آداب اللسان
فيما يخص اللسان من خير أو شر
في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف
تأليف
أبي أنس
ماجد إسلام البنكاني
المقدمة
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } ،(1) { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } .(2)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } .(3)
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدى هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
من المؤسف حقاً أننا نرى المسلمين وقد أغرقتهم المعاصي والذنوب، وتراجعوا عن دينهم، إلا من رحم الله تعالى منهم، وبسبب أعمالهم هذه استحوذ عليهم أعداء الله وأعدائهم، وتداعت عليهم الأمم، وأصبح أهل الكفر والإلحاد يتسابقون لضرب الإسلام والمسلمين من كل مكان، وما هذه إلا نتيجة حتمية لأعمالهم البعيدة عن تعاليم الله سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى: { فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } .(4)
__________
(1) آل عمران: (102).
(2) النساء: (1).
(3) الأحزاب: (70-71).
(4) الشورى: (الآية: 30).(1/1)
وقال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : "يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله! قال: بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل".(1)
فهذا وصف من نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم للحال الذي وصلنا إليه في هذا الزمان، وبدل من أن ترجع الأمة إلى ربها وخالقها وأن ترجع إلى دينها الحنيف، وأن تتوب من الذنوب والمعاصي، نرى ألسناً تلوك في أعراض المسلمين، وكلمات تغضب الباري جل وعلا، من الغيبة والنميمة و البهتان، وما شابه ذلك، وإلى الله المشتكى، فكم بهذه الأقوال قطعت أوصال، وكم بها أحدثت الشحناء والبغضاء وتفرقت بها الأمة، وكم بها نزفت دماء وقتل أبرياء، ورُبَّ كلمة أوبقت صاحبها وألقت به في جهنم والعياذ بالله.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة
من رضوان الله تعالى لا يلقى لها بالاً، يرفع الله تعالى بها درجات.
وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقى لها بالاً يهوي بها
في جهنم".(2)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول، ولا يدري هؤلاء أن كلمة واحدة يمكن أن تحبط جميع أعمالهم وتوبق دنياهم وأخراهم.أ.هـ
فإذا استقام اللسان استقامت الأعضاء، وإذا اعوج اللسان اعوجت الأعضاء، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفِّر اللسان فتقول: اتقِ الله فينا، فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا".(3)
__________
(1) السلسلة الصحيحة رقم (958)، المشكاة (5369).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب حفظ اللسان برقم (6478)، ومسلم برقم (2988).
(3) صحيح الترمذي برقم (1962).(1/2)
وبالمقابل نرى أناس يصلحون ما أفسد هؤلاء، وهم مع قلتهم يقومون بالواجب الذي أمرهم الله تعالى به، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالموفق الذي وفقه الله وجعله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه"(1) فاللسان إما أن تستخدمه
للخير أو تستخدمه للشر، فعليك أخي أن لا تتكلم إلا بخير فعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اتَّقوا النَّار ولو بشق تمرة فمن لم يَجِد فبكلمة طيبة" (2)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "والكلمة الطيبة صدقة".(3) وإذا لم تستطع فلا تتكلم بالشر.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت".(4)
واعلم أخي هداني الله وإياك للحق، أن الله مطلع عليك ويراقبك في السر والعلن، وأن ما تتلفظ به يعلمه، قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } (5)، وقال الله تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } .(6)
__________
(1) حديث حسن بمجموع طرقه وشواهده، أخرجه ابن ماجة، وابن أبي عاصم في "السنة" وغيرهما، كما في "السلسلة الصحيحة" برقم (1332).
(2) متفق عليه.
(3) متفق عليه.
(4) متفق عليه.
(5) ق: (الآية: 18).
(6) الفجر: (الآية: 14).(1/3)
وقد جمعت لك أخي المسلم ما يسره الله سبحانه وتعالى من الأقوال الواجبة والمستحبة ونحوها، وضممت إليها ما يكره أو يحرم من الأقوال ليكون الكتاب جامعاً لأحكام الألفاظ، ومبيناً أقسامها، وجمعت لك من الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح رضوان الله عليهم، ليعم النفع بها، فذكرت من ذلك مقاصد يحتاج إلى معرفتها كل متدين.
هذا ولا يفوتني في هذا المقام أن أشكر كل من قدم لي يد المساعدة لإخراج هذا الكتاب، وقد استفدت من كتاب "الكبائر" و "المتجر الرابح" و "صحيح الترغيب" و "حصائد الألسن"، اضافة الى أمهات الكتب كثيراً وقد أخذت منها الكثير، فجزى الله مؤلفيها ومحققيها خير الجزاء.
اللهم يا مجيب الدعاء نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تجعل أقوالنا وأعمالنا خالصة لوجهك الكريم، وأن تطهر قلوبنا من النفاق والغل والحقد والحسد، وأن تطهر ألسنتنا من الغيبة والنميمة، وأن تطهرنا من الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
وأن تجعل هذا الكتاب حجةً لنا لا علينا، وأن تجعله سبباً لصلاح المسلمين، وأن تعم به النفع، وأن تجعل له القبول في الأرض. وأن تجعله خالصاً لك، ولا تجعل فيه نصيباً لأحد، إنك على كل شئ قدير وبالإجابة جدير.
اللهم آمين
وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وكتب
ماجد خنجر البنكاني
أبو أنس العراقي
يوم الجمعة الموافق
20/ شوال/ 1422هـ
4/ كانون ثاني/ 2002م
??????
كتاب
حفظ اللسان
حفظ اللسان
قال الله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ } .(1)
قال الله تعالى: { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .(2)
__________
(1) المؤمنون: (1-3).
(2) النور: (24).(1/4)
وقال تعالى: { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً } .(1)
وقال تعالى: { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } .(2)
تقف: تتبع.
وقال تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } .(3)
رقيب: ملك يرقبه. وعتيد : أي حاضر.
وقال تعالى: { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } .(4)
الهُمزة: هو الذي يغتاب الرجل في وجهه.
واللُمزة: الذي يغتابه من خلفه.
وفسر الحافظ ابن حجر (حفظ اللسان) بالامتناع عن النطق بما لا يسوغ شرعاً، مما لا حاجة للمتكلم به. فتح الباري (11/308)
وقال النووي: وينبغي لمن أراد النطق بكلمة أو كلام، أن يتدبره في نفسه قبل نطقه، فإن ظهرت مصلحته تكلم، وإلا أمسك. شرح مسلم (18/328)
فالضابط الأساسي لحفظ اللسان هو عدم التسرع في الكلام، والتدبر والتفكر قبل إخراج الكلمة، وعليه أن يزن الكلمة في ميزان الشرع، وأن تكون ضمن حدود المصلحة الشرعية، وإلا فليكف عن الكلام وليلزم الصمت فإنه نجاة له وخير.
ولذلك جاء في الحديث: "فكفّ لسانك إلا من الخير"(5)، فالأصل هو الصمت والكف عن الكلام إلا بالخير.
وعليك أخي الكريم بالحيطة والحذر حيث يقتضيان من المرء أن يتنبه ويتيقظ في حفظ لسانه وألا يدع نفسه على هواها، فيقع فيما يلجئه إلى الاعتذار، وقد كان من وصيته - صلى الله عليه وسلم - لرجل قال له: عظني وأوجز. قال له - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع، ولا تكلّم بكلام تعتذر منه غداّ، وأجمع الإياس مما في أيدي الناس"(6).
__________
(1) الفرقان: (72).
(2) الإسراء: (36).
(3) ق: (18).
(4) الهمزة: (1).
(5) رواه أحمد في مسنده (4/299).
(6) صحيح ابن ماجة (2/405)، الصحيحة (4/546).(1/5)
وقد كان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحذرون من الكلام المباح، خشية الوقوع في الكلام المحظور، مبالغة منهم في حفظ ألسنتهم، واحتياطاً لدينهم، وهذا من ورعهم رضي الله عنهم لذلك كانوا يقولون: "كنّا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - هيبة أن ينزل فينا شيء، فلما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلمنا وانبسطنا"(1).
قال ابن حجر: قوله "فلما توفي" يشعر بأن الذي كانوا يتركونه كان من المباح، الذي يدخل تحت البراءة الأصلية. أ.هـ. فتح الباري (9/254)
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم أصحابه الاستعاذة من شر اللسان: "قل أعوذ بك من شر سمعي، وشرّ بصري، وشرّ لساني، وشرّ قلبي، وشرّ منيّي".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدّثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم".(3)
واعلم أن الصمت يجمع الهمة ويفرغ الفكر.
عن عبد الله ابن سفيان عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أخبرني عن الإسلام بأمر لا أسأل عنه أحداً بعدك؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : "قل آمنت بالله، ثم استقم" قلت: فما أتقي؟ فأومأ بيده إلى لسانه. (4)
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: "من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده".(5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب النكاح برقم (5187).
(2) صحيح سنن النسائي (3/1108) كتاب الاستعاذة.
(3) رواه البخاري "كتاب الأيمان والنذور" وغيره ورواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (327).
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (158).
(5) متفق عليه، رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (4)، ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (162).(1/6)
عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".(1)
وعن بلال بن الحارث المُزني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سُخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه".(2)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال عقبة بن عامر - رضي الله عنه - : قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: "أملِك عليك لسانك وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتكَ".(3)
وفي رواية: عن عقبة بن عامر قال: لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: "يا عقبة بن عامر! أملك عليك لسانك، وابكِ على خطيئتك، وليسعدك بيتك".(4)
وعن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يتوكل لي بما بين لحييه ورجليه أتوكل له بالجنة".(5)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سُئِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: "تقوى الله، وحسن الخلق". وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال: "الأجوفان: الفم، والفرج".(6)
__________
(1) رواه البخاري (6474 – فتح).
(2) أخرجه: مالك والترمذي وابن ماجه وغيرهم وهو في "السلسلة الصحيحة" برقم (888).
(3) رواه الترمذي برقم (2406) وأحمد (5/259) وابنه في زوائد الزهد (ص 15)، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه شيخنا الألباني في الصحيحة برقم (890).
(4) أخرجه أحمد (4/158)، وهناد في الزهد (460، 1126) من طريق اسماعيل بن عياش، السلسلة الصحيحة (3/115).
(5) رواه البخاري (11/308-12/113 – فتح).
(6) أخرجه ابن ماجة برقم (4246)، والبغوي في شرح السنة (13/80). وحسنه الألباني في سنن ابن ماجة برقم (4246).(1/7)
عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ، قال: قلت: يا رسول الله أنؤاخذ بما نقول: قال: "ثكتلك أمك يا بن جبل، وهل يكبُّ الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟!". قال حبيب في هذا الحديث: وهل تقول شيئاً إلا لك أو عليك...؟! (1)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان، ولا بالفاحش ولا بالبذيء".(2)
عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به؟ قال: "قل ربي الله ثم استقم" قال: قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسانه ثم قال: "كف عليك هذا".(3)
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صَمَتَ نجا".(4)
عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، اطلع على أبي بكر - رضي الله عنه - ، وهو يمدّ لسانه فقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن هذا أوردني الموارد إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته".(5)
__________
(1) أخرجه هناد في الزهد (1090) والطبري (21/64)، والحاكم (2/412-413)، وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة (3/115).
(2) السلسلة الصحيحة رقم (320).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (158)، والترمذي في كتاب الزهد برقم (2410)، وقال: حديث حسن صحيح.
(4) رواه الترمذي برقم (2501) والدارمي (2/209)، وأحمد (2/177)، وصححه العلامة الألباني في صحيح الترمذي برقم (2501) و المشكاة (4836).
(5) أخرجه ابن السني (7)، وأبو يعلى (ج1/رقم 5)، والمصنف في الورع (ق 9/1) ، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (535).(1/8)
وعن سالم بن أبي الجعد قال: قال عيسى عليه السلام: "طوبى على من بكى على خطيئته وخزن لسانه ووسعه بيته".(1)
عن عقبة التيمي قال: قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : والذي لا إله غيره، ما على الأرض شيء أفقر- وقال أبو معاوية: أحوج- إلى طول سجنٍ من لسانٍ.(2)
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، أنه كان على الصفاء يلبي ويقول: يا لسان قل خيراً تغنْم، أو أنصت تسلم من قبلِ أن تندم؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن، هذا شيء تقوله، أو شيء سمعته؟ قال: لا بل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه".(3)
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفّر اللسان فتقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا".(4)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي: حسبك من صفية (زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ) كذا وكذا –تعني أنها قصيرة- فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لقد قلت كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته".(5)
__________
(1) أخرجه وكيع (31، 255)، وأحمد (ص 55) وهناد (462، 1128)، وفي رواية (طوبى لمن ملك لسانه) صحيح الجامع (3929).
(2) أخرجه ابن المبارك (129)، وأحمد (162) وابن أبي عاصم (رقم 23) ثلاثتهم في الزهد.
أخرجه الطبراني وابن عساكر وغيرهما كما في (|السلسلة الصحيحة) برقم (534).
(3) أخرجه الخطيب في الموضح (1/436)، قال الهيثمي: (10/300): "رجاله رجال الصحيح".
(4) رواه الترمذي وغيره "صحيح سنن الترمذي" (1912)، و "المشكاة" (4838)، التحقيق الثاني.
(5) أخرجه: أبو داود والترمذي وغيرهما وانظر "غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام" لشيخنا الألباني برقم (427).(1/9)
عن زيد بن أسلم عن أبيه رضي الله عنهما قال: أخذ أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - لسانه وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من وقاه الله عز وجل شر ما بين لحييه وما بين رجليه دخل الجنة".(1)
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "ما شيء أحق بطول سجنٍ من اللسان".(2)
عن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤمن من أمِنَهُ الناس والمسلم من سَلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر السوء والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جارُهُ بوائقه".(3)
عن وهب بن مُنبه قال في حكمة آل داود: حق على العاقل أن يكون عارفاً بزمانه حافظاً للسانه مقبلاً على شانِه. (4)
عن زيد بن حيان التيمي قال: كان يقول: ينبغي للرجل أن يكون أحفظ للسانه منه لموضع قدمه. (5)
عن الحسن - رضي الله عنه - قال: "وما عقل دينه من لم يحفظ لسانه".(6)
عن وهيب بن الورد رحمه الله قال: "كان يقال: الحكمة عشرة أجزاء، فتسعة منها في الصمت والعاشرة عزلة الناس".(7)
__________
(1) الصحيحة: (510).
(2) أخرجه ابن أبي عاصم في الزهد برقم (24)، وأبو الشيخ في الأمثال برقم (362).
(3) أخرجه أحمد (3/154) وأبو يعلى (ج7/ رقم 4187)، والبزار رقم (21)، وابن حبان (26)، والحاكم (1/11). وصححه شيخنا الألباني في الصحيحة: (549) ، الإيمان: ص (244).
(4) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (31).
(5) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (32).
(6) أخرجه ابن المبارك في الزهد (3/111)، ونسبه الغزالي الى الحسن في الإحياء (3/111).
(7) أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/142) والبيهقي في الزهد برقم (127)، والإحياء (3/110-111) وعزاه لعيسى ابن مريم.(1/10)
عن عبد الله ابن المبارك رحمه الله تعالى قال: "قال بعضهم في تفسير العزلة: هو أن تكون مع القوم، فإن خاضوا في ذكر الله فخض معهم، وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت".(1)
عن وهيب بن الورد قال: "وجدت العزلة في اللسان".(2)
عن سفيان قال: "قال بعض الماضين: إنما لساني سبعٌ وإن أرسلته خِفت أن يأكلني.(3)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليسكت".(4)
عن أبي شريح - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت".(5)
عن اسماعيل بن مسلم قال: قال ابن عباس - رضي الله عنه - : "يا لسان قل خيراً تغنم، أو اسكت عن شر تسلم".(6)
عن سفيان قال: قالوا لعيسى ابن مريم عليه السلام : دلنا على عمل ندخل به الجنة؟ قال: "لا تنطقوا أبداً" قالوا: لا نستطيع ذلك؟ قال: "فلا تنطقوا إلا بخير".(7)
عن الأوزاعي قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام: إن كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب. (8)
قال محمد بن الحسين: سمعت محمد بن عبد الوهاب الكوفي يقول: الصمت يجمع للرجل خصلتين: السلامة في دينه، والفهم عن صاحبه. (9)
__________
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (37).
(2) الحلية (8/153).
(3) الإحياء (3/11).
(4) أخرجه البخاري (10/531-فتح) ومسلم (1/99-عبد الباقي) في كتاب الإيمان رقم (171).
(5) رواه مسلم في كتاب اللقطة برقم (4488).
(6) أخرجه ابن المبارك (370) وأحمد (ص 189) وعنه أبو نعيم (1/327 – 328).
(7) الإحياء (3/110) وعزاه لعيسى بن مريم.
(8) أخرجه ابن عساكر في تاريخه (38).
(9) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (55).(1/11)
قال داود الطائي لمحمد بن عبد العزيز ذات يوم: أما علمت أن حفظ اللسان أشدُ الأعمال وأفضلها؟ قال محمد: بلى؟ وكيف لنا بذلك؟(1)
عن عمران بن يزيد قال: قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : "اللسان قوام البدن، فإذا استقام اللسان استقامت الجوارح وإذا اضطرب اللسان لم يقم له جارحة".
عن الحسن - رضي الله عنه - قال: كانوا يتكلمون عند معاوية - رضي الله عنه - ، والأحنف ساكت فقالوا: مالك لا تتكلم يا أبا بحر؟ قال: أخشى الله إن كذبت، وأخشاكم إن صدقت.(2)
عن خالد بن أبي عمران، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أمسك لسانه طويلا ثم قال: "رحم الله عبداً قال خيراً فغنم، أو سكت عن سوء فسلم".(3)
عن البراء - رضي الله عنه - ، قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: دُلني على عمل يدخلني الجنة قال: "أطعم الجائع، واسق الظمآن وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر فإن لم تطق فكف لسانك إلا من خير".(4)
عن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "... تكُفّ شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك".(5)
عن ابي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب".(6)
__________
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (56).
(2) أخرجه ابن المبارك في الزهد (1353).
(3) أخرجه ابن المبارك في الزهد (380)، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (755).
(4) أخرجه أحمد (4/299)، وابن حبان (ج6/ رقم 4298) والطحاوي في المشكل (4/2-3) والدارقطني (2/135) والبيهقي (10/272-273).
(5) رواه مسلم برقم (136) وأحمد (5/150).
(6) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6477) دون قوله (والمغرب) ، ومسلم في كتاب الزهد برقم (7406)، وغيرهما.(1/12)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار".(1)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار" معناه: لا يتدبرها، ويفكر في قبحها، ولا يخاف ما يترتب عليها، وهذا كالكلمة عند السلطان، وغيره من الولاة، وكالكلمة تقذف، أو معناه: كالكلمة التي يترتب عليها إضرار مسلم ونحو ذلك، وهذا كله حث على حفظ اللسان، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً، أو ليصمت". وينبغي لمن أراد النطق بكلمة، أو كلام أن يتدبره في نفسه قبل نطقه، فإن ظهرت مصلحته تكلم، وإلا أمسك. أ.هـ. شرح النووي (18/317)
كيف يكون لسان المؤمن
ينبغي للمؤمن أن لا يتكلم إلا بكلام حسن وطيب، وأن يكون صادقا في قوله، وقد شبهه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بالنحلة التي لا تأكل إلا طيباً ولا تضع إلا طيباً.
وعن أبي زيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المؤمن مثل النحلة لا تأكل إلا طيبا ولا تضع إلا طيبا".(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال عليه الصلاة والسلام: "مثل المؤمن مثل النحلة ما أخذت منها من شيء نفعك".(3)
خطر اللسان على الإنسان
__________
(1) رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما، وصححه العلامة الألباني كما في "صحيح سنن الترمذي" برقم (1884) ، الصحيحة: (540).
(2) أخرجه ابن حبان وابن عساكر وغيرهما وصححه الألباني في "الصحيحة" برقم (355).
(3) رواه الطبراني وصححه شيخنا الألباني في "الصحيحة" برقم (2285).(1/13)
على المؤمن أن يترقب لسانه حيث لا يتكلم إلا بخير، ويجب عليه أن يخاف من لسانه، فعن سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به. قال: "قل ربي الله ثم استقم" قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: "هذا".(1)
و قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : "إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان".(2)
وفي الحديث: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ فلعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها".(3)
كيف كان لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلقه
عن أنس - رضي الله عنه - قال: "ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولقد خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما قال لي قط أف ولا قال لشيء فعلته لم فعلته. ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا".(4)
فهذا من حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم - ، وكما آلان الله يده فقد آلان سبحانه وتعالى قلبه، وكذلك رائحته من أطيب الروائح، وما شُم طبياً قط أحسن من رائحته - صلى الله عليه وسلم - ، حتى كانوا يأخذون عرقه من حسنه وطيبه، ويتبركون به، وهذا من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - ولا ينبغي لأحدٍ غيره.
فهو من حسن خلقه، لم يتضجر ولم يقل يوماً أف، ولا لشيء فعلته لما فعلت كذا كما قال أنس - رضي الله عنه - .
__________
(1) رواه مسلم ، ورواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".
(2) رواه أحمد في المسند (1/22 و 44)، والفريابي صفة النفاق (ص 13)، وغيره، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1013).
(3) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
(4) متفق عليه.(1/14)
ومن حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم - يكون في خدمة أهله، لما سئلت عائشة: ماذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع في بيته؟ قالت: كان في مهنة أهله. أي يساعدهم على مهمات البيت، حتى كان يحلب الشاة لأهله ويخصف نعله، ويرفع ثوبه، فينبغي أن يكون الإنسان هكذا مع أهله وأصحابه من حسن الخلق
وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان طويل الصمت، قليل الضحك. (1)
التعوذ من شر اللسان
عن شكل بن حميد - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله! علّمني تعوّذاً أتعوذ به، قال: فأخذ بكفي فقال: "قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني ومن شر قلبي ومن شر منيّي".(2)
النهي عن أذية المسلمين
قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً } .(3)
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله ثم الرافضة الذين ينتقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه بنقيض ما أخبر الله عز وجل قد أخبر أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم هؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم وينتقصونهم ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبداً فهم في الحقيقة منكسو القلوب ويذمون الممدوحين ويمدحون المذمومين. أ.هـ. (4)
__________
(1) رواه أحمد في مسنده، وصححه الألباني في "المشكاة" (5826).
(2) "صحيح سنن الترمذي" برقم (2775).
(3) سورة الأحزاب: (الآية 58).
(4) تفسير ابن كثير (3/517).(1/15)
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } .(1)
اللمز: الاغتياب.
التنابز: التلقيب.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف رحله".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه حرام وماله وعرضه".(3)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس أو تركه الناس اتقاء فحشه".(4)
??????
كتاب
الشرك بالله تعالى
الشرك بالله تعالى
قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ
لِمَنْ يَشَاءُ } .(5)
وقال تعالى: { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ
وَمَأْوَاهُ النَّارُ } .(6)
وقال تعالى: { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } .(7)
والآيات في الباب كثيرة.
__________
(1) سورة الحجرات : (الآية 11).
(2) "صحيح الترمذي" برقم (1655). المشكاة (5044).
(3) رواه مسلم.
(4) متفق عليه.
(5) النساء الآية (47).
(6) المائدة الآية (72).
(7) لقمان الآية (13).(1/16)
فالشرك هو أن تجعل لله نداً وهو خلقك وتعبد معه غيره وتصرف العبادة لغيره سبحانه وتعالى من شجر، أو حجر، أو بشر، أو قمر، أو نبي، أو شيخ، أو جني، أو نجم، أو مَلَكٍ وغير ذلك.
وسُئل - صلى الله عليه وسلم - : أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك".(1)
و (الند) هو: المثل.
قال تعالى: { فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } .
وقال تعالى: { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ } .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فمن جعل لله نداً من خلقه فيما يستحقه عز وجل من الإلهية والربوبية فقد كفر بإجماع المسلمين. (2) أ.هـ
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى –في معرض كلامه على أنواع الشرك-: النوع الأول: شرك أكبر مخرج عن الملة؛ وهو: "كل شرك أطلقه الشارع وهو مناف للتوحيد منافاة مطلقة" مثل أن يصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله؛ بأن يصلي لغير الله أو يذبح لغير الله، أو ينذر لغير الله، أو أن يدعو غير الله تعالى؛ مثل أن يدعو صاحب قبر، أو يدعو غائباً لإنقاذه من أمر لا يقدر عليه إلا الحاضر. (3) أ.هـ
فالذي يموت مشركاً بالله تعالى والعياذ بالله فهو من أهل النار خالداً فيها.
و عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور"، قال: فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.(4)
__________
(1) أخرجه البخاري ومسلم.
(2) مجموع الفتاوى (1/88).
(3) مجموع فتاوى ورسائل (7/115).
(4) رواه البخاري في كتاب الشهادات برقم (2654)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (87).(1/17)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا، وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".(1)
قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل لأجل الناس شرك والإخلاص يعافيك منها.
قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : "من الكبائر أربعة هي في القلب: الشرك بالله، والإصرار على معصيته، والقنوط من رحمته، والأمن من مكره".
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار".(2)
ومن أنواع الشرك المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين:
عبادة القبور: واعتقاد أن الأولياء الموتى يقضون الحاجات ويفرجون الكربات والاستعانة والاستغاثة بهم.
يقول الله عز وجل: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ } .(3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الكبائر سبعٌ أولُهُنَّ الإشراك بالله، وقتل النفس بغير حقِّها، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وفرارُ يومِ الزحفِ، وقَذفُ المحصناتِ، والانتقالُ إلى الأعرابِ بعدَ هجرتِهِ".(5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الوصايا برقم (2766)، ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (89).
(2) رواه البخاري في كتاب العلم، ومسلم في كتاب الإيمان.
(3) الأحقاف الآية (5).
(4) رواه البخاري (8/176 فتح).
(5) رواه البزار من رواية عمرو بن أبي سلمة، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (1848).(1/18)
وكذلك من أنواع الشرك الأكبر الذبح لغير الله.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله من ذبح لغير الله".(1)
وكذلك السحر والكهانة والعرافة.
قال الله تعالى: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ } .(2)
فالسحر كفر، والساحر كافر وحكمه القتل وكسبه حرام.
وأما الكاهن والعراف فكلاهما كافر بالله العظيم إذا ادَّعيا علم الغيب ولا يعلم علم الغيب إلا الله تعالى.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد".(3)
وأما الذي يذهب إليهم غير مصدق بأنهم يعلمون الغيب لا يكفر ولكن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً كفارة لما فعل.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلا
أربعين يوماً".(4)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا مؤمن بسحر".(5)
ومن انواع الشرك: الاعتقاد في تأثير النجوم والكواكب في الحوادث وحياة الناس.
__________
(1) رواه مسلم برقم (1978).
(2) البقرة (102).
(3) رواه الإمام أحمد (2/429)، صحيح الجامع (5939).
(4) رواه مسلم في صحيحه برقم (1715).
(5) أخرجه النسائي في كتاب الأشربة (8/318) وأحمد في المسند (3/314) وصححه الحاكم كما في فتح الباري (10/405). وصححه العلامة الألباني في سنن النسائي برقم (5672).(1/19)
عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليلة فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب، وأما من قال بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب".(1)
وهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه.
قال تعالى: { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } وهذا هو الذي قاتل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشركي العرب لأنهم أشركوا في الإلهية. (2)أ.هـ.
فمن أشرك بربوبية الله فزعم أن شيئاً في الوجود يشارك الله في الخلق والتدبير، والحياة والموت والرزق، والنفع والضر، وغير ذلك من خصائص الرب الخالق، فهو كافرٌ ومن أشرك بألوهية الله، فزعم أن أحداً غير الله يستحق أن يُعبد من دون الله، أو عَبَدَ مع الله إلهاً آخر، أو تقرب إلى غير الله عز وجل بالعبادة، فهو كافر.
سب الله وسب الرسول - صلى الله عليه وسلم -
اعلم أخي المسلم أن من نواقض الإيمان، سب الله تعالى، أو سب الدِّين، أو سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وأن ذلك يُوجب الكفر ظاهراً وباطناً، سواء استحل ذلك أو لم يستحل، ويُعد من أقبح وأشنع المكفِّرات القولية.
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً } .(3)
__________
(1) رواه البخاري (2/333) فتح.
(2) مجموع الفتاوى (1/91).
(3) الأحزاب: (الآية: 57-58).(1/20)
في هذه الآية فرّق الله سبحانه وتعالى بين أذى الله ورسوله، وبين أذى المؤمنين والمؤمنات، فجعل على أذية الله ورسوله اللعنة في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً، وجعل على أذية المؤمنين والمؤمنات أنهم احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان السَّاب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً، أو كان ذاهلاً من اعتقاده. (1)
وقال ابن رهويه: قد أجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسوله عليه الصلاة والسلام، أنه كافر بذلك، وإن كان مقراً بما أنزل الله.
فاحذر أخي المسلم أن تقع في هذا المزلق الخطير، وعليك أن تتجنب ما يغضب الله سبحانه وتعالى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى السؤال التالي:
هل يجوز لي البقاء بين قوم يسبُّون الله عز وجل؟
فأجاب رحمه الله: لا يجوز البقاء بين قوم يسبون الله عز وجل لقوله تعالى: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً } (2).أ.هـ
فعلى المسلم أن يحذر من مجالسة هؤلاء القوم، لكي لا يصيبه ما يصيب هؤلاء من العقوبة والإثم. والعياذ بالله.
الكذب على الله تعالى وعلى النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال تعالى: { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ } .(3)
__________
(1) الصارم المسلول.
(2) النساء: (الآية: 140).
(3) الزمر (60).(1/21)
وقال تعالى: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } .(1)
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من يقل عني ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار".(2)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن كذباً عليّ ليس ككذب على غيري من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من كذب عليّ بني له بيت في جهنم".(4)
وقال عليه الصلاة والسلام: "يطبع المؤمن على كل شيء إلا الخيانة والكذب".(5)
وقال عليه الصلاة والسلام: "من روى عني حديثاً وهو يُرى أنه كذب فهو أحد الكذابين".(6)
__________
(1) الأنعام (144).
(2) أخرجه أحمد (5/297) والدارمي (1/77) وابن ماجة (35) والطحاوي في مشكل الآثار (1/172) والحاكم في المستدرك (1/111)، السلسلة الصحيحة (1753).
(3) أخرجه البخاري في الجنائز (1291) ومسلم في المقدمة (3) عن المغيرة بن شعبة.
(4) أخرجه أحمد (2/22 و 103 و 144) وأبو نعيم "ذكر أخبار أصبهان" (2/80) والحاكم "المدخل إلى الصحيح" (ص 91).
(5) أخرجه أحمد في "المسند" (5/252) والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/197) وعبد الرزاق في "المصنف" (11/161) وابن أبي الدنيا في "الصمت" رقم (472) و "مكارم الأخلاق" رقم (144)، و "السنة" لابن أبي عاصم رقم (114) والدارقطني في "العلل" (4/329) وابن أبي حاتم في "العلل" (2/328 – 329) وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/217) والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/197).
(6) أخرجه مسلم في "المقدمة" (1/9) والترمذي في كتاب "العلم" (2664) وابن ماجة في كتاب "السنة" (38).(1/22)
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في تفسيره: قد ذهب طائفة من العلماء الى أن الكذب على الله وعلى رسوله كفر ينقل عن الملة ولا ريب أن الكذب على الله وعلى رسوله في تحليل حرام وتحريم حلال كفر محض. أ.هـ.الكبائر الذهبي (ص 70)
وعن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين".(1)
وعن هشام بن أبي رقية قال: سمعت مسلمة بن مخلد وهو على المنبر يخطُبُ الناس يقول: يا أيها الناسُ! أما لكم في العَصْب والكتانِ ما يُغنيكُم عن الحرير؟ وهذا رجل يخبرُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قُمْ يا عقبة! فقام عقبة بن عامر –وأنا أسمع- فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".
وأشهدُ أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من لَبِس الحرير في الدنيا، حُرِمَه أن يَلبسه في الآخِرَةِ".(2)
(العَصْب) بفتح العين وسكون الصاد مهملتين: هو ضرب من البُرود.
وعن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من أعظم الفِرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يُرى عينه ما لم تر، أو يقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل".(3)
سب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله عز وجل قال: من عاد لي ولياً آذنته بالحرب".(4)
مذهب أهل السنة والجماعة، أن ما جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم من الحروب والفتنة، أن يُمسك عن الكلام فيها، والخوض في تفاصيلها، وعلينا أن نذكر محاسنهم وفضائلهم الكثيرة، ثم الاستغفار لهم.
__________
(1) رواه مسلم في المقدمة "باب وجوب الرواية عن الثقات" برقم (1/9)، وغيره.
(2) رواه ابن حبان في "صحيحه" وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب (2052).
(3) رواه البخاري.
(4) رواه البخاري في "الرقاق" رقم (6502).(1/23)
قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا } .(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا".(2)
وعن شهاب بن خراش قال: أدركت من أدركت من صدر هذه الأمة وهم يقولون: اذكروا مجالس أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تألف عليه القلوب، ولا تذكروا الذي شجر بينهم فتحرّشوا عليهم الناس. (3)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفس محمد بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهباً ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه".(4)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سبَّ أصحابي، فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين".(5)
و سبو عمر وقد أقسم الصادق والمصدوق - صلى الله عليه وسلم - في حقه، فقال: "والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجاً، إلا وسلك فجاً غير فجك".(6)
و سبو معاوية - رضي الله عنه - كاتب الوحي وقد دعا له عليه الصلاة والسلام فقال: "اللهم اجعله هادياً مهدياً واهده واهدِ به".(7)
وقالت عائشة رضي الله عنها: "أُمِروا بالاستغفار لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فسبوهم".(8)
__________
(1) الحشر: (الآية: 10).
(2) ذكره الحافظ في الفتح (11/477)، وحسنه الشيخ الألباني في الصحيحة برقم (34).
(3) سير أعلام النبلاء (8/285).
(4) رواه البخاري في "فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - " رقم (3673) ومسلم في "فضائل الصحابة" برقم (2541).
(5) رواه الطبراني، وأبو نعيم في الحلية وغيرهما، السلسلة الصحيحة رقم (2340).
(6) رواه مسلم.
(7) أخرجه البخاري في "التاريخ"، والترمذي وغيرهما، السلسلة الصحيحة رقم (1969).
(8) رواه مسلم في "التفسير" برقم (3022) عن هشام عن أبيه عن عائشة.(1/24)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لقد أمر الله بالاستغفار لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يعلم أنهم سيقتتلون. (1)
وقال علي - رضي الله عنه - : والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهدُ النبي الأمي إلي: "لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق".(2)
قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: فإذا كان هذا قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق علي فالصِّدِّيقُ بالأولى والأحرى لأنه أفضل الخلق بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومذهب عمر وعلي رضي الله عنهما أن من فضل على الصديق أحداً فإنه يجلد حد المفتري. انتهى. (3)
وروى شعبة عن حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن الجارود بن المعلى العبدي قال: أبو بكر خير من عمر فقال آخر: عمر خير من أبي بكر فبلغ ذلك عمر فضربه بالدرة حتى سعر برجليه وقال: إن أبا بكر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أخير الناس في كذا وكذا من قال غير ذلك وجب عليه حد المفتري.
وروى حجاج بن دينار عن أبي معشر عن إبراهيم عن علقمة قال: سمعت علياً - رضي الله عنه - يقول: بلغني أن قوماً يفضلوني على أبي بكر وعمر من قال شيئاً من هذا فهو مفترٍ، عليه ما على المفتري.
وعن أبي عبيدة بن حجل أن علياً - رضي الله عنه - قال: لا أُوتي برجل فضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من قال لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما".(4)
__________
(1) منهاج السنة النبوية (2/22)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: رواه ابن بطة بإسناد صحيح.
(2) رواه مسلم في "الإيمان" برقم (78).
(3) الكبائر (ص 181).
(4) سبق تخريجه.(1/25)
قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: فأقول: من قال لأبي بكر ودونه: يا كافر! فقد باء القائل بالكفر هنا قطعاً لأن الله تعالى قد رضي عن السابقين الأولين قال الله تعالى: { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه } ومن سب هؤلاء فقد بارز الله تعالى بالمحاربة، بل من سب المسلمين وآذاهم وازدراهم فقد قدمنا أن ذلك من الكبائر فما الظن بمن سب أفضل الخلق بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ لكنه لا يخلد بذلك في النار، إلا أن يعتقد نبوة علي - رضي الله عنه - أو أنه إله فهذا ملعون كافر. أ.هـ (1)
قال أيوب السختياني رحمه الله تعالى: من أحب أبا بكر فقد أقام منار الدين ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله ومن أحب علياً فقد استمسك بالعروة الوثقى ومن قال الخير في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد برئ من النفاق.
إخواني الكرام وبعد أن عرفنا حكم سبّ الصحابة رضوان الله عليهم الذين صحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلمهم ورباهم بنفسه على منهج الحق وزكى نفوسهم، وشهد لهم القرآن الكريم بالجنة والمغفرة والرضوان عند الله تعالى فقد قال عنهم جلّ وعلا: { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ } ، وقال عنهم: { أُوْلَئِكَ المُؤْمِنُونَ حَقْاً } ، وقال عنهم: { وكُلاً وعدَ الله الحُسْنَى } .
__________
(1) الكبائر (ص 182).(1/26)
وغيرها من الآيات الكثيرة، فيجب الذبّ عنهم ورد الاتهامات التي تنسب لهم، من قبل عدو الله ورسوله وعدو الاسلام والمسلمين عبد الله ابن سبأ اليهودي وأتباعه الشيعة المارقين الذين نشروا العقائد الضالة ووضعوا الروايات الكاذبة زوراً وبهتاناً على الصحابة الكرام وأئمة الاسلام، وغيرهم من الفرق الضالة المنحرفة، الذين كذبوا وافتروا على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عداوة منهم للإسلام والمسلمين، لأن الصحابة الكرام هم شهود القرآن والنبوة والسنّة، فالطعن في هؤلاء الشهود هو في الحقيقة طعن في القرآن والإسلام والسنة النبوية المطهرة.
عافانا الله من هذه الفتن والضلالات والانحرافات.
النذر
قال الله تعالى: { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ } (1)
النذر في اللغة: الإلزام والعهد.
واصطلاحا: إلزام المكلف نفسه لله شيئاً غير واجب.
والنذر في الأصل مكروه بل وبعض العلماء يميل إلى تحريمه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه، وقال: "لا يأتي بخير، وإنما يستخرج من البخيل".(2)
وفيه إلزام النفس بالوفاء بالنذر، أي من نذر فعليه أن يعمل ما ألزم نفسه به من النذر.
فعن ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - قال: نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟". قالوا: لا. قال: "فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟" قالوا: لا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أَوْفِ بنذرك، فإنه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم".(3)
__________
(1) البقرة: (270).
(2) رواه البخاري في كتاب الإيمان (4/277)، ومسلم في كتاب النذر، باب النهي عن النذر (3/1260).
(3) رواه أبو داود في كتاب الإيمان والنذور (3/607)، والبيهقي في السنن (10/83). وصححه العلامة الألباني في سنن أبي داود برقم (3313).(1/27)
فعلى المسلم أن لا ينذر، وإذا نذر فعليه بالوفاء، وأن لا يذبح بمكان يذبح فيه لغير الله، وهو ما جاء في الحديث وأن لا يؤدي ذلك بالتشبه بالكفار.
فعلى المسلم أن لا ينذر لما تقدم.
هذا بالنسبة إلى النذر لله تعالى، فمن باب أولى عدم جواز النذر لغير الله لأنه حرام، فمن نذر لله فعليه الوفاء، ومن نذر لغير الله فلا يجوز له الوفاء وعليه كفارة يمين.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "النَّذر نَذران: فما كان لله، فكفارتُهُ الوَفاء، وما كان للشيطان، فلا وفاء فيه، وعليه كفارةُ يمين".(1)
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نذر أن يطيع الله، فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه".(2)وذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أقسام النذر فقال:
الأول: ما يجب الوفاء به، وهو نذر الطاعة، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "من نذر أن يطيع الله، فليطعه".(3)
الثاني: ما يحرم الوفاء به، وهو نذر المعصية، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه"(4)، وقوله: "فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله".
الثالث: ما يجري مجرى اليمين، وهو نذر المباح، فيخير بين فعله وكفارة اليمين، مثل لو نذر أن يلبس هذا الثوب، فإن شاء لبسه وإن شاء لم يلبسه، وكفر كفارة يمين.
__________
(1) أخرجه ابن الجارود في المنتقى (935)، والبيهقي (10/72)، السلسلة الصحيحة رقم (479).
(2) رواه البخاري في كتاب الإيمان والنذور (4/229).
(3) من حديث عائشة السابق.
(4) من حديث عائشة السابق.(1/28)
الرابع: نذر اللجاج والغضب، وسُمي بهذا الاسم، لأن اللجاج والغضب يحملان عليه غالباً، وليس بلازم أن يكون هناك لجاج وغضب، وهو الذي يقصد به معنى اليمين، الحث، أو المنع، أو التصديق، أو التكذيب، مثل لو قال: حصل اليوم كذا وكذا، فقال الآخر: لم يحصل، فقال: إن كان حاصلاً فعلي لله نذر أن أصوم سنة، فالغرض من هذا التكذيب، فإذا تبين أنه حاصل، فالناذر مخيّر بين أن يصوم سنة، وبين أن يكفّر كفارة يمين، لأنه إن صام فقد وفى بنذره وإن لم يصم حنث، والحانث في اليمين يكفر كفارة يمين.
الخامس: نذر المكروه، فيكره الوفاء به، وعليه كفارة يمين.
السادس: النذر المطلق، وهو الذي ذكر فيه صيغة النذر، مثل أن يقول: لله علي نذر، فهذا كفارته يمين كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين". القول المفيد.(1) أ.هـ (1/237، 238)
النهي عن الدعاء لغير الله سبحانه وتعالى
نهانا الله سبحانه وتعالى أن نتوجه بالدعاء لغيره، وهو من الشرك والضلال والعياذ بالله، قال الله تعالى: { وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ } .(2)
وقال تعالى: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .(3)
__________
(1) رواه ابن ماجة برقم (2127)، والترمذي برقم (1528)، وأصله في مسلم برقم (1645). وصححه العلامة الألباني في سنن ابن ماجه برقم (2127).
(2) يونس: (106-107).
(3) الأحقاف: (5).(1/29)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كنت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فقال: يا غلام! احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف".(1)
قوله: "احفظ الله يحفظك" يكون بحفظ شرعه ودينه بأن تتمثل لأوامره، وتجتنب نواهيه، وأن تتعلم العلم لتقوم به عبادتك ومعاملاتك وأن تكون إلى الله عز وجل، وهذا كله من حفظ الله.
والله غني لا يحتاج لحفظ أحد، ولكن المراد بحفظ دينه وشريعته، فيحفظك الله تعالى في دينك وفي بدنك وفي أهلك ومالك، وأن يسلِّمك من الزيغ والضلال.
وقوله: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعِن بالله" أي: لا تطلب ولا تعتمد على أحد من المخلوقين، فالتوجه بالدعاء يكون لله تعالى لا لأحدٍ من خلقه، فالسؤال هو الدعاء، والاستعانة هو طلب العون، فلا تطلب العون من أي مخلوق كان، فيكون هذا لله وحده.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الدعاء هو العبادة".(2)
النهي عن الاستسقاء بالأنواء
قال الله تعالى: { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } .(3)
وعن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أربع في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة". وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قِطران ودرع من جرب".(4)
__________
(1) "مشكاة المصابيح" برقم (5302).
(2) صححه شيخنا الألباني رحمه الله تعالى في "المشكاة" برقم (2230).
(3) الواقعة: (82).
(4) رواه مسلم (934)، وغيره.(1/30)
وعن زيد بن خالد - رضي الله عنه - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية، في إثر السّماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أصبح عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر الكوكب، وأما من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب".(1)
(الحديبية): بتخفيف الياء وتشديدها، والتخفيف أصح.
(على إثر سماء): بكسر الهمزة وإسكان الثاء، وهو المطر.
و(النوء): قال أبو عمرو بن الصلاح: النوء في أصله ليس هو نفس الكوكب، فإنه مصدر ناء النجم ينوء نوءاً، أي سقط وغاب، وقيل: أي نهض وطلع. أ.هـ شرح مسلم (2/249)
التحذير من كفران نعمة المحسن
قال الله تعالى: { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } .(2)
وقال الله تعالى: { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ } .(3)
وقال تعالى: { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } .(4)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألم تروا إلى ما قال ربّكم عز وجل؟ قال: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين، يقولون: الكوكب، وبالكوكب".(5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الاستسقاء برقم (991)، وفي كتاب الصلاة برقم (10)، ومسلم في (كتاب الإيمان) برقم (228).
(2) لقمان: (14).
(3) النحل: (83).
(4) الإنسان: (3).
(5) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (229)، والنسائي في كتاب الاستسقاء برقم (15023).(1/31)
وعن زيد بن خالد - رضي الله عنه - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية في إثر السماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب".(1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يشكر الله من لا يشكر الناس".(2)
وقال بعض السلف، كفران النعمة من الكبائر وشكرها بالمجازاة أو بالدعاء.
النهي عن سؤال الكهان والعرافين
عن صفية عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة".(3)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من اتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد".(4)
المكذب بالقدر
قال الله تعالى: { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } .(5)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) أخرجه أحمد في "المسند" (2/258، 359، 303، 388، 461، 492) والطيالسي "المسند" (2491) وابن حبان رقم (2070 - موارد) والبخاري في "الأدب المفرد" (65، 218) وأبو داود رقم (4811) والترمذي (1955) وأبو نعيم في "الحلية" (9/22، 7/165، 8/389)، والطبراني في "الكبير" (1/162) و (2/408)، وقال الترمذي: "حسن صحيح" وفي تحفة الأشراف (3/424): "حسن" وقال الهيثمي في "المجمع" (8/181)، وعزاه للطبراني في "الأوسط": "إسناده حسن"، وصححه شيخنا الألباني في "صحيح الجامع" (3/58) و "السلسلة الصحيحة" رقم (667).
(3) عن صحيح مسلم (2230).
(4) رواه أحمد في "مسنده" وغيره وهو في "غاية المرام" برقم (285).
(5) القمر (49).(1/32)
قال الله تعالى: { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } .(1)
قال الله تعالى: { مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ } .(2)
قال تعالى: { وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ } .(3)
وقال تعالى: { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } .(4)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث جبريل عليه السلام قال: يا رسول الله! ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والقدر خيره وشره".(5)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب: المكذب بالقدر والزائد في كتاب الله والمتسلط بالجبروت والمستحل لحرم الله والمستحل من عترتي ما حرم الله والتارك لسنتي".(6)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة عاق ولا مكذب بالقدر ولا مدمن خمر".(7)
__________
(1) الصافات (96).
(2) الأعراف: (186).
(3) الإنسان (30).
(4) الشمس (8).
(5) رواه البخاري في "الإيمان" رقم (50) ومسلم في "الإيمان" (6). وضعفه الألباني في سنن الترمذي برقم (2154).
(6) أخرجه الترمذي في "أبواب القدر" (2154) والحاكم في "المستدرك" (1/36) و (4/90 و 525)، والطبراني في "الكبير" (3/136) و "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" (7/205) وابن حبان (52 – موارد) وابن أبي عاصم في "السنة" (1/24 و 149) والطحاوي في "مشكل الآثار" (4/366) من طرق عن عائشة. وأخرجه الحاكم (4/525) من حديث علي بن أبي طالب، وصححه ووافقه الذهبي مرة وخالفه أخرى.
(7) سبق تخريجه.(1/33)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "القدرية مجوس هذه الأمة فإن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم".(1)
وقال الخطابي: وقد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله العباد وقهرهم على ما قدره وقضاه وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله سبحانه بما يكون من اكتساب العبد وتقدير أعماله وخلقه لها فهو علم شامل لما كان وما سيكون وفرق بين العلم بوقوع الشيء وتقديره وبين الإجبار عليه.
وقال ابن عمر: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر".(2)
وعن نافع: أن ابن عمر - رضي الله عنه - جاءه رجل فقال: إن فلاناً يقرأ عليك السلام فقال: إنه بلغني أنه قد أحدث فإن كان قد أحدث فلا تقرئه مني السلام إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يكون في هذه الأمة خسف ومسخ أو قذف في أهل القدر".(3)
__________
(1) أخرجه أبو داود (4691) والبيهقي في "الاعتقاد" (ص 236) والحاكم (1/85) وقال: "صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر" ووافقه الذهبي. وحسنه العلامة الألباني في سنن ابي داود برقم (4691).
(2) أخرجه الحاكم "المستدرك" (1/84) وأحمد في "المسند" (2/90) وابنه عبد الله "السنة" (2/140) من حديث عبد الله بن عمر رضي عنهما وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبي في التلخيص وصححه الألباني "صحيح الجامع" (3669).
(3) أخرجه الترمذي "أبواب القدر" (2152) و (2153) وأحمد في "المسند" (2/108 و 137) وابن ماجة في "الفتن" (2/1350) رقم (4061) والبغوي "شرح السنة" (1/151) رقم (82). وحسنه الألباني في سنن الترمذي برقم (2152).(1/34)
وعن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويؤمن بالبعث ويؤمن بالقدر".(1)
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تصلوا عليهم وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "آخر كلام في القدر لشرار هذه الأمة".(3)
وعن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خلق الله كل صانع وصنعته".(4)
الحكم بغير ما أنزل الله
__________
(1) أخرجه الترمذي "ابواب القدر" (2145) وابن ماجة "المقدمة" (1/32) رقم (81) وأحمد "المسند" (1/97 و 133) وابنه عبد الله "السنة" (1/122) والطيالسي "المسند" (106) وابن حبان (130) والحاكم "المستدرك" (1/32 - 33) وصححه ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في سنن الترمذي برقم (2145).
(2) أخرجه ابن ماجة (92) وابن عدي "الكامل" (1-190) وابن أبي عاصم "السنة" (1/144) والطبراني "الصغير" (1/221) والآجري "الشريعة" (ص 190) وابن الجوزي "العلل المتناهية" (1/160). وحسنه الشيخ الألباني في سنن ابن ماجة برقم (92).
(3) أخرجه الحاكم "المستدرك" (2/473) والعقيلي "الضعفاء الكبير" (3/366) وابن أبي عاصم "السنة" (1/155) برقم (350)، "السلسلة الصحيحة" (1124) وصحيح الجامع (226).
(4) أخرجه البخاري في "خلق أفعال العباد" (ص 25) وابن أبي عاصم "السنة" (357 و 358) والحاكم "المستدرك" (1/31) والبيهقي "الاعتقاد" (ص 75) و"الأسماء والصفات" (ص 26 و 388)، وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبي في "التلخيص" وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1637) وعزاه إلى المحاملي في "الأمالي" (ج6 رقم 13).(1/35)
قال الله تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } .(1)
وقال تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ } .(2)
وقال الله تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَالِمُوْنَ } .(3)
فالذي يجحد حكم الله سبحانه وتعالى يكون كافراً خارجاً من ملة الإسلام والعبادة بالله.
ومن حكم بغير حكم الله تعالى لهوى في نفسه فهذا سماه الله تعالى فاسقاً.
ونفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عن الذين لا يحكمون الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأقسم بنفسه على ذلك وأن ينتفي الحرج من صدورهم والضيق ويسلموا تسليما حيث قال سبحانه وتعالى: { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } .(4)
وفي حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عليكم عبد حبشي فإنّه من يعش منكم بعدي، فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".(5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى".(6)
__________
(1) المائدة (44).
(2) المائدة (45).
(3) المائدة (47).
(4) النساء (65).
(5) أخرجه أبو داود والترمذي والدارمي وغيرهم وهو من الإرواء برقم (2455).
(6) رواه البخاري (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة) وغيره.(1/36)
وعنه أيضا قال: قال عليه الصلاة والسلام: "حدّ يعمل به في الأرض، خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً".(1)
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، -وحسبت أن قد قال- والرجل راع في مال أبيه، ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعي ومسؤول عن رعيته".(2)
وعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: "يا عدي اطرح عنك هذا الوثن" وسمعته يقرأ في سورة براءة: { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } قال: "أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرّموا عليهم شيئا حرموه".(3)
كتاب العلم
فضل العلم والعلماء
وفضل السؤال لطلب العلم
قال الله تعالى: { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْم } .(4)
بدأ بنفسه سبحانه وتعالى وثنى بملائكته وثلث بأولي العلم.
وقال الله تعالى: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
دَرَجَاتٍ } .(5)
وقال تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } .(6)
__________
(1) رواه النسائي، وابن ماجة، وغيرهما، وهو في "السلسلة الصحيحة" برقم (213).
(2) رواه البخاري (كتاب الجمعة) (باب الجمعة في القرى والمدن)، ومسلم ونحوه وغيرهما.
(3) رواه الترمذي وغيره وهو في "صحيح سنن الترمذي" برقم (2471) وفي "غاية المرام" برقم (6).
(4) آل عمران: (الآية: 18).
(5) المجادلة: (الآية: 11).
(6) فاطر: (الآية: 28).(1/37)
عن عبد الله ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته بالحق ورجل أتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها".(1)
الحسد هنا يراد به الغبطة وهو أن يتمنى مثله.
فيه فضيلة طلب العلم وتعلمه للغير ويكون كأجر فاعله إذا عمل به بعده لقوله عليه الصلاة والسلام: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله".(2)
وعنه - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "نضَّر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه فرُّب مبلّغ أوعى من سامع".(3)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب العلم برقم (73)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (816).
(2) يأتي قريباً.
(3) أخرجه الترمذي برقم (2657، 2658)، وابن ماجة برقم (232)، وأحمد (1/437)، والحميدي (88)، والبغوي في شرح السنة برقم (112) وصححه العلامة الألباني في الترغيب برقم (83) والمشكاة (230، 231).(1/38)
وعن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال - رضي الله عنه - أسأله عن المسح على الخفين فقال: ما جاء بك يا زر؟ فقلت: ابتغاء العلم فقال: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يطلب فقلت: إنه قد حك في صدري المسح على الخفين بعد الغائط والبول وكنت امرءاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فجئت أسأل هل سمعته يذكر في ذلك شيئاً؟ قال: نعم، كان يأمرنا إذا كنا سفراً أو مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم فقلت: هل سمعته يذكر في الهوى شيئاً؟ قال: نعم كنا في سفر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما نحن عنده إذا ناداه أعرابي بصوت له جهوري يا محمد فأجابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحواً من صوته: "هاؤم" فقلت له: ويحك اغضض من صوتك فإنك عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد نهيت عن هذا فقال: والله لا أغضض قال الأعرابي: المرء يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : المرء مع من أحب يوم القيامة".
فما زال يحدثنا حتى ذكر بابا من المغرب مسيرة عرضه أو يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عاماً قال سفيان أحد الرواة قبل الشام خلقه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض مفتوحاً للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه".(1)
فيه فائدة عظيمة وهو فضيلة العلم وطلب العلم والمراد به العلم الشرعي أي العلم الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات برقم (3535) وقال حسن صحيح وأحمد في المسند (4/239) فقه السيرة (214)، الإيمان، (ص 60). وحسنه الألباني في سنن الترمذي برقم (3535).(1/39)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هذا الدين قام بأمرين: قام بالعلم والبيان وبالسلاح والسنان حتى أن بعض العلماء قال: "إن طلب العلم أفضل من الجهاد في سبيل الله بالسلاح" لأن حفظ الشريعة إنما يكون بالعلم والجهاد بالسلاح مبني على العلم لا يسير المجاهد ولا يقاتل ولا يحجم ولا يقسم الغنيمة ولا يحكم بالأسرى إلا عن طريق العلم فالعلم هو كل شيء ولهذا قال الله عزوجل: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } (1). أ.هـ. شرح رياض الصالحين: 1/95.
وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أُبدع بي فاحملني فقال: "ما عندي" فقال رجل: يا رسول أنا أدُلُهُ على من يحمله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من دل على خير فله مثل أجر فاعله"(2).
(أبدع بي) بضم الهمزة وكسر الدال يعني: ظَلَعتْ ركابي.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً".(3)
وروي عن ابن مسعود أنه قال: إنما العلم الخشية.
وقال الشافعي رحمه الله: كفى بالعلم فضيلة أن يدعيه من ليس فيه، ويفرح إذا نسب إليه، وكفى بالجهل شراً أن يتبرأ منه من هو فيه، ويغضب إذا نسب إليه. (4)
ثواب طلب العلم وتعليمه لوجه الله عز وجل
__________
(1) المجادلة: (11).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة برقم (4876) وابو داود في كتاب الأدب برقم (5129) والترمذي في كتاب العلم برقم (2671).
(3) أخرجه مسلم برقم (2674).
(4) مناقب الشافعي للبيهقي.(1/40)
عن صفوان بن عسال المرادي - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد متكٍ على بردٍ له أحمر فقلت: يا رسول الله إني جئت أطلب العلم فقال: "مرحباً بطالب العلم إن طالب العلم لتحفه الملائكة بأجنحتها ثم يركب بعضهم بعضاً حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها".(2)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعمله كان له كأجر حاج تاماً حجته".(3)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع".(4)
وعن واثلة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من طلب علماً فأدركه كتب الله له كفلين من الأجر ومن طلب علماً فلم يدركه كتب الله له كفلاً من الأجر".(5)
الكفل: بكسر الكاف هو النصيب.
__________
(1) رواه أحمد وابن حبان وابن ماجة إلا أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من خارج يخرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضاً بما يصنع"، الترغيب:
(68و 80) وقال العلامة الألباني رحمه الله تعالى (حسن).
(2) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".
(3) أخرجه الطبراني بإسناد لا بأس به، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/123): (رواه الطبراني في الكبير ورجاله كلهم موثوقون)، الترغيب (82).
(4) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، المشكاة: (220) الرياض: (1392).
(5) أخرجه الطبراني قال في المجمع (1/123): (رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثوقون)، المشكاة (253).(1/41)
وروى البخاري في (صحيحه) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "كنت أنا وجار لي من الأنصار(1)، في بني أمية بن زيد، وهي من عوالي(2) المدينة، وكنا نتناوب النزول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزل جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك".(3)
فانظر رحمك إلى حرص الفاروق عمر - رضي الله عنه - على تحصيل العلم.
فلماذا لا نقتدي به في طلب العلم والعمل به وتعليمه للناس لننال بذلك رضى الرحمن سبحانه وتعالى.
وهذا شيخ المحدثين الإمام أبو زكريا يحيى بن معين، كان معين على خراج الريّ، فخلَّف ليحيى ابنه ألف ألف درهم، فأنفقه كله على الحديث، حتى لم يبق له نعلٌ يلبسه.
وهذا الحافظ ابن مندة، أبو عبد الله، محدث الإسلام، رحل في طلب العلم وعُمُره عشرون سنة، ورجع وعُمُره خمس وستون سنة، وكانت رحلته خمساً وأربعين سنة.
قال الذهبي: "ولم أعلم أحداً كان أوسع رحلةً منه، ولا أكثر حديثاً منه، مع الحفظ والثقة، فبلغنا أن عدة شيوخه ألف وسبعمائة شيخ".(4)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلي من إحيائها.
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: لأن أتعلم مسألة أحب إلي من قيام ليلة.
وعنه قال: من رأى أن الغدو إلى العلم ليس بجهاد فقد نقص في رأيه وعقله.
وقال الشافعي رحمه الله تعالى: طلب العلم أفضل من النافلة.
قال صالح بن أحمد بن حنبل: رأى رجل مع أبي محبرةً، فقال له: يا أبا عبد الله أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين؟ فقال: مع المحبرة إلى المقبرة.
يعني: كَيف تحمل المحبرة وأنت إمام المسلمين.
__________
(1) هو أوس بن خولي الأنصاري، كما قال ابن حجر في فتح الباري (9/244) كتاب النكاح.
(2) قرى بقرب المدينة من ناحية الشرق.
(3) فتح الباري (1/167) كتاب العلم (باب التناوب في العلم).
(4) سير أعلام النبلاء (17/30).(1/42)
وقال رحمه الله تعالى: أنا أطلب العلم إلى أن أدخل القبر. (1)
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة".(2)
يحذيك: يعطيك.
المسك: الطيب.
الكير: جراب من جلد ينفخ به الحداد النار.
تبتاع: تشتري
التحذير من الجدال والمراء واللدد
قال الله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ } .(3)
وقال تعالى: { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } .(4)
وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ } .(5)
وقال تعالى: { وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } .(6)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن أبغض الرجال إلى الله تعالى الألدُّ الخصم".(7)
(الألد): هو الشديد في الخصومة، وقيل هو: الدائم الخصومة.
__________
(1) مناقب الإمام أحمد ص 31.
(2) أخرجه البخاري (6/660 فتح)، ومسلم (2628).
(3) البقرة (204-205).
(4) الزخرف (58).
(5) غافر (56).
(6) العنكبوت (46).
(7) رواه البخاري في كتاب (الأحكام) رقم (7188) ومسلم في كتاب (العلم) برقم (2668).(1/43)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما ضل قوم بعد هدي كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا { وما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون } ".(1)
وعن أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المراء في القرآن كفرٌ".(2)
المراء: الجدال، والتماري، والمماراة: المجادلة على مذهب الشك والريبة.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: "كنا جلوساً عند باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نتذاكر، يَنْزِعُ هذا بآية، ويَنزِع هذا بآية، فخرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنما يُفقأ في وجهه حبُّ الرمان، فقال: "يا هؤلاء أبهذا بعثتم، أم بهذا أمرتم؟ لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض".(3)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع".(4)
__________
(1) أخرجه الترمذي في (أبواب التفسير) (3253) وابن ماجة في (المقدمة) (48) وأحمد في (المسند) (5/552و 556) وابن جرير في (جامع البيان) (25/53) والحاكم (المستدرك) (2/447 - 448) والطبراني في (المعجم الكبير) (8/333) وابن أبي عاصم في (السنة) (101) والآجري في (الشريعة) (ص54) والخطيب في (الفقيه والمتفقه) (1/320 و 231) وابن عبد البر (الجامع) (2/97) والبغوي في (معالم التنزيل) (6/138)، وقال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح)، صحيح الجامع (5633)، وصحيح الترغيب برقم (141).
(2) رواه أبو داود، وابن حبان في (صحيحه) وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب (143).
(3) رواه الطبراني في (الكبير) وفي المجمع (1/157) "رجاله ثقات أثبات"، وصححه الألباني في الترغيب (140).
(4) أخرجه أحمد في (المسند) (2/82) وأبو داود (3/305) رقم (3598) والبيهقي في (السنن الكبرى) (6/82) والحاكم في (المستدرك) (4/99) والطبراني في (الكبير) رقم
(
13084 مختصرا) وابن ماجة في (السنن) (2/778) رقم (2320) والرامهرمزي (أمثال الحديث) (ص 108)، وقال الحاكم "صحيح" وأقره الذهبي في (التلخيص) وقال الهيثمي: "رجاله رجال الصحيح" أنظر (فيض القدير) (6/72) (صحيح الجامع) (6196).(1/44)
وفي لفظ: "فقد باء بغضب من الله".(1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "الحياء والعي شعبتان من الإيمان والبذاء والبيان شعبتان من النفاق".(2)
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان".(3)
عن أبي أمامة - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه".(4)
"ربض الجنة" : أي ما حولها .
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : لا يتعلم العلم لثلاث، ولا يترك لثلاث: لا يتعلم ليماري به، ولا يباهي به، ولا يراءي به، ولا يترك حياءً من طلبه، ولا زهادةً فيه ولا رضاً بالجهل منه. (5)
وعن شهر بن حوشب قال: قال لقمان عليه السلام لابنه: أي بُني لا تعلّم العلم تباهي به العلماء، أوتماري به السفهاء، أو ترائي به المجالس. (6)
__________
(1) المصدر السابق.
(2) أخرجه الترمذي في (أبواب البر والصلة) رقم (5028) وأحمد في (المسند) (5/269) وعلي بن جعد (المسند) (2/1058) رقم (3059) والحاكم في (المستدرك) (1/52)، وقال "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وقال الترمذي "حسن غريب" وقال المناوي في (الفيض): "قال الترمذي حسن وقال غيره صحيح". وصححه الألباني في سنن الترمذي برقم
(2072).
(3) المصدر السابق.
( ) أخرجه أحمد في (المسند) (1/22 و 44) والفريابي (صفة النفاق) ( ص 13) والطبراني في (الكبير) والبيهقي في (شعب الإيمان) كما في (فيض القدير) (1/420)، وقال المنذري: "رواته محتج بهم في الصحيح" وقال الهيثمي: "رجاله موثوقون".
(4) رواه أبو داود وغيره، السلسلة الصحيحة رقم (273)، وصحيح الجامع رقم(1464)
(5) أخرجه ابن الجوزي في كتابه (ص 223) وعزاه للزبيدي في الإتحاف برقم (7/471).
(6) أخرجه الدارمي (1/89).(1/45)
عن محمد بن واسع قال: كان مسلم بن يسار يقول: إياكم والمراء فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته. قال حماد: فقال لنا محمد: هذا الجدال، هذا الجدال.(1)
قال الحافظ الذهبي: وقال النووي رحمه الله: اعلم أن الجدال قد يكون بحق وقد يكون بباطل قال الله تعالى: { وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (2)، وقال تعالى: { وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (3)، وقال تعالى: { مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } (4).
قال: فإن كان الجدال الموقوف على الحق وتقريره كان محموداً، وإن كان في مدافعة الحق أو كان جدالاً بغير علم كان مذموماً، وعلى هذا التفصيل تنزل النصوص الواردة في إباحته وذمه، والمجادلة والجدال بمعنى واحد قال بعضهم: ما رأيت شيئا أذهب للدين ولا أنقض للمروءة ولا أشغل للقلب من الخصومة(5).أ.هـ
التحذير من الفتوى بلا علم
قال الله تعالى: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } .(6)
وقال تعالى: { وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .(7)
__________
(1) أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد برقم (251)، وابو نعيم في الحلية (2/294).
(2) العنكبوت: (46).
(3) النحل: (125).
(4) غافر: (4).
(5) الكبائر (ص 259).
(6) الأعراف: (33).
(7) النحل: (116 و 117).(1/46)
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } .(1)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه".(2)
قال الشوكاني، رحمه الله تعالى: ومعناه: أي لا تحرموا ولا تحللوا لأجل قول تنطق به ألسنتكم من غير حجة. (3) أ.هـ.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يُقبض العلم بموت العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا".(4)
وروي عن الإمام مالك رحمه الله أنه سئل عن مائة مسألة فأجاب عن أربع منها، وقال في الباقيات: الله أعلم، فعوتب في ذلك، فقال: من قال الله أعلم فقد أفتى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعليقا على كلمة: (حرام عليك) أو (حرام عليك أن تفعل كذا) قال: لا يجوز أن يوصف شيء بالتحريم إلا أن يكون شيئا حرمه الله أو رسوله، وذلك أن وصف شيء غير محرم بالحرمة –ولو مع سلامة النية- فيه تعدي على جناب الربوبية، وفيه إيهام بان ذلك الشيء محرم وهو ليس كذلك، والأسلم للمرء في دينه أن يبتعد عن هذا اللفظ. (5)أ.هـ
??????
كتاب الصلاة
ثواب من حافظ على هؤلاء الكلمات بعد الوضوء
__________
(1) المائدة: (87).
(2) أخرجه أبو داود. وحسنه الألباني في سنن أبي داود برقم (3675).
(3) فتح القدير (3/227).
(4) رواه البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنه - .
(5) انظر فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين، إعداد: أشرف عبد المقصود. دار عالم الكتب، الطبعة الثانية (1/200-201).(1/47)
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء".(1)
وفي رواية:
"ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو يسبغ الوضوء ثم يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل في أيها شاء".(2)
وزاد الترمذي بعد التشهد: "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين".(3)
وزاد أحمد: "ثم رفع نظره إلى السماء".(4)
وزاد ابن ماجة مع أحمد قول ذلك ثلاث مرات. (5)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وأما الأذكار التي يقولها العامة عند كل وضوء فلا أصل لها عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من الصحابة والتابعين ولا الأئمة الأربعة وفيها حديث كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . أ.هـ. الوابل الطيب
ما جاء في ثواب الأذان وفضله
قال الله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } .(6)
قالت عائشة رضي الله عنها: أرى هذه الآية نزلت في المؤذنين.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (234)، وأحمد في مسنده (17316/1).
(2) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (234)، وابو داود وابن ماجة وقالا: "فيحسن الوضوء".
(3) أخرجه الترمذي في الطهارة برقم (55)، وصححه الألباني في سنن الترمذي برقم (55).
(4) في مسنده (17316/6).
(5) في كتاب الطهارة (470). وصححه الألباني في سنن ابن ماجة برقم (470).
(6) سورة فصلت: أية (33).(1/48)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المؤذن يغفر له مد صوته وأجره مثل أجر من صلى معه".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً".(2)
الاستهام: الاقتراع.
التهجير: التبكير إلى الصلاة.
النداء: الأذان.
الصف الأول: الذي يلي الإمام.
العتمة: العشاء.
الحبو: المشي على اليدين والركبتين.
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء".(3)
قال الراوي: والروحاء من المدينة على ستة وثلاثين ميلاً.
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - ، أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدم والمؤذن يغفر له مدى صوته وصدقه من سمعه من رطب ويابس وله مثل أجر من صلى معه".(4)
(مدى صوته) يعني: غايته والمعنى يستكمل مغفرة الله تعالى إذا استوفى رفع الصوت فيبلغ من المغفرة بقدر ما يبلغ الغاية من الصوت.
__________
(1) أخرجه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة، صحيح الجامع (6519)، وصحيح الترغيب (229).
(2) أخرجه البخاري في الأذان برقم (615)، ومسلم في كتاب الصلاة برقم (980).
(3) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (852).
(4) رواه أحمد والنسائي بإسناد جيد، قال في المجمع (1/326): (رواه أحمد والطبراني في الكبير والبزار إلا أنه قال: "يجيبه كل رطب ويابس" ورجاله رجال الصحيح)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في الترغيب (228).(1/49)
و عن معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة".(1)
قال القاضي عياض وغيره: ورواه بعضهم إعناقاً بكسر بالهمزة أي: إسراعاً إلى الجنة وهو من سير العنق.
وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي صعصعة الأنصاري ثم المازني عن أبيه أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شَهِدَ له يوم القيامة".
قال أبو سعيد سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(2)
قوله: "إلا شهد له يومَ القيامة": المراد من هذه الشهادة اشتهار المشهود له يوم القيامة بالفضل وعلو الدرجة، وكما أن الله يفضح بالشهادة قوماً، فكذلك يكرم بالشهادة آخرين. فتح الباري (2/89)
(البادية): خلاف الحاضرة، مدى صوت المؤذن: غاية صوته.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يُغفر للمؤذن منتهى أذانِهِ ويستغفر له كل رطب ويابس سَمِعه".(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "المؤذن يغفر له مَدَّ صوته، ويشهد له كلُّ رطبٍ ويابسٍ، وشاهدُ الصلاة يكتب له خمس وعشرون حسنة ويكَّفِّرُ عنه ما بينهما".(4)
(
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (850)، وابن ماجة في كتاب الأذان والسنة فيها برقم (725).
(2) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (609).
(3) رواه أحمد بإسناد صحيح وقال في مجمع الزوائد (1/326): (رواه أحمد والطبراني في الكبير والبزار إلا أنه قال: "ويجيبه كل رطب ويابس" ورجاله رجال الصحيح)، وصححه العلامة الألباني رحمه الله تعالى في الترغيب برقم (228).
(4) رواه ابن حبان في "صحيحه"، وقال الشيخ الألباني: "صحيح" الترغيب (227).(1/50)
وشاهدُ الصلاة): أي شاهد الجماعة بأذانه يكتب له ما في تفضيل صلاة الجماعة على المنفرد.
قال الخطابي رحمه الله تعالى: "مدى الشيء غايته، والمعنى أنه يستكمل مغفرة الله تعالى إذا استوفى وسعه في رفع الصوت، فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت"، وقال رحمه الله: وفيه وجه آخر هو أنه كلام تمثيل وتشبيه يريد أن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو يقدر أن يكون ما بين أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوب تملأ تلك المسافة غفرها الله. أ.هـ. معالم السنن (1/281)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين".(1)
(الإمام ضامن) أي: متكفل لصلاة المأمومين، (والمؤذن مؤتمن) أي: أمين على مواقيت الصلاة.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أيضا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي التأذين أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول له: أذكر كذا وأذكر كذا لما لم يكن يذكر من قبل حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى".(2)
قال الخطابي رحمه الله: التثويب هنا الإقامة، والعامة لا تعرف التثويب إلا قول المؤذن في صلاة الفجر "الصلاة خير من النوم" ومعنى التثويب الإعلام بالشيء والإنذار بوقوعه وإنما سميت الإقامة تثويباً لإنه إعلام بإقامة الصلاة، والأذان إعلام بوقت الصلاة.أ.هـ. معالم السنن (1/281 – 282)
__________
(1) رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الترغيب (230و232)، والمشكاة (663)، والإراوء (217)، والصحيحة (1767).
(2) أخرجه البخاري في كتاب السهو (1231)، ومسلم في كتاب الصلاة برقم (857).(1/51)
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في قول المؤذن في صلاة الفجر (الصلاة خير من النوم) قال: قلت: والسنة الصحيحة في هذا التثويب تدل على أنه خاص بالأذان الأول في الفجر وهو مما هجره أكثر المؤذنين اليوم مع الأسف الشديد، حتى في الحرمين الشريفين، ولقد ابتلي بسبب إحياء أمثالها طائفة من إخواننا السلفيين في بعض البلاد الإسلامية، والى الله المشتكى من أحوال هذا الزمان وقلة أنصار السنة فيه.أ.هـ. صحيح الترغيب 1/173
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في الشتاء والوَرَقْ يتهافت فأخذ بغصن من شجرةٍ قال: فجعل ذلك الورق يتهافت فقال: "يا أبا ذر" قلت لبيك يا رسول الله قال: "إن العبد المسلم ليصلي الصلاة يريد بها وجه الله فتهافت عنه ذنوبه كما تهافت هذا الورق عن هذه الشجرة".(1)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً وهو في مسير له يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - "على الفطرة" فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: "خرج من النار" فاستبق القوم إلى الرجل فإذا راعي غنمٍ حضرته الصلاة فقام يؤذن".(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة وكتب له بتأذينه في كل يوم ستون حسنة، وبكل إقامة ثلاثون حسنة".(3)
__________
(1) رواه أحمد بإسناد حسن، قال في المجمع (2/248): "رواه أحمد ورجاله ثقات"، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في الترغيب برقم (380).
(2) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (382)، وابن خزيمة في كتاب الصلاة برقم (399).
(3) رواه ابن ماجة والحاكم وقالا: "صحيح على شرط البخاري"، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة (42) والمشكاة (678) والترغيب (240) وصحيح الجامع (5878).(1/52)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية الجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل أنظر إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة".(1)
الشظية: بفتح الشين وكسر الظاء المعجمتين بعدهما ياء مثناة مشددة هي القطعة من الجبل تنقطع منه ولم تنفصل.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أذن محتسباً سبع سنين كتب له براءة من النار".(2)
قال الإمام الدمياطي رحمه الله تعالى: قوله: "محتسباً" أي طالباً بأذانه وجه الله وما عنده مؤملاً من فضل الله عز وجل وسعة جوده أن يجعله مما يحاسبه بثوابه يوم القيامة قد أعده ذخراً له يوم فاقته وعند حاجته إلى الجزاء لم يأخذ عليه أجراً ولم يشتر به ثمناً ولم يطلب عليه ثناءً ولا شكراً قد أخلص فيه نيته وصحح عزيمته وثوقاً بالله ورسوله فيما وعد به من حسن الجزاء وعظيم الثواب.أ.هـ.المتجر الرابح
وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا كان الرجل بارضٍ رِقيٍّ فحانت الصلاةُ، فليتوضأ، فإن لم يجد ماءً فليتيمم، فإن أقام، صلى معه مَلَكاه، وإن أذنَ وأقام صلى خلفه من جنودِ اللهِ ما لا يُرى طرفاه".(3)
(الِقيّ) بكسر القاف وتشديد الياء: هي الأرض القفر.
ثواب الدعاء عند سماع المؤذن
__________
(1) رواه أبو داود والنسائي، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (41) والإرواء (214) والمشكاة (665)، الترغيب (239).
(2) أخرجه ابن ماجة والترمذي بإسنادهما عن ابن عباس، المشكاة (664).
(3) رواه عبد الرزاق، وصححه الألباني في الترغيب برقم (241).(1/53)
عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله رضيت بالله رباً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولاً وبالإسلام ديناً غُفِرَ لَهُ ذَنبُهُ"(1).
وفي رواية لمسلم : "غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه".(2)
وفي رواية: "من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد".(3)
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة".(4)
ثواب الترديد مع المؤذن
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام بلال يُنادي فلما سكت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال مثل ما قال هذا يقيناً دخل الجنة".(5)
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة برقم (849).
(2) رواه مسلم في الصلاة برقم (849).
(3) المصدر السابق.
(4) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (614).
(5) رواه النسائي وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه العلامة الألباني في الترغيب (249)، المشكاة (676).(1/54)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال المؤذن: الله اكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال: أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله قال: أشهد أن محمداً رسول الله ثم قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة".(1)
قال النووي رحمه الله تعالى: قال أصحابنا: إنما استحب للمتابع أن يقول مثل المؤذن في غير الحيعلتين فيدل على رضاه به وموافقته على ذلك أما الحيعلة فدعاء إلى الصلاة وهذا لا يليق بغير المؤذن فاستحب للمتابع ذكر آخر فكان لا حول ولا قوة إلا بالله لأنه تفويض محض إلى الله تعالى.
قال القاضي عياض رحمه الله: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر" إلى آخره ثم قال في آخره من قلبه "دخل الجنة" إنما كان كذلك لأن ذلك توحيد وثناء على الله تعالى وانقياد لطاعته وتفويض إليه لقوله: "لا حول ولا قوة إلا بالله" فمن فعل هذا فقد حاز حقيقة الإيمان وكمال الإسلام واستحق بفضل الله تعالى.
وعن عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجوا أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي".(2)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (848) وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (527).
(2) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (847).(1/55)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَرَّسَ ذات ليلة، فأذَّن بلال فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال مثل مقالته وشهد مثل شهادته فله الجنة".(1)
(عرَّس المسافر) بتشديد الراء إذا نزل آخر الليل يستريح.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "سلوا الله لي الوسيلة، فإنه لم يسألها لي عبدٌ في الدنيا إلا كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة".(2)
ثواب الدعاء بعد الأذان
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قل كما يقولون فإذا انتهيت فسل تُعطه".(3)
(يفضلوننا) بفتح الياء وضم الضاد المعجمة أي يحصل لهم فضل ومزية علينا في الثواب بسبب الأذان.
وقال عليه الصلاة والسلام: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة".(4)
وعن أنس - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدعاء بين الأذان
والإقامة لا يرد".(5)
زاد الترمذي في روايته: قالوا: فما نقول يا رسول الله؟ قال: "سلوا الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة".
__________
(1) رواه أبو يعلى عن يزيد الرقاشي عن أنس، وحسنه الشيخ الألباني في الترغيب برقم (248).
(2) رواه الطبراني في "الأوسط"، وقال الألباني: "حسن" الترغيب (250).
(3) صحيح الكلم الطيب (ص 50)، الترغيب (249) وقال الألباني: "حسن".
(4) رواه البخاري في كتاب الأذان (614) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(5) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان، الإرواء (244).(1/56)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ساعتان لا يرد على داع دعوته حين تقام الصلاة وفي الصف في سبيل الله".(1)
وعن جابر - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ثوب بالصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء".(2)
المراد بـ (التثويب): الإقامة.
ما جاء في الدعاء عند دخول المسجد والخروج منه
عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا دخل المسجد يقول: "أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" قال: أقط؟ قلت نعم، قال: "فإذا قال ذلك قال الشيطان: حُفِظَ مني سائر اليوم".(3)
نأخذ من الحديث فائدة عقدية وهي أنه من صفاته سبحانه وتعالى (القديم).
وكذلك فيه إثبات الوجه لله تعالى، يليق بجلاله، بلا تشبيه ولا تعطيل.
ما يقول عند إرادته القيام إلى الصلاة
عن أم رافع رضي الله عنهما أنها قالت: يا رسول الله! دلني على عمل يأجرني الله عز وجل عليه؟ قال: "يا أم رافع! إذا قمت إلى الصلاة فسبحي الله تعالى عشراً وهلليه عشراً واحمديه عشراً وكبريه عشراً واستغفريه عشراً فإنك إذا سبحت قال: هذا لي وإذا هللت قال هذا لي وإذا حمدت قال هذا لي وإذا كبرت قال هذا لي وإذا استغفرت قال: قد فعلت".(4)
__________
(1) رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان وهذا أحد ألفاظه، الترغيب (254)، (262).
(2) رواه أحمد من رواية ابن لهيعة، وحسنه العلامة الألباني في الترغيب برقم (253).
(3) رواه أبو داود بإسناد جيد، وصححه الألباني في الكلم الطيب (ص 47).
(4) رواه ابن السني، الفتوحات الربانية (2/144).(1/57)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال رجل من القوم الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من القائل كلمة كذا كذا" قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله! قال: "عجبت لها فتحت لها أبواب السماء" قال ابن عمر: فما تركتهن منذ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك.(1)
النهي عن نشد الضالة والبيع في المسجد
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من سَمع رجلاً ينشد ضالةً في المسجد فليقل: لا ردها عليك -فإن المساجد لم تُبن لهذا".(2)
ينشد ضالة: يطلبها ويعرفها، وهو من النشيد، رفع الصوت، والضالة: الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان وغيره. نهاية (3/98)
وعنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربَحَ الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشُد ضالةً فقولوا: لا ردها الله عليك".(3)
وعن بريدة - رضي الله عنه - : أن رجلاً نشد في المسجد، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا وجدت، إنما بُنيت المساجد لما بُنيت له".(4)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد برقم (1357) والترمذي في كتاب الدعوات برقم
(3592) والنسائي في كتاب الافتتاح برقم (884).
(2) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (568)، وأبو داود وابن ماجة وغيرهم.
(3) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، والنسائي وابن خزيمة، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، رواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه بالشطر الأول، وصححه الألباني في الترغيب برقم (291).
(4) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (569)، والنسائي وابن ماجة.(1/58)
وعن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "... ولا تتخذوا المساجد طُرُقا إلا لِذِكرٍ أو صلاة".(1)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "سيكون في آخر الزمان قوم يكون حديثهم في مساجدهم، ليس لله فيهم حاجةٌ".(2)
وعن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "احضروا الجمعة، وادنُوا من الإمام، فإنَّ الرجلَ ليكون من أهل الجنة، فيتأخر، فيؤخَّر عن الجنة وإنه لمن أهلها".(3)
فضل قراءة سورة (الكهف)
ليلة الجمعة ويوم الجمعة
عن ابي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ سورة (الكهف) في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين".(4)
وفي رواية: "من قرأ سورة (الكهف) ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق".(5)
التحذير من تخطي الرقاب يوم الجمعة
عن عبد الله بن بسر رضي الله عنهما قال: جاء رجل يَتَخطّى رقاب الناس يوم الجمعة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطبُ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اجلس فقد آذيتَ، وآنيتَ".(6)
(آذيتَ) بتخطيك رقاب الناس.
(
__________
(1) رواه الطبراني في "الكبير" وصححه الألباني في الترغيب برقم (295).
(2) رواه ابن حبان في "صحيحه" وحسنه الألباني في الترغيب برقم (296).
(3) رواه الطبراني والأصبهاني، وأحمد (5/10) وأبو داود، وقال الألباني رحمه الله: (حسن لغيره) الترغيب (713) والصحيحة (365).
(4) رواه النسائي في "اليوم الليلة" والبيهقي مرفوعاً، والحاكم مرفوعاً وموقوفاً وقال: "صحيح الإسناد" وصححه الألباني في الترغيب برقم (736).
(5) رواه الدارمي في "السنن" موقوفاً على أبي سعيد، وقال الألباني: "صحيح" الترغيب (736).
(6) رواه أحمد وابو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (714).(1/59)
آنيتَ) بمد الهمز وبعدها نون ثم ياء مثناة تحت، أي: أخَّرتَ المجيء.
وعند ابن خزيمة: "فقد آذيتَ وآُذِيتَ".
النهي عن الكلام والإمام يخطب
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قلتَ لصاحبكَ يومَ الجمعةِ: أنصت، والإمام يخطب، فقد لغوت".(1)
قوله: (لغوت) قيل: معناه خِبت من الأجر، وقيل: تكلمت. وقيل: أخطأت. وقيل: بطلت جمعتك. وقيل: صارت جمعتك ظهراً.
والقول الأخير هو الراجح وكذلك القول الذي قبله، لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في حديث: "ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً".
وهو الذي جزم به الإمام ابن خزيمة. (2)
وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا تكلمتَ يوم الجمعة فقد لَغَوتَ وألغَيتَ: يعني
والإمام يخطب".(3)
وعن ابن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يحضر الجمعة ثلاثةُ نفر، فرجلٌ حضرها يَلغو، فذلك حظُّه منها، ورجلٌ حضرها بدعاءٍ فهو رجل دعا الله، إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت، ولم يتخطَّ رقبةَ مسلم، ولم يؤذِ أحداً، فهي كفارةُ إلى الجمعة التي تليها و زيادة ثلاثة أيام. وذلك أن الله يقول: "مَن جاء بالحسنةِ فله عشرُ أمثالها" ".(4)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كفى لغواً أن تقول لصاحبك: أنصت، إذا خرج الإمام في الجمعة. (5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجمعة برقم (394)، ومسلم في كتاب الجمعة برقم (851).
(2) صحيح ابن خزيمة (3/55/ باب 71).
(3) رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (717).
(4) رواه أبو دواد، وابن خزيمة في "صحيحه"، وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب (723).
(5) رواه الطبراني في "الكبير" (9/ رقم 9543) موقوفاً بإسناد صحيح، وصححه الألباني في الترغيب برقم (720).(1/60)
وعن أبي ذر أنه قال: دخلت المسجد يوم الجمعة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فجلستُ قريباً من أُبيّ بن كعب ، فقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة (براءة) فقلت لأُبيّ: متى نزلت هذه السورة؟ قال: فتجهَّمني، ولم يكلمني، ثم مكثت ساعةً، ثم سألته؟ فتجهمني ولم يكلمني. ثم مكثتُ ساعة، ثم سألته؟ فتجهمني، ولم يكلمني فلما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت لأُبيٍّ: سألتك فتجهمتني، ولم تكلمني؟ قال أُبيَ: مالك من صلاتك إلا ما لغوتَ! فذهبتُ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا نبي الله! كنت بجنب أُبيّ وأنت تقرأ (براءة) فسألته: متى نزلت هذه السورة؟ فتجهَّمني ولم يكلمني، ثم قال: مالك من صلاتك إلا ما لغوت! قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "صدق أُبيّ".(1)
قوله: (فتجهمني) معناه: قطَّب وجهه وعبس، ونظر إليَّ نظر المغضب المنكر.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اغتسل يوم الجمعة، ومسَّ من طيب امرأته إن كان لها، ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغُ عند الموعظةِ، كان كفارةً لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً".(2)
فضل صلاة الاستخارة
__________
(1) رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، وصححه الألباني في "الترغيب" برقم (718).
(2) رواه أبو داود وابن خزيمة في "صحيحه" من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو وصححه الألباني، الترغيب (721).(1/61)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: "إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني استخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا اقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به. قال: ويسمي حاجته".(1)
الاستخارة: هي طلب خير الأمرين.
وتكون مع الله عز وجل، يستخير الإنسان ربه جل وعلا إذا هم بأمر وهو لا يدري عاقبته ولا يدري مستقبله، فعليه بالاستخارة.
والاستخارة، إما أن ييسر الله هذا الأمر، أو يصرفه عنك ويبدلك خيراً منه، ولا تكون عن طريق الرؤيا أو ما شابه ذلك، ويكون بانشراح الصدر، فإذا انشرح صدره أقبل على الأمر، وإذا تردد أعاد الاستخارة، ومن ثم يشاور أهل العلم. والله أعلم.
??????
كتاب الصيام
ما يقول إذا رأى الهلال أو القمر
عن طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى الهلال قال: "اللهم أهلهُ علينا باليُمن -وفي رواية بالأمن- والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربُّك الله".(2)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي، فإذا القمر حين طلع فقال: "تعوذّي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب".(3)
قوله: "الغاسق" الغسق الظلمة، وسماه غاسقاً لأنه ينكسف ويسوّد ويظلم.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6382).
(2) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
(3) رواه ابن السني.(1/62)
وقوله: "وقب" الوقوب الدخول في الظلمة ونحوها مما يستره من كسوف وغيره.
وقال بعض أهل العلم، التعوذ في الظلمة، لأن أهل الفساد ينتشرون في الظلمة ويتمكنون فيها أكثر مما يتمكنون منه في حال الضياء فيقدمون على العظائم وانتهاك المحارم، فأضاف فعلهم في ذلك الحال إلى القمر لأنهم يتمكنون منه بسببه. والله أعلم.
ما يقول إذا أفطر عند قوم
عن أنس - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة".(1)
ماذا يقول من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا دُعي أحدكم فليُجِب فإن كان صائماً فليُصلَّ، وإن كان مفطراً فليطعم".(2)
قال العلماء: معنى "فليُصلِّ": فليدعُ، ومعنى "فليطعم": فليأكل.
تحذير الصائم من الغيبة والفحش
والكذب ونحو ذلك
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يَدَعَ طعامَه وشرابَه".(3)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابَّك أحدٌ أو جهل عليك، فقل: إني صائم، إني صائم".(4)
__________
(1) رواه أبو داود
(2) رواه مسلم
(3) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1903).
(4) رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" والحاكم و قال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1082).(1/63)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورُبَّ قائم ليس له من قيامه إلا السَّهرُ".(1)
وفي رواية للحاكم. "رب صائمٍ حظًّه من صيامِهِ الجوعُ والعطشُ، وربَّ قائم حظُّه من قيامه السهر".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رب صائم حظُّه من صيامه الجوعُ والعطش، وربَّ قائم حظُّه من قيامه السهر".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد فليقل: إني صائم، إني صائم".(3)
قوله: "جُنة": أي مانع من المعاصي.
وقوله: "فلا يرفث": الرفث الفحش في القول.
وقوله: "ولا يصخب": أي لا يصيح ولا يرفع صوته.
??????
كتاب الصدقات
التحذير من المن
قال الله تعالى: { لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى } .(4)
فالمن يكون سبباً لإبطال الصدقات، قال الشوكاني في تفسير هذه الآية:
الإبطال للصدقات: إذهاب أثرها وإفساد ثوابها، فالمن يبطلها والأذى والرياء. أ.هـ
وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثةٌ لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً: عاق ومنان ومكذب بالقدر".(5)
__________
(1) رواه ابن ماجة واللفظ له، والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه" والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري"، وصححه الألباني في الترغيب (1083).
(2) رواه الطبراني في "الكبير"، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (1084).
(3) سبق تخريجه.
(4) البقرة (264)
(5) أخرجه الطبراني في "الكبير" برقم (7547 و 7938) وابن أبي عاصم في "السنة"
(323)، "السلسلة الصحيحة" (1785).(1/64)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثةٌ لا يكلمهمً الله ولا ينظرُ إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم"، فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: "المسبل إزاره، والمنانُ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب".(1)
(المسبل) أي: المسبل إزاره أسفل من الكعبين.
ما جاء في المسألة وتحريمها مع الغنى
وما جاء في ذم الطمع
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تزال المسألةُ بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مُزعةُ لحمٍ".(2)
(المزعة) بضم الميم وسكون الزاي وبالغين المهملة: هي القطعة. قيل معناه يأتي يوم القيامة ذليلاً ساقطاً لا وجه له عند الله، وقيل: هو على ظاهره، فيحشر و وجهه عظم لا لحم عليه عقوبة له وعلامة له بذنبه حيث طلب وسأل بوجهه. شرح النووي (7/130)
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سأل الناس في غير فاقةٍ نزلت به، أو عيال لا يطيقهم، جاء يوم القيامة بوجهٍ ليس عليه لحم".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سأل الناس تكثراً، فإنما يسأل جمراً، فَليستَقلَّ أو ليستكثِر".(4)
معناه: أنه يعاقب بالنار، ويحتمل أن يكون على ظاهره، وأن الذي يأخذ يصير جمراً يكوى به كما ثبت في مانع الزكاة. شرح النووي (7/131)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1474) ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1040).
(3) صحيح الترغيب (794).
(4) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (1041)، وابن ماجة.(1/65)
وعن أبي بشر قبيصة بن المخارق - رضي الله عنه - قال: تحمَّلتُ حَمالة، فأتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، اسأله فيها، فقال: "أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها" ثم قال: "يا قبيصة! إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة، فحلَّت له المسألةُ حتى يُصيبَها ثم يمسك.
ورجل أصابته جائحةٌ اجتاحَت ماله، فحلت له المسألةُ حتى يصيبَ قِواماً من عيش، أو قال: سِداداً من عيش.
ورجل أصابته فاقةٌ حتى يقول ثلاثةٌ من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال: سِداداً من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سُحتٌ يأكلها صاحبُها سُحتاً".(1)
(الحَمالة) بفتح الحاء المهملة: هو الدية يتحملها قوم عن قوم، وقيل: هو ما يتحمله المصلح بين فئتين في ماله، ليرتفع بينهم القتال ونحوه.
و(الجائحة): الآفة تصيب الإنسان في ماله.
و (القوام) بفتح القاف وكسرها أفصح: هو ما يقوم به حال الإنسان من مال وغيره.
و (السِّداد) بكسر السين المهملة: هو ما يسد حاجة المعوز ويكفيه.
و (الفاقة): الفقر والاحتياج.
و (الحجى) بكسر الحاء المهملة مقصورا: هو العقل.
وعن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تلحفوا بالمسألة فوالله لا يسألني أحد منكم شيئاً فتخرج له مسألته مني شيئاً وأنا له كاره فيبارك له فيما أعطيته".(2)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (1044)، وأبو داود، والنسائي.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة برقم (1038).(1/66)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل وفخذه ومالا فلا تتبعه نفسك"، قال سالم بن عبد الله: فلأجل ذلك كان عبد الله لا يسأل أحداً شيئاً، ولا يَردُّ شيئاُ أُعطيه. (1)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أصابتهُ فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن أنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل".(2)
(يوشك) أي: يسرع.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يتفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس".(3)
وعنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل".(4)
وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئاً، أتكفل له بالجنة؟" فقلت: أنا فكان لا يسأل أحداً شيئاً. (5)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب "الأحكام" برقم (71163و 7164)، ومسلم في كتاب "الزكاة" برقم (1045).
(2) رواه أبو داود في كتاب "الزكاة" برقم (1645)، والترمذي في كتاب "الزهد" برقم
(2326) وقال: "حديث حسن صحيح غريب"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (838).
(3) أخرجه البخاري في كتاب "الزكاة" برقم (1476)، ومسلم في كتاب "الزكاة" برقم (1039).
(4) أخرجه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2588).
(5) رواه أبو داود بإسناد صحيح في كتاب "الزكاة" برقم (1643) والنسائي في كتاب "الزكاة" برقم (5/96)، وصححه الألباني في الترغيب برقم (813).(1/67)
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطاناً أو في أمرٍ لا بد منه".(1)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سأل الناس ليثري ماله، فإنما هي رضْفٌ من النار ملهبة، فمن شاء فيُقِلَّ ومن شاء فليكثر".(2)
وعن أسلم قال: قال لي عبد الله بن الأرقم: ادللني على بعير من العطايا استحمل عليه أمير المؤمنين.
قلت: نعم، جمل من إبل الصدقة، فقال عبد الله بن الأرقم: أتحب لو أنَّ رجلاً بادناً في يوم حار، غسل ما تحت إزاره ورُفغيه، ثم أعطاكه فشربته؟
قال: فغضبت، وقلت: يغفر الله لك، لِم تقول مثل هذا لي؟ قال: فإنما الصدقة أوساخ الناس يغسلونها عنهم. (3)
(البادن) السمين، و (الرّفغ) بضم الراء وفتحها وبالغين المعجمة: هو الإبط، وقيل: وسخ الثوب.
و (الأرفاغ): المغابن التي يجتمع فيها العرق والوسخ من البدن.
عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال: "يا حكيم إن هذا المال خضر حلو فمن أخذه بسخاوة نفسٍ بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى".
قال حكيم: فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب "الزكاة" برقم (681)، وقال: "حديث حسن صحيح" ورواه أبو داود في كتاب "الزكاة" برقم (1936) والنسائي في "الزكاة" برقم (5/100)، وصححه الألباني في الترغيب برقم (792).
(2) رواه ابن حبان في "صحيحه"، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (806).
(3) رواه مالك، وقال الألباني: "صحيح موقوف" الترغيب (807).(1/68)
فكان أبو بكر - رضي الله عنه - يدعوا حكيماً ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئاً، ثم إن عمر - رضي الله عنه - دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله فقال: يا معشر المسلمين أشهدكم على حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له في هذا الفيء فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى توفي. (1)
وعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله".(2)
وعن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث والذي نفسي بيده إن كنت لحالفاً عليهن: لا ينقصُ مالٌ من صدقة، فتصدقوا، ولا يعفو عبد من مظلمة، إلا زاده الله بها عزاً يوم القيامة، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر".(3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من فتح على نفسه باب مسألة من غير فاقة نَزَلَتْ به، أوعيالٍ لا يطيقهم، فتح الله عليه باب فاقةٍ من حيث لا يحتسب".(4)
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لو يعلم صاحب المسألة ماله فيها، لم يسأل".(5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب "الزكاة" برقم (1472) ومسلم في كتاب "الزكاة" برقم (1035).
(2) رواه البخاري في كتاب "الزكاة" برقم (1427) ومسلم في "الزكاة" برقم (1034).
(3) رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (814).
(4) رواه البيهقي، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (795).
(5) رواه الطبراني في "الكبير"، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (797).(1/69)
وعن حُبْشي بن جُنادة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من سأل من غير فقرٍ، فكأنما يأكل الجمرَ".(1)
وعنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الذي يسأل من غير حاجة، كَمَثل الذي يلتقط الجمر".(2)
وعنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وهو واقف بعرفة أتاه أعرابي، فأخذ بطرف ردائه، فسأله إياه، فأعطاه، وذهب،..
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن المسألةَ لا تحلُّ لغنيٍّ، ولا لذي مرَّةٍ سويٍّ، إلا لذي فقرٍ مُدقعٍ، أو غُرم مُقطع، ومن سأل الناس لِيَثرى به ماله، كان خموشاً في وجهه يوم القيامة، ورضْفاً يأكله من جهنم، فمن شاء فليُقلِل، ومن شاء فليكثر".(3)
(المِرَّة) بكسر الميم وتشديد الراء: هي الشدة والقوة.
و (السويّ) بفتح السين المهملة وتشديد الياء: هو التام الخلق، السالم من موانع الاكتساب.
(يثرى): بالثاء المثلثة أي: يزيد ماله به.
و (الرضف) بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة بعدها فاء: هو الحجارة المحماة.
وعن عائذ بن عمرو - رضي الله عنه - : أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله فأعطاه، فلما وضع رِجله على اسْكُفّة الباب.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لو يعلمون ما في المسألة ما مشى أحدٌ إلى أحدٍ يسأله".(4)
__________
(1) رواه الطبراني في "الكبير"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (802).
(2) رواه ابن خزيمة في "صحيحه" والبيهقي، وصححه الألباني في الترغيب (1/488 و 489).
(3) رواه الترمذي وقال: "حديث غريب"، وصححه الألباني في الترغيب (1/489).
(4) رواه النسائي، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (896).(1/70)
وعن أنس - رضي الله عنه - : أن رجلاً من الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله، فقال: "إن المسألة لا تصلحُ إلا لثلاث: لذي فقر مُدقع، أو لذي غرم مُفظع، أو لذي دم موجع...".(1)
(الفقر المدقع) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر القاف: هو الشديد الملصق صاحبه بـ (الدقعاء): وهي الأرض التي لا نبات بها.
و (الغُرم): بضم الغين المعجمة وسكون الراء: هو ما يلزم أداؤه تكلفاً لا في مقابلة عوض.
و (المفظع) بضم الميم وسكون الفاء وكسر الظاء المعجمة: هو الشديد الشنيع.
و (ذو الدم الموجع): هو الذي يتحمل دية عن قريبه أو حميمه أو نسيبه القاتل بدفعها إلى أولياء المقتول ولو لم يفعل قريبه أو حميمه الذي يتوجع لقتله.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن يحتطب أحدكم حزمةً على ظهره، خيرٌ له من أن يسألَ أحداً، فيعطيه أو يمنعه".(2)
وعن المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أكل أحدٌ طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبيّ الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده".(3)
وعن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تُلحفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحدٌ منكم شيئاً فتُخرج له مسألته مني شيئاً وأنا له كاره، فيبارك الله له فيما أعطيته".(4)
__________
(1) رواه أبو داود واللفظ له، والبيهقي، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (834).
(2) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1470)، وفي كتاب البيوع برقم (2074)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1042).
(3) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2072).
(4) رواه مسلم، والنسائي، والحاكم.(1/71)
وفي رواية لمسلم: قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنما أنا خازن، فمن أعطيته عن طيب نفس، فيبارك له فيه، ومن أعطيته عن مسألةٍ وشَرَه نفسٍ، كان كالذي يأكل ولا يشبع".
(لا تلحفوا) أي: لا تُلحُّوا في المسألة.
(الشّره) بشين معجمة هو محركاً: هو الحرص.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرجل يأتيني فيسألني فأعطيه، فينطلق وما يحمل في حِضنه إلا النار".(1)
(حِضنه): بكسر المهملة وإسكان الضاد المعجمة: ما دون الإبط إلى الكشح.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقسم ذهباً، إذ أتاه رجل فقال: يا رسول الله! أعطني: فأعطاه ثم قال: زدني فزاده ثلاث مرات ثم ولى مدبراً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يأتيني الرجل فيسألني، فأعطيه، ثم يسألني، فأعطيه ثلاث مرات، ثم يولي مُدبراً وقد جعل في ثوبه ناراً إذا انقلب إلى أهله".(2)
وعن أبي عبيدة مولى رفاعة عن رافع، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ملعون من سأل بوجه الله، وملعونٌ من سُئل بوجه الله فمنع سائله".(3)
النهي عن العودة في الصدقة
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: حملت على فرس عتيق في سبيل الله فأضاعه فظننت أنه بائعه برُخص فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: "لا تبتعه ولا تعُد في صدقتك فإن العائد في صدقته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه".
في سبيل الله: أي وهبته لمن يقاتل في سبيل الله.
الإضاعة هنا: التقصير في القيام بإطعامه.
لا تبتعه: لا تشتره.
??????
كتاب
الذكر والدعاء
ثواب ذكر الله تعالى على الإطلاق
__________
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (842).
(2) رواه ابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (844).
(3) رواه الطبراني، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (853).(1/72)
وفي كل الأحوال
قال الله تعالى: { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ } .(1)
فالذكر والشكر جماع السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } .(2)
وقال تعالى: { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } .(3)
وعن عبد الله بن بسر قال: جاء اعرابي فقال: يا رسول الله! كثُرت عليَّ خلال الإسلام وشرائعه فأخبرني بأمر جامع يكفيني قال: "عليك بذكر الله تعالى" قال: ويكفيني يا رسول الله! قال: "نعم ويفضل عنك". (4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يقول الله تبارك وتعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإٍ خير منهم وإن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً وإذا آتاني يمشي آتيته هرولة".(5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه".(6)
__________
(1) سورة البقرة (152).
(2) الأحزاب (41-43).
(3) الأحزاب (35).
(4) أخرجه الترمذي (3435 تحفة) وابن ماجة (2793) والحاكم (1/495) وابن حبان (2717 موارد)، وهو صحيح، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1491).
(5) أخرجه البخاري (13/511 فتح) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6746).
(6) أخرجه ابن ماجة وابن حبان، المشكاة (2285).(1/73)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله تعالى على كل أحيانه.(1)
فعلى المسلم أن لا يغفل عن ذكر الله في أي حال من الأحوال ولا يعيقه شيء عنه، والحديث فيه دلالة على قراءة القرآن وذكر الله للحائض والنفساء لأنهما يدخلان في عموم الذكر.
قال النووي رحمه الله: هذا الحديث أصل في جواز ذكر الله تعالى بالتسبيح والتكبير والتحميد وشبهها من الأذكار وهذا جائز بإجماع المسلمين.
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟" قالوا: بلى قال: "ذكر الله".(2)
أزكاها: أكثرها ثواباً وأطهرها، وأرفعها: أزيدها.
فيه بيان فضل الذكر وأنه خير من الضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل ونفقة الأموال في سبيل الله.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: "الذاكرون الله كثيراً" قال: قلت: يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله؟ قال: "لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دماً لكان الذاكرون لله أفضل درجة".(3)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان تعليقا (634) ومسلم في كتاب الحيض برقم (824).
(2) رواه الترمذي برقم (3377) وابن ماجة برقم (3790) وأحمد (5/195) والحاكم
(1/496) وقال: إسناده صحيح، وصححه شيخنا الألباني في المشكاة (2269)، الكلم (1).
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الدعاء برقم (3376). وضعفه الألباني في سنن الترمذي برقم (3376).(1/74)
وعن معاذ - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن رجلاً سأل فقال: أي المجاهدين أعظم أجراً؟ قال: "أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا" قال: فأي الصائمين أعظم أجراً" قال: "أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا" ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا" فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما: يا أبا حفص ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أجل".(1)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: فأفضل الذاكرين المجاهدون وأفضل المجاهدين الذاكرون.
وعن الأغر أبي مسلم قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يقعد قوم في مجلس يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده".(2)
وعنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وآتاه رجل فقال: يا رسول الله! كيف أقول حين أسأل ربي عز وجل؟ قال: "قل: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني ويجمع أصابعه إلا الإبهام فإن هؤلاء تجمع دنياك وآخرتك".(3)
__________
(1) رواه أحمد في المسند (3/169)، والترمذي في كتاب الدعوات.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6795)، والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3378).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6791).(1/75)
وعن عبد الله بن بسر أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن أبواب الخير كثيرة ولا أستطيع القيام بكلها فأخبرني بما شئت أتشبث به ولا تكثر علي فأنسى، وفي رواية: إن شرائع الإسلام قد كثرت علي وأنا قد كبرت فأخبرني بشيء أتشبث به: قال: "لا يزال لسانك رطباً بذكر الله تعالى".(1)
وعن أبي موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".(2)
وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت".(3)
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا أدلك على ماهو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار قول: الحمد لله عدد ما خلق، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه والحمد لله على ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، وتسبح الله مثلهن تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك".(4)
وعن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة أنه بلغه عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما عمل أدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل".(5)
ذكر الله تعالى من أفضل الأعمال وأنه ينجي من عذاب الله تعالى.
__________
(1) أخرجه الترمذي (3435 تحفة)، وابن ماجة (2793)، والحاكم (1/495)، وابن حبان (2317 موارد)، وهو صحيح، صححه العلامة الألباني رحمه الله تعالى، الكلم (3) المشكاة (2279).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6407)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1820).
(3) أخرجه البخاري في الدعوات رقم (6407)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1820)
(4) رواه الطبراني، وصححه العلامة الألباني في الترغيب.
(5) رواه الإمام أحمد في مسنده (5/639) وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5644).(1/76)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له: جُمْدان، فقال: سيروا هذا جُمْدانُ سَبقَ المفردون" قيل: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيراً والذاكرات".(1)
قال ابن قتيبة وغيره: وأصل المفردين الذين هلك أقرانهم وأنفرودوا عنهم وبقوا يذكرون الله تعالى.
وعن الحارث الأشعري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله سبحانه وتعالى أمَرَ يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يَعملَ بها ويأمرَ بني إسرائيل أن يعملوا بها وأنه كاد أن يبطئ بها فقال له عيسى عليه السلام إن الله تعالى أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها فإما أن تأمرهم وإما أن آمُرَهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني أن يخسف بي وأُعذب، فجمع يحيى الناس في بيت المقدس فامتلأ المسجد وقعدوا على الشرف فقال: إن الله تبارك وتعالى أمرني بخمس كلمات أن أعملهن وآمركم أن تعملوا بهن:
أولهن: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وإن مثل من اشرك بالله كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورقٍ فقال له: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدِّ إليَّ فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟!
وإن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت.
وآمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك فكلهم يعجبه ريحه وإن ريح الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6749).(1/77)
وآمركم بالصدقة فإن مثل ذلك مثل رجل أسره العدو فأوثقوا يديه إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم، وآمركم أن تذكروا الله تعالى فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وأنا آمركم بخمسٍ الله أمرني بهن: السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم"، فقال رجل: يا رسول الله! وإن صلى وصام؟!
قال: "وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم فادعوا بدعوى الله الذي سَّماكم المسلمين المؤمنين عباد الله".(1)
جثا: الشيء المجموع.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: فقد ذكر - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث العظيم الشأن الذي ينبغي لكل مسلم أن يحفظه وأن يتعقله ما ينجي من الشيطان وما يحصل للعبد به الفوز والنجاة في دنياه وأخراه. أ.هـ. الوابل الطيب
__________
(1) أخرجه الترمذي (2863 و 2864) وأحمد (4/202) والحاكم (1/421) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وابن حبان (6200) والطيالسي (1161) من طريق يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده عن ممطور عن الحارث الأشعري، وهذا إسناد صحيح، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الترغيب
(870 و 3553) والسنة (1036) والمشكاة (45 و 3694) وابن خزيمة (483 و 930).(1/78)
وقال رحمه الله تعالى: وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "وآمركم أن تذكروا الله تعالى فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى إلى حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله"، فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقاً بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى وأن لا يزال لهجاً بذكره فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة فهو يرصده فإذا غفل وثب عليه وافترسه وإذا ذكر الله تعالى خنس أي: كف وانقبض. انخس عدو الله وتصاغر وانقمع حتى يكون كالوصع فإذا ذكر الله خنس.
وقال ابن عباس - رضي الله عنه - : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذكر الله تعالى خنس. أ.هـ. الوابل الطيب
الوصع: طائر أصغر من العصفور.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المستهترون بذكر الله يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون الله يوم القيامة خفافاً".(1)
وعن أنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا".
قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: "حلق الذكر".(2)
(الرتع): هو الأكل والشرب في خصب وسعة.
ما جاء في فضل الدعاء عند الرفع
من الركوع وفي الاعتدال
قال رفاعةُ بن رافعٍ: كنا يوماً نصلي وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سمع الله لمن حمده" فقال رجل وراءه "ربنا ولك الحمد حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه" فلما انصرف قال: "من المتكلم؟" قال: أنا قال: "رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول".(3)
يبتدرونها أي: يسارعون إلى كتابة هذه الكلمات لعظم قدرها.
__________
(1) رواه مسلم برقم (2676).
(2) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، وحسنه الألباني في الترغيب (1511).
(3) أخرجه البخاري (2/284 فتح).(1/79)
وعن أنس، أن رجلاً جاء فدخل الصف وقد حفزه النفس فقال: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: أيكم المتكلم بالكلمات؟" فأرم القوم، فقال: "أيكم المتكلم بها؟ فإنه لم يقل بأساً" فقال رجل: جئت وقد حفزني النفس فقلتها: فقال: "لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها".(1)
(حفزه النفس) هو بفتح حروفه وتخفيفها أي ضغطه لسرعته.
(فأرم القوم) هو بفتح الراء وتشديد الميم أي سكنوا، قال القاضي عياض: ورواه بعضهم في غير صحيح مسلم فأزم بالزاي المفتوحة وتخفيف الميم من الأزم وهو الإمساك وهو صحيح المعنى.
فيه دليل على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة أيضاً.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه".(2)
وفي رواية: "ربنا ولك الحمد" بالواو.
ما يقول من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خَلق كذا؟ من خلقَ كذا؟ حتى يقول من خلق رَبَّك؟ فإذا بَلَغَهُ فليستعِذْ بالله ولينتَهِ".(3)
وفي رواية لمسلم: "فليقل آمنت بالله ورسوله".(4)
وعن عثمان بن ابي العاص - رضي الله عنه - ، أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثا".
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان ومسلم في كتاب الصلاة برقم (912).
(3) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3276) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (134).
(4) صحيح مسلم (1/120).(1/80)
قال: ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني. (1)
"يلبسها": أي يخلطها ويشككني فيها، وهو بفتح أوله وكسر ثالثه.
ومعنى حال بيني وبينها: أي نكدني فيها ومنعني لذتها والفراغ للخشوع فيها. شرح النووي (14/190)
ما جاء في الأذكار بعد الصلاة وفضلها
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العُلا والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون فقال: "ألا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: "تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين".(2)
الدثور: هو المال الكثير.
وعن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاثاً وثلاثين تسبيحة وثلاثاً وثلاثين تحميدة وأربعاً وثلاثين تكبيرة".(3)
قوله: "معقبات" معناه: تسبيحات تفعل أعقاب الصلاة، سُميَّت معقبات لأنها تفعل مرة بعد مرة أخرى. شرح النووي (5/95).
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرآ آية الكرسي عقب كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت".(4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2203).
(2) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (843)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (595).
(3) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (596).
(4) أخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة) برقم (100) وابن السني في (عمل اليوم والليلة) برقم (123)، والطبراني (7532) من طرق عن محمد بن حمير: حدثني محمد بن زياد الألهاني قال: سمعت أبا أمامة وذكره وصححه العلامة اللباني في المشكاة (974) الصحيحة
(972) تمام المنة (ص 227).(1/81)
يعني لم يكن بينه وبين دخول الجنة إلا أن يموت.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليها عبد مسلم إلا دخل الجنة وهما يسير ومن يعمل بهما قليل: يسبح الله تعالى دبر كل صلاة عشراً ويحمد عشراً ويكبر عشراً فذلك خمسون ومئة باللسان وألف وخمس مئة في الميزان ويكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمد ثلاثاً وثلاثين ويسبح ثلاثاً وثلاثين فذلك مئة باللسان وألف بالميزان" قال: فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعقدها بيده، قالوا: يا رسول الله! كيف هما يسير ومن يعمل بها قليل؟ قال: "يأتي أحدكم يعني الشيطان في منامه فينومه قبل أن يقوله ويأتيه في صلاته فيذكره حاجةً قبل أن يقولها".(1)
الحث على ذكر الله تعالى
بعد صلاة الصبح والمغرب
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت كأجر حجة وعمرة تامة تامةٍ تامةٍ".(2)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال في دبر صلاةِ الصبح وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، عشر مرات كُتِبَ له عشر حسنات ومحي عنه عشر سئيات ورُفعَ له عشر درجات وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه وحُرِسَ من الشيطان ولم ينبغ لذنب أن يدركه اليوم إلا الشرك بالله تعالى".(3)
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وفيه عطاء بن السائب وفيه اختلاف بسبب اختلاطه، المشكاة (2406) الكلم (111) الترغيب
(2) صحيح الجامع للشيخ الألباني برقم (6222)، وصحيح الترغيب برقم (461).
(3) تمام المنة (ص 922).(1/82)
وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حَسَناً".(1)
(حَسَناً) بفتح السين وبالتنوين أي طلوعاً حسناً أي: مرتفعة.
وعن عمارة بن شبيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير (عشر مرات) على أثر المغرب بعث الله له مسلحة يحفظونه من الشيطان حتى يصبح، وكتب الله له بها عشر حسنات موجبات ومحا عنه عشر سيئات موبقات، وكانت له بعدل عشر رقباتٍ مؤمناتٍ".(2)
وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال إذا أصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (عشر مرات) كتب الله له بهن عشر حسنات ومحا بهن عشر سيئات ورفع له بهن عشر درجات وكن له عدل عِتاقةِ أربع رقابٍ وكن له حَرَساً حتى يمسي، ومن قالهن إذا صلى المغرب دُبر صلاته فمثل ذلك حتى يصبح".(3)
وزاد ابن حبان في رواية له: "وكن له عدل عشر رقاب".
(إذا أصبح): أي إذا صلى الصبح.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (670).
(2) رواه النسائي والترمذي وقال: "حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد، لا نعرف لعمارة سماعاً من النبي - صلى الله عليه وسلم - "، وحسنه العلامة الألباني في الترغيب برقم (469).
(3) رواه أحمد والنسائي وابن حبان في "صحيحه" وهذا لفظه، وصححه الألباني في الترغيب برقم (470).(1/83)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال دبر صلاةِ الغداةِ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، مائة مرة قبل أن يثني رجليه كان يؤمئذ من أفضل أهل الأرض عملاً إلا من قال مثل ما قال، أو زاد على ما قال".(1)
وعن عبد الرحمن بن غنم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قال قبل أن ينصرف ويثني رجليه من صلاة المغرب والصبح: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير" عشر مرات كتب الله له بكل واحدةٍ عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشرَ درجات وكانت حِرزاً من كل مكروه وحرزاً من الشيطان الرجيم، ولم يَجلّ الذنبِ أن يُدركه إلا الشرك وكان من أفضل الناس عَمَلاً، إلا رجلاً يفضُلُهُ، يقول أفضل مما قال".(2)
فضل ذكر الله بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة".
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تامة تامة تامة".(3)
__________
(1) رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد جيد، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (471).
(2) رواه أحمد ورجاله رجال "الصحيح" غير شهر بن حوشب، وعبد الرحمن بن غنم مختلف في صحبته، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (472).
(3) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (464).(1/84)
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن أقعد مع قوم يذكرون الله، من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن اقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة".(1)
وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناً" أي طلوعاً حسناً أي مرتفعة".(2)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لأن أقعد أذكر الله سبحانه وتعالى، وأكبره، وأحمده، وأسبحه، وأهلله، حتى تطلع الشمس، أحب إلي من أن أعتق رقبتين أو أكثر من ولد إسماعيل، ومن بعد العصر حتى تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب من ولد إسماعيل".(3)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى صلاة الغداة في جماعة، ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجةٍ وعمرةٍ".(4)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى الصبح، ثم جلس في مجلسهِ حتى تُمِكنَه الصلاةُ، كان بمنزلة عمرةٍ وحجةٍ متقبلتين".(5)
__________
(1) رواه أبو داود، وصححه الألباني في الصحيحة (2916) وصحيح الترغيب (465).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه أحمد بإسناد حسن، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (466).
(4) رواه الطبراني بإسناد جيد، وكذا قال الهيثمي، الصحيحة (3403)، صحيح الترغيب (467).
(5) رواه الطبراني في "الأوسط" ورواته ثقات إلا الفضل بن الموفق، ففيه كلام، وقال الألباني: صحيح لغيره، الترغيب (468).(1/85)
وعن عبد الله بن غابر، أن أبا أمامة وعُتبة بن عبدٍ حدثاه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم ثبت حتى يسبح لله سبحة الضحى، كان له كأجر حاجٍ ومعتمر، تاماً له حجهُ وعمرته".(1)
عن أبي وائل قال: غدونا على عبد الله بن مسعود يوماً بعدما صلينا الغداةَ، فسلمنا بالباب فأُذِنَ لنا قال: فمكثنا بالباب هُنية قال: فخرجت الجارية فقالت: ألا تدخُلُونَ؟ فدخلنا فإذا هو جالس يُسبِّحُ فقال: ما منعكم أن تدخلوا وقد أُذِنَ لكم؟ فقلنا: لا، إلا أنا ظننا أن بعض أهل البيت نائم، قالَ: ظننتم بآل ابن أم عبد غَفْلَةً؟ قال: ثم أقبل يسبح حتى ظن أن الشمس قد طلعت فقال: يا جارية! انظري هل طلعت؟ قال: فنظرت فإذا هي لم تطلُع، فأقبل يسبح حتى إذا ظن أن الشمس قد طلعت قال: يا جارية! أنظري هل طلعت؟ فنظرت فإذا هي قد طلعت. فقال: الحمد لله الذي أقالنا يومنا هذا، (فقال مهدي وأحسبُهُ قالَ) ولم يُهلكنا بذنوبنا، قال: فقال رجل من القوم: قرأت المفصل البارحة كُلَّهُ قال، فقال عبد الله: هذا كهذا الشعر؟ إنا لقد سمعنا القرائن وإني لأحفظ القرائن التي كان يقرؤُهنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية عشر من المفصلِ وسورتين من آل حم.(2)
ذكر الأبي في شرحه على مسلم في شرح هذا الحديث:
فائدة الحديث قبول خبر الواحد والعمل بالظن مع القدرة على اليقين لأنه اكتفى بخبرها مع قدرته على رؤية طلوعها.
وفيه أن الأوقات المخصوصة بالذكر ثواب الذكر فيها أكثر من ثواب التلاوة، وفيه، ان الكلام بمثل هذا لا يقطع ورد التسبيح والذكر. أ.هـ. (3/174)
فضل الأذكار بعد صلاة الصبح
__________
(1) رواه الطبراني، وبعض رواته مختلف فيه، وللحديث شواهد كثيرة، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (469).
(2) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (278).(1/86)
عن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب الله له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه، وحُرِس من الشيطان، ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم، إلا الشرك بالله".(1)
ورواه النسائي وزاد فيه: "بيده الخير" وزاد فيه أيضا: "وكان له بكل واحدةٍ قالها عتقُ رقبة مؤمنةٍ".
فضل حلق الذكر والاجتماع عليه
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن لله ملائكة فضلاً عن كتاب الناس يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تعالى تنادوا: هلموا إلى حاجتكم".
قال: "فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا".
قال: "فيسألهم ربهم تعالى وهو أعلم بهم ما يقول عبادي؟"
قال: "يقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك".
قال: "فيقول: هل رأوني؟".
قال: "فيقولون: لا والله ما رأوك".
قال: "فيقول: كيف لو رأوني؟"
قال: "فيقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادةً وأشد لك تحميداً وتمجيداً وأكثر لك تسبيحاً".
قال: "فيقول: ما يسألوني؟".
قال: "فيقولون: يسألون الجنة".
قال: "فيقول: وهل رأوها؟".
قال: "فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها".
قال: "فيقول: كيف لو أنهم رأوها؟".
قال: "يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبةً".
قال: "فيقول: فمم يستعيذون؟".
قال: "فيقولون: من النار".
قال: "فيقول: وهل رأوها؟".
قال: "يقولون: لا والله يا رب! ما رأوها".
قال: "يقول: كيف لو رأوها".
قال: "يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافةً".
__________
(1) رواه الترمذي واللفظ له، وقال: "حديث حسن غريب صحيح"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (472).(1/87)
قال: "يقول: فاشهدكم أني قد غفرت لهم".
قال: "فيقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجةٍ".
قال: "هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم".(1)
فيه من الفوائد فضيلة الذكر وفضيلة مجالسه والجلوس مع أهله وإن لم يشاركهم، وفضيلة مجالسة الصالحين وبركتهم.
(فضلاً) قال العلماء: أنهم ملائكة زائدون على الحفظة فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم وإنما مقصودهم حلق الذكر.
(ملائكة سيارة) معناه: سياحون في الأرض.
(ويستجيرونك من نارك) أي: يطلبون الأمان منها.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وذكر الله تعالى ضربان: ذكر بالقلب وذكر باللسان وذكر القلب نوعان:
أحدهما: وهو أرفع الأذكار وأجلها: الفكر في عظمة الله تعالى وجلاله وجبروته وملكوته وآياته في سمواته وأرضه ومنه الحديث: (خير الذكر الخفي) والمراد هذا.
والثاني ذكره بالقلب عند الأمر والنهي فيتمثل ما أمر به ويترك ما نهى عنه ويقف عما أشكل عليه وأما ذكر اللسان مجرداً فهو أضعف الأذكار ولكن فيه فضل عظيم كما جاءت به الأحاديث.
وقال رحمه الله تعالى: واختلفوا هل تكتب الملائكة ذكر القلب؟ فقيل: تكتبه ويجعل الله تعالى لهم علامة يعرفونه بها وقيل: لا يكتبونه لأنه لا يطلع عليه غير الله.
قال النووي رحمه الله تعالى: قلت: والصحيح أنهم يكتبونه وأن ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من القلب وحده والله أعلم. أ.هـ. شرح مسلم (17/18)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله ما غنيمة مجالس الذكر؟ قال: "غنيمة مجالس الذكر الجنة".(2)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات تعليقاً برقم (6408) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6780).
(2) رواه الإمام أحمد (2/177 و 190).(1/88)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما اجتمع قوم على ذكر فتفرقوا عنه إلا قيل لهم: قوموا مغفوراً لكم".(1)
وعن أنس رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم منادٍ من السماء أن قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات".(2)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليبعثن الله أقواماً يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء"
قال: فجثا أعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله جلهم لنا نعرفهم قال: هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله".(3)
وعن معاوية - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على حلقةٍ من أصحابه فقال: "ما أجلسكم" قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا.
قال: "آلله ما أجلسكم إلا ذلك" قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك قال: "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة".(4)
__________
(1) رواه الحسن بن سفيان عن سهل ابن الحنظلية، وقد صححه شيخنا العلامة الألباني في صحيح الجامع برقم (5383).
(2) رواه أحمد (3/142)، وقال الهيثمي في المجمع (10/76): (رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في "الأوسط" وفيه ميمون المرائي وثقه جماعة وفيه ضعف وبقية رجال أحمد رجال الصحيح)، وهو في صحيح الجامع (5486).
(3) رواه الطبراني في مجمع الزوائد (10/77).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2701).(1/89)
وعن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يقعد قوم يذكرون الله عزوجل إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده".(1)
السكينة: حالة يطمئن بها القلب فيسكن عن الميل إلى الشهوات وعند الرعب، وغشيتهم: عمتهم.
فيه فضيلة مجالس الذكر وفضله ومجالسة أهله وأن من ذكر الله ذكره الله تعالى.
ما يقوله عند القيام من المجلس
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك".(2)
وعن أبي برزة - رضي الله عنه - واسمه نضلة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بأخرةٍ إذا أراد أن يقوم من المجلس قال: "سبحانك اللهم وبحمدك اشهد إن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك" فقال رجل: يا رسول الله إنك لتقول قولاً ما كنت تقوله فيما مضى قال: "ذلك كفارة لما يكون في المجلس".(3)
قوله: (بأخرة) هو بالهمز مقصورة مفتوحة وبفتح الخاء ومعناه: في آخر الأمر.
اشتمل هذا الدعاء على ثلاثة أمور:
الأول: تنزيه الله عن كل نقص وحمده على كل فعل.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6795)، وأخرجه الترمذي في كتاب الدعوات برقم (3378)، وابن ماجة في كتاب الأدب برقم (3791).
(2) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2730).
(3) رواه أبو داود برقم (4759) والدارمي (2658) والنسائي في عمل اليوم والليلة برقم (426) والحاكم (1/537) من طرق عن الحجاج بن دينار عن أبي هشام عن أبي العالية عنه به، وهو في صحيح أبي داود برقم (4068) والكلم (801) والإرواء (340) والطحاوية (179) وصحيح الترغيب (220).(1/90)
الثاني: إثبات الألوهية لله تعالى وحده لا شريك له وذلك من تمام العبادة لله وتمام المدح له.
الثالث: الرجوع والإستغفار والتوبة لمن ملكها وهو الله تعالى.
وثمرة هذا المدح والإستغفار والتوبة كفارة لمن قالها.
وفي حديث آخر: "أنه إن كان في مجلس خير كان كالطابع له وإن كان في مجلس كان كفارة له".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة".(2)
فضل كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟" فقلت: بلى يا رسول الله قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".(3)
كنز من كنوز: سمي هذه الكلمة كنزاًلنفاستها وصيانتها، ولا حول ولا قوة إلا بالله من ذخائر الجنة ومحصلات نفائسها ويحصل لقائله ثواباً نفيساً يدخر له في الجنة.
قال النووي رحمه الله تعالى: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة" قال العلماء: سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان له وأنه لا صانع غيره ولا راد لأمره وأن العبد لا يملك شيئاً من الأمر.
ومعنى الكنز هنا: أنه ثواب مدخر في الجنة وهو ثواب نفيس كما ان الكنز النفيس أموالكم.
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا ادلك على باب من أبواب الجنة" قال: وما هو؟ قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".(4)
__________
(1) السلسلة الصحيحة برقم (81).
(2) السلسلة الصحيحة برقم (77).
(3) رواه البخاري برقم (4205 و 6384 و 6409 و 6610 و 7386) ومسلم برقم (2704) و (6802).
(4) رواه الطبراني بإسناد صحيح وأحمد، الصحيحة (1746) والترغيب (1581) وقال الألباني: "صحيح لغيره".(1/91)
وعن قيس بن سعد بن عبادة، أن أباهُ دفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يخدمه قال: فأتى عليّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد صليت ركعتين فضربني برجله، وقال: "ألا أدلك على باب من أبواب الجنة" قلت: بلى، قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".(1)
وعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أسري به مر على إبراهيم عليه السلام فقال: من معك يا جبريل؟ قال: هذا محمد فقال له إبراهيم عليه السلام: يا محمد مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة قال: "ما غراس الجنة" قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.(2)
وعن مصعب بن سعد عن أبيه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: علمني كلاماً أقوله قال: "قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله رب العالمين لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم" قال فهؤلاء لربي فمالي؟ قال: "قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني".(3)
وعن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم من أسلم يقول: "اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني".(4)
فضل من تعوذ بكلمات الله التامات
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة قال: "أما لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك".(5)
__________
(1) رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، وصححه الألباني في الترغيب (1582).
(2) رواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا، وابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1583).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6788).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6790).
(5) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6818 و 6819).(1/92)
وفي رواية لأبن السني وقال فيه: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثاً لم يضره شيء".
قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: واعلم أن الأدوية الطبيعية الإلهية تنفع من الداء بعد حصوله وتمنع من وقوعه وإن وقع لم يقع وقوعاً مضراً وإن كان مؤذياً والأدوية الطبيعية إنما تنفع بعد حصول الداء فالتعوذات والأذكار إما أن تنفع وقوع هذه الأسباب وإما أن تحول بينها وبين كمال تأثيرها بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه فالرقى والعوذ تستعمل لحفظ الصحة ولإزالة المرض أما الأول: فكما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه { قل هو الله أحد } والمعوذتين ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يده من جسده.
وأما الثاني: فكما تقدم من الرقية بالفاتحة والرقية للعقرب وغيرها مما يأتي. أ.هـ. زاد المعاد (4/144 و 145).
وعن خولة بنت حيكم السلمية، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك".(1)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "أعوذ بكلمات الله التامات" قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: قيل معناه: الكاملات التي لا يدخل فيها نقص ولا عيب وقيل: النافعة الشافية، وقيل: المراد بالكلمات هنا القرآن، والله أعلم.
فضل كلمة التوحيد: لا إله إلا الله
قال تعالى: { ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن الله } .(2)
قال ابن عباس وغيره: الكلمة الطيبة هي لا إله إلا الله.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6817)، والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3437)، وابن ماجة في كتاب الطب برقم (3547).
(2) سورة إبراهيم (24-25).(1/93)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: فنسبه سبحانه وتعالى الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة، لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح، والشجرة تثمر العمل النافع، وهذا ظاهر على قول جمهور المفسرين الذين يقولون: "الكلمة الطيبة هي شهادة أن لا إله إلا الله" فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة، فكل عمل صالح مرضي لله ثمرة هذه الكلمة. (1)أ.هـ
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه".(2)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "قال موسى - صلى الله عليه وسلم - يا رب علمني شيئا أذكرك به قال: قل: لا إله إلا الله، قال: يا رب كل عبادك يقول هذا، قال: قل: لا إله إلا الله، قال: إنما أريد شيئاً تخصني به، قال: يا موسى لو أن السموات السبع والأرضين السبع في كفةٍ ولا إله إلا الله في كفة مالت بهم لا إله إلا الله".(3)
__________
(1) أعلام الموقعين (1/166). ط. دار الكتاب العربي.
(2) رواه البخاري في كتاب العلم برقم (99).
(3) أخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة) برقم (834) وابن حبان والحاكم في المستدرك
(1/528) بنحوه وقال: "صحيح الإسناد" ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، كلمة الإخلاص ص 58.(1/94)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل". زاد جُنادَةُ: "من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء".(1)
وعن عمرو - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقاً من قلبه فيموت على ذلك إلا حَرُمَ على النار، لا إله إلا الله".(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل قال: "يا معاذ بن جبل" قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صادقاً من قلبه إلا حَرَّمه الله على النار".(3)
وعن رفاعة الجهني - رضي الله عنه - قال: أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كنا بالكديد أو بقديد فحمد الله وقال: خيراً، وقال: "أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صدقاً من قلبه ثم يُسَدِّدُ إلا سلك في الجنة".(4)
وفي رواية لمسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرم الله عليه النار".
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء برقم (3435)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (139).
(2) رواه الحاكم في المستدرك (1/351) وقال: "حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا السياق" ووافقه الذهبي، الجنائز (34).
(3) رواه البخاري في كتاب اللباس (5967)، وفي كتاب الاستئذان (6267)، وفي كتاب الرقاق برقم (6500)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (142) و (143).
(4) رواه أحمد بإسناد حسن، وقال الهيثمي في المجمع (1/20): "رواه أحمد وعند ابن ماجة بعضه ورجاله موثقون".(1/95)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا قعوداً حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في نفر فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا فكنت أول من فزع فخرجت أبتغي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتيت حائطاً للأنصار لبني النجار فدرت به هل أجد له باباً فلم أجد فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجةٍ والربيع الجدول فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أبو هريرة؟" قلت: نعم يا رسول الله قال: "ما شأنك؟" قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول ن فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب وهؤلاء الناس ورائي فقال: "يا أبا هريرة!" وأعطاني نعليه وقال: "اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة". فكان أول من لقيت عمر فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة! فقلت: هاتين نعلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثني بهما من لقيت يشهد ان لا إله إلا الله مستيقناً بهما قلبه بشرته بالجنة قال: فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لاستي فقال: ارجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجهشت بكاءً، وركبني عمر، وإذا هو على أثري فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مالك يا ابا هريرة؟" قلت: عمر فأخبرته بالذي بعثني به فضرب بين ثديي ضربةً خررت لاستي قال: ارجع، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا عمر! ما حملك على ما فعلت؟" قال: يا رسول الله! بأبي وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة؟ قال: "نعم" قال: فلا تفعل فإني أخشى أن يتكلم الناس عليها فخلهم يعملون قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فخلهم".(1/96)
(1)
(وفزعنا فقمنا) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: الفزع يكون بمعنى الروع وبمعنى الهبوب للشيء والاهتمام به، وبمعنى الإغاثة، قال: فتصح هذه المعاني الثلاثة أي ذعرا لاحتباس النبي - صلى الله عليه وسلم - عنا.
(حائطا): بستاناً وسمي بذلك لأنه حائط لا سقف له.
(الجدول) بفتح الجيم وهو النهر الصغير.
(وخشينا أن يقتطع دوننا) أي: يصاب بمكروه من عدو إما بأسر وإما بغيره.
(فاحتفزت كما يحتفز الثعلب) معناه: تضامت ليسعني المدخل.
وقوله (لاستي) فهو اسم من أسماء الدبر.
فأجهشت: بالجيم والشين المعجمة والهمزة والهاء مفتوحتان قال القاضي عياض رحمه الله: وهو أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو متغير الوجه متهيء للبكاء ولما يبك بعد.
قوله (ركبني عمر) فمعناه: تبعني ومشى خلفي في الحال بلا مهلة.
(بأبي وأمي) معناه: أنت مفدي أو أفديك بأبي وأمي.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه".
وقال: "ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر".(2)
بيان فضل التهليل والتسبيح، ذكر الله حصن حصين من وسوسة الشيطان وكيده ومن مكفرات الذنوب وذكر الله قربة عظيمة إلى الله سبحانه وتعالى.
يستحب أن يقول العبد ذلك في اول النهار متوالياً ليكون له حرزاً في جميع نهاره وكذا في أول الليل.
وفي سعة رحمة الله بعباده وتفضله عليهم بجزيل الثواب وغفران الذنوب.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (146).
(2) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق (3293) وفي كتاب الدعوات برقم (6403)، وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6783).(1/97)
قال القاضي عياض: أن التهليل المذكور أفضل ويكون ما فيه من زيادة الحسنات ومحو السيئات وما فيه من فضل عتق الرقاب وكونه حرزاً من الشيطان زائداً على فضل التسبيح وتكفير الخطايا لأنه قد ثبت أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار فقد حصل بعتق رقبة واحدة تكفير جميع الخطايا مع ما يبقى له من زيادة عتق الرقاب الزائدة على الواحدة ومع ما فيه من زيادة مائة درجة وكونه حرزاً من الشيطان ويؤيده ما جاء في الحديث بعد هذا: "أن أفضل الذكر التهليل" مع الحديث الآخر: "أفضل ما قلته أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له."
الحديث وقيل: أنه اسم الله الأعظم وهي كلمة الإخلاص والله أعلم.
انتهى. شرح مسلم (17/21)
عن أبي عياش - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال إذا أصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل عليه السلام وكتب له عشر حسنات وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي وإن قالها إذا أمسى كان مثل ذلك حتى يصبح".(1)
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما قال عبد: لا إله إلا الله قط مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء حتى يُفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر".(2)
فضل من قالها عشر مرات
"من قال حين يصبح عشر مرات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه بها عشر سيئات وكانت كعدل عشر رقاب وأجاره الله يومه من الشيطان الرجيم وإذا أمسى فمثل ذلك حتى يصبح"(3).
__________
(1) رواه أبو داود، وصححه العلامة الألباني في الترغيب برقم (653)، المشكاة (2395).
(2) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1524).
(3) رواه البخاري برقم (3293) و (6403)، ومسلم (2691).(1/98)
فضل من قالها مئة مرة
وقال: "من قال حين يصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في اليوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عَمِلَ أكثر منه"(1).
وفي رواية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك ومن قال: "سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر"(2).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب فيقول أفلك عذر؟ فقال: لا يا رب فيقول الله تعالى بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فيقول: أحضر وزنك فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: فإنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفةٍ والبطاقة في كفةٍ فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء"(3).
__________
(1) رواه البخاري برقم (3293 و 6403)، ومسلم (2691).
(2) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3293) وأخرجه في كتاب الدعوات برقم
(6403)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6783).
(3) رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجة والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، حديث البطاقة.(1/99)
وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان كعدل محرراً أو محررين"(1).
وعن أبي أيوب رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل"(2).
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منهُ، والجنة حقٌ، والنارَ حق، أدخله الله الجنة على ما كانَ من العمل"(3).
قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم: باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد من استيقان القلب -هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان. وأحاديث هذا الباب تدل على فساده. بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها. ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح. وهو باطل قطعاً. أ.هـ.
وقال القاضي عياض: ما ورد في حديث عبادة يكون مخصوصاً لمن قال ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - وقرن بالشهادتين حقيقة الإيمان والتوحيد الذي ورد في حديثه، فيكون له من الأجر ما يرجح على سيئاته ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول الجنة لأول وهلة. أ.هـ.
__________
(1) رواه رواه الطبراني بإسناد جيد، قال في المجمع (10/84): (رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح).
(2) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6404) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم
(6785).
(3) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3435)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم(28).(1/100)
وعن محمود بن الربيع قال: قدمت المدينة فلقيت عتبان فقلت له: حديث بلغني عنك قال: أصابني في بصري بعض الشيء فبعثت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني أحب أن تأتيني تصلي في منزلي فأتخذه مصلى قال فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن شاء الله من أصحابه فدخل فهو يصلي في منزلي وأصحابه يتحدثون بينهم ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك بن دخشم قال: ودوا أنه دعا عليه فهلك ودوا أنه أصابه شر فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة وقال: "اليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟"قالوا: إنه يقول ذلك وما هو في قلبه، قال "لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه" قال أنس: فأعجبني هذا الحديث فقلت لابني: اكتبه فكتبه(1).
في الحديث جواز تمني هلاك أهل النفاق والشقاق ووقوع المكروه بهم، وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وفيه التبرك بآثار الصالحين.
قال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى في تعليقه على فتح الباري (552/1): (هذا فيه نظر - أي كلام النووي- والصواب أن مثل هذا خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لما جعل الله فيه من البركة وغيره لا يقاس عليه لما بينهما من الفرق العظيم ولأن فتح هذا الباب قد يفضي إلى الغلو والشرك كما قد وقع من بعض الناس نسأل الله العافية. أ.هـ.
(فخط لي مسجداً) أي: أعلم لي على موضع لأتخذه مسجداً أي موضعاً أجعل صلاتي فيه متبركاً بآثارك والله أعلم.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة برقم (838) و (840) وأخرجه في كتاب الجماعة والإمامة (667) و (686) وكذلك في كتاب الصلاة برقم (424) و (425) وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (148).(1/101)
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من منح منحةً وِرِقٍ أو منحة لبن أو هدى زقاقاً فهو كعتاق نسمةٍ ومن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير فهو كعتق نسمةً" (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك"(2).
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأتِ أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه"(3).
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال في كل يوم حين يصبح وحين يمسي حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة"(4).
الذكر عند ما يقول ما يسخط ربه عز وجل
__________
(1) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح وابن حبان ورواه الترمذي باختصار التهليل، قال في المجمع (10/85): (رواه الترمذي باختصار التهليل وثوابه، رواهما أحمد ورجالهما رجال الصحيحين)، الترغيب (889) المشكاة (1917).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6784)، وأبو داود في كتاب الأدب برقم (5091)، والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3469).
(4) رواه أبو داود في كتاب الأدب (5081)، وابن السني في (عمل اليوم والليلة) (71).(1/102)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف منكم فقال في حلفه واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه، تعالى أقامرك فليتصدق"(1).
فكفارة الشرك التوحيد وهي كلمة "لا إله إلا الله".
ما جاء في التسبيح وفضله
قال الله تعالى: { فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } (2).
وقال تعالى: { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ } (3).
والآيات في الباب كثيرة.
معنى التسبيح: التنزيه عما لا يليق به سبحانه وتعالى من الشريك والولد والصاحبة والنقائص وسمات الحدوث مطلقاً.
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض".(4).
وعن جابر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة"(5).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله أي الكلام أحب إلى الله تعالى؟
قال: "ما اصطفى الله تعالى لملائكته: سبحان ربي وبحمده سبحان الله"(6).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب مناقب الأنصار برقم (3836)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم
(4236).
(2) سورة الصافات: (143).
(3) سورة الأنبياء (20).
(4) صححه الألباني رحمه الله في الترغيب برقم (184، 379) والإيمان (ص48) والطحاوية (572) ومشكلة الفقر (59) والمشكاة (281).
(5) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، صحيح الجامع (6305).
(6) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2731)، ورواه الترمذي وقال: "حديث حسن".(1/103)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مئة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم".(2).
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن أقول سبحان والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس"(3).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟" قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله فقال: "إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده"(4).
وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي الكلام أفضل قال: "ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده"(5).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال: "يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى"(6).
(
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3293) وفي كتاب الدعوات برقم (6403)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6783).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6406) وفي كتاب الإيمان والنذر برقم
(7563). وفي كتاب التوحيد برقم (6682)، وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6786).
(3) رواه مسلم في صحيحه برقم (2695) و (6787)، والترمذي برقم (3597).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6863)، والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3593).
(5) المصدر السابق.
(6) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1668) وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1285).(1/104)
السلامي) بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم: المفصل.
(على كل سلامى) بضم السين وتخفيف اللام وأصله عظام الأصابع وسائر الكف ثم استعمل في جميع العظام البدن ومفاصله.
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها"(1).
قال النووي رحمه الله تعالى: "قوله - صلى الله عليه وسلم - : وسبحان الله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض" وسبب عظم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله تعالى بقوله: سبحان الله والتفويض والافتقار إلى الله تعالى بقوله: الحمد لله والله أعلم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة"(2).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمن كبر الله وحمد الله وهلل وسبح الله واستغفر الله وعزل حجراً عن طريق الناس أو شوكة أو عظماً عن طريق الناس أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد الستين والثلاثمائة فإنه يمسي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار"(3).
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة برقم (533)، وأخرجه الترمذي في كتاب الدعوات برقم(3517).
(2) أخرجه البخاري في الصلح برقم (2707) وفي كتاب الجهاد والسير برقم (2891) و
(2989)، وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة برقم (2332).
(3) أخرجه مسلم برقم (1007).(1/105)
قال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: وقلت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يوماً سئل بعض أهل العلم :أيما أنفع للعبد التسبيح أو الاستغفار؟
فقال: إذا كان الثوب نقياً فالبخور وماء الورد أنفع له وإن كان دنساً فالصابون والماء الحار أنفع له، فقال لي رحمه الله تعالى: فكيف والثياب لا تزال دنسة؟أ.هـ. الوابل الطيب.
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة!" فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب ألف حسنة؟ قال: "يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة"(1).
وعن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفضل الكلام سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر"(2).
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت"(3).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6792)، والترمذي في كتاب الدعوات برقم
(3463).
(2) رواه أحمد بإسناد صحيح، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة برقم
(3/485).
(3) رواه مسلم في كتاب الأدب برقم (5566)، والنسائي وزاد "وهن من القرآن"، وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأدب برقم (3729)، وأبو داود في كتاب الأدب برقم (4958)، والترمذي في كتاب الأدب برقم (2836).(1/106)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لقيتُ إبراهيم ليلة أُسري بي فقال: يا محمد أقرئ أُمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء ,انها قيعان وأن غراسها سُبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" (1).
(قيعان) جمع قاع وهي الأرض المستوية الخالية من الشجر.
(غراس) جمع غرس وهو : ما يستر الأرض من البذر ونحوه.
ذكر الله سبب لدخول الجنة وكلما أكثر العبد من ذكر الله كثرت غراسه في الجنة.
وعن أبي سلمة راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : بخٍ بخٍ لخمسٍ ما أثقلهن في الميزان لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه"(2).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن ناساً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: "أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكرٍ صدقة وفي بضع أحدكم صدقة"، قالوا : يا رسول الله يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال : "أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر"(3).
__________
(1) رواه الترمذي برقم (3462) وقال: "حديث حسن"، صحيح الكلم الطيب (ص27) وصحيح الترغيب برقم (1550)
(2) رواه النسائي وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة برقم (1204) والسنة (781).
(3) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (2326).(1/107)
أهل الدثور : أي أهل الأموال والدثور : بضم الدال وجمع دثر بفتحها وهو المال الكثير والبضع : هو بضم الباء ويطلق على الجماع ويطلق على الفرج نفسه، هو الجماع وقيل الفرج نفسه.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : قوله - صلى الله عليه وسلم - :" وفي بضع أحدكم صدقة" وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر الله تعالى به أو طلب ولد صالح أو إعفاف نفسه أو إعفاف الزوجة ومنعها جميعاً من النظر إلى الحرام أو الفكر فيه أو الهم به أو غير ذلك من المقاصد الصالحة.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ذهب الدثور بالدرجات العُلى والنعيم المقيم فقال: ( وما ذاك؟) فقالوا: يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: " تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثلة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" (1).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان برقم (843) وفي كتاب الدعوات برقم (6329) ، وأخرجه مسلم في كتاب المساجد برقم (1346).(1/108)
وعن جويرية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال: " ما زلت على الحال التي فأرقتك عليها؟" قالت : نعم ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " لقد قلت بعدك كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته"(1).
وعن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال: " إن الله اصطفى من الكلام أربعاً سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فمن قال: سبحان الله كتب له عشرون حسنة وحطت عنه عشرون سيئة ومن قال : الله أكبر فمثل ذلك ومن قال: لا إله إلا الله فمثل ذلك ومن قال الحمد لله ربِّ العالمين من قبل نفسه كتبت له ثلاثون حسنة وحطت عنه ثلاثون سيئة"(2).
التسبيح بالأصابع وأنه أفضل من السبحة
روت يسيرة إحدى المهاجرات رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس ولا تغفلن فتنسين الرحمة وأعقدن بالأنامل فإنهن مسؤلات ومستنطقات"(3).
فضل الذِكر طرفي النهار
وهما بين الصبح وطلوع الشمس وما بين العصر والغروب.
قال سبحانه وتعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } (4).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6851) والترمذي برقم (3555) والنسائي في كتاب السهو برقم (1351) وابن ماحه في كتاب الأدب باب فضل التسبيح برقم (3808).
(2) أخرجه أحمد والنسائي والحاكم بنحوه وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1718).
(3) أخرجه أبو داوود برقم (1501) والترمذي برقم (3653 تحفة ) وإسناده حسن ، المشكاة (2316).
(4) سورة الأحزاب الآية (41، 42)(1/109)
و الأصيل قال الجوهري : هو الوقت بعد العصر إلى المغرب وجمعه أصل وآصال وأصائل كأنه جمع أصيلة.
ويجمع أيضاً على أصلان مثل بعير و بعيران.
وقال تعالى { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِبْكَارِ } (1).
والإبكار: أول النهار، والعشي: آخره.
وقال تعالى { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } (2).
وهو قبل طلوع الشمس وقبل الغروب.
وأن محل هذه الأذكار بعد الصبح وبعد العصر.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مئة مرة لم يأتِ أحدٌ يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ قال مثلما قال أو زاد عليه"(3).
وفي رواية أبي داوود (سبحان الله العظيم وبحمده)
قال النووي رحمه الله تعالى : ظاهر إطلاق الحديث أنه يحصل هذا الأجر المذكور في هذا الحديث من قال هذا التهليل مائة مرة في يومه سواء قاله متوالية أو متفرقة في مجالس أو بعضها أول النهار وبعضها آخره لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار ليكون حرزاً له في جميع نهاره.
وعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" من قال حين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك ، لك الحمد والشكر فقد أدى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يُمسي فقد أدى شكر ليلته"(4).
__________
(1) سورة غافر الآية (55).
(2) سورة ق الآية (39).
(3) رواه البخاري برقم(6405)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6784).
(4) أخرجه أبو داود في الأدب برقم (5073)، والنسائي في ( عمل اليوم والليلة ) برقم (7)، وابن حبان (861/1)، والبغوي في شرح السنة رقم (1328) من طرق عن عبد الله بن عنبسة ، وصححه الألباني في الكلم (26) والمشكاة (2407).(1/110)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من قال في كل يوم حين يصبح وحين يمسي حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو ربُّ العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة "(1).
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطاناً"(2).
وهذا يكون بالليل دون النهار، لأنها جاءت زيادة من روايات أخرى "من الليل".
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: "قلت: ليس عندهما -أي البخاري ومسلم- قوله "من الليل" وهي زيادة ثابتة من رواية جمع من الثقات في حديث أبي هريرة هذا، وفي حديث جابر المتقدم كما حققته في "الصحيحة" تحقيقاً ربما لا تراه في مكان آخر، ومن الغرائب أن الحافظ لم يشر في الفتح إلى هذه الزيادة الهامة مطلقاً، وتبعه الشارح الجيلاني. لأ.هـ[صحيح الأدب المفرد : 479]
قال القاضي: سببه رجاء تأمين الملائكة على الدعاء واستغفارهم وشهادتهم بالتضرع والإخلاص وفيه استحباب الدعاء عند حضور الصالحين والتبرك بهم.
__________
(1) أخرجه ابن السُني في (عمل اليوم والليلة) رقم (71)، وأبو داود في الأدب برقم (5081).
(2) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم(3459) و(5102)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6857)، والترمذي في كتاب الدعوات (3459).(1/111)
عن عبد الله بن خبيب - رضي الله عنه - قال: خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - ليُصلي بنا فأدركناه فقال: " قل " فلم أقل شيئاً ، ثم قال "قل" فلم أقل شيئاً ثم قال "قل" فقلت: يا رسول الله ما أقول؟ قال "قل هو الله أحد" والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من قال حين يمسي ثلاث مرات : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" لم تضره حُمة تلك الليلة".
قال سُهيل : فكان أهلُنا تعلموها ، فكانوا يقولونها كل ليلة ، فلدغت جارية منهم فلم تجد لها وجعاً(2).
عن شداد بن أوس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " سيد الإستغفار اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت إذا قال ذلك حين يمسي فمات دخل الجنة وإذا قال حين يصبح فمات من يومه مثله"(3).
وقال - صلى الله عليه وسلم - "من قال حين يصبح وحين يمسي : رضيت بالله ربَّاً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبياً" كان حقاً على الله أن يرضيه"(4)
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي والنسائي ، وصححه الألباني في الترغيب برقم (643) والكلم (19) والمشكاة (2163).
(2) رواه الترمذي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (646).
(3) رواه البخاري في الدعوات برقم (6306)
(4) أخرجه أبو داود في الأدب (5088) و(5089) والحاكم في الدعاء (1905/1) والترمذي في الدعوات (3389) ، وصححه الألباني في النقد (ص33) والكلم (24) والمشكاة(2399).(1/112)
وعن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - رسولاً"(1)
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى : معنى الحديث صح إيمانه واطمأنت به نفسه، وظاهر باطنه لأن رضاه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته ونفاذ بصيرته ومخالطته بشاشة قلبه لأن من رضي أمراً سهل عليه فكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهل عليه طاعات الله تعالى ولذت له والله تعالى أعلم .
عن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قال حين يصبح وحين يمسي : رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبياً كان حقاً على الله أن يرضيه".(2)
ووقع في رواية أبي داود وغيره " وبمحمد رسولاً" وفي رواية الترمذي " نبياً" فيستحب أن يجمع الإنسان بينهما فيقول " نبياً ورسولاً" ولو اقتصر على أحدهما كان عاملاً بالحديث.
وكذلك حديث " اللهم إني أصبحت أُشهدك وأُشهد حملة عرشك".(3)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (150) والترمذي في كتاب الإيمان (2623).
(2) رواه الترمذي (3389)، والنسائي في (عمل اليوم والليلة ) برقم (4و 565)، وأبو داود (5072)، وابن ماجه (3870)، والحاكم في المستدرك وابن المسني في (عمل اليوم والليلة ) (68).
(3) رواه أبو داود، وحسنه الحافظ ابن حجر، وكذلك الشيح ابن باز رحمهما الله تعالى في تحفة الأخيار برقم (23)، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (1201)، وإسناده ضعيف.(1/113)
عن عبد الله بن غنام : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من قال حين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحدٍ من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك ولك الحمد والشكر فقد أدى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته".(1)
عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة : بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات إلا لم يضره شيء".(2)
هذا لفظ الترمذي، وفي رواية أبي داود "لم تصبه فجأة بلاء".
يتحصن العبد المسلم بالله ويمضي في حياته على اسمه وبسم الله يحتمة به العبد من كل سوء من معنى أو عين أو دابة أو جني أو شيطان لأنه السميع لأحوالهم العليم بها في سائر أزمنتها فلا يقع شيء إلا بإذنه سبحانه وتعالى.
والإتيان بهذا الذكر يوقي بقدر الله جميع البأس والضر.
وجاء في نهاية الحديث:" وكان أبان قد أصابه طرف فالج فجعل الرجل الذي سمع منه الحديث ينظر إليه فقال له : مالك تنظر إلي؟! فوالله ما كذبت على عثمان ولا كذب عثمان على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبت فنسيت أن أقولها.
الغضب آفة تحول بين المرء وعقله ، وفيه الدعاء يرد القضاء,
__________
(1) رواه أبو داود برقم (5073)، والنسائي في (عمل اليوم والليلة ) (7)، والبغوي في شرح السنة برقم (1328).
(2) أخرجه أحمد في مسنده (446- 4747-528/1) والطيالسي (79) والبخاري في الأدب المفرد (660) والترمذي في الدعوات (3388) وابن ماجه في الدعاء (3869) والنسائي في ( عمل اليوم والليلة) (346) والحاكم (1/514) وصححه الذهبي وأقره. وصححه الألباني في سنن الترمذي برقم (3388)، وفي الترغيب برقم (649)، والكلم برقم (23)، والمشكاة برقم (2391).(1/114)
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أمسى قال: " أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له "(1)
قال الراوي : أراه قال فيهن: ( له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير مافي هذه الليلة وخير ما بعدها ,أعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها ربَّ أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر ربِّ أعوذ بك من عذاب النار وعذاب القبر وإذا أصبح قال ذلك أيضاً : " أصبحنا وأصبح الملك لله").(2)
عن عبد الله بن خبيب - رضي الله عنه - قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اقرأ : "قل هو الله أحد" والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلا ث مرات تكفيك من كل شيء".(3)
وعن أبي عياش - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال إذا أصبح: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كان له عدل رقبةٍ من ولد إسماعيل وكتب له عشر حسنات ، وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي فإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى يصبح"(4).
قال حماد فرأى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرى النائم فقال: يا رسول الله !إن أبا عياش يحدث عنك بكذا وكذا؟ قال : صدق أبو عياش.
(
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6845) وأبو داود في كتاب الأدب برقم
(5071) والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3390).
(2) المصدر السابق.
(3) رواه أبو داود والترمذي برقم (3575) بإسناد حسن. وحسنه الألباني في سنن الترمذي برقم (3575).
(4) رواه أبود داود واللفظ له والنسائي وابن ماجه واتفقوا كلهم على المنام، وصححه الألباني في الترغيب (650) ، و(أبو عياش ) قيل اسمه زيد ابن الصامت وقيل : زيد بن النعمان وقيل غير ذلك .(1/115)
العدل): بالكسر وفتحه لغة هو المثل ، وقيل بالكسر ما عادل الشيئ من جنسه وبالفتح ما عادله من غير جنسيه.
وقال - صلى الله عليه وسلم - :" من قال" سبحان الله " مائة مرة قبل طلوع الشمس و قبل غروبها كان أفضل من مائةِ بدنةٍ، ومن قال: " الحمد لله " مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، كان أفضل من مائةٍ فرس يُحمَلَ عليها في سبيل الله ومن قال: " الله أكبر" مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها كان أفضل من عتق مائة رقبة ومن قال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها لم يجيء يوم القيامة أحد بعملٍ أفضل من عمله إلا من قال مثل قوله أو زاد عليه(1).
وعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أنه قال -وهو في أرض الروم-: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من قال غدوة :" لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" عشر مرات ، كتب الله له عشر حسناتٍ، ومحى عنه عشر سيئات وكن له قدر عشر رقاب وأجاره الله من الشيطان، ومن قالها عشيةً فمثل ذلك"(2).
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - " من صلى عليَّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامةِ"(3).
ما جاء في فضل الإستغفار
__________
(1) رواه النسائي في (عمل اليوم والليلة )، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (651).
(2) رواه أحمد والنسائي واللفظ له وابن حبان في " صحيحه " ، وصححه العلامة الألباني في الترغيب برقم (653).
(3) رواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (656).(1/116)
قال تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } (1).
وقال سبحانه وتعالى عن نبيه نوح : - صلى الله عليه وسلم - { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً، و َيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً } (2).
رغب الله تعالى بمغفرة الذنوب وما يترتب عليها من الثواب واندفاع العقاب بعد ما يتوبوا ويستغفروا الله تعالى من ذنوبهم.
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيوم وأتوب إليه غُفرت ذنوبه وإن كان قد فرَّ من الزحف".(3)
تعظيم الإستغفار وأنه يُكفر الكبائر ، فضل المدامومة على الاستغفار.
و قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من عبدٍ يذنب ذنباً فيُحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له"(4).
__________
(1) سورة آل عمران (136).
(2) سورة نوح الآية (10-12).
(3) صحيح أبي داود (1343).
(4) رواه أبو داود (1343).وصححه الألباني في سنن أبي داود برقم (1521).(1/117)
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هَمّ فرجاً ومن كل ضيقٍ مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب"(1).
ويذكر ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كثرت همومه وغمومه فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله"(2).
وثبت في الصحيحين أنها كنز من كنوز الجنة . (3).
وفي الترمذي : "أنها باب من أبواب الجنة"(4).
قال الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: ( هذه الأدوية تتضمن خمسة عشر نوعاً من الدواء فإن لم تقوَ على إذهاب داء الهم والغم والحزن فهو داء قد استحكم وتمكنت أسبابه ويحتاج إلى استفراغ كلي.
الأول: توحيد الربوبية.
الثاني : توحيد الإلوهية.
الثالث: التوحيد العلمي الإعتقادي.
الرابع : تنزيه الربُّ تبارك وتعالى عن أن يظلم عبده أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك.
الخامس: اعتراف العبد بأنه هو الظالم.
السادس: التوسل إلى الرب تعالى بأحب الأشياء وهو أسماؤه وصفاته ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات الحيُّ القيوم.
السابع: الإستعانة به وحده.
الثامن : إقرار العبد له بالرجاء.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة برقم (1518) ، وابن ماجه في الأدب برقم (3819) وأحمد في مسنده (2234/1)، والطبراني في الدعاء (1774)، والنسائي (456) في (عمل اليوم والليلة)، والحاكم (4/ 262)، والبيهقي (3/351)، وابن السني في (عمل اليوم والليلة) برقم (364)، والمزي في تهذيب الكمال (5/107) ط دار الفكر. وضعفه الألباني في سنن أبي داود برقم (1518).
(2) ذكره البيهقي في الطب النبوي (ص24) والكحال في الأحكام النبوية في الصناعة الطبية (7/179)، وصححه الألباني في الصحيحة (199)، التوسل (ص133) ، المشكاة (2452).
(3) أخرجه البخاري في الدعوات برقم (3592)، ومسلم في الذكر والدعاء برقم (2704).
(4) في الدعوات برقم (3592).(1/118)
التاسع: تحقيق التوكل عليه ، والتفويض إليه والإعتراف له بأن ناحيته في يده يصرفه كيف يشاء وأنه ماضٍٍ فيه حكمه عدلٌ فيه قضاؤه.
العاشر : أن يرتع قلبه في رياض القرآن ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان وأن يستضيء به في ظلمات الشبهات والشهوات وأن يتسلى به عن كل فائت ويتعزى به عن كل مصيبة ويستشفي به من أدواء صدره فيكون جلاء حزنه وشفاء همه وغمه.
الحادي عشر: الإستغفار.
الثاني عشر : التوبة .
الثالث عشر: الجهاد.
الرابع عشر : الصلاة .
الخامس عشر البراءة من الحول والقوة وتفويضهما إلى من هما بيده .أ.هـ زاد المعاد (4/159-160)
عن أنس - رضي الله عنه - قال:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أُبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم لو لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة"(1).
فيه بيان سعة رحمة الله سبحانه وتعالى.
والإيمان بالله شرط في مغفرة الذنوب فإن الله لا يغفر أن يشرك به ولا يغفر لمشرك وإذا تاب العبد من ذنوبه توبة نصوحاً غفرها الله له ولو كانت ملئ الأرض أو بلغت عنان السماء.
(عنان السماء) بفتح العين قيل هو السحاب وقيل : هو ما عنَّ لك منها أي ظهر.
(قراب الأرض) بفتح القاف وروي بكسرها والضم أشهر وهو ما يقارب ملأها .
__________
(1) أخرجه الترمذي برقم (3540) وللحديث شاهد من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وأخرجه أحمد (5/132) والدارمي (2/322) من طريق غيلان عن شهر بن حوشب عن عمرو بن معد يكرب عنه به، وصححه العلامة الألباني في الصحيحة (ص595)، المشكاة (4336) .(1/119)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروى عن الله عز وجل أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ياعبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم"(1).الحديث.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"(2).
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة"(3).
والاستغفار : هو طلب المغفرة وهي الصفح عن الذنب وتبديله.
وتكفير الذنوب على قسمين:
الأول : المحو كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - : "واتبع السيئة الحسنة تمحها " وهذا مقام العفو.
الثاني : التبديل كما في قوله تعالى { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً"(4). وهذا مقام المغفرة.
فالمغفرة فيها زيادة إحسان وتفضل على العفو وكلاهما خير وبشرى.
والتوبة : هي العزم على التوبة .
وهذا حضٌ للأمة على الاستغفار والتوبة منه - صلى الله عليه وسلم - مع كون غفر ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله ويتوب إليه.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2577) ، وابن ماجه.
(2) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (6899).
(3) رواه البخاري (11/101) فتح.
(4) سورة الفرقان الآية (70).(1/120)
وفيه حضٌ للعبد على الإكثار من التوبة والإستغفار لأن العبد لا ينفك عن ذنب أو تقصير وإنه إلى الله المصير كما قال - صلى الله عليه وسلم - " يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة"(1).
قال النووي رحمه الله تعالى : ( قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: للتوبة ثلاثة شروط أن يقلع عن المعصية وأن يندم على فعلها وأن يعزم عزماً جازماً أن لا يعود إلى مثلها أبداً ، فإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فلها شرط رابع وهو: ردّ الظلامة إلى صاحبها أو تحصيل البراءة منه والتوبة أهم قواعد الإسلام وهي : أول مقامات سالكي طريق الآخرة.
وعن أبي أيوب أنه قال: حين حضرته الوفاة: كنت كتمت عنكم شيئاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لو لا أنكم تذنبون لخلق الله خلقاً يذنبون فيغفر لهم"(2).
وعنه - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لولا أنكم لم تكن لكم ذنوب
يغفرها الله لكم لجاء الله بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم"(3).
وعن الأغر المزني وكانت له صحبة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة "(4).
الغين هنا : ما يتغشى القلب قال القاضي : قيل المراد: الفترات والغفلات عن الذكر كان شأنه الدوام عليه فإذا فتر عنه أو غفل عدَّ ذلك ذنباً واستغفر منه.
__________
(1) رواه مسلم عن الأغر بن يسار المزني رضي الله عنه برقم (6799).
(2) رواه مسلم في كتاب التوبة برقم (6797)، والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3539).
(3) رواه مسلم في كتاب الدعوة برقم (6869)، والترمذي في كتاب الدعوات برقم (3539).
(4) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم( 6768)، وأبو داود في كتاب الصلاة برقم
(1515).(1/121)
وعن على بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثاً نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني وأذا حدثني من أصحابه استحلفته فإذا حلف صدقته وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ما من عبد يذنب ذنباً فيُحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له" ثم قرأ هذه الآية { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } (1).
أخبرنا أبو مالك عن أبيه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجل فقال يا رسول الله: كيف أقول حين أسأل ربّي عز وجل ، قال قل " اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني" ويجمع أصابعه إلا الإبهام فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك"(2).
وعن شداد بن أوس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة(3).
هذا الدعاء جامع لمعاني التوبة كلها مع الإقرار لله بالإلوهية والإعتراف بأنه الخالق والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه بما وعده به الاستعاذة من شر النفس وإضافة النعماء إلى موجدها وإضافة الذنب إلى نفسه واعترافه بأنه لا يقدر على ذلك إلا هو كل هذا مسبوك ببديع المعاني وأحسن الألفاظ ولذلك سماه الرسول - صلى الله عليه وسلم - سيد الاستغفار.
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه مسلم برقم (6791) في كتاب الذكر والدعاء، وابن ماجه في كتاب الدعاء برقم (3845).
(3) أخرجه البخاري (11/97-99).(1/122)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لله تسعةٌ وتسعون اسماً من حَفِظَها دخل الجنة وإن الله وتر يحب الوتر"(1).
وفي رواية ابن أبي عمر " من أحصاها"
قال النووي رحمه الله تعالى : قوله - صلى الله عليه وسلم - (من أحصاها دخل الجنة) فاختلفوا في المراد بإحصائها فقال البخاري وغيره من المحققين معناه: حفظها وهذا هو الأظهر لأنه جاء مفسراً في الرواية الأخرى (من حفظها) وقيل : أحصاها عدها والطاعة بكل اسمها والإيمان بها لا يقتضي عملاً وقال بعضهم : المراد حفظ القرآن وتلاوته كله لأنه مستوفٍ لها وهو ضعيف والصحيح الأول.
و قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من مسلم يسأل الله الجنة ثلاثاً إلا قالت الجنة اللهم أدخله الجنة ومن استجار من النار قالت النار اللهم أجره من النار"(2).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا رأى أحدكم ما يُعجِبه في نَفسِه أو ماله، فليبرك عليه فإن العين حق"(3).
وقال أبو سعيد - رضي الله عنه - : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فلما نزلتا أخذهما وترك ما سواهما(4).
و عن رجل قال: كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - فعثرت دابته فقلت: تَعِسَ الشيطان فقال: " لا تقل تَعِسَ الشيطان فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول: بقوتي، ولكن قل بسم الله فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب"(5).
ما يقول حال خروجه من بيته
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6410)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6750).
(2) رواه الترمذي (2575).
(3) صححه الألباني في الكلم (243).
(4) صححه الألباني في الكلم (ص115)
(5) صححه الألباني في الكلم (ص237).(1/123)
عن أنس - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قال يعني إذا خرج من بيته بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال له :كُفيتَ ووقيت وهديت وتنحى عنه الشيطان"(1).
وزاد أبو داود في رواية : "فيقول يعني الشيطان لشيطان آخر: كيف لك برجل هُديّ وكُفي ووقي؟".
وعن أم المؤمنين أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية حذيفة المخزومية رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج من بيته قال: "بسم الله، توكلت على الله، اللهم إني أعوذ بك أن أضِلّ أو أُضَلّ، أو أزِلَّ أو أُزَلّ، أو أظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يُجهل عليَّ".(2)
قوله: "اللهم إني أعوذ بك أن أضِلّ" أي: أضل في نفسي.
وقوله: "أُضلَّ" أي: يضلني أحد.
"أو أَزلّ": من الزلل وهو الخطأ.
"أو أظلم" أي: أظلم غيري.
"أو أُظلم" أي: يظلمني غيري.
"أو أجهل" أي: أسفه.
"أو يُجهل علي" يسفه علي أحد ويعتدي علي أحد.
ما يقوله من رأى في منامه ما يكرهه
عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الرؤيا الصالحة من الله ، والحلم من الشيطان فمن رأى رؤيا يكره منها شيئاً فلينفث عن يساره ثلاثاً وليتعوذ بالله من الشيطان فإنها لا تضره ولا يُخبر بها أحد وإن رأى رؤيا حسنة فليستبشر ولا يخبر بها إلا من يحب"(3).
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب برقم (5095) والترمذي برقم (3426) في كتاب الدعوات وقال: "حديث حسن"، وصححه الألباني في المشكاة (2443) والكلم (61) ، وصحيح الجامع (4249 و 6419).
(2) أخرجه أبو داود واللفظ له، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، وصحيح الترمذي والمشكاة برقم (2442).
(3) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق (3292)، ومسلم في كتاب الرؤيا برقم (2262).(1/124)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - من عُرضت عليه رؤيا فليقل لمن عَرَضَ عليه خيراً(1).
وعن جابر - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها، فليبصق عن يسار ه ثلاثاً ، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وليتحول عن مكانه الذي كان عليه"(2).
وفي رواية للبخاري ومسلم : "وإذا رأى ما يكرهه فليتعوذ بالله من شرِّها وشرِّ الشيطان، وليتفل عن يساره ثلاثاً ولا يحدث بها أحداً، فإنها لن تضره".
وروياه عن أبي هريرة وفيه: " فمن رأى شيئاً يكرهه ، فلا يقصه على أحد ، وليقم فليصل".(3)
(الحلم) بضم الحاء وسكون اللام وبضمها: هو الرؤيا وبالضم والسكون فقط هو رؤية الجماع في النوم، وهو المراد هنا.
(فليتفُل) بضم الفاء وكسرها أي : فليبزق.
وقيل: التفل أقل من البزق، والنفث أقل من التفل.
ما يقول إذا استيقظ في الليل وأراد النوم بعده
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تعار من الليل فقال:لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، والحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له إن توضأ قبلت صلاته"(4).
(تعار) بتشديد الراء أي استيقظ.
ما يقول إذا كان يفزع من نومه
__________
(1) أخرجه الدارمي برقم (2163) عن عائشة رضي الله عنها.
(2) رواه مسلم في كتاب الرؤيا برقم (2262) ، وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
(3) فتح الباري كتاب التعبير رقم (7017)، وصحيح مسلم كتاب الرؤيا رقم (2263).
(4) سبق تخريجه.(1/125)
جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكا أنه يفزع في منامه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" إذا أويت إلى فراشك فقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون"(1).
فقالها فذهب عنه.
ما يقول من استيقظ من منامه
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نائم ثلاث عقد يضرب على كل عقدةٍ مكانها عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ وذكر الله تعالى انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان"(2).
(على قافية رأس أحدكم) : القافية آخر الرأس وقافية كل شيءٍ آخره ومنه قافية الشعر.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " فأصبح نشيطاً طيب النفس" معناه: لسروره بما وفقه الله الكريم له من الطاعة ووعده به من ثوابه مع ما يبارك في نفسه وتصرفه في كل أموره مع ما زال عنه من عقد الشيطان وتثبيطه.
(انحلت عقده كلها) قال الألباني رحمه الله تعالى : قلت في تفسير " العقد" أقوال، والأقرب أنه على حقيقته بمعنى السحر للإنسان ومنعه من القيام، كما يعقد الساحر من سحره، كما أخبر بذلك المولى تعالى ذكره في كتابه الكريم
{ ومن شر النفاثات في العقد } فالذي خذل يعلم فيه ، والذي وفق يصرف عنه ، ومما يدل على أنه على الحقيقة ما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعاً " على قافية رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد" الحديث، وما رواه ابن خزيمة وذكره المصنف في هذا الباب عن جابر - رضي الله عنه - "على رأس جرير معقود" وفسر الجرير بالحبل .أ.هـ. صحيح الترغيب (ص324)
__________
(1) رواه ابن السني، وصححه الألباني في الصحيحة (246).
(2) سبق تخريجه.(1/126)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من ذكر ولا أُنثى إلا على رأسه جرير معقود حين يرقد بالليل فإن استيقظ فذكر الله انحلت عُقدةٌ فإذا قام فتوضأ وصلى انحلت العُقَدُ، وأصبح خفيفاً طيب النفس، قدأصاب خيراً"(1).
ما يقول إذا أراد النوم واضطجع على فراشه
عن علي - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له ولفاطمة رضي الله عنهما: "إذا أويتما إلى فراشكما أو إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا ثلاثاً وثلاثين وسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين"
وفي رواية " سبحا أربعاً وثلاثين".
وفي رواية "سبحا أربعاً وثلاثين" وفي رواية "وكبرا أربعاً وثلاثين".
قال علي: فما تركته منذ سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قيل له: ولا ليلة صفين، قال: ولا ليلة صفين"(2).
وفي رواية: "أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها" الحديث.
(ليلة صفين): هي ليلة الحرب المعروفة بصفين وهي موضع بقرب الفرات كانت فيه حرب عظيمة بينه وبين أهل الشام.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وقال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: بلغنا أنه من حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعانيه من شغل وغيره.
__________
(1) رواه ابن خزيمة في " صحيحه" و قال الجرير: "الحبل"، وصححه الألباني في الترغيب
(608).
(2) رواه البخاري في كتاب فرض الخمس برقم (3113) وفي كتاب فضائل الصحابة برقم
(3705) وفي كتاب النفقات برقم (5360) و (5362) وفي كتاب الدعوات برقم (6318)، وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6853 و 6856).(1/127)
وعن البراء بن عازب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت واجعلهن من آخر كلامك فإن مت من ليلتك مت وأنت على الفطرة" واجعلهن آخر ما تتكلم به".
قال: فرددتهن لاستذكرهن فقلت: آمنت برسولك الذي ارسلت قال: "قل: آمنت بنبيك الذي أرسلت" وزاد في حديث حصين: "وإن أصبح أصاب خيراً".
"أسلمت نفسي إليك" أي: توكلت عليك واعتمدتك في أمري كله كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده.
"رغبة ورهبة" أي طمعاً في ثوابك وخوفا من عذابك.
"مت على الفطرة" أي: الإسلام.
"وإن أصبحت أصبت خيراً" أي: حصل لك ثواب هذه السنن واهتمامك بالخير ومتابعتك أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
قال النووي رحمه الله: وفي هذا الحديث ثلاث سنن مهمة مستحبة ليست بواجبة:
إحداها: الوضوء عند إرادة النوم فإن كان متوضأ كفاه ذلك الوضوء لأن المقصود النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته وليكون أصدق الرؤيا وأبعد من تلعب الشيطان به في منامه وترويعه إياه.
الثانية: النوم على الشق الأيمن لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحب التيامن ولأنه أسرع إلى الانتباه.
الثالثة: ذكر الله تعالى ليكون خاتمة عمله.
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا، ونبيك الذي ارسلت " قال الألباني رحمه الله تعالى: "فيه تنبيه قوي على أن الأوراد والأذكار توقيفية، وأنه لا يجوز فيها التصرف بزيادة أو نقص، ولو بتغيير لفظ لا يفسد المعنى فإن لفظ "الرسول" أعم من لفظة "النبي" ومع ذلك رده النبي - صلى الله عليه وسلم - ، مع أن البراء رضي الله عنه قاله سهواً لم يتعمده! فأين منه أولئك المبتدعة؟ الذين لا يتحرجون من أي زيادة في الذكر، أو نقص منه ؟! فهل من معتبر؟(1/128)
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة ، هما يسير ومن يعمل بهما قليل يسبح في دبر كل صلاة عشراً ، ويحمد عشراً ، فذلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسائة في الميزان، يكبر أربعاً وثلاثين إذ1 أخذ مضجعه ، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويسبح ثلاثاً وثلاثين، فتلك مائة باللسان، وألف في الميزان " فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعقدها قالوا: يا رسول الله : كيف "هما يسير ، ومن يعمل بهما قليل"؟ قال: " يأتي أحدكم ( يعنى) الشيطان في منامه فينَوِّمُهًُ قبل أن يقوله، يأتيه في صلاته، فيذكره حاجةً قبل أ ن يقولها"(1).
وزاد ابن حبان في " صحيحه"
" وألف وخمسمائة في الميزان" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وأيكم يعمل في اليوم والليلية ألفين وخمسمائة سيئة؟"
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم يقول: باسمك ربّي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين"(2).
حياة العبد يجب أن تكون مرتبطة بمنهج الله وأعماله قائمة على اسم الله تعالى، والتوفيق أن لا يكلك الله طرفة عين وأن يحفظك ويرعاك برحمته، والخذلان أن يكّلك إلى نفسك، ومن حفظ الله حفظه الله ولذلك فالله يحفظ عباده الصالحين في أنفسهم وأموالهم وأبنائهم.
__________
(1) رواه أبو داود واللف له والترمذي وقال:" حديث حسن صحيح" والنسائي، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الترغيب برقم (603).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6320)، ومسلم برقم (2714) و(6830).(1/129)
وعن أبي مسعود الأنصاري البدري عقبة بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الآيتان من آخِرِ سورةِ البقرة من قرأ بهما ليلةٍ كفتاه"(1).
قيل كفتاه من الآفات في ليلته.
قال النووي رحمه الله في كتاب الأذكار قلت: ويجوز أن يُراد الأمران.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: وكلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفظ زكاة رمضان فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام.. . وذكر الحديث وقال في آخره: " إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال معك من الله تعالى حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " صدقك وهو كذوب ذاك شيطان"(2).
عن رجل قال: كنت جالساً عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله : لُدغت الليلة فلم أنم حتى أصبحت قال: "ماذا؟" قال: عقرب ، قال: " أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك شيء إن شاء الله تعالى"(3).
عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من أوى إلى فراشه طاهراً وذكر الله عز وجل حتى يدركه النعاس لم ينقلب من الليل يسأل الله عز وجل فيها خيراً من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه"(4).
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه وقرأ بالمعوذات ومسح بهما جسده".
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5008 و5009) و(5040) و(5051).
(2) رواه البخاري.
(3) رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح ، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع
(1318).
(4) صحيح الكلم الطيب للألباني (ص43).(1/130)
وفي رواية لهما : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فقرأ فيها: { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده فعل ذلك ثلاث مرات"(1).
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لوأن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً"(2).
(لم يضره) : لا يصيبه الشيطان بأذى .
وفيه استحباب التسمية والدعاء والمحافظة على ذلك حتى في حالة الجماع والاعتصام بذكر الله ودعائه من الشيطان والتبرك باسمه والاستعاذة به من جميع الأسماء، وفيه إشارة إلى أن الشيطان ملازم لابن آدم لا يفتر عنه إلا إذا ذكر الله تعالى.
ما يقول إذا لبس ثوباً
عن معاذ بن أنس الجهني الأنصاري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لبس ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة غفر الله له ما تقدم من ذنبه"(3).
__________
(1) متفق عليه.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء برقم (141) وأخرجه أيضاً في كتاب بدء الخلق برقم (3271 و3283) وفي كتاب النكاح (5165) وفي كتاب الدعوات برقم (6388) وفي كتاب التوحيد برقم (7396) وأخرجه مسلم في كتاب النكاح برقم (3519).
(3) صحيح أبي داود (3394) والمشكاة (4374) الترغيب (2042).(1/131)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : لبس عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني ما أُواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من لبس ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم عمد إلى الثوب الذي أخلق فتصدق به كان في كنف الله وفي حفظ الله وفي ستر الله حياً وميتاً"(1).
عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لبس ثوباً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"(2).
ما جاء في فضل الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال الله تعالى { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } (3).
هذه الآية شَرَّفَ الله سبحانه وتعالى بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - في حياته وموته وذكر منزلته منه وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء.
فيستحب أن يكرر الكاتب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما كتبه ويكتبها كاملة ولا يقتصرها كما يفعل البعض فيكتبها هكذا (صلعم) أو يكتبها (ص).
ويستحب إذا صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر على أحدهما وهذا ظاهر في الآية.
__________
(1) أخرجه الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، ورواه البيهقي وغيره عن عبيد بن زحر عن على بن يزيد عن القاسم عنه به.
(2) أخرجه أبو داود برقم (4023) بتمامه من طريق أبي مرحم عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه مرفوعاً. وحسنه الألباني في سنن الترمذي برقم (4023).
(3) سورة الأحزاب الآية (56).(1/132)
وذكر ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى : في كتابه العظيم (جلاء الأفهام) تسعاً وتسعين فائدة يحصل عليها المصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - منها:
يصلي الله عليه بكل صلاة عشر صلوات، وترفع له عشر درجات، ويكتب له عشر حسنات، وتمحى عنه عشر سيئات، ويرجى إجابة دعائه إذا بدأه بحمد الله ثم - صلى الله عليه وسلم - بعدها وختم دعاءه بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وسبب لنيل شفاعته - صلى الله عليه وسلم - ، وسبب لغفران الذنب وذهاب الهم والغم وقضاء الحوائج ، وتكون سبب للقرب منه عليه الصلاة والسلام يوم القيامة.
وتكون سبب لطيب المجلس، وسبب لتثبيت القدم على الصراط ونور على الصراط، وبركة على المصلى في عمره وأسباب مصالحه.
وسبب لنيل رحمة الله، وسبب لهداية المصلي عليه وحياة قلبه، ويقول رحمه الله تعالى: (فكلما أكثر العبد من الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - استولت محبته على قلبه حتى لا يبقى في قلبه معارضة شيء من أوامر ولا شك في شيء مما جاء به بل يصير ما جاء به مكتوباً مسطوراً في قلبه ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العلوم منه وكلما ازداد في ذلك بصيرة ومعرفة ازدادت صلاته عليه - صلى الله عليه وسلم - فذكره - صلى الله عليه وسلم - وذكر ما جاء به وحمد الله سبحانه على أنعامه علينا ومنته بإرساله هو حياة الوجود وروحه"أ.هـ.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً"(1).
فيه الحث على الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فيها من الأجر العظيم والخير العميم، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبب في رحمة الله للعبد.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (284)، وأبو داود والترمذي .(1/133)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة"(1).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطّ عنه بها عشر سيئات ورفعه بها عشر درجات"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من أحدٍ يسلم علي إلا ردَّ الله إلي روحى حتى أرد عليه السلام"(3).
وعن مكحول عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أكثروا عليَّ من الصلاة في يوم الجمعة فإن صلاة أمتي تعرض عليَّ في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم عليَّ صلاة كان أقربهم مني منزلة"(4).
__________
(1) رواه الترمذي برقم (484)، وابن حبان برقم (908) وغيرهما، وفي سنده موسى بن يعقوب الزمعي سيء الحفظ وشيخه عبد الله به كيسان مقبول. المشكاة (923) وقال الشيخ الألباني رحمه الله في الترغيب: (حسن لغيره) (1668) .
(2) رواه أحمد، والنسائي، وابن حبان، والحاكم وقال: (صحيح الإسناد)، وصححه الألباني في، المشكاة (922) وفضل الصلاة (12211)، والترغيب (1657) .
(3) رواه أحمد وأبو داود ، وصححه الألباني في المشكاة (625) النقد (47) التوسل(64) الآيات (43، 44)، الترغيب (1666) .
(4) رواه البيهقفي في الشعب بإسناد حسن ، وصححه العلامة الألباني في الصحيحة برقم
(1527) ، الإرواء (4)، فضل الصلاة (40). وصحيح الترغيب برقم (1673).(1/134)
وعن أُبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ربع الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه " قال أُبي بن كعب: فقلت يا رسول الله : إني أُكثر الصلاة فكم أجعل لك من صلاتي قال: "ما شئت" قلت: الربع؟ قال: "ماشئت وإن زدت فهو خير" قلت: النصف قال: "ما شئت وإن زدت فهو خير" قال: أجعل لك صلاتي كلها قال: " إذاً تكفى همك ويغفر ذنبك"(1).
المراد بالصلاة في هذا الحديث الدعاء.
استحباب كثرة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه وفي ليلته لقوله عليه الصلاة والسلام "أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلة الجمعة"(2).
من حديث أنس رضي الله عنه بزيادة "... فمن صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه عشراً"(3).
قال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيد الأنام ويوم الجمعة سيد الأيام فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فأما نالته على يده فجمع الله لأمته به بين خيري الدنيا والآخرة فأعظم كرامة تحصل لهم فإنما تحصل يوم الجمعة فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة وهو يوم المزيد له إذا دخلوا الجنة وهو يوم عيد لهم في الدنيا ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم ولا يرد سائلهم وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده - صلى الله عليه وسلم - فمن شكره وحمده وأداء القليل من حقه - صلى الله عليه وسلم - أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته . أ . هـ .زاد المعاد ( 1/283)
__________
(1) رواه أحمد والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، الحاكم وقال : "صحيح الإسناد"، وصححه الألباني في الصحيحة (952) المشكاة (5351) وفضل الصلاة (14).
(2) أخرجه البيهقي في الكبرى (3/249).
(3) سبق تخريجه.(1/135)
قال أنس بن مالك قال أبو طلحة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عليهم يوما يعرفون البشر في وجهه فقالوا : إنا نعرف الآن في وجهك البشر يا رسول الله! قال : " أجل أتاني الآن آت من ربي فأخبرني أنه لن يصلى علي أحد من أمتي إلا ردها الله عليه عشر أمثالها " (1).
وعن عبد الله ابن أبي طلحة عن أبيه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء يوماً والبشر يرى في وجهه فقالوا : يا رسول الله إنا نرى في وجهك بِشراً لم نكن نراه، ، قال : " أجل إنه أتاني ملك فقال: يا محمد إن ربك يقول: أما يرضيك ألا يُصلي عليك أحدٌ من أُمتك إلا صليت عليه عشراً ولا سلم عليك إلا سلمت عليه عشراً"(2).
وعن عبد الرحمن بن عوف قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد فأطال السجود قال: " أتاني جبريل قال: من صلى عليك صليتَ عليه ومن سلم عليكَ سلمتَ عليه فسجدت لله شكراً"(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه عشراً"(4).
__________
(1) رواه أحمد والنسائي وابن حبان في ( صحيحه ) ، قال العلامة الألباني رحمه الله : "الحديث بمجموع طرقه صحيح"، فضل الصلاة (ص 22 ) والترغيب (1662) .
(2) رواه ابن حبان وصححه (2391) موارد، وصححه الألباني بشواهده، فضل الصلاة
(ص22) والترغيب (1661).
(3) رواه أحمد والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وقال الألباني : "الحديث صحيح لطرقه وشواهده"، فضل الصلاة (ص25)والترغيب (1658).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة برقم (911) وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1530) والترمذي في كتاب الصلاة رقم (485)والنسائي في كتاب السهو برقم (1295).(1/136)
وقال - صلى الله عليه وسلم - "أتاني آتٍ من عند ربي عز وجل قال: " من صلى عليك مِنْ أُمتك صلاة كتب الله له عشر حسنت ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وردَّ عليه مثلها"(1).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:" إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة"(2).
وعن جعفر عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ينسى الصلاة عليَّ خطئ أبواب الجنة"(3).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من نسيَّ الصلاة عليَّ خطئ طريق الجنة"(4).
وعن بكر بن عبد الله المزني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "حياتي خير لكم تُحدثون ويُحدث لكم فإذا أنا مِتُ كانت وفاتي خيراً لكم تعرض عليَّ أعمالكم فإن رأيت خيراً حمدت الله وإن رأيت غير ذلك استغفرت الله لكم"(5).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صلوا في بيوتكم ولا تجعلوا بيوتكم مقابر لعن الله يهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم"(6).
__________
(1) رواه أحمد ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (57) وفضل الصلاة برقم (13).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة برقم (847).
(3) قال الألباني : "إسناده مرسل جيد" فضل الصلاة (41).
(4) قال الألباني: "إسناده مرسل صحيح"، فضل الصلاة (ص43).
(5) رواه البزار موصولاً من حديث ابن مسعود، وصححه الألباني وقال: "إسناده مرسل صحيح" فضل الصلاة (ص25).
(6) فضل الصلاة (ص30) وقال الألباني: "صحيح".(1/137)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أَبخلَ الناس من ذكرت عنده فلم يصلي عليَّ"(1).
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى عليَّ أو سأل لي الوسيلة حقت عليه شفاعتي يوم القيامة"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله ولم يصلوا على نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إلا كان مجلسهم عليهم ترة يوم القيامة إن شاء عفا عنهم وإن شاء أخذهم"(3).
وعن محمد بن يحيى بن حبان عن أبيه عن جده: أن رجلاً قال: يا رسول الله! أجعلُ ثلث صلاتي عليك؟ قال: " نعم، إن شئت" ، قال: الثلثين؟ قال: " نعم" قال: فصلاتي كلها؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إذاً يكفيك ما همك من أمر دنياك وآخرتِك"(4).
النهي عن استبطاء الإجابة وقوله :
دعوت فلم يستجب لي
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُستجاب لأحدكُم ما لم يُعجلْ، فيقول: دَعوتُ فلم يُستَجَب لي".(5)
وفي رواية لمسلم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدْعُ بإثمٍ أو قطيعة رحمٍ، ما لم يَستَعجل".
قيل: يا رسول الله! ما الاستعجال؟ قال: "يقول: قد دَعَوت، وقد دَعوتُ، فلم يُستَجَب لي، فسَيَتحسر عند ذلك، ويَدَع الدُّعاء".
(فسيتحسر) أي: يملّ ويعي فيترك الدعاء.
__________
(1) قال الألباني: "صحيح" فضل الصلاة (ص37)، والترغيب (1684).
(2) وقال الألباني: "صحيح"، فضل الصلاة (ص50).
(3) وقال الألباني: "صحيح"، فضل الصلاة (ص54).
(4) رواه الطبراني بإسناد حسن، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1671).
(5) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6340)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم
(2735).(1/138)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يزال العبد بخير مالم يَستَعجِلُ؟ قال: "يقول قد دعوت ربِّي فلم يَستَجِب لي".(1)
النهي عن دعاء الانسان على نفسه
وولده وخادمه وماله
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تدعوا على أنفُسِكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاء، فيستَجيب لكم".(2)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاث دَعَوات لا شكّ في إجابتهنَّ، دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالِد على وَلَده".(3)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يتمنين أحدكم الموت من ضرٍّ أصابه، فإن كان لا بدّ فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي".(4)
النهي عن رفع المصلي رأسه إلى السماء
في الصلاة وقت الدعاء
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لينتهينَّ أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء أو ليخطفن أبصارهم".(5)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما بالُ أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟!"
فاشتد قوله في ذلك حتى قال: " لينتهين عن ذلك، أو لتخطفنَّ أبصارهم".(6)
__________
(1) رواه أحمد واللفظ له، وأبو يعلى، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (1650).
(2) رواه مسلم في كتاب الزهد والرقاق برقم (3009)، وابو داود، وابن خزيمة في "صحيحه" وغيرهم.
(3) رواه الترمذي وحسنه، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (1655).
(4) رواه البخاري (5671 – فتح)، ومسلم في الذكر والدعاء برقم (2680).
(5) سبق تخريجه.
(6) رواه البخاري.(1/139)
وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا ترفعوا أبصاركم إلى السماء، فتَلتمع، يعني في الصلاة".(1)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان أحدُكم في الصلاة، فلا يَرفعْ بَصَرَه إلى السماء، لا يُلتَمَعُ".(2)
(يلتمع بصره) بضم الياء المثناة تحت، أي: يذهب به.
وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لينتهين أقوامٌ يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لا ترجعُ إليهم".(3)
وفي رواية لأبي داود: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد، فرأى فيه ناساً يصلُّون، رافعي ابصارهم إلى السماء، فقال: "لينتهين رجالً يشخصون أبصارهم في الصلاة، أو لا ترجعُ إليهم أبصارهم".(4)
كتاب القرآن
ما جاء في فضل قراءة القرآن
قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } .(5)
وقال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } .(6)
إن من صفات المؤمنين أن يخشعون لذكر الله تعالى ويزدادون إيماناً مع إيمانهم بتلاوة القرآن الكريم وسماع آياته.
__________
(1) رواه ابن ماجة، والطبراني في"الكبير"، ورواه ابن حبان في "صحيحه". وصححه الألباني في الترغيب برقم (548).
(2) رواه الطبراني في "الأوسط" والنسائي، صحيح الترغيب (550).
(3) رواه مسلم.
(4) صحيح الترغيب (1/357).
(5) فاطر (29-35).
(6) الأنفال (2).(1/140)
وقال تعالى: { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } .(1)
وقال تعالى: { وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً } .(2)
وقال تعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } .(3)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه".(4)
الله سبحانه وتعالى يُشفِّع القرآن في أصحابه، وأصحاب القرآن هم الذين كانوا يتلونه ويقرؤونه في الدنيا ويعملون به ويكون حجة لمن يقرآه ويعمل به في الدنيا وكذلك يكون حجة على الذين يقرؤونه ولا يعملون به في الدنيا.
وعن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما".(5)
(تقدمه): تتقدمه.
تحاجان عن صاحبهما: تجادلان عن التالي لهما العامل بهما.
فالقرآن يكون شفيع لأصحابه يوم القيامة وثواب تلاوة وحفظ سورة البقرة وآل عمران وإنهما تحاجان عن صاحبهما.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول (ألم) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف".(6)
__________
(1) العنكبوت (45).
(2) الإسراء (45).
(3) الإسراء (82).
(4) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1871).
(5) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1873) والترمذي في كتاب فضائل القرآن برقم (2883).
(6) أخرجه البخاري.(1/141)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده".(1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق،
له أجران".
الماهر: أي الحاذق، والمراد هنا جودة التلاوة مع حسن الحفظ.
والمراد بالسفرة: الكتبة.
والبررة: أي المطيعين المطهرين من الذنوب.
يتتعتع فيه: أي الذي يتردد في تلاوته لضعف حفظه فله أجران: أجر بالقراءة وأجر بتتعتعه في تلاوته ومشقته.
وليس معناه: الذي يتتعتع عليه له من الأجر أكثر من الماهر به، بل الماهر أفضل وأكثر أجراً. شرح النووي (6/85)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا حسد إلا في اثنين: رجل علمهُ الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعهُ جارٌ له فقال: ليتني أُوتيتُ مثل ما أُوتي فلان، فعملتُ مثلَ ما يعمل، ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق، فقال رجلٌ: ليتني أُوتيتُ مثل ما أُوتيَ فلانٌ، فعمِلتُ مثلَ ما يَعْمَل".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسَجَد، اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله – وفي رواية: يا وَيْلي- أُمِرَ ابنُ آدَمَ بالسُّجُودِ فسَجَد فلَهُ الجنة، وأُمِرتُ بالسُّجود فأبَيْتُ فِلي النّار".(3)
السجدة: يعني: آية السجدة.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2699).
(2) رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5026).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (81).(1/142)
وعن جابر - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أُحد (يعني في القبر) ثم يقول: "أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟" فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد".(1)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم بها آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار".(2)
الآناء: الساعات.
قال العلماء: الحسد قسمان حقيقي ومجازي، فالحقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة، وأما المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى زوال النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها فإن كانت في أمور الدنيا كانت مباحة وإن كانت طاعة فهي مستحبة والمراد بالحديث: لا غبطة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين وما في معناهما.
وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".(3)
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "القرآن شافع مشفع وماحل مصدق من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار".(4)
__________
(1) رواه البخاري.
(2) أخرجه البخاري في كتاب العلم برقم (73) وفي كتاب التوحيد برقم (7529)، وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1891 و 1892 و 1893).
(3) رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5027).
(4) أخرجه ابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان عن جابر، صحيح الجامع برقم (4319).(1/143)
وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ القرآن وتعمله وعمل به ألبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثلُ ضوء الشمس ويُكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان: بما كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين ومن قرأ في ليلةٍ مائة آية كتب من القانتين".(2)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين".(3)
الله سبحانه وتعالى يرفع ذكر الذين يعملون بالقرآن في الدنيا والذين لا يعملون به يكونون في أدنى المنازل.
والله سبحانه من سعة رحمته وكرمه جل وعلا يضاعف الأجر للعباد فضلاً منه ونعمة وأن الأجر يقع على الحرف وأن الحسنات تتضاعف.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: والصواب أن يقال: إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدراً، وثواب كثرة القراءة أكثر عدداً فالأول: كمن تصدق بجوهرة عظيمة أو أعتق عبداً قيمته نفيسه جداً، والثاني: كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم أو أعتق عدداً من العبيد قيمتهم رخيصة وفي صحيح البخاري عن قتادة قال: سألت أنساً عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان يمد مداً. أ.هـ. زاد المعاد (1/252)
__________
(1) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ورواه أبو داود بالمعنى، المشكاة (2139).
(2) أخرجه ابن خزيمة والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، الترغيب (377).
(3) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1894) وابن ماجة في المقدمة باب فضل من تعلم القرآن وعلمه برقم (218).(1/144)
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر".(1)
خصت الأترجة بالتمثيل دون غيرها من الفاكهة التي تجمع طيب الطعام والريح كالتفاحة لأنه يتداوى بقشرها وهو مفرح بالخاصية ويستخرج من حبها دهن له منافع وفيها منافع أخرى، وقد ذكر ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى فوائد عديدة للأترج وقال: وحقيق بشيء هذه منافعه أن يشبه به خلاصة الوجود وهو المؤمن الذي يقرأ القرآن وكان بعض السلف يحب النظر إليه لما في منظره من التفريح. أ.هـ. زاد المعاد (4/230)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاث خلفات عظام سمان؟" قلنا نعم قال: "فثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفاتٍ عظام سمان".(3)
(الخلفات) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام: الحوامل من الإبل إلى أن يمضي عليها نصف أمدها ثم هي عشار والواحدة خلفة وعشراء.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5020 و 5059 و 7560)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1857).
(2) رواه البيهقي عن ابن مسعود، وهو في صحيح الجامع برقم (6165).
(3) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1869) وابن ماجة في كتاب الأدب
برقم (3782).(1/145)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول القرآن يا رب حلهِ فيلبس حلة الكرامة ثم يقول: يا رب زده فيلبس تاج الكرامة ثم يقول: يا رب ارض عنه فيرضى عنه فيقال له: اقرأ وارق ويزداد بكل آية حسنة".(1)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها".(2)
(ارتق): اصعد في درج الجنة بقدر ما حفظته من آي القرآن.
ومنازل المؤمنين تتفاوت في الجنة حسب أعمالهم واجتهادهم في الدنيا، وفيه فضيلة حفظ القرآن وترتيله وتكون منزلته بقدر ما حفظ من القرآن.
وعن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أبشروا فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبداً".(3)
وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ في يوم وليلة خمسين آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ مئة آية كتب من القانتين ومن قرأ مئتي آية لم يحاجه القرآن يوم القيامة ومن قرأ خمس مئة كتب له قنطار من الأجر".(4)
(لم يحاجه) أي: لم يخاصمه.
والقرآن يخاصم صاحبه من جهتين في التقصير في تعهده لأنه يؤدي النسيان وفي العمل به لأن فيه استهتار بحقه فمن ترك إحداها خوصم بها والله أعلم.
__________
(1) رواه الترمذي وحسنه وابن خزيمة والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"،
صحيح الجامع (8030).
(2) رواه أبو داود والترمذي برقم (2914) وابن ماجة (3780) وأحمد (2/192)، المشكاة
(2134)، صفة ( ص 125).
(3) أخرجه الطبراني عن جابر، السلسلة الصحيحة (713).
(4) رواه ابن السني، السلسلة الصحيحة (642 - 643 - 757).(1/146)
وفي رواية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ عشر آيات لم يكتب من الغافلين".
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن لله أهلين من الناس" قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته".(1)
قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، ولا ينبغي أن يكون جافياً ولا غافلاً ولا صخاباً ولا حديداً. (2)
صخاباً: الصخب: شدة الصوت.
الحديد: شديد الغضب.
وقال الفضيل رحمه الله: حامل القرآن حامل راية الإسلام، ولا ينبغي أن يلغو مع من يلغو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلهوا مع من يلهو، تعظيماً لله تعالى.
ولا ينبغي أن يكون له الى أحد حاجة، بل ينبغي أن تكون حوائج الناس إليه".(3)
ما جاء في فضل من تعلم القرآن
وعلمه لوجه الله تعالى
عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".(4)
فينبغي على كل من تعلم القرآن وكذلك على العالم أن يبذل علمه بعد تعلمه وفيه أجر عظيم أن يتعلم المرء القرآن ويعلمه لغيره ويبلغه.
وفي هذا الحديث تشريف لمن تعلم شيئاً من القرآن وعلمه ورفع منزلته بما تعلم.
__________
(1) رواه النسائي وابن ماجة والحاكم، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1432).
(2) مختصر منهاج القاصدين (ص 51).
(3) المصدر السابق.
(4) سبق تخريجه.(1/147)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يقول الصيام رب إني منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن رب إني منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان".(1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران".(2)
السفرة: هم الملائكة الرسل إلى الرسل صلوات الله عليهم، لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله، وقيل السفرة الكتبة.
والبررة: المطيعون من البر وهو الطاعة.
فالذي يداوم على قراءة القرآن ويحرص عليه أعظم من منزلة من لا يداوم على قراءته ومن يقرأ القرآن وهو شاق عليه فله أجران أجر على قراءته وآخر على مشقته وتعتعته.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقاً للملائكة السفرة لإتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى، قال: ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم.
__________
(1) رواه أحمد والطبراني والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/181): (رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجال الطبراني رجال الصحيح)، وقال في (10/381): "رواه أحمد وإسناده حسن على ضعف في ابن لهيعة وقد وثقه". وصححه العالمة الألباني في تمام المنة (ص 94)، والمشكاة (1963)، وصحيح الترغيب (973).
(2) أخرجه البخاري (4937) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1859).(1/148)
وعن عقبة بن عامر قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في الصُّفةِ فقال: "أيكم يحب أن يغدوا كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم؟" فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك قال: "أفلا يغدوا أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث واربع خير له من أربع ومن إعدادهن من الإبل؟"(1)
(بطحان) بضم الباء وإسكان الطاء: موضع بقرب المدينة.
والكوما من الإبل بفتح الكاف: العظيمة السنام.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده".(2)
فيه الحث على طلب العلم والاجتماع له ومذاكرته، وأشرف العلوم التي تُذاكر وتُدارس هي القرآن كتاب الله تعالى.
ومجالس العلم لها منزلة خاصة عند الله تبارك وتعالى بأن تنزل عليهم السكينة وتغشاهم الرحمة وتحفهم الملائكة، ويتوج ذلك كله بذكر الله لهم فيمن عنده، ولله ملائكة سياحين في الأرض يلتمسون حلق الذكر وهي مجالس العلم.
قال النووي رحمه الله تعالى: وفي هذا دليل لفضل الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد وهو مذهبنا ومذهب الجمهور.
قراءة سورة الفاتحة وفضلها
__________
(1) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1870) وابو داود في كتاب الصلاة برقم (1456).
(2) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6793) وأبو داود في كتاب الأدب (4946) وابن ماجة برقم (225).(1/149)
عن أبي سعيد الخدري قال: انطلق نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرةٍ سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحدٍ منكم من شيء. فقال بعضهم: نعم والله إني لأرقي ولكن استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلاً فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ (الحمد لله رب العالمين) فكأنما أنشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحهوهم عليه فقال بعضهم: اقسموا فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له ذلك فقال: "وما يدريك أنها رقية أصبتم أقسموا واضربوا لي معكم بسهم".(1)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وبالجملة فما تضمنته الفاتحة من إخلاص العبودية والثناء على الله وتفويض الأمر كله إليه والاستعانة به والتوكل عليه وسؤاله مجامع النعم كلها وهي الهداية التي تجلب النعم وتدفع النقم من أعظم الأدوية الشافية الكافية. أ.هـ. زاد المعاد (4/141)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطب برقم (5749)، ومسلم في كتاب السلام برقم (2201).(1/150)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج فهي خداج. قال: يا أبا هريرة إني إحيانا أكون وراء الإمام؟ قال: يا فارسي إقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل" إذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي فإذا قال: الرحمن الرحيم قال الله: أثنى علي عبدي فإذا قال: مالك يوم الدين قال الله: مجدني عبدي أو قال: فوض إلي عبدي فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل.
قال سفيان: دخلت على العلاء بن عبد الرحمن في بيته وهو مريض فسألته عن هذا الحديث فحدثني به. (1)
عن أبي سعيد بن المعلى - رضي الله عنه - قال: كنت أصلي بالمسجد فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أجبه ثم أتيته فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال: "ألم يقل الله تعالى { اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ } " ثم قال: "لأعلمنك سورة هي أعظم سورةٍ في القرآن قبل أن تخرج من المسجد" فأخذ بيدي فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله إنك قلت: لأعلمنك أعظم سورةٍ في القرآن قال: " { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } " هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيتُه".(2)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.
(2) رواه البخاري في كتاب التفسير برقم (4474).(1/151)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل –وفي رواية: فنصفها لي ونصفها لعبدي- فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين. قال الله: حمدني عبدي فإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي فإذا قال: مالك يوم الدين قال: مجَّدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سال فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل".(1)
وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: بينما جبريل عليه السلام قاعد عند النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع صوتاً نقيضاً من فوقه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم فسلم وقال: "أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطتيه".(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن وهي السبع المثاني وهي مقسومة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل".(3)
وعن انس - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسير فنزل، ونزل رجل إلى جانبه، قال: فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألا أخبرك بأفضل القرآن؟" قال: بلى فقال: "الحمد لله رب العالمين".(4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (395).
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1874) باب فضل الفاتحة، والنسائي في (عمل اليوم والليلة) (ص 438) وفي المجتبي كتاب الافتتاح.
(3) أخرجه الترمذي والنسائي، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع برقم (5436).
(4) ورواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في الترغيب (1454).(1/152)
قوله (نقيضاً): النقيض: هو الصوت. وقال النووي: أي صوتاً كصوت الباب إذا فتح.شرح النووي (6/91)
قراءة سورة البقرة وفضلها
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة".(1)
وعن أبي سعيد الخدري، عن أسيد بن حضير، وكان من الناس صوتاً بالقرآن قال: قرأت الليلة بسورة البقرة وفرسي مربوطة ويحيى ابني مضطجع قريباً مني وهو غلام فجالت جولة فقمت ليس لي هم إلا يحيى ابني فسكنت الفرس ثم قرأت فجالت الفرس فقمت ليس لي هم إلا ابني ثم قرأت فجالت الفرس فرفعت رأسي فإذا بشيء كهيئة المظلة فيها مثل المصابيح مقبل من السماء فهالني فسكنت فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فقال: اقرأ يا أبا يحيى قلت: قد قرأت يا رسول الله فجالت الفرس وليس لي هم إلا ابني فقال: اقرأ يا أبا يحيى قال: قد قرأت فرفعت رأسي فإذا كهيئة المظلة فيها مصابيح فهالني فقال: "ذلك الملائكة دنوا لصوتك ولو قرأت حتى تصبح لأصبح الناس ينظرون إليهم".(2)
وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه اقرأوا الزهراوين: البقرة وآل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيابتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرأوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة"(3).
قال معاوية: بلغني أن البطلة السحرة.
قال النووي رحمه الله تعالى: سميتا الزهراوين لنورهما وهداتيهما وعظيم أجرها.
(
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1821)، والترمذي في سننه أبواب فضائل القرآن.
(2) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن ومسلم في كتاب صلاة المسافرين.
(3) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1871).(1/153)
غمامتان) قال أهل اللغة: الغمامة والغيابة كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه من سحابة وغبرة وغيرها.
قال العلماء: المراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين.
وعن النواس بن سمعان الكلابي قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران".
وضرب لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال: "كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق أو كأنهما حِزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما".(1)
(الفرقان): بكسر الفاء وإسكان الراء.
(الحزقان): بكسر الحاء المهملة وإسكان الزاي. ومعناهما واحد وهما قطيعان وجماعتان يقال في الواحد فرق وحزق وحزيقة أي جماعة.
(أو ظلتان سوداوان بينهما شرق) بفتح الراء وإسكانها أي: ضياء ونور.
وعن ابن بريدة عن أبيه مرفوعاً: "تعلموا (البقرة) و (آل عمران) فإنهما الزهراوان يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غيايتان، أو فرقان من طير صوافَّ".(2)
قراءة آية الكرسي وفضلها
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1873) والترمذي في كتاب فضائل القرآن برقم (2883).
(2) رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم" وصححه الألباني في الترغيب (1466).(1/154)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه كان على تمر الصدقة فوجد أثر كف كأنه قد أخذ منه فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:تريد أن تأخذه؟ قل: من سخرك لمحمد - صلى الله عليه وسلم - قال أبو هريرة: فقلت فإذا جني قائم بين يديّ فأخذته لأذهب به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنما أخذته لأهل بيت فقراء من الجن ولن أعود قال: فعاد فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: تريد أن تأخذه؟ فقلت: نعم فقال: قل سبحان من سخرك لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقلت فإذا أنا به فأردت أن أذهب به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فعاهدني أن لا يعود فتركته ثم عاد فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: تريد أن تأخذه فقلت: نعم فقال: قل سبحان من سخرك لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقلت فإذا أنا به فقلت: عاهدتني فكذبت وعدت لأذهبن بك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: خل عني أعلمك كلمات إذا قلتهن لم يقربك ذكر ولا أنثى من الجن قلت: وما هؤلاء الكلمات؟! قال: آية الكرسي إقرأها عند كل صباح ومساء قال أبو هريرة: فخليت عنه فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: "أو ما علمت أنه كذلك".
وفي رواية فإنه لن يزال عليك من الله حافظا حتى تصبح قال "صدقك وهو كذوب ذاك الشيطان".(1)
وعن أُبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا أبا المنذر! آية من كتاب الله معك أعظم؟" قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "يا أبا المنذر! أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟" قال: الله لا إله إلا هو الحي القيوم. قال فضرب في صدري وقال: "والله ليهنك العلم أبا المنذر".(2)
__________
(1) رواه الترمذي عن أبي أيوب الأنصاري وقال: "حديث حسن غريب"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1469).
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1882)، وابو داود في كتاب الصلاة برقم (1460).(1/155)
قال النووي رحمه الله تعالى: إنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم لما جمعت من أصول الأسماء والصفات من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات والله اعلم. أ.هـ. شرح مسلم (6/333-334)
قراءة خواتيم سورة البقرة وفضلها
عن أبي مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه".(1)
(كفتاه): قيل معناه: كفتاه من قيام الليل وقيل من الشيطان وقيل من الآفات ويحتمل من الجميع.
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده جبريل عليه السلام إذ سمع نقيضاً فوقه فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: هذا الباب قد فتح من السماء ما فتح قط قال: فنزل ملك فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفاً منه إلا أعطيته".(2)
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فضلنا على الناس بثلاث جعلت الأرض كلها لنا مسجداً وجعلت تربتها لنا طهوراً وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وأوتيت هؤلاء الآيات آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يُعط منه أحد قبلي ولا يعطي منه أحد بعدي".(3)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن ومسلم في كتاب صلاة المسافرين باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة.
(2) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين والنسائي في (عمل اليوم والليلة) وفي (المجتبى) كتاب الافتتاح والحاكم في المستدرك (1/558).
(3) رواه مسلم في أول كتاب المساجد مواضع الصلاة، وأحمد في مسنده برقم (5/383).(1/156)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنز الذي تحت العرش فتعلموهن وعلموهن نساءكم وأبناءكم فإنهما صلاة وقرآن".(1)
قراءة سورة الكهف وفضلها
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ الكهف كما أنزلت كانت له نوراً يوم القيامة من مقامه إلى مكة ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يسلط عليه ومن يتوضأ ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة"(2).
ورواه النسائي وقال في آخره: "ختم عليها بخاتم فوضعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة".
وعن البراء قال: كان رجل يقرأ بسورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنوا وجعل فرسه ينفر منها فلما أصبح أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له فقال" "تلك السكينة تنزلت للقرآن"(3)
(شطن): هو الحبل الطويل المضطرب وشطن تثنية شطنين.
وقال النووي رحمه الله تعالى: وفي هذا الحديث جواز رؤية آحاد الملائكة وفيه فضيلة القراءة وأنها سبب نزل الرحمة وحضور الملائكة وفيه فضيلة استماع القرآن.
__________
(1) أخرجه الحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري"، المشكاة (2173).
(2) أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني، الصحيحة (582)، الترغيب (218).
(3) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5011) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1853).(1/157)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين".(1)
نص الشافعي على استحباب قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة ويوم الجمعة.
وعن ابي الدرداء - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال".(2)
قيل سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات فمن يتدبرها لم يفتتن بالدجال وكذا في آخرها قوله تعالى { أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي } .
وفي رواية لمسلم: "من آخرِ سُورةِ الكَهف".(3)
قراءة سورة تبارك وفضلها
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من القرآن سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي تبارك الذي بيده الملك".(4)
__________
(1) أخرجه النسائي والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وأخرجه أبو سعيد الدارمي في مسنده موقوفاً على أبي سعيد إلا أنه قال: "من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة اضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق". و صححه العلامة الألباني في صحيح الجامع برقم (6346) والإرواء برقم (619).
(2) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1880) وأبو داود في كتاب الملاحم برقم
(4323) والترمذي في كتاب فضائل القرآن برقم (2886) وأحمد في مسنده (6/446
و 449) والنسائي في (عمل اليوم والليلة) ص 527.
(3) صحيح مسلم (1/556).
(4) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة برقم (2891) والترمذي في كتاب فضائل القرآن
(2891) وقال: (حديث حسن)، وأخرجه النسائي في كتاب التفسير من الكبرى (624) وفي (عمل اليوم والليلة) (710) وابن ماجة في الأدب (3786) والحاكم في المستدرك (2/497 - 498) وفيه: (ما هي إلا ثلاثون آية) وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1474).(1/158)
فيه فضيلة سورة الملك وأن كتاب الله يشفع لمن يقرأه ويعمل به.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ضرب بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله ضربت خباءي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر".(1)
ما جاء في قل هو الله أحد وفضلها
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن" قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: "قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن".
وفي رواية "إن الله عز وجل جزأ القرآن بثلاثة أجزاء فجعل (قل هو الله أحد) جزءاً من أجزاء القرآن".(2)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: (قل هو الله أحد) يرددها فلما أصبح جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له وكان الرجل يتقالها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن".(3)
وعن أنس - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أحب هذه السورة قل هو الله أحد، قال: "إن حبها أدخلك الجنة".(4)
فيه إثبات ثواب وفضل سورة الإخلاص وأنها تعدل ثلث القرآن وأنه يدخل صاحبها الجنة.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب فضائل القرآن (2890) وقال: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه". وضعفه الشيخ الألباني في سنن الترمذي برقم (2890).
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (811).
(3) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم (5013).
(4) أخرجه البخاري تعليقاً ووصله الترمذي (2901) من طريقه عن إسماعيل بن ابي أويس.(1/159)
قال عبد الله بن خبيب: خرجنا في ليلة مطرٍ و ظلمةٍ شديدة نطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصلي لنا فأدركناه فقال: قل فلم أقل شيئاً ثم قال "قل" فلم اقل شيئا قال "قل" قلت يا رسول الله: ما أقول؟ قال: "قل هو الله أحد" والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات يكفيك من كل شيء".(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له بيتاً في الجنة".(2)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن" فحشد من حشد ثم خرج نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ: (قل هو الله أحد) ثم دخل فقال بعضنا لبعض: إني أرى هذا خبر جاءه من السماء فذاك الذي أدخله ثم خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إني قلت لكم: سأقرأ عليكم ثلث القرآن إلا أنها تعتدل ثلث القرآن".(3)
قال المازري: قيل معناه: أن القرآن على ثلاثة أنحاء قصص وأحكام وصفات لله تعالى. وقل هو الله أحد متمحضة للصفات فهي ثلث وجزء من ثلاثة أجزاء وقيل: معناه أن ثواب قراءتها يضاعف بقدر ثلث قراءة ثلث القرآن بغير تضعيف.
قوله (احشدوا) أي: اجتمعوا.
وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلاً على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ (قل هو الله أحد) فلما رجعوا ذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "سلوه لأي شيء يصنع ذلك" فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أخبروه أن الله يحبه".(4)
__________
(1) صحيح الكلم الطيب (31).
(2) الصحيحة (589)، المشكاة (2185).
(3) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1885) والترمذي في كتاب فضائل القرآن برقم (2900)
(4) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7375)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (1887).(1/160)
وفي رواية للبخاري من حديث أنس: فقال: يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة فقال: إني أحبها فقال: "حبك إياها أدخلك الجنة".
فضل قراءة الزلزلة وما يذكر معها
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا زلزلت تعدل نصف القرآن"، و "قل هو الله أحد" تعدل ثلث القرآن، و "قل يا أيها الكافرون" تعدل ربع القرآن".(1)
المعوذتان وفضلهما
عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنزلت عليَّ آيات لم ير مثلهن قط المعوذتين".(2)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وفي المعوذتين الإستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلاً فإن الإستعاذة من شر ما خلق تعم لك شر يستعاذ منه سواء كان في الأجسام أو الأرواح.
وقال رحمه الله تعالى: فقد جمعت السورتان الإستعاذة من كل شر ولهما شأن عظيم في الإحتراس والتحصن من الشرور قبل وقوعها ولهذا أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - عقبة بن عامر بقراءتها عقب كل صلاة، ذكره الترمذي في جامعه(3)
وقال في هذا سر عظيم في استدفاع الشرور من الصلاة إلى الصلاة وقال: ما تعوذ المعوذون بمثلهما. أ.هـ. زاد المعاد (4/143)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اقرأ يا جابر!" فقلت: وما أقرأ بأبي أنت وأمي؟ قال: (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس).
__________
(1) رواه الترمذي والحاكم كلاهما عن يمان بن المغيرة العنزي، وحسنه الألباني في الترغيب (1477).
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين، برقم (1889) وأحمد في مسنده (3/150 و 153) والدارمي في سننه والترمذي في أبواب فضائل القرآن.
(3) أخرجه الترمذي في أبواب فضائل القرآن (2912). وضعفه الألباني في سنن الترمذي برقم (2912).(1/161)
فقرأتهما فقال: "أقرأ بهما ولن تقرأ بمثلهما".(1)
كتاب
البيوع وغيرها
النصيحة في البيع وغيره
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا"(2).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ على صبرة طعامٍ فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: " ما هذا يا صاحب الطعام ؟ قال أصابته السماء يا رسول الله قال" أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ؟من غشنا فليس منا"(3).
وعن تميم الداري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الدين النصيحة" قلنا: لمن يا رسول الله ؟ قال: " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"(4).
وعن زياد بن علاقة قال: سمعت جرير بن عبد الله يقول يوم مات المغيرة بن شعبة :أما بعد فإني أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : أبايعك على الإسلام فشرط عليَّ : "والنصح لكل مسلم" فبايعتهُ على هذا وربِّ هذا المسجد إني لكم لناصح"(5).
تحريم الخيانة في النصيحة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أُفتي بغير علم؛ كان إثمه على من أفتاه، ومن أشار على أخيه بأمر، يعلم أن الرشد في غيره، فقد خانه".(6)
ما يقول إذا دخل السوق
__________
(1) رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الألباني: (حسن صحيح) الترغيب (1486).
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (101).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان(102).
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (194)، وأبو داود في كتاب الأدب برقم (4944).
(5) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (58).
(6) أبو داود وغيره، وهو في "المشكاة" برقم (242).(1/162)
عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" من دخل السوق فقال: لا إله إ لا الله وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير، وهو على كل شيءٍ قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة "(1).
وفي رواية (وبنى له بيتاً في الجنة ) وفيه من الزيادة : قال الرواي (فقدمت خراسان فأتيت قتيبة بن مسلم فقلت : أتيتك بهدية فحدثته بالحديث فكان قتيبة بن مسلم يركب في موكبه حتى يأتي السوق فيقولها ثم ينصرف"(2).
وفي رواية عن بريدة - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل السوق قال: باسم الله إني أسألك خير هذه السوق وخير ما فيها، وأعوذُ بك من شرها وشر ما فيها، اللهمّ إني أعُوذ بك أن أُصيب فيها يمينا فاجرةً، أو صفقةً خاسرة".(3)
قوله: "خير هذه السوق": أي ذاتها أو مكانها.
وقوله: "شرها": أي في ذاتها أو مكانها لكونه مكان إبليس.
وقوله: "وشر ما فيها": اي مما يشغل عن ذكر الرب سبحانه وتعالى، أو ما يقع في السوق من غش وخيانة وما شابه ذلك.
ما جاء في الشرط
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط"(4).
ما جاء في كلمات يقولها في قضاء الديَّن
والمهموم والمكروب والمأسور
__________
(1) صحيح الترمذي (2726) والكلم (229) والمشكاة (2431) وقال الألباني في الترغيب: :حسن لغيره"، برقم (1694).
(2) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين من طرق كثيرة . صحيح الجامع رقم
(6231).
(3) رواه الحاكم في المستدرك، وانظر المشكاة (2456).
(4) رواه البخاري (كتاب البيوع)، وسملم (كتاب العتق).(1/163)
عن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال: " يا أبا أُمامة مالي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة" ؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله ، قال: " أفلا أُعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟" قلت: بلى يا رسول الله ، قال: " قل إذا أصبحت وإذا أمسيت : اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال " قال: فقلتهن، فأذهب الله همي وقضى عني ديني"(1).
وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قال في كل يوم حين يصبح وحين يمسي: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو ربُّ العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة"(2).
وعن علي - رضي الله عنه - ، أن مكاتباً جاءه فقال: إني قد عجزت عن مكاتبتي فإعني. قال: ألا أُعلمك كلماتٍ علمنيهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو كان عليك مثل جبل (صبير) ديناً أداه الله عنك؟ قل: (اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك"(3).
(صُبير) هو بالصاد المهملة : اسم جبل باليمن. قاله في "النهاية".
__________
(1) أخرجه أبو داود في آخر كتاب الصلاة برقم (1555) من طريق احمد بن عبيد الله الغداني. وضعفه الألباني في سنن أبي داود برقم (1555).
(2) أخرجه ابن السُني في " عمل اليوم والليلة " برقم (71) من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - . وأبو داود في الأدب برقم (5081) موقوفاً على أبي الدرداء - رضي الله عنه - .
(3) رواه الترمذي واللفظ له وقال: (حديث حسن غريب)، والحاكم وقال : (صحيح الإسناد) ، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1820).(1/164)
و عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أصاب أحداً قط همٌّ ولا حَزَن فقال: " اللهم إني عبدك وابن عبدك ، وابن أمتك ، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك ، عدلٌ فيَّ قضاؤك ، أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري ، وجلاء حزني، وذهاب همي".
إلا أذهب الله عز وجل هَمَّهُ، وأبدَلَهُ مكان حزنِهِ فرحاً" قالوا: يا رسول الله! ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات ؟ قال: " أجل : ينبغي لمن سَمِعَهُنَّ أن يتعلمَهُنَّ"(1).
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت : " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" فإنه لم يدعُ بها رجلٌ مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له"(2).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب: " لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله ربّ العرش العظيم ، لا إله إلا الله ربُّ السماوات والأرض وربّ العرش الكريم"(3).
النهي عن إنفاق السلعة بالحلف الكاذب
__________
(1) رواه أحمد والبزار وأبو يعلى وابن حبان في "صحيحه" والحاكم وكلهم عن أبي سلمة الجهني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود وقال الحاكم: "صحيح على شرط ====
= مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن عن أبيه"، وصححه الألباني في " الصحيحة برقم
(199) والترغيب برقم (1822).
(2) رواه الترمذي واللفظ له ، والنسائي والحكم وقال: "صحيح الإسناد" وصححه الألباني في الترغيب برقم (1826).
(3) رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (6346) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم
(2730).(1/165)
عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدق البيعان وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ربحاً ويمحقا بركة بيعهما اليمين الفاجرة منفقة للسلعة ممحقة للكسب".(1)
منفقة: بفتح الميم والفاء بينهما نون، وهو الرواج ضد الكساد، محقه من المحق وهو النقص والإبطال.
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" قال: فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات فقلت: خابوا وخسروا ومن هم يا رسول الله. قال: "المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم: رجل على فضل ماء بفلاةٍ يمنعه ابن السبيل ورجل بايع رجلاً سلعةٍ بعد العصر فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه فأخذها وهو على غير ذلك ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها ما يريد وفى له وإن لم يعطه لم يف".
وفي رواية نحوه وقال: "ورجل حلف على سلعته لقد أعطي بها أكثر مما أعطى وهو كاذب ورجل حلف على يمين كاذبةً بعد العصر ليقتطع بها مال امرئٍ مسلم ورجل منع فضل ماءٍ فيقول الله عز وجل له: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك".(3)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2114)، ومسلم في كتاب البيوع برقم (1532).
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (106).
(3) رواه البخاري في كتاب المساقاة برقم (2358)، وفي كتاب الشهادات برقم (2672) وفي كتاب التوحيد برقم (7446) وفي الأحكام برقم (7212)، ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (108).(1/166)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب".(1)
ومعنى الحديث: إن اليمين الكاذبة على البيع تروج السلعة وتنفقها ولكنها تذهب البركة منها.
وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق".(2)
النهي من اليمين الغموس
قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .(3)
سميت غموس: لأنها تغمس الحالف في الإثم وقيل تغمسه في النار.
عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس".(4)
وفي رواية في البخاري أيضا: أن أعرابياً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! ما الكبائر. قال: "الإشراك بالله".
قال: ثم ماذا؟ قال: "اليمين الغموس".
قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: "الذي يَقتَطع مال امرئٍ مسلمٍ -يعني- بيمين هو فيها كاذبٌ".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لقي الله لا يشرك به شيئاً، وأدى زكاة ماله طيبة بها نفسه محتسباً، وسمع وأطاع، فله الجنة -أو دخل الجنة-.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2114)، ومسلم في كتاب البيوع برقم (1532).
(2) رواه مسلم في كتاب المساقاة برقم (1607).
(3) آل عمران (77).
(4) رواه البخاري في كتاب "الإيمان" رقم (6675).(1/167)
وخمس ليست لهن كفارة: الشركُ بالله، وقتلُ النفس بغير حقٍّ، وبَهْتُ مؤمنٍ، والفرار من الزَّحف، ويمينٌ صابرة يُقتطعُ بها مالٌ بغير حقٍّ".(1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب".(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان فقال الله تعالى: من ذا الذي
يتألى عليّ أني لا أغفر لفلان قد غفرت له وأحبطت عملك".(3)
يتألى: يحلف.
وعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف بغير الله فقد كفر" وفي لفظ "فقد أشرك".(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف علي يمين ليقطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان". قيل وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال: "وإن كان قضيباً من أراك".(5)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله".(6)
__________
(1) رواه أحمد، صحيح الترغيب (1836).
(2) رواه مسلم في كتاب "الإيمان" (106) وابو داود في كتاب "اللباس" (4087) والترمذي "البيوع" (1211) والنسائي في كتاب "البيوع" (7/245).
(3) رواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2621).
(4) أخرجه الترمذي في "أبواب الإيمان والنذور" برقم (5335) والحاكم في "المستدرك" (1/18) والطيالسي (1896) وأحمد (2/34 و 86 و 125) وأبو داود (3251) والبيهقي (10/2/) ==
== = والطحاوي في "مشكل الآثاب" (1/359) وابن حبان (1177 - موارد) وأبو نعيم "ذكر أخبار أصبها" (2/141)، والحديث صححه الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص، وحسنه الترمذي. وصححه الألباني في سنن أبي داود برقم (3251).
(5) رواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (137 و 139)، والنسائي في كتاب "القضاء" (8/46).
(6) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6107)، ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (1647).(1/168)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحلف عبد عند هذا المنبر على يمين آثمة ولو على سواك رطب إلا وجبت له النار".(1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت"(2).
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلفَ على مال امرئ مسلمٍ بغير حقهِ، لَقيَ الله وهو عليه غضبان"
قال عبد الله: ثمَّ قرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصداقَهُ من كتاب الله عزَّ وجلَّ { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانِهم ثمناً قليلاً } إلى آخر الآية".
زاد في رواية بمعناه قال: فَدَخل الأشعثُ بن قيس الكنديِّ فقال ما يحدثكم ابو عبد الرحمن. فقلنا: كذا وكذا. قال: صدَقَ أبو عبد الرحمن، كان بيني وبين رجلٍ خصومةٌ في بئرٍ، فاختصَمْنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "شاهداك أو يمينه".
قلت: إذاً يحلف ولا يبالي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلفَ على يمين صبر يُقتطعُ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ هو فيها فاجرٌ، لقيَ الله وهو عليه غضبانٌ، ونَزَلت: { إنّ الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً } إلى أخر الآية".(3)
__________
(1) أخرجه ابن ماجة في كتاب "الأحكام" (2326)، وأحمد في "المسند" (2/329 و 515)، والحاكم في "المستدرك" (4/297) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين فإن حسن بن يزيد هذا هو أبو يونس العابد ولم يخرجاه"، وقال الذهبي في "التلخيص": "صحيح فأجاد لأنه ليس على شرط الشيخين كما قال الحاكم فإن أبا يونس هذا لم يخرج له من الستة سوى ابن ماجة". وصححه العلامة الألباني في سنن ابن ماجة برقم (2326).
(2) "السلسلة الصحيحة" (1/131) و (3/155)، "المشكاة" (3419).
(3) رواه البخاري في كتاب المساقاة برقم (2356، 2357) وفي كتاب الرهن رقم (2515، 2516)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (138).(1/169)
يمين الصبر: هي التي تلزم وتجبر عليها حالفها.
وعن وائل بن حجر - رضي الله عنه - قال: جاء رجلٌ مِنْ (حَضرَمَوت) ورجلٌ من كِندَة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال الحَضرَميُّ: يا رسول الله! إنَّ هذا قد غلبني على أرضٍ كانت لأبي. فقال الكنديُّ: هي أرضي في يدي، أزرعُها، ليست له فيها حقٌ. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للحضرمي: "ألك بيِّنة؟" قال: لا. قال: "فلك يمينُه". قال: يا رسول الله! إن الرجل فاجرٌ لا يبالي على ما حَلَف عَليهِ، وليس يَتَورع عن شيءٍ، فقال: "ليس لك منه إلا يمينُه". فانطلق ليَحلِف فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أدبر: "لئن أحلف على مالٍ ليأكله ظُلماً، ليلقيَّنَّ الله وهو عنه مُعرِض".(1)
أفاد الخطابي قال: فيه دليل على أن اليمين إنما كانت في عهده - صلى الله عليه وسلم - عند منبره - صلى الله عليه وسلم - ولولا ذلك لم يكن لإنطلاقه في مجلسه - صلى الله عليه وسلم - وإدباره عنه معنى.
وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلَف على يمينٍ مصبورةٍ كاذبَةٍ، فليتبوّأ مقعَدَه من النار".(2)
قال الخطابي: "اليمين المصبورة: هي اللازمة لصاحبها من جهة الحكم، فيصبر من أجلها إلى أن يحبس، وهي يمين الصبر، وأصل الصبر الحبس، ومنه قولهم: قُتل فلان صبراً، أي: حبساً على القتل، وقهراً عليه. أ.هـ.(3)
وعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منِ اقتَطَع حقَّ امرئٍ مسلمٍ بيمينه، فقد أوْجَبَ الله له النار، وحرَّم عليه الجنَّة".
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (139)، وأبو داود والترمذي.
(2) رواه أبو داود والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1837).
(3) "معالم السنن" (4/355).(1/170)
قالوا: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ فقال: "وإن كان قضيباً من أراكٍ".(1)
ورواه مالك، إلا أنه كرر: "وإن كان قضيباً من أراكٍ -ثلاثاً-".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحلفُ عند هذا المِنبر عبدٌ ولا أمةٌ على يمينٍ آثمةٍ ولو على سواكٍ رَطْبٍ، إلا وجَبَت له النار".(2)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مَنْ حَلَفَ على يمينٍ آثمةٍ عند منبَري هذا، فليَتَبوَّأ مقعَده من النار، ولو على سِواك أخضر".(3)
وهذان الحديثان استدل بهما أبو عبيد الخطابي كذلك: على أن اليمين كانت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند المنبر.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "كنا نعد من الذنب ليست له كفارة، اليمينَ الغموسً. قيل: وما اليمين الغموس؟ قال: الرجل يقتَطعُ بيمينه مال الرجُل".(4)
وعن عبد الله بن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أكبر الكبائر، الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، والذي نفسي بيده لا يحلِفُ رجلٌ على مثلِ جَناحٍ بعوضةٍ، إلا كانت نُكتةً في قلبه يوم القيامة".(5)
ورواه البيهقي إلا أنه قال فيه: "وما حلفَ حالفٌ بالله يمين صَبرٍ، فأدخل فيها مثل جناح البعوضة إلا كانت نُكتةً في قلبه يوم القيامة".
كتاب
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (137)، والنسائي، وابن ماجة.
(2) رواه ابن ماجة وقال الألباني: "صحيح" الترغيب (1842).
(3) رواه ابن ماجة -واللفظ له- وابن حبان في "صحيحه" لم يذكر السواك، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1843).
(4) رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما" وصححه الألباني في الترغيب (1833).
(5) رواه الترمذي وحسنه، والطبراني في "الأوسط" وابن حبان في "صحيحه" واللفظ له، صححه العلامة الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (3364).(1/171)
الطعام وغيره
ما يقول إذا فرغ من الطعام
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تعالى ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها"(1).
فيه أن الذي يحمد الله بعد الأكل أو الشرب سبب لرضاء الله سبحانه وتعالى وقد جاءت صفة التحميد في البخاري" الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا ، وجاء غير ذلك ولو اقتصر على الحمد حصل أصل السنة.
وعن معاذ بن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أكل طعاماً فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه(2).
ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع
وما جاء في لعق الأصابع
عن وحشي بن حرب - رضي الله عنه - أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع قال: "فلعلكم تفترقون" قالوا: نعم. قال: " فاجتمعوا على طعامكم واذكروا إسم الله يُبارك لكم فيه"(3).
الفرقة تسلب البركة والاجتماع يورث الشبع والبركة.
الشيطان قادر على الفرد وإيقاعه في مصايده ومكايده لأنه يأكل من الغنم القاصية وأما الجماعة فهو بعيد من النيل منها لأن يد الله على الجماعة.
وذكر إسم الله عند الأكل واجب وهو محصل للبركة المرجوة بتكثير الطعام.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6868)، والترمذي في الأضحية برقم (1816).
(2) رواه أبو داوود والترمذي وابن ماجه، صحيح أبي داوود(3261).
(3) أخرجه أبو داوود برقم (3764) وابن ماجه برقم (3286) وأحمد (3/501) وغيرهم من طريق الوليد بن مسلم، وقال الألباني: "حسن لغيره"، الترغيب (2128)، المشكاة (4252).(1/172)
قيل للإمام أحمد : أيما أحب إليك يعتزل الرجل في الطعام أو يرافق؟ قال: يرافق، هذا أرفق يتعاونون، وإذا كنت وحدك لم يمكنك الطبخ ولا غيره، ولا بأس بالنهد، قد تناهد الصالحون، كان الحسن إذا سافر ألقى معهم، ويزيد أيضاً بقدر ما يلقي، يعني في السر. أ.هـ الآداب الشرعية (3/182)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه"(1).
عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال: " إنكم لا تدرون في أيها البركة"(2)
وفي رواية له: "إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة"(3).
وفي رواية "إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى فليأكلها ولا يدعها للشيطان فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة" (4).
لعق : لحس.
فليمط: فلينح وليزل.
البركة : الخير الكثير.
من أذى: من غبار أو تراب أو وسخ.
الطعام: الذي يأكله الإنسان فيه بركة ولا يدري أين هي.
فضل التسمية على الطعام
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل طعاماً في ستةٍ من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أما إنه لو سمى لكفاكم"(5).
__________
(1) أخرجه أبو داوود برقم (3772) والترمذي (1805) وابن ماجه (3277) وصححه الألباني في الترغيب برقم (2123).
(2) رواه مسلم في كتاب الاشربة برقم (5268).
(3) رواه مسلم في كتاب الأشربة رقم (5269).
(4) رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (5271).
(5) رواه ابن حبان والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، صححه الألباني في الترغيب برقم (2107).(1/173)
وعن جابر - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء" وإذا دخل الرجل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان : أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال الشيطان: أدركتم المبيت والعشاء"(1).
كل ما يذكر إسم الله عليه ييأس الشيطان منه فإذا غفل حلَّ فيه غفلته ونال مراده منه، والشيطان يبيت في البيوت التي لم يذكر الله تعالى فيها ويأكل من طعام أهلها إذا لم يذكروا إسم الله عليها.
وعن أمية بن مخشي الصحابي - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً ورجل يأكل فلم يُسمِ حتى لم يبقَ من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله أوله وآخره فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه"(2).
الشيطان يشارك في طعام من لم يذكر إسم الله عليه إن ذكر الله على الطعام ولو لم يبق منه إلا جزء يسير يحرم الشيطان من كل ما كان قد أكل قبل.
قال ابن القيم رحمه الله : وللتسمية في أول الطعام والشراب، وحمد الله في آخره تأثيرٌ عجيب في نفعه واستمرائه ، ودفع مضرته. قال الإمام أحمد: إذا جمع الطعام أربعاً فقد كمل: إذا ذكر اسم الله في أوله، وحُمد الله في آخره، وكثرت عليه الأيدي، وكان من حِل"(3).
__________
(1) رواه مسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد (3/346 و383) والبخاري في الأدب المفرد(1096).
(2) رواه أبو داوود والنسائي ، المشكاة(4203) والكلم (183) ، والرياض (735).
(3) زاد المعاد (4/232).(1/174)
وفائدة التسمية قبل الطعام أنه يحرم الشيطان من المشاركة في الأكل والإصابة منه، فعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: كنا إذا حضرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيضع يده، وإنا حضرنا معه مرة طعاماً فجاءت جارية كأنها تُدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يُدفع فأخذ بيده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الشيطان يستحلُّ الطعام أن لا يُذكر إسم الله عليه، وإنه جاء بهذه الجارية يستحل بها، فأخذت بيدها. فجاء بهذا الأعرابي يستحلُّ به، فأخذتُ بيده، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها"(1).
ولفظ التسمية أن يقول الآكل : " بسم الله " فعن عمرو بن أبي سلمة رضي الله عنهما، قال: كنتُ غلاماً في حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "يا غلام سم الله، وكل بيمينك ، وكل مما يليك" فما زالت تلك طِعمتي بعد"(2).
??????
كتاب النكاح
النهي عن الغناء والموسيقى
قال الله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } (3).
وقال تعالى: { وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } (4).
(لهو الحديث) فسره ابن عباس بأنه الغناء وكذلك ابن مسعود حيث قال: والذي لا إله إلا هو لهو الغناء.
والمكاء والتصدية: هو التصفيق والصفير.
__________
(1) رواه مسلم برقم (2017) وأحمد برقم (22738) أبو داوود برقم (3766).
(2) رواه البخاري برقم(5376) واللفظ له، ومسلم برقم (2022).
(3) لقمان (6) .
(4) الأنفال (35) .(1/175)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة وصوت عند مصيبة"(1).
وصح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الربيع البقل".
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير
والخمر والمعازف"(2).
(الحِرَ) هو الفرج والزنا به.
( المعازف ) اسم لآلات اللهو والطرب .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تعالى حرم على أمتي الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وكل مسكر حرام"(3).
(الكوبة): هو الطبل الصغير وهو آلة من آلات الطرب.
وقال رسول - صلى الله عليه وسلم - : "إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء" فذكر منها: "إذا اتخذت القينات والمعازف"(4).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الجرس مزمار الشيطان"(5) .
وقال أبو سعيد الخدري: بينما كنا نسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عرض شاعر نشيد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خذوا الشيطان أو أمسكوا الشيطان، لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً"(6).
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى معلم أولاده: ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن فقد بلغني عن الثقات من أهل العلم أن صوت المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب على الماء.
الشعر حسن كحسن الكلام ومنه قبيح
__________
(1) رواه الترمذي وإسناده حسن .
(2) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم، ووصله الطبراني والبيهقي وابن عساكر وغيرهم، انظر الصحيحة برقم (91).
(3) رواه أحمد في مسنده وأبو داود عن عبدالله بن عمر، صحيح الجامع برقم (1747) و
(1748).
(4) رواه الترمذي عن علي - رضي الله عنه - ، ضعيف الجامع برقم (608).
(5) رواه مسلم .
(6) رواه مسلم .(1/176)
قال الله تبارك وتعالى: { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } .(1)
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الشعر بمنزلة الكلام، حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام".(2)
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن أعظم الناس عند الله فرية لرجل هاجى رجلاً فهجا القبيلة بأسرها".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن يمتلئ جوف رجل قيحاً يريه خيرٌ له من أن يمتلئ شعراً".(4)
(يريه): أي حتى يغلبه فيشغله عن القرآن، وعن ذكر الله. "فيض القدير"
قال عليه الصلاة والسلام: "إن من الشعر حكمة".(5)
عن مالك عن أبيه - رضي الله عنه - أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أن الله عز وجل قد انزل في الشعر ما أنزل. فقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضحُ النبْل".(6)
__________
(1) الشعراء: (224-227).
(2) السلسلة الصحيحة رقم )448)، صحيح الأدب المفرد برقم (336).
(3) أخرجه ابن ماجه وغيره وانظر: "السلسلة الصحيحة" في تخريج وتحقيق حديث رقم
(762)، صحيح الأدب المفرد (340).
(4) رواه البخاري (كتاب الأدب).
(5) رواه البخاري (8/42) (كتاب الأدب).
(6) أخرجه أحمد وغيره، وانظر "السلسلة الصحيحة" برقم (1631).(1/177)
فقد علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الاستعاذة أن نقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه".(1)
التحذير من إفساد المرأة على زوجها
والعبد على سيده
عن بُريدةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليسَ منّا مَنْ حلَف بالأمانَةِ، ومن خَبَّبَ على امْرئٍ زوجتَه أوْ مَمْلوكَه فليسَ مِنَّا"(2).
(خَبَّبَ) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى، معناه: خدع وأفسد.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس منا من خبب امرأةً على زوجها أو عبداً على سيِّدهِ"(3).
ورواه ابن حبان في "صحيحه" ولفظه: "من خبب عبداً على أهله فليس منا، ومن أفْسَد امرأةً على زوجها فليس منا".
وعن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ إبليسَ يضَعُ عرشَه على الماءِ، ثم يبعثُ سراياه، فأدْناهُم منه منزِلةً أعظمهم فتنةً، يجيءُ أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا. فيقولُ: ما صنعتَ شيئاً. ثم يجئُ أحدُهم فيقولُ: ما تركْتُه حتى فَرَّقْتُ بينه وبينَ امْرأَتِهِ! فيُدْنيهِ منه ويقولُ: نعم أنتَ. فيلْتَزِمُه "(4).
قوله: "فيلتزمه": أي يضمه إلى نفسه ويعانقه.
نهي المرأة عن نعت المرأة لزوجها
__________
(1) رواه أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم وصححه هو ابن حبان والذهبي كما في "صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - " ص 89.
(2) رواه أحمد واللفظ له ـ والبزار وابن حبان في "صحيحه" . وصححه الألباني، الترغيب (2013).
(3) رواه أبو داود وهذا أحد ألفاظه ـ والنسائي. وقال الألباني "صحيح" الترغيب (2014).
(4) رواه مسلم في كتاب صفات المنافقين برقم (2813).(1/178)
نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - المرأة عن أن تصف المرأة لزوجها كأنه يراها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها".(1)
وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الزنى كذلك يقع على الجوارج من خلال النظر، والتفكر، والنطق، والسمع، والبطش، والمشي حيث يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : "لكل ابن آدم حظه من الزنا، فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والأذنان زناهما الاستماع واليدان يزنيان فزناهما البطش والرجلان تزنيان فزناهما المشي والفم يزني وزناه القبل".(2)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوي ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه".(3)
التحذير من إفشاء السّر سيما ما كان بين الزوجين
عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من شر الناسِ عند الله منزلة يوم القيامة، الرجلَ يُفضي إلى امرأتِهِ أو تفضي إليه، ثم ينشُرُ أحدُهما سِرَّ صاحبه"(4).
وفي رواية: "إن من أعظمِ الأمانة عند الله يومَ القيامة، الرجل يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه، ثم ينشر سِرَّها"(5).
__________
(1) البخاري (5241- فتح) (كتاب النكاح) وغيره.
(2) أبو داود عن أبي هريرة وغيره وانظر: "صحيح أبي داود" (1884) (1885) (1886)، الإرواء (2370).
(3) رواه مسلم (2657) (كتاب القدر)، والبخاري نحوه (8/156).
(4) رواه مسلم في كتاب صفات المنافقين برقم (2813).
(5) رواه مسلم في كتاب النكاح برقم (1437).(1/179)
قال النووي رحمه الله: "في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيلَ ذلك، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه، فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه، لأنه خلاف المروءة.أ.هـ. شرح النووي (10/8)
وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، أنها كانت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرجال والنساء قعود فقال: "لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله، ولعل المرأة تخبر بما فعلت مع زوجها، فأرم القوم"، فقلت: وأي والله يا رسول الله: إنهن ليفعلن، وإنهم ليفعلون، قال: "فلا تفعلوا فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون".(1)
تحذير المرأة أن تسأل زوجها الطلاق من غير بأس
عن ثوبان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما امرأةٍ سألتْ زوجَها طلاقها من غير ما بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحةُ الجنَّةِ".
وفي رواية: "وإن المختلعات والمنتزعات هنَّ المنافِقاتُ، وما مِن امْرأَةٍ تسألُ زوجَها الطلاقَ مِن غيرِ بأسٍ، فتجد ريحَ الجنةِ، أو قال: رائِحة الجنَّةِ"(2).
التحذير من أن يخطب المسلم على خطبة أخيه
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يخطب أحدكم أو أحد على خطبة أخيه، حتى يترك الخاطب الأول أو يأذنه فيخطب".(3)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر".(4)
__________
(1) أخرجه أحمد وغيره، وانظر "آداب الزفاف" (ص 63) الطبعة السابعة.
(2) صحيح الترغيب (2018)، والإرواء (7/100)، والصحيحة (632).
(3) أخرجه أحمد وأخرجاه بنحوه مفرقا وهو في "الصحيحة" برقم (1030).
(4) رواه مسلم (كتاب النكاح).(1/180)
على المسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، كما جاء في الحديث، ولا يجوز له أن يبيع على بيع أخيه، أو أن يخطب على خطبة أخيه، فهذا من الأمور المحرمة التي نهى الشارع عنها.
كتاب القضاء
النهي عن القضاء والولاية وغيره
قال الله تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } (1).
وقال الله تعالى: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } (2).
وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } (3).
وعن بريدة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قاضيان في النار وقاض في الجنة قاضٍ عرف الحق فقضى به فهو في الجنة وقاضٍ عرف الحق فجار متعمداً فهو في النار وقاضٍ قضى بغير علم فهو في النار"(4).
قالوا: فما ذنب الذي يجهل ؟ قال: ذنبه أن لا يكون قاضياً حتى يعلم.
__________
(1) المائدة (44).
(2) المائدة (50).
(3) البقرة (159).
(4) أخرجه أبو داود في كتاب "الأقضية" (3573) والترمذي في "أبواب الأحكام" (1322) والنسائي في "السنن الكبرى" كما في "تحفة الأشراف" (2/95) وابن ماجة في كتاب "الأحكام" (2/776) والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/116) والحاكم في المستدرك (4/90) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقال أيضاً: "له شاهد بإسناد صحيح على شرط مسلم" وتعقبه الذهبي فقال في سند هذا الحديث: "قلت: ابن بكير الغنوي منكر الحديث" ، "الإرواء" (8/235).(1/181)
وفي رواية عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "القُضاةُ ثلاثة، واحِدٌ في الجنَّةِ واثْنان في النارِ، فأما الذي في الجنَّةِ، فرجل عرفَ الحقَّ فقَضى به، ورجلٌ عَرفَ الحقَّ فجارَ في الحُكْمِ فهو في النارِ، ورجل قَضى لِلنَّاسِ على جَهْلٍ فهو في النارِ". صحيح الترغيب (2172)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من جُعِلَ قاضياً بين الناس فكأنما ذبح بغير سكين"(1).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر"(2).
وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لعنة الله على الراشي والمرتشي"(3).
وقال: "أيما راعٍ غش رعيته فهو في النار"(4).
__________
(1) أخرجه أبو داود في "أبواب الأقضية" (3571) والترمذي في كتاب "الأحكام" (1325) وأحمد في "المسند" (2/230و365) والدارقطني في "السنن" (4/204) والنسائي في "السنن الكبرى" في كتاب "القضاء" كما في "تحفة الأشراف" (9/481) والحاكم في "المستدرك" (4/91) وابن ماجة في كتاب الأحكام" (2/774) وأبو يعلى وابن أبي شيبة، والبزار كما في "نصب الراية" (4/64) من طرق عن أبي هريرة. وصححه الألباني في سنن ابي داود برقم (3571).
(2) رواه البخاري في كتاب "الإعتصام" (7352) ومسلم في كتاب "الأقضية" (1716).
(3) أخرجه أحمد في "المسند" (2/164و190و194و212) والترمذي في "الجامع" "أبواب الأحكام" (1337) وابن الجارود في "المنتقى" (585) وأبو داود في "السنن" (3/300) رقم (3580) وابن ماجة في "السنن" (2/775) رقم (2313) والحاكم في "المستدرك" (4/102ـ103). و "الترغيب والترهيب" (3/143). وصححه الألباني في سنن ابن ماجة برقم (2313).
(4) أخرجه في "المسند" (5/25) وابن مندة في "الإيمان" برقم (560و561)، "السلسة الصحيحة" (1754).(1/182)
وقال: "ما من أمير عشرة إلا يؤتى به مغلولةً يداه إلى عنقه أطلقه عدله أو أوبقه جوره"(1).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "اللهم من ولي أمر هذه الأمة شيئاً فرفق بها فارفق به ومن شق عليها فاشقق عليه"(2).
قال النووي: هذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس وأعظم الحث على الرفق بهم، وقد تظاهرت الأحاديث بهاذ المعنى.أ.هـ شرح مسلم (12/167ـ168)
وقال: "سيكون أمراء فسقة جورة فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولن يرد علي الحوض"(3).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعمله ثم لم يغيروا إلا عمهم الله بعقاب"(4).
__________
(1) أخرجه الطبراني في "الأوسط" والبيهقي في "الشعب" (3/129 ) و (10/95و96)، وقال الطبراني: "لم يروه عن عبدالله إلا ابراهيم" وأخرجه أبو نعيم فضل العادلين (3/1) مع تخريج السخاوي، وأبو يعلى في "مسنده" والبغوي في شرح السنة (10/59) وابن أبي شيبة وابن عساكر كما في كنز العمال (6/33). وصححه الألباني في "الترغيب" (2200).
(2) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1828).
(3) أخرجه أحمد في "المسند" (6/395) و (5/111) من حديث خباب بن الأرت، والنسائي في "المجتبى" (7/160) و"السنن الكبرى " كما في "تحفة الأشراف"(8/297)، والترمذي في "جامعه" (2259) وابن حبان (1571ـ موارد) والحاكم في "المستدرك" (1/79) و (4/422) وأبو نعيم في "الحلية" (1/79) والطحاوي في "مشكل الآثار" (2/136) من طرق عن كعب بن مجرة، والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي وحسنه الترمذي.
(4) أخرجه أبو داود في "الملاحم" (4339) وابن حبان (300) و (302ـ الإحسان) الطيالسي رقم (663).والطحاوي في "مشكل الآثار" (2/65). وحسنه الألباني في سنن أبي داود برقم (4339).(1/183)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد المسيء ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعَنكم كما لعنهم -يعني بني إسرائيل- على لسان داود وعيسى ابن مريم"(1).
وعن معقد بن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي: سلطان ظلوم غشوم وغالٍ في الدين يشهد عليهم وتبرأ منهم"(2).
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - مرفوعاً: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة إمام جائر"(3).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد"(4).
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب "الملاحم" برقم (4336)، والترمذي في "أبواب تفسير القرآن" برقم (3050) وابن ماجة في كتاب "الفتن والملاحم" رقم (4006). وضعفه الألباني في سنن أبي داود برقم (4336).
(2) قال الهيثمي في "المجمع" (5/236): "رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما منيع قال ابن عدي: له أفراد وأرجو أنه لا بأس به وبقية رجال الأول ثقات " "السلسلة الصحيحة" (470).
(3) أخرجه أحمد في "المسند" (3/22و55) والترمذي في كتاب الأحكام (1329) والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/88) والطبراني في "الأوسط" و "الكبير" كما في "المجمع" (5/236) و البغوي في "معالم التنزيل" (2/93ـ94) كلهم من طريق عطية العوضي عن أبي سعيد قال ابن القطان: عطية ضعيف، وقال ابن معين فيه: "صالح الحديث به حسن". وضعفه الألباني في سنن الترمذي برقم (1329).
(4) رواه البخاري في كتاب"الصلح" برقم (2697) ومسلم في كتاب "الأقضية" برقم (1718).(1/184)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً"(1).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة"(2).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من لا يرحم لا يُرحم"(3).
وقل - صلى الله عليه وسلم - : "لا يرحم الله من لا يرحم الناس"(4).
وعن أبي مريم عمرو بن مرة الجهني - رضي الله عنه - ، أنه قال لمعاوية: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من ولاه الله شيئاً من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة" (5).
وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "سبعة يظلهم الله في ظله" وذكر منها إمام عادل(6).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "المقسطون على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلوُا"(7).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب "فضائل المدينة" برقم (1870)، ورواه مسلم في كتاب "الحج" برقم (1365و1366).
(2) أخرجه البخاري في كتاب "الأحكام" (7150) ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (142) وفي كتاب "الإمارة" برقم (21).
(3) أخرجه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (5997) ومسلم في كتاب "الفضائل " برقم (2318).
(4) أخرجه البخاري في كتاب "التوحيد" رقم (7376) ومسلم في كتاب "الفضائل" رقم
(2319).
(5) رواه أبو داود في "السنن" (2948) والترمذي (1332و1333) و "العلل الكبير" (213) وأحمد في "المسند" (4/231) و (3/441و480) وأبو يعلى في "المسند" (3/134) رقم (1565) وصححه الألباني، الترغيب (2208).
(6) سبق تخريجه.
(7) رواه مسلم في كتاب "الإمارة" (1827) ورواه النسائي في كتاب "آداب القضاة" (8/221) ورواه أحمد في "المسند" (2/160).(1/185)
وقال: "شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم" قالوا: يا رسول الله! أفلا ننابذهم؟ قال: "لا ما أقاموا فيكم الصلاة"(1).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } (2)"(3).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يكلمهم ... " فذكر منهم الملك الكذاب(4).
وقال - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن: "إياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"(5).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن شر الرعاء الحطمة"(6).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إنا والله لا نولي هذا العمل أحداً سأله أو أحداً حرص عليه"(7).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "يا كعب بن عجرة! أعاذك الله من إمارة السفهاء وأمراء يكونون من بعدي ولا يهتدون بهدي ولا يستنون بسنتي"(8).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب "الإمارة" برقم (1855).
(2) هود.
(3) رواه البخاري في كتاب "التفسير" برقم (4686) ورواه مسلم في كتاب "البر والصلة والآداب "برقم (2583).
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه البخاري في كتاب "المغازي" برقم (4347). ورواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (190).
(6) رواه مسلم في كتاب "الإمامة" برقم (1830).
(7) رواه البخاري في كتاب "الأحكام" برقم (7149) ورواه مسلم في كتاب "الإمارة" برقم (1733).
(8) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/79) و ( 4/422) وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه النسائي في "السنن الكبرى" كما في تحفة الأشراف (8/297) و"المجتبى" (7/160) والترمذي ==
== في "الجامع" (4/525) رقم (2259) وابن حبان رقم (1571) موارد، والطحاوي في "مشكل الآثار" (2/136) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/79) من طرق عن كعب بن عجرة. وحسنه الترمذي. وصححه الألباني في سنن الترمذي برقم (2256).(1/186)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن، دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده"(1).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال شريك: لا أدري رفعه أم لا - قال: "الإمارةُ أولُها ندامةٌ، وأوسطُها غرامةٌ، وآخرها عذابُ يوم القيامة"(2).
وعن عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا عبدالرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارَةَ فإنَّك إنْ أُعطيتَها مِنْ غير مسألةٍ، أُعِنْتَ عليها وإنْ أُعطيتها عن مسألةٍ وُكِلْتَ إليها" الحديث(3).
قال الله تعالى: { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (4).
وقال تعالى: { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } (5).
وقال تعالى: { كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } (6).
وقال تعالى: { وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء } (7).
__________
(1) أخرجه أحمد في "المسند" (2/258و348و523) والترمذي في "الجامع" (1905) والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (32) و (481) والطيالسي "المسند" (7/25) والبغوي في "شرح السنة" (5/195) رقم (1394) وأبو داود في "السنن" (20/89) رقم (1536) وابن ماجة "السنن" (2/1270) رقم
(3862) وابن حبان (2406) "موارد الظمآن"، صحيح الجامع برقم (3031).
(2) رواه الطبراني بإسناد حسن وقال الألباني "صحيح لغيره"، الترغيب (2174).
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) الشورى (42).
(5) الشعراء (227).
(6) المائدة (79).
(7) ابراهيم (43ـ44).(1/187)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من استرعاه الله رعية ثم لم يحطها بنصح إلا حرم الله عليه الجنة".
وفي لفظ "يموت حين يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".
وفي لفظ "لم يجد رائحة الجنة"(1).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"(2).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من غشنا فليس منا"(3).
وقال: "الظلم ظلمات يوم القيامة"(4).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قل - صلى الله عليه وسلم - : "مَنْ وَلِيَ القَضاءَ أوْ جُعِلَ قاضياً بينَ الناسِ فقد ذُبِحَ بغيرِ سكِّين"(5).
قال الحافظ: ( ومعنى قوله "ذبح بغير سكين" أن الذبح بالسكين تحصل به إراحة الذبيحة بتعجيل إزهاق روحها فإذا ذبحت بغير سكين كان فيه تعذيب لها. وقيل: إن الذبح لما كان في ظاهر العرف وغالب العادة بالسكين، عدل - صلى الله عليه وسلم - عن ظاهر العرف والعادة إلى غير ذلك، ليعلم أن مراده - صلى الله عليه وسلم - بهذا القول ما يخاف عليه من هلاك دينه ودون هلاك بدنه. ذكره الخطابي.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأحكام (126و127)، ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (142).
(2) رواه البخاري في الأحكام برقم (7138)، ورواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1829).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (101)، والترمذي في كتاب البيوع برقم (1315).
(4) رواه البخاري في كتاب المظالم برقم (2447)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2579).
(5) رواه أبو داود والترمذي واللفظ له، وقال: "حديث حسن غريب" ورواه ابن ماجة، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وقال الألباني: "حسن صحيح" "الترغيب" (2171).(1/188)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنَّ الله سائلُ كلَّ راعٍ عما اسْتَرْعَاهُ، حَفِظَ أمْ ضَيعَّ، حتى يسأل الرجُلَ عن أهلِ بَيْتهِ"(1).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلتُ: يا رسول الله! ألا تَسْتعْمِلني؟ قال: فَضَرَبَ بيدِهِ على مَنْكِبيَ ثُمَّ قال: "يا أبا ذر! إنَّك ضعيفٌ، وإنَّها أمانَةٌ، وإنَّها يومَ القيامَةِ خِزْيٌ وندامَةٌ، إلا مَنْ أخذَهَا بحقِّها، وأدَّى الَّذي عليه منها"(2).
وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يا أبا ذر إني أراكَ ضعيفاً، وإني أُحِبُّ لك ما أُحِبُّ لِنَفْسِي، لا تأَمَّرنَّ على اثنين، ولا تَلِيَنَّ مال اليتيم"(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّكم سَتَحْرِصون على الإمارَةِ،وستكونُ ندامَةً يومَ القيامةِ، فنِعْمتِ المرْضِعَةُ، وبِئْسَتِ الفاطِمَةُ"(4).
(نعمت المرضعة) أي: في الدنيا فإنها تدل على المنافع واللذات العاجلة.
(وبئست الفاطمة) عند انفصاله عنها بالموت أو غيره، فإنها تقطع عنه اللذائذ والمنافع، وتبقى عليه الحسرة والتبعة. قاله الألباني.
النهي عن الظلم وأخذ أموال الناس بالباطل
ودعاء المظلوم
قال الله تعالى: { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام } (5).
وقال الله تعالى: { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم } (6).
__________
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه ". وقال الألباني: "حسن صحيح" "الترغيب" (2170) و "السلسلة الصحيحة" (1626).
(2) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1825).
(3) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1826)، وأبو داود، والحاكم وقال "صحيح على شرطهما".
(4) رواه البخاري في كتاب الأحكام برقم (7148).
(5) البقرة (188).
(6) الشورى (42).(1/189)
وقال تعالى: { والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير } (1).
وقال تعالى: { إن الله لا يظلم مثقال ذرة } (2).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "الظلم ظلمات يوم القيامة" (3).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من ظلم شبراً من الأرض طوقه إلى سبع أرضين يوم القيامة"(4).
وفي الحديث: "وديوان لا يترك الله منه شيئاً وهو ظلم العباد"(5).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "مطل الغني ظلم"(6).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من اقتطع حق امرئٍ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار" قيل: يا رسول الله أو إن كان شيئاً يسيراً؟ قال: "وإن كان قضيباً من أراك"(7).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من استعلمناه على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة" (8).
__________
(1) الشورى (8).
(2) النساء (40).
(3) رواه البخاري في كتاب "المظالم" برقم (2447) ومسلم في كتاب "البر" رقم (2579).
(4) رواه البخاري في كتاب "بدء الخلق" برقم (3195) وفي كتاب "المظالم" برقم (2453) ورواه مسلم في كتاب "المساقاة" برقم (1612).
(5) أخرجه أحمد في "المسند" (6/240) والحاكم في "المستدرك" (4/575ـ576)، "فيض القدير" (3/552).
(6) رواه البخاري في كتاب "الإستقراض" برقم (2400) ومسلم في كتاب "المساقاة" (1564).
(7) رواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (137).
(8) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1833).(1/190)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتدرونَ ما المفْلِسُ؟". قالوا: المُفْلِسُ فينا مَنْ لا درهمَ له ولا مَتاعَ. فقال: "إن المفْلِسَ من أمتي مَنْ يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد شتم هذا، وقَذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعطي هذا مِنْ حَسناتِه، وهذا من حَسناتِه، فإنْ فَنيتْ حسَناتُه قبْلَ أنْ يَقْضيَ ما عليه، أُخِذَ من خطاياهُمْ، فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النارِ"(1).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال: "يا عبادي إني حَرمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا" (2).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بَعثَ معاذاً إلى اليمن فقال: "اتقِ دعوة المظلوم، فإنه ليسَ بينها وبينَ الله حِجابٌ"(3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثُ دعَوات لا شكَّ في إجابتِهِنَّ دعوَةُ المظْلومِ، ودعوةُ المسافرِ، ودعوةُ الوالدِ على الولدِ"(4).
وعن خزيمة بن ثابت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اتقوا دعوةَ المظلوم، فإنها تُحملُ على الغَمامِ، يقولُ الله: وعزتي وجلالي لأنْصُرنَّك ولو بعد حينٍ"(5).
تحذير الحاكم وغيره من إرضاء الناس
بما يسخط الله عز وجل
__________
(1) رواه مسلم والترمذي.
(2) رواه مسلم والترمذي وابن ماجة.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) رواه أبو داود والترمذي. وقال الألباني:"حسن لغيره" الترغيب (2226).
(5) رواه الطبراني، وحسنه الألباني في الترغيب (2230).(1/191)
عن رجل من أهل المدينة قال: كتبَ معاويَةُ إلى عائشة: أن اكْتُبي إلي كتاباً توصيني فيه، ولا تُكثِري عَلي، فكتبتْ عائشةُ إلى معاويَةَ: سلامٌ عليك، أما بعْد، فإني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنِ التمس رضا الله بسخط الناسِ، كفاه الله مؤونَةَ الناسِ، ومَنِ الْتَمَسَ رضا الناسِ بسخط الله، وكَلَه إلى الناس" والسلام عليك(1).
وفي رواية لابن حبان: ولفظه: قالتْ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من التمس رضا الله بسخط الناسِ، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس. ومن التَمس رضا الناسِ بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناسَ".
النهي من البغي
قال الله تعالى: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ } (2).
وقال الله تعالى: { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم } (3).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد" (4).
البغي: هو الظلم وطلب الأذى وقصد الفساد والتكبر والتبختر والاستطالة على الناس.
__________
(1) رواه الترمذي وابن حبان والبيهقي، وقال الألباني: "صحيح لغيره"، الترغيب (2250).
(2) الأعراف (33).
(3) الشورى (42).
(4) رواه مسلم في كتاب "صفة الجنة" برقم (2865) وأبو داود في كتاب "الأدب" برقم
(4895).(1/192)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يرضى الله له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم" (1).
قال ابن مسعود: قال مالك الرهاوي: يا رسول الله: قد أُعطيت من الجمال ما ترى وما أحب أن أحداً يفوقني بشراكي أفذاك من البغي ؟ قال: "ليس ذلك من البغي ولكن البغي بطر الحق أو قال سفه الحق وغمط الناس"(2).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "عذبت امرأة في هرةٍ سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لاهي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشائش الأرض"(3).
الخشائش: الحشرات.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً"(4).
الغرض: الهدف أو ما يرمي إليه.
__________
(1) أخرجه وكيع في "الزهد" (243و429) وهناد في "ازهد" (1398) و (1399) وأحمد في "المسند" (5/36) والبخاري في "الأدب المفرد" (29و67) وأبو داود في "السنن" (4902) والترمذي "الجامع" (2511) وابن ماجة في "السنن" (4211) وابن حبان (456و457 مع الإحسان) والبغوي في "شرح السنة" (13/26) والحاكم في المستدرك (4/163) وأبو نعيم في "ذكر أخبار أصبهان (1/319)، والمروزي "زوائد الزهد" (252).
(2) أخرجه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (1/93) والترمذي "أبواب البر والصلة" برقم
(1999) وأحمد في "المسند" (1/385و427) والحاكم في "المستدرك" (4/182) و (1/26) والطبراني في "المعجم الصغير" (10/273).
(3) أخرجه البخاري في كتاب "أحاديث الأنبياء" برقم (3482) وفي كتاب "المساقاة" برقم
(2365) ومسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2242).
(4) رواه البخاري في "الذبائح والصيد" برقم (5515) ومسلم في كتاب "الصيد والذبائح" برقم (1958).(1/193)
وقال أبو مسعود: كنت أضرب غلاماً لي بالسوط فسمعت صوتاً من خلفي: "أعلم أبا مسعود" فلم أفهم الصوت من الغضب فلما دنا إذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يقول: "إن الله أقدر عليك منك عليه" ) فقلت: لا أضرب لي مملوكاً بعده.
وفي لفظ: فسقط السوط من يدي من هيبته.
وفي رواية: فقلت: يا رسول الله ! هو حر لوجه الله فقال: "أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار"(1).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من ضرب غلاماً له حداً لم يأته أو لطمه فإن كفارته أن يعتقهُ"(2).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا"(3).
ثواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قال الله تعالى: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (4).
وقال تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } (5).
وقال تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (6).
__________
(1) رواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (1659).
(2) رواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (1657).
(3) رواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2613).
(4) سورة آل عمران (الآية: 104).
(5) سورة آل عمران (الآية: 110).
(6) سورة التوبة، (الآية: 71).(1/194)
وقال تعالى: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } (1).
وقال تعالى حكاية عن لقمان - عليه السلام - : { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } (2).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من نبيٍ بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أُمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل"(3).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من أُمتي قوماً يُعطون مثل أُجورِ أولهم ينكرون المنكر"(4).
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من رأى منكم منكراً فيلغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"(5).
__________
(1) سورة الأعراف، (الآية: 165).
(2) سورة لقمان، (الآية: 17).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (177).
(4) رواه أحمد، والسلسلة الصحيحة(1700).
(5) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (49).(1/195)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرةٍ علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان وعلى أن نقول بالحق كنا لا نخاف في الله لومة لائمٍ"(1).
التحذير من شهادة الزور
قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } (2).
وقال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } (3).
وقال الله تعالى: { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } (4).
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "يُطبع المؤمن على كل شيء ليس الخيانة والكذب"(5).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من قضيت له من مال أخيه بغير حق لا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار"(6).
عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين ألا وقول الزور وكان متكئاً فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت"(7).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: عَدَلَتْ شهادةٌ الزور الشركَ بالله، قرأ:
{ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } (8).
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الفتن برقم (7056) وفي كتاب الأحكام برقم ( 7200) ومسلم في كتاب الإمارة برقم (1709).
(2) الفرقان (72).
(3) النساء (35).
(4) الحج (30).
(5) سبق تخريجه.
(6) رواه البخاري في كتاب "الشهادات" برقم (2680) ومسلم في كتاب "الأقضية" برقم (1713).
(7) سبق تخريجه.
(8) رواه الطبراني في "الكبير" موقوفاً على ابن مسعود. وقال الألباني: "حسن موقوف"، الترغيب (2301).(1/196)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبائر فقال: "الشرك بالله،
وعقوق الوالدين، وقتل النفس" وقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزور" أو قال: "شهادة الزور"(1).
الزور: الكذب والباطل والتُهمة. النهاية (2/318).
كتاب الحدود
التحذير من أن يأمر بمعروف
وينهى عن منكر ويخالف قوله فعله
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه".(2)
فتندلق: أي تخرج.
والأقتاب: الأمعاء، واحدها قَتَب.
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رأيتُ ليلة أُسري بي رجالاً تُقرض شفاههم بمقاريض من النار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: الخطباء من أُمتِك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون؟!".(3)
وفي رواية لابن أبي الدنيا: "مررتُ ليلة أُسري بي على قوم تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، كلما قُرضت عادت، فقلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: خطباء من أمتك، يقولون ما لا يفعلون".(4)
وعن طريف بن مجالد الهجيمي عن جندب بن عبد الله الآزدي صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه، كمثل السِّراج، يضيءُ للناس ويحرِقُ نفسهُ" الحديث.(5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (5977) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (88).
(2) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3267) ومسلم في كتاب الزهد برقم (2989).
(3) سبق تخريجه.
(4) سبق تخريجه.
(5) سبق تخريجه.(1/197)
وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أخوف ما أخافُ عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان".(1)
النهي عن هتك ستر المسلم وتتبع عورته
قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } .(2)
عن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ستر عورة أخيه، ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم، كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته".(3)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: "يا معشر من أسلَمَ بلسانه، ولم يُفضي الإيمان إلى قلبه! إلا تُؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحْله".
ونظر ابن عمر يوماً إلى الكعبة فقال: ما أعظمك! وأعظم حُرمتك! والمؤمن أعظم حُرمة عند الله منك. (4)
ورواه ابن حبان في صحيحه إلا أنه قال فيه: "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه! لا تؤذوا المسلمين ولا تعيِّروهم ولا تطلبوا عثراتهم".(5)
وعن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه! لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته".(6)
وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم، أو كدت تفسدهُم".(7)
__________
(1) النور (19).
(2) سبق تخريجه.
(3) صحيح الترغيب (2338).
(4) صحيح الترغيب (2339).
(5) صحيح الترغيب (2/589).
(6) صحيح الترغيب (2340).
(7) صحيح الترغيب (2342).(1/198)
وعن شريح بن عبيد بن جبير بن نُفير وكثير بن مرة وعمرو ابن الأسود والمقدام بن معد يكرب وابي أمامة رضي الله عنهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهُم".(1)
النهي عن مواقعة الحدود وانتهاك المحارم
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه".(2)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أنا آخذ بحجزكم أقول: إياكم وجهنم، إياكم والحدود! إياكم وجهنم، إياكم والحدود، إياكم وجهنم، إياكم والحدود، ثلاث مرات فإذا أنا متُّ تركتكم، وأنا فرطكم على الحوض، فمن ورد أفلح"الحديث.(3)
وعن ثوبان - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لأعلمنَّ أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمالٍ أمثال جبال تهامةَ بيضاء، فيجعلها الله هباءً منثورا".
قال ثوبان: يا رسول الله! صِفهُم لنا، جلِّهم لنا، لا نكون منهم ونحن لا نعلمُ. قال: "أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها".(4)
ما جاء في القصاص
عن خباب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أن بني إسرائيل لما هلكوا قصّوا".(5)
__________
(1) صحيح الترغيب (2343).
(2) رواه البخاري في كتاب النكاح برقم (5223) ومسلم في كتاب التوبة برقم (2761).
(3) صحيح الترغيب (2344).
(4) صحيح الترغيب (2346).
(5) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" وأبو نعيم في "الحلية" وغيرهما وانظر: "الصحيحة" برقم (161) وجاء في "النهاية".(1/199)
وعن عمرو بن زرارة قال: وقف عليّ عبد الله (يعني ابن مسعود) وأنا أقصّ فقال: يا عمرو! لقد ابتدعت بدعة ضلالة أو أنك لأهدى من محمد وأصحابه فلقد رأيتهم تفرقوا عني حتى رأيت مكاني ما فيه أحد".(1)
??????
كتاب
الأدب وغيره
الحث على طيب الكلام وفضله.
قال الله تعالى: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } (2)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كل سُلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الإثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة قال: والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة"(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت"(4)
وفي رواية : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"(5)
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "في الجنة غرفة يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها" فقال أبو مالك الأشعري : لمن هي يا رسول الله قال: " لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وبات قائماً والناس نيام"(6)
__________
(1) رواه الدارمي والطبراني في "الكبير" بإسنادين أحدهما صحيح وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" برقم (57).
(2) سورة الحجر، الآية (88).
(3) سبق تخريجه.
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأدب (6018) ومسلم في كتاب الإيمان برقم (172 و174)
(5) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (171).
(6) رواه الطبراني والحاكم وقال : "صحيح على شرطهما"، قال الهيثمي في مجمع الزوائد
(
5/16): "رواه أحمد وفيه ابن ليهعة وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2692).(1/200)
وعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربّه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم فلا يرى إلا ماقدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرةٍ فمن لم يجد فبكلمةٍ طيبة"(1)
"ليس بينه وبينه ترجمان" بفتح التاء وضمها وهو المعبر عن لسان بلسان.
قوله " ولو بكلمة طيبة" فيه أن الكلمة الطيبة سبب للنجاة من النار وهي الكلمة التي فيها تطيب قلب إنسان إذا كانت مباحة أو طاعة.
النهي عن الفحش وبذاء اللسان
قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } .(2)
وقال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً } .(3)
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والفحش فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش".(4)
عن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب" فقال له معاذ بن جبل: يا رسول الله وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم –وفي رواية على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم".(5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6539) وفي كتاب التوحيد برقم (7443و 7512)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (2345 و2346و5347).
(2) ق: (18).
(3) الأحزاب: (70).
(4) أخرجه أحمد (2/159، 195)، والحاكم (1/11، 415) وصححه، والبيهقي (10/243) والطيالسي (2272)، وأبو داود (1698)، والنسائي في التفسير كما في أطراف المزي (6/290) طرفا منه. وصححه العلامة الألباني في سنن أبي داود برقم (1698).
(5) رواه البخاري ومسلم.(1/201)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".(1)
وقال عقبة بن عامر - رضي الله عنه - : قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك".(2)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شئ إلا زانه".(3)
وعن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - اطلع على ابي بكر - رضي الله عنه - وهو يمد لسانه فقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله فقال: "إن هذا أوردني الموارد إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته".(4)
وعن سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: "كف عليك هذا". (5)
وسئل النبي - رضي الله عنه - عن أكثر ما يدخل الناس النار قال: "الفم والفرج".(6)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت".(7)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أكثر خطايا ابن آدم في لسانه".(8)
وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن: "زنا اللسان النطق".(9)
يعني الكلام الباطل بالفحش والرفث من القول.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه الترمذي واحمد. وصححه الشيخ الألباني في سنن الترمذي برقم (2406).
(3) رواه الترمذي، وابن ماجة، وغيرهما، "صحيح سنن الترمذي"، وصححه الألباني في الترغيب (2635).
(4) رواه أحمد ومالك وأبو يعلى وقال: "رجاله رجال الصحيح"، رقم (1607).
(5) رواه مسلم ، ورواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".
(6) رواه الترمذي وقال: "صحيح غريب" وصححه الحاكم.
(7) متفق عليه.
(8) السلسلة الصحيحة (534).
(9) متفق عليه.(1/202)
ولذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن تصف المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها، فقال عليه الصلاة والسلام: "لا تباشر المرأة المرأة، فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها".(1)
وأخبر - صلى الله عليه وسلم - عن شرار الخلق فقال عليه الصلاة والسلام: "شرار أمتي: الثرثارون المتشدقون المتفيقهون".(2)
الثرثارون: هم المتوسعون في الكلام من غير احتراز ولا احتياط.
والمتشدق: قيل هو المستهزئ بالناس في كلامه.
وكان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: والله الذي لا إله إلا هو، ويقول: ما شيء أحوج إلى طول سجن من لسان!!
وقال الأصمعي: الكلمة أسيرة في وثاق الرجل، فإذا تكلم بها كان أسيراً في وثاقها.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان، ولا بالفاحش ولا بالبذيء".(3)
وعن عبد الله - رضي الله عنه - قال: ألأم خُلق المؤمن الفحش".(4)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المستبان ما قالا، فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم".(5)
قال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم: معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار فيقول للبادئ أكثر مما قال له. أ.هـ.
وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تعالى يبغض الفاحش المتفحش".(6)
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه البخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني.
(3) أخرجه أحمد، وابن أبي شيبة في كتاب "الإيمان" والبخاري في "الأدب المفرد"، السلسلة الصحيحة (320).
(4) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (314) عن شعبة، وأخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت (325).
(5) رواه مسلم في البر والصلة.
(6) أخرجه أحمد، السلسلة الصحيحة، رقم (876).(1/203)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن شر الناس عند الله بمنزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شرّه".(1)
النهي عن الغضب
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - أوصني. قال: "لا تغضب" فردد مراراً، قال: "لا تغضب".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".(3)
الصرعة: هو الذي يصرع الناس كثيراً بقوته.
وعن سليمان بن صرد - رضي الله عنه - قال: استب رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه، وتنتفخ أوداجه: فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ذا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" فقام إلى الرجل رجل سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هل تدري ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: لا. "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ذا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
فقال له الرجل: أمجنون تراني؟(4)
وعن حميد بن عبد الرحمن عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رجل: يا رسول الله! أوصني. قال: "لا تغضب".
قال: ففكرت حين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قاله، فإذا الغضب يجمع الشرَّ كلَّه. (5)
__________
(1) رواه البخاري (3132) فتح، ومسلم في كتاب "البر والصلة".
(2) رواه البخاري في الأدب برقم (6116).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6114)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2609).
(4) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق برقم (3282) وفي كتاب الأدب برقم (6048) ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2610).
(5) صحيح الترغيب (2746)(1/204)
وعن ابن عمرو رضي الله عنهما: أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يباعدني من غضب الله عز وجل؟ قال: "لا تغضب". وفي رواية ابن حبان قال: "ما يمنعني".(1)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دلني على عمل يدخلني الجنة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تغضب، ولك الجنَّة".(2)
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من جُرعة أعظم أجراً عند الله من جرعة غيظٍ كظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله".(3)
علاج اللسان عند الغضب
قال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا غضب أحدكم فليسكت".(4)
وعن معاذ بن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كَظَم غيظاً وهو قادرٌ على أن ينفذه، دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخيّره من الحور العين ما شاء".(5)
"غيظاً": الغيظ هو الغضب الشديد.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع".(6)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا غضب الرجل فقال: أعوذ بالله سكن غضبه".(7)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".(8)
الصُرعة: بضم الصاد وفتح الراء، وهو الذي يصرع الناس كثيراً.
فعلى الإنسان أن يملك نفسه عند الغضب وأن لا يسترسل فيه لأنه يندم بعده.
__________
(1) صحيح الترغيب (2747).
(2) صحيح الترغيب (2749).
(3) صحيح الترغيب (2752).
(4) الصحيحة برقم (1375).
(5) رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن، وصححه الألباني.
(6) رواه أحمد والترمذي، المشكاة برقم (5114).
(7) أخرجه الطبري، الصحيحة برقم (1376).
(8) متفق عليه.(1/205)
عن سليمان بن مرد قال: استبّ رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه، فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب هذا عنه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".(1)
أعوذ بالله: اعتصم به، أي اعتصم بالله من الشيطان لأن ما أصابه من الشيطان.
فعلى الإنسان أن يحبس نفسه عند الغضب وأن يمسك لسانه، وأن يتعوذ بالله من الشيطان، وأن يتوضأ فإن الوضوء يطفئ الغضب، وإذا كان قائما فليقعد وإن كان قاعداً فليضطجع وإن ترك المكان يكون أفضل لكي يؤجل أولا، ولكي لا يندم إذا خرجت منه كلمة عند الغضب.
ثواب السلام على المؤمنين والأمر بإفشائه
قال الله تعالى: { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً } .(2)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الإسلام خير؟ قال: " تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف".(3)
و قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفشوا السلام وأطعموا الطعام وكونوا إخواناً كما أمركم الله".(4)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن السلام إسم من أسماء الله وضعه الله في الأرض فأفشوه فيكم فإن الرجل إذا سلم على القوم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة لأنه ذكرهم فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب".(5)
__________
(1) رواه البخاري (6048-فتح)، ومسلم برقم (2610) وهذا لفظه.
(2) سورة النساء الآية (86).
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه النسائي في القضاء، السلسلة الصحيحة(1501).
(5) رواه الطبراني عن سفيان بن بشر، السلسة الصحيحة (1607).(1/206)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم"(2)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: فيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف، والسلام أول أسباب التآلف ومفتاح استجلاب المودة وفي إفشائه تكمن ألفه المسلمين بعضهم لبعض وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع وإعظام حرمات المسلمين.
وقال رحمه الله : وفيها لطيفة أخرى وهي أنها تتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء وفساد ذات البين التي هي الحالقة وأن سلامه لله لا يتبع فيه هواه ولا يخص أصحابه وأحبابه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .أ.هـ شرح مسلم (2/244-245)
وعن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلّوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام"(3)
يجب الحرص على إفشاء السلام لتنال الأجر والثواب الكثير حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا لقى أحدكم أخاه فليسلم عليه فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه".(4)
__________
(1) رواه الطبراني في "الكبير" عن هانئ بن زيد، صحيح الجامع(2228) وصححه الالباني كذلك في الترغيب (2699).
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (192 و193) وابن ماجه في المقدمة (68).
(3) رواه الترمذي برقم (2485) والدارمي وابن ماجه وقال الترمذي: "حديث صحيح"، الصحيحة(569) ، صحيح الجامع (7742).
(4) صحيح أبي داود (4331).(1/207)
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم حريصين على إفشاء السلام بينهم لما يترتب عليه من الأجر والثواب الكثير.
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتماشون فإذا استقبلتهم شجرة أو أكمة فتفرقوا يميناً وشمالاً ثم التقوا من ورائها سلَّم بعضهم على بعض".(1)
وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام " فينبغي لكل واحد من المتلاقين أن يحرص على أن يبتدئ بالسلام.
ولا ينبغي للمسلم أن يبدأ بالكلام قبل أن يُسلم حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من بدأكم بالكلام قبل السلام فلا تكلموه" وفي رواية " فلا تجيبوه".(2)
وأن يحرص على المصافحة مع السلام لما في ذلك من الأجر وغفران الذنوب بإذن الله تعالى.
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - : عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفشوا
السلام تسلموا"(3)
وعن أبي شريخ - رضي الله عنه - أنه قال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرني بشيء يوجب لي الجنة قال: "طيب الكلام وبذل السلام وإطعام الطعام".(4)
__________
(1) رواه ابن السني وهو في صحيح الأدب المفرد برقم (773).
(2) رواه الطبراني في " الأوسط" عن ابن عمر ، صحيح الجامع (5998).
(3) رواه ابن حبان ، قال في مجمع الزوائد (8/29): (رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله ثقات)، الصحيحة (1493) الإرواء(769).
(4) رواه الطبراني وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد ذكره في مجمع الزوائد (1/54) من حديث عمرو بن عبسة وقال الهيثمي: "رواه أحمد وفي إسناده شهر بن حشي وقد وثق على ضعف فيه" وذكره أيضاً في (1/61)، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2699).(1/208)
وقال عمار : ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعَالَم والإنفاق مِنَ الإقتار(1)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وقد تضمنت هذه الكلمات أصول الخير وفروعه فإن الإنصاف يُوجب عليه أداء حقوق الله كاملة موفَّرة وأداء حقوق الناس ، كذلك وأن لا يطالبهم بما ليس له ولا يُحمِّلهم فوق وسعهم ويعاملهم بما يحب أن يعاملوه به ويعفيهم مما يحب أن يُعفُوه منه ويحكم لهم وعليهم بما يحكم به لنفسه وعليها.
ويدخل في هذا إنصافه نفسه من نفسه فلا يدَّعي لها ما ليس لها ولا يُخبثها بتدنيسه لها وتصغيره إياها وتحقيرها بمعاصي الله ويُنميها ويكبرها ويرفعها بطاعة الله وتوحيده وحبه وخوفه ورجائه والتوكل عليه والإنابة إليه وإيثار مرضاته ومحابِّه على مراضي الخلق ومحابِّهم.
وقال رحمه الله تعالى : وبذل السلام للعالم يتضمن تواضعه وأنه لا يتكبر على أحد بل يُبذل السلام للصغير والكبير والشريف والوضيع ومن يعرفه ومن لا يعرفه والمتكبر ضد هذا فإنه لا يرد السلام على كل من سلم عليه كبراً منه وتيهاً فكيف يبذل السلام لكل أحد. أ.هـ.زاد المعاد(2/353)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام.(2)
__________
(1) أخرجه البخاري في الإيمان تعليقاً ووصله عبد الرزاق في "مصنفه" (19439/10) وذكره الذهبي في "السير" (1/427) ووصله ابن أبي شيبة في الإيمان (131).
(2) رواه أبو داود في الأدب (5197) وأحمد في المسند (22342/8)، وصححه الألباني، المشكاة (46460)، الكلم (198) صحيح الجامع (5997)، الترغيب(2703).(1/209)
وقال عمران بن حصين : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليكم فرد عليه ثم جلس فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "عشر " ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فجلس فقال "عشرون" ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه فجلس فقال: "ثلاثون" (1)
وزاد أبو داوود: ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال: "أربعون" فقال: "هكذا تكون الفضائل".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربعون خصلةً أعلاهُنَّ منيحةُ العنز ما من عاملٍ يعمَلُ بخصلَةٍ منها رجاءَ ثوابها وتصدِيقَ موعُودِها إلا أدخَلهُ الله بها الجنة".
قال حسَّان " فعددنا ما دون منيحة العنز من ردَّ السلام، وتشميت العاطس ، وإماطة الأذى عن الطريق ونحوه، فما استطعنا أن تبلغ خمس عشرة".(2)
منيحة العنز: المنيحة في الأصل: العطية، قال أبو عبيد: المنيحة عند العرب على وجهين: أحدهما أن يعطي الرجل صاحبه صلةً فتكون له، والآخر أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمناً ثم يردها.فتح الباري(5/243)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "أبخل الناس الذي يبخل بالسلام، وإن أعجز الناس، من عجز بالدعاء".(3)
ما جاء في فضل المصافحة
__________
(1) أخرجه أبو داوود في الأدب، الترمذي وحسنه، والنسائي والبيهقي وحسنه أيضاً، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2710).
(2) رواه البخاري في كتاب الإستئذان برقم (6263).
(3) السلسلة الصحيحة رقم (601)، صحيح الأدب المفرد رقم (795).(1/210)
عن البراء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا"(1).
وعن أنس - رضي الله عنه - : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه إلا كان حقاً على الله عز وجل أن يحضر دعاءهما ولا يفرق بين أيديهما حتى يغفر لهما"(2).
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه فتصافحا وحمدا الله تعالى جميعاً تفرقا وليس بينهما خطيئة".(3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن المسلمين إذا التقيا فتصافحا وتكاثرا بود ونصيحة تناثرت خطاياهما بينهما ".
وفي رواية : "إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله تعالى واستغفرا غفر الله عز وجل لهما".(4).
ويستحب مع المصافحة البشاشة بالوجه والدعاء بالمغفرة وغيرها .
فعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليق"(5).
فتكون الابتسامة صدقة لك وزيادة في الألفة والمحبة .
__________
(1) أخرجه أبو داود (5212) والترمذي (2727)، وابن ماجة (3703) وأحمد (4/289 و303) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5654) والصحيحة برقم (524) والترغيب برقم (2718).
(2) رواه أحمد والبزار وأبو يعلى وفي إسناده ميمون بن موسى المرائي والأكثرون على توثيقه، قال في مجمع الزوائد (8/36): "رواه أحمد والبزار وأبو يعلى ورجال أحمد رجال الصحيح غير ميمون ين عجلان وثقه ابن حبان و لم يضعفه أحد".
(3) رواه أحمد في مسنده والضياء، صحيح الجامع (2738).
(4) السلسلة الصحيحة (525).
(5) سبق تخريجه.(1/211)
وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال: "إن المسلم إذا لقي أخاه فأخذ بيده تحاتت عنه ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف وإلا غفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحر"(1).
وفي رواية لأبي داود قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله واستغفراه غفر لهما".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي حذيفة فأراد أن يصافحه فتنحى حذيفة فقال : "إن المسلم إذا صافح أخاه تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر"(2).
ما جاء في فضل من سلم إذا دخل بيته
قال الله تعالى : { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً } (3).
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا بُني إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك "(4).
__________
(1) رواه الطبراني بإسناد حسن، قال في صحيح الزوائد (8/37): "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير سالم بن غيلان وهو ثقة".
(2) رواه البزار ، وصححه الألباني في الترغيب (2721)والصحيحة برقم (526).
(3) سورة النور الآية (61).
(4) رواه الترمذي من طريق علي بن زيد عن ابن المسيب عنه وقال : "حديث حسن صحيح"، الكلم الطيب (ص 46).(1/212)
وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثةٌ كلهم ضامن على الله عز وجل رجل خرج غازياً في سبيل الله فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرد بما نال من أجرٍ أو غنيمة ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخل الجنة أو يرد بما نال من أجرٍ أو غنيمة ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله عز وجل"(1).
إذا قال ادخل ولم يسلِّم
عن رجل من بني عامر جاء الى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أألج؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للجارية: "أخرجي فقولي له: قل: السلام عليكم، أأدخل؟ فإنه لم يحسن الاستئذان"، قال: فسمعتها قبل أن تخرج إلي الجارية، فقلت: السلام عليكم أأدخل؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : "وعليك، ادخل" فدخلت فقلت: بأي شيء جئت؟ فقال: "لم أتيكم إلا بخير، أتيتكم لتعبدوا الله وحده لا شريك له، وتدعو عبادة اللات والعزى، وتصلوا في الليل والنهار خمس صلوات، وتصوموا في السنة شهرا، وتحجوا هذا البيت، وتأخذوا من مال أغنيائكم فتردوها على فقرائكم".
قال: فقلت له: هل من العلم شيء لا تعمله؟ قال: "لقد علّم الله خيراً، وإن من العلم ما لا يعمله إلا الله، الخمس لا يعلمهن إلا الله: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } .[لقمان: 34] (2)
النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام
__________
(1) رواه أبو داوود في سننه برقم (2494)،وصححه الألباني، صحيح الجامع (3048).
(2) السلسلة الصحيحة برقم (819)، صحيح الأدب المفرد رقم (826).(1/213)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه".(1)
فيه النهي عن ابتداء أهل الكتاب من اليهود والنصارى بالسلام، وظاهر الحديث المنع، إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك فليكن بغير السلام، ككيف أصبحت، أو كيف أمسيت ونحو ذلك.
قال ابن مفلح: قال الشيخ تقي الدين: إن خاطبه بكلامٍ غير السلام مما يؤنسه به، فلا باس بذلك. (2)
وإما إذاً لا تكون هناك حاجة فلا يجوز، قال النووي رحمه الله: إما إذا لم يحتج إليه، فالاختيار أن لا يقول شيئاً، فإن ذلك بسط له وإيناس وإظهار صورة ود، ونحن مأمورون بالإغلاظ عليهم ومنهون عن ودهم فلا تظهره، والله أعلم.(3)
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم".(4)
فالحديث بين لنا أن صفة الرد على أهل الكتاب أن تقول وعليكم.
ولكن إذا سمعنا الكتابي يقول: "السلام عليكم" بلفظ واضح، فهل نرد عليه بـ "وعليكم" عملاً بظاهر الحديث، أم نرد عليه سلامه ونقول "وعليكم السلام".
أجابت اللجنة الدائمة: قالت "ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا تحققنا من لفظ السلام ولم نشك فيه فإنه ينبغي علينا أن نرد السلام، وقالوا: إن هذا هو مقتضى العدل، والله تعالى يأمر بالعدل والإحسان. (5) وذهب آخرون - وهو الراجح- أننا نرد عليهم كما جاء في الحديث الصحيح الصريح (وعليكم). (6)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2167).
(2) الآداب الشرعية (1/391).
(3) الأذكار ( ص 366-367).
(4) رواه البخاري في كتاب الاستئذان برقم (6258) ومسلم في كتاب السلام برقم (2163).
(5) انظر أحكام أهل الذمة (1/425 - 426) وانظر فتاوى العقيدة لابن عثيمين ( ص 235 - 236) والسلسلة الصحيحة للألباني (2/327 - 330).
(6) فتاوى اللجنة الدائمة (3/312) رقم (11123).(1/214)
ويجوز السلام على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين.
روى البخاري ومسلم وغيرهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ركب حماراً عليه إكاف تحته قطيفة فدكية، واردف وراءه أسامة بن زيد وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج -وذلك قبل وقعة بدر- حتى مرّ في مجلس فيه أخلاطٌ من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفيهم عبد الله بن أبيّ بن سلول، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمَّر عبد الله بن أبيّ أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن..." الحديث. (1)
قال النووي: "والابتداء بالسلام على قوم فيهم مسلمون وكفار مجمع على جوازه".(2)
قيل للإمام أحمد رحمه الله تعالى: نعامل اليهود والنصارى ونأتيهم في منازلهم وعندهم قوم مسلمون، أسلم عليهم؟ قال: نعم، وتنوي السلام على المسلمين. (3)
وأما السلام على أهل المعاصي، قال النووي: "اعلم أن الرجل المسلم الذي ليس بمشهور بفسق ولا بدعة يسلمَّ ويسلَّم عليه، فيسن له السلام ويجب الرد عليه".(4)أ.هـ.
وأما أهل البدعة فإن من البدع ما يكون مكفراً ومنها دون ذلك فصاحب البدعة المكفرة لا يسلم عليه بحال، وقد حجب الله سبحانه وتعالى عنه التوبة حتى يدع بدعته، كما قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله حَجَب التوبة عن كل صاحب بدعةٍ حتى يدع بدعته".(5)
وأما صاحب البدعة غير المكفرة فإنه يأخذ حكم أهل المعاصي، ويكون حسب المصلحة الراجحة.
__________
(1) رواه البخاري برقم (6254)، ومسلم برقم (1798).
(2) شرح مسلم (12/125).
(3) الآداب الشرعية (1/390).
(4) الأذكار ( ص 364).
(5) سبق تخريجه.(1/215)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في بيان هجر أهل البدع: "أما هجرهم -أي المبتدعة- فهذا يترتب على البدعة، فإذا كانت البدعة مكفرة وجب هجره، وإذا كانت دون ذلك فإننا نتوقف في هجره إن كان في هجره مصلحة فعلناه، وإن لم يكن فيه مصلحة اجتنبناه، وذلك أن الأصل في المؤمن تحريم هجره لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لرجل مؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث".(1)أ.هـ.
النهي عن أن يطلع الإنسان في دار قبل أن يستأذن
قال الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } .(2)
عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما رجل كشف ستراً، فأدخل بصره قبل أن يؤذن له، فقد أتى حداً لا يحل له أن يأتيه، ولو أن رجلاً فقأ عينه لهدرت، ولو أن رجلاً على باب لا ستر له، فرأى عورة أهله فلا خطيئة عليه، إنما الخطيئة على أهل المنزل".(3)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه".(4)
__________
(1) فتاوى العقيدة (ص 614)، والحديث أخرجه البخاري في كتاب الأدب برقم (6077) ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2560).
(2) سورة النور الأية رقم (28-29).
(3) رواه أحمد، ورواه الترمذي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (3463).
(4) رواه البخاري في كتاب الديات برقم (6902)، ومسلم في كتاب الآداب برقم (2158).(1/216)
وعن أنس - رضي الله عنه - : أن رجلا اطلع من بعض حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقام إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بمشقص أو بمشاقص، فكأني أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه".(1)
وفي رواية للنسائي ولفظه:
أن أعرابياً أتى باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فالقم عينه خصاصة الباب، فبصُر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فتوخاه بحديدة أو عود ليفقأ عينه، فلما أن أبصره انقمع، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أما إنك لو ثبت لفقأت عينك".(2)
(المشقص): بكسر الميم بعدها شين معجمة ساكنة وقاف مفتوحة: هو السهم له نصل عريض، وقيل: طويل. وقيل: هو النصل العريض نفسه. وقيل: الطويل.
(يختله): بكسر التاء المثناة فوق، أي: يخدعه ويراوغه.
و (خصاصة الباب): بفتح الخاء المعجمة وصادين مهملتين: هي الثقب فيه والشقوق، ومعناه أنه جعل الشق الذي في الباب محاذياً له.
(توَّخاه): بتشديد الخاء المعجمة أي: قصده.
وعن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - : أن رجلاً اطلع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جحر في حجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - مدراة يحكُّ بها رأسه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لو علمت أنك تنظر لطعنت بها في عينك، إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر".(3)
مدراة: شيء يعمل من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه يسرح به الشعر المتلبد.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الاستئذان برقم (6242)، ومسلم في كتاب الآداب برقم (2157).
(2) صحيح الترغيب (3/36).
(3) رواه البخاري في كتاب الاستئذان برقم (6241)، ومسلم في كتاب الآداب برقم (2156).(1/217)
وعن عبد الله بن بسر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تأتوا البيوت من أبوابها، ولكن ائتوها من جوانبها، فاستأذنوا فإن أذن لكم فادخلوا، وإلا فارجعوا".(1)
تحذير المتسمع على الناس ما يُسرونه
قال الله تعالى: { وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } .(2)
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تحلم بِحُلمٍ لم يره كُلِّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الأنك يوم القيامة ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ".(3)
الآنك: الرصاص المذاب.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن
يفقأوا عينه".(4)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لا تتبعوا عورات المسلمين ولا عثراتهم فإنه من يتبع عثرات المسلمين يتبع الله عثرته ومن يتبع الله عثرته يفضحه وإن كان في بيته".(5)
وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم".(6)
النهي عن تناجي اثنين دون الثالث
لا يجوز تناجي الاثنين دون الثالث لكي لا يكون ذلك طريقاً للشيطان، ولكي لا يظن المسلم بإخوانه سوءاً، ولا يكونوا هم سبب لحزن أخيهم المسلم.
__________
(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ورواه الطبراني في "الكبير"، وحسنه الألباني "المشكاة" (46730) وصحيح الترغيب (2731).
(2) الحجرات: (12).
(3) أخرجه البخاري في كتاب "التعبير" برقم (7042)، ومسلم برقم (2110).
(4) متفق عليه.
(5) سبق تخريجه.
(6) سبق تخريجه.(1/218)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن يحزنه".(1)
وفي رواية: "لا ينتجي اثنان دون الثالث فإن ذلك يحزنه".(2)
وفي رواية: "لا يتسارَّ اثنان دون الثالث".(3)
وأما إذا كان القوم أربعة فما فوق فلا بأس بذلك لانتفاء العلة. والله أعلم.
النهي عن التهاجر والتشاحن والتدابر
عن أبي أيوب - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - رضي الله عنه - قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".(4)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ".(5)
وزاد الطبراني: "يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهم الذي يبدأ بالسلام".
قال مالك: "ولا أحسب التدابر إلا الإعراض عن المسلم، يُدبِر عنه بوجهه".(6)
__________
(1) رواه البخاري برقم (6290)، ومسلم برقم (2184) واللفظ له.
(2) رواه البخاري برقم (6288)، ومسلم برقم (2183).
(3) رواه أحمد برقم (4650).
(4) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6077)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم
(2560).
(5) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6065)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم
(2559).
(6) الموطأ (3/100).(1/219)
وعن هشام بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لمسلم أن يهجر مسلماً فوق ثلاث ليالٍ، فإنهما ناكبان عن الحق ما داما على حرامهما، وأولهما فيئاً يكون سبقه بالفيء كفارةً له، وإن سلَّم فلم يقل ورد عليه سلامه، ردت عليه الملائكة، ورد على الآخر الشيطان، فإن ماتا على حرامهما لم يدخلا الجنة جميعاً أبداً".(1)
ورواه ابن حبان في "صحيحه" إلا أنه قال: "لم يدخلا الجنة ولم يجتمعا في الجنة".
وعن أبي ثعلبة - رضي الله عنه - ، أن النبي - رضي الله عنه - قال: "يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين، ويمهل الكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه".(2)
وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من هجر أخاه فوق ثلاثٍ فهو في النار، إلا أن يتداركه الله برحمته".(3)
ما جاء في الإصلاح بين الناس
قال الله تعالى: { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } (4).
وقال تعالى: { يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (5).
__________
(1) رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2759).
(2) صحيح الترغيب (2771).
(3) رواه الطبراني، وقال المنذري: "رواته رواه الصحيح"، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (2761).
(4) سورة النساء الآية (114).
(5) سورة الأنفال الآية (1).(1/220)
وقال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (1).
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة" (2).
(سلامى): عظام البدن ومفاصله.
(متاعه): كل ما ينتفع به من عرض الدنيا قلَّ أو كثُر.
(خطوة): للمرة الواحدة وخطوة ما بين القدمين .
(تميط): تزيل
(الأذى): ما يؤذي من حجر وشوك في الطريق.
وعن أم كلثوم بنت عقبة بن معيط رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً"(3).
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة " قالوا بلى يا رسول الله قال: "إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة"(4).
دعاء نزول المنزل
__________
(1) سورة الحجرات الآية (10).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح برقم (2707) وفي كتاب الجهاد برقم (2891 و2989) ومسلم في كتاب الزكاة (2332).
(3) متفق عليه.
(4) رواه أبو داود وابن حبان والترمذي وقال: حديث(حسن صحيح) ورواه البزار والطبراني بإسناد لا بأس به غاية المرام (414)، المشكاة (5038).(1/221)
عن خولة بنت حكيم السلمية رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه وسلم يقول: "من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك(1).
التامات: معناه الكاملات التي لا يدخل فيها نقص ولا عيب، وقيل النافعة الشافية .
قال ابن عبد البر : أن هذا الدعاء يقال عند حلول كل مكان أو النزول فيه وليس مخصوصاً بنزول المسافر من مركوبه، ومنها أن كلام الله منه تبارك اسمه وصفة من صفاته ليس بمخلوق، لأنه محال أن يستعاذ بمخلوق ، وعلى هذا جماعة أهل السنة.أ.هـ. (2).
وقال القرطبي: هذا خبر صحيح وقول صادق علمنا صدقه دليلاً وتجربة، فإني مذ سمعت هذا الخبر عملت عليه فلم يضرني شيء إلى أن تركته ، فلدغتني عقرب بالمهدبة ليلاً، فتفكرت في نفسي فإذا بي قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات (3).
ما جاء في فضل من رد غيبة أخيه المسلم
وذب عن عرضه
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة"(4).
وعن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حمى مؤمناً من منافق أراه قال: بعث الله ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى مسلماً بشيء يريد به شينه حبسه الله عز وجل على جسر حتى يخرج مما قال"(5).
شينه: أي عيبه وتنقصه والشين العيب.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2708)، وأحمد برقم (6579) والترمذي برقم (3437)، وابن ماجه برقم (3547)، الدارمي برقم (2680).
(2) التمهيد (24/186).
(3) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص(161).
(4) رواه الترمذي وقال( حديث حسن) ورواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب التوبيخ، وصححه العلامة الألباني في غاية المرام (431)، وصحيح الجامع (6138)، وصحيح الترغيب برقم (2848).
(5) رواه أبو داود، المشكاة (4986).(1/222)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من رد عن عرض أخيه كان له حجاباً من النار"(1).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار"(2).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من نصر أخاه بظهر الغيب نصره الله في الدنيا والآخرة"(3).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "من نصر أخاه المسلم بالغيب، نصره اللهُ في الدنيا والآخرة "(4).
ما جاء في فضل الصدق
قال الله تعالى: { قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (5).
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } (6)
وقال الله تعالى: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } (7).
وقال تعالى: { لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ } (8).
__________
(1) رواه البيهقي في السنن، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6139).
(2) رواه الطبراني عن أسماء بنت يزيد ، ورواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا، وقال الألباني في الترغيب: "صحيح لغيره" (2847).
(3) رواه البيهقي في السنن والضياء عن أنس ، وصححه الألباني في صحيح الجامع
(6450)، وصحيح الترغيب (2848).
(4) رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً، وقال الألباني رحمه الله: ورواه بعضهم مرفوعاً، انظر الصحيحة برقم (1217)، وصحيح الترغيب برقم (2849).
(5) سورة المائدة الآية (119).
(6) سورة التوبة الآية (119).
(7) سورة الأحزاب الآية (23).
(8) سورة الأحزاب الآية (24).(1/223)
وقال تعالى: { وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ } إلى قوله تعالى { أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } (1).
وقال تعالى { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ، لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ، لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } (2).
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر وهما في الجنة وإياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور وهما في النار"(3).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صِديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً"(4).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا حفظ أمانة ، وصدق حديث، وحسن خليقةٍ، وعفةُ في طُعمةٍ"(5).
__________
(1) سورة الأحزاب (35).
(2) سورة الزمر الآية (33-35).
(3) رواه الطبراني بإسناد حسن، قال الهيثمي في مجمع الزوائد(1/93): "رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن" ، صحيح الجامع (4071)، المشكاة(2824) والطحاوية (98).
(4) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6094)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم
(2607).
(5) رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي بإسانيد حسنة، صحيح الترغيب (2929).(1/224)
وتقدم حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خلقه"(1).
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اضمنوا لي ستاً من أنفسكم، أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم ،و غضوا أبصاركم ، وكُفُوا أيديكم"(2).
وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بالصدق فإنه مع البر، وهما في الجنة وإياكم والكذب، فإنه مع الفجور وهما في
النار"(3).
والصدق عاقبته خير وإن توقع المتكلم شراً وفيه النجاة والصلاح، قال الله تعالى: { فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ } .(4)
وفي قصة توبة كعب بن مالك، يقول كعب بعد أن نزلت توبة الله على الثلاثة الذين خلفوا: "يا رسول الله ! إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت".
ويقول - رضي الله عنه - كذلك: "فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط، بعد أن هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوا...".(5)
وروى ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد أنه قيل له: كيف تخصلت من سيف المعتصم وسوط الواثق؟ فقال: لو وضع الصدق على جرح لبرأ.
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه أحمد وابن أبي الدنيا، وابن حبان في "صحيحه" والحاكم والبيهقي، كلهم من رواية المطلب بن عبد الله بن حنطب عنه، وقال الحاكم " صحيح الإسناد" ، وقال الألباني: صحيح لغيره" الترغيب (2925).
(3) رواه ابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2933).
(4) محمد : (21).
(5) أخرجه البخاري في كتاب المغازي برقم (4418).(1/225)
عن يزيد بن خمير قال: سمعت سليم بن عامر يحدث عن أوسط بن إسماعيل بن أوسط، سمع ابا بكر الصديق - رضي الله عنه - ، بعد ما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسنة فقال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام أو مقامي هذا، ثم بكى أبو بكر ثم قال: عليكم بالصدق، فإنه مع البر، وهما في الجنة، وإياكم والذكب، فإنه مع الفجور، وهما في النار".(1)
وعن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الصدق يهدي الى البر، وإن البر يهدي الى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب صدِّيقا".(2)
وعن عمرو بن مرة قال: سمعت مرة الهمداني قال: كان عبد الله - رضي الله عنه - يقول: عليكم الصدق، فإنه يهدي الى الجنة، وما يزال الرجل يصدق حتى يكتب عند الله صديقا، ويثبت البر في قلبه، فلا يكون للفجور موضع إبرة يستقر فيها.(3)
وعن عمارة بن أبي حفصة، سمع أبا مجلز يقول: قال رجل لقومه: عليكم بالصدق فإنه نجاة. (4)
النهي عن الكذب
قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } .(5)
قال الله تعالى: { قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ } .(6)
الخراصون: الكذابون.
وقال الله تعالى: { ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } .(7)
__________
(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (724)، وابن ماجة (3849) وأحمد (1/3، 5، 7) والحميدي (7) وأبو يعلى (121) وابن حبان (106) والخرائطي في المكارم (307) والطحاوي في المشكل (1/189-190).
(2) أخرجه البخاري (10/507-فتح)، ومسلم (2607).
(3) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (443).
(4) أخرجه ابن ابي الدنيا في الصمت برقم (450).
(5) غافر: (28).
(6) الذاريات: (10).
(7) آل عمران: (61).(1/226)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا".(1)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان".(2)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر".(3)
الكذب في الرؤيا أو الحلم
وفي ذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين يوم القيامة ولن يفعل".(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن أفرى الفرى أن يرى الرجل عينيه مالم تريا".(5)
قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } .(6)
وقال سبحانه : { إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ } .(7)
وقال تعالى: { لهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } .(8)
وقال تعالى: { وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } .(9)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (6094)، ومسلم في كتاب "البر" برقم (2606 و 2607).
(2) رواه البخاري في كتاب "الإيمان" برقم (23)، ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (59).
(3) رواه البخاري في كتاب "الإيمان" برقم (34)، ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (58).
(4) رواه البخاري في كتاب "التعبير" برقم (7042).
(5) رواه البخاري في كتاب "المناقب" برقم (3509 - مع فتح الباري).
(6) ق: (18).
(7) النحل: (105).
(8) البقرة: (10)..
(9) الجاثية: (7).(1/227)
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الصدق يهدي الى البر وإن البر يهدي الى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإن الكذب يهدي الى الفجور وإن الفجور يهدي الى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذّاباً".(1)
عن عمر بن مرة قال: سمعت مرة الهمداني قال: كان عبد الله - رضي الله عنه - يقول: إياكم والكذب فإنه يهدي الى النار وما يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا ويثبت الفجور في قلبه فلا يكون للبر موضع إبرة يستقر فيها. (2)
عن منصور قال: سمعت أبا وائل عن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان".(3)
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً وإن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا وعد أخلف وإذا حدث كذب وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر".(4)
عن مصعب بن سعد عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "على كل خلةٍ يُطبع أو يطوي عليها المؤمن إلا الخيانة والكذب".(5)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه البزار (رقم 86) والخرائطي في المكارم (191، 200) والفريابي في صفة النفاق (7)، وابن مندة في الإيمان (رقم 531) وأبو نعيم في الحلية (5/43).
(4) أخرجه البخاري (1/89، 6/279)، ومسلم (58/106).
(5) أخرجه البزار (ج1/ رقم 102) وأبو يعلى (ج2/ رقم 711) وابن عدي في الكامل
(1/44)، والبيهقي (10/197)، وابن الجوزي في الواهيات (2/706).(1/228)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: الشيخ الزاني، والإمام الكذاب، والعائل المزهوّ".(1)
عن قيس بن أبي حازم سمع أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - يقول: أيها الناس إياكم والكذب فإنه مجانب الإيمان.(2)
عن عبد الله - رضي الله عنه - أنه كان يقول في خطبته: شر الروايا روايا الكذب وأعظم الخطايا اللسان الكذوب. (3)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان".(4)
عن الحسن - رضي الله عنه - قال: يعدّ من النفاق اختلاف القول والعمل واختلاف السرّ والعلانية والمدخل والمخرج وأصل النفاق والذي بُني عليه النفاق: الكذب. (5)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - : ما كذبت كذبة منذ شددت عليّ إزاري. (6)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول في خطبته: ليس فيما دون الصدق من الحديث خير من يكذب يفجر ومن يفجر يهلك. (7)
__________
(1) أخرجه النسائي (5/86) وأحمد (2/433)، وأخرجه مسلم (107/172) من وجه آخر عن أبي هريرة صحيح الجامع رقم (3069).
(2) أخرجه وكيع (399) وعنه هناد (1368) كلاهما في الزهد وأحمد (1/5) وابن عدي
(1/43) والبيهقي (10/196-197).
(3) أخرجه ابن عدي في الكامل (1/55-569) وأبو نعيم في الحلية (1/138-139) وعبد الرزاق (11/159-160).
(4) أخرجه البخاري (1/89 و 5/ 289، 375و 10/507-فتح) ومسلم (59/107).
(5) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (480).
(6) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (483).
(7) أخرجه البيهقي (3/215) وابن أبي الدنيا في الصمت برقم (488).(1/229)
عن إبراهيم رحمه الله قال: كانوا يقولون: إن الكذب يفطر الصائم. (1)
عن عبد العزيز قال: سمعت مالك بن دينار رحمه الله يقول: قرأت في بعض الكتب: ما من خطيب يخطب إلا عرفت خطبته على عمله فإن كان صادقا صدّق وإن كان كاذباً قرضت شفتاه بمقراضين من نار كلما قرضتا نبتتا. (2)
عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس فقال: "أيها الناس ما يحملكم أن تتتابعوا بالكذب كما تتتابع الفراش في النار كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا ثلاث خصال: رجل كذب امرأته ليرضيها ورجل كذب بين إمرأين ليصلح بينهما ورجل كذب في حديعة الحرب".(3)
عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن أمه وهي أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط أخبرته أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيراً وينمي خيراً" قال ابن شهاب: فلم أسمع يرخص فيما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. (4)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا حدثتم فلا تكذبوا وإذا أؤتمنتم فلا تخونوا".(5)
عن ابن عون قال: اعتذر رجل عند إبراهيم فقال: قد عذرناك غير معتذر إن الاعتذار يخالطه الكذب. (6)
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/227).
(2) أخره ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (498).
(3) أخرجه الترمذي (6/68-تحفة) وأحمد (6/454، 459، 461) وابن جرير في تهذيب الآثار (3/128).
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) سبق تخريجه.
(6) أخرجه ابن المبارك في الزهد (365)، وابو نعيم في الحلية (4/224).(1/230)
عن ابو اسحاق قال: سمعت أبا الأحوص يحدث: أن عبد الله - رضي الله عنه - كان يقول: إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "الا أنبئكم بالعضة: وهي النميمة، القالة بين الناس وإن شر الروايا الكذب وإن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ولا يعد أحدكم صبياً ولا ينجز له".(1)
عن شقيق بن سلمة قال: قال أخي عبد الرحمن بن سلمة، ما كذبت منذ أسلمت إلا أن ليدعوني الى طعامه فأقول: ما أشتهيه فعسى أن يكتب. (2)
عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه قال: سمعت يونس بن عبيد يقول: كل حلّةٍ يرجى تركها يوماً ما، إلا صاحب الكذب. (3)
عن الأعمش قال: ذكرت لإبراهيم رحمه الله حديث ابي الضُّحى عن مسروق أنه رخص في الكذب في إصلاح بين الناس؟ فقال: ما كانوا يرخصون في الكذب في جدّ ولا هزل. (4)
عن محمد أنه ذكر عنده أنه يصلح الكذب في الحرب فأنكر ذلك وقال: ما أعلم الكذب إلا حراماً قال ابن عون: فغزوت فخطبنا معاوية بن هشام فقال: اللهم انصرنا على عمورية وهو يريد غيرها فلما قدمت ذكرت ذلك لمحمد فقال: أمّا هذا فلا بأس به. (5)
عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين".(6)
__________
(1) أخرجه مسلم (2606)، واحمد (1/437)، والبيهقي (10/246)، والطيالسي (2211)، الصحيحة: (846).
(2) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (521).
(3) أخرجه ابن ابي الدنيا في الصمت برقم (528).
(4) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (531).
(5) أخرجه ابن ابي الدنيا في الصمت برقم (532).
(6) أخرجه مسلم في المقدمة (1/9)، والترمذي (2664)، وابن ماجة (41)، وأحمد
(4/252)، والطيالسي (690)، والبغوي في شرح السنة (1/266)، والخطيب في الجامع
(284)، والطحاوي في المشكل (1/175) وغيرهم.(1/231)
عن سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من روى عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين".(1)
عن عون بن عبد الله قال: كساني أبي حلّةً فخرجت فيها فقال لي أصحابي: كساك هذه الأمير؟ فأحببت أن يروا أن الأمير كسانيها، فقلت: جزى الله الأمير خيراً كسا الله الأمير من كسوة الجنة فذكرت ذلك لأبي فقال: يا بني لا تكذب ولا تشبه بالكذب. (2)
عن الشعبي قال: ما أدري أيهما أبعد غَوراً في النار: الكذب أو البخل. (3)
عن الشعبي قال: من كذب فهو منافق. (4)
عن أبي رزمة عن ابيه قال: سمعت ابن المبارك يقول: أول عقوبة الكاذب من كذبه أنه يردّ عليه صدقُه. (5)
عن مسروق رحمه الله قال: ليس شيء أعظم عند الله من الكذب. (6)
عن علي بن حملة قال: قال عبد الله بن أبي زكريا الدمشقي: عالجت الصمت كما لا يعنيني عشرين سنة قلّ أن أقدر منه علي ما أريد قال: وكان لا يدع يُغتاب في مجلسه أحدٌ يقول: إن ذكرتم الله أعنّاكم وإن ذكرتم الناس تركناكم. (7)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت".(8)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه كان يقول: من لم ير أن كلامه من عمله وأن خُلقه من دينه هلك وهو لا يشعر. (9)
__________
(1) أخرجه مسلم في المقدمة ابن ماجة (39) وأحمد (5/14، 20) والطيالسي (895)، والطحاوي في المشكل (1/174)، وابن عدي (1/29).
(2) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (536).
(3) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (539).
(4) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (540).
(5) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (546).
(6) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (550).
(7) أخرجه أبو نعيم في الحلية (5/149) وابن أبي الدنيا في الصمت برقم (552).
(8) سبق تخريجه.
(9) أخرجه ابن ابي الدنيا في الصمت برقم (557).(1/232)
عن الحسن - رضي الله عنه - قال: ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه. (1)
عن عبد الملك بن شريح قال: لو أن عبداً اختار لنفسه ما اختار شيئا أفضل من الصمت. (2)
عن سحبل بن محمد الأسلمي قال: سمعت محمد بن عجلان يقول: إنما الكلام أربعة أن تذكر الله وأن تقرأ القرآن وتسأل عن علم فتخبر به أو تكلم فيما يعنيك من أمر دنياك.(3)
عن عبد الله بن حبيب رحمه الله: أن داود النبي عليه السلام قال: "ربّ كلام قد ندمت عليه ولم أندم على صمت قط".(4)
عن يحيى بن أبي كثير رحمه الله قال: خصلتان إذا رأيتهما في الرجل فاعلم أن ما وراءهما خير منهما وإذا كان حابساً للسانه يحافظ على صلاته. (5)
عن ابي السائب عن أبيه قال: كان عبد الله بن أبي زكريا إذا كان في مجلس فخاض جلساؤه في غير ذكر الله فكأنه ساهٍ وإذا أخذوا في ذكر الله كان اشدّ القوم استماعا إليه.(6)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أبغض الرجال الى الرسول - صلى الله عليه وسلم - الألد الخصم.(7)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لما عُرج بي مررت بقومٍ لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم".(8)
عن مطرف بن الشخير قال من صفا عمله صفا لسانه ومن خلط خُلط له.(9)
__________
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (559).
(2) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (560).
(3) أخرجه ابن وهب في جامعه (1/65)، وابن أبي الدنيا في الصمت برقم (561).
(4) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (563).
(5) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (564).
(6) أخرجه ابن الجوزي في الصفة (4/217).
(7) سبق تخريجه.
(8) سبق تخريجه.
(9) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (573).(1/233)
عن عنبسة الخوّاص قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما وهو في الطواف: يا لسان قل فاغنم أو اسكت واسلم قبل أن تندم. (1)
عن المعلى قال: قال مورق: أمرٌ أنا في طلبه منذ كذا وكذا سنة لم أقدر عليه ولست بتاركٍ طلبه أبداً قالوا وما هو يا ابا المعتمد؟ قال: الكف عما لا يعنيني. (2)
عن إبراهيم التيمي رحمه الله قال: ما عرفت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبا. (3)
عن ابن شوذب قال: دخل رجل على عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - : فجعل يشكو إليه رجلاً ظلمه ويقع فيه فقال له عمر - رضي الله عنه - : إنك إن تلقى الله ومظلمتك كما هي خير لك من أن تلقاه وقد انتقصتها. (4)
عن مخلد قال: جاء رجل الى أبان بن ابي عياش فقال: إن فلاناً يقع فيك. قال: أقرئه السلام وأعلمه أنه قد هيجني على الاستغفار. (5)
عن إبراهيم بن أدهم رحمه الله ونفعنا ببركته قال: إذا تكلم في الحلقة عندنا أيسنا من خيره. (6)
عقوبة الذي يكذب
أخرج البخاري من حديث سمرة بن جندب بطوله في منام النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: "أما الرجل الذي رايته يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق".(7)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يكلمهم الله..." الحديث وفيه "ملك كذاب".(8)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - : "يطبع المؤمن على كل شيء ليس الخيانة والكذب".(9)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) سبق تخريجه.
(4) أخره ابن المبارك في الزهد (381)، وابن ابي الدنيا في الصمت برقم (581).
(5) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (585).
(6) أخرجه ابن ماجة (3761) والبخاري في المفرد (874) وابن حبان (2014) والبيهقي
(10/241).
(7) سبق تخريجه.
(8) سبق تخريجه.
(9) سبق تخريجه.(1/234)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع".(1)
الكذب في إظهار الفضل وإيحاء ما ليس له
وفي ذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "المتشبع ما لم يعط كلابس ثوبي زور".(2)
وقال عليه الصلاة والسلام: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث".(3)
الكذب بقصد المزاح
وعن معاوية بن بهز قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ويل للذي يحدث
فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له". (4)
والكذب في البيع والشراء كالذي يخفي عن الناس عيوب سلعته أو يتعمد الحلف ويجعل الحلف والأيمان أداة في ترويج بضاعته وفي ذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اليمين الكاذبة منفقة للسلعة، ممحقة للكسب".(5)
والكذب لإفساد ذات البين:
قال الله تعالى: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم } .(6)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من خبب زوجة امرئ أو مملوكه فليس منا".(7)
إلى غير ذلك من أنواع الكذب أعاذنا الله وإياكم منه.
الوفاء بالوعد
قال الله تعالى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً } .(8)
وقال تعالى: { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } .(9)
__________
(1) رواه مسلم في "المقدمة" (1/10).
(2) رواه مسلم في كتاب "اللباس" (2130).
(3) رواه البخاري في "النكاح" برقم (5143) ورواه مسلم في "البر والصلة" برقم (2563).
(4) اخرجه ابو داود في الأدب برقم (4990)، وحسنه الألباني، صحيح أبي داود رقم (4175).
(5) متفق عليه.
(6) محمد: (22).
(7) أخرجه أبو داود، وصححه الألباني.
(8) مريم: (الآية:54).
(9) الإسراء: (الآية: 34).(1/235)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان".(1)
عن الحسن بن عبيد الله قال: قلت لإبراهيم: الرجل يواعد الرجل الميعاد ولا يجيء؟ قال: لينتظر ما بينه وبين أن يدخل وقت الصلاة التي تجيء. (2)
وعن شعبة رحمه الله، قال: ما واعدت أيوب موعداً قط، إلا قال لي حين يريد أن يفارقني: ليس بيني وبينك موعد، فإذا جئت وجدته قد سبقني. (3)
وعن أبي عوانة قال: كان رقبة رحمه الله يعدنا في الحديث، ثم يقول: ليس بيني وبينكم موعد يأثم من تركه، فيسبقنا إليه. (4)
وعن أبي اسحاق قال: كان أصحاب عبد الله - رضي الله عنه - ، يقولون: إذا وعد فقال: إن شاء الله، فلم يُخلف. (5)
ثواب دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب سيما المسافر
عن أم الدرداء قالت : حدثني سيدي (يعني زوجها أبو الدرداء وهي الصغرى) أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة: ولك بمثل"(6).
(وقال الحافظ): أم الدرداء هذه هي الصغرى تابعية واسمها (هُجيمة) ويقال (جهيمة) بتقديم الجيم ويقال (جُمانة) ليس لها صحبة إنما الصحبة لأم الدرداء الكبرى واسمها (خيرة) وليس لها في البخاري ولا مسلم حديث قاله: غير واحد من الحُفاظ "انظر العجالة".
__________
(1) متفق عليه.
(2) أخرجه ابن ابي الدنيا في الصمت برقم (460).
(3) أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/5) وابن أبي الدنيا في الصمت برقم (462).
(4) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (463).
(5) أخرجه ابن ابي الدنيا في الصمت برقم (464).
(6) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6865)، وأبو داود في كتاب الصلاة برقم
(1534)، واللفظ له.(1/236)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المظلوم ، ودعوة المسافر"(1).
فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب
و عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما من عبدٍ مسلم يدعوا لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل"(2).
وعنه - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل"(3).
وعن صفوان بن عبد الله بن صفوان كانت تحته، الدرداء قال: قدمت الشام ، فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء فقالت: أتريد الحج العام؟ فقلت : نعم قالت: فادع الله لنا بخير فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: " دعوة المرء بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل"
قال فخرجت إلى السوق فلقيت أبا الدرداء فقال لي مثل ذلك يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (4).
(بظهر الغيب) معناه: في غيبة المدعو له وفي سِره لأنه أبلغ في الإخلاص
(بمثل) بكسر الميم وإسكان الثاء أي عديله سواء.
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي في موضعين وحسنه في أحدهما، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3132).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6864)، وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1534).
(3) أخرجه مسلم.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم(6866) وابن ماجه في كتاب الحج (2895).(1/237)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وفي هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة ولو دعا لجملة المسلمين فالظاهر حصولها أيضاً وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعوا لأخيه المسلم بتلك الدعوة لأنها تستجاب ويحصل له مثلها.
ما الذي يجب أن تفعل أمام من يذكر المسلم بسوء
قال الله تعالى: { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } .(1)قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا جلس إليك الخصمان فلا تقضي بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول؛ فإذا فعلت، تبين لك القضاء".(2)
وقال عليه الصلاة والسلام: "إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقابٍ منه".(3)
ما يقول إذا نزل منزلاً
عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك"(4).
التامات: معناه الكاملات التي لا يدخل فيها نقص ولا عيب، وقيل النافعة الشافية.
__________
(1) المائدة : (78،79).
(2) أخرجه أبو داود والحاكم والطيالسي وغيرهم، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (1300).
(3) ابو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم وهو من "صحيح سنن الترمذي" برقم (1761). المشكاة (5142).
(4) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم(2708)، والترمذي برقم 3437، وابن ماجه برقم (3547) ، والدارمي برقم (2680)(1/238)
عن أنس قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا بُني إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك"(1).
عن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لأصحابه لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء".(2)
كل ما يذكر اسم الله عليه ييأس الشيطان منه فإذا غفل حل في غفلته ونال مراده منه.
الشيطان يبيت في البيوت التي لم يذكر الله تعالى فيها ويأكل من طعام أهلها إذا لم يذكروا اسم الله عليها.
وعن أمية بن مخشي الصحابي - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً ورجل يأكل فلم يسمِ الله حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله أوله وآخره فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه"(3).
الشيطان يشارك في طعام من لم يذكر اسم الله عليه إن ذكر الله على الطعام ولو لم يبق منه إلا جزء يسير يحرم الشيطان من كل ما كان قد أكل قبل.
حفظ السر وعدم إفشائه
__________
(1) رواه الترمذي (2698) وقال: "حديث حسن صحيح"، الكلم (62) المشكاة (4652).
(2) رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (5230) وأبو داود في كتاب الأطعمة برقم (3765).
(3) رواه أبو داود والنسائي، المشكاة (4203) والكلم (183) والرياض (735).(1/239)
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت، فهي أمانة"(1)
وقال عمرو بن العاص - رضي الله عنه - : ما وضعت سري عند أحدٍ أخشاه علي فلمته، إنما كنت أضيق به، حيث استودعته إياه. (2)
فيجب على المسلم أن يحفظ السر ولا يفشيه وأن يفي بالعهد، حيث قال الله تعالى: { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } .(3)
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن عمر - رضي الله عنه - حين تأيمت بنته حفصة قال: لقيت عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فعرضت عليه حفصة فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر؟ قال: سأنظر في أمري. فلبث ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. فلقيت ابا بكر الصديق - رضي الله عنه - فقلت: إن شئت
أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئاً فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر - رضي الله عنه - فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ فقلت: نعم. قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكرها فلم أكن لأفشي سرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو تركها النبي - صلى الله عليه وسلم - لقبلتها. (4)
تأيمت: صارت بلا زوج.
الوجد: الغضب.
__________
(1) أخرجه أبو داود برقم (4868) والترمذي (1959) والطحاوي في المشكل (4/335-336). وأحمد (3/324 و 352، 379، 380، 394) والطيالسي (1761)، وصححه الألباني في المشكاة: (5061)، و الصحيحة (1090).
(2) أخرجه ابن حبان في الروضة (188) وابن أبي الدنيا في الصمت برقم (406).
(3) الإسراء: (34).
(4) رواه البخاري.(1/240)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: أتى عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ألعب مع الغلمان، فسلّم علينا، فبعثني في حاجته، فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت: ما حبسك. فقلت: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاجة، قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سر. قالت: لا تخبرني بسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحداً. قال أنس: والله لو حدّثت به أحد لحدثتك به يا ثابت".(1)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان".(2)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا حدّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن المجاهرة، أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه".(4)
معافى: أي قد عافهم الله عز وجل.
المجاهرون: هم الذين يجاهرون بمعصية الله عز وجل.
من سمع بفاحشة فأفشاها
عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: القائل الفاحشة، والذي يشيع بها في الإثم سواء.(5)
وعن شبيل بن عوق قال: كان يقال: "من سمع بفاحشة فأفشاها، فهو فيها كالذي أبداها".(6)
تحذير من دعا إلى عصبية
__________
(1) رواه مسلم.
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم وهو في "الصحيحة" برقم (1090).
(4) رواه البخاري (8/24)، وبنحوه مسلم برقم (2990).
(5) صحيح الأدب المفرد برقم (247).
(6) صحيح الأدب المفرد رقم (248).(1/241)
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا.(1)
وقال تعالى: { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا } .(2)
وقال تعالى:)لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } .(3)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية".(4)
النهي عن أذية المسلمين وشتمهم واللعن سيما لمعين
قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِينا } .(5)
وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } .(6)
وقال تعالى: { وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } .(7)
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ } .(8)
__________
(1) النساء: (135).
(2) المائدة: (8).
(3) المجادلة: (22).
(4) رواه أبو داود عن جبير بن مطعم. وضعفه العلامة الألباني في سنن أبي داود برقم
(5121).
(5) الأحزاب: (158).
(6) النور: (19).
(7) الحجرات: (12).
(8) الحجرات: (11).(1/242)
وقال تعالى: { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } .(1)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المستبان ما قالا فعلى البادئ ما لم يَعتَدٍ المظلوم".(2)
وعن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال: قلت: يا نبي الله! الرجل يشتمني وهو دوني، أعليَّ من بأس أن أنتصر منه؟ قال: "المستبان شيطانان يتهاتران، ويتكاذبان".(3)
وعن عبد الله بن عمرو رفعه قال: "سباب المسلم كالمشرف على الهلكة".(4)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن شر الناس منزلة عند الله من ودعه الناس اتقاء فحشه".(5)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله يبغض الفاحش البذيء".(6)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "كل المسلم على المسلم حرام: عرضه وماله ودمه، التقوى ها هنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم".(7)
__________
(1) الهمزة: (1).
(2) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2587).
(3) رواه ابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2781).
(4) رواه البزار، صحيح الترغيب (3/57).
(5) رواه البخاري في كتاب "الأدب" (3132) ورواه مسلم في كتاب "البر والصلة" رقم (2591).
(6) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (464) والترمذي "أبواب البر والصلة" (2002) وابن حبان ( ص 474) رقم (1920 - موارد) والبيهقي "السنن الكبرى" (10/193) وقال الترمذي: "حسن صحيح" صحيح الجامع (134).
(7) أخرجه مسلم في "البر والصلة" (2564) وأحمد "المسند" (3/491) و (22/36) والترمذي "أبواب البر والصلة" (1927) وأبو داود "الأدب" (4882) وابن ماجة كتاب "الفتن" (3933) والطبراني"الكبير" (22/183) وابن أبي الدنيا "الصمت" رقم (162) والقضاعي "مسند الشهاب" (1/36) رقم (121) مختصرا ومطولا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .(1/243)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم".(1)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".(2)
وفي الصحيحين: "والله لا يؤمن! والله لا يؤمن! والله لا يؤمن! قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه".(3)
وفي لفظ على شرط الصحيحن: "لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه".(4)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره".(5)
وفي لفظ لمسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره".(6)
وعن الأعمش عن أبي يحيى مولى جعدة، قال: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول قيل: يا رسول الله! إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار وفي لسانها شيء يؤذي جيرانها سليطة فقال: "لا خير فيها هي في النار".(7)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب "البر والصلة" رقم (2564).
(2) رواه البخاري في "الأدب" رقم (6044)، ورواه مسلم في "الإيمان" رقم (64).
(3) البخاري في "الأدب" رقم (6016)، ومسلم في "الإيمان" رقم (73).
(4) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/547) والحاكم "المستدرك" (4/165) والأصبهاني في "الترغيب والترهيب" (9/ب) مخطوط وأحمد في "المسند" (2/372-373) والذهبي في "حق الجار" رقم (16 و 17) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/169): "رجال أحمد رجال الصحيح". وقال الحاكم: "حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة" وذكر الحافظ ابن خجر في "فتح الباري" (10/444) تعقيب على كلام الحاكم مع موافقته له في صحة الحديث فراجعه.
(5) رواه البخاري في "الأدب" رقم (6018)، ومسلم في "الإيمان" رقم (47).
(6) رواه مسلم في "الإيمان" برقم (48).
(7) أخرجه أحمد في "المسند"، السلسلة الصحيحة (190).(1/244)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم".(1)
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لعن المؤمن كقتله".(2)
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".(3)
وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضب الله ولا بالنار".(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة".(5)
و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينبغي لصديق أن يكون لعاناً".(6)
وقال عليه الصلاة والسلام: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء".(7)
__________
(1) أخرجه أبو داود في "الأدب" (4/375) والترمذي "أبواب الجنائز" (1019) والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/75) وابن حبان (3009 - مع الاحسان) والطبراني في "الصغير" (1/166)، والحاكم في "المستدرك" (1/385). وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. وضعفه الشيخ الألباني في سنن الترمذي برقم (1019).
(2) رواه البخاري في "الأدب" برقم (6047) ومسلم في كتاب "الإيمان" (110).
(3) رواه البخاري في "الأدب" ومسلم في "الإيمان" برقم (64).
(4) أخرجه أبو داود في كتاب "الأدب" برقم (4906)، والبخاري في "الأدب المفرد" برقم
(320)، والترمذي في "أبواب البر والصلة" برقم (1976)، وأحمد في "المسند" (5/15)، والحاكم في ===
== "المستدرك" (1/48) كلهم من حديث هشام عن قتادة عن الحسن عن سمرة، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح" وقال الحاكم: "صحيح" ووافقه الذهبي. وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (2789).
(5) رواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2598).
(6) رواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2597).
(7) أخرجه الترمذي في ابواب "البر والصلة" (1977)، والبخاري في "الأدب المفرد"
(
312)، وأحمد في "المسند" (1/405 و 416)، والحاكم في "المستدرك" (1/12)، والبزار والطبراني في "الكبير" كما في مجمع الزوائد (8/72). وصححه العلامة الألباني في سنن الترمذي برقم (1977).(1/245)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تأخذ يميناً وشمالاً فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن إن كان أهلاً لذلك وإلا رجعت إلى قائلها".(1)
وعن عمران بن حصين قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة" قال عمران: فكأني أنظر إليها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد.(2)
"ضجرت": أي: أصابها الضجر من علاج الناقة وصعوبتها.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن اربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه المسلم".(3)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يقول الله تعالى: من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب".
وفي لفظ: "فقد بارزني بالمحاربة".(4)
وفي الحديث: "يا أبا بكر! إن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك". يعني: فقراء المهاجرين. (5)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".(6)
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب "الأدب" (4905) والطبراني كما في "تحفة الأشراف"
(11000)، "السلسلة الصحيحة" (1269)، و"صحيح الجامع" (4/78)، وصحيح الترغيب
(2792).
(2) رواه مسلم في كتاب "البر والصلة" (2595).
(3) أخرجه أبو داود في كتاب "الأدب" (4877) وأحمد في "المسند" (190) وابن أبي شيبة "المصنف" (6/561) والمروزي في "السنة" (56)، وهناد في "الزهد" (2/564)، والطبراني في " الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" (4/116)، "السلسلة الصحيحة" برقم (1871 و 1433)، "الترغيب والترهيب" (3/7).
(4) رواه البخاري في كتاب "الرقاق" (6502).
(5) رواه مسلم في كتاب "فضائل الصحابة" رقم (2504).
(6) متفق عليه.(1/246)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه".
قيل: يا رسول الله! وكيف يلعن الرجل والديه؟
قال: "يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسبُّ أمه فيسبُّ أمه".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر يسير، فلعن رجل ناقة، فقال: "أين صاحب الناقة؟" فقال الرجلُ: أنا، فقال: "أخرها فقد أجيب فيها".(2)
وعن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسبوا الديك، فإنه يوقظ للصلاة".(3)
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "أن ديكاً صرخ قريباً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل: اللهم العنه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مه! كلا، إنَّه يدعوا إلى الصلاة".(4)
وعن أبي جُري جابر بن سليم - رضي الله عنه - قال: رأيت رجلاً يصدر الناس عن رأيه، لا يقول شيئاً إلا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قلتُ: عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الميت، قل: السلام عليك".
قال: قلتُ: أنت رسول الله؟ قال: "أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضرٌ فدعوته، كشف عنك، وإن أصابك عام سنة فدعوته، أنبتها لك، وإذا كنت بارض قفر أو فلاة، فضلّت راحلتك، فدعوته، ردها عليك".
قال: قلت: اعهد إليَّ، قال: "لا تسبَّن أحداً".
قال: فما سببت بعده حراً ولا عبداً، ولا بعيراً ولا شاةً.
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه أحمد، وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب (2796).
(3) رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه" إلا أنه قال: "فإنه يدعو للصلاة" ورواه النسائي مسنداً ومرسلاً، وصححه الألباني في الترغيب (2797).
(4) صحيح الترغيب (3/63).(1/247)
قال: "ولا تحقرن شيئا من المعروف، وأن تُكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، إن ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار، فإنها من المخيلة، وإن امرؤٌ شتمك وعيَّرك بما يعلم فيك، فلا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبالُ ذلك عليه".
وفي رواية:
وإن امرؤ عيرك بشيء يعلمه فيك، فلا تعيره بشيء تعلمه فيه، ودعه يكون وباله عليه، وأجره لك، ولا تسبَّنَ شيئاً". قال: فما سببت بعد ذلك دابة ولا إنساناً. (1)
(السّنة): هي العام المقحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئاً، سواء أنزل غيث أم لم ينزل.
(المخيلة): بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة من (الاختيال): هو الكبر واستحقار الناس.
هناك حالات يجوز فيها اللعن، كلعن من يؤذي المسلمين في طرقاتهم، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "من أذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم".(2)
والرجل الذي أخرج متاعه في الطريق لأذية جارٌ له فلعنوه.
سباب العبيد
عن المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذر وعليه حلّة، وعلى غلامه حلّة، -وفي رواية: وعليه ثوب وعلى غلامه حلّة-، فقلنا: لو أخذت هذا، وأعطيت هذا غيره كانت حله فسألناه عن ذلك؟ فقال: إني ساببت رجلاً، فشكاني الى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أعيّرته بأمه؟" قلت: نعم، ثم قال: "إن إخوانكم خوَلكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه، فيطعمه مما يأكل، ويلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم".(3)
النهي عن سب الدهر
__________
(1) رواه أبو داود واللفظ له، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2782).
(2) رواه الطبراني في "الكبير" وغيره، وانظر "صحيح الترغيب" برقم (143).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان برقم (22)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (38).(1/248)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله تعالى: يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر، بيدي الليل والنهار".
وفي رواية: "أقلب ليله ونهاره وإذا شئت قبضتهما".(1)
كان من عادة الجاهلية إذا أصيبوا بنازلة أو مصيبة أن يسبوا الدهر، قاصدين بذلك مصرف الأمور وخالق الضر معترضين على مواقع القدر وكذلك فعل هذا بعض الجهلة من هذه الأمة فسبوا الدهر عند نزول المصيبة بهم فشابهوا أهل الجاهلية بقولهم، والعياذ بالله.
وفي رواية لمسلم: "لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر".(2)
فيه النهي عن سب الدهر لأن سب الدهر سبٌ للخالق سبحانه وتعالى لأنه هو خالق الدهر ومصرفه ومقلبه، فنهوا عن سب الدهر لكي لا يقعوا في سب خالقه سبحانه وتعالى.
وفي رواية للبخاري: "لا تسمّو العنب الكرم ولا تقولوا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر".(3)
سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هل يقال هذا "زمان أقشر" أو "الزمن غدار" أو "يا خيبة الزمن الذي رأيتك فيه".
فأجاب رحمه الله قائلاً: هذه العبارات التي ذكرت في السؤال تقع على وجهين:
لوجه الأول: أن تكون سباً وقدحاً في الزمن فهذا حرام، ولا يجوز، لأن ما حصل في الزمن فهو من الله عز وجل، فمن سبّه فقد سبّ الله، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار".
والوجه الثاني: أن يقولها على سبيل الإخبار فهذا لا بأس به، ومنه قوله تعالى عن لوط عليه الصلاة والسلام: "وقال هذا يوم عصيب"(4). أي شديد، وكل الناس يقولون: هذا يوم شديد، وهذا يوم فيه كذا وكذا من الأمور وليس فيه شيء.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6181) ومسلم في كتاب الألفاظ برقم (2246).
(2) صحيح مسلم برقم (2246) كتاب الألفاظ.
(3) فتح الباري كتاب الأدب برقم (6182).
(4) هود: (77).(1/249)
وأما قوله: "هذا زمن غدار" فهذا سب لأن الغدر صفة ذم ولا يجوز.
وأما قول: "يا خيبة اليوم الذي رأيتك فيه" إذا قصد يا خيبتي أنا، فهذا لا بأس به، وليس سبا للدهر، وإن قصد الزمن أو اليوم فهذا سبٌ له فلا يجوز. (1)أ.هـ.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يَقُل أحدكم يا خيبة الدهر، فإن الله هو الدَّهر".(2)
التحذير من القول للفاسق أو المبتدع: يا سيدي
عن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تقولوا للمنافق سيداً، فإنه إن يك سيداً، فقد أسخطتم ربكم عز وجل".(3)
ورواه الحاكم ولفظه:
"إذا قال الرجل للمنافق: يا سيد! فقد أغضب ربه".(4)
قال ابن الأثير: "لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن كان سيدكم وهو منافق فحالكم دون حاله، والله لا يرضى لكم ذلك.أ.هـ. (عون المعبود)
وكذلك لا يجوز للعبد أن يأخذ اسم من أسماء الله تعالى، أو صفة من صفاته وينسبها لنفسه، ويُعد ذلك من الكبائر، وقد يخرج من الملة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك".(5)
أخنع: أذل.
النهي عن سب الدابة والريح
عن عمران بن الحصين - رضي الله عنه - قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة" قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد. (6)
__________
(1) فتاوى العقيدة ( ص 614-615).
(2) صحيح الترغيب (3/65).
(3) رواه أبو داود برقم (4977)، والنسائي والبخاري في الأدب المفرد (760)، وأحمد
(22420)، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2923).
(4) السلسلة الصحيحة برقم (3/112).
(5) أخرجه البخاري برقم (6206)، ومسلم برقم (2143) وهذا لفظه.
(6) سبق تخريجه.(1/250)
كما أن الشارع نهانا عن سب المسلم ولعنه، فكذلك نهانا عن سب الدابة والريح ولعنهما.
وعن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: بينما جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم إذ بصرت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وتضايق بهم الجبل، فقالت: حل اللهم ألعنها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تصابحنا ناقة عليها لعنة".(1)
حل: كلمة تقال لزجر الإبل.
و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الريح من روح الله، تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فإذا رأيتموها فلا تسبوها وأسألوا الله خيرها واستعيذوا بالله من شرها".(2)
التحذير من ذي الوجهين و اللسانين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خيار الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهة، وتجدون أشر الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه".(3)
وروي عن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان ذا لسانين، جعل الله له يوم القيامة لسانين من نار".(4)
وعن محمد بن زيد: أن ناساً قالوا لجده عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إنا ندخل على سلطاننا فنقول بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم؟ فقال: "كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".(5)
__________
(1) رواه مسلم برقم (2596) .
(2) أخرجه أبو داود وابن ماجه وغيرهما وصححه الألباني في صحيح الكلم الطيب
برقم (153).
(3) رواه البخاري (10/474-فتح)، ومسلم برقم (2526).
(4) رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" والطبراني و الأصبهاني وغيرهم، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (2950).
(5) رواه البخاري.(1/251)
وفي رواية: عن عريب الهمداني قال: قلت لابن عمر رضي الله عنهما: إنا إذا دخلنا على الأمراء زكيناهم بما ليس فيهم فإذا خرجنا دعونا عليهم؟ قال كنا نعدّ ذلك النفاق.(1)
وعن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان له وجهان في الدنيا، كان له يوم القيامة لسانان من نار".(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعيرُ إلى هذه مرة وإلى هذه مرة ولا تدري أيهما تتبع".(3)
التحذير من قذف المحصنات
قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } .(4)
وقال الله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } .(5)
وقال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } .(6)
وقال الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِينا } .(7)
__________
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة وفي الصمت برقم (278)، وعزاه الحافظ في الفتح
(13/170) لبعد الرحمن بن عمر الأصبهاني في كتاب الإيمان.
(2) رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2949).
(3) أخرجه مسلم برقم (2784) دون قوله: "لا تدري أيهما تتبع" وغيره.
(4) النور: (23).
(5) النور: (4).
(6) النور: (19).
(7) الأحزاب: (58).(1/252)
تقدم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اجتنبوا السبع الموبقات..." فذكر منها قذف المحصنات الغافلات المؤمنات. (1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من قذف مملوكة بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال".(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".(3)
وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ: "ثكلتك أمك! وهل يكب الناس على مناخرهم –وفي رواية على وجوههم- يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم".(4)
وعنه - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب".(5)
وفي الحديث: "ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغةالخبال حتى يخرج مما قال، وليس بخارج".(6)
ونظر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يوما إلى الكعبة فقال: "ما أعظمك وأعظم حرمتك! والمؤمن أعظم حرمة منك".(7)
النهي عن الخروج بالسيف والتكفير بالكبائر
قال الله تعالى: { وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } .(8)
وقال تعالى: { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً } .(9)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من قال لأخيه المسلم: يا كافرّ! فقد باء بها أحدهما".(10)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه البخاري في "الحدود" (6858)، ورواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (1660).
(3) رواه البخاري في كتاب "الإيمان" (10)، ورواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (40).
(4) رواه البخاري في "خلق أفعال العباد" رقم ( ص 55)، صحيح الترمذي برقم (2110).
(5) رواه البخاري ومسلم.
(6) أخرجه أحمد، وأبو داود، وغيرهما، وصححه الألباني، آدتب الزفاف، والإرواء (2318).
(7) أخرجه الترمذي وابن حبان وغيرهما وهو في "غاية المرام" برقم (435).
(8) البقرة: (190).
(9) الأحزاب: (36).
(10) رواه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (6103 و 6104).(1/253)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخوارج: "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم".(1)
وقال فيهم: "شر قتلى تحت أديم السماء خير قتيل من قتلوه".(2)
وعن ابن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الخوارج كلاب النار".(3)
عن سعيد بن جمهان قال: دخلت على ابن أبي أوفى وهو مكفوف فقال: من أنت! قلت سعيد بن جمهان قال: ما فعل والدك! قلت: قتله الأزارقة فقال: قتل الله الأزارقة ثم قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنهم كلاب النار قلت: الأزارقة وحدهم؟ قال: الخوارج كلها.(4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب "فضائل القرآن" برقم (5057)، ورواه مسلم في كتاب "الزكاة" رقم (1066).
(2) أخرجه الحميدي في "المسند" (2/404) رقم (908)، والترمذي "الجامع أبواب تفسير القرآن" (3000)، وابن ماجة في "المقدمة" (176) والطبراني كما في "مجمع الزوائد" (6/234) والآجري في "الشريعة" (ص 35، 36)، وقال الهيثمي في "المجمع" (6/234): "رجاله ثقات". وحسنه العلامة الألباني في سنن أبي ماجة برقم (176).
(3) أخرجه ابن ماجة في "المقدمة" (173)، وابن أبي عاصم في "السنة" (176) والخطيب في "تاريخ بغداد" (6/319 و 320) والآجري في "الشريعة" (ص 37) عن إسحاق الأزرق به.
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/83): "إسناد ابن ابي أوفى رجاله ثقات إلا أنه منقطع الأعمش لم يسمع من ابن أبي أوفى قاله غير واحد". وصححه الشيخ الألباني في سنن ابن ماجه برقم (173).
(4) أخرجه الطيالسي في "المسند" (822) وأحمد في "المسند" (4/382) وأحمد بن منيع في "المسند" كما في "مصباح الزجاجة" (1/84) وابن أبي عاصم في "السنة" (905) وقال محققه الإمام الألباني: "إسناده حسن رجاله ثقات وفي حشرج بن نباته كلام من قبل حفظه".(1/254)
وعن عبد الله بن ابي أوفى وهم يقاتلون الخوارج يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "طوبى لمن قتلهم وقتلوه".(1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه".(2)
(حار): أي رجع.
التحذير من قوله لمسلم يا كافر
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليه".(3)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه".(4)
(حار): أي رجع.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما".(5)
وعن أبي قلابة أن ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - أخبره أنه بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف على يمين بملةٍ غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشئ عذب به يوم القيامة وليس على رجل نذر فيما لا يملك ولعن المؤمن كقتله ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله ومن ذبح نفسه بشيء عذب به يوم القيامة".(6)
__________
(1) أخرجه أحمد في "المسند" (2/382) والآجري في "الشريعة" (ص 35-36) وابن أبي عاصم "السنة" (2/438 - 439) رقم (906) وإسناده حسن.
(2) متفق عليه.
(3) رواه البخاري في كتاب الآدب برقم (6104)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (60).
(4) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6045)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (61).
(5) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6103).
(6) سبق تخريجه.(1/255)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما أكفر رجلٌ رجلاً، إلا باءَ أحدهما بها، إن كان كافراً، وإلا كفر بتكفيره".(1)
النهي عن النميمة
قال الله تعالى: { وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } .(2)
وقال تعالى: { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً } .(3)
(النميمة): نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم.
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة نمام" وفي رواية: "قتات".(4)
(القتات) و (النمام) بمعنى واحد.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما احدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله".(5)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "تجد من شرار الناس ذا الوجهين هو الذي يأتي هؤلاء بوجهٍ وهؤلاء بوجه".(6)
وفي لفظ: "تجد شرار الناس ذا الوجهين".
__________
(1) صحيح الترغيب (2775).
(2) نون (10-11).
(3) الحجرات: (12).
(4) رواه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (6056)، ورواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم
(105).
(5) رواه البخاري في كتاب "الوضوء" برقم (216) ورواه مسلم في كتاب "االطهارة" برقم
(292).
(6) رواه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (6058)، ورواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2526).(1/256)
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يبلغني أحد عن أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر".(1)
عن أبي إسحق قال: سمعت أبا الأحوص يحدث عن عبد الله بن عمر رضي الله عهما قال: إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "ألا أنبئكم بالعضة: هي النميمة، القالة بين الناس".(2)
وعن بشيل بن عوف رحمه الله قال: كان يقال: من سمع بفاحشةٍ فأفشاها فهو كالذي ابداها. (3)
وعن كعب قال: اتقوا النميمة فإن صاحبها لا يستريح من عذاب القبر.
وروى منصور عن مجاهد: حمالة الحطب قال: كانت تشمي بالنميمة. (4)
وعن ابي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟" قالوا: بلى. قال: "إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة".
وفي رواية: "هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن أقول تحلق الدين".(5)
__________
(1) أخرجه أبو داود في "الأدب" برقم (4860) والترمذي في "أبواب المناقب" (3896 و 3897)، والبغوي في "شرح السنة" (3571) وأحمد في "المسند" (1/396) والبيهقي في "الآداب" (142) وقال الترمذي: "هذا حديث غريب من هذا الوجه". وضعفه الشيخ الألباني في سنن أبي داود برقم (4860).
(2) أخرجه مسلم (2606/102).
(3) أخرجه وكيع (450)، وعنه هناد (1401) كلاهما في الزهد، والبخاري في الأدب المفرد برقم (325)، وأبو نعيم في الحلية (4/160).
(4) أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة وفي كتاب الصمت برقم (263)، وابن جرير (30/339).
(5) رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه" والترمذي وصححه، وصححه الألباني في الترغيب (3/75).(1/257)
وعن عبد الرحمن بن غنم يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - : "خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبراء العيب".(1)
وفي رواية: "المفسدون بين الأحبة".
وفي رواية: "ألا أخبركم بخياركم؟" قالوا: بلى. قال: "الذين إذا رؤوا ذُكر الله، أفلا أخبركم بشراركم؟" قالوا: بلى. قال: "المشاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون البُراء العنت".(2)
النهي عن الغيبة والبهت
قال الله تعالى: { وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوه } .(3)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الغيبة ذكر أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: فإن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن ما تقول فقد بهته".(4)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : حسبك من صفية كذا وكذا يعني أنها قصيرة. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته". -يعني لأفسدته وأنتنته.
قالت: وحكيت له إنساناً فقال: "ما أحب أني حكيت إنساناً، وأن لي كذا وكذا".(5)
__________
(1) رواه أحمد وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (2824).
(2) التعليق الرغيب (3/260، 295)، صحيح الأدب المفرد رقم (246).
(3) الحجرات: (12).
(4) أخرجه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2589)، وأبو داود والترمذي والنسائي.
(5) أخرجه الترمذي وأبو داود والبيهقي، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2834).(1/258)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. (1)
يخمشون: أي يجرحون.
عن أبي بكرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت".(2)
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الربا اثنان وسبعون بابا، أدناها مثل إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه".(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وبهت مؤمن، والفرار من الزحف، ويمين صابرة يقتطع بها مالاً بغير حق".(4)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم، اتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته".(5)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول.
ولا يدري هؤلاء أن كلمة واحدة يمكن أن تحبط جميع أعمالهم، وتوبق دنياهم وأخراهم.
ينبغي على من حلت إليه نميمة ستة أمور. (6)
الأول: أن لا يصدقه لأن النمام فاسق.
__________
(1) أخرجه أبو داود، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2839).
(2) رواه البخاري في كتاب العلم برقم (67) وفي كتاب "الفتن" برقم (7078)، ومسلم في كتاب "القسامة" برقم (1679).
(3) سبق تخريجه.
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني.
(6) من كتاب الآداب للأخ فؤاد عبد العزيز الشلهوب.(1/259)
الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح له فعله.
الثالث: أن يبغضه في الله تعالى فإنه بغيض عند الله تعالى، ويجب بغض من أبغضه الله تعالى.
الرابع: أن لا يظن بأخيه الغائب السوء.
الخامس: أن لا يحمله ما حكي له على التجسس والبحث عن ذلك.
السادس: أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فلا يحكي عنه فيقول: فلان حكى كذا فيصير نماماً، ويكون آتيا ما نهى عنه هذا آخر كلام أبي حامد الغزالي رحمه الله.
وبعد هذا كله عليه كذلك أن يتثبت إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وأن ينصح إذا تيقن، وأن يستر والله أعلم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله".(1)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر أمر الربا، وعظّم شأنه وقال: "إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل، وإن أدنى الربى عرض الرجل المسلم".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه".
وفي رواية لأبي داود أنه قال: "إن من الكبائر استطالة الرجل في عرض رجل مسلم بغير حق، ومن الكبائر السُّباب بالسُّبة".(3)
ورواه ابن ابي الدنيا ولفظه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الربا تسعون حُوباً، وأيسرها كنكاح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم".(4)
(الحوب): بضم الحاء المهملة هو الإثم .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2564)، والترمذي.
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه البزار وأبو داود، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (2832).
(4) صحيح الترغيب (3/77).(1/260)
وعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - : إنه مر على بغل ميت فقال لبعض أصحابه: لأن يأكل الرجل من هذا حتى يملأ بطنه، خير له من أن يأكل لحم رجل مسلم".(1)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام رجل فوقع فيه رجل من بعده، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "تخلل!" فقال: ومما أتخلّل؟ ما أكلت لحماً! قال: "إنك أكلت لحم أخيك".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتدرون من المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع.
فقال: "إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار".(3)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال، حتى يخرج مما قال".(4)
(ردغة الخبال): هي عصارة أهل النار.
عن حماد عن إبراهيم قال: كان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: الغيبة: أن تذكر من أخيك ما تعلم فيه وإذا قلت ما ليس فيه فذلك البهتان.(5)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: من نصر أخاه المسلم
__________
(1) رواه أبو الشيخ ابن حيان وغيره، وصححه الألباني، الترغيب (2838).
(2) رواه أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني، وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة (2608).
(3) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2581)، والترمذي وغيرهما.
(4) رواه أبو داود، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2845).
(5) أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة، وفي كتاب الصمت برقم (211).(1/261)
بالغيب، نصره الله في الدنيا والآخرة".(1)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة".(2)
عن الحسن رحمه الله أنه كان يقول: إياكم والغيبة والذي نفسي بيده، لهي أسرع في الحسنات من النار في الحطب. (3)
تحذير من جس على المسلمين ودل على عوراتهم
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا } .(4)
وقال تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً } .(5)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله أخواناً".(6)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا
تحسسوا".(7)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم".(8)
قلة الكلام والتحفظ في النطق
عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله! أي المسلمين أفضل. قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده".(9)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاض رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".(10)
__________
(1) رواه ابن ابي الدنيا موقوفا، ورواه بعضهم مرفوعا، الصحيحة (1217).
(2) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (2848).
(3) أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة، وفي الصمت برقم (300).
(4) الحجرات: (12).
(5) الأحزاب: (58).
(6) رواه مسلم.
(7) متفق عليه.
(8) أخرجه أبو داود. وصححه الألباني في سنن أبي داود برقم (4888).
(9) متفق عليه.
(10) رواه البخاري، ومسلم.(1/262)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله! أي الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة على ميقاتها". قلت: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: "أن يسلم الناس من لسانك".(1)
عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! علّمني عملاً يدخلني الجنة قال: "إن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أعتق النسمة وفك الرقبة فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلا عن خير".(2)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله! ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك".(3)
وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال عليه الصلاة والسلام: "طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته".(4)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".(5)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يدخل الجنة رجلٌ لا يأمن جاره بوائقه".(6)
__________
(1) رواه الطبراني بإسناد صحيح وصدره في الصحيحين، الإوراء (1198).
(2) رواه أحمد وغيره.
(3) أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما وانظر "الصحيحة" (890).
(4) رواه الطبراني في "الأوسط" و "الصغير" وحسن إسناده كما قال المنذري ووافقهما شيخنا. صحيح الجامع (3929).
(5) رواه البخاري (6474-فتح).
(6) رواه أحمد وغيره.(1/263)
وعن معاذ أيضا - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله أوصني. قال: "أعبد الله كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى، وإن شئت، أنبأتك بما هو أملك بك من هذا كله؟ قال: "هذا"، وأشار بيده إلى لسانه. (1)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلّها تكفّر اللسان فتقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا".(2)
عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قال رسول - رضي الله عنه - : "ليس شيء من الجسد إلا يشكو ذرب اللسان على حدته".(3)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صمت نجا".(4)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا هل عسى رجل منكم أن يتكلم بالكلمة يُضحك بها القوم، فيسقط بها أبعد من السماء ألا هل عسى رجل منكم يتكلم بالكلمة يُضحك بها أصحابه فيسخط الله عليه لا يرضى عنه حتى يدخله النار".(5)
عن أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل كلام ابن آدم عليه، لا له، إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر لله".(6)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال عليه الصلاة والسلام: "من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".(7)
__________
(1) رواه ابن أبي الدنيا بإسناد جيد كما قال المنذري، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (415)، السلسلة الصحيحة (1473).
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه أبو يعلى في "مسنده"، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" وغيرهما، وهو في "السلسلة الصحيحة" برقم (535).
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه أبو الشيخ بإسناد حسن وغيره، كما في "الترغيب" للمنذري.
(6) رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما. المشكاة (2275)، السلسلة الضعيفة (1366)، الإيمان ص 46.
(7) سبق تخريجه.(1/264)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "والذي لا إله غيره، ما على ظهر الأرض من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان".(1)
وعن أسلم أن عمر دخل يوماً على ابي بكر الصديق رضي الله عنهما وهو يجبذ لسانه، فقال عمر: مه، غفر الله لك، فقال له أبو بكر: "إن هذا أوردني بشر الموارد".(2)
عن هشيم عن العوام بن حوشب قال: ما رأيت إبراهيم اليتمي رافعاً رأسه إلى السماء في الصلاة ولا في غيرها، ولا سمعته قط يخوض في شيء من أمر الدنيا. (3)
وعن أبو حيان التيمي عن أبيه قال: قال رأيت ابنة الربيع بن خيثم أتته فقالت: يا أبتاه أذهب ألعب؟ قال: يا بُنيتي اذهبي قولي خيراً. (4)
وعن الحسن - رضي الله عنه - قال: كانوا يقولون: لسانه الحكيم من وراء قلبه، فإذا أراد أن يقول رَجَع إلى قلبه، فإن كان له قال: وإن كان عليه أمسك، وإن الجاهل قلبُه على طرف لسانه، لا يرجع إلى قلبه، ما جرى على لسانه تكلم به. (5)
وعن مطرف أبي مصعب، قال: سمعت عبد العزيز بن الماجشون قال: قال أبو حازم لبعض أولئك الأمراء، والله لو تَبِعه لساني، لأشفيت منكم اليوم صدري.(6)
وعن عبد الصمد بن يزيد قال: سمعت فضيل بن عياض رحمه الله يقول: كان بعض أصحابنا يحفظ كلامه من الجمعة إلى الجمعة. (7)
__________
(1) صحيح الترغيب.
(2) صحيح الترغيب.
(3) أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/213)، وابن أبي الدنيا في الصمت (415).
(4) أخرجه ابن المبارك في الزهد (371)، وابن سعد (6/188)، وابن أبي شيبة (14/14) وابن سعد (6/188).
(5) أخرجه أحمد في الزهد (271).
(6) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (423).
(7) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (436).(1/265)
وعن مطرق بن الشخير قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما للسانه: ويحك، قل خيراً تغنم، وإلا فاعلم أنك ستندم، قال: فقيل له: أتقول هذا! قال: بلغني أن الإنسان ليس هو يوم القيامة أشد منه على لسانه، إلا أن يكون قال خيراً فغنم، أو سكت فسلم. (1)
التحذير من كثرة الكلام
عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله، أي المسلمين أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده".(2)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".(3)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن العالم ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب".(5)
ما يتبين فيها: أي ما يتفكر هل هي خير ام شر.
وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجات في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم".(6)
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/327-328)، وابن أبي الدنيا في الصمت برقم (439).
(2) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (11)، ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (42).
(3) رواه البخاري في كتاب "الإيمان" برقم (10)، ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (40).
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6474).
(5) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6477)، ومسلم في كتاب الزهد والرقاق برقم (2988).
(6) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6478).(1/266)
وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعا وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".(1)
قوله: "وكره لكم ... قيل وقال" قال النووي: فهو الخوض في أخبار الناس وحكايات ما لا يعني من أحوالهم وتصرفاتهم. أ.هـ. شرح النووي (12/10)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة، الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيقهون". قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيقهون؟ قال: "المتكبرون".(2)
الثرثار المتشدق: كثير الكلام، والثرثرة في الكلام، الكثرة والترديد.
قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : لا خير في فضول الكلام.
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : من كثر كلامه كثر سقطه.
وقال ابن القاسم: سمعت مالكاً يقول: لا خير في كثرة الكلام، واعتبر ذلك بالنساء والصبيان، أعمالهم أبدا يتكلمون ولا يصمتون.
وقال الآخر:
يموت الفتى من عثرةٍ بلسانه ... وليس يموتُ المرء من عثرة الرِّجل
فعثرتُهُ من فِيهِ ترمي برأسه ... وعثرتُهُ بالرِّجل تبرا على مهل (3)
عن الحسن - رضي الله عنه - قال: من كثر قالُهُ كثرت ذنوبه ومن كثر كلامه كثر كذبه ومن ساء خلُقُه عذب نفسه. (4)
النهي عن تعيير المسلم وتوبيخه
__________
(1) رواه البخاري برقم (5975)، ومسلم برقم (593).
(2) رواه الترمذي من حديث جابر برقم (2018)، واللفظ له، قال الترمذي: "حديث حسن غريب"، وأحمد من حديث أبي ثعلبة الخشني (17278). وصححه العلامة الألباني في سنن الترمذي برقم (2018).
(3) هذا القول والأقوال السابقة من الآداب الشرعية لابن مفلح (1/66-67) بتصرف.
(4) الإحياء (3/112).(1/267)
من الأشياء التي حافظ عليها الشارع واهتم بها هي مسألة الأحاسيس والمشاعر، فعلى المسلم أن لا يؤذي أحد ولو بكلمة واحدة، ولا يجوز لهأن يعييره بما يفعله، ولكن عليه النصح له، والتستر عليه، وأن لا يفضحه، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إذا زنت الأمة فتبين زناها، فليجلدها ولا يثرب، ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل قد شرب خمراً فقال: "اضربوه" قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله قال: "لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان".(2)
وعن جابر بن سليم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اتق الله (عز وجل) ولا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي وإياك والمخيلة فإن الله (تبارك وتعالى) لا يحب المخيلة وإن امرؤ شتمك وعيّرك بأمر يعلمه فيك فلا تعيره بأمر تعلمه فيه فيكون لك أجرك وعليه إثمه ولا تشتمن أحداً".(3)
النهي عن قول هذا من أهل الجنة أو من أهل النار
والتألي على الله تعالى وقول هلك الناس ونحوه
قال الله تعالى: { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } .(4)
__________
(1) رواه البخاري في "كتاب البيوع" (باب بيع العبد الزاني) وهذا لفظه، ومسلم في (كتاب الحدود) (باب رجم اليهود وأهل الذمة في الزنا).
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه أحمد وغيره، وصححه الألباني في: "الصحيحة" برقم (770).
(4) الإسراء: (36)، وقد أخذت هذا الموضوع من كتاب "حصائد الألسن".(1/268)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال الرجل هلك الناس، فهو أهلكهم).(1)
وعن جندب بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدّث "والله لا يغفر الله لفلان وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان؟ فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك".(2)
وعن سعد - رضي الله عنه - قال: "ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لأحد يمشي على الأرض أنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام".(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البّر منكم".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين وكان أحدهما مذنباً والآخر مجتهداً في العبادة وكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول أقصر فوجده يوماً على ذنب فقال له أقصره، فقال: خلّني وربي أبعثت عليّ رقيباً؟! فقال: والله لا يغفر الله لك أو يدخلك الله الجنة فقبض روحهما، فاجتمعا عند رب العالمين فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالماً، أو كنت على ما في يدي قادراً، وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار".(5)
النهي عن الطعن في الأنساب
قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً } .(6)
وقال عليه الصلاة والسلام: "اثنتان في الناس هما بهم كُفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت".(7)
__________
(1) رواه مسلم (2623) وغيره.
(2) رواه مسلم (2623) وغيره.
(3) رواه البخاري (3812-فتح).
(4) رواه مسلم (كتاب الآداب).
(5) رواه أبو داود وغيره وانظر في تخريج "الطحاوية" برقم (364).
(6) سبق تخريجها.
(7) رواه: مسلم في "كتاب الجنة" وأبو داود، والترمذي وبن ماجه وغيرهم.(1/269)
النهي عن الفخر بالأنساب
قال تعالى: { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .(1)
عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنّ الله تعالى أوحى إليّ أنْ تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد".(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخرء بأنفه، إنّ الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء إنّما هو مؤمن تقيّ أو فاخر شقي الناس كلهم بنو آدم، وآدم خلق من التراب".(3)
الجعل: في لسان العرب: حيوان معروف كالخنفساء.
يدهده: أي يُدحرج.
عيبة: الكبر، "النهاية".
قال عليه الصلاة والسلام: "إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضّوه بهن أبيه ولا تكنوا".(4)
"يتعزى: الإنتماء إلى القوم يقال: عزيت الشيء وعزوته وأعزوه إذا أسندته إلى أحد والعزاء والعزوة: اسم لدعوى المستغيث وهو أن يقال يا فلان أو ياللأنصار، وياللمهاجرين" (النهاية).
بهن: أي قولوا له: "عضّ أيرأبيك" (النهاية).
نهي المرء أن يدعي إلى غير أبيه
أو ينتمي إلى غير مواليه
عن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلم فالجنة عليه حرام".(5)
__________
(1) الشورى: (42).
(2) رواه مسلم برقم (2856) (كتاب الجنة).
(3) أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما، وهو في "غاية المرام" برقم (312).
(4) أحمد في "مسنده" والبخاري في "الآدب المفرد" وغيرهما، من حديث أُبي رضي الله عنه. وهو في "الصحيحة" برقم (269).
(5) رواه البخاري برقم (6766).(1/270)
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم - : "من ادعى إلى غير أبيه أو انتمي إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رَغِب عن أبيه فهو كفر".(2)
وعن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كُفْر بالله تبرؤ من نسب وإن دَقّ".(3)
النهي عن الاستغفار للمشركين والكفار
قال الله تعالى: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } .(4)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أمّه فبكى وأبكى من حوله، فقال صلى الله عليه وسلم: "استأذنت ربي في أن أغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور، فإنها تذكركم الموت".(5)
ذم الخصومات
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من جادل في خصومةٍ بغير علم لم يزل في سخط الله حتى ينزع".(6)
عن عبد الكريم أبي أمية قال: ما خاصم ورع قط- يعني في الدين. (7)
__________
(1) رواه البخاري، ومسلم، وأحمد، وغيرهم.
(2) رواه البخاري (6768-فتح)، ومسلم (62) (كتاب الإيمان).
(3) رواه أحمد وابن ماجه والطبراني في "المعجم الصغير" بسند حسن كما في تخريج "كتاب الإيمان" لابن تيمية (ص340).
(4) التوبة: (113).
(5) رواه مسلم (كتاب الجنائز).
(6) رواه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (153). ضعيف الجامع: (5551).
(7) ذكره الغزالي في الإحياء (3/116).(1/271)
عن صالح ابن مسلم قال: قال عامر: لقد تركتني هذه الصّعافِقَةُ، وللمسجد أبغض إليّ من كناسة داري- يعني أصحاب القياس. (1)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخصِمُ".(2)
عن سلم ابن قتيبة قال: مر بي بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة، فقال: ما يجلسك؟ قلت: خصومةٌ بيني وبين ابن عم لي، ادّعى أشياء في داري، قال: فإن لأبيك عندي يداً وإني أريد أن أجزيك بها وإني والله، ما رأيت من شيء أذهب لدينٍ ولا أنقص لمروءةٍ ولا أضيع للذةٍ ولا أشغل لقلب من خصومة ... قال: فقمت لأرجع فقال خصمي: مالك قلت لا أخاصِمُكَ. قال: عرفت أنه حقيِّ؟ قلت: لا ولكني لا أكرم نفسي عن هذا وسأبقيك بحاجتك... قال: فإني لا أطلب ُ منك شيئاً هو لك قال: فمررت بعد ببشير وهو يخاصم، فذكّرتُهُ قوله: قال: لو كان قدر خصومتك عشر مرات فعلته، ولكنه مِرغابٌ أكثر من عشرين ألف ألف.(3)
عن ابن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن؛ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا أئتمن خان وإذا حدّث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر".(4)
عن فضيل قال: قال إبراهيم: ما صمت؟ قلت: لا ... قال: قط؟ قال قلت: قط؟ قال ابن داود: كذا يعني. (5)
عن يحيى بن سعيد قال: قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقّل. (6)
ما نُهي عنه العباد أن يسخر بعضهم من بعض
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/320).
(2) أخرجه البخاري (5/106،13/180)، ومسلم برقم (2668).
(3) أخرجه الغزالي في الإحياء (3/116)، وعزاه الزبيدي في الاتحاف (7/471)
(4) سبق تخريجه.
(5) أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/222).
(6) أخرجه ابن سعد (5/371)، وأخرجه أحمد في الزهد برقم (302).(1/272)
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } .(1)
قال الله تعالى: { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } .(2)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: حكيت إنساناً قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما أحبُّ أني حكيتُ إنساناً وأن لي كذا وكذا". (3)
عن عبد الله بن زمعة - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فوعظهم في ضحكهم في الضرطة وقال: "علام يضحك أحدكم مما يفعل. (4)
عن إبراهيم رحمة الله عليه قال: إني أجد نفسي تحدثني بالشيء فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن أبتلي به. (5)
وفي الحديث: "بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم" (6)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من الكبر" قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسن؟ قال: "إن الله جميل يحب الجمال. والكبر بطر الحق، وغمط الناس".(7)
ما أمر به الناس أن يستعملوا فيه أنفسهم
__________
(1) الحجرات: (11).
(2) الهمزة: (1).
(3) أخرجه أبو داود (4875) والترمذي (2503) وأحمد (6/2065136) ووكيع (436) وهناد (1189) وابن المبارك (742) ثلاثتهم في الزهد والبيهقي (10/247) وأبو نعيم في أخبار أجهان (2/278) وانظر المشكاة: (4857).
(4) أخرجه البخاري (8/705-فتح) والسياق له، ومسلم (4/2191).
(5) أخرجه وكيع (313) وهناد (1192) كلاهما في الزهد.
(6) رواه مسلم من حديث أبي هريرة برقم (2564) وغيره.
(7) رواه مسلم في صحيحه (كتاب الإيمان).(1/273)
من القول الحسن للناس أجمعين
عن هانىء أبو شُريح - رضي الله عنه - قال: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - "أخبرني بشيء يوجب الجنّة" قال: "عليك بحسن الكلامِ وبذلِ الطعامِ".(1)
عن سفيان، سمع محمد بن المنكدر يقول: يمكِّنكمْ من الجنّة، إطعامُ الطعامِ، وطيب الكلام. (2)
عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنّ في الجنّة غرفاً يرى من في باطنها من في ظاهرها، ومن في ظاهرها من في باطنها هي لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وصلى بالليل والناس نيام". (3)
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنّ في الجنّة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأطاب الكلام".(4)
عن مالك ابن أنس - رضي الله عنه - قال: مر بعيسى ابن مريم عليه السلام خنزير فقال: "مرّ بسلام" فقيل: يا روح الله لهذا الخنزير تقول؟ قال: "أكره أن أعود لساني على الشر".(5)
عن عطاء - رضي الله عنه - : (وقولوا للنّاس حسناً) قال: للناس كلّهم المشرك وغيره.(6)
عن أبي عائشة قال: قتال بعض الحكماء: الكلام اللّينُ، يغسل الضغائن المستكنة في الجوانح. (7)
__________
(1) أخرجه البخاري في الآدب المفرد (811) وابن حبان (ج1/رقم 504).
(2) أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/149).
(3) أخرجه أحمد (5/343)، وعبد الرزاق (20883)، والخرائطي في المكارم (149)، والبغوي في شرح االسنة (4/41-40) والطبراني في الكبير (ج3/رقم3466). وصححه الألباني في المشكاة (1232)، (1233) صحيح الترغيب: (614)، (938) صحيح ابن خزيمة: (2137).
(4) رواه بن أبي الدنيا في الصمت رقم (305) سبق تخريجه.
(5) أخرجه ما لك في الموطأ (2/985/4).
(6) أخرجه ابن جرير (2/296-شاكر).
(7) أخرجه بن أبي الدنيا في كتاب الصمت برقم (310).(1/274)
عن هشام بن عروة رضي الله عنهما قال: عطس نصراني طبيب عند أبي فقال: له يرحمك الله ... فقيل له: إنه نصراني؟! فقال إنّ رحمة الله على العالمين.(1)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الكلمة الطيبة صدقة".(2)
عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اتقوا النار ولو بشقّ تمرةٍ فإن لم يكن بشقّ تمرةٍ فكلمة طيبة".(3)
ذم المداحين
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن رجلاً مدح رجلاً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ويحك قطعت عنق صاحبك" ثم قال: "إن كان لا بدّ أحدكم مادحاً أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلاناً ولا أزكي على الله أحداً حسيبه الله إن كان يرى أنه كذلك".(4)
عن همام بن الحارث قال: قال المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - : أمرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - : إذا رأينا المدّاحين أن نحثو في وجوههم التراب.(5)
عن خالد بن معدان - رضي الله عنه - قال: من مدح إماماً أو أحداً بما ليس فيه على رؤوس الأشهاد بعثه الله يوم القيامة يتعثر بلسانه.(6)
عن إبراهيم ابن عمر قال: قال وهب بن مُنبّه رحمه الله: إذا مدحك الرجل بما ليس فيك فلا تأمنه أن يذمك بما ليس فيك.(7)
__________
(1) أخرجه بن أبي الدنيا في الصمت برقم (311).
(2) أخرجه البخاري، ومسلم.
(3) أخرجه البخاري (10/448-فتح) ومسلم (1016/66-68).
(4) أخرجه البخاري (5/202،10/476) ومسلم (3000/35-36).
(5) أخرجه مسلم (3002/69)، والبخاري في الأدب المفرد (339)، وأبو داود (4804)، والترمذي (2393) وابن ماجه (3742)، وأحمد (6/5)، والطيالسي (1158،1159)، والبيهقي في الآداب (512)، والبغوي (13/150) من حديث المقداد.
(6) أخرجه بن أبي الدنيا في الصمت برقم (599).
(7) أخرجه بن أبي الدنيا في الصمت برقم (605).(1/275)
عن الأوزاعي قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام: "إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب".(1)
عن مجاهد - رضي الله عنه - قال: إن لبني آدم جُلساء من الملائكة فإذا ذكر الرجل المسلم بخير قالت الملائكة: ولك بمثله وإذا ذكره بسوء قالت الملائكة: ابن آدم المستور عورته أربع على نفسك واحمد الله الذي ستر عورتك. (2)
عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: والذي لا إله غيره ما على الأرض شيء أفقر إلى طول سجنٍ من لسانٍ. (3)
عن جابر - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فهاجت ريح منتنة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن ناسا من المنافقين اغتابوا أناسا من المسلمين فلذلك هاجت هذه الريح".(4)
عن عمران بن الجعد قال: قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : إنّ الناس قد أحسنوا القول كلّهم فمن وافق قولُهُ فِعلهُ فذلك الذي أصاب حظّهُ ومن خالف قولُهُ عمله فإنما يوبخ نفسه.(5)
عن مسروق - رضي الله عنه - أنه سئل عن بيتٍ من شعر فكرِهَه فقيل له؟ فقال: إني أكره أن يوجد في صحيفتي شعر. (6)
وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والتمادح فإنه الذبح".(7)
وجوب التبين قبل الكلام والتثبت فيما يقوله المرء
قال الله تعالى: { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } .(8)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (611).
(3) سبق تخريجه.
(4) سبق تخريجه.
(5) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (627).
(6) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (632) وابن المبارك في الزهد (374).
(7) أخرجه ابن ماجه وغيره كما في "الصحيحة" برقم (1284).
(8) الإسراء:36، وقد أخذت هذا الموضوع من كتاب "حصائد الألسن".(1/276)
وقال تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } . (1)
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } . (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب".(3)
وعنه - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما لا يلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يُلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم"(4)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع".(5)
وقال عليه الصلاة والسلام: "كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكل ما سمع".(6)
فعلى العبد أن يلتزم الصمت، وأن لا يتكلم إلا بخير، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمتْ".(7)
وقال - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صَمَت نجا".(8)
كفُّ اللسان من الجهاد
إن من الأشياء التي يؤجر عليها العبد هو كف اللسان عما لا يعنيه، ويُعد ذلك من الجهاد، حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله".(9)
__________
(1) ق:18.
(2) الحجرات:49.
(3) سبق تخريجه.
(4) أخرجه البخاري (6478-فتح)، (كتاب الرقاق) (باب حفظ اللسان).
(5) رواه أبو داود وغيره، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" برقم (4177) وصحيح الجامع (4480).
(6) رواه مسلم في "مقدمته" وغيره "الصحيحة" برقم (2025).
(7) سبق تخريجه.
(8) سبق تخريجه.
(9) جزء من حديث أخرجه الإمام وهو في "السلسلة الصحيحة" برقم (549).(1/277)
و عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله عز وجل".(1)
وقال عليه الصلاة والسلام: "أفضل المؤمنين إسلاماً من سَلِم المسلمون من لسانه ويده وأفضل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وأفضل المهاجرين من هجر ما نهى الله تعالى عنه وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله
عز وجل".(2)
وكما جاء في حديث النعمان بن بشير: "... ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".(3)
النهي عن الكلام فيما لا يعنيك
عن علي بن الحسين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من حسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه".(5)
وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعاً وهات ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال".(6)
عن يسار أبي الحكم قال: قلت للقمان الحكيم: ما حكمتك؟ قال: لا أسأل عما كُفيت ولا أتكلّف ما لا يعنيني. (7)
__________
(1) رواه أبو نعيم في "الحلية" والديلمي وغيرهما، وصححه العلامة الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (1496).
(2) أخرجه الطبراني في "الكبير" وابن نصر نحوه في "الصلاة" وانظر "السلسلة الصحيحة" برقم (1491).
(3) جزء من حديث رواه البخاري (1/20)، ومسلم (1599) وغيرهما.
(4) رواه البيهقي في الأربعون الصغرى برقم (118)، صحيح ابن ماجة (2/360).
(5) سبق تخرجيه.
(6) أخرجه البخاري في كتاب الأدب برقم (5975)، وفي كتاب الاستقراض برقم (2408).
(7) أخرجه أحمد في الزهد برقم (106).(1/278)
عن داود بن أبي هند قال: بلغني أن معاوية - رضي الله عنه - ، قال لرجل: ما بقي من حلمك؟ قال: لا يعنيني ما لا يعنيني. (1)
عن المعلى بن زياد، قال موّرق العجلي: أمر أنا أطلبه منذ عشر سنين، لم أقدر عليه ولست بتارك طلبه، قالوا ما هو يا أبا المعتمر؟ قال: الصمت عما لا يعنيني. (2)
عن زيد بن أسلم قال: دُخِل على أبي دجانة وهو مريض ووجهه يتهلل فقال: ما من عملي شيءٌ أوثق في نفسي من اثنتين: لم أتكلم فيما لا يعنيني، وكان قلبي للمسلمين سليماً. (3)
قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله عز وجل كريم يحب الكرم ومعالي الأخلاق ويبغض سفسافها".(4)
ذم التقعر في الكلام
ومن آفات اللسان كذلك التقعر في الكلام، ويكون بالتشدق، وهو أن يلوي شدقه للتفصح، وتكلف السجع.
وعن جابر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون" قالوا: قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: "المتكبرون".(5)
الثرثار المتشدق: كثير الكلام، والثرثرة في الكلام: الكثرة والترديد.
وقال عليه الصلاة والسلام: "سيكون قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر من الأرض".(6)
__________
(1) رواه ابن ابي الدنيا في الصمت برقم (117).
(2) أخرجه أحمد في الزهد برقم (305)، وابن حبان في روضة العقلاء برقم (50)، وأبو نعيم في الحلية (2/235).
(3) أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/557)، وذكره الذهبي في السير (1/243).
(4) أخرجه الحاكم في "المستدرك"، وأبو نعيم في "الحلية"، وغيرهما، وهو في "السلسلة الصحيحة" برقم (1378).
(5) أخرجه الترمذي وغيره، وصححه العلامة الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (791).
(6) أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما وهو في "السلسلة الصحيحة" برقم (420).(1/279)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا هلك المتنطعون" ثلاث مرات. (1)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان".(2)
عن مصعب بن سعد قال: جاء عمر بن سعد إلى أبيه يسأله حاجة، فتكلّم بين حاجته بكلام فقال له سعد - رضي الله عنه - : ما كنت في حاجتك أبعد منك اليوم، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يأتي الناس زمان يتخللون فيه الكلام بألسنتهم، كما تتخلل البقر الكلأ بألسنتها".(3)
عن فاطمة - بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "شرار أمتي الذين غذوا بالنعّيم الذين يأكلون ألوان الطعام ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في الكلام".(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن من شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم الذين يطلبون ألوان الطعام وألوان الثياب يتشدقون بالكلام".(5)
الحث على صداقة المؤمن واصطحابه
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك، وكير الحدّاد لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه، وكير الحداد، يُحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحاً خبيثة".(6)
__________
(1) رواه مسلم برقم (2670/7)، وأبو داود برقم (4608)، وأحمد (1/386)، والبغوي في شرح السنة (12/367).
(2) أخرجه أحمد (1/22، 44)، والفريابي في صفة النفاق برقم (24)، وابن عدي في الكامل (3/970)، صحيح الترغيب (128).
(3) أخرجه أحمد (1/175-176).
(4) أخرجه ابن عدي في الكامل (5/1956) "السلسلة الصحيحة" (1891).
(5) أخرجه أحمد في "الزهد" وغيره كما في "السلسلة الصحيحة" برقم (1891).
(6) رواه البخاري في "صحيحه" في (كتاب البيوع).(1/280)
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي".(1)
فينبغي للمسلم أن لا يصاحب إلا المؤمن، إذا نسي ذكره، وإذا أخطأ نصحه وأرشده للصواب، حيث أن الشيطان أبعد عن الاثنين من الواحد، فإذا شذ العبد وكان لوحده ولم يهتد إلى الطريق الصحيح المستقيم، غرق في الخطايا ويكون على قلبه الران والعياذ بالله، حيث قال الله تعالى: { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } .(2)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنّ العبد إذا أخطأ، نُكِتَت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب، صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها، حتى تعلو على قلبه".(3)
النهي عن البدع
قال الله تعالى: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } (4)
وقال تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } (5)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أحدث في أمرنا هذا، ما ليس فيه، فهو رد".(6)
قوله: "أحدث" أي: أتى بشئ جديد.
"في أمرنا" أي: في ديننا.
"ما ليس منه" أي: باعتبار الشرع.
"رد" بمعنى: مردود، أي لا يقبل.
__________
(1) رواه أحمد في "مسنده"، وأبو داود وغيرهما، وهو في "المشكاة" برقم (5018).
(2) المطففين: (14).
(3) رواه أحمد في مسنده، وابن ماجه، والنسائي، وغيرهم، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" برقم (2654)، صحيح الجامع (1670).
(4) النساء : (59).
(5) آل عمران: (31).
(6) البخاري برقم (2697)، ومسلم برقم (1718) وغيرهما.(1/281)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ولهذا كان من القواعد المقررة عند أهل العلم "أن الأصل في العبادات الحظر والمنع حتى يقوم دليل على المشروعية" قال سبحانه: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه } . وهذا إنكار عليهم. (1)
وعلى العكس من ذلك فالأصل في المعاملات والأفعال والأعيان الإباحة والحل حتى يقوم دليل على المنع.
وهذا الحديث ورد في العبادات وهي التي يقصد الإنسان بها التعبد والتقرب إلى الله، فتقول لمن يزعم شيئاً عبادة: هات الدليل على أن هذا عبادة، وإلا فقولك مردود(2).أهـ.
وفي الحديث الذي يرويه العرباض بن سارية - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر علكيم عبد حبشي فإنه من يعش منكم بعدي، فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".(3)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته".(4)
النهي عن البهتان والإفتراء
قال الله تعالى: { وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً } (5)
__________
(1) الطلاق: (الآية: 6).
(2) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (5/259).
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه الطبراني وغيره، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (51)، "السلسلة الصحيحة" (1620).
(5) النساء: (112).(1/282)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتدرون ما الغيبة"؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهتّه".(1)
بهته: أي افتريت عليه الكذب فهي هنا أشد من الغيبة لأنها تزيد على ذكر ما يكرهه من خلفه بالافتراء عليه، وهذا حرام، ويكون وبالاً على صاحبه يوم القيامة والعياذ بالله.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حالت شفاعته دون حدّ من حدود الله، فقد ضادّ الله في أمره ومن مات وعليه دين فليس ثمّ دينار ولا درهم، ولكنها الحسنات والسيئات ومن خاصم في باطل وهو يعلم، لم يزل في سخط الله حتى ينزع، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه، حُبس في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج مما قال".(2)
و قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من رمى مسلماً يريد به شينه حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال".(3)
شينه: أي عيبه ونقصه
عظم حُرمة المؤمن
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قعد بعيره، وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه، قال: "أي يوم هذا؟" فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، قال: "أليس يوم النحر؟" قلنا: بلى قال: "فأي شهر هذا؟" فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: "أليس بذي الحجة". قلنا: بلى قال: "فإن دمائكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى
له منه".(4)
__________
(1) رواه مسلم في صحيحة (كتاب البر والصلة والآداب).
(2) أخرجه أبو داود والحاكم، وغيرهما، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (437).
(3) رواه أبو داود وغيره وهو من "صحيح الترغيب والترهيب".
(4) رواه البخاري (1/26)، ومسلم (1679).(1/283)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".(1)
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسير، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها، فلما استيقظ الرجل فزع، فضحك القوم فقال: "ما يضحككم؟" فقالوا: لا؛ إلا أنا أخذنا نبل هذا ففزع.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لمسلم أن يروّع مسلماً".(2)
قال المناوي: لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً وإن كان هازلاً، كإشارة سيف أو حديدة أو أفعى أو أخذ متاعه، فيفزع لفقده لما فيه من إدخال الأذى والضرر عليه والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده(3).أ.هـ
ونظر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يوماً إلى الكعبة، وقال مخاطباً لها: إنك أشد حرمةً عند الله، والمؤمن أشد حرمة منك.
الصدق في المزاح
يجب على المسلم أن لا يتكلم إلا بحق وصدق، حتى لو كان مازحاً، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمازح أصحابه ولا يقول إلا حقاً، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يا ذا الأذنين".(4)
قال أبو أسامة يعني يمازحه.
وعن أنس أيضا - رضي الله عنه - قال: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: "يا ابا عمير! ما فعل النغير".(5)
النغير: طائر صغير.
__________
(1) رواه مسلم برقم (2564)، وابن ماجة برقم (3933).
(2) رواه أحمد (5/362/ 33057)، وأبو داود برقم (5004)، والبيهقي (10/249)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (4/308)، وصححه الألباني في "غاية المرام" (447).
(3) "فيض القدير" (6/447).
(4) رواه البخاري في (كتاب الأدب).
(5) رواه مسلم في كتاب الأدب بدون كلمة "يا" برقم (2150)، والترمذي وغيرهما.(1/284)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رجلاً استحمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إني حاملك على ولد ناقة"! فقال: يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة. فقال - صلى الله عليه وسلم - : وهل تلد الإبل إلا النوق".(1)
وعنه - رضي الله عنه - أيضاً: أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهراً وكان يهدي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هدية من البادية فيجهزه النبي إذا أراد أن يخرج فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن زاهراً باديتنا ونحن حاضروه" وكان يحبه وكان رجلاً دميماً، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً وهو يبيع متاعه فاحتضه من خلفه، وهو لا يبصره، فقال: من هذا؟ أرسلني فالتفت فعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل لا يألوا ما ألصق ظهره بصدر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين عرفه فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من يشتري هذا العبد؟" فقال: يا رسول الله! إذاً والله تجدني كاسداً. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لكن عند الله لست بكاسد" أو قال: "أنت عند الله غالٍ".(2)
البادي: المقيم بالبادية، وحاضروه: أي حاضروا المدينة له.
دميماً: أي قبيح الصورة.
يألوا: لا يقصر.
وعن الحسن رحمه الله و رضي عنه قال: أتت عجوز إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله! ادعُ الله أن يدخلني الجنة فقال: يا أم فلان! إن الجنة لا تدخلها عجوز" قال: فولّت تبكي، فقال: "أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، وإن الله تعالى يقول: { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً، فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً، عُرُباً أَتْرَاباً } (3)".(4)
__________
(1) أخرجه الترمذي، وأبو داود وغيرهما، "مختصر الشمائل" برقم (203).
(2) رواه الترمذي في "الشمائل"، والبغوي في "شرح السنة"، واحمد وغيرهم وهو من "مختصر الشمائل" برقم (204).
(3) الواقعة: (35، 36، 37).
(4) حسن لغيره لشاهد له خرّجه شيخنا في "غاية المرام" برقم (375).(1/285)
الأبكار: هن العذارى.
عُربا: أي متحببات إلى أزواجهن بحسن التبعل.
أترابا: أي مستويات من سنّ واحدة.
فالمزاح لا بأس به، ولكن على المرء أن لا يكثر منه، ولا يكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب.
قال عليه الصلاة والسلام: "لا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك
تميت القلب".(1)
عن جابر - رضي الله عنه - أنه يصف النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول: "كان طويل الصمت، قليل الضحك".(2)
النهي عن التشبع بما لم يعط
قال الله تعالى: { لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (3)
عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أعطي عطاء فوجد، فليجز به، ومن لم يجد فليثن، فإنه من أثنى فقد شكر ومن كتم فقد كفر، ومن تحلى بما لم يُعطه، كان كلابس ثوبي زور".(4)
وعن أسماء رضي الله عنها، أن امرأة قالت: يا رسول الله إن لي ضرّة فهل عليّ جناح إن تشبعّت من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "المتشبع بما لم يُعط، كلابس ثوبي زور".(5)
فيجب على العبد أن يقنع بما رزقه الله، وان لا يتشبع بما لم يُعط، فإن ذلك مما نهى عنه الشارع الحكيم.
قال النووي رحمه الله في "رياض الصالحين":
(والمتشبع: هو الذي يظهر الشبع وليس بشبعان ومعناه هنا: أن يُظهر أنه حصل له فضيلة وليست حاصلة، "ولابس ثوبي زور" أي ذي زور، وهو الذي يزور على الناس؛ بأن يتزيّا بزي أهل الزهد والعلم أو الثروة ليغتر به الناس، وليس هو بتلك الصفة، وقيل غير ذلك، والله أعلم).
النهي عن قيل وقال
__________
(1) ابن ماجه، وغيره، وهو في "الصحيحة" برقم (506).
(2) سبق تخريجه.
(3) آل عمران: (188).
(4) البخاري في "الأدب المفرد"، وأبو داود، وغيرهما، "الصحيحة" برقم (617).
(5) متفق عليه.(1/286)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".(1)
النهي عن مخاطبة المنافق بسيد ونحوه
عن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تقولوا للمنافق سيدنا فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم عز وجل".(2)
وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا قال الرجل للمنافق يا سيد فقد أغضب ربه تبارك وتعالى".(3)
النهي عن لفظة (( لو )) وما يجوز منها
قال الله تعالى: { يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } (4)
وقال تعالى: { الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } (5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "المؤمن القوي خير واحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان".(6)
وقوله: "لو تفتح عمل الشيطان" هذا في الأمور الدنيوية، أما في الأمور الدينية فلا بأس بها، بل تكون محمودة.
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت، ما سقت الهدي معي".(7)
__________
(1) رواه مسلم (1715) وغيره.
(2) أخرجه أبو داود، والبخاري في "الأدب المفرد"، وأحمد وغيرهم، و صححه الألباني في "الصحيحة" برقم (371).
(3) أخرجه الحاكم، وغيره، وهو في "الصحيحة" برقم (1389).
(4) آل عمران: (154).
(5) آل عمران: (168).
(6) رواه مسلم في ( كتاب القدر) برقم (2664).
(7) رواه البخاري في كتاب الشركة برقم (2505)، ورواه مسلم في كتاب الحج برقم
(
2923).(1/287)
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إنما الدنيا لأربعة نفر"، وذكر منهم: "ورجل آتاه الله علماً ولم يؤتيه مالاً وقال لو أن لي مثل مال فلان لعملت مثل ما عمل فهم في الأجر سواء" الحديث.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي" هذا دليل على جواز قول "لو" في التأسف على فوات أمور الدين ومصالح الشرع، وأما الحديث الصحيح في أن لو تفتح عمل الشيطان، فمحمول على التأسف على حظوظ الدنيا ونحوها، وقد كثرت الأحاديث الصحيحة في استعمال "لو" في غير حظوظ الدنيا ونحوها، فيجمع بين الأحاديث بما ذكرناه والله أعلم. (1)أ.هـ
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولقد خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما قال لي قط: أف ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا".(2)
التحذير من التحدث عن الرؤيا
لقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الرؤيا معلقة بجناح طائر إذا عُبرت وقعت" أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - ، فعليك يا أخي أن لا تتحدث عن الرؤيا في المنام لأي شخص كان، وإلا لمن تعلم إن هذا الشخص الذي تقص الرؤيا عليه يؤولها على خير، وأن لا تدع الشيطان يتغلب بك في منامك.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! رأيت في المنام كأن رأسي ضُرب فتدحرج فاشددت على
أثره قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي: "لا تحدّث الناس يتلعب الشيطان بك في منامك".
__________
(1) شرح النووي (8/390).
(2) سبق تخريجه.(1/288)
وقال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال: "لا يحدثّن أحدكم يتلعب الشيطان في منامه".(1)
وعلى المرء أن لا يكذب، وأن يدعي أنه رأى شيء وهو لم يره، فذلك من المحرمات، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تحلّم بحلم لم يره كُلّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل".(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أفرى الفِرى أن يري عينيه في المنام ما لم تر".(3)
الفِرى: جمع فرية وهي الكذبة.
التعوذ بالله من الشيطان وعدم سّبه
عن أبي المليح عن رجل قال: كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - فعثرت دابته فقلت: تعس الشيطان فقال: "لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول: بقوتي ولكن قل "بسم الله" فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب".(4)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسبوا الشيطان وتعوذوا بالله من شره".(5)
ما ورد في شتم الكفار وآلهتهم
قال الله تعالى: { وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً
بِغَيْرِ عِلْمٍ } (6)
وعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تؤذوا مسلماً بشتم كافر".(7)
النهي عن الحلف بغير الله وقول أنا بريء من الإسلام
__________
(1) انظر "مختصر مسلم" برقم (1522).
(2) رواه البخاري برقم (7042 ).
(3) رواه البخاري برقم (7043).
(4) أخرجه ابو داود وغيره، وانظر "الكلم الطيب" برقم (237).
(5) "السلسلة الصحيحة" برقم (2422).
(6) الأنعام: (108).
(7) رواه البيهقي في "الشعب"، وغيره، وهو من "صحيح الترغيب والترهيب" (4/175).(1/289)
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركبٍ وهو يحلف بأبيه فناداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "ألا إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت".(1)
ومن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما، روى الترمذي: "أن ابن عمر سمع رجلاً يقول: لا والكعبة. فقال ابن عمر: لا يُحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حلف بغير الله فقد كفر أو اشرك".(2)
ومنه الحلف بملة غير ملة الاسلام
فعن ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف بملةٍ غير الاسلام كاذباً فهو كما قال".(3)
ومنه الحلف بالطلاق: لقد شاع على ألسنة بعض الناس الحلف بالطلاق، مثل أن يقول: علي الطلاق لأفعلن كذا، أو علي الطلاق ثلاثاً لا أفعله ونحو ذلك.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6108)، ومسلم في كتاب الأيمان برقم (1646).
(2) رواه الترمذي برقم (1535)، وقال: "حديث حسن"، وأحمد برقم (6036)، وأبو داود برقم (3251)، وصححه الألباني.
(3) رواه البخاري في كتاب الأيمان برقم (6552)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (110).(1/290)
قال الشيخ ابن عثيمين في جواب له: أما أن يحلفوا بالطلاق مثل عليّ الطلاق أن تفعل كذا، أو علي الطلاق ألا تفعل كذا، أو أن فعلت كذا فامرأتي طالق، أو إن لم تفعل فامرأتي طالق، وما أشبه ذلك من الصيغ فإن هذا خلاف ما أرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد قال كثير من أهل العلم بل أكثر أهل العلم: إنه إذا حنث في ذلك فإن الطلاق يلزمه وتطلق منه امرأته، وإن كان القول الراجح أن الطلاق إذا استعمل استعمال اليمين بأن كان القصد منه الحث على الشيء أو المنع منه أو التصديق أو التكذيب أو التوكيد، فإن حكمه حكم اليمين لقول الله تعالى: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم، قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } .(1)
فجعل الله التحريم يميناَ، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" وهذا لم ينو الطلاق إنما نوى اليمين أو نوى معنى اليمين، فإذا حنث فإنه يجزيه كفارة يمين، وهذا هو القول الراجح. (2) أ.هـ
ومنه الحلف بالأمانة: فعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف بالأمانة فليس منا".(3)
ومن ذلك الحلف بالنبي، وبالحياة، كأن يقول: (وحياتك) أو (وحياة فلان) وغير ذلك من الحلف بغير الله.
وعن بريدة - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف فقال: إني برئ من الإسلام، فإن كان كاذباً فهو كما قال، وإن كان صادقاً فلن يرجع إلى الاسلام سالماً".(4)
__________
(1) التحريم: (1-2).
(2) فتاوى الشيخ ابن عثيمين (2/796).
(3) رواه أبو داود برقم (3253) واللفظ له، ورواه أحمد برقم (22471)، وصححه الألباني في سنن أبي داود برقم (3253).
(4) صحيح الترغيب (2955).(1/291)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "لأن أحلف بالله كاذباً أحبُّ إليَّ من أن أحلف بغيره وأنا صادق".(1)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف على يمين فهو كما حلف، إن قال: هو يهودي فهو يهودي، وإن قال: هو نصراني، فهو نصراني، وإن قال: هو برئ من الاسلام، فهو برئٌ من الإسلام، ومن دعى دعاء الجاهلية، فإنّه من جثا جهنم" قالوا: يا رسول الله! وإن صام وصلى؟ قال: "وإن صام وصلى".(2)
(جثا): جمع جثوة بالضم: وهو الشيء المجموع.
الطيرة
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الطيرة شرك الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله يُذهبه بالتوكل".(3)
__________
(1) صحيح الترغيب (2953).
(2) صحيح الترغيب (2956).
(3) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (909)، وابو داود (3910) والترمذي "الجامع" رقم (1614) وقال: "حسن صحيح"، وأخرجه الطيالسي (1780 - مع منحة المعبود)، وأحمد (1/389 و 438 و 440)، وابن ماجة (3538)، والحاكم في "المستدرك" (1/17-18)، وابن حبان (7/642) رقم (6089 - مع الإحسان)، والبيهقي "السنن الكبرى" (8/139)، والبغوي "شرح السنة" (12/177 - 178) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وصححه العراقي في أماليه "فيض القدير" (4/294)، وقال سليمان بن حرب: "وما منا..." هو من قول ابن مسعود.
قال البخاري حكاه عنه تلميذه الترمذي في "الجامع" وفي "العلل الكبير" (2/691) ونص على ذلك جمع من الحفاظ منهم المنذري في "الترغيب" (4/64) وابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (2/234) والهيثمي في "موارد الظمآن" ( ص 345) وابن حجر في "فتح الباري" (10/213) وغيرهم، وصححه الألباني في الترغيب برقم (3098)، وفي سنن ابن ماجة برقم (3538).(1/292)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل قيل: يا رسول الله! وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة".(1)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لن ينال الدرجات العلى من تكهن أو استقسم، أو رجع من سفر تطيراً".(2)
النهي عن احتقار المسلم
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى هاهنا التقوى هاهنا التقوى هاهنا" ويشير إلى صدره "بحسب امرئ من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله".(3)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر" فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال: "إن الله تعالى جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس".(4)
(بطر الحق): أي دفعه ورده.
و (غمط الناس): هو احتقارهم وازدراؤهم كما جاء مفسراً عند الحاكم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم".(5)
وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان: فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر له إني قد غفرت له وأحبطت عملك".(6)
(يتألى): يحلف، والأَلِيّةُ (بتشديد الياء وكسر اللام): اليمين.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب "الطب" رقم (5756 و 5776) ورواه مسلم في كتاب "السلام" برقم (2224).
(2) رواه الطبراني والبيهقي، وقال الألباني: "حسن لغيره" الترغيب (3099).
(3) سبق تخريجه.
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2623).
(6) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2621).(1/293)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "انظر! فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود، إلا أن تفضُله بتقوى".(1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله عز وجل أذهب عنكم عُبية الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس بنو آدم، وآدم من تراب، مؤمن تقيً، وفاجر شقيٌّ، لينتهين أقوامٌ يفتخرون برجال إنما هم فحم من جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجِعلان، التي تدفع النَتن بأنفها".(2)
تحذير فيمن ليس في جوفه شيء من القرآن
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: إن أفقر البيوت بيت ليس فيه شيء من كتاب الله.(3)
(افقر) أي: أفرغها وأجوعها.
التحذير من أن يجلس الإنسان مجلسا لا يذكر الله فيه
ولا يصلي على نبيه - صلى الله عليه وسلم -
عن ابي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم، إلا كان عليهم تِرةً فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم".(4)
وفي رواية: قال: "من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه، كان عليه من الله تِرةً، ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه، كانت عليه من الله ترة، وما مشى أحد ممشى لم يذكر الله فيه، إلا كان عليه من الله ترة".(5)
(الترة) بكسر التاء المثناة فوق اوتخفيف الراء: هي النقص، وقيل التبعة.
__________
(1) صحيح الترغيب (2963).
(2) صحيح الترغيب (2965).
(3) رواه الحاكم موقوفا، وقال: "رفعه بعضهم"، وقال الألباني: "حسن لغيره موقوف" الترغيب.
(4) رواه أبو داود والترمذي واللفظ له وقال: "حديث حسن"، ورواه ابن أبي الدنيا والبيهقي، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (1512).
(5) رواه أبو داود وأحمد وابن ابي الدنيا والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، السلسلة الصحيحة" (78 و 79).(1/294)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما قعد قوم مقعداً لا يذكرون الله عز وجل ويصلون على النبي إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة، وإن دخلوا الجنة للثواب".(1)
وعن عبدالله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من قوم اجتمعوا في مجلس فتفرقوا ولم يذكروا الله، إلا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة".(2)
وعن ابي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة يوم القيامة".(3)
التحذير من الحسد
قال الله تعالى: { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } .(4)
وقال تعالى: { وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ } .(5)
وقال تعالى: { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقّ } .(6)
وقال الله تعالى: { وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } .(7)
الحسد: هو أن يتمنى الحاسد زوال النعمة عن أخيه شفاء لحقد نفسه وغيظ قلبه.
__________
(1) رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري" وصححه الألباني في الترغيب برقم (1513).
(2) رواه الطبراني في " الكبير" و "الأوسط"، والبيهقي، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (1515).
(3) رواه أبو داود و الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في الترغيب (1514).
(4) النساء: (54).
(5) النساء: (32).
(6) البقرة: (103).
(7) الفلق: (5).(1/295)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث".(1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه".(2)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله! أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب، صدوق اللسان".
قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟.
قال: "هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد".(3)
وعن ابن الزبير - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "دب إليكم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء هي الحالقة، أما إني لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين".(4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يجتمع في جوف عبد غبار في سبيل الله وفيح جهنم، ولا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد".(5)
وعن حمزة بن ثعلبة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا".(6)
ويندفع شرُّ الحساد عن المحسود بعشرة أسباب: (7)
أحدها: التعوذ بالله من شرّه، والتحصن به واللجوء إليه.
السبب الثاني: تقوى الله، وحفظه عند أمره ونهيه.
السبب الثالث: الصبر على عدوّه، وأن لا يقاتله ولا يشكوه، ولا يحدّث نفسه بأذاه أصلاً.
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه البخاري.
(3) رواه ابن ماجة، والبيهقي وغيره، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2889).
(4) سبق تخريجه.
(5) أخرجه النسائي في الجهاد (2/55)، وابن حبان في "صحيحه"، ومن طريقه البيهقي، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (2886).
(6) رواه الطبراني، وقال الألباني: "حسن" الترغيب (2887).
(7) "ذم الحسد وأهله" للعلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى، بتصرف.(1/296)
السبب الرابع: التوكل على الله. فمن يتوكل على الله فهو حسبه، والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، وهو من أقوى الأسباب في ذلك، فإن الله حسبه، أي: كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوّه، ولا يضرّه إلا أذىً لا بد منه، كالحر والبرد والجوع والعطش.
السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه.
السبب السادس: وهو الإقبال على الله، والإخلاص له.
السبب السابع: تجريد التوبة الى الله من الذنوب التي سلّطت عليه أعداءه.
السبب الثامن: الصدقة والإحسان ما أمكنه.
فإن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء، ودفع العين، وشر الحاسد، ولو لم يكن هذا إلا بتجارب الأمم قديماً وحديثاً، لكفى به.
السبب التاسع: وهو من أصعب الأسباب على النفس، وأشقّها عليها، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله، وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذىً وشراً وبغياً وحسداً ازددت إليه إحساناً، وله نصيحة، وعليه شفقة.
السبب العاشر: وهو الجامع لذلك كله، وعليه مدار هذه الأسباب وهو تجريد التوحيد، والترحّل بالفكر في الأسباب الى المسبب العزيز الحكيم، والعلي بأن هذه الآلات بمنزلة حركات الرياح، وهي بيد محركها، وفاطرها وبارئها، ولا تضرُّ ولا تنفع إلا بإذنه، فهو الذي يحسن عبده بها، وهو الذي يصرفها عنه وحده لا أحد سواه. قال تعالى: { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ، وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ } .(1)
التحذير من الكبر والفخر والخيلاء والعجب
قال الله تعالى: { إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } .(2)
وقال تعالى: { وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ } .(3)
__________
(1) يونس: (107).
(2) النحل: (23).
(3) غافر: (27).(1/297)
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } .(1)
وقال تعالى: { وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } .(2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يقول الله تبارك وتعالى: العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما ألقيته في النار".(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً قال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس".(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ما من رجل يختال في مشيته ويتعاظم في نفسه إلا لقي الله وهو عليه غضبان".
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل رأسه يختال في مشيته إذا خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة".(5)
ويقول - صلى الله عليه وسلم - : "لا يزال الرجل يتكبر ويذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم".(6)
وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا ثعلبة باعتزال أهل العجب فقال: "إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك".(7)
__________
(1) غافر: (60).
(2) لقمان: (18).
(3) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2620).
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (91).
(5) رواه الطبراني والحاكم.
(6) متفق عليه.
(7) رواه مسلم.(1/298)
ومر عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - ، وعلى رأسه حزمة حطب فقيل له: ما يحملك على هذا وقد أغناك الله عز وجل؟ قال: أردت أن أدفع به الكبر فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يدخل الجنة عبد في قلبه مثقال ذرة من كبر".(1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر".(2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "بينما رجل يتبختر في برديه إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة".(3)
??????
كتاب
البر والصلة
النهي عن عقوق الوالدين
قال الله تعالى: { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } .(4)
وقال تعالى: { والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار } .(5)
وقال تعالى: { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً } .(6)
العقوق مأخوذ من العق وهو القطع، ومنه سميت العقيقة التي تذبح عن المولود في اليوم السابع لأنها تعق: يعني تقطع رقبتها عند الذبح.
__________
(1) أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة. وصححه العلامة الألباني في سنن الترمذي برقم (1999).
(2) أخرجه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (142 و 148 و 149)، وأحمد في "المسند" (1/385 و 427)، والحاكم في "المستدرك" (4/182).
(3) رواه البخاري في كتاب "اللباس" (5790)، ومسلم في كتاب "اللباس" (2088).
(4) محمد: (22-23).
(5) الرعد: (25).
(6) الإسراء: (23-24).(1/299)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس".(1)
واليمين الغموس التي يحلفها كاذباً عامداً سميت غموساً لأنها تغمس الحالف في الإثم.
وعنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من الكبائر شتم الرجل والديه!" قالوا: يا رسول الله! وهل يشتم الرجل والديه؟! قال: "نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه".(2)
وفي رواية: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه!" قيل: يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه؟! قال: "يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه".(3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد".(4)
وعن أبي محمد جبير بن مطعم - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة قاطع". قال سفيان في روايته: يعني قاطع رحم. (5)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان والنذور برقم (6675).
(2) أخرجه البخاري، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (90) وهذا لفظه.
(3) أخرجه البخاري في الأدب برقم (5973).
(4) أخرجه الترمذي برقم (1900)، والعلل الكبير (340)، وابن حبان (429 الإحسان)، والبخاري في الأدب المفرد برقم (2)، والبغوي في شرح السنة برقم (3424)، ومعالم التنزيل (3/490)، والخطيب في جامع أخلاق الراوي (2/230)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (6/215)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (516).
(5) أخرجه البخاري في الأدب برقم (5984)، ومسلم في البر والصلة برقم (2556).(1/300)
وعن أبي عيسى المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعاً وهات ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال".(1)
(منعاً) معناه: منع ما وجب عليه
و (وهات): طلب ما ليس له.
و (وأد البنات) معناه: دفنهن في الحياة، و (قيل وقال): معناه: الحديث بكل ما يسمعه فيقول: قيل كذا وقال فلان كذا مما لا يعلم صحته ولا يظنها وكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع.
و (إضاعة المال) تبذيره وصرفه في غير الوجوه المأذون فيها من مقاصد الآخرة والدنيا وترك حفظه مع إمكان الحفظ.
و (كثرة السؤال): الإلحاح فيما لا حاجة إليه.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟..." فذكر منها عقوق الوالدين. (2)
وقد تقدم
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فاحفظ وإن شئت فضيع".(3)
وجاء رجل يستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد معه فقال له: "أحي والداك؟" قال: نعم قال: "ففيهما فجاهد".(4)
__________
(1) أخرجه البخاري في الأدب برقم (5975) وفي كتاب الاستقراض برقم (2408).
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه الترمذي برقم (1901)، وأحمد في المسند (5/196) و (6/445 و 451)، وابن ماجة برقم (2089) و (3663)، والبغوي في معالم التنزيل (3/490)، والحميد المسند رقم(395)، والطيالسي في المسند (2/34)، وابن حبان رقم (425 الإحسان)، والطحاوي في مشكل الآثار (2/158)، والحاكم في المستدرك (4/152)، وصححه وأقره الذهبي. و صححه الألباني في نن الترمذي برقم (1900).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (6/140) رقم (3004) وفي الأدب برقم (59)، وأخرجه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2549).(1/301)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمان عطاءه، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، والرجلة".(1)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر الخبث في أهله".(2)
وعن ابي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة لا يقبل الله عز وجل منهم صرفاً، ولا عدلاً: عاق، ومنان، ومكذب بقدر".(3)
وعن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من غير تخوم الأرض، ولعن الله من سبَّ والديه".(4)الحديث
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ملعون من عمل عمل قوم لوط ملعون من عمل عمل قوم لوط، معلون من عمل عمل قوم لوط، معلون من ذبح لغير الله، ملعون من عق والديه".(5)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا مؤمن بسحر".(6)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة عاق ولا مكذب بالقدر".(7)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه ابن أبي عاصم في "السنة" وحسنه الألباني في الترغيب (2513) و "السنة" برقم (323).
(4) سبق تخريجه.
(5) سبق تخريجه.
(6) سبق تخريجه.
(7) أخرجه أحمد في المسند (6/441)، والبغوي في معالم التنزيل (3/490)، والبزار (3/36) رقم (2182 كشف الأستار)، والطبراني وزاد (ولا منان) كما في مجمع الزوائد (7/203).(1/302)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله عز وجل: أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها إسماً من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته".(1)
وعن عمرو بن مرة الجهني - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال: يا رسول الله! أرأيت إن صليت الصلوات الخمس وصمت رمضان وأديت الزكاة وحججت البيت فماذا لي، قال: "من فعل ذلك كان مع النبيين والصديقيين والشهداء إلا أن يعق والديه".(2)
وعن ابي بكر: "كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه".(3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها".(4)
قال النووي رحمه الله تعالى: من استحل قطيعة الرحم بلا سبب ولا شبهة مع علمه بتحريمها فهو كافر مخلد في النار، ومن لم يستحل قطيعتها فإنه لا يدخل الجنة في أول الأمر مع السابقين بل يعاقب بتأخره القدر الذي يريد الله سبحانه وتعالى.
النهي عن قطع الرحم
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي. وصححه الشيخ الألباني في سنن الترمذي برقم (1907).
(2) رواه ابن حبان (5/184) رقم (3429 مع الإحسان)، والخطيب في جامع أخلاق الراوي (2/207) وأخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/333).
(3) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (67)، وأخرجه وكيع في الزهد رقم (243) و (429)، وهناد في الزهد رقم (1398)، وأحمد في المسند (5/36)، وابن المبارك في الزهد (252)، والطيالسي (2/58 مع منحة المعبود)، وأبو داود رقم (4902)، والترمذي (2513)، وابن ماجة (4211)، وابن حبان رقم (455) و (456) مع الإحسان، والحاكم في المستدرك (2/356) و (4/162 - 163)، والبغوي في شرح السنة (13/26) وقال الترمذي: "حسن صحيح" وقال الحاكم: "صحيح الاسناد". وصححه الألباني في سنن ابن ماجة برقم (4211).
(4) رواه البخاري.(1/303)
قال الله تعالى: { واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } .(1)
وقال تعالى: { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } .(2)
وعن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يدخل الجنة قاطع". قال سفيان: يعني قاطع رحم. (3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه".(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائد بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت بلى. قال: فذاك لكِ" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اقرأوا إن شئتم: "فهل عسيتم أن توليتم إن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم".(5)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسا له في اثره فليصل رحمه".(6)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله".(7)
__________
(1) النساء: (1).
(2) محمد: (22-23).
(3) رواه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (5984)، ورواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2556).
(4) رواه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (6138)، ورواه مسلم في كتاب الإيمان (74).
(5) رواه البخاري في كتاب "التوحيد" برقم (7502) وفي كتاب "التفسير" برقم (8/575 - 580 فتح)، ورواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2554).
(6) رواه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (5986) وفي كتاب "البيوع" برقم (4/306)، ورواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2556).
(7) رواه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (5988)، ورواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2555).(1/304)
وفي لفظ: "قال الله عز وجل: أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي من وصلها وصلته ومن قطعها بتته".(1)
وعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق، وإن هذه الرحم شجنة من الرحمن عز وجل، فمن قطعها حرم الله عليه الجنة".(2)
قوله: (شجنة) يعني قرابة مشتبكة كأشباك العروق. قاله أبو عبيد.
وقال تعالى: { والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار } .(3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يقول الله تعالى: "أنا الرحمن وهي الرحم من وصلها وصلته ومن قطعها قطعته".(4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "بلو أرحامكم ولو بالسلام".(5)
وعن ابي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم".(6)
لين الكلام للوالدين
__________
(1) رواه أبو داود في كتاب "الزكاة" برقم (1694)، ورواه الترمذي في "أبواب البر والصلة" برقم (1908)، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (2528).
(2) رواه أحمد والبزار، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2532).
(3) الرعد: (25).
(4) رواه هناد في "الزهد" (2/487) رقم (999)، والحاكم في "المستدرك" (4/157) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وقال الحاكم: "قد روي بأسانيد واضحة عن عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وعائشة وعبد الله بن عمرو".
(5) أخرجه وكيع في "الزهد" (1011) وابن حبان في "الثقات" (4/324)، "السلسلة الصحيحة" (1777).
(6) رواه ابن ماجة، والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2537).(1/305)
عن طَيْسَلة بن ميَّاس قال: كنت مع النجدات، فأصبت ذنوبا لا أراها إلا من الكبائر، فذكرت ذلك لابن عمر قال: ما هي؟ قلت: كذا وكذا. قال: ليست هذه من الكبائر، هن تسع: الإشراك بالله، وقتل نسمة، والفرار من الزحف، وقذف المحصنة، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وإلحاد في المسجد، والذي يستسخر، وبكاء الوالدين من العقوق.
قال لي ابن عمر: أتفرق من النار وتحب أن تدخل الجنة؟ قلت: أي والله! قال: أحيٌّ والدك؟ قلت: عندي أمي. قال: فوالله! لو ألنت لها الكلام وأطعمتها الطعام لتدخلنَّ الجنة ما اجتنبت الكبائر. (1)
النجدات: أصحاب نجدة بن عامر الخارجي، وهم قوم من الحرورية.
يستسخر: من السخرية.
أتفرق من النار: الفرَق هو الخوف والفزع.
جزاء الوالدين
عن أبي مرّة، مولى أم هانئ بنت ابي طالب: أنه ركب مع أبي هريرة إلى أرضه بـ (العقيق) فإذا دخل أرضه صاح بأعلى صوته: عليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أمتاه! تقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، يقول: رحمك الله كما ربيتني صغيراً. فتقول: يا بنيّ! وأنت، فجزاك الله خيراً ورضي عنك كما بررتني كبيراً. (2)
لعن الله من لعن والديه
عن أبي الطُّفيل قال: سئل عليّ: هل خصّكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء لم يخصّ به الناس كافة؟ قال: ما خصّنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء لم يخصّ به الناس، إلا ما في قراب سيفي، ثم أخرج صحيفة فإذا فيها مكتوب: "لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من سرق منار الأرض، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من أوى مُحدثاً".(3)
محدِثا بكسر الدال: من يأتي بفساد في الأرض، أي: من نصر جانياً أو آواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه.
__________
(1) السلسلة الصحيحة رقم (2898)، صحيح الأدب المفرد (ص 35).
(2) صحيح الأدب المفرد رقم (11).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي رقم (44).(1/306)
عن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من الكبائر أن يشتم الرجل والديه" فقالوا: كيف يشتم؟ قال: "يشتم الرجل، فيشتم أباه وأمه".(1)
النهي عن أذية الجار
قال الله تعالى: { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت إيمانكم } .(2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه".(3)
وفي رواية: "لا يدخل الجنة من لايؤمن جاره بوائقه".(4)
وعن ابي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت".(5)
وفي رواية لمسلم: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره".
وعن المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "ما تقولون في الزنا؟"
قالوا: حرام، حرمه الله ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لأن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره".
قال: "ما تقولون في السرقة؟"
قالوا: حرمها الله ورسوله، فهي حرام. قال: "لأن يسرق الرجل من عشرة ابيات، أيسر عليه من أن يسرق من جاره".(6)
وعن ابي شريح الكعبي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - رضي الله عنه - : "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن".
__________
(1) أخرجه مسلم في الإيمان برقم (146).
(2) النساء: (36).
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (46).
(5) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6018)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (47).
(6) سبق تخريجه.(1/307)
قيل: يا رسول الله! لقد خاب وخسر، من هذا؟ قال: "من لا يؤمن جاره بوائقه".
قالوا: وما بوائقه؟ قال: "شره".(1)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه".
وفي رواية عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤمن من أمنه الناس، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر السوء والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبدٌ لا يأمن جاره بوائقه".(2)
وعن أبي جحيفة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشكو جاره قال: "اطرح متاعك على الطريق".
فطرحه، فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونه، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! لقيت من الناس، قال: "وما لقيت منهم؟"
قال: "يلعنونني" قال: "قد لعنك الله قبل الناس".
فقال: إني لا أعود، فجاء الذي شكاه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ارفع متاعك فقد كُفيت.
وفي رواية أنه قال: "ضع متاعك على الطريق أو على ظهر الطريق" فوضعه، فكان كل من مر به قال: ما شأنك؟ قال: جاري يؤذيني. قال: فيدعو عليه، فجاء جاره فقال: رد متاعك، فإني لا أوذيك أبدا".(3)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6016)، ولكن لفظه "خاب وخسر" ليست عنده وإنما هي عند أحمد (4/31 و 6) 85.
(2) رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2555).
(3) رواه الطبراني والبزار، والبخاري في الأدب المفرد (125) والحاكم (4/166)، وقال: "صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (2558).(1/308)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبدٌ حتى يحب لجاره أو قال -لأخيه- ما يحب لنفسه".(1)
وعنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما هو بمؤمن من لم يأمن جاره بوائقه".(2)
(البوائق): جمع (بائقة) وهي: الشر وغائلته.
وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما زال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".(3)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه".(4)
وفي رواية عن أنس: "ما آمن بي من بات شبعانَ وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله! إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: "هي في النار".
قال: يا رسول الله! فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: "هي في الجنة".(5)
(الأثوار) بالمثلثة: جمع (ثور) وهي القطعة من الأقط.
و (الأقط) بفتح الهمزة وكسر القاف وبضمها أيضا وبكسر الهمزة والقاف معا وبفتحهما: هي شيء يتخذ من مخيض اللبن الغنمي، وهو لبن جامد مستحجر، كما في النهاية.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الايمان برقم (45).
(2) رواه أبو يعلى من رواية إسحاق، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (2552).
(3) رواه البخاري، ومسلم.
(4) رواه الطبراني و أبو يعلى، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (149) و الترغيب (2562).
(5) رواه البخاري في الأدب المفرد برقم (119)، وأحمد والبزار، وابن حبان في "صحيحه" والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (190).(1/309)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره".(1)
وعن مطرف يعني ابن عبد الله قال: كان يبلغني عن أبي ذر حديث، وكنت اشتهي لقاءه، فلقيته، فقلت: يا أبا ذر! كان يبلغني عنك حديث، وكنت أشتهي لقاءك، قال: لله أبوك، لقد لقيتني فهات. قلت: حديث بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثك فقال: "إن الله عز وجل يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة".
قال: فما أخالني أكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال: فقلت: فمن هؤلاء الثلاثة الذين يحبهم الله عز وجل؟ قال: "رجل غزا في سبيل الله صابراً محتسباً فقاتل حتى قتل، وأنتم تجدونه عندكم مكتوباً في كتاب الله عز وجل ثم تلا: { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } .
قلت: ومن؟
قال: "رجل كان له جار سوء يؤذيه فيصبر على أذاه حتى يكفيه الله إياه بحياة أو موت" فذكر الحديث. (2)
كتاب
الجنائز وما يتقدمها
ما جاء في فضل ذكر الموت وقصر الأمل
عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - ، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ثلث الليل قام فقال: "يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه" قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: "ما شئت" قلت: الرُبُع؟ قال: "ما شئت فإن زدت فهو خير لك" قلت: فالثلثين؟ قال: "ما شئت فإن زدت فهو خير لك" قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: "إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك"(3).
__________
(1) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحهما" والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني، الترغيب (2568).
(2) رواه أحمد، والطبراني واللفظ له، ورواه الحاكم وغيره بنحوه، وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في الترغيب (2569).
(3) سبق تخريجه.(1/310)
الراجفة: النفخة الأولى.
الرادفة: النفخة الثانية.
من صلاتي: من دعائي.
تكفي همك: المتعلق بالدارين كما في الرواية المرسلة "يكفيك الله هم الدنيا وهم الآخرة".
الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الذكر المشروع المستحب والذي تطمئن به القلوب وتذهب الهموم والأحزان.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت"(1).
ورواه ابن حبان وزاد: "فإنه ما ذكره أحد في ضيق إلا وسعه، ولا ذكره في سعةٍ إلا ضيقها عليه"(2).
ثواب من رجا الله وأحسن الظن به
قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (3).
وقال تعالى: { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (4).
وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِه } (5).
وقال تعالى: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } (6).
__________
(1) رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه، وصححه الألباني في الترغيب (3333).
(2) المصدر السابق.
(3) سورة البقرة الآية (218).
(4) سورة السجدة الآية (16-17).
(5) سورة فاطر الآية (29).
(6) سورة الزمر الآية(9).(1/311)
تقدم حديث الثلاثة نفر الذين آووا إلى الغار فدعوا الله بصالح أعمالهم.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة"(1).
ثواب من سأل الله العفو والعافية
عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه، أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! كيف أقولُ حيث أسألُ ربِّي؟ قال: "قل: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني" -ويَجمَعُ أصابِعَهُ إلا الإبهام – "فإن هؤلاءِ تَجمَعُ لك دنياكَ وآخرَتُكَ"(2).
ثواب من أحب لقاء الله تعالى
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه"(3).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" فقلت: يا نبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت قال: "ليس ذلك ولكن المؤمن إذا بشر برحمةِ الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه"(4).
__________
(1) رواه الترمذي (3540) وحسن الألباني في الصحيحة (127) وصحيح الجامع (4/4214).
(2) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2697).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6507) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6761).
(4) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6507) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6763).(1/312)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله عز وجل: إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه وإذا كره لقائي كرهت لقاءه"(1).
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن شئتم أنبأتكم ما أول ما يقول الله عز وجل للمؤمنين يوم القيامة؟ وما أول ما يقولون له؟" قلنا: نعم يا رسول الله. قال: "إن الله عز وجل يقول للمؤمنين هل أحببتم لقائي فيقولون: نعم يا ربنا فيقول: لم فيقولون: رجونا عفوك ومغفرتك فيقول قد وجبت لكم مغفرتي"(2).
كلمات يقولهن من آلمه شيء من جسده
عن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - ، أنه شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعاً يَجدُهُ في جسده منذ أسلمَ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ضع يَدَكَ على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثاً وقلْ سبعَ مرات: أعوذ بالله وقدرتِهِ من شَرِّ ما أجِدُ وأحاذِرُ(3).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى أخاه المسلم عائداً مشى في خرافة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح".(4)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا دخلت على مريض فمره أن يدعوا له فإن دعاءه كدعاء الملائكة".(5)
__________
(1) أخرجه البخاري ومسلم في كتاب الذكر والدعاء.
(2) أخرجه أحمد بإسناده عن معاذ، المشكاة (1606).
(3) رواه مسلم في كتاب السلام برقم (2202)، وأحمد في مسنده (4/21 و 217).
(4) رواه ابن ماجة والحاكم عن علي، صحيح الجامع (5810).
(5) رواه ابن ماجة وإسناده جيد إلا أن فيه انقطاعاً، وقال العلامة الألباني: "ضعيف جداً" سنن ابن ماجة (1441)، المشكاة (1588).(1/313)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا لم يصبه ذلك البلاء".(1)
ما يقول إذا رأى مبتلى بمرض أو غيره
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من رأى صاحب بلاء فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، إلا عوفي من ذلك البلاء كائناً ما كان ما عاش".
وفي رواية: "لم يصبه ذلك البلاء".(2)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: ينبغي أن يقول هذا الذكر سراً بحيث يسمع نفسه ولا يسمعه المبتلي لئلا يتألم قلبه بذلك إلا أن تكون بليته معصية فلا بأس أن يسمعه ذلك إن لم يخف من ذلك مفسدة والله أعلم. أ. هـ.الأذكار ( ص 48)
الرقى وفضلها
وما يقال عند المريض من الدعاء ونحوه
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رقى لديغاً بفاتحة الكتاب فجعل يتفل عليه ويقرأ " الحمد لله رب العالمين " فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قَلَبة(3)... الحديث
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من عاد مريضا لم يحضر أجَلَهُ فقال عنده، سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ويعافيك إلا عافاه الله تعالى".(4)
__________
(1) رواه الترمذي، المشكاة (3668)، الإرواء (2453).
(2) صحيح الترمذي (2728) والصحيحة (602)، وصحيح الترغيب (3392).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الإجارة برقم (2276) وفي كتاب الطب برقم (5749)، ومسلم في كتاب السلام برقم (5697).
(4) أخرجه أبو داود برقم (3106) والترمذي (2083) والحاكم (1/342) من طريق يزيد أبو خالد عن المنهال بن عمرو عن سعيد عن ابن عباس وذكره، المشكاة (1553) والكلم (149).(1/314)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أعرابي يعوده، قال وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل على مريض يعوده قال: "لا بأس، طهورٌ إن شاء الله. فقال له: لا بأس طهور إن شاء الله. قال: قلت طهورٌ؟ كلا، بل هي حمى تفور –أو تثور– على شيخٍ كبيرٍ، تُزيره القبور. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فنعم إذاً"(1)
قوله "لا بأس" أي: أن المرض يكفر الخطايا، فإن حصلت العافية فقد حصلت الفائدتان، وإلا حصل ربح التكفير.
وقوله :"طهور" قال ابن حجر : هو خبر مبتدأ محذوف أي هو طهور لك من ذنوبك أي مطهرة. فتح (10/124)
وفي حديث سعد بن أبي وقاص، عندما عاده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه، وفيه: "ثم وضع يده على جبهته، ثم مسح يده على وجهي وبطني، ثم قال: اللهم اشف سعدا... الحديث".
وعند مسلم: "اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعداً ثلاث مرات".(2)
قال ابن الجوزي : وفي قوله "اللهم اشف سعدا" دليل على استحباب الدعاء للمريض بالعافية".(3)
وعن عائشة رضي الله عنها، "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتى مريضاً أو أُتي به إليه قال: "أذهب البأس، رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما".
ثواب من كان آخر كلامه لا إله إلا الله
عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"(4).
ثواب تغسيل الميت وكتم ما يرى من مكروه
__________
(1) رواه البخاري برقم (3616).
(2) رواه البخاري برقم (5659) ومسلم برقم (1628).
(3) كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/233) رقم (164).
(4) رواه أبو داود والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (6355)، الإرواء (679).(1/315)
عن أبي رافع عن أسلم مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" من غَسَّلَ ميتاً فكتم عليه غفر الله له أربعين مرة، ومن كفن ميتاً كساه الله من سندس واستبرق في الجنة ، ومن حفر لميت قبراً فأجنه فيه أجرى الله له من الأجر كأجر مسكنٍ أسكنه إلى يوم القيامة"(1).
"فكتم عليه" أي : كتم عليه ما قد يرى في بعض الأموات من سواد الوجه وتغير الخلقة ونحو ذلك.
ثواب من مات غريباً
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: مات رجل بالمدينة ممن ولد بها فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: " يا ليته مات بغير مولد" قالوا: ولِمَ ذاك يا رسول الله ؟ قال:" إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس بين مولده إلى منقطع أثره في الجنة"(2).
ثواب ما يقول من مات له ميت
قال الله تعالى: { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } (3).
وعن ابن موسى - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون نعم فيقول:قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم فيقول : فماذا قال عبدي ؟ فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد.(4).
__________
(1) رواه الحاكم (354 و362) والبيهقي (3/395)، وصححه الألباني، الجنائز (ص51)، الترغيب برقم (3492)
(2) رواه النسائي وابن ماجه وابن خزيمة ، وقال الألباني: "حسن" صحيح الجامع (1612)
(3) سورة البقرة الآية (156)
(4) رواه الترمذي و حسنه ابن ماجه، وحسنه العلامة الألباني رحمه الله، صحيح الجامع
(807)، السلسلة الصحيحة(1408).(1/316)
وعن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله تعالى عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها" قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خيرٌُ من أبي سلمة أول بيتٍ هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم إني قلتها فأخلف الله خيراً منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "(1).
وفي رواية لمسلم : عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" قالت: فلما مات أبو سلمة أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات، قال: "قولي :اللهم اغفر لي وله، واعقبني منه عُقبى حسنة" فقلت، فأعقبني الله مَنْ هو خيرٌ لي منه محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - (2).
ما يقوله إذا أصابه هَمٌّ أو حزن
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من أصابه هَمّ أو حزن فليدعُ بهذه الكلمات يقول: اللهم أنا عبدك ابن عبدك ابن أمتك في قبضتك ناصيتي بيدك ماضٍ في حكمك عدلٌ فيَّ قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن نور صدري وربيع قلبي وجلاء حزني وذهاب همي"إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجاً"
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (918)
(2) صحيح مسلم ، كتاب الجنائز رقم (919)(1/317)
فقال رجل من القوم: يا رسول الله إن المغبون لمن غُبٍنَ هؤلاء الكلمات فقال: " أجل فقولوهن وعلموهن فإنه من قالهن التماس ما فيهن أذهب الله تعالى حزنه وأطال فرحه"(1).
النهي عن سب الميت والإساءة له
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسبوا الأموات، فإنهم أفضوا إلى ما قدموا".(2)
قوله: "أفضوا إلى ما قدموا": أي وصلوا إلى ما عملوا من خير أو شر.
قال ابن حجر رحمه الله: "واستدل به على منع سب الأموات مطلقا، وأصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساوئهم للتحذير منهم والتنفير عنهم، وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأموات. أ.هـ. فتح الباري (3/259)
النهي عن النياحة واللطم
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اثنتان هما بالناس كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت".(3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "النائحة إذا لم تتب أُلبست درعاً من جرب وسربالا من قطران يوم القيامة".(4)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية".(5)
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الميت يعذب في قبره بما نيح عليه".(6)
__________
(1) رواه أحمد(4318/2) وابن السني انظر الفتوحات (4/13)، صحيح الكلم الطيب(ص72)
(2) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1393).
(3) رواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم (67).
(4) رواه مسلم في كتاب "الجنائز" برقم (974).
(5) رواه البخاري في كتاب "الجنائز" برقم (1297) ورواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم
(103).
(6) رواه البخاري في كتاب "الجنائز" برقم (1292)، ورواه مسلم في كتاب "الجنائز" برقم
(927).(1/318)
وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة".(1)
وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته تعدد عليه فتقول: واكذا واكذا، فقال حين افاق: ما قلت شيئا إلا قيل لي أنت كذا أنت كذا".(2)
وزاد البخاري: "فلما مات لم تبك عليه" أي بعد هذه القصة، فإنه مات شهيداً في غزوة مؤتة كما هو معروف في كتب الحديث والسيرة. قاله الألباني
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول: واجبلاه، واسيداه! أو نحو ذلك، إلا وكل به ملكان يلهزانه: أهكذا أنت؟!".(3)
(اللهز): هو الدفع بجمع اليد في الصدر.
وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الميت ليعذب ببكاء الحي، إذا قالت: واعضداه! وامانعاه، واناصراه، واكاسياه، جبذ الميت فقيل: أنا حِرها أنت؟! أكاسيها أنت؟!".(4)
وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة".
وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب".(5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة من الكفر بالله،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1291)، ومسلم في كتاب الجنائز برقم (933).
(2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي برقم (4267).
(3) رواه ابن ماجة، والترمذي واللفظ له وقال: "حديث حسن صحيح"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3522).
(4) رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد" وحسنه لألباني في الترغيب برقم (3523).
(5) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (934).(1/319)
شقً الجيب، والنياحة، والطعن في النسب".(1)
وفي رواية لابن حبان: "ثلاثة هي الكفر".
وفي أخرى: "ثلاث من عمل الجاهلية لا يتركهن أهل الاسلام" فذكر الحديث.
(الجيب): هو الخرق الذي يخرج الانسان منه رأسه في القميص ونحوه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة رن إبليس رنةً اجتمعت إليه جنوده. فقال: ايأسوا بأن تردوا أمة محمد على الشرك بعد يومكم هذا، ولكن افتنوهم في دينهم، وافشوا فيهم النوح.(2)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة".(3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "النياحة من أمر الجاهلية، وإن النائحة إذا ماتت ولم تتب قطّع الله لها ثيابا من قطران، ودرعاً من لهب النار".(4)
(القطران) بفتح القاف وكسر الطاء، قال ابن عباس: "هو النحاس المذاب"
وقال الحسن: "هو قطران الإبل" وقيل غير ذلك.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
ولما مات أبو سلمة قلت: غريب وفي أرضه غربة، لأبكيّنه بكاءً يتحدث عنه، فكنت قد تهيأت للبكاء عليه إذ أقبلت امرأة تريد أن تساعدني، فاستقبلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أتريدين أن تدخلي الشيطان بيتاً أخرجه الله منه؟".
فكففت عن البكاء، فلم أبك. (5)
__________
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح الإسناد" وصححه الألباني في الترغيب برقم (3525).
(2) رواه الطبراني في "الكبير"، وأبو يعلى في "المسند الكبير"، والضياء في امختارة، وحسنه الألباني في الترغيب (3526)، والصحيحة برقم (3417).
(3) رواه البزار، وقال المنذر في الترغيب: "رواته ثقات" وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3527).
(4) رواه ابن ماجة، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (3/382).
(5) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (922).(1/320)
تساعدني: أي في البكاء والنوح، قولها (غريب في أرض غربة) لأنه من أهل مكة ومات بالمدينة.
وعن أسيد بن أبي أسيد التابعي عن امرأة من المبايعات قالت: "كان فيما أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعروف الذي أخذ علينا، أن لا نخمش وجها، ولا ندعو ويلاً، ولا نشق جيباً، ولا ننشر شعراً".(1)
وعن أبي امامة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية يالويل والثبور".(2)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتلُ زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرف فيه الحزن، قالت: وأنا أطلع من شق الباب فأتاه رجل فقال: أي رسول الله! إن نساء جعفر - وذكر بكاءهن، فأمره أن ينهاهن، فذهب الرجل ثم أتى فقال: والله لقد غلبنني أو غلبننا.
فزعمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فاحثِ في أفواههن التراب".
فقلت: أرغم الله أنفك، فو الله ما أنت بفاعل ولا تركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العَنا. (3)
قال النووي: مرادها أن الرجل قاصر عن القيام بما أمر به من الإنكار والتأديب، ومع ذلك لم يفصح بعجزه عن ذلك ليرسل غيره فيستريح من التعب. أ.هـ.
وعن حذيفة - رضي الله عنه - ، أنه قال: إذ حُضِر: إذا أنا مت فلا يؤذن علي أحد، إني أخاف أن يكون نعياً وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن النعي. (4)
الخاتمة
__________
(1) رواه أبو داود، وصححه الألباني في الترغيب برقم (3535).
(2) رواه ابن ماجة، وابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني، الترغيب (3536).
(3) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم )1305)، واللفظ له، ومسلم في كتاب الجنائز برقم (935).
(4) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (3531)، وأحكام الجنائز ( ص 44).(1/321)
وأخيراً، وبعد أن قرأت هذا الكتاب الذي تضمن بين طياته النصوص من الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، وأقوال السلف رضوان الله عليهم، عليك أخي المسلم ان تعمل به، لتكون ممن قال الله تعالى فيهم: { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ } .
فهذا هو جهدنا وهو جهد المقل، وهذه قدراتنا، فنرجوا الله ان تنتفع به، ليكون حجة لك لا حجة عليك.
ولا تنس يا أخي أن تدعوا لمن أعدّ لك هذا الكتاب ولمن طبعه وكل من كانت له اليد في إخراج هذا الكتاب بأن يغفر الله له ولجميع المسلمين.
نسأل الله أن يوفقنا وإياك لقبول الحق والعمل به إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. آمين.
كتبه
العبد الفقير الراجي عفو ربه
ماجد خنجر البنكاني
المحتويات
المادة ... الصفحة
المقدمة ................................................................................ ... 3
كتاب حفظ اللسان .................................................................. ... 8
كيف يكون لسان المؤمن ......................................................... ... 19
خطر اللسان على الإنسان ....................................................... ... 20
كيف كان لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلقه ......................................... ... 20
التعوذ من شر اللسان ............................................................ ... 21
النهي عن أذية المسلمين ......................................................... ... 22
كتاب الشرك بالله تعالى .......................................................... ... 22
الشرك بالله تعالى .................................................................. ... 24(1/322)
سب الله وسب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ....................................................... ... 30
الكذب على الله تعالى وعلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ........................................ ... 31
سب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ................................... ... 33
النذر .................................................................................... ... 38
النهي عن الدعاء لغير الله سبحانه وتعالى .................................. ... 40
النهي عن الاستسقاء بالأنواء ................................................... ... 42
التحذير من كفران نعمة المحسن .............................................. ... 43
النهي عن سؤال الكهان والعرافين ............................................ ... 44
المكذب بالقدر ....................................................................... ... 45
الحكم بغير ما انزل الله ........................................................... ... 48
كتاب العلم ............................................................................ ... 50
فضل العلم والعلماء وفضل السؤال لطلب العلم .......................... ... 51
ثواب طلب العلم وتعليمه لوجه الله عز وجل .............................. ... 54
التحذير من الجدال والمراء واللدد ............................................ ... 57
التحذير من الفتوى بلا علم ..................................................... ... 61
كتاب الصلاة ......................................................................... ... 65
ثواب من حافظ على هؤلاء الكلمات بعد الوضوء ................... ... 66
ما جاء في ثواب الأذان وفضله ............................................... ... 72
ثواب الدعاء عند سماع المؤذن ................................................ ... 73(1/323)
ثواب الترديد مع المؤذن ......................................................... ... 74
ثواب الدعاء بعد الأذان .......................................................... ... 76
ما جاء في الدعاء عند دخول المسجد والخروج منه ................. ... 76
ما يقول عند إرادته القيام إلى الصلاة ....................................... ... 84
النهي عن نشد الضالة والبيع في المسجد .................................. ... 77
فضل قراءة سورة (الكهف) ليلة الجمعة ويوم الجمعة .................. ... 78
التحذير من تخطي الرقاب يوم الجمعة ...................................... ... 79
النهي عن الكلام والإمام يخطب ............................................... ... 79
فضل صلاة الاستخارة ........................................................... ... 81
كتاب الصيام ......................................................................... ... 83
ما يقول إذا رأى الهلال أو القمر ............................................ ... 84
ما يقول إذا أفطر عند قوم ..................................................... ... 84
ما يقول من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر ...................... ... 85
تحذير الصائم من الغيبة والفحش والكذب ونحو ذلك .................. ... 85
كتاب الصدقات ...................................................................... ... 87
التحذير من المن .................................................................... ... 88
ما جاء في المسألة وتحريمها مع الغنى وما جاء في ذم الطمع .... ... 89
النهي عن العودة في الصدقة ................................................... ... 97
كتاب الذكر والدعاء ............................................................... ... 98
ثواب ذكر الله تعالى على الإطلاق وفي كل الأحوال ................... ... 99(1/324)
ما جاء في فضل الدعاء عند الرفع من الركوع وفي الاعتدال ...... ... 106
ما يقول من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها .................... ... 108
ما جاء في الأذكار بعد الصلاة وفضلها .................................... ... 108
الحث على ذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح والمغرب ............... ... 110
فضل ذكر الله بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ...................... ... 112
فضل الأذكار بعد صلاة الصبح ............................................... ... 115
فضل حلق الذكر والاجتماع عليه ............................................ ... 115
ما يقوله عند القيام من المجلس ............................................... ... 120
فضل كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله .......................................... ... 121
فضل من تعوذ بكلمات الله التامات .......................................... ... 123
فضل كلمة التوحيد : لا إله إلا الله ............................................ ... 124
فضل من قالها عشر مرات .................................................... ... 130
فضل من قالها مئة مرة .......................................................... ... 130
الذكر عندما يقول ما يسخط ربه عز وجل ................................. ... 136
ما جاء في التسبيح وفضله ..................................................... ... 137
التسبيح بالأصابع وأنه أفضل من السبحة ................................... ... 143
فضل الذكر طرفي النهار ....................................................... ... 143
ما جاء في فضل الاستغفار ..................................................... ... 151
ما يقول حال خروجه من بيته ................................................. ... 161
ما يقوله من رأى في منامه ما يكرهه ....................................... ... 162(1/325)
ما يقول إذا استيقظ في الليل وأراد النوم بعده ........................... ... 162
ما يقول إذا كان يفزع من نومه ............................................... ... 162
ما يقول من استيقظ من منامه .................................................. ... 163
ما يقول إذا أراد النوم واضطجع على فراشه ............................. ... 164
ما يقول إذا لبس ثوباً .............................................................. ... 169
ما جاء في فضل الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ............................. ... 181
النهي عن استبطاء الإجابة وقوله دعوت فلم يستجب لي .............. ... 177
النهي عن دعاء الإنسان على نفسه وولده وخادمه وماله .............. ... 178
النهي عن رفع المصلي راسه إلى السماء في الصلاة ووقت الدعاء................................................................................... ... 178
كتاب القرآن ......................................................................... ... 180
ما جاء في فضل قراءة القرآن ................................................. ... 181
ما جاء في فضل من تعلم القرآن وعلمه لوجه الله تعالى ............ ... 190
قراءة سورة الفاتحة وفضلها .................................................... ... 192
قراءة سورة البقرة وفضلها .................................................... ... 195
قراءة آية الكرسي وفضلها ...................................................... ... 198
قراءة خواتيم سورة البقرة وفضلها ........................................... ... 200
قراءة سورة الكهف وفضلها ................................................... ... 203
قراءة سورة تبارك وفضلها ..................................................... ... 203
ما جاء في قل هو الله أحد وفضلها ........................................... ... 205(1/326)
فضل قراءة الزلزلة وما يذكر معها .......................................... ... 205
المعوذتان وفضلهما ............................................................... ... 206
كتاب البيوع ........................................................................ ... 207
النصيحة في البيع وغيره ........................................................ ... 208
تحريم الخيانة في النصيحة ...................................................... ... 209
ما يقول إذا دخل السوق .......................................................... ... 209
ما جاء في الشرط .................................................................. ... 210
ما جاء في كلمات يقولها في قضاء الدين والمهوم والمكروب والمأسور .............................................................................
النهي عن إنفاق السلعة بالحلف الكاذب .................................... ... 210
النهي من اليمين الغموس......................................................... ... 212
كتاب الطعام وغيره ............................................................ ... 214
ما يقول إذا فرغ من الطعام وما جاء في لعق الأصابع ................ ... 220
ما يقول ويفعل من يأكل ولا يشبع ........................................... ... 221
فضل التسمية على الطعام ...................................................... ... 221
223
كتاب النكاح .......................................................................... ... 226
النهي عن الغناء والموسيقى .................................................... ... 227
الشعر حسن كحسن الكلام ومنه قبيح ........................................ ... 228
التحذير من إفساد المرأة على زوجها والعبد على سيده ................ ... 230(1/327)
نهي المرأة عن نعت المرأة لزوجها .......................................... ... 231
التحذير من إفشاء السر سيما ما كان بين الزوجين .................. ... 232
التحذير المرأة أن تسأل زوجها الطلاق من غير بأس ................ ... 233
التحذير من أن يخطب المسلم على خطبة أخيه ........................... ... 233
كتاب القضاء ........................................................................ ... 234
النهي عن القضاء والولاية وغيره ............................................ ... 235
النهي عن الظلم وأخذ أموال الناس بالباطل ودعاء المظلوم ......... ... 236
تحذير الحاكم وغيره من إرضاء الناس بما يسخط الله عز وجل ... 247
النهي عن البغي .................................................................... ... 249
ثواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ................................. ... 251
التحذير من شهادة الزور ........................................................ ... 253
كتاب الحدود ......................................................................... ... 253
التحذير من أن يأمر بمعروف وينهى عن منكر ويخالف قوله فعله ... 254
النهي عن هتك ستر المسلم وتتبع عورته ................................. ... 255
النهي عن مواقعة الحدود وانتهاك المحارم ................................. ... 257
ما جاء في القصاص .............................................................. ... 258
كتاب الأدب وغيره ................................................................ ... 259
الحث على طيب الكلام وفضله ................................................ ... 260
النهي عن الفحش وبذاء اللسان ................................................ ... 262
النهي عن الغضب ................................................................. ... 263(1/328)
علاج اللسان عند الغضب ...................................................... ... 265
ثواب السلام على المؤمنين والأمر بإفشائه ................................ ... 262
ما جاء في فضل المصافحة ..................................................... ... 265
ما جاء في فضل من سلم إذا دخل بيته ..................................... ... 267
إذا قال أدخل ولم يسلم ............................................................ ... 268
النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام ......................................... ... 275
النهي عن أن يطلع الإنسان في دار قبل أن يستأذن ..................... ... 281
تحذير المستمع على الناس ما يسرونه ...................................... ... 283
النهي عن تناجي اثنين دون الثالث ........................................... ... 284
النهي عن التهاجر والتشاحن والتدابر ........................................ ... 285
ما جاء في الإصلاح بين الناس ............................................... ... 286
دعاء نزول المنزل ................................................................. ... 288
ما جاء في فضل من رد غيبة أخيه المسلم وذب عن عرضه ....... ... 289
ما جاء في فضل الصدق ........................................................ ... 290
النهي عن الكذب .................................................................... ... 294
الكذب في الرؤيا أو الحلم ........................................................ ... 295
عقوبة الذي يكذب .................................................................. ... 305
الكذب في إظهار الفضل وإيحاء ما ليس له ............................... ... 305
الكذب بقصد المزاح ............................................................... ... 305(1/329)
الوفاء بالوعد ........................................................................ ... 306
ثواب دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب سيما المسافر .................. ... 308
فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب .......................................... ... 308
ما الذي يجب أن تفعل أمام من يذكر المسلم بسوء ...................... ... 310
ما يقول إذا نزل منزلاً ............................................................ ... 312
حفظ السر وعدم إفشائه .......................................................... ... 312
من سمع بفاحشة فأفشاها ........................................................ ... 314
النهي عن أذية المسلمين وشتمهم واللعن سيما لمعين ................. ... 315
سباب العبيد .......................................................................... ... 323
النهي عن سب الدهر ............................................................. ... 324
التحذير من القول للفاسق او المبتدع يا سيدي ............................. ... 326
النهي عن سب الدابة والريح ................................................... ... 326
التحذير من ذي الوجهين واللسانيين .......................................... ... 327
التحذير من قذف المحصنات ................................................... ... 329
النهي عن الخروج بالسيف والتكفير بالكبائر .............................. ... 330
التحذير من القول لمسلم يا كافر ............................................... ... 332
النهي عن النميمة .................................................................. ... 333
النهي عن الغيبة والبهت ........................................................ ... 336
تحذير من جس على المسلمين ودل على عوراتهم ..................... ... 342(1/330)
قلة الكلام والتحفظ في النطق ................................................. ... 342
التحذير من كثرة الكلام .......................................................... ... 346
النهي عن تعيير المسلم وتوبيخه ............................................... ... 349
النهي عن قول هذا من أهل الجنة أو من أهل النار والتألي على الله تعالى وقول هلك الناس ونحوه ............................................
النهي عن الطعن في الأنساب .................................................. ... 350
351
النهي عن الفخر بالأنساب ....................................................... ... 351
نهي المرء أن يدعي إلى غير أبيه أو ينتمي إلى غير مواليه ....... ... 353
النهي عن الاستغفار للمشركين والكفار .................................. ... 353
ذم الخصومات .............................................................. ... 354
ما نهى عنه العباد أن يسخر بعضهم من بعض ........................ ... 356
ما أمر به الناس أن يستعملوا فيه أنفسهم من القول الحسن للناس أجمعين .......................................................................
357
ذم المداحين .......................................................................... ... 359
وجوب التبين قبل الكلام والتثبت فيما يقوله المرء .................... ... 361
كف اللسان من الجهاد ............................................................ ... 362
النهي عن الكلام فيما يعنيك ..................................................... ... 363
ذم التقعر في الكلام ................................................................ ... 364
الحث على صداقة الؤمن واصطحابه ........................................ ... 366
النهي عن البدع ..................................................................... ... 367(1/331)
النهي عن البهتان والإفتراء .................................................... ... 369
عظم حرمة المؤمن ................................................................ ... 370
الصدق في المزاح ........................................................... ... 371
النهي عن التشبع بما لم يعط .................................................... ... 374
النهي عن قيل وقال ............................................................... ... 375
النهي عن مخاطبة المنافق بسيد ونحوه .................................... ... 375
النهي عن لفظة لو وما يجوز منها ........................................... ... 375
النهي من التحدث عن الرؤيا ................................................... ... 377
التعوذ بالله من الشيطان وعدم سّبه ........................................... ... 378
ما ورد في شتم الكفار وآلهتهم ................................................ ... 378
النهي عن الحلف بغير الله وقول أنا بريء من الأسلام ............ ... 379
الطيرة .................................................................................. ... 381
النهي من احتقار المسلم ......................................................... ... 382
تحذير فيمن ليس في جوفه شيء من القرآن ............................. ... 383
التحذير من أن يجلس الإنسان مجلسا لا يذكر الله فيه ولا يصلي على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ....................................................................... ... 385
التحذير من الحسد ............................................................... ... 389
التحذير من الكبر والفخر والخيلاء والعجب ............................... ... 389
كتاب البر والصلة ......................................................... ... 392(1/332)
النهي عن عقوق الوالدين ....................................................... ... 393
النهي عن قطع الرحم ............................................................ ... 398
لين الكلام للوالدين ................................................................. ... 401
جزاء الوالدين ..................................................................... ... 402
لعن الله من لعن والديه .......................................................... ... 403
النهي عن أذية الجار ............................................................. ... 405
كتاب الجنائز وما يتقدمها ................................................... ... 408
ما جاء في فضل ذكر الموت وقصر الأمل ............................... ... 409
ثواب من رجا الله وأحسن الظن به ......................................... ... 410
ثواب من سأل الله العفو والعافية ............................................. ... 411
ثواب من أحب لقاء الله تعالى ................................................ ... 411
كلمات يقولهن من آلمه شيء من جسده ..................................... ... 412
ما يقول إذا راى مبتلى بمرض وغيره ..................................... ... 412
الرقى وفضلها وما يقال عند المريض من الدعاء ونحوه ........... ... 414
ثواب من كان آخر كلامه لا اله الا الله ................................... ... 416
ثواب تغسيل الميت وكتم ما يرى من مكروه ............................. ... 416
ثواب من مات غريبا ............................................................. ... 416
ثواب ما يقوله من مات له ميت .............................................. ... 417
ما يقوله إذا أصابه هم أو حزن ................................................ ... 418
النهي عن سب الميت والاساءة له ............................................ ... 419(1/333)
النهي عن النياحة واللطم ........................................................ ... 419
الخاتمة نسأل الله حسنها .................................................... ... 425
الفهرس ......................................................................... ... 426
??????(1/334)