آثار تعليم
القرآن الكريم على الفرد والمجتمع
بحث مقدم للملتقى الثالث للجمعيات الخيرية
لتحفيظ القرآن الكريم لعام 1427هـ
إعداد
الدكتور/خالد بن صالح محمد باجحزر
وكيل المدرسة الناصرية الابتدائية
إمام وخطيب جامع السندي
بمكة المكرمة
شكر وتقدير
…من منطلق الهدي النبوي الكريم على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم الذي يقول:(( من لا يشكر الناس لا يشكر الله))((1)).
أتقدم بالشكر والتقدير للأخوة القائمين على الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض وذلك لمساهمتهم الفعّالة في خدمة كتاب الله،حفظاً،وتلاوةً،وتجويداً،ولقيامهم بخدمة الأمة من خلال الملتقى الثالث للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم والتي تهتم بتوضيح آثار تعليم القرآن الكريم،في بناء الفرد و المجتمع من جميع الجوانب الثقافية والاقتصادية،والأمنية،..... وغير ذلك.
والله نسأل أن يجعل أعمالنا أجمعين لوجهه خالصاً وللأجر حاصلاً.
……………………… الباحث
………………… د/خالد صالح محمد باجحزر
……………… أستاذ الأصول الإسلامية للتربية المساعد
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الأول:خطة البحث
أولاً:المقدمة
…الحمد لله رب العالمين،وبه نستعين على أمور الدنيا والدين،والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين،سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
__________
(1) - محمد بن عيسى الترمذي:السنن،ط 1405هـ،دار الحديث،دمشق.(1/1)
…فإنه من الأمور المُسّلم بها في مجال تحقيق النجاح في أي مجال من المجالات التي تهم الفرد والمجتمع،ولعل أهمها:مجال التعليم باعتباره الوسيلة الوحيدة،لتحقيق كل أنواع التقدم والتطور،وهذا التعليم لايمكن أن يؤدي دوره المنشود إلا من خلال أدوات ووسائل إيصاله إلى أذهان المتعلمين غبر طرائق فعالة أو ثبتت فعاليتها عبر مسيرة التعليم الطويلة،إذ لا ينفع المعلم بمعلوماته الواسعة إذا لم يتقن طريقة إيصالها،ومهارة إيضاحها للمتعلمين،ومن هنا تتضح أهمية الطريقة المتقنة في العملية التعليمية والتربوية.
…ولقد حققت التربية الإسلامية سبقاً كبيراً في هذا المجال،والميدان الهام،إذ قدمت عدداً من الطرائق الفعّالة في التدريس تختلف باختلاف المادة العلمية التي يقدمها،وباختلاف الزمان والمكان وفي مقدمة هذه المواد أو المقررات:القرآن الكريم،من أجل إحداث آثار بارزة في حياة الفرد والمجتمع.
…أحاول في هذه الدراسة إعطاء فكرة عن أهم آثار القرآن الكريم على الفرد والمجتمع،بعد عرض لأهم الجوانب التي يجب أن يعدّ معلم القرآن الكريم،من خلالها حتى يتمكن من إحداث الآثار المرجوة منه نحو أمته ومجتمعه.
ثانياً:موضوع البحث وأسئلته:
…من خلال العرض السابق يتضح للباحث أهمية الطريقة التدريسية في إنجاح العملية التعليمية،وفي تحقيق التقدم الذي تنشده الأمم والشعوب بشكل عام،وتدريس القرآن بشكل خاص.
…ولما لم أجد دراسة علمية متخصصة في هذا المجال حسب اطلاعي المتواضع،تولدت لديّ القناعة بضرورة دراسة آثار تعليم القرآن الكريم بعنوان[آثار التدريس الفعّال للقرآن الكريم،على الفرد والمجتمع من منظور التربية الإسلامية] ويمكن صياغته بالسؤال الرئيسي التالي:
س/ما آثار التدريس الفعّال في العملية التعليمية من منظور التربية الإسلامية؟
ويمكن أن يتفرع عنه الأسئلة التالية:
س1/ما الجوانب المهمة التي يجب أن يعد معلم القرآن الكريم من خلالها؟(1/2)
س2/ما أهمية الطريقة التدريسية على الطالب،والمنهج والوسيلة التعليمية؟
س3/هل طرائق التدريس في التربية الإسلامية ملائمة لكل المواضيع،أم تختلف باختلاف المادة العلمية واختلاف قدرات المعلمين؟
س4/ما أبرز طرائق تدريس القرآن الكريم المستخدمة على الفرد والمجتمع؟
ثالثاً:أهمية البحث:
…لدراسة طرائق التدريس من منظور التربية الإسلامية أهمية كبيرة في العملية التعليمية،يمكن إبرازهما من خلال النقاط التالية:
تسهم هذه الدراسة في بناء العملية التعليمية بناءاً دقيقاً من خلال معرفة آثار طرائق التدريس المختلفة التي أحدثت فاعليتها في الواقع من منظور التربية الإسلامية.
إضافة حلقة من حلقات التربية الإسلامية التي تفيد الجانب المعرفي لدى المعلمين والمتعلمين معاً،والجانب المعرفي بشكل عام.
الإسهام في بلورة الآثار الإيجابية للتدريس الفعّال للقرآن الكريم على الفرد والمجتمع معاً.
رابعاً:أهداف البحث:
…يمكن التعرف على الأهداف التي تسعى هذه الدراسة إلى تحقيقها،ولعل أهمها وأبرزها ما يلي:
1)التعّرف على أهم آثار التدريس الفعّال من منظور التربية الإسلامية.
2)التعّرف على أهم الجوانب التي يجب أن يعد معلم القرآن الكريم من خلالها.
3)إيضاح آثار تعليم القرآن الكريم على الفرد والمجتمع.
4)التعّرف على أهمية معلم القرآن الكريم في البناء العقدي،والاجتماعي،والثقافي،والاقتصادي.
5)التعّرف على أهم آثار التدريس الفعّال من منظور التربية الإسلامية على كل عناصر العملية التعليمية.
خامساً:حدود البحث:
…لما كان للتربية الإسلامية طرائق متعددة ومختلفة للتدريس فإن هذه الدراسة التي أقوم بها سوف يتم التركيز فيها على أهم آثار التدريس الفعّال للقرآن الكريم على الفرد والمجتمع.
سادساً:منهج البحث:(1/3)
…مما لا شك فيه أن المنهج يختلف باختلاف الموضوع الذي يدّرس ويبحث،وبما أن التدريس الفعّال في التربية الإسلامية في كل مواده المتعددة،فإن ما يناسبها من المناهج العلمية هو:المنهج الوصفي الذي يساعد الباحث في تحليل ووصف ظاهرة مجال البحث،وذلك بهدف الاستفادة من هذا المنهج في وصف آثار تدريس القرآن الكريم على الفرد والمجتمع.
الفصل الثاني:أهمية إعداد معلم القرآن الكريم
أولاً:الإعداد الثقافي:
تعرف الثقافة العامة بأنها"الثقافة الإنسانية الواسعة التي تهيئ للمرء أسباب مؤالفة الطبيعة،ومؤالفة الحياة الاجتماعية ومؤالفة القيم الروحية....والمعلم لا يكون صالحاً حتى يكون مزوداً بثقافة عامة تعينه على فهم الطبيعة والمجتمع وتمكنه من إدراك ما يترتب على عمله من خير وشر وتساعده على إدراك القيم الخلقية والمبادئ العلمية والمفاهيم الفنية وطبيعة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية"((1))وبالنسبة للعالم المسلم فإن مهنة التدريس تعتبر من أوائل المهن التي تحتاج إلى ثقافة عامة واسعة،فتهذب روحه،وتقوم سلوكه وخلقه،وتنمي عقله وتنظمه،وتهذب ذوقه الفني وتكشف عما لديه من استعدادات فنية وقدرات إبداعية"وتعرفه بأصول عقيدته وأحكام دينه وبحقائق سيرة سلفه الصالح وتاريخ أمته وبلاده وبمجريات الأحداث في الماضي،وتمكنه من استخلاص الدروس والعبر والعظات من التاريخ واكتشاف الأسباب العميقة التي تكمن وراء أحداث الماضي ليستفيد منها في حاضره ومستقبله،كما تمكنه أيضاً من الإلمام بمشكلات مجتمعه وأمته والعالم الذي يعيش فيه ومن تقويم لسانه" ((2))الفنية،وغيرها،كل ذلك في إطار الأخلاق والعقيدة الإسلامية،ومن هذا المنطلق ينصح المفكرون المربون المسلمون المعلم لكي
__________
(1) - جميل صليبا:مستقبل التربية في العالم العربي،ط1977م،دار غريب،بيروت،ص37.
(2) - عمر محمد التومي الشيباني:من أسس التربية الإسلامية،ط1399هـ،المنشأة الشعبية للنشر والتوزيع،طرابلس،ص329.(1/4)
يتمكن من تملك ناحية الثقافة العامة"ألا يدع فناً من العلوم المحمودة ولا نوعاً من أنواعه إلا وينظر فيه نظراً يطلع به على مقصده وغايته،ثم إن ساعده العمر ظل يتبحر فيه وإلا اشتغل بالأهم منه واستوفاه وتطرف من البقية،فإن العلوم متفاوتة وبعضها مرتبط ببعض"((1))وأكد ابن جماعة(ت733هـ - 1332م)بعد الغزالي(ت505هـ - 1111م)على الموضوع نفسه.
فطلب من المتعلم"ألا يدع فناً من الفنون أو علماً من العلوم إلا ونظر فيه،فإن ساعده القدر وطول العمر على التبحر فيه،فذاك،وإلا فقد استفاد منه ما يخرج به من عداوة الجهل بذلك العمل،ويعني من كل علم بالأهم فالأهم"((2))واشترط على المعلم أن يسلك مساراً منهجياً معيناً من أجل الحصول على الثقافة العامة بحيث"لايخوض في فن من فنون العلم دفعة واحدة،بل يراعي الترتيب ويبتدئ بالأهم فإن العمر لا يتسع لجميع العلوم غالباً فالحزم أن يأخذ من كل شيء أحسنه ويكتفي منه بشمه ويصرف جام وقته بالميسور من عمله"((3)).
__________
(1) - أبو حامد الغزالي:إحياء علوم الدين،ط 1373هـ،مطبعة الحلبي وشركاؤه،القاهرة،ج1ص51.
(2) - بدر الدين،محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة:تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم،تحقيق/الندوي،ط1415هـ
رمادي للنشر،الدمام.،ص51.
(3) - ابن جماعة:المرجع نفسه،ص52.(1/5)
"ويحفظ من كل فن مختصراً....ويحذر في الاعتماد في ذلك على الكتب ابتداء،بل يعتمد في كل فن ما هو أحسن تعليماً له وأكثر تحقيقاً فيه"((1))وعلى المعلم أن يحذر الخوض في الخلافات العقائدية في بادئ الأمر"بل عليه الاحتراز من الإصغاء إلى اختلاف الناس سواء كان ما خاض فيه من علوم الدنيا أو من علوم الآخرة فإن ذلك يدهش عقله ويحير ذهنه ويفتر رأيه وييئسه من الإدراك والاطلاع،بل ينبغي أن يتعين أولاً الطريقة الحميدة والواحدة المرضية عند أستاذه ثم يعود بعد ذلك يصغي إلى المذاهب والشبه"((2)).
وعلى المعلم أن لا يقصر عمله على نشر العلم فقط،بل يقوم بدوره الاجتماعي من خلال"السعي في قضاء الحاجات"((3))وبدوره التوجيهي التربوي باستخدام جميع الوسائط التربوية من أجل"حسن تربيته وتحسين خلقه وإصلاح شأنه"((4))ومما لا ريب فيه أن مثل هذه المهام والأدوار التي يقيم بها المتعلم وتعده ليكون معلماً في المستقبل،تتطلب منه أن يكون مزوداً بثقافة عامة،لا تعني حشو الذهن بالمعلومات بل تعني قبل كل شيء تعمقاً في الفهم،وميولاً واتجاهات عقلانية تدفع به للبحث والتنقيب،واستزادة من العلم بمتابعة التطورات العلمية في ميدان اختصاصه،وتفسيراً للاتجاهات وتفهمها،لأن الثقافة التي هذا نمطها،سيكون لها دورها الساعد في بناء الإنسان المسلم المتعلم المتكامل جسمانياً وعقلياً ونفسياً وروحياً واجتماعياً،ليستطيع القيام بدوره الفعّال البنّاء في مجتمعه.
ثانيا:الإعداد التخصصي:
__________
(1) - ابن جماعة: المرجع نفسه،ص113- 114.
(2) - الغزالي:إحياء علوم الدين،ج1،ص51
(3) - ابن جماعة:تذكرة السامع،مرجع سابق،ص53.
(4) - ابن جماعة:المرجع نفسه المكان نفسه،ص53.(1/6)
…يدرك المربون أن غزارة المادة العلمية أحد عناصر الكفاية الخاصة للمعلم،وتظهر أهمية ذلك من خلال ميل المتعلمين وحبهم وإقبالهم وإعجابهم على معلمهم لما يجدونه عنه من حسن تصرف في أطراف البحث وغزارة في المادة التي يدرسها،وعليه إذا كنا كمعلمين نرغب بأن نوصف بالنجاح فعلينا أن نملأ عقولنا من الموضوع الذي نعلمه،وهذه قاعدة أساسية من قواعد التعليم.
ولكي يكون المعلم متمتعاً بالأهلية للتدريس عليه أن يأخذ العلم ويكتسب حسن الأخلاق والآداب،ممن"كملت أهليته وتحققت شفقته وظهرت مروءته وعرفت عفته واشتهرت صيانته،وكان أحسن تعليماً وأجود تفهيماً ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورعٍ أو دين أو عدم خلق"((1))وممارسة العملية التعليمية تتطلب من المعلم أن يكون "عارفاً بتلك الفنون،وإلا فلا يتعرض لها،بل يقتصر على ما يتقنه"((2))ويكون له مع"مشايخ عصره صلة وثيقة تقوم على كثرة بحث وطول اجتماع وزيادة ممارسة وثناء منهم على سمعته وخلقه وبحثه"((3))والمعلم الذي لا ينمو في مهنته باستمرار يصدأ،لذلك فإن عليه"أن لا يستنكف من التعلم والاستفادة ممن هو دونه في منصب أو سن أو نسب،أو شهرة أو دين أو في علم،بل يحرص على الفائدة ممن كانت عنده،فقد كان كثير من السلف يستفيدون من تلاميذهم ما ليس عندهم"((4))وإذا أراد المعلم أن يحقق ذاته،ويحترم من تلاميذه فإن عليه"أن يطالب نفسه في كل يوم باستفادة علم جديد ويحاسبها على ما حصله"((5))"ويجتهد في ملازمة الاشتغال بالعلم هي مطلوبه ورأس ماله،فلا يشتغل بغيره
__________
(1) - ابن جماعة:المرجع نفسه ص85.
(2) - ابن جماعة:المرجع نفسه،ص58.
(3) - زين علي بن أحمد العاملي:منية المريد في آداب المفيد والمستفيد،تحقيق/الحسيني،ط د.ت،دار الكتاب الإسلامية،بيروت،ص110.
(4) - عبد الباسط العلموي:المفيد في آداب المفيد والمستفيد،تحقيق/أحمد عبيد،ط1349هـ،المكتبة العربية،دمشق،ص42.
(5) - ابن جماعة:تذكرة السامع،مرجع سابق،ص120.(1/7)
من الأمور الدنيوية مع الإمكان وبدون يقتصر على قدر الضرورة"((1)).
…هذا وإن استمرارية التعلم والاتصال به،من خصائص أنشطة التعلم التي تضمن لها فاعليتها وتحقيق نتائجها في التنوع فمع التنوع والقوة والحيوية في ممارسة هذه الأنشطة لا بد من عدم تعرضها لانقطاع أو فترة،لهذا ينصح الزنوجي"بألا يكون لطالب العلم فترة فإنها آفة"((2))ويتابع نصحه بأن العلم صناعة،ولما كان كذلك فهو يحتاج إلى الاستمرارية فيه والمداولة والتجرد له فيقول:((صناعتنا من المهد إلى اللحد،فمن أراد أن يترك علمنا هذا ساعة فليتركه الساعة)) ((3))،فهو لا يريد طلبة يسيرون أنصاف الطريق في العلم،بل طلبة يستمرون في علمهم مدى الحياة.
ولما كان من آداب العالم ترك الدعوى لما لا يحسنه وترك الفخر بما يحسنه اضطر أمام ضغط المجتمع ونظرته التقيمية المستمرة له أن يسعى"لتكون همته في طلب العلم عالية فلا يكتفي بالقليل مع إمكان الكثير" ((4))،"ويبادر أوقات عمره لابد لها ولا عوض عنها"((5)).
وعليه أن يبالغ"في الجد والنشاط وشرخ الشباب قبل عوارض البطالة وموانع الرياسة فإنها أدوى الأدواء وأعظل الأمراض وليحذر كل الحذر من نظر نفسه بعين الكمال والاستغناء عن المشايخ،فإن ذلك عين النقص وحقيقة الجهل وعنوان الحماقة،ودليل قلة العلم والمعرفة لو تدبر"((6)).
__________
(1) - العاملي:منية المريد،مرجع سابق،ص67-68.
(2) - برهان الدين الزرنوجي:تعليم المتعلم طرق التعلم، ط1354هـ ،دار التراث ،القاهرة،ص111.
(3) - الزرنوجي:المرجع نفسه،ص115.
(4) - ابن جماعة: تذكرة السامع ،ص133.
(5) - ابن جماعة:المرجع نفسه،ص70.
(6) - العاملي:منية المريد،مرجع سابق،ص89.(1/8)
ويحرص على التعلم من خلال مواظبته عليه"في جميع أوقاته ليلاً ونهاراً سفراً وحضراً،ولا يضيّع شيئاً من أوقات عمره في غير ما هو بصدده من العلم والعمل إلا بقدر الضرورة من أكل وشرب ونوم أو استراحة لملل،أو أداء لحق زوجة أو زائر أو تحصيل قوت وغيره مما يحتاج إليه،أو لألم يتعذر معه الاشتغال"((1)).
إن المعلم الذي هذا هو شأنه،لا بد أن يكون ممن أحب مهنته ورضي عنها وتعلق بها،وسعى إلى"تنزيهها وصيانتها عن دنيء المفاسد فرفض أن يجعل علمه سلماً يتوصل به إلى الأغراض الدنيوية من جاه أو مال أو سمعة أو شهوة أو خدمة أو تقدم على أقرانه....وتنزه عن الطمع في رفق من طلبته بمال أو خدمة أو غيرهما بسبب اشتغالهم عليه وترددهم إليه"((2))،وهذا المعلم يعطي وظيفته حقها ويعرف ماله من حقوق وما عليه من واجبات فلا يخل بها من حضور درس ومذاكرة وقراءة ونحوها ولو لعروض مرض خفيف أو ألم طفيف،وليستشف بالعلم وليشتغل بقدر الإمكان كما قيل:
إذا مرضنا تداوينا بذكركم ... ونترك الذكر أحياناً فننكس((3))
ثالثا:الإعداد النفسي والخلقي:
__________
(1) - ابن جماعة: المرجع نفسه،27.
(2) - ابن جماعة:المرجع نفسه،ص19.
(3) - العلموي:المفيد في آداب المفيد والمستفيد،ص41.(1/9)
…إن كل متعلم له طبيعة خاصة مما يتطلب من المعلم"أن يجرد ذهنه ويعلم حاله"((1))،لأن من الناس من "يحفظ عشر ورقات في ساعة ومنهم من لا يحفظ نصف ساعة في أيام،فإذا ذهب الذي مقدار حفظه نصف صفحة يروم أن يحفظ عشر ورقات تشبهاً بغيره لحقه الملل،وأدركه الضجر،ونسي ما حفظ،ولم ينتفع بما سمع،فليقتصر كل امرئٍ من نفسه على مقدار يبقى فيه ما لا يستفرغ كل نشاطه،فإن ذلك أعوّن على التعليم من الذهن الجيد والمعلم الحاذق"((2))،ولما كان لكل متعلم قدرات واستعدادات خاصة به،ولذلك ترتب على المعلم أن يسير معه بقدر فهمه فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله فيُنّفره أو يخبط عليه عقله اقتداء في ذلك بسيد البشر- صلى الله عليه وسلم -حيث قال:((نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونكلمهم على قدر عقولهم)) ((3))،فليبث إليه الحقيقة إذا علم أنه يستقل بفهمها....وعلى المعلم ألا يفشي كل ما يعلم إلى كل حدٍ،هذا إذ كان يفهمه المتعلم ولم يكن أهلاً للانتفاع به فكيف فيما لا يفهمه؟ولذلك قيل كل لكل عبد بمعيار عقله وزن له بميزان فهمه حتى تسلم منه وينتفع بك وإلا وقع الأفكار لتفاوت المعيار((4)).
__________
(1) - ابن جماعة:تذكرة السامع،ص56.
(2) - الخطيب البغدادي:الفقيه والمتفقه، دار الكتب العلمية،بيروت،ص107.
(3) - روي في جزء من حديث أبي بكر بن الشخير من حديث عمر أخذ منه،وعند أبي داود من حديث عائشة((انزلوا الناس منازلهم)).
(4) - الغزالي:إحياء علوم الدين،مرجع سابق،ج1،ص57.(1/10)
فإذاً على المعلم حال المتعلم،"لا يلقي إليه ما لم يتأهل له،لأن ذلك يبدد ذهنه ويفرق فهمه"((1))،وإذا وجده يسلك في التحصيل فوق ما يقتضيه حاله أو تحمله طاقته،وخاف الشيخ المعلم ضجره أو صاه بالرفق بنفسه،وذكره بقول النبي- صلى الله عليه وسلم -:((إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى))((2) )) ،ونحو ذلك مما يحمله على الإناة والاقتصاد((3)).
__________
(1) - ابن جماعة:تذكرة السامع،ص51.
(2) - أحمد بن حنبل:المسند،ط د.ت،دار الفكر العربي،القاهرة،ج3،ص213.
(3) - ابن جماعة:تذكرة السامع،ص55.(1/11)
وقد يأتي متعلم إلى معلم يطلب نوعاً من العلم وهو غير مؤهل له،فعلى المعلم"أن يعرفه أن ذلك يضره ولا ينفعه"((1))،ويوضح له أن مثل هذا المنع ما هو إلا"لشفقة عليه ولطف به لا بخلاً عليه ثم يرغبه عند ذلك في الاجتهاد والتحصيل ليتأهل لذلك ولغيره"((2))،ويلقي إليه المعلم"الجلي اللائق به ولا يذكر له وراء هذا تدقيقاً وهو يدخره عن فإنه يفتر رغبته في الجلي ويشوش عليه قلبه ويوهم إليه البخل إذ يظن كل أحد أنه أهل علمٍ دقيق"((3))،ومما لا ريب فيه أن معرفة طبيعة المتعلمين تتطلب مهارات معينة ومعايير معينة أيضاً في عصر لم تتوافر فيه الروائز والاختبارات وغيرها من الأمور المعدة لكشف الفروق الفردية بين المتعلمين،لذلك نرى الماوردي يطلب من المعلم أن يكون"ذا فراسة يتوسم المتعلمين بهذه الصفة،وكان بقدر استحقاقهم خبيراً،لم يضع له عناء ولم يخب على يديه صاحب،وإن لم يتوسهم،وخفيت عليهم أحوالهم،ومبلغ استحقاقهم،كانوا وإياه في عناء نكد وتعب غير مجد،لأنه لا لعدم أن يكون فيهم ذكي محتاج إلى الزيادة،وبليد يكتفي بالقليل فيضجر الذكي فيه،ويعجز البليد عنه ومن يرد أصحابه بين عجز وضجر ملوه وملهم"((4))،ولذلك فإن المعلم حين يعرف طبيعة المتعلم ويعرف استعداداته وقدراته فإنه يطالبه أن يثبت"في الأخذ ولا يكثر،بل يأخذ قليلاً،حسب ما يحتمله حفظه أو يقرب من فهمه"((5)).
__________
(1) - ابن جماعة:المرجع نفسه،ص51.
(2) - ابن جماعة:المرجع نفسه،ص51-52.
(3) - الغزالي:إحياء علوم الدين،ج1،ص58.
(4) - أبو الحسن الماوردي:أدب الدنيا والدين،ط(د.ت)،دار الكتب العلمية،بيروت،ج5،ص89-90.
(5) - الخطيب البغدادي:الفقيه والمتفقه،ص101.(1/12)
حقاً إن هذا الموقف من المعلم المسلم من خلال فهمه لطبيعة المتعلم والفروق الفردية بين المتعلمين،ومراعاة حالاتهم النفسية،كل ذلك يشير إلى الاتفاق في الأفكار بين مربينا المسلمين والمربين الحديثين في هذا المجال،مع الإشارة إلى عدم التناسب في إعطاء المعلومات للمتعلم بشكل لا يوافق مع طبيعته يؤدي إلى إرباكه عقلياً وبالتالي إخفاقه في دراسته،ثم إن عدم التناسب هذا يؤدي أيضاً إلى كره التلميذ للمؤسسة التعليمية وبالتالي القائمين عليها مما يتسبب في هروبه من المدرسة ومن ثم يكون الإخفاق والتسرب والهدر التربوي،كذلك يحضرنا ذلك الرأي السليم الذي ينصح بعد إعطاء المتعلم العلم جزافاً لغير أهله،فإن ذلك الأمر قد ينجم عنه أضراراً كبيرة،فقد يصاب المتعلم بالزهو والغرور،خصوصاً إذا كان من غير الأكفاء.
أما دراية المعلم بالحالة النفسية للمتعلم فهي"كفيلة بأن تعينه على اختيار الطريقة التي ينبغي أن يعامل بها المتعلم،سواء كان ذلك أثناء تعليمه،أو تهذيبه وإرشاده،وسواء كان المتعلم صغير السن أو مراهقاً،وقد تبين إن عدم دراسة المتعلم لنفسية المتعلم قد تتسبب عنها أضرار بليغة،إن هذه الآراء تتجاوب تجاوباً تاماً مع الرأي السائد الآن القائل بأن دراسة علم النفس من أول متطلبات إعداد المعلم إعداداً صحيحاً فلا يمكن أن يؤدي المعلم عمله تأدية صحيحة إلا إذا كان على دراية تامة بالنظريات النفسية التي أثناء النمو،وما إلى ذلك من معلومات توجهه في طريق التدريس"((1)).
الفصل الثالث:آثار تعليم القرآن الكريم على الفرد
__________
(1) - فتحية سليمان:بحث في المذهب التربوي عند الغزالي،ط1998م،دار صادر،بيروت.،ص64.(1/13)
…مهنة التعليم لا تساويها مهنة في الفضل والرفعة،ووظيفة المعلم من أشرف الوظائف وأعلاها،وكلما كانت المادة العلمية أشرف وأنفع،ارتفع صاحبها شرف ورفعة،وأشرف العلوم على الإطلاق:العلوم الشرعية،ثم العلوم الأخرى،ومهمة المعلم لا يقتصر على طرح المادة العلمية على طلابه فقط،بل هي مهم عسيرة،ولكنها يسيرة على من يسرها الله عليه،فهي تتطلب من المعلم صبراً وأمانة ونصاً،ورعاية لمن تحته،وبخاصة إذا كان المعلم هو معلم القرآن الكريم،الذي يتعيّن عليه تقديم الخير لأمته،ويُسهم في بناء الفرد والمجتمع نفسياً،وروحياً،واجتماعياً،وعلمياً،وخلقياً واقتصادياً،وأمنياً،و....فهو مؤهل لإحداث مثل هذه الآثار،ولذلك استحق رحمة من الله والثناء من كل المخلوقات،في قوله- صلى الله عليه وسلم -:((إن الله وملائكته،وأهل السماوات والأرض،حتى النملة في جحرها،وحتى الحوت في البحر،ليُصلون على معلم الناس الخير))((1))،وقوله:((خيركم من تعلم القرآن وعلّمه))((2)).
أحاول في هذا المبحث إبراز أهم آثار معلم القرآن الكريم على الفرد والمجتمع،وذلك على النحو الآتي:-
( أ )-البناء الروحي أو العقدي
…العقيدة أساس التربية من منظور الإسلام،والتربية"تنمية الإنسان الصالح على طريق التعرف على الله سبحانه،والاتصال به،والقرب منه"((3))،وما ينبغي أن يحدث من أثر على الفرد،وبنائه روحياً وعقدياً،وغرس الإيمان في نفسه بالله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور،ويعلم الكليات والجزئيات،ويرغب عبده،بل يأمره بطلب العلم وتحصيله،ونفي الجهل عن نفسه،وذلك بقوله سبحانه وتعالى: { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ((4)).
__________
(1) - جلال الدين السيوطي:الجامع الصغير،ط 1377هـ،دار الحلبي،القاهرة.
(2) - السيوطي:المرجع نفسه،ج1،ص127.
(3) - محمد شديد:قيم الحياة في القرآن الكريم،ط1993م،مطبعة دارالعلم،دمشق،ص67.
(4) - سورة:النحل،آية[43].(1/14)
…وعلى معلم القرآن الكريم الذي يتلو مع نفسه،وعلى تلاميذه من الآيات البيِّنات التي توضح صفات الله والتي منها صفة العلم،ومنها قوله سبحانه وتعالى: { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } ((1)).
فعلى معلم القرآن الكريم أن يغرس في نفس الفرد الذي يعلمه معرفة ويقين أن الله العليم لا يرضى لعباده الجهل،ولا يمكن أن ينال القرب منه جاهل،وحسب هذا الفرد أن يجعل من هذه الصفة مثلاً أعلى يأخذ نصيبه من العلم،ويتدرج بالتطلع نحو الكمال المعرفي،وبقدر ما يبذل من جهد،وبقدر ما يحصل عليه من علم،بقدر قربه من الله تعالى،فكلما ازداد علماً،ازداد معرفة،وازداد قرباً من الله((2))،وعلى هذا فإن؛التربية القرآنية التي يقوم بها معلم القرآن الكريم"تصنع هذا الفرد صنعاً عجيباً،منفرداً"((3))،وتتم هذه الصناعة والتكوين للفرد عن طريق ما يلي:-
1)- تقدير النعم المحسوسة التي يتمتع بها الفرد،وإثارة عقله ووجدانه للتفكير فيها،ومن ثم التفكير في عظمة وقدرة مسديها،وفي القرآن الكريم تكرار الدعوة إلى النظر في القوة التي أسدت النعم التي يتمتع بها هذا الإنسان.
__________
(1) - سورة:الأنعام،آية[59].
(2) - محمد شديد:قيم الحياة في القرآن،مرجع سابق،ص70.
(3) - مقداد يالجن:وسائل التربية الإيمانية في ضوء العلم والفلسفة،ط1936م،مجلة المسلم المعاصر،العدد(5)،ص77.(1/15)
2)- توضيح أن في الاعتقاد مصلحة للفرد لأن فيه راحته،نفسياً،واجتماعياً،وإلى هذا الأثر يشير قوله سبحانه وتعالى: { وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } ((1))،وقوله: { وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ((2))،وقوله: { فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا } ((3)).
3)- إزالة العوائق التي تحول دون رغبة الفرد في الاعتقاد الصحيح،مثل التعصب أو العناد،أو عدم استعمال العقل أو الحواس،وإلى هذا الأثر يشير قول الله سبحانه وتعالى: { {تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ } ((4))،وقوله: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ } ((5)).
4)- الأدلة أو الآيات القرآنية التي هي محور البناء العقدي للفرد،في سلوكه،وفكره،وفي حياته كلها،فالقرآن الكريم يحتوي على جميع مناشط العلم الصحيح في آياته،بقول سبحانه وتعالى: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } ((6)).
__________
(1) - سورة:الطلاق،آية[11].
(2) - سورة:التغابن،آية[11].
(3) - سورة:الجن،آية[13].
(4) - سورة:الأعراف،آية[101].
(5) - سورة:البقرة،آية[13].
(6) - سورة:فصلت،آية[53].(1/16)
5)- تكوين الاتجاه نحو التطبيق العلمي للعقيدة؛وما يترتب عليها،فإن الإنسان إذا شعر بأن كل شيء في هذا الكون قد خلف لخدمته،وهذا الشعور يولد حباً لمن سخّره له،وهو الله،وإلى هذا الأثر يشير قول الحق سبحانه وتعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ - قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } ((1))،وتكوين الاتجاه هذا يؤدي إلى:-
(1)ربط الإنسان بخالقه ربطاً وثيقاً عن حب وخشية.
(2)تحرير الإنسان من العبودية لغير الله.
(3)حب عباد الله،ثم العمل من أجلهم عملاً متواصلاً متفانياً،وهذا يؤدي إلى الحب والإخاء بين أفراد المجتمع.
(4)إبراز أهمية العمل والتطبيق((2)).
…ومما لا شك فيه؛أن للقرآن الكريم أسلوباً رائعاً،ومزايا فريدة في تربية الفرد على الإيمان بالله وبوحدانيته،وباليوم الآخر.
…إنه يُفرض الإقناع العقلي مقترناً بإثارة العواطف والانفعالات الإنسانية،فهو بذلك يربي العقل والعاطفة جميعاً،متمشياً مع فطرة الإنسان في البساطة وعدم التكلف،وطرق باب العقل مع القلب مباشرة((3)).
…6)- يُعلّم معلم القرآن؛تلاميذه أن الإيمان بالله هو الذي يحرره من ربقة العبودية للمادة،أو مطالب الذات الإنسانية الجسدية،أو العقلية،وهذا الإيمان هو الأساس،لأنه تربية صحيحة((4)).
__________
(1) - سورة:آل عمران،آية[31-32].
(2) - محمد فاضل الجمالي:نحو توحيد الفكر التربوي في العالم الإسلامي،ط1970م،الدار العربية للكتاب،ليبيا،ص144.
(3) - محمد أحمد عبد الهادي:المربي والتربية الإسلامية،ط1404هـ،دار البيان العربي،جدة،ص23.
(4) - محمد فاضل الجمالي:نحو تربية مؤمنة،فلسفة تربوية تكاملية لتحقيق مجتمع إسلامي ناهض،ط1977م
الشركة التونسية،تونس،ص27.(1/17)
…7)- إكساب الفرد المتعلم:ممارسة النشاط الروحي،والتهذيب الخلقي،وممارسة فعلية لشعائر الدين،ومعرفة الفضائل وممارستها،والبعد عن التعصب والجمود،والاتكالية،والتزمت،والتطرف المدمر،والغلو المرفوض.
…8)- يفيد الفرد:التكامل بين الإيمان والعمل الصالح،والإخلاص،وأداء الواجب،والإنتاج المثمر،وإنكار الذات((1)).
…9)- إكسابه:السمو الروحي،والطمأنينة النفسية.
10)- صيانة القيم الإنسانية عن طريق:تكوين الرغبة في الاعتقاد،وتثبيت العقيدة من خلال ما يقوم به من بيان أن الإنسان مفطور على العقيدة الإسلامية.
ويوضح أن الإنسان"يولد وهو مهيأ لطريق الخير،إذ أنه مزود بالعقل،والقلب،وأدوات المعرفة التي يستطيع استخدامها الاستخدام السليم،دون ميل إلى هوى،أو شهوة،أن يصل إلى الحقيقة"((2)).
ومن خلال؛إثارة عقل هذا الفرد وتفكيره في آيات الكون،فهي ميدان خصب للتربية الروحية،من حيث تفكر العقل في هذه القوانين التي تحكم هذه الظواهر الكونية،ونعم الله في الكون.
(ب)- البناء الخلقي
…الخلق عبارة عن سلوك الإنسان(كفرد وجماعة)سلوكاً يميز فيه بين الخير والشر،فيحب الخير ويختاره،ويعمل على تنفيذه،ويُمقت الشر ويعافه((3))،وهو تكامل العادات والاتجاهات والعواطف والمثل العليا،بصورة تميل إلى الاستقرار،وتصلح للتنبؤ بالسلوك المقبل((4))ولعل معلم القرآن الكريم من أكثر المعلمين تأثيراً في تلاميذه فهو المثل والقدوة الحسنة أمامهم ومن آثاره الإيجابية إكساب المتعلم القدرة على التمييز بين الأمور النافعة والضارة،الخيّرة والشرّيرة.
__________
(1) - ابراهيم مطاوع:التربية المعاصرة،ط1976م،دار النهضة العربية،القاهرة،ص151.
(2) - عبد الفتاح جلال:من الأصول التربوية في الإسلام،ط1976م،دار الكتاب العربي،القاهرة،ص51.
(3) - محمد باقر الصدر:فلسفتنا،ط(د.ت) دار الفكر العربي،بيروت،ص49.
(4) - محمد باقر الصدر:فلسفتنا، المرجع السابق،ص47.(1/18)
وعلى كل الخلق سلوك يتفاعل فيه الضمير والفكر والعاطفة والإرادة والتنفيذ والعادة،فكل هذه تتحد فتكون وحدة سلوكية،أخلاقية يعيشها في واقع الحياة اليومية((1))،وعن هذا السلوك،تنتج الحاسة الخلقية،الموجودة في النفس الإنسانية فطرياً،حيث يستطيع الفرد العادي أن يميز إلى حد ما-وفي كل ما يقوم به من أنواع السلوك-بين ما هو خير وما هو شر،وبين ما هو شر وما هو محايد،لا ينفع ولا يضر،وذلك مثلما يميز في عالم المحسوس بين الجميل والقبيح والمجرد من كل تعبير((2)).
وبناء على ما سبق فإن مسألة الاعتقاد في هذه الأخلاق القرآنية وانبثاق الحياة عنها،ليست فكراً مجرداً،لا علاقة له بالواقع،وإنما هو مسائل تتصل بالعقل والروح والنفس والقلب،وبواقع الحياة كلها،والهدف الذي تهدف إليه هذه الأخلاق القرآنية،هو الرضى الإلهي،والقياس الخلقي،الذي توزن به الأعمال،إنما هو مقدار ما يحصل بها،من هذا الهدف المقدس((3)).
الأهداف التي ينبغي لمعلم القرآن الكريم أن يحققها في المتعلمين:-
1- من أهم الأهداف التي تسعى التربية الإسلامية لتحقيقها،بواسطة معلم القرآن الكريم الهدف الأخلاقي((4)).
__________
(1) - محمد فاضل الجمالي:نحو توحيد الفكر التربوي في العالم الإسلامي،(مرجع سابق)،ص144.
(2) - فؤاد البهي السيد:الأسس النفسية للنمو من الطفولة إلى الشيخوخة،ط4، 1975م،دار الفكر العربي،ص347.
(3) - محمد باقر الصدر:مرجع سابق،ص44.
(4) - محمد عبد الله دراز:دستور الأخلاق في القرآن،ط1402هـ ،مؤسسة الرسالة،بيروت،ص142.(1/19)
ويدخل في نطاق الأخلاق كل سلوك إرادي صادر من إنسان راشد((1))،ولذا فهدفها تنمية السلوك الأخلاقي،على أساس شموله لما ينظم علاقة الفرد بنفسه أو بالناس،أفراداً أو جماعات،أو بالكون أو بالخالق،طبقاً لما جاء به القرآن الكريم،وتهدف من ذلك إلى سعادة الإنسان عن طريق إرضاء الله،بحيث تصبح الأخلاق هي ذلك النشاط الذي يربط بين تعاليم القرآن،وبين الإنسان،فرداً وجماعة،بحيث تتحول هذه التعاليم إلى حياة يومية تمارس.
وما دامت الأخلاق القرآنية التي يقوم معلم القرآن الكريم بتقديمها لتلاميذه تتخلل كل مناشط الحياة،فالنظام التربوي الإسلامي يجب أن تربطه أخلاقيات بالمجتمع المسلم الذي يعيش فيه،وتربط بين مؤسساته وأنظمته المختلفة أخلاقيات،هي صورة لأخلاق القرآن،وبهذا تصبح التربية قائمة على أخلاق،وتؤدي وظائف أخلاقية،في سبيل تحقيق أهدافها من التربية الإسلامية.
2- إذا كانت الأخلاق القرآنية تعتمد على جانب فطري أصيل في الطبيعة الإنسانية وجانب الوحي،ثم الإرادة البشرية،فإن أسلوب التربية الأخلاقية الذي ينبغي لمعلم القرآن الكريم أن يتبعه يمكن أن يتم عن طريق:
…(1)تنمية الوازع الداخلي،أو ما يعبر عنه بالضمير الأخلاقي،الذي يتغذى من إيمان المرء ومعتقداته،والتربية الإسلامية تُغذي هذا الوازع إلى أن يزدهر،وتستعين في ذلك بالتربية العقائدية((2) )).
…(2)التزويد بالمعرفة،وهنا تزود التربية المتعلمين بالأخلاق القرآنية من القرآن،وذلك عن طريق العلم،والتجربة،حيث عن طريقها يمكن للإنسان أن يميز بين الخير والشر،وتشمل هذه المعرفة،المعرفة بالغاية والوسيلة،التي تحقق السلوك الأخلاقي.
…(3)تربية الإرادة إلا أن تربية الإرادة تنمي في الإنسان حرية الاختيار السليم،حيث يختار الخير وينفذه وحيث تؤثر الإرادة على الفكر والعاطفة.
__________
(1) - مقداد يالجن:الاتجاه الأخلاقي في الإسلام،مرجع سابق،ص355.
(2) - ارجع إلى المبحث الخاص بالتربية العقائدية،من هذا البحث.(1/20)
…(4)التدريب على تنفيذ الخير،ودعوة الآخرين للمشاركة في عمل الخير،وذلك على أساس الاختيار الحر.
…(5)الاعتياد والمران على تنفيذ الخير،بحيث يصبح عمل الخير والالتزام الخلقي والفعل الخلقي،عادة راسخة،وسجية نامية،في الإنسان((1)).
3- إذا كان النظام الأخلاقي شاملاً متكاملاً،فإنه من الضروري أن تكون التربية الأخلاقية متكاملة،حيث تلبي الحاجات الإنسانية في مجالاتها المختلفة،بحيث يصبح المتعلم قادراً على ضبط نفسه والسير في حدود هذا الإطار الأخلاقي،وإذا كانت التربية هي الحياة،فإن المدرسة يجب أن تنقل الأخلاق إلى داخلها،بمعنى أن التربية الأخلاقية لا يمكن أن تقتصر على مجرد تعليم الحكمة،بل إن المتعلمين يجب أن تتاح لهم العديد من الفرص لكي يعتادوا المثل الأخلاقية((2)).
ولقد أعطى القرآن مجموعة من الطرق التي توصلنا إليها يمكن عن طريقها أن نربي تربية أخلاقية،ونحقق أهدافها من مثل الصلاة،والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،والموعظة الحسنة،والدعوة إلى الفضيلة،والقصة،والقدوة،وهذه الطرق تلعب دوراً بالغاً في تربية وتنمية الأخلاق لدى المتعلم.
__________
(1) - محمد فاضل الجمالي:نحو توحيد الفكر التربوي في العالم الإسلامي،مرجع سابق،ص144.
(2) - محمد عبد الله دراز:دستور الأخلاق في القرآن،مرجع سابق،ص676.(1/21)
4- في جميع الطرق،يتكامل الجهاز النفسي مع الجهاز العقلي للإنسان،إذ إن تكيّف الأفراد مع هذه الأخلاق تكيّف اختياري وليس آلياً ومعنى هذا أن التربية في سبيل تكوين أخلاقيات لدى المتعلم،يجب أن نستعين بالإدراك والحاجات والانفعالات والعواطف،ثم بالتحليل العقلي،حيث تتضح ضرورة وأهمية الأخلاق للوضع الإجتماعي وللوضع الفردي،ومن ثم فإنها تجمع بين العرض الأخلاقي والوظيفة الأخلاقية،بمعنى أنه إذا كانت الأخلاق القرآنية ليست أخلاقاً دينية،بمعنى أن رقابتها توجد فقط في السماء،وأن أجزاءها وراء الموت،فإنها تحول هذه الصلاحيات في نفس الوقت،لقوتين مؤثرتين أيضاً هما:الضمير الأخلاقي،والسلطة الشرعية،وليس ذلك فحسب،بل إنها تكلف كل فرد في الأمة وفي مقدمتهم معلم القرآن الكريم،أن يحول بكل الوسائل المشروعة،دون انتصار الرذيلة والظلم،فهي بنفس هذا المعنى،يجب أن تُنّمى الإرادة الإنسانية بحيث تطيعها على أساس الفهم والتعّقل.
والتربية القرآنية إذ تعمل هذا العمل،إنما تراعي النمو ومراحله ومتطلباته،ثم الفروق الفردية القائمة بين الأفراد قال الله سبحانه وتعالى: { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } ((1)).
وبالجملة فإن التربية الإسلامية حين تهدف إلى تربية الإنسان المسلم تربية أخلاقية،تضع في اعتبارها أن الإنسان حضاري،وحضارته أخلاقية بالدرجة الأولى،وبفضل أخلاقيتها،استمرت ودامت،وأثرت وتأثرت،ومن ثم فإنها تسلك سبلاً تتمثل فيما يلي:-
…-تنمية الجانب الفطري في الإنسان،نحو الخير،وذلك عن طريق الإيمان،بأخلاق قرآنية.
…-التزود بالمعرفة،وتنمية الإرادة الإنسانية لاختيار الحق والخير.
…-عرض الأخلاق القرآنية شاملة متكاملة حسب المواقف.
…-وعن طريق المؤسسات الاجتماعية،والعبادات،والقدوة والتدريب،تنمي الأخلاق بطريقة عملية.
__________
(1) - سورة:البقرة،آية[286](1/22)
…-وعن طريق استخدام أجهزة الإنسان المختلفة،سواء منها النفسي أو العقلي أو غيرها،إذا إنها ليست أخلاقاً دينية حرفا،تقوم على الخوف والرجاء،بل تقوم على الفهم والتعقل وحرية الإرادة الإنسانية،وهي في هذا تراعي مراحل النمو المختلفة للإنسان.
…-وهي تبعد عن الغلو والتطرف في تربية الإنسان الأخلاقية،وذلك عن طريق الحكم الخلقي الثابت،حيث يساعد هذا المتعلمين على استخلاص عناصر الأحكام،فيطبقوها على أنفسهم((1)).
(جـ)- البناء النفسي
…إذا كانت النفس في القرآن تذكر على أنها ذات الإنسان في بعض الأحيان،إلا أن فيها قوى داخلية،وهذه القوى تجمعها خاصة الإنسان((2))،فإن النفس في القرآن،هي محرك الإنسان نحو تحقيق أهدافه،وإشباع حاجاته على قدر المستطاع،وهي لذلك مكلفة،يلزم تدريبها وترتيبها،ومن قوى هذه النفس الدوافع،تقوم بدفع الإنسان لإشباع حاجات جسدية ونفسية،والالتزام بتوجيه العقل نحو منهج الله،وهذا هو السلوك السوي،والمرضي هو ما دون ذلك.
وإلى جانب الدوافع النفسية هناك العواطف،وإذا ما ارتبطت هذه العواطف بالله،كان لها دور بالغ الأهمية،في توجيه سلوك الإنسان،حيث نجد المجال فسيحاً "صحيحاً في أنواع النشاطات الاجتماعية"،وهي تنمو بهذه العواطف وتستقر ويتهيأ لها سبيل النجاح((3)).
__________
(1) - أحمد زكي صالح:علم النفس التربوي، دار النهضة العربية،القاهرة،ص133.
(2) - خليل مصطفى أبو العينين:كتاب فلسفة التربية الإسلامية في القرآن الكريم،ط1400هـ،دار الفكر القاهرة،ص81.
(3) - يحيى هاشم حسن فرغلي:معالم شخصية المسلم،ط1993م،دار الهدى،عمّان،ص67.(1/23)
ومعلم القرآن الكريم هو المؤهل للقيام بهذه المهام مع تلميذه وفي هذا الإطار عليه أن يزرع في نفسه أن الله زوده بمجموعة من محركات السلوك،التي تتميز بارتباط حيوي،يؤدي نقصه إلى تهديد مباشر لسلامة الكائن الحي،وكذلك مجموعة من الدوافع،التي تعتبر صوراً متطورة معقدة من الحركات،لعب فيها وعي الإنسان بحالته وأسباب وجوده،وأهداف استجابته وغايتها،لعب فيها الوعي دوراً هاماً،وحول الحاجة إلى رغبة في شيء بعينه((1)) فالدوافع إذن هي الطاقات التي ترسم للكائن الحي أهدافه وغاياته،لتحقيق التوازن الداخلي،أو تهيئ له أحسن تكيف ممكن،مع البيئة الخارجية((2))،وتنقسم الدوافع إلى:-
…دوافع أولية:وهذه يولد الإنسان مزوداً بها،فهي دوافع تظهر عند الإنسان منذ لحظة الولادة،ويتوقف عليها بقاء حياة الإنسان،فهي حاجات فسيولوجية أو بيولوجية،تتصل بالأعضاء الداخلية للجسم((3)).
…دوافع ثانوية مكتسبة:وهذه يتعلمها الإنسان ويكتسبها،نتيجة احتكاكه بغيره من الأفراد،ويتعلمها الفرد نتيجة تفاعله من البيئة((4))،وقد يصعب الفصل بين الاثنين،لأن بينهما تداخلاً،ونجد القرآن ينظر إليهما نظرة عامة ولا يدخل في تفاصيلهما،وقصارى القول في هذا أن القرآن لم يهمل الدوافع ولم يحطمها،وأنه تدخل ليقرها ويقومها ويهذبها،ويوجهها توجيهاً سليماً،لأن الإنسان بطبيعة الحال محب للخير،قال تعالى: { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } ((5)).
__________
(1) - أحمد فائق ومحمد عبد القادر:مدخل إلى علم النفس،ط1972م،مكتبة الأنجلو المصرية،القاهرة.
(2) - سيد خير الله:علم النفس في القرآن،مجلة منار الإسلام،السنة الأولى،العدد(5)جمادي الأولى،1396هـ ،مايو1976م.
(3) - حامد عبد العزيز الفقي:دراسات في سيكولوجية النمو،عالم الكتب،القاهرة،1974/1975م،ص166.
(4) - حامد عبد العزيز الفقي:المرجع السابق،ص166.
(5) - سورة:العاديات،آية[8].(1/24)
بمعنى أن الإنسان يحب كل ما يحافظ على استقراره العاطفي والنفسي،ويكره كل ما عداه،ولأن هذا مما فطر عليه الإنسان،فإنه يحب الخير حباً جماً،ولا يتأخر عن إشباعها،ودور معلم القرآن الكريم أن يبرز في تفهيم تلميذه أن القرآن يتدخل فقط ليضبط هذه الدوافع،بحيث لا تطغى ولا تسيطر على الإنسان سيطرة تامة،فأعطاها وزنها الحقيقي ولم يحرم الإنسان منها،ولم يدع الإنسان يفرط في إشباعها،حتى ولو كان من طريق حلال،قال تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } ((1))،كما عليه أن يوضح له أن القرآن حين ينظمها في حدود ما يحبه الله وما يبغضه،فالله لا يحب المعتدين حتى في الحلال أو الحرام،الغالبين فيما أحل أو حرَّم،بإحلال الحرام أو بتحريم الحلال،ولكنه يحب أن يحل ما أحل ويحرم ما حرم((2))،بل يمد القرآن الخيط إلى أبعد من هذا،فمن أصاب حراماً في سبيل الحاجات الأولية،لمكروه سيصيبه،فهو في حل مادام مضطراً،قال تعالى: { اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ((3))،إن القرآن يربط العواطف بالله،إذ هو يحرر الإنسان من الخوف،ويعطيه الأمان الكامل،ليؤمِّن حياته،فأعمار الناس في يد الله تعالى وحده،قال تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ } ((4))،فلا معنى للخوف من الموت مادام بيد الله،قال تعالى: { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } ((5))،وهو كذلك يؤمِّن حياته من أي ضرر يتوقعه،قال تعالى: { قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا }
__________
(1) - سورة:الأعراف،آية[31].
(2) - ابن كثير:تفسير القرآن العظيم،ط(د.ت) دار التراث،القاهرة،ص403.
(3) - سورة:المائدة،آية[3].
(4) - سورة:ق،آية[43].
(5) - سورة:النساء،آية[78].(1/25)
((1))،ويؤمِّن الإنسان من المجهول الذي يخافه،قال تعالى: { فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } ((2))،ويؤمِّن الإنسان على رزقه،قال تعالى: { اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ } ((3))،والقرآن بهذا يؤمِّن عواطف الإنسان،من الخوف من الناس،ويوجهها إلى الخوف من الله،قال تعالى: { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ((4))،وإلى جانب هذا الربط يلزم معلم القرآن الكريم أن يوجه تلميذه:
أن القرآن يضع المثير المناسب لهذا الخوف،سواء كان مثيراً حسياً أو مثيراً معنوياً،وذلك لأن الناس مختلفون في تركيبهم النفسي،فمنهم من يثار بالحس ومنهم من يثار بالحالات المعنوية((5)).
إلا أن القرآن لم يترك الإنسان يحس بالخوف المطلق،فقد شفّع الخوف بلون آخر،حتى يجنب النفس الأمراض،والتي منها الرجاء،قال تعالى: { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ - وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ } ((6)).
__________
(1) - سورة:التوبة،آية[51]،المائدة،آية[76]،فاطر،آية[2]،النساء،آية[19]،لقمان،آية[34]،الطلاق،آية[1].
(2) - سورة:النساء،آية[19].
(3) - سورة:الرعد،آية[26]،وانظر العنكبوت،آية[17].
(4) - سورة:آل عمران،آية[175].
(5) - سورة:الأنعام،آية[15]،وانظر المائدة،آية[94].
(6) - سورة:الحجر،آية[49-50].(1/26)
فإذا ما وقع هذا المتعلم في الخطيئة،فإنه لا يتركه لعذاب نفسه،بل ترك باب التوبة مفتوحاً،لكي يرجع المتعلم إلى الله،ولكنه ينص على أساليب للوقاية من الوقوع في الخطأ،وهي في الحقيقة تربية للإرادة الإنسانية،وعلى قمة هذه الوسائل الصبر،إذ أن الإنسان"قادر على الصبر وكظم الغيظ وعلى تحمل ضياع المحبوب واحتمال المكروه وذلك بالعزم،ومخالفة النفس ورياضتها وسياستها،فالصابر حابس لنفسه عما تنزع إليه من الشهوات،وما تشكوا من الآلام"((1)) قال تعالى: { وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ } ((2))،وقال تعالى: { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } ((3))،فالقرآن إذن يجنب المؤمن الأمراض النفسية،وإلى جانب أنه ذكر أسساً نفسية كثيرة لا مجال للتوسع فيها،فهناك أسس الفروق الفردية والنمو وغيرها،وهذه الجوانب المختلفة تحتاج إلى دراسات مستفيضة إذ إن القرآن في هذه الناحية،لم تمسه يد بعد حسب إطلاعي المتواضع،كما أن على يعلم القرآن الكريم في إطار البناء النفسي لتلاميذه عليه أن يوضح،أو يقوم بتوضيح ما يلي:-
__________
(1) - حسن الشرقاوي:نحو علم النفس،الهيئة المصرية العامة للكتاب،ط1976م،ص17.
(2) - سورة:يونس،آية[109].
(3) - سورة:يوسف،آية[18]،وانظر البقرة،آية[153]،النمل،آية[127].(1/27)
(أولاً):أن النفس في القرآن قوة من قوى الإنسان،والتربية الإسلامية تُعد وتنمي النفس على هذا الأساس،بحيث"تمكن الإنسان من أن يكون عبداً صالحاً،لأن العبودية هي جوهرة الإنسانية"((1))،وذلك على أساس طبيعة الإنسان في القرآن((2))،وتضع في اعتبارها أن التربية يجب أن تكون عن طريق الاستمتاع والحرمان،وعلى أساس تعدد الحاجات الإنسانية،ومن مادية بحته،وإلى روحية إلى اجتماعية،ثم يمكن تنمية الجانب النفسي والوجداني عن طريق ربط الإشباع أو الحرمان،بما حلله الله وما حرمة،وكذلك ربط العواطف الإنسانية بالله فيحب ما يحبه الله،ويبغض ما يبغضه الله،وعقد الصلة بين الإرادة الإلهية وإرادة الإنسان.
وهي في كل هذا تهدف إلى تنمية الإنسان المخلوق المكلف الخلفية،بحيث تنمي فيه تحمل المسؤولية،والإرادة،والمبادأة والاستقلالية،إذ إن هذه النفس مسئولة أمام الله مسؤولية كاملة.
__________
(1) - جعفر شيخ إدريس:التصور الإسلامي للإنسان،أساس لفلسفة الإسلام التربوية،المسلم المعاصر،العدد الثاني عشر،ذو الحجة1397هـ ديسمبر1977م،ص78-79.
(2) - عيسى سالم:الأخلاق في الكتاب والسنة، ط د.ت،دار الكتب،بيروت ص81-82.(1/28)
(ثانياً):وحيث أن رسالة التربية هي الأفراد الإنسانيون،فإن التربية الإسلامية تعمل على تكوين إفراد إنسانين أسوياء واثقين من الله ومن أنفسهم،ولا يخافون إلا من الله،وبالتالي فيتحقق النضج الانفعالي والاتزان العاطفي،حيث التحرر من الخوف،والتفاؤل والأمل من الله،ومن ثم يتحررون من العقد والانحرافات((1))،التي تدون إنتاجيتهم،وذلك عن طريق تدريبهم على التخلص من الغلق،وذلك بالاعتماد على الله في كل شيء،والرضا بقضائه وعلى أن الإنسان في معية الله دائماً،حيث أن مصدر الغلق في الحياة،هو الدنيا بما فيها من مال وبنين،ومنصب وجاه،وتهديد للنفس والمال،وما إلى ذلك((2))،قال تعالى: { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا } ((3)).
(ثالثاً):وإذا كان القرآن يتعامل مع النفس على أساس المثير والاستجابة،وليس على أساس رد الفعل المنعكس،أي على أساس وأن الفكر نشاط إيجابي فعّال للنفس((4))،فالتربية تتعامل مع الأفراد على هذا الأساس،بحيث تقدم المثيرات المختلفة،ثم تدرب الإنسان المسلم على تعلقها والاستجابة لهذه المواقف((5)).
كما تأخذ في اعتبارها الفروق الفردية بين الأفراد،إذ منهم من يستثار بالحس،ومن يستثار بالمعنى،وهذا نلاحظه كثيراً في الترغيب والترهيب،ومن ثم تعمل التربية القرآنية على تدريب الإنسان على خبط استجاباته،بحيث لا تصور إلا عن فكرة وروية.
__________
(1) - إبراهيم عصمت مطاوع:المدرسة الشاملة،المقولة الخامسة:التربية المعاصرة،مرجع سابق.
(2) - عبد الغني عبود:في التربية الإسلامية،دار الفكر العربي،1977م،ص68.
(3) - سورة:الكهف،آية[46].
(4) - محمد باقر الصدر:فلسفتنا،مرجع سابق،ص368.
(5) - انظر قصة يوسف مع امرأة العزيز.(1/29)
(رابعاً):العلاقة التي تربط بين القائمين على التربية ومنهم معلم القرآن الكريم والمتعلمين،هي علاقة حسب،وليست علاقة القهر والاستبداد،لأن الجميع خلق،والفرق فرق في الخبرة،ليس إلا،ومن ثم يقبل المعلم كل ما يقدمه المتعلم ولا يرفضه،ولا يواجهه باستحقار،لأن هذا هو قدر المتعلم ومقدرته،ودور المعلم هنا هو بذل أقصى ما في جهده لتوجيه المتعلم،وتفجير طاقاته،وهذا من ايجابيات المعلم،وعلى أن يوفر لهم الأمن،ويتقبل متعلمة على ما هم عليه لا كما ينبغي أن يكونوا،مع الاهتمام بنواحيهم المختلفة داخل المدرسة وخارجها،لأن هذا يؤثر للمتعلمين جواً نفسياً رائعاً لتحقيق أهداف التربية.
وما دام القرآن يحمي الإنسان من الانحراف النفسي،ويوفر له أسباب الحماية والسعادة،فإن على معلم القرآن الكريم أن يعمل على هذا أيضاً.
فإذا ما أخطأ المتعلم،فإنه يحاول معه أن يردة إلى جادة الصواب عن طريق التوبة،وبالتالي لا يعمل على إيجاد عقدة الذنب أو الشعور بالنقص المركب،وإنما يعمل على تنمية الإنسان تنمية عادية،لأن في الإنسان أسباب هبوط ولأن الإنسان مفطور على بعض نواحي الضعف،التي تظهر بين الحين والحين،وفي غياب النفس الواعية.
(خامساً):على معلم القرآن الكريم أن يعمل على تدريب وتنمية الإرادة الإنسانية،التي هي صورة من صور النفس،بين الجبر والاختيار،وهي تتيح الفرصة للمتعلمين أن يختاروا،إذ أنه بدون"توفر نوع من الحرية أو قدر منها،فلن تكون هناك مسئولية"ومحاسبة المتعلم بجب"أن تبنى على مقدار حريته في الاختيار أساساً"((1))،وبهذا الشكل تتولّد لديه المسؤولية الاجتماعية.
__________
(1) - محمد جواد رضا:فلسفة التربية وأثرها في معلمي المستقبل((دراسة تجريبية))مطبوعات جامعة الكويت رقم(13) الكويت،1972م،ص79.(1/30)
فالتربية القرآنية من الناحية النفسية،تنظر للمتعلم من منظور الاستحلاف أيضاً،وتحاول تنميته إنساناً عابداً صالحاً انطلاقا من أن القرآن"يجعل العبادة عملاً والعمل عبادة،ويربط بين النفس والجسم والسماء والأرض،والدنيا والآخرة كلها في نظام"((1))،ومن ثم فهي تنمي الفرد المسلم تنمية نفسية ووجدانية سليمة،بحيث يتحقق الهدف النهائي لهذا التربية وذلك عن طريق:
استغلال الطبيعة الإنسانية ككل،لا كأجزاء منفصلة.
الإشباع والحرمان؛وعن طريقه يمكن تربية الإرادة الإنسانية وحرية الاختيار.
الحب والرجاء والأمل والتفاؤل،ولهذا يتخلص المتعلم من العقد النفسية والوساوس والأمراض النفسية وإشعار المتعلم أن الله معه في كل لحظة،وأنه في معية الله دوماً،وأنه لا حرج عليه إذا أخطأ.
إثارة الدافعية نحو العمل والتعلم الصادق وذلك عن طريق:
- صدق التوكل الذي يؤدي إلى توفير الجهد الانفعالي،والعقلي،بل والبدني،المبذول في الاهتمامات والتعلقات المتفرقة،ثم توجيه ذلك الجهد،وتركيزه في التعلم((2)).
- بعث الحركة الداخلية،التي تؤدي إلى حركة خارجية((3))،والتي تتميز بالإقبال والحماسة.
- توجيه النية،باعتبارها ظاهرة نفسية،لها دورها في كثير من مظاهر الحياة النفسية والعقلية عند الإنسان((4)).
(د)- البناء الاجتماعي
__________
(1) - محمد قطب:قبسات من الرسول- صلى الله عليه وسلم -،ط2،دار الشروق،بيروت،ص85-86.
(2) - سيد أحمد عثمان:التعلم عند برهان الإسلام الزرنوجي،ط(د.ت)،دار الهدى،عمّان،ص46-47.
(3) - سيد أحمد عثمان:المرجع السابق،ص45.
(4) - سيد أحمد عثمان:المرجع السابق،ص44.(1/31)
إذا كان أي مجتمع من المجتمعات،له شكله الخاص به والمميز،فإنه في سبيل استمرار حياته،يحاول من خلال المعلمين أو المربين تشكيل الأفراد على أساس هذا الشكل،والثقافة المميزة التي ينبع منها،وأداته في ذلك هي التربية،إذ إن رسالتها تنصب على الأفراد،بحيث تجعلهم اجتماعيين بمعنى أنها تعد الأفراد للقيام بوظائفهم في المجتمع،حتى يتمتع أبناؤه بقدر من ثقافة هذا المجتمع،الذي ينتمون إليه،وذلك ضماناً لاستمرار بقاء المجتمع الذي ينتمون إليه،وبقاء ثقافته والارتقاء به،وهي في نفس الوقت،تعمل على إحداث التغيير،وتطوير ثقافة المجتمع لتصل إلى الأفضل،ومعلم القرآن الكريم من الكفاءات المهمة التي يمتلكها المجتمع الإسلامي القادرة على إحداث التغيير في تلاميذه الذي يحافظ على نظام المجتمع.
وعليه يمكن القول:أن معلم القرآن الكريم مطالباً ببناء تلاميذه بناءاً اجتماعياً سليماً على ما يلي:-
…1)- يعمل على تنشئة الأفراد اجتماعياً،وتكوينهم تكويناً صالحاً،في سبيل تنمية شخصية الإنسان العابد وذلك عن طريق تنمية صفاته الفردية،بحيث يعرف حقوقه وواجباته،بحيث لا يطغى بفرديته على المجتمع،ولا يطغى المجتمع عليه،وهي ذلك لا تصب الأفراد في قوالب جامدة،ثابتة أو محددة،بل إنها تتيح لكل فرد الفرصة أن ينمو طبقاً لقدراته الفردية،وهي في ذلك لا تواجه واقعاً أياً كان،لتقره أو تبحث عنه،عن سند أو حكم أو برهان،تعلقه عليه كاللافتة المستعارة،وإنما هي تواجه المجتمع والواقع،لتزنه بميزان القرآن،فتقر منه ما يوافق هذا الميزان،وتلغى منه ما لا يوافقه،وتنشئ واقعاً غيره،طبقاً لقواعد القرآن،وواقعها حينئذٍ هو الواقع.(1/32)
فالتربية الإسلامية من أهم أهدافها الموكلة تحقيقها على معلم القرآن الكريم،تنشئة الأجيال طبقاً لمعايير المجتمع المسلم،وهي تعطي الأفراد في هذا السبيل،اللغة وحسن التصرف في المواقف الاجتماعية،مع مراعاة إعدادهم للمستقبل القريب والبعيد،مع مرونة لاحتمالات التغَّير.
…2)- تهتم التربية الإسلامية بالأسرة اهتماما بالغاً،باعتبارها الوعاء التربوي،ومن ثم على معلم القرآن الكريم أن يوَّجه العناية لها،حيث تهتم بإعداد الأفراد ليكونوا آباء وأمهات صالحين،مع الاهتمام بالأم خاصة،إذ هي التي تُحسن تربية أطفالها تربية جسدية وخلقية وعقلية ودينية وصحية((1))،ومن ثم تستطيع تزويد المجتمع بأفراد،يستطيع معهم بالتربية،أن يجعلهم ملتزمين التزاما كاملاً تجاهه.
__________
(1) - محمد فاضل الجمالي:نحو تربية مؤمنة،مرجع سابق،ص18.(1/33)
وتعني بالطفولة،عناية فائقة،وتدريب الأطفال على العلاقات الاجتماعية السليمة،مع مراعاة ميولهم وقدراتهم،وتمتدح فيهم الصفات الطيبة،وتنطلق معهم من نفس منطلق حبهم،وهو حب اللعب((1))،بحيث تنمى فيهم الصفات الاجتماعية المطلوبة،وبنفس القدر من الاهتمام تهتم التربية الإسلامية الموكلة إلى معلم القرآن الكريم بالشباب باعتباره قوة المجتمع،وإن كان القرآن قد أمتدح فيهم صفات من قبل،قال تعالى: { إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } ((2))،وقال تعالى: { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ } ((3))،فهي تستخدم أدواتها وطرقها،في سبيل تنشئة الأفراد تنشئة اجتماعية سليمة،فلا عجب في ذلك فالقرآن يوجه بالاهتمام بتربية الأطفال والشباب،على معايير المجتمع وأنظمته وتنشئتهم عليها،ولننظر آية سورة النور((4))،لنرى فيها اهتماماً بالغاً بضرورة تربية الأطفال وتعويدهم على العادات الاجتماعية،فالاستئذان،توحي الآية الكريمة بتدريب الأطفال عليه،في ثلاثة أوقات معينة،وخاصة لمن لم يبلغوا الحلم،أما من بلغوا،فالاستئذان واجب في كل الأوقات.
وهكذا في هذه الآيات وصية بضرورة تربية الأطفال والشباب اجتماعياً،فالتربية الإسلامية تزود النشء بالمهارات الاجتماعية اللازمة لكي يعيشوا في مجتمع مسلم.
__________
(1) - سورة:يوسف،آية[12].
(2) - سورة:القصص،آية[26].
(3) - سورة:البقرة،آية[247].
(4) - سورة:النور،آية[58-59].(1/34)
…3)- تسعى التربية الإسلامية تزويد الفرد من خلال معلم القرآن الكريم بمهارة مناسبة تكتسب منها عيشه بمعنى جعل الفرد عضواً اقتصادياً منتجاً،وبالتالي فهي تدربه على المناشط الاقتصادية المختلفة من إنتاج واستهلاك وإسهام في الاقتصاد الإسلامي ورفعه،والآيات في ذلك كثيرة،لا تقصر النشاط الإنتاجي على عمل معين،أو مهنة معينة وإنما على المهن على اختلافها،ومعنى هذا بطريق ضمني أن التربية الإسلامية تدرب الأفراد على امتهان مهنة،بحيث يصبحون أفراداً منتجين في المجتمع المسلم((1)).
ثم إننا نلحظ اهتمام القرآن بالتربية الاستهلاكية،فهناك آيات كثيرة توصي بالاهتمام وبتدريب الإنسان على الإنفاق في سبيل الله،وقضاء حوائجه،دون إسراف ولا تقتير،قال تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } ((2))،إلى جانب تدريب الفرد المسلم،على الإنفاق في سبيل المجتمع،وفي سبيل الخير العام،وهذا من مستلزمات الحياة في المجتمع المسلم.
والقرآن يدعوا إلى التسابق في الخير،والتربية الإسلامية تدرب أفرادها عليه وعلى تجويد العمل والتعاون من أجله واستغلال الذكاء في هذا،مما يؤدي خفض تكاليف الإنتاج،أو تحسين وسائل الإنتاج،مما يمكن المستهلك من الحصول على مطالبة،بأقل ثمن((3)).
__________
(1) - عبد الله العربي:الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد المعاصر،المؤتمر الثالث لمجمع البحوث الإسلامية،الأزهر
عام1386هـ - 1966م.ص125.
(2) - سورة:الفرقان،آية[67].
(3) - عبد الله العربي:الاقتصاد الإسلامي الاقتصاد المعاصر،مرجع سابق،ص208.(1/35)
…4)- التربية القرآنية،تدرب الأفراد على التعاون أو التعامل مع السلطة السياسية القائمة في المجتمع،بحيث يعرف الفرد كيف يبدي رأيه،طبقاً لمبدأ الشورى،إذ إن التربية في الفصل الدراسي وفي المدرسة،وفي المجتمع الخارجي،أساسها الشورى لا تضعف رأياً،ولا تتجاهله،وهي بعد ذلك تنمي لدى المتعلم عادات معينة،مثل تقدير وجهات النظر الأخرى،والتمسك بالحق،حتى أمام الرأي المعارض،واحترام حريات الآخرين،والتعامل السياسي في المجتمع،وهكذا تنمي معلم القرآن الكريم الأفراد للمشاركة في السياسة العامة للدولة،ومشاركة القيادة في حفظ المجتمع المسلم من الأضرار،التي يمكن أن تلحق به،مع الالتزام بالخط الأساسي في القرآن،ثم إنها تُعد الأفراد للقيادة،حيث يصبح لدى كل فرد- يستطيع القيادة- فرصة القيادة،فهو يتقدم إليها،إذا وجد في نفسه القدرة والاستعداد للقيادة،والقيام بتبعاتها،قال تعالى: { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } ((1)).
__________
(1) - سورة:يوسف،آية[55].(1/36)
…5)- إعداد الأفراد،بحيث يصبحون أفراداً عالميين ليساهموا في حضارة العالم،حيث يرتبط كل منهم ارتباطا وثيقاً بالإنسانية،فوق كل اعتبار،حيث يتعلمون الجميع على خيرها،قال تعالى: { {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ((1))،ومن هذه الآية نستشف أن التعاون والتعارف لا يعني التعارف اللفظي فقط،وإنما هو يعني التعارف في كل أوجه الحياة،حتى أن لكل مجتمع الحق في أن يستفيد من خبرات المجتمعات الأخرى،إذ إنها ليست حكراً عليه،فهي نتاج عقل وفكر وهما من نعم الله على الإنسان،والإنسان إنسان في كل زمان ومكان،وليس لأحد مهما بلغت قوته أن يحتكر ما توَّصل إليه عقل وفكر،وهذا لون من ألوان التعاون والتعارف،فيه احترام الإنسانية وإيفاؤها كل حقوقها،وتكريمها أينما حلت،وكائناً ما كان الإنسان((2))،فالتربية القرآنية تعمل على تنمية الإنسان تنمية شاملة عالمية،ليكون الإنسان عالمياً صالحاً لكل مجتمع،إذ لديه الأصول العامة،ومعه عقل متفتح على العالم،وخبرات يستغلها في خدمته،وفي طاعة الله،ومن هذا المنطلق،فإن تعلم اللغات ضروري وهام،إذ إن القرآن،والمجتمع المسلم،والفرد المسلم كلها تحترم ثقافات الشعوب الأخرى،والتربية بدورها تهتم بهذا،إذ إنه يساعد على التقارب والتفاهم والتعارف والاستفادة من خبرات الآخرين بما يوافق العقيدة الإسلامية،العبودية،والاستعداد من الله،وهكذا تغرس التربية الإسلامية في نفوس أبنائها،ذلك المبدأ الإسلامي الرائع"لا ترفضوا ما دامت عقيدتكم في عقولكم وضمائركم وقلوبكم ووجدانكم،فقد
__________
(1) - سورة:الحجرات،آية[13].
(2) - محمد أحمد فرح السنهوري:حاجة المجتمع إلى الدين،(155)من كتب ثقافية،مختارات الإذاعة والتلفزيون،المؤسسة المصرية العامة للأنباء والنشر والتوزيع والطباعة،ص44.(1/37)
أسلمتم وجودكم وأهدافكم ومحياكم ومماتكم لله،فلا ترفضوا ما دمتم دخلتم في السلم كافة وجئتم تحملون هذا السلم إلى البشرية في كل مكان فلا ترفضوا"((1))،وهي تدربهم على"أن يفتحوا أعينهم جيداً إزاء كل ما تعرضه عليهم الحضارات الجديدة من قيم ومعطيات فيتمعنوا ويدرسوا ويفكروا وينقدوا ويقارنوا ثم يصدروا حكمهم لا بالرفض أو القبول،كلا فما علمهم الإسلام الرفض الحضاري،ولكن بالاختيار أو الانتقاء،والعزل والفصل،ثم إعادة البناء،وهم في لا يشذون عنها ولا ينحرفون،أي من الإسلام،ومن الإسلام وحده،يمكن أن ينطلقوا لإعادة صياغة حضارة الإنسان،على عين الله الذي أسلموا وجوههم له"((2)).
الفصل الرابع:آثار تعليم القرآن الكريم على المجتمع
…أ- البناء الثقافي والاجتماعي:
__________
(1) - عماد الدين خليل:في النقد الإسلامي المعاصر،ط(د.ت) دار الكتاب العربي،القاهرة.،ص180.
(2) - عماد الدين خليل:مرجع سابق،ص181.(1/38)
…ينبغي التأكيد والاعتراف بأن معلم القرآن الكريم،عضو في المجتمع وهو مسؤول أكثر من غيره في بناء مجتمعه،وعليه يمكن القول بأنه ينبغي أن يكون لعلمه ولتعليمه القرآن الكريم تأثير إيجابي كبير في المجتمع على أحسن وجه،يعمل كل ما في وسعه لتحقيق مطالب المجتمع الذي يعيش فيه،في المجال الثقافي والاجتماعي،"فإن النتائج التربوية التي يريدها المجتمع لن تتحقق إلا من خلال المعلمين،باعتبارهم قادة تربويون في بيئاتهم،عليهم واجب دراسة المشكلات التنسيق،واتخاذ الخطوات الإيجابية الأولى،في هذا الاتجاه،ليعينوا المجتمع على الحصول على أحسن تربية لأبنائهم"((1))،هذا بشكل عام،أما معلم القرآن الكريم فإن مسئوليته أهم،وواجبه أكبر،وذلك استنادا إلى قول المصطفى- صلى الله عليه وسلم -:((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))((2))،فاستحقاقه لهذه الخيرية لم يكن إلا لما يجب عليه من مسئولية كبرى نحو مجتمعه.
…ومن الأمور المسَّلم بها عند العلماء والمربين المسلمين أن على المعلم"أن ينغمس في حياة مجتمعه،ويخالط الناس،ويشارك في كثير من الأعمال الاجتماعية والمشاريع الثقافية والخيرية،....فإن إعتزال الناس في المجتمع أشد فتكاً بنفس المعلم من أي شيء آخر"((3)).
__________
(1) - أبو الفتوح رضوان:المدرس في المدرسة والمجتمع،ط،دار الريان،بيروت،ص12.
(2) - جلال الدين السيوطي:الجامع الصغير،ط1377هـ،مطبعة الحلبي وأولاده،القاهرة،ج1،ص123.
(3) - جميل صليبا:مستقبل التربية في العالم العربي،ط1977م،دار غريب،بيروت،ص388.(1/39)
…فلا ينتظر منه إلا المشاركة الفاعلة في حياة مجتمعه،من خلال"إفشاء السلام،وإطعام الطعام،وكظم الغيظ وكف الأذى عن الناس،واحتماله منهم،وبذل الحياة في الشفاعات،والتلطف بالفقراء،والتحبب إلى الجيران والأقرباء"((1))،فهذه المشاركة تهم بشكل أساسي في البناء الاجتماعي،والتأثير الايجابي الواسع،لأنه قدوة حسنة في مجتمعه،ونظراً لرصيده الثقافي الواسع يجعله مرجعاً في معرفة الأحكام،وهو حجة الله تعالى على العوام((2)).
من خلال رصيده العلمي يستطيع أن يجعل أفراد مجتمعه على التعاون والبناء معاً،ذلك لأن معلم القرآن الكريم هو"معلم حياة،وشريك بناء أمة،وإعداد أجياله"((3))،في الميدان الثقافي والاجتماعي،حتى أن المدارس الإسلامية منذ نشأتها لم تعد لتكون مركز إشعاع فكري فقط،بل مركز الخدمات الاجتماعية المختلفة،يساهم فيها المعلمون والمتعلمون على حد سواء.
…وفي الإطار نفسه يقوم معلم القرآن الكريم بإسداء النصيحة لكل أفراد مجتمعه؛لأن هذا الإسداء من حيث مسئولياته التي نفهم من قول المصطفى- صلى الله عليه وسلم -:((كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته...))((4))،وأيضاً هو فرد وعضو في مجتمع مسلم يُشخصه رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بقوله:((ترى المؤمنين في توادهم،وتراحمهم،وتعاطفهم،كمثل الجسد،إذا أشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى))((5)).
ب- البناء الأمني:
__________
(1) - ابن جماعة:تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم،ص22.
(2) - ابن جماعة:تذكرة السامع والمتكلم،مرجع سابق،ص22.
(3) - سيد أحمد عثمان:التعليم عند الزرنوجي،مرجع سابق،ص97.
وانظر جميل صليبا:مستقبل التربية ي العالم العربي،مرجع سابق،ص91.
(4) - محمد إسماعيل البخاري:الصحيح الجامع،ط 1379هـ،دار المعرفة،بيروت،ج13،ص100.
(5) - البخاري:الصحيح،مرجع سابق،ج4،ص37.(1/40)
…من السلم به منظور التربية الإسلامية أن معلم القرآن الكريم هو أحد وراث المصطفى- صلى الله عليه وسلم -،القائل:((العلماء ورثة الأنبياء))((1))،كيف لا وهو المؤهل لنفع أمته،وخدمة مجتمعه في كل الميادين والمجالات،ومنها:المجال الأمني،ولذلك يقول المربون المسلمون"من اشتغل بالتعليم فقد تقلّد أمراً عظيماً،وخطراً جسيماً"((2)).
…إنه معلم القرآن الكريم"ينبغي أن يكون له الحظ الأوفى والأكبر في بناء أمن مجتمعه،من خلال البناء العلمي السليم لتلاميذه،والأمانة التامة لأبناء أمته،فلا يدفعهم إلى التطرف الفكري الصدام،ولا يعبئهم تعبئة خاطئة ضد أولياء الأمر،وحكام البلاد،ولا يُعَّودهم أساليب التكفير للمسلمين لأخطاء وقعت منهم،بل عليه أن يبني في نفوسهم حسن الثقة بالآخرين،والتماس العذر لمن وقع منه ذنب،والدعاء له بالتوبة،والإقبال على الله،وحسن التوجه إليه،وأن من أقبل على الله قبله،يقول - صلى الله عليه وسلم -:((كل أبناء آدم خطاء،وخير الخطائين،التوابين))((3)).
__________
(1) - الترمذي:السنن،مرجع سابق،ج3،ص134.
(2) - أبو حامد الغزالي:إحياء علوم الدين،مرجع سابق،ج1،ص55.
(3) - الترمذي:المرجع نفسه،ج4،ص118.(1/41)
فالتعبئة الخاطئة لبعض المعلمين،وحملة الفكر هي التي دفعت بكثير من طلاب العلم إلى القيام بأعمال تخريب،وفساد،وتكفير المسلمين في بعض البلاد الإسلامية،مما أدى إلى عدم الاستقرار والأمن،ولهذا يقول العلماء"انظروا عمن تأخذون"((1))،فلا يسمح الأب لولده أن يأخذ العلم عمن عرف بالتطرف الفكري،فقد كان الآباء يوجهون أبناءهم ليصحبوا الفقهاء والعلماء الذين يتسمون بالوسطية في كل الأمور ومن هؤلاء الآباء حبيب بن الشهيد،يقول لابنه:"يا بني اصحب الفقهاء والعلماء،وتعلم منهم،وخذ من أدبهم،فإن ذلك أحب إليَّ من كثير من الحديث"((2))،كما عليه أن يحمي تلاميذه من التطرف الفكري المدَّمر الذي يقوم على إصدار الأحكام على بعض المسلمين بالكفر لأخطاء وقعت منهم،وذلك التوعية بخطورة مثل هذا التطرف،لقول المصطفى- صلى الله عليه وسلم -:((من كفَّر مسلماً فقد كفر))((3)).
كما ينبغي على معلم القرآن الكريم نحو مجتمعه في مجال البناء الأمني وإرساء دعائم الأمن والاستقرار،تربية وتعويد أفراده على الصبر وعدم الجزع،والهلع،مما يستوجب التخلص من الحياة،فذلك نقص في الإيمان،بل هو كفر،ويأس من رحمة الله((4))،وقد أشار الحق سبحانه وتعالى إلى خطورة الجزع واليأس،بقوله: { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } ((5)).
__________
(1) - ابن الحاج العبري:المدخل إلى العلم الشريف،ط1972م،دار الفكر،القاهرة،ج2،ص114.
(2) - ابن جماعة:التذكرة،مرجع سابق،ص2.
(3) - جلال الدين السيوطي:الجامع الصغير،مرجع سابقج2،ص228.
(4) - محمد علم الدين:التربية الإسلامية،ط(د.ت) دار القلم،الكويت،ص17.
(5) - سورة:البقرة،آية[195].(1/42)
وفي الإطار نفسه يحذر رسول الله- صلى الله عليه وسلم -،من الآثار السلبية للجزع،وعدم الرضا بقضاء الله وقدره،بقوله:((من تردَّى من جبل فقتل نفسه،فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبدا، ومن تحسّى سُماً فقتل نفسه فسُمه بيده يتحساه في نار جهنم خالداً فيها أبدا،ومن قتل نفسه بحديدة،فحديدته في يده يُجاء بَها في بطنه في نار جهنم مخلداً فيها أبدا))((1))،((والذي يخنق نفسه،يخنقها في النار،والذي يطعنها،يطعنها في النار))((2)).
وفي مجال البناء الأمني،يوجه أفراد المجتمع إلى أخذ الحذر الاحتياط والحماية اللازمة،والحفاظ على الأمن إلى عدم ترك النار،وكل أدوات الاشتعال داخل المنزل،وعدم ترك الأدوات الحادة في متناول الصغار حتى لا يؤذوا بها أنفسهم،ويُعَّرض حياتهم للخطر،وذلك عملاً يقوله- صلى الله عليه وسلم -:((لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون))((3)).
وقوله أيضاً:((إن هذه النار إنما هي عدو لكم،فإذا نمتم فأطفئوها منكم))((4)).
…ومن ملامح هذه التربية الأمنية،ما جاء عن جابر بن عبد الله،رضي الله عنه،قال:مرَّ رجلٌ في المسجد،ومعه سهام،فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:((أمسك بنصالها))((5)).
أي: يلزم معلم القرآن الكريم في مجال البناء الأمني لمجتمعه؛أن يوجه كل أفراد هذا المجتمع إلى النباهة واليقظة التامة والحرص التام على عدم التسبب في أذية الآخرين.
__________
(1) - البخاري:الصحيح الجامع،ج9،ص181.
(2) - البخاري:المصدر نفسه،ج2،ص121.
(3) - البخاري:الصحيح الجامع،ج7،ص81.
(4) - البخاري:المصدر نفسه،ج7،ص81.
(5) - البخاري:المصدر نفسه،ج1،ص122.(1/43)
…كما عليه أن يوجه أفراد مجتمعه إلى إزالة كل العوائق والمؤذيات التي تعَّرض أمن المجتمع للخطر،ومن ذلك إزالة الأشجار التي تضايق الناس في طريقهم،وفي الحديث يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:((بينما رجل يمشي بطريق،وجد غصن شوك على الطريق فأخره،فشكر الله له،فغفر له))((1)).
…وأيضاً:قتل الحشرات،والحوام الضارة،وحث المجتمع على ذلك،لما يتريث عليه من أمن على حياة أفراد المجتمع كله؛عملاً يقوله- صلى الله عليه وسلم -:((اقتلوا الحيَّات،واقتلوا ذا الطفتين،والأبتر،فإنهما يطمسان البصر،ويستسقطان الحبل))((2))،وقوله- صلى الله عليه وسلم -:((خمس من الدواب كلهن فاسق،يقتلن في الحرم:الغراب،والحدأة،والعقرب،والفأرة،والكلب العقور))((3)).
…فيوجه معلم القرآن الكريم،كل أفراد مجتمعه إلى كيفية حماية النفس والآخرين من الأخطار المحتمل وقوعها في كل الظروف،وتكوين الاتجاهات لدى الإنسان نحو السلامة والأمان،والبناء الأمني إذن يتطلب محافظة كل فرد من أفراد المجتمع على ذاته،وعدم تعريض هذه الذات للأذى،وللتهلكة،والانتحار،وقتل النفس،أو تشويهها((4)).
…كما ينبغي على معلم القرآن الكريم في مجال البناء الأمني لمجتمعه:التحذير من ارتكاب المعاصي،وتعاطي المفاسد،والوقوع في الجرائم الحدّية،لما لها من آثار سيئة تهدد الأمن والاستقرار ولا يتحقق الأمن للمجتمع إلا بإقامة الحدود،أو تطبيق العقوبات الشرعية،وإلى هذا الأثر يشيد قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:((حد يعمل به في الأرض،خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً))((5)).
__________
(1) - البخاري:المصدر نفسه،ج1،ص167.
(2) - البخاري:المصدر نفسه،ج4،ص154.
(3) - البخاري:المصدر نفسه،ج3،ص17.
(4) - سهام العراقي:التربية الأخلاقية،ط1976م،دار صادر،بيروت،ص15.
(5) - ابن ماجه:السنن،ط(د.ت)دار المعرفة،بيروت،ج2،ص848.(1/44)
…ومما ينبغي على معلم القرآن الكريم تنبيه أفراد مجتمعه إليه:رعاية كل أفراده من الوقوع في الجريمة؛لأن فيها زوال النعمة،وانعدام الرخاء،وخلل في الأمن،وأن الاستقامة على منهج الله،وهو الكفيل بحفظ النعم،ودوام الرخاء،واستقرار الأمن،يقول الله سبحانه وتعالى في الإشارة إلى هذا الأثر: { وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا } ((1)).
…وعليه أن يلفت انتباه المجتمع بكل أفراده إلى أنه"ليس مقصود الشارع مجرد الأمن من المعاودة ليس إلا ولو أريد هذا لكان قتل صاحب الجريمة فقط،وإنما المقصود:الزجر والنكال،والعقوبة على الجريمة،وأن يكون إلى كف عداوته أقرب وأن يعتبر به غيره،وأن يحدث له ما يذوقه من الألم توبة نصوحاً،وأن يُذَّكره بعقوبة الآخرة،إلى غير ذلك من احكم،والمصالح"((2)).
…ج- البناء الاقتصادي:
…الاقتصاد عصب الحياة،وشريانها النابض،وبدونه تصعب الحياة وتشتد الضائقة على الناس،وبالمال يتمكن المجتمع من بناء المدارس،والمساجد،والمستشفيات،ومعالجة كل أمور الفرد والجماعة،ولما كان للمال هذه الأهمية شرع الدين الإسلامي ما يحفظه،وينميه،ويحميه من الإسراف،والعدوان،وسوء التصرف،والحجر على السفيه والمعتوه
ومن كان في حكمهما،ومما لا شك فيه،في إطار الحديث عن أثر معلم القرآن الكريم على المجتمع،يمكن القول أن له تأثيراً واسعاً وواضحاً في مجال البناء الاقتصادي،وذلك من خلال ما يلي:-
الإعداد لكوادر المستقبل:
__________
(1) - سورة:الجن،آية[16].
(2) - ابن القيم:إعلام الموقعين عن رب العالمين،ط(د.ت) دار العلم،بيروت،ج3،ص106.(1/45)
لمعلم القرآن الكريم أثر بارز في البناء الاقتصادي من خلال إعداد الكوادر المدربة،وتزويدهم بالعلوم والمعارف اللازمة التي يسدون بها حاجة المجتمع،والوصول إلى الاكتفاء الذاتي،بدلاً من العالمة الأجنبية التي تقتطع جزءاً من المال وتوجهه إلى بلدانها؛لذلك كان إعداد معلمي المستقبل عملية بالغة الأهمية لنجاح المعلم في عمله"ويتوقف بالدرجة الأولى على نوع الإعداد المهني الذي يلقاه....ومهما تحدثنا عن تطوير العملية التربوية فإن المعلم الجيد يمثل شرطاً رئيسياً فيها،إن أحد المناهج الدراسية قد تموت في يد معلم لا يقدر على تدريسها،والمنهج الميت قد تعود إليه الحياة إذا ما وجد معلماً قديراً متفتحاً"((1)).
ومن خلال المعلم الكفؤ تظهر الإيجابية بين التعليم والاقتصاد،فلا ينمو الاقتصاد إلا بكوادر بشرية مؤهلة تأهيلاً عالياً،ومدربة،تدريباً سليماً.
التوعية بأهمية العمل وإتقانه:
يبرز أثر معلم القرآن الكريم من خلال دعوته إلى العمل،وبذل الجهد في اتقانه،وذلك استجابة لقول سبحانه وتعالى: { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ((2))،وأيضاً استجابة لقوله عليه الصلاة والسلام:((إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه))((3))،وقال أيضاً:((إن الله تعالى يحب العامل إذا عمل أن يحسن عمله))((4))،وقال أيضاً:((إن الله يحب العبد المؤمن المحترف))((5))،
__________
(1) - محمد منير مرسي:إدارة وتنظيم التعليم العام،ط د.ت،النهضة العربية،القاهرة،ص183-184.
(2) - سورة:التوبة،آية[105].
(3) - جلال الدين السيوطي:الجامع الصغير،ج1،ص75.
(4) - جلال الدين السيوطي:المرجع نفسه،ج1،ص75.
(5) - جلال الدين السيوطي:المرجع نفسه،ج1،ص75.(1/46)
فالعمل مورد مهم من الموارد المالية،ووسيلة فعَّالة لتحسين الدخل وتنمية الاقتصاد،وأيضاً رافد مهم من روافد البناء الاقتصادي للمجتمع؛لأنها تدفع الجماهير للإقبال على الشيء المتقن،والعمل الجيد.
التخويف من جمع المال من غير حله:
يتمكن معلم القرآن الكريم من تخويف أفراد المجتمع من الحصول على المال من غير حله أو بطرق غير مشروعة،مثل:السرقة التي حرمها الله في كتابه،وذلك تشريح قطع اليد التي تسرق المال،يقول سبحانه وتعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ((1)).
ويقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:((لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده....))((2))،فاللعن:الطرد من رحمة الله،وهذه عقوبة لا تترتب إلا على إتيان محرَّم،وهذا التخويف يجعل كثيراً من الذين يفكرون بالسرقة يقلعون عنها أو يحجم منهم،وهذه وسيلة مهمة من وسائل حفظ المال،وبناء الاقتصاد.
__________
(1) - سورة:المائدة،آية[38].
(2) - البخاري:الصحيح الجامع،ج4،ص133.(1/47)
كما أن لتخويفهم،وتحذيرهم من الغش في البيع آثر كبير في البعد من المال الذي يأتي عن طريق الغش،لقوله عليه الصلاة والسلام:((من غشنا فليس منا))((1))،وفي الاتجاه نفسه يوعي المجتمع بعدم التعاون من السُرَّاق،وعدم شراء ما يسرق؛لأن شراء السرقة مشاركة في السرقة نفسها،يؤكد هذا قوله- صلى الله عليه وسلم -:((من اشترى سرقة وهو يعلم أنها سرقة،فقد اشترك في إثمها وعارها))((2))،فإذا لم يجد السارق من يشتري منه ما سرقه:فإنه سيحجم عن السرقة،وبهذا يحفظ المال،وتقل السرقة،ويأمن الناس على أموالهم،فيعملون على استثمارها في وجوه مشروعة مختلفة،وهذا يؤدي إلى نمو الاقتصاد وبنائه بناءاً سليماً قويا؛ذلك أن السرقة"اعتداء على أمن الناس،فإن رّوع بيت بسرقة،فكم من السكان أُفزع،وكم من الجيران أُزعج،وكم من الناس يعيشون في بلبال مستمر،ويتكلفون من المال لتحصين مساكنهم،لحماية أموالهم"((3))،ويقول عالمٌ آخر في هذا السياق"محادثة واحدة في حي أو قرية تزعج الآمنين،يتجهون إلى الحراس يقيمونهم،وإلى المغالق يحكمونها،ومع ذلك يبيتون في ذعر مستمر"((4)).
__________
(1) - السيوطي:الجامع الصغير،ج2،ص177.
(2) - الحاكم:المستدرك،ط(د.ت) دار المعرفة،بيروت.،ج2،ص35.
(3) - رمزي نعناعة:تنظيم الإسلام للمجتمع،ط(د.ت)دار القلم،الكويت،ص106.
(4) - محمد إبراهيم بن جبر:الجريمة في الشريعة الإسلامية،مقال في الندوة العلمية المنعقدة في الرياض عام1396هـ،ج1،ص42.(1/48)
والخلاصة:أن التعريف على السرقة،وحرمة سرقة المال المسروق،وقطع يد السارق يردع الفرد،ويردع المجتمع عن الاعتداء على الأموال،وينتج عن ذلك الأمن،الذي يساعد المسلم على المزارعة،وزيادة الكسب،وزيادة الدخل وتكثير موارد الرزق؛لأنه لا يخشى على أمواله من الاعتداء عليها،وبهذا تنمو الأموال،ويقوى الاقتصاد،ويتسابق الأغنياء على الزيادة،وعمل المشاريع التي يعمل فيها من لا عمل لهم،وتغييب البطالة،وبزيادة المال تزيد حقوق الله فيها،فيتحسن حال الفقير والمسكين،وتزيد الحاجة للأشياء التي كانت صعبة الشراء على الفقراء،فيزيد الإنتاج وتزيد البركة.
الخاتمة
…لقد توَّصل هذا البحث بفضل الله تعالى إلى نتائج متعددة،لعل من أهمها ما يلي:-
- إن العملية التعليمية لا تتم ولا تؤدي دورها المطلوب إلا من خلال معلم معد من كل الجوانب،الروحية،والخلقية،والنفسية،والمهنية.
- إن لمعلم القرآن الكريم آثار مهمة على الفرد من حيث البناء الروحي،والخلقي،والاجتماعي،والنفسي.
- لمعلم القرآن الكريم آثار واسعة على المجتمع،من حيث:البناء الاجتماعي،و الأمني
و الاقتصادي.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
………
…………………………الباحث
…………………… د/خالد صالح محمد باجحزر
…
المصادر والمراجع
أ-القرآن الكريم……
ب-المصادر والمراجع الأخرى
1-ابراهيم مطاوع:التربية المعاصرة،ط1976م،دار النهضة العربية،القاهرة.
2- ابن الحاج العبري:المدخل إلى العلم الشريف،ط1972م،دار الفكر،القاهرة.
3- ابن القيم:إعلام الموقعين عن رب العالمين،ط(د.ت) دار العلم،بيروت.
4- ابن كثير:تفسير القرآن العظيم،ط(د.ت) دار التراث،القاهرة.
5- ابن ماجه:السنن،ط(د.ت)دار المعرفة،بيروت.
6- أبو الحسن الماوردي:أدب الدنيا والدين،ط(د.ت)،دار الكتب العلمية،بيروت.
7- أبو الفتوح رضوان:المدرس في المدرسة والمجتمع،ط،دار الريان،بيروت.(1/49)
8- أبو الفتوح رضوان،وآخرون:المدرس في المدرسة والمجتمع،ط د.ت،دار النهضة العربية،القاهرة.
9- أبو حامد الغزالي:إحياء علوم الدين،ط 1373هـ،مطبعة الحلبي وشركاؤه،القاهرة.
10- أحمد بن حنبل:المسند،ط د.ت،دار الفكر العربي،القاهرة.
11- أحمد بن حنبل:المسند،ط1398هـ،المكتب الإسلامي،دمشق.
12- أحمد زكي صالح:علم النفس التربوي، دار النهضة العربية،القاهرة.
13- أحمد فائق ومحمد عبد القادر:مدخل إلى علم النفس،ط1972م،مكتبة الأنجلو المصرية،القاهرة.
14- الحاكم:المستدرك،ط(د.ت) دار المعرفة،بيروت.
15- الخطيب البغدادي:الفقيه والمتفقه، دار الكتب العلمية،بيروت.
16- بدر الدين،محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة:تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم،تحقيق/الندوي،ط1415هـ
رمادي للنشر،الدمام.
17- برهان الدين الزرنجي:تعليم المتعلم طرق التعلم،ط1354هـ ،دار التراث ،القاهرة.
18- جعفر شيخ إدريس:التصور الإسلامي للإنسان،أساس لفلسفة الإسلام التربوية،مجلة المسلم المعاصر،العدد(12) ذوالحجة،1397هـ،ديسمبر،1977م.
19- جلال الدين السيوطي:الجامع الصغير،ط 1377هـ،دار الحلبي،القاهرة.
20- جميل صليبا:مستقبل التربية في العالم العربي،ط1977م،دار غريب،بيروت.
21- حامد عبد العزيز الفقي:دراسات في سيكولوجية النمو،عالم الكتب،القاهرة،1974م-1975م.
22- حسن الشرقاوي:نحو علم النفس،الهيئة المصرية العامة للكتاب.
23- خليل مصطفى أبو العينين:كتاب فلسفة التربية الإسلامية في القرآن الكريم،ط1400هـ،دار الفكر القاهرة.
24- رمزي نعناعة:تنظيم الإسلام للمجتمع،ط(د.ت)دار القلم،الكويت.
25- سهام العراقي:التربية الأخلاقية،ط1976م،دار صادر،بيروت.
26- سيد أحمد عثمان:التعلم عند برهان الإسلام الزرنوجي،ط(د.ت)،دار الهدى،عمّان.
27- سيد خير الله:علم النفس في القرآن،مجلة منار الإسلام،السنة الأولى،العدد(5)جمادي الأولى،1396هـ ،مايو1976م.(1/50)
28- عبد الباسط العلموي:المفيد في آداب المفيد والمستفيد،تحقيق/أحمد عبيد،ط1349هـ،المكتبة العربية،دمشق.
29- عبد الغني عبود:في التربية الإسلامية،دار الفكر العربي،1977م.
30- عبد الفتاح جلال:من الأصول التربوية في الإسلام،ط1976م،دار الكتاب العربي،القاهرة.
31- عبد الله العربي:الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد المعاصر،المؤتمر الثالث لمجمع البحوث الإسلامية،الأزهر،1386هـ - 1966م.
32- علي بن أحمد العاملي:منية المريد في آداب المفيد والمستفيد،تحقيق/الحسيني،ط د.ت،دار الكتاب الإسلامية،بيروت.
33- عماد الدين خليل:في النقد الإسلامي المعاصر،ط(د.ت) دار الكتاب العربي،القاهرة.
34- عمر محمد التومي الشيباني:من أسس التربية الإسلامية،ط1399هـ،المنشأة الشعبية للنشر والتوزيع،طرابلس.
35- فؤاد البهي السيد:الأسس النفسية للنمو من الطفولة إلى الشيخوخة،ط4،1975م،دار الفكر العربي.
36- فتحية سليمان:بحث في المذهب التربوي عند الغزالي،ط1998م،دار صادر،بيروت.
37- محمد إبراهيم بن جبر:الجريمة في الشريعة الإسلامية،مقال في الندوة العلمية المنعقدة في الرياض عام1396هـ .
38- محمد أحمد عبد الهادي:المربي والتربية الإسلامية،ط1404هـ،دار البيان العربي،جدة.
39- محمد أحمد فرح السنهوري:حاجة المجتمع إلى الدين،(155)من كتب ثقافية،مختارات الإذاعة والتلفزيون،المؤسسة المصرية العامة للأنباء والنشر والتوزيع والطباعة.
40- محمد إسماعيل البخاري:الصحيح الجامع،ط 1379هـ،دار المعرفة،بيروت.
41- محمد الغنام:المجتمع الدولي،ط(د.ت) دار صادر،بيروت.
42- محمد باقر الصدر:فلسفتنا،ط(د.ت) دار الفكر العربي،بيروت.
43- محمد بن عيسى الترمذي:السنن،ط 1405هـ،دار الحديث،دمشق.
44- محمد جواد رضا:فلسفة التربية وأثرها في معلمي المستقبل((دراسة تجريبية))مطبوعات جامعة الكويت رقم(13) الكويت،1972م.
45- محمد شديد:قيم الحياة في القرآن الكريم،ط1993م،مطبعة دارالعلم،دمشق.(1/51)
46- محمد عبد الله دراز:دستور الأخلاق في القرآن،ط1402هـ ،مؤسسة الرسالة،بيروت.
47- محمد علم الدين:التربية الإسلامية،ط(د.ت) دار القلم،الكويت.
48- محمد فاضل الجمالي:نحو تربية مؤمنة،فلسفة تربوية تكاملية لتحقيق مجتمع إسلامي ناهض،ط1977م،الشركة التونسية،تونس.
49- محمد فاضل الجمالي:نحو توحيد الفكر التربوي في العالم الإسلامي،ط1970م،الدار العربية للكتاب،ليبيا.
50- محمد قطب:قبسات من الرسول- صلى الله عليه وسلم -،ط2،دار الشروق،بيروت.
51- محمد منير مرسي:إدارة وتنظيم التعليم العام،ط د.ت،النهضة العربية،القاهرة.
52- محمد منير مرسي:إدارة وتنظيم التعليم العام،ط1977م،النهضة العربية،القاهرة.
53- مسلم بن الحجاج:الصحيح،ط(د.ت) دار المعرفة،بيروت.
54- مقداد يالجن:وسائل التربية الإيمانية في ضوء العلم والفلسفة،ط1936م،مجلة المسلم المعاصر،العدد(5).
55- يحيى هاشم حسن فرغلي:معالم شخصية المسلم،ط1993م،دار الهدى،عمّان.
56- يوسف إبراهيم:الإقتصاد القرآني،ط1991م،دار الهدى،عمان.
الفهرس
الموضوع ... الصفحة
شكر وتقدير ... 2
الفصل الأول:خطة البحث ... 3-4
أولاً-المقدمة ... 3
ثانياً- موضوع البحث وأسئلتة ... 3
ثالثاً- أهمية البحث ... 3
رابعاً- أهداف البحث ... 4
خامساً- حدود البحث ... 4
سادساً- منهج البحث ... 4
الفصل الثاني:أهمية إعداد معلم القرآن الكريم ... 4-8
أولاً:الإعداد الثقافي ... 4
ثانياً:الإعداد التخصصي ... 5
ثالثاً:الإعداد النفسي والخلقي ... 7
الفصل الثالث:آثار تعليم القرآن الكريم على الفرد ... 8-18
أ/البناء الروحي أو العقدي ... 8
ب/البناء الخلقي ... 10
ج/البناء النفسي ... 13
د/البناء الاجتماعي ... 16
الفصل الرابع:آثار تعليم القرآن الكريم على المجتمع ... 19-23
أ/البناء الثقافي والاجتماعي ... 19
ب/البناء الأمني ... 20
ج/البناء الاقتصادي ... 22
الخاتمة: أهم النتائج ... 24
قائمة المصادر والمراجع ... 25-26(1/52)
الفهرس ... 27(1/53)