آي سجود التلاوة
آي سجود التلاوة
في كتاب الله الكريم
الحاج محمد كامل طبارة
بسم الله الرحمن الرحيم
كل امر ذي بال لا يبدا فيه " بسم الله"
فهو أبترأو أجذم.
حديث شريف
أجل خير ما أبدا به هذه الرسالة هو كلمة بسم الله الرحمن الرحيم ومن خير ما أشير اليه هو الحرف الأول الباء وخير ما في الباء هو معنى الاستعانة باسم الله، التي يرى فيها الكثيرون من الدلالة الكبيرة على كرامة هذا الحرف وكرامة النقطة فيه وكرامة الاية التي بدات بهذا الحرف. وبالبدء بهذه الاية الكريمة يبدأ القرآن الكريم كله كما نبدأ بها كل عمل وكل صلاة وكل ما فيه زلفى الى الله .
لن أسترسل فموضوع الرسالة هو" آي سجود التلاوة في القرآن الكريم"فالسجود لغة الخضوع وسجد لغة أيضا على ما ورد في قاموس المحيط خضع، طأطأ رأسه وانحنى.
كما تعني كلمة " سجدا" اي ركعا اه. وكل ما أود الاشارة اليه هو أن كيفية السجود لعظمة الله - وهو ما نعنيه- التي أشار اليها القرآن الكريم في مواضع عدة، يخرون للأذقان سجدا، ويخرون للأذقان يبكون، اركعوا واسجدوا، خروا سجدا وسبحوا الخ... وعلى طريقة السجود المعهود في كل صلاة، وقد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم السجود ضمن أعمال الصلاة اذ صلى عليه السلام وسجد في صلاته وبعد الانتهاء قال صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رايتموني اصلي"
وهكذا فان السجود الذي امرنا به هو ملاصقة الجبهة بالارض وهو منتهى الخضوع وغير جائز الا لعظمة الله، اما ما ورد عن سجود غير العاقل
" والنجم والشجر يسجدان" والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب"
فذلك ولا شك يعني الخضوع لأمر الله الكريم ليس الا، ولقد دأبت منذ ان سمعت بالحديث الشريف
" أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"(1/1)
او كما قال صلى الله عليه وسلم على تدبر آيات السجود في كتاب الله الكريم وعلى كيفية ورودها فكنت اذا ما ابتدات تلاوة ختم القرآن الكريم ويسر الله لي بلوغ السجدة الاولى سجدت للتلاوة ثم اتبعت ذلك بركعتين نفلا شاكرا المولى القدير على بلوغي تلك السجدة وسجدت لعظمة الله سجدات القرآن الكريم كلها بعد تلاوة كل آية سجدة، ثم كنت أتابع ذلك لدى كل سجدة من سجدات القرآن الكريم حتى السجدة الاخيرة ولقد تكشفت لي بفضل الله الكريم ظواهر هامة جدا في ورود آيات السجود كلها وبالترتيب الذي وردت به . فالرسول صلى الله عليه وسلم( وما ينطق عن الهوى. ان هو الا وحي يوحى)
أبلغنا كتاب الله جل جلاله بالترتيب الذي نراه وعلى النحو الذي نبدؤه به وننتهي. والظواهر التي تكشفت لي هو هذا التلاحم الوثيق بورود سجود آي التلاوة على الترتيب الذي وردت به كل سجدة من سجدات القرآن الكريم بحيث تتكشف ظواهر السجود بدءا من السجدة الاولى وبحيث توضح السجدة الثانية ما خفي من الاسرار في السجدة الاولى ومن ثم توضح السجدة الثالثة ما خفي من الاسرار في السجدتين الاولى والثانية كما توضح السجدة الرابعة ومن بعدها الخامسة الخ....مالم توضحه السجدات السابقة وذلك على النحو الكريم الذي نبسطه للقارىء في هذه الرسالة وفي ذلك ما يشير بوضوح الى السر الكبير في ورود سجدات التلاوة كلها على النحو الذي وردت به والترتيب الذي اتى به القران الكريم . ومما يدل على ان هذا الترتيب كان مقصودا من عظمة الله انه لو وردت سجدة قبل اي سجدة من الترتيب المعني لاختلف الامر ولكان بالامكان تفسير آيات السجود على النحو الذي يرد في التفاسير الموضوعة لدينا هذه التفاسير وتلك الشروح التي تمر بآي السجود مرور الكرام حتى ان بعضها لا يشير الى اكثره بشىء وبعضها يختصه بعبارات سريعة عابرة والبعض ياتي على ذكر بعض السجدات ويختصها بعبارات عامة او غامضة بينما يغفل البعض الآخر على الاطلاق.(1/2)
وأرى من المهم في كثير ان نطالب من اليوم باعارة السجود كله في القران الكريم سجدة سجدة وآية آية ما
يجب من العناية وان يفتح بالاضافة الى ذلك باب خاص بالسجود وبآيات السجود وفي كل ذلك ما فيه من السمو والاكبار لآي السجود وما تعنيه آيات السجود وما وراء هذا الترتيب والتنظيم الكريمين من اسرار كريمة سوف لا تخفى على الباحثين الالباء حيث يستطيعون فتح ابواب كثيرة كانت مغلقة الى ان يسر المولى الكريم لي الاشارة الى بعضها باقتضاب كبير في هذه الرسالة واود ان لو يتيح لي المولى الكريم اضافة كتاب خاص بذلك اشرح فيه الكثير مما لم اتمكن من شرحه في رسالتي هذه فهنالك في كتاب الله وفي كلام الله دلالات كثيرة وكبيرة وهامة لم يتكشف شىء من اسرارها الى اليوم على سهولة الدلالة اليها لمن يجعل الله "له نورا يمشي به في الناس"
وانني لارجو الى حضرات الباء الذين تصلهم رسالتي هذه ان يتسامحوا فيما يرونه من تقصير وعجز وتسرع قي الكثير مما ورد في هذه الرسالة كما اود التفضل بتنبيهي الى ذلك ولهم مني خالص الشكر والضراعة لله بان يكون معهم فيما يقصدون والله من وراء القصد.
السجدات الكريمة : حسب ترتيبها في كتاب الله .
بسم الله الرحمن الرحيم
1- " ان الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون"
الاعراف 206.
2-" ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال"
الرعد 15
3-" ولله يسجد ما في السموات وما في الارض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون"
النحل 49
4-" قل آمنوا به أو لا تؤمنوا ان الذين أوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا . ويقولون سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا. ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا "
الاسراء 106
5- "أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية ابراهيم واسرائيل وممن هدينا واجتبينا اذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا"(1/3)
مريم 58.
6- " ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم ان الله يفعل ما يشاء"
الحج 18.
7- " يا ايها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون"
الحج 77.
8-" واذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن انسجد لما تامرنا وزادهم نفورا"
الفرقان60.
9-" الا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والارض ويعلم ما تخفون وما تعلنون. الله لا اله الا هو رب العرش العظيم"
النمل 25-26.
10-" انما يؤمن بآياتنا الذين اذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون"
السجدة 15.
11-"قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه وان كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب"
ص 24.
12-"ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن ان كنتم اياه تعبدون.فان استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون"
فصلت 37-38.
13-"أفمن هذا الحديث تعجبون.وتضحكون ولا تبكون.
وأنتم سامدون. فاسجدوا لله واعبدوا"
النجم 59-62.
14-"فما لهم لا يؤمنون. واذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون"
الانشقاق 20-21
15-"كلا لا تطعه واسجد واقترب"
العلق19.
صدق الله العظيم
هذه هي السجدات الكريمة التي قدمها الله لنا في كتابه الكريم وكرمنا بها ووضعها كما وضع كتابه الكريم بين أيدينا هذا الكتاب الذي ما فرط الله فيه من شىء.فغفل بعضهم عن ذلك كله وانصرفوا الى الظاهر من القول كما انصرف بعضهم الآخر الى الشروح والاستنتاج الطويل غير السهل مما اصبح من الضروري اعادة النظر في التفاسير القديمة واختصارها وتقريب فهمها من الاذهان.
السجدة الاولى:الاعراف 206
بسم الله الرحمن الرحيم(1/4)
" ان الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون".
صدق الله العظيم
من المؤكد بأن هذه الأية وقد ابتدأ الله الكريم بها سجدات كتابه الكريم حسب ترتيبه بأطهر خلقه وأنقاهم لو وردت لوحدها في كتاب الله لجاز لنا أن يكون التفسير لذلك ان المقصود بهذا الملائكة، أو الملائكة وبعض الخلائق.ولكن السجدة الكريمة الثانية التي يقول الله الكريم فيها " ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والاصال" توضح ان هذه الآية الكريمة شملت كل ما في الكائنات من خلق الله الكريم العاقل لا فرق بين قريب وبعيد وان هؤلاء " من في السموات والارض "هم الذين يسجدون لعظمة الله كما ألقت الضوء الاول على ما تعنيه عبارة السجدة الاولى الكريمة " ان الذين عند ربك"وانها ليست للحصر وانما للاطلاق"وله من في السموات والارض كل له قانتون"الروم 26.وقد يتبادر الى الأذهان فورا ان العبارة الكريمة ." من في السموات" تعني الملائكة كما تعني العبارة الكريمة"والارض" نحن البشر ولكن السجدة الثالثة تلقي الايضاح الكافي على ما ورد في آي السجدتين الكريمتين الاوليين فيقول الله جل من قائل" ولله يسجد ما في السماوات وما في الارض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون . يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون " وفي ذلك من الايضاح الكريم والزيادة على آي السجدتين السابقتين ما فيه، اذ ان الكلمات الكريمة "وما في الارض من دابة" أوضحت ما لم يوضح في آي السجدتين الاوليين فكانت أعم وأشمل كما في ذلك من الاشارة الكريمة الواضحة من اتمام لما في العوالم من الخلق العاقل وغير العاقل. وفي ذلك أيضا شمول عام لما لا يعقل من خلق الله اذ ان الكلمات الكريمة " ما في السماوات وما في الارض من دابة " أضافت كل انواع المخلوقات الحية على مختلف أنواعها.(1/5)
وها هو العلم يحاول اليوم الاتصال بمختلف الوسائل والطرق بأي من سكان الكواكب- فيما دون السماوات السبع-" انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب"
وقد يتحقق ذلك يوما بمشيئة الله الكريم او لا يتحقق بمشيئته جل جلاله ايضا،وهنا لا بد من ايراد قوله تعالى "ومن آياته خلق السماوات والارض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم اذا يشاء قدير"ومن ايراد الحديث الشريف ايضا "تفكروا في خلق الله ولا تفكروا فيه"- او كما قال-وان القارىء الكريم ليرى بعد ذلك كيف يفسر القرآن الكريم بعضه بعضا وكيف التقت هذه الآية بآي السجدة الثالثة " ولله يسجد ما في السماوات وما في
الارض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون"وذلك رغم ما بين سور الآيتين الكريمتين من بعد في الترتيب القرآني الكريم فآي السجدة الثالثة في سورة النحل والآية الكريمة المعنية "ومن آياته خلق السماوات والارض"
في سورة الشورى وفي آي السجدة الرابعة تخصيص أنه ليس من مر ذكره في آي السجدات الثلاث الاولى يسجد لعظمة الله الكريم فقط بل" ان الذين أوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا. ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا"أنهم لا يسجدون هنا فقط بل "ويخرون للأذقان يبكون ..."وهكذا نرى ان السجود مظهر من المظاهر الكريمة التي يرضى الله الكريم عنها ويرضى جل جلاله بها. وتشير كل آي السجود في كتاب الله الكريم ايضا الى ان السجود هو منتهى ما بالعبادات كلها من خشوع وخضوع " واسجد واقترب"وها نحن امام آي السجدة الخامسة : (مريم 57) وهي التي يقول الله بها
" أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية ابراهيم واسرائيل وممن هدينا واجتبينا اذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا"صدق الله العظيم. ونحن لو(1/6)
وضعنا هذه الآية الكريمة ووضعنا قبلها ما سبقها من آي السجود لجاءت متممة لها بزيادة من ورد ذكرهم بالآيا الكريمة السابقة بعبارة .
"وممن هدينا واجتبينا" بالاضافة ايضا الى ان هذه الاية الكريمة تشير الى انهم لم يسجدوا لله فقط بل
" خروا سجدا وبكيا" وذلك أسمى أنواع الخضوع والزلفى الى الله الكريم على ما أشرنا كما تؤكد هذه الاية الكريمة ان الخشوع مطلوب في السجود وبحيث لا يكون السجود مجرد تنفيذ امر ظاهري فقط
السجدة السادسة: الحج 81.
" ألم تر ان الله يسجد له من في السموات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ..."
صدق الله العظيم
وفي آي هذه السجدة الكريمة ياتي ذكر من يسجد لله الكريم من خلقه العاقل كله على الاطلاق بالاضافة الى الظواهر الكونية العظيمة المرئية وغير المرئية وذلك بعد ان ذكر الله جل جلاله من يسجد لوجهه الكريم من كواكب وافلاك وغيرها ، وهكذا يظهر لنا الترتيب القرآني بأجلى مظاهره وبالتسلسل الذي نعنيه بهذه الرسالة وبحيث يكتمل في هذه السجدة ذكر من يسجد له جل جلاله من خلقه العاقل وغير العاقل وتبدأ بعد ذلك في السجدات التالية الاوامر منه جل جلاله بالحالات الخاصة والعامة التي سجد ويسجد له فيها وبالنهي عن السجود لغيره جل جلاله في مطلق الحالات وها نحن امام السجدة السابعة
( الحج 77 ) " يأيها الذين آمنوااركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون. وجاهدوا في الله حق جهاده ..."صدق الله العظيم
وهذه السجدة هي اولى ثلاث سجدات اشار بعض الائمة بالسجود فيها وهي سجدة عند الشافعي والسجدة الثانية قوله تعالى جل من قائل"وظن داود انما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا واناب"( ص 24) وهي سجدة عند ابي حنيفة ومالك والسجدة الثالثة قوله جل جلاله" فاسجدوا لله واعبدوا"( النجم62).(1/7)
وهي سجدة لغير مالك . وان ورود هذه السجدات غير المؤكدة عند بعض الائمة وفي الامكنة التي نزلت بها من القرآن الكريم لا يغير شيئا من التنظيم الذي توالت به آيات السجود كلها وفي هذه السجدة الكريمة وهي السابعة على ما اشرنا امر عام بالركوع والسجود والعبادة لله وبفعل الخير سعيا للفلاح ، وبتحقيق امر الله بالسجود انما ينفذ العبد ويحقق امرا من الاوامر الواردة في آي هذه السجدة الكريمة، وعليه ان يتمم ذلك بالعبادة الحق وبفعل الخير كما تجب الاشارة ان السجود مندوب هنا.
السجدة الثامنة: الفرقان 22.
" واذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن انسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا"
صدق الله العظيم
وهي تأتي بالترتيب الذي قدره الله الكريم لها فالمشركون في مكة المكرمة كانوا ينكرون في كلمة الرحمن أنها تعني الله تعالى- وكان أهل اليمن بالاضافة الى اليهود دون باقي العرب يعنون بها الله جل جلاله-وكانوا ينكرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يدعو يا الله يا رحمن ويقولون انه يدعو الهين اثنين ولذلك اكد المولى العظيم فورا عندما ضاق صدر الرسول صلى الله عليه وسلم بتقولاتهم انه"هو الرحمن الرحيم"
" قل أدعو الله أو أدعو الرحمن أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى " ثم بالسجود كما ورد بالاية الكريمة وذلك بأسمى آيات الخضوع له جل جلاله فقطع بذلك تقول المشركين واستنكارهم لما تعنيه كلمة الرحمن جل جلاله.
السجدة التاسعة: النمل 24-26.
" اني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شىء ولها عرش عظيم. وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون. ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والارض ويعلم ما تخفون وما تعلنون الله لا اله الا هو رب العرش العظيم.
صدق الله العظيم(1/8)
ويرى المتتبع الكريم في موضع هذه الاية من كتاب الله انها أتت بحيث يجب أن تأتي سواء من حيث موقع السورة المحكم وموقعها المحكم من السورة شأن كافة السجدات وفيها يصف الله الكريم ذاته العلية بعد ان اشار في السجدات السالفة الى من يسجد له ومن لا يسجد له جل جلاله وذلك ليعلم الساجدون لمن يسجدون وليعلم غير الساجدين لمن لا يسجدون والتي يشير جل جلاله فيها الى انه هو " رب العرش العظيم"وبذلك لا يختلط الأمر على العامة في التمييز بين عرش الله الكريم من حيث العظمة والجلال وعرش ملكة سبأ وبأن عرش بلقيس .
"ولها عرش عظيم" ليس بعظيم بالنسبة الى عرش الله وشتان بين عرش المخلوق وعرش الخالق وفي ذلك صرف عن السجود لمخلوق ضعيف الى السجود للخالق العظيم.
السجدة العاشرة:السجدة16.
" انما يؤمن بآياتنا الذين اذا ذكروا خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون"
صدق الله العظيم
انها في موضعها المحكم بين آيات السجود وذلك بعد أن مر ذكر الذين يسجدون لعظمة الله بحيث أتت آي هذه السجدة الكريمة لتضيف اليهم المؤمنين الذين اذا ذكروا بآيات ربهم سقطوا سجدا لله وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون . ولا يزال الكثير من الائمة يقتدون برسول الله صلى الله عليه وسلم فيختصون سورة السجدة بالتلاوة في الركعة الاولى من صلاة الفجر كل يوم جمعة حيث يسجدون للتلاوة ويسجد معهم المصلون على ذلك الحال الكبير الرائع من التسبيح لله الكريم وعلى ذلك الحال من الخشوع والاستسلام التام لرب الأنام.
السجدة الحادية عشرة: ص24.
"قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه وان كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب"سجدة عند أبي حنيفة ومالك وفي هذه السجدة ايضا يتجلى لنا الترتيب القرآني للسجود باخلاص وبتوبة صادقة وبالمظهر الذي تشير اليه آياته(1/9)
"خروا سجدا وبكيا" "يخرون سجدا" " وخر راكعا"
ساجدا على تسمية السجود ركوعا لأنه مبدؤه وخر للسجود راكعا -البيضاوي-هو السجود المقبول عند الله تعالى " فغفرنا له ذلك وان له عندنا لزلفى وحسن مآب"
السجدة الثانية عشرة:فصلت 27-28.
" ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقملر واسجدوا لله الذي خلقهن ان كنتم اياه تعبدون.فان استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون "صدق الله العظيم.
وتأتي آي هذه السجدة صريحة واضحة بأنها في موضعها القرآني الكريم من حيث ورودها بين سجدات التلاوة وهي لو وضعت على سبيل المثال مكان أي من السجدات الست الاولى بصورة خاصة او بين أي من السجدات الت سبقتها لاختلف الترتيب ولظهرت انها في غير موضعها الذي وردت به ولكن ورودها هنا يجيز لنا التأكيد أيضا على الحكمة الكريمة في ترتيبها المقصود من تعظيم الله وهي بعد كل ذلك تختتم ذكر صفات الذين يسجدون لله تعالى وتعود بك بعد النهي عن السجود للشمس والقمر الى آي السجدة الاولى " ان الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون"
وتلتقي بها بقوله تعالى
"فان استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون"
كما تلتقي آي السجدتين بقوله جل جلاله.
"واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين"
في الاولى وبقوله جل جلاله .
"يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون"
وهكذا يمكننا ان نخلص الى القول ان كل الخلائق التي سبق ذكرها في آي السجود كله هي المعنية بالخضوع لله العظيم وخاصة البشر الذي كرمه الله فقال جل من قائل .
"واذ قال ربك للملائكة انني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون. فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. فسجد الملائكة كلهم أجمعون الا ابليس..."
الحجر 27-31.
وقال جل جلاله أيضا .(1/10)
"اذ قال ربك للملائكة اني خالق بشرا من طين. فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. فسجد الملائكة كلهم أجمعون. الا ابليس"
ص 71- 73.
وقال ايضا جل وعلا .
"ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم"
وعلى كل حال فلا مجال لحصر العبارة الكريمة في قوله تعالى" فالذين عند ربك" بالملائكة فقط واننا نرى بعد ما أوضحنا ان في آي السجدات الثلاث الأخيرة ما يشير الى انها للسجود المطلق ، فالسجدة الثالثة عشرة .
"فاسجدوا لله واعبدوا"
النجم 62.
أمر مطلق عام بالسجود لله تعالى فسجد لهذا الاملر - حين نزل وتلاه الرسول صلى الله عليه وسلم -كل من كان حاضرا من المسلمين والمشركين وسبق السجود هنا العبادة كما سبقها أيضا بقوله تعالى.
"فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين "
الحجر 98-99.
وهكذا يكون هنا الفضل لمن سبق وهكذا ايضا يرى المؤمن المتتبع لآي السجود كله أنه ليس من الآيات المتشابهات بل ان بعضها يتمم البعض الآخر بالترتيب الذي وردت به وذلك مما يظهر ان كل آيات السجود" هن آيات محكمات" وكيف لا يكون ذلك وقد قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
"اذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول يا ويله أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار" أو كما قال .
السجدة الرابعة عشرة:الانشقاق20-21.
"فما لهم لا يؤمنون. واذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون". ان في هذه السجدة تأتي مباشرة في موضعها الحقيقي بين آيات السجود ومؤكدة تمام التأكيد لآي السجود التي سبقتها السجدة الثالثة عشرة
" أفمن هذا الحديث تعجبون"
وهكذا نرى ان هذه السجدة الكريمة جاءت في موضعها من حيث الترتيب القرآني الكريم وهكذا تستمر سجدات التلاوة بتقديمها الدليل الحي على تكامل كتاب الله جل وعلا وتشير الى الكثير من الاسرار الربانية مما يؤكد ان فيه من الاسرار ما لم نصل اليه بعد
"تنزيل من حكيم حميد"(1/11)
السجدة الخامسة عشرة:العلق19
" كلا لا تطعه واسجد واقترب"
وهنا نرى ان هذه السجدة الكريمة الأخيرة في الترتيب القرآني الكريم والاولى في نزول سجود التلاوة تقطع في ترتيبها كل شك أو ريب أو زيغ في ان تكون هذه السجدة الكريمة السجدة الاولى في النزول والاخيرة في الترتيب القرآني الكريم
"واسجد واقترب"
ولقد سبق السجود العبادة هنا أيضا كما يتضح أن في السجود لعظمة الله تنفيذا لارادته جل وعلا ما فيه من عظيم التكريم للمؤمنين من ذرية آدم وكما فيه من الاشارة اليهم للاقتراب منه جل جلاله بالسجود لوجهه الكريم وهكذا تتجلى عظمة السجود الذي امرنا الله الكريم به بعد ان انهينا سجدات القران الكريم فخص جل جلاله خاتمة السجدات بهذه الخاتمة الكريمة واكد جل جلاله بان ما امرنا به من السجود ان هو الا للاقتراب منه وليس من شىء في العبادات كلها ما هو اكبر ولا اروع ولا ابهى ولا اكمل من السجود لعظمة الله وانه ليس في العبادات كلها ايضا ما هو اعظم ولا اكبر ولا ابهى من ان يقترب العبد من ربه بأمر منه . الحديث "اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" وهكذا تؤكد خاتمة سجدات كتاب الله الكريم ان أوامره التي مرت بنا كلها بالسجود أوامر بالاقتراب منه جل وعلا وان آي السجود الذي ورد في القرآن الكريم كله كان في مبدئه ومنتهاه أمرا بالاقتراب من عظمة الله والحمد لله رب العالمين.
الحاج محمد كامل طبارة
مشاركة من الأخت فاطمة من منتديات مذاب الشهد www.mathabalshahd.com/vb
www.geocities.com/moujahedmouslem(1/12)