[تقديم بقلم معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ]
جهود خادم الحرمين الشريفين
الملك فهد بن عبد العزيز
في دعم الأقليات المسلمة(1/6)
تقديم معالي الشيخ
صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ
وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
المشرف العام على مركز البحوث والدراسات الإسلامية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإنه لمن فضل الله - عز وجل - على هذه البلاد، أن قيض لها من يجمع شتاتها، ويوحد أجزاءها، ويرفع كلمة الله فيها، ويتخذ من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - دستورا لها، ومنهج حياة يطبقه في شؤونها، ويتعهد بالدعوة إلى الله، وخدمة المسلمين في كل أنحاء العالم. إنه مؤسس المملكة العربية السعودية، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - الذي أرسى قواعد هذه البلاد على أصول العقيدة الإسلامية الصحيحة، وخط لها المنهج السليم الذي تسير عليه، فجزاه الله خيرا، وأجزل له المثوبة، وأسكنه فسيح جناته. ثم سار أبناؤه البررة على منهجه، فتابعوا المسير، حتى آل الأمر إلى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - أدام الله عزه وتوفيقه - فحمل راية هذه البلاد بقوة، وشيد في البلاد معالم نهضة شاملة يتحدث عنها القاصي والداني بالثناء والإعجاب.
وقد تمسك - حفظه الله - بثوابت هذه البلاد، فجعل كتاب الله عز وجل في مقدمة اهتماماته، فأمر بإنشاء مدارس تحفيظ القرآن الكريم، وحلقات المساجد، والجمعيات الخيرية، وإقامة المسابقات المحلية والدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره، وأولى الأوقاف عناية خاصة، ثم أنشأ مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك المعلم الكبير والصرح الشامخ الذي أصبح مفخرة للعالم الإسلامي أجمع، ويعد هذا(1/8)
العمل العظيم دعامة قوية من دعائم المحافظة على القرآن الكريم تلاوة وتجويدا وتفسيرا، مصداقا لقول الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]
ثم كانت توسعة الحرمين الشريفين، وما اشتملت عليه من مرافق وخدمات لم يسبق لها مثيل، وذلك لراحة ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين والزوار.
وقد حمل خادم الحرمين الشريفين هموم المسلمين في كل أنحاء العالم، فدعا إلى تضامنهم، وسعى إلى توحيد صفوفهم، فكانت له فيها مواقف مشرفة مشهودة.
وقد اهتم - حفظه الله - بمشكلات الأقليات المسلمة اهتماما بالغا. وتجلى هذا الاهتمام في صور مختلفة، منها توثيق الصلات معها، وبعث العلماء والدعاة والأئمة الحفاظ إليها، وإمدادها بالمصاحف وكتب التفسير والحديث والفقه وغيرها، وبناء المساجد، وإقامة المراكز والمعاهد، وتنظيم الندوات والملتقيات والمؤتمرات لمناقشة مشكلاتها، والمبادرة إلى نجدتها وإغاثتها كلما نزلت بها نازلة، امتثالا لقول الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» .
وقد صرح خادم الحرمين الشريفين في إحدى كلماته التاريخية بأن في مقدمة أولوياته " الحرص على تطبيق الشريعة الإسلامية، والاحتكام إليها في كل شأن من شؤوننا، لا تأخذنا في ذلك لومة لائم، وأن نكون دوما في خدمة الإسلام والمسلمين ". وكان من اهتمامه - حفظه الله - بشؤون الإسلام والمسلمين، وحرصه على تركيز الجهود في ذلك وتوحيدها أن أمر بإنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
وهذا الكتاب الذي تصدره الوزارة بمناسبة مضي عشرين عاما على تولي خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم في هذه البلاد المباركة يقدم صورا بارزة من عنايته بخدمة الإسلام، واهتمامه بشؤون المسلمين وقضاياهم. فجزاه الله خير الجزاء على ما قدم، ومتعه بالصحة والعافية، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.(1/9)
[مقدمة بقلم د مساعد بن إبراهيم الحديثي]
مقدمة د. مساعد بن إبراهيم الحديثي
المدير العام لمركز البحوث والدراسات الإسلامية بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:
فهذا الكتاب يرصد بأمانة وصدق جهود خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في خدمة الأقليات المسلمة في العالم، ويتطرق إلى مسيرة البذل والعطاء في دعم العمل الإسلامي، في كل مكان، حيث جعلت المملكة ذلك رسالة وهدفا أصيلا لا تحيد عنه.
لقد أولى خادم الحرمين الشريفين اهتمامه الكبير بقضايا الأقليات المسلمة، ووجه جانبا كبيرا من إمكانات المملكة خدمة لهذه الأقليات، ودعما لها، ونهوضا بمستواها، وتأييدا من أجل الحفاظ على هويتها الإسلامية.
واستعرض الكتاب في فصوله الخمسة الموضوع من كافة جوانبه، ابتداء بحياة خادم الحرمين الشريفين، أمد الله في عمره، وأبرز المهام والأعمال التي قام بها، وذلك في الفصل الأول منه. وفي الفصل الثاني، تحدث الكتاب عن واقع الأقليات المسلمة وحضورها على خريطة العالم، وذكر أماكن ظهورها في آسيا وفي إفريقيا وفي أوروبا، وفي الأمريكتين، وتعرض لمشكلاتها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية في كل مكان من العالم.
ثم تطرق الكتاب في الفصل الثالث إلى مجالات دعم المملكة(1/10)
للأقليات المسلمة من عمارة الحرمين الشريفين، وخدمة ضيوف الرحمن، واستضافة المملكة للحجاج، ونشر المساجد والمراكز الإسلامية في بقاع متفرقة من العالم، وخدمة القرآن الكريم، والسنة النبوية من خلال طباعة المصحف الشريف وتوزيعه، ومسابقات القرآن الكريم، وافتتاح الجامعات والكليات، مع نشر العلم بين الأقليات المسلمة عن طريق المدارس والمعاهد والكراسي العلمية في الجامعات العالمية، وتكريس المنح الدراسية للأبناء والدارسين، وعقد الملتقيات الثقافية الإسلامية، وكل ما من شأنه أن يدعم الأقليات المسلمة سياسيا واقتصاديا وثقافيا.
أما الفصلان الرابع والخامس فقد تناولا دعم المملكة لهذه الأقليات دعويا وماديا وإغاثيا، وما قدمته من تبرعات سخية، ومساعدات نقدية وإغاثية عاجلة، ثم ختم هذا الفصل بأثر الهيئات العاملة في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، والندوة العالمية للشباب الإسلامي وغيرها.
ويعد هذا الكتاب إضافة جديدة لتوثيق جوانب من إسهامات المملكة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - حفظه الله - ومساندة ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني -حفظهما الله - في دعم الأقليات المسلمة وخدمة الإسلام والمسلمين في شتى بقاع العالم، وهو ليس سوى محاولة لإعطاء نماذج من تلك الجهود التي يعرفها القاصي والداني وتشهد بها الوقائع والمشاريع في كل مكان.
نحمد الله سبحانه وتعالى على آلائه، وما أنعم به علينا من الأمان والرخاء، ونسأله تعالى أن يحفظ هذه البلاد، وأن يوفق من يرعاها إلى عمل الخير دائما.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(1/11)
[كلمة خادم الحرمين الشريفين]
إن المملكة العربية السعودية التي تعتز كل الاعتزاز بخدمتها للإسلام والمسلمين لحريصة أشد الحرص على تطبيق الشريعة الإسلامية نصا وروحا لا تأخذها في ذلك لومة لائم، وكان من الطبيعي أن تعنى هذه البلاد ملكا وحكومة وشعبا بشؤون الإخوة المسلمين في كل مكان، وأن تسهم بقدر ما تستطيعه من أجل نصرة قضاياها العادلة، ولسنا هنا في مجال حصر تلك الإسهامات على امتداد عدة عقود؛ لأنها مدونة من مظانها؛ ولأن المعنيين بها يعلمونها ويعرفون آثارها ومردوداتها الخيرة.
خادم الحرمين الشريفين
فهد بن عبد العزيز آل سعود(1/12)
[الفصل الأول خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ومسيرة البذل والعطاء]
[المبحث الأول المملكة والعمل الإسلامي]
الفصل الأول
خادم الحرمين الشريفين
الملك فهد بن عبد العزيز
ومسيرة البذل والعطاء(1/13)
المبحث الأول
المملكة والعمل الإسلامي أراد الله لهذه البلاد الخير والبركة عندما جعلها مهبطا لوحيه ومهدا ومنطلقا لرسالة الإسلام الخالدة التي بعث بها خاتم الأنبياء محمدا صلى الله عليه وسلم، ومن هذه البقعة المباركة انطلقت دعوة الإسلام إلى العالمين، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وحكم الإسلام حياة الناس عقيدة وشريعة فترة طويلة من الزمن، ومرت مئات السنين، ظهرت فيها دول، ودالت دول، وقام المسلمون بدورهم الحضاري التاريخي الذي عبرت عليه الحضارة الإنسانية الحديثة من عصورها المظلمة إلى العصر الحديث.(1/15)
على أن ابتعاد الأزمنة عن القرون الأولى، وهي خير القرون، وقلة العلماء المتفقهين في دين الله أدى إلى ابتعاد الناس عن الإسلام الصحيح، فوقعوا في البدع والأضاليل، وانتشرت الجهالة في حياة الناس، وإن ظلت الأراضي المقدسة على حالها من حيث منزلتها الدينية مقصدا للحجاج والمعتمرين والزائرين.
ولأن الله كتب لهذه البقاع دورا تاريخيا تؤديه نحو المسلمين، فقد قيض لها إمامين جليلين هما الإمام محمد بن سعود، والإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمهما الله - وقد تزامنت ولاية الإمام محمد بن سعود مع ظهور الدعوة الإصلاحية على يد الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب، فتعاون الإمامان على الحكم بما أنزل الله، ومقاومة البدع والأضاليل، ورد الناس إلى دين الله وعقيدة الإسلام الصافية.
ثم دارت الأحداث وتعاقبت الأزمنة، وعادت الفوضى والابتعاد عن الدين إلى حياة الناس، وسيطر الجهل، ودخلت الجزيرة العربية في مرحلة من الانتكاس والارتكاس، وعم الاضطراب والاقتتال بين القبائل والحكام في أجزاء الجزيرة، إلى أن مكن الله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود من توحيد أجزاء الجزيرة العربية، وتأسيس المملكة العربية السعودية، وأعلن الملك عبد العزيز منذ اليوم الأول من توحيد المملكة أنه إنما يجاهد لتعميم شريعة الله كما جاءت في كتاب الله الكريم، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتراث السلف الصالح من علماء الأمة.
فكان ذلك هو السمة المميزة التي عرفت بها المملكة منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، دولة إسلامية تطبق الشرع والحكم بما أنزل الله، وتقوم على خدمة الإسلام، وتنهض بمسؤولياتها تجاه قضايا المسلمين.
وإذا كان الملك عبد العزيز هو أول زعيم إسلامي في العصر الحديث، يهتم بأمر المسلمين، ويعمل على تبني العمل الإسلامي في العالم كافة(1/16)
خدمة لدينه وللمسلمين، وذلك عندما دعا إلى التضامن الإسلامي، وحث المسلمين على التضامن والتكاتف، فإن أبناء الملك المؤسس الملوك سعودا وفيصلا وخالدا - يرحمهم الله - جعلوا خدمة الإسلام والمسلمين منهجا أصيلا يسيرون عليه في قيادتهم لهذه البلاد.
وظل العمل للإسلام وأهله، والاهتمام بقضايا المسلمين أحد أهم ركائز السياسة السعودية، وجوهر رسالة المملكة نحو أشقائها المسلمين. إلى أن كان عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - الذي ترسم خطى والده وإخوانه الملوك من قبله، وحرص منذ تسلمه قيادة هذه البلاد - أيدها الله - على خدمة دينه وبلده وشعبه وإخوانه المسلمين في كل مكان، وجسدت الإنجازات العملاقة والجهود الكبيرة في عهد خادم الحرمين الشريفين الالتزام التاريخي للقيادة السعودية تجاه قضايا الإسلام والمسلمين.
وظلت خدمة الحرمين الشريفين رسالة ماضية تقوم بها المملكة، فيسرت سبل الحج، ووفرت الأمن والاطمئنان لوفود الرحمن، وزاد الاهتمام بالمسجد الحرام والمسجد النبوي والمشاعر المقدسة، وجرى لهما أكبر توسعة في تاريخهما في عهد خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - وتمثلت الخدمة العظيمة للإسلام التي تفردت بها المملكة في إقامة نموذج حكم يطبق شريعة الإسلام في الواقع المعاصر.
وقد استوعب هذا النموذج الطموحات والتطلعات التي يسعى إليها أي شعب مسلم، وكان اعتصام المملكة بكتاب ربها وسنة نبيها سببا رئيسيا في تسنمها المكانة العالمية التي تحظى بها، وسببا في نهضتها وازدهارها، وتحقيقها للعديد من الإنجازات العملاقة، وأعطت المملكة القدوة من نهجها، وقدمت النموذج للدول الراغبة في السير على هذا المنهج.
وجعلت المملكة العمل الإسلامي بين المسلمين رسالة وهدفا أصيلا، تعمل على تحقيقه على أرض الواقع، وليست شعارات ولافتات مجردة من العمل الحقيقي. إن هذه البلاد وقيادتها تعرف مسؤولياتها تجاه المسلمين، وتؤدي(1/17)
دورها المنوط بها تجاه هذا الدين ونشره، والدعوة إليه، وقد وظفت المملكة إمكاناتها العلمية والبشرية والمادية للاهتمام بشؤون الإسلام والمسلمين، مما أكسب هذه البلاد شرعية الدفاع عن حقوق الإسلام، وجعل المسلمين في أنحاء الأرض يتعلقون بها عندما تنزل بهم نازلة.
وحملت المملكة لواء التضامن الإسلامي منذ عهد الملك عبد العزيز - يرحمه الله - وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - وظل مبدأ التضامن عند قيادات هذه البلاد عملا وإنجازا وتعاونا وتنسيقا ونصرة ومواقف تاريخية.
ففي مجال الدعوة إلى الله تواصل المملكة جهودها، وتقوم برسالتها في هذا الميدان خير قيام، وتدعم الدعاة والمراكز الإسلامية والجمعيات الدعوية.
وفي مجال المساجد نجد الحرص على دعم بيوت الله، والمبادرة بإقامة المساجد والمراكز الإسلامية، حتى وصل عددها في عهد خادم الحرمين الشريفين أكثر من (1750) مسجدا ومركزا منتشرة في أنحاء العالم.
وفي مجال التعليم أنشأت المملكة - وخاصة في عهد خادم الحرمين الشريفين - العديد من المدارس والمعاهد والأكاديميات الإسلامية، وخاصة في مناطق تواجد الأقليات المسلمة، وقد خصصت المملكة منحا دراسية سنوية لعدد كبير من أبناء الدول الإسلامية للدراسة في جامعات المملكة ومعاهدها.
وفي مجال الاقتصاد تعتبر المملكة أكبر المساهمين والممولين لبنك التنمية الإسلامي الذي يسهم في تنمية اقتصاديات العالم الإسلامي بفاعلية ملحوظة. وفي مجال الإغاثة والإعانات العاجلة نجد المملكة سباقة في هذا الميدان، وفي كل نازلة قد تنزل بالمسلمين نجد خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - يبادر إلى إغاثة إخوانه المنكوبين، وتفريج كرباتهم، سواء من جراء الحروب والصراعات أو من جراء الكوارث.(1/18)
وعلى أرض المملكة توجد العديد من المنظمات والمؤسسات الإسلامية التي تدعم العمل الإسلامي، وتمدها المملكة بالعون المادي حتى تتمكن من أداء وظائفها وتحقيق أهدافها.
وفي مجال خدمة القرآن والسنة المطهرة تجري على أرض المملكة أكثر من مسابقة لحفظ القرآن وتلاوته وتفسيره، ومنها مسابقة الملك عبد العزيز الدولية التي تعقد سنويا في مكة المكرمة، يشارك فيها أبناء المسلمين من مختلف أنحاء العالم.
وكذلك تسهم جائزة الملك فيصل التي أنشأتها المملكة في خدمة الإسلام والقضايا العلمية والفكرية والثقافية، والتشجيع على ارتياد هذه المجالات التي تصب في النهاية في خدمة الأمة والقضايا المصيرية.
إن مجالات خدمة الإسلام التي ترعاها وتدعمها المملكة لا تقف عند حد، ولا يستطيع المرء حصرها، وتتعدد الإنجازات والجهود في هذه المجالات لتشمل المسلمين في مناطق عديدة من العالم، وقد زاد حجمها في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - الذي تحققت على يديه - أيده الله - العديد من المنجزات التاريخية، وواصل جهوده في خدمة المسلمين والمقدسات الإسلامية، وجاهد في سبيل جمع شمل المسلمين، وتحقيق أهداف التضامن الإسلامي، ولم يدخر - أيده الله - جهدا ولا مالا في مساعدة المسلمين، وتقديم العون الذي يحتاجونه.
ولا غرو إزاء هذه الجهود في خدمة الإسلام والمسلمين أن تقرر لجنة جائزة الملك فيصل العالمية عام 1404هـ (1984م) منح مقام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز جائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام.
هذا هو خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز الذي اختار لنفسه هذا اللقب بدلا من صاحب الجلالة، وقال عنه - أيده الله - إنه لقب يشرفه ويسعده أن يحمله.(1/19)
[المبحث الثاني سيرة قائد]
المبحث الثاني
سيرة قائد كان معلمه الأول هو والده الملك عبد العزيز، وقد اكتسب منه كثيرا من الصفات، وتأثر بشخصيته تأثرا كبيرا، وكما هو معروف فقد كان للملك عبد العزيز نهج فريد في تربيه أبنائه، نشأهم عليه منذ نعومة أظافرهم، وهو النهج الذي يقوم على الالتزام بدين الله، واستهداف خدمة الإسلام والمسلمين في كل عمل، ومد يد العون للآخرين، واعتبار العمل العام تكليفا لا تشريفا.(1/21)
كان الملك عبد العزيز حريصا على أن ينهل أولاده من ينابيع الهدى، وهي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وسيرة السلف الصالح، وفي هذه المدرسة نشأ الملك فهد بن عبد العزيز، وكان معروفا عنه منذ طفولته الهدوء والاتزان والميل إلى الصمت والتفكير وإجادة الإصغاء والاستماع والاهتمام بما يدور حوله، وهو ما لاحظه الملك عبد العزيز في ولده الفهد، فقربه منه، وأجاز له حضور مجلسه الخاص رغم صغر سنه، حيث كان الملك الوالد يجتمع إلى أبنائه الكبار في السن ورجال دولته، وقد أكسبت هذه المجالس المبكرة الملك فهد بن عبد العزيز الخبرة في مختلف الأمور السياسية والإدارية التي كانت تبحث في مجالس والده، وطريقة معالجتها، واتخاذ ما يلزم بشأنها.
ولقد توسم الملك عبد العزيز بفراسته وخبرته بالرجال في الملك فهد مخايل النجابة والذكاء والقدرة على تحمل المسؤوليات، فأوفده إلى الخارج في مهمات رسمية عديدة، وعهد إليه في كثير من الأحيان أن ينوب عنه في حضور بعض المناسبات الداخلية، وبخاصة الاجتماع إلى رؤساء القبائل وأعيان البلاد، وقد أكسبه ذلك خبرة واسعة في شؤون القبائل وأهل البادية، بدت نتائجها الإيجابية فيما بعد عندما تولى وزارة الداخلية، فأدارها بكل الكفاية والاقتدار.
هكذا كان الملك عبد العزيز هو المعلم الأول للملك فهد بن عبد العزيز، عنه تعلم أصول السياسة وقواعد الحكم والإدارة، ومنه نهل مبادئ المحبة والتسامح والعطف تجاه الآخرين، والحزم والصلابة فيما يتعلق بمصالح البلاد العليا، فكان لمواهبه الذاتية، إضافة إلى ما تلقاه عن والده الملك المؤسس، دور كبير في تكوين شخصيته وصقلها، وإعدادها للمسؤوليات التي حملها وهو لا يزال بعد في مقتبل العمر.
ولد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود في مدينة الرياض عام 1343هـ (1924م) .
تلقى الملك فهد بن عبد العزيز علومه الأولية في المدرسة التي أنشأها الملك عبد العزيز لتعليم أولاده، ثم التحق بالمعهد العلمي السعودي الذي يولي(1/22)
التعليم الديني وعلوم اللغة العربية اهتماما كبيرا وأساسيا، ثم تلقى دراسات مختلفة في الخارج إلى جانب قيامه برحلات زار خلالها معظم دول أوروبا وآسيا وإفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وكان أول مهمة رسمية تولاها خادم الحرمين الشريفين عندما عين عضوا في وفد المملكة العربية السعودية إلى الأمم المتحدة في نيويورك للتوقيع على ميثاقها، وافتتاح أعمالها في عام 1365هـ (1945م) ، وكان الوفد برئاسة الأمير فيصل وزير الخارجية.
وفي 18 ربيع الثاني 1373هـ (24 ديسمبر 1953م) صدر المرسوم الملكي رقم (5 / 3 / 26 / 2950) القاضي بإنشاء وزارة للمعارف، وتعيينه وزيرا لها، فكان خادم الحرمين الشريفين بذلك أول وزير للمعارف في تاريخ المملكة.
ولقد كانت فترة توليه وزارة المعارف علامة فارقة ومميزة في تاريخ تطوير التعليم في المملكة، ووضع السياسة التي سارت عليها الوزارة منذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا، وتأسست على يد خادم الحرمين الشريفين منذ توليه وزارة المعارف العديد من المدارس بمراحلها المختلفة.
وباشر في تأسيس أول جامعة في شبه الجزيرة العربية، وهي جامعة الملك سعود في الرياض، وكذلك إنشاء المعاهد المتخصصة التي تهدف إلى إعداد وتأهيل المعلمين والمعلمات، وتأكدت منذ ذلك الحين السياسة التعليمية في المملكة التي تعتمد النهج الإسلامي، وتدريس علوم الدين من فقه وتفسير وحديث ولغة عربية وحفظ وتلاوة للقرآن الكريم، وهو ما تنفرد به المملكة عن بقية دول العالم، وساعد على تأسيس كوادر دعوية خدمت المملكة والعالم الإسلامي في نشر العلم والدعوة إلى الله.
وكانت أول مهمة سياسية رسمية تولاها خادم الحرمين الشريفين على(1/23)
النطاق العربي هي رئاسته لوفد المملكة العربية السعودية إلى الدورة الثانية. والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية التي عقدت في الدار البيضاء في 27 صفر 1379هـ (1 سبتمبر 1959م) .
وفي 3 جمادى الآخرة 1382هـ (13 أكتوبر 1962م) تولى خادم الحرمين الشريفين وزارة الداخلية، فأعاد تنظيمها، وطور كلية قوى الأمن الداخلي " كلية الملك فهد الأمنية حاليا "، كما أنشأ عددا من المعاهد المتخصصة لتخريج الكوادر الوطنية المؤهلة من قوى وأسلحة الأمن المختلفة، واتبع فيها خادم الحرمين الشريفين أسلوبه الذي اتبعه في مختلف مواقع المسؤوليات التي تولاها، وهو إقامة العمل على أساس من العلم والتعليم، الأمر الذي يفسر سرعة وجودة الخطوات التنموية، والإنجازات الحضارية التي تحققت على يديه - يحفظه الله - عندما تولى قيادة الأمور في البلاد.
وفي عام 1385هـ (1965م) رأس وفد المملكة العربية السعودية إلى الدورة الثانية لمؤتمر رؤساء الحكومات العربية، وكان قد رأس الوفد أيضا في الدورة الأولى التي عقدت عام 1380هـ (1960م) ، وقد عقدت الدورتان في القاهرة.
وفي عام 1390هـ (1970م) رأس وفد المملكة العربية السعودية إلى بريطانيا للمشاركة في المحادثات المتعلقة بمستقبل منطقة الخليج العربي بعد قرار بريطانيا الانسحاب من المنطقة.
كما رأس عام 1394هـ (1974م) وفد المملكة العربية السعودية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عقدت اتفاقية التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.
وفي عام 1395هـ (1975م) رأس وفد المملكة العربية السعودية إلى مؤتمر قمة الدول المصدرة للبترول " أوبك ".
وقام الملك فهد بن عبد العزيز بسلسلة من الزيارات إلى عدد من الدول العربية والإسلامية، وكان لهذه الزيارات نتائجها الطيبة في التعرف إلى هذه الدول، وكذلك زياراته إلى الدول الصديقة في آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا، وحرصه على التعرف على أحوال المسلمين هناك، وقد أسهمت هذه(1/24)
الزيارات في دعم علاقات المملكة العربية السعودية مع تلك الدول.
وفي 13 ربيع الأول 1395هـ (25 مارس 1975م) اختاره الملك خالد بن عبد العزيز - رحمه الله - وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء، وكانت مسؤولياته تشمل علاوة على ذلك الرئاسة العليا لعدد من المجالس والهيئات المسؤولة عن أهم القطاعات في المملكة، ومن ذلك اللجنة العليا لشؤون الحج، واللجنة العليا لسياسة التعليم، والمجلس الأعلى للجامعات، والمجلس الأعلى للبترول والمعادن، وغيرها من المجالس واللجان العليا.
وهكذا فإن خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - كان الساعد الأيمن للملك خالد - يرحمه الله - وأسهم بشكل فاعل في تنفيذ مشروعات البنية الأساسية العملاقة في البلاد، والعديد من الإنجازات التي نقلت المملكة العربية السعودية حقا وواقعا إلى القرن الواحد والعشرين، وأسهمت في تمكين المملكة من الالتفات إلى قضايا المسلمين، وبذل مزيد من الجهود في تنمية العالم الإسلامي، ودعم قضايا الأقليات المسلمة.
وفى 21 شعبان 1402هـ (13 يونيو 1982م) بويع فهد بن عبد العزيز مليكا على البلاد بعد وفاة الملك خالد -يرحمه الله - كما بويع صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز وليا للعهد، وبذلك انتقلت الأمانة من خير سلف إلى خير خلف - إلى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز الذي نهض بشرف الأمانة خير نهوض، واتسم عهده وتميز بحجم هائل من الإنجازات على المستويين الداخلي والخارجي، لتبلغ هذه الأرض المباركة - بفضل الله - ثم بفضل تفانيه في خدمة شعبه ودينه وأمته ما تنعم به المملكة وشعبها اليوم من رخاء وازدهار وأمن وأمان، وما تحظى به المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين من احترام وتقدير على المستوى الدولي.(1/25)
[المبحث الثالث خادم الحرمين الشريفين والأقليات المسلمة]
المبحث الثالث
خادم الحرمين الشريفين والأقليات المسلمة منذ أن بويع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ملكا على البلاد، وهو يولي الأقليات المسلمة اهتمامه الكبير ضمن اهتمامه الشامل - يحفظه الله - بكل ما يخدم الإسلام والمسلمين، واستطاع - أيده الله - أن يجعل من المملكة العربية السعودية ملاذا -بعد الله - يلجأ إليها المسلمون عندما يحتاجون إلى المساعدة أو العون أو الدعم.(1/27)
وهكذا تابع خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - نهج والده الملك المؤسس وإخوانه الملوك: أولا: في النهوض ببلاده إلى مدارج الرقي والتطور، منطلقا في ذلك من هدي كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم.
وثانيا: في الاهتمام بالأمة الإسلامية، ودعم اتجاه التضامن الإسلامي، والعمل على تحقيق وحدة المسلمين وجمع شملهم.
وثالثا: في تبني قضايا الأقليات المسلمة، وتقديم الدعم لها ومساعدتها على مواجهة المشكلات التي تواجهها نتيجة وجودها في مجتمع الغربة، أو نتيجة تعرضها للصراعات والحروب أو الكوارث.
لقد كان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - هو الأسبق دائما في تلبية احتياجات الأقليات المسلمة، والآمر بتنفيذ المشروعات الإسلامية التي تستفيد منها هذه الأقليات، وتساعدهم على الحفاظ على هويتهم، وكذلك توفير الدعم الإغاثي اللازم عندما تحتاجه الأقليات المسلمة.
ولأن خادم الحرمين الشريفين يحمل هم العمل الإسلامي دائما، ويعايش على الدوام قضايا الأقليات المسلمة، فكثيرا ما ينبه - يحفظه الله - إلى خطورة المشكلات التي تتعرض لها هذه الأقليات التي تعيش ظروف الغربة في البلدان الأجنبية، أو التي تعاني من ظروف القهر والعدوان والاضطهاد، ولا يكتفي بذلك - يحفظه الله - بل يدعو إلى حل مشكلات الأقليات المسلمة، ويكون أول المبادرين إلى ذلك.
وها هو خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - يلخص ما تعانيه كثير من الأقليات المسلمة في إحدى كلماته الضافية، فيقول: " تعيش أقليات مسلمة خارج أوطانها، وتعاني من أفراد وجماعات وأنظمة تعمل على تجريدها من هويتها الإسلامية، وتمنعها من ممارسة أبسط حقوقها الإنسانية، وتحرص على تذويب خصائصها ومكوناتها الإسلامية، وإن ذلك أمر خطير يلحق أفدح الضرر وأعظم المخاطر بتلك الأقليات المسلمة، الأمر الذي ينبغي معه التنبيه عما يراد بها من تنكيل هو أبعد ما يكون عن حقوق الإنسان التي(1/28)
نادت بها القوانين الدولية، وقبل ذلك وبعدها أقرها الإسلام في صلب تعاليمه السمحة، لذلك فالأمة الإسلامية مدعوة اليوم إلى التضامن والتكاتف مع هذه الأقليات المسلمة لدرء الأخطار المحدقة بها، مع أننا على اقتناع من أن بعض الأنظمة استطاعت أن تتفهم أوضاع تلك الأقليات فمنحتها شيئا من حقوقها، ونأمل أن تحذو بقية الأنظمة المماثلة حذو أنظمة أدركت أن بنيانها الاجتماعي يستوجب التسامح والإخاء ولا يتطلب التعصب الأعمى ".
في الساعة السادسة والنصف من مساء يوم السبت 24 جمادى الأولى 1404 هـ (25 فبراير 1984م) شرف خادم الحرمين الشريفين الحفل السنوي الذي أقامته مؤسسة الملك فيصل الخيرية لتقليده جوائز الملك فيصل العالمية للفائزين بها، وكان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في الوقت ذاته في مقدمة الفائزين بهذه الجائزة، حيث قررت لجان اختيار الجائزة في ذلك العام اختيار خادم الحرمين الشريفين فائزا وحيدا بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، بناء على ترشيح جمعية المؤتمر الإسلامي في اليابان.
وكان من بين حيثيات منح الجائزة ما يقوم به خادم الحرمين الشريفين من خدمة للإسلام والشعوب والأقليات المسلمة.
وهكذا فإن منح مقام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام يعد شرفا كبيرا لتلك الجائزة، لما قام ويقوم به - حفظه الله - من دور كبير في خدمة دينه وأمته وإخوانه المسلمين في كل مكان، وإن التاريخ بقامته المديدة ليقف احتراما وتقديرا ويسطر بمداد من نور هذه الجهود والمساعي الخيرة، والدور الكبير الذي يقوم به خادم الحرمين الشريفين دعما لقضايا أمته، واهتماما وسعيا مباركا(1/29)
وحثيثا لحل مشكلات الأقليات المسلمة التي تتعدد وتتنوع بحسب أماكن وجودها على خريطة العالم.
ودلل خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - على اعتزازه بخدمة الإسلام والمسلمين والمقدسات الإسلامية عندما اختار لنفسه عام 1407هـ (1986م) لقب خادم الحرمين الشريفين، وذلك في قرار تاريخي هو الأول منذ تأسيس المملكة العربية السعودية، وهو لقب قال عنه - يحفظه الله - لقب أحبه ويشرفني أن أحمله، وهكذا نال الحرمان الشريفان والمشاعر المقدسة اهتماما كبيرا من لدن خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - الذي سهر على خدمتهما، وأشرف على توسعتهما، والاعتناء بهما، وشهد المسجد الحرام والمسجد النبوي والمدينتان المقدستان مكة المكرمة والمدينة المنورة أكبر مشروعات إعمار وتطوير في تاريخهما، وكل ذلك يهدف في مجمله إلى أداء الأمانة الموكلة إلى خادم الحرمين الشريفين تجاه المقدسات الإسلامية، وخدمة الإسلام والمسلمين، وتوفير الراحة والاطمئنان لضيوف الرحمن الذين يأتون إلى الأراضي المقدسة من كل فج عميق.
وأولى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز اهتمامه الكبير بقضايا الأقليات المسلمة، ووجه جانبا كبيرا من إمكانات المملكة لخدمة هذه الأقليات المسلمة، والعمل على النهوض بمستواها، وحل ما تواجهه من مشكلات مختلفة، ومساعدتها في الحفاظ على هويتها الإسلامية.
فمن جهة يحرص خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - سنويا على استضافة عدد من الحجاج على حسابه الخاص من مناطق الأقليات المسلمة، وبذلك يتمكن هؤلاء من أداء فريضة الحج وزيارة الأراضي المقدسة بعد أن حالت ظروفهم المادية أو المعيشية دون أداء هذه الفريضة.
ومن جهة أخرى يعمل خادم الحرمين الشريفين على دعم الوجود الإسلامي خارج الأوطان الإسلامية، وذلك بإقامة المساجد والمراكز الإسلامية والمؤسسات الثقافية وسط هذه الأقليات، وكذلك إنشاء المدارس والأكاديميات الإسلامية التي يتلقى فيها أبناء الأقليات المسلمة تعاليم دينهم وعلومهم الإسلامية المختلفة.(1/30)
ويحرص خادم الحرمين الشريفين أيضا على نشر الإسلام، وبيان الإسلام الصحيح من خلال الكراسي العلمية ومراكز الدراسات الإسلامية التي يأمر بإنشائها على حسابه الخاص في أشهر الجامعات العالمية.
كما يوجه خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - بين الحين والآخر بتوزيع المصحف الشريف والكتب الإسلامية التي تطبع في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، وينال المسلمين في الخارج نصيبهم الكبير من هذه الإصدارات التي تساعدهم على تمسكهم بدينهم وبكتاب ربهم.
ويوجه - حفظه الله - بإقامة المؤتمرات والملتقيات الإسلامية في عواصم العالم، وبين الأقليات المسلمة، وذلك لمناقشة قضايا ومشكلات هذه الأقليات والتوصية بحلها.
وتقوم المملكة أيضا بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - على إرسال الدعاة والعلماء للعمل بين هذه الأقليات، إما بصفة دائمة أو عن طريق الزيارات الدورية، وتتكفل المملكة بمصروفات إعاشة هؤلاء الدعاة، وتوفر لهم السكن والرواتب وما يحتاجونه مما يعينهم على أداء رسالتهم.
وفي كل مرة تتعرض فيها الأقليات المسلمة إلى نكبة أو كارثة نتيجة الحروب والصراعات والظلم، أو نتيجة الكوارث الطبيعية، يبادر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز إلى نجدة هؤلاء، والتفريج عن كرباتهم، ومدهم بالمساعدات الإغاثية العاجلة، وكم رأينا الجسور الجوية التي تمتد من المملكة لإغاثة المسلمين في الخارج.
وفي سبيل خدمة الإسلام والمسلمين تخصص حكومة خادم الحرمين الشريفين منحا دراسية سنوية لعدد كبير من أبناء الأقليات المسلمة والدول الإسلامية للدراسة على نفقة الدولة في جامعات المملكة ومعاهدها، وفي جامعات الدول العربية والإسلامية، بل والجامعات الأوروبية والأمريكية والآسيوية، بالإضافة إلى دعم المؤسسات والمنظمات الإسلامية المهتمة بنشر الإسلام، وتعميم الثقافة الإسلامية ونشر الدعوة، وتزويد هذه المؤسسات بما(1/31)
تحتاجه، وتسهيل مهمتها، وتخصيص الجوائز المالية الضخمة والشهادات التقديرية للعلماء والمفكرين الذين يسهمون بأقلامهم وأفكارهم في إثراء المفهوم الإسلامي.
وتأتي جائزة الملك فيصل العالمية في مقدمة هذه الجوائز التي توزع سنويا جوائزها بدعم ورعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين.
كما تنظم المملكة سنويا مسابقة الملك عبد العزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره، وتحظى هذه المسابقة باهتمام ودعم خاص من لدن خادم الحرمين الشريفين، لما تؤديه من رسالة عظيمة في تشجيع أبناء العالم الإسلامي على الاهتمام بكتاب الله حفظا وتجويدا وترتيلا وتفسيرا.
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - تأسست وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لتضطلع بدور مهم ورئيس في خدمة الدعوة الإسلامية، والاهتمام بشؤون الأقليات المسلمة، فهي الوزارة المسؤولة عن الدعوة بالداخل والدعوة بالخارج، وكذلك فهي مسؤولة عن رعاية شؤون المساجد في داخل المملكة وخارجها، وبتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين تتولى الوزارة استضافة عدد من الحجاج سنويا لأداء فريضة الحج، كما تشرف الوزارة على مجمع الملك فهد لطباعة المصحف بالمدينة المنورة، وتشرف على مطبوعاته، وتقوم بتوزيعها، وتنظم الوزارة ملتقيات خادم الحرمين الشريفين الإسلامية والثقافية بين ظهراني المسلمين في دول المهجر.
ولأن الأقليات المسلمة يوجد منها في المملكة عدد لا بأس به جاؤوا للعمل من الهند والفلبين واليابان وكوريا، وبعض دول إفريقيا وغيرها، فإن وزارة الشؤون الإسلامية تشرف على عمل مكاتب دعوة الجاليات المنتشرة في مدن ومناطق المملكة التي تؤدي خدمات جليلة لهذه الجاليات المسلمة، خاصة الذين أسلموا منهم حديثا.
وهناك وزارات ومؤسسات أخرى تتحمل جانبا كبيرا من العمل الدعوي بين الأقليات المسلمة، منها الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ووزارة الحج وغيرها.(1/32)
ويتجلى حجم الجهود التي يبذلها خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - في دعم شؤون الأقليات في تلك الرعاية الكريمة التي يوليها - حفظه الله - عددا من المنظمات والمؤسسات الإسلامية التي تحتضنها أرض المملكة، ومنها منظمة المؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، وما يتفرع عنها من هيئات ومؤسسات، مثل:
البنك الإسلامي للتنمية وغيره، وكذلك الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وهذه المؤسسات ونظائرها تؤدي خدمات جليلة للأقليات المسلمة، وتسهم في دعم العمل الإسلامي بين هذه الأقليات، وكذلك المؤسسات والجمعيات الإغاثية واللجان التي تشكلت في المملكة بتوجيه ودعم من خادم الحرمين الشريفين، وهذه تقوم بدور فاعل ومشهود في تقديم الإغاثة العاجلة والإعانات وتنفيذ المشروعات الدعوية والعلمية بين المسلمين خارج المملكة. تاريخ ناصع من الإنجازات، وعقدان من الزمن في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، حظيت فيهما الأقليات المسلمة بالاهتمام والرعاية والدعم من لدن حكومة خادم الحرمين الشريفين.
وبلغ هذا الاهتمام درجة كبيرة، حيث اتخذ خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز العديد من القرارات التي تهدف إلى علاج أوضاع الأقليات المسلمة في العالم، وحمايتها من الاضطهاد والجور الذي تتعرض له، وكذلك حماية أبناء هذه الأقليات المسلمة من الذوبان في المجتمعات غير المسلمة، وحملت المملكة عبء الدفاع عن قضايا الأقليات المسلمة وحقوقها(1/33)
عبر المحافل الدولية أو بالاتصال بحكومات الدول التي توجد فيها هذه الأقليات، وكم تبنت المملكة من المبادرات التاريخية التي أسهمت إلى حد كبير في حل مشكلات هذه الأقليات أو على الأقل التخفيف من حدتها.
وفي كل مكان تعيش فيه أقليات مسلمة تجد شواهد حية لدعم وجهود حكومة خادم الحرمين الشريفين لهذه الأقليات من نشر لدعوة الإسلام وتعليم لأبناء المسلمين، وإنشاء المساجد والمراكز والمؤسسات الإسلامية، إلى تقديم المساعدات المادية والإغاثية، وتنظيم المؤتمرات والملتقيات التي تناقش مشكلاتهم، وغير ذلك مما يرفع عن كاهلهم العديد من المشكلات، ويمكنهم من مواجهة التحديات التي أمامهم، وتحقيق استقرارهم وعزتهم وكرامتهم ودفع الشر والأذى عنهم ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
وتتبدى عظمة الجهود المباركة التي نهضت بها المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسط الأقليات المسلمة التي حققت نتائج طيبة، وكان لها آثارها الإيجابية على أوضاع هذه الأقليات إذا علمنا ما جرى في العالم من أحداث ومتغيرات خلال العقود الثلاثة الماضية، وهي الأهداف والمتغيرات التي كان للمسلمين نصيب وافر منها. فالمتابع لتطورات الأحداث على الساحة الإسلامية في تلك العقود الثلاثة يجد أن الأمة الإسلامية قد شهدت فصولا من الأحداث العظام، من أهمها: تنامي الصحوة الإسلامية التي تمثلت في الرغبة الحثيثة لدى عموم المسلمين، ومنها حاجة الأقليات المسلمة للعودة إلى تعاليم الإسلام والالتزام بأحكامه بعد عقود من الغفلة، وما صاحب ذلك من شدة حاجتهم إلى نشر العلم الشرعي الصحيح ومناهجه القويمة، وفى عم مؤسساته والقائمين عليها.
كما شهدت تلك الفترة اشتداد الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين، وتعرضهم في العديد من الدول لكثير من المآسي والنكبات، وما أسفرت عنه تلك المآسي من آثار مروعة أوجبت مناصرتهم، ومساعدة منكوبيهم لتجاوز محنتهم وتخفيف معاناتهم.
وقد تفاعلت المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين مع تلك الظروف(1/34)
والمستجدات وتداعياتها من خلال الجهود الكثيرة والفاعلة التي بينا في هذا المبحث جوانب منها.
ولم يبق إلا أن نؤكد أن ما قدمته المملكة وتقدمه من خدمة للإسلام وعون للمسلمين هو جزء لا يتجزأ من رسالة الإسلام، والقيام بالمسؤوليات الكبرى التي تضطلع بها المملكة، ودورها المؤثر الفاعل على الساحة العالمية، ومكانتها الإسلامية السامية، وهو ما أعلنه بوضوح وفخر واعتزاز خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في كلمة ضافية ألقاها بمناسبة الأسبوع السنوي للعناية بالمساجد في المملكة الذي انعقد في 19 / 3 / 1406 هـ (2 / 12 / 1985 م) ؛ حيث قال: " نحن هنا في المملكة العربية السعودية نعلن للملأ أن القائمين على أمور الدولة قد وضعوا - والحمد لله - نصب أعينهم هدفا ساميا لا يحيدون عنه هو حمل رسالة الإسلام، وإعلاء كلمة الله، والالتزام الكامل بالسير على سنن الشريعة المطهرة، والسعي إلى خدمة الإسلام، ورفع لوائه عاليا، ونحن نفخر بحمل هذه الأمانة، ونحمد الله تعالى أن جعلنا من منفذي أحكام الدين الحنيف، ومن السائرين على نهجه القويم ".
وأكد خادم الحرمين الشريفين هذه المعاني في الكلمة التي ألقاها في حفل تسلمه جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام؛ حيث قال - يحفظه الله: " إن هذه البلاد لتفتخر دائما وتعتز بأنها تتمسك بالعقيدة الإسلامية بمفهومها الحقيقي الصحيح، وسوف تبقى - إن شاء الله - مدى الدهر على هذا المنوال، ولكننا نقول: إننا سوف نبذل ما نستطيع من مجهود لخدمة الإسلام والمسلمين، ليس فقط في هذه البلاد، ولكن في أي مكان كان، وسوف ينتصر الإسلام بحول الله وقوته ".(1/35)
[كلمة خادم الحرمين الشريفين]
من واجبنا كدولة شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين الوقوف إلى جانب إخواننا المسلمين ومد يد العون لهم بالقدر الذي يمكنهم من توفير أسباب الأمن والاستقرار والرخاء دون أن نتدخل في شؤونهم أو نربط مساعداتنا لهم بأية شروط
خادم الحرمين الشريفين
فهد بن عبد العزيز آل سعود(1/36)
[الفصل الثاني الأقليات المسلمة في العالم]
[المبحث الأول مفهوم الأقليات المسلمة وتاريخ ظهورها]
الفصل الثاني
الأقليات المسلمة في العالم(1/37)
المبحث الأول
مفهوم الأقليات المسلمة وتاريخ ظهورها الإسلام دين عالمي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم للثقلين: الإنس والجن، فهو دين للبشرية جمعاء، كما جاءت بذلك النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وكما تأكد ذلك من انتشار الإسلام في بقاع الأرض، ودخول الناس فيه أفواجا.
يقول الله عز وجل في كتابه الكريم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28] (سبأ: 28) ، ويقول سبحانه {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] (الأعراف: 158) ، ويقول جل وعلا: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] (الفرقان: 1) ، وقوله تعالى {وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الأنعام: 92] (الأنعام: 92) ، أي من أحياء العرب ومن سائر طوائف بني آدم من عرب وعجم.(1/39)
وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي» ، وذكر منهن: «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة» .
وقال عليه الصلاة والسلام: «أنا العاقب فلا نبي بعدي» .
لقد بدأ الإسلام من هذه البقاع الطاهرة، من مكة بالوحي المنزل على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، ثم انتشر في أرجاء الجزيرة العربية، ومنها انطلق إلى البلاد المجاورة في مصر والشام والعراق وفارس وجهات كثيرة أخرى في القارات الخمس، ولا سيما أوروبا وأمريكا.
وصل الإسلام أفريقيا منذ عهد الخلفاء الراشدين، وامتد ليشمل مصر وتونس والجزائر والمغرب الأقصى، وانتشر بسرعة من عام 17 -444 هـ (638 -1052م) ، ومنها إلى السنغال والجهات الساحلية في زنجبار وقبائل الصحراء والسودان والحبشة ونيجيريا، وأجزاء أخرى من القارة.
وفي هذا الصدد نتذكر قادة عظاما، كان لهم الفضل بعد الله في وصول الإسلام إلى تلك المناطق، ومنهم عمرو بن العاص، وأبو عبد الله محمد الراعي، وعقبة بن نافع، ويوسف بن تاشفين مؤسس مراكش.
ولا ننسى دور التجار الذين كانوا يغشون هذه البلاد، وأثرهم في نشر الدعوة الإسلامية في مناطق دارفور وزنجبار والبحيرات الكبرى والكونغو وبلاد البانتو ثم جزيرة مدغشقر منذ القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) ، أما في الهند وما حولها فقد بدأ الإسلام مبكرا، إذ انتشر في بلاد السند حوالي عام 25 هـ (646 م) ، وقد كان للدولة الغزنوية فيما بعد وقائدها السلطان محمود بن سبكتكين 388 - 421 هـ (998 - 1070م) أثر جلي في امتداد الإسلام في بلاد الهند، وقد انطلق الإسلام من الهند وفارس إلى جزيرة الملايو، كما دخل الصين، وقد دخل قتيبة بن مسلم الباهلي بعض بلاد الصين في خلافة الوليد بن عبد الملك 86 -96 هـ (705 -715 م) ، وفي عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور أمكن للعرب والمسلمين أن يزيدوا من(1/40)
اتصالهم بالصين، وكان للتجار أيضا دور بارز في نشر الإسلام في القارة الهندية والصين، حيث كثر التجار المسلمون في الصين في القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) ، وكان لتعاليم الإسلام وقيمه التي التزم بها هؤلاء التجار، وأظهروها أثر كبير في دخول سكان تلك المناطق في دين الله، فقد كثر عدد المسلمين هناك، وعظم شأنهم، ولا سيما منذ أواخر القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) .
أما وصول الإسلام إلى أوروبا فقد جاء عن طريق شمال إفريقيا عندما فتح طارق بن زياد بلاد الأندلس عام 91 هـ، وبقي الإسلام هناك كدولة نحو ثمانية قرون، واعتنقه كثير من السكان، ومن الأندلس انتقل إلى دول أوروبية أخرى، وكان للأتراك في العصر الحديث فضل دخول الإسلام أوروبا الشرقية منذ سنة 754 - 968 هـ (1353 -1567 م) .
ثم عرفت مختلف مناطق أوروبا، وكذلك الأمريكتان وأستراليا الإسلام عن طريق الجهود الدعوية التي بدأها مسلمو الهند وغيرهم، وحملها بعد ذلك دعاة من الدول الإسلامية المختلفة، ونتيجة هذه الجهود في حمل رسالة الإسلام إلى العالم منذ عهد الخلفاء الراشدين - رضوان الله عليهم - ومرورا بالعصور الإسلامية التالية حتى وقتنا الحاضر، انتشر الإسلام بين العالمين، وتشكل وجود إسلامي معتبر، اختلف في حجمه وقوته من مكان إلى آخر، ونشأت بذلك دول ومجتمعات إسلامية يشكل المسلمون فيها العدد الأكبر، بينما ظلت هناك في مناطق أخرى تجمعات مسلمة قليلة العدد بالنسبة لعدد غير المسلمين من أهل تلك البلاد، وهي ما اصطلح على تسميتها بالأقليات المسلمة.(1/41)
فالتجمع الإسلامي الموجود في قارات العالم إما أن يكون في صورة " دول إسلامية "، وإما أن يكون في صورة " أقليات مسلمة ".
والحكم على هذه بأنها دولة، أو تلك بأنها أقلية، يتم وفق عدد من المعايير، أولها المعيار العددي، بمعنى أن الدولة التي يزيد عدد المسلمين فيها عن نصف مجموع السكان، ويقول دستورها إن دين هذه الدولة الرسمي هو الإسلام، أو أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، فهذه الدولة تعتبر دولة إسلامية، وهناك اعتبار ثان، وهو أن كل الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي هي دول ذات أغلبية مسلمة على الرغم من أن بعضها لا يشكل المسلمون أغلبية فيها مثل أوغندا وبنين.
كذلك فإن المسلمين كانوا يعتبرون أقليات مسلمة في ظل الحكم الشيوعي فيما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي، والآن استقلت الجمهوريات الإسلامية وأصبحت دولا، ولا يطلق عليها مسمى أقليات مسلمة، ولم يعد هناك أقليات مسلمة في تلك المناطق سوى المسلمين الموجودين في جمهورية روسيا الاتحادية.
وعندما يكون الحديث عن الجهود التي بذلها المسلمون في العصر الحديث، دولا وأفرادا ومؤسسات في نشر الإسلام، وإيصال رسالته إلى الناس، فإن المملكة العربية السعودية تتقدم الجميع في هذا المضمار بعد أن نجحت في ظل حكوماتها المتعاقبة حتى حكومة خادم الحرمين الشريفين أن يكون لها قصب السبق واليد الطولى في إبلاغ دعوة الإسلام إلى الناس أينما وجدوا، وأن يدخل الإسلام بفضل هذه الجهود أعداد كبيرة من البشر. وكان لمكانة المملكة بوصفها البقعة التي انطلقت منها دعوة الإسلام، وكذلك للأساليب والوسائل الدعوية المختلفة أثرها في نجاح هذه الجهود الدعوية، وتحقيقها للأهداف التي وضعت لها، ومن ثم تكونت تجمعات مسلمة جديدة في مناطق مختلفة من العالم، فعلى سبيل المثال هناك أعداد كبيرة من القبائل الإفريقية الوثنية دخلت الإسلام بفضل هذه الجهود الدعوية، وكذلك(1/42)
هناك عدد لا يستهان به من أتباع النحل والملل الكافرة دخلوا الإسلام من البوذيين والهندوس وغيرهم.
وقد أسهمت الهجرة من البلدان العربية والإسلامية في تكوين عدد من التجمعات الإسلامية، خاصة تلك الهجرة التي اتجهت إلى دول أوروبا وأمريكا وأستراليا، وعمل هؤلاء المهاجرون أولا على تأكيد هويتهم، وإظهار شخصيتهم المسلمة، وثانيا أسهم عدد منهم في الدعوة إلى الإسلام، وتكوين المؤسسات الإسلامية في بلاد الغربة، وكان دعم المملكة للعاملين في الحقل الإسلامي بين الأقليات، وكذلك دعم المؤسسات الإسلامية التي تتولى شؤونهم أثره البالغ في ثبات أقدامهم، وحفاظهم على هويتهم، وقيامهم بنشر الإسلام في مناطق وجودهم.
كما أن الدعم المتواصل من جانب حكومة خادم الحرمين الشريفين للعمل الإسلامي بين الأقليات أدى إلى اهتمام الغربيين والأمريكيين بالإسلام، والاقتراب منه، والقراءة عنه، والانضمام إلى ركبه في صحوة إسلامية استعلت بالحق، وأظهرت حقيقة الإسلام، وبينت للآخرين قيمه النبيلة ومبادئه السامية رغم اصطدام هذه الصحوة بالعديد من العقبات التي وضعها الأعداء في طريقها، ورغم تأثرها سلبا بالأحداث العالمية التي كان آخرها أحداث 3 / 6 / 1422هـ (الحادي عشر من سبتمبر 2001 م) ، وهو ما تعمل حكومات العالم الإسلامي، وفي مقدمتها حكومة خادم الحرمين الشريفين على تجاوزه والاستفادة من الأخطاء التي وقعت، والمضي قدما بالدعوة الإسلامية، وإبلاغ الإسلام الصحيح برسالته السامية وتاريخه الناصع وحضارته العالمية.(1/43)
[المبحث الثاني الأقليات المسلمة على خريطة العالم]
المبحث الثاني
الأقليات المسلمة على خريطة العالم سجل تعداد المسلمين في السنوات الأخيرة صعودا كبيرا؛ حيث بلغ عددهم مليارا وثلاثمائة مليون نسمة، منهم (900) مليون نسمة في الدول الإسلامية، و (400) مليون نسمة يعيشون في تجمعات وأقليات مسلمة.(1/45)
ذكرت الإحصائية الدولية التي أعدتها الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي أن المسلمين يعيشون في أكثر من تسعين دولة، منها (44) دولة إسلامية، والبقية يعيشون فيها بصفة أقليات، وإن من بين الدول الإسلامية توجد (14) دولة فقط تنص دساتيرها على أن الدين الرسمي لها هو الإسلام، وحسب هذه الإحصائيات فإن عدد المسلمين في قارة آسيا وحدها مليار وعشرون مليون مسلم، وفي إفريقيا (250) مليون مسلم، ويعيش في قارة أوروبا (60) مليون مسلم، وفي قارة أمريكا الشمالية والجنوبية عشرة ملايين مسلم. ووفق هذه الإحصائيات فإنه من المنتظر أن يصل تعداد المسلمين إلى مليارين وستمائة ألف خلال وقت قصير، بحيث يتحول المسلمون إلى قوة عظمى ومؤثرة في العالم، بعد أن يكونوا قد غيروا - وفق هذا التصاعد السريع في عددهم - التوازن الديموغرافي في العالم لصالحهم. ويلاحظ في الإحصاءات المعلنة عن الأقليات المسلمة في العالم أنها غير دقيقة من جهتين: أن التعداد لا يجري في مناطق كثيرة من العالم، خاصة ما يتعلق بعدد المسلمين، ومن جهة أخرى فإن بعض الدول تميل إلى إظهار المسلمين في صورة أقل من عددهم الحقيقي، فعلى سبيل المثال الإحصائية المعلنة عن عدد المسلمين في الصين هو عشرون مليونا، في حين أن عددهم وصل إلى (100) مليون نسمة، وكذلك فالمسلمون في دول أوروبا تقول الإحصاءات المعلنة أنهم (16) مليونا، في حين أن الإحصاءات التي تخرج من المؤسسات والجمعيات الإسلامية تقول إن عدد المسلمين وصل الآن إلى (60) مليون مسلم.
والبيانات التي نوردها هنا استخلصناها مما أوردته تقارير منظمة المؤتمر الإسلامي، ووكالة الأنباء الإسلامية " إيتا "، وتقارير الجمعيات والمراكز الإسلامية في الدول الغربية، وكذلك ما جاء في كثير من الإصدارات القديمة والحديثة.(1/46)
[الأقليات المسلمة في آسيا]
الأقليات المسلمة في آسيا * الصين: وصل الإسلام إلى الصين عبر طرق ثلاثة، أولها طريق الفتح الإسلامي، وينطبق ذلك على مقاطعة تركستان الشرقية " سينكيانج "، ثم انتشر الإسلام عن طريق الدعوة في المناطق الداخلية، وعبر التجارة في المناطق الساحلية، حتى إن مشاهير الرحالة أمثال ماركوبولو، وابن بطوطة، ذكروا أن كل مدينة صينية كان يوجد بها حي للمسلمين ومساجد للصلاة.
ورغم أن التقديرات الرسمية تشير إلى أن عدد المسلمين في الصين يبلغ (20) مليون مسلم، إلا أن هذه الإحصائية مشكوك فيها؛ حيث إن عدد المسلمين في الصين وفق إحصائيات عام 1367هـ (1948م) يقدر بنحو (48) مليون مسلم، وكان إجمالي عدد السكان وقتئذ (460) مليون نسمة، أي أن نسبة عدد السكان المسلمين كانت تشكل ما يزيد عن 10% من إجمالي عدد السكان، وبفرض أن عدد المسلمين يزيد بنفس النسبة العامة للزيادة السكانية، فإنه يجب أن يصل عدد المسلمين إلى (113) مليون مسلم؛ حيث وصل العدد الإجمالي للسكان وفقا لتقديرات عام (1990م) إلى (1. 130. 055. 000) نسمة.
* الفلبين: ثمة اختلاف في تاريخ دخول الإسلام إلى الفلبين، غير أن أصح ما ورد هو أن الإسلام وصل إلى الفلبين في أواخر القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) .
ويبلغ عدد المسلمين في الفلبين وفقا للكتاب السنوي الأوروبي لعام 1411هـ (1990م) (000, 325, 3) مسلم، في حين تشير بعض المصادر العربية والإسلامية إلى أن عدد المسلمين يقدر بنحو (7. 5) مليون مسلم،(1/47)
ويعتنق الإسلام في الفلبين أربع عشرة جماعة عرقية، ويتركز المسلمون في جزيرة مندناو وسولو وتاوي كاتاوي وفي الجنوب، ويعيش في الشمال حوالي نصف مليون مسلم، ويطلق على الأقلية المسلمة هناك اسم " المورو " بحكم أن أسبانيا استعمرت الفلبين، وكانت تسمي المسلمين " المورو "، وكان أثر المسلمين في الفلبين عظيما إلى درجة أن العاصمة اسمها " أمان الله " وهي " مانيلا ".
* الهند: دخل الإسلام إلى الهند في القرن الأول الهجري، وذلك في السواحل الجنوبية للبلاد على أيدي التجار العرب الذين قدموا من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى جنوب القارة الهندية، وأقاموا هناك منذ مئات السنين قبل ظهور الإسلام، وقد اعتنق كثير من الهنود الإسلام متأثرين بهذه الفئات المهاجرة.
ويمثل مسلمو الهند ثاني أكبر تجمع إسلامي، وأكبر أقلية مسلمة في العالم؛ حيث يبلغ تعدادهم نحو (250) مليون مسلم من إجمالي عدد سكان الهند الذين يزيدون على مليار نسمة حاليا، وينتشر المسلمون في عدد كبير من الولايات الهندية، وأكبر تجمع لهم في الولايات الشمالية على الحدود مع باكستان، وأهم هذه الولايات " أوترا براديش "، و " البنغال الغربية "، و " بيهار ". كما يوجد عدد كبير من المسلمين في بعض الولايات الجنوبية مثل " كيرالا "، و " تاميل نادو ".
* بورما: دخل الإسلام إلى بورما (مينمار حاليا) عن طريق التجار العرب خلال النصف الأول من القرن السابع الهجري، وينحدر المسلمون هناك من أصول مغربية وفارسية وتركية وبنغالية، ويطلق على مسلمي أراكان اسم " الروهنجيا " نسبة إلى الاسم التاريخي لأراكان وهون روهانج، وقد تأسست أول مملكة إسلامية في أراكان على يد سليمان بن شاه في عام 784 هـ (1430م) ، وظل المسلمون يحكمون أراكان قرابة أربعة قرون قبل أن يستولي البورماويون على المملكة عام 1283هـ (1944م) .
وإذا كانت بعض الدراسات والمصادر تشير إلى أن تعداد المسلمين في(1/48)
بورما يبلغ سبعة ملايين مسلم، فإن مصادر أخرى تقول: إن العدد الحقيقي (18) مليون مسلم، وإن كان المسلمون قد تعرضوا لأعمال وحشية واضطهاد من جانب حكومة بورما، التي مارست ضد المسلمين عمليات الطرد الجماعي، والتشريد، والتنكيل، وتركزت الهجرة إلى بنجلاديش والصين وتايلاند.
* تايلاند: يرجع دخول الإسلام إلى ما يعرف بتايلاند الآن إلى نحو ألف عام عن طريق التجار المسلمين الذين كانوا يقصدون بلاد الصين؛ حيث انتشر الإسلام في منطقة الجنوب، وتحديدا منطقة فطاني، وتأسست هناك دولة إسلامية في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) ، وارتبطت بعلاقات مع العديد من الدول في ذلك الحين.
وتختلف المصادر في تقدير عدد المسلمين في تايلاند، فبينما تقول المصادر الغربية: إن عددهم (2. 2) مليون مسلم من بين عدد السكان البالغ (54. 980. 000) نسمة، تشير مصادر أخرى حديثة إلى أن عدد المسلمين في تايلاند يبلغ نحو عشرة ملايين مسلم.
ومنطقة فطاني التي تقع جنوب تايلاند وشمال ماليزيا تعد مركز تعليم الإسلام في شبه جزيرة الملايو، وقد تخرج في مدارسها علماء على امتداد القرنين الماضيين، فقاموا بتدريس العلوم الإسلامية، وترجمة النصوص العربية للقراء بلغة الملايو، كما ألفوا كتبا خاصة بهم.
ويحتفظ المسلمون في تايلاند بتقاليدهم الإسلامية، من حيث حفاظهم على المظهر الإسلامي، وتمسكهم بدينهم، والمحافظة على العبادات، وتلاوة القرآن وحفظه باللغة العربية، وهم يكتبون لغتهم الملاوية باللغة العربية، وتعد فطاني من أغنى مناطق جنوب شرق آسيا.
* نيبال: تقع في آسيا الوسطى، ويحدها شمالا الصين وجنوب الهند، وقد عرفت نيبال الإسلام في فترة متأخرة، وكان أول دخول للإسلام بها في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) ، عندما فتح حاكم البنغال شمس(1/49)
الدين إلياس نيبال في 6 رجب 750 هـ (19 سبتمبر 1349م) .
وفي تلك الفترة نشطت الدعوة الإسلامية عن طريق التجار المسلمين الذين قدموا إلى نيبال، واستوطنوا بها مع مطلع القرن الخامس عشر الميلادي، ويبلغ تعداد المسلمين في نيبال حسب الإحصاءات الرسمية نحو (600) ألف مسلم، من إجمالي عدد السكان الذي وصل (92) مليون نسمة. بينما تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن عدد المسلمين يزيد بكثير على الأرقام المذكورة، وأن هذا العدد يصل إلى مليون مسلم، والمسلمون في نيبال على أربع مجموعات: الكشميريون الذين هاجر أسلافهم إلى نيبال قبل عدة قرون، وهم التجار والسياسيون وموظفو الحكومة. والمجموعة الثانية هم مسلمو التبت، وهم مرتبطون بالأساس بإقليم التبت والصين.
وتتكون المجموعة الثالثة من المسلمين الهنود الذين نزحوا إلى نيبال، واستوطنوا منطقة " تراي ". والمجموعة الرابعة هم المسلمون من أصول نيبالية، وهم أيضا يعيشون في منطقة " تراي ".
وتنتشر المدارس الإسلامية في جميع أنحاء نيبال، إلا أن الكثير من الطلبة يتوجهون إلى الهند للدراسة في المؤسسات التعليمية الإسلامية، كما تنتشر المساجد في جميع أنحاء نيبال، ولعل أشهرها المسجد الكشميري، والمسجد الجامع بالعاصمة كاتمندو، وتوجد بعض المنظمات والجمعيات الإسلامية التي منها منظمة الشبيبة الإسلامية " إسلامي بوواسانغ "، ومركز التوحيد بكاتمندو.
* جمهوريات آسيا الوسطى:
المعني بهذه الجمهوريات هي الدول التي كانت تابعة للحكم الشيوعي قبل زوال الاتحاد السوفييتي، ففي 15 جمادى الآخرة 1412هـ (21 ديسمبر 1991م) حصلت الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى على استقلالها، وتمكن معظمها من الانضمام إلى المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة التعاون الاقتصادي الإقليمي التي تضم تركيا وإيران وباكستان.(1/50)
وهذه الجمهوريات رغم أنها أصبحت وجودا إسلاميا في شكل دول تحكم بدساتير إسلامية، وعدد المسلمين في كل دولة يشكل أغلبية، إلا أننا أدرجناها هنا ضمن الحديث عن الأقليات المسلمة لأن المسلمين في هذه المناطق لا يزالون يعانون من مشكلات العهد الشيوعي، ومازالت تنطبق عليهم الكثير من المشكلات التي تعاني منها الأقليات المسلمة في العالم.
وقد عرفت آسيا الوسطى الإسلام في فترة مبكرة من ظهوره، وعلى وجه التحديد في القرن الأول الهجري (السابع الميلادي) عندما فتحت الجيوش الإسلامية أذربيجان سنة 21 هـ (642 م) ، ثم بخاري سنة 53 هـ (673 م) ، ثم توالت الفتوحات الإسلامية حتى وصل الإسلام إلى بلاد ما وراء النهرين، غير أن روسيا القيصرية بدأت غزواتها لتلك البلدان، واستولت على جانب كبير منها في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) ، ومع ذلك واصل المد الإسلامي زحفه حتى وصل شرق روسيا نفسها، واعتنق سكان منطقة الفولجا الإسلام. وتعرض المسلمون في فترات حكم القياصرة إلى تعديات صارخة على حقوقهم الدينية والاقتصادية، وجاءت الثورة البلشفية لتعمق تلك الاضطهادات والمآسي في تلك البقعة المهمة من العالم الإسلامي.
ومما سجلته كتب التاريخ عن تلك المآسي:
*تعرض مدينة خوقند في التركستان عام 1336هـ (1918م) إلى حرب إبادة شاملة على يد قوات لينين، قتل خلالها سكان المدينة رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا.
*إغلاق جميع المدارس الإسلامية (215) ألف مدرسة عام 1928م.
*تعرض المسلمون في باكو إلى مذبحة جماعية عام 1336هـ (1918م) راح ضحيتها (18) ألف مسلم.
*إخماد كل مطالب شعب القوقاز من 1357 -1399هـ (1939 -1979م) ،(1/51)
وارتكاب أفظع الجرائم ضد هذا الشعب.
*تحويل أكثر من (6682) مسجدا إلى نواد ودور للملاهي في التركستان، ومنها جامع قتيبة بن مسلم الباهلي، وجامع الأمير فضل بن يحيى، وغيرها، وكلها في طشقند، كما تم إقفال (7052) مدرسة إسلامية في التركستان.
*بلغ عدد الذين تركوا ديارهم هربا من الشيوعيين ثلاثة ملايين تركستاني، تفرقوا في العالم، وفي أرجاء البلدان الإسلامية، في أفغانستان وتركيا والملايو وإيران، ولا يخفى أن عددا غير قليل يعيش في المملكة العربية السعودية التي فتحت لهم صدرها منذ أيام الملك عبد العزيز - يرحمه الله.
وفيما يلي بعض المعلومات عن هذه الجمهوريات، والوجود الإسلامي في منطقة آسيا الوسطى عقب زوال الاتحاد السوفيتي:
*أوزبكستان:
وهي أكبر وأهم الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى، حيث يبلغ عدد سكانها (20) مليون نسمة، يشكل المسلمون منهم نسبة 88%.
وتضم أوزبكستان عددا من المدن الإسلامية التاريخية، مثل: طشقند العاصمة، وسمرقند، وبخارى، وقد اشتق اسم أوزبكستان من شعب الأوزبك من أصل تركماني، ويتبع أهلها المذهب السني، ويتكلمون لغة " الجفطاي " التركية.
وقد وصل الإسلام إلى أوزبكستان في القرن الأول الهجري خلال حكم الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وأصبحت جزءا من العالم الإسلامي في عام 86 هـ (706 م) ، وظلت لمئات السنين تحت الحكم الإسلامي، إلى أن ضمها الروس في القرن التاسع عشر الميلادي إلى الإمبراطورية القيصرية، ثم أصبحت دولة ذات سيادة عام 1342هـ (1924م) ، ثم ضمت إلى الاتحاد السوفيتي في عهد دكتاتور روسيا السابق ستالين. وكان لأوزبكستان دور بارز في إشعال مصباح الحضارة الإسلامية، بما أنجبته من علماء أفذاذ، مثل: الإمام البخاري - صاحب " الجامع الصحيح في الحديث النبوي " - والشيخ الرئيس ابن سينا - مؤلف " القانون في الطب " - وغيرهما.(1/52)
* طاجكستان:
يحدها من الشرق إقليم التركستان الصيني، ومن الشمال جمهورية قرقيزيا، ومن الغرب والشمال جمهورية أوزبكستان، ويبلغ عدد سكانها خمسة ملايين ومائة واثني عشر ألفا، ونسبة المسلمين 98% من مجموع السكان، ولأن الطاجيك يشكلون أغلبية عناصر السكان هناك فقد سميت البلاد باسم طاجكستان.
وقد عرفت طاجكستان الإسلام في فترة مبكرة من ظهوره، وما إن حل القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) حتى كان سكان هذا الجزء من العالم قد دخلوا في الإسلام جميعا.
وقد تأسست جمهورية طاجكستان في 16 ربيع الأول عام 1343هـ (14 أكتوبر 1924م) ، وكانت تابعة وقتئذ لجمهورية أوزبكستان، وفي 4 رجب عام 1348هـ (5 ديسمبر 1929م) أعلن دكتاتور روسيا ستالين ضم الجمهورية إلى الاتحاد السوفيتي، وبعد تفكك وزوال الاتحاد السوفييتي حصلت طاجكستان على استقلالها التام في غرة ربيع الأول عام 1412هـ (9 سبتمبر 1991م) .
*كازاخستان:
يحدها من الشرق الصين، ومن الجنوب أوزبكستان، ومن الغرب تركستان، ومن الشمال روسيا، وقد دخل الإسلام كازاخستان في نهاية القرن الأول الهجري (الثامن الميلادي) ، وقد ضمت الجمهورية إلى الاتحاد السوفييتي بالقوة عام 1354هـ (1936م) ، ثم حصلت على استقلالها كأخواتها من الجمهوريات، وعاصمة كازاخستان هي " الما أتا ".
ويبلغ عدد سكانها نحو (17) مليون نسمة، يشكل المسلمون منهم نسبة 52%
* قرقيزيا: تقع في الجزء الشرقي من آسيا الوسطى، ويبلغ عدد سكانها خمسة ملايين وأربعمائة وتسعين ألفا، ويشكل المسلمون 61. 5% من مجموع السكان،(1/53)
وعاصمة الجمهورية " فرونزي ".
وقد عرفت تلك المناطق الإسلام في فترة مبكرة أيضا، وعلى وجه التحديد في نهاية القرن الأول الهجري عندما فتحها قتيبة بن مسلم الباهلي. وفي القرن الثالث عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) كان معظم السكان مسلمين؛ حيث تأسست حكومة إسلامية في هذا الجزء من العالم قبل أن تغزوها الجيوش الروسية عام 1282هـ (1866م) ، وعانى المسلمون كثيرا، واشتدت معاناتهم مع وصول البلاشفة إلى الحكم عام 1335هـ (1917م) ، وأصبحت تابعة للجمهوريات السوفييتية، حتى أعلنت استقلالها في 20 صفر 1412هـ (30 أغسطس 1991م) .
والقرقيز من أصل تركي، ويمثلون 46. 8% من مجموع السكان، ويشكل الروس 29. 2%، والأوزبك 10. 6%، والأوكرانيون 4. 1%، والتتار 2. 2 %، وتتقاسم النسبة الباقية عناصر صغيرة.
* تركمنستان: تطل على بحر قزوين من الغرب، وتجاورها كل من إيران وأفغانستان، ويبلغ عدد سكانها (3. 534. 000) نسمة، منهم 90 % مسلمون، وأهم مدنها " مرو " التي كانت فيما مضى عاصمة إقليم خراسان بأكمله الذي كان يشمل إلى جانبها إيران وأفغانستان وعاصمتها عشق أباد.
ومن أشهر مدن تركمنستان مدينة " نسا " التي تقع بالقرب من العاصمة، وقد خرجت لنا تلك المدينة الإمام النسائي 215 هـ - 303 هـ (830 - 915 م) .
صاحب كتاب " السنن "، ومدينة " بيهق " ومنها خرج الإمام البيهقي 384 هـ - 458 هـ (994 -1066م) صاحب " التصانيف " المشهورة، ومنها مدينة " سرخس " التي خرجت لنا الإمام محمد بن أحمد بن سهل السرخسي - صاحب كتاب " المبسوط ".
* أذربيجان: تطل على الساحل الغربي لبحر قزوين، ويبلغ عدد سكانها ستة ملايين وتسعمائة وواحدا وعشرين ألف نسمة، 80 % منهم مسلمون، وعاصمة الجمهورية " باكو "، ويقع في هذه الجمهورية إقليم " ناجورني كاراباخ " المتنازع(1/54)
عليه بين أرمينيا وأذربيجان.
وجمهورية أذربيجان فتحها المسلمون لأول مرة سنة 18هـ (638 م) في عهد الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على يد قائده عتبة بن فرقد السلمي، وأصبحت جزءا من العالم الإسلامي في عام 113هـ (731 م) في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، وظلت تحت الحكم الإسلامي حتى تفككت الإمبراطورية العثمانية.
ومع بداية القرن التاسع عشر شرعت الجيوش الروسية في بسط سيطرتها على الإقليم، وأجبر المسلمون على الهجرة إلى البلدان المجاورة، وبقي جانب منهم يقاوم الغزو، وتمكن أحد القادة البارزين، ويدعى محمد أمين رسول من التصدي لوحشية الروس، مما مكن المسلمين من إعلان استقلالها في 17 شعبان 1336هـ (28 مايو عام 1918م) وانتخب محمد رسول أول رئيس لجمهورية أذربيجان، واعترفت روسيا الشيوعية بالجمهورية المستقلة، غير أنها ضمت إلى الاتحاد السوفييتي السابق لمدة تصل إلى سبعين عاما، ثم أعلنت استقلالها في 20 صفر1412هـ (30 أغسطس عام 1991م) ، وكانت أول جمهورية إسلامية تعلن استقلالها عن الاتحاد السوفيتي.
* سيرلانكا: تذكر بعض المصادر أن سرنديب أو سيلان " سيرلانكا " الآن، قد عرفت الإسلام في وقت مبكر جدا، أي في القرن الأول الهجري، وتقول الروايات: إن مندوبا من سرنديب قابل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وأعلن إسلامه، ومن ثم بدأ انتشار الإسلام في الجزيرة مع بداية القرن الثاني للهجرة، غير أن الثابت تاريخيا هو أن المسلمين وصلوا إلى الجزيرة عن طريق التجار العرب الذين كانوا يقصدون سواحل الهند والملايو، ويطلق(1/55)
على مسلمي الجزيرة اسم " الموروز "، وعندما جاء الاستعمار البرتغالي للجزيرة عام 329 هـ (911 م) ، تعرض المسلمون لمحن قاسية، حاول خلالها الاستعمار إزالة كل أثر للوجود الإسلامي في الجزيرة، وواصل الهولنديون نفس السياسة، وأسسوا مدارس تنصيرية لإيقاف المد الإسلامي، ثم جاء الإنجليز عام 1211هـ (1796م) ، وضيقوا الخناق على المسلمين، مما اضطرهم للاكتفاء بمدارسهم الخاصة، مما أدى إلى حد كبير إلى تأخرهم وتحجيم المد الإسلامي.
ووفقا لأكثر الروايات تواترا فإن عدد المسلمين في سيرلانكا يبلغ مليونا ونصف المليون تقريبا، يعيشون أقلية وسط عدد من السكان، يبلغ (17. 135. 000) نسمة من السنهاليين والتاميل والبوذيين والهندوس والنصارى.
وينتشر المسلمون في كل مقاطعات سيرلانكا، ويتركزون في المنطقتين الشرقية والشمالية؛ حيث تعيش الغالبية الهندوسية التي اشتهرت باسم التاميل، وهم يحاربون حكومة سيرلانكا منذ سنوات مطالبين بإنشاء دولة تاميلية مستقلة، وقد نال المسلمون الكثير من وحشية التاميل واعتداءاتهم المتكررة على الأرواح والمساجد والبيوت والمزارع، ولهذا فالمسلمون في سيرلانكا يعيشون وضعا مأساويا أليما، حيث لم تستطع الحكومة أن توفر لهم الحماية الكافية ضد الهجمات التاميلية المتكررة.
وفي سيرلانكا توجد العديد من المؤسسات والجمعيات الإسلامية التي تنهض بشؤون الدعوة الإسلامية هناك، ومنها جمعية أنصار السنة، وجمعية الشبان المسلمين، وجماعة التبليغ، ورابطة المسلمين، بالإضافة إلى المؤسسات التعليمية الإسلامية، مثل كلية الزهرة في العاصمة كولومبو، وكلية السيدات المسلمات في كليليا، إلى جانب مدارس تحفيظ القرآن الكريم، ويصدر المسلمون هناك ثلاث صحف إسلامية شهرية.
* سنغافورة: دخول الإسلام في سنغافورة ارتبط بانتشاره في منطقة أرخبيل الملايو الذي يضم ماليزيا وأندونيسيا وجزر الفلبين الجنوبية، إضافة إلى سنغافورة،(1/56)
وكان ذلك بين القرنين الثالث عشر الميلادي والرابع عشر الميلادي على يد التجار المسلمين عن طريق الهند.
ويبلغ عدد المسلمين في سنغافورة نحو (541) ألف مسلم، يشكلون نحو 20 % من إجمالي عدد السكان البالغ (2. 700. 000) نسمة.
وسكان سنغافورة ينتمون لأصول عرقية مختلفة، منهم الصينيون والماليزيون والهنود، كما توجد انتماءات دينية مثل البوذيين والنصارى.
ويمارس المسلمون في سنغافورة عباداتهم وحياتهم بحرية تامة، كما تم إدخال الدين الإسلامي كمادة أساسية اختيارية في المناهج الدراسية الحكومية منذ عام 1378هـ (1958م) . والمسلمون في سنغافورة هم أتباع الدين الوحيد الذي له هيئة دينية لها سلطات قانونية، وتسمى المجلس الإسلامي السنغافوري.
كما يوجد العديد من المنظمات والهيئات والجمعيات الإسلامية التي تلتقي جميعا من أجل هدف واحد، هو نشر الإسلام والدفاع عن حقوق المسلمين.
* كمبوديا: بدأ الوجود الإسلامي في كمبوديا مع عام 1238هـ (1826م) ، وقد كان عدد المسلمين عام 1382هـ (1962م) (700) ألف مسلم، وتدنى عددهم ليصل إلى (172) ألف مسلم في ظل حكم الدكتاتور بول بوت، وبعد سقوط حكمه(1/57)
عام 1399هـ (1979م) اعترف قانونيا بمشروعية العمل الإسلامي في كمبوديا، ومازال المسلمون هناك يتعرضون للمضايقات وإغلاق المساجد، ومنع إقامة صلاة الجمعة في تجمعات، كما يتعرض الشباب المسلم لضغوط من قبل الحكومات وإرغامهم على التزوج بفتيات بوذيات وشيوعيات، كما حظر على المسلمين استخدام اللغة العربية.
* كوريا الجنوبية: إذا كان قد بدأ وصول التجار العرب مبكرا إلى بلاد سيلا أي مملكة كوريا الجنوبية خلال القرن الثالث الهجري، فإن وصول الإسلام فعليا إلى هذه البقعة كان أثناء الحرب الكورية عندما شكل مجلس الأمن عام 1370هـ (1951 م) قوة دولية تحت قيادة الأمم المتحدة للفصل بين قوات الكوريتين - الشمالية والجنوبية - وكان من بين تلك القوة قوة من الأتراك كانوا سببا في وصول دين الإسلام إلى كوريا، ومن ثم انتشاره هناك، فقد شيدت القوات التركية المسلمة مسجدا لتأدية شعائر الإسلام عام 1376هـ (1956م) في كوريا، وعينوا من بينهم إماما لهم، وانطلقوا يدعون لدين الإسلام من مسجدهم ذاك ومن خارجة، فاعتنق الإسلام خلال سنوات الحرب ما يقرب من أربعة آلاف كوري، وبدأ عددهم يتزايد حتى تكون الاتحاد الإسلامي الكوري عام 1383هـ (1963م) . ويزيد عدد المسلمين في كوريا الجنوبية على (30) ألف مسلم من مجموع السكان البالغ عددهم (43) مليون نسمة، وينتشر المسلمون في ثلاث مناطق، هي سيول وبوسان وكوانجو، كما يعيش عدد منهم خارج كوريا، وخاصة في المملكة ودول الخليج.
ويرعى الاتحاد الإسلامي الكوري شؤون المسلمين هناك، كما يوجد في سيول المركز الإسلامي، بالإضافة إلى مؤسسات أخرى تتولى مهام الدعوة الإسلامية، ورعاية شؤون المسلمين.
وتجدر الإشارة إلى أن حكومة المملكة كانت من الدول الرائدة التي دعمت أنشطة المسلمين في كوريا، وقامت ببناء الجامعة الإسلامية هناك، وهي الجامعة التي وضع حجر الأساس لها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن(1/58)
عبد العزيز وزير الداخلية أثناء زيارة له لكوريا عام 1397هـ (1977م) .
اليابان ودول أخرى: ومن المناطق التي توجد فيها الأقليات المسلمة أيضا في قارة آسيا: لاوس، ومنغوليا، وهونج كونج، واليابان، وهذه الأخيرة تعد دولة حديثة العهد بالإسلام، وقد عرفت اليابان الإسلام عن طريق عدد من المواطنين التركستانيين الذين فروا من الثورة البلشفية، كذلك فإن الجنود اليابانيين بعد عودتهم من الحرب في أندونيسيا وماليزيا اعتنق الكثير منهم الإسلام، ويذكر في روايات أخرى أن الإسلام دخل اليابان في أواخر القرن التاسع عشر على يد الدعاة القادمين من خارج اليابان.
ويقدر عدد المسلمين في اليابان الآن بنحو (70) ألف مسلم من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم نحو (124) مليون نسمة.
ويوجد في اليابان عدد من المؤسسات والمنظمات الإسلامية، أهمها المركز الإسلامي الذي تأسس عام 1385هـ (1965م) ، وجمعية مسلمي اليابان، وجمعية الطلاب اليابانيين المسلمين، والمؤتمر الإسلامي الياباني، والجمعية الإسلامية اليابانية.
وفي عام 1402هـ (1982م) افتتح المعهد الإسلامي العربي بطوكيو، وهو التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ويعد هذا المعهد جزءا من الاهتمام والرعاية التي توليها المملكة شؤون الأقليات المسلمة في العالم.(1/59)
[الأقليات المسلمة في قارة إفريقيا]
الأقليات المسلمة في قارة إفريقيا قارة إفريقيا هي ثاني قارات العالم من حيث المساحة، فهي تمثل خمس مساحة اليابسة، كما أنها تعد ثاني قارات العالم بعد قارة آسيا من حيث عدد المسلمين، فمن جملة عدد سكان القارة البالغ (467) مليون نسمة يوجد (250) مليون مسلم، أي أن حصة الإسلام في إفريقيا 52% تقريبا، والقدر الباقي 48% تشترك فيه المسيحية والوثنية واليهودية، ولهذا أطلقوا على قارة إفريقيا " القارة المسلمة " وفقا للمقاييس العددية.
كما أن قارة إفريقيا تتميز عن غيرها من بقاع الأرض أن أول أرض عرفها الإسلام بعد جزيرة العرب هي إفريقيا، فمن جهة كانت أول هجرة للمسلمين إلى الحبشة، وقد نجحت هذه الهجرة في نقل الدين الحنيف إلى هذه القارة، ثم جاءت الفتوحات الإسلامية تنشر الدين في ربوع إفريقيا، وساعد على ذلك قرب إفريقيا والتحامها بقارة آسيا عن طريق شبه جزيرة سيناء، ففتح المسلمون مصر، واستمرت الفتوحات المباركة، فوصل الإسلام إلى شمال إفريقيا وشمالها الشرقي.
كما أن البحر الأحمر كان حلقة اتصال بين الجزيرة العربية وإفريقيا، فعبرته التجارة إلى الساحل الإفريقي، وعن طريقه عبر المسلمون إلى المحيط الهندي، ثم إلى ساحل إفريقيا الشرقي، فنشروا الإسلام في القرن الإفريقي وموزمبيق والصومال وكينيا وأوغندا ومالاوي وزائير وتنزانيا وزمبابوي وغيرها من دول إفريقيا.
لقد وجد الإسلام في إفريقيا أرضا خصبة لانتشار دعوته، ووجد الناس هناك في الإسلام العقيدة الصافية، والتوحيد الخالص، والقيم النبيلة، والعدل والسلام مع النفس ومع الآخرين، فكان ذلك سببا رئيسا في انتشار الإسلام بقارة إفريقيا إلى جانب قربها من مركز الدعوة ومهبط الوحي بجزيرة العرب. ولم تشأ قارة إفريقيا أن تنعم بالإسلام وحدها، بل كان لها الفضل في وصول هذا الدين الخاتم إلى مناطق أوروبا، ومن ثم أمريكا، فقد كانت إفريقيا معبرا ومنطلقا لحضارة الإسلام إلى أوروبا، وإنقاذها من(1/60)
ظلمات الجهل وعصور التخلف، وهكذا عرفت شعوب أوروبا الإسلام عن طريق هذه القارة المسلمة.
ظل الإسلام يتقدم في إفريقيا بخطى سريعة، ودخله الناس عن قناعة تامة بأنه هو الدين المنقذ لهم من مهاوي الرذيلة، ويرتفع بهم إلى درجات عليا من الفضيلة، ويضمن لهم الحلول للكثير من المشاكل السياسية والأخلاقية والحياتية، ويضمن لهم حياة سعيدة في الدنيا وفي الآخرة.
والمسلمون في قارة إفريقيا يصنفون إلى قسمين وفقا لتوزعهم داخل دول القارة:
1 - مسلمو دول الأغلبية: وهؤلاء يصل عددهم إلى أكثر من (168) مليون مسلما من المجموع الكلي لسكان هذه الدول البالغ (221) مليون نسمة، بما يعني أن المسلمين يشكلون في هذه الدول نسبة 76%، وهؤلاء يشتملون على مسلمي الدول العربية الإفريقية، وعددهم حوالي (98) مليون نسمة.
ب - مسلمو دول الأقليات: وعددهم يقترب من (73) مليون مسلم من جملة سكان دول الأقليات المسلمة، وقدره (245. 7) مليون نسمة، أي أن حصة الإسلام في هذه الدول تصل إلى 29. 3%، وفي بعض دول الأقليات المسلمة الإفريقية يقترب عدد المسلمين من حد الأغلبية، إذ يزيد عددهم عن بقية السكان، ولكنهم محكومون من قبل الأقلية غير المسلمة، ودساتير دولهم بطبيعة الحال ليست إسلامية، ويدرج مثل هؤلاء الأغلبية المسلمة ضمن الأقليات، لما يعانونه من اضطهاد وعنف، وحتى يلفت إليهم انتباه العالم الإسلامي فيهتم بهم ويمدهم بالعون المعنوي والمادي.(1/61)
* أثيوبيا: يشكل المسلمون في أثيوبيا 65% من السكان، ومع ذلك فإن بعض الإحصاءات تجعل منهم أقلية، وللمسلمين هناك تاريخ مشرف، وتراث أصيل، وهم خليط من قبائل الأورومو والسيداما والأوروزي وبعض الصوماليين وقبيلة عفار.
كانوا في الماضي يمثلون دولة إسلامية قوية، لكنهم تدهوروا بسبب انحسار المد الإسلامي في القارة الإفريقية، ووجود التآمر الصليبي عليهم.
يتوزع المسلمون في أثيوبيا على ثلاث عشرة ولاية، هي:
- ولاية هرر: نسبة المسلمين فيها 95 % وهي أعرق البلاد قاطبة، فيها مساجد قديمة منذ ألف عام، ويضم المعهد الإسلامي أقدم المخطوطات العربية والإسلامية.
- ولاية وللوا: نسبة المسلمين فيها 90 % من السكان، وفيها (11) مدرسة ابتدائية عربية.
- ولاية كندا: فيها سبع مدارس عربية، ونسبة المسلمين فيها 90 %.
- مقاطعة شوا: وفيها العاصمة أديس أبابا، ونسبة المسلمين فيها 45%، وتضم (14) مدرسة ابتدائية تدرس القرآن الكريم والعلوم الإسلامية.
- مقاطعة عروس: بلدة إسلامية عريقة، تمتاز بمساجدها ومدارسها الإسلامية، نسبة المسلمين فيها 90 %.
- ولاية بالي: نسبة المسلمين فيها 80 %، وهي مقاطعة زراعية تعنى برعي الماشية.
- ولاية جوماجوفا: نسبة المسلمين فيها 20 %، يغلب عليها الوثنيون والمسيحيون.
- مقاطعة إبلبايور: أرض زراعية ممطرة، تعنى بزراعة البن، ونسبة المسلمين فيها 90 %.
- مقاطعة ولجا: نسبة المسلمين فيها 30%، وفيها إرساليات مسيحية ومبشرون وافدون.(1/62)
- مقاطعة سدامو: أرض زراعية خصبة، تبلغ نسبة المسلمين فيها 90 %، وفيها مدارس ومساجد كثيرة.
- مقاطعة قندور: نسبة المسلمين فيها 10%، مشهورة بكنائسها وأديرتها وتعصب أهلها المسيحيين.
- مقاطعة جاجام: منطقة زراعية مهمة، نسبة المسلمين فيها 20%، ويحرم عليهم امتلاك الأراضي.
- مقاطعة تجراي: نسبة المسلمين فيها 15%، وهي مسيحية لا مساجد فيها ولا مدارس.
لقد استولى المسيحيون على الحكم، وتركزت السلطة في أيدي المسيحيين حتى عهد الإمبراطور هيلاسلاسي، ثم طرأ تغيير كبير في عهد الحكومة الانتقالية، وترك الخيار للقوميات في اختيار نوع اللغة في التعليم، وشجع ذلك التجمعات الإسلامية على فتح المدارس والمراكز القرآنية بعد اعتماد اللغة العربية في وزارة التربية.
إن هذه المرحلة بحاجة إلى جهود المؤسسات الإسلامية من أجل إعداد كوادر مؤهلة من أبناء المسلمين، تؤدي رسالتها في الدعوة والتدريس وبناء المستقبل الإسلامي لهذه المنطقة.
* يوغندة: يوغندة هي إحدى دول شرقي إفريقيا الداخلية، لا سواحل لها، عاصمتها كمبالا، وعدد سكانها حوالي (18) مليون نسمة، تعتبر من أجمل بقاع إفريقيا بسبب وفرة الكساء الأخضر والمزارع والوديان والأنهار، ولأهلها جمال الشكل وصفاء الروح وعلو الذائقة الفنية في النحت والتلوين.
أول من قدمها من الآسيويين هم العرب، دخلوها منذ انتشار الإسلام حوالي (301) هـ، وتشير المصادر أن عددا منهم عمل في خدمة ملوكها، ثم توافدت مجموعات من دعاة الإسلام إليها لإنشاء مراكز عربية ثابتة، وامتد ذلك حتى مطلع القرن الثالث عشر الهجري.
وقد تلقى الأهالي تعاليم الإسلام حتى صاروا يشكلون 30% من سكان(1/63)
يوغندة، وفتحت لهم المدارس وبنيت المساجد، وظهرت طائفة من الخلفاء والفقهاء تفسر آيات القرآن الكريم، ومع ذلك كله ظلت عملية نشر الإسلام بطيئة. لقد دخل الإسلام إلى يوغندة عن طريق الدعاة والتجار المسلمين الذين اجتازوا أهم الطرق إليها " طريق السودان أو وادي النيل، وطريق القوافل من مراكش وبلاد المغرب، وطريق الشرق أو طريق ساحل إفريقيا الشرقي "، ووصل الإسلام أيضا من الهند وباكستان.
وتتعدد الهيئات والمؤسسات الإسلامية ومعظمها في كمبالا، فهناك (14) هيئة ومؤسسة إلى جانب المدارس والمعاهد الإسلامية، ومع ذلك فالمسلمون في يوغندة يعانون أمية وفقرا، غير أن المملكة العربية السعودية تبذل جهودا كبيرة للنهوض بمستوى المسلمين تعليميا واقتصاديا، وهي تسهم بجهود خيرة في سبيل إنشاء جامعة إسلامية جديدة.
* كينيا: عاصمتها نيروبي، وسكانها حوالي (25) مليون نسمة، والمسلمون هم الأكثرية إلى جانب الوثنيين والمسيحيين، 35% أو أكثر، ويتمركز الوجود العربي على الساحل المطل على المحيط الهندي في مدن ممبسه ومالندي وبيت ولامو. والزراعة هي عصب الاقتصاد الكيني، وقد دخلها الإسلام مبكرا " القرن الأول الهجري "، لذا حفلت البلاد بحضارة إسلامية راقية، ونظرا لاختلاط الثقافات والعادات في المجتمع الإسلامي نشأ جيل جديد يحمل ميزات فكرية وجسمانية خاصة عرف في التاريخ باسم العنصر السواحيلي، يتكلم لغة واحدة " السواحلية "، ويدين بدين واحد هو الإسلام. ومن أكبر التحديات التي تواجه مسلمي كينيا ازدياد النشاط التنصيري، في الوقت الذي يعانون فيه من الفقر والأمية والمجاعة والبطالة، فالبعثات التنصيرية تقدم الأدوية والأغذية والمصحات المتنقلة، وعلى الرغم من ذلك هناك خمسون جمعية إسلامية نأمل أن توحد جهودها لدفع الأخطار الوافدة، والحاجة ماسة وملحة بأن تسارع المؤسسات والمنظمات الإسلامية(1/64)
لدعم المسلمين ومنظماتهم حتى يواجهوا هجمات التنصير الزاحفة.
* تنزانيا: بعد توحيد تنجانيقا وزنجبار، تم ميلاد تنزانيا الموحدة، وصارت دار السلام عاصمة لها.
كان ذلك في عام 1384هـ، وقد عرفت هذه البلاد الإسلام مبكرا عبر العلاقات التجارية بين جنوب الجزيرة العربية وبلدان شرق إفريقيا.
وكتاب ابن بطوطة يعد مرجعا هاما في هذا الصدد.
يتوزع المسلمون في تنزانيا على مناطق عديدة، فالأغلبية العظمى من سكان جزيرتي بمبا وزنجبار مسلمة، وإقليم البحيرة في تنجانيقا وتتوما وفورا وتوشى وعروشة، وكذلك مدينة دار السلام، وتبلغ نسبتهم 90 %، واللغة العربية سائدة.
لكن المشكلة الحقيقية هي سيطرة المسيحية على التعليم ووسائل الإعلام، وهذا ما أدى إلى تفشي الأمية والفقر بين صفوف المسلمين.
وهناك دعم مادي ومعنوي من المملكة العربية السعودية ومصر وعمان لتنزانيا، مع محاولات جادة لمواجهة الإعلام الغربي والمسيحي.
* جنوب إفريقيا: تقع جمهورية اتحاد جنوب إفريقيا في الطرف الجنوبي من القارة السوداء.
يزيد سكانها على (33) مليون نسمة، وهي أربع ولايات: الكاب، وأورانج، ونتال، وترانسفال، ولها عاصمتان: التشريعية وهي الكيب، والإدارية وهي:
* بريتوريا: والزراعة والصناعة هما عصبا الحياة فيها، ولديها الذهب بكثرة.(1/65)
وبعد منتصف القرن السابع عشر الميلادي، انتشر الإسلام انتشارا ملحوظا في البلاد عن طريق التجار العرب والمسلمين، ونشطت حركة نشر الدعوة الإسلامية بين قبائل البانتو وغيرها.
وعلى الرغم من تعاقب الدول العنصرية، ومحاربة التجمع الإسلامي، فقد تمكن المسلمون من تشييد المساجد وتعليم أصول الدين واللغة العربية، لكن نسبة المسلمين حتى الآن لا تزال ضئيلة، فهي حوالي المليون مسلم من أصل (25) مليون نسمة، ويبلغ عدد المدارس الابتدائية الإسلامية في مدينة الكاب أكثر من (40) مدرسة، وهناك (4) معاهد مسائية، وتتمثل النشاطات الإسلامية في إلقاء المحاضرات وطباعة النشرات وعقد الندوات، وهناك جمعيات إسلامية نشطة تواجه تحديات جمة أهمها: حيل النصارى، وانتشار إرسالياتهم وكتبهم وأناجيلهم، ومحاولات التشويش المستمرة على المسلمين ومعتقداتهم، لذلك لا بد من دعم المسلمين هناك ثقافيا وتعليميا، وتزويدهم بالعلماء والدعاة، وبكل وسائل نشر الإسلام.
* بورندي: بورندي جمهورية صغيرة لا سواحل لها، تقع ضمن هضبة البحيرات في وسط إفريقيا.
وصل الإسلام إليها عن طريق الهجرات العربية مبكرا، وازدهرت الدعوة الإسلامية أكثر في عهد سلاطين زنجبار.
يشكل المسلمون اليوم 20% من نسبة السكان، يتمركزون في العاصمة بوجومبورا، وأغلب العناصر المهاجرة إلى بوروندي هم من مالي والسنغال ومن الهنود والباكستانيين والعرب، وقد تمكنوا من تكوين عدة هيئات إسلامية إلى جانب المدارس التي تعنى بتعليم القرآن الكريم واللغة العربية.
لكن المسلمين يواجهون اليوم مشكلات البعثات التنصيرية وخطرها، لذا فهم يقفون متمسكين بالعقيدة وبالتعاليم الإسلامية بصلابة.(1/66)
* موزمبيق: وهي أقصى بلاد الزنج - كما يقول المسعودي في مروج الذهب - وهي أرض كثيرة الذهب، كثيرة العجائب، تقع على الساحل الشرقي لإفريقيا وسوفاله، فيها آخر ميناء إسلامي على شواطئ إفريقيا الشرقية، وقد أمه المسلمون والدعاة، وأسسوا مدينة موزمبيق.
أما المسلمون بعامة فيشكلون 15% من إجمالي السكان، لكن الإرساليات أفسدت أحوالهم الاجتماعية والثقافية، لذلك فهم يعانون من التخلف وضعف التأهيل المهني، ومن تدخل النفوذ الإسرائيلي وسيطرة البعثات التنصيرية، فالحاجة ماسة لإقامة مشروعات إسلامية، وإقامة المدارس والمراكز والمساجد، ونشر الكتب وتنشيط الدعاة.
* سيراليون: منطقة صغيرة، لكن سواحلها طويلة، يزيد عدد سكانها على أربعة ملايين نسمة، إمكاناتهم الاقتصادية كبيرة من حيث الزراعة والثروة المعدنية شق الإسلام طريقه إليها عن طريق التجارة والمصاهرة والاندماج والكتب والمدارس والمساجد. وتمتاز بكثرة هذه المساجد، وقد أسهمت فعلا في انتشار الإسلام بين القبائل كافة.
والحملات التبشيرية المسيحية نشطة، فهي تشجع على التفرقة، وتشيع الاختلاط من باب المدنية والحضارة، لذا بقي المسلمون تحت رحمة الجهل والفقر والمرض وسوء التغذية والنزاعات القبلية، ولا تزال أثار الاستعمار الإنجليزي باقية حتى اليوم.(1/67)
[الأقليات المسلمة في أوروبا]
الأقليات المسلمة في أوروبا يعيش في قارة أوروبا نحو (60) مليون مسلم وفق آخر الإحصاءات المعلنة من الاتحادات الإسلامية في كل من ألمانيا وفرنسا.
والوجود الإسلامي في أوروبا هو وجود أقلية بالنسبة لعدد سكان القارة، غير أن بعض دول أوروبا يشكل المسلمون فيها أغلبية مثل ألبانيا؛ حيث يصل عدد المسلمين إلى نسبة 80%.
وفي البوسنة والهرسك وكوسوفا، كذلك يشكل المسلمون أغلبية، وتعتبر هذه المناطق مناطق إسلامية حتى لو حكمت بحكومات غير إسلامية.
لقد عبر الإسلام إلى أوروبا عن طريق شبه جزيرة أيبريا؛ حيث دخل الإسلام إلى إفريقيا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ثم انتقل فوصل برسالته السامية إلى شواطئ الأطلنطي في بداية النصف الثاني من القرن الهجري الأول، ثم إلى شبه جزيرة أيبريا التي استقر فيها الإسلام، ومكث بالأندلس حتى عام 908 هـ (1502م) عندما أصدر الملك فردناند والملكة إيزابلا مرسوما يعلن النصرانية الكاثوليكية الدين الوحيد في أيبريا.
وانتقل الإسلام إلى أوروبا أيضا عبر البحر المتوسط إلى صقلية وسردينيا، وتحول جزء من هذا البحر إلى بحيرة إسلامية، ووصل المسلمون إلى مالطة وسردينيا وكورسيكا، كما وصلوا إلى قبرص وكريت وشبه جزيرة البلقان ووسط أوروبا.
وتمكن المسلمون من الوصول إلى بولندا ولتوانيا وشرق البحر الأسود، واستمر تقدم الإسلام في وسط أوروبا، فوصل إلى المجر، وقارب فيينا عاصمة النمسا، وكل ذلك في عهد الإمبراطورية العثمانية.
وقد انحسر الوجود الإسلامي في كثير من مناطق أوروبا نتيجة التضييق والحروب والصراعات، فلم يبق منهم إلا أعداد قليلة، إلى أن جاء العصر الحديث، فبدأ الإسلام يظهر من جديد عددا وقوة في دول أوروبا(1/68)
على يد المهاجرين من الدول العربية والإسلامية، الذين احتاجت إليهم دول أوروبا، مثل: ألمانيا وغيرها في مختلف المجالات، كما شهدت دول أوروبا - بفضل الله - ثم بفضل الجهود الدعوية التي بذلها المهاجرون المسلمون وبمساعدة الدول الإسلامية، شهدت دخول أعداد كبيرة من أبناء أوروبا في دين الإسلام طواعية وعن قناعة تامة واقتناع وهروب من الواقع المادي الأليم الذي يعيشه الأوروبيون بعيدا عن القيم الفاضلة والأخلاق الحميدة التي وجدوها في دين الإسلام.
ويصل عدد المسلمين في دول أوروبا إلى حوالي (60) مليون مسلم من مجموع سكان القارة الذي يبلغ ما يقارب (500) مليون نسمة.
أي أن نسبة المسلمين في أوروبا تصل إلى نحو 12% من مجموع السكان، ولمزيد من المعلومات عن الأقليات المسلمة في أوروبا، ونظرا لتنوع مشكلاتها، يحسن بنا أن نلقي الضوء على أوضاعها وأحوالها وجزء من تاريخها القديم.
* ألمانيا: عرف الألمان الإسلام منذ الحروب الصليبية، وفي نهاية الحرب العالمية الأولى عندما أطلق سراح بعض الأسرى المسلمين، وفضل الكثير منهم العيش في ألمانيا، ثم أخذ عدد من التجار والعمال المسلمين يفدون على ألمانيا، واستقروا في موانئها.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية احتاجت ألمانيا إلى الكثير من الأيدي العاملة لإعادة بناء ما تهدم في هذه الحرب، فسمحت ألمانيا بهجرة الأيدي(1/69)
العاملة إليها، وكذلك دخل عدد من الألمان في دين الإسلام نتيجة اطلاعهم وقراءاتهم عن هذا الدين الخاتم، ونتيجة الجهود التي تبذلها المؤسسات الدعوية هناك بمساعدة الدول الإسلامية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.
ويصل عدد المسلمين في ألمانيا ما يقارب أربعة ملايين مسلم في كل من ألمانيا الغربية والشرقية بعد توحيدهما.
وتعمل العديد من المؤسسات الإسلامية في ألمانيا على خدمة المسلمين هناك من دعوة وتعليم وتدبير لشؤونهم المختلفة، وأهمها مساعدتهم على الحفاظ على هويتهم، وحمايتهم من الذوبان في المجتمع المادي العلماني.
* المملكة المتحدة: يعيش في المملكة المتحدة حوالي ثلاثة ملايين مسلم حسب الإحصائيات المعلنة من قبل الهيئات الإسلامية هناك، وأكثر المسلمين في المملكة المتحدة قدموا إليها من الهند وعدن وقبرص، ومن شمال وشرق إفريقيا، ثم زادت الهجرات بعد الحرب العالمية الثانية، فجاء المسلمون من يوغوسلافيا وألبانيا ومن دول شرق أوروبا، وكذلك من الهند وباكستان، كما ارتفع عدد المسلمين نتيجة هجرة العمال، وكثرة الطلاب المسلمين في بريطانيا.
ونتيجة الجهود التي تبذلها المؤسسات والهيئات الإسلامية في المملكة المتحدة، والفاعلية التي يبديها المسلمون هناك، وانخراطهم في المجتمع البريطاني دون ذوبان، تم الاعتراف بالمسلمين في المملكة المتحدة، وأصبح لهم حزب سياسي إسلامي يشارك في الانتخابات، وكثر عدد المساجد والمراكز الإسلامية هناك، حتى زاد على (700) مسجد ومركز إسلامي تنتشر في أرجاء بريطانيا.
وأسهمت المملكة العربية السعودية في إنشاء الكثير من هذه المساجد والمراكز التي كان آخرها مسجد أدنبره. كذلك فإن أكاديمية الملك فهد التعليمية في لندن تسهم بقسط وافر في تعليم أبناء(1/70)
المسلمين والحفاظ على هويتهم.
* فرنسا: وصل الإسلام إلى فرنسا منذ حاول المسلمون فتح الشواطئ الفرنسية الجنوبية، ونشأت دولة أندلسية في جنوب فرنسا، غير أنها لم تستمر طويلا بعد أن تكالبت عليها القوى النصرانية.
ثم زادت هجرة العمال إلى فرنسا نتيجة احتياج البلاد إلى الأيدي العاملة، فهاجر من الجزائر وحدها (300) ألف مسلم، وكذلك أعداد كبيرة من مسلمي المغرب العربي، وتركيا، ويوغوسلافيا، وبعض الدول العربية.
وقد وصل عدد المسلمين في فرنسا إلى أربعة ملايين مسلم أو يزيد، وتوجد في فرنسا العديد من الهيئات والمؤسسات التي تنظم شؤونهم، وتعلم أبناءهم، وتدعو إلى الدين الإسلامي.
وقد نجح المسلمون في فرنسا أن يكونوا مجتمعا إسلاميا فاعلا وإيجابيا، مما جعلن جزء لا يتجزأ من المجتمع ودفع عنهم الكثير من المؤامرات والشكوك التي كانت تحيط بهم، ومنها إلصاق التهم بهم كلما وقعت حادثة انفجار أو اعتداء، ووصل الأمر كما جاء على لسان العاملين في حقل الدعوة في فرنسا إلى أن أحد وزراء الداخلية الفرنسية في عهد حكومة شيراك برأ ساحة المسلمين من انفجارين وقعا في العاصمة الفرنسية.
ومع ذلك مازالت الكثير من التحديات تواجه مسلمي فرنسا، خاصة ما يقع على يد المتعصبين من المبشرين، وكذلك الطوائف المنسوبة إلى الإسلام " زورا " من قاديانية وبهائية وغيرها، بالإضافة إلى الحملات المسمومة التي(1/71)
تشنها وسائل الإعلام الموجهة من قبل الصهيونية العالمية.
* اليونان: وصل الإسلام إلى اليونان عندما فتح المسلمون بعض الجزر اليونانية في عهد الدولة الأموية، كما أقام فيها عدد من الأتراك المسلمين، بجانب بعض من أسلم من اليونانيين.
وبعد الحرب التركية اليونانية عام 1340هـ (1921م) أخذ شأن المسلمين يقل بصورة كبيرة نتيجة هجرة الأتراك لليونان، وقد كان للمسلمين في اليونان أكثر من (300) مسجد، أقامها العثمانيون في مختلف أنحاء اليونان، كما توجد أقلية مسلمة تعيش في منطقة تراقيا الغربية، ويبلغ عددهم نحو (17) ألف مسلم أصولهم تركية، في حين يبلغ عدد المسلمين في اليونان نحو (300) ألف مسلم.
* كريت: يعيش في جزيرة كريت نحو (34) ألف مسلم بعد أن هاجر عدد كبير من المسلمين نتيجة الاضطهاد والظلم الذي تعرضوا له، ومازال إخوانهم الباقون يتعرضون له. لقد خلف المسلمون وراءهم العديد من المساجد والمدارس الإسلامية في جزيرة كريت، ومن أبرزها مسجد السلطان إبراهيم في مدينة الخندق عاصمة الجزيرة، وهو المسجد الذي حولوه إلى كنيسة تحمل اسم سانت نيكولاس!
* إيطاليا: يعيش في إيطاليا حوالي (100) ألف مسلم، وهي نسبة ضئيلة إلى جانب عدد السكان البالغ (60) مليون نسمة.
والسبب في ذلك أن المسلمين أجبروا على الهجرة من جزيرة سردينيا عندما شنت ضدهم حرب إبادة.
ثم برز الوجود الإسلامي في إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية عندما هاجر إليها بعض المسلمين من أوروبا الشرقية هربا من طغيان الحكم(1/72)
الشيوعي في هذه الدول، ثم أتت هجرات إسلامية محدودة من بعض المناطق الإسلامية التي خضعت للاستعمار الإيطالي في إفريقيا، فضلا عن الهجرة من دول عربية أخرى، يضاف إلى ذلك عدد من الإيطاليين الذين دخلوا الإسلام تباعا بعد الحرب العالمية الثانية.
* إسبانيا: المسلمون في إسبانيا عددهم حاليا نحو (150) ألف مسلم، وهم بقية الوجود الإسلامي الذي كانت تزخر به تلك المنطقة؛ حيث عاش المسلمون بالأندلس قرونا، وشيدوا هناك مجدا خالدا، وحضارة راقية، استفادت منها أوروبا، وانتقلت بها من ظلمة العصور الوسطى إلى نور العلم والتقدم الذي تعيشه الآن، وقد استفاد المسلمون بقانون حماية حرية العقيدة الذي صدر عام 1387هـ (1967م) ، وأقاموا هناك عددا من المساجد والمراكز الإسلامية، ومنها المركز الإسلامي في غرناطة وفي بالماس.
وفي عام 1412هـ (1991م) فتح المركز الإسلامي في مدريد، الذي يضم مسجدا كبيرا، وهو الذي تولت حكومة خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - الإنفاق على بنائه، ويعد من أضخم المشروعات الإسلامية في المنطقة.
وكذلك مسجد خادم الحرمين الشريفين في جبل طارق الذي تكفلت المملكة ببنائه على نفقة خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله. ويؤكد المراقبون أن الإسلام قادم بقوة إلى إسبانيا نتيجة الإقبال الكبير على اعتناق هذا الدين الخاتم من مختلف المستويات في إسبانيا.(1/73)
* سويسرا: وصل المسلمون إلى سويسرا عن طريق الشواطئ الجنوبية الفرنسية كما وصل إليها عدد من المسلمين بعد الحرب العالمية الثانية. ويتشكل الوجود الإسلامي في سويسرا أيضا من رجال الأعمال والأجانب والطلاب المقيمين بصورة موقتة، وكذلك من الأعضاء العاملين في المنظمات الدولية.
وقد بلغ عدد المسلمين في سويسرا نحو (100) ألف مسلم، ويوجد في جنيف مركز الملك فيصل الإسلامي الذي يعد من أكبر المراكز الإسلامية التي أقامتها المملكة العربية السعودية في أوروبا، وللمركز أنشطة دعوية وإعلامية كبيرة.
* النمسا: الوجود الإسلامي في النمسا بدأ بالمسلمين الذين وصلوا إليها من البوسنة والهرسك قبل الحرب العالمية الأولى، ثم أخذ عددهم يتأرجح بين الزيادة والنقصان، إلى أن وصل عددهم حاليا نحو (80) ألف مسلم، وهي نسبة ضئيلة من مجموع السكان البالغ عددهم (8) ملايين نسمة.
وقد كون المسلمون هناك عددا من الجمعيات الإسلامية واتحاد الطلاب المسلمين وغيرها.
* بلجيكا: يعيش في بلجيكا نحو (200) ألف مسلم، يمثلون نسبة 2% من مجموع عدد السكان، وقد هاجر عدد كبير من العمال المسلمين والطلاب إلى بلجيكا، وكونوا جالية مسلمة استطاعت بمساعدة الدول الإسلامية - وعلى رأسها المملكة العربية السعودية - أن تحقق ذاتها، وتحصل على حقوقها؛ حيث تعد بلجيكا من أوائل الدول الأوروبية التي اعترفت بالإسلام باعتباره الدين الذي يعتنقه قسم من السكان، يلي سكانها النصارى من حيث العدد. وحصل المسلمون على حق تعليم الدين الإسلامي بالمدارس البلجيكية، وإنشاء المدارس الإسلامية للمسلمين بصورة رسمية، كما أقيم المركز(1/74)
الإسلامي في بروكسل، وقد تسلم موقع إقامة المسجد الملك فيصل - يرحمه الله - عام 1387هـ (1967م) ، وانتهي من إقامة المركز والمسجد عام 1398هـ (1978م) ، وافتتحه رسميا الملك خالد - يرحمه الله.
* هولندا: يعيش في هولندا أكثر من (300) ألف مسلم من مجموع السكان البالغ عددهم (8. 14) مليون نسمة، وقد جاء المسلمون إلى هولندا عن طريق الهجرة من أندونيسيا وسرينام وتركيا وبلاد المغرب العربي.
ويوجد في هولندا جمعيات إسلامية انتظمت في اتحاد إسلامي منذ عام 1394هـ (1974م) ، وهو اتحاد الجمعيات الإسلامية، ويتولى شؤون الأقلية المسلمة في هولندا.
* دول إسكندنافية: وهي: الدانمرك والنرويج والسويد وفنلندا، ويصل عدد المسلمين في هذه الدول مجتمعة نحو (90) ألف مسلم، وصلوا إليها بالهجرة من يوغوسلافيا وألبانيا وتركيا وباكستان والتتار الروس.
وتخدم هذه الأقليات مؤسسات إسلامية عددها قليل، كذلك فإن المساجد والمؤسسات التعليمية تعد هي الأخرى قليلة، ولا تفي بحاجة المسلمين في هذه الدول، خاصة وأن تجمعاتهم موزعة على مناطق مختلفة.
وقد اعترفت فنلندا منذ وقت مبكر بالإسلام كدين له أتباعه في الدولة، وكان ذلك عام 1344هـ (1925م) .
* قبرص: تورد كتب التاريخ الإسلامي أن فتح المسلمين لقبرص كان في العام 28 هـ(1/75)
(648 م) ، في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وأعيد فتحها في عهد معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - عام 34 هـ (654م) ، ثم فتحت قبرص على يد العثمانيين عام 790 هـ (1388هـ) ، وبعدها تكاثر عدد المسلمين في الجزيرة، بعدها اضطر العثمانيون إلى التخلي عنها عام 1296 هـ (1879م) ، واحتلها البريطانيون، وتزايد عدد اليونانيين النصارى في الجزيرة، وبعد استقلال البلاد عام 1379هـ (1959م) ، تم تقسيم الحكم بين اليونانيين والأتراك، واستقر الأمر على ذلك، لكن اليونانيين هاجموا الأحياء الإسلامية، واستخدموا الطائرات في دك مناطق المسلمين، فاضطرت تركيا إنقاذا للأتراك القبارصة المسلمين من الإبادة أن تحرك قواتها في قبرص وتحتل الجزء الشمالي؛ حيث يضم أكثرية تركية، وهو ثلث مساحة قبرص.
وظلت المشكلة معلقة دون حل، وقد أعلن في عام 1403هـ (1983م) عن قيام الجمهورية التركية لقبرص الشمالية ذات الأغلبية المسلمة، وتتواجد في الوقت الراهن قوات الأمم المتحدة للفصل بين الجزأين الشمالي والجنوبي في قبرص.
ويبلغ عدد المسلمين في قبرص نحو (128) ألف مسلم، يتوزعون ما بين يونانيين 78%، وأتراك 18. 7%.
* روسيا الاتحادية: عرفت تلك البقعة الإسلام مع بداية القرن الثالث الهجري عندما استقر التجار المسلمون على نهر الفولجا، ومع تزايد النشاط التجاري دخل الإسلام في نفوس أهل البلغار، وقد عرف الطريق الذي كان يسلكه التجار المسلمون بطريق " الفراء "؛ لأنهم كانوا يجلبون الفراء من شمال بلغار الفولجا، كما كان المسلمون يتاجرون بالحرير الذي اشتهرت به بعض مناطق تركستان الغربية.
وقد انتشر الإسلام في بلاد ما وراء النهرين بفضل الله ثم بفضل السلوك الرشيد والأمانة في التجارة التي هي سمة التجار المسلمين، وقيامهم بالدعوة(1/76)
إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، واعتنق الإسلام في تلك المناطق أعداد غفيرة من الناس.
وتشير بعض التقديرات أن تعداد المسلمين في روسيا الاتحادية يصل إلى (14. 7) مليون مسلم، بينما تقول الدراسات الحديثة أن عدد المسلمين تجاوز الـ (30) مليون مسلم من إجمالي عدد السكان البالغ (143) مليونا و (90) ألف نسمة.
ويتوزع المسلمون في روسيا الاتحادية على عدد من الجمهوريات، وهي:
جمهورية تتاريا، جمهورية بشكيريا، جمهورية الجوفاش، جمهورية موردوف، جمهورية ادمورة، جمهورية الشيشان والأنجوش، جمهورية ماري، جمهورية أورنبرغ، جمهورية داغستان، جمهورية قاراشاي شركس، جمهورية أوستيا الشمالية، ولاية الاديجا، إقليم سيبريا، جمهورية جورجيا، شبه جزيرة القرم، جمهورية مولدافيا، جمهورية ليتوانيا.
وتتراوح نسبة عدد المسلمين بالنسبة لعدد سكان هذه الجمهوريات ما بين 16% كما هو الحال في جمهورية جورجيا ومولدافيا وليتوانيا، و 69% كما هو الحال في جمهورية الشيشان والأنجوش. وقد مر المسلمون في هذه الجمهوريات التابعة لروسيا الاتحادية بسنوات عصيبة من القهر والاضطهاد والقتل والتشريد، ومازال شعب الشيشان يواجه الحرب الروسية المعلنة ضده، والتي راح ضحيتها الآلاف من المسلمين، وتشردت أعداد كبيرة من هذا الشعب المسلم، وأضاف لاجئوه أعدادا جديدة إلى اللاجئين المسلمين الذين يشكلون النسبة الأكبر من مجموع اللاجئين في العالم.(1/77)
[الإسلام في الأمريكتين]
(قارتي أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية) وصل المسلمون إلى الأمريكتين قبل الأوربيين؛ حيث وجدت آثار في البحر الكاريبي تدل على علاقة بين تلك المنطقة والممالك الإسلامية في غرب أفريقيا، كما كان كثير من البحارة الذين قادوا سفن كريستوفر كولومبس من الأندلسيين.
وقد تكونت جماعات المسلمين الموجودة الآن في الأمريكتين نتيجة ثلاث موجات من الهجرة، وهي حسب القدم:
* الموجة الأوربية: بدأت بوصول كريستوفر كولومبس إلى أمريكا سنة 1492م، وصادفت هذه السنة سقوط غرناطة آخر معقل للمسلمين في الأندلس، مما أدى إلى هجرة أعداد كبيرة من المسلمين هروبا من محاكم التفتيش الأندلسية، والتنصير الإجباري للمسلمين في إسبانيا والبرتغال.
* الموجة الإفريقية: أتى الأوربيون بالآلاف من البشر المستبعدين من القارة الإفريقية، وكان من بينهم عدد كبير من المسلمين، منهم علماء ومجاهدون، فنجح هؤلاء في تكوين جاليات مزدهرة، خاصة في البرازيل التي قامت فيها ثورة إسلامية عام 1838م، إلا أنها لم تستمر سوى بضع سنوات.
* الموجة الثالثة: بدأت عن طريق البريطانيين والهولنديين الذين أخذوا يأتون بالعمالة الإجبارية لمستعمراتهم من جاوة والهند، وذلك منذ سنة 1830م، وتبع تلك الموجة هجرات جديدة منذ أوائل القرن العشرين الميلادي من شرق أوروبا ومعظم دول العالم الإسلامي لم تنته بعد.
عدد المسلمين في الأمريكتين وأماكن تواجدهم:
يعيش المسلمون في (22) دولة في قارتي أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، تزايد عددهم تدريجيا في كثير من هذه الدول حتى تعدى ثلث السكان في سورينام، وتقدر بعض الإحصاءات الحديثة أن عدد المسلمين في قارة أمريكا الشمالية يصل إلى (8) ملايين نسمة، ونسبتهم 2. 2 % من عدد السكان، كما يصل(1/78)
عدد المسلمين في أمريكا الجنوبية إلى (3) ملايين نسمة، ونسبتهم 4. 2% من عدد السكان، إلا أن غالبية الإحصاءات ليست دقيقة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها (10) ملايين مسلم أو أكثر حسب تصريحات زعماء المسلمين في أمريكا، وبذلك يشكلون 4% من عدد السكان.
وقد تضاعف عدد المسلمين في الأمريكتين في السنوات العشر الأخيرة، وذلك لأسباب ثلاثة، هي:
*الهجرة المتواصلة من البلاد الإسلامية إلى الأمريكتين.
*التزايد الطبيعي عن طريق التوالد.
*اعنتاق غير المسلمين للدين الإسلامي.
وفيما يلي عرض لأوضاع المسلمين في بعض دول قارتي أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية.
* الولايات المتحدة الأمريكية: بدأ الوجود الإسلامي في الولايات المتحدة:
منذ بداية الاستعمار البريطاني لها، وكما سبق توضيحه فإن هناك تقديرات متفاوتة لأعداد المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، وأقربها إلى الحقيقة هي التي تقدرهم بحوالي ستة ملايين نسمة، ثلثهم من أصول إفريقية، وثلثهم من أصول عربية، وثلثهم من أصول مختلفة، بما فيها الهندية والتركية والألبانية والبشناقية وغيرها.
ويقدر عدد الذين يدخلون في الإسلام في الولايات المتحدة الأمريكية كل عام بما بين (25) ألف نسمة و (50) ألف نسمة، وأكثر الهجرات التي تفد إلى الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأخيرة تأتيها من البلدان الإسلامية، ومعظم المهاجرين ذوو كفاءات ومهارات عالية، والمسلمون يوجدون في جميع الولايات، كما يوجد ما يزيد عن مائة ألف طالب مسلم في الجامعات الأمريكية.
وبتزايد أعداد المسلمين تزايدت جمعياتهم وتنظيماتهم؛ حيث يوجد الآن أكثر من (500) جمعية إسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية، لها في غالب الأحيان مسجدها، وتطورت بعض هذه المساجد إلى مراكز كبرى كمركز كوينسي الإسلامي(1/79)
قرب بوسطن، ومركز واتربري الإسلامي للمسلمين الألبان، ومركز سيدار رابيدز الإسلامي، ومركز جنوب كاليفورنيا الإسلامي، ومركز هيوستن الإسلامي.
وأخذ المجهود يتجه نحو التنظيم على نطاق الولايات المتحدة الأمريكية بأكملها، وذلك منذ أن تكون اتحاد الجمعيات الإسلامية سنة 1952م، واتحاد الطلبة المسلمين سنة 1962م، وفي عام 1981م تم إنشاء الاتحاد الإسلامي في أمريكا الشمالية (ISNA) ، الذي ضم جمعيات كثيرة مثل مركز التعليم الإسلامي، وجمعية علماء العلوم الاجتماعية المسلمين، وجمعية العلماء والمهندسين المسلمين، واتحاد الأطباء المسلمين، والوقف الإسلامي في أمريكا وكندا وغيرها من الجمعيات والتنظيمات.
وعلى الرغم من وجود عدد كبير من بين المسلمين من ذوي الخبرات العالية الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن النفوذ الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية ضعيف؛ لأن المسلمين ليسوا ممثلين في مجلس الشيوخ ومجلس النواب، غير أن لهم الحرية المطلقة في التنظيم، وإعلان شعائرهم، والدعوة إلى الإسلام، وبناء المساجد والمدارس، وللجمعيات الإسلامية نفس الحقوق التي للجمعيات الدينية الأخرى.
* كندا: تعد كندا بلدا واسعا يحتل مساحة قدرها (3. 851) ميلا مربعا، وقد بلغ عدد سكانها في إحصاء عام 1986م (25) مليون نسمه، من بينهم (200) ألف مسلم؛ حيث سمحت بموجات متكررة من الهجرة إليها منذ أوائل القرن العشرين، وقد ازداد عدد المهاجرين المسلمين منذ منتصف الستينات بشكل واضح وذلك بالمقارنة مع المجموعات الأخرى للمهاجرين، ومعظم المسلمين في كندا اليوم أو 77% منهم ولدوا خارج كندا، وهم يمثلون مجالا واسعا من الخلفيات الثقافية واللغوية، ويعد المسلمون الكنديون من بين أكثر المجموعات ثقافة في المجتمع الكندي.
الأرجنتين: ينحدر معظم المسلمين في الأرجنتين من العرب الذين هاجروا من بلاد الشام في أوائل القرن العشرين، ووصل عدد المسلمين إلى حوالي (380. 00) مسلما، يعيش نصفهم في العاصمة بيونس أيريس، وقد انصهر(1/80)
معظم مسلمي الأرجنتين في المجتمع، وأضاعوا لغتهم العربية وأسماءهم الإسلامية، وقد أصبحت معرفتهم بالإسلام قليلة، إلا أنهم كونوا جمعيات إسلامية في عدد من المدن الأرجنتينية الكبرى.
البرازيل: ينحدر معظم المسلمين في البرازيل من بلاد الشام، ولم يبق من المسلمين الأفارقة الأوائل إلا عدد بسيط، ويبلغ عددهم حوالي (360) ألف مسلم، نصفهم تقريبا في مدينة سان باولو، وكونوا جمعيات متعددة في أنحاء البلاد يناهز عددها الأربعين، وذلك في سبع ولايات مختلفة، كما بنوا حوالي عشرين مسجدا ومدرسة إسلامية، كما أسس المسلمون " اتحاد الجمعيات الإسلامية البرازيلي ".
* ترينداد وتوباجو: يشكل المسلمون في ترينداد وتوباجو 13% من سكان البلاد، ويصل عددهم إلى (160) ألف مسلم، ينحدر معظمهم من الهند، وبعضهم من أصول إفريقية، وهم متحدون في إطار " جمعية أهل السنة والجماعة "، ولهم (100) مسجد في البلاد.
* سورينام: توجد في سورينام أعلى نسبة إسلامية في الأمريكتين (حوالي 34% من مجموع السكان) ، ويناهز عدد المسلمين حوالي (150) ألف مسلم، معظمهم من أصول جاوية، وأكثر الباقي من أصل هندي.
وللمسلمين تنظيم شامل وهو " مجلس مسلمي سورينام "، ولهم عدة جمعيات إسلامية، و (60) مسجدا إضافة إلى عدد من الكتاتيب لتحفيظ القرآن الكريم، وعدد من المدارس الابتدائية، وهم ممثلون في الأوساط الحكومية تمثيلا لا بأس به.
* غويانا: يمثل مسلمو غويانا حوالي 14% من مجموع السكان، وعددهم حوالي (130) ألف مسلم، وهم كذلك من أصول هندية في معظمهم، وبينهم أفارقة.(1/81)
[كلمة خادم الحرمين الشريفين]
لقد تبنت المملكة سياسة داعمة للأقليات الإسلامية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم، وبالذات في الدول غير الإسلامية؛ لشعورها القوي بأن تمكين هذه المجموعات الإسلامية من المحافظة على عقيدتها داخل مجتمعات تأخذ بأنظمة أخرى، هو مسؤولية إسلامية يستوجب على جميع المسلمين القيام بها، ومواصلتها حفاظا على كيانها، وتمكينا لها من التواصل الإيجابي مع أمتهم الإسلامية، وتوثيق الأواصر مع ماضيها وحاضرها ومستقبلها على أن يكونوا منبع خير وتعاون بناء لدولهم ومجتمعاتهم، بصرف النظر عن اختلاف عقائد الدول التي ينتمون إليها.
خادم الحرمين الشريفين
فهد بن عبد العزيز آل سعود(1/82)
[الفصل الثالث المشكلات والتحديات التي تواجهها الأقليات المسلمة]
[المبحث الأول مشكلات الأقليات المسلمة في إفريقيا]
الفصل الثالث
المشكلات والتحديات التي تواجهها الأقليات المسلمة(1/83)
المبحث الأول
مشكلات الأقليات المسلمة في إفريقيا المشكلات التي تواجه الأقليات المسلمة في العالم تكاد تكون مشتركة، بغض النظر عن أماكن تواجدها، وفي نفس الوقت فإن لكل أقلية مسلمة ظروفها ومشكلاتها بحسب القارة التي تعيش فيها، والدولة التي تنتم إليها.
ولهذا رأينا أن نعرض لظروف الأقليات المسلمة ومشكلاتها بشكل عام في كل قارة من قارات العالم. وإذا كانت هناك ظروف ومشكلات تخص أقلية بعينها في إحدى الدول فإننا سنشير إليها في حينها، ولا شك أن للمشكلات والظروف الصعبة التي تعيشها الكثير من الأهليات المسلمة في العالم آثارها السلبية على حياة هذه الأقليات وجهودها، ومن ثم على عطائها الحضاري في المجتمعات غير الإسلامية.(1/85)
تعاني الأقليات المسلمة في إفريقيا من مشكلات كثيرة، فرضتها طبيعة هذه القارة السياسية التي عاشتها دولها في ظل الاستعمار الغربي لفترة طويلة من الزمن.
كما أن الاستعمار البغيض قد ترك آثاره السلبية على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لشعوب القارة.
والأقليات المسلمة شأنهم شأن شعوب القارة غير المسلمين، عانوا كثيرا ولا يزالون من جراء هذه الآثار التي خلفتها سنوات الاستعمار، وإن كان المسلمون ينفردون بمشكلات تتعلق بدينهم وعقيدتهم وما ينفثه الأعداء من أحقاد انعكست آثارها على حياة هذه الأقليات المسلمة.
ولعل أهم المشكلات التي تعاني منها الأقليات المسلمة في إفريقيا:
1 - الفقر وسوء الأحوال المعيشية: لا يخفى على أحد الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تعيشها القارة الإفريقية، وما تعاني منه شعوبها من فقر وفاقة، وبطبيعة الحال فإن الأقليات المسلمة في إفريقيا كان لها نصيب الأسد من هذه المشكلات الاقتصادية، فقد ظل الاستعمار سنوات طويلة ينهب مقدرات القارة، ويسخر شعوب القارة لخدمة مصالحه، ولم يبق للأقليات المسلمة فيها من الموارد ما يمكنهم من الحياة الكريمة، ويدفع عنهم غوائل الفقر، وتدنت أحوال المسلمين في إفريقيا إلى حد العوز والموت جوعا، وساءت الأحوال الصحية، وانتشرت الأمراض بين المسلمين - مسلمي إفريقيا - وصنفت شعوب القارة ضمن الشعوب الفقيرة، كما أثرت الأوضاع المعيشية السيئة لهذه الأقليات المسلمة على النواحي الصحية والاجتماعية والتعليمية، مما فتح المجال أمام أعداء الإسلام لممارسة نشاطهم التنصيري عبر هذه المنافذ التي أحسنوا استغلالها، خاصة بين الوثنيين وغير المسلمين.
2 - تفشي الجهل والأمية كان طبيعيا إزاء هذه الأوضاع المعيشية المتردية التي تعيشها الأقليات(1/86)
المسلمة في إفريقيا أن يتفشى الجهل والأمية بين المسلمين هناك، وهو الوضع الذي حرصت الدول الاستعمارية على الإبقاء عليه باعتبار أن الأمية إحدى الأسلحة التي يعتمد عليها المستعمرون، كما زرع هذا الاستعمار البغيض مناهج تعليمية تخدم أهداف التبعية الثقافية التي عمل على تحقيقها في القارة، ومن ثم استمرار سيطرتهم على عقول الأجيال المسلمة.
3 - التنصير في إفريقيا: هذه المشكلة من أخطر المشكلات التي تواجه شعوب قارة إفريقيا، وخاصة الأقليات المسلمة في القارة، فقد كثفت المنظمات والهيئات النصرانية من حملاتها التنصيرية التي استهدفت قارة إفريقيا، وأعد لهذه الحملات برامج مكثفة وأموال طائلة، تقف وراءها دول وكنائس ومنظمات غربية كبيرة.
وعملت المنظمات التنصيرية على بناء المدارس والمستشفيات، وأنشأت المؤسسات اللازمة لتساعدها على تحقيق أهدافها، وكرست جهودها لصرف المسلمين المحتاجين والجهال عن دينهم، وعملت على زلزلة العقيدة الخالصة في نفوسهم، واستخدمت في ذلك المعونات المالية والعينية والكتب ووسائل الإعلام المختلفة، وفي كل حين يناشد المنصرون دول العالم الغربي حرصا على توفير الأموال الطائلة للإنفاق على حملاتهم التنصيرية ضد شعوب قارة إفريقيا ومن بينهم مسلمو القارة.(1/87)
4 - قلة الدعاة والمدارس الإسلامية: وفي الوقت الذي تعيش فيه الأقليات المسلمة في إفريقيا هذه الأوضاع السيئة من تدني أحوالهم العيشية، وانتشار الفقر والأمية، واشتداد حملات التنصير تواجه هذه الأقليات المسلمة، في الوقت نفسه مشكلات قلة الدعاة والمعلمين، وقلة المدارس التي يتعلم فيها أبناء المسلمين دينهم، وتؤسسهم على العقيدة الصحيحة.
وهنا تظهر أهمية الجهود التي تبذلها بعض الدول الإسلامية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، لمساعدة الأقليات المسلمة على الخروج من معاناتهم، أو على الأقل التخفيف عنهم، وإمدادهم بالدعاة والمدرسين، ومساعدتهم في فتح المدارس والمعاهد الإسلامية، وإنشاء المساجد والمراكز الإسلامية بين هذه الأقليات، ولا تزال هذه الجهود تحتاج إلى مزيد من التضافر والدعم لمواجهة ما يتهدد إخوانهم المسلمين من أخطار.(1/88)
[المبحث الثاني مشكلات الأقليات المسلمة في آسيا]
المبحث الثاني
مشكلات الأقليات المسلمة في آسيا من المشكلات العامة التي تعاني منها الأقليات المسلمة في قارة آسيا الأوضاع الاقتصادية السيئة: وهي التي تشترك فيها الأقليات المسلمة في آسيا مع سائر الأقليات المسلمة الأخرى، فكثير من المسلمين الذين يعيشون كأقليات في آسيا يعانون من الفقر والمجاعة وانتشار البطالة بينهم، وقد وصل الأمر بكثير من المسلمين في بعض دول آسيا مثل الهند أنهم ينتظرون الموت جوعا يأتيهم في أي وقت بعد أن افتقروا إلى ما يسد رمقهم ويحميهم من غائلة الجوع.
لكن وجود طوائف حاقدة على الإسلام والمد الشيوعي وتفاوت مستويات التنمية بين دولها هي أهم ما يميز مشكلات الأقليات المسلمة في آسيا عن غيرها.(1/89)
والزائر لمناطق المسلمين في كثير من دول الأقليات المسلمة في آسيا كثيرا ما يلاحظ الحالة السيئة والأوضاع المعيشية المتردية التي يعيشها المسلمون في تلك المناطق، حتى إن هؤلاء يتحلقون حول حاويات القمامة وبقايا الطعام ويبحثون فيها عما يبعد عنهم شبح الموت.
مشكلات تعليمية: تعاني الأقليات المسلمة في دول آسيا من قلة المدارس والمراكز التعليمية التي تعمل على تعليم المسلمين هناك أمور دينهم، الأمر الذي أدى إلى تفشي الجهل بالدين، وقلة العلم بشؤون الحياة، وما يعينهم على تدبير شؤونهم، ولهذا نجد من النادر أن يتسنم أبناء المسلمين مراكز ومناصب مرموقة في تلك الدول ذات الأقليات المسلمة، وتظل السيطرة العلمية والسياسية والاجتماعية لغير المسلمين تماما مثلما يحدث للمسلمين في قارة أفريقيا.
النشاط التنصيري المكثف: تتعرض الأقليات المسلمة في دول آسيا لنشاط تنصيري مكثف يستهدف عقيدة المسلمين وهويتهم؛ حيث تستغل المنظمات التنصيرية الظروف الاقتصادية السيئة لهذه الأقليات، وتقوم بنشاطها المتستر بالخدمات والمساعدات الإنسانية، وقد قامت هذه المنظمات بافتتاح العديد من المؤسسات التي تحتضن الأطفال المسلمين اليتامى تحت غطاء إنساني مزعوم، وتقوم بتربيتهم على التعاليم النصرانية الباطلة، وإبعادهم عن دينهم الإسلامي.
انتشار المنظمات المعادية للإسلام: تقع الأقليات المسلمة في كثير من دول آسيا بين سندان أتباع الديانات الباطلة كالبوذية والهندوسية وغيرها، ومطرقة أصحاب المذاهب الضالة والمنحرفة عن الإسلام كالبهائية والقاديانية وغيرها، وهؤلاء جميعا ينشطون لنشر كفرهم وأباطيلهم في أوساط المسلمين، وقد تضررت الدعوة(1/90)
الإسلامية كثيرا بآراء وأنشطة هؤلاء، فكثيرا ما يدخلون على جهال المسلمين بوحدة الأديان، وإفهام هؤلاء الجهال بأن الانتماء إلى الإسلام لا يتعارض مع تبني أفكار النصرانية أو البوذية أو الهندوسية، وهم بذلك يعملون على تقويض عقيدة الإسلام في نفوس المسلمين، والحد من انتشار الإسلام في ربوع آسيا.
الأنظمة الشيوعية وعداؤها للإسلام: عانى المسلمون في كثير من دول آسيا من العداء الشيوعي المتحكم ضد الإسلام وأتباعه، ومارست الأنظمة الشيوعية ولا تزال الهجمات الإلحادية والإبادة الجماهيرية ضد الأقليات المسلمة في بعض بلدان آسيا، وعانى مسلمون آخرون من الاضطهاد والتضييق عليهم، وعدم تمكينهم من ممارسة شعائرهم، وأغلقت المساجد والمؤسسات الإسلامية في تلك المناطق مثلما حدث مع مسلمي الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى قبل استقلالها، ومثلما يحدث حتى الآن مع مسلمي الصين وكمبوديا وكوبا وكوريا ومناطق أخرى، وقد رفع الكثير من الظلم والاضطهاد عن المسلمين هناك منذ تهاوى الكثير من الأنظمة الشيوعية، فعاد مسلمو الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى إلى ممارسة دينهم وشعائرهم، وإن كانت آثار الحقبة الشيوعية مازالت باقية في النفوس، وفي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
ومازال المسلمون يعانون في مناطق آسيوية كثيرة ومنهم مسلمو الفلبين والشيشان وكمبوديا وبورما وتايلاند وسريلانكا وغيرها من جراء هذا العداء الشيوعي ضد المسلمين.
تسلط المنشقين والطوائف المتعصبة: من المشكلات التي مازالت باقية ولم تجد لها حلا حتى الآن مشكلة تسلط(1/91)
المنظمات المنشقة في بعض دول آسيا، وكذلك الطوائف وأتباع الملل الكافرة ضد المسلمين، مثلما يحدث من التأميل في سريلانكا، وهجماتهم التي عانى ويعاني منها المسلمون كثيرا، وكذلك تعرض المسلمين في الهند باستمرار لهجمات واعتداءات السيخ والهندوس.
وقد أوقعت هذه الاعتداءات الكثير من الخسائر في أرواح المسلمين على مدى سنوات طويلة ومازالت، كما تعرضت منشآت ومؤسسات إسلامية للاعتداءات والحرق والهدم على أيدي هذه الطوائف.(1/92)
[المبحث الثالث مشكلات الأقليات المسلمة في أوروبا]
المبحث الثالث
مشكلات الأقليات المسلمة في أوروبا الوجود الإسلامي في دول أوروبا يختلف عن مثيله في كل من إفريقيا وآسيا من حيث العدد والظروف المعيشية والمشكلات والتحديات التي يواجهونها، فعدد المسلمين في أوروبا (60) مليون مسلم قليل قياسا إلى القارات الأخرى وقياسا إلى تعداد الشعوب الأوروبية غير المسلمة، كما أن المسلمين في دول أوروبا يتشكلون من عناصر عديدة فهناك المسلمون من السكان الأصليين، وعددهم قليل جدا، وإن كان في تزايد، وهناك المسلمون المهاجرون، فبعضهم أخذ إقامة دائمة وبعضهم يذهب ثم يعود وهكذا، وهناك المسلمون الموجودون بصفة مؤقتة من رجال أعمال وتجار وطلاب وعاملين في الهيئات الدولية. أما من حيث الظروف المعيشية فإن الأقليات الإسلامية في دول أوروبا لا تعاني في الغلب من مشكلات اقتصادية ومعيشية، ولا يشتكي أحد هناك من الفقر والعوز مثل إخوانهم المسلمين في مناطق كثيرة من آسيا وإفريقيا.(1/93)
ومع ذلك فإن الأقليات المسلمة في أوروبا تعاني مشكلات وتحديات تفرضها أولا طبيعة الإقامة في مجتمع الغربة الذي يتكون أكثره من أغلبية غير مسلمة، وثانيا فإن هذه المشكلات والتحديات تفرضها طبيعة الصراع والعداء الذي يواجه المسلمين في تلك المجتمعات، كذلك فإن هناك مشكلات وتحديات تنبع من الوجود الإسلامي نفسه.
وتختلف درجة هذه المشكلة في حدتها من بلد لآخر تبعا للتوجه والأسلوب الذي تلجأ إليه الحكومات إزاء الأقليات المسلمة عندها، وتبعا للمعاملة، وتقبل المجتمع لهذه الأقلية المسلمة، فنجد بعض الدول يعاني المسلمون فيها من العنصرية والقرارات المجحفة التي لا تتصف المسلمين، ونجد دولا أخرى قد أطلقت العنان للمنظمات الإلحادية للنيل من المسلمين، ودولا ثالثة قد أعطت للمسلمين مساحة حرية لممارسة حياتهم وشعائرهم، وهناك من الدول من اعترفت بالوجود الإسلامي، وسمحت للمسلمين بإقامة مؤسساتهم، بل أدرجت الدين الإسلامي مادة دراسية اختيارية في المناهج الحكومية.
وهنا لا ننسى ما عاناه المسلمون في دول أوروبا الشرقية، وهم الذين يشكلون العدد الأكبر من بين الأقليات المسلمة في الغرب، ففي ظل الحكم الشيوعي الذي هوى وسقط حكما ومذهبا، واجه المسلمون تحديات خطيرة، وفرضت عليهم أوضاع لا تمكنهم من إقامة دينهم، وإقامة مؤسساتهم الإسلامية، وقد شهدت تلك الفترة الشيوعية البغيضة إغلاق وهدم العديد من المساجد والمدارس الإسلامية، ومنع المسلمون فيها من إظهار دينهم وشعائرهم، وأجبروا على الانخراط في الحياة الغربية بمادياتها وإباحيتها.
وإذا اعتبرنا الشعوب المسلمة في منطقة البلقان أقلية مسلمة وسط الكثرة النصرانية الغربية بشكل عام، فإن شعب البوسنة والهرسك وشعب كوسوفا وغيرهما من شعوب المنطقة لن ينسوا التاريخ الأسود الذي دونه الصرب النصارى بأعمالهم الإجرامية، وممارساتهم الوحشية ضد المسلمين، فأزهقوا أرواح الآلاف من المسلمين، ونفذوا العديد من المذابح الجماعية ضد الأطفال والشيوخ والنساء، وهدموا القرى والبيوت والمؤسسات التي تخص المسلمين، ومازال شعب البوستة(1/94)
وشعب كوسوفا يضمدان جراحهما، ويلملمان شتاتهما، ويتلقيان العون والمساعدة من الدول الإسلامية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي أسهمت حكومة وشعبا في الجانب الأكبر من إعمار البوسنة والهرسك، وإعادة بناء المؤسسات الإسلامية التي هدمتها الحرب ضد المسلمين هناك.
أما المشكلات والتحديات التي تختص بها الأقليات الإسلامية في أوروبا دون غيرها فيمكن إجمالها على النحو التالي:
العداء التاريخي: لا يمكن عند الحديث عن المشكلات والتحديات التي تواجه الأقليات المسلمة في أوروبا أن نغفل العداء التاريخي الذي لا يزال يكنه الغرب النصراني ضد الإسلام والمسلمين، وحتى لو كان هذا العداء غير ظاهر عند بعض الدول والجماعات والأفراد، فإن المسلمين في دول الغرب يعانون من جراء هذا العداء التاريخي الذي تجدد في العصر الحاضر بأساليب وأسلحة جديدة.
وكما سبق القول فإن إخواننا المسلمين في منطقة البلقان عانوا كثيرا، ودفعوا الثمن باهظا نتيجة الصراع الصليبي الواقع والمعلن في شكل حروب استخدمت فيها أحدث التقنيات العسكرية ضد شعوب لا تملك جيوشا أو أسلحة مماثلة تدافع بها عن نفسها ووجودها.
مشكلات ثقافية: هذه المشكلات تؤرق الأجيال المسلمة في الغرب، خاصة الذين ولدوا ونشأوا في تلك المجتمعات؛ حيث يعاني أبناء الأقليات المسلمة في أوروبا من قلة وندرة التعليم الإسلامي، وضعف المؤسسات التي تتولى هذا الجانب.(1/95)
وقد عانى المسلمون من تغييب شامل للتعليم الإسلامي في ظل الحكومات الشيوعية مثل بلغاريا ورومانيا؛ حيث منع التعليم الديني بقوانين صارمة، ومنعت الكتب الدينية من التداول، ويعد تعلم وتعليم القرآن الكريم من الأمور المحرمة بقوانين هذه الدول.
وتبرز بجلاء مشكلة التعليم الإسلامي بالنسبة لأبناء الأقليات المسلمة في دول الغرب، خاصة بالنسبة للذين ينتمون إلى دول إسلامية وعربية، فهناك تقصير من جانب هذه الأقليات في تعليم أبنائهم باللغة العربية، كما أن عدم توحيد المناهج الإسلامية من الأمور الخطيرة التي تباعد بين هذه الجاليات المسلمة.
ولم يتمكن أبناء الجاليات المسلمة في كثير من المناطق الأوربية من تلقي التعليم الديني الذي يحصنهم ويحميهم من الذوبان بسبب تباعد مسافات وجود هذه الأقليات ونقص المدارس في مناطق معينة، كما أن التعليم المهني من الأمور الملحة التي مازالت تعاني من القصور بسبب حاجة هذه الدول إلى الأيدي العاملة المدربة، والتعليم الفني الذي يرفع من دخل أسر الأقليات ويحسن مستواها.
وهناك مشكلات أخرى ذات علاقة بتعليم أبناء الجاليات المسلمة في المدارس الحكومية، حيث يدرس الدين النصراني لأبناء المسلمين في الدول التي لم تعترف بالأقليات المسلمة، وأما الدول التي اعترفت بالأقليات المسلمة فإن الدين الإسلامي يدرس بالمدارس الحكومية لأبناء المسلمين، وإن كان عدد المدرسين غير كاف.
وفي المدارس الإسلامية نفسها يواجه تدريس الدين الإسلامي - عقيدة وفقها وحديثا وتفسيرا، وغير ذلك - يواجه من صعوبات جمة، تتمثل في المباني التي تخصص لهذه المدارس وعمليات الإدارة والتمويل والتنافس بين الجنسيات الإسلامية المختلفة على إدارة هذه المدارس، فضلا عن ضيق الوقت المخصص، وهو عادة أثناء العطلات الأسبوعية.
الجهل بالإسلام بين مسلمي الغرب: هذه المشكلة لا تقل خطورة عن مثيلاتها، فتباعد الأقليات المسلمة عن الوطن الإسلامي الأم، وقلة اتصالهم به، وكذلك الحياة المادية الصرفة التي تعيشها(1/96)
المجتمعات الغربية، وقلة المؤسسات الإسلامية الدعوية بينهم، كل ذلك وغيره أدى إلى جهل الكثيرين بدينهم، وذوبانهم في المجتمع الغربي، وعدم معرفتهم بالحلال والحرام، أو على الأقل عدم اهتمامهم بهذا الأمر، مما أوقعهم في الكثير من المحظورات والأمور المحرمة، ومن ذلك زواج المسلمات من غير المسلمين، وهذا الأمر جلب على المسلمين مشكلات لا حصر لها.
مشكلات اجتماعية: وهو ما يتعلق بشؤون الأسرة المسلمة من أمور الزواج والحضانة وحقوق أفراد الأسرة المسلمة وفقا لما تقرره الشريعة الإسلامية الغراء.
ومن هذه المشكلات إقبال المسلمين المهاجرين على الزواج من غير المسلمات خوفا من الطرد الذي يتهددهم، وهذا التوجه ينتج عنه مشكلات خطيرة بالنسبة للأقليات المسلمة؛ حيث يتسرب الانحلال إلى الأمة الإسلامية، ويذوب أبناؤها في محيط الأغلبية غير المسلمة، ففي غالب هذه الزيجات ينشأ الأبناء بعيدين عن دينهم، وقد تتولى والدتهم غير المسلمة تربيتهم بالكامل على دينها في غياب الأب وانشغاله بأعماله.
ومن المشكلات الاجتماعية تعرض عائل الأسرة المسلمة لمشكلات أمنية والزج به في السجن، ومثل هؤلاء يتركون أسرهم دون عائل، مما يفتح أمام المنظمات التتصيرية المجال لتقديم المساعدات التي ينفثون من خلالها سمومهم بين الأسر المسلمة.
ضعف الصف الإسلامي: الكثير من المسلمين المهاجرين إلى دول غربية حملوا معهم بعض مآسي(1/97)
مجتمعاتهم من ضعف الانتماء الإسلامي، وقلة الوازع الديني، والانقسامات في الصف الإسلامي، وتعددت في دول أوروبا الهيئات الإسلامية في البلد الواحد، وتنتمي كل جماعة أو هيئة إلى وطنها السابق، ويحدث التعصب والانقسام، وكثيرا ما تظهر هذه الانقسامات والخلافات حتى في الأمور الدينية المتعلقة بالعبادات مثل تحديد بداية ونهاية رمضان والأعياد وغير ذلك.
كما أن وجود الطوائف المنحرفة التي تنتسب إلى الإسلام في دول أوروبا زاد من هوة الخلافات بين المسلمين هناك؛ حيث تعمل هذه الطوائف على تمزيق وحدة الملف الإسلامي في دول الغرب، وتتسبب في الكثير من المشكلات التي شوهت صورة الإسلام في عيون الغربيين أنفسهم، وقد نجم عن هذه المشكلات والعصبية التي تظهرها الطوائف المنحرفة أن أغلقت سلطات الأمن في بعض دول الغرب المساجد التي حدثت فيها خلافات وعراك واستخدام للأسلحة أحيانا.
وقد تغير كثير من جوانب هذه الصورة القاتمة للوجود الإسلامي في دول الغرب، نتيجة الجهود الدعوية التي تقوم بها الدول الإسلامية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي أسهمت بشكل كبير في جمع كلمة الأقليات المسلمة في دول الغرب، ودعمت إنشاء المساجد والمراكز والمؤسسات الدعوية، وأوجدت المرجعية الدينية التي خففت من حدة الخلافات بين المسلمين.
المشكلات السياسية: مثل هذه المشكلات السياسية التي تواجه الأقليات المسلمة في دول الغرب لا تنفصل عن المشكلات الأخرى، فهي إما أن تكون سببا لها، أو نتيجة من نتائجها، ومن هذه المشكلات المعاملة العنصرية التي يعامل بها المسلمون في بعض دول الغرب من قبل حكوماتها التي تصدر العديد من القرارات الظالمة ضد المسلمين، وكثير من هذه الدول لا يعترف بالدين الإسلامي، فتحرم المسلمين من ممارسة أنشطتهم أو من حقهم في الدفاع عن قضاياهم، وكثيرا ما تلصق التهم الباطلة بالمسلمين انطلاقا من الحقد والعنصرية ضد الإسلام وأهله.(1/98)
[المبحث الرابع مشكلات الأقليات المسلمة في الأمريكتين]
المبحث الرابع
مشكلات الأقليات المسلمة في الأمريكتين تتشابه مشكلات الأقليات المسلمة في الأمريكتين مع ما يعانيه المسلمون في دول أوروبا، وإن كان يزيد عليها في الأمريكتين ما يواجهه المسلمون هناك من تحد صهيوني، وتمييز عنصري، ومشكلات أخرى تنبع من داخل الصف الإسلامي من انقسامات وتحزبات.(1/99)
التحدي الصهيوني: وهو من التحديات الكبيرة التي تواجه المسلمين خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا؛ حيث يستغل اليهود إمكاناتهم المادية والإعلامية في تشويه صورة الإسلام والمسلمين هناك، وترسيخ الكثير من الأكاذيب والأضاليل في أذهان شعوب هذه الدول، كما يوظف اليهود جهودهم، ويوجهون أموالهم، ويستغلون مناصبهم ومواقعهم القيادية في خدمة أهداف دولتهم الصهيونية في المنطقة العربية، ويستغلون المواقف والأحداث في مزيد من تشويه صورة العرب والمسلمين هناك.
كما تبذل المنظمات الصهيونية جهودا مستميتة لوقف انتشار الإسلام في تلك المناطق.
احتياجات ثقافية وتعليمية: المسلمون في الأمريكتين في أمس الحاجة إلى نشر التعليم الإسلامي والثقافة الإسلامية بينهم وبين أبنائهم، خاصة الجيل الثاني والثالث الذي ولد ونشأ في تلك المناطق، وخاصة أن المسلمين في هاتين القارتين ينتشرون بشكل عشوائي، فقد يوجدون بكثرة في مناطق معينة، وهؤلاء يجدون مؤسسات إسلامية تخدمهم، وقد يوجدون بأعداد قليلة مبعثرة، ولا توجد مدارس أو مساجد تخدمهم.
ولهذا يعاني كثير من هؤلاء الجهل بالإسلام، وضعف الوازع الديني عندهم، ومجاراة الحياة المادية في تلك المناطق.
وتبذل الكثير من الجهود من داخل هذه الدول، وبدعم من خارجها، للنهوض بالمستوى الثقافي والعلمي بين أبناء الأقليات المسلمة.
ويأتي في مقدمة ذلك ما تقدمه المملكة العربية السعودية من دعم متواصل، ثقافي وتعليمي لأبناء المسلمين في الأمريكتين، ومن ذلك العديد من المساجد والمراكز التي وجه بإنشائها خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله.
والتي أمر ببنائها على حسابه الخاص، وكذلك إنشاء الأكاديمية الإسلامية(1/100)
السعودية في واشنطن، ومعهد العلوم الإسلامية في واشنطن، وغير ذلك من الجهود التي سيأتي تفصيلها في هذا الكتاب.
تحديات من داخل الصف: وهذه هي إحدى السلبيات في مجتمع الأقلية المسلمة في الأمريكتين مثل التعصب للقومية، أو العنصر وهو ما أدى إلى تكوين جماعات وفرق منعزلة عن بقية إخوانهم المسلمين، كما انعكس التعصب المذهبي على أحوال الأقليات المسلمة، وأضر بالعمل الإسلامي هناك، وإن كانت هذه المشكلات قد خفت حدتها في الآونة الأخيرة نتيجة الجهود التي تبذل من الداخل والخارج لتجميع كلمة المسلمين وتأكيد مبدأ الإخوة الإسلامية، وإظهار الإسلام بصورة مشرقة تدحض الأكاذيب التي يروجها أعداء المسلمين. كما يعاني المسلمون وخاصة في قارة أمريكا الجنوبية عددا من المشكلات الأخرى ومنها انتشار الجماعات المناوئة للإسلام مثل جماعة القاديانيين التي تسعى للسيطرة على شؤون المسلمين ومؤسساتهم، وكذلك انخفاض دخل بعض المسلمين في هذه المنطقة، وما يسببه ذلك من عوز وتدن في مستوياتهم المعيشية، ويفتح الباب أمام البعثات التنصيرية للدخول إليهم وإبعادهم عن دينهم تحت ضغط الحاجة، كذلك فإن هذا الأمر يؤدي إلى توجه بعض الأسر المسلمة الفقيرة إلى المتاجرة في المحرمات مثل بيع وشراء الخمر والخنزير وغير ذلك.
وحاجة مثل هذه الأقليات إلى التعليم والمدارس والدعاة والكتب الإسلامية كبيرة وماسة، الأمر الذي يحمل المؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي مسؤولية كبيرة تجاههم.(1/101)
[كلمة خادم الحرمين الشريفين]
لقد أدركت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها أنها مهبط الوحي ومهوى أفئدة المسلمين في كل مكان وملتقاهم في بقاعها المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأدركت أيضا الحقيقة التي يعرفها الجميع من أن الأراضي المقدسة والطرق إليها كانت مرتعا لقطاع الطرق والخارجين على أبسط القواعد والقيم، مما جعل الحج بكل ما له من قدسية تكتنفه الصعوبات والمشاق، ويتعرض فيه الحاج والمعتمر لكل أنواع الأخطار، فجعلت المملكة من أولى مسئولياتها تجاه كل مسلم تيسير سبل العبادة، وتأمين الأمن للحجاج والمعتمرين وتوفيره.
خادم الحرمين الشريفين
فهد بن عبد العزيز آل سعود(1/102)
[الفصل الرابع مجالات دعم المملكة للأقليات المسلمة]
[المبحث الأول دعم في كل المجالات]
الفصل الرابع
مجالات دعم المملكة للأقليات المسلمة(1/103)
المبحث الأول
دعم في كل المجالات إن اهتمام المملكة العربية السعودية بقضايا المسلمين والأقليات المسلمة هو أمر تفرضه عليها مكانتها ورسالتها الإسلامية، انطلاقا من تعاليم الإسلام التي تعتبر التعاون بين المسلمين من أهم الواجبات، وهو مطلب إيماني يدل على فهم الإسلام والتمسك به قولا وعملا.(1/105)
ولقد حث الإسلام على هذا التعاون والتعاضد في قوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر» ، وفي الحديث الآخر: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» ، وقال عليه الصلاة والسلام أيضا: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم» .
ونجد أيضا الحث على الدعم والمناصرة وصية خالدة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته حيث قال: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» ، ومناصرة الظالم كما بينها - عليه الصلاة والسلام - هي الأخذ على يديه، وتجنيب الناس ظلمه، وهذه مناصرة.
فالمناصرة والتعاون والتعاضد أمور مطلوبة في الإسلام في كل وقت، فكيف إذا تعرض المسلمون لظلم فادح؟ وكيف إذا وقعت التجمعات الإسلامية القليلة تحت ظلم واضطهاد الأكثرية غير المسلمة، فسلبت حقوقهم، وانتهكت إنسانيتهم، وضاعت آمالهم في حياة كريمة، هنا تكون المناصرة أشد إلحاحا، وأكثر ضرورة.
لهذا فإن التاريخ يسجل للمملكة العربية السعودية مواقفها العظمية إزاء إخواننا المسلمين في كل مكان؛ حيث دأبت قياداتها المتعاقبة، منذ عهد الملك عبد العزيز - يرحمه الله - على الوقوف إلى جانب المسلمين ودعم قضاياهم، وبذل الإمكانات والجهود في خدمة الإسلام والمسلمين.
ومنذ أن تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - مقاليد الحكم في المملكة، اعتبر خدمة الإسلام من أبرز المهمات كرس لها حياته، ووهب نفسه وماله لدعم قضايا المسلمين، وكل ما فيه مصلحة الإسلام، وانتهج خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - نهجا وسطا في ذلك، قدم به القدوة والمثل للآخرين، متمثلا طريق إمام الدعاة - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.(1/106)
ويوجز خادم الحرمين الشريفين منطلقات المملكة في خدمتها للإسلام والمسلمين فيقول - يحفظه الله: " إن المملكة العربية السعودية هي واحدة من دول أمة الإسلام، هي منهم ولهم ونشأت أساسا لحمل لواء الدعوة إلى الله، ثم شرفها الله بخدمة بيته وحرم نبيه، فزاد بذلك حجم مسؤولياتها، وتزايدت واجباتها، وهي إذ تنفذ تلك الواجبات على الصعيد الدولي تتمثل ما أمر الله به من الدعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتتحسس ما كان يفعله رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - عندما يواجه الشدائد وعظائم الأمور، يستخدم العقل استخدامه للقوة، فالإسلام دين الرحمة والعقل والقوة، يأبى التخريب، ويحارب الغوغاء محاربته للذل والضعف والاسترخاء ".
ومجالات اهتمام المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين كثيرة ورحبة، وتتعدد هذه المجالات وتتسع باتساع المعمورة، ففي كل بقعة شاهد من شواهد هذا العطاء، وفى كل دولة وبين كل تجمع إسلامي علامات تدل على جهود خادم الحرمين الشريفين الذي حرص منذ البداية أن يعطي مجالات خدمة الإسلام والمسلمين كل اهتمامه ورعايته ودعمه المادي الخاص، المجالات رحبة ومتسعة والشواهد كثيرة وعظيمة.(1/107)
[المبحث الثاني عمارة الحرمين الشريفين وخدمة ضيوف الرحمن]
المبحث الثاني
عمارة الحرمين الشريفين وخدمة ضيوف الرحمن حظى هذا الجانب باهتمام ودعم خاص من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - وكان الحرمان الشريفان في مقدمة المساجد التي يفخر الملك فهد بن عبد العزيز بخدمتها منذ أن اختار لنفسه لقب " خادم الحرمين الشريفين ".(1/109)
ففي عهده - أيده الله - تم إنجاز العديد من المشروعات لتطوير المدينتين المقدستين، وإعمار المسجد الحرام والمسجد النبوي، والمشاعر المقدسة، واستفاد من هذه المشروعات المسلمون جميعا، ومنهم الأقليات المسلمة من حجاج ومعتمرين وزوار، وفرت لهم الراحة والرعاية وتأدية مناسكهم في أمن وسكينة. وتعد التوسعة التاريخية لكل من المسجد الحرام والمسجد النبوي التي تمت في عهد خادم الحرمين الشريفين من أكبر التوسعات في تاريخ الحرمين الشريفين، كما أن المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأيضا المشاعر المقدسة شهدت جميعها تطويرا كبيرا يليق بها وبمكانتها.
وقد تم إنفاق أكثر من (72) بليون ريال على هذه المشروعات، وحرص خادم الحرمين الشريفين منذ اللحظة الأولى لبداية هذه المشروعات على متابعتها بنفسه، وقام بالعديد من الزيارات والجولات التفقدية حتى انتهت هذه المشروعات، وهذا الأمر نال استحسان وإشادة الدول والشعوب الإسلامية التي قدرت هذه الجهود لخادم الحرمين الشريفين - أيده الله - مثلما قدرت له أعماله الجليلة في خدمة الإسلام والمسلمين.
وبعد توسعة المسجد الحرام وإضافة مساحة جديده له، أصبحت مساحته الشاملة - بما في ذلك المسجد والسطح والساحات المحيطه به (356. 000) متر مربع، تتسع لحوالي (770) ألف مصل في الأيام العادية وتصل الطاقة الاستيعابية في وقت الذروة إلى أكثر من مليون مصل.
أما المسجد النبوي الشريف الذي وضع خادم الحرمين الشريفين الأساس لتوسعته التاريخية في شهر صفر عام 1405هـ (29 أكتوبر 1985م) ، فقد أضافت هذه التوسعة إلى المسجد مبنى جديدا يحيط ويتصل به من الشمال والشرق والغرب بمساحة (82) ، ألف متر مربع، تستوعب (137) ألف مصل، وبذلك أصبحت المساحة الإجمالية بما فيها مبنى المسجد والأسطح والساحات الخارجية (301) ألف متر مربع تستوعب ما يزيد عن (730) ألف مصل، وقد يزيد العدد عن مليون مصل(1/110)
في أوقات الذروة " الحج والعمرة ورمضان "، وقد كانت طاقة المسجد في السابق لا تستوعب أكثر من (30) ، ألف مصل.
وشملت المشروعات التي تمت في عهد خادم الحرمين الشريفين المشاعر المقدسة من بناء الجسور، وشق الأنفاق، وزيادة المساحات المسطحة، واستخدام الخيام الجديدة غير القابلة للاشتعال، وتوفير مياه الشرب، ومياه الاستخدام الشخصي للحجاج والمعتمرين، وتوسعة منطقة الجمرات بما يقضي على التكدس، ويخفف الزحام، وكذلك إعمار وإعادة بناء مساجد المواقيب والمشاعر.
لقد أصبح الحج والعمرة في هذا العهد الميمون سهلا ميسورا آمنا مريحا، يعود منه الحجاج والمعتمرون إلى بلدانهم فرحين أولا بما يسر لهم الله عز وجل من أداء المناسك، ومقدرين لخادم الحرمين الشريفين هذه الجهود الطيبة التي يبتغي بها وجه الله، ومشيدين بهذه المشروعات والتطورات التي يرون كل عام جانبا جديدا منها.
خادم الحرمين الشريفين واستضافته للحجاج: إن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - يعايش منذ تسلمه مقاليد الحكم - وحتى قبل ذلك بكثير - هموم أمته، ويدرك ما يعانيه المسلمون الذين يعيشون كأقليات في دولهم من صعوبات معيشية وتضييق واضطهاد، ومنعهم من أداء عباداتهم وشعائرهم من(1/111)
هناك كانت مبادراته الخيرة والمتتالية في استضافة أعداد من مسلمي الأقليات لأداء مناسك الحج على حسابه الخاص - أيده الله - واستفاد من هذه المكرمات المسلمون في الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى، وفي ألبانيا، والبوسنة والهرسك، وكوسوفا، والصين، ودول كثيرة من قارة آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية ممن منعتهم ظروفهم السياسية أو المعيشية من أداء مناسك الحج والعمرة.
وقد قدر العالم الإسلامي والمسلمون لخادم الحرمين الشريفين هذه المبادرات الطيبة،
وحفظوا له هذه المكرمات، وأشادوا بجهوده وبذله وعطائه - يحفظه الله. وفي كل مرة يعبر هؤلاء الحجاج من الأقليات المسلمة عن امتنانهم وشكرهم لراعي شؤون المسلمين - أيده الله - ويعودون إلى بلدانهم وألسنتهم تلهج بالدعاء أن يحفظ لهذه البلاد وللمسلمين جميعا خادم الحرمين الشريفين.(1/112)
[المبحث الثالث المساجد والمراكز الإسلامية والثقافية]
المبحث الثالث
المساجد والمراكز الإسلامية والثقافية لأن المملكة العربية السعودية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين - يحفظهما الله - جعلت من خدمة الإسلام والمسلمين ركنا أساسيا في سياستها وتوجهها، فقد وجهت المملكة جانبا كبيرا من جهودها لإقامة المساجد والمراكز الإسلامية في أنحاء العالم.(1/113)
وزاد الاهتمام بهذا الجانب في عهد خادم الحرمين الشريفين، الذي امتدت رعايته ببيوت الله إلى كل ركن من العالم، وبأوامر سامية منه - يحفظه الله - وبتبرع من ماله الخاص، انتشرت المساجد والمراكز الإسلامية في دول العالم، وبلغ عدد هذه المساجد والمراكز التي قامت المملكة ببنائها أو أسهمت في إنشائها أكثر من (1750) ، مسجدا ومركزا إسلاميا، استفادت منها الأقليات المسلمة أينما وجدت، وبلغ ما تم صرفه على هذه المنشآت (77) ألف مليون ريال من ميزانية المملكة، ومن الأموال الخاصة لخادم الحرمين الشريفين، ومن بذل وعطاء أبناء هذا البلد الكريم.
وقد استمرت هذه المساجد والمراكز الإسلامية تؤدي دورها، وتنهض برسالتها بين الأقليات المسلمة - بفضل الله أولا - ثم بفضل دعم ورعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز لبيوت الله إنشاء وإعمارا ودعما ماليا ودعويا.
وتمكن المسلمون في ظل وجود هذه المنشآت الإسلامية من أداء عباداتهم، وإظهار شعائرهم، وتلقي علوم دينهم، والحفاظ على هويتهم.
وأصبحت هذه المساجد والمراكز الإسلامية في دول الغرب وفي أمريكا وكندا وكثير من دول أمريكا اللاتينية ودول آسيا ودول إفريقيا أصبحت معالم إسلامية ومنارات هدى، تشهد بالدور السعودي في خدمة الإسلام والمسلمين، وتدل على حرص خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - على إقامة مثل هذه الصروح الإسلامية العملاقة لتظل حاملة لمشاعل الحضارة الإسلامية، وامتدادا للتواصل بين الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم، ودعما للوجود الإسلامي في تلك الدول الذي هو في الأصل امتداد طبيعي للعالم الإسلامي.
ولا يخفى على أحد أن وجود الأقليات المسلمة بين أكثرية غير مسلمة يهددها بالذوبان، أو الانصراف عن الإسلام، إما نتيجة الجهل(1/114)
أو نتيجة الضغوط التي يتعرضون لها، لهذا فإن إقامة المساجد والمراكز الإسلامية والمؤسسات التعليمية وسط هذه الأقليات المسلمة يسهم بشكل كبير في إنقاذ هذه الأقليات من الذوبان في مجتمعات الغربة. ولأن المساجد والمراكز الإسلامية التي قامت المملكة ببنائها وأمر خادم الحرمين الشريفين بإنشائها على حسابه الخاص عددها كبير - كما أسلفنا - فإنه يصبح من الصعب حصر كل هذه الأعمال الجليلة، وإنما سنعرض لنماذج منها كعلامات مضيئة، وشواهد حضارية:
المركز الثقافي الإسلامي في مدريد بأسبانيا: وهو يعد أكبر المراكز الإسلامية في العالم، وقد تبرع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله بنفقات بنائه التي بلغت (20) مليون دولار، وقد قام بافتتاح المركز في 14 / 3 / 1413 هـ (21 / 9 / 1992 م) صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، بحضور ملك أسبانيا خوان كارلوس.
ويخدم المركز الجالية المسلمة في المنطقة البالغ عددها (250) ألف مسلم، وألحق بالمسجد مدرسة إسلامية تشمل المراحل التمهيدية والابتدائية والمتوسطة، كما يوجد بالمركز معمل للغات، وقاعة كبيرة للمحاضرات والندوات.
مسجد الملك فهد في لوس أنجلوس: هذا المسجد ينفرد عن غيره من مساجد أمريكا الشمالية بأنه أقيم بدعم سعودي كامل؛ حيث قدم صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء مبلغ مليون(1/115)
وخمسة وعشرين ألف دولار قيمة الأرض والرسوم والمخططات الأولية، ثم تكفل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - بتكاليف المشروع كاملة والتي بلغت ثمانية ملايين ومائة ألف دولار.
وقد قام صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز بافتتاح المسجد وملحقاته في الثالث من شهر ربيع الأول 1419هـ (17 / 7 / 1998 م) .
ويخدم المسجد أكثر من (250) ألف مسلم في مدينة لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية.
المسجد والمركز الإسلامي في أدنبره: تكفل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - بقيمة 90% من تكلفة المسجد والمركز الإسلامي في أدنبره عاصمة اسكتلندا.
وقد قام صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن فهد عبد العزيز بافتتاح المشروع، بحضور معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وكوكبة من أهل العلم والدعوة، ورجالات الدولة السعودية والدولة المضيفة.
وقد حققت إقامة المسجد الكبير والمركز الإسلامي في أدنبره أحلام عشرة آلاف مسلم، ظلوا سنوات طويلة يحلمون بإقامة مثل هذا المشروع الإسلامي الذي يعينهم - بإذن الله - على إقامة دينهم والحفاظ على هويتهم.
مسجد ومركز خادم الحرمين الشريفين في سراييفو: دعم المملكة العربية السعودية لشعب البوسنة والهرسك لم يتوقف عند حد، سواء قبل الأحداث التي تعرض لها هذا الشعب المسلم بعدها، بل إن المآسي التي تعرض لها الشعب الشقيق على أيدي الصرب المعتدين، جعل المملكة تبادر إلى تقديم الدعم المعنوي والمادي(1/116)
اللازمين للتخفيف من معاناتهم، وتحملت المملكة - بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين - مسؤولياتها تجاه هذا الشعب المسلم المعتدى عليه، فنهضت بواجبها في إعمار البوسنة والهرسك، ومن ذلك إقامة المساجد وإعادة بناء ما تهدم منها نتيجة الحرب.
ويأتي مسجد ومركز خادم الحرمين الشريفين كأحد هذه المساجد، حيث يتربع المسجد الكبير الذي تكفل خادم الحرمين الشريفين ببنائه على حسابه الخاص، وتكلف المشروع (45) مليون ريال، وقد قام صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض بوضع حجر الأساس للمسجد في 26 / 12 / 1418 هـ (24 / 4 / 1998) ، ثم قام سموه بافتتاحه بعد ذلك.
المركز الإسلامي في مدينة " إفري " الفرنسية: وهو أحد الصروح الإسلامية العملاقة بالعاصمة الفرنسية، وقد تكفل ببنائه خادم الحرمين الشريفين، وتكلف المشروع (35) خمسة وثلاثين مليون فرنك فرنسي.
والمشروع ظل متوقفا لأسباب مادية منذ عام 1979م حتى علم خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - بقصته، فأمد المشروع بالمال اللازم لإقامته.
وقد استفاد من المشروع أكثر من (50) ألف مسلم، يسكنون في مدينة " إفري " التي تبعد عن العاصمة باريس (25) كيلومترا. ومن المساجد التي وجه خادم الحرمين الشريفين ببنائها أيضا، إما بتبرع شخصي منه - حفظه(1/117)
الله - أو من ميزانية الدولة، المسجد الإسلامي في روما، وقد تكلف (25) مليون ريال، وتم افتتاحه عام 1414هـ، ويخدم نحو (60) ألف مسلم يقيمون في العاصمة الإيطالية.
وكذلك جامع خادم الحرمين الشريفين بجبل طارق الذي أقيم على نفقة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - بتكلفة بلغت (30) مليون ريال، وافتتح هذا الجامع في 5 ربيع الآخر 1418هـ (8 / 8 / 1997 م) .
مساجد ومراكز أخرى: وامتدت الأيادي البيضاء لخادم الحرمين الشريفين لتشمل عددا كبيرا من المساجد والمراكز الإسلامية الأخرى، منها:
*المركز الإسلامي في بيونس آيرس بالأرجنتين. *مسجد الملك فهد في مدينة اليانوفيك بروسيا.
*مسجد مدينة ليو بفرنسا.
*مسجد الملك فهد في ماكوك الإفريقية.
*تبرع خادم الحرمين الشريفين للجامع الأزهر بمبلغ عشرة ملايين من أجل ترميمه وإنقاذ مبناه.(1/118)
[المبحث الرابع خدمة القرآن الكريم والسنة النبوية]
المبحث الرابع
خدمة القرآن الكريم والسنة النبوية استفاد المسلمون والأقليات المسلمة كثيرا من جهود المملكة في هذا الجانب، ومنذ بداية عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وجه - حفظه الله - اهتماما خاصا بكتاب الله، بما يليق بمكانته، ويعين على حفظه وتلاوته، كما اعتنت مؤسسات كثيرة داخل المملكة بكتاب الله ورعايته. وبتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين يتولى مجمع الملك فهد لطباعة المصحف - بإشراف من وزارة الشؤون الإسلامية - طباعة المصحف وتوزيعه داخل المملكة وخارجها.(1/119)
وقد حظيت المسابقة الدولية للقرآن الكريم باهتمام وعناية من خادم الحرمين الشريفين، وهي المسابقة التي أصبحت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد منذ إنشائها في عهد خادم الحرمين الشريفين، تتولى تنظيمها وتوزيع جوائزها في حفل سنوي كبير يقام تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، كما أن إذاعة القرآن الكريم توجه اهتمامها وبرامجها للعالم الإسلامي، ومن ثم كنقد استفاد أبناء الأقليات المسلمة من برامج هذه الإذاعة التي تذيع تلاوات القرآن الكريم بأصوات مشاهير القراء من داخل المملكة وخارجها، وتذيع أيضا علوم القرآن والسنة النبوية ضمن برامجها الدينية المختلفة.
هذا وإن مجالات خدمة القرآن الكريم التي عنيت بها المملكة بتوجيه ودعم من خادم الحرمين الشريفين، واستفادت منها الأقليات المسلمة في شتى البقاع يمكن أن نحصر جوانب منها في السطور التالية: طباعة المصحف الشريف: في شهر صفر عام 1405هـ (نوفمبر 1984م) قام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - بافتتاح مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، والذي يعد أول صرح إسلامي في العالم يخصص لخدمة القرآن الكريم بشكل متكامل.
ويقوم المجمع الذي شيد على مساحة (250) ألف متر مربع بعدد من النشاطات التي تتفق مع أهدافه، وهي العناية بطباعة ونشر القرآن الكريم وصيانته من التحريف أو من الأخطاء، وتغطية حاجة المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف والمساجد والجامعات والمدارس وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم من المصاحف والترجمات والتسجيلات، وكذلك تغطية حاجة العالم الإسلامي من إصدارات المجمع المقروءة والمسموعة، وخدمة السنة والسيرة النبوية، وإجراء البحوث العلمية التي تخدم القرآن الكريم والسنة وعلومهما.
كما يتولى المجمع إنتاج تراجم تفاسير القرآن الكريم بلغات الدول(1/120)
الإسلامية، ولغات العالم الحية، كما يقوم المجمع أيضا بتسجيل القرآن الكريم على أشرطة كاسيت صوتية لمشاهير القراء.
وقد أدى مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف خدمة عظيمة في مجال طباعة المصحف الشريف وتسجيله وتوزيعه على العالم الإسلامي والأقليات المسلمة.
توزيع المصحف على الأقليات المسلمة: وبناء على توجيهات خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - القاضية بنشر كتاب الله الشريف ومختلف إصداراته، وإيصاله لأيدي المسلمين في العالم، وخاصة الأقليات المسلمة، فقد تولت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد توزيع المصحف الشريف وإصداراته على أكثر من (80) دولة بما فيها مناطق التجمعات الإسلامية، وأهدت المملكة الملايين من النسخ للمساجد والمراكز الإسلامية في العالم، وكذلك المدارس والأكاديميات الإسلامية التي تخدم أبناء الأقليات المسلمة، وكان في مقدمة من استفاد من هذه المصاحف مسلمو الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى الذين عانوا كثيرا من حرمانهم من كتاب ربهم في ظل الحكم الشيوعي، وقد استفاد هؤلاء من أكثر من مليوني نسخة من القرآن الكريم، وكانت بالنسبة لهم أعظم الهدايا التي عبروا فيها عن شكرهم وامتنانهم للمملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - وقد بلغ ما تم توزيعه من المصحف الشريف الذي ينتجه المجمع نحو (160) مليون نسخة، كما بلغ عدد الإصدارات من إنتاج المجمع التي تم توزيعها أكثر من مائة مليون نسخة باللغات المختلفة.(1/121)
وتوزيع المصحف الشريف لم يقتصر على الأقليات المسلمة في أماكن وجودها، بل كل حاج مسلم أو معتمر يأتي إلى الأراضي المقدسة يقدم إليه مصحف الملك فهد هدية من خادم الحرمين الشريفين، الأمر الذي تكتمل به فرحة كل حاج أدى مناسك الحج والعمرة.
وبين يوم وآخر نسمع ونطالع توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - بتوزيع كميات كبيرة من المصحف الشريف على الأقليات المسلمة والمساجد والمراكز الإسلامية التي تخدمها.
مسابقات القرآن الكريم في خدمة الأقليات المسلمة: ويأتي ضمن الاهتمام والعناية التي يوليها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بالأقليات المسلمة وبأبناء المسلمين في كل مكان إقامة المسابقة الدولية للقرآن الكريم، التي أصبحت تعرف باسم مسابقة الملك عبد العزيز الدولية، تخليدا لذكرى الملك المؤسس الذي أولى كتاب الله اهتمامه الكبير.
وقد حققت المسابقة منذ إقامتها عام 1399هـ (1979م) أهدافها التي من بينها إتاحة الفرصة أمام الشباب المسلم من جميع بقاع الأرض، للمشاركة في هذه المسابقة الدولية؛ حيث شارك فيها طوال سنوات انعقادها أبناء المسلمين من الدول الإسلامية، وكذلك أبناء الأقليات المسلمة في أوروبا والأمريكتين وآسيا وإفريقيا واستراليا وجزر البحر الكاريبي وجزر الهند الغربية.
ومنذ إنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، تولت الوزارة الإشراف على هذه المسابقة والإعداد لها، كما تتولى الوزارة أيضا الإعداد والإشراف على مسابقات القرآن الكريم المحلية.
وإلى جانب ذلك، دعمت المملكة مسابقات القرآن الكريم التي تعقد في الدول الإسلامية، وشجعتها، وأرسلت أبناء المملكة للمشاركة فيها.
وإن مما يثلج الصدور أن نرى أبناء المسلمين - ومنهم العرب والعجم - يجتمعون كل عام في مكة المكرمة، شباب عمرت قلوبهم بالإيمان، وأشرقت وجوههم بنور القرآن، وبعضهم صبية في عمر الزهور، يحفظون كامل(1/122)
القرآن، ويرتلونه بصوت جميل، وقد تكون لغتهم ليست العربية، لكن الإسلام دينهم، والقرآن كتابهم، وما أجمل شعور الشباب المسلم وشعور من حولهم وشعور من يحيطونهم بالرعاية والاهتمام أن يجدوا هؤلاء الشباب المسلمين الذين لم تفرق بينهم لغة ولا لون ولا جنسية، يجتمعون حول كتاب الله، يقرءونه ويتسابقون في حفظه وتلاوته، وتجميل أصواتهم بكلماته المنزلة.
وهذا كله بفضل الله سبحانه وتعالى وتوفيقه أولا، ثم دعم وجهود هذه البلاد الطاهرة، وقيادتها الرشيدة لهذا الجانب، وهو ما كان سببا لظهور هذه الصورة الإسلامية والإيمانية المشرقة التي تثلج قلب كل مؤمن، فالحمد لله على فضله ومنه.
إذاعة القرآن الكريم بالمملكة: وأضافت المملكة العربية السعودية عملا جليلا إلى سجل الأعمال الخالدة عندما اهتمت بإنشاء إذاعة للقرآن الكريم، يبث من خلالها إلى العالم أجمع القراءات والتلاوات بصوت مشاهير القراء من داخل المملكة وخارجها، وكذلك يتابع المستمعون لهذه الإذاعة من أبناء المسلمين والأقليات المسلمة برامج تفسير القرآن وعلومه والأحاديث النبوية وسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفتاوى العلماء، وغير ذلك من علوم الدين الحنيف.
وتحظى إذاعة القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية بدعم خاص من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، واستطاعت الإذاعة بفضل هذا الدعم المتواصل أن توصل إرسالها إلى مناطق نائية حتى يتمكن كل مسلم من متابعة برامجها.
وتحولت إذاعة القرآن الكريم إلى جامعة على الهواء، يتلقى أبناء الأقليات المسلمة وخاصة الذين يعرفون اللغة العربية، علومهم الإسلامية من خلالها،(1/123)
ويتعلمون منها أحكام التلاوة على يد مشاهير القراء، كما يتلقون من خلال هذه الإذاعة علوم الفقه والفتاوى التي تهمهم في حياتهم المعاصرة.
كلية القرآن الكريم ومركز السنة: وتضم الجامعة الإسلامية التي سيأتي الحديث عنها في مكانه، كلية خاصة تخدم القرآن الكريم، وتعلم الطلاب علومه، مع حفظه وتلاوته. ويشرف هذه الكلية أنها تحمل اسم " كلية القرآن الكريم "، وقد اختير لها مهاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - " طيبة الطيبة " كي يكون مكانا لطلابها، يتحلقون فيه حول مشايخهم وعلمائهم الذين يربونهم على مائدة القرآن الكريم.
وقد استفاد من هذه الكلية كثير من أبناء الأقليات المسلمة الذين يدرسون بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وهي جامعة سعودية، لكنها من حيث نسبة طلاب العالم الإسلامي الذين يدرسون بها جامعة عالمية، كما تضم الجامعة مركزا للسيرة والسنة النبوية، يقوم على خدمة هذا الجانب بالتعاون مع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة.(1/124)
[المبحث الخامس نشر العلم والتعليم بين الأقليات المسلمة]
المبحث الخامس
نشر العلم والتعليم بين الأقليات المسلمة أعطى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - هذا الجانب اهتمامه ورعايته وحرص - أيده الله - على نشر العلم بين الأقليات المسلمة بكافة السبل والوسائل، وذلك إيمانا منه بما تحتاجه هذه الأقليات من وسائل تنهض بمستواها، وتوفر لها الحياة الكريمة، وفي مقدمة هذه الوسائل العلم والمعرفة، ولا ينكر أحد مدى حاجة المسلمين إلى العلم ومؤسساته، ليس فقط العلم الشرعي، وإنما العلوم الطبيعية والمهارات التقنية.(1/125)
وجهود خادم الحرمين الشريفين في هذا المجال عظيمة، فقد اهتم - أيده الله - ودعم على حسابه الخاص إنشاء العديد من المدارس والأكاديميات الإسلامية، وكذلك الكراسي العلمية في الجامعات العلمية، كما ألحقت بالمساجد والمراكز الإسلامية في دول الأقليات المسلمة الكثير من حلقات القرآن الكريم التي تربط الناشئة المسلمين بكتاب ربهم، وتعلمهم علوم دينهم. ومنحت المملكة - بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين - العديد من المنح الدراسية لأبناء الأقليات المسلمة ليدرسوا في الجامعات السعودية، بل وفي الجامعات العربية والأوروبية والأمريكية في التخصصات العلمية التي يحتاجها المسلمون.
وخصصت الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة 85% من القبول للطلاب المسلمين من العالم أجمع.
ونستعرض فيما يلي هذه الجهود الخيرة لخادم الحرمين الشريفين في مجال تعليم أبناء المسلمين، ومنهم الأقليات المسلمة:
مدارس ومعاهد إسلامية: تنوعت إسهامات المملكة العربية السعودية في هذا المجال، وأنشأت العديد من المدارس والمعاهد، ووفرت ما تحتاجه هذه المؤسسات التعليمية من كتب ومقررات دراسية ومدرسين، وبلغ عدد المدارس التي أنشأتها أو تشرف عليها المملكة في العالم الإسلامي أكثر من (1960) مدرسة، كما بلغ عدد المعاهد (202) معهد، منتشرة في مختلف أنحاء العالم، ومن هذه المدارس والمعاهد:
*المعهد الإسلامي في مدينة لوغا بالسنغال، تكلف عشرة ملايين ريال.
*المعهد الإسلامي في مدينة تيفا وان بالسنغال، ويجاور المركز الإسلامي في المدينة، وقد تكلف المعهد (250, 11) ، مليون ريال.
* معهد المعلمين في كيبولي بأوغندا، وتكلف عشرة ملايين ريال.
*معهد الملك فيصل في بنجلاديش.
*معهد تدريب المعلمين في تمبكتو بجمهورية مالي.
*معهد تعليم اللغة العربية في اليابان، وقد أنشئ عام 1401هـ، وبلغت(1/126)
تكاليفه (27) مليون ريال.
*معهد تعليم اللغة العربية في أندونيسيا.
معاهد ودراسات تاريخية بالجامعات الغربية:
كما أسهمت المملكة العربية السعودية في تأسيس كثير من المعاهد ومراكز البحوث التي تهتم بالدراسات التاريخية والعلوم العربية الإسلامية، سواء كانت معاهد متخصصة أو مراكز تابعة لجامعة من الجامعات، ومن هذه المعاهد:
*معهد العالم العربي في باريس، أسهمت المملكة بمبلغ (18. 750) مليون ريال، وتلتزم بنسبة 14% من ميزانيته السنوية.
*معهد الشرق الأوسط بواشنطن، قدمت المملكة للمعهد مبلغ (123) ألف ريال.
*معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، تابع لجامعة فرانكفورت بألمانيا، وأسهمت المملكة في إنشائه بمبلغ (15) مليون ريال.
*مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة جون هوبكنز الأمريكية، تدعمه المملكة سنويا بمبلغ (375) ألف ريال.
*مركز أكاديمي للدراسات الإسلامية والدراسات المتعلقة بجزيرة العرب بجامعة ديوك في ولاية كارولينا الشمالية بأمريكا، دعمته المملكة بمبلغ (560) ألف ريال.
*مركز الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة شو بالولايات المتحدة الأمريكية، وتكلف مبلغ (75. 3) مليون ريال.
*مركز دراسات إسلامية وعربية بجامعة هوارد بواشنطن، وقد تكلف (4. 5) مليون ريال.
*مركز الطاقة والتنمية الاقتصادية بجامعة كولورادو الأمريكية: (350) ألف ريال.(1/127)
*مركز الدراسات الإسلامية العالمية في ماليزيا، أسهمت المملكة فيه بمبلغ (3) ملايين ريال.
الكراسي العلمية في الجامعات الغربية: وخدمة للعلم والمعرفة، وزيادة في التواصل بين الحضارات، وإسهاما في تعريف العالم بالإسلام الصحيح وتاريخه الناصع، حرصت المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - على إنشاء عدد من الكراسي العلمية في جملة من الجامعات الغربية الشهيرة.
وقد هدفت المملكة من إنشاء هذه الكراسي إلى الاستفادة من الزخم العلمي بهذه الجامعات خدمة للإسلام والدراسات الإسلامية، ومن هذه الجامعات:
* كرسي الملك فهد بجامعة هارفارد: وجامعة هارفارد من أكبر الجامعات في العالم التي تنشط فيها حركة البحوث العلمية.
أنشئ هذا الكرسي عام 1413هـ (1993م) بمبلغ خمسة ملايين ريال.
* كرسي الملك فهد في جامعة لندن: تأسس هذا الكرسي عام 1415هـ (1995م) بمنحة قدرها مليون جنيه استرليني؛ حيث يسهم الكرسي في القيام بدور تعريفي وشرح العقيدة الإسلامية ودورها في ترسيخ القيم والمبادئ الفاضلة في المجتمعات.
* كرسي الملك عبد العزيز بجامعة كاليفورنيا: وقد أنشئ عام 1404هـ 1984م، بهدف تشجيع البحث العلمي لصالح الإسلام وقضاياه.
* كرسي خادم الحرمين الشريفين بجامعة الخليج: يأتي إنشاء هذا الكرسي استمرارا لدور خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في نشر التعليم، والمساهمة في بناء مؤسساته في العالم الإسلامي. وإلى جانب كرسي خادم الحرمين الشريفين بجامعة الخليج بالبحرين أمر - حفظه الله - بتمويل كرسي جامعي آخر لأستاذ مقيم في كلية الطب والعلوم الطبيعية لإتاحة الفرصة للدارسين والباحثين والطلاب للنهل(1/128)
من هذه الجامعة المهمة.
كرسي الأمير نايف في جامعة موسكو: هذا الكرسي أنشئ في عام 1416هـ (1995م) ، ويستفيد منه أكثر من (20) مليون مسلم في روسيا، وقد جاء اختيار جامعة موسكو امتدادا للمراكز السابقة التي أقيمت في جامعات أوروبا، وأيضا لأن الإسلام يعتبر الديانة الثانية في روسيا، ويشكل هذا الكرسي العلمي منبر إشعاع جديد لنشر الإسلام والتعريف بمبادئه ومقاصده السامية.
الأكاديميات الإسلامية السعودية: لقد ظل إنشاء المؤسسات التعليمية التي تخدم أبناء الجاليات الإسلامية في دول الغرب وأمريكا في نطاق اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بما يؤكد حرصه - حفظه الله - بالناشئة من المسلمين، وتوفير التعليم الإسلامي لهم، وحمايتهم من الذوبان في المجتمعات غير الإسلامية، وتنشئتهم في جو تربوي إسلامي.
ومن هنا جاءت توجيهات خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - بإنشاء عدد من الأكاديميات الإسلامية التي أقيمت بدعم خاص وعلى حساب خادم الحرمين الشريفين - أيده الله.
ومن أبرز هذه الأكاديميات:
* أكاديمية الملك فهد في لندن: وقد تأسست في شهر ذي الحجة عام 1405هـ (سبتمبر عام 1985م) ، وتقدم خدماتها لأبناء الجالية السعودية والجاليات العربية والإسلامية في بريطانيا، حيث يدرس بالأكاديمية حاليا أكثر من ألفي طالب وطالبة في مراحل التعليم المختلفة: التمهيدي، والابتدائي، والمتوسط، والثانوي، وتدرس الأكاديمية العلوم الإسلامية إلى جانب المناهج الدراسية المطبقة في بريطانيا، وتعترف بشهادة الأكاديمية جميع دول العالم.
الأكاديمية الإسلامية في واشنطن: تأسست عام 1404هـ (1984م) ، وهي إحدى الصروح العلمية في أمريكا،(1/129)
وقد تبوأت مركزا كبيرا بين جميع المدارس الخاصة في شمال فرجينيا، وتضم بين جنباتها أكثر من ألفي طالب وطالبة في المراحل الدراسية المختلفة من بينهم (600) طالب سعودي، والباقون ينتمون إلى (29) دولة أخرى.
وقد بلغت تكاليف إنشاء هذه الأكاديمية والصرف عليها خلال عشر سنوات فقط أكثر من (99) مليون ريال.
أكاديمية الملك فهد في بون: تأسست عام 1415هـ (1995م) على نفقة خادم الحرمين الشريفين، وبلغت التكلفة الإجمالية للأكاديمية نحو (30) مليون مارك ألماني، أي ما يعادل (76. 5) مليون ريال، وقد بلغ عدد الطلاب حتى الآن أكثر من (600) طالب وطالبة، ويضم مبنى الأكاديمية مسجدا يتسع لحوالي (700) مصل.
* أكاديمية الملك فهد في موسكو: وهي من الأكاديميات التعليمية المهمة في روسيا، وقد استفاد منها عدد كبير من أبناء الأقليات المسلمة هناك، وتؤمن الأكاديمية جميع الوسائل اللازمة لتعليم اللغات العربية والروسية والإنجليزية، وتسهم الأكاديمية إلى جانب دورها التعليمي في نشر الثقافة الإسلامية والعربية في أوساط الشعوب الروسية، وذلك من خلال الدورات المتعددة التي تعقدها في اللغة العربية والدراسات الإسلامية، ويزيد عدد فصول الأكاديمية على (25) فصلا، وتضم أكثر من (300) طالب وطالبة.
* أكاديمية بيهاتش الإسلامية: يعد هذا الصرح العلمي من أحدث الصروح التي أقامتها المملكة في أوروبا، وقد أقيم في مدينة بيهاتش بجمهورية البوسنة والهرسك بعد توقف الحرب الظالمة التي تعرض لها شعب البوسنة والهرسك، مما احتاج معه إلى إعادة بناء المؤسسات التعليمية، ووضع هذا البلد المسلم على طريق العودة إلى هويته الإسلامية، وتأكيدها من جديد.
وقد بلغت تكاليف الأكاديمية أكثر من خمسة ملايين ريال.
والأكاديمية هي إحدى مشاريع الهيئة العليا لمساعدة مسلمي البوسنة والهرسك، وقد سميت الأكاديمية مؤخرا " أكاديمية الأمير سلمان " الذي قام(1/130)
سموه بافتتاحها ضمن مشروعات الهيئة.
دعم الجامعات العربية والإسلامية: وقد امتدت عناية المملكة العربية السعودية بالعلم ومؤسساته لتشمل الجامعات في العالمين العربي والإسلامي؛ حيث قدمت المملكة لهذه الجامعات دعما كبيرا، خاصة تلك المتخصصة في الدراسات الإسلامية والعربية، وقد استفاد أبناء الأقليات الإسلامية الذين يدرسون في هذه الجامعات بشكل غير مباشر من جهود المملكة في هذا الجانب.
ومن هذه الجامعات التي تدعمها المملكة، الجامعة الإسلامية في ماليزيا، والجامعة الإسلامية في أوغندا، وجامعات فلسطين، وجامعة قسطنطينة الإسلامية في الجزائر، والجامعة الإسلامية في بنجلاديش، والجامعة الإسلامية في باكستان، وجامعة أم درمان الإسلامية في السودان، ودار الحديث الحسنية في المغرب، وكلية الزهراء في سيرلانكا، والكلية الزيتونية في تونس.
وأكثر هذه الجامعات أنشئت في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي التي تحتضنها المملكة العربية السعودية، وتدفع جزءا كبيرا من ميزانيتها التي توجه لخدمة المسلمين والأقليات المسلمة.
كما تتحمل حكومة المملكة بشكل مباشر نفقات المدرسين وأعضاء هيئة التدريس في هذه الجامعات.
منح دراسية لأبناء الأقليات المسلمة: وفي إطار اهتمام المملكة العربية السعودية بالشباب الإسلامي، وتحصلينه بالعلم والعقيدة الصحيحة، وبتوجيه من خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - تخصص المملكة العربية السعودية سنويا عددا كبيرا من المنح الدراسية والتدريبية للطلاب المسلمين، كما تولي عناية خاصة بالطلاب النابغين الذين لم تتيسر لهم السبل لمواصلة تعليمهم في بلادهم.
وقد وفرت المملكة في جامعاتها ومعاهدها العديد من الفرص أمام أبناء المسلمين للنهل من معين العلم والمعرفة.
وتأتي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في مقدمة الجامعات السعودية(1/131)
من حيث قدرتها على استيعاب الطلاب المسلمين، حيث يوفر لها نظامها مرونة كافية لقبول أكبر عدد منهم، وخصصت الجامعة لهؤلاء الطلاب نسبة 85% من مقاعد الدراسة لطلاب المنح من الدول الإسلامية والعربية الشقيقة، ويبلغ عدد طلابها أكثر من (3290) طالبا، ينتمون إلى (121) بلدا وجالية إسلامية في العالم، كما بلغ عدد خريجي الجامعة منذ الدفعة الأولى حتى العام الدراسي 1418هـ أكثر من (12) ألف خريج، ومنحت الجامعة درجة الدكتوراه والماجستير لنحو (857) طالبا، ينتمون إلى (58) دولة في مختلف أرجاء العالم. كما أن الجامعات السعودية الأخرى تخصص نسبا معينة لصالح الطلاب المسلمين من أبناء الأقليات المسلمة، ويستفيد هؤلاء أيضا من المعاهد المتخصصة في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، التي أنشئت في الأصل لتعليم أبناء المسلمين من غير العرب، وتستقبل كليات العلوم الإدارية والفنية وكليات البنات أعدادا من أبناء المسلمين وبناتهم.
بالإضافة إلى ذلك تتحمل المملكة العربية السعودية تكاليف بعض المنح الدراسية في جامعات ومعاهد خارج المملكة لصالح الطلاب المسلمين، خاصة النابغين منهم، وبلغ عدد المنح المقدمة للدراسة داخل المملكة وخارجها أكثر من (5000) منحة دراسية وتدريبية، تتكلف سنويا أكثر من (430) مليون ريال. أما المنح المقدمة بواسطة وزارة المعارف، فقد تجاوزت (1142) منحة دراسية، استفاد منها طلاب عدة دول إسلامية.
كما تتبع وزارة المعارف (14) ، مدرسة سعودية في الخارج، وتقوم الوزارة أيضا بإيفاد مدرسين سعوديين ومتعاقدين للعمل في عدد من الدول الإسلامية، وقد بلغ عددهم أكثر من (2400) ، مدرس. وعلى صعيد المؤسسات الإسلامية الأهلية السعودية، تنفذ هذه المؤسسات، بدعم حكومي وشعبي، آلافا من المناشط والبرامج التعليمية، التي استفاد منها خلال عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ملايين المسلمين، وسيأتي الحديث عن جهود هذه المؤسسات والمنظمات الإسلامية لدعم العمل الإسلامي وسط الأقليات المسلمة.(1/132)
[المبحث السادس الملتقيات الإسلامية والثقافية]
المبحث السادس
الملتقيات الإسلامية والثقافية ضمن اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - بالأقليات المسلمة، وضرورة التواصل معها، وبدعم سخي منه - أيده الله - نظمت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد عددا من الملتقيات العلمية بين الأقليات المسلمة في دول الغرب تحت اسم " ملتقيات خادم الحرمين الشريفين الثقافية ".(1/133)
وتهدف هذه الملتقيات إلى التواصل مع الأقليات المسلمة، وحث المسلمين على التمسك بالعقيدة الصحيحة، والثوابت الإسلامية، واستنهاض همم أبناء المسلمين في تلك الدول غير الإسلامية للمحافظة على القيم والمبادئ الإسلامية، واستظهار شعائر دينهم، والتمسك بالأخلاق والسلوكيات التي يحث عليها الإسلام حتى يكونوا صورة حقيقية لما ينبغي أن يكون عليه المسلم.
كذلك فإن هذه الملتقيات تهدف إلى إبراز الجهود المباركة التي تقدمها المملكة في الدعوة إلى الله، وخدمة الإسلام والمسلمين في أنحاء العالم، كما أن لهذه الملتقيات فوائد عظيمة في ربط مجتمعات الأقليات المسلمة بالوطن الأم في الدول الإسلامية، ومد جسور التواصل فيما بينهم.
وقد حظيت هذه الملتقيات العلمية بترحيب وتقدير كبيرين من قبل الأقليات المسلمة، وقيادات العمل الإسلامي في دول الغرب، وذلك لما أثمرته من منافع ومصالح، وما تضمنته من بحوث ودراسات واهتمام بقضايا الأقليات المسلمة، وإيجاد الحلول المناسبة لمشكلاتهم في مجتمع الغربة. وفيما يلي نبذة عن ملتقيات خادم الحرمين الشريفين الإسلامية الثقافية التي نظمت في خمس عواصم غربية على مدى ست سنوات:
الملتقى الأول: ملتقى خادم الحرمين الشريفين الإسلامي الثقافي في جبل طارق:
تاريخه: 4 -6 ربيع الآخر 1417هـ (19 -21 / 8 / 1996 م) .
موضوعه: الحضارة الإسلامية وإسهامها في الحضارة الإنسانية.
محاوره: *العلوم الطبية والطبيعية.
*الأخلاق والآداب.
*العلوم الإنسانية.
الملتقى الثاني: ملتقى خادم الحرمين الشريفين الإسلامي الثقافي في أدنبرة (المملكة المتحدة) :(1/134)
تاريخه: 8 - 10 ربيع الآخر 1419هـ (1 -3 / 8 / 1998 م) .
موضوعه: فقه الأقليات.
محاوره: *دعوة غير المسلمين.
*حفظ الهوية الإسلامية.
*الأقليات المسلمة وعلاقتها بغير المسلمين.
*خصائص الإسلام وأثر الأقليات في إبرازها.
*حاجة الأقليات المسلمة إلى العلم الشرعي.
*المؤسسات الإسلامية " رسالتها، وأهمية التنسيق بينها ".
*الإعلام وآثاره الإيجابية والسلبية.
الملتقى الثالث: ملتقى خادم الحرمين الشريفين الإسلامي الثقافي في بروكسل (بلجيكا) :
تاريخه: 14 -16 جمادى الأولى 1420هـ (24 - 26 / 9 / 1999 م) .
موضوعه: التربية الإسلامية ومجالاتها في الغرب " الأهداف والوسائل ".
محاوره: *مفهوم التربية في الإسلام
*المؤسسات الإعلامية وأثرها في التربية " الصحافة، والإذاعة، والفضائيات، والإنترنت ".
*معوقات التربية الإسلامية في المجتمع الغربي، وكيفية التغلب عليها.
*جهود الهيئات والمنظمات الإسلامية في مجالات التربية الإسلامية في الغرب.(1/135)
الملتقى الرابع: ملتقى خادم الحرمين الشريفين الإسلامي الثقافي في بودابست (المجر) :
تاريخه: 10 -12 جمادى الآخرة 1421هـ (9 -11 / 9 / 2000 م) .
موضوعه: الجمعيات والمؤسسات والمراكز الإسلامية في أوروبا " أهدافها، ونظمها، وآثارها ".
محاوره: *النشأة والنظام.
*الجمعيات والمؤسسات والمراكز الإسلامية في خدمة الدعوة والتعليم.
*تأصيل المنهج المعتدل.
*مناشط الجمعيات والمؤسسات والمراكز في المجالات الاجتماعية والإعلام.
*الرسالة الحضارية والثقافية للجمعيات والمؤسسات والمراكز الإسلامية وجهودها.
الملتقى الخامس: ملتقى خادم الحرمين الشريفين الإسلامي الثقافي في كوبنهاجن (الدنمارك) : تاريخه: 19 - 21 جمادى الآخرة 1422 هـ (7 -9 / 9 / 2001 م) .
موضوعه: المؤسسات الإسلامية في مجتمع الجاليات والأقليات نظرة مستقبلية.
محاوره: *المؤسسات الإسلامية ومسؤولية التواصل.
*رسالة المؤسسات الإسلامية في تأصيل المنهج المعتدل.
*واجب المؤسسات الإسلامية في نشر العلم الشرعي.
*وظيفة المؤسسات الإسلامية في المحافظة على هوية الجالية المسلمة.
* الدراسات المستقبلية في مجال تطوير المؤسسات الإسلامية.
*المؤسسات الإسلامية ومستجدات العصر.
*المؤسسات الإسلامية والصعوبات التي تواجهها.(1/136)
[المبحث السابع دعم الأقليات المسلمة سياسيا ودبلوماسيا]
المبحث السابع
دعم الأقليات المسلمة سياسيا ودبلوماسيا الحديث عن دعم المملكة سياسيا ودبلوماسيا للأقليات المسلمة جزء من الحديث الشامل عن دور المملكة في توحيد الصف الإسلامي، وترسيخ مبادئ التضامن الإسلامي بين الدول الإسلامية، وقد كان لمسلمي الأقليات نصيب وافر من دعوة المملكة للتضامن الإسلامي منذ عهد الملك عبد العزيز -يرحمه الله - حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - الذي حدد منذ البداية استراتيجية العمل الإسلامي لعودة الأمة إلى قوتها ووحدتها وتضامنها.(1/137)
وفي خطابه - يحفظه الله - أمام الحجاج في موسم حج عام 1406هـ (1986م) تحددت هذه الاستراتيجية في ثلاثة أبعاد، أولها العودة إلى الله، والاعتماد عليه سبحانه، باعتبار تلك الخطوة الأولى على طريق العودة بالأمة إلى سابق مجدها، وثانيها ضرورة استقلال القرار الإسلامي عن الشرق والغرب، بما لا يعني العزلة عن العالم، والانكفاء على الذات، أما البعد الثالث فهو ضرورة الاعتماد الجماعي على الذات لتحقيق أهداف الأمة الإسلامية.
وفي هذا الإطار قامت المملكة العربية السعودية بدور تاريخي تجاه الأمة الإسلامية والأقليات المسلمة التي تعيش في أي بقعة من العالم، وتبنت المملكة قضايا الأقليات المسلمة، ودافعت عن حقوقهم سواء على مستوى القرار الرسمي أو من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي والمؤسسات الأخرى غير الرسمية، التي أسهمت المملكة في إنشائها ودعمها ماديا حتى تتمكن من أداء دورها وتحقيق أهدافها.
وقد أصدر مؤتمر القمة الإسلامي الثالث الذي انعقد في مكة المكرمة، وألقى فيه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ولي العهد آنذاك خطابا شاملا، أصدر المؤتمر بلاغ مكة المكرمة الذي يعتبر وثيقة أساسية في أعمال المنظمة، ومرشدا للعديد من القرارات والسياسات التي اتخذتها مؤتمرات القمة ووزراء الخارجية الإسلامية، وقد نص البلاغ على أن الدول الأعضاء إيمانا منها بأن المسلمين وإن تباينت ألسنتهم وألوانهم، وتمايزت أوطانهم وأوضاعهم أمة واحدة يعتصمون برابطة الإسلام، ويستلهمون في الحياة منهجا لا اختلاف عليه.
لقد حظيت الأقليات المسلمة باهتمام ودعم سياسي ودبلوماسي كبير من قبل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، الأمر الذي أسهم في رد الكثير من حقوق هذه الأقليات، أو على الأقل التخفيف كثيرا من معاناتها، وحملت المملكة قضايا الأقليات المسلمة إلى المحافل الإسلامية والدولية، ووضعها أمام هذه المحافل، وطالبت بحلول عادلة لهذه(1/138)
القضايا، وحثت الأمة الإسلامية على التكاتف والتعاضد ودعم قضايا إخوانهم الذين يعانون من الاضطهاد والظلم في مناطق شتى من العالم، ولنقرأ ما جاء على لسان صاحب السمو الملكي وزير الخارجية في كلمة ألقاها في المؤتمر السادس عشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية الذي عقد في فاس بالمملكة المغربية عام 1406 هـ (1986م) : " إننا حين نستعرض أحوال أمتنا الإسلامية فلا ينبغي أن يفوتنا أن نشير إلى أوضاع الأقليات المسلمة في الدول الأخرى، إن المسلمين في بعض تلك الدول يتمتعون بحقوقهم السياسية والدينية التي تكفلها القوانين والأنظمة الدولية والمحلية ".
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - حمل صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني هموم الأقليات المسلمة وقضاياها في رحلاته الخارجية إلى دول أوروبا وأمريكا وآسيا، وكانت شؤون الأقليات المسلمة في تلك الدول هي القاسم المشترك في مباحثات سمو ولي العهد مع قادة وزعماء الدول التي زارها - يحفظه الله - ولفتت كلماته وأحاديثه عن أوضاع وحقوق هذه الأقليات، لفتت الأنظار وركزت عليها وسائل الإعلام، وحرص سموه في كل بلد زاره أن يلتقي بوفود الأقليات المسلمة، ووفود العمل الإسلامي في تلك الدول، وشد من أزرهم، وأكد استمرار وقوف المملكة مع قضاياهم وحقوقهم.(1/139)
ولأن الأقليات المسلمة تحتل موقع القلب والعقل عند خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - يحرص المليك المفدى - رعاه الله - سنويا على الالتقاء بوفود هذه الأقليات المسلمة ضمن وفود حجاج الدول الإسلامية، وفي هذه اللقاءات تتم مناقشة قضايا واحتياجات الأقليات المسلمة، وتسمع هذه الوفود الممثلة للأقليات المسلمة تأكيدات متجددة من راعي شؤون الأمة وحامل همومها خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - في دعم قضاياهم والوقوف إلى جانبهم، والسعي إلى حل مشكلاتهم والتخفيف من معاناتهم. كذلك فإن المملكة العربية السعودية وهي تعمل على دعم قضايا الأقليات المسلمة، أقامت العديد من المؤسسات والهيئات التي تسهم في تبليغ دعوة الإسلام والدفاع عن قضايا المسلمين، ومؤازرتهم، ودعمهم ماديا ومعنويا.
ولأن الحديث في هذا المبحث يقتصر على الدعم السياسي والمعنوي، نقصر الحديث على منظمة المؤتمر الإسلامي كنموذج لهذه المنظمات والمؤسسات التي تدعم المملكة من خلالها العمل الإسلامي وسط الأقليات المسلمة، إلى جانب الدعم السياسي الرسمي المباشر، وكذلك الدعم الذي يقوم من خلال المنظمات والهيئات الأخرى داخل المملكة؛ حيث يصعب الفصل بين أنواع الدعم من حيث هو سياسي ومعنوي ومادي واقتصادي في برامج هذه المؤسسات والمنظمات التي أنشأتها وتدعمها المملكة.
فمنظمة المؤتمر الإسلامي التي تضطلع بجانب كبير في هذا الجانب السياسي والدبلوماسي منذ إنشائها عام 1390 هـ (1970م) وهي تسعى إلى تعزيز التضامن الإسلامي، ودعم التعاون بين الدول الأعضاء، وكذلك دعم الأقليات المسلمة في مطالبتها بحقوقها السياسية والاقتصادية والدينية. ويتضح إسهام المملكة العربية السعودية في دعم أنشطة المنظمة ومشاركتها بفاعلية؛ لتحقيق أهدافها وجهودها المختلفة، فالمملكة تبرعت بمبلغ ألفي مليون دولار أثناء استضافتها لمؤتمر القمة الإسلامي الثالث(1/140)
الذي انعقد في مكة المكرمة عام 1401هـ (1981م) .
كما أهدت المملكة مقرا دائما للمنظمة في مدينة جدة، وتبرع خادم الحرمين الشريفين بمبلغ (1500) مليون دولار للمنظمة.
كما أن المملكة العربية السعودية تسهم بنصيب كبير من خلال صندوق التضامن الإسلامي، وبرامج الإعلام الإسلامي لربط الأقليات المسلمة بعقيدتهم وتعزيز انتمائهم الإسلامي، وذلك بإقامة. المدارس والمراكز الثقافية للأقليات المسلمة، وإرسال الدعاة المتخصصين لتعليم المسلمين أمور دينهم، ويتبع منظمة المؤتمر الإسلامي العديد من المؤسسات العاملة في ميدان الأقليات المسلمة، وقد أسهمت المملكة ولا تزال في كثير من ميزانية إنشاء هذه المؤسسات، ومدها بالمال اللازم الذي يساعدها على تحقيق أهدافها.
ومن هذه المؤسسات العاملة في منظمة المؤتمر الإسلامي:
* مجمع الفقه الإسلامي.
* صندوق التضامن الإسلامي.
* البنك الإسلامي للتنمية.
* وكالة الأنباء الإسلامية.
* منظمة الإذاعات الإسلامية.
* المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة.
وهذه المؤسسات وغيرها توجه الكثير من جهودها لدعم العمل الإسلامي بين الأقليات المسلمة في أوروبا وأمريكا وآسيا وإفريقيا واستراليا.(1/141)
[كلمة خادم الحرمين الشريفين]
إننا نحمد الله على ما أولانا من شرف كبير لخدمة الحرمين الشريفين ومقدساتنا الإسلامية، وبما مكننا بعونه وتوفيقه من بذل الجهود وحشد الطاقات، وتجنيد الإمكانيات لخدمة ديننا الحنيف والعناية بالمساجد.
خادم الحرمين الشريفين
فهد بن عبد العزيز آل سعود(1/142)
[الفصل الخامس المملكة ودعم الأقليات المسلمة ماديا وإغاثيا]
[المبحث الأول دعم خادم الحرمين الشريفين وتبرعاته السخية]
الفصل الخامس
المملكة ودعم الأقليات المسلمة ماديا وإغاثيا(1/143)
يأتي الدعم المادي والاقتصادي والإغاثي الذي تقدمه المملكة العربية السعودية للأقليات المسلمة حلقة أساسية ضمن سلسلة الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين لخدمة الإسلام والمسلمين.
والمملكة بما تتحمله من مسؤوليات تاريخية تجاه المسلمين في كل مكان، وبما حباها الله من نعم تعمل على دعم العمل الإسلامي، ومساعدة الأقليات المسلمة، ولم تدخر في ذلك وسعا، سواء ما يتعلق بالدعم الحكومي والرسمي المباشر أو الدعم غير المباشر الذي يقدم من خلال المنظمات التي تهتم بشؤون المسلمين، أو التبرعات الخاصة والسخية من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله.
وبذلك انفردت المملكة العربية السعودية بتجربة حضارية في الاهتمام بشؤون المسلمين، وأهم ما يميز هذه التجربة هو الجمع بين القول والفعل، وبين الدعم السياسي والدبلوماسي، والدعم المادي والاقتصادي، وكما حملت المملكة مسؤولية الدعوة إلى التضامن الإسلامي في جانبه الديني والسياسي والدبلوماسي وظفت إمكاناتها المادية أيضا لتحقيق التضامن الإسلامي في جوانبه المادية وبرامج المساعدات الاقتصادية والإغاثية.
وفي هذا الفصل نستعرض بعض النماذج المضيئة لهذا الدعم المادي والاقتصادي الذي قدمته المملكة العربية السعودية للأقليات المسلمة.(1/144)
المبحث الأول
دعم خادم الحرمين الشريفين وتبرعاته السخية يبرز في هذا الجانب دور الحاكم المسلم ومسؤوليته تجاه رعاياه وأمته الإسلامية، فقد حمل خادم الحرمين الشريفين هم أمته وإخوانه المسلمين منذ البداية، ووجه عقله وقلبه للاهتمام بقضايا الأقليات المسلمة الذين يتعرضون للحروب الظالمة، ويقعون تحت طائلة الاضطهاد في الدول التي يعيشون فيها، والذين يتعرضون لكوارث ومحن وأزمات.(1/145)
وسجلت السنون العشرون من بيعة خادم الحرمين الشريفين ملكا للمملكة العربية السعودية صفحات ناصعة من الخير الفياض الذي أحاط به أبناء المسلمين في الدول الفقيرة والمحتاجة في المناطق المنكوبة، سواء عن طريق إرسال تلك الكميات الكبيرة من القمح السعودي والتمر العالي الجودة للمسلمين على شكل هبات وهدايا أو مساعدات، وكذلك عن طريق إرسال المعونات المادية والغذائية والطبية للمناطق المتضررة، أو عن طريق تبنيه - يحفظه الله - لمشروعات إسلامية كبيرة، وبرامج إغاثية لحل بعض الأزمات والكوارث التي تحل بمناطق إسلامية، ومنها الأقليات المسلمة. والأمثلة على هذه الأيادي البيضاء لخادم الحرمين الشريفين كثيرة من الصعب حصرها، ولهذا نورد هنا نماذج من هذه التبرعات والدعم الخاص الذي خص به خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - الأقليات المسلمة.
منذ أن كان خادم الحرمين الشريفين وليا للعهد، حرص على تقديم العون للأقليات والجاليات الإسلامية في كل مكان، ومن ذلك تبرعه - يحفظه الله - في شهر شعبان 1399هـ (يونيو 1979م) بمبلغ (29686) دولارا لمشروع المركز الإسلامي والمسجد بولاية انديانا الأمريكية.
امتدت عناية خادم الحرمين الشريفين بالمسلمين لتشمل مسلمي اليونان؛ حيث تبرع - يحفظه الله - لتأسيس المؤسسة الخيرية العربية الإسلامية التي تنهض بالعمل الإسلامي وسط المسلمين هناك، وتقدم خدماتها لأكثر من (130) ألف مسلم، وهي أول مؤسسة إسلامية في تاريخ اليونان، تتولى رعاية شؤون المسلمين في اليونان.
يقدم خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - تبرعا سنويا خاصا مقداره (3) ملايين ريال لصندوق المجلس الأعلى للمساجد الذي يقوم بجهود كبيرة وسط الأقليات المسلمة، وبأمر خادم الحرمين الشريفين تم رفع دعم المملكة لهذا الصندوق ليصل إلى (20) ، مليون ريال سنويا.
في 20شوال 1404 هـ (25 / 11 / 1983 م) تبرع خادم الحرمين الشريفين بمبلغ مليون دولار لدعم الأنشطة الإسلامية في استراليا، وخصص(1/146)
المبلغ لبناء مدرستين إسلاميتين في مدينتي سدني وملبورن.
في 11 / 11 / 1404 هـ (9 / 8 / 1984 م) أهدى خادم الحرمين الشريفين الجالية الإسلامية في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية مائتي ألف دولار لبناء مسجد مدينة لوس أنجلوس.
تلقت رابطة العالم الإسلامي تبرعا كريما عام 1405هـ (1985م) من خادم الحرمين الشريفين قدره (50) ألف ريال لصالح جمعية مسلمي نيو كالدونيا بالولايات المتحدة كما تلقت الرابطة تبرعا آخر قدره (25) ألف ريال من خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - لصالح مدرسة النور الإسلامية بتنزانيا ويأتي هذا التبرع في إطار اهتمامه المستمر - أيده الله - بأمور المسلمين ونشر العلم والمساهمة في إنشاء المدارس والمؤسسات التعليمية بين أبناء المسلمين.
في 28 صفر 1405 هـ (22 / 11 / 1984 م) تبرع خادم الحرمين الشريفين بمبلغ (17) ألف دولار لجمعية الإسلام في مدينة فينكس بموريشيوس لإنشاء مركز إسلامي.
في 18 محرم 1405هـ (14 / 10 / 1984 م) تبرع - حفظه الله - بمبلغ (250) ألف ريال لصالح الاتحاد الإسلامي في أمريكا الشمالية، دعما لنشاط الاتحاد الذي يرعى شؤون الأقلية المسلمة في المنطقة.
في 25 ربيع الأول 1405هـ (19 / 12 / 1984 هـ) تبرع خادم الحرمين(1/147)
الشريفين بمبلغ مائتي ألف ريال لمسجد الفاتح بأمستردام بهولندا، وذلك في إطار دعمه - يحفظه الله - لإعمار بيوت الله.
في 26 ربيع الأول 1405هـ (20 / 12 / 1984 م) تبرع خادم الحرمين الشريفين بمبلغ (60) ألف دولار للاتحاد الأسترالي للمجالس الإسلامية بسدني، كما تبرع - أيده الله - بمبلغ (25) ألف ريال لمركز إيفري الإسلامي في باريس.
في 2 ربيع الثاني 1405هـ (25 / 12 / 1984 م) تبرع خادم الحرمين الشريفين بمبلغ (30) ألف دولار للجمعية الإسلامية في فكتوريا مساهمة منه لبناء مدرسة لأبناء المسلمين في ملبورن باستراليا.
منح خادم الحرمين الشريفين الجامعة الأمريكية بواشنطن مبلغ مليون دولار لإنشاء كرسي للدراسات الإسلامية بالجامعة، إسهاما منه - يحفظه الله - في دعم كل ما من شأنه التعريف بالإسلام وعرض الإسلام الصحيح وتعاليمه السمحة على غير المسلمين.
في 17 رمضان 1405هـ (6 / 6 / 1985 م) تبرع خادم الحرمين الشريفين بمبلغ مليون جنيه إسترليني لبناء المركز الإسلامي في شرق لندن.
خادم الحرمين الشريفين يتبرع بمبلغ (55) ألف دولار لجمعية أوستن لمساعدتها على بناء مسجد جديد يتناسب ووضع المنطقة، وكان ذلك في 6 ذي الحجة 1406 هـ (12 / 8 / 1986 م) .
في 16 صفر 1407هـ (20 / 10 / 1986 م) تبرع خادم الحرمين الشريفين بمبلغ (300) ألف دولار لمشروع دار الهجرة بالولايات المتحدة الأمريكية.
خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - يتبرع بمبلغ مليون ونصف المليون دولار إلى المركز الإسلامي بروما، وهو جزء من المبلغ الإجمالي الذي تبرع به - أيده الله - وهو (7) ملايين دولار.
خادم الحرمين الشريفين يتبرع بتكاليف إنشاء المركز الإسلامي في مدريد وهو أكبر مجمع إسلامي في أوروبا، وبلغت التكاليف (16) مليون دولار.(1/148)
في 18 جمادى الأولى 1411هـ (6 / 12 / 1990) يهدي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز مليون نسخة من المصحف الشريف إلى المسلمين في الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى عقب استقلالها عن الاتحاد السوفييتي السابق.
في شهر ربيع الأول 1412هـ (سبتمبر 1991م) قدم دعم مادي من خادم الحرمين الشريفين للجمعية الإسلامية في فكتوريا باستراليا؛ لإقامة معرض إسلامي بمناسبة دخول الإسلام إلى استراليا.
خادم الحرمين الشريفين يقدم دعما ماديا في شهر ربيع الأول 1412هـ (سبتمبر 1991م) لبناء مرافق مسجد الملك فهد بمدينة تاونز فيل الاسترالية.
خادم الحرمين الشريفين يبادر بتقديم الدعم الكامل للمسلمين في الجمهوريات الإسلامية بآسيا الوسطى؛ حيث تبرع ـ يحفظه الله - بتجديد المساجد وبنائها وإرسال المصاحف هدية إلى كل مسلم هناك.
خادم الحرمين الشريفين يستضيفا (4774) مسلما من مسلمي الجمهوريات الإسلامية لأداء مناسك الحج عام 1413 هـ (1992 م) على نفقته الخاصة بتكاليف بلغت (35) مليون ريال، كما سبق أن استضاف - يحفظه الله - (1525) حاجا سوفييتيا عام 1410هـ (1990م) .
كما أصدر - يحفظه الله - أمرا كريما باستضافة (180) من مسلمي ألبانيا لأداء مناسك الحج لأول مرة عام 1411هـ (1991م) .
عام 1413هـ (1992م) خادم الحرمين الشريفين يصدر أمره الكريم بإرسال عشرة آلاف طن من القمح الوطني إلى البوسنة والهرسك(1/149)
للتخفيف من معاناتهم من جراء الحرب الظالمة التي شنها عليهم الصرب.
خادم الحرمين الشريفين يأمر في محرم عام 1414هـ (يوليو 1993م) بإقامة معسكرات سكنية للاجئين من أهالي البوسنة والهرسك في ألبانيا بعد أن شردتهم الأوضاع السيئة في كرواتيا، وقد شملت هذه المعسكرات إقامة المساجد والمستشفيات وغيرها، وذلك بمساعدة مالية قدرها عشرون مليون دولار.
وبعد، فإن هذا غيض من فيض من الأيادي البيضاء لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في مساعدة الأقليات المسلمة، وتقديم الدعم المادي والإغاثي العاجل لهم، وبطبيعة الحال فإن هذا الحديث وهذه الأرقام لم تشمل مساعدات ومبادرات خادم الحرمين الشريفين وتبرعاته السخية لدعم الدول الإسلامية التي تتعرض لمحن وكوارث؛ حيث إن الحديث في هذا الكتاب يقتصر على الأقليات المسلمة، وما تلقاه من عناية واهتمام من لدن حكومة خادم الحرمين الشريفين - أيده الله.
ولا ننسى أن نضيف إلى ما سبق ما يقدمه خادم الحرمين الشريفين أيده الله من دعم متواصل للمؤسسات والمنظمات الإسلامية التي تعمل في خدمة الأقليات المسلمة، ومنها رابطة العالم الإسلامي، والندوة العالمية للشباب الإسلامي والهيئة العالمية للإغاثة الإسلامية، وغيرها من الهيئات والمنظمات التي أنشأتها حكومة خادم الحرمين الشريفين على أرض المملكة.(1/150)
[المبحث الثاني الدعم الرسمي والشعبي للأقليات المسلمة]
المبحث الثاني
الدعم الرسمي والشعبي للأقليات المسلمة الأرقام التي تتحدث عن المساعدات السعودية لدول العالم الإسلامي، بما فيها الأقليات المسلمة أرقام كبيرة، ففي تقرير للصندوق الدولي للتنمية التابع لمنظمة البلدان المصدرة للنفط " أوبك " أن المملكة العربية السعودية قدمت خلال العشرين سنة الماضية مساعدات مالية إلى الدول الإسلامية والعربية، بلغت أكثر من (77) بليون ريال.(1/151)
وهذا الرقم هو أعلى رقم مسجل في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن إذا قورن بين حجم الموارد الأمريكية وحجم الموارد لدول الأوبك نجد أن ما تقدمه المملكة يفوق في ضخامته ما تقدمه أي دولة في العالم من مساعدات.
ويؤكد ذلك التقرير الذي أعدته الوحدة الاستشارية للدراسات الفنية والاقتصادية بوزارة المالية والاقتصاد الوطني بالمملكة عن العون السعودي والمساعدات التي تقدمها للدول العربية والإسلامية، وهي المساعدات التي استفادت منها أكثر من (35) دولة إسلامية من أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي.
أكثر دول العالم تبرعا: وقد نوهت وسائل الإعلام الإسلامية والعالمية بهذا الدعم والمساعدات التي تقدمها المملكة العربية السعودية للمسلمين في شتى بقاع الأرض، وإن كانت المملكة لا تميل إلى إعلان حجم هذه المساعدات التي تقدمها لارتباط ذلك بسياستها القائمة على الثوابت الإسلامية، فالمملكة لا تقدم هذه المساعدات منا، ولا تنتظر شكرا، وإنما تنطلق في ذلك من ثوابت وأسس إيمانية تمليها عليها مسؤولياتها الإسلامية، وفي الوقت نفسه فإن نهج المملكة في مساعدتها للأقليات المسلمة ينبغ من تجربة حضارية فريدة في علاقاتها بهذه الأقليات، يبتعد عن التوظيف السياسي والشعارات المستهلكة، وفرض التبعية، والتدخل في شؤون الدول التي تعيش فيها هذه الأقليات. لكن الآثار التي تتركها هذه المساعدات المقدمة، والنتائج الطيبة التي تحققت من جرائها، جعلت اسم المملكة العربية السعودية في المحافل الدولية عاليا خفاقا، وكانت هذه المساعدات مثل احترام وتقدير الجميع، حتى إن كثيرا من وسائل الإعلام الغربية تحدثت عن هذه المساعدات، وأشادت بها. تقول إذاعة لندن: " إن المملكة العربية السعودية تعد بالمقارنة إلى أدائها الاقتصادي العالمي أعظم الدول المتبرعة إطلاقا في العالم أجمع، وإن نسبة المعونات التي قدمتها المملكة في أواخر السبعينات الميلادية تعادل ستة في(1/152)
المائة تقريبا من إجمالي الدخل الوطني السعودي ".
كما قالت الإذاعة: " إن تلك النسبة تزيد عشرة أضعاف على ما تقدمه أعظم الدول الصناعية تقدما بالقياس إلى نسبة الدخل الوطني الإجمالي ".
إن المملكة العربية السعودية لم تتوقف عن تخصيص جزء مهم من دخلها القومي كل عام لمساعدة الدول الإسلامية والأقليات المسلمة في تنفيذ مشاريعها التنموية، وخلال الفترة من عام 1395هـ إلى عام 1408هـ (1975 ـ 1988م) أسهمت المملكة العربية السعودية في دعم اقتصاديات بعض الدول الإسلامية من خلال تقديم 248 قرضا لتمويل (216) مشروعا إنمائيا في (21) دولة في قارة آسيا، و (12) دولة في قارة إفريقيا. وقد جاءت المنح والهبات أهم قطاع في دائرة المعونات الاقتصادية السعودية، وبلغت مساعدات المنح 50 % من القيمة الإجمالية للمساعدات الاقتصادية التي تقدم باتفاقيات ثنائية، أو عبر مؤسسات إقليمية ودولية أنشئت خصيصا لخدمة هذا الهدف.
وتنوعت المساعدات التي تقدمها المملكة العربية السعودية التي استفاد منها الأقليات المسلمة ما بين مساعدات نقدية وأخرى مساعدات إغاثية عاجلة ونجدة سريعة.
ويصبح من الصعب على المتتبع أن يحصر تلك الجهود المتواصلة للمملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين - يحفظهما الله - في تقديم المساعدات للأقليات المسلمة، والعمل من أجل(1/153)
تحسين أوضاعها، فالجهود كبيرة ومستمرة، ولا يكاد يمر يوم من أيام السنة إلا وتتلقى فيه هذه الأقليات المسلمة إما دعما ماليا، أو عونا إغاثيا، وقد أوردنا جانبا كبيرا من هذه الجهود والمساعدات المستمرة بما يجده المسلمون؛ حيث يعيشون من مشروعات إغاثية، ومؤسسات خدميه، ومساجد ومراكز إسلامية، ومراكز صحية متطورة، ومؤسسات تعليمية، ومنازل وبيوت أعيد بناؤها بعد أن هدمتها الحروب كما حدث في البوسنة والهرسك وغيرها، وغير ذلك من مجالات الدعم والمساعدات التي مكنت الأقليات المسلمة من تأكيد وجودها والحفاظ على هويتها، وعدم الذوبان في مجتمعاتها، كل ذلك وغيره تم - بحمد الله - بدعم من إخوانهم المسلمين، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية التي تناصر بتوجيه من قيادتها الرشيدة قضايا المسلمين، وتعمل على تحسين أوضاعهم، وإشعارهم بروح الإخوة الإسلامية، وتذكيرهم على الدوام بما يدعو إليه ديننا الإسلامي الحنيف من تعاون وتعاضد وبر وإحسان بين المسلمين.
المساعدات الإغاثية العاجلة: أدت الظروف السياسية التي يمر بها المسلمون في بعض مناطق العالم إلى وقوع هؤلاء المسلمين في محن وكوارث نتيجة الحروب أو المجاعات التي تمر بهم، الأمر الذي تطلب نجدة هؤلاء المسلمين وتقديم الإغاثة العاجلة لهم.
والمملكة العربية السعودية كعادتها في مثل هذه الظروف كانت سباقة إلى تقديم العون والإغاثة العاجلة لمن وقع في المحن والكروب من المسلمين، تأكيدا لقيم النخوة والكرم، ونجدة الملهوف التي عرف بها أبناء هذا البلد امتثالا لأوامر دينهم أولا، وثانيا تأسيا بقادتهم الذين ظلوا أوفياء لهذه الرسالة، قائمين بهذه المسؤولية حتى عهد خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - الذي كان مبادرا على الدوام إلى إصدار أوامره الكريمة في إرسال الإعانات والمساعدات إلى المسلمين الذين يتعرضون للمحن والكوارث من(1/154)
جراء الحروب أو الصراعات أو الزلازل والبراكين والسيول، وغيرها مما يقع من كوارث بتقدير الله وحكمته، التي ندعو الله أن يحفظ منها بلدان المسلمين جميعا.
ومن أمثلة ما قدمته المملكة العربية السعودية من هذه المساعدات الإغاثية المساعدات التي تقدم لأبناء البوسنة والهرسك، والمسلمين في بورما وكشمير، وأيضا المساعدات التي تقدم للمسلمين في الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى، وكذلك الكثير من المواد الإغاثية التي ترسل لنجدة المسلمين في قارة إفريقيا إثر تعرضهم للمجاعات أو الفيضانات، أو نتيجة الصراعات المحلية.
وفي كل مرة يقع المسلمون في كربة من كربات الدنيا، يبادر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بإصدار أوامره بإرسال المساعدات العاجلة إليهم، ونجد الجسور الجوية تمتد من المملكة بلد الخير إلى إخوانهم المسلمين أصحاب الحاجة، وكم من الجسور الجوية، وكم من الطائرات التي حملت المواد الإغاثية من أغذية وملابس وخيام وأغطية ودواء، فضلا عن إمدادهم بالأطباء والمعالجين والمسعفين.
وقد تبنت حكومة المملكة العربية السعودية - بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين - كثيرا من البرامج الإغاثية العاجلة وطويلة الأجل، المقدمة إلى اللاجئين المسلمين الذين تركوا أوطانهم ومدنهم وقراهم من جراء الحروب، مثلما حدث لمسلمي الشيشان، ومسلمي كوسوفا، والبوسنة والهرسك، وغيرهم.
ومن أجل تقديم المساعدات الإغاثية العاجلة لمن يحتاجها من المسلمين، قامت على أرض المملكة بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - العديد من لجان الإغاثة؛ ولأن الأمر يتعلق بمصلحة المسلمين وإنقاذهم مما يتعرضون له، يرأس هذه اللجان كبار قادة هذه البلاد المباركة، في مقدمتهم صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية، الذي يرأس لجنة إغاثة شعب الشيشان وأفغانستان ولجنة القدس، وصاحب السمو(1/155)
الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، الذي يرأس لجنة إغاثة شعب البوسنة والهرسك، وشعب كوسوفا.
وقد تابع الجميع داخل المملكة العربية السعودية وخارجها حملات التبرع التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين لإغاثة شعب فلسطين، وشعب أفغانستان، وكان أول المتبرعين خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - حيث تبعه أبناء هذا الشعب الكريم الذي عود إخوانه المسلمين على سرعة النجدة، وإغاثة الملهوف.
وتدل أرقام المساعدات المالية العينية العاجلة على حجم البذل والعطاء الذي قدمته حكومة خادم الحرمين الشريفين لمساعدة المسلمين في كل مكان، سواء كانوا في الدول الإسلامية أو في دول الأقليات المسلمة، وكنموذج لهذه المساعدات ونجدة المملكة العربية السعودية لإخوانهم المسلمين، نستعرض بعض ما قدمته المملكة لمسلمي البوسنة والهرسك حكومة وشعبا:
في الثاني من شهر ذي الحجة 1412 هـ (يوليو 1992م) صدر الأمر السامي الكريم بتشكيل هيئة عليا لجمع التبرعات لمسلمي البوسنة والهرسك، ورأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض.
تم تنظيم أسابيع البوسنة والهرسك على مدى ثلاث سنوات، التي افتتح أولها يوم السبت 26 / 8 / 1414 هـ (7 / 2 / 1994 م) ثم تلاه الأسبوع الثاني في 28 / 8 / 1415 هـ (30 / 1 / 1995 م) ثم الأسبوع الثالث في 28 / 8 / 1416 هـ (19 / 1 / 1996 م) .
وقد هدفت هذه الأسابيع إلى إطلاع المسلمين على حجم المعاناة التي قاساها إخوانهم المسلمون في البوسنة والهرسك من قتل للأنفس، وهدم للمنازل، والمساجد، والمؤسسات التعليمية، والبنى الأساسية الأخرى، إضافة إلى صور التهجير من القرى، وأوضاع الأيتام والأرامل، وغيرها من المآسي الأليمة التي حركت الشعور الإسلامي والهمم في دعم القضية(1/156)
ماديا ومعنويا.
حملة خادم الحرمين الشريفين للتضامن مع مسلمي البوسنة والهرسك التي استهلها خادم الحرمين الشريفين يوم الجمعة الموافق 15 / 3 / 1416 هـ (3 / 8 / 1995 م) بتبرع مالي قدره خمسون مليون ريال، توالت بعدها تبرعات أهل الخير والإحسان من أبناء هذا البلد المعطاء.
بلغت تبرعات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ حفظه الله - (396. 250. 000) ريالا.
بلغت حصيلة حملة التبرعات النقدية والعينية (282, 923, 481, 1) ريالا منها (1. 259. 892. 821) ريالا تبرعا نقديا.
مد جسر جوي وبحري إلى مناطق لاجئي البوسنة والهرسك لنقل المواد الإغاثية المتنوعة؛ حيث قامت الهيئة العليا بإرسال (18) طائرة، و (20) باخرة، محملة بالأغذية والأدوية والملابس والأغطية وغيرها.
وفي مجال الجهود الدعوية قدمت الهيئة العليا العديد من المساعدات، ونفذت الكثير من المناشط الدعوية التي تسهم في المحافظة على عقيدة مسلمي البوسنة والهرسك، وتبصيرهم بأمور دينهم، ومن ذلك:
توزيع أكثر من (500. 000) نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة البوسنية، طباعة مجمع الملك فهد بالمدينة المنورة.(1/157)
طباعة (000 / 260 / 1) نسخة من كتب متنوعة لتعليم الإسلام، بتكلفة إجمالية قدرها (000، 750. 2) ريال.
إقامة (64) دورة لتعليم اللغة العربية وتعاليم الإسلام.
توزيع (133. 000) شريط سمعي للقرآن الكريم وتفسيره.
تنظيم مسابقة أدبية في سراييفو شارك فيها (3000) باحث وقاص بوسني.
ترميم وبناء (72) مسجدا في مختلف أقاليم البوسنة، بتكلفة قدرها (14. 123. 393) ريالا، كما تم تجهيز (78) مسجدا بما تحتاجه من مستلزمات الفرش والتدفئة ومكبرات الصوت.
ترميم المدرسة الإسلامية في موستار، وكلية إعداد المعلمين بزينيتسا، والكلية الإسلامية في سراييفو.
كفالة (887) مدرسا جامعيا، وتقديم مساعدات لـ (16) مدرسة، بلغت تكلفتها (2 1 9 / 939 / 23) ريالا.
تلك نماذج للمساعدات الضخمة التي قدمتها المملكة العربية السعودية للمسلمين والأقليات المسلمة، والتي قدمنا نموذجا لها بالبوسنة والهرسك، وقد حرصت المملكة بحكم مسؤولياتها ومكانتها أن تطبق أسلوبا متطورا ومفهوما جديدا في المساعدات الخارجية، تتفق مع هذا الدور المهم والفعال، ويضمن في نفس الوقت وصول هذه المساعدات إلى مستحقيها، لهذا فقد جاءت هذه المساعدات الحكومية والشعبية على شكل منح أو مساعدات عينية، تتمثل في بناء المساجد والمراكز الإسلامية والمستشفيات والمراكز التعليمية والمعاهد والمدارس، وإرسال المواد الغذائية والأدوية، بالإضافة إلى الوقوف بجانب قضايا الأقليات المسلمة في جميع المحافل الدولية والعالمية، بل إن الدور السعودي يتعدى إلى التدخل لحل المنازعات التي تنشأ بين المسلمين، وهذا كله يترجم حقيقة التكافل الإسلامي الذي تؤمن به المملكة وتطبقه بصورة عملية.(1/158)
[المبحث الثالث الدعم الإغاثي من خلال المؤسسات والمنظمات]
المبحث الثالث
الدعم الإغاثي من خلال المؤسسات والمنظمات تحتضن أرض المملكة العربية السعودية عددا من المؤسسات والهيئات الخيرية التي أنشئت خصيصا لدعم قضايا الدول الإسلامية والأقليات المسلمة، وتحظى هذه الهيئات الخيرية بدعم من حكومة خادم الحرمين الشريفين، سواء كان دعما ماديا أو معنويا.(1/159)
وفيما يلي نستعرض جهود هذه الهيئات والمنظمات في دعم قضايا الأقليات المسلمة:
الهيئات العاملة في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي: تناولنا في الفصل الثالث من هذا الكتاب الدعم السياسي والدبلوماسي الذي تقدمه حكومة خادم الحرمين الشريفين للأقليات المسلمة، ومن ذلك تبنيها لعدد من المنظمات والهيئات التي تدعم قضايا هذه الأقليات سياسيا ودبلوماسيا ودعويا. ومن هذه الهيئات منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم عددا من الهيئات، تقدم الدعم المادي والإغاثي للأقليات المسلمة، ومن هذه الهيئات: البنك الإسلامي للتنمية، ومقره مدينة جدة، وتسهم المملكة العربية السعودية بنسبة تزيد على ريع ميزانيته التي تبلغ (2000) مليون دينار إسلامي - الدينار الإسلامي يعادل (3 / 1) دولارا أمريكيا - كما تبرعت المملكة بأرض البنك التي تبلغ مساحتها (50) ألف متر مربع، بالإضافة إلى خمسين مليون ريال تبرعت بها حكومة المملكة لإقامة مقر البنك.
كل ذلك وغيره من الدعم لهذه المؤسسة حتى يتمكن البنك الإسلامي للتنمية من أداء دوره في دعم التنمية الاقتصادية في البلدان الإسلامية والأقليات المسلمة، بالإضافة إلى المشروعات الإغاثية التي يقوم بها البنك في البلدان الإسلامية، فإنه يتولى بمساعدة حكومة خادم الحرمين الشريفين شحن وتوزيع لحوم الأضاحي على المحتاجين من المسلمين في أنحاء العالم.
كذلك من الهيئات التي تعمل في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي صندوق التضامن الإسلامي الذي تسهم المملكة فيه بنسبة تزيد على 54% من ميزانيته، وقد أسهم الصندوق في تمويل العديد من المشروعات التي منها تخفيف نتائج الكوارث والأزمات الطبيعية ومحن الحروب التي تعرضت لها مناطق كثيرة من العالم.
أيضا يقدم الصندوق مساعدات كثيرة للأقليات المسلمة لإنشاء المؤسسات التعليمية والمساجد، والرفع من مستواها الديني والثقافي والاجتماعي، بالإضافة إلى إرسال الدعاة والمدرسين والمحاضرين الذين يعملون في الدول الإسلامية وبين الأقليات المسلمة.(1/160)
رابطة العالم الإسلامي: تحتل رابطة العالم الإسلامي مكانة كبيرة في نفوس المسلمين في شتى أنحاء المعمورة، ومنذ إنشاء الرابطة عام 1381هـ (1961م) وهي تعمل في خدمة المسلمين ونشر دعوة الإسلام وتقديم العون المادي والغوث لمن يحتاجه من المسلمين، وبدعم من حكومة خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - أولت الرابطة قضايا الأقليات المسلمة اهتمامها، ووصلت جهودها في هذا الإطار إلى حيث الوجود الإسلامي في مختلف قارات العالم، وأوجدت الرابطة لها مكاتب في كثير من دول أوروبا وأمريكا وإفريقيا لرعاية شؤون الأقليات، ونالت الرابطة التي تحتضن المملكة مقرها في مكة المكرمة، احتراما وتقديرا من المسلمين في كل مكان، فضلا عن كل احترام وتقدير المنظمات الدولية.
وتدعم المملكة العربية السعودية رابطة العالم الإسلامي (90%) من ميزانيتها، إضافة للتبرعات والمساعدات التي يقدمها أبناء المملكة لتعزيز نشاط الرابطة.
ولقد أنشأت الرابطة ضمن أجهزتها إدارة من مهامها الاهتمام بدراسة أوضاع الأقليات المسلمة واحتياجاتها.
وتقوم الرابطة بدعم قضايا الأقليات المسلمة في العالم ماديا وأدبيا وثقافيا ودينيا، وذلك عن طريق إنشاء المساجد والمراكز الإسلامية والمؤسسات التعليمية، وتوزيع نسخ المصحف الشريف والكتب الدينية بلغات هذه الأقليات المسلمة، وكذلك إرسال الدعاة والمدرسين لتعليم أبناء هذه الأقليات العلوم الإسلامية، كما أنشأت الرابطة في مكة المكرمة معهدا لإعداد الأئمة والدعاة.
وتساعد حكومة خادم الحرمين الشريفين الرابطة في إعداد مناهج التعليم الإسلامي لتوزيعها على الأقليات المسلمة، وتدعم المملكة وتعزز جهود الرابطة في مساندة قضايا الأقليات المسلمة والدفاع عن حقوقها.(1/161)
هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية: انبثقت هذه الهيئة عن رابطة العالم الإسلامي، وبرزت للوجود عام 1398هـ (1978م) وهي هيئة شعبية تحتضنها المملكة العربية السعودية، وتحيطها برعايتها وعنايتها، ويعد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين في مقدمة من يدعمون عمل الهيئة، ويعززون جهودها، واستفادت هيئة الإغاثة من إمكانات المملكة وجهودها في دعم قضايا المسلمين والأقليات المسلمة، كما كان لموقع الهيئة في رحاب البلد الطاهر أثره في نجاح جهودها، وازدهار عملها، وامتداد أيادي الخير من أبناء بلد الخير لتدعم نشاطات الهيئة.
وتبنت هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية العديد من المشروعات الإنمائية، والإغاثية العاجلة وسط الأقليات المسلمة، وقدمت الكثير من المساعدات المالية والعينية لمن يحتاجها من أبناء المسلمين، وظلت الهيئة على الدوام إحدى الوسائط الإسلامية في إيصال دعم حكومة خادم الحرمين الشريفين إلى الأقليات المسلمة من معونات غذائية وطبية ومادية وغيرها، وحصلت هيئة الإغاثة على تسهيلات كبيرة بصورة دائمة ومستمرة لإيصال هذه المساعدات، خاصة إلى المناطق المنكوبة بالحروب أو الصراعات أو الكوارث الطبيعية، وفي كل مرة توفر حكومة خادم الحرمين الشريفين للهيئة الطائرات والسفن التي تنقل المساعدات إلى حيث يحتاجها المسلمون.
وهناك تعاون بين هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية والهلال الأحمر السعودي، ورئاسة الطيران المدني في تقديم الإغاثة العاجلة الطبية والغذاء وغيرها إلى المناطق المنكوبة في العالم الإسلامي، وخاصة مناطق اللاجئين، كما حدث في البوسنة والهرسك والشيشان وأفغانستان وكشمير وغيرها من المناطق.
الندوة العالمية للشباب الإسلامي: تأسست هذه الهيئة عام 1392هـ (1972م) كملتقى إسلامي غير رسمي يجمع جهود العاملين في حقل منظمات الشباب والطلاب المسلمين في أنحاء العالم؛ حيث توجه الندوة العالمية للشباب الإسلامي نشاطها للشباب المسلم باعتباره رصيد الأمة البشري والمؤتمن على حياتها في المستقبل، فتعمل عبر أنشطتها وجهودها المختلفة(1/162)
على تحصين هذا الشباب بالعقيدة السليمة، والفكر الإسلامي الصحيح وحمايته من التيارات الهدامة.
كما عملت المملكة العربية السعودية على إنشاء الندوة العالمية للشباب الإسلامي، فإنها تحرص على دعم أنشطتها حتى تتمكن من أداء رسالتها، وتحقيق أهدافها، وتحظى هذه الهيئة الشبابية باهتمام ودعم من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - حيث تمكنت في عهده الميمون - أيده الله - من تنفيذ العديد من برامجها ومناشطها المختلفة، وخلال العشرين عاما الماضية وعقود الخير في عهد خادم الحرمين الشريفين قدمت الندوة العالمية للشباب الإسلامي أكثر من (1000) مشروع تعليمي في القارات العالمية الخمس، بتكلفة إجمالية بلغت (100) مليون ريال، ووفرت أكثر من (15) ألف منحة دراسية بتكلفة إجمالية تقارب (20) مليون ريال، وأكثر من (20) ألف مساعدة للطلاب المسلمين، تجاوزت قيمتها ستة ملايين ونصف مليون ريال، ونظمت دورات شرعية وتأهيلية، بلغت أكثر من (3000) دورة، تكلفت أكثر من (20) مليون ريال، كما أقامت الندوة أكثر من (157) مخيما محليا وإقليميا وعالميا.
ويبلغ متوسط تكلفة المخيم المحلي (10) آلاف دولار، ومتوسط المخيم الإقليمي (25) ألف دولار، ومتوسط تكلفة المخيم العالمي (50) ألف دولار.
وتضم الندوة العالمية للشباب الإسلامي عددا من اللجان العاملة التي تعتني بشؤون المسلمين والأقليات المسلمة.
وضمن اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين بشؤون الأقليات المسلمة، نظمت الندوة العالمية للشباب الإسلامي مؤتمرها السادس للأقليات المسلمة في العالم بمدينة الرياض في الفترة من 12 إلى 17 جمادى الأولى عام 1406هـ (23 - 25 / 1 / 1986 م) ومما يدل على الاهتمام الكبير من جانب حكومة خادم الحرمين الشريفين بأوضاع الأقليات حضور صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض حفل الافتتاح، وألقى كلمة في المؤتمر أكد فيها على مساندة المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين لقضايا الأقليات المسلمة.(1/163)
[الخاتمة]
الخاتمة لا يستطيع مثل هذا الإصدار بهذا الحجم أن يستوعب جهود خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في خدمة الأقليات المسلمة في العالم، فالجهود عظيمة، والأعمال كثيرة، والمجالات عديدة، وتعجز الإصدارات عن متابعتها كما وحجما، وما قدمناه من خلال فصول هذا الإصدار إنما هي إشارات عابرة، وغيض من فيض، لم نرد من ورائه الحصر وإنما النموذج والمثال.
لقد شغلت الأقليات المسلمة مكانة بارزة في فكر وجهود خادم الحرمين الشريفين، وبادر - يحفظه الله - في كل وقت إلى مساعدتها معنويا وماديا، وحمل - أيده الله - هموم هذه الأقليات كجزء من اهتماماته الكبيرة بخدمة الإسلام والمسلمين، وكل ذلك انطلاقا من مكانة المملكة ومسؤولياتها التاريخية والإسلامية نحو المسلمين في كل مكان.
وإضافة إلى الدعم المادي والمعنوي للأقليات المسلمة، سعى خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - إلى تقوية سبل نشر الدعوة الإسلامية في كل مكان، فهو يعمل - أيده الله - على تقوية الروابط بين هذه الأقليات المسلمة بدعمه للمؤتمرات الإسلامية، والملتقيات العلمية التي تقام في أماكن وجود هذه الأقليات، بهدف ربطها بالمجتمع الإسلامي، ونشر العلم الشرعي بين أبناء المسلمين عن طريق المؤسسات العلمية والدعوية، وإقامة الدورات الشرعية، وفي واحدة من هذه العطاءات الكبيرة تبرع خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - بأربعة ملايين وخمسمائة ألف ريال لإقامة (32) دورة شرعية خلال عام 1422هـ (2001 م) ، استفاد منها المسلمون في عدد من الدول الأمريكية والآسيوية والإفريقية.
كما يوجه خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - بين الحين والآخر بتزويد عدد من الجهات والهيئات والمؤسسات الإسلامية في داخل وخارج المملكة بنسخ من القرآن الكريم، ومختلف الإصدارات العلمية(1/164)
المترجمة بلغات الأقليات المسلمة، وهي الجهود العلمية والثقافية التي تشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بمتابعة مستمرة من معالي الوزير الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ.
وإذا كانت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بصفتها مؤسسة إسلامية تقود العمل الدعوي بين الأقليات المسلمة، قد أنشئت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - وتجد الدعم والتوجيه المستمر من لدنه - أيده الله - فإن الوزارة استطاعت - وبتوجيهات ودعم خاص من خادم الحرمين الشريفين - أن تنفذ مشروعا إسلاميا رائدا، استفاد منه المسلمون في كل مكان، ومنهم الأقليات المسلمة، وهو تشغيل موقع الوزارة على الشبكة الدولية للمعلومات " الإنترنت " لخدمة الدعوة الإسلامية، وهو الموقع الذي استطاع أن يوفر للأقليات المسلمة بوجه خاص أكبر قدر من المعلومات الصحيحة عن الإسلام وتاريخه الناصع، وكذلك وضع فتاوى كبار العلماء على هذا الموقع، ونشر التعليقات ورأي علماء الإسلام في أهم القضايا العصرية، وتقدم مادة موقع الوزارة باللغتين العربية والإنجليزية.
وهكذا تتواصل جهود المملكة بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يحفظه الله - في مساعدة الأقليات المسلمة معنويا وماديا، وكانت المملكة في مقدمة الدول الإسلامية اهتماما بهذه الأقليات المسلمة، ومد جسور التواصل معها في كافة المجالات، تأكيدا للمكانة التي تشرفت بها هذه البلاد الطاهرة عندما اختارها رب العالمين مهبطا للوحي، ومقرا لمقدسات المسلمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومنطلقا للدعوة الإسلامية التي أوصلتها المملكة في العصر الحديث إلى آفاق الدنيا.
ويحسن هنا أن نختم بكلمة تاريخية لخادم الحرمين الشريفين يقول فيها: " إن مما يأتي في مقدمة أولوياتنا الحرص على تطبيق الشريعة الإسلامية، والاحتكام إليها في كل شأن من شؤوننا، لا تأخذنا في ذلك لومة لائم، وأن نكون دوما في خدمة الإسلام والمسلمين ".(1/165)
[المصادر والمراجع]
المصادر والمراجع أولا: الكتب 1 - إسماعيل أحمد ياغي، ومحمود شاكر، تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر، ج1 (قارة آسيا) ، الرياض: مكتبة العبيكان 1419هـ 1998م.
2 - إسماعيل أحمد ياغي، ومحمود شاكر، تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر، ج2 (قارة أفريقيا) ، الرياض: مكتبة العبيكان 1422هـ / 2002 م.
3 - بيير جورج، جيويوليتيقا الأقليات، ترجمة عاطف علبي، بيروت: دار العلم للملايين، 1999م.
4 - جاسم محمد الياقوت، الأيادي البيضاء، 1414 هـ / 1994 م.
5 - جميل عبد الله المصري، حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة، الرياض: مكتبة العبيكان، 1421هـ 2001 م.
6 - خالد بن عبد الله الشريهي، لمحات من إنجازات خادم الحرمين الشريفين، الرياض: دن، 1413هـ / 1993 م.
7 - دار الأفق للنشر والتوزيع، لمحات عن ثوابت السياسة السعودية، الرياض: دار الأفق للنشر والتوزيع، 1415هـ / 1995 م.
8 - دولت أحمد صادق (وآخرون) ، أطلس العالم الإسلامي، جدة: دار البيان العربي، 1422هـ / 2002 م.
9 - رابطة العالم الإسلامي، جهود خادم الحرمين الشريفين في دعم قضية القدس، مكة المكرمة: رابطة العالم الإسلامي، 1422هـ.
10 - السر سيد أحمد العراقي (وآخرون) ، تاريخ الأقليات الإسلامية في العالم، جدة: دن، 1999 م.
11 - سيد عابدين، وضياء الدين ساردار (محرران) الأقليات المسلمة في الغرب، ترجمة صفاء روماني، دمشق: دار طلاس، 1418هـ / 1998 م.
12 - شوقي أبو خليل، أطلس دول العالم الإسلامي، دمشق: دار الفكر، 1419هـ / 1999 م.
13 - صلاح الدين الشامي، وزين الدين عبد المقصود، جغرافية العالم(1/166)
الإسلامي، الإسكندرية: منشأة المعارف، 1998 م.
14 - طويق للخدمات الإعلامية، مؤتمر الأقليات الإسلامية الدعوة والأصداء، الرياض: طويق للخدمات الإعلامية، 1412هـ / 1992 م.
15 - عادل رضا، فهد بن عبد العزيز الإنسان الملك، القاهرة: دن، 1994 م.
16 - عبد الرزاق بن حمود الزهراني، المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية، الدمام: دار الذخائر، 1420 هـ / 2000 م.
17 - عبد العزيز حسين الصويغ، الإسلام في السياسة الخارجية السعودية، أوراق للنشر والإعلام، 1414 هـ.
18 - عبد الفتاح مقلد الغنيمي، الإسلام والمسلمون في جمهوريات آسيا الوسطى " الاتحاد السوفيتي سابقا "، القاهرة: دار الأمين، 1996م.
19 - عبد الله بن عبد الرحمن الخطيب، المسلمون في بنما، بيروت: دار النفائس، 1418هـ / 1997 م.
20 - عبد الله بن عبد العزيز اليحيى، المسلمون في اليابان، الرياض: دن، 1421 هـ / 2000 م.
21 - عبد الله مبشر الطرابيلي، انتشار الإسلام في العالم، ج 1، جدة: دن، 1406 هـ / 1985 م.
22 - عبد المحسن الداود، المملكة العربية السعودية وهموم الأقليات المسلمة في العالم، 1413هـ 1992م.
23 - عبد الوهاب بن أحمد عبد الواسع، الأمة الإسلامية وقضاياها المعاصرة، الرياض: دن، 1413هـ 1993م.
24 - علي المنتصر الكتاني، الأقليات الإسلامية في العالم اليوم، مكة المكرمة: مكتبة المنارة، 1408هـ / 1988 م.
25 - محمود شاكر، محنة المسلمين في كوسوفا، الرياض: مكتبة العبيكان، 1421هـ / 2000 م.
26 - مؤسسة عكاظ، المملكة ودعم الأقليات المسلمة، جدة: مؤسسة عكاظ، 1412هـ / 1992 م.
27 - وزارة الإعلام، هذه بلادنا، الرياض: وزارة الإعلام، 1417هـ 1996م.
28 - وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، من جهود المملكة في الدعوة إلى الله، 1419هـ.
29 - وفاء فايد، الأمة الإسلامية في عصر خادم الحرمين الشريفين، 1409هـ / 1989 م.
ثانيا: الدوريات 1 - جريدة الجزيرة، 24 جمادى الأولى 1404هـ.
2 - جريدة الشرق الأوسط، 25 صفر 1407هـ.
3 - جريدة اليوم، 26 جمادى الأولى 1404هـ.
4 - مجلة التضامن الإسلامي، رمضان 1412هـ.
5 - مجلة التضامن الإسلامي، جمادى الآخرة 1412هـ
6 - مجلة الحرس الوطني، ربيع الأول 1423هـ.
7 - مجلة الحرس الوطني، ذو القعدة 1422هـ.
8 - مجلة الحرس الوطني، ربيع الآخر 1419هـ.
9 - مجلة الحرس الوطني، شوال 1413هـ.
10 - مجلة الخيرية (الكويت) ، جمادى الأولى 1417هـ.
11 - المجلة العربية، المحرم 1420هـ.
12 - مجلة الفيصل، جمادى الأولى 1419هـ.
13 - مجلة الفيصل، جمادى الأولى 1418هـ.
14 - مجلة المستقبل الإسلامي، جمادى الأولى 1418 هـ.(1/167)