاسلام وجميع ما امر به من الطاعة لان الله تعالى ذكر عنه انه وفى فعم بالخبر عن توفيته جميع الطاعة ولم يخصص بعضا دون بعض )) .(7) والثالث : انه استقل باعباء الرسالة
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر العين ، والصحاح مادة ( سلم ) ، ولسان العرب مادة ( سلم ) 2/ 192 .
(2) اعراب القران 2/ 756 .
(3) ينظر الكشاف 3/ 344 ، وتفسير البيضاوي 5/7 .
(4) ينظر جامع البيان 23/ 44 .
(5) ينظر الصحاح مادة ( وفى ) ، ولسان العرب مادة ( وفى ) 3/ 960 .
(6) ينظر معاني القران للفراء 3/ 101 ، وتفسير غريب القران 429 .
(7) جامع البيان 27 / 43 .
والنبوة ، والصبر على الاذى في سبيل الله وعلى ذبح ولده عندما امر بذبحه ، وعلى نار نمروذ التي القي فيها ، وعلى اكرامه لاضيافه وخدمته لهم بنفسه . (1)
... والذي يبدو لي ان كل ما قيل في حقه –عليه السلام – كان صائبا ومتحققا ، ولهذا جاء الخبر –كما قال الطبري –عاما،ولم يخصص شيئا دون اخر ، والله اعلم.
12. ( الفتنة )
... قال تعالى على لسان خليله وهو يثني على ربه { رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ / الممتحنة 5 }
... قال الجوهري : (( الفتنة : الامتحان والاختبار . تقول : فتنت الذهب اذا ادخلته النار لتنظر ما جودته ... وافتتن الرجل وفتن ، فهو مفتون ، اذا اصابته فتنة فذهب ماله او عقله )) .(2)(1/122)
... اما معنى الفتنة في الاية الكريمة – ( ربنا لاتجعلنا فتنة للذين كفروا ) – فتقديرها :لا تظهرن علينا الكفار فيروا انهم على حق وانا على باطل فيفتتنوا بذلك(3) ، فالفتنة ههنا اعجاب الكفار بكفرهم . وذكر ابو حيان معنى اخر للفتنة فقال : (( أي لا تسلطهم علينا فيسبوننا ويعذبوننا ))(4) ثم رجح ابو حيان ذلك وقال : (( لانه دعاء لانفسهم ، وعلى قول غيره دعاء للكافرين )) .(5)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الكشاف 4/ 33 .
(2) الصحاح مادة ( فتن ) .
(3) ينظر معاني القران للفراء 3/ 150 ، ومعاني القران واعرابه 5/ 175 .
(4) البحر المحيط 8/ 253 .
(5) المصدر نفسه 8/ 253 .
المبحث الثاني
الدلالة النحوية
اولا : دلالة حروف المعاني
... الحرف لغة : الحرف بالاصل : (( الطرف والجانب ، وبه سمي الحرف من حروف الهجاء )).(1)
... الحرف اصطلاحا : قال سيبويه : (( الكلم اسم وفعل ، وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل )) .(2) وقال ابن فارس : (( وكان الاخفش يقول : ما لم يحسن له الفعل ولا الصفة ولا التثنية ولا الجمع ولم يجز ان يتصرف فهو حرف )).(3) والى هذا المعنى ذهب ابن السراج ( ت 315 هـ) .(4)
... والحروف في العربية تنقسم على قسمين : حروف مبنى ، وحروف معنى .
... وساتناول في هذا المبحث بعض حروف المعاني التي لها دلالات في ايات الدعوة والبشرى والثناء . وقبل الخوض في الكلام لابد من تعريف لحروف المعاني، فقد حدت حروف المعاني بحدود كثيرة منها قول ابن كيسان ( ت 299 هـ) : (( وحروف المعاني ما لم يكن اسما ولا فعلا ، ولكن يتعلق باحدهما نحو : ان ، وليت ، وفي ، ومن ، ولم ، ولن ، وما اشبه ذلك )) .(5) وقد حدت حروف المعاني بحدود اخرى لا يتسع المقام لبيان كل تلك الحدود .(6)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لسان العرب مادة (حرف ) 1/ 610 .
(2) الكتاب 1/ 12 .
(3) الصاحبي 86 . ... ... ... ... (4) ينظر الاصول في النحو 1/ 37 .
((1/123)
5) مجلة المورد – الموفقي في النحو – لابن كيسان ، مج 4/ ج2 / ص 106، تحقيق د. عبد الحسين الفتلي ، د. هاشم طه شلاش .
(6) ينظر حروف المعاني في معجم لسان العرب ، رسالة ماجستير لـ( يوخنا مرزا يوخنا ) ، اذ ذكر تفصيلات عن حروف المعاني وتقسيماتها .
دلالة حروف المعاني في ايات الدعوة والبشرى والثناء
1. دلالة بعض حروف الجر
أ. ( على )
... ومنه قوله تعالى على لسان خليله في ثنائه على الله { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ / ابراهيم 39 }
... ان ( على ) في قوله ( على الكبر ) جاءت للدلالة على معنى ( مع ) ، فقد ذكر الزمخشري انها بمعنى ( مع ) ، وهي في موضع الحال والتقدير : وهب لي وانا كبير وفي حال الكبر ، كقول الشاعر : (1)
اني على ما ترين من كبري ... ... اعلم من حيث تؤكل الكتف
والتقدير : اني مع كبري .(2)
... اما ابو حيان فانه يرى ان معنى ( على ) في هذا الموضع للاستعلاء المجازي فقال : (( ( على ) للاستعلاء ، لكنه مجاز اذ الكبر معنى لا جرم يتكون ، وكانه لما اسن وكبر صار مستعليا على الكبر )) .(3) فنرى ان استعمال القران الكريم لهذا الحرف – على – جاء في غاية الدقة في التعبير عن معنى المعية او الاستعلاء بحيث لا يتقبل أي تغيير او استبداله باي تعبير اخر ، والله اعلم .
ب. ( من )
... ومنه قوله تعالى على لسان خليله ايضا في ثنائه على الله { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ / ابراهيم 36 }
... ذهب الفخر الرازي الى ان ( من ) في قوله ( فانه مني ) جاءت دالة على التبعيض ، والتقدير : فانه صار مجرى بعضي لفرط اختصاصه به وقربه مني .(4)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لم اعثر على قائله .
(2) ينظر الكشاف 2/ 381 .
((1/124)
3) البحر المحيط 5/ 422 . ... ... ... ... (4) ينظر التفسير الكبير 19/ 133 .
... وذهب الالوسي الى ان ( من ) اتصالية فقال : (( وتسميتها اتصالية لانه يفهم منها اتصال شيء بمجرورها ، وهي ابتدائية الا انها ابتدائية باعتبار الاتصال ... يعني : ان مجرورها ليس مبتدأ او منشأ لنفس ما قبلها بل لاتصاله )) .(1)
... وعلى كل حال فان المعنيين اللذين ذكرهما العلماء متجهان ويجدان مكانهما في معنى الاية سواء كانت ( من ) للتبعيض الذي هو فرط الاختصاص والقرب من صاحب الدعوة ، ام كانت اتصالية للاشارة الى معنى الاتصال والتمازج بين الطرفين واتصال بعضهما ببعض بسبب الاتباع ، والله اعلم .
ج. ( عن )
... ومنه قوله تعالى { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ / التوبة 114 }
... فقد ذهب الاخفش الى ان ( عن ) في قوله ( الا عن موعدة ) دلت على معنى ( بعد ) فقال : (( تريد : الا من بعد موعدة ، كما تقول : ما كان هذا الشر الا عن قول كان بينكما ، أي : عن ذلك صار )) .(2)
... وذهب قسم من العلماء الى ان ( عن ) في الاية الكريمة جاء تعليلية ، والتقدير : الا لاجل موعدة .(3) ، فاراد – عز وجل – ان يعلل سبب استغفار ابراهيم ( عليه السلام ) لابيه الكافر ، فقد كان استغفاره – عليه السلام – لابيه لاجل ايفائه بالوعد الذي وعده اياه ولهذا اثنى الله تعالى عليه في اخر الاية بقوله ( ان ابراهيم لاواه حليم ) ، والله اعلم .
د. ( اللام )
... ومن قوله تعالى على لسان خليله في دعوته لابيه وقومه { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ / الانبياء 52 }
ـــــــــــــــــــــــــــ
((1/125)
1) روح المعاني 13 / 235 . ... ... ... ... (2) معاني القران للاخفش 2/ 338 (3) ينظر الجنى الداني 263 ، وارتشاف الضرب لابي حيان الاندلسي 2/ 447 ، وحاشية
الجمل على تفسير الجلالين 1 / 322 .
... ذهب القرطبي الى ان ( اللام ) في قوله ( لها عاكفون ) جاءت للتعدية ، على تقدير : أي مقيمون على عبادتها .(1) وقد رد الشوكاني هذا الرأي فقال : (( لو كانت للتعدية لجيء بكلمة ( على ) أي : ما هذه الاصنام التي انتم مقيمون على عبادتها )).(2)
... وذهب كل من ابي حيان والالوسي الى ان ( اللام ) في هذه الاية جاءت تعليلية والتقدير : لتعظيمها . (3)
2. دلالة نون الوقاية
... ومنه قوله تعالى على لسان ابراهيم وهو يدعو قومه الى ترك الاصنام وعبادة الله { فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ / الانعام 78 } . وقوله تعالى على لسان خليله في دعوته ايضا { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ / الزخرف 26 } .
... فقوله في اية الانعام ( اني بريء ) ، وقوله في اية الزخرف ( انني براء ) فيه دلالة لطيفة وقف عندها الدكتور فاضل السامرائي مبينا السبب فقال : (( فان ابراهيم ( عليه السلام ) في اية الانعام في مقام الحيرة ، والبحث عن الحقيقة لا يعرف ربه على وجه التحقيق ، فقد ظن ان الكوكب ربه ثم القمر ثم الشمس ثم اعلن البراءة من كل ذلك . اما في اية الزخرف فهو في مقام التبليغ فقد اصبح نبيا مرسلا من ربه اعلن حربه على الشرك واعلن البراءة مما يعبد قومه فهناك فرق بين المقامين والبراءتين ولذا جاء بالاية الاولى بـ( اني ) ، وفي الثانية بـ( انني ) لانه في مقام اكثر توكيدا )) .(4) فذكر النون في اية الزخرف للتوكيد ، وعدم ذكرها في الموضع الاخر لعدم الحاجة له ، فناسب كل تعبير موطنه وسياقه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
((1/126)
1) ينظر الجامع لاحكام القران 11/ 296 .
(2) فتح القدير 3/ 411 .
(3) ينظر البحر المحيط 6/ 299 ، وروح المعاني 17/ 59 .
(4) معاني النحو 1/ 388 .
3. دلالة العطف
... ومنه قوله تعالى { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ / البقرة 127 }
... ذهب العلماء الى ان الواو في قوله ( واسماعيل ) هي واو العطف ، فيكون ( اسماعيل ) معطوف على ( ابراهيم ) والتقدير : يقولان ربنا تقبل منا .(1) وذهب ابن هشام الى ان هذه الواو هي واو الحال ، والتقدير : واسماعيل الذي قال ربنا تقبل منا .(2)
... والذي يبدو لي ان ما ذهب اليه العلماء من ان الواو عاطفة هو الارجح ، لان سياق الدعاء بقوله ( ربنا تقبل منا ) يوحي باشتراكهما في فعل القول ، ولو كان القائل اسماعيل ( عليه السلام ) فقط لقال : رب تقبل مني او منا ، والله اعلم .
... وقوله تعالى { وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ / العنكبوت 16 }
... فقد ذهب جمهور العلماء الى ان الواو في قوله ( وابراهيم ) هي واو العطف ، الا انهم اختلفوا في العطف ، فمنهم من قال ان ( ابراهيم ) معطوف على ( نوحا ) في قوله ( ولقد ارسلنا نوحا الى قومه / العنكبوت 14 ) ، فيكون التقدير : وارسلنا ابراهيم . (3) وذهب غيرهم من العلماء الى ان ( ابراهيم ) معطوف على الهاء في قوله ( فانجيناه / العنكبوت 15 ) (4) ، والتقدير : وانجينا ابراهيم .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر معاني القران للفراء 1/ 78 ، ومعاني القران واعرابه 1/ 208 ،
وتفسير القران الكريم ( بحر العلوم ) 479 ، والبحر المحيط 1/ 558 .
(2) ينظر مغني اللبيب 2/ 830 .
(3) ينظر معاني القران واعرابه 4/ 164 ، والبحر المحيط 7/ 141 ،وفتح القدير 4/ 196.
((1/127)
4) ينظر اعراب القران 2/ 566 ، فقد نقل النحاس هذا الرأي عن الكسائي ،
ومشكل اعراب القران 2/ 551 ، والتبيان في اعراب القران 2/ 1030 .
... والذي يبدو لي ان العطف يشمل الوجهين لانه يحقق المعنى من ارسال سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) من عند ربه ثم انجائه من نار النمروذ ، والله اعلم .
ثانيا: دلالة بعض المصطلحات النحوية في ايات الدعوة والبشرى والثناء
1. دلالة الضمير
... ومنه قوله تعالى على لسان خليله في الثناء على الله { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ / البقرة 129 }
... فقد ذكر ابو حيان ان الضمير في قوله ( فيهم ) فيه ثلاثة اوجه : الاول : انه يعود على الذرية في قوله ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك / البقرة 128 ) ، فيكون التقدير : وابعث في الذرية ، والثاني :انه يعود على ( امة مسلمة ) ، والثالث : انه يعود على اهل مكة . (1) وقد رجح ابو حيان الوجه الثالث بقوله : (( ويؤيده قوله ( هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم / الجمعة 62 ) ، ولا خلاف انه رسول الله محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وصح عنه انه قال ( انا دعوة ابي ابراهيم ) ، ولم يبعث الله الى مكة وما حولها الا هو – صلى الله عليه وسلم - )) .(2)
... وقوله تعالى { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ / الانعام 84 }
... اختلف العلماء في عود الضمير في قوله ( ومن ذريته داود ) ، فمنهم من قال انه يعود على سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) ، ومنهم من قال انه يعود على نوح ( عليه السلام ) ، ومنهم من جوز الوجهين .(1/128)
... فقد رجح الزجاج عود الضمير على ابراهيم فقال : (( وجائز ان يكون من
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر البحر المحيط 1/ 563 .
(2) ينظر المصدر نفسه 1/ 563 ، فقد ورد لفظ الحديث في البداية والنهاية لابن كثير 2/ 275
، والجامع الصغير في احاديث البشير النذير للسيوطي 1/ 414 .
ذرية ابراهيم لان ذكرهما جميعا قد جرى )) (1) ، ثم ذكر الباقولي تعليلا ثانيا يؤكد ما ذهب اليه الزجاج فقال : (( ولان الله اراد تعداد الانبياء من ولد ابراهيم ( عليه السلام ) امتنانا عليه بهذه النعمة ، وليس القصد ذكر اولاد نوح )).(2) وقد ذكر ابو حيان ان ابن عباس ( رضي الله عنه ) قد ذهب الى ذلك المعنى .(3)
اما جمهور العلماء فقد ذهبوا الى ان الضمير يعود على نوح( عليه السلام ) (4)
، فساق بعضهم الدليل على ذلك ، فقد احتج الطبري بعود الضمير الى نوح بقوله : (( ان الله تعالى ذكر في سياق الايات التي تتلو هذه الاية لوطا فقال ( واسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين / الانعام 86 ) ، ومعلوم ان لوطا لم يكن من ذرية ابراهيم ( صلى الله عليه وسلم ) فاذا كان كذلك وكان معطوفا على اسماء من سمينا من ذريته كان لاشك انه لو اريد بالذرية ذرية ابراهيم لما دخل يونس ولوط فيهم ، ولا شك ان لوطا ليس من ذرية ابراهيم ولكنهم من ذرية نوح فلذلك وجب ان تكون الهاء في الذرية من ذكر نوح ، فتاويل الكلام : ونوحا وفقنا للحق والصواب من قبل ابراهيم واسحاق ويعقوب وهدينا ايضا من ذرية نوح داود و سليمان )) .(5)
... وهذا الدليل جعله الفخر الرازي احد ادلته الاربعة في عود الضمير الى نوح ، اما الادلة الثلاثة عنده – الرازي – فهي : (( الاول : ان نوحا اقرب المذكورين وعود الضمير الى الاقرب واجب ... والثالث : ان ولد الانسان لايقال انه ذريته ، فعلى هذا اسماعيل ( عليه السلام ) ما كان من ذرية ابراهيم بل من ذرية نوح
ــــــــــــــــــــــــــ
((1/129)
1) معاني القران واعرابه 2/ 269 .
(2) اعراب القران المنسوب للزجاج 2/ 562 .
(3) ينظر البحر المحيط 4/ 177 .
(4) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر معاني القران للفراء 1/ 342 ،
ومعاني القران للاخفش 2/ 281 ، ومشكل اعراب القران 1/ 259 ،
والبيان في غريب اعراب القران 329 – 330 .
(5) جامع البيان 7/ 172 .
( عليه السلام ) . الرابع : قيل ان يونس ( عليه السلام ) ما كان من ذرية ابراهيم
( عليه السلام ) وكان من ذرية نوح ( عليه السلام ) )) .(1)
... والذي يبدو لي ان الضمير في ( ومن ذريته ) يعود على ابراهيم ( عليه السلام ) لانه المقصود بالذكر في الايات السابقة لهذه الاية ، ولان الله تعالى ذكر نعمته على ابراهيم بان جعل اغلب الانبياء من ذريته ، ويؤكد هذا قوله في اخر الاية ( وكذلك نجزي المحسنين ) ، أي كجزاء ابراهيم ( عليه السلام ) من ايتاء الحجة وهبة الاولاد ، والله اعلم .
... وقوله تعالى على لسان خليله في دعوته لقومه { قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ / الانبياء 56 } .
... ذهب قسم من العلماء الى ان الضمير في قوله ( فطرهن ) يعود على السماوات والارض ، أي : الذي فطر السماوات والارض .(2) وذهب غيرهم الى ان الضمير يعود على التماثيل في قوله ( ما هذه التماثيل التي انتم لها عاكفون / الانبياء 52 ) ، لانه ادخل في تضليلهم واثبت للاحتجاج عليهم . (3)
... والذي يبدو لي ان الضمير يعود على السماوات والارض ، لان السماوات احتوت على ما يعبد قوم ابراهيم من نجوم وكواكب ، فهو – عز وجل – فطر هذه السماوات التي فيها الكواكب ، والارض احتوت على ما تصنع منها الاصنام من حجارة ونحاس وغيرها ، فهو – عز وجل – فاطرها ايضا ، فعود الضمير على السماوات والارض اشمل من عوده على التماثيل ، والله اعلم .(1/130)
... وقوله تعالى { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ / الانبياء 58 }
ذهب قسم من العلماء الى ان الضمير في قوله ( لعلهم اليه ) فيه وجهان :الاول:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التفسير الكبير 13/ 64 .
(2) ينظر جامع البيان 17 / 28 ، والجامع لاحكام القران 11/ 296 ، والبحر المحيط 6/300
(3) ينظر الكشاف 2/ 576 ، وتفسير البيضاوي 4/ 42 .
ان الضمير يعود على ابراهيم ( عليه السلام ) ، والمعنى : انه فعل ذلك ترجيا منه ان يعقب ذلك رجوعهم اليه والى شرعه ودينه (1) ، وقد علل البيضاوي سبب عود الضمير على ابراهيم بقوله : (( لانه غلب على ظنه انهم لايرجعون الا اليه لتفرده واشتهاره بعدواة الهتهم فيحاجهم بقوله ( بل فعله كبيرهم ) فيحجهم )) .(2) والوجه الثاني : ان الضمير يعود على الاصنام ، والمعنى : لعلهم يرجعون الى كبيرهم كما يرجع الى العالم في حل المشكلات .(3)
... والذي يبدو لي ان الوجه الاخير – وهو عود الضمير على الاصنام – اقرب للصواب ، لانه يحقق المعنى المطلوب ، ولانه – عليه السلام – عندما سالوه اجاب قائلا ( بل فعله كبيرهم هذا ) ، ويعني انه – عليه السلام – اراد ان يرجعوا اليه – أي الى كبير الاصنام – في حل هذه المشكلة العظيمة – عملية التكسير – وهذا سبب ابقاء كبير الاصنام دون تكسير، والله اعلم .
... وقوله تعالى { وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ / الصافات 83 }
... ذهب الفراء ( ت 207 هـ) الى ان الضمير في قوله ( من شيعته ) يعود على النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فقال في معنى الاية : (( ان من شيعة محمد لابراهيم ( صلى الله عليه وسلم ) يقول على دينه ومنهاجه ، فهو من شيعته ، وان كان ابراهيم سابقا له . وهذا مثل قوله ( واية لهم انا حملنا ذريتهم / يس 41 ) أي : ذرية من هو منهم ، فجعلها ذريتهم وقد سبقتهم )) .(4)(1/131)
... وذهب اكثر العلماء الى ان الضمير في هذه الاية يعود على نبي الله نوح ( عليه السلام ) (5) ، فساق بعضهم الادلة والحجج ، فقد رجح هذا الوجه القرطبي
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر الجامع لاحكام القران 11/ 298 ، والبحر المحيط 6/ 301 ، وفتح القدير 3/413.
(2) تفسير البيضاوي 4/42 .
(3) ينظر الكشاف 2/ 576 ، والتفسير الكبير 22/ 183 ، وتفسير القران العظيم 3/182.
(4) معاني القران للفراء 2/ 388 .
(5) ينظر جامع البيان 23/ 44 ، ومعاني القران واعرابه 4/ 308 .
في تفسيره بقوله : (( وهو اظهر لانه هو المذكور اولا )) .(1) وعلل له – أي لهذا الوجه – ابو حيان ايضا بقوله : (( والاعرف ان المتاخر في الزمان هو شيعة للمتقدم ، وجاء عكس ذلك في قول الكميت : (2)
ومالي الا ال احمد شيعة ... ... ومالي الا مشعب الحق مشعب
جعلهم شيعة لنفسه )) .(3)
... والذي اميل اليه ما ذهب اليه الجمهور ، لان نبي الله نوح ( عليه السلام ) قد ذكرت قصته قبل هذه الاية ، فجاءت هذه الاية تؤكد ان سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) من شيعة نوح ( عليه السلام ) ، وهذا من الثناء على ابراهيم ( عليه السلام ) ، والله اعلم .
2. دلالة الاستثناء
... ومنه قوله تعالى على لسان خليله وهو يدعو قومه ويحاجهم لاظهار الحق وترك الباطل من عبادة الاصنام وغيرها { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا / الانعام 80 }(1/132)
... الاستثناء في قوله ( الا ان يشاء ربي شيئا ) فيه وجهان : الاول : ما ذهب اليه كل من القرطبي وابن كثير الى ان الاستثناء منقطع ، والتقدير : الا ان يشاء ان يلحقني شيء من المكروه بذنب عملته فتتم مشيئته ، أي : لا يضر ولا ينفع الا الله .(4) والوجه الثاني : ان الاستثناء في هذه الاية استثناء متصل ، والتقدير : الا وقت مشيئة ربي شيئا يخاف ، فحذف الوقت ، أي : لا اخاف معبوداتكم في وقت قط .(5)
ــــــــــــــــــــــــ
(1) الجامع لاحكام القران 15/ 91 .
(2) البيت في الهاشميات ، ينظر شرح الهاشميات 39 ، وشرح المفصل 2/ 79 .
(3) البحر المحيط 7/ 350 .
(4) ينظر الجامع لاحكام القران 7/29 ، وتفسير القران العظيم 2/ 152.
(5) ينظر البحر المحيط 4/ 174.
... وقوله تعالى { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ / الشعراء 77 }
... ذهب جمهور العلماء الى ان الاستثناء في هذه الاية استثناء منقطع ، والتقدير : لكن رب العالمين ، لانه – سبحانه وتعالى – ليس من جنس شيء من المخلوقات.(1) فان قوم ابراهيم ( عليه السلام ) على هذا التقدير لا يعبدون الا الاصنام .
... وقد جوز الزجاج ان يكون الاستثناء في هذه الاية استثناء متصلا فقال : (( يجوز ان يكونوا عبدوا مع الله الاصنام وغيرها فقال لهم : ان جميع من عبدتم عدو لي الا رب العالمين ، لانهم سوو الهتهم بالله فاعلمهم انه قد تبرأ مما يعبدون الا الله فانه لم يتبرأ من عبادته )) .(2)
... وقد ذهب الى هذا الرأي الدكتور سليمان الطراونة فقال : (( فلماذا لا نشبه قوم ابراهيم بقريش اذ كانوا يعبدون الاصنام رغم ايمانهم بالله ايمانا يشوبه كل انواع الغموض ؟ فقوله ( الا رب العالمين ) يعني : انه يعادي كل الهتهم الا رب العالمين الذي يؤمنون به ايضا )) .(3)(1/133)
... وهذا الذي ذهب اليه كل من الزجاج والطراونة راجح عندي لان الله تعالى اخبر – بهذه القصة – رسوله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) كيف ان ابراهيم ( عليه السلام ) تبرأ مما يعبد قومه من الاوثان واشراكهم اياها في عبادة الله ، والحال في قريش اشبه بحالهم ، والله اعلم .
... ومثله قوله تعالى { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ(26)إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ / الزخرف 27 }
... الاستثناء في قوله ( الا الذي فطرني ) فيه وجهان : الاول : انه استثناء منقطع
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر البيان في غريب اعراب القران 2/ 78 ،
والتفسير الكبير 24 / 843 ، والاستغناء في احكام الاستثناء 512 – 513،وفتح القدير 4/105
(2) معاني القران واعرابه 4/ 93 .
(3) دراسة نصية ادبية في القصة القرانية للدكتور سليمان الطراونة 77 .
والتقدير : لكن الذي فطرني فانه سيهدين . (1) والوجه الثاني : انه استثناء متصل ، فيكون قوم ابراهيم ( عليه السلام ) قد اشركوا مع عبادة الله تعالى عبادة الاصنام.(2)
3. دلالة الظرف
... ومنه قوله تعالى { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا / مريم 46 }
... ذهب العلماء الى ان لفظ ( مليا ) يجوز ان يكون ظرفا ، والتقدير : دهرا طويلا .(3) ومن ذلك قول المهلهل : (4)
فتصدعت صم الجبال لموته ... ... وبكت عليه المرملات مليا .(5)
... وذهب غيرهم الى ان ( مليا ) منصوب على الحال ، والتقدير : الذهاب عني والهجران قبل ان اثخنك بالضرب حتى لا تقدر ان تبرح .(6)
... والذي يبدو لي ان الوجه الاول – وهو النصب على الظرفية – اقرب للصواب ، لانه – عليه السلام – قد اغضب اباه فاراد ابوه ان لا يراه ابدا ، والله اعلم .(1/134)
... وقوله تعالى { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ / الانبياء 51 }
... في معنى الظرف ( قبل ) وجوه : الاول : ويعني من قبل نبي الله موسى وهارون ( عليهما السلام ) .(7) والثاني : عندما كان صغيرا قبل بلوغه وقبل زمان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر معاني القران واعرابه 4/ 409 ، واعراب القران 3/ 86 .
(2) ينظر التفسير الكبير 27/ 208 ، والجامع لاحكام القران 16/ 76 .
(3) ينظر تفسير سفيان الثوري 185 ، ومعاني القران للفراء 2/ 169 ،
والتبيان في اعراب القران 2/ 876 .
(4) لم اعثر عليه في شعر المهلهل .
(5) ينظر الجامع لاحكام القران 11/ 111 .
(6) ينظر الكشاف 2/ 511 ، والتفسير الكبير 21/ 228 ، وتفسير البيضاوي 4/9 .
(7) ينظر جامع البيان 17/ 27 ، والكشاف 2/ 575 ، وفتح القدير 3/ 411 .
الفكرة والنبوة . (1) والثالث : من قبل ان يخلقه الله تعالى حين كان في صلب ابيه ادم ( عليه السلام ) واخذ الله ميثاق الانبياء .(2)
... والذي يبدو لي ان الوجه الاخير يحقق المعنى ، وذلك لان الله – عز وجل – عندما يريد ان يختار نبيا يجتبيه على قومه ويعده قبل ان يخلق جسده لانه – تعالى – قادر على كل شيء ، والله اعلم .
4. دلالة البدل
... ومنه قوله تعالى { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ / الانعام 74 }
... ذهب جمهور العلماء الى ان لفظة ( ازر ) مجرور على البدل من ( لابيه ) لانه ممنوع من الصرف للعجمة (3) ، فيكون ( ازر ) على هذا الرأي اسما لابي ابراهيم ( عليه السلام ) ، قال الطبري : (( هو اسم ابيه لان الله تعالى اخبر انه ابوه وهو القول المحفوظ من قول اهل العلم )) .(4)(1/135)
... وقد رجح الفخر الرازي هذا الرأي بقوله : (( ان الامر على مايدل عليه ظاهر هذه الاية ان اليهود والنصارى والمشركين كانوا في غاية الحرص على تكذيب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) واظهار بغضه ، فلو كان هذا النسب كذبا لامتنع في العادة سكوتهم عن تكذيبه وحيث لم يكذبوه علمنا ان هذا النسب صحيح )).(5)
... اما الزجاج فقد ذهب الى ان ( ازر ) منصوب بفعل مضمر تقديره : ( واذ قال
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر تفسير غريب القران 286، واسرار التنزيل وانوار التاويل في علم الكلام للفخر الرازي 2/ 283 ، والجامع لاحكام القران 11/ 296 ، وتفسير القران العظيم 30/ 181 .
(2) ينظر البحر المحيط 6/299 .
(3) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر معاني القران للفراء 1 / 34 ، ومعاني القران للاخفش 2/ 287 ، ومشكل اعراب القران 1/ 258 .
(4) جامع البيان 7/ 159 .
(5) التفسير الكبير 13 / 38 .
ابراهيم لابيه اتتخذ ازر الها ؟ )(1) ، فيكون ( ازر ) على هذا التقدير اسم صنم.الا ان ابن كثير ضعف هذا الراي وساق له الدليل ، فقال : (( فاما من زعم انه منصوب لكونه معمولا لقوله ( اتتخذ اصناما ) تقديره : ياابت اتتخذ ازر اصناما الهة ، فانه قول بعيد في اللغة ، فان ما بعد حرف الاستفهام لا يعمل فيما قبله لان له صدر الكلام )) .(2)
... والراجح عندي ما ذهب اليه جمهور العلماء لاسيما دليل الفخر الرازي ، لان المشركين كانوا اشد حرصا على ايجاد ثغرة ضد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، والله اعلم .
... وقوله تعالى { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ / ص 45 }(1/136)
... ذهب جمهور العلماء الى ان كلا من ( ابراهيم ، واسحاق ، ويعقوب ) بدل من (عبادنا ) فكلهم مشترك وداخل في الذكر والعبودية .(3) قال النحاس : (( وشرح هذا من العربية انك اذا قلت : رايت اصحابنا زيدا وعمرا وخالدا ، فزيد وعمرو وخالد بدل منهم ، وهم الاصحاب ، واذا قلت : رايت صاحبنا زيدا وعمرا وخالدا ، فزيد وحده بدل وهو الصاحب ، وعمرو وخالد عطف على صاحبنا وليسا بداخلين في المصاحبة الا بدليل غير هذا ، غير انه قد علم ان قوله – جل وعز – ( واسحاق ويعقوب ) داخل في العبودية )) .(4)
... وقد ذهب الطبري الى ان ( واسحاق ويعقوب ) عطف بيان عن العبادة. (5)
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر معاني القران واعرابه 2/ 265 .
(2) تفسير القران العظيم 2/ 150.
(3) ينظر على سبيل الذكر لا الحصر معاني القران واعرابه 4/ 335 ،
ومشكل اعراب القران 2/ 626 ، والتبيان في اعراب القران 2/ 1102 ،
والجامع لاحكام القران 15/ 217 .
(4) اعراب القران 2/ 798 .
(5) ينظر جامع البيان 23/ 109 .
5. دلالة صاحب الحال
... ومنه قوله تعالى اخبارا عن سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) في دعوته لقومه
{ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ / الانعام 80 }
... فقوله ( وقد هدان ) اصلها ( هداني ) ومحلها النصب على الحال .(1) وقد اختلف العلماء في صاحب الحال على وجهين : الاول : انه ضمير المتكلم والتقدير : اتجادلونني في الله حال كوني مهديا من عنده .(2) والوجه الثاني : ان صاحب الحال لفظ الجلالة ، والتقدير : اتخاصمونني فيه حال كونه هاديا لي .(3)
... والذي يبدو لي ان صاحب الحال هو ضمير المتكلم لان المقام يقتضيه ولانه - عليه السلام – مهدي من عند الله بالنبوة ، والله اعلم .
6. دلالة الموصول(1/137)
... ومنه قوله تعالى { فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ / الانعام 78 }
... هذه الاية الكريمة هي من ايات الدعوة ، اذ ان ابراهيم ( عليه السلام ) بعد ان نظر في السماء ولم يجد من الكواكب ما يصلح ان يكون ربا يستحق العبادة اعلن براءته مما يعبد قومه من الاصنام والكواكب وغيرها .
... فقوله ( مما تشركون ) يحتمل ان تكون ( ما ) مصدرية فيكون التقدير : اني بريء من اشراككم .(4) فتكون البراءة هنا شاملة لكل شرك بالله . وقد تكون ( ما ) في هذه الجملة موصولة ، فيكون التقدير : اني بريء من الذي تشركونه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر البحر المحيط 4/ 174 ، وفتح القدير 2/ 134 .
(2) ينظر البحر المحيط 4/ 174 ، وروح المعاني 7/ 204 .
(3) ينظر حاشية الجمل على تفسير الجلالين 2/ 54 .
(4) ينظر المصدر نفسه 2/ 54 .
مع الله في عبادته .(1)
وقوله تعالى حكاية عن قوم سيدنا ابراهيم { قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنْ الظَّالِمِينَ / الانبياء 59 }
... ذهب ابو حيان الى ان ( من ) في هذه الجملة استفهامية خرجت الى معنى الانكار .(2) وذهب العكبري ( ت 616 هـ) الى ان ( من ) يجوز ان تكون موصولة والتقدير : قالوا الذي فعل هذا بالهتنا انه لمن الظالمين .(3)
... والذي يبدو لي ان ( من ) في هذه الجملة استفهامية ويفسرها الاية التي تلي هذا الاية وهي قوله تعالى ( قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم / الانبياء 60 ) فهذه الاية جواب السؤال في الاية السابقة ، والله اعلم .
... وقوله تعالى على لسان خليله { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ / الصافات 96 }(1/138)
... اختلف العلماء في( ما )على اوجه : الاول : انها في موضع نصب بـ( خلق ) معطوفة على الكاف والميم في قوله ( خلقكم ) ، وهي والفعل مصدر ، والتقدير : خلقكم وعملكم .(4) والثاني : انها موصولة بمعنى ( الذي ) ، والتقدير : والله خلقكم والذي تعملون منه الاصنام ، وهو الخشب والنحاس وغيرها .(5) والوجه الثالث ما ذهب اليه ابن الانباري بانها استفهامية في موضع نصب بـ( تعملون ) وقد خرج
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر فتح القدير 2/ 134 .
(2) ينظر البحر المحيط 6/ 302 .
(3) ينظر التبيان في اعراب القران 2/ 921 .
(4) ينظر مشكل اعراب القران 2/ 615 ، والتبيان في اعراب القران 2/ 1091،
والجامع لاحكام القران 15/ 96 .
(5) ينظر جامع البيان 23/ 47 ، والكشاف 3/ 346 – 347 ، وتفسير القران العظيم 4/13 ،
وفتح القدير 4/ 402 .
الاستفهام فيها الى معنى التحقير والتصغير لعملهم .(1)
... والذي يبدو لي ان ( ما ) في هذه الاية جاءت والفعل مصدرية ، لانه – عز وجل – خالق كل شيء ولانها – كما يقول مكي بن ابي طالب – (( اليق بها لانه – تعالى – قال ( من شر ما خلق / الفلق 2 ) فاجمع القراء المشهورون وغيرهم من اهل الشذوذ على اضافة ( شر ) الى ( ما خلق ) ، وذلك يدل على خلقه للشر )) .(2)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر البيان في غريب اعراب القران 2/ 306 .
(2) مشكل اعراب القران 2/ 615 .
ملحق بايات الدعوة والبشرى والثناء
اولا : ايات الدعوة
البقرة ... 132
الانعام
مريم
الانبياء
الشعراء
العنكبوت
الصافات
الزخرف
ثانيا : ايات البشرى
الانعام ... 84
هود
الحجر
مريم
الانبياء
العنكبوت
الصافات
الذاريات
ثالثا : ايات الثناء
البقرة ... 127
ال عمران
النساء
الانعام
التوبة
هود
ابراهيم
النحل
مريم
الانبياء
الشعراء
الصافات
ص
النجم
الحديد
الممتحنة
الخاتمة والنتائج(1/139)
الحمد لله الذي بمنه وفضله وصلت الى نهاية هذا البحث ، لذلك لابد من عرض اهم النتائج التي توصلت اليها من خلال البحث والاستقصاء وهي :
- ان قصة سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) تعد ثاني اطول قصة ورودا في كتاب الله العزيز بعد قصة سيدنا موسى ( عليه السلام ) ، اذ بلغ عدد ايات الدعوة والبشرى والثناء في القصة (125) اية احتوتها عشرون سورة في القران الكريم
- كان لاسلوب الدعوة الى الله الاثر الكبير في احتواء جميع جوانب القصة ، وهذا وكد جميع الانبياء والموحدين .
- وقفت الدراسة على الاعجاز البلاغي والدلالي في الايات الكريمات ، اذا لا تكاد تخلو اية من اسلوب بلاغي رفيع او دلالي معبر توضح معالمها وتبين اهدافها .
- بينت الدراسة ان علماء البلاغة وجدوا منهلا عذبا في هذه الايات الكريمات فاخذوا منها شواهدهم في كثير من اساليبهم البلاغية ، وهذا يدل على احتواء هذه الايات لاغلب هذه الاساليب البلاغية . وعلى الوتيرة نفسها ذهب علماء اللغة يزينون معاجمهم بالفاظ هذه الايات الكريمات من هذه القصة المباركة ، فجاءت المعاجم العربية تزخر بذكرها وتوضيح لغتها واستخداماتها .
- تبين ان القران الكريم باعجازه العظيم لم يترك هذه الايات من غير استخدام لاسلوب الالتفات الذي يكون فيه الانتقال من لون الى اخر في الكلام مما يزيد نشاط السامع والقارىء ، ويجعل الكلام متجددا عذبا سهلا .
- في اسلوب دعوته – عليه السلام – غلب استخدام اساليب ( الانكار ، والتوبيخ ، والتقرير ، والتحقير ، والاستهزاء ، ... الخ ) في حواره مع قومه وتسفيه الهتهم وصدهم عنها كي يرجعوا الى الله – عز وجل - .
- كان لسيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) حظ كبير في ثناء الله – تعالى – عليه ، اذ بدا ذلك واضحا باستخدام الفاظ حميدة في حقه مثل ( الخليل ، والاواه ، والحليم ، والحنيف ، والقانت ، ... الخ ) .(1/140)
- بينت الدراسة ان القران الكريم استخدم كثيرا من الالفاظ بمعان جديدة تختلف عما وضعت له في اصل اللغة ، ومنها لفظة (امة ) في قوله تعالى { إنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ / النحل 120 } ، اذ وقفت المعاجم وكتب
البلاغة والتفسير عند هذه الاية وقفات طويلة ولاسيما عند لفظة ( امة ) فجعلوا لتوضيحها معاني عدة ، وكل حسب رايه واجتهاده ، وجاءت جميع المعاني توضح علو مكانته – عليه السلام - .
- بينت الدراسة ان قوم سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) كانوا يعبدون الله – عز وجل – من خلال قوله تعالى { فانهم عدو لي الا رب العالمين /الشعراء 77 } ، فقد بينت الدراسة ان الاستثناء في الاية الكريمة استثناء متصل من خلال عرض اراء العلماء وترجيحاتهم بهذا الخصوص ، فيكون قوم سيدنا ابراهيم ( عليه السلام ) عبدوا الاصنام مع عبادتهم لله تعالى .
- توضح لي ان القصص القراني بحاجة الى دراسات حديثة تواكب روح العصر وتطوراته ، وكيفية استنباط معان دلالية جديدة تختلف عن الدراسات القديمة كمثيلاتها في جميع العلوم والفنون .
وختاما فالحمد لله رب العالمين الذي مكنني من اكمال هذا العمل الذي ارجو ان يكون الخطوة الاولى لاكمالي الدراسات القرانية ، فان اصبت فمن الله ، وان اخطأت فمني ومن الشيطان .
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم .
قائمة المصادر والمراجع
- اتفاق المباني وافتراق المعاني ، سليمان الدقيقي النحوي ( ت 614 هـ ) ، تحقيق د. يحيى عبد الرؤوف جبر ، دار عمار للنشر والتوزيع ، عمان ، ط1 ، 1405 هـ – 1985 م .
- الاتقان في علوم القران ، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي ( ت 911 هـ) ، وبهامشه كتاب اعجاز القران لابي بكر الباقلاني ، دار الفكر ، بيروت ، د.ط ، 1399 هـ – 1979 م .(1/141)
- اثر القران في تطور النقد العربي ، د. محمد زغلول سلام ، قدم له الاستاذ محمد خلف الله احمد ، دار المعارف ، مصر ، ط2 ، 1968 م .
- الاحكام في اصول الاحكام ، الحافظ ابو محمد علي بن حزم الاندلسي الظاهري ، اشرف على الطبع احمد شاكر ، مطبعة العاصمة بالقاهرة ، د.ط ، د.ت .
- ادب الكاتب ، ابن قتيبة ( ت 276 هـ) ، حققه وضبط غريبه وشرح ابياته والمهم من مفرداته محمد محيي الدين عبد الحميد ، مطبعة السعادة ، مصر ، ط3 ، 1958 م .
- ارتشاف الضرب من لسان العرب ، ابو حيان الاندلسي ( ت 745 هـ ) ، تحقيق وتعليق د. مصطفى احمد النماس ، مطبعة المدني ، مصر ، ج1 ، ط1 ، 1404 هـ – 1984 م ، ج2 ط1 ، 1408 هـ – 1987 م ، ج3 ط1 ، 1409 هـ – 1989 م .
- اساس البلاغة ، جار الله محمود بن عمر الزمخشري ( ت 538 هـ) ، تحقيق عبد الرحيم محمود ، عرف به امين الخولي ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت ، د.ط ، 1399 هـ – 1979 م .
- الاستغناء في احكام الاستثناء ، شهاب الدين القرافي ( ت 682 هـ ) ، تحقيق د. طه محسن ، مطبعة الارشاد ، بغداد ، د.ط ، 1402 هـ – 1982 م .
- اسرار البلاغة ، في علم البيان ، الامام ابو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني ( ت 471 هـ) ، تحقيق هـ. ريتر ،مطبعة وزارة المعارف ، استانبول ، ط2 ، 1399 هـ – 1979 م .
- اسرار التكرار في لغة القران ، د. محمود السيد شيخون ، مكتبة الكليات الازهرية ، ط1 ، 1983 م .
- اسرار التنزيل وانوار التاويل في علم الكلام ، فخر الدين الرازي ( ت 606 هـ) ، تحقيق محمود احمد محمد ، بابا علي الشيخ عمر ، صالح محمد عبد الفتاح ،د.ط ، د.ت.
- الاشارة الى الايجاز في بعض انواع المجاز ، ابو محمد عزالدين بن عبد السلام ( ت 660 هـ ) ، الناشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة ، مطابع دار الفكر بدمشق ،د.ط ، د.ت .(1/142)
- الاشباه والنظائر في النحو ، السيوطي ، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد ، شركة الطباعة الفنية المتحدة ، شارع العباسية ، د.ط ، 1395 هـ – 1975 م .
- اعراب القران ، ابو جعفر احمد بن محمد بن اسماعيل النحاس ( ت 338 هـ ) ، تحقيق د.زهير غازي زاهد ، مطبعة العاني ، بغداد ، د.ط ، د.ت .
- اعراب القران للباقولي ، تحقيق ودراسة ابراهيم الابياري ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، ط3 ، 1406 هـ – 1986 م .
- الانصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين ، كمال الدين ابو البركات عبد الرحمن بن محمد بن ابي سعيد الانباري النحوي ( ت 577 هـ ) ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، دار الجيل ، بيروت ، د.ط ، 1982 م.
- الايضاح في علوم البلاغة ، الخطيب القزويني ( ت 739 هـ ) ، شرح وتعليق وتنقيح د.محمد عبد المنعم الخفاجي ، دار الكتاب اللبناني ، ط4 ، 1975 م .
- البحر المحيط ، ابو حيان الاندلسي ، دراسة وتحقيق الشيخ عادل احمد عبد
الموجود ، واخرين ، قرضه أ.د .عبد الحي الغرباوي ، دار الكتب العلمية
، بيروت ، ط1 ، 1413 هـ – 1993 م .
- البداية والنهاية ، ابو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي ( ت 774 هـ ) ، الناشر مكتبة المعارف ، بيروت ، ط 6 ، 1405 هـ – 1985 م .
- البرهان في علوم القران ، بدرالدين محمد بن عبد الله الزركشي ( ت 794 هـ) ، قدم له وعلق عليه مصطفى عبد القادر عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1408هـ – 1988 م .
- البرهان في وجوه البيان ، ابو الحسين اسحاق بن ابراهيم بن سليمان بن وهب الكاتب ( ت 335 هـ ) ، تحقيق د. احمد مطلوب ، د. خديجة الحديثي ، مطبعة العاني ، بغداد ، د.ط ، 1387 هـ – 1967 م .
- البرهان الكاشف عن اعجاز القران ، كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم الزملكاني ( ت 651 هـ ) ، تحقيق د. احمد مطلوب ، د.خديجة الحديثي ، مطبعة العاني ، بغداد ، ط1 ، 1394 هـ – 1974 م.(1/143)
- البلاغة تطور وتاريخ ، د.شوقي ضيف ، دار المعارف ،مصر، د.ط ، 1965م.
- البلاغة العربية ، تاريخها ، مصادرها ، مناهجها ، د. علي عشري زايد ، مكتبة الشباب ، مصر ، د.ط ، 1977 م .
- بلاغة الكلمة في التعبير القراني ، د. فاضل صالح السامرائي ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، ط1 ، 2000 م .
- بنية العقل العربي ، د.محمد عابد الجابري ، بيروت ، ط2 ، 1987 م .
- البيان في غريب اعراب القران ، ابو البركات بن الانباري ، تحقيق د.طه عبد الحميد طه ، مراجعة مصطفى السقى ، دار الكتاب العربي للطباعة النشر ، القاهرة ، د.ط ، 1389 هـ – 1969 م .
- البيان والتبيين ، الجاحظ ( ت 255 هـ) ، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون ، مطبعة دار التاليف ، مصر ، الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة ، ومكتبة الهلال ببيروت ، والمكتبة العربية في الكويت ، ط 3 ، 1968 م .
- تاريخ الرسل والملوك ، ابو جعفر محمد بن جرير الطبري ( ت 310 هـ) ، تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم ، دار المعارف ، مصر ، ط5 ، د.ت .
- تاويل مشكل القران ، ابن قتيبة ، شرح وتحقيق السيد احمد مصطفى ، دار احياء الكتب العربية ، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه ، د.ط ، د.ت .
- التبيان في اعراب القران ،ابو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري( ت 616هـ ) ، تحقيق علي محمد البجاوي ، دار احياء الكتب العربية ، عيسى البابي الحلبي وشركاه ، د.ط ، د.ت .
- التبيان في علم المعاني والبديع والبيان ، شرف الدين حسين بن محمد الطيبي ( ت 743 هـ) ، تحقيق د.هادي عطية مطر ، عالم الكتب ، مكتبة النهضة العربية ، ط 1 ، 1407 هـ – 1987 م .
- تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان اعجاز القران ، ابو الاصبع المصري ( ت 654 هـ) ، تقديم وتحقيق د.حنفي محمد شرف ، القاهرة ، د.ط ، 1383 هـ .
- التحرير والتنوير ، محمد الطاهر ابن عاشور ، الدار التونسية للنشر، د.ط، د.ت(1/144)
- التراث النقدي والبلاغي للمعتزلة حتى نهاية القرن السادس الهجري ، د.وليد قصاب ، دار الثقافة ، الدوحة ، د.ط ، 1405 هـ – 1985 م .
- التصوير الفني في القران ، سيد قطب ، دار الشروق ، ط5 ، 1979 م .
- التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القران الكريم ، دراسة دلالية مقارنة ، عودة خليل ابو عودة ، مكتبة المنار ، الاردن ، ط 1،1405 هـ –1985 م .
- التعبير الفني في القران ، د.بكري الشيخ امين ، دار الشروق ، بيروت ، د.ط ، 1399 هـ – 1979 م .
- تفسير البيضاوي ( انوار التنزيل واسرار التاويل ) ، ناصر الدين ابو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي ( ت 791 هـ ) ، دار الجيل ، مؤسسة شعبان للنشر والتوزيع ، بيروت ، د.ط ، د.ت .
- تفسير الجلالين ، السيوطي ، مكتبة العلوم الدينية للطباعة والنشر ، بيروت ، د.ط ، 1399 هـ – 1979 م .
- تفسير سفيان الثوري ، ابو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (ت161 هـ ) ، رواية ابي جعفر محمد عن ابي حذيفة الهندي عنه ، صححه ورتبه وعلق عليه دار الكتب العامة ، بيروت ، ط1 ، 1403 هـ – 1983م.
- تفسير غريب القران ، ابن قتيبة ، تحقيق السيد احمد صقر ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، د.ط ، 1398 هـ – 1978 م .
- تفسير القران الكريم المسمى ( بحر العلوم ) ، ابو الليث نصر بن محمد بن احمد ابن ابراهيم السمرقندي ( ت 375 هـ) ، دراسة وتحقيق د. عبد الرحيم احمد الزقة ، مطبعة الارشاد ، بغداد ، ط1 ، 1405 هـ – 1985 م .
- تفسير القران العظيم ، ابن كثير ، دار احياء الكتب العربية ، عيسى البابي الحلبي وشركاه ، د.ط ، د.ت .
- التفسير الكبير ( مفاتيح الغيب ) ، الفخر الرازي ، دار الكتب العلمية ، طهران ، ط2 ، د.ت .
- التفكير البلاغي عند العرب ، اسسه وتطوره حتى القرن السادس الهجري ، حمادي صمود ، المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية ، د.ط ، 1981 م.(1/145)
- التقديم والتاخير في القران الكريم ، حميد احمد عيسى العامري ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، ط1 ، 1996 م .
- التلخيص في علوم البلاغة ، الخطيب القزويني ، طبعه وشرحه عبد الرحمن البرقوقي ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط2 ، 1350 هـ ، 1932 م .
- تنوير الاذهان من تفسير روح البيان ، اسماعيل حقي البروسي ( ت 1137هـ) ، اختصار وتحقيق محمد علي الصابوني ، دار القلم ، دمشق ، ط2 ، 1989 م.
- جامع البيان في تفسير القران ، الطبري ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت ، د.ط ، د.ت .
- الجامع الصغير في احاديث البشير النذير ، السيوطي ، دار الفكر ، بيروت ، ط1 ، 1401 هـ – 1981 م .
- الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام المنثور ، ابو الفتح ضياء الدين نصر الله بن محمد ، ابن الاثير ( ت 637 هـ ) ، تحقيق د. مصطفى جواد ، د.جميل سعيد ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ،د.ط ، 1376 هـ – 1956م .
- الجامع لاحكام القران ، ابو عبد الله محمد بن احمد الانصاري القرطبي ( ت 671 هـ ) ، اعادة طبعه بالاوفسيت دار احياء التراث العربي ، بيروت ، د.ط ، د.ت .
- جمهرة اللغة ، ابو بكر محمد بن الحسين بن دريد الازدي ( ت 321 هـ) ، مطبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدر اباد الدكن ، د.ط ، 1345 هـ .
- الجنى الداني في حروف المعاني ، حسن بن قاسم المرادي ( ت 749 هـ ) ، تحقيق طه محسن مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر ، طبع بمطابع جامعة الموصل ، د.ط ، 1396 هـ – 1976 م .
- جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع ، السيد احمد الهاشمي ، المكتية التجارية الكبرى ، مصر ، د.ط ، 1379 هـ – 1960م .
- حاشية الجمل على تفسير الجلالين ( الفتوحات الالهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية ) ، سليمان بن عمر العجيلي الشافعي الشهير بـ( الجمل ) (ت 1204 هـ ) ، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه ، مصر ، د.ط ، د.ت.(1/146)
- حاشية العلامة الصاوي على تفسير الجلالين ، احمد الصاوي المالكي ( ت 1241 هـ ) ، الناشر المكتبة الاسلامية لصحابها الحاج رياض الشيخ ، د.ط ، د.ت .
- الحيوان ، الجاحظ ، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وشركاه ، د.ط ، 1958 م .
- الخصائص ، ابو الفتح عثمان بن جني ( ت 392 هـ ) ، تحقيق محمد علي
النجار ، مطبعة دار الكتب المصرية ، الناشر دار الهدى للطباعة والنشر ، د.ط 1952 م .
- دراسة نصية ادبية في القصة القرانية ، د.سليمان الطراونة ، ط1 ، 1413 هـ – 1992 م .
- الدر المنثور في التفسير بالماثور ، السيوطي ، ضبط النص والتصحيح ووضح الحواشي والفهارس باشراف دار الفكر ،بيروت ، ط1 ، 1403 هـ – 1983م.
- دلائل الاعجاز في علم المعاني ، عبد القاهر الجرجاني ، وقف على تصحيحه وعلق حواشيه السيد محمد رشيد رضا ، الناشر مكتبة القاهرة ، د.ط ، 1961م.
- رصف المباني في شرح حروف المعاني ، احمد بن عبد النور المالقي ( ت 702 هـ ) ، تحقيق احمد محمد الخراط ، مطبوعات مجمع اللغة العربية ، دمشق ، د.ط ، 1395 هـ – 1975 م .
- روح المعاني في تفسير القران العظيم والسبع المثاني ، ابو الفضل شهاب الدين السيد محمود الالوسي البغدادي ( ت 1270 هـ) ، دار احياء التراث العربي ، بيروت ، د.ط ، د.ت .
- سر الفصاحة ، الامير ابو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلي ( ت 466 هـ) ، صححه وعلق عليه عبد المتعال الصعيدي ، مطبعة علي صبيح واولاده ، مصر ، د.ط ، 1954 م .
- سيكولوجية القصة في القران ، د. التهامي نقرة ، الشركة التونسية لفنون الرسم ، د.ط ، 1974 م .
- شرح جمل الزجاجي المسمى ( الشرح الكبير ) ، ابن عصفور الاشبيلي ( ت 669 هـ ) ، تحقيق د.صاحب ابو جناح ، د.ط ، 1400 هـ – 1980م.(1/147)
- شرح القصائد التسع المشهورات ، ابو جعفر النحاس ، تحقيق د. احمد خطاب ، دار الحرية للطباعة ، مطبعة الحكومة ، بغداد ، د.ط ، 1393 هـ – 1973 م.
- شرح المفصل ، موفق الدين يعيش بن علي بن يعيش النحوي ( ت643 هـ ) ،
عالم الكتب ، بيروت ، د.ط ، د.ت .
- شرح المقدمة المحسبة ، طاهر بن احمد بن بابشاذ ( ت 469 هـ ) ، تحقيق خالد عبد الكريم ، الكويت ، ط1 ، د.ت .
- شرح الهاشميات ، الكميت بن زيد الاسدي ( ت 126 هـ ) ، ويليه شرح مختارات اشعار العرب بقلم محمد محمود الرافعي ، مطبعة شركة التمدن الصناعية ، مصر ، ط2 ، د.ت .
- شروح التلخيص ، القاهرة ، د.ط ، 1937 م .
- شعر المثقب العبدي ، تحقيق محمد حسن ال ياسين ، مطبعة معارف بغداد ، د.ط ، 1375 هـ – 1956 م .
- الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها ، ابو الحسين احمد بن فارس ( ت 395 هـ ) ، تحقيق مصطفى الشويمي ، ملتزم الطبع والنشر مؤسسة بدران ، بيروت ، لبنان ، د.ط ، 1363 هـ – 1983 م .
- الصحاح في اللغة والعلوم،ابو نصر اسماعيل بن حماد الجوهري( ت 393 هـ) ، تحقيق اسامة مرعشلي ، المكتبة العلمية ، بيروت ، لبنان ، د.ط ، 1983 م .
- الطراز المتضمن لاسرار البلاغة وعلوم حقائق الاعجاز ، يحيى بن حمزة ابن علي بن ابراهيم العلوي اليمني ( ت 749 هـ ) ، طبع بمطبعة المقتطف ، مؤسسة النصر ، طهران ، د.ط ، 1914 م .
- عروس الافراح في شرح تلخيص المفتاح ، احمد بن علي بن عبد الكافي ( ت 773 هـ) ، مطبوع ضمن شروح التلخيص ، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه ، مصر ، د.ط ، 1937 م .
- علوم البلاغة البيان والمعاني والبديع ، احمد مصطفى المراغي ، المكتبة العربية ، ط3 ، د.ت .
- العمدة في محاسن الشعر وادابه ونقده ، ابو علي الحسن بن رشيق القيرواني (ت 456 هـ)،تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد،مطبعة دار الجيل،بيروت ،
لبنان ، ط4 ، 1972 م .(1/148)
- عيار الشعر ، ابن طباطبا العلوي ( ت 322 هـ ) ، تحقيق وتعليق د. محمد زغلول سلام ، منشاة المعارف بالاسكندرية ، ط 3 ، د.ت .
- العين ، الخليل بن احمد الفراهيدي ( ت 175 هـ) ، تحقيق د.مهدي المخزومي ، د.ابراهيم السامرائي ، جميع الاجزاء طبعت في مطابع مختلفة في العراق والاردن والكويت بين الاعوام 1981 – 1983 م .
- عيون الاخبار ، ابن قتيبة ، دار الكتب المصرية ، القاهرة ، د.ط ، د.ت .
- غريب القران المسمى ( نزهة القلوب ) ، ابو بكر محمد بن عزيز السجستاني ، دار الرائد العربي ، بيروت ، ط3 ، 1402 هـ – 1982 م .
- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ، محمد بن علي ابن محمد الشوكاني ( ت 1250 هـ ) ، الناشر محفوظ العلي ، د.ط ، د.ت .
- فخر الدين الرازي بلاغيا ، د.ماهر مهدي هلال ، الجمهورية العراقية ، وزارة الثقافة والاعلام ، دار الحرية للطباعة ، د.ط ، 1397 هـ – 1977 م .
- فن البلاغة ، د.عبد القادر حسين ، دار النهضة ، مصر للطباعة والنشر ، القاهرة ، د.ط ، 1393 هـ – 1973 م .
- الفوائد المشوق الى علوم القران وعلم البيان ، شمس الدين ابو عبد الله محمد ابن ابي بكر بن ايوب الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية ( ت 751 هـ ) ، دار الكتب العلمية ، د.ط ، د.ت .
- القاموس المحيط ، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي (ت 817 هـ ) ، نسخة مصورة عن الطبعة الثالثة للمطبعة الاميرية سنة 1301 هـ ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، د.ط ، 1398 هـ – 1978 م .
- القصة والحكاية في الشعر العربي في صدر الاسلام والعصر الاموي ، د.بشرى محمد علي الخطيب ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد، ط1 ،1990م
- القصص القراني في منطوقه ومفهومه ، عبد الكريم الخطيب ، دار الفكر العربي
، مطبعة المدني ، القاهرة ، د.ط ، د.ت .(1/149)
- الكامل في اللغة والادب ، ابو العباس محمد بن يزيد المعروف بالمبرد (ت 285هـ) ، الناشر مؤسسة المعارف ، بيروت ، د.ط ، 1985م .
- الكتاب ، ابو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر ( سيبويه ) ( ت180هـ) ، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون ، عالم الكتب ، بيروت ، د.ط ، د.ت .
- كتاب الصناعتين الكتابة والشعر ، الحسن بن عبد الله بن سهل ، ابو هلال العسكري (ت 395 هـ ) ، تحقيق محمد علي البجاوي ، محمد ابو الفضل ابراهيم ، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه ، ط2 ، د.ت .
- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الاقاويل في وجوه التاويل ، ابو القاسم جار الله الزمخشري ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت ، د.ط ، د.ت .
- لسان العرب المحيط ، ابن منظور ( ت 711 هـ ) ، تقديم عبد الله العلايلي ، اعداد وتصنيف يوسف خياط ، دار لسان العرب ، بيروت، د.ط ، د.ت .
- لمسات بيانية في نصوص من التنزيل ، د. فاضل صالح السامرائي ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، ط1 ، 1999 م .
- المثل السائر في ادب الكاتب والشاعر ، ابن الاثير ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وشركاه ، مصر ، د.ط ، 1939 م.
- مجاز القران ، ابو عبيدة معمر بن المثنى ( ت 210 هـ ) ، تحقيق فؤاد سزكين ، مطبعة محمد سامي الخانجي الكتبي بمصر ، ط1 ، 1374 هـ –1955 م .
- المدخل الى دراسة البلاغة العربية ، السيد احمد خليل ، دار النهضة العربية للطباعة والنشر ، بيروت ، د.ط ، 1968 م .
- المسائل المشكلة المعروفة بالبغداديات ، ابو علي النحوي ( ت 377 هـ) ، دراسة وتحقيق صلاح الدين عبد الله الشنكاوي ،مطبعة العاني ،بغداد ،د.ط،د.ت.
- مشكل اعراب القران ، ابو محمد مكي بن ابي طالب القيسي ( ت 437 هـ ) ، دراسة وتحقيق حاتم صالح الضامن ، منشورات وزارة الاعلام في الجمهورية
العراقية ، سلسلة كتب التراث ، د.ط ، 1975 م .(1/150)
- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ، ابو العباس احمد بن محمد بن علي المقري الرافعي الفيومي ( ت 770 هـ ) ، المكتبة العلمية ،بيروت ،د.ط ، د.ت
- المطول ، سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني ( ت 793 هـ ) ، مطبعة احمد كامل ، تركيا ، د.ط ، 1330 هـ .
- معاني القران ، ابو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي البصري ، الاخفش ( ت 215 هـ ) ، تحقيق د.فائز فارس ، دار البشير ، دار الامل ، ط3 ، 1401 هـ – 1981 م .
- معاني القران ، ابو زكريا يحيى بن زياد ، الفراء (ت207 هـ) ، تحقيق محمد علي النجار ، احمد يوسف نجاتي ، عالم الكتب ، بيروت ، ط3 ، 1983 م .
- معاني القران واعرابه ، ابو اسحاق ابراهيم بن السري ،الزجاج( ت 311 هـ ) ، شرح وتحقيق د. عبد الجليل عبدة شلبي ، عالم الكتب ، بيروت، ط1، 1988م
- معاني النحو ، د. فاضل صالح السامرائي ، مطبعة التعليم العالي في الموصل ، د.ط ، 1986 – 1987 م .
- معترك الاقران في اعجاز القران ، السيوطي ، ضبطه وصححه وكتب فهارسه احمد شمس الدين ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1408 هـ – 1988 م
- معجم المصطلحات البلاغية وتطورها ، د. احمد مطلوب ، مطبوعات المجمع العلمي العراقي ، ج1 1983 ، ج2 1986 ، ج3 1987 م .
- مغني اللبيب عن كتب الاعاريب،جمال الدين ابن هشام الانصاري(ت 761هـ ) ، تحقيق وتعليق د. مازن المبارك ، محمد علي حمد الله ، راجعه سعيد الافغاني ، دار الفكر ، بيروت ، ط6 ، 1985 م .
- مفتاح العلوم ، ابو يعقوب يوسف بن ابي بكر السكاكي ( ت 626 هـ ) ، مطبعة دار الرسالة ، بغداد ، ط1 ، 1402 هـ – 1982 م .
- المفردات في غريب القران ، ابو القاسم الحسين بن محمود المعروف بالراغب
الاصفهاني (ت 502 هـ ) ، المطبعة اليمنية بمصر ، د.ط ، د.ت .
- مقاييس اللغة ، احمد بن فارس ، تحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون ، دار الفكر للطباعة والنشر ، د.ط ، 1399 هـ – 1979 م .(1/151)
- المقتضب ، المبرد ، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة ، عالم الكتب ، بيروت ، د.ط ، د.ت .
- مقدمة في البيان العربي من الجاحظ الى عبد القاهر في مقدمة كتاب نقد النثر لقدامة بن جعفر ، د.طه حسين ، عبد الحميد العبادي ، دار الكتب المصرية ، القاهرة ، د.ط ، 1353 هـ – 1933 م .
- الموافقات في اصول الشريعة ، ابو اسحاق ابراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي ( ت 790 هـ ) ، تعليق عبدالله دارزاد ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت ، ط2 ، 1975 م .
- النبوة والانبياء ، محمد علي الصابوني ، مؤسسة مناهل الفرقان ، بيروت ، مكتبة الغزالي ، دمشق ، ط2 ، 1985 م .
- نحو المعاني ، د.احمد عبد الستار الجواري ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ، د.ط ، 1407 هـ – 1987 م .
- نظم الدر في تناسب الايات والسور ، برهان الدين ابو الحسن ابراهيم بن عمر البقاعي ( ت 885 هـ ) ، طبع بمساعدة وزراة المعارف والشؤون الثقافية للحكومة العالية الهندية تحت مراقبة شرف الدين احمد مدير دائرة المعارف العثمانية وسكرتيرها ، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر اباد الدكن ، الهند ، ط1 ، 1397 هـ – 1977 م .
- النقد التطبيقي ، د. داود سلوم ، د. عناد غزوان ، مطبعة التعليم العالي ، بغداد ، د.ط ، 1989 م .
- النكت في اعجاز القران ، ابو الحسن علي بن عيسى الرماني ( ت 386 هـ ) ، مطبوع ضمن ثلاث رسائل في اعجاز القران ، تحقيق محمد خلف الله ، محمد
زغلول سلام ، دار المعارف بمصر ، القاهرة ، د.ط ، د.ت .
- نهاية الايجاز في دراية الاعجاز ، الفخر الرازي ، تحقيق د. ابراهيم السامرائي ،د. محمد بركات حمدي ابو علي ، دار الفكر للنشر ، عمان ، د.ط ، 1985 م .
- الوجوه والنظائر في القران الكريم ، هارون بن موسى ، تحقيق د.حاتم صالح الضامن ، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، د.ط ، 1409 هـ – 1989 م .
الرسائل(1/152)
- اساليب المجاز في القران الكريم ، رسالة دكتوراه ، احمد حمد محسن الجبوري ، كلية الاداب–جامعة بغداد ،اشراف د. احمد مطلوب، 1410 هـ – 1989 م .
- الاطناب دراسة تطبيقية في القران الكريم ، رسالة ماجستير ، شكر محمود مهوس ، كلية التربية للبنات – جامعة تكريت ، اشراف د. احمد حمد محسن الجبوري ، 1420 هـ – 1999 م .
- الايجاز في القران الكريم ، رسالة ماجستير ، احمد حمد محسن الجبوري ، كلية الاداب – جامعة بغداد ، اشراف د. عمر ملا حويش ، 1404 هـ – 1983 م .
- حروف المعاني في معجم لسان العرب ، رسالة ماجستير ، يوخنا مرزا خامس يوخنا ، كلية التربية للبنات – جامعة تكريت ، اشراف د. احمد خطاب العمر ، 1420 هـ – 1999 م .
البحوث والدوريات
- الموفقي في النحو لابن كيسان ( ت 299هـ) ، تحقيق د.عبد الحسين الفتلي ،د. هاشم طه شلاش ، بحث منشور في مجلة المورد ، مج 4 ، ج2 ، لعام 1990
The clues of Invitation , gift & praise in the story of prophet Ibrahim “ peace be on him “ In The glorious qoran
(( A Rhrtorics & Deducational study ))
A thesis submitted by :
Mohammed khalil ibrahim
To the council of the college of education / university of Tikrit In parietal
Parietal fulfillment of requirements of M.A in arabic language
supervision of
Dr. Shahab Ahmad Ibrahim ... Dr. Ahmad hamad mahsan
1423 A.h ... ... ... ... 2002 A.d(1/153)
... ... This thesis consisted of in introduction preparation , two chapters & the end , The introduction included abstracted explanation of the two chapter & it related subjects of researches , but the perpetration contains an overall definition of the story from the language & tradition point of views , describe the qoranic novelistic method in as much as the reputation effect in it , also included the relation between the rhetorics & deduction .
... ... The first chapter contains the rhetorics study & it is divided in to three parts as follow : the first part is the Vocabulary science , the second part is AL-Baian science & finally the third part is AL- baddie science , which all these parts are the axises that the rhetovics science run over .
... ... Each part of above is dealt with the Invitation , tell & prais clues in accordance with it is relation to the research topic refering the scientists opinions of grammer in each language matter that commected to the research topic , then shed light on the matters related to all koranic clues of scientists sayings , thus till the end of the part . In the same way to the other two parts .
... ... But the second chapter included deducational study that divided ed into tow parts , the first one is the deducational dictionary & the second part is the inflect deducational & this two part are the principal deducational explain tory in explaining the qoranic rerses that specified to invitation ,
Telling & praise .(1/154)
... ... In this thesis I have had depended on an important references specified in qoranic studies such as dictionaries & books of qoran vocabularies also grammatical books that Islamic library has embellished with it.
... ... Finally I come with the following result due to this study:
1. The story of the messenger Ibrahiam ((peace be on him ))considered as the second longest story after messenger mousaa ((peace be on him )) in qoran .
2. The method of invitation Good , played an important role in contains all details of the story , & this the way of all messenger & prophets .
3. The study concentrated on the rhetoric’s miraculous & the deducational in the glorious verses of qoran , so no clue is free of a high rhetoric’s method or deducational expressive that clearing it is features & it is aims .
4. This study stated that the rhetorics scientists fonnd in these glorious verres , agreat source , which push them to take it as an example in many rhetorics me thods &this indicates that verses include so many of such method , in the same way languagists em bellished such utters in their dictionaries
... ... ... Researcher
Mohammed khalil ibrahim(1/155)
آيات الدعوة والبشرى والثناء في قصة
إبراهيم ( - عليه السلام - ) في القرآن الكريم
دراسة بلاغية دلالية
رسالة تقدم بها
محمد خليل ابراهيم
الى
مجلس كلية التربية – جامعة تكريت
وهي جزء من متطلبات نيل شهادة الماجستير في اللغة العربية
بإشراف
د0 شهاب أحمد إبراهيم ... ... ... د0 أحمد حمد محسن
1423 هـ ... ... ... ... ... 2002 م
نشهد ان اعداد هذه الرسالة ( ايات الدعوة والبشرى والثناء في قصة ابراهيم (عليه السلام ) في القران الكريم دراسة بلاغية دلالية ) جرى تحت اشرافنا في جامعة تكريت / كلية التربية ، وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في اللغة العربية .
التوقيع : ... ... ... ... ... ... التوقيع :
المشرف: أ.م.د شهاب احمد ابراهيم ... ... المشرف: أ.د.احمد حمد محسن
التاريخ : 13 / 7/ 2002 ... ... ... التاريخ : 13 / 7 / 2002
اقرار الخبير الفكري
اطلعت على هذه الرسالة ووجدتها سالمة من الناحية الفكرية .
التوقيع :
الاسم :أ.م.د عبد الجليل تركي
التاريخ : 13 / 7 / 2002
بناءً على التوصيات المتوفرة ارشح هذه الرسالة للمناقشة .
التوقيع :
الاسم : أ.م.د. عبد الجليل تركي تقي
... ... ... ... ... ... رئيس قسم اللغة العربية
... ... ... ... ... ... ... ورئيس لجنة الدراسات العليا
التاريخ : 13 / 7 / 2002
المحتويات
الموضوعات ... رقم الصفحة
المقدمة ... 1
التمهيد ... 4
الفصل الاول : الدراسة البلاغية ... 13
توطئة ... 13
المبحث الاول : علم المعاني ... 18
الخبر والانشاء
اولا: الخبر ... 18
اضرب الخبر ... 19
اغراض الخبر ... 19
الاغراض الحقيقية للخبر في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 19
الاغراض المجازية للخبر في ايات الدعوة والبشرى والثناء ... 21
ثانيا : الانشاء ... 27
اقسام الانشاء ... 27
اساليب الانشاء الطلبي ... 28
اولا : الامر ... 28
الاغراض المجازية التي خرجت اليها صيغ الامر في ايات الدعوة والبشرى والثناء ... 28
ثانيا : النهي ... 30
صيغ النهي الحقيقية ... 30
الاغراض المجازية التي خرج اليها النهي في ايات الدعوة والبشرى والثناء ... 30
ثالثا : الاستفهام ... 31
ادوات الاستفهام ... 31(1/1)
الاغراض المجازية التي خرج اليها الاستفهام في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 32
رابعا : النداء ... 38
احرف النداء ... 38
احرف النداء المستعملة في القرآن الكريم ... 39
الاغراض المجازية التي خرج اليها النداء في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 40
القصر ... 41
اقسام القصر ... 41
طرق القصر ... 42
امثلة القصر في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 42
الوصل والفصل
الوصل ... 44
مواضع الوصل ... 44
امثلة الوصل في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 45
الفصل ... 45
مواضع الفصل ... 45
امثلة الفصل في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 47
الايجاز والاطناب
اولا: الايجاز ... 48
اقسام الايجاز ... 49
1. ايجاز القصر ... 49
امثلة ايجاز القصر في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 49
2. ايجاز الحذف ... 49
أ. الاقتطاع ... 50
امثلة حذف الاقتطاع في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 50
ب. الاختزال ... 51
امثلة حذف الاختزال في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 52
حذف المفردات ... 52
1. حذف الاسم ... 52
2. حذف الفعل ... 55
3. حذف الحروف ... 57
حذف الجملة او الجمل ... 60
ثانيا : الاطناب ... 62
انواع الاطناب في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 62
التقديم والتاخير ... 66
تقديم المسند في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 67
تقديم متعلقات الفعل في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 68
الالتفات ... 70
المبحث الثاني : علم البيان / التشبيه ... 75
اركان التشبيه ... 76
التشبيه في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 76
المجاز ... 77
اقسام المجاز ... 77
اولا : المجاز اللغوي ... 78
1. الاستعارة ... 78
الاستعارة في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 79
2. المجاز المرسل ... 80
علاقات المجاز المرسل في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 80
ثانيا : المجاز العقلي ... 87
علاقات المجاز العقلي ... 88
علاقات المجاز العقلي في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 88
الكناية ... 89
اقسام الكناية ... 89
انواع الكناية في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 90
التعريض ... 91
امثلة التعريض في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 91
المبحث الثالث : علم البديع ... 94
السجع ... 94
اقسام السجع ... 95(1/2)
التسجيع في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 96
الفصل الثاني الدراسة الدلالية ... 100
توطئة ... 100
المبحث الاول : الدلالة المعجمية ... 102
اولا: الفاظ ايات الدعوة ... 102
1. جن ... 102
2. بزغ ... 103
3. الحجة ... 104
4. سويا ... 104
5. الرجم ... 105
6. تماثيل ، اصنام ، اوثان ... 106
7. فطر ... 107
8. ظل ... 108
9. الافك ... 109
10. نجى ، أنجى ... 109
11. نجم ... 110
12. راغ ... 111
13. زف ... 112
14. نحت ... 112
15. سفل ... 113
16. براء ، بريء ... 113
ثانيا : الفاظ آيات البشرى ... 114
1. وهب ... 114
2. البشرى ... 115
3. حنيذ ... 116
4. اوجس ... 116
5. ضحك ... 117
6. الروع ... 118
7. يجادل ... 118
8. المس ... 119
9. النافلة ... 119
10. الصلاح ... 120
11. الاهل ... 121
12. العليم ... 121
13. الصرة ... 122
14. الصك ... 122
15. عقيم ... 123
الفاظ آيات الثناء ... 124
1. المناسك ... 124
2. سفه ... 125
3. الحنيف ... 125
4. الناس ... 126
5. الاواه ... 127
6. الامة ... 127
7. الحسنة ... 128
8. الرشد ... 128
9. الشيعة ... 129
10. السليم ... 129
11. وفى ... 130
12. الفتنة ... 131
المبحث الثاني : الدلالة النحوية ... 132
اولا : دلالة حروف المعاني ... 132
دلالة حروف المعاني في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 133
1. دلالة بعض حروف الجر ... 133
أ. على ... 133
ب. من ... 133
ج. عن ... 134
د. اللام ... 134
2. دلالة نون الوقاية ... 135
3. دلالة العطف ... 136
ثانيا : دلالة بعض المصطلحات النحوية في آيات الدعوة والبشرى والثناء ... 137
1. دلالة الضمير ... 137
2. دلالة الاستثناء ... 141
3. دلالة الظرف ... 143
4. دلالة البدل ... 144
5. دلالة صاحب الحال ... 146
6. دلالة الموصول ... 146
ملحق بايات الدعوة والبشرى والثناء ... 149
الخاتمة والنتائج ... 150
قائمة المصادر والمراجع ... 152
ملخص باللغة الانكليزية ... 1(1/3)